You are on page 1of 30

1

2
‫الديوث‬

‫إعداد‬
‫الدكتور أبو فاطمة عصام الدين بن إبراهيم النقيلي‬

‫‪3‬‬
4
5
‫يا ناظ ًرا في َما عمدتُ لجمعـــــــــ ِه * عذ ًرا فإنَّ َ‬
‫أخا البصير ِة يعـــــــــذ ُر‬
‫لو بل َغ المـــ َدى * في العُم ِر القَى الموتَ وه َو مق ِّ‬
‫ص ُر‬ ‫واعل ْم بأنَّ المر َء ْ‬
‫باب التَّجاو ِز فالتَّجاو ُز أجـــــــــــد ُر‬ ‫فإذا ظفرتَ بزلَّ ٍة فا ْف ْ‬
‫تح لــــــــــ َها * َ‬
‫ِّ (‪)1‬‬
‫ومن المحا ِل بأن ن َرى أح ًدا ح َوى * ُكن َه ال َكما ِل و َذا ه َو المتعــــــــــــذ ُر‬‫َ‬

‫‪- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- --- -- --- -- --- -- --- --- --‬‬

‫اس ُم ْب ُن أَ ْح َم َد األَ ْن َدلُ ِ‬


‫س ُّي ‪ ،‬كتاب "أسنى المقاصد وأعذب الموارد"‪.‬‬ ‫(‪َ )1‬علَ ُم الدِّي ِن ا ْلقَ ِ‬

‫‪6‬‬
‫ِِ‬
‫أَعُوذُ بِاهلل م َ‬
‫ن الشَّيْطَا ِن‬

‫الرحِي ِم‬
‫الر ْحمَ ِن َّ‬ ‫الرجِي ِم بِس ِم ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬
‫ض َو ِب َما أَنفَقُوا‬ ‫ضهُ ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ّللاُ بَ ْع َ‬‫ض َل َّ‬ ‫سا ِء بِ َما فَ َّ‬
‫ون َعلَى النِّ َ‬ ‫ال ِّر َجا ُل قَ َّوا ُم َ‬
‫ّللاُ ۚ َو َّ‬
‫الَّلتِي‬ ‫ب بِ َما َح ِفظَ َّ‬
‫ظات لِّ ْل َغ ْي ِ‬ ‫صالِ َحاتُ قَانِتَات َحا ِف َ‬ ‫ِمنْ أَ ْم َوا ِل ِه ْم ۚ فَال َّ‬
‫اض ِربُوهُنَّ ۚ فَإِنْ‬ ‫ضا ِج ِع َو ْ‬ ‫ون نُشُو َزهُنَّ فَ ِعظُوهُنَّ َواه ُْج ُروهُنَّ فِي ا ْل َم َ‬ ‫ت ََخافُ َ‬
‫ان َعلِيًا َكبِي ًرا[النساء‪.]43 :‬‬ ‫سبِ ًيَّل ۚ إِنَّ َّ‬
‫ّللاَ َك َ‬ ‫أَطَ ْعنَ ُك ْم فَ ََّل تَ ْبغُوا َعلَ ْي ِهنَّ َ‬

‫‪7‬‬
‫اإلهداء‬

‫أهدي هذا العمل البسيط إلى كل رجل مسلم غيور على دينه وأهله‬
‫وعرضه‪.‬‬
‫أهدي هذا العمل البسيط إلى المتشبهين بسلفنا الصالح‪.‬‬
‫أهدي هذا العمل البسيط إلى أهل السنَّة والجماعة عا َّمة‪.‬‬
‫أهدي هذا العمل البسيط إلى كل امرأة عرفت قدرها وصانت بعلها‪،‬‬
‫وسمعت وأطاعت في ما يرضي ّللا تعالى‪ ،‬وأدت حقوق زوجها على قدر‬
‫طاقتها‪ ،‬واتقت ّللا فيه‪ ،‬وعلمت أن ال سبيل إلى مرضاة ّللا تعالى َّإال عن‬
‫طريق مرضاة بعلها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ِّ‬
‫مقدمةٌ‬
‫ونعوذ باهللِ منْ شرو ِر أنفسنَا‬ ‫ُ‬ ‫إنَّ الحم َد هللِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ‬
‫ي لهُ‪،‬‬ ‫فَّل هاد َ‬ ‫فَّل مض َّل لهُ ومنْ يضل ْل َ‬ ‫ت أعمالنَا‪ ،‬منْ يهد ِه ّللاُ َ‬ ‫ومنْ سيِّئا ِ‬
‫وأشه ُد أنَّ َال إلَهَ َّإال ّللاُ وحدهُ َال شري َك لهُ وأشه ُد أنَّ مح َّم ًدا عبدهُ‬
‫ورسولهُ ‪.‬‬
‫ون‬
‫سلِ ُم َ‬‫ّللاَ َحق تُقَا ِت ِه َو َالتَ ُموتُنَّ إِ َّال َوأَنتُم ُّم ْ‬ ‫يَا أَيُّ َها الَّ ِذين آ َمنُوا اتَّقُوا َّ‬
‫[آل عمران‪.]101 :‬‬
‫ق ِم ْن َها َز ْو َج َها‬ ‫س َّوا ِح َد ٍة َو َخلَ َ‬ ‫اس اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُكم ِّمن نَّ ْف ٍ‬ ‫يَا أَ ُّي َها النَّ ُ‬
‫سا َءلُون بِ ِه َو ْاألَ ْر َحا َم إِنَّ‬ ‫ّللاَ الَّ ِذي تَ َ‬ ‫سا ًء َّواتَّقُوا َّ‬ ‫ث ِم ْنهُ َما ِر َجا ًال َكثِي ًرا َّونِ َ‬ ‫و بَ َّ‬
‫ان َعلَ ْي ُكم َرقِيبًا[النساء‪.]1 :‬‬ ‫َّ‬
‫ّللاَ َك َ‬
‫ّللاَ َوقُولُوا قَ ْو ًال َ‬
‫س ِدي ًدا‬ ‫ين آ َمنُوا اتَّقُوا َّ‬ ‫صلِ ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُكم *يَاأَيُّ َها الَّ ِذ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ظي ًما[األحزاب‪- 00 :‬‬ ‫سولَهُ فَقَ ْد فَا َز فَ ْو ًزا َع ِ‬ ‫َويَ ْغفِ ْرلَ ُكم ُذنُوبَ ُك ْم َو َمنْ ُّي ِط ِع َّ‬
‫ّللاَ َو َر ُ‬
‫‪.]01‬‬
‫ي مح َّم ٍد‬ ‫الهدي هد ُ‬
‫ِ‬ ‫كتاب ّللاِ تعالَى‪ ،‬وخي ُر‬
‫ُ‬ ‫ث‬
‫ق الحدي ِ‬ ‫أ َّما بعدُ‪" :‬فإنَّ أصد َ‬
‫وشر األمو ِر محدثات َها‪ ،‬وك َّل محدث ٍة بدع ٍة‪ ،‬وك َّل بدع ٍة ضَّلل ٍة‪ ،‬وك َّل‬ ‫ُّ‬ ‫‪،‬‬
‫ضَّلل ٍة فِي النَّا ِر(‪.)1‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫ي محم ٍد ‪ ،‬وش َّر األمو ِر ُمحدثاتُها‪ ،‬وك َّل‬


‫الهدي هد ُ‬
‫ِ‬ ‫كتاب ّللاِ‪ ،‬وإنَّ أفض َل‬ ‫ُ‬ ‫ث‬
‫ق الحدي ِ‬ ‫(‪ )1‬أما بع ُد فإنَّ أصد َ‬
‫ُمحدَث ٍة بدعة‪ ،‬وك َّل بدع ٍة ضَّللة‪ ،‬وك َّل ضَّلل ٍة في النَّا ِر أتتْكم الساعةُ بغتةً ‪ -‬بُ ِعثتُ أنا والساعةُ هكذا ‪-‬‬
‫ماال فألهلِه ‪ -‬ومن ترك َد ْينا أو‬ ‫نفسه ‪ -‬من ترك ً‬‫مؤمن من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صبحتْكم الساعةُ ومستْكم ‪ -‬أنا أولى بك ِّل‬ ‫َ‬
‫ولي المؤمنين‪.‬‬ ‫ضياعًا فإل َّي وعل َّي ‪ -‬وأنا ُّ‬
‫َ‬
‫الراوي ‪ :‬جابر بن عبدّللا‪ ،‬المصدر ‪ :‬صحيح الجامع‪ ،‬الرقم‪.1434 :‬‬
‫التخريج ‪ :‬أخرجه النسائي في (المجتبى) (‪ ،)111 /4‬وأحمد (‪ )410 /4‬باختَّلف يسير‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وبعد‪ :‬فإنَّ الفطرة السليمة والجبلَّة األصليَّة في اإلنسان هي الغيرة على‬
‫أهله‪ ،‬فقد كان سلفنا الصالح أشد الناس غيرة على نسائهم‪ ،‬وكيف ال‬
‫وغيرة الرجل على نسائه هي مظهر من مظاهر الرجولة ألنَّها تتجلَّى في‬
‫صيانة العرض وحفظ الحرمات‪ ،‬فضَّل على أنَّ الغيرة مأمور بها شرعا‬
‫تصريحا وتلويحا‪ ،‬فقد كان سلفنا الصالح يتباهون بغيرتهم‪ ،‬بل كانت‬
‫نساؤهم تتباهى بغيرة رجالهم عليهم‪ ،‬وكان الحال كذلك حتى ترك‬
‫المسلمين دينهم بتقليدهم لدول االستعمار‪ ،‬الذي ما انف َّك يهاجم اإلسَّلم‬
‫بحجة المساوات بين‬ ‫فلم يجد له سبيَّل َّإال عن طريق نساء المسلمين‪َّ ،‬‬
‫الذكر واألنثى في الحقوق‪ ،‬فما خرج االستعمار من بعض دول المسلمين‬
‫حتى ر َّكز فيهم عقائده المنحطَّة التي تتمحور في حريَّة المرأة الذي‬
‫بدورها انج َّر عنها تع ِّري النساء بكل معنى الكلمة‪ ،‬فابتدروا بنزع النقاب‬
‫وذلك عن طريق مشايخ الضَّلل الذين أفتوا في ذلك في عصر الفتنة‪،‬‬
‫والصحيح أنَّه حتَّى ولو كان في وجوب النقاب خَّلف فهو في وقت الفتنة‬
‫ضرورة‪ ،‬ث َّم كان بعد ذلك طلب استقَّلل المرأة عن تبعيَّة ال َّرجل‪،‬‬‫واجب بال َّ‬
‫فمنع من أمرها ونهيها‪ ،‬فقد كان الرجال حينها فيهم شيأ من الغيرة‬
‫ولكنَّهم قيِّدوا بالتخويف والترهيب‪ ،‬ثم كان بعد ذلك منع الحجاب الشرعي‬
‫جملة وتفصيَّل‪ ،‬بل أصبح القانون يعاقب عليه وال زال األمر إلى اآلن في‬
‫بعض الدول‪ ،‬فع َّرت المرأة شعرها‪ ،‬فكان األمر كذلك حتى دخل عليهم ما‬
‫يُس ُّمون بالفنَّانين‪ ،‬فزادوا الطين بلَّة‪ ،‬فأرادت المرأة المسلمة تقليد‬
‫الفنانين في اللباس‪ ،‬بدعم من زعم ح َّرية المعتقد واللباس والمساوات‬
‫بين الجنسين‪ ،‬ومعاقبة القانون على نهي المرأة بالعنف‪ ،‬فنشأ بعد ذلك‬
‫جيل جديد لم يرى أصل المرأة الحييَّة الديِّنة‪ ،‬فضاعت جبَّلته وفطرة‬
‫السليمة‪ ،‬بين بحور ضَّلالت التقليد‪ ،‬وبين مجتمع ال ينكر على المرأة‬
‫شيأ‪ ،‬فكان األمر ع نده سيان‪ ،‬بل وصل األمر إلى التنكير على المرأة‬
‫الرجال في بعض‬ ‫المحجبة الساترة لبدنها‪ ،‬وبقى الحال كذلك حتَّى صار ِّ‬‫َّ‬
‫الدول اإلسَّلميَّة ال يهت ُّمون بلباس زوجاتهم وبناتهم‪ ،‬بل يشترون لهم‬
‫ذلك اللباس المغري الفتَّان للرجال ويتباهون بذلك‪ ،‬بل يحملون بناتهم‬
‫للبحار كي يسبحن عراة‪ ،‬وال حول وال ق َّوة إلى باهلل العلي العظيم‪ ،‬ونسوا‬

‫‪10‬‬
‫للديوث‪ ،‬بقوله‪" :‬ثَّلث ال يدخلون الجنةَ وال ينظ ُر‬ ‫وعيد رسول ّللا‬
‫ق وال َديه والمرأةُ المترجلةُ المتشبهةُ بالرجا ِل‬
‫ّللاُ إليهم يو َم القيام ِة العا ُّ‬
‫والديوث‪ ،)1("...‬فيا ويح هؤالء من غضب ّللا تعالى‪ ،‬فهذا داء عضال‬ ‫ُ‬
‫وال يصاب به َّإال عديم المروءة فيعجب المرء حين يرى هؤالء من أشباه‬
‫الرجال يشترون لنسائهم الثياب التي تكشف أكثر مما تستر‪ ،‬وتشف‬
‫وتصف مفاتن الجسد وهو فرح باطَّلع الناس على عورات نسائه ومن‬
‫واله ّللا أمرهن‪ ،‬مفاخر بتحررهنَّ من العفة والفضيلة وسيرهنَّ في‬
‫طريق الفاحشة والرذيلة‪ ،‬ومثل هذا ميت في لباس األحياء‪ ،‬ول َّما كثر هذا‬
‫األمر في بلد المسلمين حتى اعتادوه ونبَّه المشايخ على األمر حتَّى‬
‫نسوه‪ ،‬ث َّم تهاونوا في هذا الموضوع حتَّى أضاعوه‪ ،‬فأردت تجديد الذكر‬
‫لعلَّهم يتداركون ما وراء أظهرهم رموه‪ ،‬فكتبت هذه الصفحات في غضب‬
‫وسرعة وحرقة في القلب تكاد تقتلني ودمع حبسه الغضب على حال‬
‫المسلمين‪ ،‬حتَّى أنَّه وّللا العظيم إنَّ إماما أعرفه يصلي بالناس وابنته‬
‫شبه عارية متبرجة‪ ،‬فَّل نهاها وال تب َّرأ منها‪ ،‬فمن المعلوم أنَّه يوجد في‬
‫هذا الزمان رجال مستضعفون لكن ّللا لم يجعل لنا في الدين من حرج‪،‬‬
‫سع برحمة من ّللا تعالى‪ ،‬فإن كان الرجل مستظعفا‬ ‫فكل ما ضاق األمر ُو ِّ‬
‫تحت وطأة القوانين الفسقيَّة‪ ،‬فله أن يتبرأ بقلب مخلص‪ ،‬ولكن هيهات‬
‫هيهات‪ ،‬إنَّ البراءة ال تكون َّإال من قاوم وجاهد وحاول مرارا وتكرارا‪،‬‬
‫حتَّى انقطعت به السبل‪ ،‬فهذا مأجور على في سعيه‪ ،‬وال يتصف بأي‬
‫وصف من أوصاف الديَّاثة‪ ،‬فنسأل ّللا تعالى العفو والعافية والسَّلمة في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأسأله سبحانه أن يقبل مني هذا العمل البسيط فإنَّه جواد‬
‫كريم رحيم‪.‬‬

‫وكتب‪ :‬الدكتور أبو فاطمة عصام الدين‬


‫‪------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬مسند أحمد ‪.0110‬‬

‫‪11‬‬
‫فصول الكتاب‪:‬‬
‫‪ – 1‬تعريف الديوث لغة واصطَّلحا‪.‬‬
‫‪ – 1‬أحاديث وأخبار في ذم الدياثة‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ – 4‬غيرة رسول ّللا‬
‫‪ – 3‬غيرة الصحابة رضوان ّللا عليهم‪.‬‬
‫‪ – 3‬غيرة المسلمين‪.‬‬
‫‪ – 0‬هل الديوث مؤمن؟‬
‫‪ – 0‬كيفيَّة استحَّلل الدياثة‪.‬‬
‫‪ – 1‬أنواع الديوث‪.‬‬
‫‪ – 9‬الفرق بين الديوث والشاذ‪.‬‬
‫‪ – 10‬هل للديوث بأنواعه من توبة؟‬
‫‪ – 11‬عذاب الكاسيات العاريات‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الديوث لغة‪:‬‬
‫الديوث‪ :‬صفة مشبه من اسم الفاعل للفعل َ‬
‫داث‪.‬‬
‫والديُّوث‪ :‬صفة مشبَّهة تدل على الثبوت من َ‬
‫داث‪.‬‬
‫والدِّياثة‪ :‬مصدر داث‪.‬‬
‫وداث يديث ديثا إذ الن وسهل‪.‬‬
‫سهُ َل وا ْنقاد‪.‬‬‫ث فَّلنا‪ :‬ذلَّـلَهُ حتى الن و َ‬
‫تقول‪َ :‬دي َ‬
‫واإلنسان‪ :‬ذلـَلَهُ بعض التَّ ْذلِيل(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫يوان‬
‫الح َ‬ ‫ث َ‬ ‫و َدي َ‬
‫والديوث ملقَّب بالقنذع‪ :‬والقنذع والقنذوع كله‪ :‬الديوث‪ ،‬وهي سريانية‬
‫ليست بعربية محضة‪ ،‬وقد يقال بالدال المهملة‪.‬‬
‫وفي حديث وهب‪ :‬ذلك القنذع هو الديوث الذي ال يغار على أهله‪.‬‬
‫قال األزهري‪ :‬وهذا راجع في المخازي والقبائح(‪.)1‬‬
‫فلو تَّلحظ أنَّ كلمة الديوث في اللغة تجمع معاني الذل واالنقياد والخزي‬
‫والقبح‪ ،‬وال يبعد التعريف اللغوي عن التعريف االصطَّلحي‪.‬‬
‫الديوث اصطَّلحا‪:‬‬
‫الديوث‪ :‬أخذ شهرته من تعريفه الشرعي في اإلسَّلم‪ ،‬ويتصور كثيرون‬
‫أنه يكافئ القواد‪ ،‬وهو ليس كذلك‪ ،‬فالقواد هو من يدير عمل العاهرة‬
‫سواء كانت قريبة له أم ال‪ ،‬أما الديوث فهو شرعا‪" :‬من يرضى الفجور‬
‫في أهله حتى لو لم يكن هذا الفجور زنا‪ ،‬وقال ابن منظور‪ :‬الديوث هو‬
‫الذي ال يغار على أهله(‪.)4‬‬
‫‪----------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬المعجم الوسيط مادة داث‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصر‪ ،‬جامع المعاني‪ ،‬القاموس المحيط‪،‬‬
‫(‪ )1‬لسان العرب ‪.191‬‬
‫(‪ )4‬لسان العرب ‪.330/3‬‬

‫‪13‬‬
‫فالدَّيوث اختصارا هو‪ :‬من رضى بفجور أهله‪ ،‬وقد أخطأ البعض في‬
‫تعريفهم الدياثة حيث قيَّدوها بممارسة الجنس صراحة مع رضائه‪ ،‬وهذا‬
‫غير صحيح فالديوث هو الراضي بفجور أهله بأي نوع من أنوا الفجور‪،‬‬
‫فقد وصف الشرع المتبرجة بالزانية فقد قال النبي ‪" :‬أيما امرأ ٍة‬
‫قوم ليجدوا من ري ِحها فهي زانية"(‪.)1‬‬
‫استعطرتْ فمرتْ على ٍ‬
‫يصف المرأة المتعطِّرة قصد جلب اتنباه الرجال بالزنا‪،‬‬ ‫فها هو النبي‬
‫ومن المعلوم أنَّ األلفاظ الشرعيَّة تؤخذ على ظاهرها‪ ،‬فلو قلت إنَّها زانية‬
‫على الحقيقة لصدقت‪ ،‬ولو قلت أنَّها ستحاسب على الزنا يوم القيامة مع‬
‫أنَّها لم تزنا حقيقة لصدقت‪ ،‬ولو قلت أنَّ من رضا من أهلها بذلك فهو‬
‫ديوث لصدقت‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن كانت المتعطِّرة زانيَّة فمن باب أولى المتبرجة‪ ،‬ومن باب‬
‫أولى من ع َّرت من جسمها أكثر مما سترت‪ ،‬فلو حق القول على الراضي‬
‫طر أهله والخروج كذلك بأنَّ فيه من الدياثة‪ ،‬فمن باب أولى من رضى‬ ‫بتع ُّ‬
‫بتبرج أهله وعدم اإلنكار عليهم‪ ،‬فهذا النوع هو ديوث خالص‪.‬‬

‫وعيد الشارع للديوث‪:‬‬


‫قد توعد الشارع أهل الدياثة في أكثر من موقع في الكتاب والسنَّة فمن‬
‫س ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ْم نَا ًرا َوقُو ُد َها‬
‫ين آ َمنُوا قُوا أَنفُ َ‬ ‫ذلك قوله تعالى‪" :‬يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ّللاَ َما أَ َم َرهُ ْم‬
‫ون َّ‬‫ص َ‬ ‫ارةُ َعلَ ْي َها َم ََّلئِ َكة ِغ ََّلظ ِ‬
‫ش َداد َّال يَ ْع ُ‬ ‫اس َوا ْل ِح َج َ‬
‫النَّ ُ‬
‫ون"[التحريم‪.]0 :‬‬ ‫ون َما يُ ْؤ َم ُر َ‬ ‫َويَ ْف َعلُ َ‬
‫قال الطبري‪ :‬وقوله‪َ ( :‬وأَ ْهلِي ُك ْم نَا ًرا) يقول‪ :‬وعلموا أهليكم من العمل‬
‫بطاعة ّللا ما يقون به أنفسهم من النار‪ ،‬وعن علي بن أبي طالب رضى‬
‫ارةُ)‬ ‫اس َوا ْل ِح َج َ‬ ‫س ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ْم نَا ًرا َوقُو ُد َها النَّ ُ‬
‫ّللا عنه في قوله‪( :‬قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫قال‪ :‬علِّموهم‪ ،‬وأدبوهم(‪.)1‬‬
‫واألولى بالعناية في األهل هم النساء فهن أكثر عرضة للفتن من الذكور‬
‫ص َّد ْق َن؛ فإنِّي َرأَ ْيتُ ُكنَّ أ ْكثَ َر أ ْه ِل النَّا ِر‪.‬‬ ‫ش َر النِّ َ‬
‫سا ِء‪ ،‬تَ َ‬ ‫قال النبي ‪" :‬يا َم ْع َ‬

‫‪14‬‬
‫شي َر‪ ،‬ما‬ ‫فَقُ ْل َن‪ :‬وبِ َم ذل َك يا َرسو َل َّ‬
‫ّللاِ؟ قَا َل‪ :‬تُ ْكثِ ْر َن اللَّ ْع َن‪ ،‬وتَ ْكفُ ْر َن ال َع ِ‬
‫إح َدا ُكنَّ "(‪.)4‬‬‫الحا ِز ِم ِمن ْ‬ ‫ب لِلُ ِّب ال َّر ُج ِل َ‬ ‫ت َع ْق ٍل و ِدي ٍن ْأذ َه َ‬ ‫َرأَ ْيتُ ِمن نَاقِ َ‬
‫صا ِ‬
‫صحابيَّات وهن من خيرة خلق ّللا تعالى‪،‬‬ ‫فلو تَّلحظ أنَّ الكَّلم هنا عن ال َّ‬
‫الرجا ِل َكثِير‪ ،‬ولَ ْم يَ ْك ُم ْل‬‫فما بالك بمن هن دونهن‪ ،‬وبه قال ‪َ " :‬ك َم َل ِم َن ِّ‬
‫شةَ‬ ‫ض ُل عائِ َ‬ ‫سيَةُ ا ْم َرأَةُ فِ ْر َع ْو َن‪ ،‬وفَ ْ‬
‫ران‪ ،‬وآ ِ‬ ‫ِم َن النِّسا ِء َّإال َم ْريَ ُم ب ْنتُ ِع ْم َ‬
‫عام"(‪.)3‬‬ ‫ض ِل الثَّ ِري ِد علَى سائِ ِر الطَّ ِ‬ ‫علَى النِّسا ِء َكفَ ْ‬
‫وفي روايات أخرى ذكر معهما خديجة وفاطمة‪ ،‬وعلى العموم فقد انتفى‬
‫الكمال عن المرأة َّإال عن عدد قليل منهم‪ ،‬وت َّم الكمال عند كثير من‬
‫الرجال إال عن عدد قليل منهم‪ ،‬والكمال المقصود هنا هو كمال الدين‪،‬‬
‫فالواجب على العاقل أنْ يهت َّم بنسائه بالتأديب كي يقي نفسه وإيَّاهن من‬
‫النَّار‪.‬‬
‫فقد قال النبي ‪" :‬ثَّلثة قد ح َّرم ّللاُ عليه ُم الجنةَ‪ُ ،‬مدمنُ الخم ِر‪،‬‬
‫ث"(‪.)3‬‬ ‫قر في أهل ِه الخبَ َ‬ ‫وث الذي يُ ُّ‬ ‫والعاقُّ‪ ،‬والد ُّي ُ‬
‫ق لوالِ َدي ِه‪،‬‬‫ّللاُ ع َّز وج َّل إليهم يو َم القيام ِة؛ العا ُّ‬ ‫وقال ‪ :‬ثَّلثة ال ينظ ُر َّ‬
‫ق لوالِ َدي ِه‪،‬‬ ‫لون الجنَّةَ؛ العا ُّ‬‫يدخ َ‬ ‫وث‪ ،‬وثَّلثة ال ُ‬ ‫المترجلةُ‪ ،‬وال َّديُّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫والمرأةُ‬
‫والمد ِمنُ على الخم ِر‪ ،‬والمنَّانُ بما أعطى"(‪.)0‬‬
‫وقال في ما يرويه عن ربه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وعزتى ال يسكنها مدمن خمر‬
‫وال ديوث قالوا‪ :‬يا رسول ّللا وما الديوث؟ قال‪ :‬من يقر السوء في‬
‫أهله(‪.)0‬‬
‫‪------------------------ -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪)1‬رواه النسائي عن أبي موسى األشعري ‪.3131‬‬


‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخري ‪ ،1301‬ومسلم ‪.10‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري ‪.4009‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في مسنده حسن اإلسناد بكثرة الطرق وصحيح المتن‪.‬‬
‫(‪ )0‬رواه النسائي عن عبد ّللا عمر ‪.1301‬‬
‫(‪ )0‬رواه الخرائطى في مساوئ األخَّلق عن عبدّللا بن الحارث بن نوفل‪ ،‬وعبدّللا بن الحارث بن نوفل‬
‫تابعى ثقة ولد في عهد النبي صلى ّللا عليه وسلم وروى عنه مرسَّلً‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فهذا ك ُّله وعيد للدَّيوث بالخزي والعار في الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬حتَّى أنَّ‬
‫بعض المجتمعات من غير المسلمين كانوا ال يرضون بهذا‪ ،‬فها هي‬
‫الصين ترفض كل أوجه الدياثة‪ ،‬ففي الثقافة الصينية‪ ،‬ترمز القبعة‬
‫الخضراء للديوث‪ ،‬فقد كان في السابق لزاما ً على أسرة العاهرات ارتداء‬
‫القبع الخضراء لتمييزهم عن غيرهم‪ ،‬لذا ال زال الصينيون يمتنعون تماما ً‬
‫عن ارتداء القبع التي يوجد بها أي أثر للون األخضر‪ ،‬حتى عند‬
‫اشترائهم األزياء الغربية‪ ،‬فهذا الحال عند الصينيَّين‪ ،‬بل كان أهل‬
‫الجاهليَّة تملؤهم الغيرة فيدفنون بناتهم في التراب خشية السبي‪ ،‬حتَّى‬
‫سئِلَتْ‬ ‫أنزل ّللا تعالى فيهم بعد اإلسَّلم آياته فقال تعالى‪َ " :‬وإِ َذا ا ْل َم ْو ُءو َدةُ ُ‬
‫ب قُتِلَتْ "[التكوير‪ ،]9 – 1 :‬فقد كانوا يدفنون بناتهم أحياء خشية أن‬ ‫ي َذن ٍ‬ ‫* بِأ َ ِّ‬
‫ق بسبب دين أبيها أو تسبى بسبب الحرب‪ ،‬فغيرةً على عرضه كان‬ ‫تُستر َّ‬
‫يدفنها‪ ،‬نعم هذا العمل غاية في البشاعة‪ ،‬وقد جاء اإلسَّلم ومنع هذا‬
‫اإلجرام‪ ،‬ولكن مع ذلك أ َّكد الشارع الحنيف وجوب طاعة النساء لبعولهنَّ‬
‫والبنات ألبائهن‪ ،‬وأكد على غيرة الرجال على أعراضهم فقد قال النبي‬
‫ُون ِدينِ ِه فه َو شَهيد‪ ،‬و َمنْ‬ ‫ُون مالِ ِه فه َو شَهيد‪ ،‬و َمنْ قُتِ َل د َ‬ ‫‪َ " :‬منْ قتِ َل د َ‬
‫ُون أهلِ ِه فه َو شَهيد"(‪.)1‬‬ ‫ُون َد ِم ِه فه َو شَهيد‪ ،‬و َمنْ قُتِ َل د َ‬ ‫قُتِ َل د َ‬
‫وهذا تشجيع على فضيلة الغيرة بأن أهداه ّللا تعالى فضل الشهادة إن‬
‫مات دون عرضه‪.‬‬
‫ون نُشُو َزهُنَّ‬ ‫الَّلتِي ت ََخافُ َ‬ ‫وقد أمر ّللا تعالى بتأديب النساء فقال تعالى‪َ " :‬و َّ‬
‫اض ِربُوهُنَّ ۚ فَإِنْ أَطَ ْعنَ ُك ْم فَ ََّل تَ ْبغُوا‬ ‫ضا ِج ِع َو ْ‬‫فَ ِعظُوهُنَّ َواه ُْج ُروهُنَّ فِي ا ْل َم َ‬
‫ان َعلِيًا َكبِي ًرا"[النساء‪ ،]43 :‬فقد أمر ّللا المسلم أن‬ ‫سبِ ًيَّل ۚ إِنَّ َّ‬
‫ّللاَ َك َ‬ ‫َعلَ ْي ِهنَّ َ‬
‫يعض زوجته فإن أبت يهجرها في المضجع‪ ،‬فإن أبت يضربها‪ ،‬وكل هذا‬
‫لمج َّرد النشوز وهو االستعَّلء‪ ،‬قال الطبري في شرح اآلية‪ :‬استعَّلءهن‬
‫على أزواجهن‪ ،‬وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن‪ ،‬والخَّلف‬
‫عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه‪ ،‬بغضا منهن وإعراضا عنهم‪ ،‬وأصل‬
‫النشوز االرتفاع‪ ،‬ومنه قيل للمكان المرتفع من األرض نشز ونشاز(‪.)1‬‬ ‫‪------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه الترمذي عن سعيد بن زيد ‪.1311‬‬


‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وقال النبي ‪ " :‬فإنْ ف َع ْل َن ذلك فاض ِربوهنَّ ضربًا غي َر ُمبَ ِّر ٍ‬
‫ح‪ ،‬ولهنَّ‬
‫بالمعروف"(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫عليكم ِرزقُهنَّ و ِكسوتُهنَّ‬
‫فكل ما سبق ذكره هو لمج َّرد النشوز أال وهو استعَّلء المرأة على زوجها‬
‫فما بال أقوام تخرج نساؤهم أنصاف عاريات وال يحرك ساكنا وال يغار‪،‬‬
‫ورب األرباب سبحانه وتعالى يغار‪ ،‬وخير خلقه ‪ ،‬وخير الخلق بعد‬
‫األنبياء والرسل صحابة الرسول يغارون‪ ،‬والمؤمنون الصادقون‬
‫يغارون‪.‬‬

‫غيرة ّللا تعالى‪:‬‬


‫قال رسول ّللا ‪" :‬ال أحد أغير من ّللا فلذلك حرم الفواحش ما ظهر‬
‫منها وما بطن"(‪.)1‬‬
‫وقال ‪ :‬إن ّللا يغار‪ ،‬وإن المؤمن يغار‪َ ،‬و َغ ْي َرةُ ّللا أن يأتي المؤمن ما‬
‫حرم عليه(‪.)4‬‬
‫وقال ‪ " :‬المؤمن يغار وّللا أشد َغ ْي ًرا"(‪.)3‬‬
‫وقال ‪ :‬يا أمة محمد‪ ،‬ما أحد أغير من ّللا أن يرى عبده أو أمته‬
‫تزني(‪.)3‬‬

‫‪:‬‬ ‫غيرة رسول ّللا‬


‫النبي مع رحمته ورقته وطيبته أشد خلق ّللا غيرة على‬ ‫ُّ‬ ‫فقد كان‬
‫نسائه‪ ،‬فعن عائشة رضي ّللا عنها قالت‪ :‬دخل علي رسول ّللا‬
‫وعندي رجل قاعد‪ ،‬فاشت َّد ذلك عليه‪ ،‬ورأيت الغضب في وجهه‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول ّللا‪ ،‬إنَّه أخي من الرضاعة‪ ،‬قالت‪ :‬فقال‪ :‬انظرن إخوتكن‬
‫من الرضاعة‪ ،‬فإنما الرضاعة من المجاعة(‪.)0‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬صحيح رواه تالطبري في تفسيره‪.‬‬


‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1099 /3‬ومسلم ‪.1114 /3‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ‪.1113 /3‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم ‪.1113 /3‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1001 /3‬ومسلم ‪.011 /1‬‬
‫(‪ )0‬رواه البخاري ( ‪ )1030‬ومسلم ‪.1333‬‬

‫‪17‬‬
‫س ْع ُد بنُ ُعبَا َدةَ‪ :‬لو َرأَ ْيتُ َر ُج ًَّل مع ا ْم َرأَتي‬ ‫وقال المغيرة بن شعبة‪ :‬قا َل َ‬
‫ح ع ْنه‪ ،‬فَبَلَ َغ ذل َك َرسو َل ّللاِ ‪ ،‬فَقا َل‪:‬‬ ‫ف َغ ْي ُر ُم ْ‬
‫صف ِ ٍ‬ ‫س ْي ِ‬ ‫لَ َ‬
‫ض َر ْبتُهُ بال َّ‬
‫ّللاُ أَ ْغيَ ُر ِمنِّي(‪.)1‬‬
‫ّللاِ ألَنَا أَ ْغ َي ُر منه‪َ ،‬و َّ‬
‫س ْع ٍد‪ ،‬فَ َو َّ‬
‫ون ِمن َغ ْي َر ِة َ‬ ‫أَتَ ْع َجبُ َ‬
‫غيرة الصحابة‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد ّللا رضي ّللا عنهما قال‪ :‬قال النبي ‪ :‬رأيتني دخلت‬
‫شفَةً‪( ،‬أي‪ :‬حركة)‬
‫صاء امرأة أبي طلحة‪ ،‬وسمعت َخ َ‬ ‫بالر َمي َ‬
‫الجنة فإذا أنا ٌّ‬
‫فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬هذا بَّلل‪ ،‬ورأيت قص ًرا بفنائه جارية‪ ،‬فقلت‪ :‬لمن‬
‫هذا؟ فقالوا‪ :‬لعمر‪ ،‬فأردت أن أدخله فأنظر إليه‪ ،‬فذكرت غيرتك‪ ،‬فوليت‬
‫ُمدبِ ًرا‪ ،‬فبكى عمر وقال‪ :‬بأبي وأمي يا رسول ّللا‪ ،‬أعليك أغار؟! أي‪:‬‬
‫أعليها أغار منك؟(‪.)1‬‬
‫وعن المغيرة قال سعد بن عبادة‪ :‬لو رأيت رجَّلً مع امرأتي لضربته‬
‫بالسيف غير مصفح‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ّللا فقال‪ :‬تعجبون من غيرة‬
‫سعد! وّللا ألنا أغير منه‪ ،‬وّللا أغير مني‪ ،‬ومن أجل غيرة ّللا حرم‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن(‪.)4‬‬
‫وفي رواية‪ :‬قالوا‪ :‬يا رسول ّللا‪ ،‬ال تلمه؛ فإنه رجل غيور‪ ،‬وّللا ما تزوج‬
‫امرأة قط إال بكراً‪ ،‬وما طلق امرأة له قط‪ ،‬فاجترأ رجل منا على أن‬
‫يتزوجها من شدة غيرته(‪.)3‬‬
‫فأخبر صلى ّللا عليه وسلم بأن سعداً غيور‪ ،‬وأنه أغير منه‪ ،‬وأن ّللا‬
‫أغير منه صلى ّللا عليه وسلم‪ ،‬وأنه من أجل ذلك حرم الفواحش‪ ،‬فهذا‬
‫تفسير لمعنى غيرة ّللا تعالى أي‪ :‬أنها منعه سبحانه وتعالى الناس من‬
‫الفواحش(‪.)3‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم ‪.1399‬‬


‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)1091 /0‬ومسلم ‪.1140 /1‬‬
‫(‪ )3‬مسند أحمد ‪.44 /3‬‬
‫(‪ )3‬مسند أحمد ‪.44 /3‬‬

‫‪18‬‬
‫غيرة المؤمنين‪:‬‬
‫إنَّ اإليمان يحمل صاحبه على أن يكون غيوراً ال يرضى بالسوء في دينه‬
‫وال في حرماته؛ وذلك أن أصل الدين الغيرة‪ ،‬ومن ال غيرة له ال دين له‪،‬‬
‫فالغيرة تحمي القلب‪ ،‬فتحمي له الجوارح‪ ،‬فتدفع السوء والفواحش‪،‬‬
‫وعدم الغيرة تميت القلب فتموت الجوارح‪ ،‬فَّل يبقى عندها دفع البتة‪،‬‬
‫ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه‪ ،‬فإذا ذهبت‬
‫القوة وجد الداء المحل قابَّلً ولم يجد داف ًعا فتمكن فكان الهَّلك‪ ،‬ومثلها‬
‫مثل صياصي الجاموس (أي‪ :‬قرونها) التي تدفع بها عن نفسه وعن‬
‫ولده‪ ،‬فإذا تكسرت طمع فيها عدوه(‪.)1‬‬
‫فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته‪ ،‬ومن وافق ّللا في‬
‫صفة من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه‪ ،‬وأدخلته على ربه‪ ،‬وأدنته‬
‫منه‪ ،‬وقربته من رحمته‪ ،‬وصيرته محبوبا ً له؛ فإنه سبحانه رحيم يحب‬
‫الرحماء‪ ،‬كريم يحب الكرماء‪ ،‬عليم يحب العلماء‪ ،‬قوي يحب المؤمن‬
‫القوي وهو أحب إليه من المؤمن الضعيف‪ ،‬حيي يحب أهل الحياء‪ ،‬جميل‬
‫يحب أهل الجمال‪ ،‬وتر يحب أهل الوتر(‪ ،)1‬وبه كذلك فإنَّ ّللا تعالى غيور‬
‫يحب كل غيور‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ويذكر أن رجَّلً يقال له‪ :‬األشجعي بلغ من فرط غيرته أنه منع زوجته‬
‫الحج خشية رؤيتها الناس‪ ،‬وهذا وإن كان غير مقبول‪ ،‬لكنه يدل على‬
‫مبلغ غيرته على زوجته‪ .‬فإنه لما حج بامرأته نظر إلى الناس يوم‬
‫التروية فهاله كثرتهم فقال‪ :‬إن رجَّلً يُدخل امرأته وسط هؤالء لمجنون!‬
‫وضرب وجه راحلته وعاد ولم يحج وقال‪:‬‬
‫سط زوجـــةً * له بين أهل الموسم المتقصـــ ِد‬
‫وليس بحر من يو ِّ‬
‫طرف كثي ٍر وأمر ِد(‪.)4‬‬
‫ٍ‬ ‫وفيهم رجال كالبدور وجوهُهم * ف ِمن بين ذي‬
‫‪-------------------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬الجواب الكافي ص‪.33 :‬‬


‫(‪ )1‬الجواب الكافي ص ‪.33‬‬
‫(‪ )4‬محاضرات األدباء ‪.310 /1‬‬

‫‪19‬‬
‫وذكر اإلمام مالك في موطئه قصة فتى من األنصار كان حديث عهد‬
‫بعرس‪ ،‬فخرج مع النبي إلى الخندق‪ ،‬ثم استأذن رسول ّللا أن‬
‫يرجع إلى أهله‪ ،‬فلما رجع وجد زوجته على باب منزله‪ ،‬فأهوى إليها‬
‫بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة ‪ -‬يعني ‪ -‬حينما رآها خارج البيت على‬
‫الباب‪ -‬فقالت‪ :‬ال تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك‪ ،‬فدخل فإذا هو بحية‬
‫منطوية على فراشه(‪.)1‬‬
‫قال بعض أهل العلم‪ :‬ولعمري إن الغيرة لتوج ُد في الحيوان بالخلقة‪،‬‬
‫فكيف وقد أكدتها عندنا الشريعة؟! وما بعد هذا مصاب(‪.)1‬‬
‫هل الديوث مؤمن‪:‬‬
‫إنَّ الديوث صاحب منكر عظيم وجرم كبير‪ ،‬وجرمه هو إقراره للفاحشة‬
‫في أهله‪ ،‬والنبي بين أن هذا الصنف ال يدخل الجنة‪ ،‬وال ينظر ّللا‬
‫إليه‪ ،‬فيما أخرج النسائي عن ابن عمر رضي ّللا عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫ّللا ‪" :‬ثَّلثة ال ينظر ّللا عز وجل إليهم يوم القيامة‪ :‬العاق لوالديه‪،‬‬
‫والمرأة المترجلة‪ ،‬والديوث" وأخرج أحمد عن ابن عمر أيضا ً بلفظ‪ :‬أن‬
‫رسول ّللا قال‪" :‬ثَّلثة قد حرم ّللا تبارك وتعالى عليهم الجنة‪ :‬مدمن‬
‫الخمر‪ ،‬والعاق‪ ،‬والديوث الذي يقر في أهله الخبث" وهذه األحاديث‬
‫تحمل على معنيين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال يدخل الجنة مطلقاً‪ ،‬وذلك فيمن استحل ذلك‪ ،‬ألن استحَّلله‬
‫للفاحشة يخرجه من اإلسَّلم‪ ،‬وبذلك يحرم عليه دخول الجنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الجنة يحرم عليه دخولها ابتداء‪ ،‬فقد يدخل النار فيجازى على‬
‫ذنوبه‪ ،‬ثم بفضل ّللا يدخل الجنة‪ ،‬أو قد يغفر ّللا له فَّل يدخل النار‪ ،‬لكن ال‬
‫يكون من السابقين في دخول الجنان‪ .‬وهذا الوعيد في حق من مات من‬
‫المسلمين قبل أن يتوب من هذا المنكر العظيم‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن استح َّل الدياثة‪ ،‬فهو كافر قوال واحد الستحَّلله ما ح َّرم ّللا‬
‫تعالى‪ ،‬ومن لم يستحل الدياثة فهو مذنب بكبير الذنوب فإن مات على تلك‬
‫الحال نرى أنَّه موعود بالعذاب المحالة ث َّم إن شاء ّللا تداركه برحمته‬
‫ألنَّه من أهل التوحيد‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كيفيَّة استحَّلل الدياثة‪:‬‬
‫الكثير من الرجال هم في غيابات الدياثة وال كنَّهم ال يعلمون ذلك‪ ،‬ومنهم‬
‫من يظنُّ أنَّه فعله مكروه ال أكثر‪ ،‬مثل ؤالء الذين يشترون لبناتهم ثيابا ال‬
‫تحمل من الثياب َّإال االسم‪ ،‬وهو يظنُّ أنَّه مواكب للعصر‪ ،‬أو أنَّ كل‬
‫النساء في العصر الحاضر يلبسن مثل هذا اللباس فَّل بأس بذلك‪ ،‬ومنهم‬
‫بحجة الدراسة إال بلد غريب ال رقيب عليها وال حسيب‪،‬‬ ‫من يرسل بناته َّ‬
‫طر المرأة لجذب االنتباه يجعلها‬ ‫فعلى هؤالء أنْ يعلموا؛ أنَّ مج َّرد تع ُّ‬
‫قوم ليج ُدوا‬ ‫تتصف بالزنا لقوله ‪" :‬أيَّ َما امرأةً استعطرتْ فم َّرت علَى ٍ‬
‫منْ ريح َها فه َي زانية"(‪ ،)4‬فإن كان هذا الخطاب على مج َّرد العطر فما‬
‫بالك بحال النساء اليوم؟ وهل يرضى رجل أن تتصف زوجته أو ابنته أو‬
‫أمه بالزنا؟‬
‫كما أنَّ علَّة الحديث هو جذب انتباه الرجال‪ ،‬والرجل مأمور بالتعطر على‬
‫والطيب‪ ،‬وجعلتْ ق َّرةَ‬ ‫ُ‬ ‫وجه الندب لقوله ‪" :‬حبِّب إل َّي منْ دنياك ُم النسا ُء‬
‫صَّلة"(‪ ،)3‬والمعنى من هذا أنَّ المرأة مع اعتياد الرجال على‬ ‫عينِي في ال َّ‬
‫العطور يمنع عليها فعله لجلب انتباههم‪ ،‬فيفهم من هذا أنَّ الغاية ليست‬
‫صة بل في جلب انتباه الرجال بأي شكل كان‪ ،‬وإن كان أدناه‬ ‫في العطر خا َّ‬
‫هو العطر‪ ،‬فإن كان عقابها على العطر على هذا الحال فكيف بما هو أكثر‬
‫طر‪ ،‬وإن كان الساكت على تع ُّطر أهله وخروجهنَّ متعطرات‬ ‫من التع ُّ‬
‫يوصف بالديَّاثة‪ ،‬ألنَّ المتعطرة وصفت بالزنا‪ ،‬والبعل أو األب أو األخ‬
‫المقر لزنا أهله ديوث‪ ،‬وقد وعد بحرمانه من الجنَّة‪ ،‬فكيف الحال بمن هو‬ ‫ُّ‬
‫أسوء منه حاال‪ ،‬كالذي ال يرفع بالغيرة رأسا‪ ،‬وال يسأل أهله عن شيء‪،‬‬
‫والواجب عليه أن يسأل أهله عن كل شيء ولو كانت من أولياء ّللا تعالى‬
‫ألنَّ سؤالها والغيرة عليها عبادة‪ ،‬هذا ألن المسلم مأمور به‪ ،‬فهاهو‬
‫زكريا يدخل على مريم العذراء وهي من سيدات النساء في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬فيسألها عن الرزق من أين لها‪ ،‬قال تعالى‪ُ " :‬كلَّ َما َد َخ َل َعلَ ْي َها‬
‫ه َذا"[آل عمران‪:‬‬ ‫اب َو َج َد ِعن َد َها ِر ْزقًا ۚ قَا َل يَا َم ْريَ ُم أَنَّى لَ ِك َ‬‫َز َك ِريَّا ا ْل ِم ْح َر َ‬
‫‪ ،]40‬فهاهي العذراء الشريفة أم نبي ورسول من أولي العزم تُسأل‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫والسائل نبي كريم‪ ،‬مع علمه أنَّها طاهرة ظاهرا وباطنا‪ ،‬ولكنَّه يسأل‬
‫لتعلم أنَّها مسؤولة أمام ّللا تعالى وأمام من كفلها‪ ،‬فإن كان هذا الحال مع‬
‫مريم البتول‪ ،‬فما بالنا تركنا نساءنا بَّل رقيب وال حسيب‪ ،‬أما عملت أنَّ‬
‫صغير يلعب أمام النار ليحرقنَّ نفسه‪،‬‬ ‫المرأة كالطفل الصغير‪ ،‬فإن تركت ال َّ‬
‫وإن تركت المرأة لحالها لتحرقنَّ نفسها بنار جهنَّم‪ ،‬فإن رضيت بفعلها‬
‫كنت شريكا لها‪ ،‬وصدق من قال‪ :‬أنْ للمرأة ثَّلثة أبواب في الدنيا ال رابع‬
‫لها‪ ،‬فإن خرجت تخرج لباب واحد في اآلخرة على حسب صبرها على‬
‫أبواب الدنيا الثَّلثة؛ فأ َّما الباب األ َّول‪ :‬باب بيت أبيه فَّل تتعدَّاه خارجا‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬فإن خرجت فتخرج لباب بيت بعلها فَّل تتعداه خارجا‪ ،‬الثالث‪:‬‬
‫فإن خرجت فتخرج لباب المقبرة‪ ،‬فَّل تتعداه خارجا‪ ،‬وأ َّما الباب الذي في‬
‫اآلخرة‪ ،‬فأ َّما باب الجنَّة وإ َّما باب النَّار‪ ،‬فإن عصت وأبت في الدُّنيا‪،‬‬
‫فتخرج من باب المقبرة إلى باب جهنَّم ال تعدَّاه خارجا َّإال أن يشاء ّللا‬
‫تعالى‪ ،‬وإن صبرت واحتسب فتخرج من باب المقبرة إلى باب الجنَّة ال‬
‫تتعداه خارجا‪ ،‬فعلى العاقل أن يقي نفسه وأهله من عذاب ّللا تعالى‪ ،‬بأن‬
‫يمنع أهله ويسأل عن كل كبيرة وصغيرة ويمنع كل أسباب الفسق‬
‫والفجور‪ ،‬من لباس ضيق وتعطر‪ ،‬وأن يُشغلهم بالعلم النافع فإنه نور‬
‫يقي اإلنسان مصائب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وليعلم أنَّ الساكت على هذا هو مقر‬
‫على الفعل والمقر شريك إن كان بيده أن يمنع‪.‬‬

‫‪--------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬موطأ مالك ‪.1314 /3‬‬


‫(‪ )1‬رسائل ابن حزم ‪.109 /1‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي عن أبي موسى األشعري‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه‪ :‬أحمد والنسائي والبيهقي والطبراني وأبو يعلى وعبد الرزاق والحاكم وغيرهم وهو صحيح‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أنواع الديوث‪:‬‬
‫يقر على أهله فعل الفواحش‪ ،‬فهذا‬‫‪ – 1‬الديوث الخالص‪ :‬وهو الذي ُّ‬
‫مستح ٌّل للدياثة حقيقة أو حكما‪ ،‬وحكمه الخروج من الملَّة‪.‬‬
‫‪ – 1‬الديوث المستهتر‪ :‬وهو الذي ال يهتم بما يدور حوله وال يسأل أهله‬
‫عن شيء‪ ،‬وحاله حال سابقه‪.‬‬
‫‪ – 4‬الديوث الجاهل‪ :‬وهو الذي ال يعلم أنَّ هذا الفعل كبيرة‪ ،‬فهو أيضا‬
‫ديوث وال ينفعه جهله‪ ،‬والسبب أنَّ الشهامة والرجولة والغيرة جبلَّة‬
‫فطريَّة خلقها ّللا تعالى في قلوب الرجال‪ ،‬حالها حال التوحيد المفطور في‬
‫قلوب الناس كافَّة‪ ،‬ولكنَّهم انحرفوا "فَطَا َل َعلَ ْي ِه ُم ْاألَ َم ُد فَقَ َ‬
‫ستْ قُلُوبُ ُه ْم"‬
‫سوا َحظًا ِّم َّما ُذ ِّك ُروا بِ ِه" فَّل ينفعهم جهلهم‪ ،‬ألنَّ العلم حاصل والحق‬ ‫"فَنَ ُ‬
‫بيِّن بيان الشمس‪.‬‬
‫‪ – 3‬المغلوب على أمره‪ :‬وهذا فيه كَّلم‪:‬‬
‫إن كان المغلوب على أمره بأن خاف من تهديد أهله بالسجن إن منعهنَّ‬
‫من هذا اللباس وأمرهم بالمعروف ونهاهن عن المنكر‪ ،‬فيجب عليه‬
‫استعمال القواعد التي نبهنا عليها ّللا تعالى حيث قال‪" :‬فَ ِعظُوهُنَّ‬
‫اض ِربُوهُنَّ ۚ"[النساء‪ ،]43 :‬فيبدأ بالموعضة‪،‬‬ ‫ضا ِج ِع َو ْ‬ ‫َواه ُْج ُروهُنَّ فِي ا ْل َم َ‬
‫فإن كانت المسيئة زوجته فليهجرها في المضجع‪ ،‬فإن أبت الرجوع‬
‫فليضربها ضربا غير مبرح‪ ،‬فإن أبت فَّل يجب عليه أن يرضى بالدياثة‪،‬‬
‫ويجب عليه الطَّلق لقوله تعالى‪ " :‬فَان ِك ُحوهُنَّ بِإِ ْذ ِن أَ ْه ِل ِهنَّ َوآتُوهُنَّ‬
‫ن"[النساء‪:‬‬ ‫ت أَ ْخ َدا ٍ‬
‫ت َو َال ُمتَّ ِخ َذا ِ‬ ‫ت َغ ْي َر ُم َ‬
‫سافِ َحا ٍ‬ ‫صنَا ٍ‬ ‫أُ ُجو َرهُنَّ بِا ْل َم ْع ُر ِ‬
‫وف ُم ْح َ‬
‫ت َوال‬ ‫سافِ َحا ٍ‬ ‫ت َغ ْي َر ُم َ‬ ‫صنَا ٍ‬ ‫‪ ،]13‬قال الطبري‪ :‬القول في تأويل قوله ‪ُ " :‬م ْح َ‬
‫ت أَ ْخ َدا ٍن" يعني بقوله‪ :‬محصنات‪ ،‬عفيفات‪ ،‬غير مسافحات‪ ،‬غير‬ ‫ُمتَّ ِخ َذا ِ‬
‫مزانيات وال متخذات أخدان‪ ،‬يقول‪ :‬وال متخذات أصدقاء على السفاح‪.‬‬
‫سهن على الخليل‬ ‫وقال أيضا‪ :‬و المتخذات األخدان‪ :‬اللواتي قد حبسن أنف َ‬
‫سرا دون اإلعَّلن بذلك(‪.)1‬‬ ‫والصديق‪ ،‬للفجور بها ً‬
‫‪----------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فالمسافحة‪ :‬هي المعلنة بالفجور‪ ،‬والم تخذة‪ :‬هي التي اتخذت خليَّل واحدا‬
‫تفسق معه سرا‪ ،‬ولو تَّلحظ أنَّ المسافحة هي المجاهرة وهي أشد من‬
‫المتَّخذة‪ ،‬فلو نظرت إلى أحوال البنات أشباه العاريات المتعطرات إلغواء‬
‫الرجال‪ ،‬فترى أنَّهن من جنس المسافحات‪ ،‬فهذا النوع من النساء ال‬
‫يجوز الزواج منهن ابتداء‪ ،‬فإن حصل وت َّزوج بها بجهل ث َّم فتح ّللا عليه‬
‫بتوبة تنجيه من عذاب ّللا تعالى‪ ،‬فليعضها كما قلنا سابقا‪ ،‬فإن أبت‬
‫فليهجرها في الفراش وهجره لها واجب‪ ،‬فإن أبت فليضربها‪ ،‬فإن أبت‬
‫فَّل يح ُّل له العيش معها وال وطأها‪ ،‬بل الطَّلق‪ ،‬وأ َّما بالنِّسبة إلى ضربها‬
‫إن علم أنَّه لن يفيد ابتداء وأنَّ ضربه لها سيقوده إلى التَّهلكة فليحفظ‬
‫نفسه وليطلقها بعد الوعظ واإلرشاد والتأني في ذلك ثم الهجر ث َّم ينتقل‬
‫مباشرة للطَّلق‪ ،‬فإ ٍن استُضعف في الطَّلق بأن تفرض عليه غرامة ال‬
‫يقدر عليها فينجر عنها السحن‪ ،‬فإ َّما أن يصبر على ذلك‪ ،‬أو ليتب َّرأ‪ ،‬وهو‬
‫الحال نفسه بالنِّسبة للبنت‪ ،‬إن أبت النصح فَّل تيأس أعد الك َّرة سرا‬
‫وجهرا‪ ،‬وحببها في تقوى ّللا تعالى‪ ،‬واحملها للمساجد وعرفها‬
‫بالصالحات وحاول أقصى جهدك في ذلك‪ ،‬فإن أبت فالبراءة‪ ،‬وال ترضى‬
‫لنفسك الدياثة‪ ،‬وال ترضى لنفسك الخزي وال تبع رجولتك وال مروءتك‬
‫بأي ثمن‪.‬‬

‫الفرق بين الديوث والشَّاذ‪:‬‬


‫باختصار الفرق بين الديوث والشاذ فرق شكل ٌّي‪ ،‬فهما متقاربان فكثير من‬
‫األشياء وكَّلهما في خندق واحد وهو الشذوذ الجنسي‪ ،‬فكَّلهما مخالف‬
‫للفطرة السليمة‪ ،‬فكل شاذ ديوث فَّل يغار على أهله وكيف يغار على أهله‬
‫وقد باع نفسه‪ ،‬ويمكن أن يكون الشاذ غير ديوث بأن يكون شاذا في‬
‫نفسه غيورا على أخواته البنات‪ ،‬وهذا قليل‪.‬‬
‫وكل ديوث يحمل حكم الشاذ ال حقيقته‪ ،‬فكَّلهما مخالف للفط ِر السليمة‪،‬‬
‫فمن رضا بفجور أهله‪ ،‬ليس غريبا بأن يرضاه لنفسه‪ ،‬وكل ديوث هو‬
‫فاجر بطبيعته‪ ،‬فالمعنى أنَّ الشذوذ ليس عليه ببعيد‪ ،‬فمالذي يمنعه عنه؟‬

‫‪24‬‬
‫وعلى هذا فليعلم من يتهاون في شؤون أهله أنَّه ال فرق كبير بينه وبين‬
‫الشاذ فليحذر‪ ،‬وليعد إلى ّللا تعالى عن عجل‪.‬‬
‫هل للديوث من توبة‪:‬‬
‫نقول له‪ :‬يا طالب التوبة أبشر فربك الغفور ذو الرحمة‪ ،‬وهو الت َّواب‬
‫صالِ ًحا‬ ‫ال َّرحيم‪ ،‬فقد قال وقوله الحق‪َ " :‬وإِنِّي لَ َغفَّار لِّ َمن ت َ‬
‫َاب َوآ َم َن َو َع ِم َل َ‬
‫ثُ َّم ا ْهتَ َدى"[طه‪ ،]11 :‬فاشترط سبحانه شروطا وهي‪ :‬التوبة أوال‪ ،‬وتكون‪:‬‬
‫باإلقَّلع عن الفعل‪ ،‬والندم عليه‪ ،‬واإلصَّلح ما استطعت‪ ،‬وقبل كل شيء‬
‫النيَّة الخالصة‪ ،‬ثم اإليمان وهو أن يؤمن باهلل ومَّلئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم اآلخر والقدر خيره وشره‪ ،‬فإيمانه باهلل تعالى‪ ،‬باإلنقياد إلى‬
‫أوامر ه واإلنتهاء عند نواهيه وطاعته سبحانه ظاهرا وباطنا‪ ،‬وإيمانه‬
‫بمَّلئكته أن يعتقد أنَّهم رسل ّللا تعالى وكل منهم مكلَّف بمهام‪ ،‬وإيمانه‬
‫بكتبه أن يصدق بكل ما جاء من الكتب وأن يعلم أن القرآن هو المهيمن‬
‫عما سبق من الكتب‪ ،‬وأن يأتمر بأوامر القرآن ويصدق أخباره‪ ،‬وإيمانه‬
‫برسله بأن يؤمن بكل نب ِّي وال يف َّرق بين أحد منهم وأن يعلم أن سيدَّهم‬
‫وخاتمهم هو محمد بن عبد ّللا الهاشمي القرشي وأنَّ شريعته ناسخة‬
‫لكل شرائع من قبله‪ ،‬وأن يستسلم لحكم رسول ّللا في كل أحواله‪،‬‬
‫وإيمانه باليوم اآلخر أن يعتقد بأنه مردود إلى ّللا يوم القيامة بعد الموت‬
‫وأنَّ يؤمن بكل ما أخبر به ّللا تعالى ونب ُّيه عن أخبار ما بعد الموت‬
‫ويصدَّق بها تصديقا نافيا للشك‪ ،‬وإيمانه بالقدر خيره وشره أن يعلم أنَّ‬
‫كل شيء بأمر ّللا تعالى‪ ،‬وأنَّ ما أصابه ما كان ليخطئه‪ ،‬وأنَّ ما أخطأه ما‬
‫كان ليصيبه‪ ،‬وأنَّ الحكم واألمر هلل أ َّوال وآخرا‪ ،‬وأنَّه لو اجتمعت اإلنس‬
‫والجن على أن ينفعوه بشيء ما نفعوه َّإال بشيء قد كتبه ّللا له‪ ،‬وأنهم‬
‫لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء ما استطاعوا إال بشيء قد كتبه ّللا‪،‬‬
‫ويعلم أنَّ قدر ّللا تعالى مكتوب منذ األزل فليرح باله فقد ُرفعت األقَّلم‬
‫وجفَّت الصحف‪.‬‬
‫وهذه الشروط سهلة ففيها حَّلوة القرب‪ ،‬ونور التعرف إلى ّللا تعالى‪،‬‬
‫واالشتياق إلى الزيادة من العلم والقرب‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫س َرفُوا َعلَى‬ ‫ين أَ ْ‬
‫ي الَّ ِذ َ‬ ‫ويُبشر ّللا تعالى التائبين ويقول‪" :‬قُ ْل يَا ِعبَا ِد َ‬
‫وب َج ِمي ًعا ۚ إِنَّهُ ُه َو‬
‫الذنُ َ‬ ‫ّللاَ يَ ْغفِ ُر ُّ‬
‫ّللاِ ۚ إِنَّ َّ‬ ‫أَنفُ ِ‬
‫س ِه ْم َال تَ ْقنَطُوا ِمن َّر ْح َم ِة َّ‬
‫ا ْل َغفُو ُر ال َّر ِحي ُم"[الزمر‪ ،]34 :‬ففي هذه اآلية لم يستثى ّللا تعالى أحدا‪ ،‬فكل‬
‫حي تاب من ذنبه يتوب ّللا عليه ولو كان شركا باهلل‪ ،‬والتائب من الذنب‬
‫ذنب‬
‫ب كمن ال َ‬ ‫الذن ِ‬ ‫ائب من َّ‬ ‫كما ال ذنب له‪ ،‬قال رسول ّللا ‪" :‬التَّ ُ‬
‫له"(‪.)1‬‬

‫عذاب الكاسيات العاريات‪:‬‬


‫سياط‬ ‫ص ْنفا ِن ِمن أ ْه ِل النَّا ِر لَ ْم أ َرهُما‪ ،‬قَ ْوم مع ُه ْم ِ‬ ‫قال رسول ّللا ‪ِ " :‬‬
‫سيات عا ِريات ُم ِميَّلت‬ ‫اس‪ ،‬ونِساء كا ِ‬ ‫ون بها النَّ َ‬ ‫ض ِربُ َ‬ ‫ب البَقَ ِر يَ ْ‬‫َكأ َ ْذنا ِ‬
‫الجنَّةَ‪ ،‬وال يَ ِجد َْن‬‫ت المائِلَ ِة‪ ،‬ال يَد ُْخ ْل َن َ‬ ‫سنِ َم ِة البُ ْخ ِ‬ ‫سهُنَّ َكأ َ ْ‬ ‫مائَِّلت‪ُ ،‬رؤُو ُ‬
‫سي َر ِة َكذا و َكذا"(‪.)1‬‬ ‫وج ُد ِمن َم ِ‬ ‫يحها لَيُ َ‬ ‫يحها‪ ،‬وإنَّ ِر َ‬ ‫ِر َ‬
‫صنفَي ِن‪ ،‬أي‪ :‬نَوعين ِمن أ ْه ِل النَّا ِر لم‬ ‫ث يُبيِّنُ النَّبِ ُّي أنَّ ِ‬ ‫في هذا الحدي ِ‬
‫يأتيان بَع َده‪:‬‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫ص ِره‪ ،‬بل َ‬ ‫يَ َرهُما بعدُ‪ ،‬أي‪ :‬في َع ْ‬
‫ب البق ِر‪ ،‬يعني‪ :‬أنَّها‬ ‫سو ٍط َكأذنا ِ‬ ‫سياط" ج ْم ُع َ‬ ‫صنف األ َّول‪ :‬قَوم معهم " ِ‬ ‫ال ِّ‬
‫اس‪ ،‬أي‪ :‬بِغي ِر حق وهؤالء هُ ُم‬ ‫سياط طويلة وله ِريشة يَض ِربون بها النَّ َ‬ ‫ِ‬
‫اس بِغي ِر حق‪.‬‬ ‫بون النَّ َ‬ ‫ذين يَض ِر َ‬ ‫ش َرطُ الَّ َ‬ ‫ال ُّ‬
‫بعض بَدنِهنَّ‬ ‫َ‬ ‫ستر َن‬‫صنف الثاني وهو مرادنا‪ :‬نِساء كاسيات‪ ،‬أي‪ :‬يَ ْ‬ ‫وال ِّ‬
‫س َن ثَوبًا‬ ‫ضه؛ إظها ًرا لجما ِلهنَّ وإبرا ًزا لِكما ِلهنَّ ‪ ،‬وقيل‪ :‬يَلب ْ‬ ‫ويَكش ْف َن بَع َ‬
‫ت في الحقيق ِة‪ ،‬أو‬ ‫ب عاريا ٍ‬ ‫ت لِلثِّيا ِ‬‫رقيقًا يَصفُ بَدنَهنَّ وإنْ كنَّ كاسيا ٍ‬
‫س التَّقوى " ُم ِميَّلت"‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ت ِمن لبا ِ‬ ‫الحلِ ِّي‪ ،‬عاريا ٍ‬ ‫الحلَى َو ُ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫كاسيا ٍ‬
‫س ِهنَّ ؛ لِت ْظ َه َر ُوجوهُهنَّ ‪،‬‬ ‫قلوب ال ِّرجا ِل إليهن‪ ،‬أ ِو ا ْل َمقانِ َع َعن رؤو ِ‬ ‫َ‬ ‫ُم ِميَّلت‬
‫المذموم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وقيل‪ُ :‬مميَّلت بِأكتا ِفهنَّ ‪ ،‬وقيل‪ :‬يُ ِم ْل َن غي َرهنَّ إلى فِع ِلهنَّ‬
‫الرجا ِل بِقُلوبِهنَّ أو بِقوالبِهنَّ ‪ ،‬أو ُمتبخترات في‬ ‫" َمائَّلت"‪ ،‬أي‪ :‬إلى ِّ‬
‫فاف‪ ،‬أو مائَّلت إلى الفُجو ِر والهوى‪ ،‬وقي َل‪:‬‬ ‫شيِهنَّ ‪ ،‬أو زائغات َع ِن ال َع ِ‬ ‫َم ْ‬
‫شطَةَ البَغايا‪ُ ،‬م ِميَّلت يَمش ْط َن‬ ‫مائَّلت يَ ْمتَش ْط َن ِمشطَةَ ا ْل َميَّل ِء‪ ،‬وقي َل‪ِ :‬م ْ‬
‫الجما ِل‪،‬‬ ‫ت"‪ ،‬والبُ ِختِ ُّي ِم َن ِ‬ ‫سهنَّ َكأسنم ِة البُ ْخ ِ‬ ‫غي َرهنَّ بِتل َك ا ْل ِمشطَ ِة "رؤو ُ‬

‫‪26‬‬
‫األعناق‪ ،‬واللَّفظةُ‬ ‫ِ‬ ‫ت َوبَخاتي‪ ،‬وهي ِجمال ِطوا ُل‬ ‫واألُنثى بُختِيَّة ج ْم ُع بُ ْخ ٍ‬
‫ُمع َّربَة‪ ،‬أي‪ :‬يُعظِّ ْمنَها ويُكبِّرنَها بِلفِّ ِعصاب ٍة ونح ِوها‪ ،‬وقي َل‪ :‬يَط َم ْح َن إلى‬
‫صفة‬ ‫سهنَّ ‪" ،‬المائل ِة" ِ‬ ‫س َن رؤو َ‬ ‫ضضنْ ِمن أبصار ِهنَّ ‪ ،‬وال يُن ِّك ْ‬ ‫ال ِّرجا ِل ال يَغ ُ‬
‫نام يَمي ُل‬ ‫س ِ‬ ‫يل؛ ألنَّ أ ْعلَى ال َّ‬ ‫نام‪ ،‬والمائلةُ ِم َن ا ْل َم ِ‬ ‫س ِ‬ ‫سنِ َم ِة‪ ،‬وهي ج ْم ُع ال َّ‬ ‫لِأل ْ‬
‫يحها لَتُوج ُد ِمن‬ ‫يحها‪ ،‬وإنَّ ِر َ‬ ‫دخ ْل َن الجنَّةَ وال يَجد َْن ِر َ‬ ‫شح ِمه‪ ،‬ال يَ ُ‬ ‫لِكثر ِة ْ‬
‫مثَّل‪ ،‬ومعناه‪ :‬أنَّهنَّ ال يَدخ ْلنَها وال يجد َْن‬ ‫عام ً‬ ‫َمسير ِة كذا وكذا‪ ،‬أي‪ :‬مئ ِة ٍ‬
‫يحها ال َعفائفُ ا ْل ُمتو ِّرعاتُ ‪ ،‬ال أنَّهنَّ ال‬ ‫دخلُها ويَج ُد ِر َ‬ ‫حين ما يَ ُ‬ ‫يحها َ‬ ‫ِر َ‬
‫دخ ْل َن أب ًدا‪.‬‬‫يَ ُ‬
‫فهذا النوع من النساء لهن أضعاف مضاعفة من العذاب‪ ،‬األ َّول‪ :‬أنَّها‬
‫فاجرة‪ ،‬الثاني‪ :‬أنَّها فعلت فعل الشيطان بإغراء الرجال‪ ،‬الثالث‪ :‬أنها‬
‫كانت سببا في جعل الرجال من أهلها ُديَّثا‪ ،‬فَّل يحسبنَّ هؤالء أنَّهن بمفازة‬
‫ب ۚ َولَهُ ْم َع َذاب‬ ‫سبَنَّهُم بِ َمفَا َز ٍة ِّم َن ا ْل َع َذا ِ‬ ‫من العذاب وّللا يقول‪ " :‬فَ ََّل ت َْح َ‬
‫أَلِيم"[آل عمران‪ ،]811 :‬ولن ينفعها يوم القيامة شيء فقد نصح ّللا تعالى‬
‫ت‬‫فأكثر النصح وأمرهنَّ ووعدهنَّ وتوعدهنَّ فقال تعالى‪َ " :‬وقُل لِّ ْل ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫ظ َه َر‬ ‫ين ِزينَتَهُنَّ إِ َّال َما َ‬ ‫وجهُنَّ َو َال يُ ْب ِد َ‬ ‫صا ِر ِهنَّ َويَ ْحفَ ْظ َن فُ ُر َ‬ ‫ض َن ِمنْ أَ ْب َ‬ ‫ض ْ‬‫يَ ْغ ُ‬
‫ين ِزينَتَهُنَّ إِ َّال‬ ‫ض ِر ْب َن بِ ُخ ُم ِر ِهنَّ َعلَى ُجيُو ِب ِهنَّ ۚ َو َال يُ ْب ِد َ‬ ‫ِم ْن َها ۚ َو ْليَ ْ‬
‫لِبُ ُعولَ ِت ِهنَّ أَ ْو آبَائِ ِهنَّ أَ ْو آبَا ِء بُ ُعولَتِ ِهنَّ أَ ْو أَ ْبنَائِ ِهنَّ أَ ْو أَ ْبنَا ِء بُ ُعولَتِ ِهنَّ أَ ْو‬
‫سائِ ِهنَّ أَ ْو َما َملَ َكتْ‬ ‫إِ ْخ َوا ِن ِهنَّ أَ ْو بَنِي إِ ْخ َوا ِن ِهنَّ أَ ْو بَنِي أَ َخ َواتِ ِهنَّ أَ ْو نِ َ‬
‫ين لَ ْم‬ ‫اإل ْربَ ِة ِم َن ال ِّر َجا ِل أَ ِو الطِّ ْف ِل الَّ ِذ َ‬ ‫ين َغ ْي ِر أُولِي ْ ِ‬ ‫أَ ْي َمانُهُنَّ أَ ِو التَّابِ ِع َ‬
‫ين ِمن‬ ‫ض ِر ْب َن بِأ َ ْر ُجلِ ِهنَّ لِيُ ْعلَ َم َما يُ ْخفِ َ‬ ‫سا ِء ۚ َو َال يَ ْ‬ ‫ت النِّ َ‬ ‫يَ ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َرا ِ‬
‫ون"[النور‪،]41 :‬‬ ‫ّللاِ َج ِمي ًعا أَيُّهَ ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ‬
‫ون لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح َ‬ ‫ِزينَتِ ِهنَّ ۚ َوتُوبُوا إِلَى َّ‬
‫قال السعدي‪ :‬لما أمر المؤمنين بغض األبصار وحفظ الفروج‪ ،‬أمر‬
‫صا ِر ِهنَّ } عن‬ ‫ض َن ِمنْ أَ ْب َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت يَ ْغ ُ‬ ‫المؤمنات بذلك‪ ،‬فقال‪َ { :‬وقُ ْل ِل ْل ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫النظر إلى العورات والرجال‪ ،‬بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع‪،‬‬
‫وجهُنَّ } من التمكين من جماعها‪ ،‬أو مسها‪ ،‬أو النظر‬ ‫{ َويَ ْحفَ ْظ َن فُ ُر َ‬
‫ين ِزينَتَهُنَّ } كالثياب الجميلة والحلي‪ ،‬وجميع‬ ‫المحرم إليها‪َ { ،‬و َال يُ ْب ِد َ‬
‫البدن كله من الزينة‪ ،‬ولما كانت الثياب الظاهرة‪ ،‬ال بد لها منها‪ ،‬قال‪{ :‬إِ َّال‬
‫َما ظَ َه َر ِم ْن َها} أي‪ :‬الثياب الظاهرة‪ ،‬التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن‬

‫‪27‬‬
‫ض ِر ْب َن بِ ُخ ُم ِر ِهنَّ َعلَى ُجيُوبِ ِهنَّ }‬ ‫في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها‪َ { ،‬و ْليَ ْ‬
‫وهذا لكمال االستتار‪ ،‬ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها‪ ،‬يدخل‬
‫فيها جميع البدن‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن‪ ،‬ليستثني‬
‫منه قوله‪{ :‬إِ َّال لِبُ ُعولَتِ ِهنَّ } أي‪ :‬أزواجهن {أَ ْو آبَائِ ِهنَّ أَ ْو آبَا ِء بُ ُعولَ ِت ِهنَّ }‬
‫يشمل األب بنفسه‪ ،‬والجد وإن عَّل‪{ ،‬أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن}‬
‫ويدخل فيه األبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا {أَ ْو ِإ ْخ َوانِ ِهنَّ أَ ْو بَنِي‬
‫سائِ ِهنَّ } أي‪:‬‬ ‫إِ ْخ َوا ِن ِهنَّ } أشقاء‪ ،‬أو ألب‪ ،‬أو ألم‪{ .‬أَ ْو بَنِي أَ َخ َواتِ ِهنَّ أَ ْو نِ َ‬
‫يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا‪( ،‬في الحدود الشرعيَّة)‪.‬‬
‫(أَ ْو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُهُنَّ ) فيجوز للمملوك إذا كان كله لألنثى‪ ،‬أن ينظر‬
‫لسيدته‪ ،‬ما دامت مالكة له كله‪ ،‬فإن زال الملك أو بعضه‪ ،‬لم يجز النظر‬
‫وإال فَّل يجوز فالعلَّة هي الفتنة سواء‬ ‫(إن أمنت عليه سيِّدته من الفتنة َّ‬
‫اإل ْربَ ِة ِم َن ال ِّر َجا ِل} أي‪ :‬أو‬ ‫ين َغ ْي ِر أُولِي ْ ِ‬‫كانت لحر أو عبد) {أَ ِو التَّابِ ِع َ‬
‫الذين يتبعونكم‪ ،‬ويتعلقون بكم‪ ،‬من الرجال الذين ال إربة لهم في هذه‬
‫الشهوة‪ ،‬كالمعتوه الذي ال يدري ما هنالك‪ ،‬وكالعنين الذي لم يبق له‬
‫شهوة‪ ،‬ال في فرجه‪ ،‬وال في قلبه‪ ،‬فإن هذا ال محذور من نظره‪( ،‬في‬
‫حدود ما شرع ّللا)‪.‬‬
‫سا ِء) أي‪ :‬األطفال الذين دون‬ ‫ين لَ ْم يَ ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َرا ِ‬
‫ت النِّ َ‬ ‫(أَ ِو الطِّ ْف ِل الَّ ِذ َ‬
‫التمييز‪ ،‬فإنه يجوز نظرهم للنساء األجانب‪ ،‬وعلل تعالى ذلك‪ ،‬بأنهم لم‬
‫يظهروا على عورات النساء‪ ،‬أي‪ :‬ليس لهم علم بذلك‪ ،‬وال وجدت فيهم‬
‫الشهوة بعد ودل هذا‪ ،‬أن المميز تستتر منه المرأة‪ ،‬ألنه يظهر على‬
‫عورات النساء‪.‬‬
‫ين ِمنْ ِزينَتِ ِهنَّ ) أي‪ :‬ال يضربن‬ ‫ض ِر ْب َن بِأ َ ْر ُج ِل ِهنَّ لِيُ ْعلَ َم َما يُ ْخفِ َ‬‫( َو َال يَ ْ‬
‫األرض بأرجلهن‪ ،‬ليصوت ما عليهن من حلي‪ ،‬كخَّلخل وغيرها‪ ،‬فتعلم‬
‫زينتها بسببه‪ ،‬فيكون وسيلة إلى الفتنة‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذا ونحوه‪ ،‬قاعدة سد الوسائل‪ ،‬وأن األمر إذا كان مباحا‪،‬‬
‫ولكنه يفضي إلى محرم‪ ،‬أو يخاف من وقوعه‪ ،‬فإنه يمنع منه‪ ،‬فالضرب‬
‫بالرجل في األرض‪ ،‬األصل أنه مباح‪ ،‬ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة‪،‬‬
‫منع منه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ولما أمر تعالى بهذه األوامر الحسنة‪ ،‬ووصى بالوصايا المستحسنة‪،‬‬
‫وكان ال بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك‪ ،‬أمر ّللا تعالى بالتوبة‪،‬‬
‫ون} ألن المؤمن يدعوه إيمانه‬ ‫ّللاِ َج ِمي ًعا أَ ُّيهَ ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ‬
‫فقال‪َ { :‬وتُوبُوا إِلَى َّ‬
‫إلى التوبة ثم علق على ذلك الفَّلح‪ ،‬فقال‪{ :‬لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح َ‬
‫ون} فَّل سبيل إلى‬
‫الفَّلح إال بالتوبة‪ ،‬وهي الرجوع مما يكرهه ّللا‪ ،‬ظاهرا وباطنا‪ ،‬إلى‪ :‬ما‬
‫يحبه ظاهرا وباطنا‪ ،‬ودل هذا‪ ،‬أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة‪ ،‬ألن ّللا‬
‫خاطب المؤمنين جميعا‪ ،‬وفيه الحث على اإلخَّلص بالتوبة في قوله‪:‬‬
‫ّللا} أي‪ :‬ال لمقصد غير وجهه‪ ،‬من سَّلمة من آفات الدنيا‪،‬‬ ‫{ َوتُوبُوا إِلَى َّ‬
‫أو رياء وسمعة‪ ،‬أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة(‪.)4‬‬
‫فنسأل ّللا سبحانه وتعالى التوبة لنا ولجميع المسلمين‪ ،‬وأن يهدي‬
‫نساءنا وبناتنا إلى صراطه المستقيم‪ ،‬وصلى ّللا على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------------- -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجة (‪ ،) 3130‬والطبراني في ((المعجم الكبير )) (‪ 10111( )130 /10‬والقضاعي‬
‫في ((مسند الشهاب)) ‪.101‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم ‪.1111‬‬
‫(‪ )4‬تفسير السعدي‪.‬‬

‫كتبه الدكتور أبو فاطمة عصام الدين‬


‫بعد صَّلة العشاء من ليلة الثَّلثاء ‪ 11‬صفر ‪ ،1334‬وانتهى منه في ليلته‬
‫مع صَّلة الفجر‪.‬‬

‫‪29‬‬

You might also like