You are on page 1of 15

‫ور‬ ‫هلل ِم ْن ُ‬

‫ش ُر ِ‬ ‫ِإ َّن ْال َح ْمد ِ‬


‫هلل‪ ،‬ن َْح َمدُهُ َونَ ْست َ ِعينُهُ َونَ ْست َ ْغ ِف ُرهُ‪َ ،‬ونَعُوذُ ِبا ِ‬
‫ت أ َ ْع َما ِلنَا‪َ ،‬م ْن َي ْه ِد ِه هللاُ فَال ُم ِ‬
‫ض َّل َلهُ‪َ ،‬و ْم ْن‬ ‫س ِيئَا ِ‬‫أ َ ْنفُ ِسنَا َو ِم ْن َ‬
‫ِي لَهُ‪َ ،‬وأ َ ْش َهدُ أَ ْن ال ِإلَهَ ِإ َّال هللاُ َو ْحدُهُ ال ش َِر َ‬
‫يك لَهُ‪،‬‬ ‫ضلُ ُل فَ َال هَاد َ‬
‫يَ ْ‬
‫سولُهُ‪،‬‬ ‫َوأَ ْش َهدُ أ َ َّن ُم َح َّمدَا ً َ‬
‫ع ْبدُهُ َو َر ُ‬

‫َّللاَ َح َّق تُقَاتِ ِه َوال ت َ ُموت ُ َّن ِإ َّال َوأَ ْنت ُ ْم‬
‫) يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ‬
‫ُم ْس ِل ُمونَ )‬

‫اس اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس َو ِ‬


‫احدَ ٍة َو َخ َلقَ ِم ْن َها‬ ‫( َيا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫َّللاَ الَّذِي ت َ َ‬
‫سا َءلُونَ‬ ‫سا ًء َواتَّقُوا َّ‬‫ث ِم ْن ُه َما ِر َجاالً َكثِيرا ً َونِ َ‬‫زَ ْو َج َها َوبَ َّ‬
‫علَ ْي ُك ْم َرقِيباً)‬ ‫ِب ِه َو ْاْل َ ْر َح َ‬
‫ام ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َكانَ َ‬

‫سدِيدا ً * يُ ْ‬
‫ص ِل ْح لَ ُك ْم‬ ‫( َيا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ‬
‫َّللاَ َوقُولُوا قَ ْوالً َ‬
‫سولَهُ فَقَ ْد فَازَ فَ ْوزا ً‬ ‫أ َ ْع َمالَ ُك ْم َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُ ِط ِع َّ‬
‫َّللاَ َو َر ُ‬
‫ع ِظيماً)‪.‬‬
‫َ‬
‫ي‬‫أَ َّما َب ْعدُ‪ :‬فَإِ َّن َخي َْر ْال َك َال ِم َك َال ُم هللاُ ت َ َعالَى‪َ ،‬و َخي َْر ْال َه ْدي ِ َه ْد ُ‬
‫ور ُم ْحدَثَات ُ َها‪َ ،‬و ُك َّل ُم ْحدَثَ ٍة‬‫سلَّ َم‪َ ،‬وش ََّر ْاْل ُ ُم ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َ‬
‫ع َل ْي ِه َو َ‬ ‫ُم َح َّم ٍد َ‬
‫ار‪.‬‬ ‫ض َاللَةٌ‪َ ،‬و ُك َّل َ‬
‫ض َاللَ ٍة فِي النَّ ِ‬ ‫عة‪َ ٌ،‬و ُك َّل ِب ْد َ‬
‫ع ٍة َ‬ ‫ِب ْد َ‬

‫عن عبدهللا بن عمرو رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا‬
‫علَ ْي ِه أَ ْن يَدُ َّل‬
‫ي قَ ْب ِلي ِإالَّ َكانَ َحقًّا َ‬ ‫عليه وسلم قال‪ِ (( :‬إنَّهُ لَ ْم يَ ُك ْن نَ ِب ٌّ‬
‫أ ُ َّمتَهُ َ‬
‫علَى َخي ِْر َما َي ْعلَ ُمهُ لَ ُه ْم َويُ ْنذ َِر ُه ْم ش ََّر َما َي ْعلَ ُمهُ لَ ُه ْم‪َ ،‬و ِإ َّن‬
‫آخ َرهَا َبالَ ٌء َوأ ُ ُم ٌ‬
‫ور‬ ‫يب ِ‬‫ص ُ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫أ ُ َّمت َ ُك ْم َه ِذ ِه ُج ِع َل َ‬
‫عا ِف َيت ُ َها ِفي أ َ َّو ِل َها‪َ ،‬و َ‬
‫ضا‪َ ،‬وتَ ِجي ُء ْال ِفتْنَةُ‬
‫ض َها بَ ْع ً‬‫ت ُ ْن ِك ُرونَ َها‪َ ،‬وت َ ِجي ُء فِتْنَةٌ فَيُ َرقِ ُق بَ ْع ُ‬
‫ِف َوتَ ِجي ُء ْال ِفتْنَةُ فَ َيقُو ُل‬
‫فَ َيقُو ُل ْال ُمؤْ ِم ُن َه ِذ ِه ُم ْه ِل َكتِي‪ ،‬ث ُ َّم ت َ ْن َكش ُ‬
‫ار َو َي ْد ُخ َل ْال َجنَّةَ‬ ‫ْال ُمؤْ ِم ُن َه ِذ ِه َه ِذ ِه‪ ،‬فَ َم ْن أ َ َح َّ‬
‫ب أَ ْن يُزَ ْحزَ َح َ‬
‫ع ِن النَّ ِ‬
‫اس الَّذِي‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬و ْليَأ ْ ِ‬
‫ت ِإلَى النَّ ِ‬ ‫فَ ْلتَأْتِ ِه َمنِيَّتُهُ َو ُه َو يُؤْ ِم ُن ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َو ْاليَ ْو ِم ِ‬
‫ص ْفقَةَ َي ِد ِه َوثَ َم َرةَ قَ ْل ِب ِه‬ ‫ب أ َ ْن يُؤْ تَى ِإلَ ْي ِه‪َ ،‬و َم ْن َبا َي َع ِإ َما ًما فَأ َ ْع َ‬
‫طاهُ َ‬ ‫يُ ِح ُّ‬
‫عهُ فَاض ِْربُوا ُ‬
‫عنُقَ‬ ‫ع‪ ،‬فَإِ ْن َجا َء آخ َُر يُن ِ‬
‫َاز ُ‬ ‫طا َ‬ ‫فَ ْليُ ِط ْعهُ ِإ ِن ا ْست َ َ‬
‫اآلخَر))‪.‬‬
‫عباد هللا‪:‬‬
‫لقد كثرت الفتن في هذا الزمان‪ ،‬وأصبح المسلم يرى الفتن بكرة‬
‫وعشياً‪ ،‬وح َّل من الباليا والمحن والنوازل والخطوب الجسام‬
‫الشي ُء الكثير‪ ،‬وما ذاك إالَّ لما آل إليه حا ُل المسلمين من تشتت‪،‬‬
‫ت بينهم؛ فتسلطت‬
‫وبُعد عن منهج اإلسالم‪ ،‬وتفشي المنكرا ِ‬
‫ضتَهم‪.‬‬
‫عليهم أمم الكفر‪ ،‬واستباحت بي َ‬

‫ي صلى هللا عليه وسلم من الفتن وحذَّر من الوقوع‬


‫وقد أنذر النب ُّ‬
‫فيها‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم‪َ (( :‬باد ُِروا ِباْل َ ْع َما ِل ِفتَنًا َك ِق َ‬
‫ط ِع‬
‫الر ُج ُل ُمؤْ ِمنًا َويُ ْمسِى َكافِ ًرا‪ ،‬أَ ْو يُ ْمسِى ُمؤْ ِمنًا‬
‫ص ِب ُح َّ‬ ‫اللَّ ْي ِل ْال ُم ْ‬
‫ظ ِل ِم يُ ْ‬
‫ض ِمنَ الدُّ ْن َيا))‪ .‬وعن أبي هريرة‬
‫ص ِب ُح َكافِ ًرا‪َ ،‬ي ِبي ُع دِينَهُ ِب َع َر ٍ‬
‫َويُ ْ‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ش ُّح َويَ ْكث ُ ُر‬ ‫ض ْال ِع ْل ُم َوتَ ْ‬
‫ظ َه ُر ْال ِفتَ ُن َويُ ْلقَى ال ُّ‬ ‫ان َويُ ْقبَ ُ‬ ‫ب َّ‬
‫الز َم ُ‬ ‫((يَتَقَ َ‬
‫ار ُ‬
‫ْال َه ْر ُج))‪ .‬قَالُوا َو َما ْال َه ْر ُج قَا َل‪ْ :‬‬
‫((القَتْلُ))‪.‬‬
‫عباد هللا‪:‬‬
‫سنةُ النبي‬ ‫كتاب هللا َّ‬
‫عز وجل‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إن َّأو َل ما يُعتص ُم به من الفتن‪:‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإنه ال نجاة لألمة من الفتن والشدائد إال‬
‫باالعتصام بهما‪ ،‬ومن تمسك بهما أنجاه هللا‪ ،‬ومن دعا إليهما‬
‫ِي إلى صراط مستقيم‪ ،‬يقول هللا تعالى ‪َ ﴿:‬وا ْعتَ ِ‬
‫ص ُموا ِب َح ْب ِل َّ‬
‫َّللاِ‬ ‫ُهد َ‬
‫َج ِميعًا َو َال تَفَ َّرقُوا ﴾‪ ،‬ويقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬تَ َر ْكتُ‬
‫سنَّةَ نَ ِب ِي ِه))‪.‬‬ ‫ضلُّوا َما ت َ َم َّ‬
‫س ْكت ُ ْم ِب ِه َما ِكت َ َ‬
‫اب َّ ِ‬
‫َّللا َو ُ‬ ‫فِي ُك ْم أ َ ْم َري ِْن لَ ْن ت َ ِ‬

‫الربانين؛ فهم‬
‫ِ‬ ‫يعص ُم من الفتن ‪:‬االلتفاف حول العلماء‬
‫ومما ِ‬
‫َّ‬
‫الحق من الباط ِل‪ ،‬وال ُهدَى‬ ‫أنصار شرع هللا‪ ،‬والذين يبينون للناس‬
‫ُ‬
‫من الضالل‪ ،‬روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ِ (( :‬إ َّن‬
‫اس َمفَاتِي َح‬ ‫اس َمفَاتِي َح ِل ْل َخي ِْر َمغَا ِليقَ ِلل َّ‬
‫ش ِر‪َ ،‬و ِإ َّن ِم ْن النَّ ِ‬ ‫ِم ْن النَّ ِ‬
‫َّللاُ َمفَا ِتي َح ْال َخي ِْر َ‬
‫علَى‬ ‫ش ِر َمغَا ِليقَ ِل ْل َخي ِْر‪ ،‬فَ ُ‬
‫طو َبى ِل َم ْن َج َع َل َّ‬ ‫ِلل َّ‬
‫علَى يَدَ ْي ِه))‬ ‫َّللاُ َمفَاتِي َح ال َّ‬
‫ش ِر َ‬ ‫يَدَ ْي ِه‪َ ،‬و َو ْي ٌل ِل َم ْن َج َع َل َّ‬
‫فالعلماء هم القدوة‪ ،‬وهم المربون‪ ،‬وهم العون بعد هللا في هذا‬
‫الطريق ومن هذه الفتن‪ ،‬والذئب ال يأكل من الغنم إال القاصية‪،‬‬
‫يقول ُ‬
‫ابن القيم رحمه هللا‪ :‬وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا‬
‫الظنون وضاقت بنا اْلرض أتيناه ‪ -‬يعني شي َخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫فيذهب ذلك ُكلُّه‬
‫َ‬ ‫رحمه هللا ‪ -‬فما هو إال أن نراه ونسمع كالمه‬
‫عنا‪.‬‬

‫ومما يُعتصم به من الفتن ‪:‬لزوم الجماعة‪ ،‬فاهلل جل وعال يقول ‪:‬‬


‫َّللا َج ِميعًا َو َال تَفَ َّرقُوا ﴾‪ ،‬ونبينا صلى هللا عليه‬ ‫﴿ َوا ْعتَ ِ‬
‫ص ُموا ِب َح ْب ِل َّ ِ‬
‫ع ِة َو ِإيَّا ُك ْم َو ْالفُ ْرقَةَ))‪ ،‬وفي‬
‫علَ ْي ُك ْم ِب ْال َج َما َ‬ ‫وسلم يقول‪(( :‬أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس َ‬
‫رواية‪َ (( :‬م ْن أ َ َرادَ بُ ْحبُو َحةَ ْال َجنَّ ِة فَ ْليَ ْلزَ ْم ْال َج َما َ‬
‫عةَ))‪ ،‬وقد أوصى‬
‫ُ‬
‫ابن مسعود رضي هللا عنه من سألوه عن الفتن بقوله‪( :‬اتقوا هللا‬
‫واصبروا حتى يستري َح َب ٌر‪ ،‬أو يُست َ َرا َح من فَ ِ‬
‫اجر‪ ،‬وعليكم‬
‫بالجماعة فإن هللا ال يجمع أ ُ َّمةَ محم ٍد على ضاللة)‪ ،‬ولما سأل‬
‫حذيفةُ رضي هللا عنه رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم عن الشر‬
‫وبيَّنه له‪ ،‬قال‪ :‬فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال له‪(( :‬تَ ْلزَ ُم‬
‫عةَ ْال ُم ْس ِل ِمينَ َو ِإ َما َم ُه ْم))‪.‬‬
‫َج َما َ‬

‫َّ‬
‫ولكن الجماعة من‬ ‫أن الجماعةَ ليست بالكثرة؛‬
‫واعلموا عباد هللا َّ‬
‫سنَّة والجماعة‪ ،‬يقول عبدهللا بن مسعود‬
‫كان على منهج أهل ال ُّ‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬لو أن فقيها ً على رأس جبل لكان هو الجماعة‪.‬‬
‫و هذا متحقق في هذا الزمان الذي شغر من سلطان عام وخال‬
‫من إمامة جامعة‪.‬‬

‫سلُّ ُح بالعلم ‪ ،‬حيث يقول النبي صلى هللا‬ ‫ص ُم من الفتن‪ :‬الت َّ َ‬ ‫ومما ي ْع ِ‬
‫شدِيدٌ ال‬
‫ان َبال ٌء َ‬
‫الز َم ِ‬ ‫يب أ ُ َّم ِتي ِفي ِ‬
‫آخ ِر َّ‬ ‫ص ُ‬ ‫عليه وسلم‪ِ (( :‬إنَّهُ َ‬
‫سي ُ ِ‬
‫سانِ ِه وقَ ْل ِبه))‪.‬‬
‫ف دِينَ هللاِ فَ َجا َهدَ علَ ْي ِه ِب ِل َ‬ ‫يَ ْن ُجو ِم ْنهُ إالَّ َر ُج ٌل َ‬
‫ع َر َ‬

‫مطلب مه ٌم في مواجهة الفتن؛ ليكون المسل ُم على بصيرةٍ‬


‫ٌ‬ ‫فالعلم‬
‫من دينه‪ ،‬ومن فقد العلم تخبَّ َ‬
‫ط في الفتن‪ ،‬قال شي ُخ اإلسالم ُ‬
‫ابن‬
‫تيمية رحمه هللا‪ :‬إذا انقطع عن الناس نور النبوة؛ وقعوا في‬
‫ظلمة الفتن‪ ،‬وحدثت البدع والفجور‪ ،‬ووقع الشر بينهم‪.‬‬

‫ُ‬
‫والرفق والحل ُم وعد ُم العجلة‪ ،‬حتى‬ ‫ومما يعصم من الفتن‪ :‬التأني‬
‫اْلمور على حقيقتِها‪ ،‬يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫يَ َرى‬
‫ش ْيءٍ ِإالَّ‬
‫ع ِم ْن َ‬ ‫ش ْيءٍ ِإالَّ زَ انَهُ َوالَ يُ ْنزَ ُ‬ ‫الر ْفقَ الَ َي ُك ُ‬
‫ون ِفي َ‬ ‫(( ِإ َّن ِ‬
‫صلَتَي ِْن يُ ِحبُّ ُه َما َّ‬
‫َّللاُ‪،‬‬ ‫يك َخ ْ‬ ‫شَانَهُ))‪ ،‬وقال ْلشج عبد القيس‪ِ (( :‬إ َّن فِ َ‬
‫ْال ِح ْل ُم َواْلَنَاةُ))‪.‬‬

‫أما العجلة فإنها ليست من منهج اْلمة المحمدية‪ ،‬وخاصة في‬


‫زمن الفتن‪.‬‬

‫ص ُم من الفتن ‪:‬الثقةُ بنصر هللا مهما ادله َّمت الظلمات‪،‬‬


‫ومما ي ْع ِ‬
‫واشتدَّت الفتن‪ ،‬يقول هللا تبارك وتعالى ‪َ ﴿:‬حتَّى ِإذَا ا ْستَيْأ َ َ‬
‫س‬
‫ي َم ْن نَشَا ُء َو َال‬ ‫ظنُّوا أَنَّ ُه ْم قَ ْد ُك ِذبُوا َجا َء ُه ْم نَ ْ‬
‫ص ُرنَا فَنُ ِج َ‬ ‫س ُل َو َ‬ ‫الر ُ‬
‫ُّ‬
‫ع ِن ْالقَ ْو ِم ْال ُم ْج ِر ِمينَ ﴾‬
‫سنَا َ‬‫يُ َردُّ َبأ ْ ُ‬

‫النظر في عواقب اْلمور‪ ،‬ففي زمن‬


‫ُ‬ ‫ومما يُعتصم به من الفتن ‪:‬‬
‫الفتن ليس ُك ُّل مقا ٍل يُقَال‪ ،‬وال ُك ُّل فع ٍل يُ ْف َعل‪ ،‬وإن بَدَا لك حسنا ً‬
‫تعلم عواق َبه وما يترتَّب عليه‪.‬‬
‫حتى َ‬

‫واعلموا عباد هللا َّ‬


‫أن الصبر من أعظم ما يعين على االعتصام‬
‫ش ْيءٍ ِمنَ ْالخ َْو ِ ْ‬ ‫من الفتن‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬ولَنَ ْبلُ َونَّ ُك ْم ِب َ‬
‫ف َوال ُجوعِ‬
‫صا ِب ِرينَ *الَّذِينَ‬ ‫ص ِمنَ ْاْل َ ْم َوا ِل َو ْاْل َ ْنفُ ِس َوالث َّ َم َرا ِ‬
‫ت َو َبش ِِر ال َّ‬ ‫َونَ ْق ٍ‬
‫اجعُونَ *أُولَئِ َك َ‬
‫علَ ْي ِه ْم‬ ‫صيبَةٌ قَالُوا ِإنَّا ِ َّ ِ‬
‫َّلل َو ِإنَّا ِإلَ ْي ِه َر ِ‬ ‫ِإذَا أَ َ‬
‫صابَتْ ُه ْم ُم ِ‬
‫ات ِم ْن َر ِب ِه ْم َو َر ْح َمةٌ َوأُو َل ِئ َك ُه ُم ْال ُم ْهتَدُونَ ﴾‪ ،‬ويقول النبي‬ ‫ص َل َو ٌ‬
‫َ‬
‫صب ُْر فِي ِه َّن ِمثْ ُل‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬فَإِ َّن ِم ْن َو َرائِ ُك ْم أَيَّا ًما ال َّ‬
‫علَى ْال َج ْم ِر‪ِ ،‬ل ْل َع ِ‬
‫ام ِل فِي ِه َّن ِمثْ ُل أ َ ْج ِر خ َْمسِينَ َر ُج ًال‬ ‫ْالقَب ِ‬
‫ْض َ‬
‫َّللا أَ ْج ُر خ َْمسِينَ ِمنَّا أَ ْو‬
‫سو َل َّ ِ‬ ‫َي ْع َملُونَ ِمثْ َل َ‬
‫ع َم ِل ُك ْم))‪ .‬قِي َل‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ِم ْن ُه ْم؟ قَا َل‪(( :‬أَ ْج ُر َخ ْمسِينَ ِم ْن ُك ْم))‪.‬‬

‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬ونفعني وإياكم بما فيه من‬
‫اآليات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون‪ ،‬وأستغفر هللا لي ولكم‬
‫من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫الحمد هلل القوي القاهر العزيز الغالب الفعال لما يريد‪ ،‬أحاط ‪-‬‬
‫سبحانه‪ -‬بكل شيء علما ووسع كل شيء رحمة وحلما‪ ،‬وقهر‬
‫كل مخلوق عزة وحكما‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له يفعل ما يشاء ويحكم‬


‫ما يريد‪ ،‬ال مع ِقب لحكمه وال رادَّ لقضائه ‪ِ :‬إنَّ َما أَ ْم ُرهُ ِإذَا أَ َرادَ‬
‫ش ْيئًا أَ ْن يَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ‬
‫ون‬ ‫َ‬

‫و أشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله‬


‫وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫معصوم إالَّ من‬
‫َ‬ ‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬واستعيذوا به من الفتن‪ ،‬فال‬
‫ش ْيءٍ َح ِفي ٌ‬
‫ظ﴾‬ ‫علَى ُك ِل َ‬
‫عصمه هللا‪ِ ﴿ ،‬إ َّن َر ِبي َ‬

‫عباد هللا‪:‬‬
‫شم ُر‬
‫في أوقات الفتن تكثر اإلشاعات‪ ،‬وتنشط الدعايات‪ ،‬ويُ ِ‬
‫ارة‪ ﴿ ،‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا‬
‫ب واإلثَ َ‬
‫ضون عن سواعدهم بال َك ِذ ِ‬
‫غر ُ‬
‫ال ُم ِ‬
‫ِإ ْن َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌق ِبنَ َبإٍ فَتَ َبيَّنُوا أ َ ْن ت ُ ِ‬
‫صيبُوا قَ ْو ًما ِب َج َهالَ ٍة فَت ُ ْ‬
‫ص ِب ُحوا‬
‫علَى َما فَ َع ْلت ُ ْم نَاد ِِمينَ ﴾‬
‫َ‬
‫وكفى بالمرء إثما ً أن يُحد َ‬
‫ِث بكل ما سمع‪ ،‬يقول عمر رضي هللا‬

‫سان فيها مث ُل ِ‬
‫وقع السيف)‪ ،‬ومن‬ ‫الل ِ‬
‫عنه‪( :‬إياكم والفتن‪ ،‬فإن وق َع ِ‬
‫التاريخ تبيَّنَ له ذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫أحداث‬ ‫تتبع‬

‫التعرض لها أو‬


‫ِ‬ ‫ومما يعصم من الفتن ‪:‬البعدُ عن مواطنها وعد ُم‬
‫ستَ ُك ُ‬
‫ون‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫َّللا صلى هللا عليه وسلم‪َ (( :‬‬ ‫الخوض فيها‪ ،‬قا َل َر ُ‬
‫ِ‬
‫فِت َ ٌن ْالقَا ِعدُ فِي َها َخي ٌْر ِمنَ ْالقَائِ ِم‪َ ،‬و ْالقَائِ ُم فِي َها َخي ٌْر ِمنَ ْال َما ِشي‪،‬‬
‫ف لَ َها تَ ْستَ ْش ِرفُهُ‪َ ،‬و َم ْن‬
‫سا ِعي‪َ ،‬م ْن تَش ََّر َ‬ ‫َو ْال َما ِشي فِي َها َخي ٌْر ِمنَ ال َّ‬
‫َو َجدَ فِي َها َم ْل َجأ ً فَ ْل َيعُ ْذ ِب ِه))‪ ،‬قال النووي رحمه هللا تعالى‪( :‬معناه‪:‬‬
‫ب منها ومن‬
‫والهر ُ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫والحث على تجنُّ ِب َها‬ ‫خطرهَا‬
‫ِ‬ ‫عظيم‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫بيان‬
‫ب‬
‫س ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون على َح َ‬ ‫شرهَا وفتْنَتَها‬ ‫التشبث في شيء منها‪َّ ،‬‬
‫وأن َّ‬
‫الت َّ َعلُّ ِ‬
‫ق بها)‪.‬‬
‫وقال أبو الدرداء رضي هللا عنه‪( :‬ال تقربوا الفتنة إذا َح ِم َي ْ‬
‫ت‪،‬‬
‫ت‪ ،‬واض ِْربُوا أ ْهلَ َها إذَا أ ْقبَلَ ْ‬
‫ت)‪.‬‬ ‫ض ْ‬
‫ع َر َ‬
‫ضوا لها إذا َ‬
‫تعر ُ‬
‫وال َّ‬

‫االختالف بين العبا ِد وخصوصا ً زمن الفتن‪:‬‬


‫ِ‬ ‫وم ْن أقوى أسبا ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫قدان العد ِل واإلنصاف‪ ،‬وهللا جل وعال يقول ‪َ ﴿:‬و ِإذَا قُ ْلت ُ ْم‬ ‫فُ ُ‬
‫فَا ْع ِدلُوا َولَ ْو َكانَ ذَا قُ ْربَى ﴾‪ ،‬ويقول ‪ ﴿:‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ُكونُوا‬
‫علَى أَ َّال تَ ْع ِدلُوا‬
‫َآن قَ ْو ٍم َ‬
‫شن ُ‬‫ش َهدَا َء ِب ْال ِق ْس ِط َو َال َي ْج ِر َمنَّ ُك ْم َ‬ ‫قَ َّو ِامينَ ِ َّ ِ‬
‫َّلل ُ‬
‫ب ِللت َّ ْق َوى ﴾‬ ‫ا ْع ِدلُوا ُه َو أَ ْق َر ُ‬

‫فإذا غلبوكم على العدل في اْلحكام فال يغلبنكم عليه أحد في‬
‫خاصة أنفسكم و ما تعولون‪.‬‬

‫الفتن في‬
‫ِ‬ ‫ومن اْلخطاء العظيمة في زمن الفتن ‪:‬مراجعةُ أحادي ِ‬
‫ث‬
‫وأشخاص معيَّنين‪ ،‬وهذا منه ٌج‬
‫ٍ‬ ‫وقت الفتنة‪ ،‬وتطبيقُها على أوقا ٍ‬
‫ت‬
‫خاطئ‪ ،‬فمنهج أهل السنة والجماعة أنهم يذكرون أحاديث الفتن‬
‫للتحذير منها‪ ،‬وإبعا ِد المسلمين من القرب عنها‪ ،‬وليعتقدوا صحةَ‬
‫عونَ الواق َع هو الذي‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويَدَ ُ‬
‫ما أخبر به النب ُّ‬
‫اْلمر قالوا كما قال صحابة رسول هللا صلى هللا‬
‫ُ‬ ‫ينطق‪ ،‬فإذا وقع‬
‫سولُهُ َو َما‬ ‫سولُهُ َو َ‬
‫صدَقَ َّ‬
‫َّللاُ َو َر ُ‬ ‫عليه وسلم ‪َ ﴿:‬هذَا َما َو َ‬
‫عدَنَا َّ‬
‫َّللاُ َو َر ُ‬
‫زَ ادَ ُه ْم ِإ َّال ِإي َمانًا َوتَ ْس ِلي ًما ﴾‬

‫أن على المسلم أن يُكثِ َر من الت َّ َع ُّو ِذ باهلل من الفتن‪ ،‬أ ُ ْس َوة ً‬
‫كما َّ‬
‫بالنبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد كان من دعائه صلى هللا عليه‬
‫ت َوتَ ْر َك‬ ‫وسلم في صالته‪(( :‬اللَّ ُه َّم ِإنِي أ َ ْسأَلُ َك فِ ْع َل ْال َخي َْرا ِ‬
‫ضنِي ِإلَي َْك‬ ‫ِك فِتْنَةً فَا ْق ِب ْ‬
‫ت ِب ِع َباد َ‬‫ين َو ِإذَا أ َ َر ْد َ‬
‫سا ِك ِ‬ ‫ب ْال َم َ‬ ‫ْال ُم ْن َك َرا ِ‬
‫ت َو ُح َّ‬
‫غي َْر َم ْفتُون))‪ ،‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ت َ َع َّوذُوا ِب َّ ِ‬
‫اَّلل ِمنَ‬ ‫َ‬
‫ْال ِفت َ ِن َما َ‬
‫ظ َه َر ِم ْن َها َو َما بَ َ‬
‫طنَ ‪.‬‬

‫هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول هللا فقد أمركم بذلك‬
‫صلُّونَ َ‬
‫علَى النَّ ِبي ِ َيا‬ ‫ربكم فقال عز من قائل‪ِ { :‬إ َّن َّ‬
‫َّللاَ َو َمالئِ َكتَهُ يُ َ‬
‫س ِل ُموا ت َ ْس ِليما ً }‪.‬‬ ‫صلُّوا َ‬
‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا َ‬

‫صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله‬


‫ِ‬ ‫اللهم‬
‫الطيبين الطاهرين‪ ،‬وارض اللهم عن الخلفاء اْلربعة الراشدين‪:‬‬
‫أبي بكر و عمر و عثمان و علي‪ ،‬وعن سائر الصحابة‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وعنا معهم بعفوك‬
‫ٍ‬ ‫والتابعين‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫وكرمك وجودك يا أكرم اْلكرمين‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬واحم‬


‫حوزة الدين‪ ،‬واخذل الطغاة والمالحدة وكل أعداء الدين‪ ،‬واجعل‬
‫هذا البلد آمنا ً مطمئنا ً سخا ًء رخا ًء وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫اللهم إن أئمة الكفر قد طغوا وبغوا‪ ،‬وآذوا وأفسدوا‪ ،‬اللهم أرنا‬


‫فيهم عجائب قدرتك‪ ،‬اللهم أنزل بهم بأسك الذي ال يرد عن القوم‬
‫المجرمين‪ ،‬اللهم من أرادنا وأراد اإلسالم والمسلمين بسوء‬
‫فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين‬
‫اللهم ارحم موتى المسلمين‪ ،‬واشف مرضاهم‪ ،‬وفك أسراهم‪،‬‬
‫وأصلح لهم شأنهم كله يا رب العالمين!‬
‫اب النَّ ِ‬
‫ار‪.‬‬ ‫سنَةً َو ِقنَا َ‬
‫عذ َ َ‬ ‫سنَةً َو ِفي ْاآل ِخ َر ِة َح َ‬
‫َربَّنَا آ ِتنَا ِفي الدُّ ْن َيا َح َ‬

‫اء ذِي ْالقُ ْر َبى َو َي ْن َهى َ‬


‫ع ِن‬ ‫ان َو ِإيتَ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َّللاَ َيأ ْ ُم ُر ِب ْال َع ْد ِل َو ْ ِ‬
‫اْل ْح َ‬ ‫ِإ َّن َّ‬
‫َاء َو ْال ُم ْن َك ِر َو ْالبَ ْغي ِ يَ ِع ُ‬
‫ظ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَذَ َّك ُرونَ ‪.‬‬ ‫ْالفَ ْحش ِ‬

‫اذكروا هللا يذكركم‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم‪ ،‬ولذكر هللا‬


‫أكبر‪ ،‬وهللا يعلم ما تصنعون‬

You might also like