Professional Documents
Culture Documents
1
عن أبي ىريرة رضي اهلل عنو قال :قال رسول اهلل -صمى اهلل عميو وسمم « :-ما يجد الشييد من مس القتل إل
كما يجد أحدكم من مس القرصة».
الشييد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليقتل عشر مرات:
عن أنس رضي اهلل عنو عن النبي -صمى اهلل عميو وسمم -قال« :ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا
ولو ما عمى األرض من شيء إل الشييد ،يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ،لما يرى من الكرامة».
الشييد في الجنة:
عن أنس بن مالك رضي اهلل عنو« :أن أم الربيع بنت البراء -وىي أم حارثة بن سراقة -أتت النبي -صمى اهلل
عميو وسمم -فقالت :يا نبي اهلل! أل تحدثني عن حارثة? -وكان قتل يوم بدر ،أصابو سيم غرب(ٔ) -فإن كان في الجنة
صبرت ،وان كان غير ذلك اجتيدت عميو في البكاء فقال :يا أم حارثة ،إنيا جنان في الجنة ،وان ابنك أصاب الفردوس
األعمى».
الشييد تكفر عنو خطاياه إل الدين:
عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص -رضي اهلل عنيما -أن رسول اهلل -صمى اهلل عميو وسمم -قال« :يغفر لمشييد
كل ذنب إل الدين».
فالشيادة في سبيل اهلل تكفر جميع ما عمى العبد من الذنوب التي بينو وبين اهلل تعالى.
الشييد رائحة دمو مسك يوم القيامة:
عن أبي ىريرة رضي اهلل عنو :أن رسول اهلل -صمى اهلل عميو وسمم -قال« :والذي نفسي بيده ،ل ُي ْكمَم أحد في
سبيل اهلل -واهلل أعمم بمن ُي ْكمَم في سبيمو -إل جاء يوم القيامة ،والمون لون الدم ،والريح ريح المسك»(.)6
الشييد تظمو الملئكة بأجنحتيا:
عن جابر بن عبد اهلل -رضي اهلل عنيما -قال« :جيء بأبي يوم أحد قد مثل بو ،حتى وضع بين يدي رسول اهلل -
ثوبا ،فذىبت أريد أن أكشف عنو فنياني قومي ،ثم ذىبت أكشف عنو فنياني قومي،
صمى اهلل عميو وسمم -وقد سجي ً
فأمر رسول اهلل -صمى اهلل عميو وسمم -فرفع ،فسمع صوت صائحة فقال :من ىذه? فقالوا :ابنة عمرو أو أخت عمرو،
قال :فمم تبكي? أو :ل تبكي ،فما زالت الملئكة تظمو بأجنحتيا حتى رفع».
الشييد يشفع في سبعين من أىمو:
عن المقدام بن معدي كرب رضي اهلل عنو قال :قال رسول اهلل -صمى اهلل عميو وسمم « :-لمشييد عند اهلل ست
خصال ،يغفر لو في أول دفعة ،ويرى مقعده من الجنة ،ويجار من عذاب القبر ،ويأمن من الفزع األكبر ،ويوضع عمى
رأسو تاج الوقار :الياقوتة منيا خير من الدنيا وما فييا ،ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ،ويشفع في سبعين
من أقاربو».
العنصر الثاني :الشييد الحقيقي والشييد المزيف
2
نعني بالشييد الحقيقي كل من ثبت بأدلة الشرع أنو شييد حتى وان لم يقتل في قتال الكفار ،ونعني بالشييد المزعوم
تمك األوصاف التي لم يثبت بالشرع أن صاحبيا شييد ،بل إن بعض ىذه األوصاف في األصل معصية وليست طاعة.
فالشييد –في األصل -ىو :من يقتل في سبيل اهلل؛ إلعلء كممة اهلل ،في أرض الجياد.
وحيث إن المجاىدين قميمون ،فإن الشيداء أقل ،ولذا فقد تفضل اهلل بمنو وكرمو بأن ألحق بعض المؤمنين بمراتب
الشيداء بميتات مخصوصة ،وذلك الفضل من اهلل يؤتيو من يشاء.
قال أىل العمم :إن سبب جعل ىؤلء في مراتب الشيداء ىو أنيم ماتوا بـ «ميتات فييا شدة ،تفضل اهلل عمى أمة
تمحيصا لذنوبيم ،وزيادة في أجورىم ،يبمغيم بيا مراتب الشيداء».
ً محمد -صمى اهلل عميو وسمم -بأن جعميا
عن أبي ىريرة -رضي اهلل عنو -أن رسول اهلل -صمى اهلل عميو وسمم -قال« :الشيداء خمسة :المطعون،
والمبطون ،والغرق ،وصاحب اليدم ،والشييد في سبيل اهلل».
ومن الجائز إطلق الشيادة بالوصف ،مثل أن يقال :كل من قُتل في سبيل اهلل فيو شييد ،ومن قتل دون مالو فيو
شييد ،ومن مات بالطاعون فيو شييد ،ونحو ذلك ،ألن ىذا جاءت بو النصوص؛
ولكن اختمف أىل العمم في إطلق لفظة شييد عمى من مات بسبب من أسباب الشيادة وقد توفرت فيو الشروط
وانتفت عنو الموانع الظاىرة كأن يقال :فلن شييد ،فقال بعضيم :ل يجوز أن نشيد لشخص بعينو أنو شييد ،وقال بعض
أىل العمم :يجوز أن نشيد لممعين ،بأنو شييد إذا توافرت فيو الشروط.
ومن األخطاء الفادحة في ىذا الزمان إطلق لفظة "شييد" عمى كل أحد ،فإن تسمية الكفار من ممحدين وييود
ونصارى وغيرىم بشيداء فيذا قدح في عقيدة من قال ذلك ،وجيل منو بأبسط مبادئ اإلسلم وأصول اإليمان ،قال تعالى:
ِ ِ ِ ِ ِ ?ومن ي ْبتَ ِغ َغ ْير ِ ِ ِ
اإل ْسلَم ديناً َفمَن ُي ْقَب َل م ْنوُ َو ُى َو في اآلخ َرِة م َن اْل َخاس ِر َ
ين? [آل عمران.]88 : َ ََ َ
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمو اهلل« :-وأما ما ينشر في الصحف وما أشبو ذلك من مثل ىذه األلقاب التي قد تقال
صحفيا
ً يتحرى اإلنسان فيما يقول ،سواء كان لمن يجزم اإلنسان بأنو ليس من المؤمنين فضلً عن الشيداء؛ فإن الواجب أن ّ
يد? [ق.».]ٔ8 :يب َعتِ ٌ
سيسأل عما قال ،كما قال اهلل تعالىَ ? :ما َيْم ِفظُ ِمن قَ ْو ٍل إِل لَ َد ْي ِو َرِق ٌ
أم غير صحفي ألنو ُ
كما أدرج البعض أوصافًا لنيل الشيادة غير األوصاف التي قيدتيا النصوص الشرعية ،كقول بعضيم" :شييد البيئة"
لمن قتل وىو يحافظ عمى نظافة بمدتو ،أو "شييد الفن" لمن مات وىو يقوم بجياد فني -عمى زعميم -ولو كان بعممو الفني
ىذا يحارب اهلل ورسولو ،أو "شييد العروبة" ولو كان ىذا مقتولً في عصبية قومية جاىمية ،أو "شييد الحرية" ،أو "شييد
العمم" ،وغيرىا من األوصاف التي قد يكون في أكثرىا مضادة لحكم اهلل ورسولو -صمى اهلل عميو وسمم ،-وىذه كميا
دعاوى باطمة وتسميات زائفة أرخصت بيا منزلة الشيادة العظيمة التي جاء اإلسلم برفع مكانتيا واعلء شأنيا ،وأصحاب
األوصاف السابقة الذكر ل يجوز ألحد أن يطمق عمييم شيداء ،لوجوب الوقوف عند الضوابط واألصول الشرعية.
العنصر الثالث :الجياد الحقيقي والجياد المزيف
إن الجياد الحقيقي الذي يقوم عمى الشرع في وسائمو وضوابطو وأىدافو ل بد وأن ُيثمر النصر الموعود بو في
القرآن ،قال تعالى (ولينصرن اهلل من ينصره) ميما كانت درجة الستضعاف وتسمط العدو ،فمقد كان الصحابة في مكة في
3
غاية الستضعاف ،فمما حققوا شروط الجياد وتدرجوا كما أمرىم اهلل تعالى انتقموا بأنفسيم من حالة الضعف والمطاردة إلى
حالة القوة والمنعة ،وفي بادئ األمر كان النبي صمى اهلل عميو وسمم يمر عمييم فل يممك ليم إل أن يواسييم ويصبرىم
وفتح باب األمل ليم في وعد اهلل وتذكيرىم بما وعد اهلل بو الموحدين الصابرين
عن عبد اهلل بن مسعود قال" :أول من أظير إسلمو سبعة :رسول اهلل صمى اهلل عميو وسمم ،وأبو بكر ،وعمار،
وأمو سمية ،وصييب ،وبلل ،والمقداد.
فأما رسول اهلل ،صمى اهلل عميو وسمم ،فمنعو اهلل بعمو ،وأما أبو بكر ،فمنعو اهلل بقومو ،وأما سائرىم ،فألبسيم
المشركون أدراع الحديد ،وصفدوىم في الشمس ،وما فييم أحد إل وقد واتاىم عمى ما أرادوا إل بلل ،فإنو ىانت عميو نفسو
في اهلل ،وىان عمى قومو ،فأعطوه الولدان يطوفون بو في شعاب مكة وىو يقول :أحد أحد "
أحدىم ويجيعونو ويعطشونو حتى ما يقدر أن يستوي
وعن ابن عباس أنو ذكر الصحابة فقال " واهلل كانوا َليضربون َ
جالسا من شدة الضرب ،حتى يقولوا لو :اللت والعزى إليُك من دون اهلل? فيقول :نعم "
وعن عثمان رضي اهلل عنو أن النبي صمى اهلل عميو وسمم لما مر عمى آل ياسر وىم يعذبون قال "صب اًر آل ياسر
انتظار لمجزاء في اآلخرة ،فمم يكن
ًا فإن موعدكم الجنة" ،" ،فالحديث في ىذه المرحمة كان عن الحتساب والتحمل والصبر
يموح في األفق القريب حديث عن المقاومة أو الدفاع؛ فضلً عن المبادأة واليجوم.
ولم يكن أصحاب رسول اهلل صمى اهلل عميو وسمم آنذاك جبناء ول أذلة في نفوسيم بل كانوا متشوفين لمدفاع عن
أنفسيم والنتقام من عدو اهلل وعدوىم.
ولكنيم منعوا من الجياد بالسيف فسمعوا وأطاعوا وقدموا داعي الشرع عمى داعي العاطفة والحماس فأفمحوا أورد
القرطبي عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً لو أتوا النبي صمى اهلل عميو وسمم بمكة فقالوا :يا نبي اهلل ،كنا
في عز ونحن مشركون ،فمما آمنا صرنا أذلة _أي يعذبنا أىل مكة ول نرد عن أنفسنا_ ? فقال( :إني أمرت بالعفو فل
تقاتموا القوم).
يق ِم ْنيُ ْم
ب َعمَْي ِي ُم اْل ِقتَا ُل إِ َذا
فَ ِر ٌ ِ
يموا الصلةَ َوآتُوا الزَكاةَ َفمَما ُكت َ
ِ ُّ ِ قال تعالى :أَلَم تَر إِلَى ال ِذ ِ
ين قي َل لَيُ ْم ُكفوا أ َْيد َي ُك ْم َوأَق ُ
َ ْ َ
الد ْن َيا َقمِي ٌل
ُّ
يب ُق ْل َمتَاعُ َج ٍل قَ ِر ٍ ِ
ت َعمَْي َنا اْلقتَا َل لَ ْول أَخ ْرتََنا إِلَى أ ََشد َخ ْش َيةً َوقَالُوا َرب َنا لِ َم َكتَْب َاس َك َخ ْش َي ِة الم ِو أ َْو أ َ
َي ْخ َش ْو َن الن َ
ون فَتِيل اآلخ َرةُ َخ ْيٌر لِ َم ِن اتقَى َول تُ ْ
ظمَ ُم َ
و ِ
َ
قال أىل العمم :نزلت في قوم من الصحابة كانوا قد أمروا بالكف عن القتال قبل أن يفرض الجياد ،فتمنوا أن يؤمروا
بو ،فمما أمروا بو كرىوه ،ل شكا في دينيم ،ولكن خوفا من الموت.
قال العلمة السعدي في تفسيره :كان المسممون -إذ كانوا بمكة -مأمورين بالصلة والزكاة التي ىي مواساة الفقراء،
ولم يؤمروا بجياد األعداء لعدة فوائد:
منيا :أن من حكمة الباري تعالى أن يشرع لعباده الشرائع عمى وجو ل يشق عمييم؛ ويبدأ باألىم فاألىم ،واألسيل
فاألسيل.
4
وع َد ِد ِىم وكثرة أعدائيم -ألدى ذلك إلى اضمحلل اإلسلم، ِِ
ومنيا :أنو لو فرض عمييم القتال -مع قمة َع َددىم ُ
فروعي جانب المصمحة العظمى عمى ما دونيا ولغير ذلك من ِ
الح َكم.
وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عمييم القتال في تمك الحال ،غير اللئق فييا ذلك ،وانما اللئق فييا
القيام بما أمروا بو في ذلك الوقت من التوحيد والصلة والزكاة ونحو ذلك وىؤلء لم يكونوابأكثر شجاعة من الذين صبروا
وتحمموا ولم يستعجموا الصدام ،بل إنيم ما استعجموا القتال إل لما ضاقوا ذرًعا بما احتممو األكابر ،فمما ىاجروا إلى المدينة
وقوي اإلسلمُ ،كتب عمييم القتال في وقتو المناسب لذلك ،فقال فريق من الذين يستعجمون القتال قبل ذلك خوفا من الناس
ت َعمَ ْي َنا اْل ِقتَا َل } ? وفي ىذا تضجرىم واعتراضيم عمى اهلل ،وكان الذي ينبغي ليم ضد ىذه وضعفا وخو ارَ { :رب َنا لِ َم َكتَْب َ
يب } أي :ىل َج ٍل قَ ِر ٍ
الحال ،التسميم ألمر اهلل والصبر عمى أوامره ،فعكسوا األمر المطموب منيم فقالوا { :لَ ْول أَخ ْرتََنا إِلَى أ َ
كثير ما تعرض لمن ىو غير رزين واستعجل في األمور
أخرت فرض القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر ،وىذه الحال ًا
قبل وقتيا ،فالغالب عميو أنو ل يصبر عمييا وقت حموليا ول ينوء بحمميا ،بل يكون قميل الصبر.
أحدا منيم
وكانت هلل في ذلك الحكمة البالغة فإنيم لو قاتموا عدوىم مع ضعفيم وقمتيم لستأصميم وأفناىم ،ولو أن ً
خالف ما أمره اهلل تعالى بو ورسولو من الصبر وكف األيدي وأن يعفوا وأن يصفحوا حتى يأتي اهلل بأمره ،ألعطى ليؤلء
الكفار فرصة من ذىب حيث يقومون عمى المسممين الذين ل منعة ليم ويستأصمونيم ،وتكون الصورة أمام العالم كمو أن
يشا معيا حق ،قتمت أبنائيا العاقين الذين خرجوا عمييا بالسلح.
قر ً
ولما ىاجر النبي صمى اهلل عميو وسمم إلى المدينة ومن اهلل عميو بالعدد والعدة وتييأ لو العضد والنصر واستكممت
األسباب الحسية والمعنوية جاء اإلذن من اهلل بجياد المشركين بالسيف ل رغبة في سفك الدماء وازىاق األرواح والتوسع في
الديار واألموال والغنائم ولكن إلخراج الناس من عبادة األوثان واألصنام واألنبياء واألولياء والصالحين إلى عبادة اهلل وحده
المسممين ع اًز ومجداً ورفعة وذك اًر حارت فيو العقول واألفيام ولكن من عرف سنن
َ اإلسلم و
َ الجياد
ُ لقد أورث ذلك
اهلل في عباده ل يحار ول يعجب فإن اهلل ل يخمف الميعاد وأمره إذا أراد شيئاً فإنما يقول لو كن فيكون.
وتمر األيام ويأتي يوم الفتح والنصر ،ويعود النبي صمى اهلل عميو وسمم إلى األماكن نفسيا؛ تمك التي شيدت عذاب
المستضعفين من أصحابو الذين مات بعضيم فوق رمال الصحراء تحت لييب األسواط!
الصدمة ىائمة ،والموقف عمى أعداء اهلل قاس ،ىؤلء المسممون المستضعفون كانوا يجمدون في الصحراء حول
الكعبة ،وما يقدر عمى نصرتيم أحد.
وفي عشر سنوات فقط بعد اليجرة دانت الجزيرة العربية لدين اهلل ودخل الناس في دين اهلل أفواجاً .
إنيا قصة تمكين ألمة ما كان يأبو ليا أحد ،فصارت ملء السمع والبصر ،وحفرت وجودىا في جدار التاريخ
لقد انتقل النبي صمى اهلل عميو وسمم بالمسممين من حالة الضعف والمطاردة إلى حالة القوة والمنعة ،وفق خطوات
مدروسة ومنيج مرسوم ،يوظف المتاح ويتحرك من مربع آلخر بيدوء وتأن ،دون تعجل في الصدام ،ول تيور في
المواجية ،ودون أن يصادم سنن اهلل الشرعية والكونية رغم عممو بـأنو مؤيد من فوق سبع سماوات.
5
ولم تتجاوز دعوة النبي صمى اهلل عميو وسمم ربع قرن من الزمان حتى غيرت موازين القوى بالجزيرة العربية بأكمميا،
حتى إن صناديد الكفر لم يتصوروا ىذا التطور اليائل ،وىذه النقمة النوعية خلل ىذه المدة اليسيرة ،فقد مرت عمى الواحد
منيم ىذه المراحل كأنيا طيف من الخيال.
وبعد ٔ6سنة من ىجرتو صمى اهلل عميو وسمم إلى المدينة وبالتحديد في يوم الثالث عشر من رمضان لعام ٔ6ىـ
كان عمر رضي اهلل عنو يتسمم مفاتيح بيت المقدس بعد معارك ضارية في بلد الشام! أين الفرس? وأين الروم أمام قوة
المسممين?
وما تمت خمسون سنة حتى طوى اهلل تعالى ليم مشارق األرض ومغاربيا وأورثيم الشام والعراق وفارس والسند
ومصر وشمال أفريقية وغربيا كل ذلك في غضون خمسين سنة تقريباً من ىجرة النبي صمى اهلل عميو وسمم (وكان وعداً
مفعولً).
نصر اإلسلم وعزةٌ المسممين وىزيمةُ الشرك وذلةُ المشركين.
فيذه ىي ثمرة الجياد الشرعي ُ
انتفاعا واستفادة من ىذا التاريخ؛ إل أن جماعات
ً وكان من الواجب أن تكون الحركة اإلسلمية من أكثر الناس
جيدا؛ ربما تحسن توظيف المواقف الحركة اإلسلمية في كثير من مراحميا وفي كثير من مكوناتيا لم تع ىذه الدروس ً
الجزئية لتخدم بيا مواقفيا العممية لكنيا ل تق أر الرؤية الكمية ول تتعمم القضايا المحورية فمافييم مثل" :فقو الموازنات" و "فقو
األولويات" و"فقو إدارة الصراع" وغيرىا من مفاىيم األساس في تاريخ دعوة النبي صمى اهلل عميو وسمم لم تنل الحظ الكافي
من الىتمام والدراسة في أدبيات ومنيج ىذه الجماعات!
ِ
اإلخفاقات المتوالية لما يسمى في ىذه األزمنة بالجياد اإلسلمي ِ
النتكاسات المتلحقة و ولنا أن نتساءل ونحن نرى
لقد ذىبت فيو عقود طويمة وذىب فيو مئات األلوف من األنفس إن لم تصل لممليين وذىبت فيو من األموال والجيود ما ل
يعممو إل اهلل ثم لم تكن النتيجة المشاىدة اليوم إل مزيداً من تسمط العدو ومزيداً من سفك الدماء ومزيداً من الذل واليوان
الذي يصب عمى المسممين في غير بقعة من بقاع العالم اإلسلمي.
لم ينعم بمد من تمك البمدان المعنية بنعمة أمن ولم يتحرر من عدو مغتصب بل ل يزال يتمقى الضربات بعد
الضربات بيد بعضيم أو بيد عدوىم.
ولو كان جياداً حقاً كما شرع اهلل لرأينا وعد اهلل يتجمى بالنصر والتمكين فإن اهلل ل يخمف وعده.
فالتاريخ المعاصر يشيد أن بعض الجماعات اإلسلمية ل تحسن إل الصدام ول تبدأ إل بالمواجية؛ فتعادي
المجتمع وتواجو السمطة ومن ثم يضيع الحق وتكثر الدماء وتمتمئ السجون وتتكالب عمييم قوى الشرق والغرب ويوصم
غالبا ما تخرج منو الحركة اإلسلمية ضعيفة ومنيكة وربما خرجت
الدين باإلرىاب والممتزمون بالتطرف في مسمسل متكرر ً
من سياق التاريخ كمو!
ىذا الكلم الذي استقاه عمماء الدعوة من الوحي المنزل وما ىو أقوى منو مما يصرح بو كبار عمماء األمة وعقلئيا
وينزلون عميو اآليات التي نزلت عمى المنافقين وىو من
يفسره كثير من الناس عمى أنو من قبيل الجبن والخور والتخذيل ّ
التمبيس الباطل ألن التخذيل الذي ذمو اهلل ويذمو كل مؤمن إنما يكون عن الجياد المشروع ل عن القتال المذموم.
6
ليست كل دعوة إلى حقن الدماء تخذيلً .فيل كان النبي صمى اهلل عميو وسمم عندما صالح كفار مكة عمى وضع
الحرب وح ْق ِن الدماء محارباً لمجياد والمجاىدين
النسحاب من المعركة لعدم التكافؤ بين جيش الصحابة وجيش
َ لقد اختار خالد بن الوليد الرجوع بالجيش في مؤتة و
الروم فيل ذمو النبي صمى اهلل عميو وسمم? ل بل مدحو وسمى عممو ذلك فتحاً .
دعوة نفاق وتخدير ل تصدر من مؤمن كما يقال اليوم..وىل الدعوة إلى حقن دماء المستضعفين ُ
ل واهلل بل ىو األمر الذي يفرضو الشرع الحنيف ويقره العقل السميم
العنصر الرابع :جياد المرحمة وواجب الوقت
إن الصادق في طمب الشيادة يبمغو اهلل تعالى منازل الشيداء وان مات عمى فراشو ،وىذا الصدق يمزم لو أل ينيزم
ب ِم ْنوُ َفمَ ْي َس ِمِّني َو َم ْن لَ ْم َي ْ
ط َع ْموُ
ِ
اإلنسان أمام شيواتو ،ولذلك قال طالوت لما برز بجنوده :إِن الموَ ُم ْبتَمي ُك ْم بَِنيَ ٍر فَ َم ْن َش ِر َ
ف ُغ ْرفَةً بَِي ِد ِه فَِإنوُ ِمِّني إِل َم ِن ْ
اغتََر َ
وذلك ألن في عدم صبرىم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل عمى عدم صبرىم عمى القتال الذي سيتطاول وتحصل
فيو المشقة الكبيرة ،وال فكيف ينتصر عمى عدوه الخارجي من لم ينتصر عمى عدوه الداخمي?! أعني نفسو وشيطانو ،والدنيا
مثل ىذا النير ،ونحن قد أصابنا العطش لشيواتنا كما أصاب ىؤلء الجنود العطش لمماء ،فالذي يستجيب لشيواتو ويتعمل
بظروف الحياة ،وتكاليف العيش ،ووطأة المسئوليات فأنى لمثل ىذا أن يكمل الطريق ،لذلك فإن طالوت عميو السلم رد
ىؤلء الذين شربوا من النير مع أنو ذاىب لمواجية عدو كثيف ىائل ،ولكن النصر ل يتنزل عمى الكثرة وانما يتنزل عمى
المؤمنين حتى وان كانوا قمة.
فالواجب عمى كل واحد منا في ىذه المرحمة أن يجاىد نفسو وأن يجاىد شيطانو وأن يجاىد الذنوب والمعاصي من
ب: ِ حولو ،وأن يحقق مراتب المجاىدة التي أشار إلييا أىل العمم ،يقول ابن القيم رحمو اهلل تعالى ( :فَاْل ِجيَ ُ
اد أ َْرَبعُ َم َرات َ
ين. ِِ اد اْل ُكف ِارَ ،و ِجيَ ُ
انَ ،و ِجيَ ُ اد الش ْيطَ ِ سَ ،و ِجيَ ُ ِجيَ ُ
اد الن ْف ِ
اد اْل ُم َنافق َ
ضا: ِ اد الن ْف ِ فَ ِجيَ ُ
ب أ َْي ًس أ َْرَبعُ َم َرات َ
اشيَا َو َم َع ِاد َىا إِل بِ ِوَ ،و َمتَى ادةَ ِفي مع ِ
ََ ق ال ِذي َل فَ َل َح لَيَا َوَل َس َع َ ين اْل َح ِّ اى َد َىا َعمَى تَ َعمُِّم اْليُ َدى َوِد ِ إِ ْح َداىا :أَن يج ِ
َ ْ َُ
ت ِفي الد َارْي ِن. فَاتَيَا ِعْم ُموُ َش ِق َي ْ
ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
ضرَىا لَ ْم َي ْنفَ ْعيَا.َن ُي َجاى َد َىا َعمَى اْل َع َم ِل بِو َب ْع َد عْمموَ ،وِال فَ ُم َجرُد اْلعْمِم بِ َل َع َم ٍل إِ ْن لَ ْم َي ُ الثان َيةُ :أ ْ
ون َما أ َْن َز َل الموُ ِم َن اْليُ َدى يم ِو من َل يعمَمو ،وِال َك ِ ِ
ان م َن الذي َن َي ْكتُ ُم َ َ َْ ُ ُ َ َْ
اى َدىا عمَى الد ْعوِة إِلَْي ِو ،وتَعمِ ِ
َ ْ َ َن ُي َج َ َ
ِ ِ
الثالثَةُ :أ ْ
اب الم ِو.
يو ِم ْن َع َذ ِ ات ،وَل ي ْنفَعو ِعْممو ،وَل ي ْن ِج ِ
َ َ ُُ ُُ َ ُ
واْلبي َِّن ِ
َ َ
استَ ْك َم َل َى ِذ ِه ِِ
ك ُكموُ لمو .فَِإ َذا ْ قَ ،وَيتَ َحم ُل َذلِ َ اق الد ْعوِة إِلَى الم ِو وأَ َذى اْل َخْم ِ
َ َ اى َد َىا َعمَى الص ْب ِر َعمَى َم َش ِّ الربِعةُ :أَن يج ِ
ا َ ْ َُ
ف اْل َحق َوَي ْع َم َل َن ُي َسمى َربانِيًّا َحتى َي ْع ِر َ ق أْ ون َعمَى أَن اْل َعالِم َل َي ْستَ ِح ُّ
َ
ِ
ف ُم ْجم ُع َ ِّين ،فَِإن السمَ َ ِ
ص َار م َن الرباني َ
ِ
ب ْاأل َْرَب َع َ
ِ
اْل َم َرات َ
وت السماو ِ
ات. ك ي ْدعى ع ِظيما ِفي ممَ ُك ِ ِ ِ ِ ِ ِّ
ََ َ بو َوُي َعم َموُ ،فَ َم ْن َعم َم َو َعم َل َو َعم َم فَ َذا َ ُ َ َ ً
7
وك اْلقَ ِاد َح ِة ِفي
الش ُك ِ ُّ ِ
ات و ُّ ِ ِ ِ ِ اى َماِ :جيَ ُ
ادهُ َعمَى َد ْف ِع َما ُيْمقي إلَى اْل َع ْبد م َن الشُبيَ َ ان ،إِ ْح َد ُ
ان فَ َم ْرتََبتَ ِ
طِ َوأَما ِجيَ ُ
اد الش ْي َ
يم ِ
ان. ِ
ْاإل َ
ينَ ،والثانِي: ِ
ون َب ْع َدهُ اْل َيق ُ
اد ْاألَو ُل َي ُك ُ ات ،فَاْل ِجيَ ُ اس َد ِة والشيو ِ
َ ََ
ات اْلفَ ِ اإلر َاد ِ
ِ ِ ِ ِ ِ
ادهُ َعمَى َد ْف ِع َما ُيْمقي إلَ ْيو م َن ْ َ الثانَِيةُِ :جيَ ُ
ون} [السجدة[ ]ٕ2 :الس ْج َد ِة: ِ
ص َب ُروا َو َك ُانوا بِ َآيات َنا ُيوِقُن َ
ون بِأ َْم ِرَنا لَما َ
ِ ِ
ون َب ْع َدهُ الص ْب ُر .قَا َل تَ َعالَىَ { :و َج َعْم َنا م ْنيُ ْم أَئمةً َي ْي ُد َ َي ُك ُ
كالش ُكو َين َي ْدفَع ُّ ِ ِ ات و ِْ ِ ِ ين إِن َما تَُنا ُل بِالص ْب ِر َواْل َي ِق ِ امةَ ِّ
الد ِ ِ
ُ اإل َر َادات اْلفَاس َدةََ ،واْل َيق ُ ين ،فَالص ْب ُر َي ْدفَعُ الشيَ َو َ َخ َب َر أَن إ َم َ ]ٕ2فَأ ْ
ات.الشبي ُِّ
َو ُ َ
ان ،فَِإ ْن بْ ،األُولَى :بِاْل َي ِد إِ َذا قَ َد َر ،فَِإ ْن َع َج َز ْانتََق َل إِلَى المِّ َس ِ ات فَثَ َل ُ ِ اب الظُّْمِم واْلبِ َد ِع واْلم ْن َكر ِاد أَرَب ِ ِ
ث َم َرات َ َ ُ َ َ َوأَما جيَ ُ ْ
اى َد بِ َقْمبِ ِو ،فَيَ ِذ ِه ثَ َلثَةَ َع َش َر َم ْرتََبةً ِم َن اْل ِجيَ ِاد.
َع َج َز َج َ
ص بِاْل َي ِدَ ،و ِجيَ ُ
اد َخ ُّاد اْل ُكف ِار أ َسَ ،و ِجيَ ُ ال ،والن ْف ِ
َ
ان ،واْلم ِ ِّ ين فَأَرَبع مراتِ َ ِ ِ
ب :باْل َقْمبَ ،والم َس ِ َ َ
ِِ
اد اْل ُكف ِار َواْل ُم َنافق َ ْ ُ َ َ َوأَما ِجيَ ُ
ص بِالمِّ َس ِ
ان. ين أَ َخ ُّ ِِ
اْل ُم َنافق َ
8