You are on page 1of 5

‫منافع الحج ومقاصده الدينية والروحية‬

‫‪ 1434/11/08‬الموافق ‪ - 14/09/2013‬الساعة ‪ 04:32‬م‬


‫أ‪.‬د‪ .‬حسن عبد الغني أبو غدة‬

‫ال يخفى أن لكل عبادة من العبادات التي شرعها هللا تعالى فوائ َد عظيمة ومقاص د جليل ة‪ ،‬تع ود على الف رد‬

‫والمجتمع‪ ،‬بل على الناس جميعا ً بالخير والنفع في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن هذه العبادات العظيم ة ذات الفوائ د‬

‫س بِا ْل َح ِّج يَأْتُوكَ ِر َج ااًل َو َعلَ ٰى‬


‫{وأَ ِّذن فِي النَّا ِ‬
‫الجليلة‪ ،‬فريضةُ الحج إلى بيت هللا الحرام‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪َ :‬‬

‫ت‪  }...‬الحج‬ ‫ش َهدُوا َمنَ افِ َع لَ ُه ْم َويَ ْذ ُك ُروا ْ‬


‫اس َم هَّللا ِ فِي أَيَّ ٍام َّم ْعلُو َم ا ٍ‬ ‫ضا ِم ٍر يَأْتِينَ ِمن ُك ِّل فَ ٍّج َع ِمي ٍ‬
‫ق * لِّيَ ْ‬ ‫ُك ِّل َ‬

‫‪28 :27‬‬

‫وقد ذكر الطبري والزمخشري‪ :‬أن هللا تعالى ن َّكر كلمة " المنافع " لتدل على العموم من غير تحدي د‪ ،‬وهي‬

‫تشمل المنافع والمقاصد الدنيوية واألخروية‪ ،‬التي ال توجد في غير عب ادة الحج[‪ .]1‬ويبقى التعب ير الق رآني‬

‫عاما ً واسعا ً شامالً للمنافع والمقاصد في كل زمان‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬قيام المسلم بأداء ركن من أركان دينه‪ :‬من منافع الحج ومقاصده أدا ُء المسلم لدعامة من دعائم دينه؛‬

‫ألن الحج ـ كما ال يخفى ـ فريضة ُمحْ َكمة على كل مسلم مس تطيع‪ ،‬ورُكن من أرك ان ه ذا ال دِّين؛ كم ا ق ال‬

‫س‪ :‬شهاد ِة أن ال إلهَ إال هللا‪َّ ،‬‬


‫وأن محمدًا رس ول‬ ‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ " :-‬بُني اإلسال ُم على خم ٍ‬

‫وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وصوم رمضان " ثاني اً‪ :‬طاع ة هللا تع الى وامتث ال أم ره‪ :‬الحج‬
‫ِ‬ ‫هللا‪،‬‬

‫عبادة عظيمة‪ ،‬فيها طاعة هللا تعالى وامتثال أمره واالستس الم ل ه‪ ،‬وإن لَم يظه ر للعق ل وجْ ه الحكم ة فيم ا‬
‫يؤديه الحاج من مناسك‪ ،‬من حيث توقيت الزمان والمكان دون بقاع األرض كله ا‪ ،‬والط واف ب البيت س بع‬

‫مرات‪ ،‬وتقبيل الحجر األسود الذي ال يضر وال ينفع‪ ،‬ورمي الجمرات‪ ،‬وتنفيذ س ائر أفع ال الحج ومناس كه‬

‫في أوق ات مح ددة وأم اكن مح ددة‪ ،‬واالمتن اع عن محظ ورات الحج من ج دال‪ ،‬وفس وق‪ ،‬وتطيُّب‪ ،‬وقص‬

‫شعر‪ ،‬وجماع‪ ،‬ولبس مخيط‪ ،‬وغير ذل ك‪...‬إلخ‪ ،‬وه ذه هي الغاي ة ال تي من أجله ا خل ق هللا تع الى الخالئ ق‬

‫كلها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواإْل ِ َ‬
‫نس إِاَّل لِيَ ْعبُ دُو ِن} ال ذاريات‪٥٦، :‬وال ش ك أن ه ذه أهم فوائ د‬

‫الحج‪ ،‬ومقاصده‪.‬‬

‫وعبادةُ الحج ـ كما ال يخفى ـ تجم ُع العديد من أنواع العبادات‪ :‬القولي ة‪ ،‬والفعلي ة البدني ة‪ ،‬والمالي ة‪ ،‬والقلبي ة‬

‫الوجدانية‪ ،‬وكل هذه ينبغي أن تُس َّخر في طاعة هللا وتقواه وامتثال أمره‪ ،‬كم ا ق ال هللا تع الى‪{ :‬لَن يَنَ ا َل هَّللا َ‬

‫ٰ‬
‫ش ِر ا ْل ُم ْح ِ‬
‫سنِينَ‬ ‫لُ ُحو ُم َها َواَل ِد َما ُؤهَا َو ٰلَ ِكن يَنَالُهُ التَّ ْق َو ٰى ِمن ُك ْم َك َذلِ َك َ‬
‫س َّخ َرهَا لَ ُك ْم لِتُ َكبِّ ُروا هَّللا َ َعلَ ٰى َما َهدَا ُك ْم َوبَ ِّ‬

‫} الحج‪. 37 :‬‬

‫روى الشيخان عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أنه ك ان يقبِّل الحج ر األس ود ويق ول‪ " :‬إني ألعلم‬

‫أنك حجر ال تضرُّ وال تنفع‪ ،‬ولو ال أني رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يُقبِّلُك ما قبَّلتُكَ "[‪.]3‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التزود بالراحة النفسية والشحنات اإليمانية‪ :‬إن رحل ة الحج على م ا فيه ا من مش قة وتعب وغرب ة‬

‫وصعوبات‪ ،‬تعتبر حلم كل مؤمن لما يجده من الراحة النفسية والطاقة الروحي ة الكب يرة والص فاء ال روحي‬

‫بعد الحج‪ ،‬وكأنه ُولد من جديد‪ ،‬وإنك إذا سألت أي حا ٍّج عاد من األراضي المقدسة وقلت ل ه‪ :‬م ا رأي ك في‬

‫العمل الذي قمتَ به‪ ،‬فسيقول على الفور‪ :‬أتمنى أن أحج إلى بيت هللا ك ل ع ام!! فم ا ه و س رُّ ه ذه الراح ة‬
‫النفسية التي يلمسهـا كل إنسان ذهب ألداء ه ذه الفريض ة؟ إن الج واب بس يط‪ ،‬وه و‪ :‬أن ه ذه العب ادة تق وم‬

‫بعملية " فرمتة " أو تفريغ الشحنات السلبية من األخطاء والذنوب‪ ،‬وإعادة شحن النفس بالشحنات اإليمانية‬

‫والروحية اإليجابية المتفائلة‪.‬‬

‫وقد أشار النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬إلى هذا‪ ،‬وأن الحج يف رغ م ا يحمل ه اإلنس ان من ذن وب وأخط اء‪،‬‬

‫وم ولد ْت ه أ ُّمه "[‪ .]4‬وفي ح ديث‬


‫ففي الحديث الشريف‪ " :‬من حج فلم ي رفث ولم يفس ق‪ ،‬رج ع من ذنوب ه كي ِ‬

‫آخ ر‪ " :‬ت ابعوا بين الحج والعم رة‪ ،‬فإنهم ا ينفي ان الفق ر وال ذنوب كم ا ينفي ال ِك ي ُر خبَ َ‬
‫ث الحدي د وال ذهب‬

‫والفضة‪ ،‬وليس لل َحجَّة المبرورة ثواب إال الجنة " [‪.]5‬‬

‫رابعاً‪ :‬استشعار تضحيات المس لمين األوائ ل‪ :‬إن معايش ة أي ام الحج تجع ل المس لم يستحض ر في خ اطره‬

‫َّ‬
‫ويتحس س جه ود المس لمين‬ ‫بروحانية عالية أيا َم النب وة‪ ،‬ويستش عر ـ على الطبيع ة ـ تض حيات الص حابة‪،‬‬

‫األوائل‪ ،‬الذين أر َسوْ ا قواعد هذا الدين‪ ،‬والتزموا بتعاليمه‪ ،‬ونشروا فضائله ومحاسنه‪ ،‬في غمرة م الَقوه من‬

‫أع دائهم من مص ابرة وعن اء وبالء‪ ،‬وب ذل وتض حيات‪ ،‬ق َّدموها من أنفس هم وأم والهم وأهليهم وأوق اتهم‬

‫ومصالحهم‪ ...‬وألجل ذلك البالء وتل ك التض حيات ح َّذر الن بي ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم‪ -‬من انتقاص هم أو‬

‫اإلساءة إليهم فقال‪ :‬هللاَ‪ ،‬هللاَ في أصحابي‪ ،‬ال تتّخذوهـم َغ َرض ا ً بع دي‪ ،‬فمن أحبَّهم فب ُحبِّي أحبَّهم‪ ،‬ومن آذاهم‬

‫فقد آذاني‪.]6[ ..‬‬

‫خامساً‪ :‬التذكير بالموت وب اليوم اآلخ ر‪ :‬يُع ُّد الحجُّ من أك ثر العب ادات ت ذكيراً ب الموت والبعث والج زاء‪،‬‬

‫فالجميع يتجردون من مالبسهم‪ ،‬ويرتدون مالبس اإلح رام ال تي ت ذكرهم ب الموت والكفن‪ ،‬والجمي ع يقف ون‬
‫على صعيد واح د في عرف ات‪ ،‬كم ا س يقفون ي وم القيام ة في س احة الحش ر‪ ،‬والجمي ع ي تركون أوط انهم‪،‬‬

‫وان هللا تع الى‬


‫طلب رض ِ‬
‫َ‬ ‫ومراكزهم االجتماعية والوظيفية‪ ،‬وي تركون أمالكهم‪ ،‬وال يستص حبون معهم إالَّ‬

‫وحسنَ عبادته‪ ،‬وفي هذا تذكير بأن اإلنسان عندما يموت لن يأخذ معه من متاع ال دنيا ش يئاً‪ ،‬ولن ينفع ه إالَّ‬

‫العمل الصالح‪ ،‬فليُع َّد العدة والعمل الصالح لذلك اليوم‪ ،‬فإنه ال يزال في مهلة من أم ره الس تدراك م ا فات ه‪،‬‬

‫ون* لَ َعلِّي أَ ْع َم ُل َ‬
‫ص الِ ًحا فِي َم ا تَ َر ْكتُ ۚ كَاَّل ۚ إِنَّ َه ا‬ ‫قال هللا تعالى‪َ {:‬حت َّٰى إِ َذا َجا َء أَ َح َد ُه ُم ا ْل َم ْوتُ قَا َل َر ِّب ْ‬
‫ار ِج ُع ِ‬

‫اب بَ ْينَ ُه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ َواَل‬ ‫الص و ِر فَاَل أَ َ‬


‫نس َ‬ ‫َكلِ َمةٌ ه َُو قَائِلُ َها ۖ َو ِمن َو َرائِ ِهم بَ ْر َز ٌخ إِلَ ٰى يَ ْو ِم يُ ْب َعثُ ونَ *فَ إِ َذا نُفِ َخ ِفي ُّ‬

‫سا َءلُونَ }المؤمنون‪   .١٠١ - ٩٩ :‬‬


‫يَتَ َ‬

‫سادساً‪ :‬غفران الذنوب لِمن كان حجه مبروراً‪ :‬ذكر اإلم ام الط بري عن د تفس ير ق ول هللا تع الى‪...{ :‬فَ َمن‬

‫تَ َع َّج َل فِي يَ ْو َم ْي ِن فَاَل إِ ْث َم َعلَ ْي ِه َو َمن تَأ َ َّخ َر فَاَل إِ ْث َم َعلَ ْي ِه‪  }...‬البقرة‪  : ٢٠٣ :‬أن من تعجل في يومين من أي ام‬

‫ُّ‬
‫يحط عنه ذنوبه إن ك ان ممن اتق اه في حج ه؛‬ ‫منى الثالثة‪ ،‬فنَفَر في اليوم الثاني‪ ،‬فال إثم عليه ألن هللا تعالى‬

‫فاجتنب فيه ما أمره باجتنابه‪ ،‬وف َعل فيه ما أمره بفعله‪ ،‬وأطاعه بأدائ ه م ا كلف ه من ح دوده‪ .‬و َمن ت أ َّخر إلى‬

‫اليوم الثالث منهن فال إثم عليه؛ ألن هللا تعالى كفَّر عنه ما سلف ِمن آثامه وإجرامه‪ ،‬إن كان ق د اتقى هللا في‬

‫حجه بأدائه حدوده [‪.]7‬‬

‫كيوم ولد ْتـه‬


‫ِ‬ ‫وتقدم آنفا ً قول النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ " :-‬من حج فلم يرفث ولم يفسـق‪ ،‬رجع من ذنوبـه‬

‫أ ُّمه "[‪ .]8‬وقوله أيضاً‪ " :‬العُمرة إلى العمرة كفـارة لما بينهما‪ ،‬والحـج المبرور ليس له جزاء إال الجنة " [‬

‫‪ .]9‬وكذا قوله‪ " :‬ما من يوم أكث َر من أن يُعتق هللاُ في ه عب داً من الن ار من ي وم عرف ة‪ ،‬وإن ه لي دنو ثم يب اهي‬
‫بهم المالئك ة فيق ول‪ :‬م ا أراد ه ؤالء؟ " [‪ .]10‬وفي ه ذا دلي ل على أن من ش هد تل ك المش اهد وأتى ب الحج‬

‫المبرور يحظى بمغفرة هللا تعالى ورضوانه‪.‬‬

‫المراجع‬

You might also like