Professional Documents
Culture Documents
ال يخفى أن لكل عبادة من العبادات التي شرعها هللا تعالى فوائ َد عظيمة ومقاص د جليل ة ،تع ود على الف رد
والمجتمع ،بل على الناس جميعا ً بالخير والنفع في الدنيا واآلخرة ،ومن هذه العبادات العظيم ة ذات الفوائ د
28 :27
وقد ذكر الطبري والزمخشري :أن هللا تعالى ن َّكر كلمة " المنافع " لتدل على العموم من غير تحدي د ،وهي
تشمل المنافع والمقاصد الدنيوية واألخروية ،التي ال توجد في غير عب ادة الحج[ .]1ويبقى التعب ير الق رآني
أوالً :قيام المسلم بأداء ركن من أركان دينه :من منافع الحج ومقاصده أدا ُء المسلم لدعامة من دعائم دينه؛
ألن الحج ـ كما ال يخفى ـ فريضة ُمحْ َكمة على كل مسلم مس تطيع ،ورُكن من أرك ان ه ذا ال دِّين؛ كم ا ق ال
وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،والحج ،وصوم رمضان " ثاني اً :طاع ة هللا تع الى وامتث ال أم ره :الحج
ِ هللا،
عبادة عظيمة ،فيها طاعة هللا تعالى وامتثال أمره واالستس الم ل ه ،وإن لَم يظه ر للعق ل وجْ ه الحكم ة فيم ا
يؤديه الحاج من مناسك ،من حيث توقيت الزمان والمكان دون بقاع األرض كله ا ،والط واف ب البيت س بع
مرات ،وتقبيل الحجر األسود الذي ال يضر وال ينفع ،ورمي الجمرات ،وتنفيذ س ائر أفع ال الحج ومناس كه
في أوق ات مح ددة وأم اكن مح ددة ،واالمتن اع عن محظ ورات الحج من ج دال ،وفس وق ،وتطيُّب ،وقص
شعر ،وجماع ،ولبس مخيط ،وغير ذل ك...إلخ ،وه ذه هي الغاي ة ال تي من أجله ا خل ق هللا تع الى الخالئ ق
كلها ،كما قال تعالىَ { :و َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواإْل ِ َ
نس إِاَّل لِيَ ْعبُ دُو ِن} ال ذاريات٥٦، :وال ش ك أن ه ذه أهم فوائ د
الحج ،ومقاصده.
وعبادةُ الحج ـ كما ال يخفى ـ تجم ُع العديد من أنواع العبادات :القولي ة ،والفعلي ة البدني ة ،والمالي ة ،والقلبي ة
الوجدانية ،وكل هذه ينبغي أن تُس َّخر في طاعة هللا وتقواه وامتثال أمره ،كم ا ق ال هللا تع الى{ :لَن يَنَ ا َل هَّللا َ
ٰ
ش ِر ا ْل ُم ْح ِ
سنِينَ لُ ُحو ُم َها َواَل ِد َما ُؤهَا َو ٰلَ ِكن يَنَالُهُ التَّ ْق َو ٰى ِمن ُك ْم َك َذلِ َك َ
س َّخ َرهَا لَ ُك ْم لِتُ َكبِّ ُروا هَّللا َ َعلَ ٰى َما َهدَا ُك ْم َوبَ ِّ
} الحج. 37 :
روى الشيخان عن عمر بن الخطاب -رضي هللا عنه -أنه ك ان يقبِّل الحج ر األس ود ويق ول " :إني ألعلم
أنك حجر ال تضرُّ وال تنفع ،ولو ال أني رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يُقبِّلُك ما قبَّلتُكَ "[.]3
ثالثاً :التزود بالراحة النفسية والشحنات اإليمانية :إن رحل ة الحج على م ا فيه ا من مش قة وتعب وغرب ة
وصعوبات ،تعتبر حلم كل مؤمن لما يجده من الراحة النفسية والطاقة الروحي ة الكب يرة والص فاء ال روحي
بعد الحج ،وكأنه ُولد من جديد ،وإنك إذا سألت أي حا ٍّج عاد من األراضي المقدسة وقلت ل ه :م ا رأي ك في
العمل الذي قمتَ به ،فسيقول على الفور :أتمنى أن أحج إلى بيت هللا ك ل ع ام!! فم ا ه و س رُّ ه ذه الراح ة
النفسية التي يلمسهـا كل إنسان ذهب ألداء ه ذه الفريض ة؟ إن الج واب بس يط ،وه و :أن ه ذه العب ادة تق وم
بعملية " فرمتة " أو تفريغ الشحنات السلبية من األخطاء والذنوب ،وإعادة شحن النفس بالشحنات اإليمانية
وقد أشار النبي -صلى هللا عليه وسلم -إلى هذا ،وأن الحج يف رغ م ا يحمل ه اإلنس ان من ذن وب وأخط اء،
آخ ر " :ت ابعوا بين الحج والعم رة ،فإنهم ا ينفي ان الفق ر وال ذنوب كم ا ينفي ال ِك ي ُر خبَ َ
ث الحدي د وال ذهب
رابعاً :استشعار تضحيات المس لمين األوائ ل :إن معايش ة أي ام الحج تجع ل المس لم يستحض ر في خ اطره
َّ
ويتحس س جه ود المس لمين بروحانية عالية أيا َم النب وة ،ويستش عر ـ على الطبيع ة ـ تض حيات الص حابة،
األوائل ،الذين أر َسوْ ا قواعد هذا الدين ،والتزموا بتعاليمه ،ونشروا فضائله ومحاسنه ،في غمرة م الَقوه من
أع دائهم من مص ابرة وعن اء وبالء ،وب ذل وتض حيات ،ق َّدموها من أنفس هم وأم والهم وأهليهم وأوق اتهم
ومصالحهم ...وألجل ذلك البالء وتل ك التض حيات ح َّذر الن بي -ص لى هللا علي ه وس لم -من انتقاص هم أو
اإلساءة إليهم فقال :هللاَ ،هللاَ في أصحابي ،ال تتّخذوهـم َغ َرض ا ً بع دي ،فمن أحبَّهم فب ُحبِّي أحبَّهم ،ومن آذاهم
خامساً :التذكير بالموت وب اليوم اآلخ ر :يُع ُّد الحجُّ من أك ثر العب ادات ت ذكيراً ب الموت والبعث والج زاء،
فالجميع يتجردون من مالبسهم ،ويرتدون مالبس اإلح رام ال تي ت ذكرهم ب الموت والكفن ،والجمي ع يقف ون
على صعيد واح د في عرف ات ،كم ا س يقفون ي وم القيام ة في س احة الحش ر ،والجمي ع ي تركون أوط انهم،
وحسنَ عبادته ،وفي هذا تذكير بأن اإلنسان عندما يموت لن يأخذ معه من متاع ال دنيا ش يئاً ،ولن ينفع ه إالَّ
العمل الصالح ،فليُع َّد العدة والعمل الصالح لذلك اليوم ،فإنه ال يزال في مهلة من أم ره الس تدراك م ا فات ه،
ون* لَ َعلِّي أَ ْع َم ُل َ
ص الِ ًحا فِي َم ا تَ َر ْكتُ ۚ كَاَّل ۚ إِنَّ َه ا قال هللا تعالىَ {:حت َّٰى إِ َذا َجا َء أَ َح َد ُه ُم ا ْل َم ْوتُ قَا َل َر ِّب ْ
ار ِج ُع ِ
سادساً :غفران الذنوب لِمن كان حجه مبروراً :ذكر اإلم ام الط بري عن د تفس ير ق ول هللا تع الى...{ :فَ َمن
تَ َع َّج َل فِي يَ ْو َم ْي ِن فَاَل إِ ْث َم َعلَ ْي ِه َو َمن تَأ َ َّخ َر فَاَل إِ ْث َم َعلَ ْي ِه }...البقرة : ٢٠٣ :أن من تعجل في يومين من أي ام
ُّ
يحط عنه ذنوبه إن ك ان ممن اتق اه في حج ه؛ منى الثالثة ،فنَفَر في اليوم الثاني ،فال إثم عليه ألن هللا تعالى
فاجتنب فيه ما أمره باجتنابه ،وف َعل فيه ما أمره بفعله ،وأطاعه بأدائ ه م ا كلف ه من ح دوده .و َمن ت أ َّخر إلى
اليوم الثالث منهن فال إثم عليه؛ ألن هللا تعالى كفَّر عنه ما سلف ِمن آثامه وإجرامه ،إن كان ق د اتقى هللا في
أ ُّمه "[ .]8وقوله أيضاً " :العُمرة إلى العمرة كفـارة لما بينهما ،والحـج المبرور ليس له جزاء إال الجنة " [
.]9وكذا قوله " :ما من يوم أكث َر من أن يُعتق هللاُ في ه عب داً من الن ار من ي وم عرف ة ،وإن ه لي دنو ثم يب اهي
بهم المالئك ة فيق ول :م ا أراد ه ؤالء؟ " [ .]10وفي ه ذا دلي ل على أن من ش هد تل ك المش اهد وأتى ب الحج
المراجع