You are on page 1of 3

‫المحاضرة الرابعة‬

‫خصائص نظام العبادات في اإلسالم‬


‫( الجانب الثاني من نظام العبادات )‬
‫لنظام العبادة في اإلسالم خصائص تميزه ‪ ،‬ومن اهم تلك الخصائص هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬تنوع العبادة وامتزاجها بجميع جوانب الحياة ‪ :‬نظام العبادة في اإلسالم يسع‬
‫الحياة كلها في كل ميادينها‪ ،‬فهو يشمل‪:‬‬
‫ما بين االنسان وربه من حقوق‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫وما بين االنسان والناس من حقوق وعالقات‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫فكل ذلك داخل في نطاق العبادة ‪ ،‬ويدخل في مفهوم العبادة الفرائض واالركان‬
‫الشعائرية في االسالم ‪ ،‬كالشهادة والصالة والصيام والزكاة والحج ‪ ،‬ويدخل ايضا كل‬
‫ما صدر عن االنسان يبتغي به وجه هللا ومرضاته من سلوك او تصرف او قول او‬
‫تفكر او فعل او ترك فعل او نحو ذلك ‪ ،‬مما يغطي جوانب الحياة عند االنسان الظاهرة‬
‫والباطنة ‪ ،‬فما يرضي هللا عز وجل عبادة وما ال يرضيه يعد معصية ‪.‬‬
‫أضف الى ذلك ما زاد على الفرائض من الوان التعبد التطوعية والفضائل االنسانية‬
‫كالعدل وحسن المعاملة والصدق واالحسان وكذلك العبادات القلبية كالصبر لحكمه‬
‫والشكر لنعمه والرضا بقضائه والرجاء لرحمته ‪...‬الخ ‪.‬‬
‫بل ان العبادة في االسالم قد تشمل اعماال شخصية ( خاصة ) او اعماال اجتماعية‬
‫لم يكن يخطر ببال الناس ان يجعلها الدين عبادة هلل تعالى يثاب االنسان عليها ‪ ،‬فكل‬
‫عمل اجتماعي مباح او مندوب نافع يعده االسالم عبادة بمجرد ان يبتغي ( صاحبه )‬
‫بذلك العمل وجه هللا ورضوانه ‪ ،‬ال الرياء او التطلع الى ثناء الناس او اكتساب الجاه‬
‫‪ ،‬ولذلك فان جبر الخواطر ومسح دمعة المحزون والمساعدة في تفريج كربة المكروب‬
‫وسد رمق المحروم ورفع الظلم عن المظلوم واعانة االرملة وكفالة اليتيم وتعليم‬
‫الجاهل واصالح ذات البين ‪...‬الخ ‪ ،‬كل ذلك يعد عبادة وقربة الى هللا تعالى اذا قصد‬
‫به صاحبه مخلصا وجه هللا تعالى ‪.‬‬
‫وقد جمع العلماء كل المعاني الداخلة في العبادة في هذه العبارة‪( :‬العبادة‪ :‬هي‬
‫اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه ‪ ،‬من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة‪ ،‬فالصالة‬
‫والزكاة والصيام والحج‪ ،‬وصدق الحديث وأداء األمانة‪ ،‬وبر الوالدين وصلة األرحام‪،‬‬
‫والوفاء بالعهود‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والجهاد للكفار والمنافقين‪،‬‬
‫واإلحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من اآلدميين والبهائم‪،‬‬
‫والدعاء والذكر والقراءة‪ ،‬وأمثال ذلك من العبادة‪ ،‬وكذلك حب هللا ورسوله‪ ،‬وخشية‬
‫هللا واإلنابة إليه‪ ،‬وإخالص الدين له‪ ،‬والصبر لحكمه‪ ،‬والشكر لنعمه‪ ،‬والرضا بقضائه‪،‬‬
‫والتوكل عليه‪ ،‬والرجاء لرحمته‪ ،‬والخوف من عذابه‪ ،‬وأمثال ذلك هي من العبادة هلل‬
‫)‪ ،‬فالعبادة اسم جامع لكل ما يقوم به المسلم من عمل بشرط ان يكون خالصا هلل تعالى‬
‫ط َبهم الجاهلون‬ ‫ع َلى األرض ه َْونا َو ِإذَا خَا َ‬ ‫الر ْح َم ِن الَّذِينَ َي ْمشونَ َ‬ ‫‪ ،‬قال تعالى ‪َ { :‬و ِع َباد َّ‬
‫اب‬ ‫عذ َ َ‬ ‫عنَّا َ‬‫ف َ‬ ‫ص ِر ْ‬ ‫سالَما* َوالَّذِينَ ِي ِبيتونَ ِل َربِ ِه ْم س َّجدا َوقِيَاما* َوالَّذِينَ يَقولونَ َربَّنَا ا ْ‬ ‫قَالواْ َ‬
‫عذَابَ َها َكانَ غ ََراما* إِنَّ َها ساءت م ْستَقَرا َومقَاما* َوالَّذِينَ إذا أَنفَقواْ لَ ْم يس ِْرفواْ‬ ‫َج َهنَّ َم إِ َّن َ‬
‫س‬ ‫َولَ ْم يَ ْقترواْ َو َكانَ بَيْنَ ذَ ِل َك قَ َواما* َوالَّذِينَ الَ يَدْعونَ َم َع َّ ِ‬
‫اّلل ِإلَـ َها آخ ََر َوالَ َي ْقتلونَ النَّ ْف َ‬
‫ف لَه ْال َعذَاب َي ْو َم‬ ‫ع ْ‬
‫ضا َ‬ ‫ق َوالَ َي ْزنونَ َو َمن َي ْف َع ْل ذ ِل َك َي ْلقَ أَثَاما* ي َ‬ ‫اّلل ِإالَّ ِب ْال َح ِ‬
‫الَّ ِتى َح َّر َم َّ‬
‫سيِئَاتِ ِه ْم‬ ‫اّلل َ‬‫صا ِلحا فَأ ْولَئِ َك يبَدِل َّ‬ ‫ع َمال َ‬ ‫ع ِم َل َ‬ ‫اب َوآ َمنَ َو َ‬ ‫ْال ِقيا َم ِة َويَ ْخل ْد فِي ِه م َهانا* إِالَّ َمن ت َ َ‬
‫اّلل َمتابا*‬ ‫صا ِلحا فَإِنَّه يَتوب ِإلَى َّ ِ‬ ‫ع ِم َل َ‬ ‫اب َو َ‬ ‫اّلل غَفورا َّر ِحيما* َو َمن ت َ َ‬ ‫سنَات َو َكانَ َّ‬ ‫َح َ‬
‫ور َو ِإذَا َم ُّرواْ ِباللَّ ْغ ِو َم ُّرواْ ِكراما* َوالَّذِينَ ِإذَا ذ ِكرواْ بآيات َر ِب ِه ْم‬ ‫الز َ‬‫َوالَّذِينَ الَ َي ْش َهدونَ ُّ‬
‫علَ ْي َها صما َوع ْميَانا* َوالَّذِينَ يَقولونَ َربَّنَا هَبْ لَنَا ِم ْن أزواجنا َوذ ِريَّاتِنَا ق َّرةَ‬ ‫لَ ْم يَ ِخ ُّرواْ َ‬
‫صبَرواْ َويلَقَّ ْونَ فِي َها تَ ِحيَّة‬ ‫اجعَ ْلنَا ِل ْلمتَّقِينَ ِإ َماما* أ ْولَئِ َك ي ْجزَ ْونَ ْالغ ْرفَةَ بِ َما َ‬ ‫أَعْين َو ْ‬
‫َت م ْست َ َقرا ومقاما* قل َما َي ْعبأ ِبك ْم َر ِبي لَ ْوالَ دعاؤكم فَقَ ْد‬ ‫َوسالما* خالدين فِي َها َحسن ْ‬
‫ف َيكون ِلزَ اما} الفرقان (‪63‬ـ‪ ، )77‬وهناك آيات متتالية في سياق آخر تذكر‬ ‫س ْو َ‬ ‫َكذَّبْت ْم فَ َ‬
‫ميادين أخرى في الحياة تجعلها طاعة هلل وعبادة ايضا ‪ ،‬ولنتأمل قوله تعالى {فَ َما أو ِتيت ْم‬
‫ع َلى َر ِب ِه ْم َيت َ َو َّكلونَ‬ ‫ش ْيء فَ َمتَاع ْال َحيَاةِ الدُّ ْنيَا َو َما ِع ْندَ َّ ِ‬
‫اّلل َخيْر َوأ َ ْبقَى ِللَّذِينَ آ َمنوا َو َ‬ ‫ِم ْن َ‬
‫َضبوا ه ْم َي ْغ ِفرونَ * َوالَّذِينَ ا ْست َ َجابوا‬ ‫ش َو ِإذَا َما غ ِ‬ ‫اإلثْ ِم َو ْالفَ َو ِ‬
‫اح َ‬ ‫* َوالَّذِينَ َي ْجت َ ِنبونَ َك َبائِ َر ْ ِ‬
‫صابَهم‬ ‫ورى بَ ْينَه ْم َو ِم َّما َرزَ ْقنَاه ْم ي ْن ِفقونَ * َوالَّذِينَ إِذَا أ َ َ‬ ‫ص َالة َ َوأ َ ْمره ْم ش َ‬ ‫ِل َربِ ِه ْم َوأَقَاموا ال َّ‬
‫صرونَ } [الشورى ‪. ]39-36‬‬ ‫ْالبَ ْغي ه ْم يَ ْنت َ ِ‬
‫بالنتيجة ‪ ،‬بامكان االنسان ان يتقلب في يومه وليلته من عبادة الى اخرى في كل‬
‫تصرفاته مع نفسه ومجتمعه وربه ‪ ،‬ليكون من المتقين الذين يتقبل هللا عز وجل‬
‫ْب فِي ِه هدى‬ ‫اعمالهم وطاعاتهم وعباداتهم ‪ ،‬قال تعالى ‪ ( :‬الم (‪َٰ )1‬ذَ ِل َك ْال ِكتَاب َال َري َ‬
‫ص َالة َ َو ِم َّما َرزَ ْقنَاه ْم ين ِفقونَ (‪َ )3‬والَّذِينَ‬
‫ب َوي ِقيمونَ ال َّ‬ ‫ِل ْلمتَّقِينَ (‪ )2‬الَّذِينَ يؤْ ِمنونَ بِ ْالغَ ْي ِ‬
‫علَ َٰى هدى‬ ‫نز َل ِمن قَ ْب ِل َك َوبِ ْاآل ِخ َرةِ ه ْم يوقِنونَ (‪ )4‬أو َٰلَ ِئ َك َ‬‫نز َل إِلَي َْك َو َما أ ِ‬
‫يؤْ ِمنونَ ِب َما أ ِ‬
‫ِمن َّر ِب ِه ْم َوأو َٰلَئِ َك هم ْالم ْف ِلحونَ (‪ ) )5‬من سورة البقرة ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .2‬ارتكاز العبادة على االيمان باهلل تعالى ورسوله (صلى هللا عليه وسلم) ‪ :‬ان‬
‫الذي يتقبل العبادة ويثيب عليها هو هللا تعالى‪ ،‬فليس معقوال وال مقبوال من‬
‫انسان ال يؤمن باهلل ثم يريد بعد ذلك ان يثاب على اعماله‪ ،‬وذلك هو التالزم‬
‫بين االيمان وبين اعتبار األفعال عبادة ‪ ،‬فليس مؤمنا من ال يعبد هللا عز وجل‬
‫‪ ،‬وليس عابدا من ال يؤمن باهلل‪.‬‬
‫ويشهد لصحة ذلك ما جاء في القرآن الكريم الذي يقرن بين االيمان والعمل الصالح‬
‫صا ِلحا ِم ْن ذَ َكر أ َ ْو‬ ‫‪ ،‬وال يذكر العمل منعزال عن االيمان ‪ ،‬فقد قال تعالى‪َ ( :‬و َم ْن َ‬
‫ع ِم َل َ‬
‫ساب)‪ ،‬وقال ايضا‪( :‬إِ َّال‬ ‫أ ْنثَى َوه َو مؤْ ِمن فَأولَئِ َك يَدْخلونَ ْال َجنَّةَ ي ْرزَ قونَ ِفي َها ِبغَي ِْر ِح َ‬
‫غفورا‬ ‫سنَات َو َكانَ َّ‬
‫اّلل َ‬ ‫سيِئَاتِ ِه ْم َح َ‬ ‫صا ِلحا فَأولَئِ َك يبَدِل َّ‬
‫اّلل َ‬ ‫ع ِم َل َع َمال َ‬ ‫َم ْن ت َ َ‬
‫اب َوآ َمنَ َو َ‬
‫َر ِحيما)‪ ،‬وغيرها من اآليات الكثير ‪.‬‬
‫ومن السنة‪ :‬فقد سأل رجل النبي (صلى هللا عليه وسلم) قائال‪ :‬قل لي في اإلسالم قوال‬
‫ال اسال احدا بعدك؟ فقال عليه الصالة والسالم‪( :‬قل ‪ :‬آمنت باهلل ثم استقم)‪ ،‬وهو نظير‬
‫ع َل ْي ِهم ْال َم َال ِئ َكة أ َ َّال ت َخَافوا َو َال‬ ‫قوله تعالى‪( :‬إِ َّن الَّذِينَ قَالوا َربُّنَا َّ‬
‫اّلل ث َّم ا ْستَقَاموا تَتَن ََّزل َ‬
‫عدونَ )‪.‬‬ ‫ت َ ْحزَ نوا َوأ َ ْب ِشروا بِ ْال َجنَّ ِة الَّتِي ك ْنت ْم تو َ‬
‫بالنتيجة ‪ :‬فان االيمان باهلل تعالى وحده هو شرط قبول العمل الصالح ( العبادة ) ‪،‬‬
‫ت يَ ْهدِي ِه ْم َربُّهم بِإِي َمانِ ِه ْم تَ ْج ِري ِمن تَ ْح ِت ِهم‬ ‫قال تعالى ( ِإ َّن الَّذِينَ آ َمنوا َو َع ِملوا ال َّ‬
‫صا ِل َحا ِ‬
‫ت النَّ ِع ِيم (‪ ) )9‬سورة يونس ‪ ،‬وقال ايضا ‪( :‬ق ْل ِإنَّ َما أَنَا َبشَر ِمثْلك ْم‬ ‫ْاأل َ ْن َهار فِي َجنَّا ِ‬
‫صا ِلحا َو َال ي ْش ِر ْك‬
‫ع َمال َ‬ ‫احد فَ َمن َكانَ َي ْرجو ِلقَا َء َر ِب ِه فَ ْل َي ْع َم ْل َ‬ ‫ي أَنَّ َما ِإ َٰلَهك ْم ِإ َٰلَه َو ِ‬
‫يو َح َٰى ِإلَ َّ‬
‫بِ ِعبَادَةِ َربِ ِه أ َ َحدا (‪ ) )110‬سورة الكهف ‪.‬‬

‫المصادر‪:‬‬
‫النظم االسالمية ‪ :‬د‪ .‬منير حميد البياتي‬ ‫‪-1‬‬
‫النظم االسالمية ‪ :‬د‪ .‬حسن حسين الحاج‬ ‫‪-2‬‬
‫النظم االسالمية ‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز الدوري‬ ‫‪-3‬‬
‫النظم االسالمية ‪ :‬د‪ .‬صبحي الصالح‬ ‫‪-4‬‬

You might also like