You are on page 1of 223

‫السنية‪www.dorar.

net‬‬ ‫الدرر‬

‫نواقض اإليمان القولية والعملية‬


‫تأليف‬
‫د‪ .‬عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف‬
‫الباب الثاني‬ ‫صـ‪261‬‬

‫نواقض اإليمان العملية‬

‫‪1‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪262‬‬
‫سيكونـ احلديث يف هذا الباب عن األعمال اليت تناقض اإلميان‪ ،‬وال جتامعه‪ ،‬وقد سبق – يف متهيد هــذا البحث –‬
‫تقرير أن اإلميان قــول وعم ــل‪ ،‬وأن الكفر ك ــذلك‪ ،‬فكما أن اإلميان ليس تصــديقاً فحس ــب‪ ،‬بل هو قــول وعم ــل‪ ،‬قــول‬
‫القلب وعملـ ــه‪ ،‬وقـ ــول اللسـ ــان وعمل اجلوارح‪ ،‬فكـ ــذلك الكفر ليس هو التكـ ــذيبـ فقط – كما ظن املرجئة ‪ ،-‬كما‬
‫َا‬ ‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َط‬ ‫َأ‬‫ِو‬‫َّسُول‬ ‫ِالر‬ ‫َب‬‫ِو‬‫ِاهَّلل‬ ‫َّا ب‬ ‫من‬‫ن آَ‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ََ‬ ‫دلت على ذلك النصوص‪،‬ـ مثل قوله تعاىل‪{ -:‬و‬
‫َ} [الن ـ ـ ـ ــور‪،‬‬
‫ِين‬‫ِن‬‫ْم‬‫ُؤ‬ ‫ِالم‬
‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫ِكَ و‬ ‫َل‬‫ِذ‬ ‫ْد‬ ‫بع‬ ‫من َ‬ ‫هم ِّ‬‫ُْ‬ ‫من‬‫ٌ ِّ‬‫ِيق‬ ‫َر‬ ‫ََّلى ف‬ ‫َو‬‫يت‬ ‫ثم‬
‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫آية ‪ ]47‬فحكم اهلل تع ـ ــاىل عليهم ب ـ ــالكفر ونفى اإلميان‪ ،‬بس ـ ــبب ت ـ ــوليهم وامتن ـ ــاعهم عن الطاع ـ ــة‪ ،‬وقـ ــال سـ ــبحانه‪- :‬‬
‫ََّلى} [القيامـ ـ ـ ــة‪ ،‬آية ‪ ]32 ،31‬فهـ ـ ــذه اآلية‬ ‫تو‬ ‫ََ‬‫َو‬ ‫َذب‬ ‫ِن كَّ‬ ‫ََلك‬ ‫لى {‪ 3}31‬و‬ ‫ََّ‬
‫َال ص‬ ‫َو‬ ‫دق‬ ‫َال ص‬
‫ََّ‬ ‫{ف‬
‫الكرمية تــبني أن التــويل غري التكــذيب‪ ،‬فــإن التكــذيب ضــده التصــديق‪ ،‬وأما التــويل فضد الطاعة واالمتثــال‪ ،‬فــالكفر قد‬
‫يكونـ اعتقاداً‪ ،‬وقد يكونـ قوالً باللسان‪ ،‬وقد يكون عمالً ظاهراً كالسجود للصــنم وامتهــان املصــحف وحنومها‪ ،‬فهــذه‬
‫األعمال نواقض لإلميان؛ ألهنا واقعة فيما يظهر عن طريق اجلوارح‪ ،‬مع أن هذه األعمــال الظــاهرة مناقضة ملا يف القلب‬
‫من األعمال اإلميانية كاالنقياد واحملبةـ والتعظيم وحنوها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪263‬‬
‫الفصل األول‬
‫نواقض اإليمان العملية في التوحيد‬
‫المبحث األول‪ ::‬الشرك في العبادة‬

‫‪ -1‬س ــبق احلديث بإجياز عن معىن توحيد العب ــادة وأمهيت ــه‪،‬ـ كما مر بنا احلديث عن حد الش ــرك يف توحيد العب ــادة‬
‫(‪)1‬‬
‫وضابطه‪ ،‬وعرفنا أن الشرك األكرب هو أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من العبادة لغري اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وه ــذا املبحث س ــيكون موض ــوعه عن الشــرك يف العب ــادة العملية كال ــذبح لغري اهلل‪ ،‬والن ــذر لغري اهلل تعــاىل … إخل‪،‬‬
‫ويف مطلع ه ــذا املبحث س ــنتحدث باختصــار عن وجــوب إف ــراد اهلل تع ــاىل وحــده هبذه العبــادات ال ش ــريك لــه‪ ،‬حتقيق ـاً‬
‫{وإِلَـ ُـه ُك ْم إِلَــهٌ َو ِـ‬
‫اح ٌد الَّ إِلَــهَ‬ ‫للتوحيد الــذي يتضــمن وجــوب صــرف مجيع أنــواع العبــادة هلل وحــده‪ ،‬كما قــال اهلل تعــاىل‪َ :‬‬
‫َُّ‬ ‫يم} [البقرة‪ ،‬آية ‪ ،]163‬وقــال تعــاىل‪{ - :‬و‬ ‫إِالَّ هو الرَّمْح ن َّ ِ‬
‫َّسُوالً‬ ‫ٍر‬ ‫مة‬ ‫ِّ أ‬ ‫ُل‬ ‫ِي ك‬ ‫َا ف‬ ‫ْن‬ ‫َث‬ ‫بع‬‫دَ‬ ‫َْ‬
‫ََلق‬ ‫الرح ُ‬ ‫َُ َ ُ‬
‫َ} [النحل‪ ،‬آية ‪]36‬‬ ‫ُوت‬ ‫َّاغ‬ ‫ْ الط‬ ‫ُوا‬ ‫ِب‬
‫َن‬ ‫ْت‬
‫َاج‬‫َو‬ ‫ْ هّللا‬
‫دوا‬ ‫ُُ‬‫ْب‬‫َنِ اع‬ ‫أ‬
‫(أ) فالــذبح إن قصد به التوجه والتقــرب إىل اهلل تعــاىل وحــده فهو من العبــادات‪ ،‬ويســمى نســكاً؛ ألن النسك هو‬
‫َايَ‬ ‫ْي‬‫مح‬ ‫ِي و‬
‫ََ‬ ‫ُسُك‬ ‫َن‬‫ِي و‬ ‫َالَت‬
‫نص‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُل‬‫العبـ ـ ـ ـ ــادة والقربة (‪ ،)2‬وقد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرض اهلل ذلك بقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ْ‬
‫ن‪ 3‬ا‬ ‫ََ‬
‫َأ‬‫ُو‬‫ْت‬‫ِ‪3‬ر‬ ‫ُم‬‫ِكَ أ‬ ‫ذل‬‫ِ‪َ3‬‬ ‫َب‬ ‫هو‬ ‫ِيكَ َلُ‬ ‫َ {‪}162‬الَ شَر‬ ‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬ ‫َب‬
‫ِّ ْ‬ ‫ِر‬ ‫ِي هّلِل‬‫َات‬‫مم‬ ‫ََ‬ ‫و‬
‫(‪)3‬‬
‫َ} [األنعام‪،‬ـ آية ‪ ،]163 ،162‬والنسك – هاهنا – الذبيحة‬ ‫ِين‬‫ِم‬‫ُسْل‬ ‫الم‬
‫ل ْ‬ ‫َُّ‬ ‫َو‬ ‫أ‬
‫ِي} [اآلية]‪ ،‬أمر من اهلل عز وجل أن يعلن‬ ‫َالَت‬‫نص‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُل‬‫يق ـ ـ ــول ابن عطية يف تفسري اآليـ ـ ـ ـ ــات‪ " - :‬وقوله {ق‬
‫بأنـ مقصده يف صالته وطاعته من ذبيحة وغريها‬
‫صـ‪264‬‬
‫وتصرفه مدة حياته وحاله من اإلخالص واإلميان عند مماته إمنا هو هلل عز وجل‪ ،‬وإرادة وجهه وطلب رضاه‪ ،‬ويف‬
‫إعالنـ النيب صــلى اهلل عليه وســلم هبذه املقالة ما يلــزم املؤمــنني التأسي بــه‪ ،‬حىت يلــتزموا يف مجيع أعمــاهلم قصد وجه اهلل‬
‫عز وجل "(‪" )1‬‬

‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬املبحث الثاين من الفصل األول يف الباب األول‬


‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املفردات لألصفهاين ص ‪ ، 747‬ومعجم مقاييس اللغة ‪ ، 5/420‬واملصباح ص ‪ ، 738‬واللسان ‪. 10/498‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬تفسري ابن كثري ‪ ، 2/189‬والدر املنثور للسيوطيـ ‪ ، 3/410‬ويقول ابن عطية يف تفسريه (‪ " - : )6/193‬وحيسن ختصيص الذبيحة‬
‫بالذكر يف هذه اآلية ‪ ،‬أهنا نازلة قد تقدم ذكرها واجلدل فيها يف السورة "‬
‫(‪ )1‬تفسري ابن عطية ‪. 3/192‬‬
‫‪3‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويق ــول ابن كثري يف تفس ــريه‪ " - :‬ي ــأمره تع ــاىل أن خيرب املش ــركني ال ــذين يعب ــدون غري اهلل وي ــذحبون لغري امسه أنه‬
‫بكَ‬ ‫لر‬
‫َِّ‬ ‫ِّ ِ‬
‫َل‬‫َص‬‫خمالف هلم يف ذلك‪ ،‬فإن صالته هلل‪ ،‬ونسكه على امسه وحده ال شريك له‪ ،‬وهذا كقوله تع ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫ْ} [الكوثر‪ ،‬آية ‪ ،]2‬أي أخلص له صــالتك وذحبك‪ ،‬فــإن املشــركني كـانوا يعبــدون األصــنام‪ ،‬ويـذحبون هلا‬ ‫َر‬
‫نح‬ ‫َاْ‬‫و‬
‫فأمره اهلل تعاىل مبخالفتهم واالحنراف عما هم فيه واإلقبال بالقصد والنية والعزم على اإلخالص هلل تعاىل‪" )2( .‬‬
‫ومما قاله حممد رشــيد رضا يف تفســريه هلذه اآليــات‪ " - :‬هــذا بيــان إمجايل لتوحيد اإلهلية بالعمــل‪ ،‬والمـراد بالصــالةـ‬
‫جنس ــها الش ــامل للمف ــروض واملس ــتحب‪،‬ـ والنسك يف األصل العب ــادة أو غايته ــا‪ ،‬والناسك العاب ــد‪ ،‬ويك ــثر اس ــتعماله يف‬
‫القرآن واحلديث يف عبادة احلج وعبادة الذبائح والقرابني فيه‪ ،‬أو مطلقاً‪.‬‬
‫‪ -‬إىل أن قــال – والعبــادات إمنا متتــاز على العــادات بالتوجه فيها إىل املعبــود تقربـاً إليــه‪ ،‬وتعظيمـاً لــه‪ ،‬وطلبـاً ملثوبتهـ‬
‫ومرضــاته‪ ،‬وكل من يتوجه إليه املصــلي أو الــذابح بــذلك‪ ،‬ويقصد به تعظيمه فهو معبــود لــه‪ ،‬ســواء عرب فاعله عن ذلك‬
‫بقــول يــدل عليه أم ال‪ .‬فالعبــادة ال تنبغيـ إال هلل رب العبــاد وخــالقهم … وكــون الصــالةـ والنسك ال يكونــان يف الــدين‬
‫احلق إال خالصني هلل وحده أمر ظاهر يعد من ضروريات الدين‪" )3(.‬‬
‫ْ} [الكوثر‪ ،‬آية ‪]2‬‬ ‫َر‬‫نح‬‫َاْ‬ ‫بكَ و‬ ‫لر‬
‫َِّ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫َل‬
‫َص‬‫ويقول سبحانه‪{ :‬ف‬
‫يقول ابن تيمية عن هذه الآية الكريمة‪ " - :‬أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين‬
‫العظيمتين‪ ،‬وهما الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن‪ ،‬وقوة‬
‫اليقين‪ ،‬وطمأنينة القلب إلى الله‪ ،‬وإلى عدته وأمره‬
‫صـ‪265‬‬
‫وفضله‪ ،‬وعكس حال الكبر والنفرة‪ ،‬وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة في صلاتهم إلى‬
‫ربهم‪ ،‬والذين لا ينحرون له خوفاً من الفقر‪ ،‬وتركا لإعانة الفقراء وإعطائهم‪ ،‬وسوء الظن‬
‫ِي‬‫ُسُك‬
‫َن‬‫ِي و‬ ‫َالَت‬
‫ن ص‬ ‫ْ إ‬
‫َِّ‬ ‫ُل‬ ‫منهم بربهم‪ ،‬ولهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى‪{ - :‬ق‬
‫َ} [الأنعام‪ ،‬آية ‪ ،]162‬والنسك هي الذبيحة‬ ‫ِين‬ ‫الم‬‫َ َ‬‫الع‬
‫ِّ ْ‬ ‫َب‬‫ِر‬ ‫ِي هّلِل‬
‫َات‬‫مم‬‫ََ‬‫َايَ و‬ ‫ْي‬‫مح‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫ابتغاء وجهه‪ ،‬وهو أجل العبادات المالية‪ ،‬وما يجتمع للعبد في نحره من إيثار الله‪ ،‬وحسن‬
‫الظن به‪ ،‬وقوة اليقين‪ ،‬والوثوق بما في يد الله أمر عجيب‪ ،‬إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص‪،‬‬
‫وقد امتثل النبي صلى اهلل عليه وسلم أمر ربه‪ ،‬فكان كثري الصالةـ لربه‪ ،‬كثري النحر‪ ،‬حىت حنر بيده يف حجة‬
‫الوداع ثالثاً وستني بدنه‪ ،‬وكان ينحر يف األعياد وغريها‪" )1(.‬‬
‫وهبذا يتقرر أن الذبح هلل تعاىل وحده عبادة من أجل العبادات‪ ،‬وأعظم الطاعات‪.‬‬

‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪. 2/189‬‬


‫(‪ )3‬تفسري املنار ‪ = 243 , 8/241‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ = 532 ، 16/531‬باختصار‬
‫‪4‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ب) وأما النذر فهو عبادة لا يكون إلا لله وحده لا شريك له (‪)2‬؛ حيث إن الله تعالى مدح‬
‫ه‬ ‫ن شَر‬
‫ُُّ‬ ‫َاَ‬ ‫ما ك‬ ‫ًْ‬ ‫يو‬ ‫ن َ‬ ‫ُوَ‬ ‫يخَاف‬ ‫ََ‬ ‫ِ و‬ ‫ذر‬‫َّْ‬ ‫ِالن‬ ‫ن ب‬ ‫ُوَ‬ ‫يوف‬ ‫الموفين به‪ ،‬فقال سبحانه {ُ‬
‫ًا} [الإنسان‪ ،‬آية ‪.]7‬‬ ‫ِير‬‫َط‬‫مسْت‬
‫ُ‬
‫يقول ابن حجر عن هذه الآية‪ " - :‬يؤخذ منه أن الوفاء بالنذر قربة للثناء على فاعله‪،‬‬
‫لكن ذلك مخصوص بنذر الطاعة (‪" )3‬‬
‫ويقو الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في بيان هذه الآية‪ " -:‬إن المدح‬
‫مدح الموفين بالنذر‪ ،‬والله تعالى لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحـب‪ ،‬أو ترك محرم‪ ،‬لا‬
‫يمدح على فعل المباح المجرد‪ ،‬وذلك هو العبادة‪" )4(.‬‬
‫َنصـا ٍر}‬ ‫ويقول عز وجل‪{ - :‬وما أَن َف ْقتُم ِّمـن نَّ َف َق ٍة أَو نَ َذرمُت ِّمـن نَّ ْذ ٍر فَِإ َّن اللّه يعلَمه وما لِلظَّالِ ِم ِ‬
‫ني م ْن أ َ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ُ ُ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ‬
‫[البقرة‪ ،‬آية ‪.]270‬‬
‫صـ‪266‬‬
‫وقال ابن كثير في تفسيهر لهذه الآية‪ " -:‬يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله‬
‫العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات‪ ،‬وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء‬
‫للعاملين لذلك ابتغاء وجهه‪ ،‬ورجاء موعوده‪ ،‬وتوعد من لا يعمل بطاعته‪ ،‬بل خالف أمره وكذب‬
‫خبره‪ ،‬وعبد معه غيره‪ ،‬فقال‪ " - :‬وما للظالمين من أنصار " أي يوم القيامة‪ ،‬ينقذونهم من‬
‫عذاب الله ونقمته‪" )5(.‬‬
‫وقد أمر النبي صلى اهلل عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة فقال‪ -:‬من نذر أن يطيع اهلل فليطعه‪ ،‬ومن نذر أن‬
‫(‪)6‬‬
‫يعصيهـ فال يعصه "‬
‫وذم رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم الــذين ينــذرون وال يوفــون فقــال عليه الصــالة والســالم‪-:‬ـ " خــريكم قــرين مث‬
‫الذين يلوهنم‪ ،‬مث الذين يلوهنم – قـال عمـران بن حصني رضي اهلل عنه راوي احلديث‪ - :‬ال أدري ذكر ثنـتني أو ثالثـاً‬
‫بعد قرنه – مث جي ـ ـ ـ ـيء قـ ـ ــوم ينـ ـ ــذرون وال يفـ ـ ــون‪،‬ـ وخيونـ ـ ــونـ وال يؤمتن ـ ـ ـ ـون‪ ،‬ويش ـ ـ ــهدون ال يستش ـ ــهدون‪ ،‬ويظهر فيهم‬
‫السمن‪")7(.‬‬
‫ق ــال ابن بط ــال‪ " - :‬سوّى بني من خيون أمانت ــه‪ ،‬ومن ال يفي بن ــذره‪ ،‬واخليانة مذمومة فيك ــونـ ت ــرك الوف ــاء بالن ــذر‬
‫مذموماً‪" )1(.‬‬
‫ومن خالل ما سيق إيراده‪ ،‬ندرك أن النذر عبادة مدح اهلل املوفني به‪ ،‬فال يكون إال هلل وحده‪.‬‬

‫(‪ )2‬النذر عبادة باعتبار الوفاء به ‪ ،‬أما النذر ابتداءً فقد هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن النذر وقال " إنه ال يرد شيئاً " أخرجه اجلماعة إال الرتمذي‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري ‪. 576 / 11‬‬
‫(‪ )4‬تيسري العزيز احلميد ص ‪ ، 203‬وانظر القول السديد للسعدي ص ‪. 47‬‬
‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪. 1/305‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك األميان والنذور (‪ )11/581‬ح (‪ ، )6696‬وأمحد ‪. 6/41‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الأميان والنذور (‪ )11/580‬ح (‪ )6695‬وأمحد ‪. 4/440‬‬
‫(‪ )1‬فتح الباري ‪. 11/580‬‬
‫‪5‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ج) وأما السجود والركوع فلا شك أنهما عبادتان لله وحده‪ ،‬وهذا أمر ظاهر لاخفاء فيه‪،‬‬
‫ففي السجود والركوع أبلغ معاني الخضوع والتذلل والانقياد‪ ،‬مما لا يكون إلا لله وحده لا‬
‫شريك له‪ ،‬ولقد أخبر الله تعالى بانقياد هذا الكون كله لله وحده لا شريك له‪ ،‬وسجوده له‬
‫ها‬ ‫َر‬
‫ًْ‬ ‫َك‬‫ًا و‬‫ْع‬‫َو‬‫ضط‬ ‫ِْ‬‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬‫ِي السَّم‬ ‫من ف‬ ‫دَ‬ ‫ُُ‬ ‫يسْج‬ ‫َِ‬ ‫َهّلِل‬
‫تعالى‪ ،‬فقال سبحانه‪{ - :‬و‬
‫ِ} [الرعد‪ ،‬آية ‪.]5‬‬ ‫َال‬ ‫َاآلص‬ ‫ِّ و‬
‫دو‬ ‫ُُ‬ ‫ِالغ‬‫هم ب ْ‬ ‫ِاللُ‬
‫َظ ُ‬ ‫و‬
‫ِي‬‫من ف‬ ‫ََ‬‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫ِي السَّم‬ ‫من ف‬ ‫هَ‬ ‫د َلُ‬ ‫يسْج‬
‫ُُ‬ ‫ََ‬ ‫ن هَّللا‬ ‫ََّ‬‫َأ‬ ‫تر‬‫َْ‬ ‫ََلم‬‫وقال تعالى‪{ - :‬أ‬
‫َاب‬
‫ُّ‬ ‫‪3‬دو‬
‫َال‪َّ 3‬‬ ‫ُو‬ ‫َر‬‫الش‪33‬ج‬
‫َ َّ‬ ‫لو‬ ‫َ‪33‬اُ‬ ‫الجِب‬‫َ ْ‬ ‫ُو‬ ‫ُوم‬ ‫ُّج‬ ‫َالن‬ ‫ُو‬ ‫َر‬ ‫َم‬ ‫الق‬
‫َ ْ‬ ‫مسُ و‬ ‫َالشَّْ‬ ‫ضو‬ ‫ِْ‬ ‫األَر‬
‫َق‬
‫َّ‬ ‫ٌح‬ ‫ِير‬ ‫َث‬ ‫َك‬ ‫َّاسِ و‬ ‫َ الن‬ ‫من‬ ‫ِير‬
‫ٌ ِّ‬ ‫َث‬ ‫َك‬
‫و‬
‫صـ‪267‬‬
‫يشَاء}‬ ‫ما َ‬ ‫َُ‬ ‫َل‬
‫ْع‬ ‫يف‬‫ََ‬ ‫ن هَّللا‬
‫َِّ‬‫ٍإ‬ ‫ِم‬‫ْر‬‫مك‬‫ِن ُّ‬ ‫هم‬ ‫َا َلُ‬ ‫َم‬ ‫ُف‬ ‫ِنِ هَّللا‬ ‫يه‬‫من ُ‬ ‫ََ‬‫ُو‬ ‫َاب‬ ‫َذ‬ ‫الع‬‫ِ ْ‬ ‫ْه‬‫لي‬‫ََ‬ ‫ع‬
‫[الحج‪ ،‬آية ‪.]18‬‬
‫وأمر الله تعالى بالسجود والركوع له تعالى وحده في مواضع كثيرة من كتابه‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫بك‬ ‫دوا ر‬
‫ََّ‬ ‫ُ‪ُ33‬‬ ‫ْب‬‫َاع‬ ‫دوا و‬ ‫ُُ‬‫اس‪33‬ج‬‫َ ْ‬ ‫ُ‪33‬وا و‬ ‫َع‬ ‫ْك‬ ‫ُوا ار‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬‫الذ‬ ‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫‪َ{ -‬‬
‫ن} [الحج‪ ،‬آية ‪.]77‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِح‬ ‫ْل‬ ‫تف‬ ‫ُْ‬ ‫ُم‬‫لك‬ ‫ََّ‬‫َ َلع‬‫ْر‬ ‫الخَي‬ ‫ُوا ْ‬ ‫َل‬‫ْع‬ ‫َاف‬ ‫و‬
‫الز َكاةَ وار َكعواْـ مع َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني} [البقرة‪ ،‬آية ‪.]43‬‬ ‫الراكع َ‬ ‫الصالَةَ َوآتُواْ َّ َ ْ ُ َ َ‬ ‫يمواْ َّ‬
‫{ َوأَق ُ‬
‫دوا‬ ‫ُُ‬‫س‪33‬ج‬‫تْ‬‫ُ ال َ‬
‫َ‪33‬ر‬ ‫َم‬ ‫الق‬ ‫َ ْ‬ ‫ْسُ و‬ ‫الش‪33‬م‬
‫َ َّ‬ ‫ُو‬‫ه‪33‬ار‬ ‫ََّ‬ ‫َالن‬ ‫ُو‬‫ْل‬ ‫ِ َّ‬
‫اللي‬ ‫ِه‬ ‫يات‬ ‫ْ آَ‬ ‫ِن‬
‫َم‬ ‫{و‬
‫ن‬
‫دوَ‬ ‫ُُ‬‫ْب‬‫تع‬‫هَ‬‫ياُ‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫َّ إ‬
‫هن‬‫َُ‬‫لق‬ ‫ََ‬
‫ِي خ‬ ‫الذ‬
‫ِ َّ‬ ‫دوا هَّلِل‬ ‫ُُ‬ ‫َاسْج‬ ‫ِو‬ ‫َر‬ ‫َم‬ ‫لق‬ ‫لْ‬ ‫َال ِ‬ ‫ْسِ و‬ ‫ِلشَّم‬ ‫ل‬
‫ْ ‪3‬ل‬
‫ِ‬ ‫ه ب َّ‬
‫ِاللي‬ ‫ن َل‪ُ 3‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِّح‬
‫يسَ‪3‬ب‬ ‫بكَ ُ‬ ‫در‬
‫َِّ‬ ‫ِنَ‬ ‫َع‬ ‫ِين‬ ‫َالذ‬ ‫ُوا ف َّ‬ ‫َر‬ ‫ْب‬‫َك‬
‫إنِ اسْت‬ ‫َِ‬ ‫{‪ 3 }37‬ف‬
‫ن} [فصلـت‪ ،‬آية ‪.]38 , 37‬‬ ‫موَ‬ ‫َُ‬ ‫يسْأ‬‫ْ ال َ‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ِو‬ ‫هار‬ ‫َالن‬
‫ََّ‬ ‫و‬
‫دوا} [النجم‪ ،‬آية ‪.]62‬‬ ‫ُُ‬ ‫ْب‬‫َاع‬ ‫ِو‬ ‫دوا هَّلِل‬ ‫ُُ‬ ‫َاسْج‬ ‫{ف‬
‫كما أخبر سبحانه أن التعبد له بالركوع والسجود من أوصاف المؤمنين فقال تبارك وتعالى‪-:‬‬
‫َ} [المائدة‪،‬‬ ‫ُون‬ ‫ِع‬‫َاك‬ ‫ْر‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ةو‬ ‫َاَ‬‫َّك‬‫ن الز‬ ‫توَ‬ ‫ُْ‬ ‫يؤ‬ ‫َُ‬ ‫ةو‬ ‫َّالََ‬ ‫ن الص‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيم‬ ‫يق‬ ‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫{ َّ‬
‫آية ‪]55‬‬
‫ن‬
‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِع‬‫َّاك‬
‫ن الر‬ ‫ُوَ‬ ‫ِح‬ ‫الس‪33‬ائ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬
‫دوَ‬ ‫ِ‪ُ33‬‬ ‫َام‬ ‫الح‬ ‫ن ْ‬ ‫دوَ‬ ‫ِ‪ُ33‬‬ ‫َاب‬ ‫الع‬
‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِب‬‫َّائ‬ ‫{الت‬
‫ِ} [التوبة‪ ،‬آية‬ ‫َر‬ ‫ُنك‬ ‫الم‬ ‫َنِ ْ‬ ‫نع‬ ‫هوَ‬‫َّاُ‬ ‫َالن‬ ‫ُوفِ و‬ ‫ْر‬ ‫َع‬ ‫ِالم‬ ‫نب ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِر‬ ‫ن اآلم‬ ‫السَّاجِدوَ‬
‫‪.]112‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ْن‬
‫َُ‬ ‫بي‬‫َ‪33‬اء َ‬ ‫َم‬‫ُح‬‫ِر‬ ‫َّار‬ ‫ُف‬‫الك‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫ِداء ع‬ ‫َشَّ‬ ‫هأ‬ ‫َُ‬ ‫مع‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬‫ِو‬ ‫ل هَّللا‬
‫َّسُوُ‬ ‫در‬ ‫ٌَّ‬‫َم‬
‫مح‬ ‫{ُّ‬
‫ًا} [الفتح‪ ،‬آية ‪.]29‬‬ ‫َان‬ ‫ْو‬‫ِض‬‫َر‬ ‫ِو‬‫َ هَّللا‬
‫من‬‫ْالً ِّ‬‫َض‬ ‫نف‬ ‫ُوَ‬ ‫َغ‬‫ْت‬‫يب‬ ‫دا َ‬‫ًَّ‬ ‫ًا سُج‬ ‫َّع‬
‫ُك‬ ‫ْر‬ ‫هم‬‫َاُ‬ ‫تر‬
‫َ‬
‫َّن‬
‫ْ‬ ‫ِم‬
‫َم‬‫َو‬ ‫دم‬‫ِ آَ‬ ‫ية‬ ‫ُر‬
‫َِّّ‬ ‫ِن ذ‬ ‫َم‬ ‫ِّين‬ ‫ِي‬
‫َّب‬
‫َ الن‬ ‫من‬ ‫ِم ِّ‬ ‫ْه‬ ‫لي‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫َ هَّللا‬
‫َم‬‫نع‬ ‫َْ‬‫َأ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ِكَ َّ‬ ‫َْلئ‬‫ُو‬ ‫{أ‬
‫َا‬ ‫ين‬
‫دْ‬‫ه‪َ33‬‬‫َْ‬ ‫َّن‬
‫ِم‬‫َم‬‫َو‬ ‫ِيل‬ ‫َائ‬ ‫س‪33‬ر‬ ‫ِْ‬‫َإ‬‫َو‬ ‫ِيم‬ ‫َاه‬ ‫ب‪ 33‬ر‬ ‫ِْ‬ ‫ِإ‬ ‫ية‬ ‫َِّّ‬ ‫ُر‬‫ِن ذ‬ ‫َم‬‫ُ‪33‬وحٍ و‬ ‫َن‬ ‫مع‬ ‫َا َ‬ ‫لن‬ ‫َْ‬ ‫َم‬
‫ح‬
‫ًّا}‬‫ِي‬‫بك‬‫َُ‬‫دا و‬ ‫س‪33‬ج‬
‫ًَّ‬ ‫ُّوا ُ‬ ‫َ‪33‬ر‬ ‫َن خ‬‫ْم‬‫َّح‬‫ُ الر‬ ‫يات‬ ‫ْ آَ‬ ‫ِم‬ ‫ْه‬ ‫لي‬ ‫ََ‬‫لى ع‬ ‫َْ‬‫تت‬‫َا ُ‬ ‫ِذ‬ ‫َا إ‬ ‫ْن‬ ‫َي‬‫َب‬‫ْت‬ ‫َاج‬ ‫و‬
‫[مريم‪ ،‬آية ‪.]58‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ -‬في هذا المقام ‪ " - :-‬وبالجملة فالقيام والركوع والسجود حق للواحد‬
‫المعبود خالق السموات والأرض‪ ،‬وما كان حقاً خالصاً لله لم يكن لغيره منه نصيب‪...‬‬

‫‪6‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫دوا هَّللا‬ ‫ْب‬
‫ُُ‬ ‫َع‬
‫لي‬ ‫ِالَّ ِ‬
‫ُوا إ‬ ‫ُم‬
‫ِر‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫فالعبادة كلها لله وحده لا شريك له‪ ،‬قال سبحانه‪{ :‬و‬
‫ِكَ‬ ‫َل‬‫َذ‬ ‫ةو‬‫َاَ‬‫َّك‬ ‫توا الز‬ ‫ُْ‬‫يؤ‬
‫َُ‬‫ةو‬ ‫َّالَ‬ ‫ُوا الص‬ ‫ِيم‬ ‫يق‬‫َُ‬‫َاء و‬ ‫َف‬ ‫ُن‬ ‫َح‬ ‫الدين‬ ‫ه ِّ‬ ‫َ َلُ‬‫ِين‬‫ِص‬‫مخْل‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ} [البينة‪ ،‬آية ‪.]5‬‬ ‫َة‬‫ِّم‬
‫َي‬‫الق‬
‫ُ ْ‬ ‫ِين‬ ‫د‬
‫وأما الطواف فهو عبادة لله وحده لا شريك له‪ ،‬ولا يكون هذا الطواف إلا بالبيت الحرام‪،‬‬
‫ِ} [الحج‪ ،‬آية ‪]29‬‬ ‫ِيق‬‫َت‬ ‫ْتِ ْ‬
‫الع‬ ‫َي‬ ‫ِالب‬
‫ُوا ب ْ‬ ‫َّف‬
‫َّو‬ ‫َط‬‫َْلي‬ ‫والدليل على ذلك قوله تعالى‪{ - :‬و‬
‫ف هِبِ َما} [البقرة‪ ،‬آية ‪.]158‬‬ ‫اح َعلَْي ِه أَن يَطََّّو َ‬
‫ت أَ ِو ْاعتَ َمَر فَالَ ُجنَ َ‬
‫وقال سبحانه‪{ - :- :‬فَ َم ْن َح َّج الَْبْي َـ‬
‫وإجمالاً فكل هذه العبادات العملية وغيرهما – مما لم نذكره كالتوبة وحلق الرأس تذللاً‬
‫وخضوعاً ونحوهما – يجب أن تصرف لله تعالى وحده لا شريك له‪ ،‬تحقيقاً لأصل التوحيد‪ ،‬كما قال‬
‫ه} [الإسراء‪ ،‬آية ‪.]23‬‬ ‫ياُ‬ ‫َِّ‬ ‫ِالَّ إ‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُُ‬ ‫ْب‬ ‫تع‬ ‫َالَّ َ‬ ‫بكَ أ‬ ‫َُّ‬ ‫َى ر‬‫َض‬‫َق‬‫تعالى‪{ - :‬و‬
‫اك َنعب ُد وإِيَّ َ ِ‬
‫ني} [الفاتحة‪ ،‬آية ‪.]5‬‬ ‫اك نَ ْستَع ُ‬ ‫وقال سبحانه‪{ - :‬إِيَّ َ ْ ُ‬
‫قال المقريزي(‪ )2‬في هذه الآية‪ " - :‬بالجملة فالعبادة المذكورة في قوله تعالى‪- :‬‬
‫اك نَ ْعبُ ُد} هي السجود والتوكل والإنابة والتقوى والخشية والتوبة والنذر والحلف والتسبيح‬ ‫{إِيَّ َ‬
‫والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعاً وتعبداً‪ ،‬والدعاء‪ ،‬كل ذلك محض‬
‫حق الله تعالى‪" )3(.‬‬
‫ويقول الصنعاني عن هذه الآية أيضاً‪ " -:‬أمر الله عباده أن يقولوا‪{ :‬إِيَّ َ‬
‫اك َن ْعبُ ُد} ولا‬
‫يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى‪ ،‬وإلا كان كاذباً منهياً عن أن يقول هذه‬
‫يايَ‬ ‫إَّ‬ ‫الكلمة‪ ،‬إذ معناها‪ :‬نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد‪ ،‬وهو معنى قوله‪{ - :‬ف‬
‫َِ‬
‫ون} [البقرة‪ ،‬آية ‪ ]41‬كما عرف من علم‬ ‫دونِ} [العنكبوت‪ ،‬آية ‪{ ،]56‬وإِيَّاي فَ َّات ُق ِ‬ ‫ُُ‬‫ْب‬‫َاع‬ ‫ف‬
‫َ َ‬
‫البيان‪ ،‬أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر‪ ،‬أي لا تعبدوا إلا الله‪ ،‬ولا تعبدوا غيره‪،‬‬
‫ولا تتقوا غيره‪ ،...‬فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له‪،‬‬
‫والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده‪ ،‬والاستعانة بالله وحده‪ ،‬واللجا إلى‬
‫الله‪ ،‬والنذر والنحر له تعالى‪ ،‬وجميع أنواع العبادات‪ ،‬من الخضوع والقيام تذللاً لله‬
‫تعالى‪ ،‬والركوع‬
‫صـ‪269‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والسجود والطواف والتجرد عن الثياب‪ ،‬والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل‪" .‬‬
‫‪ -2‬وإذا تقرر أن هذه الأعمال من العبادات‪ ،‬وأنها حق لله وحده لا شريك له سواء كانت‬
‫ذبحاً أو نذراً أو سجوداً أو ركوعاً أو طوافاً ونحوها‪ ،‬فإن من جعل شيئاً منها لمخلوق‬
‫كائناً من كان فقد أشرك بالله تعالى في عبادته‪ ،‬واتخذ مع الله أنداداً‪.‬‬
‫(أ) وبيان ذلك أن الذبح أو النذر لغير الله تعالى شرك بالله تعالى‪ ،‬لأنهما عبادتان‬
‫يجب صرفهما لله تعالى وحده‪ ،‬فمن صرفهما لغيره فقد أشرك‪ ،‬كما أن هؤلاء الذين ينحرون أو‬
‫ينذرون لغير الله تعالى سواء كان للأموات‪ ،‬أو للجن‪ ،‬أو للملائكة عليهم السلام‪ ،‬أو لطلعة‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ = 27/93‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أمحد بن علي بن عبد القادر احلسيين املصري احلنفي ‪ ،‬عاش يف القاهرة ‪ ،‬كان مؤرخاً حمدثاً ‪ ،‬وتوىل حسبه القاهرة ‪ ،‬له مؤلفات كثرية ‪ ،‬تويف‬
‫بالقاهرة سنة ‪ 845‬هـ ‪.‬‬
‫انظر شذرات الذهب ‪ ، 7/255‬البدر الطالع ‪. 1/79‬‬
‫(‪ )3‬جتريد التوحيد ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )4‬تطهري االعتقاد ‪ ،‬ص ‪ = 28‬باختصار يسري ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫سلطان ونحوها‪ ،‬إنما يفعلون ذلك عن اعتقاد باطل‪ ،‬فيعتقدون أنها تجلب النفع أو تدفع الضر‪،‬‬
‫ومنهم من يقدم تلك النحائر والنذور إلى هذه المعبودات من أجل أن تقربهم عند الله زلفى‪...‬‬
‫ِير‬
‫ِ‬ ‫ْز‬ ‫الخِن‬
‫ُ ْ‬ ‫ْم‬‫ََلح‬
‫ُ و‬ ‫دم‬ ‫الَّ‬
‫َ ْ‬‫ة و‬ ‫َُ‬‫ْت‬‫َي‬ ‫الم‬
‫ُ ْ‬ ‫ُم‬‫ْك‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫ْ ع‬‫مت‬ ‫ُر‬
‫َِّ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ - :‬ح‬
‫ي‪ُ 3‬‬
‫ة‬ ‫دَ‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫ُت‬
‫الم‬
‫َ ْ‬‫ةو‬ ‫َُ‬
‫‪3‬وذ‬ ‫ُ‪3‬‬‫ْق‬‫َو‬
‫الم‬‫َ ْ‬‫ةو‬ ‫َ ‪ُ3‬‬‫ِق‬‫ْخَن‬‫ُن‬‫الم‬
‫َ ْ‬‫ِو‬ ‫ِ ‪3‬ه‬‫ِب‬‫ِ هّللا‬
‫ْ ‪3‬ر‬‫َي‬
‫لغ‬‫َّ ِ‬
‫‪3‬ل‬‫ِ‪3‬‬‫ُه‬‫ما أ‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫ص‪33‬بِ‬‫ُُّ‬‫لى الن‬ ‫ََ‬‫َع‬ ‫ِح‬‫ُب‬ ‫ما ذ‬ ‫ْو‬
‫ََ‬ ‫ُم‬
‫ْت‬ ‫َك‬
‫َّي‬ ‫ما ذ‬‫ِالَّ َ‬
‫ُإ‬ ‫ُع‬
‫الس‪33‬ب‬
‫َّ‬ ‫َل‬
‫َ‬ ‫َك‬‫ما أ‬ ‫ةو‬
‫ََ‬ ‫َُ‬‫ِيح‬ ‫َّط‬
‫َالن‬ ‫و‬
‫ٌ} [المائدة‪ ،‬آية ‪.]3‬‬ ‫ِسْق‬ ‫ْف‬‫ُم‬‫لك‬‫َِ‬‫ِذ‬ ‫ِاألَز‬
‫ْالَم‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬‫ِم‬‫ْس‬‫َق‬‫تسْت‬‫َن َ‬ ‫َأ‬
‫و‬
‫ِ}‪ " - :‬يعني ما‬ ‫ِه‬‫ِب‬ ‫ِ هّللا‬
‫ْر‬‫َي‬‫لغ‬‫َّ ِ‬
‫ِل‬‫ُه‬‫ما أ‬ ‫ََ‬‫يقول ابن عطية في تفسير قوله تعالى‪{ - :‬و‬
‫ذبح لغير الله تعالى‪ ،‬وقصد به صنم أو بشر من الناس كما كانت العرب تفعل‪ ،‬وكذلك النصارى‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫"‬ ‫وعادة الذابح أن يسمي مقصوده ويصيح به‪ ،‬فذلك إهلاله‪.‬‬
‫ِ} [المائدة‪ ،‬آية‬ ‫ِه‬‫ِب‬ ‫ِ هّللا‬
‫ْر‬‫َي‬‫لغ‬‫َّ ِ‬
‫ِل‬‫ُه‬‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ويقول ابن تيمية‪ " - :‬قوله تعالى‪{ - :‬و‬
‫‪ .]3‬ظاهره أنه ما ذبح لغير الله تعالى‪ ،‬مثل أن يقال هذا ذبيحة لكذا‪ ،‬وإذا كان هذا هو‬
‫المقصود‪ ،‬فسواء لفظ به أو لم يلفظ‪ ،‬وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه‪ :‬باسم‬
‫المسيح ونحوه‪ ،‬كما أن ما ذبحناه نحن‪ ،‬متقربين به إلى الله سبحانه‪ ،‬كان أزكى وأعظم مما‬
‫ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله‪ ،‬فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له‪ ،‬أعظم من‬
‫الاستعانة باسمه في فواتح الأمور‪ ،‬فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة‪ ،‬فلأن يحرم‬
‫ما قيل فيه لأجل المسيح‬
‫صـ‪270‬‬
‫والزهرة أو قصد به ذلك أولى‪ ،‬وهذا يبين لك ضعف قول من حرم ما ذبح باسم غير الله‪ ،‬ولم‬
‫يحرم ما ذبح لغير الله‪ ،‬كما قاله طائفة من أصحابنا وغيرهم‪ ،‬بل لو قيل بالعكس لكان أوجه‪،‬‬
‫فإن العبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله وعلى هذا فلو ذبح لغير الله‬
‫متقرباً به إليه لحرم‪ ،‬وإن قال فيه باسم الله‪ ،‬كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة‬
‫الذين قد يتقربون إلى الكواكب‪ ،‬بالذبح والبخور ونحو ذلك‪ ،‬وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح‬
‫ذبيحتهم بحال‪ ،‬لكن يجتمع في الذبيحة مانعان‪" )2(.‬‬
‫ُبِ} قال مجاهد وابن‬ ‫ُّص‬
‫لى الن‬ ‫ََ‬ ‫َع‬‫ِح‬‫ُب‬ ‫ما ذ‬ ‫ويقول ابن كثير‪ " - :‬وقوله تعالى‪{ - :‬و‬
‫ََ‬
‫جريج‪ :‬كانت النصب حجارة حول الكعبة‪ ،‬قال ابن جريج‪ - :‬وهي ثلاثمائة وستون نصباً‪ ...‬فنهى‬
‫الله المؤمنين عن هذا الصنيع‪ ،‬وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب‪ ،‬فهو من الشرك الذي حرمه الله ورسوله‪ ،‬وينبغي‬
‫أن يحمل هذا على هذا‪" )1(.‬‬
‫إشارة إلى الاستقسام‬ ‫ِسْق‬
‫ٌ}‬ ‫ْ ف‬‫ُم‬ ‫لك‬ ‫َِ‬
‫ويقول الشوكاني‪ " - :‬قوله تعالى‪{ - :‬ذ‬
‫بالأزلام‪ ،‬أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا‪ ،‬والفسق الخروج عن الحد‪ ،‬وفي هذا وعيد شديد؛‬
‫لأن الفسق هو أشد الكفر‪ ،‬لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان‬
‫والكفر‪")2(.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن عطية ‪. 5/21‬‬


‫(‪ )2‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪2/563‬‬
‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪ = 2/12‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير ‪ ، 2/10‬وانظر فتح القدير ‪ ، 1/57‬وإيثار احلق على اخللق البن الوزير ص ‪. 451‬‬
‫‪8‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‪ " - :‬ما كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يسؤ إىل شيئاً‬
‫يكتمه النــاس‪ ،‬غري أنه قد حــدثين بكلمــات أربــع‪ ،‬فقيــل‪ :‬ما هن يا أمير املؤمــنني؟ قــال " لعن اهلل من ذبح لغري اهلل‪ ،‬لعن‬
‫اهلل من لعن والده‪ ،‬ولعن اهلل من آوى حمدثاُ‪ ،‬ولعن اهلل من غري منار األرض‪" )3(.‬‬
‫ومما ي ــبني لك أن ه ــؤالء ال ــذين ين ــذرون أو ي ــذحبون لغري اهلل تع ــاىل‪ ،‬إمنا هو عن اعتق ــاد بأهنا جتلب النفع أو ت ــدفع‬
‫الضر‪ ،‬ما يرى من أحواهلم وأوضاعهم‪ ،‬وقد‬
‫صـ‪271‬‬
‫بني العلمــاء ذلك يف كتبهم‪ ،‬فهــذا الصــنعاين يوضح هــذا األمر فيقــول – مناقش ـاً شــبهات من يــذبح لغري اهلل ‪" :-‬‬
‫فــإن قــال إمنا حنرت هلل‪ ،‬وذكــرت اسم اهلل عليــه‪ ،‬فقل إن كــان النحر هلل فألي شــيء قــربت ما تنحــره من بــاب مشــهد‬
‫من تفضــله وتعتقد فيــه؟ هل أردت بــذلك تعظيمــه؟ إن قــال‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له هــذا النحر لغري اهلل تعــاىل‪ ،‬بل أشــركت مع‬
‫اهلل تعــاىل غـريه‪ ،‬وإن مل تــرد تعظيمــه‪ ،‬فهل أردت توسـيخ بــاب املشــهد وتنجيس الــداخلني؟ إليه أنت تعلم يقينـاً أنك ما‬
‫أردت ذلك أصالً‪ ،‬وال أردت إال األول‪ ،‬وال خرجت من بيتك إال قصداً له‪" )4(.‬‬
‫ويقول أيضاً – مبينـاً حكم هــذه النــذور والنحــائر ‪ " - :-‬فــإن قلت هــذه النــذور والنحــائر ما حكمها " قلت‪ :‬قد‬
‫علم كل عاقل أن األموال عزيزة عند أهلها‪ ،‬يسعون يف مجعهــا‪ ،‬ولو بارتكــاب كل معصــية‪،‬ـ ويقطعــون الفيــايف من أدين‬
‫األرض واألقاصي‪ ،‬فال يبذل أحد من ماله شيئاً إال معتقداً جللب نفع أكثر منـه‪ ،‬أو دفع ضـرر‪ ،‬فالنـاذر للقرب ما أخـرج‬
‫ماله إال لذلك‪ ،‬وهذا اعتقاد باطل‪ ،‬ولو عرف الناذر بطالن ما أرداه‪ ،‬ما أخرج درمهاً‪" )5(.‬‬
‫وكذلك الشوكاين يقرر أن هذه األعمال الشركية صادرة عن البــاطن‪ ،‬وأن أصــحاهبا يعتقــدونـ فيها النفع والضــر‪،‬‬
‫فيق ــول‪ " - :‬وك ــذلك النحر لألم ــوات عب ــادة هلم‪ ،‬والن ــذر هلم جبزء من املال عب ــادة هلم‪ ،‬والتعظيم عب ــادة هلم‪ ،‬كما أن‬
‫النحر للنسك وإخ ــراج ص ــدقة املال‪ ،‬واخلض ــوعـ والاس ــتكانة عب ــادة هلل عز وجل بال خالف‪ ،‬ومن زعم أن مث فرق ـاً بني‬
‫األم ــرين فليهــده إلينــا‪ ،‬ومن ق ــال إنه مل يقصد ب ــدعاء األم ــوات والنحر هلم والن ــذر هلم عب ــادهتم‪ ،‬فقل ل ــه‪ :‬فألي مقتضى‬
‫صنعت هذا الصنع؟ فـإن دعـاءك للميت عند نـزول أمر ربك ال يكـونـ إال لشـيء يف قلبك عرب عنه لسـانك‪ ،‬فـإن كنت‬
‫هتذي بــذكر األمــوات عند عــرض احلاجــات من دون اعتقــاد منك هلم‪ ،‬فــأنت مصــاب بعقلــك‪ ،‬وهكــذا إن كنت تنحر‬
‫هلل‪ ،‬وتنــذر هلل‪ ،‬فألي معىن جعلت ذلك للميت ومحلته إىل قــربه‪ ،‬فــإن الفقــراء على ظهر البســيطة يف كل بقعة من بقــاع‬
‫األرض وفعلك وأنت عاقل ال يكون إال ملقصد قد قصدته‪ ،‬أو أمر قد أردته‪" )1(..‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه مسلمـ ‪ ،‬ك األضاحي (‪ )1567 /3‬ح (‪ ، )1978‬وأمحد ‪. 1/118‬‬


‫(‪ )4‬تطهري الاعتقاد ص ‪. 33‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق ‪ ،‬وانظر سبل السالم للصنعاين ‪. 4/225‬‬
‫(‪ )1‬الدر النضيد يف إخالص كلمة التوحيد (ضمن الرسائل السلفية) ص ‪. 21 ، 20‬‬
‫‪9‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪272‬‬
‫ويعلل صــاحب كتــاب " التوضــيح عن توحيد اخلالق "(‪ )2‬كــون النــذر لغري اهلل تعــاىل من الشــرك االعتقــادي قــائالً‪:‬‬
‫‪ " -‬ألن النــاذر مل ينــذر هــذا النــذر الــذي لغري اهلل إال العتقــاده يف املنــذور له أن يضر وينفــع‪ ،‬ويعطي ومينــع‪ ،‬إما بطبعــه‪،‬‬
‫وإما بق ــوة سـ ــببية فيـ ــه‪ ،‬وجيلب اخلري والربكة ويـ ــدفع الشر والعس ــرة‪ ،‬والـ ــدليل على اعتق ــاد هـ ــؤالء الن ــاذرين وش ــركهم‬
‫حكيهم وقــوهلم أهنم قد وقعــوا يف شــدائد عظيمــة‪،‬فنــذروا نــذراً لفالن‪ ،‬وفالن‪ … ،‬فانكشــفتـ شــدائدهم واســرتاحتـ‬
‫خ ــواطرهم‪ ،‬فقد ق ــام يف نفوس ــهم أن ه ــذه الن ــذور هي س ــبب يف حص ــول مطل ــوهبم ودفع مره ــوهبم‪ ،‬ومن تأمل الق ــرآن‬
‫وس ــنة املبع ــوثـ به ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ ،‬ونظر أح ــوال الس ــلف الص ــاحل‪ ،‬علم أن ه ــذا الن ــذر نظري ما جعلته املش ــركون‬
‫َا} [األنعام‪،‬ـ آية ‪" )3(.]136‬‬
‫ِن‬‫َآئ‬
‫َك‬‫ِشُر‬
‫َا ل‬
‫هـذ‬
‫ََ‬‫ْو‬
‫ِم‬‫ِه‬
‫ْم‬ ‫ِز‬
‫َع‬ ‫ِب‬
‫َا هّلِل‬ ‫آلهلتهم يف قوله تعاىل‪َ{ - :‬‬
‫هـذ‬
‫ويتحــدث مبــارك امليلي (‪ )4‬عن واقع أولئك النــاس الــذين يــذحبون لغري اهلل تعــاىل‪ ،‬وي ـبني أهنم إمنا يفعلــون ذلك عن‬
‫اعتقــاد وطلب للقــرىب من تلك املعبــودات‪...‬ـ فكــان مما قالــه‪ " - :‬إن كل من خالط العامــة‪ ،‬جيزم بــأن قصــدهم بــذبائح‬
‫الزردة (‪)5‬التقرب من صاحب املزار‪ ،‬ويكشف عن ذلك أشياء‪ - :‬أحدها‪ :‬أهنم‬
‫صـ‪273‬‬
‫يضيفون الزردة إىل صاحب املزار‪ ،‬فيقولون‪:‬ـ زردة سيدي فالن‪ ،‬أو طعام سيدي عبد القادر مثالً‪.‬‬
‫ثانيها‪ - :‬إهنم يفعلوهنا عند قربه‪ ،‬ويف جواره‪ ،‬ال يرضون هلا مكاناً آخر‪.‬‬
‫ثالثها‪ - :‬إهنم إن نزل املطر إثرها‪ ،‬نسبوه إىل سر املذبوح له‪ ،‬وقوى اعتقادهم فيه‪ ،‬وتعويلهم عليه‪.‬‬
‫رابعها‪ - :‬أهنم لو تركوها فأصيبوا مبصيبة‪ ،‬نكســوا على رؤوســهم‪ ،‬وقــالوا إن وليهم غضب عليهم‪ ،‬لتقصــريهمـ يف‬
‫جانبه‪" )1(.‬‬
‫ويف ختــام مســألة الــذبح أو النــذر لغري اهلل تعــاىل‪ ،‬ننبه إىل عــدم اخللط بني ما يــذبح لغري اهلل تعــاىل تقرب ـاً أو تعظيم ـاً‬
‫فهذا من باب العبادات والقربات‪ ،‬وبني ما يذبح عادة بقصد األكل أو إكرام ضيف وحنومها‪.‬‬

‫(‪ )2‬اشرتك يف تأليف هذا الكتاب كل من ‪ :‬الشيخ الشيخ عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ومحد بن معمر ‪ ،‬وحممد بن غريب ‪.‬‬
‫انظر للتحقيق يف هذا التوثيق ‪ /‬كتاب دعاوي املناوئني لدعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب للكاتب ص ‪. 60 ، 59‬‬
‫(‪ )3‬التوضيح ص ‪ = 383 ، 382‬باختصار ‪ ،‬وانظر فتح املنان تتمة منهاج التأسيس حملمود اآللوسي ص ‪. 421 – 418‬‬
‫(‪ )4‬مبارك بن حممد امليلي ‪ ،‬من علماء اجلزائر ‪ ،‬عاش يف قسنطينة ‪ ،‬وويل أمانة سر مجعية علماء اجلزائر ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف حوايل سنة ‪ 1357‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم املؤلفني ‪. 8/175‬‬
‫(‪ )5‬هكذا تسمى الذبائح اليت ذحبت لغري اهلل باسم " الزردة" أو " النشرة " يف بعض جهات اجلزائر ‪ ،‬بينما يسمون ما ينذرون لغري اهلل بالغفارةـ (انظر‬
‫رسالة الشرك ومظاهره ملبارك امليلي ص ‪ ، ) 269 ، 256 ، 225‬ويف اليمن يسمون تلك الذبائح باجللبة ‪ ،‬وأما النذور فيطلقونـ عليها " التلم "‬
‫(انظر الدرر السنية ‪ ، 8/286‬وتطهري اإلعتقاد للصنعاين ص ‪. )37‬‬
‫(‪ )1‬رسالة الشرك ومظاهره ص ‪. 257‬‬
‫‪10‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وملا ساق النووي كالم بعض علماء الشافعية يف هذا الشأنـ قائالً‪ " -:‬وذكر الشيخ إبــراهيم املروزي من أصـحابنا‬
‫أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً‪ ،‬أفىت أهل خباري بتحرميه؛ ألنه مما أهل به لغري اهلل تعاىل‪ ،‬قال الرافعي هذا إمنا‬
‫يذحبونه استبشاراً بقدومه كذبح العقيقةـ لوالدة املولود‪ ،‬وقيل هذا ال يوجب التحرمي‪ ،‬واهلل أعلم (‪" )2‬‬
‫فقد عقب امليلي على ما سبق إيراده فقال‪ " - :‬ونقله عن الـرافعي غري خمالف لفتـوى أهل خبارى إال بالقصـد‪،‬فهو‬
‫خالف يف حال‪ .‬فمن قصد التقرب إىل األمري‪ ،‬صدقت عليه الفتوى‪ ،‬ومن قصد جمرد السرور أفىت بقول الرافعي‪" )3(.‬‬
‫وقال سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب معلقاً على هذه املســألة‪-:‬ـ " إن كــانوا يذحبونه استبشــاراً كما‬
‫ذكر الرافعي فال يدخل يف ذلك‪ ،‬وإن كــانوا يذحبونه تقربـاً إليــه‪ ،‬فهو داخل يف احلديث يعين حــديث لعن اهلل من ذبح‬
‫لغري اهلل} ‪" )4(.‬‬
‫صـ‪274‬‬
‫كما جيب التفريق بني النــذر الشــركي املخــرج من امللــة‪ ،‬وبني نــذر املعصــية فيما دون ذلــك‪ ،‬ونــبني ذلك من خالل‬
‫نص يف كتاب " التوضيح عن توحيد اخلالق " حيث جاء فيه ما يلي‪" -:‬والنذر غري اجلائز قسمان " ‪-:‬‬
‫أحدمها‪ - :‬نذر فعل معصية‪ ،‬كشرب اخلمر‪ ،‬وقتل املعصوم‪،‬ـ فيحرم الوفاء به‪ ،‬لقول النيب صــلى اهلل عليه وســلم‪-:‬‬
‫" من نذر أن يعصيـ اهلل فال يعصه "؛ وألن معصيةـ اهلل تبارك وتعاىل ال تباح يف حال من األحوال‪...‬‬
‫الثــاين‪ -:‬النــذر لغري اهلل تعــاىل كالنــذر إلبــراهيم اخلليــل‪ ،‬أو حممد النيب األمني صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬أو ابن عبــاس‪،‬‬
‫أو عبد القادر‪ ،‬أو اخلضر فال خالف بني من يعتد به من علماء املسلمني أنه من الشرك االعتقادي‪" )5(.‬‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬فقد لبس خصوم عقيدة التوحيد يف هذه املسألة‪ ،‬فزعموا أن الذبح لغري اهلل‪ ،‬وكذا النذر لغريه‪،‬‬
‫إمنا هي من احملرم ــات اليت دون الش ــرك‪ ،..‬وذلك بس ــبب س ــوء فهمهم للنص ــوص الش ــرعية‪ ،‬وكالم أهل العلم‪ ،‬بل رمبا‬
‫نسبواـ هذا التلبيس لبعض أئمة السلف‪")1(.‬‬
‫وقد قــام الشــيخ اإلمــام حممد بن عبد الوهــاب بكشف هــذا التلــبيس‪ ،‬وبيــانـ احلق يف هــذه القضــية فكتب جواب ـاً يف‬
‫الرد على ابن سحيم‪ ،‬حني زعم األخري أن النذر لغري اهلل حرام ليس بشرك‪ ،‬فقال الشيخ يف الرد عليه‪-:‬‬

‫(‪ )2‬صحيح مسلمـ بشرح النووي ‪ 13/141‬وانظر روضة الطالبني للنووي ‪. 3/205‬‬
‫(‪ )3‬رسالة الشرك ومظاهرة ص ‪. 253‬‬
‫(‪ )4‬تيسري العزيز احلميد ص ‪ ، 192‬وقد أشار الشاطيب يف املوافقات إىل هذا التفريق ‪. 2/210‬‬
‫(‪ )5‬التوضيح ص ‪. 383 ، 382‬‬
‫(‪ )1‬كما فعل ذلك داود بن جرجيس النقشبندي ‪ ،‬فزعم أن ابن تيمية وابن القيم ال يرون كفر من ذبح أو نذر لغري اهلل ‪ ...‬وحرف بعض كالمهما ‪،‬‬
‫وبرت البعض اآلخر ‪ ،‬وأساء الفهم والقصدـ يف هذه املسألة ‪ ،‬وقد قام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ بالرد عليه يف كتاب‬
‫حتت عنوان (منهاج التأسيس والتقديس يف كشف شبهات داود بن جرجيس) وأمته حممود شكري اآللوسي ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" فدليلك قوهلم أن النذر لغري اهلل حرام باإلمجاع‪ ،‬فاستدللت بقوهلم حرام على أنه ليس بشرك فإن كان هذا قدر‬
‫َّم‬
‫َ‬ ‫َر‬ ‫ما ح‬ ‫َُ‬ ‫تل‬‫َْ‬
‫ْأ‬‫ْا‬ ‫َ َ‬
‫الو‬ ‫تع‬‫َْ‬ ‫ُل‬‫عقل ـ ــك‪ ،‬فكيف تـ ـ ــدعي املعرفـ ـ ــة؟ يا ويلك ما تصـ ـ ــنع بقـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ــاىل‪{ -:‬ق‬
‫ًا} [ األنعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام‪،‬ـ‬
‫ْسَان‬
‫ِح‬‫ينِ إ‬
‫دْ‬ ‫لَ‬‫َاِ‬ ‫ِالو‬
‫َب ْ‬ ‫ًا و‬ ‫ْئ‬ ‫ِ شَي‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ِك‬
‫تشْر‬ ‫َالَّ ُ‬ ‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬‫لي‬ ‫ََ‬‫ْع‬‫ُم‬‫بك‬‫َُّ‬ ‫ر‬
‫آية ‪ ،]151‬فهــذا يــدل على أن الشــرك حــرام ليس بكفر يا هــذا اجلاهل اجلهل املركب‪ ،‬ما تصــنع بقــول اهلل تعــاىل‪- :‬‬
‫َّم‬
‫َ‬ ‫َر‬ ‫َا ح‬ ‫نم‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُل‬‫{ق‬
‫صـ‪275‬‬
‫َن‬‫َأ‬ ‫َ} [األعـ ــراف‪،‬ـ آية ‪ ،]33‬إىل قولـ ــه‪{ :‬و‬ ‫َن‬ ‫بط‬‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫ها و‬ ‫َْ‬ ‫ِن‬ ‫َم‬ ‫هر‬‫ََ‬‫ما ظ‬ ‫َاحِشَ َ‬ ‫َو‬ ‫الف‬ ‫بيَ ْ‬ ‫ر‬
‫َِّ‬
‫ًا} [األعراف‪ ،‬آية ‪.]33‬‬ ‫َان‬ ‫لط‬ ‫ِ سُْ‬ ‫ِه‬ ‫لب‬ ‫َز‬
‫ِّْ‬ ‫ين‬
‫ُْ‬ ‫ما َلم‬ ‫َِ‬ ‫ِاهّلل‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬‫ِك‬‫تشْر‬ ‫ُ‬
‫هل يــدل هــذا التحــرمي على أنه ال يكفر صــاحبه؟ يا ويلك يف أي كتــاب وجدته إذا قيل لك هــذا حــرام‪ ،‬أنه ليس‬
‫بكفــر‪ ،‬فقولك أن ظــاهر كالمهم أنه ليس بكفــر‪ ،‬كــذب وافــرتاء على أهل العلم‪ ،‬بل يقــال ذكر أنه حــرام‪ ،‬وأما كونه‬
‫كفر فيحتــاج إىل دليل آخــر‪ ،‬والــدليل عليه أنه مصــرح يف " اإلقنــاع " أن النــذر عبــادة‪ ،‬ومعلــوم أن ال إله إال اهلل معناها‬
‫ال يعبد إال اهلل‪ ،‬فإذا كان النذر عبادة وجعلتها لغريه‪ ،‬كيف ال يكونـ شركاً؟ (‪" )2‬‬
‫وي ـ ــورد الشـ ـ ــيخ حممد بن عبد الوهـ ـ ــاب قاعـ ـ ــدة مهمة أثنـ ـ ــاء جوابه على من ادعى أن الـ ـ ــذبح للجن منهي عنه فهو‬
‫معصيةـ وليس ردة‪ ..‬حيث قال الشيخ‪-:‬‬
‫" قولــه‪ - :‬الــذبح للجن منهي عنــه‪ ،‬فــاعرف قاعــدة أمهلها أهل زمانــك‪ ،‬وهي أن لفظ " التحــرمي والكراهةـ " وقوله‬
‫" ال ينبغيـ " ألفـ ـ ــاظ عامة تسـ ـ ــتعمل يف املكفـ ـ ــرات‪،‬ـ واحملرمـ ـ ــات اليت هي دون الكفـ ـ ــر‪ ،‬ويف كراهة التنزيه اليت هي دون‬
‫ِي‬ ‫َغ‬‫ينب‬ ‫ما َ‬ ‫احلرام‪ ،‬مثل اس ـ ــتعماهلا يف املكف ـ ــرات قول ـ ــه‪ :‬ال إله إال ال ـ ــذي ال تنبغي العب ـ ــادة إال له (‪ ،)3‬وقوله {و‬
‫ََ‬
‫ُ ‪3‬ل‬
‫ْ‬ ‫دا} [م ـ ـ ـ ـ ـ ــرمي‪ ،‬آية ‪ ،]92‬ولفظ التح ـ ـ ـ ـ ـ ــرمي مثل قوله تع ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬ ‫ََل‪ً 3‬‬ ‫ذو‬‫َّخَِ‬
‫يت‬ ‫َن َ‬ ‫َنِ أ‬‫ْم‬‫َّح‬
‫ِلر‬ ‫ل‬
‫ًا}[األنعـ ـ ـ ـ ــام‪ ،‬آية‬
‫ْئ‬‫ِ شَ‪3‬ي‬‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ِك‬‫تشْر‬‫َالَّ ُ‬ ‫ْأ‬ ‫ُم‬
‫ْك‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫ْع‬ ‫ُم‬‫بك‬ ‫َُّ‬ ‫َر‬ ‫َّم‬‫َر‬‫ما ح‬‫َُ‬‫تل‬ ‫َْ‬‫ْأ‬ ‫ْا‬‫الو‬‫َ َ‬ ‫تع‬‫َ‬
‫‪ ،]151‬وكالم العلماء ال ينحصر يف قوهلم‪-:‬‬
‫َالَّ‬
‫بكَ أ‬ ‫َُّ‬‫َى ر‬‫َض‬ ‫" حيرم كـ ــذا " ملا صـ ــرحوا يف مواضع أخر أنه كفـ ــر‪ ،‬وقـ ــوهلم " يكـ ــره " كقوله تعـ ــاىل {و‬
‫َق‬
‫د‬
‫َْ‬ ‫ِن‬‫هع‬ ‫ُُ‬ ‫ٍّئ‬‫ن سَي‬
‫َاَ‬‫ِكَ ك‬‫َل‬ ‫ُّ ذ‬
‫ُل‬ ‫ه} [اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراء‪ ،‬آية ‪ ،]23‬إىل قولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪{ - :‬ك‬
‫ياُ‬ ‫ْإ‬
‫ِالَّ إ‬
‫َِّ‬ ‫دوا‬ ‫ُُ‬‫ْب‬ ‫تع‬‫َ‬
‫ها} [اإلس ــراء‪ ،‬آية ‪ ،]38‬وأما كالم اإلم ــام أمحد يف قول ــه‪ " - :‬أك ــره ك ــذا " فهو عند أص ــحابه‬ ‫ُوً‬ ‫ْر‬ ‫مك‬‫بكَ َ‬ ‫ر‬
‫َِّ‬

‫(‪ )2‬جمموعة مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪. 5/229‬‬


‫(‪ )3‬يقول ابن القيم ‪ " - :‬وإمنا جتيء ال ينبغي يف كالم اهلل ورسولهـ صلى اهلل عليه وسلم للذي هو يف غاية االمتناع شرعاً " اجلواب الكايف ص ‪179‬‬
‫‪ ،‬وانظر جتريد التوحيد للمقريزي ص ‪. 21‬‬
‫‪12‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫على التحرمي‪ ،‬إذا فهمت هذا فهم صرحوا أن الذبح للجن ردة خترج (‪ ،)1‬وقالوا الذبيحة حرام ولو مسي عليهـا‪ ،‬قـالوا‪:‬‬
‫ألهنا جيتمع فيها مانعان‪ ،‬األول‪ - :‬أهنا مما أهل به لغري اهلل‪ ،‬والثاين‪ :‬أهنا ذبيحة مرتد‬
‫صـ‪276‬‬
‫واملرتد ال حتل ذبيحته‪ ،‬وإن ذحبها لألكل ومسى عليها‪" )2(.‬‬
‫(ب)وإذا انتقلنا إىل حكم الس ــجود أو الرك ــوع لغري اهلل تع ــاىل‪ ،‬فه ــذا من الش ــرك الظ ــاهر‪ ،‬فال ريب أن الس ــجود‬
‫والركوع عبادتان هلل وحده ال شريك له‪ ،‬فمن سجد أو ركع لغري اهلل تعاىل فقد أشرك‪.‬‬
‫ِي‬‫الذ‬‫ِ َّ‬ ‫دوا هَّلِل‬
‫ُُ‬‫َاسْ‪3‬ج‬ ‫ِو‬ ‫َ ‪3‬ر‬ ‫َم‬‫لق‬ ‫لْ‬ ‫َال ِ‬‫مسِ و‬ ‫ِلشَّْ‬ ‫دوا ل‬ ‫ُُ‬‫تسْج‬‫يقـ ـ ـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ال َ‬
‫ن} [فصــلت‪ ،‬آية ‪ ،]37‬أي ال تشــركوا به فما تنفعكمـ عبــادتكم‬ ‫دوَ‬ ‫ُُ‬ ‫ْب‬‫تع‬ ‫هَ‬ ‫ياُ‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُم‬
‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫َّ إ‬‫هن‬‫َُ‬ ‫لق‬ ‫ََ‬
‫خ‬
‫له مع عبادتكم لغريه‪ ،‬فإنه ال يغفر أن يشرك به (‪" )3‬‬
‫" ق ــال بعض أهل العلم يف تفسري ه ــذه اآلي ــة‪ :‬إن من أراد أن يك ــون عب ــداً هلل خالص ـاً‪ ،‬فال يس ــجد إال له س ــبحانه‪،‬‬
‫وال يســجد للشــمس والقمــر‪ ،‬نبه هبما على غريمها من املخلــوق العلــوي‪ ،‬فالســفلي من األحجــار واألشــجار والضــرائح‬
‫وحنوها بــاألوىل‪ .‬وقد دلت هــذه اآلية على أن ديننــا‪ ،‬هو أن الســجود حق اخلالق‪ ،‬فال يســجد ملخلــوق أص ـالً كائن ـاً ما‬
‫كان‪ ،‬فإن املخلوقية يتساوى فيها الشمس والقمر‪ ،‬والويل والنيب‪ ،‬واحلجر واملدر‪ ،‬والشجر وحنوها‪" )4(.‬‬
‫د‬
‫ِنَ‬ ‫َع‬ ‫ِين‬ ‫َالذ‬
‫ُوا ف َّ‬ ‫َر‬ ‫ْب‬
‫َك‬ ‫إنِ اسْت‬ ‫َِ‬ ‫وأيض ـ ـ ـاً فـ ـ ـ ــإن اهلل تعـ ـ ـ ــاىل قـ ـ ـ ــال – بعد اآلية السـ ـ ـ ــابقة ‪{ - :-‬ف‬
‫ن} [فصـ ــلت‪ ،‬آية ‪ ،]38‬فمن‬ ‫موَ‬ ‫َُ‬‫يسْأ‬ ‫ْ ال َ‬ ‫هم‬ ‫ِو‬
‫َُ‬ ‫هار‬ ‫َالن‬
‫ََّ‬ ‫ِو‬ ‫ْل‬ ‫ه ب َّ‬
‫ِاللي‬ ‫ن َلُ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِّح‬
‫يسَب‬ ‫بكَ ُ‬ ‫ر‬
‫َِّ‬
‫ســجد هلل وحــده‪ ،‬فقد خضع وانقــاد هلل وحــده‪ ،‬وحقق كمــال الــذل واحملبةـ هلل تعــاىل‪ ،‬وضــده من اســتكرب عن إفــراد اهلل‬
‫ن‬
‫َِّ‬‫بالعب ــادة – ومنها الس ــجود ‪ ،-‬وقد توعد اهلل تع ــاىل هـ ـؤالء املس ــتكربينـ بالع ــذاب املهني (‪ )5‬فق ــال س ــبحانه‪{ - :‬إ‬
‫َ}(‪[ )6‬غ ـ ـ ـ ـ ــافر‪ ،‬آية‬
‫ِين‬
‫داخِ‪33‬ر‬
‫ََ‬ ‫َّم‬
‫هن‬ ‫ََ‬‫نج‬ ‫ُوَ‬ ‫ُل‬ ‫دخ‬ ‫َْ‬ ‫ِي سَي‬ ‫دت‬ ‫َاَ‬ ‫ِب‬‫ْع‬ ‫َن‬‫نع‬ ‫ُوَ‬ ‫ِر‬‫ْب‬
‫َك‬ ‫يسْت‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َّ‬
‫‪.]60‬‬
‫صـ‪277‬‬

‫(‪ )1‬أي خترج من امللة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬جمموعة مؤلفات الشيخ ‪ ، 67 ، 3/66‬وانظر منهاج التأسيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن ابن حسن آل الشيخ ص ‪. 245 , 239‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن كثري ‪. 4/104‬‬
‫(‪ )4‬الدين اخلالص ‪. 2/53‬‬
‫(‪ )5‬وسبق مراراً أن ذكرنا قول ابن تيمية ‪ " - :‬ومل جييء إعداد العذاب املهني إال يف حق الكافر " الصارم املسلول ص ‪. 52‬‬
‫(‪ )6‬أي صاغرين حقريين ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقــول القرطــيب‪ " - :‬وهــذا الســجود املنهيـ عنه قد اختذه جهــال املتصــوفـ عــادة يف مساعهم‪ ،‬وعند دخــوهلم على‬
‫مشــاخيهم‪ ،‬واســتغفارهم‪ ،‬فــريى الواحد منهم إذا أخــذه احلال بزعمــه‪ ،‬يســجد لألقــدام جلهله ســواء كــان للقبلة أم غريها‬
‫جهالة منه‪ ،‬ضل سعيهم وخاب عملهم‪" )1(.‬‬
‫ويقــول ابن القيم يف بيــان هــذا الشــرك‪ " - :‬ومن أنــواع الشــرك‪ - :‬ســجود املريد للشــيخ‪ ،‬فإنه شــرك من الســاجد‬
‫واملسجود له‪ ،‬والعجب أهنم يقولون‪ - :‬ليس هذا سجود‪ ،‬وإمنا هو وضع الرأس قـدام الشـيخ احرتامـاً وتواضـعاً‪ ،‬فيقـال‬
‫هلؤالء ولو مسيتموه ما مسيتموه‪ ،‬فحقيقة السجود‪ - :‬وضع الرأس ملن يسجد له‪ ،‬وكذلك السجود للصــنم‪ ،‬وللشـمس‪،‬‬
‫وللنجم‪ ،‬وللحجر‪ ،‬كله وضع الرأس قدامه‪.‬‬
‫ومن أنواع ــه‪:‬ـ ‪ -‬رك ــوع املتعممني بعض ــهم لبعض عند املالق ــاة‪ ،‬وه ــذا س ــجود يف اللغ ــة‪ ،‬به تفسري قوله تع ــاىل‪- :‬‬
‫ـاب ُسـ ـ ـ َّجداً} [البق ـ ــرة‪ ،‬آية ‪ ]58‬أي منح ـ ــنني‪ ،‬وإال فال ميكن ال ـ ــدخول باجلبهة على األرض‪ ،‬ومنه قـ ــول‬
‫{اد ُخلُـ ــواْ الْبَ ـ ـ َ‬
‫ْ‬
‫العرب‪ :‬سجدت األشجار إذا أمالتها الريح‪" )2(.‬‬
‫ويق ــول أيضـ ـاً‪ " -:‬ج ــاء ش ــيوخ الض ــالل واملزامحونـ للربوبية فزين ــوا ملري ــديهم حلق رؤوس ــهم هلم‪ ،‬كما زين ــوا هلم‬
‫السـ ــجود هلم ومسوه بغري امسه‪ ،‬وقـ ــالوا هو وضع الـ ــرأس بني يـ ــدي الشـ ــيخ‪ ،‬ولعمر اهلل إن السـ ــجود هلل تعـ ــاىل هو وضع‬
‫الــرأس بني يديه ســبحانه‪ ،‬وزينــوا هلم أن ينــذروا هلم‪ ،‬ويتوبــوا هلم‪ ،‬وحيلفــوا بأمسائهم‪ ،‬وهــذا هو اختاذهم أربابـاً وآهلة من‬
‫َّاس ُكونُــواْـ ِعبــادا يِّل ِمن د ِ‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ًَ‬ ‫ول لِلن ِ‬ ‫ْم َوالنُُّب َّو َة مُثَّ َي ُق َ‬
‫اب َواحْلُك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{ما َكا َن لبَ َش ٍر أَن يُ ْؤتيَهُ اللّهُ الْكتَ َ‬ ‫دون اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪َ - :‬‬
‫َّخ ُذواْ الْ َمالَئِ َكـ ةَ‬
‫ـاب َومِبَا ُكنتُ ْم تَ ْد ُر ُس ـو َن {‪ }79‬ـ َوالَ يَ ـأْ ُمَر ُك ْم أَن َتت ِ ـ‬ ‫ِ‬ ‫ـكن ُكونُ ــواْـ ربَّانِيِّ مِب‬
‫ني َا ُكنتُ ْم ُت َعلِّ ُمــو َن الْكتَ ـ َ‬ ‫َ َ‬
‫اللّ ـ ِـه ولَ ـ ِ‬
‫َ‬
‫َوالنِّبِِّينْي َ أ َْربَابًا أَيَأْ ُم ُر ُكم بِالْ ُك ْف ِر َب ْع َد إِ ْذ أَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]80 ،79‬‬
‫صـ‪278‬‬
‫وأشرف العبودية عبودية الصالة‪،‬ـ وقد تقامسها الشيوخ واملتشبهونـ بالعلماء واجلبابرة‪ ،‬فأخذ الشــيوخ منها أشــرف‬
‫ما فيهــا‪ ،‬وهو الســجود‪ ،‬وأخذ املتشــبهون بالعلمــاء منها الركـوع‪ ،‬فـإذا لقي بعضــهم بعضـاً ركع لــه‪ ،‬كما يركع املصــلي‬
‫لربه سـ ــواء‪ ،‬وأخذ اجلبـ ــابرة منهم القيـ ــام‪،‬ـ فيقـ ــوم األحـ ــرار والعبيد على رؤوسـ ــهم عبودية هلم‪ ،‬وهم جلـ ــوس‪ ،‬وقد هنى‬
‫رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم عن هــذه األمــور الثالثةـ على التفصــيل‪ ،‬فتعاطيهاـ خمالفة صــرحية لــه‪ ،‬فنهى عن الســجود‬
‫لغري اهلل وقــال‪ " :‬ال ينبغي ألحد أن يســجد ألحد (‪ " )3‬وحترمي هــذا معلــوم من دينه بالضــرورة‪ ،‬وجتويز من جــوزه لغري‬
‫اهلل مراغمة هلل ورســوله‪ ،‬وهو من أبلغ أنــواع العبوديــة‪ ،‬فــإذا جــوز هــذا المشــرك هــذا النــوع للبشــر‪ ،‬فقد جــوز العبودية‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطيب ‪. 1/294‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني ‪ ، 345 ، 1/344‬وانظر اجلواب الكايف البن القيم ص ‪ ، 178‬وجتريد التوحيد للمقريزي ص ‪. 21‬‬
‫(‪ )3‬مل أعثر على هذا احلديث هبذا اللفظ ‪ ،‬وقد ورد مبعناه عند أمحد يف املسند ‪ 5/277‬وابن ماجة يف سننه ح (‪ ، )1853‬واحلاكم يف املستدركـ‬
‫‪. 172، 4/171‬‬
‫‪14‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ـاب ُس ـ َّجداً} [البقــرة‪،‬ـ آية ‪ ،]58‬أي‬
‫لغري اهلل‪ ،‬وأيض ـاً فاالحننــاء عند التحية ســجود‪ ،‬ومنه قوله تعــاىل‪{ - :‬وا ْد ُخلُــواْ الْبَـ َ‬
‫منحنني‪ ،‬وإال فال ميكن الدخول على اجلباه …‬
‫واملقصود أن النفوس اجلاهلة الضالة أسقطت عبودية اهلل سبحانه‪ ،‬وأشركت فيها من تعظمه من اخللق‪ ،‬فسجدت‬
‫لغري اهلل‪ ،‬وركعت ل ــه‪ ،‬وق ــامت بني يديه قي ــام الص ــالة وحلفت لغ ــريه‪ ،‬ون ــذرت لغ ــريه‪ ،‬وحلقت لغ ــريه‪ ،‬وذحبت لغ ــريه‪،‬‬
‫وطافت لغري بيته … وسوت من تعبده من املخلوقني برب العاملني‪ ،‬وهؤالء هم املضـادونـ لـدعوة الرسـل‪ ،‬وهم الـذين‬
‫َب‬
‫ِّ‬ ‫ِر‬ ‫ُم ب‬ ‫ِّيك‬‫ُسَو‬ ‫ْن‬ ‫ِذ‬
‫‪ 3‬إ‬ ‫ِينٍ {‪}97‬‬ ‫مب‬ ‫َالل‬
‫ٍ ُّ‬ ‫ِي ض‬ ‫َّا َلف‬ ‫ُن‬‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫برهبم يعــدلون‪ .‬قــال تعــاىل {َ‬
‫تاهَّلل‬
‫َ} [الشعراء‪ ،‬آية ‪" )1( ]98 ،97‬‬
‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬
‫ْ‬
‫وإذا تقــرر كــون الســجود لغري اهلل تعــاىل شــركاً باهلل تعــاىل‪ ،‬فينبغيـ أن نفــرق بني ســجود العبــادة‪ ،‬وســجود التحيــة‪،‬‬
‫فأما ســجود العبــادة فقد ســبق احلديث عنــه‪ ،‬وأما ســجود التحية فقد كــان ســائغاً يف الشــرائع الســابقة‪ ،‬مث صــار حمرم ـاً‬
‫على هذه األمة‪ ،‬فهو معصـيةـ هلل تعــاىل‪ ،‬فمن املعلــوم أن سـجود العبـادة القــائم على اخلضـوع والــذل والتسـليم واإلجالل‬
‫هلل وح ــده هو من التوحيد الـ ــذي اتفقت عليه دع ــوة الرس ــل‪ ،‬وإن ص ــرف لغـ ــريه فهو شـ ــرك وتندي ــد‪ ،‬ولكن لو س ــجد‬
‫أحدهم ألب أو عامل وحنومها‬
‫صـ‪279‬‬
‫وقصــده التحية واإلكــرام فهــذه من احملرمــات اليت دون الشــرك‪ ،‬أما إن قصد اخلضــوع والقرب ـة والــذل له فهــذا من‬
‫الش ــرك‪ ،‬ولكن لو س ــجد لش ــمس أو قمر أو قرب فمثل ه ــذا الس ــجود ال يت ــأتى إال عن عب ــادة وخض ــوع وتق ــرب فهو‬
‫سجود شركي‪ ،‬وإليك توضيح ذلك من خالل النصوصـ التالية‪-:‬‬
‫دا} [يوس ـ ــف‪ ،‬آية‬ ‫ًَّ‬‫ه سُج‬ ‫ْ َلُ‬ ‫ُّوا‬ ‫َر‬ ‫َخ‬
‫ْشِ و‬ ‫َر‬‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬‫ِع‬‫يه‬ ‫َْ‬‫بو‬ ‫ََ‬‫َأ‬ ‫َع‬ ‫َف‬‫َر‬ ‫يق ـ ــول اهلل تعـ ـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫‪.]100‬‬
‫يق ــول ابن عطية – يف معىن الس ــجود ‪ " - :-‬واختلف يف ه ــذا الس ــجود‪ ،‬فقي ــل‪ :‬ك ــان ك ــاملعهود عن ــدنا من وضع‬
‫الوجه باألرض‪ ،‬وقيل‪ :‬بل دون ذلك كالركوع البالغ وحنوه‪ ،‬مهما كان سريه حتيــاهتم للملــوك يف ذلك الزمــان‪ ،‬وأمجع‬
‫املفســرون أن ذلك الســجود – على أي هيئة كــان – فإمنا كــان حتية ال عبــادة‪ ،‬قــال قتــادة‪ - :‬هــذه كــانت حتية امللــوك‬
‫عندهم‪" )2(.‬‬
‫ويقول ابن كثري يف تفسري هذه اآليـة‪ " -:‬وقد كـان سـائغاً يف شـرائعهم‪ ،‬إذا سـلموا على الكبري يسـجدون لـه‪ ،‬ومل‬
‫يــزل هــذا جــائزاً من لــدن آدم إىل شــريعة عيسى عليه الســالم‪ ،‬فحــرم هــذا يف هــذه امللــة‪ ،‬وجعل الســجود خمتصـاً جبنــاب‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪ = 161– 4/159‬باختصار ‪ ،‬وانظر أعالم املوقعني ‪ 155 ، 3/117‬وشرح الشروط العمرية ص ‪. 94‬‬
‫(‪ )2‬تفسري ابن عطية ‪ ، 378، 9/377‬وانظر تفسري القرطيب ‪. 9/265 ، 1/293‬‬
‫‪15‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫الــرب ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬هــذا مضــمون قــول قتــادة وغــريه – إىل أن قــال‪ - :‬والغــرض أن هــذا كــان جــائزاً يف شــريعتهم؛‬
‫وهلذا خروا له سجداً‪" )3(.‬‬
‫َ}‬ ‫دم‬‫ْ آلَ‬ ‫دوا‬ ‫ُُ‬ ‫ِ اسْج‬ ‫َة‬‫ِك‬
‫َآلئ‬ ‫لم‬ ‫لْ‬‫َا ِ‬ ‫لن‬ ‫ُْ‬ ‫ْق‬ ‫ِذ‬
‫َإ‬‫ويقــول حممد رشــيد رضا عند تفســريه لقوله تعــاىل {و‬
‫[البقرة‪،‬ـ آية ‪ " - :]34‬وهو سجود ال نعرف صــفته‪ ،‬ولكن أصـول الــدين تعلمنا أنه ليس ســجود عبــادة إذ ال يعبد إال‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬والسجود يف اللغة التطـامن واخلضـوع والانقيـاد‪ ،‬وأعظم مظـاهره اخلرور حنو األرض لألذقـان‪ ،‬ووضع اجلبهة‬
‫على الـ ــرتاب‪ ،‬وكـ ــان عند القـ ــدماء من حتية النـ ــاس للملـ ــوك والعظمـ ــاء‪ ،‬ومنه سـ ــجود يعقـ ــوب وأوالده ليوسف عليهم‬
‫السالم (‪" )1‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قــال‪ - :‬قــال رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬ال يصــلح لبشر أن يســجد‬
‫لبشر‪ ،‬ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر‪،‬‬
‫صـ‪280‬‬
‫ألمرت املرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " (‪.)2‬‬
‫وعن قيس بن سعد (‪ )3‬رضي اهلل عنه قال‪ " - :‬أتيت احلرية‪ ،‬فرأيتهم يسجدون ملرزبان هلم (‪ ،)4‬فقلت رســول اهلل‬
‫صــلى اهلل عليه وســلم أحق أن يســجد لــه‪ ،‬قــال‪ :‬فــأتيت النيب صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬فقلت‪ - :‬إين أتيتـ احلرية فــرأيتهم‬
‫يســجدن ملرزبــان هلم‪ ،‬فــأنت يا رســول اهلل أحق أن نســجد لــك‪ ،‬قــال‪ :‬أرأيت لو مــررت على قــربي أكنت تســجد لــه‪،‬‬
‫قــال‪ :‬ال‪ ،‬قــال‪ - :‬فال تفعلــوا‪ ،‬لو كنت آمــراً أحــداً أن يســجد ألحــد‪ ،‬ألمــرت النســاء أن يســجدن ألزواجهن‪ ،‬ملا جعل‬
‫اهلل هلم عليهن من احلق‪" )5(.‬‬
‫"قال الطيبي (‪-:)6‬‬

‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري ‪ = 2/491‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )1‬تفسري املنار ‪. 1/265‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ، 3/158‬وكذا البزار كما يف جممع الزوائد (‪ )9/4‬وقال اهليثمي ‪ " - :‬رجاله رجال الصحيح غري حفص بن أخي أنس ‪ ،‬وهو‬
‫ثقة " ووافقه األلباين يف اإلرواء ‪. 7/55‬‬
‫(‪ )3‬هو قس بن سعد عبادة اخلزرجي ‪ ،‬صحـايب جليل ‪ ،‬أمري جماهد ‪ ،‬كان يطعم الناس ‪ ،‬وصاحب دهاء ‪ ،‬وشهد مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫املشاهد ‪ ،‬مات سنة ‪ 85‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 5/473‬وسري أعالم النبالء ‪. 3/102‬‬
‫(‪ )4‬أي الفارس الشجاع ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود ح (‪ ، )2140‬واحلاكم (‪ ، )2/187‬والبيهقي (‪ )7/291‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو احلسني بن حممد بن عبد اهلل الطيبي ‪ ،‬من علماء احلديث والتفسري ‪،‬له ردود على املبتدعة ‪ ،‬كان كرمياً جواداً ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة ‪743‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" أي اســجدوا للحي الــذي ال ميوت‪ ،‬وملن ملكه ال يــزول‪ ،‬فإنك إمنا تســجد يل اآلن مهابة وإجالالً‪ ،‬فــإذا صــرت‬
‫رهني رمس‪ ،‬امتنعت عنه‪" )7(.‬‬
‫ويبني ابن تيمية هذه املسألة فيقول‪- :‬‬
‫" أما تقبيل األرض‪ ،‬ووضع الــرأس‪ ،‬وحنو ذلك مما فيه الســجود‪ ،‬مما يفعل قــدام بعض الشــيوخ‪ ،‬وبعض امللــوك‪ ،‬فال‬
‫جيوز‪ ،‬بل ال جيوز االحنناء كالركوع أيضاً‪ ،‬كما قالوا للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬الرجل منا يلقى أخاه‪ ،‬أينحين له؟‬
‫صـ‪281‬‬
‫قال ال …(‪" )8‬‬
‫وأما فعل ذلك تديناً وتقربـاً فهـذا أعظم المنكـرات‪ ،‬ومن اعتقد مثل هـذا قربة وتـديناً فهو ضـال مفـرت‪ ،‬بل يـبني له‬
‫أن هذا ليس بدين وال قربة‪ ،‬فإن أصر على ذلك استتيب‪،‬ـ فإن تاب وإال قتل‪" )1(.‬‬
‫ويقول أيضاً‪-:‬‬
‫" وأما وضع الرأس عند الكرباء من الشيوخ وغريهم‪ ،‬أو تقبيل األرض وحنو ذلك‪ ،‬فإنه مما ال نزاع فيه بني األئمة‬
‫يف النهي عنه‪ ،‬بل جمرد االحنناء بالظهر لغري اهلل عز وجل منهي عنه‪" )2(.‬‬
‫ويقــول يف موضع ثــالث‪ - :‬وحجــرة نبيناـ صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬وحجــرة اخلليــل‪ ،‬وغريمها من املدافن اليت فيها نيب‬
‫ورجل صاحل‪ ،‬ال يستحب تقبيلها وال التمسح هبا باتفاق األئمة‪ ،‬بل منهي عن ذلك‪ ،‬وأما السجود لذلك فكفر‪" )3(.‬‬
‫(ج) وإذا انتقلنا إىل الطــواف‪ ،‬فــإن املراد بــالطواف الــذي يكــونـ شــركاً هو الطــواف بغري الكعبةـ مع قصد التقــرب‬
‫ُوا‬ ‫َّف‬‫َّو‬‫َط‬
‫َْلي‬‫لغري اهلل تعـ ـ ـ ــاىل‪ ،‬كـ ـ ـ ـ ــالطواف بـ ـ ـ ـ ــالقبور واملشـ ـ ـ ـ ــاهد وحنوهـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ــالطواف عبـ ـ ـ ـ ــادة لقوله تعلى‪{ -:‬و‬
‫ِ} [احلج‪ ،‬آية ‪ ،]29‬وصرف العبــادة أو شــيء منها لغري اهلل شــرك‪ ،‬وأما لو طــاف بتلك‬ ‫ِيق‬‫َت‬‫الع‬ ‫ْتِ ْ‬ ‫َي‬ ‫ِالب‬
‫ب ْ‬
‫القبور بقصد التقرب إىل اهلل تعاىل فهذا حمرم‪ ،‬وبدعة منكرة‪ ،‬ووسيلة لعبادة تلك القبور "‬
‫يقول ابن تيمية يف هذه املسألة‪-:‬ـ‬

‫انظر الدرر الكامنة ‪ ،2/156‬والبدر الطالع ‪.1/229‬‬


‫(‪ )7‬عون المعبود ‪. 6/187‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه أمحد ‪ ، 3/198‬والرتمذي وحسنه ح ( ‪ ، )2728‬وابن ماجه ح ( ‪. )3702‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ = 1/372‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪. 27/92‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪ ، 27/136‬وانظر هتذيب رسالة البدر الرشيد يف األلفاظ املكفرات ص ‪. 51 ، 50‬‬
‫‪17‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" وأما الرجل ال ــذي طلب من وال ــده احلج‪ ،‬ف ــأمره أن يط ــوف بنفس األب‪ ،‬فق ــال‪ :‬طف ب ــبيت ما فارقه اهلل طرفة‬
‫عني ق ــط‪ ،‬فه ــذا كفر بإمجاع املس ــلمني‪ ،‬ف ــإن الط ــواف ب ــالبيت الع ــتيق مما أم ــره اهلل به رس ــوله‪ ،‬وأما الط ــواف باألنبي ــاء‬
‫والصاحلني فحرام بإمجاع املسلمني‪ ،‬ومن اعتقد ذلك دينا فهو كافر‪ ،‬سواء طاف ببدنه أو بقربه‪" )4(.‬‬
‫صـ‪282‬‬
‫ويقول أيضاً‪-:‬‬
‫" ليس يف األرض مكـ ــان يط ـ ــاف به كما يط ـ ــاف بالكعبـ ــة‪،‬ـ ومن اعتقد أن الطـ ــواف بغريها مشـ ــروع فهو شر ممن‬
‫يعتقد جــواز الصــالةـ إىل غري الكعبةـ … فمن اختذ الصــخرة اليــومـ قبلة يصــلي إليها فهو كــافر مرتد يســتتاب فــإن تــاب‬
‫وإال قتل مع أهنا ك ــانت قبلة لكن نسخ ذل ــك‪ ،‬فكيف مبن يتخ ــذها مكانـ ـاً يط ــاف به كما يط ــاف بالكعب ــة؟ والط ــواف‬
‫بغري الكعبةـ مل يشرعه اهلل حبال …(‪" )5‬‬
‫‪-3‬وإذا تقرر حكم هذه األعمال … فيمكن إجياز أوجه كون هذه األعمال كفر مبا يلي‪-:‬‬
‫(أ) أن هــذه األعمــال شــرك ينــاقض توحيد العبــادة‪ ،‬فــإذا كــان الــذبح والنــذر‪ ،‬وكــذا الســجود والركــوع والطــواف‬
‫عبــادات ال جيوز صــرفها إال هلل تعــاىل وحده‪ ،‬فمن أثبتـ لغري اهلل تعــاىل ما ال يكــونـ إال هلل فهو كــافر (‪)1‬؛ ألن الشــرك‬
‫األكرب – كما سبق ذكره – هو صرف نوع أو فرد من العبادة لغري اهلل تعاىل‪ ،‬والعبادة الشرعية تتضمن غاية الذل هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬مع غاية احملبةـ له‪" )2(.‬‬
‫وكما يقول ابن تيمية‪-:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫"‬ ‫" فاإلله هو ال ــذي يأهله القلب بكم ــال احلب والتعظيم‪ ،‬واإلجالل واإلك ــرام‪ ،‬واخلوف والرج ــاء وحنو ذل ــك‪.‬‬
‫ومن املعل ـ ــوم أن الـ ـ ــذبح والنـ ـ ــذر والسـ ـ ــجود والركـ ـ ــوع والطـ ـ ــواف وحنوها … عبـ ـ ــادات جتمع بني اخلض ـ ــوع واخلوف‬
‫واإلجالل‪ ،‬والرجاء واحملبةـ والقرب‪ ،‬فإذا صرفت هذه العبادات هلل وحده فهذا إميان وتوحيد‪ ،‬وإذا صرفت لغــريه فهــذا‬
‫كفر وتنديد‪.‬‬
‫وقد غلط مرجئة املتكلمني ومن تبعهم عندما زعموا أن شرك التقرب والنسك ليس شركاً بإطالق‪،‬ـ مـامل يتضــمن‬
‫عندهم الشرك يف التوحيد العلمي اخلربي؛ ألهنم حصروا التوحيد يف الربوبية والأمساء الصفات من مث فالشرك‬
‫صـ‪283‬‬

‫(‪ )4‬املرجع السابق ‪. 2/308‬‬


‫(‪ )5‬املرجع السابق ‪ = 27/10‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر الرد على البكري البن تيمية ص ‪. 214‬‬
‫(‪ )2‬انظر العبودية البن تيمية ص ‪. 44‬‬
‫(‪ )3‬العبودية ص ‪. 51‬‬
‫‪18‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(‪)4‬‬
‫عندهم هو الشرك يف هذا التوحيد‪.‬‬
‫ومثــال ذلك ما تومهه بعضــهم بــأن الســجود لغري اهلل تعــاىل ال يكــونـ كفــراً إال إذا اعتقد الربوبيةـ فيمن ســجد له(‪،)5‬‬
‫والصحيح أن السجود لغري اهلل تعاىل شرك ينـاقض توحيد العبــادة‪ ،‬وإذا انضم إىل ذلك اعتقـاد الربوبيةـ فيمن سـجد لـه‪،‬‬
‫فهذا شرك يف توحيد الربوبية‪.‬ـ‬
‫ومنهم من ق ــال إن الس ــجود للص ــنم أو الش ــمس وحنومها عالمة الكفر (‪ )6‬وإن مل يكن يف نفسه كف ــر‪ ،‬وه ــذا ليس‬
‫بصــحيح‪ ،‬بل الســجود للصــنم أو الشــمس يف حد ذاته كفر وشــرك باهلل تعــاىل يف العبــادة‪ ،‬فهو خضــوع ورجــاء وتــذلل‬
‫دوا‬ ‫ُُ‬ ‫تسْج‬‫لغري اهلل تع ــاىل‪ ،‬وال تقـ ــوم عبودية اهلل تعـ ــاىل إال بتحقيق السـ ــجود له سـ ــبحانه‪ ،‬كما قـ ــال تعـ ــاىل‪{ -:‬ال َ‬
‫ه‬
‫ياُ‬ ‫َِّ‬‫ْإ‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫َّ إ‬‫هن‬ ‫َُ‬ ‫لق‬‫ََ‬
‫ِي خ‬ ‫الذ‬ ‫ِ َّ‬‫دوا هَّلِل‬ ‫ُُ‬ ‫اس‪333‬ج‬‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫َ‪333‬ر‬ ‫َم‬ ‫لق‬ ‫لْ‬‫َال ِ‬‫مسِ و‬ ‫ِلش‪ْ333‬‬ ‫ل َّ‬
‫ن} [فصلت‪ ،‬آية ‪.]37‬‬ ‫دوَ‬ ‫ُُ‬‫ْب‬ ‫تع‬ ‫َ‬
‫(ب) أن من قصد بتلك العب ــادات غري اهلل تع ــاىل‪ ،‬وص ــرفها لغ ــريه س ــبحانه‪ ،‬فقد ش ــبه املخل ــوق الض ــعيف الع ــاجز‬
‫باخلالق القوي القادر‪.‬‬
‫ولذا يقول ابن القيم‪ " -:‬ومن خصائص اإلهلية العبودية اليت قامت على ســاقني ال قــوام هلا بــدوهنا‪ - :‬غاية احلب‪،‬‬
‫مع غاية الذل‪ ،‬هذا متام العبوديـة‪ ،‬وتفـاوت منـازل اخللق فيها حبسب تفـاوهتم يف هـذين األصـلني‪ ،‬فمن أعطى حبه وذله‬
‫وخضــوعه لغري اهلل‪ ،‬فقد شــبهه به في خــالص حقــه‪ ،‬وهــذا من احملال أن تــأيت به شــريعة من الشــرائع … ‪ -‬إىل أن قــال‬
‫– فمن خصــائص اإلهلية الســجود‪ ،‬فمن ســجد لغــريه فقد شــبه املخلــوق بــه‪ ،‬ومنها التوكل فمن توكل على غــريه فقد‬
‫شبهه به‪ ،‬ومنها التوبة فمن تاب لغريه فقد شبهه به‪" )1(.‬‬
‫صـ‪284‬‬
‫ويق ــول – يف كت ــاب آخر ‪ " :-‬ومن أس ــباب عب ــادة األص ــنام‪ - :‬الغلو يف املخل ــوق‪ ،‬وإعط ــاؤه ف ــوق منزلت ــه‪ ،‬حىت‬
‫جعل فيه حظ من اإلهليــة‪ ،‬وشــبهوه باهلل ســبحانه‪ ،‬وهــذا هو التشــبيه الواقع يف األمم‪ ،‬والــذي أبطله اهلل ســبحانه‪ ،‬وبعث‬
‫رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله‪.‬‬
‫فأهل الشــرك غلــوا فيمن يعظمونــه‪ ،‬وحيبونــه‪ ،‬حىت شــبهوه باخلالق‪ ،‬وأعطــوه خصــائص اإلهليــة‪ ،‬بل صــرحوا أنه إلــه‪،‬‬
‫ْ} [ص‪ ،‬آية ‪ ،]6‬وصــرحوا بأنه إله‬ ‫ُم‬ ‫ِك‬‫هت‬‫لَ‬ ‫لى آِ‬ ‫ََ‬ ‫ُوا ع‬ ‫ِر‬ ‫ْب‬
‫َاص‬ ‫وأنك ــرواـ جعل اآلهلة إهلاً واح ــداً‪ ،‬وق ــاال {و‬

‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬ملزيد من التفصيل رسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪. 174 ، 173‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬هتذيب الفروق والقواعد السنية حملمد على بن حسني املالكي (هبامش الفروق للقرايف ) ‪ ، 1/137‬وانظر السيل اجلرار للشوكاين ‪4/580‬‬
‫‪ ،‬وقارنه بكالمه يف الدر النضيد ص ‪. 35 ، 34‬‬
‫(‪ )6‬انظر أصول الدين لعبد القاهر البغدادي ص ‪ ، 266‬والشفا لعياض ‪. 2/1072‬‬
‫(‪ )1‬اجلواب الكايف ص ‪ = 183‬باختصار ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫معبود يرجى وخياف‪ ،‬ويعظم ويسـجد لـه‪ ،‬وتقـرب له القـرابني‪ ،‬إىل غري ذلك من خصـائص العبـادة اليت ال تنبغي إال هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فكل مشرك فهو مشبه إلهله ومعبوده باهلل سبحانه‪ ،‬وإن مل يشبهه به من كل وجه‪" )2(.‬‬
‫ِيع‬
‫ُ‬ ‫َ السَّ‪3‬م‬ ‫ه ‪3‬و‬ ‫َُ‬‫ءو‬ ‫ٌْ‬ ‫ِ شَ‪3‬ي‬ ‫ْل‬
‫ِه‬ ‫ِث‬‫َم‬‫ْسَ ك‬ ‫ويقـ ـ ـ ـ ــول ابن القيم أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ " - :‬وقوله سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه {َلي‬
‫ُ} [فصلت‪ ،‬آية ‪ ]11‬إمنا قصد به نفي أن يكونـ معه شريك‪ ،‬أو معبــود يســتحق العبــادة والتعظيم‪ ،‬كما‬ ‫ِير‬ ‫َص‬ ‫الب‬
‫يفعله املش ــبهون واملش ــركون‪ .‬وه ــذا التش ــبيهـ ال ــذي أبطله اهلل س ــبحانه هو أصل ش ــرك الع ــامل‪ ،‬وعب ــادة األص ــنام‪ ..‬ف ــإن‬
‫املشبهةـ هم الذين يشبهونـ املخلوق باخلالق يف العبـادة‪ ،‬والتعظيم‪ ،‬واخلضــوع‪ ،‬والنــذر له والســجود له وحلق الـرأس لـه‪،‬‬
‫واالستغاثة به‪" )3(.‬‬
‫ومما قاله املقري ــزي – يف ش ــأن ه ــذا التش ــبيهـ ‪ " - :-‬إن املش ــرك ش ـبه املخل ــوق باخلالق يف خص ــائص اإلهلي ــة‪ ،‬وهي‬
‫التفرد مبلك الضر والنفـع‪ ،‬والعطــاء واملنــع‪ ،‬فمن علق ذلك مبخلــوق فقد شـبهه باخلالق تعـاىل‪ .‬وســوى بني الـرتاب ورب‬
‫األرباب‪ ،‬فأي فجور وذنب أعظم من هذا‪.‬‬
‫واعلم أن خصــائص اإلهلية الكمــال املطلق من مجيع الوجــوه الــذي ال نقص فيه بوجه من الوجــوه‪ ،‬وذلك يــوجب‬
‫أن تكــون العبــادة له وحــده عقالً وشــرعاً وفطــرة‪ ،‬فمن جعل ذلك لغــريه فقد شــبه الغري مبن ال شــبيه لــه‪ ،‬ولشــدة قبحه‬
‫وتضمنه غاية الظلم‪ ،‬أخرب من كتب على نفسه الرمحة أنه ال يغفره أبداً …‬
‫صـ‪285‬‬
‫ومن خص ــائص اإلهلية للس ــجود‪ ،‬فمن س ــجد لغ ــريه فقد ش ــبهه ب ــه‪ ،‬ومنها ال ــذبح له فمن ذبح لغ ــريه قد ش ــبهه ب ــه‪،‬‬
‫ومنها حلق الرأس إىل غري ذلك‪.)4(.‬‬
‫ويتح ــدث أمحد الـ ــدهلوي (‪ )1‬عن هـ ــذا التشـ ــبيهـ قـ ــائالً‪ " -:‬حقيقة الشـ ــرك أن يعتقد إنسـ ــان يف بعض املعظمني من‬
‫الن ــاس أن اآلث ــار العجيبة منه إمنا ص ــدرت لكونه متص ــفاً بص ــفة من ص ــفات الكم ــال مما مل يعهد يف جنس اإلنس ــان بل‬
‫خيتص ب ـ ــالرب جل جمده‪ ،‬ال يوجد يف غ ـ ــريه إال أن خيلع هو خلعة األلوهية على غ ـ ــريه‪ ،‬فيت ـ ــذلل عن ـ ــده أقصى الت ـ ــذلل‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويعامل معه معاملة العباد مع اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )2‬إغاثة اللهفانـ ‪ = 323، 2/322‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )3‬المرجع السابق ‪ = 341 – 2/329‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬جتريد التوحيد ص ‪ = 28 , 27‬باختصار ‪ ،‬وكالم املقريزي هاهنا يكاد يطابق كالم ابن القيم يف اجلواب الكايف ص ‪183 , 182‬‬
‫( هو ويل اهلل بن أمحد بن عبد الرحيم الدهلوي ‪ ،‬نشأ بدهلي يف اهلند ‪ ،‬ورحل إىل احلجاز ‪ ،‬وصار من كبار العلماء ‪،‬‬
‫وأتقن علوماً كثرية ‪ ،‬وله مؤلفات مجة وجهود إصالحية متعددة ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1180‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم املؤلفني ‪ . 4/292‬ومقدمةـ كتابه الفوز الكبري في أصول التفسري‬
‫(‪ )2‬حجة اهلل البالغة ‪ =1/61‬بتصرف يسري ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إضافة إىل ذلك فإن هذا التشبيه من أظلم الظلم وأشنعه‪ ،‬ولذا يقول إمساعيل الدهلوي‪-:‬‬
‫ِكْ‬ ‫تشْر‬‫َّ ال ُ‬‫َي‬‫بن‬‫يا ُ‬ ‫هَ‬‫ُُ‬ ‫ِظ‬‫يع‬ ‫ََ‬‫هو‬
‫َُ‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬‫بن‬‫ن الْ‬
‫َاُ‬ ‫ْم‬‫ل ُلق‬‫َاَ‬ ‫ْق‬ ‫ِذ‬‫َإ‬‫" ق ـ ـ ـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ٌ} [لقمان‪ ،‬آية ‪ ]13‬وقد هــدت لقمــان احلكمة العميقة اليت أكرمه اهلل‬
‫ِيم‬ ‫َظ‬‫ٌع‬ ‫لم‬‫ُْ‬ ‫ْكَ َلظ‬‫ن الشِّر‬ ‫َِّ‬‫ِإ‬ ‫ِاهَّلل‬
‫ب‬
‫وخصه هبا‪ ،‬إىل أن أفحش الظلم أن جيود االنســانـ على أحد حبق غــريه‪ ،‬فمن أعطى حق اهلل ألحد خلقه فقد عمد إىل‬
‫حق أكرب كب ــري‪ ،‬فأعط ــاه أذل ذلي ــل‪ ،‬وك ــان كرجل وضع ت ــاج امللك على مف ــرق إس ــكاف‪ ،‬وأي جور أكرب من ه ــذا‬
‫اجلور‪ ،‬وأي ظلم أفحش من هذا الظلم‪" )3(.‬‬
‫(ج) أمجع العلماء على أن من صرف عبادة لغري اهلل تعاىل فهو كافر – كما تقدم – وكما يقــول ابن تيميــة‪" - :‬‬
‫فمن جعل املالئكة واألنبيــاء وســائط يــدعوهم‪ ،‬ويتوكل عليهم‪ ،‬ويســأهلم جلب املنــافع‪ ،‬ودفع املضــار‪ ،‬مثل أن يســأهلم‬
‫غفران الذنوب‪،‬‬
‫صـ‪286‬‬
‫وهداية القلوب وتفريج الكروب‪ ،‬وسد الفاقات‪ ،‬فهو كافر بإمجاع املسلمني‪" )4(.‬‬
‫ولــذا علق الشــيخ ســليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهــاب على هــذا اإلمجاع قــائالً‪" -:‬وهو إمجاع صــحيح‪،‬‬
‫معل ــوم بالض ــرورة من ال ــدين‪ ،‬وقد نص العلم ــاء من أهل املذاهبـ األربع ــة‪ ،‬وغ ــريهم يف ب ــاب حكم املرتد على أن من‬
‫أشرك باهلل فهو كافر‪ ،‬أي عبد مع اهلل غريه بنوع من أنواعـ العبادة‪" )5(.‬‬
‫كما أن حرمة مثل هــذا الشــرك من األمــور املعلومة من الــدين بالضــرورة‪ ،‬كما وضــحه ابن تيمية بقولــه‪ " - :‬فإنا‬
‫بعد معرفـ ـ ـة ما جـ ـ ــاء به الرسـ ـ ــول نعلم بالضـ ـ ــرورة أنه مل يشـ ـ ــرع ألمته أن تـ ـ ــدعو أحد من األمـ ـ ــوات‪،‬ـ ال األنبي ـ ــاء‪ ،‬وال‬
‫الصــاحلني …‪ ،‬كما أنه مل يشــرع ألمته الســجود مليت‪ ،‬وال لغري ميت وحنو ذلــك‪ ،‬بل هنى عن كل هــذه األمــور‪ ،‬وإن‬
‫ذلك من الشرك الذي حرمه اهلل تعاىل ورسوله‪" )6(.‬‬
‫كما يقــول أيضـاً‪ " -:‬كــان من أتبــاع هــؤالء (املشــركني) من يســجد للشــمس والقمر والكــواكب‪،‬ـ ويــدعوها كما‬
‫يــدعو اهلل تعــاىل‪ ،‬ويصــوم هلا وينسك هلا‪ ،‬ويتقــرب إليهــا‪ ،‬مث يقــول إن هــذا ليس بشــرك‪،‬وإمنا الشــرك إذا اعتقــدت أهنا‬
‫(‪)1‬‬
‫هي املدبرة يل‪ ،‬فإذا جعلتها سبـباً وواسطة مل أكن مشركاً‪ ،‬ومن املعلوم بالاضطـرار من دين اإلسالمـ أن هذا شرك‪.‬‬
‫"‬

‫(‪ )3‬رسالة التوحيد ص ‪. 49 ، 48‬‬


‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪. 1/124‬‬
‫(‪ )5‬تيسري العزيز احلميد ص ‪. 229‬‬
‫(‪ )6‬الرد على البكري ص ‪ ، 376‬وانظر جمموعة الرسائل واملسائل ‪. 1/29‬‬
‫(‪ )1‬درء التعارض ‪. 228 ، 1/227‬‬
‫‪21‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -4‬ويف ختام هذا املبحث‪ ،‬نسرد جمموعة من أقوال العلماء يف هذه املسألة‪-:‬‬
‫يقول ابن جنيم احلنفـي‪ " - :‬والسجود للجبابرة كفر إن أراد به العبادة‪ ،‬إن أراد به التحية علـى قـول األكثر‪" )2(.‬‬
‫وجــاء يف الفتــاوى البزازيــة‪ " - :‬والســجدة هلؤالء اجلبــابرة كفــر؛ لقوله تعــاىل خماطبـاً للصــحابة رضي اهلل عنهم‪- :‬‬
‫{أَيَ ـأْ ُم ُر ُكم بِــالْ ُك ْف ِر َب ْعـ َـد إِ ْذ أَنتُم ُّم ْس ـلِ ُمو َن} [آل عمــران‪ ،‬آية ‪ ،]80‬نــزلت حني اس ــتأذنواـ يف الس ــجود له عليه الصــالةـ‬
‫والسالم (‪ )3‬وال خيفى‬
‫صـ‪287‬‬
‫{ب ْع َد إِ ْذ أَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن} ومع اعتقاد جواز ســجدة العبــادة ال يكــون مســلماً‪،‬‬
‫أن االستئذان لسجود التحية بداللة‪َ :‬‬
‫فكيف يطلق عليهم بعد إذ أنتم مسـ ـ ــلمون "‪ ،‬وقيل ال يكفر لقصة إخـ ـ ــوة يوسف عليه السـ ـ ــالم‪ ،‬والقائل األول ي ـ ــدعي‬
‫دا} [اجلن‪ ،‬آية‬ ‫ًَ‬‫َح‬ ‫ِأ‬ ‫َ هَّللا‬
‫مع‬‫ُوا َ‬ ‫دع‬
‫تْ‬‫َال َ‬ ‫ِف‬ ‫د هَّلِل‬
‫َسَاجَِ‬
‫الم‬ ‫ن ْ‬ ‫ََّ‬‫َأ‬‫نسخة بتلك اآلية‪ ،‬وبقوله تعاىل‪{ - :‬و‬
‫‪ ،]18‬وقيل إن أراد العبادة كفر‪ ،‬وإن أراد التحية ال‪ ،‬وهذا موافق ملا ذكر يف فتاوى األصل‪" )4(.‬‬
‫وقال حممد عالء الدين احلصكفي (‪ )5‬فيمن نذر لغري اهلل‪-:‬‬
‫" واعلم أن املنـ ــذر الـ ــذي يقع لألمـ ــوات من أكـ ــثر العـ ــوامـ وما يؤخذ من الـ ــدراهم والشـ ــموع وال ــزيت وحنوها إىل‬
‫ضرائح األولياء الكرام تقرباً إليهم فهو باإلمجاع باطل وحرام‪" )6(.‬‬
‫وقال ابن عابدين شارحاً ملا سبق‪-:‬‬
‫" قوله باطل وحــرام لوجــوه‪ - :‬منها أنه نــذر ملخلــوق‪ ،‬والنــذر للمخلــوق ال جيوز؛ ألنه عبــادة‪ ،‬والعبــادة ال تكــون‬
‫ملخل ـ ــوق‪ ،‬ومنها أن املنـ ـ ــذور له ميت‪ ،‬وامليت ال ميلـ ـ ــك‪ ،‬ومنها أنه ظن أن امليتـ يتصـ ـ ــرف يف األم ـ ــور دون اهلل تع ـ ــاىل‪،‬‬
‫واعتقادهـ ذلك كفر‪" )1(.‬‬

‫(‪ )2‬البحر الرايق ‪. 5/134‬‬


‫(‪ )3‬أخرجه عبد بن محيد عن احلسن ‪ ،‬وانظر الدر املنثور للسيوطيـ ‪. 2/250‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى البزازية (هبامش الفتاوى اهلندية) ‪ ، 6/343‬وانظر كالم صنع اهلل احلليب احلنفي يف تيسري العزيز احلميد لسليمانـ بن عبد اهلل بن حممد عبد‬
‫الوهاب ص ‪ ، 207‬وفتح املنان لآللوسيـ ص ‪ ، 420‬ورسالة يف حترمي اختاذ الضرائح املصنوعة من اخلشب حملمد اآلبادي ص ‪- : ، 28 – 25‬‬
‫وروح املعاين لآللوسيـ ‪ ، 17/212‬ونصاب االحتساب لعمر السنامي ص ‪. 317‬‬
‫(‪ )5‬حممد بن علي بن حممد احلصكفي الدمشقيـ احلنفي ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬أصـويل ‪ ،‬مفسـر ‪ ،‬حنـوي ‪ ،‬رحل إىل القدس ‪ ،‬وتويل إفتاء األحناف ‪ ،‬له مؤلفات ‪،‬‬
‫تويف بدمشق سنة ‪ 1088‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم املؤلفني ‪.11/56‬‬
‫(‪ )6‬الدر املختار (مع حاشية ابن عابدين) ‪. 2/439‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين ‪. 2/439‬‬
‫‪22‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقول ابن عبد الرب عند شـرحه لحـديث النيب صـلى اهلل عليه وسـلم " اللهم ال جتعل قـربي وثنـاً يعبد اشـتد غضب‬
‫اهلل على قوم اختذوا قبور أنبيائهم مساجد (‪-:)2‬‬
‫صـ ‪288‬‬
‫كان رسـول اهلل صـلى اهلل عليه وسـلم حيذر أصـحابه وسـائر أمته من سـوء صـنيع األمم قبلـه‪ ،‬الـذين صـلوا إىل قبـور‬
‫أنبيــائهم‪ ،‬واختذوها قبلة ومســجداً‪ ،‬كما صــنعت الوثنية باألوثــان اليت كــانوا يســجدون إليها ويعظموهنا‪ ،‬وذلك الشــرك‬
‫األكــرب‪ ،‬فكــان النيب صــلى اهلل عليه وســلم خيربهم مبا يف ذلك من ســخط اهلل وغضــبه‪،‬ـ وأنه مما ال يرضــاه خشــية عليهم‬
‫امتثال طرقهم‪" )3(.‬‬
‫ويق ــول القاضي عي ــاض‪ " -:‬وك ــذلك نكفر بكل فعل أمجع املس ــلمون أنه ال يص ــدر إال من ك ــافر … كالس ــجود‬
‫للصنم‪ ،‬وللشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والصليب‪ ،‬والنار‪" )4(.‬‬
‫ويقــول النــووي‪ " -:‬اعلم أن الــذبح للمعبــود وبامسه‪ ،‬نازلة منزلة الســجود لــه‪ ،‬وكل واحد منهم ـا نــوع من أنــواعـ‬
‫التعظيم والعبادة املخصوصة باهلل تعاىل الذي هو املســتحق للعبــادة‪ ،‬فمن ذبح لغــريه من حيــوان‪ ،‬أو مجاد كالصــنم على‬
‫وجه التعظيم والعبادة‪ ،‬مل حتل ذبيحته‪ ،‬وكان فعله كفراً‪ ،‬كمن سجد لغريه سجدة عبادة‪" )5(.‬‬
‫ويقول أيضاً‪ - :‬واألفعـال املوجبة للكفر هي اليت تصـدر عن تعمد واسـتهزاء بالـدين صـريح كالسـجود للصـنم‪ ،‬أو‬
‫الشمس …(‪" )6‬‬
‫وملا أورد الــرملي (‪ )7‬أنــواع الــردة … كــان مما قالــه‪ " - :‬الســجود لصــنم أو مشس‪ ،‬أو خملــوق آخــر؛ ألنه أثبت هلل‬
‫ش ــريكاً‪ ،‬نعم إن دلت قرينة قوية على ع ــدم داللة الفعل على االس ــتخفاف كس ــجود أسري يف دار احلرب حبض ــرة ك ــافر‬
‫خشية منه فال كفر‪ – .‬إىل أن قال – وإن قصد تعظيم خملوق بالركوع كما يعظم اهلل به فال‬
‫ص‪289‬‬
‫فرق بينهما يف الكفر حينئذ‪" )1( .‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه مالك (‪ )1/172‬ح (‪ )172‬وأمحد ‪ ، \ 2/246‬واحلميدي ح (‪ )1025‬وصححه األلباين يف " حتذير الساجد " ص ‪. 25‬‬
‫(‪ )3‬التمهيد ‪. 5/45‬‬
‫(‪ )4‬الشفا ‪. 2/1072‬‬
‫(‪ )5‬روضة الطالبني ‪ 206 ، 3/205‬وانظر روضة الطالبني ‪. 1/326‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق ‪ ، 10/64‬وانظر مغين احملتاج للشربيين ‪. 4/136‬‬
‫(‪ )7‬حممد بن أمحد بن محزة الرملي املصري الشافعي ‪ ،‬توىل إفتاء الشافعية مبصر ‪ ،‬وصنف شروحاً وحواشي كثرية ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1004‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪:‬األعالم ‪ ، 6/7‬ومعجمـ املؤلفني ‪. 8/255‬‬
‫(‪ )1‬هناية احملتاج ‪ ، 7/417‬وانظر قليويب وعمرية ‪ ، 4/176‬وتنبيه الغافلني البن النحاس ص ‪ ، 403‬واإلعالم لنب حجر اهليتمي ص ‪. 348‬‬
‫‪23‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويق ــول الربيه ــاري‪" - :‬وال خيرج أحد من أهل القبلة من اإلســالمـ حىت يــرد آية من كت ــاب اهلل عز وجــل‪ ،‬أو يــرد‬
‫ش ــيئاً من آث ــار رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم أو يصـ ــلي لغري اهلل‪ ،‬أو يـ ــذبح لغري اهلل‪ ،‬وإذا فعل ش ــيئاً من ذلك فقد‬
‫وجب عليك أن خترجه من اإلسالم‪." )2( .‬‬
‫ويق ــول ابن تيمية – يف مس ــألة الس ــجود لغري اهلل ووس ــائلها ‪ " :-‬هنى النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم عن الص ــالةـ عند‬
‫طلوع الشمس وعند غروهبا‪ ،‬وقال‪" - :‬فإهنا تطلع بني قرين شيطان‪ ،‬وحينئذ يسجد هلا الكفار " (‪ ،)3‬وهنى عن حتري‬
‫الصــالةـ يف هــذا الــوقت‪ ،‬ملا فيه من مشــاهبة الكفــار يف الصــورة‪ ،‬وإن كــان املصــلي يقصد الســجود هلل ال للشــمس‪ ،‬لكن‬
‫هنى عن املش ــاهبة يف الص ــورة لئال يفضي إىل املش ــاركة يف القص ــد‪ ،‬ف ــإذا قصد اإلنس ــان الس ــجود للش ــمس وقت طل ــوع‬
‫الشمس ووقت غروهبا‪ ،‬كان أحق بالنهيـ والذم والعقاب‪ ،‬وهلذا يكون كافراً‪ ،‬كــذلك من دعا غري اهلل‪ ،‬وحج إىل غري‬
‫اهلل هو أيضاً شرك‪ ،‬والذي فعله كفر‪." )4( .‬‬
‫ويبني ابن تيمية أن السجود الشركي من األمور املتفق على حترميها عند الرسل عليهم السالم‪ ،‬فيقول‪- :‬‬
‫"أما الس ـ ـ ـ ــجود لغري اهلل وعبادته فهو حمرم يف ال ـ ـ ـ ــدين ال ـ ـ ـ ــذي اتفقتـ عليه رسل اهلل‪ ،‬كما ق ـ ـ ـ ــال س ـ ـ ــبحانه وتع ـ ـ ــاىل‬
‫َنِ‬‫ْم‬ ‫َّح‬‫دونِ ال‪33‬ر‬ ‫ِن ُ‬‫َا م‬ ‫َْ‬
‫لن‬ ‫َع‬‫َج‬ ‫َا أ‬‫ِن‬ ‫ُّسُل‬
‫ِن ر‬ ‫ِكَ م‬ ‫ْل‬ ‫َب‬‫ِن ق‬ ‫َا م‬ ‫لن‬ ‫ْسَْ‬ ‫َر‬ ‫ْأ‬ ‫من‬‫لَ‬ ‫َْ‬ ‫َاسْأ‬ ‫{و‬
‫َ}[الزخرف‪ ،‬آية ‪" )5(]45‬‬ ‫دون‬ ‫َُ‬‫ْب‬‫يع‬ ‫ةُ‬ ‫هً‬‫لَ‬ ‫آِ‬
‫ص‪290‬‬
‫ومما سطره هذا اإلمام يف مسألة النذر الشركي قوله رمحه اهلل‪" - :‬وال جيوز أن ينــذر أحد إال طاعــة‪ ،‬وال جيوز أن‬
‫ينذرها إال هلل‪ ،‬فمن نذر لغري اهلل فهو مشرك‪ .‬كمن صــام لغري اهلل‪ ،‬وســجد لغري اهلل‪ ،‬ومن حج إىل قرب من القبــور فهو‬
‫مشرك‪" )6( .‬‬
‫ويقــول أيض ـاً‪ " - :‬وأما النــذر للمــوتى من األنبيــاء واملشــائخ وغــريهم‪ ،‬أو لقبــورهم أو املقيمني عند قبــورهم‪ ،‬فهو‬
‫ن ــذر شــرك ومعص ــية هلل تعــاىل‪ ،‬س ــواء كــان النــذر نفقة أو ذهب ـاً أو غري ذل ــك‪ ،‬وهو شــبيه مبن ينــذر للكنــائسـ والرهبــانـ‬
‫وبيوت األصنام‪" )7( .‬‬

‫(‪ )2‬شرح السنة للبربهاري ص ‪. 31‬‬


‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ك بدء اخللق (‪ )6/335‬ح (‪ ، )3273‬ومسلمـ ك صالة املسافر (‪ )1/567‬ح (‪. )827‬‬
‫(‪ )4‬الرد على األخنائي ص ‪ ، 61‬وانظر جمموع الفتاوي البن تيمية ‪ ، 11/502 ، 23 ، 27/11‬واقتضاء الصراط املستقيم ‪. 2/768 ،‬‬
‫(‪ )5‬إقتضاء الصراط املستقيم ‪. 1/192‬‬
‫(‪ )6‬منهاج السنة ‪2/440‬‬
‫(‪ )7‬جمموع الفتاوي ‪11/504‬‬
‫‪24‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويؤكد ابن تيمية على إزالة مثل تلك الن ــذور فيق ــول‪:- :‬وكل ما ين ــذر ل ــه‪ ،‬أو يعظمه من األحج ــار أو األش ــجار‪،‬‬
‫وحنوه ــا‪ ،‬جيب أن ي ــزال؛ ألنه حيصل للن ــاس به ض ــرر عظيم يف دينهم‪ ،‬كما كسر اخلليل عليه الس ــالم األص ــنام‪ ،‬وكما‬
‫حـرق موسى عليه السـالم العجـل‪ ،‬وكما كسر رسـول اهلل صـلى اهلل عليه وسـلم األصـنام وحرقها ملا فتح مكـة‪- )1( ..‬‬
‫إىل أن قـال – ومن قـال أنه يشـفى مبثل نـذره هلذه األشـياء فهو كـاذب‪ ،‬بل يسـتتاب‪ ،‬فـإن تـاب وإال قتـل‪ ،‬فإنه مكـذب‬
‫هلل ورسوله‪")2( ...‬‬
‫وأرد الشــاطيب مثــال من ذبح لغري اهلل تعــاىل – مع أمثلة أخــرى – على مســألة قررها بقولــه‪" - :‬كل من ابتغىـ يف‬
‫تك ــاليف الشـ ــريعة غري ما شـ ــرعت له فقد نـ ــاقض الشـ ــريعة‪ ،‬وكل من ناقضـ ــها فعمله يف املناقضةـ باط ــل‪ ،‬فمن ابتغى يف‬
‫التكــاليفـ ما مل تشــرع له فعمله باطــل‪...‬؛ ألن األخذ يف خالف مقاصد الشــريعة مشــاقة ظــاهرة‪ ،‬واهلل تعــاىل يقــول‪- :‬‬
‫ِيل‬
‫ِ‬ ‫َ سَب‬ ‫ْر‬ ‫َي‬ ‫ْغ‬ ‫ِع‬‫َّب‬
‫يت‬ ‫دى و‬
‫ََ‬ ‫هَ‬ ‫الُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َلُ‬ ‫َّن‬
‫َي‬ ‫تب‬ ‫ما َ‬ ‫َِ‬ ‫ْد‬
‫بع‬‫ِن َ‬ ‫لم‬ ‫َّسُوَ‬‫ِ الر‬ ‫ِق‬‫يشَاق‬ ‫من ُ‬ ‫ََ‬‫{و‬
‫ًا} [النس ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬آية‬ ‫ِ‪3‬ير‬ ‫مص‬‫َْ‬ ‫َسَ‪3‬اءت‬ ‫َو‬ ‫َّم‬
‫هن‬‫ََ‬‫ِج‬ ‫ِه‬
‫ْل‬ ‫نص‬ ‫ََّلى و‬
‫َُ‬ ‫تو‬
‫ما َ‬ ‫َِ‬
‫َِّله‬‫نو‬‫َُ‬‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬
‫الم‬‫ْ‬
‫ـات اللّـ ِـه‬
‫َّخ ُذواْ آي ـ ِ‬
‫ِ‬
‫{والَ َتت ـ َ َ‬‫‪ ،]115‬كما أن القاصد خلالف الشــرع مســتهزىء بآيــات اهلل وأحكامــه‪ ،‬واهلل تعــاىل يقــول َ‬
‫ُه ُز ًوا} [ البقرة‪ ،‬آية ‪" )3( ]231‬‬
‫ص‪291‬‬
‫وذكر مرعي بن يوسف الكرمي أن السجود للحكام بقصد العبادة كفر‪ ،‬وبقصد التحية كبرية (‪.)4‬‬
‫ومما قاله أمحد الفاروقي السرهندي (‪ )5‬يف مكتوباته‪:‬ـ ‪" -‬والتـربي من الكفر شـرط اإلسـالم‪ ،‬واالجتنـاب عن شـائبة‬
‫الش ــرك توحي ــد‪ ،‬واالس ــتمداد من األص ــنام والط ــاغوت يف دفع األم ــراض واألس ــقام‪ ،‬كما هو ش ــائع فيما بني جهلة أهل‬
‫اإلس ــالمـ عني الش ــرك والض ــاللة‪،‬ـ وطلب احلوائج من األحج ــار املنحوته نفس الكفر – إىل أن ق ــال – وما يفعلونه من‬
‫ذبح احليوانات املنذورة للمشائخ عند قبور املشائخ املنــذورة هلم جعله الفقهــاء داخالً يف الشــرك‪ ،‬وأحلقــوه جبنس ذبــائح‬
‫اجلن املمنوعـ عنها شرعاً‪")6( .‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري مبعناه ‪ ،‬ك املغازي ‪ ،‬ح (‪ ، )4287‬ومسلم ‪ ،‬ك اجلهاد ‪ ،‬ح (‪)1781‬‬
‫(‪ )2‬خمتصر الفتاوي املصرية ص ‪ ،551‬وانظر الفتاوي ‪ ، 33/123‬واقتضاء الصراط املستقيم ‪. 646 -2/644‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املوافقات ‪ = 335 – 2/333‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬غاية املنتهى ‪ ، 3/337‬وانظر كشاف القناع للبهويت ‪6/137‬‬
‫(‪ )5‬أمحد بن عبداألحد السرهندي ‪ ،‬النقشبندي ‪ ،‬من علماء اهلند ‪ ،‬دعا إىل نبذ البدع ‪ ،‬اشتغل بالتدريس ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1034‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬األعالم ‪ ،1/142‬معجم املؤلفني ‪.1/259‬‬
‫(‪ )6‬املنتخبات من املكتوبات للسرهندي ص ‪. 220‬‬
‫‪25‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقول الشيخ حممد بن عبدالوهاب يف هذا الشأن‪:‬ـ ‪" -‬والعبادة أنواع كثرية‪ ،‬لكين أمثلها بأنواعـ ظـاهرة ال تنكــر‪،‬‬
‫من ذلك السجود فال جيوز لعبد أن يضع وجهه على األرض ساجداً إال هلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬ال مللك مقـرب‪ ،‬وال‬
‫لنيب مرسل‪ ،‬وال لويل‪ ،‬ومن ذلك الذبح فال جيوز ألحد أن يذبح إال هلل وحده‪ ،‬كما قرن اهلل بينهما يف القرآن يف قوله‬
‫َ{‬ ‫ِين‬ ‫َ‪َ 3‬‬
‫‪3‬الم‬ ‫الع‬
‫ِّ ْ‬ ‫َب‬‫ِر‬ ‫ِي هّلِل‬ ‫َ‪33‬ات‬ ‫مم‬
‫ََ‬ ‫َايَ و‬‫ْي‬
‫مح‬ ‫ِي و‬
‫ََ‬ ‫ُسُك‬ ‫َن‬ ‫ِي و‬ ‫َالَت‬
‫نص‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫تع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ُل‬
‫بكَ‬ ‫لر‬
‫َِّ‬ ‫ِّ ِ‬
‫َل‬ ‫َص‬‫ه} [األنع ـ ـ ـ ـ ـ ــام‪،‬ـ آية ‪ 163, ]162‬والنسك هو ال ـ ـ ـ ـ ـ ــذبح‪ ،‬وق ـ ـ ـ ـ ـ ــال {ف‬‫ِيكَ َلُ‬
‫‪}162‬الَ شَر‬
‫ْ} [الكــوثر‪ ،‬آية ‪ ]2‬فتفطن هلذا‪ ،‬واعلم أن من ذبح لغري اهلل من جين أو قــرب‪ ،‬فكما لو ســجد لــه‪ ،‬وقد لعنه‬ ‫َر‬‫نح‬
‫َاْ‬ ‫و‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث الصحيح بقوله‪" :‬لعن اهلل من ذبح لغري اهلل" (‪" )1‬‬
‫ومما كتبه الشــوكاين عن مفاسد البنــاء على القبــور قولــه‪ " - :‬ومن املفاسد البالغة إىل حد يــرمي بصــاحبه إىل وراء‬
‫حائط اإلسـ ــالم‪:‬ـ أن كث ـ ــرياً منهم ي ـ ــأيت بأحسن ما ميلكه من األنع ـ ــام‪،‬ـ وأج ـ ــود ما حيوزه من املواشي فينحـ ــره عند ذلك‬
‫القرب‪ ،‬متقرباً به‬
‫ص‪292‬‬
‫إليـه‪ ،‬راجيـاً ما يضــمر حصــوله منــه‪ ،‬فيهل به لغري اهلل‪ ،‬ويتعبد به لــوثن من األوثــان‪ ،‬إذ أنه ال فــرق بني حنر النحــائر‬
‫ألحجار منصوبةـ يسموهنا وثناً‪ ،‬وبني قرب مليت يسمونه قرباً‪...‬‬
‫‪ -‬إىل أن ق ــال – وال شك أن النحر ن ــوع من أن ــواع العب ــادة اليت تعبد اهلل العب ــاد هبا‪ ،‬كاهلدايا والفدية والض ــحايا‪،‬‬
‫فاملتقرب هبا إىل القرب والناحر هلا عنده مل يكن له غرض بذلك إال تعظيمه وكرامته‪ ،‬واستجالب اخلري منــه‪ ،‬واســتدفاع‬
‫الشر به‪ ،‬وهذا عبادة ال شك فيها‪ ،‬وكفاك من شر مساعه‪" )2( .‬‬
‫ومما قاله الش ــيخ عبداهلل بن عب ــدالرمحن أبو بطني – في ه ــذا املوض ــوعـ ‪" - :-‬فال ــدين كله داخل يف العب ــادة‪ ،‬ف ــإذا‬
‫علم اإلنس ــان وحتقق معىن اإلل ــه‪ ،‬وأنه املعب ــود‪ ،‬وع ــرف حقيقة العب ــادة‪ ،‬ت ــبني له أن من جعل ش ــيئاً من العب ــادة لغري اهلل‪،‬‬
‫فقد عبده واختذه إهلاً‪ ،‬وإن فر من تسميته معبوداً أو إهلاً‪ ،‬فتغري االسم ال يغري حقيقة املسمى‪ ،‬وال يزيل حكمه‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫‪3‬ار‬ ‫َ‪3‬‬ ‫ْب‬ ‫َح‬‫ْأ‬‫ُوا‬ ‫وملا مسع عـ ـ ـ ـ ـ ــدي بن حـ ـ ـ ـ ـ ــامت (‪ - )3‬وهو نصـ ـ ـ ـ ـ ــراين – ق ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َّ { - :‬‬
‫اتخَذ‬
‫ِ} [التوبـ ــة‪ ،‬آية ‪ .]31‬قـ ــال للنيب صـ ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ :‬إنا لس ــنا‬ ‫دونِ هّللا‬ ‫من ُ‬‫با ِّ‬ ‫باً‬ ‫َْ‬‫َر‬‫ْأ‬‫هم‬ ‫نُ‬ ‫َاَ‬‫هب‬ ‫ُْ‬ ‫َر‬
‫و‬

‫(‪ )1‬الدررـ السنية ‪. 2/54‬‬


‫(‪ )2‬شرح الصدور بتحرمي رفع القبور ص‪ = 20‬باختصار‬
‫(‪ )3‬عدي بن حامت بن عبداهلل الطائي ‪ ،‬صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أسلم يف سنة تسع ‪ ،‬شهد فتح العراق ‪ ،‬وكان جواداً ‪ ،‬مات سنة‬
‫‪ 68‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ،4/472‬وسري أعالم النبالء ‪.3/162‬‬
‫‪26‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(‪)4‬‬
‫نعبدهم‪ .‬قال‪ :‬أليس حيرمـون ما أحل اهلل فتحرمونـه‪ ،‬وحيلـون ما حـرم اهلل فتحلونـه؟ قـال‪ :‬بلى‪ ،‬قـال‪ :‬فـذلك عبـادهتم‬
‫"‪.‬‬
‫فعدي ما كــان حيسب أن مــوافقتهمـ فيما ذكر عبــادة منهم هلم‪ ،‬فـأخربه صـلى اهلل عليه وســلم أن ذلك عبــادة منهم‬
‫هلم‪ ،‬مع أهنم ال يعتقدونه عب ـ ــادة هلم‪ .‬وك ـ ــذلك ما يفعله عب ـ ــاد القب ـ ــور من دع ـ ــاء أص ـ ــحاهبا‪ ،‬والتقـ ــرب إليهم بالـ ــذبائح‬
‫والنذور‪ ،‬عبادة منهم للمقبورين‪ ،‬وإن كانوا ال يسمونه وال يعتقدونه عبادة‪" )5( .‬‬
‫ص‪293‬‬
‫ويقــول الشــيخ عبــدالرمحن بن حسن بن حممد بن عبــدالوهابـ – يف توجيهه القــول بــأنـ النــذر لغري اهلل شــرك ‪" :-‬‬
‫وذلك ألن النــاذر هلل وحــده قد علق رغبته به وحــده‪ ،‬لعلمه بأنه تعــاىل ما شــاء كــان وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬وأنه ال مــانع‬
‫ملا أعطى‪ ،‬وال معطي ملا منع‪ ،‬فتوحيد القصد هو توحيد العبـادة‪ ،‬وهلذا تـرتب عليه وجـوب الوفـاء فيما نـذره طاعة هلل‪،‬‬
‫والعبـ ــادة إذا ص ـ ــرفت لغري اهلل ص ـ ــار ذلك ش ـ ــركاً باهلل اللتفاته إىل غ ـ ــريه تع ـ ــاىل فيما ي ـ ــرغب فيه أو يـ ــرهب‪ ،‬فقد جعله‬
‫شريكاً هلل يف العبادة (‪" )1‬‬

‫(‪ )4‬سيأيت خترجيه ص ‪299‬‬


‫(‪ )5‬االنتصار ص ‪ = 34 ،33‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬قرة عيون املوحدين ص ‪ 85‬وانظر جواب الشيخ حممد بن عبداللطيف آل الشيخ عن الذبح لغري اهلل تعاىل يف الدررـ السنية ‪ ، 8/286‬وجواب‬
‫الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ عن الذبح لغري اهلل وكذا النذر لغري اهلل يف فتاويه ‪ 107 – 1/105‬وانظر فتاوي ابن باز ‪ 3/322‬واجملموع الثمني‬
‫البن عثيمني ‪ ، 1/41‬وفتاوي اللجنة الدائمة ‪. 258 ، 220 ، 132 ، 127 ، 116 – 112 ، 110 ، 1/89‬‬
‫‪27‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪294‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫الحكم بغير ما أنزلـ اهلل‬

‫ال شك أن تنحية شـ ــرع اهلل تعـ ــاىل‪ ،‬وعـ ــدم التحـ ــاكم إليه يف شـ ــؤون احليـ ــاة من أخطر وأبـ ــرز مظ ــاهر الاحنراف يف‬
‫جمتمعـ ــات املس ـ ــلمني‪ ،‬ولقد ك ـ ــانت ع ـ ــواقبـ احلكم بغري ما أن ـ ــزل اهلل يف بالد املس ـ ــلمني ما حل هبم من أنـ ــواعـ الفسـ ــاد‬
‫وصنوف الظلم والذل واحملق‪.‬‬
‫ونظ ــراً ألمهية وخط ــورة ه ــذه املس ــألةـ من ج ــانب‪ ،‬وك ــثرة اللبس فيها من ج ــانب آخ ــر‪ ،‬فنفصل ه ــذه املس ــألة على‬
‫النحو التايل‪- :‬‬
‫‪ - 1‬منزلة احلكم مبا أنـ ــزل اهلل من الـ ــدين‪ :‬فـ ــرض اهلل تعـ ــاىل احلكم بشـ ــريعته‪ ،‬وأوجب ذلك على عب ــاده‪ ،‬وجعله‬
‫اخَتلَ ُفواْ فِ ِيه} [البقرة‪،‬‬ ‫يما ْ‬
‫الغاية من تنزيل الكتاب‪ ،‬فقال سبحانه‪{ - :‬وأَنز َل معهم الْ ِكتاب بِاحْل ِّق لِيح ُكم ب الن ِ ِ‬
‫َّاس ف َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ َنْي َ‬
‫ْن‬
‫َ‬ ‫بي‬‫ََ‬ ‫ُم‬‫ْك‬ ‫َح‬ ‫لت‬ ‫ِّ ِ‬ ‫َق‬‫ِالح‬
‫َب ْ‬ ‫َاب‬ ‫ِت‬‫الك‬ ‫ْكَ ْ‬‫َِلي‬ ‫َا إ‬ ‫َنزْ‬
‫َلن‬ ‫َّا أ‬ ‫آيه ‪ ،]213‬وقـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـاىل‪{ - :‬إ‬
‫ِن‬
‫ُ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]105‬‬ ‫َاكَ هّللا‬ ‫َر‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫َّاسِ ب‬ ‫الن‬
‫هو‬
‫َ‬ ‫َُ‬‫َّ و‬ ‫َق‬‫الح‬ ‫ُصُّ ْ‬ ‫يق‬ ‫َِ‬ ‫ِالَّ هّلِل‬
‫ُإ‬ ‫ْم‬‫ُك‬ ‫الح‬ ‫ِنِ ْ‬ ‫وبني سـ ـ ــبحانه اختصاصه وتف ـ ــرده بـ ـ ــاحلكم‪ ،‬فقـ ـ ــال‪{ - :‬إ‬
‫َالَّ‬ ‫َأ‬ ‫مر‬ ‫ََ‬‫ِأ‬ ‫ِالَّ هّلِل‬
‫ُإ‬ ‫ْم‬‫ُك‬ ‫الح‬ ‫ِنِ ْ‬ ‫َ} [األنعـ ـ ــام‪ ،‬آية ‪ ،]57‬وقـ ـ ــال سـ ـ ــبحانه‪{ - :‬إ‬ ‫ِين‬ ‫ِل‬ ‫َاص‬ ‫الف‬
‫ُ ْ‬ ‫ْر‬ ‫َي‬ ‫خ‬
‫ه} [يوس ــف‪ ،‬آية ‪ ،]40‬وق ــال عز وج ــل‪{ - :‬له احلمد يف األوىل واآلخ ــرة وله احلكم‬ ‫ياُ‬ ‫َِّ‬ ‫ِالَّ إ‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ْب‬
‫ُُ‬ ‫تع‬ ‫َ‬
‫ء‬‫ِن شَيٍْ‬ ‫ِم‬ ‫ِيه‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ْت‬‫لف‬ ‫ََ‬ ‫ْت‬ ‫ما اخ‬ ‫ََ‬ ‫وإليه ترجع ـ ـ ـ ـ ــون} [القص ـ ـ ـ ـ ـ ــص‪،‬ـ آية ‪ ،]70‬وق ـ ـ ـ ـ ـ ــال س ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫ِ} [الشورى‪ ،‬آية ‪.]42‬‬ ‫َِلى هَّللا‬ ‫هإ‬ ‫ُُ‬ ‫ْم‬
‫ُك‬ ‫َح‬ ‫ف‬
‫وجــاءت اآليــات القرآنية مؤكــدة على أن احلكم مبا أنــزل اهلل من صــفات املؤمــنني‪ ،‬وأن التحــاكم إىل غري ما أنــزل‬
‫ِاهَّلل‬
‫ِ‬ ‫َّا ب‬ ‫من‬ ‫ن آَ‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ََ‬ ‫اهلل (وهو حكم الطـ ــاغوت واجلاهليـ ــة) من صـ ــفات املنـ ــافقني‪ .‬قـ ــال سـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫ما‬ ‫ََ‬‫‪3‬كَ و‬ ‫ل‪3‬‬ ‫َِ‬ ‫ِذ‬ ‫ْ ‪3‬د‬ ‫بع‬‫من َ‬ ‫هم ِّ‬ ‫ُْ‬‫من‬ ‫ِي ‪3‬ق‬
‫ٌ ِّ‬ ‫َر‬ ‫ََّلى ف‬ ‫َ ‪3‬و‬ ‫يت‬ ‫ثم‬
‫َّ َ‬ ‫َا ُ‬‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َط‬‫َأ‬ ‫ِو‬ ‫َّسُ‪3‬ول‬ ‫ِالر‬ ‫َب‬ ‫و‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬‫ْن‬ ‫بي‬ ‫ََ‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫َح‬ ‫لي‬‫ِِ‬ ‫له‬ ‫َسُوِ‬ ‫َر‬ ‫ِو‬‫َِلى هَّللا‬
‫ُوا إ‬ ‫دع‬ ‫َا ُ‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫َ {‪}47‬و‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬
‫ْم‬ ‫ُؤ‬ ‫ِالم‬ ‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلئ‬‫ُو‬ ‫أ‬
‫ِ‬
‫ْه‬ ‫َِلي‬ ‫توا إ‬ ‫ُْ‬ ‫يأ‬ ‫ُّ َ‬‫َق‬‫الح‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ُن َّلُ‬ ‫يك‬‫ِن َ‬‫َإ‬ ‫ن {‪ 3}48‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫ِض‬
‫ْر‬‫مع‬ ‫هم ُّ‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ٌ ِّ‬‫ِيق‬ ‫َر‬ ‫َا ف‬ ‫ِذ‬ ‫إ‬
‫َ‬‫يحِيف‬ ‫َن َ‬ ‫نأ‬ ‫ُوَ‬ ‫يخَاف‬ ‫َْ‬ ‫َم‬‫بوا أ‬ ‫تاُ‬ ‫ِ ار‬
‫َْ‬ ‫َم‬‫َضٌ أ‬ ‫مر‬ ‫ِم َّ‬ ‫ِه‬‫ُوب‬ ‫ُل‬‫ِي ق‬ ‫َف‬‫َ {‪}49‬أ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬
‫ذع‬ ‫مْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫َْ‬ ‫َ‪33‬و‬ ‫نق‬ ‫َاَ‬ ‫َا ك‬ ‫نم‬‫َِّ‬‫ن {‪ }50‬إ‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َّاِ‬‫ُ الظ‬ ‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُ‬
‫ْ أو‬‫بل‬ ‫هَ‬ ‫ولُ‬
‫َسُ ُ‬ ‫َر‬‫ْو‬ ‫ِم‬‫ْه‬ ‫لي‬‫ََ‬‫ُع‬ ‫هَّللا‬
‫ُ‪ 33‬وا‬ ‫ُول‬ ‫يق‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ْن‬ ‫بي‬ ‫ََ‬ ‫ُم‬‫ْك‬ ‫َح‬ ‫ِِ‬
‫لي‬ ‫س‪33‬وِ‬
‫له‬ ‫َُ‬ ‫َر‬‫ِو‬ ‫َِلى هَّللا‬‫ُوا إ‬ ‫دع‬ ‫َا ُ‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫ُؤ‬
‫الم‬‫ْ‬
‫ن} [النور‪ ،‬آية ‪.]51 – 47‬‬ ‫ُوَ‬‫ِح‬ ‫ْل‬‫ُف‬ ‫الم‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫َأ‬ ‫َا و‬ ‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َط‬
‫َأ‬ ‫َا و‬ ‫ِع‬
‫ْن‬ ‫سَم‬

‫‪28‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ل‬
‫َّسُوَ‬ ‫ْ الر‬ ‫ُوا‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬‫َأ‬‫َو‬ ‫ْ هّللا‬
‫ُوا‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬‫ِين‬‫الذ‬‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫وق ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬‬
‫ِ‬‫س‪33‬ول‬ ‫َالر‬
‫َّ ُ‬ ‫ِو‬ ‫َِلى هّللا‬
‫هإ‬ ‫دوُ‬ ‫ُُّ‬‫َر‬ ‫ءف‬ ‫ٍْ‬‫ِي شَي‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫ْت‬
‫َع‬ ‫َاز‬‫تن‬‫إن َ‬ ‫َِ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ِنك‬ ‫ِم‬ ‫مر‬ ‫ِي األَْ‬ ‫ْل‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬‫و‬
‫ِيالً {‬ ‫ْو‬‫ت‪33‬أ‬ ‫َُ‬ ‫س‪33‬ن‬ ‫َْ‬‫َح‬‫َأ‬ ‫ٌو‬ ‫ْر‬ ‫َي‬ ‫ِكَ خ‬ ‫َل‬‫ِذ‬‫ِ اآلخِر‬ ‫ْم‬‫َو‬
‫الي‬‫َ ْ‬ ‫ِو‬‫ِاهّلل‬‫نب‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫تؤ‬ ‫ُْ‬ ‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫إ‬
‫ْ‪33‬كَ‬ ‫َِلي‬‫لإ‬ ‫َِ‬‫ُن‪33‬ز‬ ‫َا أ‬‫ِم‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫ْ آَ‬ ‫هم‬‫نُ‬‫ََّ‬
‫نأ‬ ‫ُوَ‬‫ُم‬ ‫ْع‬
‫يز‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫‪ }59‬أ‬
‫د‬
‫َ‪ْ33‬‬ ‫َق‬‫ُوتِ و‬ ‫َّاغ‬ ‫َِلى الط‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫َم‬ ‫َ‪33‬اك‬ ‫َح‬‫يت‬ ‫َن َ‬‫نأ‬ ‫دوَ‬‫ِي‪ُ33‬‬ ‫ير‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َب‬
‫ْل‬ ‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫دا {‬ ‫ِي ‪ً3‬‬ ‫بع‬ ‫َ‪3‬الَالً َ‬ ‫ْض‬ ‫هم‬ ‫ِلُ‬ ‫يضَّ‬ ‫َن ُ‬ ‫نأ‬ ‫َاُ‬‫ْط‬ ‫د الشَّي‬ ‫ِيُ‬‫ير‬ ‫َُ‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ُر‬ ‫ْف‬‫يك‬‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬‫أ‬
‫يت‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َأ‬ ‫ِر‬ ‫س‪33‬ول‬ ‫َِلى الر‬
‫َّ ُ‬ ‫َإ‬ ‫ُو‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬ ‫َن‪33‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬‫ْا‬‫الو‬ ‫َ َ‬‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هم‬‫َ َلُ‬ ‫ِيل‬ ‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬‫‪}60‬و‬
‫ٌَ‬
‫ة‬ ‫ص‪33‬يب‬ ‫مِ‬ ‫هم ُّ‬ ‫ُْ‬‫بت‬ ‫َاَ‬‫َص‬‫َا أ‬ ‫ِذ‬‫َإ‬ ‫ْف‬ ‫َي‬‫َك‬‫دا {‪}61‬ف‬ ‫دوً‬‫ُُ‬‫َنكَ ص‬ ‫نع‬ ‫دوَ‬ ‫يص‬
‫ُُّ‬ ‫ََ‬‫ِين‬ ‫ِق‬ ‫َاف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬ ‫ْ‬
‫ًا‬ ‫ْسَ‪3‬ان‬ ‫ِح‬‫ِالَّ إ‬‫َا إ‬ ‫دن‬‫َْ‬ ‫َر‬ ‫نأ‬ ‫ِْ‬‫ِإ‬ ‫ِاهّلل‬
‫نب‬ ‫ُوَ‬ ‫ِف‬
‫ْل‬ ‫يح‬‫ُوكَ َ‬‫َآؤ‬ ‫َّ ج‬
‫ثم‬ ‫ُْ‬ ‫ِم‬‫ِيه‬ ‫يد‬‫َْ‬‫ْأ‬ ‫مت‬‫َدَ‬ ‫َا قَّ‬ ‫ِم‬‫ب‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]62 – 59‬‬ ‫ِيق‬ ‫ْف‬ ‫تو‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫يقول ابن تيمية عن هذه اآليات‪- :‬‬
‫"ذم اهلل عز وجل املدعني اإلميان بالكتب كلها‪ ،‬وهم يرتكونـ التحاكم إىل الكتاب والسنة ويتحاكمون إىل بعض‬
‫الطــواغيت املعظمة من دون اهلل كما يصــيب ذلك كثــرياً ممن يــدعي اإلســالمـ وينتحله يف حتاكمهم إىل مقــاالت الصــابئةـ‬
‫الفالســفةـ أو غــريهم‪ ،‬أو إىل سياسة بعض امللــوك اخلارجني عن شــريعة اإلســالمـ من ملــوك الــرتك وغــريهم‪ ،‬وإذا قيل هلم‬
‫تعـ ــالوا إىل كتـ ــاب اهلل وسـ ــنة رسـ ــوله أعرضـ ــوا عن ذلك إعراضـ ـاً‪ ،‬وإذا أصـ ــابتهم مصـ ــيبة يف عقـ ــوهلم ودينهم ودنيـ ــاهم‬
‫بالشــبهات والشــهوات‪،‬ـ أو يف نفوســهم وأمــواهلم عقوبة على نفــاقهم‪ ،‬قــالوا إمنا أردنا أن حنسن بتحقيق العلم بالــذوق‪،‬‬
‫ونوفق بني الدالئل الشرعية والقواطع العقلية اليت هي يف احلقيقةـ ظنون وشبهات‪")1( .‬‬
‫ويق ــول أيض ـاً‪ " - :‬ومعلــوم باتف ــاق املســلمني أنه جيب حتكيم الرس ــول صــلى اهلل عليه وســلم يف كل ما ش ــجر بني‬
‫الناس يف أمر دينهم ودنيـاهم يف أصـول دينهم وفروعـه‪ ،‬وعليهم كلهم إذا حكم بشـيء أن ال جيدوا يف أنفسـهم حرجـاً‬
‫مما حكم ويسلموا تسليماً‪" )2( .‬‬
‫ويقول حممد رشيد رضا عند تفسريه لقوله تعاىل‪- :‬‬
‫ُ‪ }..‬اآلي ــة‪" - :‬واآلية ناطقة ب ــأن من صد‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫ْا‬ ‫َ َ‬
‫الو‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫َ َلُ‬‫ِيل‬ ‫َا ق‬‫ِذ‬ ‫{و‬
‫َإ‬
‫وأعــرض عن حكم اهلل ورســوله عمــداً وال سيم ـا بعد دعوته إليه وتــذكريه بــه‪ ،‬فإنه يكــون منافق ـاً ال يعتد مبا يزعمه من‬
‫اإلميان‪ ،‬وما يدعيه من اإلسالم‪.‬ـ (‪" )3‬‬
‫ص‪296‬‬
‫وميكن أن حندد أمهية إفراد اهلل تعاىل باحلكم‪ ،‬وبيان منزلة احلكم مبا أنزل اهلل من خالل العناصر التالية‪- :‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوي ‪ = 340 ، 12/339‬بتصرف يسري‬
‫(‪ )2‬جمموع الفتاوي ‪. 38 ، 7/37‬‬
‫(‪ )3‬تفسري املنار ‪. 5/227‬‬
‫‪29‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫منزلته من توحيد العب ــادة‪ - :‬إن احلكم مبا أن ــزل اهلل تع ــاىل وح ــده هو إف ــراد هلل تع ــاىل بالطاع ــة‪ ،‬والطاعة ن ــوع من‬
‫َالَّ‬
‫َأ‬ ‫مر‬ ‫ََ‬‫ِأ‬ ‫ِالَّ هّلِل‬
‫ُإ‬‫ْم‬‫ُك‬ ‫الح‬
‫ِنِ ْ‬ ‫أن ــواع العب ــادة‪ ،‬فال تص ــرف إال هلل وح ــده ال ش ــريك ل ــه‪ ،‬ق ــال تع ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫ُ} [يوسف‪ ،‬آية ‪.]40‬‬ ‫ِّم‬
‫َي‬‫الق‬‫ُ ْ‬ ‫الدين‬
‫ِكَ ِّ‬ ‫َل‬ ‫هذ‬ ‫ياُ‬ ‫ِالَّ إ‬
‫َِّ‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُُ‬ ‫ْب‬ ‫تع‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َة‬ ‫َاآلخِر‬ ‫ولى و‬ ‫ِي األُ َ‬ ‫دف‬ ‫مُ‬ ‫َْ‬ ‫الح‬
‫ه ْ‬ ‫َ َلُ‬ ‫هو‬‫ِالَّ ُ‬
‫هإ‬ ‫َِلَ‬‫ُ ال إ‬
‫َ هَّللا‬
‫هو‬ ‫َُ‬ ‫وقـ ـ ـ ـ ـ ــال س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫َ} [القصص‪،‬ـ آية ‪]70‬‬ ‫ُون‬‫َع‬ ‫ْج‬ ‫تر‬ ‫ُِ‬ ‫ْه‬‫َِلي‬‫َإ‬‫ُو‬ ‫ْم‬ ‫ُك‬ ‫الح‬
‫ه ْ‬ ‫ََلُ‬‫و‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫اتخَذ‬ ‫فعب ـ ـ ـ ــادة اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل تقتضي إفـ ـ ـ ـ ـ ــراده عز وجل بالتحليل والتحـ ـ ـ ـ ـ ــرمي‪ ،‬حيث قـ ـ ـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪َّ { - :‬‬
‫ما‬ ‫ََ‬‫َو‬ ‫يم‬ ‫م‪ 33‬ر‬
‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫بن‬
‫َ اْ‬ ‫ِيح‬ ‫َس‬ ‫الم‬
‫َ ْ‬‫ِو‬ ‫دونِ هّللا‬ ‫من ُ‬ ‫با ِّ‬ ‫باً‬‫َْ‬‫َر‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫َاَ‬‫هب‬ ‫ُْ‬‫َر‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫َار‬ ‫ْب‬ ‫َح‬
‫أ‬
‫َّا‬‫َم‬ ‫هع‬ ‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫ْح‬ ‫س‪33‬ب‬ ‫َُ‬‫ه‪33‬و‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫هإ‬‫َِلـَ‬ ‫دا الَّ إ‬ ‫َاحًِ‬ ‫ها و‬‫َِلـً‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ْب‬
‫ُُ‬ ‫َع‬‫لي‬ ‫ِالَّ ِ‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬
‫أ‬
‫َ} [التوبة‪،‬ـ آية ‪.]31‬‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬ ‫يشْر‬‫ُ‬
‫وحتقيق ه ــذه الطاع ــة‪ ،‬وإف ــراد اهلل تع ــاىل ب ــاحلكم واالنقي ــاد لش ــرعه هو حقيقة اإلس ــالم‪،‬ـ وكما ق ــال ابن تيمي ــة‪- :‬‬
‫"فاإلسالم يتضمن االستسالم هلل وحده‪ ،‬فمن استسـلم له ولغـريه كـان مشـركاً‪ ،‬ومن مل يستسـلم له كـان مسـتكرباً عن‬
‫(‪)1‬‬
‫عبادته‪ ،‬واملشرك به واملستكرب عن عبادته كافر‪ ،‬واالستسالم له وحده يتضمن عبادته وحده‪ ،‬وطاعتهـ وحده‪.‬‬
‫ويقول أيضـاً‪" - :‬فمن جعل غري الرسـول جتب طاعته يف كل ما يــأمر به وينهى عنه وإن خـالف أمر اهلل ورســوله‪،‬‬
‫ون اللّ ِـه أَن َـداداً‬
‫َّخ ُذ ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫َّاس َمن َيت ِـ‬
‫{و ِم َن الن ِ‬
‫فقد جعله نداً‪ ...‬وهذا من الشرك الذي يـدخل أصـحابه يف قوله تعـاىل‪َ - :‬‬
‫َش ُّد ُحبًّا لِّلّ ِه} [البقرة آية ‪")2( ]165‬‬ ‫حُيِ بُّو َنهم َكح ِّ ِ َّ ِ‬
‫ين َآمنُواْـ أ َ‬
‫ب اللّه َوالذ َ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ويقول ابن القيم‪" - :‬وأما الرضا بدينه‪ ،‬فإذا قال أو حكم أو أمر أو هنى رضي كل الرضا‪ ،‬ومل يبق يف قلبه حرج‬
‫من حكمه‪ ،‬وسلم تسليماً‪ ،‬ولو كان خمالفاً ملراد نفسه‪ ،‬أو هواها‪ ،‬أو قول مقلدة وشيخه وطائفته‪.‬ـ (‪" )3‬‬
‫ص‪297‬‬
‫ويف املقابل ف ــإن من أش ــرك مع اهلل يف حكم ــه‪ ،‬فهو كاملش ــرك يف عبادته ال ف ــرق بينهم ــا‪ ،‬كما ق ــال الش ــنقيطي‪- :‬‬
‫"اإلشراك باهلل يف حكمـه‪ ،‬واإلشــراك به يف عبادته كلها مبعىن واحــد‪ ،‬ال فـرق بينهما البتــة‪ ،‬فالـذي يتبع نظامـاً غري نظـام‬
‫اهلل‪ ،‬وتشـ ــريعاً غري تشـ ــريع اهلل‪ ،‬كالـ ــذي يعبد الصـ ــنم ويسـ ــجد للـ ــوثن‪ ،‬وال فـ ــرق بينهما البتةـ بوجه من الوجـ ــوه‪ ،‬فهما‬
‫واحد‪ ،‬وكالمها مشرك باهلل‪" )4( .‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوي ‪ 3/91‬وانظر النبوات ص ‪70 ، 69‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوي ‪. 10/267‬‬
‫(‪ )3‬مدارج السالكني ‪2/118‬‬
‫(‪ )4‬احلاكمية يف تفسري أضواء البيان لعبدالرمحن السديس ص ‪ = 53 ، 52‬باختصار ‪ ،‬وانظر أضواء البيان للشنقيطي ‪. 7/162‬‬
‫‪30‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫دا} أن متبعي أحك ـ ــام‬ ‫َح‬
‫ًَ‬ ‫ِأ‬ ‫ِه‬‫ْم‬ ‫ُك‬‫ِي ح‬‫ِكُ ف‬ ‫يشْر‬ ‫َال ُ‬‫ويق ـ ــول أيض ـ ـ ـاً‪ " - :‬ويفهم من هـ ـ ــذه اآليـ ـ ــة‪{ - :‬و‬
‫املش ــرعني غري ما ش ــرعه اهلل أهنم مش ــركون باهلل‪ ،‬وه ــذا املفه ــوم ج ــاء مبينـ ـاً يف آي ــات أخ ــر‪ ،‬كقوله فيمن اتبع تش ــريع‬
‫الش ــيطان يف إباحة امليتة ب ــدعوى أهنا ذبيحة اهلل‪{ - :‬وال ت ــأكلوا مما مل ي ــذكر اسم اهلل عليه وإنه لفسق وإن الش ــياطني‬
‫ليوحون إىل أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم ملشركون بطـاعتهم‪ ،‬وهـذا اإلشـراك يف الطاعـة‪ ،‬واتبـاع التشـريع‬
‫يا‬ ‫َْ‬ ‫ُم‬ ‫َِلي‬
‫ْك‬ ‫دإ‬ ‫هْ‬ ‫َْ‬‫َع‬‫ْأ‬ ‫ََلم‬ ‫املخ ـ ــالف ملا ش ـ ــرعه اهلل تع ـ ــاىل‪ ،‬هو املراد بعب ـ ــادة الش ـ ــيطان يف قوله تع ـ ــاىل‪{ - :‬أ‬
‫َْ‬
‫ن‬ ‫َأ‬ ‫ٌ {‪}60‬و‬ ‫ِين‬ ‫مب‬ ‫دو‬
‫ٌّ ُّ‬ ‫َ‪ُ3‬‬ ‫ْع‬ ‫ُم‬‫ه َلك‬ ‫نُ‬ ‫نإ‬
‫َِّ‬ ‫َاَ‬ ‫ْط‬‫دوا الشَّ‪3‬ي‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْب‬‫تع‬ ‫َن الَّ َ‬ ‫َأ‬ ‫دم‬‫ِي آَ‬ ‫بن‬ ‫َ‬
‫يا‬ ‫ٌ} [يس‪ ،‬آية ‪ ]61 ،60‬وقوله تع ـ ـ ـ ـ ــاىل عن نبيه إبـ ـ ـ ــراهيم {َ‬ ‫ِيم‬ ‫َق‬ ‫مسْت‬ ‫ٌ ُّ‬‫َاط‬ ‫ِر‬ ‫َا ص‬ ‫هذ‬ ‫ِي َ‬ ‫دون‬ ‫ْب‬
‫ُُ‬ ‫اع‬
‫ًّا} [م ـ ـ ــرمي‪ ،‬آية ‪]44‬‬ ‫ِي‬‫َص‬‫َنِ ع‬ ‫ْم‬‫َّح‬
‫ِلر‬ ‫نل‬ ‫َاَ‬ ‫نك‬ ‫َاَ‬ ‫ْط‬‫ن الشَّي‬ ‫َِّ‬‫نإ‬ ‫َاَ‬ ‫ْط‬‫ِ الشَّي‬ ‫ُد‬ ‫ْب‬‫تع‬ ‫بتِ ال َ‬ ‫ََ‬ ‫أ‬
‫(‪" )1‬‬
‫وحتقيقـ ـاً لتوحيد العب ــادة الق ــائم على نفي اإلهلية عما س ــوى اهلل تع ــاىل‪ ،‬وإثباهتا هلل تع ــاىل وح ــده‪ ،‬فإنه جيب الكفر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك بِــالْعُ ْر َوة الْـ ُـو ْث َق َى الَ انف َ‬
‫صـ َام هَلَـا}‬ ‫بالطــاغوت‪ ،‬كما قــال تعــاىل‪{ - :‬فَ َم ْن يَ ْك ُفـ ْـر بِالطَّاغُوت َويُـ ْـؤمن بِاللّــه َف َقــد ْ‬
‫استَ ْم َسـ َ‬
‫[البقرة‪،‬ـ آية ‪.]256‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫ت‪ 3‬ر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫وقد مسى اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل احلكم بغري شـ ـ ـ ـ ـ ــرعه طاغوت ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬حيث قـ ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل {أ‬
‫ن‬
‫دوَ‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬‫ِكَ ُ‬ ‫ْل‬ ‫َب‬ ‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫ْكَ و‬ ‫َِلي‬
‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫من‬‫ْ آَ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫ََّ‬‫نأ‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬‫ْع‬‫يز‬
‫َ‬
‫د‬
‫ِي‪ُ33‬‬ ‫ير‬‫َُ‬ ‫ِو‬ ‫ِ‪33‬ه‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ُر‬ ‫ْف‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬
‫دأ‬ ‫َْ‬‫َق‬ ‫ُوتِ و‬ ‫َّاغ‬ ‫َِلى الط‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫َم‬ ‫َاك‬ ‫َح‬‫يت‬‫َن َ‬‫أ‬
‫دا} [النساء‪ ،‬آية ‪]61‬‬ ‫ِيً‬ ‫بع‬‫َالَالً َ‬ ‫ْض‬ ‫هم‬ ‫يضَّ‬
‫ِلُ‬ ‫َن ُ‬ ‫نأ‬ ‫َاُ‬ ‫ْط‬‫الشَّي‬
‫والطاغوت عام‪ .‬فكل ما عبد من دون اهلل ورضي بالعبادة من معبود‪ ،‬أو متبوع‪،‬‬
‫ص‪298‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أو مطاع يف غري طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬فهو طاغوت‪.‬‬
‫(ب) منزلته من التوحيد العلمي اخلربي‪ - :‬احلكم مبا أنـ ـ ـ ــزل اهلل تعـ ـ ـ ــاىل من توحيد الربوبيـ ـ ـ ــة‪ ،‬ألنه تنفيذ حلكم اهلل‬
‫ال ـ ــذي هو مقتضىـ ربوبيته وكم ـ ــال ملكه وتصـ ــرفه‪ ،‬وهلذا مسى اهلل تع ـ ــاىل املتبـ ــوعني يف غري ما أنـ ــزل اهلل تع ـ ــاىل أرباب ـ ـاً‬
‫دونِ هّللا‬
‫ِ‬ ‫من ُ‬ ‫با ِّ‬ ‫باً‬ ‫َْ‬‫َر‬‫ْأ‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫هب‬ ‫ُْ‬‫َر‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫َار‬ ‫ْب‬ ‫َح‬‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ملتبعيهم‪ ،‬فقـ ـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ـ ــبحانه‪َّ { - :‬‬
‫اتخَذ‬
‫دا الَّ‬ ‫َاحِ‪ً3‬‬ ‫ها و‬ ‫َِلـً‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْب‬‫َع‬ ‫لي‬ ‫ِالَّ ِ‬‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬‫ُم‬ ‫ما أ‬ ‫َو‬
‫ََ‬ ‫يم‬‫َْ‬ ‫مر‬
‫ََ‬ ‫بن‬ ‫َ اْ‬ ‫ِيح‬ ‫َس‬ ‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫و‬
‫َ} [التوبة‪ ،‬آية ‪" )3( .]31‬‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬ ‫يشْر‬ ‫َّا ُ‬ ‫َم‬‫هع‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫ْح‬‫َ سُب‬ ‫هو‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫هإ‬ ‫َِلـَ‬ ‫إ‬

‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪ ، 4/83‬وانظر أضواء البيان ‪3/440‬‬


‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬أعالم املوقعني ‪ 50 ، 1/49‬وانظر رسالة معىن الطاغوت حملمد بن عبدالوهاب (جمموعة التوحيد) ص ‪ ، 260‬وفتاوي اللجنة الدائمة‬
‫‪. 1/542‬‬
‫(‪ )3‬انظر اجملموع الثمني من فتاوى ابن عثيمني ‪1/33‬‬
‫‪31‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وكما يقول حممد رشيد رضا – يف بيان معىن الشرك يف الربوبيةـ ‪- :-‬‬
‫"هو إسناد اخللق والتدبري إىل غري اهلل تعاىل معه‪ ،‬أو أن تؤخذ أحكــام الــدين يف عبـادة اهلل تعـاىل والتحليل والتحــرمي‬
‫(‪)4‬‬
‫عن غريه‪ ،‬أي غري كتابه ووحيه الذي بلغه عنه رسله‪.‬‬
‫ْ‪}...‬اآلية ‪" - :-‬ملا ك ـ ـ ــان اليه ـ ـ ــود‬
‫هم‬ ‫َار‬
‫َُ‬ ‫ْب‬‫َح‬
‫ْأ‬‫ُوا‬ ‫ويق ـ ـ ــول ابن ح ـ ـ ـ ــزم – عند قوله تع ـ ـ ـ ــاىل‪َّ { :‬‬
‫اتخَذ‬
‫والنصارى حيرمون ما حرم أحبارهم ورهباهنم‪ ،‬وحيلون ما أحلوا‪ ،‬كانت هذه ربوبية صحيحة‪ ،‬وعبادة صــحيحة‪ ،‬وقد‬
‫دانوا هبا‪ ،‬ومسى اهلل تعاىل هذا العمل اختاذ أرباب من دون اهلل وعبادة‪ ،‬وهذا هو الشرك بال خالف‪" )1( .‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬‫َار‬ ‫ْب‬ ‫َح‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫اتخَذ‬ ‫ويقـ ـ ـ ـ ــول ابن تيمية – يف هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ‪ " - :-‬وقد قـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َّ { - :‬‬
‫ْإ‬
‫ِالَّ‬ ‫ُوا‬‫ِر‬ ‫ُم‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫َو‬ ‫يم‬
‫َْ‬‫مر‬‫ََ‬ ‫بن‬ ‫َ اْ‬ ‫ِيح‬ ‫َس‬ ‫الم‬ ‫َ ْ‬‫ِو‬ ‫دونِ هّللا‬ ‫من ُ‬ ‫با ِّ‬ ‫باً‬ ‫َر‬
‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫هب‬ ‫ُْ‬‫َر‬
‫و‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬‫يشْ‪3‬ر‬ ‫َّا ُ‬ ‫َم‬‫هع‬ ‫نُ‬‫َاَ‬‫ْح‬‫َ سُ‪3‬ب‬ ‫ه ‪3‬و‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫هإ‬ ‫َِلـَ‬ ‫دا الَّ إ‬ ‫َاحًِ‬ ‫ها و‬ ‫َِلـً‬‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُُ‬ ‫ْب‬ ‫َع‬ ‫ِ‬
‫لي‬
‫[التوبـة‪ ،‬آية ‪ ،]31‬ويف حديث عدي بن حامت – وهو حديث حسن طويل رواه أمحد والرتمذي وغريمها – وكان قد‬
‫قــدم على النيب صــلى اهلل علي وســلم وهو نصــراين‪ ،‬فســمعه يقــرأ هــذه اآليــة‪ ،‬قــال‪ :‬فقلت لــه‪ :‬إنا لســنا نعبــدهم‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫أليس حيرمون ما أحل اهلل فتحرمونه‪ ،‬وحيلون ما حرم‬
‫ص‪299‬‬
‫اهلل فتحلون ــه؟ ق ــال فقلت‪ :‬بلى ق ــال‪ :‬فتلك عب ــادهتم "(‪ )2‬وك ــذلك ق ــال أبو البخ ــرتي‪ :‬أما إهنم مل يص ــلوا هلم‪ ،‬ولو‬
‫أمــروهم أن يعبــدوهم من دون اهلل ما أطــاعوهم‪،‬ـ ولكن أمــروهم فجعلــوا حالل اهلل حرامــه‪ ،‬وحرامه حاللــه‪ ،‬فأطــاعوهم‬
‫فكانت تلك الربوبية‪...‬ـ‬
‫فقد بني النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم أن عب ــادهتم إي ــاهم ك ــانت يف حتليل احلرام‪ ،‬وحترمي احلالل‪ ،‬ال أهنم ص ــلوا هلم‪،‬‬
‫َِلـَ‬
‫ه‬ ‫وصـ ــاموا هلم‪ ،‬ودعـ ــوهم من دون اهلل‪ ،‬فهـ ــذه عبـ ــادة الرجـ ــال‪ ،‬وقد ذكر اهلل أن ذلك شـ ــرك بقولـ ــه‪{ - :‬الَّ إ‬
‫َ} (‪" )3‬‬
‫ُون‬
‫ِك‬‫يشْر‬
‫َّا ُ‬
‫َم‬ ‫هع‬
‫نُ‬‫َاَ‬
‫ْح‬‫َ سُب‬
‫هو‬‫ِالَّ ُ‬
‫إ‬
‫كما أن حقيقة الرضا باهلل ربـ ـاً تـ ــوجب إفـ ــراد اهلل تعـ ــاىل بـ ــاحلكم‪ ،‬واختصاصه تعـ ــاىل بـ ــاخللق واألمـ ــر‪ ،‬حيث قـ ــال‬
‫ن‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُ} [األعـ ـ ـ ـ ــراف‪ ،‬آية ‪ ،]54‬وقـ ـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ق‬
‫ُل‬ ‫مر‬ ‫َاألَْ‬ ‫ُو‬‫لق‬‫الخَْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َالَ َلُ‬ ‫سـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬أ‬

‫(‪ )4‬تفسري املنار ‪ ، 2/55‬وانظر تفسري املنار ‪. 3/326‬‬


‫(‪ )1‬الفصل ‪3/266‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي ح (‪ ، )3095‬والبيهقي ( ‪ )10/116‬وحسنه األلباين يف "غاية املرام" (‪)6‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪7/67‬‬
‫‪32‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ِ} [ آل عم ــران‪ ،‬آية ‪ ،]154‬ف ــاألمر كله هلل تع ــاىل وح ــده‪ ،‬س ــواء ك ــان ه ــذا األمر أمراً كونيـ ـاً‬ ‫ه هَّلِل‬
‫لُ‬‫َُّ‬
‫َك‬ ‫األَْ‬
‫مر‬
‫(‪)4‬‬
‫قدرياً‪ ،‬أو شرعياً دينيا‪.‬‬
‫يقـ ــول العز بن عبدالس ـ ــالمـ (‪ " - :)5‬وتف ـ ــرد اإلله بالطاعة الختصاصه بنعم اإلنش ـ ــاء واإلبق ـ ــاء والتغذيةـ واإلصـ ــالح‬
‫الديين والدنيوي‪ ،‬فما من خري إال هو جالبه‪ ،‬وما من ضري إال هو سالبه‪ ...‬وكذلك ال حكم إال له‪" )6( .‬‬
‫ويقـ ــول عبـ ــدالرمحن السـ ــعدي‪ " - :‬فـ ــإن الـ ــرب‪ ،‬واإلله هو الـ ــذي له احلكم القـ ــدري‪ ،‬واحلكم الشـ ــرعي‪ ،‬واحلكم‬
‫اجلزائي‪ ،‬وهو الذي يؤله ويعبد وحده ال‬
‫ص‪300‬‬
‫شريك له‪ ،‬ويطاع طاعة مطلقة فال يعصىـ حبيث تكون الطاعات كلها تبعاً لطاعته‪" )1(.‬‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن " احلكم " من أمساء اهلل تعاىل احلسىن‪ ،‬فقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪ " -:‬إن اهلل هو احلكم‬
‫وإليه احلكم‪" )2(.‬‬
‫ًا} [األنعام‪،‬ـ آية ‪.]114‬‬ ‫َم‬‫َك‬ ‫ِي ح‬‫َغ‬‫بت‬‫َْ‬‫ِأ‬ ‫َ هّللا‬
‫ْر‬‫َي‬ ‫َغ‬‫َف‬
‫وقال تعاىل‪{ - :‬أ‬
‫َ}‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬
‫َاك‬ ‫الح‬‫ُ ْ‬ ‫ْر‬‫َي‬‫َخ‬ ‫هو‬ ‫َُ‬‫َا و‬ ‫َن‬‫ْن‬ ‫بي‬‫َُ‬ ‫َ هّللا‬
‫ُم‬‫ْك‬
‫يح‬‫َّى َ‬ ‫َت‬‫ْح‬‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ْب‬ ‫َاص‬ ‫وقـ ـ ــال سـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ف‬
‫[األعراف‪ ،‬آية ‪.]87‬‬
‫َ} [التني‪ ،‬آية ‪.] 8‬‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬ ‫َاك‬ ‫الح‬
‫ِ ْ‬ ‫َم‬ ‫َح‬
‫ْك‬ ‫ِأ‬‫ُب‬ ‫ْسَ هَّللا‬‫ََلي‬ ‫وقال عز وجل‪{ -:‬أ‬
‫ِكُ‬ ‫يشْر‬ ‫َال ُ‬ ‫وإن اإلميان هبذا االسم يوجب التحاكم إىل شــرع اهلل وحــده ال شــريك لــه‪ ،‬كما قــال تع ـاىل‪{ - :‬و‬
‫ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِيه‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫ْت‬‫لف‬ ‫ََ‬‫ْت‬‫َا اخ‬ ‫َمــ‬ ‫دا} [الكه ـ ــف‪ ،‬آية ‪ ،]26‬وق ـ ـ ـال س ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬ ‫ًَ‬‫َح‬‫ِأ‬‫ِه‬ ‫ْم‬
‫ُك‬ ‫ِي ح‬ ‫ف‬
‫ِ} [الشورى‪ ،‬آية ‪.]10‬‬ ‫َِلى هَّللا‬
‫هإ‬ ‫ْم‬
‫ُُ‬ ‫ُك‬ ‫َح‬
‫ءف‬ ‫شَيٍْ‬
‫وقد بني اهلل تع ــاىل – يف آي ــات كث ــرية – ص ــفات من يس ــتحق أن يك ــونـ احلكم ل ــه‪ ...‬كما ق ــال الش ــنقيطيـ مبين ـاً‬
‫ذلك‪-:‬‬

‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬حتكيم الشريعة لصالح الصاوي ص ‪ ، 21-18‬ورسالة ضوابط التكفري ص‪116‬‬
‫(‪ )5‬هو أبو حممد عبدالعزيز بن عبدالسالم السلمي الدمشقي الشافعي ‪ ،‬سلطان العلماء اآلمر باملعروف والناهى عن املنكر ‪ ،‬كان فقيهاً مفسراً ‪ ،‬ويل‬
‫اخلطابه بدمشق ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف بالقاهرة سنة ‪ 660‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات الشافعية ‪ ، 8/209‬البداية والنهاية ‪. 13/235‬‬
‫(‪ )6‬قواعد األحكام ‪. 135، 2/134‬‬
‫(‪ )1‬القول السديد ص ‪. 102‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود ح (‪ ، )4955‬والنسائي (‪ )227 ، 8/226‬والبيهقي (‪ ،)10/145‬وصححه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)8/237‬‬
‫انظر ‪ :‬زاد املعاد ‪. 2/335‬‬
‫‪33‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ما‬ ‫ََ‬ ‫" فمن اآليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات القرآنية اليت أوضح هبا تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفات من له احلكم والتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريع‪ ،‬قوله تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ُم‬
‫ُ‬ ‫لك‬ ‫َِ‬‫ِ} مث قـ ـ ــال مبينـ ـ ـاً صـ ـ ــفات من له احلكم‪{ -:‬ذ‬ ‫َِلى هَّللا‬ ‫هإ‬ ‫ُُ‬ ‫ْم‬ ‫ُك‬ ‫َح‬ ‫ءف‬ ‫ٍْ‬
‫ِن شَي‬ ‫ِم‬‫ِيه‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ْت‬ ‫لف‬‫ََ‬‫ْت‬‫اخ‬
‫ض‬
‫ِْ‬ ‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫الس‪33‬م‬‫َّ‬ ‫ِر‬
‫ُ‬ ‫َ‪33‬اط‬ ‫ُ {‪}10‬ف‬ ‫ِيب‬ ‫ُن‬‫ِأ‬ ‫ْه‬ ‫َِلي‬ ‫َإ‬‫ُو‬ ‫لت‬ ‫َّْ‬‫َك‬‫تو‬‫َِ‬ ‫ْه‬‫لي‬ ‫ََ‬ ‫بي ع‬ ‫َِّ‬‫ُر‬‫هَّللا‬
‫ِ‬
‫ِي‪33‬ه‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ُك‬ ‫َؤ‬ ‫ذر‬ ‫يْ‬ ‫ًا َ‬ ‫َاج‬ ‫ْو‬‫َز‬ ‫ِأ‬ ‫َام‬ ‫نع‬‫َ األَْ‬ ‫ِن‬‫َم‬ ‫ًا و‬ ‫َاج‬ ‫ْو‬ ‫َز‬‫ْأ‬‫ُم‬‫ِك‬ ‫ُس‬ ‫َنف‬ ‫ْأ‬ ‫من‬‫ُم ِّ‬ ‫َ َلك‬ ‫َل‬‫َع‬‫ج‬
‫د‬
‫ِي ‪ُ3‬‬ ‫َال‬ ‫مق‬ ‫هَ‬ ‫ُ {‪َ 3 }11‬ل‪ُ 3‬‬ ‫ِ‪3‬ير‬ ‫َص‬‫ُ الب‬ ‫ِيع‬ ‫َ السَّ‪3‬م‬ ‫ه‪ 3‬و‬ ‫ءو‬
‫َُ‬ ‫ِ شَ‪3‬يٌْ‬ ‫ِه‬‫ْل‬ ‫ِث‬ ‫َم‬ ‫ْسَ ك‬‫َلي‬
‫ش‪33‬يٍْ‬
‫ء‬ ‫ِّ َ‬‫ُ‪33‬ل‬ ‫ِك‬ ‫هب‬ ‫نُ‬ ‫ُإ‬
‫َِّ‬ ‫ِر‬ ‫ْد‬ ‫يق‬ ‫ََ‬‫يشَاء و‬ ‫َن َ‬ ‫لم‬ ‫َِ‬ ‫ْق‬‫ِّز‬
‫ُ الر‬ ‫ْسُط‬‫يب‬‫ضَ‬ ‫ِْ‬ ‫َاألَر‬‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫السَّم‬
‫ٌ} [الشورى‪ ،‬آيات ‪.]12-10‬‬ ‫ِيم‬ ‫َل‬‫ع‬
‫فهل يف الكفــرة الفجــرة املشــرعني للنظم الشــيطانية‪ ،‬من يســتحق أن يوصف بأنه الــرب الــذي تفــوض إليه األمــور‪،‬‬
‫ويتوكل عليـ ــه‪ ،‬وأنه فـ ــاطر السـ ــموات واألرض أي خالقهما وخمرتعهمـ ــا‪ ،‬على غري مثـ ــال سـ ــابق‪ ،‬وأنه هو الـ ــذي خلق‬
‫للبشر أزواجاً‪...‬؟‬
‫ص‪301‬‬
‫فعليكم أيها املسـ ــلمون أن تتفهمـ ــواـ صـ ــفات من يسـ ــتحق أن يشـ ــرع وحيلل وحيرم‪ ،‬وال تقلبـ ــوا تشـ ــريعاً من كـ ــافر‬
‫خسيس حقري جاهل‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫ِر‬ ‫بص‬ ‫َْ‬
‫ضأ‬ ‫ِْ‬ ‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫ُ السَّم‬ ‫ْب‬‫َي‬‫هغ‬ ‫ومن اآليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات الدالة على ذلك قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ -:‬لُ‬
‫دا} [الكه ـ ـ ــف‪ ،‬آية‬ ‫ًَ‬ ‫َح‬ ‫ِأ‬ ‫ِه‬ ‫ْم‬ ‫ُك‬ ‫ِي ح‬ ‫ِكُ ف‬ ‫يشْر‬ ‫َال ُ‬ ‫ِيٍّ و‬ ‫َل‬
‫ِن و‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬‫دون‬‫من ُ‬ ‫هم ِّ‬‫ما َلُ‬ ‫َْ‬ ‫ِع‬‫َسْم‬‫َأ‬‫و‬
‫‪.]26‬‬
‫فهل يف الكف ــرة الفج ــرة املش ــرعني من يس ــتحق أن يوصف ب ــأنـ له غيب الس ــموات واألرض؟ وأن يب ــالغ يف مسعه‬
‫وبص ــره إلحاطة مسعه بكل املس ــموعات‪ ،‬وبص ــره بكل املبص ــرات؟ وأنه ليس ألحد دونه من ويل؟ س ــبحانه وتع ــاىل عن‬
‫ذلك علواً كبرياً‪.‬‬
‫هو‬
‫َ‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫هإ‬ ‫َِلَ‬ ‫َ ال إ‬ ‫َر‬ ‫ها آخ‬ ‫َِلً‬ ‫ِإ‬ ‫َ هَّللا‬
‫مع‬‫َُ‬ ‫دع‬‫تْ‬ ‫َال َ‬ ‫ومن اآليـ ـ ـ ــات الدالة على ذلك قوله تعـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫ن} [القصص‪ ،‬آية ‪.]88‬‬ ‫ُوَ‬ ‫َع‬‫ْج‬ ‫تر‬ ‫ُِ‬ ‫َِلي‬
‫ْه‬ ‫َإ‬‫ُو‬ ‫ْم‬‫ُك‬ ‫الح‬
‫ه ْ‬ ‫ه َلُ‬ ‫هُ‬ ‫َج‬
‫َْ‬ ‫ِالَّ و‬ ‫ِكٌ إ‬ ‫هال‬ ‫ءَ‬ ‫ُّ شَيٍْ‬
‫ُل‬‫ك‬
‫فهل يف الكفــرة الفجــرة املشــرعني من يســتحق أن يوصف بأنه اإلله الواحد وأن كل شــيء هالك إال وجهــه؟ وأن‬
‫اخلالئق يرجعون إليه؟ تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف أخس خلقه بصفاته‪.‬‬
‫ومنها قوله تعاىل‪-:‬‬
‫َ} [األنعــام‪،‬ـ آية ‪ .]57‬فهل‬ ‫ِين‬ ‫ِل‬ ‫َاص‬ ‫الف‬‫ُ ْ‬ ‫ْر‬‫َي‬‫َخ‬ ‫هو‬ ‫َُ‬‫َّ و‬ ‫َق‬
‫الح‬ ‫ُصُّ ْ‬ ‫يق‬‫َِ‬
‫ِالَّ هّلِل‬
‫ُإ‬ ‫ْم‬‫ُك‬‫الح‬ ‫ِنِ ْ‬ ‫{إ‬
‫فيهم من يستحق أن يوصف بأنه يقص احلق‪ ،‬وأنه خري الفاصلني؟‪.‬‬
‫ومنها قوله تعاىل‪-:‬‬

‫‪34‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َالَالً‬‫َح‬‫ما و‬ ‫َاً‬ ‫َر‬‫هح‬ ‫ْ‪ُ3‬‬ ‫من‬‫ُم ِّ‬‫لت‬‫َْ‬ ‫َع‬‫َج‬ ‫ٍف‬ ‫ْق‬
‫ِّز‬ ‫من ر‬ ‫ُ َلك‬
‫ُم ِّ‬ ‫ل هّللا‬‫ََ‬ ‫َنز‬‫ما أ‬
‫ُم َّ‬
‫يت‬‫َْ‬‫َأ‬‫َر‬‫ْأ‬ ‫ُل‬ ‫{ق‬
‫َ} [يونس‪ ،‬آية ‪.]59‬‬ ‫ُون‬ ‫َر‬
‫ْت‬‫تف‬
‫َِ‬ ‫ََ‬
‫لى هّللا‬ ‫ْع‬‫َم‬
‫ْأ‬ ‫ن َلك‬
‫ُم‬ ‫َذ‬
‫َِ‬ ‫ُأ‬ ‫ْ آهّلل‬
‫ُل‬‫ق‬
‫فهل يف أولئك املذكورين من يس ــتحق أن يوصف بأنه هو ال ــذي ي ــنزل ال ــرزق للخالئ ــق‪ ،‬وأنه ال ميكن أن يك ــونـ‬
‫حتليل وال حترمي إال بإذنه؟ ألن من الضروري أن من خلق الرزق وأنزله هو الذي له التصرف فيه بالتحليل والتحرمي؟‬
‫سبحانه جل وعال أن يكونـ له شريك يف التحليل والتحرمي‪" )1(.‬‬
‫(ج) منزلته من توحيد االتب ـ ــاعـ ‪ -‬واملقص ـ ــود بتوحيد االتب ـ ــاع حتقيق املتابعةـ لرس ـ ــول اهلل ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪،‬‬
‫فتوحيد االتباعـ هو توحيد الرسول بالتحكيم والتسليم‪.‬‬
‫ص‪302‬‬
‫واإلنقياد واإلذعان (‪ ،)2‬وإذا كان األمر كذلك فال شك أن احلكم مبا أنزل اهلل هو توحيد االتباع‪.‬ـ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْن‬‫بي‬ ‫ََ‬‫َر‬‫َا شَج‬ ‫ِيم‬‫ُوكَ ف‬ ‫ِّم‬‫َك‬‫يح‬ ‫َّىَ ُ‬‫َت‬‫نح‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬
‫ْم‬‫يؤ‬‫بكَ الَ ُ‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫َالَ و‬‫قـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫ًا} [النسـ ـ ـ ــاء‪،‬‬‫ِيم‬ ‫تسْل‬ ‫َْ‬‫ُوا‬ ‫لم‬ ‫يسَِّ‬‫َُ‬‫َو‬ ‫ْت‬ ‫َض‬
‫َي‬ ‫َّا ق‬‫مم‬
‫ًا ِّ‬‫َج‬
‫َر‬‫ْح‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫ُس‬‫َنف‬ ‫ِي أ‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫يجُِ‬ ‫َّ الَ َ‬ ‫ُ‬
‫ثم‬
‫آية ‪.]65‬‬
‫يقول ابن كثري يف تفسري هذه اآليـة‪ " - :‬يقسم تعــاىل بنفسه الكرمية املقدسة أنه ال يــؤمن أحد حىت حيكم الرســول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف مجيع األمور‪ ،‬فما حكم به فهو احلق الذي جيب االنقياد له ظاهراً وباطنه‪" )3(.‬‬
‫ويقول ابن القيم عن هذه اآليـة‪ " -:‬أقسم سـبحانه بنفسه املقدسة قسـماً مؤكـداً بـالنفي قبله على عـدم إميان اخللق‬
‫حىت حيكم ــوا رس ــوله يف كل ما ش ــجر بينهم من األص ــول والف ــروع‪ ،‬وأحك ــام الش ــرع وأحك ــام املع ــاد‪ ،‬ومل يثبتـ هلم‬
‫اإلميان مبج ــرد ه ــذا التحكيم حىت ينتفيـ عنهم احلرج وهو ض ــيق الص ــدر‪ ،‬وتنش ــرح ص ــدورهم حلكمه كل االنش ــراح‪،‬‬
‫وتقبله كل القبول‪ ،‬ومل يثبت هلم اإلميان بذلك أيضاً حىت ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم‪ ،‬وعدم املنازعـة‬
‫(‪)1‬‬
‫وانتفاءـ املعارضة واالعرتاض‪.‬ـ‬
‫كما أن احلكم مبا أن ــزل اهلل تع ــاىل هو حتقيق للرضى مبحمد ص ــلى اهلل عليه وس ــلم رس ــوالً ونبيـ ـاً‪ ،‬ول ــذا يق ــول ابن‬
‫القيم‪ " -:‬وأما الرضى بنبيهـ رسوالً‪ :‬فيتضمن كمال االنقياد لـه‪ ،‬والتســليم املطلق إليــه‪ ،‬حبيث يكــون أوىل به من نفسـه‪،‬‬
‫فال يتلقى اهلدى إال من مواقع كلمات ــه‪ ،‬وال حياكم إال إلي ــه‪ ،‬وال حيكم عليه غ ــريه‪ ،‬وال يرضى حبكم غ ــريه ألبت ــه‪ ،‬ال يف‬

‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪ = 168 – 7/163‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر شرح العقيدة الطحاوية ‪. 1/228‬‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري ‪. 3/211‬‬
‫(‪ )1‬التبيان يف أقسام القرآن ص ‪. 270‬‬
‫‪35‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ش ــيء من أمساء ال ــرب وص ــفاته وأفعال ــه‪ ،‬وال يف ش ــيء من أذواق حق ــائق اإلميان‪ ،‬ومقامات ــه‪ ،‬وال يف ش ــيء من أحك ــام‬
‫ظاهره وباطنه‪،‬ـ وال يرضى يف ذلك حبكم غريه‪ ،‬وال يرضى إال حبكمه‪" )2(.‬‬
‫بل إن احلكم مبا أنزل اهلل تعاىل هو معىن شهادة أم حممداً رســول اهلل‪ ،‬وكما قــال الشــيخ حممد بن عبد الوهــاب‪" :‬‬
‫ومعىن شــهادة أن حممــداً رســول اهلل طاعته فيما أمــر‪ ،‬وتصــديقه فيما أخــرب‪ ،‬واجتنــاب ما عنه هنى وزجــر‪ ،‬وأن ال يعبد‬
‫اهلل إال‬
‫ص‪303‬‬
‫مبا شرع‪" )3(.‬‬
‫ولذا يقرر الشيخ حممد بن إبراهيم أن حتكيم شــرع اهلل تع ـاىل وحـده هو مع ـىن شـهادة أن حممـداً رسـول اهلل بقولـه‪:‬‬
‫‪ " " -‬وحتكيم الش ــرع وح ــده دون كل ما س ــواه ش ــقيق عب ــادة اهلل وح ــده دون ما س ــواه‪،‬ـ إذ مض ــمون الش ــهادتني أن‬
‫يك ــونـ اهلل هو املعب ــود وح ــده ال ش ــريك ل ــه‪ ،‬وأن يك ــونـ رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم هو املتبع احملكم ما ج ــاء به‬
‫فقط‪ ،‬وال جردت سيوف اجلهاد إال من أجل ذلك والقيامـ به فعالً وتركاً وحتكيماً عند النزاع‪" )4(.‬‬
‫ْ هّللا‬
‫َ‬ ‫‪3‬وا‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬‫ْأ‬ ‫ُوا‬‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬‫يا أ‬ ‫(د) منزلته من اإلميان‪ -:‬يقـ ـ ـ ـ ـ ــول عز وجـ ـ ـ ـ ـ ــل‪َ{ - :‬‬
‫ء‬‫ِي شَ‪3‬يٍْ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫ْت‬ ‫َع‬‫‪3‬از‬ ‫َ‪3‬‬ ‫تن‬ ‫إن َ‬ ‫َ‪ِ3‬‬ ‫ْف‬‫ُم‬‫ِنك‬ ‫ِم‬ ‫م‪ 3‬ر‬ ‫ِي األَْ‬ ‫ُو‬
‫ْل‬ ‫َأ‬‫لو‬‫َّسُ‪3‬وَ‬ ‫ْ الر‬ ‫ُوا‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬‫َأ‬‫و‬
‫‪3‬كَ‬ ‫ل‪3‬‬ ‫َِ‬‫ِذ‬ ‫ِ اآلخِر‬ ‫ْم‬
‫َو‬ ‫الي‬‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهّلل‬
‫نب‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫تؤ‬ ‫ُْ‬ ‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫َّسُول‬‫َالر‬ ‫ِو‬ ‫َِلى هّللا‬
‫هإ‬ ‫دوُ‬ ‫َر‬
‫ُُّ‬ ‫ف‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫نُ‬ ‫ََّ‬
‫نأ‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ُم‬‫ْع‬‫يز‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫ت‪ 33‬ر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫ِيالً {‪ }59‬أ‬ ‫ْو‬ ‫ت‪33‬أ‬ ‫َُ‬ ‫س‪33‬ن‬ ‫َْ‬‫َح‬‫َأ‬‫ٌو‬ ‫ْر‬‫َي‬‫خ‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫َم‬‫َاك‬ ‫َح‬‫يت‬‫َن َ‬ ‫نأ‬‫دوَ‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َب‬
‫ْل‬ ‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫ْكَ و‬‫َِلي‬‫لإ‬ ‫َِ‬‫ُنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫آَ‬
‫َن‬ ‫نأ‬ ‫َاُ‬ ‫ْط‬‫الش‪33‬ي‬
‫َّ‬ ‫د‬
‫ِي‪ُ33‬‬ ‫ير‬ ‫َُ‬ ‫ِو‬ ‫ِ‪33‬ه‬‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ُر‬‫ْف‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬‫ُم‬‫دأ‬ ‫َْ‬ ‫َق‬ ‫ُوتِ و‬ ‫َِلى الط‬
‫َّاغ‬ ‫إ‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َن ‪3‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫ْا‬ ‫َ‪َ 3‬‬
‫‪3‬الو‬ ‫تع‬‫َْ‬ ‫هم‬‫َ َلُ‬ ‫ِيل‬ ‫َا ق‬ ‫ِذ‬‫َإ‬‫دا {‪}60‬و‬ ‫ِيً‬ ‫بع‬‫َالَالً َ‬ ‫ْض‬ ‫هم‬ ‫يضَّ‬
‫ِلُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬‫ْ‪33‬ف‬ ‫َي‬ ‫َك‬ ‫دا {‪}61‬ف‬ ‫دوً‬ ‫ص‪ُ33‬‬‫َنكَ ُ‬ ‫نع‬‫دوَ‬ ‫يص‬
‫ُُّ‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫ِق‬‫َاف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫يت‬ ‫َأْ‬ ‫َ‬ ‫ِر‬ ‫َّسُول‬ ‫َِلى الر‬ ‫َإ‬‫و‬
‫ِاهّلل‬
‫ِ‬ ‫نب‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِف‬ ‫ْل‬‫يح‬‫ُوكَ َ‬ ‫َآؤ‬ ‫َّ ج‬‫ثم‬ ‫ُْ‬‫ِم‬‫ِيه‬ ‫يد‬ ‫َْ‬‫ْأ‬ ‫مت‬ ‫َدَ‬
‫َا قَّ‬ ‫ِم‬‫ةب‬ ‫ٌَ‬‫ِيب‬ ‫مص‬‫هم ُّ‬ ‫ُْ‬ ‫بت‬‫َاَ‬‫َص‬ ‫َا أ‬ ‫ِذ‬‫إ‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]62 – 59‬‬ ‫ِيق‬ ‫ْف‬‫تو‬ ‫ًا و‬
‫ََ‬ ‫ْسَان‬ ‫ِح‬‫ِالَّ إ‬ ‫َا إ‬‫دن‬‫َْ‬ ‫َر‬‫نأ‬ ‫إ‬
‫ِْ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْن‬‫بي‬ ‫ََ‬ ‫َر‬‫َا شَج‬ ‫ِيم‬ ‫ُوكَ ف‬ ‫ِّم‬ ‫َك‬‫يح‬‫َّىَ ُ‬
‫َت‬ ‫نح‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫يؤ‬ ‫بكَ الَ ُ‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫َالَ و‬ ‫ويقول سبحانه‪{ - :‬ف‬
‫ًا} [النسـ ـ ــاء‪،‬‬ ‫ِيم‬ ‫تسْل‬‫َْ‬ ‫ُوا‬ ‫لم‬ ‫يسَِّ‬ ‫َُ‬‫َو‬‫ْت‬‫َي‬‫َض‬ ‫َّا ق‬‫مم‬ ‫ًا ِّ‬ ‫َج‬‫َر‬‫ْح‬ ‫ِم‬‫ِه‬‫ُس‬‫َنف‬ ‫ِي أ‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫يجُِ‬‫َّ الَ َ‬
‫ثم‬‫ُ‬
‫آية ‪.]65‬‬
‫من خالل هــذه اآليــات الكرميات نــدرك منزلة حتكيم شــرع اهلل تعــاىل من اإلميان‪ ،‬فلقد عد الشــارع هــذا التحكيم‬
‫َر‬
‫َ‬ ‫َا شَ‪3‬ج‬ ‫ِيم‬‫‪3‬وكَ ف‬ ‫ُ‪3‬‬
‫ِّم‬‫َك‬‫يح‬ ‫َّىَ ُ‬‫َت‬‫نح‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫يؤ‬ ‫بكَ الَ ُ‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫َالَ و‬‫إميانـ ـ ـ ـ ـاً كما ق ـ ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫(‪ )2‬مدارج السالكني ‪. 173 ، 2/172‬‬
‫(‪ )3‬جمموعة مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪ ، 1/190‬وانظر تيسري العزيز احلميد لسليمانـ السليمان بن عبد اهلل ص ‪.555 ، 554‬‬
‫(‪ )4‬فتاوى الشيخ حممد بن إبراهيم (رسالة حتكيم القوانني) ‪. 12/251‬‬
‫‪36‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫لم‬ ‫س‪ِّ33‬‬ ‫يَ‬ ‫َُ‬‫َو‬ ‫ْت‬ ‫َض‪33‬ي‬ ‫َّا ق َ‬ ‫مم‬‫ًا ِّ‬ ‫َج‬ ‫َر‬‫ْح‬ ‫ِم‬‫س‪33‬ه‬ ‫ُِ‬ ‫َنف‬ ‫ِي أ‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫يجِ‪ُ33‬‬ ‫َّ الَ َ‬
‫ثم‬ ‫ُْ‬ ‫هم‬ ‫ْن‬
‫َُ‬ ‫بي‬
‫َ‬
‫ًا}‬ ‫ِيم‬ ‫تسْل‬ ‫َ‬
‫يق ــول ابن ح ــزم‪ " - :‬فس ــمى اهلل تع ــاىل حتكيم النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم إميانـ ـاً‪ ،‬وأخرب اهلل تع ــاىل أنه ال إميان إال‬
‫ذلك‪ ،‬ومع أن ال يوجد يف الصدر حرج مما قضــي‪ ،‬فصح يقينـاً أن اإلميان عمل وعقد وقــول؛ ألن التحكيم عمــل‪ ،‬وال‬
‫يكونـ‬
‫ص‪304‬‬
‫إال مع القول‪ ،‬ومع عدم احلرج يف الصدر وهو عقد (‪" )1‬‬
‫ويقــول ابن تيميــة‪ " - :‬فكل من خــرج عن ســنة رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم وشــريعته‪ ،‬فقد أقسم اهلل بنفسه‬
‫املقدس ــة‪ ،‬أنه ال ي ــؤمن حىت يرضى حبكم رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم يف مجيع ما ش ــجر بينهم من أم ــور ال ــدين أو‬
‫(‪)2‬‬
‫الدنيا‪ ،‬وحىت ال يبقى يف قلوهبم حرج من حكمه‪.‬‬
‫ن‪ ...‬اآلي ـ ــة}‪ " -:‬ويف ه ـ ــذا‬
‫ُوَ‬‫ِن‬‫ْم‬‫يؤ‬ ‫بكَ الَ ُ‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫ويق ـ ــول الش ـ ــوكاين عند تفس ـ ــريه لقوله تع ـ ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫َالَ و‬
‫الوعيد الشـ ــديد ما تقشـ ــعر له اجللـ ــود‪ ،‬وترجف له األفئـ ــدة‪ ،‬فإنه أوالً أقسم سـ ــبحانه بنفسه مؤكـ ــداً هلذا القسم حبرف‬
‫النفيـ بأهنم ال يؤمنون‪،‬ـ فنفى عنهم اإلميان الذي هو رأس مال صاحلي عباد اهلل حىت حتصل هلم غاية هي حتكيم رسول‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬ ‫ُس‬ ‫َنف‬ ‫ِي أ‬‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫يجُِ‬
‫َّ الَ َ‬
‫ثم‬ ‫اهلل صــلى اهلل عليه وآله وســلم‪ ،‬مث مل يكتف ســبحانه بــذلك حىت قــال‪ُ{ -:‬‬
‫َ} فضم إىل التحكيم أم ــراً آخ ــر‪ .‬وهو ع ــدم وج ــود ح ــرج‪ :‬أي ح ــرج يف ص ــدورهم‪ ،‬فال‬ ‫ْت‬‫َي‬‫َض‬ ‫َّا ق‬ ‫مم‬ ‫ًا ِّ‬ ‫َج‬
‫َر‬‫ح‬
‫يكــون جمرد التحكيم واإلذعــان كافيـاً حىت يكــون من صـميم القلب عن رضا واطمئنـان وانثالج قلب وطيبـ نفس‪ ،‬مث‬
‫ْ} [أي ي ــذعنوا وينق ــادوا ظــاهراً وباطن ـاً‪ ،‬مث مل يكتف ب ــذلك‪،‬‬
‫ُوا‬‫لم‬ ‫يسَِّ‬ ‫َُ‬‫مل يكتف هبذا كلــه‪ ،‬بل ضم إليه قوله {و‬
‫ًا} فال يثبت اإلميان لعبد حىت يقع منه هـ ـ ـ ــذا التحكيم وال جيد‬ ‫ِيم‬ ‫تسْل‬ ‫بل ضم إليه املص ـ ـ ـ ـ ــدر املؤكد فق ـ ـ ـ ـ ــال} {َ‬
‫احلرج يف صدره مبا قضى عليه‪ ،‬ويسلم حلكم اهلل وشرعه تسليماً ال خيالطه رد‪ ،‬وال تشوبه خمالفة‪" )3(.‬‬
‫إن‬ ‫وحتكيم شـ ــرع اهلل تع ـ ــاىل ورد ال ـ ــنزاع إىل نصـ ــوص الوحـ ــيني شـ ــرط يف اإلميان‪ ،‬كما قـ ــال اهلل تعـ ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫َِ‬
‫ِاهّلل‬
‫ِ‬ ‫نب‬‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫تؤ‬ ‫ُْ‬ ‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫س‪33‬ول‬ ‫َالر‬
‫َّ ُ‬ ‫ِو‬ ‫َِلى هّللا‬
‫هإ‬ ‫دوُ‬ ‫ُُّ‬ ‫َر‬ ‫ءف‬‫ِي شَيٍْ‬ ‫ْف‬‫ُم‬ ‫ْت‬‫َع‬‫َاز‬ ‫تن‬
‫َ‬
‫ِيالً} [النسـاء‪ ،‬آية ‪.]59‬‬ ‫ْو‬ ‫تأ‬‫َُ‬ ‫ْسَن‬ ‫َح‬
‫َأ‬‫ٌو‬ ‫ْر‬‫َي‬ ‫ِكَ خ‬ ‫َل‬‫ِذ‬ ‫ِ اآلخِر‬ ‫ْم‬‫َو‬‫الي‬
‫َ ْ‬‫و‬
‫ولذا يقول ابن القيم‪-:‬‬

‫(‪ )1‬الدرة ص ‪. 338‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪ ، 28/471‬وانظر جمموع الفتاوى ‪. 407 ، 35/363‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير للشوكاين ‪. 1/484‬‬
‫‪37‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ء} نك ــرة يف س ــياق الش ــرط تعم كل ما تن ــازع فيه املؤمن ــونـ من‬‫ِي شَيٍْ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫ْت‬‫َع‬‫َاز‬ ‫تن‬ ‫إن َ‬ ‫َِ‬ ‫" إن قوله {ف‬
‫مسائل الـدين دقة وجلـه‪ ،‬جليه وخفيـه‪ ،‬ولو مل يكن يف كتــاب اهلل ورســوله بيــان حكم ما تنـازعواـ فيـه‪ ،‬ومل يكن كافيـاً‬
‫مل يأمر بالرد إليه‪ ،‬إذ‬
‫ص‪305‬‬
‫من املمتنع أن ي ـ ــأمر تع ـ ــاىل ب ـ ــالرد عند ال ـ ــنزاع إىل من ال يوجد عن ـ ــده فصل ال ـ ــنزاع ومنها أنه جعل هـ ــذا الـ ــرد من‬
‫موجبات اإلميان ولوازمه‪ ،‬فإن انتفىـ هذا الرد انتفىـ اإلميان‪ ،‬ضرورة انتفاء امللزوم النتفاء الزمه‪ ،‬وال ســيما التالزم بني‬
‫هذين األمرين فإنه من الطرفني‪ ،‬وكل منهما ينتفيـ بانتفاء اآلخر‪ ،‬مث أخربهم أن هــذا الــرد خري هلم‪ ،‬وأن عاقبته أحسن‬
‫عاقبة‪" )1(.‬‬
‫ويقول ابن كثري‪-:‬‬
‫"فما حكم به كت ــاب اهلل وس ــنة رس ــوله‪ ،‬وشه ـ ـد له بالص ــحة فهو احلق‪ ،‬وم ــاذا بعد احلق إال الض ــالل‪ ،‬وهلذا ق ــال‬
‫ِ} أي ردوا اخلص ـ ـ ــومات واجله ـ ــاالت إىل‬ ‫ِ اآلخِر‬ ‫ْم‬‫َو‬ ‫الي‬‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهّلل‬
‫نب‬‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫تؤ‬‫ُْ‬ ‫ُم‬
‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫تع ـ ــاىل‪{ -:‬إ‬
‫كتــاب اهلل وســنة رســوله فتحــاكموا إليهما فيما شــجر بينكم‪ ،‬فــدل على أن من مل يتحــاكم يف حمل الــنزاع إىل الكتــاب‬
‫والسنة وال يرجع إليهما يف ذلك‪ ،‬فليس مؤمناً باهلل وال باليوم اآلخر‪" )2(.‬‬
‫وإذا كـ ــان التحـ ــاكم إىل ش ـ ــرع اهلل تعـ ــاىل ش ـ ــرطاً يف اإلميان‪ ،‬فـ ــإن التحـ ــاكم إىل غري هـ ــذا الشـ ــرع – وهو حكم‬
‫الطـ ــاغوت واجلاهلية – ينـ ــايف اإلميان‪ ،‬وهو من عالمـ ــات النفـ ــاق‪ ،‬وقد سـ ــبق أن أوردنا كالم حممد رشـ ــيد رضا حيث‬
‫َ} [النساء‪ ،‬آية ‪-:]60‬‬ ‫ُون‬ ‫ُم‬ ‫ْع‬‫يز‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬‫ََلم‬ ‫يقول عند قوله تعاىل‪{ -:‬أ‬
‫" واآلية ناطقة ب ــأنـ من صد وأع ــرض عن حكم اهلل ورس ــوله عم ــداً‪ ،‬وال س ــيما بعد دعوته إليه وت ــذكريه ب ــه‪ ،‬فإنه‬
‫يكونـ منافقاً ال يعتد مبا يزعمه من اإلميان‪ ،‬وما يدعيه من اإلسالم‪.‬ـ(‪" )3‬‬
‫ويقول الشيخ السعدي – يف هذا الصدد ‪ " :-‬الرد إىل الكتــاب والســنة شــرط يف اإلميان‪ ..‬فـدل ذلك على أن من‬
‫َِلى‬‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬‫مل يــرد إليهما مســائل الــنزاع فليس مبؤمن حقيقــة‪ ،‬بل مــؤمن بالطــاغوت كما جــاء يف اآليــة‪{ - :‬أ‬
‫ن‪ }..‬اآلي ــة‪ ،‬ف ــإن اإلميان يقتضي االنقي ــاد لش ــرع اهلل وحتكيم ــه‪ ،‬يف كل أمر من األم ــور‪ ،‬فمن‬
‫ُوَ‬
‫ُم‬‫ْع‬
‫يز‬ ‫ِين‬
‫ََ‬ ‫الذ‬‫َّ‬
‫زعم أنه مؤمن‪ ،‬واختار حكم الطاغوت على حكم اهلل‪ ،‬فهو كاذب يف ذلك‪" )4(.‬‬
‫ص‪306‬‬

‫(‪ )1‬أعالم املوقعني ‪. 50 ، 1/49‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪. 3/209‬‬
‫(‪ )3‬تفسري املنار ‪. 5/227‬‬
‫(‪ )4‬تفسري السعدي ‪ = 2/90‬باختصار ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويؤكد س ــيد قطب (‪ )5‬على أن ع ــدم حتكيم الش ــريعة اإلس ــالمية ال جيتمع مع اإلميان‪ ،‬فيق ــول رمحه اهلل عند وقوفه‬
‫ثم‬
‫َّ‬ ‫ُِ‬‫ُ هّللا‬
‫ْم‬‫ُك‬
‫ها ح‬ ‫ِيَ‬ ‫ةف‬ ‫َاُ‬ ‫ْر‬
‫َّو‬
‫ُ الت‬‫هم‬
‫دُ‬‫ِن ‪َ3‬‬‫َع‬ ‫‪3‬كَ و‬ ‫ن‪3‬‬ ‫ُوَ‬‫ِّم‬
‫َك‬‫يح‬ ‫َُ‬ ‫ْ ‪3‬ف‬‫َي‬‫َك‬ ‫على قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ :‬و‬
‫َ} [املائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة‪،‬ـ آية ‪ " - :]43‬فهي‬
‫ِين‬ ‫ِن‬
‫ْم‬‫ُؤ‬
‫ِالم‬
‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ِكَ و‬ ‫َل‬‫ِذ‬ ‫ْد‬ ‫بع‬‫ِن َ‬‫نم‬ ‫َْ‬ ‫ََّلو‬‫َو‬‫يت‬‫َ‬
‫كبرية مستنكرةـ أن حيكموا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيحكم بشريعة اهلل‪ ،‬وعندهم – إىل جانب هذا – التــوارةـ‬
‫فيها شـ ــريعة اهلل فيتطـ ــابق حكم رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم‪ ،‬وما عنـ ــدهم يف التـ ــوارة‪ ،‬مما جـ ــاء القـ ــرآن مصـ ــدقاُ‬
‫ومهيمنـ ـاً علي ــه‪ ،‬مث يتول ــون من بعد ذلك ويعرض ــون‪ ،‬س ــواء ك ــان الت ــويل بع ــدم ال ــتزام احلكم‪ ،‬أو بع ــدم الرضا ب ــه‪ .‬وال‬
‫ِكَ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫يكتفي السـ ـ ـ ـ ـ ــياق باالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتنكار‪ ،‬ولكن يقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرر احلكم اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالميـ يف مثل هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا املوقف {و‬
‫َ} [فما ميكن أن جيتمع اإلميان‪ ،‬وع ــدم حتكيم ش ــريعة اهلل‪ ،‬أو ع ــدم الرضى حبكم ه ــذه الش ــريعة‪،‬‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫ِالم‬
‫ب ْ‬
‫والذين يزعمون ألنفسهم أو لغــريهم أهنم " مؤمنــون‪،‬ـ مث ال حيكمــون بشــريعة اهلل يف حيــاهتم‪ ،‬أو ال يرضــون حكمها إذا‬
‫ِكَ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫طبق عليهم‪ ..‬إمنا يـ ـ ـ ـ ـ ــدعون دعـ ـ ـ ـ ـ ــوى كاذبـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وإمنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا يصـ ـ ـ ـ ـ ــطدمون هبذا النـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص القـ ـ ـ ـ ـ ــاطع {و‬
‫َ} ‪" )1(.‬‬ ‫ِن‬
‫ِين‬ ‫ْم‬
‫ُؤ‬‫ِالم‬
‫ب ْ‬
‫ن} تكــذيبـ هلم فيما‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬‫ْع‬
‫يز‬‫ومما كتبه الشيخ حممد بن إبــراهيم يف هــذا املقــامـ قولــه‪ " - :‬إن قوله تعــاىل‪َ{ - :‬‬
‫ادعوه من اإلميان‪ ،‬فإنه ال جيتمع التحاكم إىل غري ما جـاء به النيب صــلى اهلل عليه وســلم مع اإلميان يف قلب عبد أصـالً‪،‬‬
‫بل أح ــدمها ين ــايف اآلخ ــر‪ ،‬والط ــاغوت مش ــتق من الطغي ــانـ وهو جماوزة احلد‪ ،‬فكل من حكم بغري ما ج ــاء به الرس ــول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه‪" )2(.‬‬
‫ويق ـ ـرر الشـ ــنقيطيـ أن متبعي املشـ ــرعني غري ما شـ ــرعه اهلل أهنم مشـ ــركون باهلل‪ ،‬ويسـ ــوق األدلة على ذل ــك‪ ،‬ومنها‬
‫قولــه‪ " - :‬ومن أصــرح األدلة يف هــذا أن اهلل جل وعال يف ســورة النســاء بني أن من يريــدون أن يتحــاكموا إىل غري ما‬
‫شرعه اهلل‪،‬‬
‫ص‪307‬‬
‫يتعجب من زعمهم أهنم مؤمن ـ ــون‪ ،‬وما ذلك إال ألن دع ـ ــواهم اإلميان مع إرادة التح ـ ــاكم إىل الطـ ــاغوت بالغة من‬
‫ن‬
‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬‫ُم‬ ‫ْع‬‫يز‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫ت‪ 3‬ر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫الكـ ـ ـ ـ ــذب ما حيصل منه العجب‪ ،‬وذلك يف قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬أ‬

‫(‪ )5‬سيد قطب بن إبراهيم ‪ ،‬مفكر إسالمي كبري ‪ ،‬وأديب بليغ ‪ ،‬له جهود ظاهرة يف اإلصالح ‪ ،‬وصاحب مؤلفات ‪ ،‬تويف مقتوالً سنة ‪ 1387‬هـ ‪.‬‬
‫انظر األعالم ‪. 3/147‬‬
‫(‪ )1‬يف ظالل القرآن ‪. 895، 2/894‬‬
‫(‪ )2‬رسالة حتكيم القوانني ص ‪. 2‬‬
‫‪39‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َن‬ ‫نأ‬ ‫دوَ‬ ‫ِي‪ُ3‬‬ ‫ير‬ ‫‪3‬كَ ُ‬ ‫ِ‪3‬‬ ‫ْل‬ ‫َب‬ ‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬‫ُن‪3‬ز‬ ‫ما أ‬‫ََ‬ ‫‪3‬كَ و‬ ‫ْ‪3‬‬ ‫َِلي‬ ‫لإ‬ ‫َِ‬‫ُنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ْب‬‫ُوا‬ ‫من‬ ‫ْ آَ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫ََّ‬
‫أ‬
‫ُوتِ‪ }...‬اآلية‪" )3(.‬‬ ‫َّاغ‬ ‫َِلى الط‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫َم‬‫َاك‬ ‫َح‬
‫يت‬ ‫َ‬
‫إضافة إىل ذلك فـإن اإلميان قــول وعمـل‪ ،‬فهو يتضـمن تصـديقاً وانقيـاداً‪،‬ـ فكما جيب على اخللق أن يصــدقوا الرسل‬
‫َّسُول‬
‫ٍ‬ ‫ِن ر‬ ‫َا م‬ ‫لن‬ ‫ْسَْ‬ ‫َر‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫عليهم الســالم فيما أخــربوا‪ ،‬فعليهم أن يطيعــوهم فيما أمــروا‪ ،‬كما قــال تعــاىل {و‬
‫ِ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]64‬‬ ‫ْنِ هّللا‬
‫إذ‬ ‫ِِ‬‫َب‬ ‫َاع‬ ‫ُط‬‫لي‬ ‫ِالَّ ِ‬
‫إ‬
‫ول ــذا يق ــول حممد بن نصر املروزي يف تعريف اإلميان‪ " :‬اإلميان باهلل‪ :‬أن توح ــده‪ ،‬وتص ــدق به بـ ـالقلب واللس ــان‪،‬‬
‫وختضع لـه‪ ،‬وألمــره‪ ،‬باعطــاء العــزم لألداء ملا أمـره‪ ،‬جمانبـاً لالسـتنكاف‪،‬ـ واالسـتكبار‪ ،‬واملعانــدة‪ ،‬فــإذا اتبعتـ ما جـاء بـه‪،‬‬
‫أديت الفرائض‪ ،‬وأحللت احلالل‪ ،‬وحرمت احلرام‪ ،‬ووقفت عند الشبهات‪ ،‬وسارعت يف اخلريات‪" )4(.‬‬
‫وال شك أن حتكيم الشريعة انقياد وخضوع لدين اهلل تعاىل‪ ،‬وإذا كان كذلك فإن عدم حتكيم هذه الشــريعة كفر‬
‫إباء ورد وامتناعـ وإن كان مصدقاً هبا‪ ،‬فالكفر ال خيتص بالتكذيب فحسب كما زعمت املرجئة‪.‬‬
‫(هـ) ويف ختــام هــذا العــرض نشري إىل أن حتكيم الشــريعة اســتجابة هلل تعــاىل‪ ،‬ولرســوله صــلى اهلل عليه وســلم ففيه‬
‫ْ هّلِل‬
‫ِ‬ ‫ُوا‬‫َجِيب‬ ‫ْ اسْت‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫احليـ ـ ــاة والصـ ـ ـ ــالح واخلري‪ ،‬كما قـ ـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ــاىل‪َ{ -:‬‬
‫ْ} [األنفال‪،‬ـ آية ‪.]24‬‬ ‫ُم‬‫ْيِيك‬ ‫يح‬ ‫َا ُ‬ ‫لم‬ ‫ُم ِ‬ ‫َاك‬ ‫َا َ‬
‫دع‬ ‫ِذ‬‫ِإ‬ ‫َّسُول‬ ‫ِلر‬ ‫َل‬ ‫و‬
‫ْ} وصف مالزم‪ ،‬لكل ما دعا اهلل‬ ‫ُم‬ ‫ْيِيك‬ ‫يح‬ ‫َا ُ‬ ‫لم‬ ‫ُم ِ‬ ‫َاك‬ ‫دع‬ ‫َا َ‬ ‫ِذ‬ ‫يقول الشيخ السعدي‪ " - :‬قوله‪{ :‬إ‬
‫ورســوله إليــه‪ ،‬وبيــانـ لفائدته وحكمتــه‪ ،‬فــإن حيــاة القلــوب والــروح‪ ،‬والــروح بعبودية اهلل تعــاىل‪ ،‬ولــزوم طاعتــه‪ ،‬وطاعة‬
‫رسوله على الدوام‪" )1(.‬‬
‫ص‪308‬‬
‫وإن رفض هـ ــذه الشـ ــريعة وعـ ــدم االسـ ــتجابة هلا اتبـ ــاع للهـ ــوى‪ ،‬فهو ضـ ــالل شـ ــنيع يف الـ ــدنيا‪ ،‬وع ــذاب ش ــديد يف‬
‫ن‬
‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫ِع‬ ‫َّب‬
‫يت‬ ‫َا َ‬ ‫نم‬ ‫ََّ‬
‫ْأ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫‪3‬اع‬ ‫َ‪3‬‬‫ُوا َل‪ 3‬كَ ف‬ ‫َجِيب‬ ‫يسْت‬ ‫َْ‬ ‫إن َّلم‬ ‫َِ‬‫اآلخ ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬يقـ ـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫ِ} [القصص‪،‬ـ آية ‪.]50‬‬ ‫َ هَّللا‬
‫من‬‫دى ِّ‬‫هً‬‫ُِ‬ ‫ْر‬ ‫ِغ‬
‫َي‬ ‫هب‬ ‫َاُ‬ ‫هو‬‫ََ‬ ‫َع‬ ‫اتب‬‫َّنِ َّ‬ ‫ِم‬ ‫ُّ م‬ ‫َل‬ ‫َض‬ ‫ْأ‬‫من‬ ‫ََ‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫َاءُ‬ ‫هو‬ ‫َْ‬‫أ‬
‫ْن‬
‫َ‬ ‫بي‬‫ُم َ‬ ‫ْك‬‫َاح‬ ‫ضف‬ ‫ِْ‬‫ِي األَر‬ ‫ةف‬ ‫ًَ‬
‫ِيف‬ ‫َل‬ ‫َاكَ خ‬ ‫لن‬ ‫َْ‬‫َع‬ ‫َّا ج‬ ‫ِن‬‫دإ‬ ‫ُوُ‬ ‫داو‬ ‫يا َ‬ ‫ويقول سبحانه‪َ{ - :‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬ ‫ن َّ‬ ‫ِإ‬
‫َِّ‬ ‫ِ هَّللا‬
‫ِيل‬ ‫س‪33‬ب‬ ‫َن َ‬ ‫لكَ ع‬ ‫ض‪َّ33‬‬
‫ُِ‬‫َي‬
‫َى ف‬ ‫ه‪33‬و‬ ‫الَ‬‫ِ ْ‬ ‫ِ‪33‬ع‬ ‫َّب‬‫تت‬‫َال َ‬ ‫ِّ و‬
‫َق‬‫ِالح‬‫َّاسِ ب ْ‬ ‫الن‬
‫ِس‪33‬ابِ} [ص آية‬ ‫الح َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْم‬‫يو‬‫َسُوا َ‬ ‫َا ن‬ ‫ِم‬
‫دب‬ ‫ِيٌ‬ ‫ٌ شَد‬ ‫َاب‬ ‫َذ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬ ‫ِ َلُ‬ ‫ِ هَّللا‬
‫ِيل‬ ‫َن سَب‬ ‫نع‬ ‫ُّوَ‬ ‫ِل‬ ‫يض‬‫َ‬
‫‪.]26‬‬

‫(‪ )3‬أضواء البيان ‪ 4/83‬وانظر احلاكمية يف أضواء البيان للسديس ص ‪. 58‬‬


‫(‪ )4‬تعظيم قدر الصالة ‪. 393 ، 1/392‬‬
‫(‪ )1‬تفسري السعدي ‪. 3/125‬‬
‫‪40‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ًا‬ ‫‪3‬ار‬ ‫ن‪3‬‬
‫هَ‬ ‫لُ‬ ‫دخِْ‬
‫يْ‬ ‫هُ‬‫دُ‬‫دوَ‬ ‫ُُ‬ ‫دح‬ ‫َع‬
‫ََّ‬ ‫يت‬‫ََ‬‫هو‬ ‫ولُ‬ ‫َسُ َ‬ ‫َر‬
‫َو‬‫ص هّللا‬
‫ِْ‬‫يع‬‫من َ‬ ‫ََ‬ ‫ويقـ ـ ـ ـ ــول عز وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬و‬
‫ٌ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]14‬‬ ‫ِين‬ ‫مه‬‫ٌ ُّ‬‫َاب‬ ‫َذ‬ ‫هع‬ ‫ََلُ‬
‫ها و‬ ‫ِيَ‬ ‫دا ف‬ ‫لً‬ ‫َاِ‬‫خ‬
‫يقول ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪- :‬‬
‫" أي لكونه غري ما حكم اهلل بــه‪ ،‬وضــاد اهلل يف حكمــه‪ ،‬وهــذا إمنا يصــدر عن عــدم الرضا مبا قسم اهلل وحكم بــه‪،‬‬
‫وهلذا جيازيه باإلهانة يف العذاب األليم املقيم‪" )2(.‬‬
‫َنِ‬ ‫َأ‬ ‫ولقد ج ـ ــاءت نص ـ ــوص الوح ـ ــيني حمذرة من التح ـ ــاكم إىل غري ما أن ـ ــزل اهلل تع ـ ــاىل‪ ،‬فق ـ ــال س ـ ــبحانه‪{ -:‬و‬
‫َن‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ذر‬‫ْ‪َ33‬‬
‫َاح‬ ‫ْو‬ ‫هم‬‫َاءُ‬ ‫ه‪33‬و‬ ‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫ِ‪33‬ع‬ ‫َّب‬
‫تت‬ ‫َالَ َ‬ ‫ُو‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َن‪33‬ز‬ ‫َآ أ‬ ‫ِم‬
‫هم ب‬ ‫َُ‬‫ْن‬
‫بي‬ ‫ُم َ‬ ‫ْك‬‫اح‬
‫د هّللا‬
‫ُ‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫َا ُ‬ ‫ََّ‬
‫نم‬ ‫ْأ‬‫لم‬ ‫َْ‬ ‫َاع‬ ‫ْف‬ ‫ْا‬ ‫ََّلو‬‫تو‬ ‫إن َ‬ ‫َِ‬‫ْكَ ف‬ ‫َِلي‬ ‫ُإ‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬
‫ما أ‬ ‫ضَ‬ ‫بع‬
‫ِْ‬ ‫َن َ‬ ‫ُوكَ ع‬ ‫ِن‬‫ْت‬‫يف‬
‫َ‬
‫ن} [املائ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة‪،‬ـ‬ ‫ِق‬
‫ُوَ‬ ‫َاس‬ ‫َّاسِ َلف‬ ‫َ الن‬ ‫من‬ ‫ًا ِّ‬ ‫ِير‬ ‫َث‬‫نك‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫ْو‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫ُن‬
‫ُوب‬ ‫ضذ‬ ‫ِْ‬ ‫ِب‬
‫َع‬ ‫هم ب‬ ‫ِيب‬
‫َُ‬ ‫يص‬‫َن ُ‬‫أ‬
‫آية ‪.]49‬‬
‫يق ــول الش ــيخ إمساعيل بن إب ــراهيم األزهــري (‪ - :)3‬ف ــأمر اهلل عز وجل نبيه صــلى اهلل عليه وس ــلم ب ــاحلكم بني أهل‬
‫الكتــاب مبا أنــزل اهلل فيــه‪ ،‬وهناه عن اتبــاعـ أهــوائهم ملا فيه من خمالفة املنزل إليــه‪ ،‬وحــذره أن يفتنــوه فيحولــوا بينه وبني‬
‫بعض ما أنــزل عليــه‪ ،‬وأعلمه أهنم إن تولــوا عن احلكم الــذي أنزله اهلل إليه فإمنا يريد أن يصــيبهم ويبتليهم بســبب بعض‬
‫ذنوهبم‪ .‬فعلم منه أن التويل عن حكم اهلل وحكم رسوله إىل‬
‫ص‪309‬‬
‫حكم األهواءـ سبب إلصابة اهلل باملصائبـ (‪" )1‬‬
‫وحيكي ابن القيم شيئاً من عواقبـ تنحية حكم اهلل تعاىل فيقول‪- :‬‬
‫" ملا أعــرض النــاس عن حتكيم الكتــاب والســنة واحملاكمة إليهمــا‪ ،‬واعتقــدوا عــدم االكتفــاء هبمــا‪ ،‬وعــدلوا إىل اآلراء‬
‫والقياس واالستحســان وأقــوال الشـيوخ‪ ،‬عـرض هلم من ذلك فسـاد يف فطـرهم‪ ،‬وظلمة يف قلــوهبم‪ ،‬وكــدر يف أفهــامهم‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وحمق يف عقوهلم‪ ،‬وعمتهم هذه األمور وغلبت عليهم حىت رىب فيها الصغري وهرم عليها الكبري‪...‬‬

‫(‪ )2‬عمدة التفسري ‪. 3/125‬‬


‫(‪ )3‬هو أبو هبة اهلل إمساعيل بن إبراهيم اخلطيب احلسين األسعردي األزهري السلفيـ ‪ ،‬مل أعثر له على ترمجة ‪ ،‬ولكنه كان معاصراً حملمد منري بن عبده‬
‫آغا الدمشقيـ (ت‪ 1367‬هـ)‬
‫انظر ‪ :‬منوذج من األعمال اخلريية حملمد منري آغا ص ‪ ، 291‬واألعالم ‪. 7/310‬‬
‫(‪ )1‬حتذير أهل اإلميان عن احلكم بغري ما أنزل الرمحن ص ‪ ، 40‬وانظر ص ‪ ، 22‬وانظر خمتصر الصواعق املرسلة البن القيم ‪. 2/53‬‬
‫(‪ )2‬الفوائد ص ‪. 43 ، 42‬‬
‫‪41‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويف احلديث عنه صــلى اهلل عليه وســلم أنه قــال‪ " -:‬يا معشر املهــاجرين‪ :‬خصــال مخس إن ابتليتم هبن ونــزلن بكم‬
‫– وذكر منها ‪ - :-‬وما مل حتكم أئمتهم بكتاب اهلل إال جعل بأسهم بينهم‪" )3(.‬‬
‫ويف رواية‪ " - :‬وما حكموا بغري ما أنزل اهلل إال فشا فيهم الفقر (‪" )4‬‬
‫ويف هــذا يقــول ابن تيميــة‪ " - :‬وإذا خــرج والة األمر عن هــذا (حكم الكتــاب والســنة) فقد حكمــوا بغري ما أنــزل‬
‫اهلل‪ ،‬ووقع بأســهم بينهم‪ ،‬قــال صــلى اهلل عليه وســلم‪ " -:‬ما حكم قــوم بغري ما أنــزل اهلل إال وقع بأســهم بينهم " وهــذا‬
‫من أعظم أس ــباب تغيري ال ــدول ‪ /‬كما قد ج ــرى مثل ه ــذا م ــرة بعد م ــرة يف زماننا وغري زمانن ــا‪ ،‬ومن أراد اهلل س ــعادته‬
‫جعله يعترب مبا أصاب غريه‪ ،‬فيسلك مسلك من أيده اهلل ونصره‪ ،‬وحيتسب مسلك من خذله اهلل وأهانه‪" )5(.‬‬
‫ص‪310‬‬
‫وصــدق اهلل تعــاىل ورســوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬فــإن النــاظر إىل واقع املســلمني – اآلن – يــرى ما وقع يف تلك‬
‫البالد من املص ـ ــائبـ والش ـ ــرور‪ ،‬ومن الفرقة والع ـ ــداوةـ فيما بينهم‪ ،‬وك ـ ــذا التقاتل والتن ـ ــاحر‪ ،‬كما ظهر الفقر والتـ ــدهور‬
‫الاقتص ــادي‪ ،‬مع أن يف بالد املس ــلمني – كما هو معل ــوم – أعظم الثروات ومبختلف األن ــواع‪،‬ـ وأعظم س ــبب يف ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫هو تنحية شرع اهلل‪ ،‬والتحاكم إىل الطاغوت واهلل املستعان‪.‬ـ‬

‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه ‪ 2/1333‬ح (‪ ، )4019‬واحلاكم (‪ ، )4/540‬والبيهقي (‪ )3/346‬وقال البوصريي يف (الزوائد) ‪: -:‬هذا حديث صاحل‬
‫للعملـ به ‪ "..‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب ‪ ،‬وصححه األلباين يف " صحيح الرتغيب " (‪ . )1/321‬وانظر الصحيحة (‪)106‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطرباين يف الكبري وقال املنذري ‪ " - :‬وسنده قريب من احلسن ‪ ،‬وله شواهد " وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب " (‪. )1/321‬‬
‫(‪ )5‬جمموع الفتاوى ‪. 35/387‬‬
‫(‪ )1‬انظر مثالً ملعرفة آثار هذه القوانني ‪ :‬رسالة الكتاب والسنة جيب أن يكون مصدرـ القوانني يف مصر للشيخ أمحد شاكر ‪ ،‬وحبث " وجوب تطبيق‬
‫الشريعة " للشيخ مناع القطان ‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪311‬‬
‫‪ -2‬متى يكون الحكم بغير ما أنزل اهلل تعالى ناقضاً من نواقض اإليمان؟‬
‫إذا تقــرر أن التشــريع من خصــائص ربوبية اهلل تعــاىل‪ ،‬فــاحلالل ما حلله اهلل ورســوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬واحلرام‬
‫ما حرمه اهلل ورس ــوله‪ ،‬وال ــدين ما ش ــرعه اهلل رس ــوله‪ ،‬فليس ألحد أن خيرج عن ش ــيء مما ش ــرع يف دين اهلل تع ــاىل‪ ،‬بل‬
‫َالَ‬ ‫ْو‬ ‫ُم‬ ‫بك‬ ‫من ر‬
‫َِّّ‬ ‫ُم ِّ‬
‫ْك‬ ‫َِلي‬ ‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫َْ‬‫ُوا‬ ‫ِع‬ ‫اتب‬‫الـ ــواجب اتبـ ـ ــاعـ هـ ـ ــذه الشـ ـ ــريعة‪ .‬قـ ـ ــال تعـ ـ ــاىل‪َّ { - :‬‬
‫َ} [األعراف‪ ،‬آية ‪.]3‬‬ ‫ُون‬ ‫َّر‬‫َك‬ ‫تذ‬‫ما َ‬ ‫ِيالً َّ‬ ‫َل‬ ‫َاء ق‬ ‫لي‬ ‫َو‬
‫ِْ‬ ‫ِأ‬ ‫ِه‬‫دون‬ ‫ِن ُ‬ ‫ْم‬ ‫ُوا‬ ‫ِع‬ ‫َّب‬‫تت‬‫َ‬
‫كما يتعني الكفر بالطــاغوت‪ ،‬وذلك بعــدم التحــاكم إليه واعتقــاد بطالنه والــرباءة منــه‪ .‬قــال تعــاىل‪{ -:‬فَ َم ْن يَ ْك ُفـ ْـر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َام هَلَا} [البقرة‪ ،‬آية ‪.]256‬‬ ‫ك بِالْعُ ْر َوة الْ ُو ْث َق َى الَ انف َ‬ ‫بِالطَّاغُوت َويُ ْؤمن بِاللّه َف َقد ْ‬
‫استَ ْم َس َ‬
‫إن اإلميان اليقيين يــوجب االنقيــاد حلكم اهلل تعــاىل الــذي هو أحسن األحكــام على اإلطالقـ كما هو حــال املؤمــنني‬
‫َ} [املائـ ــدة‪ ،‬آية‬ ‫ُون‬ ‫ِن‬
‫يوق‬ ‫ٍُ‬ ‫ْم‬‫َو‬ ‫ًا ِّلق‬ ‫ْم‬‫ُك‬ ‫ِح‬ ‫ِن‬
‫َ هّللا‬ ‫ُم‬ ‫ْسَن‬ ‫َح‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ََ‬ ‫الصـ ــادقني املوق ـ ــنني‪ ،‬ق ـ ــال تع ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫‪.]50‬‬
‫ه‬
‫ولُ‬ ‫َسُ‪ُ 3‬‬ ‫َر‬ ‫ُو‬ ‫َ‪3‬ى هَّللا‬‫َض‬‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫ٍإ‬ ‫َة‬‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫مؤ‬ ‫َال ُ‬ ‫ِنٍ و‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬ ‫لم‬ ‫نِ‬ ‫َاَ‬ ‫ما ك‬ ‫ََ‬ ‫وق ـ ـ ـ ــال عز وج ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬و‬
‫ْ} [األحزاب‪ ،‬آية ‪.]36‬‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫مر‬ ‫َْ‬‫ْأ‬ ‫ِن‬ ‫ةم‬ ‫َُ‬ ‫َر‬ ‫الخِي‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ن َلُ‬‫ُوَ‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ًا أ‬ ‫مر‬ ‫َْ‬
‫أ‬
‫وأما من حتاكم إىل الطــاغوت أو حكم اجلاهليــة‪ ،‬وهو يــدعي اإلميان‪ ،‬فهــذه دعــوى كاذبة كما هو شــأن املنــافقني‬
‫َا‬ ‫ِم‬ ‫ْب‬ ‫ُ‪33‬وا‬ ‫من‬ ‫ْ آَ‬ ‫هم‬‫نُ‬‫ََّ‬ ‫نأ‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬ ‫ْع‬‫يز‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫املذكورين يف قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬أ‬
‫َِلى‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫َم‬‫‪3‬اك‬ ‫َ‪3‬‬‫َح‬
‫يت‬ ‫َن َ‬ ‫نأ‬ ‫دوَ‬ ‫ِي ‪ُ3‬‬ ‫ير‬‫‪3‬كَ ُ‬ ‫ِ‪3‬‬‫ْل‬ ‫َب‬ ‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬ ‫ُن ‪3‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫‪3‬كَ و‬ ‫ْ‪3‬‬ ‫َِلي‬ ‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫أ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫لُ‬ ‫ض‪َّ33‬‬ ‫يِ‬ ‫َن ُ‬ ‫نأ‬ ‫َاُ‬‫ْط‬ ‫د الشَّي‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫َُ‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ُر‬ ‫ْف‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬ ‫دأ‬ ‫َْ‬ ‫َق‬ ‫ُوتِ و‬ ‫َّاغ‬ ‫الط‬
‫دا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]60‬‬ ‫ِيً‬ ‫بع‬‫َالَالً َ‬ ‫ض‬
‫وقد مسى اهلل تعاىل الذين حيكمون بغري شرعه كفاراً‪ ،‬وظاملني‪ ،‬وفاسقني‪.‬‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫ِر‬ ‫َاف‬ ‫الك‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬ ‫ُف‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬ ‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬‫فق ـ ــال س ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫[املائدة‪،‬ـ آية ‪.]44‬‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫لم‬ ‫َّاِ‬‫ُ الظ‬ ‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬ ‫ُف‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َا أنز‬ ‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬ ‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬‫وقـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫[املائدة‪،‬ـ آية ‪.]45‬‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫ِق‬ ‫َاس‬ ‫الف‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬ ‫ُف‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬ ‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬ ‫وقال عز وجل‪{ - :‬و‬
‫[ املائدة‪ ،‬آية ‪.]47‬‬
‫ص‪312‬‬

‫‪43‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويكــونـ احلكم بغري ما أنــزل اهلل تعــاىل كفــراً نــاقالً عن امللــة‪ ،‬وناقض ـاً من نــواقض اإلميان يف عــدة صــور وحــاالت‪،‬‬
‫نتحدث عن بعضها على النحو التايل‪-:‬‬
‫(أ) من شرع غري ما أنزل اهلل تعاىل‪-:‬‬
‫مر‬
‫ُ‬ ‫َاألَْ‬ ‫ُو‬ ‫لق‬ ‫الخَْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َالَ َلُ‬ ‫قد تقـ ـ ـ ــرر‪ -‬بداهة – وج ـ ـ ـ ـ ــوب إف ـ ـ ـ ـ ــراد اهلل تع ـ ـ ـ ـ ــاىل ب ـ ـ ـ ـ ــاحلكم والتش ـ ـ ـ ـ ــريع {أ‬
‫َ} [األعـ ــراف‪ ،‬آية ‪ ،]54‬فـ ــإذا كـ ــان اهلل تعـ ــاىل هو املتف ــرد ب ــاخللق وال ــرزق‬ ‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬
‫ُّ ْ‬‫َب‬‫ُر‬ ‫َكَ هّللا‬ ‫َار‬ ‫تب‬‫َ‬
‫واإلحياء واإلماتة ال شريك له يف هذه الصفات‪ ،‬فهو ســبحانه – أيضـاً – وحـده املتفــرد بالتشــريع والتحليل والتحــرمي‪،‬‬
‫فالدين ال يكـونـ إال ما شــرعه اهلل تعـاىل‪ ،‬وليس ألحد أن يشــرع شـيئاً ما جـاء عن اهلل تعـاىل‪ ،‬وال عن رسـول اهلل صـلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ْ َلُ‬ ‫َم‬‫فالتشريع حق خالص هلل وحده ال شريك له‪ .‬من نازعه يف شيء منه فهو مشرك‪ ،‬لقوله تعــاىل‪{ - :‬أ‬
‫ُ} [الشورى‪ ،‬آية ‪.]21‬‬ ‫ِ هَّللا‬
‫ِه‬‫َن ب‬ ‫ْذ‬ ‫يأ‬‫َْ‬‫ما َلم‬ ‫الدينِ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫من‬ ‫هم ِّ‬ ‫ُوا َلُ‬ ‫َع‬‫َاء شَر‬ ‫َك‬‫شُر‬
‫يقول ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ " - :‬أي هم ال يتبعون ما شرع اهلل لك من الدين القومي‪ ،‬بل يتبعون ما شرع‬
‫هلم ش ــياطينهم من اجلن واإلنس من حترمي ما حرمـ ــوا عليهم من البحـ ــرية والسـ ــائبة والوصـ ــيلة واحلام‪ ،‬وحتليل أكل امليتة‬
‫وال ـ ـ ــدم والقمـ ـ ـ ـ ــار إىل حنو ذلك من الضـ ـ ـ ـ ــالالتـ واجلهالة الباطلة اليت كـ ـ ـ ـ ــانوا قد اخرتعوها يف ج ـ ـ ــاهليتهم من التحليل‬
‫والتحرمي والعبادات الباطلة واألموال الفاسدة‪" )1(.‬‬
‫َين‬
‫َ‬ ‫ِكَ زَّ‬
‫ذل‬‫ََ‬‫َك‬‫ومسى اهلل تعـ ــاىل الـ ــذين يطـ ــاعون فيما زينـ ــوا من املعاصي شـ ــركاء (‪ ،)2‬فقـ ــال سـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫ْ} [ األنعام‪،‬ـ آية ‪.]137‬‬‫هم‬ ‫ُُ‬‫َآؤ‬ ‫َك‬‫ْ شُر‬ ‫ِم‬‫ِه‬
‫ْالَد‬‫َو‬‫َأ‬ ‫ْل‬ ‫َت‬ ‫َق‬ ‫ِين‬ ‫ِك‬ ‫ُشْر‬‫الم‬‫َ ْ‬ ‫من‬ ‫ٍ ِّ‬ ‫ِير‬ ‫َث‬ ‫ِ‬
‫لك‬
‫دونِ هّللا‬
‫ِ‬ ‫من ُ‬‫با ِّ‬
‫باً‬ ‫َْ‬ ‫َر‬‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫‪3‬اَ‬ ‫َ‪3‬‬‫هب‬ ‫ُْ‬‫َر‬‫ْو‬ ‫هم‬‫َُ‬‫َار‬ ‫ْب‬‫َح‬‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫وق ـ ـ ـ ــال عز وجـ ـ ـ ـ ـ ــل‪َّ { - :‬‬
‫اتخَذ‬
‫دا الَّ‬ ‫َاحِ‪ً3‬‬ ‫ها و‬‫َِلـً‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْب‬‫َع‬ ‫لي‬‫ِالَّ ِ‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬‫ُم‬‫ما أ‬ ‫ََ‬‫َو‬ ‫يم‬‫َْ‬ ‫مر‬‫ََ‬ ‫بن‬ ‫َ اْ‬ ‫ِيح‬ ‫َس‬‫الم‬‫َ ْ‬‫و‬
‫َ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]31‬‬ ‫ُون‬‫ِك‬ ‫يشْر‬ ‫َّا ُ‬ ‫َم‬‫هع‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫ْح‬‫َ سُب‬ ‫هو‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫هإ‬ ‫َِلـَ‬ ‫إ‬
‫فهؤالء األحبار والرهبانـ الذين شرعوا غري تشريع اهلل تعاىل كفار‪ ،‬وال شك يف‬
‫ص‪313‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كفرهم؛ ألهنم نازعوا اهلل تعاىل يف ربوبيته‪،‬ـ وبدلوا دين اهلل وشرعه‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪. 4/113‬‬


‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬أضواء البيان للشنقيطي ‪. 7/173 ، 4/83‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬الشريعة اإلهلية ص ‪. 182 -179‬‬
‫‪44‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وإذا كــانت متابعة أحكــام املشــرعني غري ما شــرعه اهلل‪ ،‬تعترب شــركاً‪ ،‬وقد حكم اهلل على هــؤالء األتبــاعـ بالشــرك‪،‬‬
‫َ} [األنعــام‪ ،‬آية ‪ )4(]121‬فكيف حبال‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬ ‫ُشْر‬ ‫ْ َلم‬ ‫ُم‬ ‫نك‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫هم‬‫ُوُ‬ ‫ُم‬‫ْت‬‫َع‬‫َط‬ ‫نأ‬ ‫ِْ‬‫َإ‬ ‫كما قال سبحانه‪{ - :‬و‬
‫هؤالء املشرعني؟‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫ِ َّ‬
‫الذ‬ ‫ِ‪3‬ه‬ ‫ُّ ب‬‫َل‬ ‫يض‬ ‫ُِ‬ ‫ْر‬‫ُف‬ ‫الك‬
‫ِي ْ‬ ‫ةف‬ ‫دٌ‬ ‫ياَ‬ ‫َِ‬‫ءز‬ ‫ِيُ‬ ‫َّس‬
‫َا الن‬ ‫نم‬ ‫ويق ـ ـ ـ ــول عز وجـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫َ هّللا‬
‫ُ‬ ‫َّم‬
‫َ‪33‬ر‬ ‫ما ح‬ ‫ةَ‬ ‫ِدَ‬‫ْ عَّ‬‫ُوا‬ ‫ِؤ‬‫َاط‬ ‫ُو‬ ‫ما ِّلي‬ ‫َاً‬ ‫هع‬‫نُ‬ ‫موَ‬ ‫َر‬
‫ُِّ‬ ‫يح‬ ‫ما و‬
‫َُ‬ ‫َاً‬ ‫هع‬ ‫نُ‬‫ِّوَ‬ ‫يحِل‬‫ُْ‬‫ُوا‬ ‫َر‬‫َف‬
‫ك‬
‫ُ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]37‬‬ ‫َ هّللا‬
‫َّم‬
‫َر‬‫ما ح‬ ‫َْ‬‫ُّوا‬ ‫ُحِل‬ ‫َي‬
‫ف‬
‫يقــول ابن حــزم عن هــذه اآليــة‪ " :‬وحبكم اللغة اليت نــزل هبا القــرآن أن الزيــادة يف الشــيء ال تكــونـ ألبته إال منه ال‬
‫من غريه‪ ،‬فصح أن النســيء كفـر‪ ،‬وهو عمل من األعمــال وهو حتليل ما حـرم اهلل‪ " )5( .‬وهــؤالء املشــرعون ما مل يــأذن‬
‫به اهلل تعــاىل‪ ،‬إمنا وضــعوا تلك األحكــام الطاغوتية العتقــادهم أهنا أصــلح وأنفع للخلق وهــذه ردة عن اإلســالم‪،‬ـ بل إن‬
‫اعتبــار شــيء من تلك األحكــام ولو يف أقل القليل عــدم رضا حبكم اهلل ورســوله‪ ،‬فهو كفر ناقل عن امللة (‪ )1‬إضــافة إىل‬
‫أن هــذا التشــريع يعد جتويزاً وتســويغاً للخــروج على الشــرع املنزل‪ ،‬ومن ســوغ اخلروج على هــذه الشــريعة فهو كــافر‬
‫(‪)2‬‬
‫باإلمجاع‪.‬‬
‫" إن طواغيت البشر – قدمياً وحديثاً – قد نازعوا اهلل يف حق األمر والنهي والتشــريع بغري ســلطان من اهلل تعــاىل‪،‬‬
‫فادعــاه األحبــار والرهبــان ألنفســهم فــأحلوا به احلرام‪ ،‬وحرمــوا به احلالل‪ ،‬واســتطالواـ به على عبــاد اهلل‪ ،‬وصــاروا بــذلك‬
‫أرباب ـ ـاً من دون اهلل‪ ،‬مث ن ـ ــازعهم املل ـ ــوك يف ه ـ ــذا احلق حىت اقتس ـ ــموا الس ـ ــلطة مع ه ـ ــؤالء األحب ـ ــار والرهبـ ــان‪ ،‬مث جـ ــاء‬
‫العلمــانيونـ فــنزعوا احلق من هــؤالء وهــؤالء‪ ،‬ونقلــوه إىل هيئة متثل األمة أو الشــعب‪ ،‬أطلق عليها اسم الربملان‪،‬ـ أو جملس‬
‫النواب‪...‬ـ (‪" )3‬‬
‫ص‪314‬‬
‫وغــالب األنظمة اليت حتكم بالد املســلمني – من خالل اســتقراء دســاتريها – إمنا هو انســالخ من عقيــدة إفــراد اهلل‬
‫تع ــاىل وح ــده بالتش ــريع‪ ،‬حيث جعلت التش ــريع والس ــيادة لألمة أو الش ــعب‪ ،‬ورمبا جعلت احلاكم مش ــاركاً يف س ــلطة‬

‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬تفسري ابن كثري ‪ ، 2/163‬فتاوى ابن تيمية ‪ ، 7/70‬أضواء البيان للشنقيطيـ ‪. 3/440‬‬
‫(‪ )5‬الفصل ‪3/245‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬فتاوى الشيخ حممد بن ابراهيم ‪ ، 12/500‬واجملموع الثمني البن عثيمني ‪1/36‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬فتاوى ابن تيمية ‪ ، 28/524 ، 59 ، 27/58‬البداية البن كثري ‪13/119‬‬
‫(‪ )3‬نظرية السيادة ‪ ،‬وأثرها على شرعية األنظمة الوضعية لصالح الصاوي ص ‪20، 19‬‬
‫‪45‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫التشــريع‪ ،‬وقد يســتقل بالتشــريع يف بعض األحــوال‪ ،‬وكل ذلك مترد على حقيقة اإلســالم اليت تــوجب االنقيــاد والقبــول‬
‫(‪)4‬‬
‫لدين اهلل تعاىل‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬صالح الصاوي – عن تلك األوضاع ‪- :-‬‬
‫" إن احلالة اليت تواجهها جمتمعاتنا املعاصـ ــرة هي حالة اإلنكـ ــار على اإلسـ ــالم أن تكـ ــونـ له ص ــلة بش ــؤون الدول ــة‪،‬‬
‫واحلجر عليه ابتــداء أن تتـدخل شــرائعه لتنظيم هــذه اجلوانب‪،‬ـ وتقرير احلق يف التشــريع املطلق يف هـذه األمـور للربملانـات‬
‫واجملالس التشريعية‪.‬ـ‬
‫إننا أمــام قــوم يــدينونـ بــاحلق يف الســيادة العليا والتشــريع املطلق للمجــالس التشــريعية‪ ،‬فــاحلالل ما أحلتــه‪ ،‬واحلرام ما‬
‫حرمته‪ ،‬والواجبـ ما أوجبته‪ ،‬والنظام ما شرعته‪ ،‬فال جيرم فعل إال بقانونـ منها‪ ،‬وال يعاقب عليه إال بقانون منهــا‪ ،‬وال‬
‫اعتبار إال للنصوصـ الصادرة منها‪...‬‬
‫هــذه احملنةـ اليت نواجهها اليــوم‪،‬ـ واليت ال يصــلح لــدفعها ترقيع جــزئي بإلغــاء بعض املواد‪ ،‬والنصـ على اخــرى‪ ،‬وإمنا‬
‫يصــلحه أن نبــدأ بتقرير الســيادة املطلقة واحلاكمية العليا للشــريعة اإلســالمية‪ ،‬والنصـ على أن كل ما يتعــارض معها من‬
‫القوانني أو اللوائح فهو باطل‪" )5( .‬‬
‫لقد وصل امته ــانـ الش ــريعة اإلهلية ونب ــذها – يف بعض تلك الدس ــاتري – إىل حد أهنم جعل ــوا ه ــذه الش ــريعة الربانية‬
‫مصدراً ثانوياً من مصادر القانون‪ ،‬فتأيت الشـريعة متـأخرة بعد التشـريع الوضـعي‪ ،‬والعـرف‪ ،‬كما أهنم جياهرون صـراحة‬
‫حبق التش ـ ــريع لغري اهلل تع ـ ــاىل‪ ،‬حبيث أن نص ـ ــوصـ الش ـ ــريعة ال تكتسبـ ص ـ ــفة الق ـ ــانونـ عن ـ ــدهم لو أرادوا العمل بتلك‬
‫النصوص إال بصدورها عمن ميلك حق التشريع‪ ،‬وهي السلطة الىت مينحها الدستور االختصاصـ بذلك!‬
‫ص‪315‬‬
‫أما كون هذه الشريعة منزلة من عند اهلل تعاىل فال يعطيها صفة القانون عندهم فضالً أن تكون حاكمة ومهيمنة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بل إن العرف يلغي أي مبدأ من مبادئ الشريعة اإلسالمية!ـ‬
‫كما أن ه ــذه الق ــوانني والدس ــاتري الطاغوتية عند أصــحاهبا قد صــار هلا من احلرمة والتعظيم كما لو ك ــانت شــريعة‬
‫إهلية‪ ،‬يبني ذلك الشيخ أمحد شاكر – رمحه اهلل – فيقول‪- :‬‬
‫" هذه القوانني اليت فرضها على املسلمني أعداء اإلسالم‪...‬ـ هي يف حقيقتها دين آخر جعلوه ديناً للمسلمني بدالً‬
‫من دينهم النقيـ الس ـ ــامي‪ ،‬ألهنم أوجب ـ ــوا عليهم طاعتهاـ وغرس ـ ــوا يف قل ـ ــوهبم حبها وتقديس ـ ــها والعصـ ــبية هلا‪ ،‬حىت لقد‬
‫جتري على األلس ــنة واألقالمـ كث ــرياً من الكلم ــات " تق ــديس الق ــانون "‪ " ،‬قدس ــية القض ــاء "‪" ،‬ح ــرم احملكمة "‪ ،‬وأمث ــال‬
‫(‪ )4‬انظر املرجع السابق ص ‪16-12‬‬
‫(‪ )5‬حتكيم الشريعة ودعاوي العلمانية لصالح الصاوي ص ‪81‬‬
‫(‪ )1‬انظر تفصيل ذلك يف كتاب حد اإلسالم وحقيقة اإلميان لعبد اجمليد الشاذيل ص ‪. 377 – 365‬‬
‫‪46‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ذلك من الكلمـ ـ ــات‪ ...‬مث صـ ـ ــاروا يطلقـ ـ ــون على هـ ـ ــذه القـ ـ ــوانني ودراسـ ـ ــاهتا كلمة " الفقه الفقيهـ "‪ " ،‬والتشـ ــريع " و"‬
‫املشرع "‪...‬وما إىل ذلك من الكلمات اليت يطلقها علماء اإلسالمـ على الشريعة وعلمائها‪" )2(.‬‬
‫إن شريعة اهلل تعاىل جيب أن تكونـ وحدها حاكمة ومهيمنة على غريها‪ ،‬وأن تكون املصدر الوحيد للتشريع‪ ،‬فال‬
‫ننخــدع مبا يقوله بعضــهم بــأنـ الشــريعة اإلســالمية هي املصــدر الرئيسي للتشــريع‪ ،‬ملا تتضــمنه هــذه العبــارة الشــركية من‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلقرار والرضا مبصادر أخرى للتشريع‪ ،‬ولو كانت مصادر فرعية‪.‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َاءُ‬ ‫َْ‬
‫هو‬ ‫ْأ‬ ‫ِع‬ ‫َّب‬
‫تت‬ ‫َالَ َ‬‫ُو‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫َآ أ‬ ‫ِم‬ ‫هم ب‬ ‫َُ‬‫ْن‬‫بي‬‫ُم َ‬ ‫ْك‬‫َنِ اح‬ ‫َأ‬‫يقـ ـ ـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫ْكَ} [املائدة‪ ،‬آية ‪.]49‬‬ ‫َِلي‬‫ُإ‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫ما أ‬ ‫ضَ‬ ‫ِْ‬‫بع‬ ‫َن َ‬ ‫ُوكَ ع‬‫ِن‬‫ْت‬
‫يف‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫ذر‬‫َْ‬ ‫َاح‬ ‫و‬
‫(ب) أن جيحد أو ينكر احلاكم بغري ما أنــزل اهلل تعــاىل أحقية حكم اهلل تعــاىل ورســوله صــلى اهلل عليه وســلم كما‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬‫َنز‬
‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬‫يح‬‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬‫جـ ـ ـ ـ ــاء يف رواية البن عبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس – رضي اهلل عنهما – يف قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل {و‬
‫َ} [املائدة‪ ،‬آية ‪]44‬‬‫ُون‬ ‫ِر‬
‫َاف‬‫الك‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬
‫ف‬
‫ص‪316‬‬
‫حيث قال‪ " - :‬من جحد ما أنزل اهلل فقد كفر "(‪" )4‬‬
‫وهو اختيار ابن جرير يف تفسريه‪" )5(.‬‬
‫إن جحود حكم اهلل تعاىل هو اعرتاض على شرح اهلل تعاىل‪ ،‬وتكــذيب لنصــوص الوحــيني‪ ،‬وقد أمجع العلمــاء على‬
‫تكفري من أنكر حكم ـاً معلوم ـاً من الــدين بالضــرورة‪ ،‬وحكى هــذا اإلمجاع مجع كثري من أهل العلم كما جــاء مفص ـالً‬
‫(‪)1‬‬
‫فيما مضى‪.‬‬
‫فمن ذلك ما قاله أبو يعلى‪- :‬‬
‫" ومن اعتقد حتليل ما ح ــرم اهلل ب ــالنص الص ــريح‪ ،‬أو من رس ــوله‪ ،‬أو أمجع املس ــلمون على حترميه فهو ك ــافر‪ ،‬كمن‬
‫أباح شرب اخلمر ومنع الصالةـ والصيام والزكــاة‪ ،‬وكــذلك من اعتقد حترمي شـيء حلله اهلل وأباحه بــالنص الصـريح‪ ،‬أو‬
‫أباحه رســوله أو املســلمون مع العلم بــذلك‪ ،‬فهو كــافر كمن حــرم النكــاح والــبيع والشــراء على الوجه الــذي أباحه اهلل‬

‫(‪ )2‬عمدة التفسري البن كثري ‪ = 3/124‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬ضوابط التكفري لعبد اهلل القرين ص ‪ ، 116 ، 115‬وأضواء على ركن من التوحيد لعبد العزيز بن حامد ص ‪.20‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن جرير يف تفسريه ‪. 6/149‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬املوضع السابق ‪ ،‬وتفسري ابن كثري ‪. 2/58‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الفصل الرابع من الباب األول وعنوان هذا الفصل ‪ " :‬إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة "‬
‫‪47‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫عز وجل‪ ،‬والوجه فيه أن يف ذلك تكذيباً هلل تعـاىل ولرســوله يف خـربه‪ ،‬وتكـذيباً للمسـلمني يف خــربهم‪ ،‬ومن فعل ذلك‬
‫فهو كافر بإمجاع املسلمني‪" )2(.‬‬
‫ويقــول ابن تيميــة‪ " - :‬واإلنســانـ مىت حلل احلرام اجملمع عليــه‪ ،‬أو حــرم احلالل اجملمع عليــه‪ ،‬أو بــدل الشــرع اجملمع‬
‫عليه كان كافراً مرتداً باإلتفاق‪")3(.‬‬
‫ويق ــول الش ــنقيطي‪ " - :‬من مل حيكم مبا أن ــزل اهلل معارضة للرس ــل‪ ،‬وإبط ــاالً ألحك ــام اهلل‪ ،‬فظلمه وفس ــقه وكف ــره‬
‫كلها خمرج عن املللة‪" )4(.‬‬
‫ص‪317‬‬
‫وال يغيب عنا أن هــذا اجلحــود يف حد ذاته يعد كفــرا‪ ،‬ولو مل يكن معه حتكيم لغري الشــريعة‪ ،‬فاجلاحد كــافر ســواء‬
‫حكم بغري ما أنزل اهلل أو مل حيكم‪.‬‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬‫َنز‬ ‫َا أ‬‫ِم‬‫ُم ب‬ ‫ْك‬ ‫يح‬‫َْ‬ ‫من َّلم‬‫ََ‬‫وعنـ ــدما سـ ــاق ابن القيم أق ـ ــوال العلم ـ ــاء يف تأويل قوله تعـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} [املائدة‪ ،‬آية ‪ ،]44‬كان مما قاله – يف هذا الشــأنـ – " ومنهم من تــأول‬ ‫ُون‬ ‫ِر‬ ‫َاف‬ ‫الك‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬
‫ف‬
‫اآلية على ترك احلكم مبا أنزل اهلل جاحداً له‪ ،‬وهو قول عكرمة‪ ،‬وهو تأويل مرجـوح‪ ،‬فـإن نفس جحـوده كفـر‪ ،‬سـواء‬
‫حكم به أو مل حيكم‪" )5(.‬‬
‫(ج) أن يفضل حكم الطـ ـ ــاغوت على حكم اهلل تعـ ـ ــاىل‪ ،‬س ـ ــواء كـ ـ ــان هـ ـ ــذا التفضـ ـ ــيل مطلق ـ ـاً‪ ،‬أو مقيـ ــداً يف بعض‬
‫املسائل‪.‬‬
‫وقد ذكر الش ــيخ حممد بن عبد الوه ــاب ه ــذه احلالة ض ــمن ن ــواقضـ اإلس ــالم‪ ،‬فق ــال‪ " - :‬من اعتقد أن غري ه ــدي‬
‫النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم أكمل من هدي ــة‪ ،‬أو أن حكم غ ــريه أحسن من حكم ــه‪ ،‬كال ــذي يفضل حكم الط ــواغيتـ‬
‫على حكمه فهو كافر‪" )6(.‬‬
‫ويق ــول الش ــيخ حممد بن إب ــراهيم‪ " - :‬من اعتقد أن حكم غري الرس ــول ص ــلى اهلل عليه وس ــلم أحسن من حكمة‬
‫وأمت وأمشل ملا حيتاجه النـ ـ ــاس من احلكم بينهم عند التنـ ـ ــازع‪ ،‬إما مطلق ـ ـ ـاً‪ ،‬أو بالنسـ ـ ــبة إىل ما اسـ ـ ــتجد من احلوادث اليت‬

‫(‪ )2‬املعتمد يف أصول الدين ص ‪. 272 ، 271‬‬


‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪ ، 3/267‬وانظر فتاوى حممد بن إبراهيم (رسالة حتكيم القوانني) ‪ ، 12/288‬وكتاب حد اإلسالم للشاذيل ص ‪ ، 437‬ومقال‬
‫" حتكيم الشريعة " ملناع القطان ‪ ،‬جملة البحوث العدد األول ‪ ،‬ص ‪ ، 67‬ورسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪.20 ، 19‬‬
‫(‪ )4‬أضواء البيان ‪. 2/104‬‬
‫(‪ )5‬مدارج السالكني ‪. 1/336‬‬
‫(‪ )6‬جمموعة مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪. 1/386‬‬
‫‪48‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫نشــأت عن تطــور الزمــان وتغري األحــوال‪ ،‬فال ريب أنه كفر لتفضــيله أحكــام املخلــوقني اليت هي حمض زبالة األذهــان‪،‬‬
‫وصرف حناتة األفكار على حكم احلكيم احلميد‪" )1(.‬‬
‫لقد قــام التتــار – بعد إســقاطهم لدولة اخلالفة العباســيةـ – بإظهــار هــذا الكفـر‪ ،‬وذلك بتقــدمي حكم الياسق وفرضه‬
‫َ‬‫ْم‬ ‫ُك‬ ‫َح‬‫َف‬ ‫على املس ــلمني ونبذ حكم اهلل تع ــاىل‪ ،‬وقد أش ــار ابن كثري إىل ه ــذا الواقع عند تفس ــريه لقوله تع ــاىل‪{ - :،‬أ‬
‫َ} [املائـ ـ ـ ـ ـ ــدة‪،‬ـ آية‬ ‫ِن‬
‫ُ‪33‬ون‬ ‫يوق‬ ‫ٍُ‬ ‫ْم‬‫َو‬ ‫ًا ِّلق‬‫ْم‬ ‫ُك‬ ‫ِح‬ ‫ِن‬
‫َ هّللا‬ ‫ُم‬
‫ْسَن‬ ‫َح‬ ‫ْأ‬ ‫من‬‫ََ‬ ‫نو‬ ‫ُوَ‬ ‫ْغ‬ ‫َِ‬
‫يب‬ ‫َّة‬‫ِي‬ ‫ِل‬‫َاه‬ ‫الج‬ ‫ْ‬
‫‪.]50‬‬
‫ص‪318‬‬
‫فقـال‪ " - :‬ينكر تعـاىل على من خـرج عن حكم اهلل احملكم‪ ،‬املشـتمل على كل خـري‪ ،‬النـاهي عن كل شـر‪ ،‬وعـدل‬
‫إىل ما سـ ــواه من اآلراء واألهـ ــواء واالصـ ــطالحات‪ ،‬اليت وضـ ــعها الرجـ ــال بال مسـ ــتند من شـ ــريعة اهلل‪ ،‬كما كـ ــان أهل‬
‫اجلاهلية حيكمون به التتار من السياسات امللكيةـ املأخوذة عن ملكهم سنكز خان‪ ،‬الذي وضع هلم الياسق‪ ،‬وهو عبارة‬
‫عن كت ــاب جمم ــوع من أحك ــام قد اقتبس ــها عن ش ــرائع ش ــىت‪ ،‬من اليهودية والنص ــرانية وامللة اإلس ــالميةـ وغريه ــا‪ ،‬وفيها‬
‫كثري من األحكام أخذها من جمرد نظره وهواه‪ ،‬فصارت يف بنيه شرعاً متبعـاً‪ ،‬يقـدموهنا على احلكم بكتـاب اهلل وسـنة‬
‫رســوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬فمن فعل ذلك فهو كــافر جيب قتاله حىت يرجع إىل حكم اهلل ورســوله‪ ،‬فال حيكم ســواهـ‬
‫يف قليل وال كثري‪" )2(...‬‬
‫ويق ــول حمم ــود اآللوسيـ يف تفس ــريه‪ " - :‬الشك يف كفر من يستحسن الق ــانونـ ويفض ــله على الشرع ويق ــول هو‬
‫أوفق باحلكمة وأصلح لألمة‪ ،‬ويتميز غيظاً ويتقصفـ غضباً إذا قيل له يف أمر‪ :‬أمر الشرع فيه كذا‪ ،‬كما شاهدنا ذلك‬
‫يف بعض من خذهلم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم‪...‬‬
‫فال ينبغي التوقف يف تكفري من يستحسن ما هو ّبين املخالفة للش ـ ــرع منها (أي الق ـ ــوانني)ـ ويقدمه على األحكـ ــام‬
‫الشرعية منتقصاًـ هلا‪" )3(.‬‬
‫ويتح ـ ـ ـ ـ ـدث إمساعيل األزهـ ـ ـ ـ ـ ــري عما يزعمه من ال خالق له من اإلميان‪ ،‬ممن يتهمـ ـ ـ ـ ـ ــون هـ ـ ـ ـ ــذه الشـ ـ ـ ــريعة الكاملة‬
‫بالنقص‪...‬ـ فكان مما قاله‪-:‬‬
‫" من ظن أن ه ــذه الش ــريعة الكاملة اليت ما ط ــرق الع ــامل ش ــريعة أكمل منها ناقصة حتت ــاج إىل سياسة خارجة عنها‬
‫تكملها‪ ،‬فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إىل رسول آخر غري رسوهلم الذي حيل هلم الطيبات وحيرم عليهم اخلبائث‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتاوى حممد بن إبراهيم (رسالة حتكيم القوانني) ‪ ، 12/288‬وانظر تفسري املنار ‪ 407 ، 6/404‬وفتاوى ابن باز ‪ ، 1/273‬واجملموع الثمني‬
‫البن عثيمني ‪. 1/36‬‬
‫(‪ )2‬عمدة التفسري ‪ 173 – 4/171‬وانظر البداية البن كثري ‪ = 13،119‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )3‬روح املعاين ‪ = 21 ، 28/20‬باختصار ‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وكـ ــذلك من ظن أن شـ ــيئاً من أحكـ ــام الكتـ ــاب والسـ ــنة النبويةـ الثابتة الصـ ــحيحة خبالف السياسة واملصـ ــلحة اليت‬
‫يقتضيها نظام الدنيا فهو كافر قطعاً (‪" )1‬‬
‫ص‪319‬‬
‫وحيكي حممود شاكر هذه احلالة فيقول‪ " - :‬والــذي حنن فيه اليــوم هو هجر ألحكــام اهلل عامة بال اســتثناء‪ ،‬وإيثــار‬
‫أحك ـ ــام غري حكمه يف كتابه وس ـ ــنة نبي ـ ــه‪ ،‬وتعطيل لكل ما يف ش ـ ــريعة اهلل‪ ،‬بل بلغ األمر مبلغ االحتي ـ ــاج على تفض ـ ــيل‬
‫أحك ــام الق ــانون املوض ــوعـ على أحك ــام اهلل املنزل ــة‪ ،‬وادع ــاء احملتجني ل ــذلك ب ــأن أحك ــام الش ــريعة إمنا ن ــزلت لزم ــان غري‬
‫زماننا‪ ،‬ولعلل أسباب انقضت‪،‬ـ فسقطت األحكام كلها بانقضائها‪.‬ـ(‪" )2‬‬
‫لقد سلك خصوم هذا الدين مسالك متنوعةـ يف سبيل استنقاصـ الشريعة اإلسـالمية (‪ ،)3‬وتفضـيل حكم الطـاغوت‬
‫على حكم اهلل تع ــاىل‪ ،‬ف ــرتاهم يص ــفون اإلس ــالم بأنه ديانة روحي ــة‪ ،‬فال عالقة له بش ــؤون احلي ــاة األخ ــرى كاملع ــامالت‬
‫والقضاء والسياسةـ واحلدود وحنوها‪.‬‬
‫يق ــول أمحد شـ ــاكر (‪ )4‬عن ه ــؤالء الق ــوم وحكم اهلل تعـ ــاىل فيهم‪ " -:‬والق ــرآن مملـ ــوء بأحك ــام وقواعد جليلـ ـة‪ ،‬يف‬
‫املس ــائل املدنية والتجاري ــة‪ ،‬وأحك ــام احلرب والس ــلم وأحكــام القتــال والغن ــائم واألســرى وبنصــوص صــرحية يف احلدود‬
‫والقصــاص فمن زعم أنه دين عبــادة فقط (‪ )5‬فقد أنكر كل هــذا‪ ،‬وأعظم على اهلل الفريــة‪ ،‬وظن أن لشــخص كائنـاً من‬
‫كــان‪ ،‬أو هليئة كائنة من كــانت‪ ،‬أو تنسخ ما أوجب اهلل من طاعته والعمل بأحكامــه‪ ،‬وما قــال هــذا مســلم وال يقولــه‪،‬‬
‫ومن قاله فقد خرج عن اإلسالم مجلة‪ ،‬ورفضه كله‪ ،‬وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم‪" )6(.‬‬
‫ص‪320‬‬
‫كما يــزعم هــؤالء اخلصــوم أن يف حتكيم الشــريعة إقــرار لالســتبداد السياســي‪ ،‬واإلرهــاب الفكــري‪ ،‬ويســتدلونـ على‬
‫ذلك مبا حصل ألوروبا أثن ــاء تس ــلط رج ــال الكنيس ــة‪ ،‬وت ــارة ينعق ــونـ ب ــدعوى مجود الش ــريعة‪ ،‬وع ــدم مواكبتهاـ للحي ــاة‬
‫املتطورةـ املتجددة‪ ،‬ورمبا وصفوا أحكام احلدود والقصاص بالقسوة اليت ال تالئم إنسانية هذا العصر‪.‬‬

‫(‪ )1‬حتذير أهل اإلميان ص ‪ ، 81 ،80‬وانظر ص ‪. 22‬‬


‫(‪ )2‬عمدة التفسري البن كثري ‪. 4/157‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفصيل ذلك يف ‪ :‬اإلسالم والعلمانية ليوسف القرضاوي ‪ ،‬والعلمانية لسفر احلوايل وهتافت العلمانية يف الصحافة العربية لسامل البهنساوي ‪،‬‬
‫وحتكيم الشريعة لصالح الصاوي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أمحد بن حممد شاكر ‪ ،‬من علماء احلديث يف هذا العصر ‪ ،‬التحق باألزهر ‪ ،‬وتوىل القضاء ‪ ،‬واشتغل بتأليف الكتب ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1377‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬األعالم ‪. 1/253‬‬
‫(‪ )5‬أي ال صلة له بشؤون احلياة األخرى كاملعامالت واحلدود ‪ ..‬إخل ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الكتاب والسنة جيب أن يكون مصدرـ القوانني يف مصر ‪ ،‬ص ‪ ، 98‬وانظر ‪ - :‬عمدة التفسري البن كثري (تعليق ألمحد شاكر) ‪، 2/171‬‬
‫‪ ، 172‬وانظر ‪ :‬موقف العقل والعلم والعامل من رب العاملني ملصطفى صربي ‪. 4/292‬‬
‫‪50‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يق ــول الش ــيخ حممد بن إب ــراهيم يف ه ــذا الش ــأن‪ " - :‬وحكم اهلل ورس ــوله ال خيتلف يف ذات ــه‪ ،‬ب ــاختالف األزم ــان‪،‬‬
‫وتط ــور األح ــوال‪ ،‬وجتدد احلوادث‪ ،‬فإنه ما من قض ــية كائنة ما ك ــانت إال وحكمها يف كت ــاب اهلل تع ــاىل وس ــنة رس ــوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم نصاً‪ ،‬أو ظاهراً‪ ،‬أو استنباطاًـ أو غري ذلك‪ ،‬علمه من علمه‪ ،‬وجهله من جهله‪" )1(.‬‬
‫ويقول الشنقيطي يف هذا الصدد‪-:‬‬
‫"وأما النظ ـ ــام الش ـ ــرعي املخ ـ ــالف لتش ـ ــريع خ ـ ــالق الس ـ ــموات واألرض‪ ،‬فتحكيمه كفر خبالق السـ ــموات واألرض‪،‬‬
‫كــدعوى أن تفضــيل الــذكر على األنــثىـ يف املرياثـ ليس بإنصــاف‪ ،‬وأهنما يلــزم اســتواؤمهاـ يف املرياث‪،‬ـ وكل دعــوى أن‬
‫تعــدد الزوجــات ظلم‪ ،‬وأن الطالق ظلم للمــرأة‪ ،‬وأن الــرجم والقطع وحنومها أعمــال وحشــية ال يســوغ فعلها باإلنســان‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫فتحكيم ه ـ ــذا الن ـ ــوعـ من النظ ـ ــام يف أنفس اجملتمع وأم ـ ــواهلم وأعراض ـ ــهم وأنس ـ ــاهبم وعق ـ ــوهلم وأديـ ــاهنم كفر خبالق‬
‫السموات واألرض‪ ،‬ومترد على نظام السماء الذي وضعه من خلق اخلالئق كلهـا‪ ،‬وهو أعلم مبصـاحلها سـبحانه وتعـاىل‬
‫(‪)2‬‬
‫أن يكونـ معه مشرع آخر علواً كبرياً‪.‬‬
‫ومما يلحق مبســألة تفضــيل حكم اجلاهلية على حكم اهلل تعـاىل‪ :‬من مل حيكم مبا أنــزل اهلل تعـاىل اســتخفافاً واســتهانة‬
‫حبكم اهلل تعــاىل‪ ،‬واحتقــاراً له (‪ ،)3‬فمن وقع يف ذلك فقد خــرج عن امللــة؛ ألن ذلك اســتهزاء بــدين اهلل تعــاىل‪ ،‬ومن مث‬
‫فهو ردة عن اإلسالم‪،‬ـ كما هو ظاهر يف النصوص التالية‪-:‬ـ‬
‫ص‪321‬‬
‫ن {‪ 3}65‬الَ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِؤ‬ ‫هز‬‫َْ‬‫تسْت‬‫َْ‬‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِك‬ ‫له‬ ‫َسُوِ‬ ‫َر‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫يات‬ ‫َآَ‬ ‫ِو‬ ‫َب‬
‫ِاهّلل‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬‫يق ـ ــول تعـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ْ} [التوبة‪،‬ـ آية ‪.]66 ،65‬‬ ‫ُم‬ ‫ِك‬‫َان‬ ‫ِيم‬ ‫دإ‬ ‫َْ‬ ‫بع‬ ‫تم َ‬‫ُْ‬‫َر‬‫َف‬
‫دك‬ ‫َْ‬ ‫ْق‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬
‫َذ‬ ‫ْت‬ ‫تع‬
‫َ‬
‫يق ـ ـ ــول الفخر الـ ـ ـ ـ ــرازي‪ " -:‬إن االسـ ـ ـ ـ ــتهزاء بالـ ـ ـ ـ ــدين كيف كـ ـ ـ ـ ــان كفر باهلل‪ ،‬وذلك ألن االس ـ ـ ــتهزاء ي ـ ـ ــدل على‬
‫(‪)4‬‬
‫االستخفاف‪ ،‬والعمدة الكربى يف اإلميان تعظيم اهلل بأقصى اإلمكان‪،‬ـ واجلمع بينهما حمال‪.‬‬
‫ِي‬‫ْف‬‫ُ‪33‬وا‬‫َن‬‫َع‬‫َط‬
‫ْو‬ ‫ِم‬
‫ِه‬‫هد‬‫َْ‬‫ِع‬ ‫ْد‬ ‫بع‬‫من َ‬ ‫هم ِّ‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫يم‬‫َْ‬‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫َث‬‫نك‬‫ِن َّ‬ ‫َإ‬‫ويق ـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ََّ‬
‫لُ‬ ‫ْ َلع‬
‫هم‬‫ن َلُ‬
‫َ‪333‬اَ‬‫يم‬ ‫َْ‬‫ْ الَ أ‬‫هم‬ ‫نُ‬‫َِّ‬‫ِإ‬ ‫ْ‪333‬ر‬ ‫ُف‬‫الك‬‫ة ْ‬ ‫ََّ‬
‫ِم‬ ‫َئ‬
‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِل‬
‫َ‪333‬ات‬ ‫َق‬ ‫ْف‬‫ُم‬ ‫ِك‬ ‫ِين‬‫د‬
‫َ} [التوبة‪،‬ـ آية ‪.]12‬‬ ‫هون‬ ‫َُ‬ ‫ينت‬‫َ‬

‫(‪ )1‬فتاوي حممد بن إبراهيم (رسالة حتكيم القوانني) ‪. 12/288‬‬


‫(‪ )2‬أضواء البيان ‪. 85 ، 4/84‬‬
‫(‪ )3‬غالباً ما يكون هناك تالزم بني من يفضل حكم الطاغوت على حكم اهلل ‪ ،‬وبني من يستهني بالشريعة أو يستهزئ هبا ‪.‬‬
‫(‪ )4‬التفسري الكبري ‪. 16/124‬‬
‫‪51‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يقول القرطيب يف تفسري هذه اآلية‪ " - :‬استدل بعض العلماء هبذه اآلية على وجوب قتل كل من طعن يف الـدين‬
‫إذ هو كــافر‪ ،‬والطعن أن ينسب إليه مــاال يليق بــه‪ ،‬أو يعـترض باالســتخفاف على مـا هو من الــدين‪ ،‬ملا ثبت من الــدليل‬
‫القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه‪" )5(.‬‬
‫ويقـ ــول ابن أيب العز احلنفي‪:‬ـ ‪ " -‬إن اعتقد أن احلكم مبا أنـ ـ ــزل اهلل غري واجب‪ ،‬وأنه خمري فيـ ــه‪ ،‬أو اس ـ ــتهانـ به مع‬
‫تيقنهـ أنه حكم اهلل‪ ،‬فهذا كفر أكرب (‪" )1‬‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬‫َن‪33‬ز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬‫ُم ب‬ ‫ْك‬‫يح‬
‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬ ‫ومما قاله أبو السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعود (‪ )2‬عند تفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريه لقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} [املائدة‪ ،‬آية ‪-:]44‬‬ ‫ُون‬ ‫ِر‬‫َاف‬ ‫الك‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬
‫ف‬
‫" ومن مل حيكم مبا أنــزل اهلل كائنـاً من كــان دون املخــاطبني خاصــة‪ ،‬فــإهنم منــدرجون فيه انــدراجاً أوليـاً أي من مل‬
‫حيكم بذلك مستهيناً منكراً‪ ...‬فأولئك هم الكافرون الستهانتهم به‪” )3(.‬‬
‫ص‪322‬‬
‫(د) من سـ ـ ــاوى بني حكم اهلل تعـ ـ ــاىل وحكم الطـ ـ ــاغوت‪ ،‬واعتقد التماثل بينهمـ ـ ــا‪ ،‬فهـ ـ ــذا كفر ناقل عن املل ـ ــة‪ ،‬ملا‬
‫ء}‬ ‫ِ شَيٌْ‬ ‫ْل‬
‫ِه‬ ‫ِث‬ ‫َم‬‫ْسَ ك‬‫يقتض ـ ـ ــيه ذلك من تسـ ـ ـ ـ ــوية املخلـ ـ ـ ـ ــوق باخلالق واملناقضةـ واملعانـ ـ ـ ـ ــدةـ لقوله تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬لي‬
‫(‪)4‬‬
‫[الشورى‪ ،‬آية ‪]11‬‬
‫ولقوله عز وجل‪{ -:‬فَالَ جَتْ َعلُواْ لِلّ ِه أ َ‬
‫َنداداً َوأَنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن} [البقرة آية ‪]22‬‬
‫إن دعــوى املســاواة بني احلكم اإلهلي واحلكم الوضــعي تنقصـ للــرب جل جاللــه‪ ،‬وغلو وطغيــانـ يف أحكــام البشــر‪،‬‬
‫ْ هّلِل‬
‫ِ‬ ‫بوا‬ ‫ُِ‬ ‫ْر‬‫تض‬‫َالَ َ‬ ‫وش ــرك باهلل تعـ ــاىل‪ ،‬ملا يف ه ــذه املس ــاواة من اختاذ األنـ ــداد مع اهلل تعـ ــاىل‪ ،‬يق ــول‪ ،‬تع ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫َ} [النحل‪ ،‬آية ‪.]74‬‬ ‫ُون‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫تع‬ ‫ْ الَ َ‬ ‫ُم‬‫َنت‬ ‫َأ‬ ‫ُو‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫يع‬ ‫ََ‬‫ن هّللا‬ ‫لإ‬
‫َِّ‬ ‫َاَ‬
‫مث‬‫األَْ‬
‫يقـول ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ " - :‬أي ال جتعلــوا له أنــداداً وأشــباهاً وأمثــاالً‪ " ،‬إن اهلل يعلم وأنتم ال تعلمــون‬
‫(‪)5‬‬
‫" أي أنه يعلم ويشهد أنه ال إله إال هو‪ ،‬وأنتم جبهلكم تشركون به غريه‪.‬‬

‫(‪ )5‬تفسري القرطيب ‪ 8/82‬ج‬


‫(‪ )1‬شرح العقيدة الطحاوية ‪. 2/446‬‬
‫(‪ )2‬هو حممد بن حممد العمادي احلنفي ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬مفسر ‪ ،‬شاعر ‪ ،‬تقلد القضاء ‪ ،‬والفتيا يف تركيا ‪ ،‬له مصنفات كثرية ‪ ،‬تويف بالقسطنطينية سنة ‪982‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬شذرات الذهب ‪ ، 8/398‬البدر الطالع ‪. 1/361‬‬
‫(‪ )3‬تفسري أيب السعود ‪ ، 2/64‬وانظر ‪ :‬تفسري البيضاوي ‪ ، 1/276‬وحماسن التأويل للقامسيـ ‪. 6/215‬‬
‫(‪ )4‬انظر فتاوى حممد بن إبراهيم (رسالة حتكيم القوانني) ‪ ، 12/289‬ومقالة حتكيم الشريعة للقطان ‪ ،‬جملة البحوث ‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬ص ‪. 68‬‬
‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪. 2/559‬‬
‫‪52‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ب اللّـ ِـه} [البقــرة‪ ،‬آية ‪.]165‬‬ ‫ون اللّـ ِـه أَنـ َـداداً حُيِ بُّو َن ُه ْم َك ُح ِّ‬
‫َّخ ُذ ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫َّاس َمن َيت ِـ‬
‫{و ِم َن الن ِ‬
‫ويق ـول تبــارك وتعــاىل‪َ - :‬‬
‫فمن أحب من دون اهلل شـ ــيئاً‪ ،‬كما حيب اهلل تعـ ــاىل فهو ممن اختذ من دون اهلل أنـ ــداداً فهـ ــذا ند يف احملبـ ــة‪ ،‬ال يف اخللق‬
‫(‪)6‬‬
‫والربوبية‪،‬ـ فإن أحداً من أهل األرض مل يثبت هذا الند‪.‬‬
‫وإذا ك ــان األمر ك ــذلك فال أضل وال أس ــوأ ح ــاالً من ه ــؤالء ال ــذين س ــاروا بني حكم اهلل تع ــاىل ال ــذي ال معقب‬
‫حلكمه‪ ،‬وبني حكم البشر العاجزين القاصرين‪.‬‬
‫يق ــول ابن تيمي ــة‪ " -:‬من طلب أن يط ــاع مع اهلل‪ ،‬فه ــذا يريد من الن ــاس أن يتخ ــذوا من دون اهلل أن ــداداً حيب ــوهنم‬
‫كحب اهلل‪ ،‬واهلل سبحانه أمر أن ال يعبد إال إياه‪ ،‬وأن ال يكون الدين إال له‪" )1(.‬‬
‫َالل‬
‫ٍ‬ ‫ِي ض‬ ‫َّا َلف‬ ‫ُن‬‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫وأخرب تعـ ــاىل عن أهل النـ ــار أهنم يقول ـ ــون – وهم يف الن ـ ــار – آلهلتهم‪َ{ - :‬‬
‫تاهَّلل‬
‫َ} [الشعراء‪ ،‬آية ‪.]98 ،97‬‬ ‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬‫ِّ ْ‬ ‫َب‬ ‫ِر‬ ‫ُم ب‬ ‫ِّيك‬‫ُسَو‬ ‫ْن‬ ‫ِذ‬ ‫ِينٍ {‪ }97‬إ‬ ‫مب‬
‫ُّ‬
‫ص‪323‬‬
‫يقـ ــول ابن القيم عن ه ـ ــذه اآلي ـ ــة‪ " - :‬ومعل ـ ــوم أهنم ما س ـ ــووهم به س ـ ــبحانه يف اخللق وال ـ ــرزق واإلماتة واإلحيـ ــاء‬
‫وامللك والقدرة‪ ،‬وإمنا سووهم به يف احلب والتألهـ واخلضوع هلم والتذلل وهذا غاية اجلهل والظلم‪ ،‬فكيف يسوى من‬
‫خلق من تــراب بــرب األربــاب؟ وكيف يســوى العبيد مبالك الرقــاب؟ وكيف يســوي الفقري بالــذات الضــعيفـ بالــذات‪،‬‬
‫العــاجز بالــذات‪ ،‬احملتــاج بالــذات‪ ،‬الــذي ليس له من ذاته إال العــدم‪ ،‬بــالغين بالــذات‪ ،‬القــادر بالــذات الــذي غنــاه وقدرته‬
‫وملكه وجـوده وإحسـانه وعلمه ورمحته وكماله املطلق التـام من لـوازم ذاتـه؟ فـأي ظلم أقبح من هـذا؟ وأي حكم أشد‬
‫ج ــوراً من ــه؟ (‪ " )2‬ف ــإذا ك ــانت التس ــوية بني اهلل تع ــاىل وبني خلقه يف عب ــادة من العب ــادات يعترب ش ــركاً وتندي ــداً ين ــاقض‬
‫توحيد العبادة‪ ،‬فكيف مبن سوى حكم اهلل تعاىل حبكم البشر؟‬
‫وعلى كل فإن الرضا باهلل تعاىل رباً يوجب إفراد اهلل تعــاىل بــاحلكم واختصاصه تعــاىل بــاألمر – قــدراً أو شــرعاً –‬
‫ُ} [األعــراف‪ ،‬آية ‪ ،]54‬فــاحلكم بالطــاغوت ولو يف أقل‬ ‫مر‬ ‫َاألَْ‬ ‫ُو‬ ‫لق‬‫الخَْ‬ ‫ه ْ‬‫َالَ َلُ‬ ‫كما قال سبحانه‪{ - :‬أ‬
‫القليل ينايف هذا التوحيد‪ ،‬فما بالك مبن سوى حكم البشر باحلكم اإلهلي املنزل؟‬
‫(ه ـ ــ) أن جيوز احلكم مبا خيالف حكم اهلل ورس ـ ــوله‪ ،‬أو يعتقد أن احلكم مبا أن ـ ــزل اهلل تع ـ ــاىل غري واجب‪ ،‬وأنه خمري‬
‫فيــه‪ ،‬فهــذا كفر منــاقض لإلميان‪ ،‬لتجــويزه ما علم بالنصــوصـ الصــرحية القطعية حترميه‪ ،‬حيث مل يعتقد وجــوب إفــراد اهلل‬

‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬مدارج السالكني ‪ ، 3/20‬وطريق اهلجرتني ص ‪. 240 ، 239‬‬


‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪. 14/329‬‬
‫(‪ )2‬اجلواب الكايف ص ‪ ، 177‬وانظر مفتاح دار السعادة ‪ ، 2/20‬وطريق اهلجرتني ص ‪. 296‬‬
‫‪53‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫تعــاىل بــاحلكم‪ ،‬وهو إن مل يكن جاحــداً حلكم اهلل‪ ،‬لكن ما دام أنه ال يعتقد وجــوب احلكم مبا أنــزل اهلل تعــاىل وحــده‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وذلك بتجويز احلكم بغري ما أنزل اهلل تعاىل‪ ،‬فهذا كفر ناقل عن امللة‪.‬‬
‫‪ -‬يقول القرطيب‪ " - :‬إن حكم مبا عنده على أنه من عند اهلل تعاىل‪ ،‬فهو تبديل له يوجب الكفر‪" )4(.‬‬
‫ص‪324‬‬
‫ويوضح ابن تيمية هــذه املســألة قــائالً‪ " - :‬وال ريب أن من مل يعتقد وجــوب احلكم مبا أنــزل اهلل على رســوله فهو‬
‫ك ــافر‪ ،‬فمن اس ــتحل أن حيكم بني الن ــاس مبا ي ــراه ع ــدالً من غري اتب ــاعـ ملا أن ــزل اهلل فهو ك ــافر‪ ،‬فإنه ما من أمة إال وهي‬
‫تأمر باحلكم بالعدل‪ ،‬وقد يكونـ العدل يف دينها ما رآه أكابرهم‪ ،‬بل كثري من املنتسبني إىل اإلســالم حيكمــون بعــاداهتم‬
‫اليت مل ينزهلا اهلل كســواليف الباديــة‪ ،‬وكــأوامر املط ــاعني فيهم‪ ،‬وي ــرون أن ه ــذا هو الــذي ينبغيـ احلكم به دون الكتــاب‬
‫والسنة‪ ،‬وهذا هو الكفر‪.‬‬
‫فــإن كثــرياً من النــاس أسـلموا‪ ،‬ولكن مع هــذا ال حيكمــون إال بالعــادات اجلارية هلم اليت يـأمر هبا املطــاعون‪ ،‬فهــؤالء‬
‫إذا عرفوا أنه ال جيوز احلكم إال مبا أنزل اهلل‪ ،‬فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن حيكموا خبالف ما أنــزل اهلل فهم كفــار‪،‬‬
‫وإال كانوا جهاالً‪" )1(.‬‬
‫وبتأملـ هذا النص ملهم‪ ،‬يظهر لنا أن من جـوزوا احلكم بغري ما أنـزل اهلل تعـاىل‪ ،‬وقد عرفـوا ذلك فلم يلـتزموا‪ ،‬فـإن‬
‫(‪)2‬‬
‫هذا يعترب استحالالً وردة عن اإلسالم‪ ،‬ولو مل يتضمن تكذيباً‪.‬‬
‫ويقول أيضـاً‪ " - :‬ومن حكم مبا خيالف شـرع اهلل ورسـوله‪ ،‬وهو يعلم ذلـك‪ ،‬فهو من جنس التتـار الـذي يقـدمون‬
‫(‪)3‬‬
‫حكم الياسق على حكم اهلل ورسوله‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الصنف من جنس التتار‪ ،..‬فكذلك هم من جنس اليهـود عنـدما حكمـوا مبا خيالف حكم اهلل تعــاىل‬
‫وهم يعلمــون ذلــك‪ ،‬كما جــاء مبينـاً يف حــديث الــرباء بن عــازب رضي اهلل عنه حيث قــال‪ - :‬مُ ـّر على النيب صــلى اهلل‬
‫عليه وسلـم بيهودي حممماً (‪ )4‬جملوداً فدعاهم صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬هكــذا جتدون حد الـزاين يف كتـابكم؟ قـالوا‪:‬‬

‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬فتاوى حممد بن إبراهيم ‪ ، 280، 12/288‬وأض ـواء على ركن من التوحيد لعبد العزيز بن حامد ص ‪ ، 43‬وعمدة التفسري البن كثري‬
‫(تعليق حملمود شاكر) ‪ ، 4/158‬وفتاوى ابن باز ‪. 137 ، 1/275‬‬
‫(‪ )4‬تفسري القرطيب ‪ ، 6/191‬وانظر تفسري الطربي ‪. 6/146‬‬
‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية ‪. 5/130‬‬
‫(‪ )2‬انظر رسالة ضوابط التكفري ص ‪. 228‬‬
‫(‪ )3‬جمموعة الفتاوى ‪ ،35/407‬وانظر الفتاوى ‪. 28/524 ، 59 ، 27/58‬‬
‫(‪ )4‬أي مسوداً الوجه ‪ ،‬من احلممة ‪ :‬الفحمة ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫نعم فـ ــدعا رجالً من علمـ ــائهم‪ ،‬فقـ ــال‪ :‬أنشـ ــدك باهلل الـ ــذي أنـ ــزل التـ ــوارةـ على موسـ ــى‪ ،‬أهكـ ــذا جتدون حد الـ ــزاين يف‬
‫كتابكم؟ قال ال‪ ،‬ولوال أنك نشدتين هبذا مل أخربك‪ ،‬جنده الرجم‪ ،‬ولكن كثر يف أشرافنا‪ ،‬فكنا إذا‬
‫ص‪325‬‬
‫أخ ـ ــذنا الشـ ـ ــريف تركنـ ـ ــاه‪ ،‬وإذا أخـ ـ ــذنا الضـ ـ ــعيف أقمنا عليه احلد‪ ،‬قلنـ ـ ــا‪ :‬تعـ ـ ــالوا فلنجتمع على ش ـ ــيء نقيمه على‬
‫الشــريف والوضــيع‪ ،‬فجعلنا التحميم واجللد مكــان الــرجم‪ ،‬فقــال رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬اللهم إين أول‬
‫ن‬
‫ُوَ‬ ‫ِع‬ ‫يسَار‬ ‫َُ‬‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ُنكَ َّ‬ ‫ْز‬‫يح‬ ‫َالَ َ‬ ‫من أحيا أم ـ ـرك إذ أمـ ــاتوهـ " فـ ــأمر به فـ ــرجم‪ ،‬فـ ــأنزل اهلل عز وجل {و‬
‫ه} يقول أئتواـ حممــداً صــلى اهلل عليه وســلم‪،‬‬ ‫ُوُ‬ ‫َخُذ‬ ‫َا ف‬ ‫هـذ‬ ‫َْ‬‫ُم‬‫ِيت‬‫ُوت‬ ‫نأ‬ ‫ِْ‬ ‫ِ} إىل قوله {إ‬ ‫ْر‬ ‫ُف‬‫الك‬ ‫ِي ْ‬ ‫ف‬
‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬‫ََ‬ ‫ف ــإن أم ــركم بـ ــالتحميم واجللد فخـ ــذوه‪ ،‬وإن أفتـ ــاكم بـ ــالرجم فاحـ ــذروه‪ ،‬فـ ــأنزل اهلل تعـ ــاىل‪{ :‬و‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َا أنز‬ ‫ِم‬
‫ُم ب‬ ‫ْك‬‫يح‬ ‫َْ‬‫من َّلم‬ ‫ََ‬ ‫َ}‪{ ،‬و‬ ‫ُون‬ ‫ِر‬‫َاف‬ ‫الك‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬‫ُف‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬ ‫َنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬
‫ب‬
‫َ}‪{ ،‬ومن مل حيكم مبا أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل اهلل فأولئك هم الفاسـ ـ ـ ـ ـ ــقون} يف الكفـ ـ ـ ـ ــار‬
‫ُون‬ ‫َّاِ‬
‫لم‬ ‫ُ الظ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬
‫ف‬
‫(‪)5‬‬
‫كلها‪.‬‬
‫فمن ــاط الكفر – هاهنا – ما تلبس به ه ــؤالء اليه ــود من جتويز احلكم بغري ما أنـ ــزل اهلل وتب ــديل حكم اهلل تع ــاىل‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫فاليهود كفروا لتغيريهم حكم اهلل تعاىل‪ ،‬فجعلوا التحميم واجللد بدالً من الرجم‪ ،‬وهم يعلمون خطأهم‪.‬‬
‫ويق ــول ابن القيم – عن ه ــذه احلالة ‪ " - :-‬إن اعتقد أن احلكم مبا أنـ ــزل اهلل غري واجب‪ ،‬وأنـ ـه خمري فيه مع تيقنه‬
‫أنه حكم اهلل‪ ،‬فهذا كفر أكرب‪" )1(.‬‬
‫ويق ــول الش ــيخ حممد بن عبد الوه ــاب‪ " - :‬من اعتقد أن بعض الن ــاس يس ــعه اخلروج عن ش ــريعة حممد ص ــلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬كما وسع اخلضر اخلروج عن شريعة موسى عليه السالم فهو كافر‪" )2(.‬‬
‫وإضافة إىل ذلك فــإن جتويز احلكم مبا خيالف حكم اهلل تعــاىل هو قبــول للأحكــام والتكــاليف من غري اهلل تعــاىل ولو‬
‫ك ــان يف بعض ــها‪ ،‬أو اليسري منه ــا‪ ،...‬وه ــذا من ــاقض حلقيقة اإلس ــالم هلل وح ــده‪ ،‬فمن استس ــلم هلل تع ــاىل ولغ ــريه ك ــان‬
‫(‪)3‬‬
‫مشركاً‪ ،‬واالستسالم هلل وحده‪ ،‬يتضمن عبادته وحده‪ ،‬وطاعته وحده‪.‬‬
‫ص‪326‬‬

‫(‪ )5‬أخرجه مسلمـ ‪ ،‬ك احلدود (‪ )3/1327‬ح (‪ ، )1700‬وأمحد (‪. )4/286‬‬


‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬رسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪ ، 219‬وحد اإلسالم للشاذيل ص ‪. 382 ، 381‬‬
‫(‪ )1‬مدارج السالكني ‪ ، 1/337‬وشرح العقيدة الطحاوية البن أيب العز ‪. 2/446‬‬
‫(‪ )2‬جمموعة مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪. 1/387‬‬
‫(‪ )3‬انظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ 3/91‬وجمموع مؤلفات الشيخ حممد بن عبدالوهاب (التفسري) ‪. 4/344‬‬
‫‪55‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وتوضــيحاً لــذلك فنــورد ما ســطره األســتاذ حممد قطب من أمثلة يف جتويز احلكم مبا خيالف حكم اهلل تعــاىل‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪- :‬‬
‫" كيف نــزعم ألنفســنا أننا آمنا بأنه ال إله إال اهلل – أي ال معبــود (‪ )4‬إال اهلل‪ ،‬وال حــاكم إال اهلل – إذا كنا نقــول‬
‫– بلس ــان احلال أو بلس ــان املق ــال – إنك يا رب قد قلت إن الربا ح ــرام‪ ،‬أما حنن فنق ــول إنه م ــدار احلي ــاة الاقتص ــادية‬
‫املعاصــرة‪ ،‬وال يقــوم االقتصــاد إال بــه‪ ،‬ولــذلك فنحن نقــره ونتداولــه‪ ،‬وجنعله هو األصل يف تــداول املال! وإنك يا رب‬
‫قد قلت إن الزنا حــرام‪ ،‬وحــددت له عقوبةـ معينة يف كتابك املنزل‪ ،‬ويف ســنة رســولك صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬أما حنن‬
‫ف ــنرى أنه ليس هن ــاك جرمية تس ــتحق العق ــاب أص ـالً إذا مت األمر برضى الط ــرفني ومل تكن املرأة قاص ــراً‪ ،‬وإذا وقعت –‬
‫من وجهة نظرنا – جرمية فعقوبتهاـ عنــدنا أمر آخر غري ما قــررت! وإنك قد قلت يا رب إن عقوبةـ الســرقة قطع اليــد‪،‬‬
‫أما حنن فــنرى أن هــذه عقوبةـ وحشــية بربريــة‪ ،‬إمنا عقوبة الســرقة عنــدنا هي الســجن‪ ،‬وهي عقوبة مهذبة تليق بإنســان‬
‫القرن العشرين! (‪" )5‬‬
‫(و) من مل حيكم مبا أن ــزل اهلل تع ــاىل إب ــاء وامتناع ـاًـ فهو ك ــافر خ ــارج عن املل ــة‪ ،‬وإن مل جيحد أو يك ــذب حكم اهلل‬
‫تع ــاىل(‪ ،)6‬وإذا ك ــانت احلالة الس ــابقة جتويز وقب ــول احلكم بغري ما أن ــزل اهلل تع ــاىل‪ ،‬فه ــذه احلالة ال تع ــدو أن تك ــون يف‬
‫املقابل من تلك احلالة‪.‬‬
‫فمن املعلـ ـ ــوم – عند السـ ـ ــلف الصـ ـ ــاحل – أن اإلميان قـ ـ ــول وعمـ ـ ــل‪ ،‬وتصـ ـ ــديق وانقيـ ـ ــاد‪ ،‬فكما جيب على اخللق أن‬
‫يص ـ ــدقوا الرسل عليهم السـ ـ ــالم فيما أخـ ـ ــربوا‪ ،‬فعليهم أن يطيعـ ـ ــوهم فيما أمـ ـ ــروا‪ ،‬فال يتحقق اإلميان مع ت ـ ــرك االنقي ـ ــاد‬
‫والطاعة‪ ،‬قال تعاىل‪{ -:‬وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بــإذن اهلل} [النســاء‪ ،‬آية ‪ ،]64‬فاإلميان ليس جمرد التصــديق‬
‫– كما زعمت املرجئة ‪ ،-‬وإمنا هو التصديق املستلزم للطاعة‬
‫ص‪327‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واالنقياد‪.‬‬

‫(‪ )4‬يقصدـ ‪ :‬أي ال معبود حبق إال اهلل تعاىل ‪.‬‬


‫(‪ )5‬حول تطبيق الشريعة ص ‪21 ، 20‬‬
‫(‪ )6‬وهذه احلالة تعترب مثاالً على كفر اإلباء واالستكبار ‪ ،‬حيث يعد هذا الكفر هو الغالب على األمم الكافرة بالرسل عليهم السالم ‪ .‬انظر مدارج‬
‫السالكني ‪1/337‬‬
‫(‪ )1‬انظر كتاب الصالة البن القيم ص ‪54‬‬
‫‪56‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،-‬ومن مث ليس تك ــذيباً فحس ــب‪ ،‬بل قد يك ــون امتناع ـاًـ عن‬ ‫كما أن الكفر ع ــدم اإلميان – باتف ــاق املس ــلمني‬
‫اتبــاع الرســول مع العلم بصــدقه‪ ،)3( ...‬وقد يكــون هــذا الكفر إعراضـاً أو شــكاً‪ ،‬وعلى هــذا يكــون من تــرك احلكم مبا‬
‫أنزل اهلل إباءً ورداً فهو كافر مرتد‪ ،‬وإن كان مقراً هبذا احلكم‪ ،‬ألن اإلميان يقتضيـ وجوب االنقياد والطاعة واإلذعان‬
‫حلكم اهلل تعاىل ونوضح ذلك من خالل ما يلي‪- :‬‬
‫‪ -‬مما أورده ابن جرير رمحه اهلل عند شـ ـ ـ ــرحه حلديث الـ ـ ـ ــرباء بن عـ ـ ـ ــازب رضي اهلل عنـ ـ ـ ــه‪ :‬مر يب عمي احلارث بن‬
‫عم ــرو ومعه ل ــواء قد عق ــده له رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ ،‬ق ــال فس ــألته‪ ،‬ق ــال‪ :‬بعثين رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه‬
‫وسلم أن أضرب عنق رجل تزوج امرأة أبيه (‪" )4‬‬
‫حيث يقــول ابن جريــر‪ :- :‬فكــان فعله (أي نكاحه زوجة أبيــه) من أدل الــدليل على تكذيبه رســول اهلل صــلى اهلل‬
‫عليه وسلم فيما أتاه عن اهلل تعاىل ذكره‪ ،‬وجحوده آية حمكمة يف تنزيلـه‪ ...‬فكـان بـذلك من فعله حكم القتل وضـرب‬
‫العنــق‪ ،‬فلـذلك أم ـر رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم بقتله وضــرب عنق ـه؛ ألن ذلك كــان ســنته يف املرتد عن اإلســالم‪.‬ـ‬
‫(‪" )5‬‬
‫ومما قاله الطحاوي يف شرح هذا احلديث‪" - :‬إن ذلك املتزوج فعل ما فعل على االستحالل‪ ،‬كما كــانوا يفعلــون‬
‫يف اجلاهلية‪ ،‬فصار بذلك مرتداً‪،‬فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل باملرتد‪" )6( .‬‬
‫فتأمل – رمحك اهلل – نص هذا احلديث وما قرره ابن جرير والطحاوي‪ ...‬عنــدما بينا أن اجلحــود أو االســتحالل‬
‫قد يظهر يف عمل من الأعمال‪ ..‬وهذا‬
‫ص‪328‬‬
‫(‪)7‬‬
‫كفر رد وإباء‪ ،‬فليس اجلحود أو االستحالل (القلبي) واقعاً بنطق اللسان فقط‪.‬‬
‫حىت قال حممد رشيد رضا‪ " - :‬إن حقيقة اجلحد هو إنكار احلق بالفعل‪" )1( .‬‬

‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪20/86‬‬


‫(‪ )3‬انظر السنة لعبداهلل بن أمحد بن حنبل ‪ ، 348, 1/347‬درء تعارض النقل والعقل ‪. 1/242‬‬
‫(‪ )4‬سبق خترجيه ص ‪251‬‬
‫(‪ )5‬هتذيب اآلثار ‪ 2/148‬وانظر الفتاوى البن تيمية ‪20/91‬‬
‫(‪ )6‬شرح معاين اآلثار ‪3/149‬‬
‫(‪ )7‬قارن ما سبق ذكره ‪ ..‬مبا تراه واقعاً مشاهداً يف جمتمعات املسلمني ‪ ،‬عندما "جوزت" تلك األنظمة احلاكمة يف بالد املسلمني أوكار الربا والزنا‬
‫واخلمر وحنوها من احملرمات الظاهرة ‪ ،‬ومنحت الرتاخيص لتلك املوبقات ‪ ،‬بل "فرضت" تلك احملرمات القطعية ‪ ،‬وقامت على رعايتها ومحايتها ‪،‬‬
‫ليس هذا فحسب ‪ ،‬بل و"سوغت" تلك األنظمة مواالة الكفار باسم املصاحل املشرتكة والتعايش السلمي " ‪ ..‬واهلل املستعان ‪.‬‬
‫(‪ )1‬جملة املنار جملد ‪ ، 25‬جزء ‪ ، 1‬ص ‪21‬‬
‫‪57‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقـ ــول ابن حـ ــزم بعبـ ــارة شـ ــاملة‪ " - :‬كل من خـ ــرج إىل الكفر بوجه من الوجـ ــوه‪ ،‬فالبد من أن يكـ ــون مكـ ــذباً‬
‫بشـ ــيء مما ال يصح اإلسـ ــالمـ إال بـ ــه‪ ،‬أو رد أمـ ــراً من أمـ ــور اهلل عز وجل ال يصح اإلسـ ــالمـ إال به فهو مكـ ــذب بـ ــذلك‬
‫الشيء الذي رده أو كذب به‪" )2( ..‬‬

‫إض ــافة إىل ذلك ف ــإن من رد وامتنع عن قب ــول حكم اهلل تع ــاىل فهو ك ــافر باإلمجاع‪ ،‬وإن ك ــان مق ــراً هبذا احلكم‪،‬‬
‫يقــول إســحاق بن راهويـه‪ " - :‬وقد أمجع العلمــاء على أن من دفع شــيئاً أنزله اهلل‪ ..‬وهو مع ذلك مقر مبا أنــزل اهلل أنه‬
‫كافر (‪" )3‬‬
‫ُوكَ‬ ‫ِّم‬
‫َك‬‫يح‬‫َّىَ ُ‬‫َت‬ ‫نح‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬
‫ْم‬‫يؤ‬ ‫بكَ الَ ُ‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫َالَ و‬ ‫يقـ ـ ـ ـ ــول اجلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص (‪ )4‬يف تفسري قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫ْت‬
‫َ‬ ‫َض‪33‬ي‬‫َّا ق َ‬ ‫مم‬‫ًا ِّ‬ ‫َج‬ ‫َر‬‫ْح‬‫ِم‬ ‫س‪33‬ه‬ ‫ُِ‬‫َنف‬ ‫ِي أ‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫يجِ‪ُ33‬‬ ‫َّ الَ َ‬ ‫ثم‬ ‫ُْ‬‫هم‬ ‫َُ‬‫ْن‬‫بي‬ ‫ََ‬ ‫َر‬ ‫ش‪33‬ج‬ ‫َا َ‬ ‫ِيم‬ ‫ف‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪- :]65‬‬ ‫ِيم‬ ‫تسْل‬ ‫َْ‬ ‫ُوا‬ ‫لم‬‫يسَِّ‬ ‫و‬
‫َُ‬
‫" ويف هذه اآلية داللة على أن من ردّ شيئاً من أوامر اهلل تعاىل‪ ،‬أو أوامر رسوله صلى اهلل عليه وســلم فهو خــارج‬
‫من خارج من اإلسالم‪،‬ـ سواء رده من جهة الشك فيه‪ ،‬أو من جهة ترك القبول واالمتناع من التسليم‪" )5(...‬‬
‫ص‪329‬‬
‫كما يق ــرر ابن تيمية اتف ــاق العلم ــاء على وج ــوب قت ــال الطائفة املمتنعة عن ش ــريعة من ش ــرائع اإلس ــالمـ الظ ــاهرة‬
‫املتواترة‪ ،‬وإن كانت مقرة بتلك الشريعة‪ ،‬فيقول‪-:‬‬
‫" كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع اإلسالم الظاهرة املتـواترة‪...‬ـ فإنه جيب قتـاهلم حىت يلـتزموا شـرائعه‪،‬‬
‫وإن ك ــانوا مع ذلك ن ــاطقني بالش ــهادتني‪ ،‬ومل ــتزمني بعض ش ــرائعه‪ ،‬كما قاتل أبو بكر الص ــديق والص ــحابة رضي اهلل‬
‫(‪)6‬‬
‫عنهم مانعي الزكاة‪ ...‬فاتفق الصحابة رضي اهلل عنهم على القتال على حقوق اإلسالم عمالً بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪-‬إىل أن قـ ـ ــال ‪ " - :-‬فأميا طائفة امتنعت من بعض الصـ ـ ــلوات املفروض ـ ــات‪ ،‬أو الصـ ـ ــيام‪ ،‬أو احلج‪ ،‬أو عن الـ ــتزام‬
‫حترمي الــدماء‪ ،‬واألمــوال واخلمــر‪ ،‬والزنــا‪ ،‬وامليســر‪ ،‬أو عن نكــاح ذوات احملارم‪ ،‬أو عن الــتزام جهــاد الكفــار‪ ،‬أو ضــرب‬

‫(‪ )2‬الفصل ‪3/266‬‬


‫(‪ )3‬التمهيد البن عبد الرب = ‪ = 4/226‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو بكر أمحد بن علي الرازي احلنفي ‪ ،‬فقيه جمتهد ‪ ،‬استوطن بغداد ‪ ،‬رفض القضاء ‪ ،‬صاحب تعبد وزهد ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة ‪ 370‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 16/340‬شذرات الذهب ‪. 3/71‬‬
‫(‪ )5‬أحكام القرآن للجصاص ‪. 214 ، 2/213‬‬
‫(‪ )6‬جمموع الفتاوي ‪. 28/502‬‬
‫‪58‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫اجلزية على أهل الكتاب‪ ،‬وغري ذلك من واجبات الــدين وحمرماته اليت ال عــذر ألحد يف جحودها وتركهــا‪ ،‬اليت يكفر‬
‫اجلاحد لوجوهبا‪ ،‬فإن الطائفة املمتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة هبا‪ ،‬وهذا مما ال أعلم فيه خالفاً بني العلماء‪" )1(.‬‬
‫ويفصل ابن تيمية هــذه املســألةـ تفصــيالًـ شــافياً عنــدما بني أن من أىب وامتنع عن حكم اهلل تعــاىل – وإن كــان مقــراً‬
‫هبذا احلكم – فهو أشد كفراً ممن جحد هذا احلكم‪ ،‬فيقول‪-:‬‬
‫" إن العبد إذا فعل ال ـ ــذنب مع اعتقـ ـ ــاد أن اهلل حرمه عليـ ـ ــه‪ ،‬واعتقـ ـ ــاد انقي ـ ــاده هلل فيما حرمه وأوجبـ ــه‪ ،‬فهـ ــذا ليس‬
‫بكافر‪ ،‬فأما إن اعتقد أن اهلل مل حيرمه‪ ،‬أو أنه حرمه‪ ،‬لكن امتنع من قبول هذا التحـرمي‪ ،‬وأىب أن يـذعن هلل وينقـاد‪ ،‬فهو‬
‫إما جاحد أو معان ــد‪ ،‬وهلذا ق ــالوا‪ :‬من عصى اهلل مس ــتكرباً ك ــإبليس كفر بالاتف ــاق‪ ،‬ومن عصى مش ــتهياً مل يكفر عند‬
‫أهل الس ــنة واجلماع ــة‪ ،‬وإمنا يكف ــره اخلوارج‪ ،‬ف ــإن العاصي املس ــتكرب وإن ك ــان مص ــدقاً ب ــأنـ اهلل رب ــه‪ ،‬ف ــإن معاندته له‬
‫وحمادته تن ــايف هـ ــذا التصـ ــديق‪ ،‬وبيـ ــان هـ ــذا أن من فعل احملارم مسـ ــتحالً فهو كـ ــافر باالتفـ ــاق‪ ،‬فإنه ما آمن ب ــالقرآن من‬
‫اســتحل حمارمــه‪ ،‬وكــذلك لو اســتحلها من غري فعــل‪ ،‬واالســتحالل اعتقــاد أن اهلل مل حيرمهــا‪ ،‬وتــارة بعــدم اعتقــاد أن اهلل‬
‫حرمها‪ ،‬وهذا يكونـ خللل يف‬
‫ص‪330‬‬
‫اإلميان بالربوبي ـ ــة‪ ،‬وخللل يف اإلميان بالرس ـ ــالة‪ ،‬ويك ـ ــون جح ـ ــداً حمض ـ ـاً غري مبين على مقدم ـ ــة‪ ،‬وت ـ ــارة يعلم أن اهلل‬
‫حرمهــا‪ ،‬ويعلم أن الرســول إمنا حــرم ما حرمه اهلل‪ ،‬مث ميتنع عن الــتزام هــذا التحــرمي‪ ،‬ويعاند احملرم‪ ،‬فهــذا أشد كفــراً ممن‬
‫قبله‪ ،‬وقد يكونـ هـذا مع علمه أن من مل يلـتزم هـذا التحـرمي عاقبه اهلل وعذبـه‪ ،‬مث إن هـذا االمتنـاع واإلبـاء‪ ،‬إما خللل يف‬
‫اعتقاد حكمة اآلمر وقدرته‪ ،‬فيعود هذا إىل عــدم التصــديق بصــفة من صــفاته‪ ،‬وقد يكــون مع العلم جبميع ما يصــدق به‬
‫مترداً أو اتباعاًـ لغرض النفس‪ ،‬وحقيقته كفر‪ ،‬هذا ألنه يعرتف هلل ورسوله بكل ما أخرب به ويصدق بكل ما يصــدق به‬
‫املؤمنـ ــون‪،‬ـ لكنه يك ـ ــره ذلك ويبغضه ويس ـ ــخطه لع ـ ــدم موافقته ملراده ومش ـ ــتهاه‪ ،‬ويق ـ ــول‪ :‬أنا ال أقر بـ ــذلك‪ ،‬وال ألتزمه‬
‫وأبغضـ هــذا احلق وأنفر منــه‪ ،‬فهــذا نــوع غري النــوعـ األول‪ ،‬وتكفري هــذا معلــوم باالضــطرار من دين اإلســالم‪،‬ـ والقــرآن‬
‫مملوء من تكفري مثل هذا النوع‪.‬ـ(‪" )2‬‬
‫َال‬
‫ِنٍ و‬
‫ْم‬‫ُؤ‬
‫لم‬‫نِ‬
‫َاَ‬‫ما ك‬ ‫وتأكيــداً ملا قــرر ابن تيميــة‪ ،‬نــورد ما قاله النســفيـ يف تفســريه لقوله تعــاىل‪{ - :‬و‬
‫ََ‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬ ‫َْ‬
‫م‪ 3‬ر‬ ‫ِن‬
‫ْأ‬ ‫ةم‬
‫َُ‬‫َر‬‫الخِي‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ن َلُ‬ ‫ُوَ‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ًا أ‬ ‫مر‬ ‫َْ‬ ‫هأ‬ ‫ولُ‬ ‫َسُ ُ‬ ‫َر‬
‫ُو‬ ‫َض‬
‫َى هَّللا‬ ‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫ٍإ‬ ‫َة‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫مؤ‬‫ُ‬
‫ًا} [األحزاب‪ ،‬آية ‪- :]36‬‬ ‫ِين‬ ‫مب‬ ‫َالالً ُّ‬‫َّ ض‬‫َل‬ ‫دض‬ ‫َْ‬‫َق‬ ‫هف‬ ‫ولُ‬ ‫َسُ َ‬ ‫َر‬‫َو‬ ‫ص هَّللا‬
‫ِْ‬‫يع‬ ‫من َ‬ ‫و‬
‫ََ‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوي ‪ 28/502‬وانظر الفتاوى ‪. 28/519‬‬


‫(‪ )2‬الصارمـ املسلول ص ‪ ، 522 ، 521‬وانظر جمموع الفتاوي ‪. 20/97‬‬
‫‪59‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" ف ــإن ك ــان العص ــيان عص ــيانـ رد وامتن ــاعـ عن القب ــول فهو ض ــالل كف ــر‪ ،‬وإن ك ــان عص ــيان فعل مع قب ــول األمر‬
‫واعتقاد الوجوب فهو ضالل خطأ وفسق‪" )3(.‬‬
‫ومما ميكن إحلاقه باإلباء والامتناع‪ :‬اإلعراض والصدود عن حكم اهلل تعاىل‪ ،‬ونوضح ذلك مبا يلي‪- :‬‬
‫ل‬
‫َِ‬‫ُنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫من‬‫ْ آَ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫ََّ‬‫نأ‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬
‫ْع‬ ‫يز‬
‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬‫يقـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬أ‬
‫ُوتِ‬ ‫َّاغ‬ ‫َِلى الط‬ ‫ْإ‬‫ُوا‬ ‫َم‬ ‫‪3‬اك‬ ‫َ‪3‬‬ ‫َح‬ ‫يت‬‫َن َ‬ ‫نأ‬‫دوَ‬ ‫ِي ‪ُ3‬‬ ‫ير‬ ‫ِكَ ُ‬
‫ْل‬ ‫َب‬‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫ْكَ و‬ ‫َِلي‬ ‫إ‬
‫دا‬ ‫ِيً‬ ‫بع‬ ‫َالَالً َ‬
‫ْض‬ ‫هم‬ ‫يضَّ‬
‫ِلُ‬ ‫َن ُ‬ ‫نأ‬ ‫َاُ‬ ‫ْط‬‫د الشَّي‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫ِو‬
‫َُ‬ ‫ِه‬‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ُر‬ ‫ْف‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬‫دأ‬ ‫َْ‬ ‫َق‬‫و‬
‫يت‬
‫َ‬ ‫َْ‬‫َأ‬‫ِر‬ ‫س‪33‬ول‬ ‫َِلى الر‬
‫َّ ُ‬ ‫َإ‬‫ُو‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫ْا‬ ‫َ َ‬
‫الو‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫َ َلُ‬ ‫ِيل‬‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫{‪}60‬و‬
‫دا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]61 ،60‬‬ ‫دوً‬ ‫َنكَ ص‬
‫ُُ‬ ‫نع‬ ‫دوَ‬ ‫يص‬
‫ُُّ‬ ‫ََ‬‫ِين‬ ‫ِق‬ ‫َاف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬ ‫ْ‬
‫يق ــول ابن تيمي ــة‪ " - :‬بني س ــبحانه أن من ُدعي إىل التح ــاكم إىل كت ــاب اهلل وإىل رس ــوله فصد عن رس ــوله ك ــان‬
‫(‪)1‬‬
‫منافقاً‪ ،‬وليس مبؤمن‪ ...‬فالنفاق يثبت ويزول اإلميان مبجرد اإلعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إىل غريه‪.‬‬
‫ص‪331‬‬
‫ويق ــول ابن القيم‪ " - :‬فجعل اإلع ــراض عما ج ــاء به الرس ــول‪ ،‬وااللتفـ ــات إىل غـ ــريه هو حقيقة النف ــاق‪،‬ـ كما أن‬
‫حقيقة اإلميان هو حتكيمه وارتفــاع احلرج عن الصــدور حبكمــه‪ ،‬والتســليم ملا حكم رضىً واختيــاراً وحمبــة‪ ،‬فهــذا حقيقة‬
‫اإلميان‪ ،‬وذلك اإلعراض حقيقة النفاق‪.‬ـ(‪" )2‬‬
‫ول فـِإن َت َولَّْواْ فَـِإ َّن اللّــهَ الَ حُيِ ُّب الْ َـكـافِ ِر َين}‬
‫الر ُس ـ َ‬ ‫ويقــول البيضــاوي يف تفســريه لقوله تعــاىل‪{ - :‬قُــل أ ِ‬
‫َطيعُــواْـ اللّــهَ َو َّ‬ ‫ْ‬
‫[آل عم ــران‪ ،‬آية ‪ " - :]32‬وإمنا مل يقل ال حيبهم لقصد العم ــوم‪ ،‬والداللة على أن الت ــويل كف ــر‪ ،‬وأنه من ه ــذه احليثيةـ‬
‫ينفيـ حمبة اهلل‪ ،‬وأن حمبته خمصوصة باملؤمنني‪" )3(.‬‬
‫ها‬ ‫َن‬
‫َْ‬ ‫َع‬‫دف‬ ‫َص‬
‫ََ‬ ‫ِو‬‫ياتِ هّللا‬‫ِآَ‬
‫َب‬ ‫َّن كَّ‬
‫َذب‬ ‫ِم‬ ‫ُم‬
‫لم‬ ‫َظ‬
‫َْ‬ ‫ْأ‬
‫َن‬‫َم‬‫ويق ـ ــول ابن تيمية عند قوله تع ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫ْ‬
‫ُوا‬‫‪3‬ان‬‫َ‪3‬‬‫َا ك‬‫ِم‬
‫َابِ ب‬ ‫َ‪3‬ذ‬‫الع‬
‫ء ْ‬‫َا سُ‪3‬وَ‬‫ِن‬‫يات‬‫ْ آَ‬
‫َن‬‫نع‬‫ُوَ‬‫ِف‬‫ْ‪3‬د‬ ‫يص‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ِي َّ‬ ‫ْز‬‫َج‬ ‫سَ‪3‬ن‬
‫ن} [األنعام‪ ،‬آية ‪-:]157‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِف‬ ‫ْد‬‫يص‬
‫َ‬

‫(‪ )3‬تفسري النسفي (ضمن كتاب جمموعة من التفاسري) ‪. 4/119‬‬


‫(‪ )1‬الصارمـ املسلول ص ‪ = 33‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬خمتصر الصواعق املرسلة ‪. 2/353‬‬
‫(‪ )3‬تفسري البيضاوي ‪ ، 1/156‬وانظر تفسري ابن كثري ‪. 1/338‬‬
‫‪60‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" ف ــذكر س ــبحانه أنه جيزي الص ــادف (‪ )4‬عن آياته مطلقـ ـاً – س ــواء ك ــان مك ــذباً أو مل يكن – س ــوء الع ــذاب مبا‬
‫كانوا يصـدفون‪ ،‬يـبني ذلك أن كل من مل يقر مبا جـاء به الرسـول فهو كـافر‪ ،‬سـواء اعتقد كذبه أو اسـتكرب عن اإلميان‬
‫به‪ ،‬أو أعرض عنه اتباعاً ملا يهواه‪،‬ـ أو ارتاب فيما جاء به‪ ،‬فكل مكذب مبا جاء به فهو كافر‪" )5( .‬‬
‫(ز) من ضمن احلاالت اليت يكون احلكم بغري ما أنزل اهلل تعاىل كفراً‪ ،‬ما قاله الشيخ حممد بن إبراهيم‪- :‬‬
‫" وهو أعظمها وأمشلها وأظهرها معاندة للشرع (‪ )6‬ومكابرة ألحكامه‪،‬‬
‫ص‪332‬‬
‫ومش ــاقة هلل ورســوله‪ ،‬ومضــاهاةـ باحملاكم الش ــرعية إعــداداً وإم ــداداً وإرصــاداً وتأصــيالًـ وتفريع ـاً وتشــكيالًـ وتنويع ـاًـ‬
‫وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات‪.‬‬
‫فكما أن للمحــاكم الشــرعية مراجع مســتمدات مرجعها كلها إىل كتــاب اهلل وســنة رســوله صــلى اهلل عليه وســلم‪،‬‬
‫فله ــذه احملاكم مراجع هي الق ــانونـ امللفق من ش ــرائع ش ــىت‪ ،‬وق ــوانني كث ــرية كالق ــانونـ الفرنس ــي‪ ،‬والق ــانونـ األم ــريكي‪،‬ـ‬
‫والقانون الربيطاين‪ ،‬وغريها من القوانني‪،‬ـ ومن مذاهب بعض البدعيني املنتسبني إىل الشريعة‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫فهذه احملاكم اآلن يف كثري من أمصار اإلسالم مهيأة مكملة‪ ،‬مفتوحة األبــواب‪ ،‬والنــاس إليها أســراب إثر أســراب‪،‬‬
‫حيكم حكامها بينهم مبا خيالف حكم الســنة والكتــاب‪ ،‬من أحكــام ذلك القــانون‪،‬ـ وتلــزمهم بــه‪ ،‬وتقــرهم عليــه‪ ،‬وحتتمه‬
‫عليهم‪ ،‬فأي كفر فوق هذا الكفر‪ ،‬وأي مناقضة لشهادة أن حممداً رسول اهلل بعد هذه املناقضة؟(‪" )1‬‬
‫ومما يلحق هبذه احلالة – ما قاله الشيخ حممد بن إبراهيم – أيضاً‪-:‬‬
‫" ما حيكم به كثري من رؤس ــاء العش ــائر والقبائلـ من الب ــوادي وحنوهم من حكاي ــات آب ــائهم وأج ــدادهم وع ــاداهتم‬
‫اليت يس ــموهنا " س ــلموهم " يتوارث ــونـ ذلك فيهم‪ ،‬وحيكم ــون ب ــه‪ ،‬وحيمل ــون على التح ــاكم إليه عند ال ــنزاع بق ــاء على‬
‫أحكام اجلاهلية‪ ،‬وإعراضاً ورغبة عن حكم اهلل ورسوله‪" )2(.‬‬

‫(‪ )4‬صدف عنه ‪ :‬أي أعرض إعراضاً شديداً ‪،‬‬


‫انظر ‪ :‬مفردات األصفهاين ص ‪. 408‬‬
‫(‪ )5‬درء تعارض العقل والنقل ‪. 1/56‬‬
‫(‪ )6‬قول الشيخ رمحه اهلل عن اختاذ تلك احملاكم الوضعية ‪ " ..‬وهو أعظمها وأمشلها وأظهرها معاندة للشرع ‪ " ..‬وذلك ملا يتضمنه إنشاء حماكم غري‬
‫شرعية من األضرار املتعدية ‪ ،‬والشرور العامة ‪ ،‬واالحنرافات الشاملة ‪ ،‬واليت غلبت على املسلمني بسبب إقامة تلك احملاكم القانونية ‪ ،‬إضافة إىل ذلك‬
‫فإن اختاذ تلك احملاكم اجلاهلية قد يوقع يف أكثر من ناقض من نواقض اإلميان من تلك احلاالت اليت سبق ذكرها ‪ ،‬ومن مث كانت هذه احلالة أمشل‬
‫وأعظم من قبلها ‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتاوى حممد بن إبراهيم " رسالة حتكيم القوانني " ‪. 290 ، 12/289‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪ ، 291 ، 12/290‬وانظر ‪ ، 292 ، 281 ، 280 /12‬والدرر السنية ‪. 275 – 271 ، 8/241‬‬
‫‪61‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ح) من خالل عـ ــرض احلاالت السـ ــابقة املوجبة للـ ــردة‪ ،‬يظهر حكم املشـ ــرع – كما يف احلالة األوىل – واحلاكم‬
‫بغري ما أنزل اهلل – كما يف بقية احلاالت – ويبقىـ موضوع احملكوم بتلك القــوانني الطاغوتيــة‪،‬ـ فــإن كفــره متعلق بقبوله‬
‫لغري شريعة اهلل‪ ،‬ورضاه هبا‪ ،‬إضافة إىل ذلك فـإن متابعة هـذا احملكـومـ وقبوله لغري الشـريعة من خالل حتاكمه إىل غري ما‬
‫أنزل اهلل تعاىل‪ ،‬ال خيلو من امتناعـ عن قبول حكم اهلل وحده‪ ،‬أو جتويز للحكم بالطـاغوت‪ ،‬وقد أمـروا أن يكفـروا بـه‪،‬‬
‫أو تفضيل حلكم الطاغوت على حكم اهلل تعاىل‪ ،‬أو التسوية بينهما‪...‬‬
‫ص‪333‬‬
‫ل‬
‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫ْ آَ‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫ََّ‬
‫نأ‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬‫ْع‬‫يز‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬‫َْ‬‫ََلم‬‫يقول اهلل تعاىل‪{ - :‬أ‬
‫ُوتِ‬ ‫َّاغ‬‫َِلى الط‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫َم‬‫‪3‬اك‬ ‫َ‪3‬‬ ‫َح‬ ‫يت‬‫َن َ‬ ‫نأ‬ ‫دوَ‬ ‫ِي ‪ُ3‬‬ ‫ير‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫ْل‬ ‫َب‬ ‫ِن ق‬‫لم‬ ‫َِ‬‫ُنز‬
‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ْكَ و‬ ‫َِلي‬‫إ‬
‫دا‬ ‫ِيً‬ ‫بع‬ ‫َالَالً َ‬
‫ْض‬ ‫هم‬ ‫ِلُ‬ ‫يضَّ‬ ‫َن ُ‬ ‫نأ‬ ‫َاُ‬ ‫ْط‬‫د الشَّي‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫َُ‬‫ِو‬ ‫ِه‬‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ُر‬‫ْف‬ ‫َن َ‬
‫يك‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬ ‫دأ‬ ‫َْ‬‫َق‬‫و‬
‫يت‬
‫َ‬ ‫َْ‬‫َأ‬‫ِر‬ ‫س‪33‬ول‬ ‫َِلى الر‬
‫َّ ُ‬ ‫َإ‬‫ُو‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫ْا‬‫الو‬‫َ َ‬ ‫تع‬ ‫َْ‬‫هم‬‫َ َلُ‬
‫ِيل‬‫َا ق‬ ‫ِذ‬‫َإ‬ ‫{‪}60‬و‬
‫دا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]61 ،60‬‬ ‫دوً‬ ‫ُُ‬‫َنكَ ص‬ ‫نع‬‫دوَ‬ ‫يص‬
‫ُُّ‬ ‫ِين‬
‫ََ‬ ‫ِق‬‫َاف‬ ‫ُن‬‫الم‬‫ْ‬
‫ومما قاله أبو الســعود يف تفسري هــذه اآليــة‪ " - :‬التعجيب واالســتقباح على ذكر إرادة التحــاكم {إىل الطــاغوت}‬
‫دون نفسه (أي التح ــاكم) للتنبيهـ على أن إرادته مما يقضـ ـي منه العجب‪ ،‬وال ينبغي أن ي ــدخل حتت الوق ــوع فما ظنك‬
‫بنفسه؟(‪" )3‬‬
‫كما دلت اآلية على أن إرادة التحاكم إىل الطاغوت إميان هبذا الطاغوت‪ ،‬ومن مث فهو كفر باهلل تعــاىل‪ ،‬حيث إن‬
‫وت‬‫اهلل تع ــاىل قد ف ــرض على عب ــاده الكفر بالط ــاغوت‪ ،‬واإلميان به تع ــاىل‪ ،‬حيث ق ــال س ــبحانه‪{ - :‬فَمن ي ْك ُفــر بِالطَّاغُ ِ‬
‫َْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك بِالْعُ ْر َوة الْ ُو ْث َق َـى الَ انف َ‬
‫ص َـام هَلَا} [البقرة‪ ،‬آية ‪.]256‬‬ ‫َويُ ْؤمن بِاللّه َف َقد ْ‬
‫استَ ْم َس َ‬
‫دونِ هّللا‬
‫ِ‬ ‫من ُ‬ ‫با ِّ‬ ‫باً‬ ‫َر‬
‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫هب‬
‫ُْ‬‫َر‬‫ْو‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫َار‬ ‫ْب‬ ‫َح‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫اتخَذ‬ ‫ويقـ ـ ـ ـ ــول عز وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪َّ { - :‬‬
‫دا الَّ‬ ‫َاحِ‪ً3‬‬ ‫ها و‬ ‫َِلـً‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْب‬
‫َع‬‫لي‬ ‫ِالَّ ِ‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬‫ُم‬‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫َو‬ ‫يم‬ ‫َْ‬ ‫مر‬ ‫ََ‬ ‫بن‬ ‫َ اْ‬ ‫ِيح‬ ‫َس‬ ‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫و‬
‫َ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]31‬‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬ ‫يشْر‬ ‫َّا ُ‬ ‫َم‬ ‫هع‬ ‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫ْح‬ ‫َ سُب‬ ‫هو‬ ‫ِالَّ ُ‬‫هإ‬ ‫َِلـَ‬ ‫إ‬
‫يقول ابن تيمية – يف معىن هذه اآلية ‪-:-‬‬
‫" هؤالء الذين اختذوا أحبــارهم ورهبـاهنم أربابـاً من دون اهلل حيث أطــاعوهم يف حتليل ما حـرم اهلل وحترمي ما أحل‬
‫اهلل يكونون على وجهني‪- :‬‬
‫أح ــدمها‪ - :‬أن يعلم ــوا أهنم ب ــدلوا دين اهلل‪ ،‬فيتبع ــوهنم على التب ــديل‪ ،‬فيعتق ــدون حتليل ما ح ــرم اهلل‪ ،‬وحترمي ما أحل‬
‫اهلل(‪ )1‬اتباعـ ـاًـ لرؤسـ ــائهم‪ ،‬مع علمهم أهنم خـ ــالفوا دين الرسـ ــل‪ ،‬فهـ ــذا كفـ ــر‪ ،‬وقد جعله اهلل ورسـ ــوله ش ــركاً – وإن مل‬
‫(‪ )3‬تفسري أيب السعود ‪. 1/724‬‬
‫(‪ )1‬مما جيدر التنبيه عليه هاهنا ‪ :‬أن هذا االستحالل أو اجلحود ليس تكذيباً باللسان فقط – كما هو عند املرجئة – فإن هذا االستحالل أو اجلحود‬
‫يعترب يف حد ذاته كفراً ‪ ،‬وإن مل يكن هناك متابعة أو طاعة ألولئك األرباب ‪ ،‬ومناط الكفر – هاهنا – هو القبول واملتابعة يف هذا التبديل ‪...‬‬
‫‪62‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يكونوا يصـلون هلم ويسـجدون هلم – فكـان من اتبع غـريه يف خالف الـدين مع علمه أنه خالف الـدين واعتقدـ ما قاله‬
‫ذلك‪ ،‬دون ما قاله اهلل ورسوله مشركاً مثل هؤالء‪.‬‬
‫ص‪334‬‬
‫والثــاين‪ - :‬أن يكــونـ اعتقــادهم وإمياهنم بتحــرمي احلالل وحتليل احلرام ثابت ـاً‪ ،‬لكنهم أطــاعوهمـ يف معصــية اهلل‪ ،‬كما‬
‫يفعل املسـ ــلم ما يفعله من املعاصيـ اليت يعتقد أهنا مع ـ ــاص‪ ،‬فه ـ ــؤالء هلم حكم أمث ـ ــاهلم من أهل الـ ــذنوب‪ ،‬كما ثبت يف‬
‫"الصحيح" عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ " - :‬إمنا الطاعة يف املعروف " (‪" )3(" )2‬‬
‫وأمر آخر وهو أن احملكــومـ بتلك القــوانني راضــياً هبا فهو كــافر‪ ،‬ألن الراضي بــالكفر كفاعله يــدل على ذلك قوله‬
‫تعاىل‪- :‬‬
‫{وقد نـ ــزل عليكم يف الكتـ ــاب أن إذا مسعتم آيـ ــات اهلل يكفر هبا ويسـ ــتهزأ هبا فال تقعـ ــدوا معهم حىت خيوضـ ــوا يف‬
‫حديث غريه إنكم إذا مثلهم إن اهلل جامع املنافقني والكافرين يف جهنم مجيعاً} [النساء‪ ،‬آية ‪.]140‬‬
‫يقــول القرطــيب‪ " - :‬قوله تعــاىل‪{ - :‬فال تقعــدوا معهم حىت خيوضــوا يف حــديث غــريه} أي غري الكفر {إنكم إذاً‬
‫مثلهم} فدل هبذا على وجــوب اجتنــاب أصــحاب املعاصي إذا ظهر منهم منكــر؛ ألن من مل جيتنبهم فقد رضي فعلهم‪،‬‬
‫والرضا بالكفر كفر‪" )1(...‬‬
‫ويقـ ــول حممد رشـ ــيد رضـ ــا‪ " - :‬إنكم إذاً مثلهم " هـ ــذا تعليل للنهي أي إنكم إن قعـ ــدمت معهم تكونـ ــونـ مثلهم‪،‬‬
‫وشــركاء هلم يف كفــرهم؛ ألنكم أقررمتوهم عليه ورضــيتموه هلم‪ ،‬وال جيتمع اإلميان بالشــيء‪ ،‬وإقــرار الكفر واالســتهزاءـ‬
‫به ويؤخذ من اآلية أن إقــرار الكفر باالختيــار كفــر‪ ،‬ويؤخذ منه أن إقــرار املنكر والســكوت عليه منكر وهــذا منصــوص‬
‫عليه أيض ـاً‪ ،‬وأن إنك ــار الش ــيء مينع ُفش ـّوه بني من ينكرونه حتم ـاً‪ ،‬فليعتبـر هبذا أهل ه ــذا الزم ــان‪ ،‬ويت ــأملواـ كيف ميكن‬
‫اجلمع بني الكفر واإلميان‪ ،‬أو بني الطاعة والعصيان‪،‬ـ فإن كثــرياً من امللحـدين يف البالد املتفرجنة خيوضــون يف آيــات اهلل‪،‬‬
‫ويسته ـ ـزئون بالـ ــدين‪ ،‬ويقـ ــرهم على ذلك ويسـ ــكت هلم من مل يصل إىل درجة كفـ ــرهم‪ ،‬لضـ ــعف اإلميان والعيـ ــاذ باهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫ص‪335‬‬
‫ََّلى‬
‫َو‬‫يت‬ ‫ثم‬
‫َّ َ‬ ‫َا ُ‬ ‫ْن‬‫َع‬‫َط‬ ‫َأ‬‫ِو‬‫َّسُول‬
‫ِالر‬‫َب‬
‫ِو‬‫ِاهَّلل‬
‫َّا ب‬
‫من‬‫ن آَ‬
‫ُولوَ‬
‫يق ُ‬
‫ََ‬‫ويقـ ـ ــول تعـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} [النور‪ ،‬آية ‪.]47‬‬
‫ِين‬‫ِن‬‫ْم‬
‫ُؤ‬‫ِالم‬
‫ِكَ ب ْ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫ما أ‬
‫ََ‬ ‫َل‬
‫ِكَ و‬‫ِذ‬‫ْد‬
‫بع‬‫من َ‬‫هم ِّ‬ ‫ُْ‬‫من‬‫ٌ ِّ‬ ‫ِيق‬‫َر‬
‫ف‬

‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك األحكام (‪ )13/122‬ح (‪ )7145‬ومسلمـ ‪ ،‬ك اإلمارة (‪ )3/1469‬ح (‪. )1840‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوي ‪.7/70‬‬
‫(‪ )1‬تفسري القرطيب ‪ ، 5/418‬وانظر تفسري البيضاوي ‪. 1/251‬‬
‫(‪ )2‬تفسري املنار ‪. 5/464‬‬
‫‪63‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ} أي املخلصني‪ ،‬وهو إشارة إىل‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫ِالم‬ ‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلئ‬‫ُو‬ ‫ما أ‬ ‫يقول النسفي – يف تفسريها ‪{ - :-‬و‬
‫ََ‬
‫الق ــائلني آمنا وأطعن ــا‪ ،‬ال إىل الفريق املت ــويل وح ــده‪ ،‬وفيه إعالم من اهلل ب ــأنـ مجيعهم منتفٍ عنهم اإلميان العتق ــادهم ما‬
‫(‪)3‬‬
‫يعتقد هؤالء‪ ،‬واإلعراض‪ ،‬وإن كان من بعضهم فالرضا باإلعراض من كلهم‪.‬‬
‫وق ــال ابن تيمي ــة‪ " - :‬إن من الرضا ما هو كف ــر‪ ،‬كرضا الكف ــار بالش ــرك‪ ،‬وقتل األنبي ــاءـ وتك ــذيبهم‪ ،‬ورض ــاهم مبا‬
‫يسخطه اهلل ويكرهه‪.‬‬
‫ه‬
‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫ض‪33‬و‬ ‫ِْ‬ ‫ه‪33‬وا ر‬ ‫ُِ‬ ‫َر‬ ‫َك‬ ‫َو‬ ‫َسْخَط‬
‫َ هَّللا‬ ‫ما أ‬ ‫ُوا َ‬ ‫َع‬‫اتب‬
‫ُ َّ‬ ‫هم‬‫نُ‬‫ََّ‬
‫ِأ‬‫ِكَ ب‬ ‫َل‬ ‫قـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ذ‬
‫ْ} [حممد‪ ،‬آية ‪ .]28‬فمن اتبع ما يسخط اهلل برضاه وعمله فقد أسخط اهلل‪.‬‬ ‫هم‬‫الُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْم‬ ‫َع‬
‫َأ‬ ‫َط‬‫ْب‬ ‫َح‬ ‫َأ‬
‫ف‬
‫وقـ ـ ــال النيب صـ ـ ــلى اهلل عليه وسـ ـ ـ ــلم‪( - :‬إن اخلطيئة إذا عملت يف األرض كـ ـ ـ ــان من غـ ـ ـ ــاب عنها ورضـ ـ ــيها كمن‬
‫(‪)4‬‬
‫شهدها‪ ،‬ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها)‬
‫‪-3‬مىت يكون احلكم بغري ما أنزل اهلل كفراً أصغر؟‬
‫يكــون احلكم بغري ما أنــزل اهلل كفــراً أصــغر إذا حكم احلاكم أو القاضي بغري ما أنــزل اهلل تعــاىل يف واقعة ما (‪)1‬مع‬
‫اعتقادهـ وجوب احلكم مبا أنزل اهلل تعـاىل يف هـذه القضـيةـ املعينةـ فعـدل عنه عصـياناًـ وهـوى وشــهوة‪ ،‬مع اعرتافه بأنه آمث‬
‫يف ذلك‪ ،‬مستحق للعقوبة‪.‬‬
‫ونسوق مجلة من كالم أهل العلم يف هذه املسألة‪-:‬‬
‫ص‪336‬‬
‫يق ــول القرط ــيب‪ " - :‬إن حكم به (أي بغري ما أن ــزل اهلل) ه ــوى ومعص ــيةـ فهو ذنب تدركه املغف ــرةـ على أصل أهل‬
‫السنة يف الغفران للمذنبني‪" )2( .‬‬
‫ويقول ابن تيميــة‪ " - :‬أما من كـان ملتزمـاً حلكم اهلل ورسـوله باطنـاً وظـاهراً‪ ،‬لكن عصى واتبع هـواه‪،‬ـ فهـذا مبنزلة‬
‫أمثاله من العصاة‪.‬ـ (‪" )3‬‬

‫(‪ )3‬تفسري النسفي (ضمن جمموعة من التفاسري ) ‪. 4/409‬‬


‫(‪ )4‬االستقامة ‪. 122 , 2/121‬‬
‫إباء ورفضاً حلكم الشريعة – كما سبق توضيحه ‪ ،‬بل هو ملتزم لشرع اهلل يف اجلملة كما‬‫(‪ )1‬فهو ليس منهجاً ثابتاً أو قانوناً دائماً ‪ ،‬فمثل هذا يعد ً‬
‫قال ابن تيمية ‪ ، ...‬وكما يقول الشيخ حممد بن إبراهيم ‪ " - :‬وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر ‪ ،‬إذا حاكم إىل غري اهلل مع اعتقاد أنه عاص وأن‬
‫حكم اهلل هو احلق ‪ ،‬فهذا الذي يصدر منه املرة وحنوها‪ ،‬أما الذي جعل قوانني برتتيب وختضيع فهو كفر ‪ ،‬وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل " أ‬
‫‪ .‬هـ من فتاوي حممد بن إبراهيم ‪، 12/280‬وانظر ‪ :‬فتاوي حممد بن إبراهيم ‪. 6/189‬‬
‫(‪ )2‬تفسري القرطيب‪6/191‬‬
‫(‪ )3‬منهاج السنة ‪5/131‬‬
‫‪64‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يق ــول ابن القيم‪ " - :‬إن اعتقد وج ــوب احلكم مبا أن ــزل اهلل يف ه ــذه الواقع ــة‪ ،‬وع ــدل عنه عص ــياناً‪،‬ـ مع اعرتافه بأنه‬
‫مستحق للعقوبة‪ ،‬فهذا كفر أصغر‪" )4( .‬‬
‫ويق ــول الش ــيخ حممد بن إب ــراهيم‪" - :‬وأما القسم الث ــاين من قس ــمي كفر احلاكم بغري ما أن ــزل اهلل‪ ،‬وهو ال ــذي ال‬
‫خيرج عن امللـ ـ ــة‪ ..‬وذلك أن حتمله شـ ـ ــهوته وهـ ـ ــواه على احلكم يف القضـ ـ ــية بغري ما أنـ ـ ــزل اهلل مع اعتق ـ ــادهـ أن حكم اهلل‬
‫ورســوله هو احلق‪ ،‬واعرتافه على نفسه باخلطأ وجمانب ـة اهلدى‪ .‬وهــذا وإن مل خيرجه كفــره عن امللة فــإن معصــيتهـ عظمى‬
‫أكرب من الكبــائر كالزنا وشــرب اخلمر والســرقة واليمني الغمــوس وغريهــا‪ ،‬فــإن معصــيةًـ مساها اهلل يف كتابه كفــراً أعظم‬
‫من معصيةـ مل يسمها كفراً‪" )5( .‬‬
‫ويقــول الشــنقيطي‪ " - :‬من مل حيكم مبا أنــزل اهلل معتقــداً أنه مــرتكب حرامـاً‪ ،‬فاعل قبيحـاً‪ ،‬فكفــره وظلمه وفســقه‬
‫غري خمرج عن امللة‪" )6( .‬‬
‫وعلى مثل ه ــذه احلالة – اليت ذك ــرت آنفـ ـاً – حيمل ما ورد عن ابن عب ــاس رضي اهلل عنهم ــا‪ ،‬وعط ــاء وط ــاووس‬
‫وأيب جملز رمحهم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ص‪337‬‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬‫َنز‬ ‫َا أ‬‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬‫يح‬‫َْ‬ ‫من َّلم‬‫ََ‬‫فقد جــاء عن ابن عبــاس – رضي اهلل عنهما – يف قوله تعــاىل‪{ - :‬و‬
‫(‪)7‬‬
‫ن} [املائــدة‪ ،‬آية ‪ ،]44‬أنه قــال‪ " - :‬ليس بــالكفر الــذي يــذهبون إليــه؟ "‬ ‫ِر‬
‫ُوَ‬ ‫َاف‬
‫الك‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬‫ف‬
‫ويف رواية أنه قـ ــال‪ " -:‬كفر ال ينقل عن امللـ ــة‪ )8( " .‬وقـ ــال عطـ ــاء (‪" - :)1‬كفر دون كفـ ــر‪ ،‬وظلم دون ظلم‪ ،‬وفسق‬
‫(‪)2‬‬
‫دون فسق‪.‬‬

‫(‪ )4‬مدارج السالكني ‪ ، 1/336‬وانظر شرح الطحاوية ‪2/446‬‬


‫(‪ )5‬فتاوى حممد بن ابراهيم ‪( ،‬رسالة حتكيم القوانني) ‪12/291‬‬
‫(‪ )6‬أضواء البيان ‪ ، 2/104‬وانظر األضواء ‪ ، 2/109‬وانظر ‪ :‬حتكيم الشريعة للصاوي ص ‪ 71‬ورسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪ ، 217‬ومقال‬
‫وجوب حتكيم الشريعة ملناع القطان ‪ ،‬جملة البحوث ع "‪ "1‬ص ‪ ، 69‬وكتاب أضواء على ركن من التوحيد لعبدالعزيز بن حامد ص ‪، 43 . 42‬‬
‫وخمتصر الغياثي حملمد احلسين ص ‪. 56‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه احلاكم يف املستدركـ ‪ ، 2/313‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة ‪2/521‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه احلاكم يف املستدركـ ‪ ، 2/313‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة ‪2/522‬‬
‫(‪ )1‬أبو حممد عطاء بن أيب رباح القرشي موالهم ‪ ،‬املكي ‪ ،‬من خيار التابعني ‪ ،‬فقيه مفسر ‪ ،‬كان مفيت مكة ‪ ،‬صاحب عبادة وزهد ‪ ،‬مات مبكة سنة‬
‫‪ 115‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،9/306‬سري أعالم النبالء ‪.5/78‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن جرير يف تفسريه ‪ ، 6/148‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة ‪2/522‬‬
‫‪65‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(‪)4‬‬
‫وقال طاووس (‪ " - :)3‬ليس بكفر ينقل عن امللة‪" .‬‬
‫ل‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ُم ب‬‫ْك‬ ‫يح‬‫َْ‬ ‫من َّلم‬
‫ََ‬‫" وعنــدما جــاء نفر من اإلباضــية أليب جملز (‪ ،)5‬فقــالوا لــه‪ :‬يقــول اهلل " و‬
‫ن "‪" ،‬فأولئك هم الظ ــاملونـ "‪ " ،‬فأولئك هم الفاس ــقون"‪ ،‬ق ــال أبو جمل ــز‪:‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِر‬ ‫َاف‬ ‫الك‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬‫ُف‬‫هّللا‬
‫‪ -‬إهنم يعملون مبا يعملون مبا يعملون – يعين األمراء – ويعلمون أنه ذنب‪" )6( ...‬‬
‫ومما جيدر التــذكري به – يف هــذا املقــام – أن هنــاك من محل مقالة ابن عبــاس رضي اهلل عنهما – وغريها من اآلثــار‬
‫السابقة – ما ال حتتمله‪ ،‬فأساؤا فهمها‪ ،‬واملراد منها‪ ،‬ولذا فالبد من التنبيه على ما يلي‪- :‬‬
‫ص‪338‬‬
‫ل هّللا‬
‫ُ‬ ‫ََ‬‫َن‪33‬ز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬‫ُم ب‬ ‫ْك‬
‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬ ‫(أ) أن ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهر سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــياق تلك اآليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات يف قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} وما بعـ ــدها يـ ــدل على أن املعىن املقصـ ــود أص ـ ـالً بـ ــالكفر والظلم والفسق‬ ‫ُون‬ ‫ِر‬ ‫َاف‬‫الك‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬
‫ف‬
‫(‪)7‬‬
‫فيها هو الكفر األكرب‪ ،‬والظلم األكرب‪ ،‬والفسق األكرب‬
‫كما يوضح ذلك سـ ــبب نزوهلا‪ ،‬حيث أهنا نـ ــزلت يف اليهـ ــود – كما سـ ــبق بيانه ‪ )8( -‬مث إن هـ ــؤالء األئمة كـ ــابن‬
‫عبــاس وغــريه عممـوا هبا غري الكفـار (‪ ،)9‬وقـالوا‪ :‬كفر دون كفـر‪ ،‬مع أن ســياق اآليـات يــدل على أهنا يف الكفـار‪ ،‬كما‬
‫جاء يف آخر رواية الرباء بن عازب رضي اهلل عنه – يف سبب نزول تلك اآليات ‪ " - :-‬يف الكفار كلها "‬
‫(ب) أن ما قاله أبو جملز رمحه اهلل لإلباض ـ ــية (‪ ،)10‬ك ـ ــان جوابـ ـ ـاً عما أرادوه من إلزامه بتكفري األم ـ ــراء؛ لأهنم يف‬
‫معسكر السلطان‪ ،...‬وألهنم ارتكبواـ بعض ما هناهم اهلل عنه‪..‬‬

‫(‪ )3‬أبو عبدالرمحن طاووس بن كيسان اليمين ‪ ،‬من سادات التابعني ‪ ،‬مجع بني العلم والعبادة ‪ ،‬والزم ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ ،‬تويف سنة ‪ 106‬هـ‬
‫‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،9/235‬سري أعالم النبالء ‪.5/38‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن جرير يف تفسريه ‪ ، 6/148‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة ‪2/522‬‬
‫(‪ )5‬الحق بن محيد السدوسي البصري ‪ ،‬تابعي ثقة ‪ ،‬قدم خراسان ‪ ،‬روى عن نفر من الصحابة ‪ ،‬مات سنة ‪ 106‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬هتذيب التهذيب ‪11/172‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن جرير يف تفسريه ‪6/146‬‬
‫(‪ )7‬ويؤكد ذلك أن الكفر – ها هنا – جاء معرفاً بالالم ‪ ،‬وفرق بني الكفر املعرف بالالم ‪ ،‬وبني كفر منكر ‪..‬‬
‫انظر ‪ :‬اقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية ‪1/208‬‬
‫(‪ )8‬انظر جمموع الروايات يف سبب نزول تلك اآليات يف تفسري ابن جرير ‪148 – 6/140‬‬
‫(‪ )9‬انظر ما كتبه الشاطيب يف املوافقات ‪ 3/285‬يف بيان سر تعميم السلف ملثل هذه اآلية وحنوها ‪...‬‬
‫(‪ )10‬اإلباضية ‪ - :‬فرقة من فرق اخلوارج ‪ ،‬تنسب إىل عبداهلل بن إباض التميمي ‪ ،‬وهم خوارج يف الاعتقاد ‪ ،‬لكنهم يقولونـ إن مرتكب الكبرية كافر‬
‫كفر نعمة أو كفر نفاق – على خالف بينهم – وهم طوائف متعددة ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬مقاالت اإلسالميني ‪ ،1/183‬وامللل والنحل ‪.1/134‬‬
‫‪66‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ومما قاله حممود شاكر – يف املقصود من كالم أيب جملز ‪- :-‬‬
‫" اللهم إين أبــرأ إليك من الضــاللة‪.‬ـ وبعــد‪ ،‬ف ـإن أهل الــريب والفنت ممن تصــدروا للكالم يف زماننا هــذا‪ ،‬قد تلمس‬
‫املع ــذرة أله ـل الس ــلطان يف ت ــرك احلكم مبا أن ــزل اهلل‪ ،‬ويف القض ــاء يف ال ــدماء واألع ــراض والأم ــوال بغري ش ــريعة اهلل اليت‬
‫(‪)1‬‬
‫أنزهلا يف كتاب ــه‪ ،‬ويف اختاذهم ق ــانون الكفر ش ــريعة يف بالد اإلس ــالم‪ ،‬فلما وقف على ه ــذين اخلربين ‪ ،‬اختذمها رأيـ ـاً‬
‫ي ــرى به ص ــواب القض ــاء يف الأم ــوال واألع ــراض وال ــدماء بغري ما أن ــزل اهلل‪ ،‬وأن خمالفة ش ــريعة اهلل يف القض ــاء الع ــام ال‬
‫تكفر الراضي هبا‪ ،‬والعامل هبا‪.‬‬
‫ص‪339‬‬
‫‪ -‬إىل أن قـ ــال – مل يكن سـ ــؤاهلم (‪ )2‬عما احتج به مبتدعة زماننـ ــا‪ ،‬من القضـ ــاء يف األمـ ــوال واألعـ ــراضـ والـ ــدماء‬
‫بقانونـ خمالف لشريعة أهل اإلسالم‪ ،‬وال يف إصدار قانون ملزم ألهل اإلسالم‪،‬ـ باالحتكــام إىل حكم غري اهلل يف كتابــه‪،‬‬
‫وعلى لســان نبيه صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬فهــذا الفعل إعــراض عن حكم اهلل‪ ،‬ورغبة عن دينـه وإيثــار ألحكــام أهل الكفر‬
‫على حكم اهلل سـ ــبحانه وتعـ ــاىل‪ ،‬وهـ ــذا كفر ال يشك أحد من أهل القبلة على اختالفهم يف تكفري القائل به والـ ــداعيـ‬
‫إليه‪...‬‬
‫ولو ك ــان األمر على ما ظن ــواـ يف خرب أيب جمل ــز‪ ،‬أهنم أرادوا خمالفة الس ــلطان يف حكم من أحك ــام الش ــريعة‪ ،‬فإنه مل‬
‫حيدث يف تــاريخ اإلســالم أن سن حــاكم حكم ـاً وجعله شــريعة‪ ،‬ملزمة للقضــاء هبا‪ ،‬هــذه واحــدة‪ ،‬وأخــرى أن احلاكم‬
‫ال ـ ــذي حكم يف قض ـ ــية بعينها بغري حكم اهلل فيه ـ ــا‪ ،‬فإنه إما أن يك ـ ــون حكم هبا وهو جاه ـ ــل‪ ،‬فه ـ ــذا أم ـ ــره أمر اجلاهل‬
‫بالشريعة‪ ،‬وإما أن يكونـ حكم هبا هوى ومعصية‪ ،‬فهذا ذنب تناله التوبة‪ ،‬وتلحقه املغفرة‪.‬ـ(‪" )3‬‬
‫َا‬‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬ ‫ولعل مما يؤكد ذل ـ ـ ـ ــك‪ " :‬ما أخرجه عبد بن محيد وأبو الش ـ ـ ـ ــيخ عن أيب جمل ـ ـ ـ ــز‪{ :‬و‬
‫َا‬‫ِم‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬‫يح‬ ‫َْ‬ ‫من َّلم‬ ‫ََ‬ ‫َ} قـ ـ ـ ــال‪ :‬نعم‪ ،‬قـ ـ ـ ــالوا‪{ - :‬و‬ ‫ُون‬ ‫ِر‬‫َاف‬ ‫الك‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬‫ُف‬ ‫ل هّللا‬‫َنز‬
‫ََ‬ ‫أ‬
‫َ} قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬فهؤالء حيكمون مبا أنزل اهلل؟ قــال‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫ُون‬ ‫لم‬‫َّاِ‬‫ُ الظ‬ ‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬‫ُف‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬
‫أنز‬
‫هو دينهم الذي به حيكمون‪ ،‬والذي به يتكلمون‪ ،‬وإليه يدعون‪ ،‬فإذا تركــوا منه شــيئاً‪ ،‬علمــوا أنه جــور منهم‪ ،‬إمنا هــذه‬
‫اليهود والنصارى واملشركون الذين ال حيكمون مبا أنزل اهلل‪" )4(.‬‬
‫فينبغيـ أن يفهم كالم أيب جملز – وكـ ــذا كالم ابن عبـ ــاس رضي اهلل عنهما – على ظـ ــاهره‪ ،‬وحسب مناسـ ــبته بال‬
‫غلو‪ ،‬وال جفاء‪ ،‬فال نكونـ كاخلوارج الذين جعلوا مطلق املخالفة الشرعية كفراً أكرب‪ ،‬ويف نفس الــوقت ال نكــون مع‬

‫(‪ )1‬يعين قول أيب جملز ‪ ،‬والذي جاء يف روايتني عند الطربي يف تفسريه‬
‫(‪ )2‬أي النفر من اإلباضية‬
‫(‪ )3‬عمدة التفسري البن كثري ألمحد شاكر ‪ = 157 , 4/156‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدر املنثور للسيوطي ‪. 3/88‬‬
‫‪67‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫الطــرف املقابل هلم ممن جعلــوا رفض الشــريعة وتنحيتها واإلعــراضـ عنها كفــراً أصــغر‪ ،‬فلم يقصد ابن عبــاس – وكــذا‬
‫أبو جملز – من أىب وامتنع عن االلتزام بشرع اهلل تعاىل‪ ،‬وحتاكم إىل قــوانني اجلاهليــة‪ ،‬فلم يكن يف تلك القــرون الســابقة‬
‫من يفعل مثل ذلك‪،‬‬
‫ص‪340‬‬
‫فكالم السلف الصاحل – يف معصــية كفر دون كفر – يــدور حــول قضــية مفــردة‪ ،‬أو واقعة معينةـ يف احلكم بغري ما‬
‫أنــزل اهلل تعــاىل‪ ،‬عن هــوى وشــهوة‪ ،‬مع اعتقــاد حرمة هــذا الفعل وإمثه‪ ،‬وليس منهج ـاً عام ـاً‪ ،‬وهــذا أمر ظــاهر توضــحه‬
‫مقالة ابن تيمية – اليت ســبق ذكرها ‪ " - :-‬أما من كــان ملتزم ـاً حلكم اهلل ورســوله باطن ـاً وظــاهراً‪ ،‬لكن عصى واتبع‬
‫هواهـ‪ ،‬فهذا مبنزلة أمثاله من العصاة‪")1(.‬‬
‫وكذا ما قاله ابن القيم‪ " -:‬إن اعتقد وجوب احلكم مبا أنزل اهلل يف هــذه الواقعــة‪ ،‬وعــدل عنه عصــياناً‪،‬ـ مع اعرتافه‬
‫بأنه مستحق للعقوبة‪ ،‬فهذا كفر أصغر‪" )2(.‬‬
‫‪ -4‬من خالل الع ــرض الس ــابق‪ ،‬ن ــذكر – بإجياز – أوجه ك ــون احلكم بغري ما أن ــزل اهلل تع ــاىل ناقض ـاً من ن ــواقضـ‬
‫اإلميان على النحو التايل‪-:‬‬
‫(أ) ال يصح اإلميان إال بـ ــالكفر بالطـ ــاغوت‪ ،‬فمن مل يكفر بالطـ ــاغوت‪ ،‬مل يـ ــؤمن باهلل تعـ ــاىل‪ ،‬وقد مسـ ـ ّى اهلل تع ــاىل‬
‫(‪)3‬‬
‫احلكم بغري شرعه طاغوتاً‪ ،‬ومن مث فالكفر هبذا الطاغوت وغريه من الطواغيتـ شرط اإلميان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك بِــالْعُ ْر َوة الْـ ُـو ْث َق َـى الَ انف َ‬
‫صـ َـام هَلَــا} [البقــرة‪ ،‬آية‬ ‫يقــول تعــاىل‪{ - :‬فَ َم ْن يَ ْك ُفـ ْـر بِالطَّاغُوت َويُـ ْـؤمن بِاللّــه َف َقــد ْ‬
‫استَ ْم َسـ َ‬
‫‪.]256‬‬
‫ل‬
‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫ْ آَ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫ََّ‬‫نأ‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬ ‫ْع‬ ‫يز‬ ‫ََ‬‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫ويقـ ـ ــول سـ ـ ـ ــبحانه‪{ :‬أ‬
‫ُوتِ‬ ‫َّاغ‬ ‫َِلى الط‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫َم‬ ‫‪3‬اك‬ ‫َ‪3‬‬ ‫َح‬ ‫يت‬ ‫َن َ‬ ‫نأ‬ ‫دوَ‬ ‫ِي ‪ُ3‬‬ ‫ير‬‫ِكَ ُ‬ ‫ْل‬‫َب‬ ‫ِن ق‬ ‫لم‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫ما أ‬‫ََ‬‫ْكَ و‬ ‫َِلي‬‫إ‬
‫ِ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]60‬‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬‫ُوا‬ ‫ُر‬ ‫ْف‬ ‫يك‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ُم‬‫دأ‬ ‫َْ‬ ‫َق‬
‫و‬
‫َ‪ }..‬اآليـة‪ ،‬يــدل على أن من حتاكم إىل غري‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬‫َْ‬ ‫ََلم‬‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فقوله تعاىل‪{ - :‬أ‬
‫ما أنزل اهلل تعاىل فهو منافق ال يعتد مبا يزعمه من اإلميان‪.‬‬
‫ص‪341‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة ‪. 5/131‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني ‪ ، 1/336‬وملزيد من التفصيل يف هذه املسألة ‪ .‬انظر ‪ - :‬رسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪ ، 217‬وأضواء على ركن من‬
‫التوحيد لعبد العزيز بن حامد ص ‪ ، 43 – 36‬وحد اإلسالم وحقيقة اإلميان لعبد المجيد الشاذيل ص ‪ ، 414 – 406‬وخمتصر الغياثي حملمد‬
‫احلسين ص ‪ ، 60 – 46‬وحتكيم الشريعة للصاوي ص ‪. 83 – 70‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬جمموعة مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪ ، 1/376‬وتيسري العزيز احلميد ص ‪ ، 556‬وأضواء البيان للشنقيطي ‪. 7/165‬‬
‫‪68‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ب) أن اتبــاع أحكــام املشــرعني غري ما شــرعه اهلل تعــاىل شــرك باهلل تعــاىل؛ ألن عبــادة اهلل تقتضي إفــراده عز وجل‬
‫من‬ ‫با ِّ‬ ‫باً‬ ‫َْ‬‫َر‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫هب‬‫ُْ‬ ‫َر‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫َار‬ ‫ْب‬ ‫َح‬‫ْأ‬‫ُوا‬ ‫بالتحليل والتح ــرمي‪ ،‬حيث يق ــول س ــبحانه‪َّ { :‬‬
‫اتخَذ‬
‫ها‬ ‫َِلـً‬ ‫ْإ‬ ‫دوا‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْب‬‫َع‬ ‫لي‬‫ِالَّ ِ‬ ‫ْإ‬ ‫ُوا‬ ‫ِ‪3‬ر‬ ‫ُم‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫َو‬ ‫يم‬‫َْ‬‫م‪ 3‬ر‬ ‫ََ‬ ‫بن‬ ‫َ اْ‬ ‫ِ‪3‬يح‬ ‫َس‬ ‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫ِو‬‫دونِ هّللا‬ ‫ُ‬
‫َ} [التوبـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬آية ‪ ،]31‬ف ـ ـ ــذكر اهلل أن‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬‫يشْر‬ ‫َّا ُ‬
‫َم‬‫هع‬ ‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫ْح‬‫َ سُب‬ ‫هو‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫هإ‬ ‫َِلـَ‬ ‫دا الَّ إ‬ ‫َاحًِ‬ ‫و‬
‫هو‬
‫َ‬ ‫ِالَّ ُ‬‫هإ‬ ‫َِلـَ‬ ‫متـ ـ ـ ــابعتهمـ وم ـ ـ ـ ـ ــوافقتهم لألحب ـ ـ ـ ـ ــار بتحليل احلرام وحترمي احلالل ش ـ ـ ـ ـ ــرك بقوله تع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬الَّ إ‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬‫يشْر‬ ‫َّا ُ‬ ‫َم‬‫هع‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫ْح‬‫سُب‬
‫وأمر آخر وهو أن إفـ ـ ــراد اهلل عز وجل بـ ـ ــاحلكم واالتبـ ـ ــاع لشـ ـ ــرعه هو معىن االستسـ ـ ــالم هلل وح ـ ــده‪ .‬واالنقي ـ ــاد له‬
‫بالطاع ــة‪ ،‬فمن استس ــلم له تع ــاىل ولغ ــريه ص ــار مش ــركاً‪ ،‬وقد مسى اهلل تع ــاىل متبعيـ أحك ــام املش ــرعني غري ما ش ــرعه اهلل‬
‫ِ‬‫ْه‬ ‫لي‬‫ََ‬ ‫ِع‬ ‫ُ هّللا‬
‫ِ اسْم‬ ‫َر‬ ‫ذك‬‫يْ‬ ‫ُْ‬‫َّا َلم‬ ‫ِم‬ ‫ْم‬ ‫ُوا‬ ‫ُل‬ ‫ْك‬
‫تأ‬ ‫َالَ َ‬‫مش ـ ـ ـ ــركني‪ ...‬كما ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاء يف قوله تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ْ‬‫ُم‬ ‫ِلوك‬ ‫َ‪33‬ادُ‬ ‫ُج‬‫لي‬ ‫ِْ‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫َآئ‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬‫َِلى أ‬ ‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫ُوح‬ ‫َ َلي‬‫ِين‬ ‫َاط‬ ‫ن الشَّي‬ ‫َِّ‬‫َإ‬ ‫ٌو‬ ‫ه َلف‬
‫ِسْق‬ ‫نُ‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫و‬
‫َ} [األنعـ ـ ـ ــام‪ ،‬آية ‪ ،]121‬فص ـ ـ ــرح وأكد بـ ـ ــأهنم مش ـ ـ ــركون‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬‫ُشْر‬ ‫ْ َلم‬ ‫ُم‬ ‫نك‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫هم‬ ‫ُوُ‬ ‫ُم‬‫ْت‬
‫َع‬ ‫َط‬‫نأ‬ ‫ِْ‬‫َإ‬ ‫و‬
‫بطاعتهم واتباعهم لتشريع خمالف ملا شرعه اهلل عز وجل‪.‬‬
‫كما أن احلكم بغري ما أنــزل اهلل ينــاقض التوحيد العلمي اخلربي‪ ،‬فــإن هلل تعــاىل وحــده اخللق واألمــر‪ ،‬يقــول تعــاىل‪:‬‬
‫ُ} [األعـ ــراف‪ ،‬آية ‪ ،]54‬فـ ــاألمر كله هلل وحـ ــده سـ ــواء كـ ــان أمـ ــراً كونيـ ـاً‬ ‫مر‬ ‫َاألَْ‬ ‫ُو‬ ‫لق‬ ‫الخَْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َالَ َلُ‬ ‫‪{ -‬أ‬
‫قدرياً‪ ،‬أو أمراً شرعياً دينياً‪،‬‬
‫يقــول الشــنقيطي رمحه اهلل‪ " - :‬ملا كــان التشــريع ومجيع األحكــام‪ ،‬شــرعية كــانت أو كونية قدريــة‪ ،‬من خصــائص‬
‫(‪)1‬‬
‫الربوبية‪...‬ـ كان كل من اتبع تشريعاً غري تشريع اهلل قد اختذ ذلك املشرع رباً‪ ،‬وأشركه مع اهلل‪.‬‬
‫و" احلكم " من أمساء اهلل تعاىل احلسىن‪ ،‬واحلكم بالطاغوت إحلاد يف هذا االسم‪ ،‬وتعطيل لتلك الصفة‪.)2(...‬‬
‫بكَ‬ ‫َِّ‬‫َر‬ ‫َالَ و‬‫(ج) أن اهلل عز وجل قد نفى اإلميان حىت يتحقق التحاكم إىل شرع اهلل وحده‪..‬قال تعاىل‪{ - :‬ف‬
‫ِي‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫يجِ‪ُ33‬‬ ‫َّ الَ َ‬
‫ثم‬ ‫ُْ‬‫هم‬ ‫ْن‬
‫َُ‬ ‫بي‬‫ََ‬ ‫َر‬ ‫ش‪33‬ج‬ ‫َا َ‬ ‫ِيم‬ ‫ُ‪33‬وكَ ف‬ ‫ِّم‬
‫َك‬ ‫يح‬
‫َّىَ ُ‬
‫َت‬‫نح‬‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫يؤ‬‫الَ ُ‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]65‬‬ ‫ِيم‬ ‫تسْل‬ ‫َْ‬ ‫ُوا‬ ‫لم‬ ‫يسَِّ‬
‫َُ‬ ‫َو‬‫ْت‬ ‫َض‬
‫َي‬ ‫َّا ق‬
‫مم‬ ‫ًا ِّ‬
‫َج‬‫َر‬ ‫ْح‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫َنف‬
‫ُس‬ ‫أ‬
‫يقول ابن حزم‪ " - :‬فنص تعاىل نصاً جلياً ال حيتمل تأويالً‪ ،‬وأقسم تعاىل‬
‫ص‪342‬‬
‫حكم رسـ ــوله ص ـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم فيما شـ ــجر بينه وبني غـ ــريه‪ ،‬مث يسـ ــلم ملا‬
‫بنفسه أنه ال ي ـ ــؤمن أحد إال من ّ‬
‫حكم به عليه السالم‪ ،‬وال جيد يف نفسه حرجاً مما قضى‪" )3(.‬‬
‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪. 7/169‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬املبحث الثاين من الفصل األول يف الباب األول ‪( :‬إنكار اسم أو صفة هلل عز وجل) ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفصل ‪ 3/263‬وانظر ‪ :‬كتاب العقيدة وأثرها يف بناء اجليل لعبد اهلل عزام ص ‪. 81 – 78‬‬
‫‪69‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ه‬
‫دوُ‬ ‫َر‬
‫ُُّ‬ ‫ءف‬ ‫ِي شَيٍْ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ْت‬ ‫َع‬ ‫َاز‬ ‫تن‬‫إن َ‬ ‫َِ‬‫ولـ ـ ــذا جعله تعـ ـ ــاىل شـ ـ ـ ــرطاً يف اإلميان‪ ،‬فقـ ـ ــال سـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ف‬
‫ْ‪3‬ر‬
‫ٌ‬ ‫َي‬ ‫‪3‬كَ خ‬ ‫ل‪3‬‬‫َِ‬ ‫ِذ‬ ‫ِ اآلخِ‪3‬ر‬ ‫ْم‬‫َو‬‫الي‬‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهّلل‬
‫نب‬‫ُوَ‬‫ِن‬ ‫ْم‬‫تؤ‬‫ُْ‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫َّسُول‬ ‫َالر‬ ‫ِو‬ ‫َِلى هّللا‬
‫إ‬
‫ِيالً} [النساء‪ ،‬آية ‪.]59‬‬ ‫ْو‬ ‫تأ‬ ‫َُ‬ ‫ْسَن‬ ‫َح‬
‫َأ‬‫و‬
‫وحيث إن اإلميان ق ــول وعم ــل‪ ،‬فهو متض ــمن للتص ــديق واالنقي ــاد‪ ،‬فتحكيم الش ــريعة إميان؛ ألنه انقي ــاد وخض ــوع‬
‫لــدين اهلل تعــاىل‪ ،‬ورفض حتكيم هــذه الشــريعة واالمتنــاعـ عن قبوهلا هو كفر إبــاء ورد‪ .‬وهــذا اإلبــاء واالمتنــاع يعــود إما‬
‫إىل خلل يف اعتقاد حكمة اآلمر وقدرته‪ ،‬وعدم التصديق بصـفة من صـفاته تعـاىل‪ ،‬أو إىل بغض وكـره حلكم اهلل تعـاىل‪،‬‬
‫ْ} [حمم ــد‪،‬‬ ‫هم‬ ‫الُ‬‫َ َ‬ ‫ْم‬ ‫َع‬ ‫َأ‬ ‫َط‬ ‫ْب‬ ‫َح‬‫َأ‬‫ُف‬‫ل هَّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫ما أ‬
‫هوا َ‬ ‫َر‬
‫ُِ‬ ‫ْك‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫ََّ‬‫ِأ‬ ‫ِكَ ب‬ ‫َل‬ ‫يق ــول عز وجـ ــل‪{ - :‬ذ‬
‫ه‬
‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫ْو‬ ‫ِض‬ ‫هوا ر‬ ‫ُِ‬ ‫َر‬ ‫َك‬ ‫َو‬ ‫َسْخَط‬
‫َ هَّللا‬ ‫ما أ‬ ‫ُوا َ‬ ‫َع‬‫اتب‬
‫ُ َّ‬ ‫هم‬‫نُ‬‫ََّ‬ ‫ِأ‬‫ِكَ ب‬ ‫َل‬‫آية ‪ ،]9‬ويقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل {ذ‬
‫ْ} [حممد‪ ،‬آية ‪.]28‬‬ ‫هم‬ ‫الُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْم‬ ‫َع‬ ‫َأ‬ ‫َط‬ ‫ْب‬ ‫َح‬
‫َأ‬‫ف‬
‫يقول ابن حزم‪ " - :‬أخربنا تعاىل أنه قد أحبط أعماهلم باتباعهم ما أسخطه وكراهيتهم رضوانه‪" )4(.‬‬
‫إضــافة إىل أن االمتنــاعـ عن قبــول حكم اهلل تعــاىل‪ ،‬هو رد ودفع ملا أنزله اهلل تعــاىل‪ ،‬يقــول إســحاق بن راهوي ـه‪- :‬‬
‫وقد أمجع العلماء على أن من دفع شيئاً أنزله اهلل‪ ...‬وهو مع ذلك مقر مبا أنزل اهلل أنه كافر‪" )1(.‬‬
‫(د) ال شك أن احلكم بغري ما أنـ ــزل اهلل تعـ ــاىل معصـ ــية هلل تعـ ــاىل‪ ،‬ولرسـ ــوله صـ ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ ..‬يق ــول تع ــاىل‬
‫ََلُ‬
‫ه‬ ‫ها و‬ ‫ِيَ‬ ‫دا ف‬ ‫لً‬‫َاِ‬ ‫ًا خ‬ ‫َار‬ ‫هن‬ ‫لُ‬‫دخِْ‬ ‫يْ‬ ‫هُ‬ ‫دُ‬ ‫دوَ‬ ‫دح‬
‫ُُ‬ ‫ََّ‬ ‫َع‬ ‫يت‬ ‫ََ‬‫هو‬ ‫ولُ‬‫َسُ َ‬ ‫َر‬
‫َو‬ ‫ص هّللا‬‫يع‬
‫ِْ‬ ‫من َ‬ ‫{و‬
‫ََ‬
‫ٌ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]14‬‬ ‫ِين‬ ‫مه‬ ‫َاب‬
‫ٌ ُّ‬ ‫َذ‬
‫ع‬
‫يقــول ابن كثري يف تفسري هــذه اآليــة‪ " - :‬أي لكونه غري ما حكم اهلل بــه‪ ،‬وضــاد اهلل يف حكمــه‪ ،‬وهــذا إمنا يصــدر‬
‫عن عدم الرضا مبا قسم اهلل وحكم به‪ ،‬وهلذا جيازيه باإلهانة يف العذاب األليم املقيم‪" )2(.‬‬
‫ص‪343‬‬
‫ويقول ابن تيمية‪- :‬‬
‫ضـ ٍ‬
‫ب‬ ‫ب َعلَى َغ َ‬ ‫ـآؤواْ بِغَ َ‬
‫ض ـ ٍـ‬ ‫" ومل جييء إع ــداد الع ــذاب املهني يف الق ــرآن إال يف حق الكف ــار‪ ،‬كقوله تع ــاىل‪َ { - :‬فبَ ـ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ني} [البقرة‪ ،‬آية ‪" )3( ]90‬‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫َول ْل َكاف ِر َ‬
‫ين َع َذ ٌ‬

‫(‪ )4‬الفصل ‪. 3/262‬‬


‫(‪ )1‬التمهيد البن عبد الرب = باختصار ‪. 4/226‬‬
‫(‪ )2‬عمدة تفسري ابن كثري ‪ ،‬ألمحد شاكر ‪. 3/125‬‬
‫(‪ )3‬الصارمـ املسلول ص ‪. 46‬‬
‫‪70‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ه ــ) أن إنكــار حكم اهلل تعــاىل وجحــوده هو اعــرتاض على شــرع اهلل تعــاىل‪ ،‬وتكــذيب لنصــوصـ الوحــيني‪ ،‬وإنكــار‬
‫(‪)4‬‬
‫حلكم معلوم من الدين بالضرورة كما سبق بيانه‪.‬‬
‫(ز) أن تفض ـ ـ ــيل وتق ـ ـ ــدمي حكم الط ـ ـ ــاغوت على حكم اهلل تع ـ ـ ــاىل‪ ،‬طعن يف أحك ـ ـ ــام الش ـ ـ ــريعة اإلهلية وتنقصـ هلذه‬
‫الشــريعة الربانية الكاملــة‪ ،‬كما ال خيلو هــذا التفضــيل من اســتهانة بآيــات اهلل واســتهزاء هبذا الــدين‪ ،‬واالســتهزاء بالــدين‪،‬‬
‫أو بشيء من القرآن‪ ،‬أو السنة كفر ناقل عن امللة‪ ،‬كما قال تعاىل‪- :‬‬
‫ن {‪ 3 }65‬الَ‬ ‫ُوَ‬‫ِؤ‬ ‫هز‬‫َْ‬ ‫تسْ‪3‬ت‬ ‫َْ‬ ‫ُـم‬ ‫ُنت‬ ‫ِك‬ ‫له‬ ‫َسُ‪3‬وِ‬‫َر‬‫ِو‬ ‫ِ ‪3‬ه‬ ‫يات‬ ‫َآَ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهّلل‬‫َب‬ ‫ْأ‬ ‫ُ ‪3‬ل‬‫{ق‬
‫ْ} [التوبـ ـ ــة‪ ،‬آية ‪ .]66 ،65‬كما أ‪ ،‬التسـ ــويةـ بني حكم‬ ‫ُم‬‫ِك‬‫َان‬ ‫ِيم‬
‫دإ‬ ‫َْ‬‫بع‬ ‫تم َ‬ ‫ُْ‬‫َر‬ ‫َف‬
‫دك‬ ‫َْ‬‫ْق‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬‫َذ‬‫ْت‬‫تع‬ ‫َ‬
‫البشــر‪ ،‬وحكم رب البشر من أشــنع أنــواعـ الشــرك والتنديــد‪ ،‬حيث أخرب اتعــاىل عن أهل النــار أهنم يقولــونـ – وهم يف‬
‫َب‬
‫ِّ‬ ‫ِ‪3‬ر‬ ‫ُم ب‬ ‫ِّيك‬ ‫ْن‬
‫ُسَو‬ ‫ِذ‬‫ِينٍ {‪ 3}97‬إ‬ ‫مب‬ ‫ٍ ُّ‬‫َالل‬ ‫ِي ض‬‫َّا َلف‬‫ُن‬ ‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫الن ـ ـ ـ ــار – آلهلتهم‪َ{ - :‬‬
‫تاهَّلل‬
‫َ} [الشــعراء‪ ،‬آية ‪ .]98 ،97‬فــإذا كــانت التســويةـ بني اهلل تعــاىل وبني خلقه يف عبــادة من العبــادات‬ ‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬‫ْ‬
‫تعترب شركاً يناقض التوحيد‪ ،‬فكيف مبن سوى حكم البشر حبكم اهلل تعاىل؟‬
‫(ح) أن احملكــومـ بتلك القــوانني الطاغوتية عن رضى واختيــار هو كــافر بــذلك؛ ألن الراضي بــالكفر كفاعلــه‪ ،‬كما‬
‫َر‬
‫ُ‬ ‫َف‬‫يك‬ ‫ُِ‬ ‫ياتِ هّللا‬‫ْ آَ‬ ‫ُم‬
‫ْت‬ ‫ِع‬ ‫َا سَم‬ ‫ِذ‬‫نإ‬ ‫َْ‬ ‫َابِ أ‬ ‫ِت‬‫الك‬
‫ِي ْ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫ْك‬ ‫لي‬ ‫ََ‬‫لع‬‫ََّ‬ ‫َز‬
‫دن‬ ‫َْ‬‫َق‬‫قال تعاىل‪{ - :‬و‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫ْر‬‫َي‬ ‫ِيثٍ غ‬ ‫َد‬
‫ِي ح‬ ‫ْف‬ ‫ُوا‬ ‫يخُوض‬ ‫َّى َ‬‫َت‬‫ْح‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫مع‬ ‫َْ‬‫دوا‬ ‫ْع‬
‫ُُ‬ ‫تق‬ ‫َالَ َ‬ ‫ها ف‬ ‫َِ‬ ‫ُب‬ ‫َأ‬ ‫هز‬ ‫َْ‬‫يسْت‬ ‫َُ‬‫ها و‬ ‫َِ‬ ‫ب‬
‫ْ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]140‬‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬
‫لُ‬ ‫مث‬ ‫ًا ِّ‬ ‫ِذ‬‫ْإ‬ ‫ُم‬‫نك‬ ‫إ‬
‫َِّ‬
‫يقول القرطيب‪ - :‬فدل هبذا على وجوب اجتنــاب أصـحاب املعاصــي‪،‬ـ ذ ظهر منهم منكــر‪ ،‬ألن من مل جيتنبهم فقد‬
‫رضي فعلهم‪ ،‬والرضا بالكفر كفر‪" )1(.‬‬

‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الفصل الرابع من الباب األول ‪( :‬إنكار حكم معلومـ من الدين بالضرورة) ‪.‬‬
‫(‪ )1‬تفسري القرطيب ‪. 5/418‬‬
‫‪71‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪344‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اإلعراض التام عن دين اهلل ال يتعلمه وال يعمل به‬

‫‪ -1‬نــذكر يف مطلع هــذا املبحث‪ ،‬بــأنـ اإلميان يتضــمن طاعة وانقيــاداً‪ ،‬وتســليماً وقبــوالً‪...‬كما قــال حممد بن نصر‬
‫املروزي – يف معىن اإلميان‪-:‬‬
‫" اإلميان باهلل‪ - :‬أن توحده‪ ،‬وتصدق به بالقلب واللسان‪ ،‬وختضع له وألمره‪ ،‬بإعطاء العزم لألداء ملا أمره‪ ،‬جمانباً‬
‫لالستنكاف‪،‬ـ واالستكبار‪،‬ـ واملعاندة‪ ،‬فإذا فعلت ذلك لزمت حمابه‪ ،‬واجتنبتـ مساخطه‪.‬‬
‫‪ -‬إىل أن ق ــال – وإميانك مبحمد ص ــلى اهلل عليه وس ــلم إق ــرارك ب ــه‪ ،‬وتص ــديقك إي ــاه‪ ،‬واتباعكـ ما ج ــاء ب ــه‪ ،‬ف ــإذا‬
‫اتبعت ما ج ـ ـ ـ ــاء ب ـ ـ ـ ــه‪ ،‬أديت الف ـ ـ ـ ــرائض‪ ،‬وأحللت احلالل‪ ،‬وحرم ـ ـ ـ ـ ـت احلرام‪ ،‬ووقفت عند الش ـ ـ ـ ــبهات‪ ،‬وس ـ ـ ــارعت يف‬
‫اخلريات‪" )2(.‬‬
‫ويقول ابن تيمية‪-:‬‬
‫" من املمتنع أن يك ــون الرجل مؤمن ـاً إميان ـاً ثابت ـاً يف قلب ــه‪ ،‬ب ــأنـ اهلل ف ــرض عليه الص ــالةـ والزك ــاة‪ ،‬والص ــيامـ واحلج‪،‬‬
‫ويعيش دهــره ال يســجد هلل ســجدة‪ ،‬وال يصــوم من رمضــان‪ ،‬وال يــؤدي هلل زكــاة‪ ،‬وال حيج إىل بيتــه‪ ،‬فهــذا ممتنــع‪ ،‬وال‬
‫يصـ ــدر هـ ــذا إال مع نفـ ــاق يف القلب وزندقـ ــة‪ ،‬ال مع إميان صـ ــحيح‪ ،‬وهلذا إمنا يصف سـ ــبحانه باالمتنـ ــاع من السـ ــجود‬
‫ِف‬
‫َال‬ ‫ُود‬ ‫َِلى السُّ‪3‬ج‬ ‫نإ‬ ‫َْ‬‫َو‬ ‫دع‬‫ي‪ْ 3‬‬‫َُ‬ ‫ٍو‬ ‫َن سَ‪3‬اق‬ ‫ُع‬ ‫ْشَ‪3‬ف‬ ‫يك‬ ‫َُ‬ ‫ْم‬‫يو‬‫الكف ـ ـ ـ ــار‪ ،‬كقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬‬
‫ُوا‬ ‫‪3‬ان‬ ‫َ‪3‬‬ ‫دك‬ ‫َ‪ْ3‬‬ ‫َق‬ ‫ةو‬ ‫ِلٌ‬
‫ْ ذَّ‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬ ‫هق‬
‫َْ‬‫ت‪ 3‬ر‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬ ‫َ‪3‬ار‬ ‫بص‬ ‫َْ‬ ‫ةأ‬ ‫ًَ‬ ‫ِع‬ ‫َاش‬ ‫ن {‪ 3}42‬خ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬‫يسْت‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ن} [القلم‪ ،‬آية ‪. ]43 ،42‬‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬ ‫ْ سَاِ‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫ِو‬‫ُود‬‫َِلى السُّج‬ ‫نإ‬ ‫َْ‬‫َو‬‫دع‬ ‫يْ‬ ‫ُ‬
‫وإذا كــان اإلميان يعد خضــوعاً واســتجابة وقبــوالً لــدين اهلل تعــاىل‪ ،‬فــإن اإلعــراض ينــايف ذلك ويضــاده كما ســيأيت‬
‫بيانه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪-2‬نشرع يف احلديث عن اإلعراض‪ ...‬فنورد معناه يف اللغة‪ ،‬ويقال‪ :‬أعرض عنه‪ ،‬أي صد عنه وتوىل عنه‬
‫ص‪345‬‬

‫(‪ )2‬تعظيم قدر الصالة ‪. 393 ، 1/392‬‬


‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪. 7/611‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬اللسان ‪ ، 7/182‬وترتيب القاموس للزاوي ‪ ، 3/196‬وخمتار الصحاح ص ‪ ، 425‬ونزهة األعني النواظر البن اجلوزي ‪2/1 ، 1/216‬‬
‫‪ ،‬ومفردات الراغب ص ‪. 838 ، 408 ، 406‬‬
‫‪72‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(‪)5‬‬
‫يقول الراغب األصفهاين‪ " - :‬وإذا قيل‪ :‬أعرض عين‪ ،‬فمعناه وىل مبدياً عرضه‪.‬‬
‫" يقــول الفيــومي‪:‬ـ ‪ -‬أعرضت عنــه‪ :‬أضــربت ووليت عنــه‪ ،‬وحقيقة جعل اهلمــزة للصــريورة أي أخــذت عرضـاً‪ ،‬أي‬
‫جانباً غري اجلانب الذي هو فيه‪" )2( )1(.‬‬
‫واملقصود باإلعراض – هاهنا – والذي يعد ناقضاً من نواقض اإلميان العملية‪ ،‬واإلعــراض التــام عن دين اهلل تعــاىل‬
‫ال يتعلمه وال يعمل به‪ ،‬وهو التويل عن طاعة‬
‫ص‪346‬‬
‫الرس ــول واالمتن ــاع عن اإلتبـ ــاع‪ ،‬والصـ ــدود عن قبـ ــول حكم الشـ ــريعة‪ ،‬فـ ــإذا ك ــان جنس العمل الظ ــاهر من أصل‬
‫اإلميان‪ ،‬فإن تركه وعدم االلتزام به إعراض كلي عن هذا العمل‪ ،‬ومن مث فهو كفر خمرج عن امللة‪.‬‬
‫لكن جيب أن يعلم أن اإلعــراض ليس كله مما خيرج عن امللــة‪ ،‬بل منه ما هو خمرج من امللة – كما ذكرنا – وهو‬
‫اإلعراض عن جنس العمل (الطاعة) والذي يعد شرطاً يف صحة اإلميان‪ ،‬كما وضحه ابن تيمية قائالً‪- :‬‬
‫" وقد ت ــبني أن ال ـدين البد فيه من ق ــول وعم ــل‪ ،‬وأنه ميتنع أن يك ــونـ الرجل مؤمن ـاً باهلل ورس ــوله بقلب ــه‪ ،‬أو بقلبه‬
‫ولسانه‪ ،‬ومل يؤد واجباً ظاهراً‪ ،‬وال صالة وال زكاة‪ ،‬وال صياماً‪ ،‬وال غري ذلك من الواجبات‪" )3(.‬‬

‫(‪ )5‬املفردات ص ‪. 495‬‬


‫(‪ )1‬املصباح املنري ص ‪. 478‬‬
‫(‪ )2‬وهبذا يعلم أن اإلعراض يف اللغة هو مبعىن التويل والصدود ‪ ..‬وبعضهمـ جيعل اإلعراض أشد وأبلغ من التويل (انظر تفسري املنار ‪، )3/266‬‬
‫واإلعراض يكون مبعىن الرتك ‪ ،‬ألن ترك الطاعة يعترب تولياً ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ " " - :‬قل أطيعوا اهلل والرسول فإن تولوا فإن اهلل ال حيب الكافرين " "‬
‫آل عمران ‪ ،‬آية ‪ ، 32‬ولعل هذا يؤكد أن اإلعراض ناقض عملي ‪ ،‬فإنه إذا كان تركاً فهو يعترب فعالً كما هو مقرر عند أهل األصول ‪ .‬وأمر آخر‬
‫حيسن هاهنا ذكره وهو أن ننبه على عدم اخللط بني اإلعراض ‪ ،‬واالعرتاض ‪ ،‬فاالعرتاض إعراض مع مناقضة ومصادمة للنصوص الشرعية ‪ ،‬وصد عن‬
‫سبيل اهلل تعاىل ‪ ،‬يقول ابن القيم يف بيان ذلك ‪ " - :‬إن اهلل سبحانه وصف املعرضني عن الوحي املعارضني له بعقوهلمـ وآرائهم باجلهل والضالل‬
‫واحلرية الشك والعمى والريب ‪ ،‬فال جيوز وصفهم بالعلمـ والعقل واهلدى ‪ ،‬ومنشأ ضالل هؤالء من شيئني أحدمها ‪ :‬اإلعراض عما جاء به الرسول ‪،‬‬
‫والثاين معارضته مبا يناقضه فمن ذلك نشأت االعتقادات املخالفة للكتاب والسنة ‪ ،‬فكل من أخرب خبالف ما أخرب به الرسول عن شيء من أمر اإلميان‬
‫باهلل وأمسائه وصفاته واليوم اآلخر أو غري ذلك فقد ناقضه وعارضه ‪ ...‬وهذا حال أهل اجلهل املركب‪ ،‬ومن أعرض عما جاء به الرسول ومل يعرفه‪،‬‬
‫ومل يتبينه‪ ،‬وال عارضه مبعقول أو رأي فهو من أهل اجلهل البسيط ‪ ،‬وهو أصل املركب " أ ‪ .‬هـ من الصواعق املرسلة ‪ 3/1131‬وملا كان الاعرتاض‬
‫أعظم إمثاً وأعم ضرراً من اإلعراض ‪ ،‬كانت عاقبته أشد ‪ ،‬وعذابه أسوأ ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ " " - :‬فمن أظلم ممن كذب بآيات اهلل وصدف عنها‬
‫سنجزي الذين يصدفونـ عن آياتنا سوء العذاب مبا كانوا يصدفون " " األنعام ‪،‬آية ‪ . 157‬فمن أظهر األقوال يف معىن هذه اآلية – كما يقول ابن‬
‫كثري – ما قاله السدي ‪ " - :‬أي مل ينتفع مبا جاء به الرسول ‪ ،‬وال اتبع ما أرسل به ‪ ،‬وال ترك غريه ‪ ،‬بل صدف عن اتباع آيات اهلل أي صرف‬
‫الناس وصدهم عن ذلك "أهـ" من تفسري ابن كثري ‪ 2/184‬ويدل على ذلك قوله تعاىل ‪ " " - :‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل اهلل زدناهم عذاباً فوق‬
‫العذاب " " النحل ‪ ،‬آية ‪.8‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪. 7/621‬‬
‫‪73‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وهنـ ــاكـ إع ـ ــراض ال خيرج من املل ـ ــة‪ ،‬ك ـ ــأن يك ـ ــونـ معه أصل اإلميان‪ ،‬لكنه يع ـ ــرض عن فعل واجب من الواجبـ ــات‬
‫(‪)4‬‬
‫(الطاعة أو االتب ــاع)‪ ،‬وبني اإلع ــراض‬ ‫الش ــرعية‪ ،‬وهبذا ن ــدرك الف ــرق بني اإلع ــراض الكلي عن جنس العمل الظ ــاهر‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلزئي عن بعض العمل‪ ،‬فاألول ينقض اإلميان وينفيه بالكلية‪ ،‬واآلخر ينقص اإلميان‪ ،‬لكن ال ينفيه بالكلية‪.‬‬
‫فه ــذا اإلع ــراض الكلي أو الت ــام خمرج عن املل ــة‪ ،‬ومن تلبس هبذا اإلع ــراض فهو ك ــافر‪ ،‬وإن ك ــان حيسب أنه حيسن‬
‫صنعاً‪ ،‬ألن من كان متمكناً مث فرّط فأعرض عما جاء به الرسول فهو تارك للواجب‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية – يف هذه املسألةـ ‪- :-‬‬
‫" وأصل ضالل هؤالء (الرافضة واجلهمية) اإلعراضـ عما جاء به الرسول من الكتاب واحلكمة‪ ،‬وابتغــاء اهلدى يف‬
‫خالف ذلك‪ ،‬فمن كان هذا أصله فهو بعد بالغ الرسالة كافر ال ريب فيه‪" )2(.‬‬
‫ص‪347‬‬
‫ويذكر ابن القيم الفرق بني املعرض املفرط وبني العاجز قائالً‪-:‬‬
‫َ‬‫ْت‬ ‫يا َلي‬ ‫" كل من اع ـ ـ ــرض عن االهت ـ ـ ــداء ب ـ ـ ــالوحي ال ـ ـ ــذي هو ذكر اهلل فالبد أن يق ـ ـ ــول ي ـ ـ ــوم القيامـ ـ ــة‪:‬ـ ‪َ{ -‬‬
‫ُ} [الزخرف‪ ،‬آية ‪]38‬‬ ‫ِين‬ ‫َر‬ ‫الق‬‫ْسَ ْ‬ ‫ِئ‬‫َب‬‫ْنِ ف‬ ‫َي‬ ‫ِق‬‫َشْر‬ ‫الم‬‫د ْ‬ ‫َْ‬‫بع‬ ‫َكَ ُ‬
‫ْن‬ ‫بي‬ ‫ََ‬‫ِي و‬ ‫ْن‬
‫بي‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫نُ‬‫ََّ‬‫نأ‬‫ُوَ‬ ‫ْسَب‬ ‫يح‬ ‫ََ‬ ‫فــإن قيل فهل هلذا عــذر يف ضــالله إذا كــان حيسب أنه على هــدى‪ ،‬كما قــال تعــاىل‪{ :‬و‬
‫َ} [األعراف‪ ،‬آية ‪.]30‬‬ ‫دون‬ ‫َُ‬ ‫هت‬
‫مْ‬ ‫ُّ‬
‫قيل ال عــذر هلذا وأمثاله من الضــالل الــذين منشأ ضــالهلم اإلعــراض عن الــوحي الــذي جــاء به الرســول صــلى اهلل‬
‫عليه وسـ ـ ـ ــلم‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـو ظن أنه مهتـ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬فإنه مفـ ـ ـ ـ ــرط بإعراضه عن اتبـ ـ ـ ـ ــاعـ داعي اهلدى‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ــإذا ضل فإمنا أتى من تفريطه‬
‫وإعراضه‪،‬وهـذاـ خبالف من كـان ضـالله لعـدم بلـوغ الرسـالة وعجـزه عن الوصـول إليهـا‪ ،‬فـذاك له حكم آخـر‪ ،‬والوعيدـ‬
‫يف القرآن إمنا يتناول األول‪ ،‬وأما الثاين فإن اهلل ال يعذب أحداً إال بعد إقامة احلجة عليه‪" )3(...‬‬
‫ويقـ ـ ــول أيضـ ـ ـ ـاً‪ " - :‬إن العـ ـ ـ ــذاب يسـ ـ ـ ــتحق بسـ ـ ـ ــببني‪ :‬أحـ ـ ـ ــدمها‪ :‬اإلعـ ـ ـ ــراض عن احلجة وعـ ـ ـ ــدم إراداهتا والعمل هبا‬
‫ومبوجبها‪" )4(...‬‬

‫(‪ )4‬ويلحق هبذا اإلعراض ما دل الدليل على أن تاركه يكفر ‪ ...‬كالصالة ‪ ،‬كما سيأيت تفصيالً إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر جمموعة الرسائل واملسائل النجدية ‪، 3/315‬والدرر السنية ‪ ، 8/258‬وإرشاد الطالب البن سحمان ص ‪ ، 11‬ومنهاج أهل احلق البن‬
‫سحمان ص ‪ ، 64 ، 63‬ورسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪. 201 – 195‬‬
‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪. 12/497‬‬
‫(‪ )3‬مفتاح دار السعادة ‪ , 44 ، 1/43‬وانظر هذه املسألة أكثر تفصيالً وبياناً يف طريق اهلجرتني ص ‪. 412‬‬
‫(‪ )4‬طريق اهلجرتني ص ‪. 414‬‬
‫‪74‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ًا {‪}99‬‬ ‫ْر‬ ‫ِك‬‫َّا ذ‬ ‫دن‬‫ِن َّلُ‬
‫َاكَ م‬ ‫ْن‬‫تي‬‫د آَ‬ ‫َْ‬
‫َق‬‫ويق ـ ـ ـ ــول ابن كثري عند تفسـ ـ ـ ـ ـ ــريه لقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫َاِ‬
‫ل‪ 3‬د‬ ‫ًا {‪ 3}100‬خ‬ ‫ْر‬ ‫ِز‬‫ِو‬‫م‪ 3‬ة‬ ‫َاَ‬ ‫ِي‬
‫الق‬
‫َ ْ‬ ‫ْم‬‫يو‬‫َُ‬ ‫ِل‬‫ْم‬ ‫يح‬‫هَ‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫هف‬ ‫ُْ‬‫َن‬ ‫َضَ ع‬‫ْر‬‫َع‬ ‫ْأ‬ ‫من‬
‫َ‬
‫مالً} [طـ ــه‪ ،‬آية ‪ -99‬ـ ـ ‪ " - :]101‬وهـ ــذا عـ ــام يف كل من‬‫ِ حِْ‬ ‫مة‬‫َاَ‬ ‫ِي‬
‫الق‬‫َ ْ‬ ‫ْم‬ ‫يو‬‫َْ‬ ‫هم‬‫َسَاء َلُ‬ ‫ِو‬ ‫ِيه‬‫ف‬
‫َ}‬‫لغ‬‫بَ‬‫من َ‬‫ََ‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ُم ب‬ ‫َك‬‫ِر‬‫بلغه القـ ـ ــرآن من العـ ـ ـ ــرب والعجم وأهل الكتـ ـ ـ ــاب وغـ ـ ـ ــريهم‪ ،‬كما قـ ـ ـ ــال‪{ - :‬ألُنذ‬
‫[األنعام‪،‬ـ آية ‪ ]19‬فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع‪ ،‬فمن اتبعه هدي‪ ،‬ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي يف‬
‫الدنيا والنار موعده يوم القيامة‪" )1(...‬‬
‫ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن آل الشيخ‪- :‬‬
‫" وأما من أعــرض عن اهلدى ودين احلق‪ ،‬ومل يرفع به رأسـاً بعد معرفتــه‪ ،‬أو مع متكنه من معرفتــه‪ ،‬فاألدلة القرآنية‬
‫ًا‬ ‫ِيع‬ ‫َم‬‫ها ج‬ ‫َْ‬ ‫ِن‬ ‫َا م‬‫ِط‬‫هب‬ ‫ل اْ‬ ‫َاَ‬ ‫واألح ــاديث النبويةـ دالة على دخ ــول ه ــؤالء يف الوعي ــد‪ .‬ق ــال تع ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫َال‬‫دايَ ف‬ ‫ه‪َ3‬‬ ‫َُ‬ ‫َ‪3‬ع‬ ‫اتب‬
‫َنِ َّ‬ ‫َم‬ ‫دى ف‬ ‫ه‪ً3‬‬ ‫ِّي ُ‬ ‫من‬ ‫ُم ِّ‬ ‫َّك‬‫َن‬ ‫ِي‬‫ْت‬‫يأ‬‫ما َ‬‫إَّ‬‫َِ‬ ‫ٌّ ف‬ ‫دو‬‫َُ‬ ‫ضع‬ ‫ٍْ‬‫َع‬‫لب‬ ‫ِْ‬‫ُم‬ ‫ُك‬‫ْض‬‫بع‬
‫َ‬
‫ًا‬ ‫َ‪3‬نك‬ ‫ةض‬ ‫ِيشَ‪ً3‬‬ ‫مع‬‫هَ‬ ‫ن َلُ‬ ‫إَّ‬‫َِ‬ ‫ِي ف‬ ‫ْر‬ ‫ِك‬ ‫َن ذ‬ ‫َضَ ع‬ ‫ْر‬ ‫َع‬ ‫ْأ‬ ‫من‬‫ََ‬‫َى {‪ 3 }123‬و‬ ‫يشْق‬ ‫َال َ‬ ‫ُّ و‬
‫ِل‬‫يض‬
‫َ‬
‫َى} [طه‪ ،‬آية ‪" )2(]124 , 123‬‬ ‫ْم‬‫َع‬‫ِأ‬‫مة‬‫َاَ‬ ‫ِي‬ ‫الق‬‫َ ْ‬ ‫ْم‬‫يو‬‫هَ‬ ‫ْشُر‬
‫ُُ‬ ‫نح‬‫ََ‬
‫و‬
‫‪-3‬واآلن نـ ـ ـ ـ ـ ــوجز حكم اإلعـ ـ ـ ـ ـ ــراض عن دين اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪ ،‬بأنه ينـ ـ ـ ـ ـ ــايف اإلميان ويضـ ـ ـ ـ ـ ــاده‪ ،‬كما قـ ـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫من‬ ‫هم ِّ‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ٌ ِّ‬ ‫ِيق‬ ‫َر‬
‫ََّلى ف‬ ‫َو‬‫يت‬ ‫ثم‬
‫َّ َ‬ ‫َا ُ‬ ‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َط‬ ‫َأ‬‫ِو‬ ‫َّسُول‬ ‫ِالر‬ ‫َب‬
‫ِو‬‫ِاهَّلل‬ ‫َّا ب‬‫من‬ ‫ن آَ‬‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ََ‬‫{و‬
‫َ} [النور‪ ،‬آية ‪.]47‬‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬
‫ِالم‬
‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ِكَ و‬ ‫َل‬‫ِذ‬ ‫ْد‬‫بع‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْا‬ ‫الو‬ ‫َ َ‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫َ َلُ‬‫ِيل‬ ‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬‫واإلع ــراض عن دين اهلل وشـ ــرعه هو حقيقة النفـ ــاق‪.‬ـ يقـ ــول تعـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َن‪33‬كَ‬ ‫نع‬ ‫دوَ‬ ‫ص‪ُّ33‬‬ ‫يُ‬
‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫ِق‬‫َ‪33‬اف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫يت‬ ‫َْ‬‫َأ‬‫ِر‬ ‫س‪33‬ول‬ ‫َِلى الر‬
‫َّ ُ‬ ‫َإ‬ ‫ُو‬‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬‫إ‬
‫دا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]61‬‬ ‫دوً‬ ‫ص‬
‫ُُ‬
‫يقول ابن القيم عن هــذه اآليــة‪ " - :‬فجعل اإلعــراض عما جـاء به الرســول واإللتفـاتـ إىل غـريه هو حقيقة النفــاق‪،‬‬
‫كما أن حقيقة اإلميان هو حتكيمه وارتفــاع احلرج عن الصــدور حبكمــه‪ ،‬والتســليم ملا حكم به رض ـ ًى واختيــاراً وحمبــة‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فهذا حقيقة اإلميان‪ ،‬وذلك اإلعراض حقيقة النفاق‪.‬ـ‬
‫ويقــول حممد رشــيد رضا – يف تفسري هــذه اآليــة‪ " - :‬واآلية ناطقة بــأن من صد وأعــرض عن حكم اهلل ورســوله‬
‫عم ـ ـ ــداً وال سي ـ ـ ـ ـ ـما بعد دعوته إليه وت ـ ـ ـ ــذكريه ب ـ ـ ـ ــه‪ ،‬فإنه يك ـ ـ ـ ـ ـون منافقـ ـ ـ ـ ـاً ال يعتد مبا يزعمه من اإلميان‪ ،‬وما يدعيه من‬
‫اإلسالم‪.‬ـ(‪" )4‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪. 3/160‬‬


‫(‪ )2‬منهاج التأسيس ص ‪. 228 ، 227‬‬
‫(‪ )3‬خمتصر الصواعق املرسلة ‪. 2/353‬‬
‫(‪ )4‬تفسري املنار ‪. 5/227‬‬
‫‪75‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن املؤمنني أهل طاعة وانقياد‪ ،‬وأصحاب استجابة وتسليم أما اإلعــراض عن دين اهلل تعــاىل فهو‬
‫من صفات الكافرين‪ ،‬وخصال املنافقني‪ ،‬كما جاء ذلك مفصالً يف آيات كثرية من القرآن‪.‬‬
‫ـاب اللّ ـ ِـه لِيَ ْح ُكم َبْيَن ُه ْم مُثَّ َيَتــوىَّل‬
‫ـاب ي ـ ْد َعو َن إِىَل كِتَ ـ ِ‬ ‫يق ــول اهلل تع ــاىل‪{ - :‬أَمَل َتــر إِىَل الَّ ِذين أُوتُ ــواْـ نَ ِ‬
‫ص ـيبا ِّمن الْ ِكتَ ـ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ضو َن} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]23‬‬ ‫يق ِّمْن ُه ْم َو ُهم ُّم ْع ِر ُ‬
‫فَ ِر ٌ‬
‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ٌ ِّ‬ ‫ِيق‬ ‫َر‬ ‫ََّلى ف‬ ‫َو‬ ‫يت‬
‫َّ َ‬ ‫ثم‬‫َا ُ‬ ‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َط‬‫َأ‬‫ِو‬ ‫َّسُول‬ ‫ِالر‬ ‫َب‬ ‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬ ‫َّا ب‬ ‫من‬ ‫ن آَ‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ََ‬ ‫{و‬
‫َِلى هَّللا‬
‫ِ‬ ‫‪3‬وا إ‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫دع‬ ‫َا ُ‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬‫َ {‪}47‬و‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫ُؤ‬ ‫ِ‪ْ 3‬‬
‫‪3‬الم‬ ‫‪3‬كَ ب‬ ‫ِ‪3‬‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬‫ما أ‬ ‫ََ‬ ‫‪3‬كَ و‬ ‫ل‪3‬‬ ‫َِ‬ ‫ِذ‬ ‫ْد‬ ‫بع‬ ‫من َ‬ ‫ِّ‬
‫ن} [النور‪ ،‬آية ‪.]48 , 47‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِض‬ ‫ْر‬ ‫مع‬ ‫هم ُّ‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ٌ ِّ‬ ‫ِيق‬ ‫َر‬ ‫َا ف‬ ‫ِذ‬ ‫ْإ‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ْن‬ ‫بي‬ ‫ََ‬ ‫ُم‬
‫ْك‬‫َح‬ ‫لي‬ ‫ِِ‬ ‫له‬ ‫َسُوِ‬ ‫َر‬ ‫و‬
‫َ} [األحقاف‪ ،‬آية ‪.]3‬‬ ‫ُون‬ ‫ِض‬ ‫ْر‬ ‫مع‬ ‫ُوا ُ‬ ‫ِر‬ ‫ُنذ‬ ‫َّا أ‬ ‫َم‬ ‫ُوا ع‬ ‫َر‬ ‫َف‬‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫{و‬
‫ص‪349‬‬
‫ٌّ} [القمر‪ ،‬آية ‪.]3‬‬ ‫ِر‬ ‫َم‬‫مسْت‬ ‫ٌ ُّ‬ ‫ْر‬ ‫ِح‬‫ُولوا س‬ ‫يق ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُوا و‬ ‫ِض‬ ‫ْر‬ ‫يع‬ ‫ةُ‬ ‫يً‬ ‫ْا آَ‬ ‫َو‬ ‫ير‬ ‫ِن َ‬ ‫َإ‬ ‫{و‬
‫ِي‬ ‫الذ‬ ‫‪َّ 3‬‬ ‫َى {‪}15‬‬ ‫ِالَّ األَشْق‬ ‫ها إ‬ ‫ْالَ‬ ‫يص‬ ‫َّى {‪ }14‬ال َ‬ ‫لظ‬ ‫تَ‬ ‫ًا َ‬ ‫َار‬ ‫ْن‬ ‫ُم‬‫تك‬ ‫ُْ‬ ‫ذر‬ ‫َنَ‬ ‫َأ‬ ‫{ف‬
‫ََّلى} [الليل‪ ،‬آية‪.]16-14 ،‬‬ ‫تو‬ ‫ََ‬ ‫َو‬ ‫َذب‬‫كَّ‬
‫‪ -4‬إن اإلعــراض عما جــاء به الرســول ذنب عظيم‪ ،‬وإمث كبــري‪ ،‬ولــذا فــإن له عــواقبـ وخيمــة‪ ،‬وآثــار ســيئة‪ ،‬نــذكر‬
‫منها ما يلي‪-:‬‬
‫َِلى‬ ‫َإ‬ ‫ُو‬ ‫ل هّللا‬‫ََ‬ ‫َن ‪3‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫ْا‬ ‫‪3‬الو‬ ‫َ‪َ 3‬‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫َ َلُ‬ ‫ِي ‪3‬ل‬ ‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫(أ) يقـ ـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪}- :‬و‬
‫َا‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ْ ‪3‬ف‬ ‫َي‬ ‫َك‬ ‫دا {‪}61‬ف‬ ‫دوً‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫‪3‬كَ ص‬ ‫َن‪3‬‬ ‫نع‬ ‫دوَ‬ ‫ُُّ‬‫يص‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫ِق‬ ‫َاف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫يت‬ ‫َْ‬‫َأ‬ ‫ِر‬ ‫َّسُول‬ ‫الر‬
‫ن‬
‫ِْ‬ ‫ِإ‬ ‫ِاهّلل‬ ‫نب‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِف‬ ‫ْل‬ ‫يح‬ ‫ُوكَ َ‬ ‫َ‪33‬آؤ‬ ‫َّ ج‬ ‫ثم‬‫ُْ‬ ‫ِم‬ ‫ِيه‬ ‫يد‬ ‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫مت‬ ‫َدَ‬‫َا قَّ‬ ‫ِم‬ ‫ةب‬ ‫ٌَ‬ ‫ِيب‬ ‫مص‬ ‫هم ُّ‬ ‫ُْ‬ ‫بت‬ ‫َاَ‬ ‫َص‬ ‫أ‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.62 ،]61‬‬ ‫ِيق‬ ‫ْف‬ ‫تو‬ ‫ََ‬ ‫ًا و‬ ‫ْسَان‬ ‫ِح‬‫ِالَّ إ‬ ‫َا إ‬ ‫دن‬ ‫َْ‬‫َر‬ ‫أ‬
‫ض‬
‫ِْ‬ ‫َع‬ ‫ِب‬ ‫هم ب‬ ‫َُ‬ ‫ِيب‬ ‫يص‬ ‫َن ُ‬ ‫ُأ‬‫د هّللا‬‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫َا ُ‬ ‫نم‬ ‫ََّ‬
‫ْأ‬ ‫لم‬‫َْ‬ ‫َاع‬ ‫ْف‬ ‫ْا‬ ‫ََّلو‬ ‫تو‬ ‫إن َ‬ ‫َِ‬‫ويقـ ـ ــول سـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ف‬
‫ْ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]49‬‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ُوب‬ ‫ُن‬ ‫ذ‬
‫(‪)1‬‬
‫فعلم من خالل هاتني اآليتني أن اإلعراض عن دين اهلل سبب يف وقوع البالياـ واملصائب‪.‬ـ‬
‫ين} [آل عمــران‪ ،‬آية ‪ .]63‬يقــول البيضــاوي يف‬ ‫(ب) ويقــول عز وجــل‪{ - :‬فَ ـِإن َتولَّواْ فَ ـِإ َّن اللّــه علِ ِ ِ ِ‬
‫يم بالْ ُم ْفس ـد َ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َْ‬
‫تفسري ه ـ ــذه اآليـ ـ ــة‪ " - :‬وعيد هلم‪ ،‬ووضع املظهر موضع املضـ ـ ــمر ليـ ـ ــدل على أن التـ ـ ــويل عن احلجج واإلع ـ ــراض عن‬
‫التوحيد إفساد للدين واالعتقاد املؤدي إىل فساد النفس‪ ،‬بل وإىل فساد العامل‪" )2(.‬‬

‫(‪ )1‬انظر خمتصر الصواعق البن القيم ‪. 2/353‬‬


‫(‪ )2‬تفسري البيضاوي ‪ ، 1/165‬وانظر تفسري أيب السعود ‪. 1/498‬‬
‫‪76‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ه‬
‫ُُ‬‫ْشُر‬ ‫نح‬ ‫ََ‬ ‫ًا و‬ ‫َنك‬ ‫ةض‬ ‫ِيشًَ‬ ‫مع‬ ‫هَ‬ ‫ن َلُ‬ ‫إَّ‬ ‫ِي ف‬
‫َِ‬ ‫ْر‬‫ِك‬ ‫َن ذ‬ ‫َضَ ع‬ ‫ْر‬‫َع‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ََ‬‫(ج) يقـ ـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫ُنت‬
‫ُ‬ ‫دك‬ ‫َ‪ْ33‬‬ ‫َق‬ ‫َى و‬ ‫ْم‬ ‫َع‬ ‫ِي أ‬ ‫تن‬ ‫َْ‬‫َشَر‬ ‫َح‬ ‫لم‬‫ِّ ِ‬
‫َب‬ ‫لر‬‫َاَ‬ ‫َى {‪ 33}124‬ق‬ ‫ْم‬‫َع‬ ‫ِأ‬ ‫مة‬ ‫َاَ‬ ‫ِي‬
‫الق‬ ‫َ ْ‬ ‫ْم‬‫يو‬
‫َ‬
‫ْم‬
‫َ‬ ‫َو‬ ‫الي‬‫ِكَ ْ‬ ‫ذل‬‫ََ‬‫َك‬ ‫ها و‬ ‫ََ‬‫ِيت‬ ‫َس‬‫َن‬ ‫َا ف‬ ‫تن‬‫ياُ‬ ‫ْكَ آَ‬ ‫تت‬ ‫َ‬
‫ِكَ أَ‬ ‫ذل‬ ‫ََ‬‫لك‬ ‫َاَ‬ ‫‪ 3‬ق‬ ‫ًا {‪}125‬‬ ‫ِير‬ ‫بص‬
‫َ‬
‫تنسَى} [طه‪ ،‬آية ‪.]126 – 123‬‬ ‫ُ‬
‫يق ــول ابن تيمي ــة‪ " -:‬من أع ــرض عنه [أي ال ــوحي} وإن مل يك ــذب به فإنه يك ــون ي ــوم القيامة يف الع ــذاب املهني‪،‬‬
‫وأن معيشته تكونـ ضنكا يف هذه احلياة‪ ،‬ويف الربزخ‪ ،‬واآلخرة‪ ،‬وهي املضنوكة النكدةـ احملشوة بأنواع اهلمــوم والغمــوم‬
‫واألحزان‪ ،‬كما أن احلياة الطيبة هي ملن آمن وعمل صاحلاً‪.‬‬
‫‪ -‬إىل أن ق ــال – وقد أمر آدم وبن ــوه من حني أهبط باتب ــاع ه ــداه ال ــذي يوحيه إىل األنبي ــاء‪،‬ـ فثبت أن علة الش ــرك‬
‫كان من ترك اتباعـ األنبياء واملرسلني فيما أمروا به من‬
‫ص‪350‬‬
‫(‪)1‬‬
‫التوحيد والدين‪.‬‬
‫ِي} أي خ ـ ــالف أم ـ ــري وما أنزلته على رس ـ ــويل‪،‬‬ ‫ِك‬
‫ْر‬ ‫َن ذ‬‫َضَ ع‬
‫ْر‬‫َع‬
‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ََ‬ ‫ويق ـ ــول ابن كث ـ ــري‪ - :‬قوله ‪{ :‬و‬
‫ًا} يف الـ ـ ـ ــدنيا فال طمأنينةـ لـ ـ ــه‪ ،‬وال‬
‫َنك‬
‫ةض‬‫ِيشًَ‬
‫مع‬‫هَ‬‫ن َلُ‬
‫إَّ‬
‫َِ‬‫أعـ ـ ــرض عنه وتناسـ ـ ـ ــاه وأخذ من غري هـ ـ ـ ــداه‪{ ،‬ف‬
‫انشراح لصدره‪ ،‬بل صـدره ضـيق حـرج لضـالله‪ ،‬وإن تنعم ظـاهره‪ ،‬ولبس ما شـاء وأكل ما شـاء‪ ،‬وسـكن حيث شـاء‪،‬‬
‫فإن قلبه ما مل خيلص إىل اليقني واهلدى فهو يف قلق وحرية وشك‪ ،‬فال يزال يف ريبة يرتدد‪" )2(.‬‬
‫ويق ــول الش ــيخ حممد بن عبد الوه ــاب عن ه ــذه اآلية ‪ " - :-‬ذكر اهلل ملن أع ــرض عن الق ــرآن عقوب ــتني إح ــدامها‪:‬‬
‫املعيشةـ الض ــنك‪ ،‬وفس ــرها الس ــلف بن ــوعني‪ ،‬أح ــدمها‪ :‬ض ــنك ال ــدنيا‪ ،‬وهو أنه إن ك ــان غني ـاً‪ ،‬س ــلط عليه خ ــوف الفق ــر‪،‬‬
‫وتعب القلب والبدن يف مجيع الدنيا حىت يأتيه املوت ومل يتهن بعيش‪.‬‬
‫الثاين‪ - :‬الضنك يف الـربزخ وهو عـذاب القـرب‪ ،‬وفسر الضـنك يف الـدنيا أيضـاً باجلهـل‪ ،‬فـإن الشك واحلرية هلما من‬
‫القلق وضيق الصدر ما هلما‪" )3(.‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ِ‪3‬يب‬
‫َُ‬ ‫تص‬‫َن ُ‬
‫ِأ‬‫ِه‬
‫مر‬‫َْ‬
‫ْأ‬‫َن‬
‫نع‬‫ُوَ‬
‫لف‬‫يخَاِ‬‫َُ‬ ‫ِيـن‬ ‫الذ‬
‫ِ َّ‬
‫ذر‬‫َْ‬
‫َح‬‫لي‬ ‫(د) يق ـ ـ ـ ـ ــول تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫َْ‬
‫ٌ} [النـور‪ ،‬آية ‪.]63‬‬
‫ِيم‬‫َل‬
‫ٌأ‬ ‫َاب‬‫َذ‬‫ْع‬‫هم‬
‫َُ‬‫ِيب‬ ‫يص‬ ‫ُْ‬ ‫َو‬ ‫ةأ‬ ‫ٌَ‬ ‫ْن‬‫ِت‬
‫ف‬
‫(‪)4‬‬
‫ومعىن خيالفون‪ - :‬يعرضون ويصدون‪.‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ = 20/107‬باختصار وانظر ‪. 112 ، 20/109 :‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪. 3/164‬‬
‫(‪ )3‬جمموعة مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪. 267 ، 4/266‬‬
‫(‪ )4‬انظر تفسري البيضاوي ‪ ، 2/136‬وأضواء البيان ‪. 6/252‬‬
‫‪77‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ة}‬‫ٌَ‬ ‫ْن‬‫ِت‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫َُ‬‫ِيب‬ ‫تص‬‫َن ُ‬ ‫ومما قاله ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ - :‬قوله تعاىل {أ‬
‫أي يف قلوهبم من كفر أو نفاق أو زندقة‪ " .‬أو يصـيبهم عــذاب أليم " أي يف الــدنيا بقتل أو حد أو حبس أو حنو‬
‫ذلك‪" )5(.‬‬
‫َّن‬‫ِم‬ ‫ُم‬ ‫لم‬‫َْ‬ ‫َظ‬‫ْأ‬ ‫من‬‫ََ‬ ‫(هـ ــ) وقد أورد الش ــنقيطي مجلة من ع ــواقبـ اإلع ــراض‪ ،‬عند تفس ــريه لقوله تع ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ه} [الكهف‪،‬ـ آية ‪.]57‬‬ ‫داُ‬ ‫يَ‬‫َْ‬ ‫مت‬ ‫َدَ‬
‫ما قَّ‬ ‫ِيَ َ‬ ‫نس‬‫ََ‬‫ها و‬ ‫َْ‬ ‫َن‬‫َضَ ع‬‫ْر‬ ‫َع‬ ‫َأ‬ ‫ِف‬ ‫به‬ ‫َِّ‬‫ياتِ ر‬ ‫ِآَ‬ ‫َب‬ ‫ِّر‬‫ُك‬ ‫ذ‬
‫فكان مما قاله رمحه اهلل‪- :‬‬
‫ص‪351‬‬
‫" وما ذك ـ ـ ــره يف ه ـ ـ ــذه اآلية الكرمية من أن اإلع ـ ـ ــراض عن الت ـ ـ ــذكرة بآي ـ ـ ــات اهلل من أعظم الظلم‪ ،‬قد زاد عليه يف‬
‫مواضع أخر بيان أشياء من العـواقب الوخيمة الناشـئةـ عن اإلعـراض عن التــذكرة‪ ،‬فمن نتائجه الســيئة‪ :‬ما ذكـره هنا يف‬
‫أن ص ــاحبه من أعظم الن ــاس ظلمـ ـاً‪ ،‬ومن نتائجه الس ــيئةـ جعل األكنة على القل ــوب حىت ال تفقه احلق‪ ،‬وع ــدم االهت ــداء‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬ ‫َان‬ ‫ِي آذ‬ ‫َف‬‫هو‬ ‫هوُ‬ ‫َُ‬ ‫ْق‬‫يف‬‫َن َ‬ ‫ةأ‬ ‫ًَّ‬ ‫ِن‬‫َك‬ ‫ْأ‬ ‫ِم‬‫ِه‬
‫ُوب‬ ‫ُل‬ ‫لى ق‬ ‫ََ‬‫َا ع‬ ‫لن‬ ‫َْ‬ ‫َع‬‫َّا ج‬ ‫ِن‬ ‫أبــداً‪ ،‬فقــال تعــاىل {إ‬
‫دا} [الكهـ ــف‪ ،‬آية ‪،]57‬‬ ‫بً‬ ‫ََ‬‫ًا أ‬ ‫ِذ‬ ‫دوا إ‬ ‫هت‬
‫َُ‬ ‫يْ‬ ‫لن َ‬ ‫ََ‬‫دى ف‬ ‫هَ‬ ‫َِلى ْ‬
‫الُ‬ ‫ْإ‬ ‫هم‬‫ُُ‬ ‫دع‬ ‫تْ‬‫ِن َ‬ ‫َإ‬‫ًا و‬ ‫ْر‬ ‫َق‬ ‫و‬
‫ِّر‬
‫َ‬ ‫ُك‬ ‫َّن ذ‬‫ِم‬ ‫ُم‬ ‫لم‬‫َْ‬‫َظ‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ََ‬‫ومنها انتقـ ـ ـ ــامـ اهلل جل وعال من املعـ ـ ـ ـ ــرض عن التـ ـ ـ ـ ــذكرة‪ ،‬كما قـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ن} [السـ ـ ــجدة‪ ،‬آية‬ ‫ُوَ‬ ‫ِم‬‫َق‬ ‫منت‬ ‫َُ‬‫ِين‬ ‫ِم‬‫ْر‬ ‫ُج‬ ‫الم‬‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫َّا م‬ ‫ِن‬ ‫ها إ‬ ‫َْ‬ ‫َن‬
‫َضَ ع‬ ‫ْر‬ ‫َع‬‫َّ أ‬‫ثم‬ ‫ُِ‬ ‫به‬ ‫ياتِ ر‬
‫َِّ‬ ‫ِآَ‬ ‫ب‬
‫َ{‬ ‫ِين‬ ‫ِض‬‫ْر‬ ‫مع‬‫ُِ‬ ‫َة‬‫ِر‬ ‫ذك‬‫َّْ‬
‫َنِ الت‬ ‫ْع‬ ‫هم‬ ‫َا َلُ‬ ‫َم‬ ‫‪ ،]22‬ومنها ك ـ ــون املعـ ــرض كاحلمـ ــار كما ق ـ ــال تع ـ ــاىل {ف‬
‫ة} [املدثر‪ ،‬آية ‪ ،]49‬ومنها اإلنذار بصاعقةـ مثل صــاعقة عــاد ومثود كما‬ ‫ٌَ‬‫ِر‬‫َنف‬ ‫مسْت‬ ‫ُر‬
‫ٌ ُّ‬ ‫ُم‬ ‫ْح‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫ََّ‬‫َأ‬ ‫‪}49‬ك‬
‫ٍ‬
‫َ‪33‬اد‬ ‫ِع‬ ‫َة‬ ‫ِق‬
‫ص‪33‬اع‬ ‫ََ‬ ‫ْل‬ ‫مث‬ ‫ًَ‬
‫ة ِّ‬ ‫ِق‬ ‫َاع‬ ‫ْص‬ ‫ُم‬‫تك‬ ‫ُْ‬‫ذر‬‫َنَ‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬‫َق‬ ‫ُوا ف‬ ‫َض‬ ‫ْر‬ ‫َع‬ ‫نأ‬ ‫إْ‬ ‫َِ‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫َن‬ ‫ْشُ ع‬ ‫يع‬ ‫من َ‬ ‫ََ‬‫د} [ فص ــلت‪ ،‬آية ‪ ،]13‬منها تق ــييض القرن ــاء من الش ــياطني كما ق ــال تع ــاىل‪{ - :‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫ثم‬ ‫ََ‬ ‫و‬
‫ٌ} [الزخرف‪ ،‬آية ‪" )1( .]36‬‬ ‫َر‬
‫ِين‬ ‫َ َلُ‬
‫هق‬ ‫هو‬ ‫ًا ف‬
‫َُ‬ ‫َان‬
‫ْط‬ ‫ِّضْ َلُ‬
‫ه شَي‬ ‫َي‬ ‫نق‬
‫َنِ ُ‬
‫ْم‬‫َّح‬
‫ِ الر‬
‫ْر‬‫ِك‬
‫ذ‬
‫‪ -5‬وأما وجه كون هذا اإلعراض من نواقض اإلميان فذلك جلملة من االعتبارات نذكر منها ما يلي‪-:‬‬
‫َّا‬
‫من‬ ‫ن آَ‬‫ُولوَ‬
‫يق ُ‬ ‫ََ‬‫(أ)أن اهلل تعــاىل نفى اإلميان عمن أعــرض وتــوىل عن دين اهلل عز وجــل‪ ،‬يقــول تعــاىل {و‬
‫ما‬‫ََ‬‫‪3‬كَ و‬
‫ل‪3‬‬‫َِ‬‫ِذ‬ ‫ْ ‪3‬د‬ ‫بع‬‫من َ‬ ‫هم ِّ‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ٌ ِّ‬‫ِيق‬ ‫َر‬
‫ََّلى ف‬‫َو‬
‫يت‬ ‫َّ َ‬‫ثم‬ ‫َا ُ‬‫ْن‬ ‫َع‬‫َط‬
‫َأ‬‫ِو‬ ‫َّسُول‬ ‫ِالر‬ ‫َب‬ ‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬
‫ب‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬‫ْن‬
‫بي‬ ‫ُم‬
‫ََ‬ ‫ْك‬ ‫َح‬‫لي‬ ‫ِِ‬ ‫َسُوِ‬
‫له‬ ‫َر‬
‫ِو‬ ‫َِلى هَّللا‬
‫ُوا إ‬ ‫دع‬‫َا ُ‬ ‫ِذ‬‫َإ‬ ‫َ {‪}47‬و‬ ‫ِين‬‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬‫ِالم‬
‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬
‫أ‬
‫ن} [النور‪ ،‬آية ‪.]48 ،47‬‬‫ُوَ‬ ‫ِض‬ ‫ْر‬‫مع‬
‫هم ُّ‬ ‫ُْ‬‫من‬‫ٌ ِّ‬‫ِيق‬ ‫َر‬ ‫َا ف‬ ‫ِذ‬
‫إ‬

‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪. 3/297‬‬


‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪ = 143 ، 4/142‬باختصار ‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يق ــول ابن ح ــزم عن ه ــذه اآلي ــات‪ " - :‬ه ــذه اآلي ــات حمكم ــات مل ت ــدع ألحد علقة يش ــغب هبا‪ ،‬قد بني اهلل فيها‬
‫صــفة فعل أهل زماننا فــإهنم يقولــون‪:‬ـ حنن املؤمنــونـ باهلل وبالرســول وحنن طــائعون هلمــا‪ ،‬مث يتــوىل طائفة منهم بعد هــذا‬
‫اإلقـ ــرار فيخـ ـ ـالفون ما وردهم عن اهلل عز وجل ورس ـ ــوله ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪ ،‬أولئك بنص حكم اهلل تعـ ــاىل ليسـ ــوا‬
‫مؤمنني‪" )2(.‬‬
‫ص‪352‬‬
‫ويق ــول ابن تيمية عن هــذه اآليــات وأمثالـ ـها‪ " - :‬فنفى اإليـ ـمان عمن ت ــوىل عن العمل وإن كــان قد أتى ب ــالقول‪،‬‬
‫َا‬‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ِو‬ ‫س‪33‬وِ‬
‫له‬ ‫َُ‬‫َر‬‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬
‫ُ‪33‬وا ب‬ ‫من‬‫َ آَ‬‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ن َّ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬‫الم‬‫َا ْ‬ ‫نم‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ه} [النور‪،‬ـ آية ‪.]62‬‬ ‫ُوُ‬ ‫ِن‬‫ْذ‬ ‫َأ‬
‫يسْت‬‫َّى َ‬ ‫َت‬‫ُوا ح‬ ‫هب‬ ‫ذَ‬‫يْ‬‫َْ‬ ‫ٍ َلم‬‫ِع‬ ‫َام‬ ‫ٍج‬ ‫مر‬ ‫َْ‬ ‫لى أ‬ ‫ََ‬
‫هع‬ ‫َُ‬‫مع‬‫ُوا َ‬ ‫َان‬ ‫ك‬
‫ْ} [األنفـ ــال‪،‬‬
‫هم‬‫بُ‬‫ُوُ‬ ‫ُل‬‫ْق‬ ‫لت‬ ‫َجَِ‬
‫ُو‬ ‫ِر‬
‫َ هّللا‬ ‫َا ذ‬
‫ُك‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ن َّ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬
‫ُؤ‬ ‫الم‬ ‫َا ْ‬ ‫نم‬ ‫وقـ ــال‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫آية ‪ ]2‬ففي القرآن والسنة من نفى اإلميان مل يأت بالعمل مواضع كثرية‪" )3(...‬‬
‫ويقــول ابن كثري يف تفسري هــذه اآليــات‪ " - :‬خيرب تعــاىل عن صــفات املنــافقني الــذين يظهــرون خالف ما يبطنــون‪،‬‬
‫ِيق‬
‫ٌ‬ ‫َر‬‫ََّلى ف‬‫َو‬ ‫يت‬‫َّ َ‬ ‫ثم‬‫َا ُ‬ ‫ْن‬
‫َع‬‫َط‬‫َأ‬
‫ِو‬ ‫َّسُول‬‫ِالر‬ ‫َب‬ ‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬ ‫َّا ب‬ ‫من‬‫يقول ـ ـ ـ ــون ق ـ ـ ـ ـ ــوالً بألسـ ـ ـ ـ ـ ــنتهم‪{ - :‬آَ‬
‫ما‬‫ََ‬ ‫ِكَ}‪ ،‬أي خيالفون أقواهلم بأعماهلم فيقولون ما ال يفعلون‪ ،‬وهلذا قــال تعــاىل‪{ - :‬و‬ ‫َل‬ ‫ِذ‬ ‫ْد‬ ‫بع‬ ‫من َ‬ ‫هم ِّ‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ِّ‬
‫ُم‬
‫َ‬ ‫ْك‬ ‫َح‬
‫لي‬ ‫ِِ‬‫له‬‫َسُوِ‬ ‫َر‬‫ِو‬ ‫َِلى هَّللا‬
‫ُوا إ‬ ‫دع‬‫َا ُ‬ ‫ِذ‬‫َإ‬ ‫َ} وقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ :‬و‬ ‫ِن‬
‫ِين‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬ ‫ِالم‬ ‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫أ‬
‫ْ} اآلية‪ ،‬أي إذا طلبوا إىل اتبــاعـ اهلدى فيما أنــزل اهلل على رســوله أعرضــوا عنه واســتكربواـ يف أنفســهم عن‬ ‫هم‬ ‫ْن‬
‫َُ‬ ‫بي‬ ‫َ‬
‫اتباعه‪.‬ـ‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -‬إىل أن قال – وأياً كان فهو كفر حمض واهلل عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من الصفات‪.‬‬
‫مع أن بعض املفس ـ ــرين ي ـ ــرى أن معىن اآلية أبلغ مما سـ ــبق ذكـ ــره‪ ،‬حيث يقررون بـ ــأنـ اجلميع منتف عنهم اإلميان‪،‬‬
‫وإن كان اإلعراض والتويل من بعضهم‪ ،‬وذلك بسبب حتقق الرضا باإلعراض من مجيعهم‪ ،‬كما قال النسفي‪:‬ـ ‪-‬‬
‫َ} أي املخلص ــني‪ ،‬وهو إش ــارة إىل الق ــائلني آمنا وأطعن ــا‪،‬ـ ال‬ ‫ِن‬
‫ِين‬ ‫ْم‬
‫ُؤ‬‫ِالم‬‫ِكَ ب ْ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫" قوله {و‬
‫إىل الفريق املتــويل وحــده‪ ،‬وفيه إعالم من اهلل بــأنـ مجيعهم منتف عنهم اإلميان‪ ،‬العتقــادهم ما يعتقد هــؤالء‪ ،‬واإلعــراضـ‬
‫وإن كان من بعضهم‪ ،‬فالرضا باإلعراض من كلهم‪" )1(.‬‬

‫(‪ )2‬اإلحكام يف أصول األحكام ‪. 1/92‬‬


‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪ ، 7/142‬وانظر ‪. 7/221‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري ‪ = 3/288‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬تفسري النسفي ‪ ، 4/409‬وانظر تفسري أيب السعود ‪. 4/134‬‬
‫‪79‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َضَ‬‫ْر‬ ‫َع‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫إض ــافة إىل ذل ــك‪ ،‬فمن األدلة على أن اإلع ــراض عن دين اهلل تع ــاىل ين ــايف اإلميان‪ ،‬قوله تع ــاىل {و‬
‫ََ‬
‫َى {‪}124‬‬ ‫ْم‬‫َع‬‫ِأ‬ ‫مة‬‫َاَ‬ ‫ِي‬ ‫الق‬ ‫َ ْ‬ ‫ْم‬‫يو‬ ‫هَ‬ ‫ُُ‬ ‫ْشُر‬ ‫نح‬‫ََ‬‫ًا و‬‫َنك‬ ‫ةض‬ ‫ِيشًَ‬ ‫مع‬‫هَ‬ ‫ن َلُ‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫ِي ف‬ ‫ْر‬ ‫ِك‬‫َن ذ‬‫ع‬
‫ْكَ‬‫تت‬ ‫ََ‬ ‫ِكَ أ‬ ‫ذل‬‫ََ‬‫لك‬ ‫َاَ‬ ‫ًا {‪ }125‬ق‬ ‫ِير‬ ‫بص‬ ‫َُ‬ ‫ُنت‬ ‫دك‬ ‫َْ‬
‫َق‬‫َى و‬ ‫ْم‬‫َع‬ ‫ِي أ‬ ‫تن‬‫َْ‬‫َشَر‬ ‫َح‬ ‫لم‬ ‫ِّ ِ‬
‫َب‬ ‫لر‬ ‫َاَ‬‫ق‬
‫من‬
‫ْ‬ ‫ِي َ‬ ‫ْ ‪3‬ز‬ ‫نج‬
‫ِكَ َ‬ ‫ذل‬‫ََ‬ ‫َك‬‫تنسَى {‪ 33}126‬و‬ ‫َُ‬ ‫ْم‬‫َو‬
‫الي‬
‫ِكَ ْ‬ ‫ذل‬‫ََ‬ ‫َك‬‫ها و‬ ‫ََ‬‫ِيت‬ ‫َس‬‫َن‬‫َا ف‬ ‫تن‬ ‫ياُ‬ ‫آَ‬
‫َى} [ط ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬آية‬
‫بق‬ ‫َْ‬ ‫َأ‬ ‫دو‬ ‫ش‪ُّ33‬‬‫ََ‬ ‫ِأ‬ ‫َة‬‫ُ اآلخِر‬ ‫َاب‬ ‫َذ‬‫ََلع‬‫ِو‬‫به‬‫َِّ‬ ‫ياتِ ر‬ ‫ِآَ‬ ‫ِن ب‬ ‫ْم‬ ‫يؤ‬ ‫ُْ‬ ‫ََلم‬ ‫َو‬ ‫َسْر‬
‫َف‬ ‫أ‬
‫‪.]128-124‬‬
‫من‬
‫ْ‬ ‫ِي َ‬ ‫ْز‬ ‫نج‬‫ِكَ} [أي مثل ذلك اجلزاء املوافق للجنايـ ـة‪َ{ ،‬‬ ‫ذل‬ ‫[وك‬
‫ََ‬ ‫وكما قـ ــال أبو السـ ــعود‪ " - :‬قوله تعـ ــاىل َ‬
‫ِ} [بل كذهبا وأعرض عنها] …(‪")1‬‬ ‫به‬ ‫َِّ‬‫ياتِ ر‬ ‫ِآَ‬ ‫ِن ب‬‫ْم‬‫يؤ‬
‫ُْ‬ ‫ََلم‬ ‫َ} باالهنماك يف الشهوات‪{ ،‬و‬ ‫َسْر‬
‫َف‬ ‫أ‬
‫(ب) إذا كان اإلميان يتضمن طاعة وانقياداً‪ ،‬وتسليماً وقبوالً‪ ،‬واستجابة وخضوعاً لدين اهلل تعاىل‪ ،‬فــإن اإلعــراض‬
‫يض ــاد ذلك وينافي ــه‪ ،‬فهو ت ــول وص ــدود‪ ،‬وت ــرك وامتن ــاع‪ ،‬وهو إع ــراض عن اهلدى‪ ،‬وع ــدم إرادته والعمل به ومبوجب ــه‪،‬‬
‫وقد تقرر – عند أهل السنة – أن اإلميان ليس تصديقاً قلبياً فحسب‪،‬بل البد فيه من اخلضوع والانقياد‪.‬‬
‫وكما يقول ابن تيمية‪ " - :‬ال بد أن يقرتنـ بالعلم يف البــاطن مقتضـاهـ من العمل الـذي هو احملبة والتعظيم والانقيـاد‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬كما أنه البد أن يقرتن باخلرب الظاهر مقتضاه من االستسالمـ واالنقياد ألهل الطاعة‪ ،‬فهؤالء الذين يعلمـون‬
‫احلق الــذي بعث اهلل به رســوله‪ ،‬وال يؤمنــون بــه‪ ،‬ويقــرون به يوصــفون بــأهنم كفــار‪ ،‬وبــأهنم جاحــدون ويوصــفونـ بــأهنم‬
‫مكـ ــذبون بألس ـ ــنتهم‪ ،‬وأهنم يقول ـ ــونـ بألس ـ ــنتهمـ خالف ما يف قل ـ ــوهبم‪ ،‬وقد أخرب اهلل يف كتابه أهنم ليسـ ــوا مبكـ ــذبني مبا‬
‫عمل ــوه‪ ،‬أي مك ــذبني بقل ــوهبم وإن مل يكون ــواـ مؤم ــنني مق ــرين مص ــدقني‪ ،‬إذ العبد خيلو يف الش ــيء الواحد عن التص ــديق‬
‫والتكــذيب‪.‬ـ والكفر أعم من التكــذيبـ فكل من كــذب الرســول كــافر‪ ،‬وليس كل كــافر مكــذباً‪ ،‬بل من يعلم صــدقه‪،‬‬
‫ويقر به وهو مع ذلك يبغضه أو يعاديه كافر‪ ،‬أو من أعرض فلم يعتقد ال صدقه وال كذبه كافر وليس مبكذب‪" )2(..‬‬
‫وأيض ـاً ف ــإن املع ــرض عن دين اهلل تع ــاىل ال حيب ه ــذا ال ــدين وال يبغضــه‪،‬ـ وال يص ــدق ب ــالنيب وال يكذب ــه‪ ،‬ولــذا فهو‬
‫مع ـ ــرض عن الطاعة واالتبـ ـ ــاع‪،‬ـ بسـ ـ ــبب خلو القلب من هـ ـ ــذا احلب أو اإلرادة؛ ومن املعلـ ـ ــوم أن ه ـ ــذا احلب أو اإلرادة‬
‫الصادقة لو كانت موجودة لظهر الزمها من الطاعة واالنقياد‪.‬‬
‫قــال ابن تيميــة‪ " -:‬حمبة اهلل بل حمبة اهلل ورســوله من أعظم واجبــات اإلميان وأكرب أصــوله وأجل قواعــده‪ ،‬بل هي‬
‫أصل كل عمل من أعمال اإلميان والدين‪ ،‬كما أن‬
‫صـ‪354‬‬

‫(‪ )1‬تفسري أيب السعود ‪. 3/675‬‬


‫(‪ )2‬التسعينية ‪. 5/166‬‬
‫‪80‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫التصديق به أصل كل قول من أقوال اإلميان والدين‪" )3( .‬‬
‫ول فـِإن َت َولَّْواْ‬
‫الر ُسـ َ‬ ‫(ج) ذكر اهلل تعاىل أن اإلعراض والتويل عن طاعة اهلل كفر‪ ،‬فقال تعاىل‪{ - :‬قُل أ ِ‬
‫َطيعُواْ اللّهَ َو َّ‬ ‫ْ‬
‫فَِإ َّن اللّه الَ حُيِ ُّ ِ‬
‫ين} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]32‬‬ ‫ب الْ َكاف ِر َ‬ ‫َ‬
‫يق ــول ابن كثري يف تفس ــريه‪{ - :‬ف ـِإن َت َولَّْواْ} [أي ختالفوا عن أم ــره‪ " ،‬ف ــإن اهلل ال حيب الك ــافرين " ف ــدل على أن‬
‫خمالفته يف الطريق كف ـ ــر‪ ،‬واهلل ال حيب من اتصف ب ـ ــذلك وإن ادعى وزعم يف نفسه أنه حمب هلل ويتق ـ ــرب إليه حىت‬
‫(‪)1‬‬
‫يتابع الرسول النيب األميـ خامت الرسل ورسول اهلل إىل مجيع الثقلني‪.‬‬
‫ويقـ ــول البيضـ ــاوي‪ " - :‬وإمنا مل يقل ال حيبهم لقصد العمـ ــوم والداللة على أن التـ ــويل عن الطاعة كفـ ــر‪ ،‬وأنه من‬
‫هذه احليثية ينفيـ حمبة اهلل وأن حمبته خمصوصة باملؤمنني‪" )2(.‬‬
‫ويقــول أبو الســعود‪ " - :‬وإيثــار اإلظهــار على اإلضــمار لتعميم احلكم لكل الكفــرة واإلشــعار بعلتــه‪ ،‬فــإن ســخطه‬
‫تعاىل عليهم بسبب كفرهم واإليذانـ بأن التويل عن الطاعة كفر‪" )3(.‬‬
‫ومما يــدل على أن اإلعــراض عن دين اهلل والتــويل عن طاعته كفــر‪ ،‬أن اهلل تعــاىل توعد من أعــرض وتــوىل بالصــلي‬
‫َّى {‬ ‫لظ‬ ‫تَ‬ ‫ًا َ‬ ‫َار‬ ‫ْن‬ ‫ُم‬‫تك‬‫ُْ‬‫ذر‬‫َنَ‬ ‫املطلق يف النـ ــار‪ ،‬وهو املكثـ فيها واخللـ ــود الـ ــدائم‪ ،‬كما قـ ــال تعـ ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫َأ‬
‫ََّلى} [الليـ ـ ـ ــل‪ ،‬آية ‪،]16-14‬‬ ‫تو‬ ‫َو‬
‫ََ‬ ‫َذب‬‫ِي كَّ‬ ‫الذ‬
‫َى {‪َّ 3}15‬‬ ‫ِالَّ األَشْق‬ ‫ها إ‬ ‫ْالَ‬‫يص‬‫‪ }14‬ال َ‬
‫فاملتويل عن الطاعة كافر‪ ،‬ويشمله هذا الوعيد الشديد‪ ،‬كما أن املكذب كافر‪ ،‬وداخل يف هذا الوعيد أيضاً‪.‬‬
‫َى} [أي يص ــالها ص ـلياً الزم ـاً‬ ‫ِالَّ األَشْق‬
‫ها إ‬ ‫ْالَ‬ ‫يص‬‫يق ــول الش ــوكاين يف تفسري اآلي ــات الس ــابقة‪{ - :‬ال َ‬
‫على جهة اخلل ــود إال األش ــقى وهو الك ــافر‪ ،‬وإن ص ــليها غ ــريه من العص ــاة فليس ص ــليه كص ــليه … مث األش ــقىـ فق ــال‪:‬‬
‫ََّلى}‬ ‫تو‬‫ََ‬‫َو‬ ‫ِي كَّ‬
‫َذب‬ ‫الذ‬‫{ َّ‬
‫صـ‪355‬‬
‫أي كذب باحلق الذي جاءت به الرسل‪ ،‬وأعرض عن الطاعة واإلميان‪" )4(.‬‬
‫(د) قرر القرآن الكرمي أن اإلعراض عن دين اهلل تعاىل من صفات املنافقني‪ ،‬وأن التويل عن طاعته من النفاق‪.‬‬
‫َِلى‬
‫َإ‬‫ُو‬ ‫ل هّللا‬
‫ََ‬‫َن ‪3‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫َِلى َ‬‫ْإ‬‫ْا‬‫‪3‬الو‬‫َ‪َ 3‬‬ ‫تع‬
‫َْ‬ ‫هم‬‫َ َلُ‬ ‫ِي ‪3‬ل‬ ‫َا ق‬‫ِذ‬
‫َإ‬‫يق ـ ـ ـ ــول اهلل تع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاىل‪{ - :‬و‬
‫دا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]61‬‬
‫دوً‬ ‫ُُ‬ ‫َنكَ ص‬ ‫نع‬‫دوَ‬ ‫يص‬
‫ُُّ‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫ِق‬‫َاف‬‫ُن‬
‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫يت‬‫َْ‬ ‫َأ‬ ‫ِر‬ ‫َّسُول‬ ‫الر‬

‫(‪ )3‬التحفة العراقية يف أعمل القلوب ص ‪. 57‬‬


‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪1/338‬‬
‫(‪ )2‬تفسري البيضاوي ‪. 1/156‬‬
‫(‪ )3‬تفسري أيب السعود ‪ ، 1/466‬وانظر تفسري روح املعاين لآللوسي ‪. 3/130‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير ‪. 5/453‬‬
‫‪81‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يق ــول ابن ح ــزم عند ه ــذه اآلي ــة‪ " - :‬فليتق اهلل – ال ــذي إليه املع ــاد – ام ــرؤ على نفسه ولتوجل نفسه عند ق ــراءة‬
‫هذه اآلية‪ ،‬وليشتد إشفاقه من أن يكون خمتــاراً للــدخول حتت هـذه الصـفة املذكورة املذمومةـ املوبقة املوجبة للنـار‪ ،‬فــإن‬
‫من نــاظر خصــمه يف مســألة من مســائل الديانة وأحكامها اليت أمرنا بالتفقه فيها فــدعاه خصــمه إىل ما أنــزل اهلل تعــاىل‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وإىل كـالم الرسول‪ ،‬فصد عنهما‪ ،‬ودعاه إىل قـياس أو إىل قول فالن وفالن‪ ،‬فليعلم أن اهلل عز وجل قد مساه منافقاً‪.‬‬
‫"‬
‫ويقـ ــول ابن تيمية – يف هـ ــذه اآلية السـ ــابقة ‪ " :-‬فـ ــبني سـ ــبحانه أن من تـ ــوىل عن طاعة الرسـ ــول‪ ،‬وأعـ ــرض عن‬
‫حكمه فهو من املنافقني‪ ،‬وليس مبؤمن‪ ،‬وأن املؤمن هو الذي يقول مسعنا وأطعنـا‪ ،‬فالنفـاق يثبت‪،‬ـ ويـزول اإلميان مبجـرد‬
‫اإلعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إىل غريه‪" )1( .‬‬
‫ْ‬‫ه ‪3‬ل‬ ‫ضَ‬ ‫بع‬
‫ٍْ‬ ‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫هم‬ ‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْض‬ ‫بع‬ ‫ََ‬ ‫َر‬
‫نظ‬ ‫ة َّ‬ ‫ٌَ‬ ‫ْ سُور‬ ‫َِلت‬ ‫ُنز‬‫ما أ‬ ‫َا َ‬ ‫ِذ‬‫َإ‬‫وقـ ـ ـ ـ ــال عز وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬و‬
‫ٌ الَّ‬
‫ْم‬ ‫َ ‪3‬و‬ ‫ْق‬‫هم‬ ‫نُ‬ ‫ََّ‬
‫‪3‬أ‬‫ِ‪3‬‬ ‫هم ب‬ ‫بُ‬ ‫‪3‬وَ‬ ‫ل‪3‬‬‫ُُ‬‫ُق‬ ‫َ هّللا‬
‫َف‬‫َ‪3‬ر‬ ‫ْص‬ ‫ُوا‬ ‫َف‬‫َ‪3‬ر‬ ‫َّ انص‬ ‫ثم‬‫ٍُ‬‫َ ‪3‬د‬ ‫َح‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ُم ِّ‬ ‫َاك‬ ‫ير‬
‫َ‬
‫هون} [التوبة‪،‬ـ آية ‪.]127‬‬ ‫َُ‬ ‫ْق‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫يقول ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ " - :‬هذا إخبار عن املنافقني أهنم إذا أنزلت ســورة على رسـول اهلل صـلى اهلل‬
‫عليه وســلم " نظر بعض ــهم إىل بعض " أي تلفتــوا‪ " ،‬هل ي ــراكم من أحد مث انصــرفوا " أي تول ــوا عن احلق وانصــرفوا‪،‬ـ‬
‫َنِ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬ ‫َا َلُ‬ ‫َم‬‫وه ـ ــذا ح ـ ــاهلم يف الـ ـ ــدنيا ال يثبتـ ـ ــونـ عند احلق‪ ،‬وال يقبلونـ ـ ــه‪ ،‬وال يفهمونـ ـ ــه‪ ،‬لقوله تعـ ـ ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫َّت‬ ‫َ‪33‬ر‬‫ة {‪}50‬ف‬ ‫ٌَ‬ ‫ِر‬ ‫َنف‬ ‫س‪33‬ت‬ ‫مْ‬ ‫ُ‪33‬ر‬
‫ٌ ُّ‬ ‫ُم‬
‫ْح‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫ََّ‬
‫َ‪33‬أ‬‫َ {‪}49‬ك‬ ‫ض‪33‬ين‬‫ِِ‬ ‫ْر‬‫مع‬ ‫ُِ‬‫َة‬ ‫ِر‬ ‫ذك‬ ‫َّْ‬ ‫الت‬
‫ٍ} [املدثر‪ ،‬آية ‪" )2(.]51 – 49‬‬ ‫َة‬ ‫َر‬ ‫َسْو‬ ‫ق‬
‫صـ‪356‬‬
‫ْ‬‫من‬ ‫هم َّ‬ ‫ُْ‬‫ِن‬ ‫بل إن عاقبة اإلعـ ـ ـ ــراض عن طاعة اهلل تعـ ـ ـ ــاىل هي الوقـ ـ ـ ــوع يف النفـ ـ ـ ــاق‪ ،‬كما قـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َم‬
‫َ{‬ ‫ِحِين‬ ‫الص‪33‬ال‬‫َّ‬ ‫ِن‬
‫َ‬ ‫َّ م‬‫َن‬ ‫ُ‪33‬ون‬ ‫َك‬‫ََلن‬ ‫َّ و‬ ‫َن‬‫دق‬‫ََّّ‬‫َص‬ ‫ِ َلن‬‫ِه‬‫ْل‬ ‫َض‬ ‫ِن ف‬ ‫َا م‬‫تان‬ ‫ْ آَ‬ ‫ِن‬ ‫َ َلئ‬‫د هّللا‬
‫هَ‬ ‫َاَ‬ ‫ع‬
‫ن {‪}76‬‬ ‫ُوَ‬‫ِض‬ ‫ْر‬‫مع‬ ‫هم ُّ‬ ‫َُّ‬‫ْو‬ ‫ََّلوا‬ ‫تو‬‫ََ‬‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬‫ُوا‬ ‫بخِل‬ ‫َِ‬‫ِه‬‫ْل‬ ‫َض‬ ‫من ف‬ ‫هم ِّ‬
‫تاُ‬ ‫َّا آَ‬ ‫لم‬ ‫ََ‬ ‫‪ }75‬ف‬
‫ما‬ ‫ََ‬ ‫ْ هّللا‬
‫ُ‪33‬وا‬ ‫لف‬‫َْ‬ ‫َخ‬‫َا أ‬ ‫ِم‬ ‫هب‬ ‫نُ‬ ‫َْ‬‫َو‬‫لق‬‫يْ‬ ‫َِ‬ ‫ْم‬‫يو‬‫َِلى َ‬ ‫ْإ‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫ُوب‬ ‫ُل‬ ‫ِي ق‬ ‫ًا ف‬‫َاق‬ ‫ِف‬ ‫ْن‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫َب‬ ‫ْق‬ ‫َع‬ ‫َأ‬
‫ف‬
‫َ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]77 – 75‬‬ ‫بون‬ ‫ُِ‬ ‫ْذ‬ ‫يك‬ ‫َْ‬‫ُوا‬ ‫َان‬‫َا ك‬ ‫ِم‬
‫َب‬‫هو‬ ‫دوُ‬ ‫َُ‬ ‫َع‬
‫و‬
‫ومما قاله الشــوكاين يف تفسري هــذه اآليــات‪ " - :‬قوله " وتولــواـ " أي أعرضــوا عن طاعة اهلل وإخــراج صــدقات ما‬
‫أعط ـ ــاهم اهلل من فضـ ـ ــله " و" احلال أهنم معرضـ ـ ــون " يف مجيع األوقـ ـ ــات قبل أن يعطيهم اهلل ما أعط ـ ــاهم من ال ـ ــرزق‬

‫(‪ )5‬اإلحكام يف أصول األحكام ‪. 1/91‬‬


‫(‪ )1‬الصارمـ املسلول ص ‪. 33‬‬
‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪. 2/385‬‬
‫‪82‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وبعده‪ ،‬قوله‪ " :‬فأعقبهمـ نفاقاً يف قلوهبم إىل يوم يلقونه " الفاعل هو اهلل سبحانه‪ ،‬أي فأعقبهمـ اهلل بسبب البخل الذي‬
‫وقع منهم واإلعراض نفاقاً كائناً يف قلوهبم‪ ،‬متمكناً منها‪ ،‬مستمراً فيها‪" )3(.‬‬
‫‪-6‬ويف هناية ه ـ ــذا املبحث ن ـ ــورد مجلة من كالم أهل العلم يف ه ـ ــذا الن ـ ــاقض يق ـ ــول القرطيب عند قوله تع ـ ــاىل‪- :‬‬
‫ِي‬‫الذ‬ ‫َى {‪َّ 33}15‬‬ ‫ش‪33‬ق‬ ‫ِالَّ األَْ‬ ‫ها إ‬ ‫ْالَ‬ ‫يص‬‫َّى {‪ }14‬ال َ‬ ‫لظ‬‫تَ‬‫ًا َ‬ ‫َار‬ ‫ْن‬ ‫ُم‬ ‫تك‬‫ُْ‬ ‫ذر‬ ‫َنَ‬‫َأ‬‫{ف‬
‫ََّلى} [الليــل‪ ،‬آية ‪ " :]16-14‬وتــوىل‪ :‬أعــرض عن اإلميان‪ ،‬قــال قتــادة‪ - :‬كــذب بكتــاب اهلل‪ ،‬وتــوىل‬ ‫تو‬ ‫ََ‬‫َو‬ ‫كَّ‬
‫َذب‬
‫عن طاعة اهلل وقال الفراء‪ :‬مل يكن كذب برد ظاهر‪ ،‬ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة‪ ،‬فجعل تكذيباً …(‪" )4‬‬
‫ها‬ ‫َْ‬ ‫َن‬ ‫َع‬ ‫دف‬‫ََ‬ ‫َص‬ ‫ِو‬ ‫ياتِ هّللا‬‫ِآَ‬‫َب‬ ‫َذب‬ ‫َّن كَّ‬ ‫ِم‬ ‫ُم‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫َظ‬‫ْأ‬ ‫َن‬
‫َم‬ ‫ويق ــول ابن تيمي ــة‪ " - :‬ق ــال تع ــاىل‪{ - :‬ف‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫‪3‬ان‬ ‫َ‪3‬‬‫َا ك‬ ‫ِم‬‫َابِ ب‬ ‫َ‪3‬ذ‬‫الع‬‫ء ْ‬ ‫َا سُ‪3‬وَ‬ ‫ِن‬ ‫يات‬ ‫ْ آَ‬ ‫َن‬ ‫نع‬ ‫ُوَ‬‫ِف‬‫ْ‪3‬د‬ ‫يص‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ِي َّ‬ ‫ْز‬
‫َج‬ ‫سَ‪3‬ن‬
‫ن} [األنعام ‪.]157‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِف‬ ‫ْد‬‫يص‬
‫َ‬
‫ف ــذكر س ــبحانه أنه جيزي الص ــادف عن آياته مطلق ـاً – س ــواء ك ــان مك ــذباً أو مل يكن – س ــوء الع ــذاب مبا ك ــانوا‬
‫يصدفون‪ ،‬يبني ذلك أن كل من مل يقر مبا جاء به الرسول فهو كافر‪ ،‬سواء اعتقد كذبــه‪ ،‬أو اســتكرب عن اإلميان بــه‪،‬‬
‫أو أعــرض عنه اتباعـاًـ ملا يهــواه‪ ،‬أو ارتــاب فيما جــاء بــه‪ ،‬فكل مكــذب مبا جــاء به فهو كــافر‪ ،‬وقد يكــونـ كــافراً من ال‬
‫يكذبه إذا مل يؤمن به‪" )1(.‬‬
‫صـ‪357‬‬
‫ويعرف ابن القيم كفر اإلعراض مع ذكر مثاله‪ ،‬فيقول‪- :‬‬
‫" وأما كفر اإلع ــراض فـ ـأن يع ــرض بس ــمعه وقلبه عن الرس ــول ال يص ــدقه وال يكذب ــه‪ ،‬وال يواليه وال يعادي ــه‪ ،‬وال‬
‫يصــغيـ إىل ما جــاء به ألبتــه‪ ،‬كما قــال أحد بين عبد ياليل للنيب صــلى اهلل عليه وســلم‪ " :‬واهلل أقــول لك كلمة إن كنت‬
‫صادقاً فأنت أجل يف عيين من أرد عليك‪ ،‬وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أكلمك‪" )3( )2(.‬‬
‫ويقول – يف موضع آخر عند ذكره ألنــواعـ الكفر … " وكفر إعــراض حمض ال ينظر فيما جــاء به الرســول‪ ،‬وال‬
‫حيبه‪ ،‬وال يبغضه‪،‬ـ وال يواليه‪،‬ـ وال يعاديه‪ ،‬بل هو معرض عن متابعة ومعاداته‪" )4(.‬‬

‫(‪ )3‬فتح القدير ‪. 385 , 2/384‬‬


‫(‪ )4‬تفسري القرطيب ‪ = 87 ، 20/86‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬الدرء ‪. 1/56‬‬
‫(‪ )2‬انظر سرية ابن هشام ‪ ، 445 ،2/444‬والبداية البن كثري ‪ . 3/135‬ولفظهما ‪ " - :‬واهلل ال أكلمك أبداً ‪ ،‬لئن كنت رسوالً من اهلل كما‬
‫تقول ألنت أعظم خطراً من أرد عليك الكالم ‪ ،‬ولئن كنت تكذب على اهلل ‪ ،‬وما ينبغي يل أن أكلمك ‪".‬‬
‫(‪ )3‬مدارج السالكني ‪. 1/338‬‬
‫(‪ )4‬مفتاح دار السعادة ‪. 1/94‬‬
‫‪83‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ـاب اللّ ـ ِـه‬
‫ـاب ي ـ ـ ْد َعو َن إِىَل كِتَ ـ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ويق ــول ابن كثري عند تفسـ ــريه لقوله تعـ ــاىل {أَمَلْ َتـ ـ َـر إىَل الذ َ‬
‫ين أ ُْوتُـ ــواْ نَص ـ ـيبًاـ ِّم َن الْكتَـ ـ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ضو َن} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]23‬‬ ‫يق ِّمْن ُه ْم َو ُهم ُّم ْع ِر ُ‬
‫ليَ ْح ُك َم َبْيَن ُه ْم مُثَّ َيَت َوىَّل فَ ِر ٌ‬
‫" يق ــول تعـ ــاىل منك ــراً على اليهـ ــود والنصـ ــارى املتمس ــكني فيما يزعمـ ــون بكتـ ــابيهم اللـ ــذين بأي ــديهم ومها الت ــوراةـ‬
‫واإلجنيل‪ ،‬وإذا دعوا إىل التحــاكم إىل ما فيهما من طاعة اهلل فيما أمـرهم به من اتبـاعـ حممد صـلى اهلل عليه وســلم تولــوا‬
‫وهم معرضون عنهما‪ ،‬وهذا يف غاية ما يكون من ذمهم والتنويهـ بذكرهم باملخالفة والعناد‪" )5(.‬‬
‫وأورد الشــيخ حممد بن عبد الوهــاب رمحه اهلل اإلعــراض ضــمن نــواقض اإلســالم فقــال‪ " - :‬اإلعــراض عن دين اهلل‬
‫ثم‬
‫َّ‬ ‫ُِ‬ ‫به‬ ‫ياتِ ر‬
‫َِّ‬ ‫ِآَ‬ ‫َب‬ ‫ُك‬
‫ِّر‬ ‫َّن ذ‬ ‫ِم‬‫ُم‬ ‫َْ‬
‫لم‬ ‫َظ‬ ‫ْأ‬ ‫من‬
‫ََ‬‫تعــاىل ال يتعلمه وال يعمل بــه‪ ،‬والــدليل قوله تعــاىل‪{ - :‬و‬
‫ن} [السجدة‪ ،‬آية ‪" )6(.]22‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِم‬
‫َق‬ ‫منت‬‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬ ‫ْر‬‫ُج‬‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫ِن‬ ‫َّا م‬ ‫ِن‬‫ها إ‬ ‫َْ‬‫َن‬‫َضَ ع‬ ‫ْر‬‫َع‬ ‫أ‬

‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪. 1/336‬‬


‫(‪ )6‬جمموعة التوحيد (رسالة نواقض اإلسالم ) ص ‪ ، 272‬وانظر إرشاد الطالب البن سحمان ص ‪ ، 11‬وهاتف األمن لعبد العزيز بن راشد ص‬
‫‪. 104 – 98‬‬
‫‪84‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪358‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫مظاهرةـ المشركين على المسلمين‬

‫‪ -1‬يف بداية هذا املبحث‪ ،‬نذكر – بإجياز – نبذة عن أمهية عقيدة الوالء والرباء‪ ،‬ومعناهاـ فنقول‪- :‬‬
‫ن‬
‫َْ‬ ‫ََّلو‬
‫َو‬‫يت‬‫َْ‬ ‫هم‬‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ًا ِّ‬‫ِير‬ ‫َث‬
‫َى ك‬‫تر‬ ‫إن ال ـ ـ ـ ــوالء والـ ـ ـ ـ ـ ــرباء شـ ـ ـ ـ ـ ــرط يف اإلميان‪ ،‬كما قـ ـ ـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪َ{ :‬‬
‫ِي‬ ‫َف‬‫ْو‬ ‫ِم‬‫ْه‬‫لي‬ ‫ََ‬‫ُع‬ ‫س‪33‬خِط‬
‫َ هّللا‬ ‫َن َ‬‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫َنف‬
‫ُسُُ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬‫ْ َلُ‬ ‫مت‬‫َدَ‬
‫ما قَّ‬ ‫ْسَ َ‬ ‫ِئ‬ ‫ْ َلب‬ ‫ُوا‬ ‫َر‬ ‫َف‬‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َّ‬
‫ما‬ ‫ََ‬‫ِيِّ و‬
‫َّب‬‫ِاهلل والن‬ ‫نب‬ ‫ُوَ‬‫ِن‬
‫ْم‬‫يؤ‬ ‫ُوا ُ‬ ‫َان‬ ‫ْك‬‫ََلو‬ ‫‪ 3‬و‬ ‫ن {‪}80‬‬ ‫دوَ‬ ‫لُ‬ ‫َاِ‬ ‫ْخ‬ ‫هم‬ ‫َابِ ُ‬ ‫َذ‬ ‫الع‬‫ْ‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫ِ‪3‬ق‬ ‫َاس‬ ‫ْف‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫من‬‫ًا ِّ‬
‫‪3‬ير‬‫ِ‪3‬‬‫َث‬ ‫َّ ك‬ ‫ِن‬‫ََلـك‬‫َاء و‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫ُوُ‬ ‫اتخَذ‬
‫ما َّ‬ ‫َِ‬ ‫ْه‬ ‫َِلي‬‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫أ‬
‫[املائدة‪،‬ـ آية ‪.]84 – 83‬‬
‫يقول ابن تيمية عن هذه اآلية‪ " - :‬فذكر مجلة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط‪ ،‬وجد املشروط حبرف " لو "‬
‫ِيِّ‬
‫َّب‬‫ِاهلل والن‬ ‫نب‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬
‫يؤ‬‫ُوا ُ‬ ‫َان‬ ‫ْك‬‫ََلو‬ ‫اليت تقتضيـ مع الشـ ـ ـ ــرط انتفـ ـ ـ ــاء املشـ ـ ـ ــروط‪ ،‬فقـ ـ ـ ــال‪ }- :‬و‬
‫َ‪33‬اء} فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدل على أن اإلميان املذكور ينفي اختاذهم‬ ‫لي‬ ‫َو‬
‫ِْ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫ُوُ‬‫اتخَذ‬ ‫ما َّ‬ ‫َِ‬ ‫ْه‬‫َِلي‬ ‫لإ‬ ‫َِ‬‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫و‬
‫أولي ــاء ويض ــاده‪ ،‬وال جيتمع اإلميان واختاذهم أوليـ ــاء يف القلب‪ ،‬ودل ذلك على أن من اختذهم أولي ــاء‪ ،‬ما فعل اإلميان‬
‫الواجب من اإلميان باهلل والنيب وما أنزل إليه …(‪" )1‬‬
‫والــوالء والــرباء أوثق عــرى اإلميان‪ ،‬كما قــال صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬أوثق عــرى اإلميان احلب يف اهلل والبغضـ‬
‫يف اهلل " (‪" )2‬‬
‫يقول الشيخ سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب‪- :‬‬
‫" فهل يتم الدين أو يقام علم اجلهاد‪ ،‬أو علم األمر باملعروف والنهيـ عن املنكر إال بــاحلب يف دين اهلل والبغض يف‬
‫اهلل‪ ،‬واملعــاداةـ يف اهلل واملواالة يف اهلل‪ ،‬ولو كــان النــاس متفقني على طريقة واحــدة‪ ،‬وحمبة من غري عــداوة وال بغضــاء‪ ،‬مل‬
‫يكن فرقاناً بني احلق والباطل‪ ،‬وال بني املؤمنني والكفار‪ ،‬وال بني أولياء الرمحن وأولياء الشيطان‪" )3(.‬‬
‫صـ‪359‬‬
‫ويقول الشيخ محد بن عتيق (‪-:)4‬‬

‫(‪ )1‬اإلميان ص ‪. 14‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ 4/286‬وابن أيب شيبه يف كتاب اإلميان ح (‪ ، )110‬وأخرجه احلاكم يف املستدركـ ‪ ، 2/480‬وحسنه األلباين يف " الصحيحة "‬
‫حديث رقم (‪. )1728‬‬
‫(‪ )3‬رسالة أوثق عرى اإلميان ص ‪. 38‬‬
‫‪85‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫"فأما مع ــاداة الكفـ ــار واملش ــركني ف ــاعلم أن اهلل س ــبحانه وتع ــاىل قد أوجب ذل ــك‪ ،‬وأكد إجيابه وح ــرم م ــواالهتم‬
‫وشدد فيها‪ ،‬حىت أنه ليس يف كتاب اهلل تعاىل حكم فيه من األدلة أكثر وال أبني من هذا احلكم بعد وجوب التوحيد‪،‬‬
‫وحترمي ضده‪" )5(.‬‬
‫وقد كان النيب صلى اهلل عليه وسل ـم يبــايع أصــحابه على حتقيق هــذا األصل العظيم‪ ،‬فعن جرير بن عبد اهلل البجلي‬
‫(‪ )1‬رضي اهلل عنه ق ــال‪ - :‬أتيتـ النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم وهو يب ــايع‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رس ــول اهلل ابسط ي ــدك حىت أبايعك‬
‫واشــرتط علي فــأنت أعلم قــال‪ " :‬أبايعك على أن تعبد اهلل‪ ،‬وتقيم الصــالة‪،‬ـ وتــؤيت الزكــاة‪ ،‬وتناصح املســلمني‪ ،‬وتفــارق‬
‫املشركني‪" )1(.‬‬
‫وجاء من طريق هبز بن حكيم عن أبيه عن جده (‪ " - :)2‬قلت يا نيب اهلل ما أتيتكـ حىت حلفت أكــثر من عــددهن‬
‫– ألصــابع يديه – أال آتيــك‪ ،‬وال آيت دينــك‪ ،‬وإين كنت امــرءاً ال أعقل شــيئاً إال ما علمين اهلل ورســوله‪ ،‬وإين أســألك‬
‫بوجه اهلل عز وجل مبا بعثك ربك إلينــا؟ قــال‪ - :‬باإلســالم‪ ،‬قــال‪ :‬قلت‪ :‬وما آيــات اإلســالم؟ قــال‪ :‬أن تقــول‪ :‬أســلمت‬
‫وجهي إىل اهلل عز وجل وختليت‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤيت‬
‫صـ‪360‬‬
‫الزك ــاة‪ ،‬كل مسـ ــلم على مسـ ــلم حمرم‪ ،‬أخـ ــوان نصـ ــريان‪ ،‬ال يقبل اهلل عز وجل من مشـ ــرك بع ــدما أس ــلم عمالً أو‬
‫يفارق املشركني إىل املسلمني‪" )3(.‬‬
‫وما أمجل تلك العبارة اليت سطرها أبو الوفاء بن عقيل قائالً‪-:‬‬

‫(‪ )4‬محد بن علي بن عتيق ‪ ،‬من علماء جند ‪ ،‬ولد يف الزلفي سنة ‪ 1227‬هـ ‪ ،‬وتوىل القضاء يف عدة بلدان ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف باألفالج سنة ‪1301‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬علماء جند ‪ ، 1/228‬ومشاهري علماء جند ص ‪. 244‬‬
‫(‪ )5‬النجاة والفكاك من مواالة املرتدين وأهل الاشراك (ضمن جمموعة التوحيد ) ص ‪. 363‬‬
‫(‪ )5‬النجاة والفكاك من مواالة املرتدين وأهل الاشراك (ضمن جمموعة التوحيد ) ص ‪. 363‬‬
‫‪ 1‬جرير بن عبد اهلل البجلي ‪ ،‬من أعيان الصحابة ‪ ،‬كان بديع احلسن ‪ ،‬كامل اجلمال ‪ ،‬بعثه النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل ذي اخللصة فهدمها ‪ ،‬سكن‬
‫الكوفة ‪ ،‬مات سنة ‪ 51‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 2/530‬االصابة ‪. 1/475‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ، 4/365‬والنسائي ‪ ، 7/148‬والبيهقي ‪ 9/13‬وصححه األلباين يف " الصحيحة " (‪. )936‬‬
‫(‪ )2‬هو معاوية بن حيدة القشريي ‪ ،‬جد هبز بن حكيم ‪ ،‬صحب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬نزل البصرة ‪ ،‬أخرج له أصحاب السنن ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬االصابة ‪. 6/149‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ ، )5/4‬واحلاكم (‪ )4/600‬وصححه ‪ ،‬ووافقه الذهيب ‪ ،‬وحسن األلباين إسناده يف الصحيحة (‪. )369‬‬
‫‪86‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" إذا أردت أن تعلم حمل اإلس ــالمـ من أهل الزم ــان‪ ،‬فال تنظر إىل زحامهـ ـم يف أب ــواب اجلوام ــع‪ ،‬وال ض ــجيجهم يف‬
‫املوقف بلبيـ ــك‪ ،‬وإمنا انظر إىل مواطـ ــأهتم أعـ ــداء الشـ ــريعة‪ ،‬عـ ــاش ابن الراون ـ ـدي واملعري عليه ـ ـما لعـ ــائن اهلل ينظم ـ ـون‬
‫وينـ ــثرون كف ـ ــراً … وعاش ـ ــواـ س ـ ــنني‪ ،‬وعظمت قب ـ ــورهم‪ ،‬واش ـ ــرتيت تصانيفه ـ ـ ـم‪ ،‬وه ـ ــذا ي ـ ــدل على بـ ــرودة الدي ـ ـن يف‬
‫القلب‪" )4(.‬‬
‫وأما معىن الـ ــوالء فهو احملبةـ واملودة والقـ ــرب‪ ،‬والـ ــرباء هو البغض والعـ ــداوةـ والبعـ ــد‪ ،‬والـ ــوالء والـ ــرباء من أعمـ ــال‬
‫القلوب‪ ،‬لكن تظهر مقتضياهتما على اللسان واجلوارح‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ‪-:‬‬
‫" وأصل املواالة احلب‪ ،‬وأصل املعـ ـ ــادة البغض‪،‬ـ وينشأ عنهما من أعمـ ـ ــال القلـ ـ ــوب واجلوارح ما ي ـ ــدخل يف حقيقة‬
‫املواالة واملعاداةكالنصرة واألنس واملعاونة‪،‬ـ وكاجلهاد واهلجرة‪ ،‬وحنو ذلك من األعمال‪" )5( .‬‬
‫َا‬‫نم‬ ‫والـ ـ ــوالء ال يكـ ـ ــونـ إال هلل تعـ ـ ــاىل ولرسـ ـ ــوله صـ ـ ــلى اهلل عليه وسـ ـ ــلم‪ ،‬وللمؤمـ ـ ــنني قـ ـ ــال سـ ـ ــبحانه‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ن‬
‫ت‪33‬وَ‬ ‫ُْ‬‫يؤ‬‫َُ‬ ‫ةو‬ ‫َّالََ‬
‫ن الص‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيم‬ ‫يق‬ ‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ْ َّ‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫هو‬ ‫ولُ‬ ‫َسُ ُ‬ ‫َر‬ ‫ُو‬ ‫ُ هّللا‬
‫ُم‬‫ُّك‬ ‫ِي‬ ‫َل‬
‫و‬
‫ن} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]55‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِع‬ ‫َاك‬ ‫ْر‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫ةو‬ ‫َاَ‬ ‫َّك‬ ‫الز‬
‫فالوالء للمؤمنني يكونـ مبحبتهم إلمياهنم‪ ،‬ونصرهتم‪،‬والنصح هلم‪ ،‬والدعاء هلم‪ ،‬والســالم عليهم‪ ،‬وزيــادة مريضــهم‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وتشييع ميتهم‪ ،‬وإعانتهم‪،‬ـ والرمحة هبم‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫صـ‪361‬‬
‫وال ــرباءةـ من الكف ــار تك ــون ببغض ــهم – دين ـاً – ومف ــارقتهم‪ ،‬وع ــدم الرك ــون إليهم‪ ،‬أو الإعج ــاب هبم‪ ،‬واحلذر من‬
‫التشبه هبم‪ ،‬وحتقيق خمالفتهم شرعاً‪ ،‬وجهادهم باملال واللسان والسنان‪،‬ـ وحنو ذلك من مقتضيات العداوةـ يف اهلل (‪" )1‬‬
‫‪ -2‬وملا كــانت مــواالة الكفــار تقع على شــعب متفاوتــة‪ ،‬وصــور خمتلفــة‪ ،‬لــذا فــإن احلكم فيها ليس حكمـاً واحــداً‪،‬‬
‫فإن من هذه الشعب والصور ما يوجب الردة‪ ،‬ونقض اإلميان بالكلية‪ ،‬ومنها ما هو دون ذلك من املعاصي‪.‬ـ(‪" )2‬‬
‫يق ــول الش ــيخ عبد اللطيف بن عبد ال ــرمحن بن حسن آل الش ــيخ‪ " - :‬ولفظ الظلم واملعص ــية والفس ــوقـ والفج ــور‬
‫واملواالة واملع ــاداةـ والرك ــون والش ــرك وحنو ذلك من األلف ــاظ ال ــواردة يف الكت ــاب والس ــنة‪ ،‬قد ي ــراد هبا مس ــماها املطلق‬
‫(‪ )4‬اآلداب الشرعية البن مفلح ‪. 1/268‬‬
‫(‪ )5‬الدررـ السنية ‪. 2/157‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬تفصيل ذلك يف رسالة أوثق عرى اإلميان لسليمانـ بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب ص ‪ 51 – 49‬وكتاب الوالء والرباء حملمد‬
‫القحطاين ‪ ،‬واملواالة واملعاداة حملماس اجللعود ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬تفصيل ذلك يف رسالة أوثق عرى اإلميان لسليمانـ بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب ص ‪ 51-49‬وكتاب الوالء والرباء حملمد‬
‫القحطاين ‪ ،‬واملواالة واملعادة حملماس اجللعود ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الدرر السنية ‪ ، 220 , 159 , 7/155‬وجمموعة الرسائل واملسائل النجدية ‪. 57 ، 38 ، 31 ،3/10‬‬
‫‪87‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وحقيقتها املطلقـ ــة‪ ،‬وقد يـ ــراد هبا مطلق احلقيقـ ــة‪ ،‬واألول هو األصل عند األصـ ــوليني‪ ،‬والثـ ــاين ال حيمل الكالم عليه إال‬
‫بقرينة لفظية أو معنوية‪،‬ـ وإمنا يعرف ذلك بالبيانـ النبوي‪ ،‬وتفسري السنة‪" )3(.‬‬
‫وهــذا املواالة اليت تنــاقض اإلميان‪ ،‬قد تكــونـ اعتقــاداًـ فحســب‪ ،‬وقد تظهر يف أقــوال وأعمــال‪ .‬والــذي يهمنا يف هــذا‬
‫املبحث املواالة العملي ــة‪ ،‬حيث س ــنورد مس ــألة مظ ــاهرة الكف ــار على املس ــلمني كمث ــال لتلك املواالة‪،‬ـ وقبل أن نفصل‬
‫احلديث عن تلك املســألة‪ ،‬فإننا نوضح – باختصــار – مجلة من األمثلة على تلك املواالةـ العمليــة‪ ،‬نظــراً لعظم خطرهــا‪،‬‬
‫وسعة انتشارها‪ ،‬وكثرة الوقوع فيها‪ ،‬فنذكر منها ما يلي‪-:‬‬
‫(أ) من أقــام ببالد الكفر رغبة واختيــاراً لصــحبتهم‪ ،‬فريض ـى ما هم عليه من الــدين‪ ،‬أو ميدحــه‪ ،‬أو يرضــيهم بعيب‬
‫ِ ِِ‬ ‫َّخ ِذ الْم ْؤ ِمنُــو َـن الْ َـكـافِ ِر ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ني َو َمن‬
‫ين أ َْوليَــاء من ُد ْون الْ ُـم ْـؤمن َ‬
‫َ‬ ‫املســلمني‪ ،‬فهــذا كــافر عــدو هلل ورســوله‪ ،‬لقوله تعــاىل‪{ - :‬الَّ َيت ـ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫س ِم َن اللّ ِه يِف َش ْي ٍء} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]28‬‬
‫ك َفلَْي َ‬
‫ِ‬
‫َي ْف َع ْل َذل َ‬
‫صـ‪368‬‬
‫يق ـ ــول ابن رشد (‪ " - )5‬فص ـ ـ ــل‪ - :‬ف ـ ـ ــإذا وجب بالكت ـ ـ ــاب والس ـ ـ ــنة وإمجاع األمة على من أس ـ ــلم ببلد احلرب أن‬
‫يهــاجر‪ ،‬ويلحق بــدار املســلمني وال يثــوي بني املشــركني‪ ،‬ويقيم بني أظهــرهم لئال جتري عليه أحكــامهم‪ ،‬فكيف يبــاح‬
‫ألحد الــدخول إىل بالدهم حيث جتري علينا أحكــامهم يف جتارة أو غريهــا‪ ،‬وقد كــره مالك رمحه اهلل تعــاىل أن يســكن‬
‫أحد ببلد يسب فيه الس ـ ــلف فكيف ببلد يكفر فيه ب ـ ــالرمحن‪ ،‬وتعبد فيه من دونه األوث ـ ــان‪،‬ـ وال تسـ ــتقر نفس أحد على‬
‫هذا إال وهو مسلم سوء‪ ،‬مريض اإلميان‪")1(.‬‬
‫ومما ح ــرره ابن ح ــزم يف ه ــذه املس ــألةـ قول ــه‪ " - :‬قد علمنا أن من خ ــرج عن دار اإلس ــالمـ إىل دار احلرب فقد أبق‬
‫عن اهلل تعــاىل‪ ،‬وعن إمــام املســلمني ومجاعتهم‪ ،‬ويــبني هــذا حديثه صــلى اهلل عليه وســلم أنه بــريء من كل مســلم يقيم‬
‫ن‬
‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫بني أظهر املشـ ـ ـ ـ ـ ــركني (‪ )2‬وهو عليه السـ ـ ـ ـ ـ ــالم ال يـ ـ ـ ـ ـ ــربأ إال من كـ ـ ـ ـ ـ ــافر‪ ،‬قـ ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ض} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]71‬‬ ‫ٍْ‬ ‫بع‬ ‫َاء َ‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬ ‫َو‬‫ْأ‬ ‫هم‬‫ُُ‬‫ْض‬‫بع‬‫َُ‬ ‫َات‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬ ‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫و‬
‫قــال أبو حممــد‪ - :‬فصح هبذا أن من حلق بــدار الكفر واحلرب خمتــاراً حمارب ـاً ملن يليه من املســلمني‪ ،‬فهو هبذا الفعل‬
‫مرتد له أحكـام املرتد كلها من وجـوب القتل عليـه‪ ،‬مىت قـدر عليـه‪ ،‬ومن إباحة مالـه‪ ،‬وانفسـاخ نكاحه وغري ذلك ألن‬

‫(‪ )3‬جمموعة الرسائل واملسائل النجدية ‪. 3/7‬‬


‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الدفاع عن أهل السنة واالتباع حلمد بن عتيق ص ‪ ، 12‬والدررـ السنية ‪. 7/202‬‬
‫(‪ )5‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد القرطيب املالكي ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬ويل اإلفتاء والقضاء ‪ ،‬صاحب عبادة وزهد ‪ ،‬تويف سنة ‪ 520‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الديباج املذهب ‪ ، 2/248‬وسري أعالم النبالء ‪.19/501‬‬
‫(‪ )1‬مقدمات ابن راشد ‪. 613 , 2/612‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود ح (‪ ، )2645‬والرتمذي ح (‪ ، )1605‬وأورد األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)1474‬‬
‫‪88‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم مل ي ــربأ من مس ــلم‪ .‬وأما من فر إىل أرض احلرب لظلم خاف ــه‪ ،‬ومل حيارب املس ــلمني‪،‬‬
‫وال أعاهنم عليه‪ ،‬ومل جيد يف املسلمني من جيريه فهذا ال شيء عليه؛ ألنه مضطر مكره‪" )3(.‬‬
‫ويقول يف موضع آخر‪ " - :‬من حلق بأرض الشرك بغري ضــرورة فهو حمارب‪ ،‬هــذا أقل أحواله إن ســلم من الــردة‬
‫بنفس فراقه مجاعة اإلسالم‪ ،‬واحنيازه إىل أرض الشرك‪" )4(.‬‬
‫صـ‪363‬‬
‫ِي‬‫لم‬ ‫َاِ‬ ‫ةظ‬ ‫َُ‬
‫ِك‬‫َآلئ‬‫الم‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫َّاُ‬‫َف‬‫تو‬ ‫ََ‬‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ن َّ‬ ‫ويق ـ ــول ابن كثري عند تفس ـ ــريه لقوله تع ـ ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ْ‬
‫َا‬‫َالو‬‫ضق ْ‬ ‫ِي األَر‬
‫ِْ‬ ‫َف‬ ‫ِين‬ ‫َف‬‫ْع‬‫َض‬ ‫مسْت‬ ‫َّا ُ‬
‫ُن‬ ‫ْك‬ ‫َالوا‬ ‫ْق ُ‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫َك‬‫ِيم‬ ‫ْف‬ ‫َالوا‬ ‫ْق ُ‬ ‫ِم‬‫ِه‬
‫ُس‬ ‫نف‬ ‫َْ‬
‫أ‬
‫َّم‬
‫ُ‬ ‫هن‬ ‫ََ‬‫ْج‬ ‫هم‬ ‫َاُ‬ ‫ْو‬
‫م‪33‬أ‬ ‫ِكَ َ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬ ‫ها ف‬ ‫ِيَ‬‫ْف‬ ‫ُوا‬ ‫هاجِر‬ ‫َُ‬ ‫َت‬‫ةف‬ ‫ًَ‬‫ِع‬‫َاس‬ ‫ِو‬ ‫ْضُ هّللا‬‫َر‬
‫ْأ‬‫ُن‬‫تك‬‫َْ‬ ‫ََلم‬‫أ‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]97‬‬ ‫ِير‬‫مص‬
‫َْ‬ ‫َسَاءت‬ ‫و‬
‫"ه ــذه اآلية الكرمية عامة يف كل من أق ــام بني ظه ــراين املش ــركني وهو ق ــادر على اهلج ــرة وليس متمكنـ ـاً من إقامة‬
‫الدين‪ ،‬فهو ظامل لنفسه مرتكب حراماً باإلمجاع‪" )5(.‬‬
‫وملا ســئل أمحد بن حيي الونشريسيـ (‪ )6‬عن قــوم من األندلســيني هــاجروا من بالدهم األنــدلس – وقد كــانت دار‬
‫شرك – إىل دار اإلسالم يف بالد املغرب …‬
‫مث نــدموا على تلك اهلجــرة‪ ،‬وســخطوا وصــرحوا بــذم دار اإلســالم‪ ،‬ومــدح دار الكفر وأهله … فكتب رمحه اهلل‬
‫جواباً مبسوطاً عن هذه النازلة‪ ،‬بعنوان‪ " :‬أسىن املتاجر يف بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ومل يهاجر‪ ،‬وما‬
‫يرتتبـ عليه من العقوباتـ والزواجر ‪ " )72‬فأورد النصوص الشــرعية يف حترمي املواالة الكفريــة‪ ،‬ووجــوب اهلجــرة إىل دار‬
‫الإســالم مث قــال‪ " - :‬وتكــرار اآليــات يف هــذا املعىن وجريها على نسق وتــرية واحــدة مؤكد للتحــرمي‪ ،‬ورافع لالحتمــال‬
‫املتط ــرق إلي ــه‪ ،‬ف ــإن املعىن إذا نص عليه وأكد ب ــالتكرار فقد ارتفع االحتم ــال ال ش ــك‪ ،‬فتتعاضد ه ــذه النص ــوصـ القرآنية‬
‫واألحـ ــاديث النبوية واالجتماعـ ــات القطعية على ه ـ ــذا النهي‪ ،‬فال جتد يف حترمي هـ ــذه اإلقامـ ــة‪ ،‬وهـ ــذه املواالةـ الكفرانيةـ‬
‫خمالف ـ ـاً من أهل القبلة املتمسـ ــكني بالكتـ ــاب العزيز الـ ــذي ال يأتيه الباطل من بني يديـ ــه‪ ،‬وال من خلفه تنزيل من حكيم‬
‫محيـ ــد‪ ،‬فهو حترمي مقط ـ ــوع به من ال ـ ــدين … ومن خ ـ ــالف اآلن يف ذلك أو رام اخلالف من املقيمني معهم والراكـ ــنني‬

‫(‪ )3‬احمللى ‪. 139 ، 13/138‬‬


‫(‪ )4‬املرجع السابق ‪. 13/31‬‬
‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪. 1/514‬‬
‫(‪ )6‬أبو العباس أمحد بن النشريسي التلمساين ‪ ،‬فقيه مالكي استوطن فاس ‪ ،‬له مؤلفات كثرية ‪ ،‬تويف بفاس سنة ‪ 914‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬األعالم ‪ ، 1/269‬معجم املؤلفني ‪. 2/205‬‬
‫‪ )72‬انظر املعيار املعرب ‪. 135 – 2/119‬‬
‫‪89‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إليهم‪ ،‬فج ــوز ه ــذه اإلقامة واس ــتخف أمرها واستس ــهل حكمه ــا‪ ،‬فهو م ــارق من ال ــدين‪ ،‬ومف ــارق جلماعة املس ــلمني‪،‬‬
‫وحمجوج مبا‬
‫صـ‪364‬‬
‫ال مدفع فيه ملسلم‪ ،‬ومسبوق باإلمجاع الذي ال سبيل إىل خمالفته وخرق سبيله‪" )1(.‬‬
‫وجــاء يف آخر فتــواه‪ ،‬قوله للســائل‪ " - :‬وما ذكــرت عن هــؤالء املهــاجرين من قــبيح الكالمـ وسب دار اإلســالم‪،‬‬
‫ومتين الرج ــوع إىل دار الش ــرك واألص ــنام‪ ،‬وغري ذلك من الف ــواحش املنك ــرةـ اليت ال تص ــدر إال من اللئ ــام‪ ،‬ي ــوجب هلم‬
‫خ ــزي ال ــدنيا واآلخ ــرة وي ــنزهلم أس ــوأ املن ــازل‪ ،‬وال ــواجبـ على من مكنه اهلل يف األرض ويس ــره لليس ــرى أن يقبضـ على‬
‫هــؤالء وأن يــرهقهم العقوبةـ الشــديدة‪ ،‬والتنكيلـ املربح ضــرباً وســجناً حىت ال يتعــدوا حــدود اهلل؛ ألن فتنة هــؤالء أشد‬
‫ضرراً من فتنة اجلوع واخلوف وهنب األنفس واألموال‪،‬ـ وذلك أن من هلك هنالك فإىل رمحة اهلل تعــاىل وكــرمي عفــوه‪،‬ـ‬
‫ومن هلك دينه فإىل لعنة اهلل وعظيم سخطه‪ ،‬فإن حمبة املواالةـ الشركية‪ ،‬واملساكنةـ النصرانيةـ والعزم على رفض اهلجــرة‬
‫والركوب إىل الكفار‪ ،‬والرضى بدفع اجلزية إليهم‪ ،‬ونبذ العزة اإلسالمية‪،‬ـ والطاعة اإلمامية‪ ،‬والبيعةـ السـلطانية‪ ،‬وظهـور‬
‫السلطان النصراين عليها وإذالله إياها فواحش عظيمة مهلكة قاصمة للظهر يكاد أن تكون كفراً والعياذ باهلل‪" )2(.‬‬
‫ويق ـ ــول الش ـ ــيخ عبد اللطيف بن عبد ال ـ ــرمحن بن حسن آل الش ـ ــيخ‪ " - :‬اإلقامة ببلد يعلو فيها الش ـ ــرك والكف ـ ــر‪،‬‬
‫ويظهر الــرفض‪ ،‬ودين اإلفــرنج وحنوهم من املعطلة للربوبية واإلهليــة‪ ،‬وترفع فيها شــعائرهم‪ ،‬ويهــدم اإلســالم والتوحيــد‪،‬‬
‫ويعطل التسـ ـ ـ ـ ــبيح والتكبري والتحميـ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬وتقلع قواعد امللة واإلميان‪ ،‬وحيكم بينهم حبكم اإلفـ ـ ـ ـ ــرنج واليون ـ ـ ــان‪ ،‬ويش ـ ـ ــتم‬
‫الس ــابقون من أهل بــدر وبيعة الرض ــوان‪ ،‬فاإلقامة بني أظه ــرهم واحلالة هــذه ال تصــدر عن قلب باش ــره حقيقة اإلســالمـ‬
‫واإلميان وال ــدين … بل ال يص ــدر عن قلب رضي باهلل رب ـاً وباإلس ــالم دين ـاً ومبحمد ص ــلى اهلل عليه وس ــلم نبي ـاً‪ ،‬ف ــإن‬
‫الرضى هبذه األصول الثالثة قطب الدين‪ ،‬وعليه تــدور حقــائق العلم واليقني‪ ،‬ويف قصة إســالم جرير عبد اهلل أنه قــال يا‬
‫رسول اهلل بايعين واشرتط‪ ،‬فقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم " تعبد اهلل وال تشرك به شيئاً وتقيم الصالةـ وتؤيت‬
‫صـ‪365‬‬
‫الزكــاة وأن تفــارق املشــركني " أخرجه أبو عبد الــرمحن النسـائيـ(‪ ،)1‬وفيه إحلاق مفارقة املشـركني بأركــان اإلسـالمـ‬
‫ودعائمه العظام‪" )2( .‬‬

‫(‪ )1‬املعيار املعرب ‪ = 124 ، 2/123‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )2‬املعيار املعرب ‪ ، 2/132‬وانظر ما كتبه الونشريسي من مفاسد اإلقامة يف ديار الكفر يف كتابه املعيار ‪. 141– 2/137‬‬
‫(‪ )1‬الدررـ السنية ‪ = 166 , 7/165‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه ص ‪. 359‬‬
‫‪90‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ب) من أط ــاع الكف ــار يف التش ــريع والتحليل والتح ــرمي‪ ،‬ف ـأظهر املوافقةـ يف ذل ــك‪ ،‬فهو ك ــافر وخ ــارج عن املل ــة‪،‬‬
‫وسنورد بعض النصوص القرآنية يف هذا الشأن‪.‬ـ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين} [آل‬ ‫ـاب َيـ ُـر ُّدو ُكم َب ْعـ َـد إميَــان ُك ْم َـكـاف ِر َ‬ ‫ين َآمُنـ َـواْ إن تُطيعُــواْ فَ ِري ًقا ِّم َن الذ َ‬
‫ين أُوتُــواْ الْكتَـ َ‬ ‫يقــول تعــاىل‪{ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫عمران‪ ،‬آية ‪.]100‬‬
‫ومما قاله أبو الس ــعود يف تفسري ه ــذه اآلي ــة‪ " - :‬وتعليق ال ــرد بطاعة فريق منهم للمبالغة يف التح ــذير عن ط ــاعتهم‬
‫وإجياب االجتناب عن مصاحبتهم بالكلية‪ ،‬فإنه يف قوة أن يقال ال تطيعواـ فريقاً … (‪" )3‬‬
‫وتأمل قوله تعاىل‪{ - :‬إِن تُ ِطيعُواْ‪}..‬ـ [فإن هذا الفعل جاء مطلقاً‪ ،‬فحذف املتعلق املعمول فيه‪ ،‬ليفيد تعميم املعىن‬
‫(‪ ،)4‬فاآلية الكرمية حتذر أميا حتذير عن طاعة أهل الكتاب – فضالً عن غريهم من أصناف الكفار – يف مجيع األحوال‬
‫وسائر شؤون احلياة‪.‬‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫َر‬ ‫َف‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ُوا‬ ‫ِيع‬ ‫تط‬‫ِن ُ‬‫ْإ‬ ‫َا‬‫ُو‬‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬‫الذ‬
‫ها َّ‬ ‫يَ‬‫َُّ‬‫يا أ‬ ‫ويق ـ ــول عز وج ـ ـ ــل‪َ{ - :‬‬
‫َ} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]149‬‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬
‫َاس‬ ‫ْخ‬ ‫ُوا‬ ‫ِب‬‫َل‬
‫َنق‬ ‫َت‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ِك‬‫َاب‬ ‫ْق‬‫َع‬ ‫لى أ‬ ‫ََ‬ ‫ْع‬ ‫ُم‬ ‫دوك‬ ‫ير‬
‫ُُّ‬ ‫َ‬
‫يقول الشيخ سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب‪ - :‬عند هذه اآلية " أخرب تعاىل أن املؤمــنني إن أطــاعواـ‬
‫الكفار فال بد أن يردوهم على أعقــاهبم عن اإلســالم‪ ،‬فــإهنم ال يقنعــون منهم بــدون الكفــر‪ ،‬وأخرب أنهم إن فعلــوا ذلك‬
‫ص ــاروا من اخلاس ــرين يف ال ــدنيا واآلخ ــرة‪ ،‬ومل ي ــرخص يف م ــواقفهم وط ــاعتهم خوفـ ـاً منهم‪ .‬وه ــذا هو الواقع ف ــإهنم ال‬
‫يقتنعون ممن وافقهم إال بشهادة أهنم على حق وإظهار العداوةـ والبغضاء للمسلمني‪" )5(.‬‬
‫صـ‪366‬‬
‫ه‬
‫نُ‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫ِو‬ ‫ْه‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫ِع‬‫ُ هّللا‬
‫ِ اسْم‬ ‫َر‬‫ذك‬‫يْ‬ ‫ُْ‬ ‫َّا َلم‬ ‫ِم‬‫ْم‬ ‫ُوا‬ ‫ْك‬
‫ُل‬ ‫تأ‬ ‫ويقـ ـ ـ ــول س ـ ـ ـ ـ ــبحانه وتع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َالَ َ‬
‫ن‬
‫ِْ‬ ‫َإ‬‫ْو‬‫ُم‬ ‫ِلوك‬
‫َ‪33‬ادُ‬ ‫ُج‬‫لي‬ ‫ِْ‬ ‫ِم‬‫ِه‬‫َ‪33‬آئ‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬ ‫َو‬ ‫َِلى أ‬
‫نإ‬ ‫ُوَ‬‫ُوح‬ ‫َ َلي‬‫ِين‬ ‫َاط‬ ‫ن الشَّي‬ ‫َِّ‬ ‫َإ‬ ‫ٌو‬ ‫ِسْق‬ ‫َلف‬
‫ن} [األنعام‪ ،‬آية ‪.]121‬‬‫ُوَ‬ ‫ِك‬‫ُشْر‬‫ْ َلم‬ ‫ُم‬ ‫نك‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫هم‬ ‫ُوُ‬ ‫ُم‬‫ْت‬ ‫َع‬ ‫َط‬‫أ‬
‫(‪)6‬‬
‫فصرح تعاىل بأهنم مشركون يف طاعة أولئك الكفار‪ ،‬حينما وافقوهم يف حتليل أو حترمي‪.‬‬
‫ما‬ ‫َِ‬‫ْ ‪3‬د‬ ‫بع‬‫من َ‬
‫ِم ِّ‬ ‫ِه‬‫بار‬ ‫دَ‬‫َْ‬‫لى أ‬ ‫ََ‬‫دوا ع‬ ‫تُّ‬
‫َْ‬‫َ ار‬
‫ِين‬‫الذ‬‫ن َّ‬ ‫وق ـ ـ ـ ــال تب ـ ـ ـ ـ ـ ــارك وتع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ِ‪3‬كَ‬ ‫َل‬‫ْ {‪ 3}25‬ذ‬ ‫هم‬ ‫لى َلُ‬ ‫مَ‬‫َْ‬ ‫َأ‬‫ْو‬ ‫هم‬‫ل َلُ‬ ‫س‪3‬و‬
‫ََّ‬ ‫نَ‬ ‫َاُ‬‫ْط‬‫دى الشَّ‪3‬ي‬ ‫ه‪َ3‬‬ ‫الُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫َ َلُ‬ ‫َّن‬ ‫َي‬ ‫تب‬‫َ‬
‫َهَّللا‬
‫ُ‬ ‫ِو‬ ‫مر‬‫ض األَْ‬
‫ِْ‬‫بع‬ ‫ِي َ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫ُك‬ ‫ِيع‬ ‫ُط‬‫ُ سَن‬‫ل هَّللا‬ ‫َز‬
‫ََّ‬ ‫ما ن‬‫هوا َ‬ ‫َر‬
‫ُِ‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫َالوا لَّ‬
‫ِلذ‬ ‫ْق ُ‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫ََّ‬
‫ِأ‬‫ب‬
‫ْ} [حممد‪ ،‬آية ‪.]26 , 25‬‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫َار‬ ‫ِسْر‬ ‫ُإ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫يع‬‫َ‬
‫(‪ )3‬تفسري أيب السعود ‪. 1/523‬‬
‫(‪ )4‬انظر توضيح هذه النكته يف كتاب القواعد احلسان لتفسري القرآن ‪ /‬لعبد الرمحن السعدي ص ‪. 51-46‬‬
‫(‪ )5‬الدالئل يف حكم مواالة أهل اإلشراك ص ‪. 33‬‬
‫(‪ )6‬انظر أضواء البيان للشنقيطي ‪. 4/83‬‬
‫‪91‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فهذا النوع من املواالة كان سبباً يف ردة أولئك القوم (‪ ،)1‬ولذا يقول ابن حزم‪ " - :‬فجعلهم مرتــدين كفــاراً بعد‬
‫علمهم احلق‪ ،‬وبعد أن تبني هلم اهلدى بقوهلم للكفار ما قالوا فقط‪ ،‬وأخربنا تعاىل أنه يعرف إسرارهم‪" )2(.‬‬
‫ويقــول القامسي (‪ )3‬يف تفســريه‪ " " - :‬ذلك إشــارة إىل ما ذكر من ارتــدادهم‪ " ،‬بــأهنم " أي لســبب أهنم " قــالوا "‬
‫أي املنافقون " الذين كرهوا ما نزل اهلل "‬
‫أي اليهــود الكــارهني لــنزول القــرآن على رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم " ســنطيعكم يف بعض األمر " أي بعض‬
‫ُوا‬ ‫َق‬ ‫َاف‬ ‫َن‬‫ِين‬ ‫َِلى َّ‬
‫الذ‬ ‫تر إ‬ ‫َْ‬‫ََلم‬ ‫أم ـ ـ ــوركم‪ ،‬أو ما ت ـ ـ ـ ــأمرون به … كما أوضح ذلك قوله تع ـ ـ ـ ــاىل‪{ :‬أ‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ْت‬‫ِج‬ ‫ْ‪33‬ر‬ ‫ُخ‬ ‫ْأ‬ ‫ِن‬ ‫َ‪33‬ابِ َلئ‬ ‫ِت‬‫الك‬
‫ِ ْ‬ ‫هل‬‫َْ‬‫ْأ‬ ‫ِن‬ ‫ُوا م‬ ‫َر‬‫َف‬‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ُ َّ‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫َان‬‫ْو‬
‫ِخ‬ ‫ن إل‬‫ُولوَ‬
‫يق ُ‬ ‫َ‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫لت‬‫ِْ‬ ‫ُ‪33‬وت‬ ‫ِن ق‬ ‫َإ‬ ‫دا و‬ ‫ب‪ً 33‬‬ ‫ََ‬
‫دا أ‬ ‫َ‪ً33‬‬ ‫َح‬‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫ِيك‬ ‫ُف‬‫ِي‪33‬ع‬ ‫نط‬ ‫َال ُ‬‫ْو‬ ‫ُم‬‫َك‬‫مع‬
‫َّ َ‬ ‫َن‬ ‫ُج‬‫َخْ‪33‬ر‬ ‫َلن‬
‫ْ} [احلشر‪ ،‬آية ‪" )4(.]11‬‬ ‫ُم‬ ‫نك‬ ‫ُر‬
‫ََّ‬ ‫َنص‬‫َلن‬
‫صـ‪367‬‬
‫فتلك اآليات الكرميات قد قـررت أن بعضـاً من الطاعة ألولئك الكفــار هي ردة عن دين اإلســالم‪،‬ـ كمــوافقتهم يف‬
‫عداوة الرسول صـلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬أو املظـاهرة على حممد صـلى اهلل عليه وســلم كما ج ـاء مفصـالً يف كتب التفسري‬
‫(‪")5‬‬
‫ولذا عاقبهم اهلل تعاىل حببوط األعمال‪ ،‬كما جاء يف اآليات التالية‪:‬ـ ‪-‬‬
‫ْ{‬‫هم‬‫َُ‬‫ب‪33‬ار‬ ‫دَ‬‫َْ‬‫َأ‬‫ْو‬‫هم‬ ‫هُ‬‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ُج‬
‫نو‬ ‫بوَ‬ ‫ُِ‬ ‫ْر‬
‫يض‬‫ةَ‬‫َُ‬‫ِك‬
‫َالئ‬‫الم‬‫ْ ْ‬ ‫هم‬ ‫َّت‬
‫ُْ‬ ‫َف‬ ‫تو‬ ‫َا َ‬ ‫ِذ‬‫َإ‬ ‫ْف‬‫َي‬ ‫َك‬‫{ف‬
‫َ‪33‬ط‬
‫َ‬ ‫ْب‬‫َح‬‫َأ‬ ‫هف‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫ض‪33‬و‬‫ِْ‬ ‫هوا ر‬ ‫ُِ‬‫َر‬
‫َك‬ ‫َو‬ ‫َسْخَط‬
‫َ هَّللا‬ ‫ما أ‬‫ُوا َ‬ ‫َع‬‫اتب‬
‫ُ َّ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫ََّ‬‫ِأ‬‫ِكَ ب‬ ‫َل‬ ‫‪ 33}27‬ذ‬
‫ْ} [حممد‪ ،‬آية ‪]28 , 27‬‬ ‫هم‬‫الُ‬‫َ َ‬ ‫ْم‬ ‫َع‬
‫أ‬
‫ومما س ــطره ي ــراع الش ــيخ س ــليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوه ــاب – رمحهم اهلل – عند قوله تع ــاىل‪{ :‬ذلك‬
‫بأهنم قالوا … " اآلية‬

‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية ‪. 28/193‬‬


‫(‪ )2‬الفصل ‪. 3/262‬‬
‫(‪ )3‬مجال الدين بن حممد سعيد القامسي ‪ ،‬من كبار علماء الشام يف القرن املاضي ‪ ،‬عاش يف دمشق ‪ ،‬واشتغل بالتدريس ‪ ،‬رحل إىل مصر واحلجاز‬
‫‪ ،‬له مؤلفات كثرية ‪ ،‬تويف بدمشق سنة ‪ 1332‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬األعالم ‪ ، 2/135‬ومعجمـ املؤلفني ‪. 3/157‬‬
‫(‪ )4‬تفسري القامسي ‪. 15/56‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬زاد املسري البن اجلوزي ‪ 7/409‬وفتح القدير للشوكاين ‪ ، 5/39‬وتفسري النسفي ‪. 5/512‬‬
‫‪92‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" أخرب تعــاىل أن ســبب ما جــرى عليهم من الــردة وتســويل الشــيطان واإلمالء هلم هو قــوهلم للــذين كرهــوا ما نــزل‬
‫اهلل‪ ،‬سنطيعكم يف بعض األمر فــإذا كـان من وعد املشــركني الكـارهني ملا نــزل اهلل بطــاعتهم يف بعض األمر كــافراً‪ ،‬وإن‬
‫مل يفعل ما وعدهم به‪ ،‬فكيف مبن وافق املشركني واظهر أهنم على هدى‪" )6(.‬‬
‫وميكن أن نلحق بطاعة ومتابعة الكف ــار يف التحليل والتح ــرمي‪ ،‬وم ــوافقتهم يف التش ــريع‪ ،‬ما قد أفىت به بعض علم ــاء‬
‫(‪)1‬‬
‫هذا العصر يف مسألة التجنس جبنسية أمة غري مسلمة‬
‫وقد س ــئل الشـ ــيخ حممد رشـ ــيد رضا عن جتنس املسـ ــلم جبنسـ ــية تنـ ــايف اإلسـ ــالمـ – كما هو حاصل يف بالد ت ــونس‬
‫آنذاك – وما يتضمنه هذا التجنس من إنكـار ملا هو معلـوم من الـدين بالضـرورة‪ ،‬والوقـوف مع الكفـار عسـكرياً لقتـال‬
‫املسلمني‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫فكان من جوابه‪- :‬‬
‫" إذا كانت احلال كما ذكر يف هذا السؤال‪ ،‬فال خالف بني املسلمني يف أن قبــول اجلنســية ردة صـرحية‪ ،‬وخــروج‬
‫من امللة اإلسالمية‪،‬ـ حىت أن االسـتفتاء فيها يعد غريبـاً يف مثل البالد التونسـية اليت يظن أن عوامهاـ ال جيهلـون حكم ما‬
‫يف السؤال‬
‫صـ‪368‬‬
‫من األمور املعلومة من الدين بالضرورة …‬
‫‪-‬إىل أن ق ــال – إن قب ــول املس ــلم جلنس ــية ذات أحك ــام خمالفة لش ــريعة اإلس ــالم خ ــروج من اإلس ــالمـ فإنه رد ل ــه‪،‬‬
‫وتفض ــيل لش ــريعة اجلنس ــية اجلدي ــدة على ش ــريعته‪ ،‬ويكفيـ يف ه ــذا أن يك ــون عاملاً بك ــونـ تلك األحك ــام اليت آثر غريها‬
‫عليها هي أحك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام اإلسـ ـ ـ ـ ـ ــالم فال يعامل معاملة املسـ ـ ـ ـ ـ ــلمني‪ ،‬وإذا وقع من أهل بلد أو قبيلة وجب قت ـ ـ ـ ــاهلم عليه حىت‬
‫يرجعوا‪" )2(.‬‬
‫وجاء يف فتوى جلنة مصر برئاسة الشيخ علي حمفوظ (‪-:)3‬‬

‫(‪ )6‬الدالئل يف حكم مواالة أهل اإلشراك ‪. 51 ، 50‬‬


‫(‪ )1‬كتب الشيخ حممد النيفر حبثاً يف هذه املسألة ‪ ،‬كما حبثها الشيخ حممد السبيل ‪ ،‬وكال البحثني منشورانـ يف جملة اجملمع الفقهي – العدد الرابع ‪.‬‬
‫(‪ )2‬جملة املنار ‪ ،‬جملد ‪ ، 25‬جزء ‪ ، 1‬ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )3‬علي حمفوظ ‪ ،‬فقيه واعظ ‪ ،‬خترج من األزهر ‪ ،‬مث كان من أعضاء كبار العلماء ‪ ،‬وله مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1361‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬األعالم ‪ ، 4/323‬ومعجمـ املؤلفني ‪. 7/175‬‬
‫‪93‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" إن التجنس جبنسـ ـ ــية أمة غري مسـ ـ ــلمة على حنو ما يف السـ ـ ــؤال (‪ )4‬هو تعاقد على نبذ أحك ـ ــام اإلس ـ ــالم عن رضا‬
‫واختي ــار‪ ،‬واس ــتحالل لبعض ما ح ــرم اهلل‪ ،‬وحترمي لبعض ما أحل اهلل‪ ،‬وال ــتزام لق ــوانني أخ ــرى يق ــول اإلس ــالم ببطالهنا‪،‬‬
‫وينـ ــادي بفسـ ــادها‪ ،‬وال شك أن شـ ــيئاً واحـ ــداً من ذلك ال ميكن تفس ـ ــريه إال ب ـ ــالردة‪ ،‬وال ينطبق عليه حكم إال حكم‬
‫الردة‪ ،‬فما بالك هبذه األربعة جمتمعة يف ذلك التجنس املمقوت؟(‪" )5‬‬
‫وملا اسـ ــتفتـي الش ـ ــيخ يوسف ال ـ ــدجوي (‪ )6‬عن ه ـ ــذه املس ـ ــألة‪ ،‬ك ـ ــان من جوابه ما يلي‪ " - :‬إن التجنس باجلنسـ ــية‬
‫الفرنسية‪ ،‬والتزام ما عليه الفرنسيون يف كل شيء‬
‫صـ‪369‬‬
‫حىت األنكحـة واملواريثـ والطالق وحماربة املسلمني واالنضمام إىل صفوف أعدائهم معنــاه االنســالخ من مجيع‬
‫شـ ـ ــرائع اإلس ـ ـ ـالم‪،‬ومبايعةـ أعدائه على أال يعـ ـ ــودوا إليه وال يقبلـ ـ ـ ــوا حكم ـ ـ ـاً من أحكامه بطريق العهد الوثيـ ـ ــق‪ ،‬والعقد‬
‫املربم‪.‬ـ(‪" )1‬‬
‫إىل أن قال‪- :‬‬
‫" وإنا نـرى شــبهاً كبــرياً بني من خيتــار أن يسري على شـريعة الفرنسـيني دون شـريعة املسـلمني وبني جبلة بن األيهم‬
‫الغســاين حني لطم الفــزاري‪ ،‬فــأراد عمر رضي اهلل عنه أن يقتص منــه‪ ،‬فلم يــرض حبكم الــدين وفر إىل الشــام مســتبدالً‬
‫اإلسالمـ باملسيحية‪" )2(.‬‬
‫ولعل من أخطر التبعـ ـ ـ ــاتـ املرتتبةـ على هـ ـ ـ ــذا التجنس – مما يتعلق مببحثنا – ما يفـ ـ ـ ــرض على أولئك املتجنسني من‬
‫التجنيد العسكري‪ ،‬وجعلهم جنوداً لتلك الدولة الكافرة‪ ،‬ويف مواجهة املسلمني‪ ،‬فيصري بذلك مظاهراً ألولئك الكفار‬
‫ْ} [املائـ ـ ــدة‪،‬ـ آية‬
‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬
‫نُ‬‫إَّ‬‫ْف‬
‫َِ‬ ‫ُم‬
‫منك‬
‫هم ِّ‬
‫ََّلُ‬
‫َو‬‫يت‬
‫من َ‬
‫ََ‬‫ضد املسـ ـ ــلمني‪ )3( ،‬وقد قـ ـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫‪.]51‬‬

‫(‪ )4‬خالصة السؤال ‪ - :‬ما قول العلماء يف مسلمـ جتنس جبنسية أمة غري مسلمة اختياراً منه ‪ ،‬والتزم أن جتري عليه أحكام قوانينها بدل أحكام‬
‫الشريعة … ويدخل يف هذا االلتزام أن يقف يف صفوفها عند حماربتها ولو ألمة إسالمية ‪ ،‬كما هو الشأن يف التجنس باجلنسية الفرنسية اآلن يف تونس‬
‫؟‬
‫(‪ )5‬التجنس جبنسية دولة غري إسالمية حملمد السبيل ‪ ،‬حبث يف جملة اجملمع الفقهي ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬ص ‪. 157 ، 156‬‬
‫(‪ )6‬يوسف بن أمحد الدجوي ‪ ،‬مدرس من علماء األزهر ‪ ،‬وفقيه مالكي له مؤلفات كثرية ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1365‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬األعالم ‪ ،4/323‬معجم املؤلفني ‪.7/175‬‬
‫(‪ )1‬التجنس جبنسية دولة غري إسالمية حملمد السبيل ‪ ،‬بحيث يف جملة اجملمع الفقهي ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬ص ‪. 151 ، 150‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 153‬وانظر جمالس العرفان ومواهب الرمحن حملمد جعيط ‪. 2/66‬‬
‫(‪ )3‬يقول الشيخ حممد الشاذيل النيفر يف حبثه عن التجنس جبنسية غري إسالمية ‪ " - :‬وقد تورط يف اجلندية للدولة غري اإلسالمية كثري من املسلمني‬
‫حاربوا يف صفوف أعداء اإلسالم مما أدى إىل اهنزام اخلالفة العثمانية يف احلرب العاملية األوىل انظر جملة اجملمع الفقهي ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬ص ‪. 233‬‬
‫‪94‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ومع ذلك ف ـ ــإن نازلة " التجنس جبنس ـ ــية أمة غري مس ـ ــلمة " هلا مالبس ـ ــات خمتلفة ال تنفك عنهـ ــا‪،‬عند حتديد منـ ــاط‬
‫حكم هــذه النازلــة‪ ،‬فــأحوال أولئك املتجنسني متفاوتــة‪،‬ـ ولــذا ينبغيـ التفصــيل عند احلكم على واقع أولئك املتجنســني‪،‬‬
‫فمن ن ــال تلك اجلنس ــية عن رغبة يف بالد الكف ــر‪ ،‬وانتم ــاء إىل الكف ــار‪ ،‬ورضا بأحك ــامهم الطاغوتي ــة‪ ،‬وتبعيةـ ألنظمتهم‬
‫الوضــعيةـ‪ ،‬فهــذا ال شك أنه كــافر خـارج عن امللــة‪ ،‬فهــذا النــوع من النــاس ال يســتوي مبن اضــطر على مثل هــذا التجنس‬
‫بسبب أنظمة طاغوتية استولتـ على بالد املسلمني فأذاقت أهلها سوء العذاب‪ ،‬وأنواع‬
‫صـ‪370‬‬
‫االفتتان‪،‬ـ مما اضطر بعض أولئك املسلمني إىل ترك ديارهم‪ ،‬واإلقامة يف ديار الكفر‪ ،‬والتجنس جبنسيتهم‪ ،‬وهم مع‬
‫ذلك مبغضونـ للكفر وأهله‪ ،‬قائمون بدينهم حسب االستطاعة‪.‬ـ‬
‫كما أن هن ــاك عوامل أخ ــرى البد من مراعاهتا عند احلكم يف ه ــذه املس ــألة‪ ،‬منها الظ ــروف املختلفة اليت يعيش ــها‬
‫املقيمــونـ يف تلك البالد‪ ،‬ونوعية تلك الــديار كــأن تكــون دار حــرب أو عهد … ونوعيةـ التجنس‪ ،‬وأســبابهـ ودوافعــه‪،‬‬
‫والتوقيت الزمين لتلك النازلة‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫(ج) من املواالةـ العملية اليت تنــاقض اإلميان‪ - :‬التشــبه املطلق هبم‪ ،‬أو التشــبه هبم فيما يــوجب الكفر واخلروج عن‬
‫امللة‪.‬‬
‫إن املشاركة للكفار يف اهلدي الظاهر – وإن كان مباحاً – تؤول إىل مشاركة ومشــاهبة يف األخالق‪ ،‬ومــواالة يف‬
‫الباطن‪ ،‬ويف املقابل فإن املخالفة يف اهلدي الظاهر توجب مباينة عن الكفر وأسبابه‪ ،‬وحتقق عداوة وبراءة من الكفار‪.‬‬
‫فاملواالةـ وإن كانت متعلقة بالقلب‪ ،‬لكن املخالفة يف الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين وجمانبتهم (‪ ،)1‬ولــذا فــإن‬
‫جنس املخالفة للكافرين أمر مقصود للشارع‪.‬‬
‫وننبه إىل " أن املخالفة للكف ــار ال تك ــونـ إال مع ظه ــور ال ــدين وعل ــوه باجله ــاد‪ ،‬وإل ــزامهم باجلزية والص ــغار‪ ،‬فلما‬
‫كان املسلمون يف أول األمر ضعفاء مل تشرع املخالفة هلم‪ ،‬فلما كمل الدين وظهر وعال‪ ،‬شرع ذلك‪.‬‬
‫ومثل ذلك الي ـ ــوم‪ :‬لو أن املس ـ ــلم ب ـ ــدار ح ـ ــرب‪ ،‬أو دار كفر غري ح ـ ــرب‪ ،‬مل يكن م ـ ــأموراً باملخالفة هلم يف اهلدى‬
‫الظــاهر‪ ،‬ملا عليه يف ذلك من الضــرر‪ ،‬بل قد يســتحب للرجــل‪ ،‬أو جيب عليه أن يشــاركهم أحيان ـاً يف هــديهم الظــاهر‪،‬‬
‫إذا كان يف ذلك مصلحة دينية من دعوهتم إىل الدين‪ ،‬واالطالع على باطن أمــورهم‪ ،‬إلخبــار املسـلمني بـذلك‪ ،‬أو دفع‬
‫ضررهم عن املسلمني وحنو ذلك من املقاصد الصاحلة‪" )2(.‬‬
‫وقد هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن التشبه بالكفار فقال‪ " - :‬من تشبه‬

‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬إقتضاء الصراط املستقيم ‪. 488 ، 159 ، 81 – 1/79‬‬


‫(‪ )2‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪. 1/418‬‬
‫‪95‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪371‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بقوم فهو منهم "‬
‫يقول ابن تيمية عن هذا احلديث‪-:‬‬
‫" وهـذا احلديث أقل أحواله أن يقتضي حترمي التشبه هبم‪ ،‬وإن كان ظاهره يقتضيـ كفر املتشبه هبم‪ ،‬كما يف قولـه‪:‬‬
‫ْ} [املائدة‪ ،‬آية ‪.]51‬‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬‫َو‬ ‫يت‬‫من َ‬ ‫‪{ -‬و‬
‫ََ‬
‫فقد حيمل هــذا على التشــبيه املطلــق‪ ،‬فإنه يــوجب الكفــر‪ ،‬ويقتضي حترمي أبعــاض ذلــك‪ ،‬وقد حيمل على أنه منهم‪،‬‬
‫يف الق ــدر املش ــرتك ال ــذي ش ــاهبهم في ــه‪ ،‬ف ــإن ك ــان كف ــراً‪ ،‬أو معص ــية أو ش ــعاراً هلم‪ ،‬ك ــان حكمه ك ــذلك‪ .‬وبكل ح ــال‬
‫يقتضيـ حترمي التشبه‪" )4(.‬‬
‫وقد أورد العلماء أمثلة عديدة‪ ،‬وصوراً متنوعة يف التشبه الذي يوجب الكفر‪ ،‬خنتار منها ما يلي‪- :‬‬
‫يقول القاضي عياض‪ " - :‬وكذلك نكفر بكل فعل أمجع املسـلمون أنه ال يصـدر إال من كـافر‪ ،‬وإن كـان صـاحبه‬
‫(‪)1‬‬
‫مص ـ ــرحاً باإلسـ ـ ــالم مع فعله ذلك كالسـ ـ ــعي إىل الكنـ ـ ــائسـ والـ ـ ــبيع (‪ )5‬مع أهلها بـ ـ ــزيهم‪ ،‬من شد الزن ـ ــانري‪ ،‬وفحص‬
‫الرؤوس‪ ،‬فقد أمجع املسلمون أن هذا الفعل ال يوجد إال من كافر‪" )2( .‬‬
‫ويق ــول ابن تيمي ــة‪ " - :‬وإذا زار أهل الذمة كنيسة بيت املق ــدس فهل يق ــال هلم يا ح ــاج مثالً؟ ال ينبغيـ أن يق ــال‬
‫ذلك تشبيهاً حباج البيتـ احلرام‪ ،‬ومن اعتقد أن زيارهتا قربة فقد كفر‪ ،‬فإن كان مسلماً فهو مرتـد‪ ،‬يسـتتاب فـإن تـاب‬
‫وإال قتل‪ ،‬فإن جهل أن ذلك حمرم عرف ذلك‪ ،‬فإن أصر فقد كفر وصار مرتداً‪" )3(.‬‬
‫صـ‪372‬‬
‫ويقــول أيض ـاً‪ " - :‬وأما زيــارة " معابد الكفــار " مثل املوضع املســمى " بالقمامة " أو بيت حلم " أو " صــهيون "‬
‫أو غري ذلـ ــك‪ ،‬مثل كنـ ــائس النصـ ــارى‪ ،‬فمنهي عنهـ ــا‪ ،‬فمن زار مكان ـ ـاً من هـ ــذه األمكنةـ معتقـ ــداً أن زيارته مسـ ــتحبة‪،‬‬
‫والعبادة فيه أفضل من العبادة يف بيته فهو ضال خارج عن شريعة اإلسالم‪،‬ـ يستتاب فإن تاب وإال قتل‪" )4(.‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود ‪ ، 4/314‬ح (‪ ، )4031‬وأمحد ‪ 2/50‬وقال عنه ابن تيمية يف االقتضاء ‪ " : 1/236‬إسناده جيد " ‪ ،‬وحسنه األلباين يف‬
‫اجلامع الصغري (‪. )6025‬‬
‫(‪ )4‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪. 238 ، 1/237‬‬
‫(‪ )5‬الكنيسة والبيعة يقاالن ملعابد اليهود والنصارى ‪ ،‬وقيل األول عام والثاين خمصوص بالنصارىـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪. 2/806 ، 1/79‬‬
‫(‪ )1‬أي حلق أوساطها ‪ ،‬وهو من شعائرهم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشفا ‪. 1073 ، 2/1072‬‬
‫(‪ )3‬خمتصر الفتاوى املصرية ص ‪. 514‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪. 27/14‬‬
‫‪96‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقــول اخلرشي (‪ " - :)5‬وكــذلك يكــونـ مرتــداً إذا شد الزنــار يف وســطه؛ ألن هــذا فعل يتضــمن الكفر … ومثله‬
‫فعل شيء مما خيتص بــزي الكفــار‪ ،‬وال بد أن ينضم إىل ذلك املشيـ إىل الكنيسة وحنوه‪ ،‬وقيد أيضـاً مبا إذا فعله يف بالد‬
‫اإلسالم‪.‬ـ(‪" )6‬‬
‫وق ـ ــال ابن جنيم‪ " -:‬ويكفر بوضع قلنسـ ـ ــوة اجملوسيـ على رأسه على الصـ ـ ــحيح‪ ،‬إال لضـ ـ ــرورة دفع احلر أو ال ـ ــربد‪،‬‬
‫وبشد الزنار يف وسطه إال إذا فعل ذلك خديعة يف احلرب‪" )7(.‬‬
‫وقال ابن حجر اهليتمي‪:‬ـ ‪ " -‬ولو شد على وسطه زناراً‪ ،‬ودخل دار احلرب للتجارة كفر …(‪" )8‬‬
‫وجـ ــاء يف فتـ ــوى اللجنة الدائمة لإلفتـ ــاء يف حكم لبس الصـ ــليب‪ " - :‬إذا بني له حكم لبس الصـ ــليب وأنه شـ ــعار‬
‫النصارى‪ ،‬ودليل على أن البسه راض بانتسابه إليهم‬
‫صـ‪373‬‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬‫َو‬
‫يت‬‫من َ‬‫ََ‬‫والرضا مبا هم عليه وأصر على ذلـ ـ ـ ــك‪ ،‬حكم بكفـ ـ ـ ــره لقوله عز وجـ ـ ـ ــل‪{ - :‬و‬
‫َ} [املائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة‪،‬ـ آية ‪ ]51‬والظلم إذا أطلق‬
‫ِين‬ ‫َّاِ‬
‫لم‬ ‫َ الظ‬ ‫َو‬
‫ْم‬ ‫الق‬‫ِي ْ‬ ‫هد‬ ‫يْ‬‫َ الَ َ‬
‫ن هّللا‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬‫هم‬ ‫نُ‬‫إَّ‬
‫َِ‬‫ف‬
‫يراد به الشرك األكرب‪ ،‬وفيه إظهار ملوافقةـ النصـارى على ما زعمـوه من قتل عيسى عليه الســالم‪ ،‬واهلل سـبحانه قد نفى‬
‫ْ} [النسـ ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬آية‬
‫هم‬‫ه َلُ‬ ‫ِن شُب‬
‫َِّ‬ ‫ََلـك‬‫هو‬‫ُوُ‬
‫لب‬‫ََ‬
‫ما ص‬ ‫ََ‬‫هو‬‫ُوُ‬ ‫َل‬‫َت‬ ‫ما ق‬ ‫ََ‬‫ذلك يف كتابه فق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‪{ - :‬و‬
‫‪" )1(]157‬‬
‫ومن أخطر ص ــور التش ــبه بالكف ــار‪ ،‬وأش ــدها ض ــرراً‪ ،‬وأكثرها انتش ــاراً بني املس ــلمني أال وهو مش ــاركة الكف ــار يف‬
‫أعيادهم‪ ،‬ولذا فال بد من وقفة يسرية مع هذه القضية‪.‬‬
‫إن مش ـ ـ ــاركة الكفـ ـ ـ ــار يف أعيـ ـ ـ ــادهم حمرمة على أقل األحـ ـ ـ ــوال‪ ،‬ملا فيه من املوافقة هلم فيما ليس من ديننـ ـ ــا‪ ،‬وعلى‬
‫خالف منهج سـ ــلفنا الصـ ــاحل‪ ،‬عـ ــدا أن تلك األعيـ ــاد من البـ ــدع احملدثة (‪ ،)3‬وقد أثىن اهلل تعـ ــاىل على عبـ ــادة املؤمـ ــنني‪،‬‬

‫(‪ )5‬حممد بن عبد اهلل اخلرشي املالكي ‪ ،‬أول من توىل مشيخة األزهر ‪ ،‬كان فقيهاً ورعاً ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف بالقاهرة سنة ‪ 1101‬هـ‪.‬‬
‫انظر األعالم ‪ ، 6/240‬ومعجمـ املؤلفني ‪. 10/210‬‬
‫(‪ )6‬اخلرشي على خمتصر خليل ‪ ، 7/63‬وانظر ‪ :‬الفروق للقرايف ‪ ، 4/264‬وتبصرة احلكام البن فرحون ‪ ، 2/282‬والشرح الصغري للدردير‬
‫‪ ، 6/146‬وحاشية الدسوقي على الشرح الكبري ‪. 4/301‬‬
‫(‪ )7‬البحر الرايق ‪ ، 5/133‬وانظر ‪ :‬الفتاوى البزازية (هبامش الفتاوى اهلندية) ‪ ، 3/332‬وشرح الفقه األكرب ملال علي قاري ص ‪ ، 280‬ورسالة‬
‫البدر الرشيد يف ألفاظ الكفر ص ‪. 43 ، 42‬‬
‫(‪ )8‬اإلعالم بقواطع اإلسالم ص ‪ ، 363‬وذكر النووي أن الصواب عدم كفره ‪ ،‬انظر روضة الطالبني ‪. 10/69‬‬
‫(‪ )1‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪. 2/78‬‬
‫(‪ )3‬انظر اقتضاء ‪ ،‬الصراط املستقيم ‪. 426 ، 1/425‬‬
‫‪97‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ} [الفرقـان آية ‪ ،]72‬قال بعـض السلف‪:‬‬
‫ُّور‬
‫ن الز‬
‫دوَ‬
‫هُ‬‫يشَْ‬
‫َ ال َ‬
‫ِين‬
‫الذ‬ ‫فوصفهم بقوله سبحانه‪{ - :‬و‬
‫َ َّ‬
‫‪ " -‬الزور‪ :‬أعياد املشركني‪" )3(.‬‬
‫وملا قدم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املدينة‪ ،‬وهلم يومان يلعبون فيهما‪ ،‬فقال‪ - :‬ما هذان اليومان؟ قالوا‪ :‬كنا‬
‫نلعب فيهما يف اجلاهلية‪ ،‬فقـال رسـول صـلى اهلل عليه وسـلم‪ :‬إن اهلل قد أبـدلكم هبمـا خـرياً منهمـا‪ ،‬يـوم األضـحى ويـوم‬
‫الفطر‪" )4(.‬‬
‫يقول ابن تيمية يف بيان معىن احلديث‪-:‬‬
‫" فوجه الدالل ــة‪ :‬أن العي ــدين اجلاهليني مل يقرمها رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم وال ت ــركهم يلعب ــون فيهما على‬
‫العادة‪ ،‬بل قال‪ " - :‬إن اهلل قد أبدلكم هبما يــومني آخـرين " واإلبــدال من الشــيء يقتضيـ تــرك املبــدل منــه‪ ،‬إذ ال جيمع‬
‫بني البدل‬
‫صـ‪374‬‬
‫واملبدل منه‪ ،‬وهلذا ال تستعمل هذه العبارة إال فيما ترك اجتماعهما‪" )5(.‬‬
‫وقد اتفق املسلمون على منع أهل الكتاب من إظهار أعيــادهم يف دار اإلســالم‪ ،‬كما جـاء يف الشـروط العمريــة‪ ،‬ملا‬
‫(‪)6‬‬
‫فيه من الفساد‪ ،‬وإلظهار شعائر الكفر‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وكان عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يقول‪ " - :‬اجتنبواـ أعداء اهلل يف عيدهم "‬
‫وعن عبد اهلل بن عمــرو (‪)1‬رضي اهلل عنهما قــال‪" -:‬من بىن ببالد األعــاجم‪ ،‬فصــنع نــريوزهم ومهرجــاهنم‪ ،‬وتشــبه‬
‫هبم حىت ميوت وهو كذلك‪ ،‬حشر معهم يوم القيامة‪" )2( .‬‬

‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن جرير ‪ ، 19/29‬والدر املنثور ‪ ، 6/282‬وانظر ‪ :‬اقتضاء الصراط ‪. 1/426‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود ح (‪ ، )1134‬وأمحد (‪ ، )، )3/103‬والنسائي (‪ ، )3/146‬وصححه ابن تيمية يف االقتضاء ‪ 1/432‬وقال ابن حجر يف‬
‫الفتح (‪ " - : )2/442‬إسناده صحيح "‬
‫(‪ )5‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪. 433 , 1/432‬‬
‫(‪ )6‬انظر املرجع السابق ‪. 1/454‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البيهقي ‪. 9/234‬‬
‫(‪ )1‬عبد اهلل بن عمرو بن العاص القرشي السهمي ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم كثرياً ‪ ،‬أسلم قبل أبيه ‪ ،‬مات بالشام سنة‬
‫‪ 65‬هـ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 4/193‬وسري أعالم النبالء ‪. 3/79‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي ‪. 9/234‬‬
‫‪98‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويعلق ابن تيمية على أثر عبد اهلل بن عمرو فيقول‪ " - :‬وهذا يقتضي أنه جعله كافراً مبشاركتهم يف جمموع هـذه‬
‫األمور‪ ،‬أو جعل ذلك من الكبائر املوجبة للنار‪ ،‬وإن كان األول ظاهر لفظه‪ ،‬فتكون املشــاركة يف بعض ذلك معصـية؛ـ‬
‫ألنه لو مل يكن مؤثراً يف استحقاق العقوبةـ مل جيز جعله جزءاً من املقتضىـ …(‪" )3‬‬
‫وقد ساق ابن تيمية مجلة من االعتباراتـ املهمة يف هذه املسألة منها قوله‪- :‬‬
‫َا‬‫لن‬ ‫َْ‬‫َع‬‫ٍج‬ ‫مة‬‫َُّ‬ ‫ِّ أ‬
‫ُل‬‫لك‬‫"إن األعي ـ ـ ــاد من مجلة الش ـ ـ ــرع واملن ـ ـ ــاهج واملناس ـ ـ ــك‪ ،‬اليت ق ـ ـ ــال اهلل سبحان ـ ـ ـ ـه‪ِ{ - :‬‬
‫ه} [احلج‪ ،‬آية ‪ ،]67‬كالقبلة والص ـ ــالة والص ـ ــيام فال ف ـ ــرق بني مشـ ــاركتهم يف العيد‬ ‫ُوُ‬ ‫ِك‬‫َاس‬ ‫ْن‬ ‫هم‬ ‫ًا ُ‬ ‫منسَك‬ ‫َ‬
‫وبني مشاركتهم يف ســائر املنــاهج‪ ،‬فــإن املوافقة يف مجيع العيد موافقة (‪ )4‬يف الكفــر‪ ،‬واملوافقة يف بعض فروعه موافقة يف‬
‫بعض شعب الكفر‪ ،‬بل األعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع‪ ،‬ومن أظهر ما هلا‬
‫صـ‪375‬‬
‫من الشعائر‪ ،‬فاملوافقة فيها موافقة يف أخص شرائع الكفر‪ ،‬وأظهر شعائره‪ ،‬وال ريب أن املوافقة يف هذا قد تنتهي‬
‫إىل الكفر يف اجلملة بشروطه‪" )5(.‬‬
‫ويق ــول أيضـ ـاً‪ " - :‬إنه إذا س ــوغ فعل القليل من ذلك أدى إىل فعل الكث ــري‪،‬ـ مث إذا اش ــتهر الش ــيء دخل فيه ع ــوامـ‬
‫النــاس‪ ،‬وتناســواـ أصــله حىت يصري عــادة للنــاس‪ ،‬بل عيــداً‪ ،‬حىت يضــاهى بعيد اهلل‪ ،‬بل قد يــزاد عليه حىت يكــاد أن يفضي‬
‫إىل م ــوت اإلسـ ــالم وحيـ ــاة الكفـ ــر‪ ،‬كما قد سـ ــوله الشـ ــيطان لكثري ممن يـ ــدعي اإلسـ ــالم‪،‬ـ فيما يفعلونه يف أواخر ص ــوم‬
‫النصارى‪ ،‬من اهلدايا واألفراح‪ ،‬والنفقاتـ وكسوة األوالد‪ ،‬وغري ذلك مما يصري به مثل عيد املسلمني‪" )6(.‬‬
‫ويقول يف موضع ثالث‪ " - :‬وإذا كانت املشاهبة يف القليل ذريعة ووسيلة إىل بعض القبائح كــانت حمرمــة‪ ،‬فكيف‬
‫إذا أفضت إىل ما هو كفر باهلل‪ ،‬من الت ــربكـ بالص ــليب والتعميد يف املعمودية (‪ ،)7‬أو ق ــول القائ ــل‪ :‬املعب ــود واح ــد‪ ،‬وإن‬
‫ك ــانت الط ــرق خمتلف ــة‪ ،‬وحنو ذلك من األق ــوال واألفع ــال اليت تتض ــمن إما ك ــون الش ــريعة النص ــرانية واليهوديةـ املب ــدلتني‬
‫املنســوختني موصــلة إىل اهلل‪ ،‬وإما استحســان بعض ما فيهــا‪ ،‬مما خيالف دين اهلل‪ ،‬أو التــدين بــذلك‪ ،‬أو غري ذلك مما هو‬
‫كفر باهلل وبرسوله وبالقرآن وباإلسالم بال خالف بني األمة الوسط يف ذلك‪ ،‬وأصل ذلك املشاهبة واملشاركة‪" )1(.‬‬

‫(‪ )3‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪. 1/459‬‬


‫(‪ )4‬يف الكتاب ‪ :‬فوافقه ‪ ،‬ولعل الصحيح ما أثبته كما يدل على ذلك سياق اجلملة اليت تليها ‪.‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق ‪. 1/471‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق ‪. 474 ، 1/473‬‬
‫(‪ " )7‬املعمودية ‪ -‬عند النصارى – أن يغمس القس الطفل يف ماء ‪ ،‬يتلو عليه بعض فقر من اإلجنيل ‪ ،‬وهو آية التنصري عندهم "‬
‫انظر ‪ :‬املعجم الوسيط ‪. 2/632‬‬
‫(‪ )1‬اقتضاء الصراط ‪. 482 ، 1/481‬‬
‫‪99‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وإذا تقرر ما سبق إيراده‪ ،‬فنسوق طرفاً من كالم أهل العلم يف حكم املشاركة يف أعياد الكفار‪..‬‬
‫يقــول ابن تيميــة‪ " - :‬وأما إذا فعل املســلمون معهم (أي أهل الكتــاب) أعيــادهم مثل صــبغ الــبيض‪،‬ـ وحتمري دواهبم‬
‫مبغرة (‪ )2‬وخبور‪ ،‬وتوسيع النفقات‪،‬ـ وعمل طعام‬
‫صـ‪376‬‬
‫فهــذا أظهر من أن حيتــاج إىل ســؤال‪ ،‬بل قد نص طائفة من العلمــاء من أصــحاب أيب حنيفة ومالك على كفر من‬
‫يفعل ذلك‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬من ذبح بطيخة يف عيدهم فكأمنا ذبح خنزيراً‪.‬‬
‫فليس للمسلم أن خيص مخيسهم احلقري ال بتجديد طعام الــرز والعــدس والــبيض املصــبوغ وغري ذلــك‪ ،‬وال بالتجمل‬
‫بالثياب‪ ،‬وال بصبغ دواب‪ ،‬وال بنشر ثياب وال غري ذلك‪ ،‬ومن فعل ذلك على وجه العبادة والتقرب به واعتقاد التربر‬
‫يعرف دين اإلسالم‪ ،‬وأن هذا ليس منه بل هو ضده‪ ،‬ويســتتاب فــإن تــاب وإال قتــل‪ .‬وأما ذبح املســلم لنفسه يف‬
‫به فإنه ّ‬
‫أعيادهم إىل وجه القربة فكفر ّبين كالذبح للنصب‪.‬ـ(‪" )3‬‬
‫ويقول الذهيب‪ " - :‬وقد أوجب اهلل عليك – يا هذا املسلم – أن تـدعو اهلل تعـاىل كل يــوم وليلة ســبع عشــرة مــرة‬
‫باهلداية إىل الصراط املستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬غري املغضوبـ عليهم وال الضالني‪.‬‬
‫فكيف تطيب نفسك بالتش ــبه بق ــوم ه ــذه ص ــفتهم‪ ،‬وهم حطب جهنم؟ ولو قيل ل ــك‪ :‬تش ــبه مبس ــخرة ألنفت من‬
‫ذلك وغضبت وأنت تشــبه بــأقلف عابد صـليب يف عيـده‪ ،‬وتكســوه صــغارك‪ ،‬وتفــرحهم‪ ،‬وتصـبغ هلم الــبيض‪ ،‬وتشــرتي‬
‫البخور‪ ،‬وحتتفل بعيد عدوك كاحتفالك بعيد نبيك صلى اهلل عليه وسلم!‬
‫ف ــأين ي ــذهب بك إن فعلت ذلك إال إىل مقت اهلل وس ــخطه إن مل يغفر اهلل لك إن علمت أن نبيك حمم ــداً ص ــلى‬
‫اهلل عليه وسلم كان يحض على خمالفة أهل الكتاب يف كل ما اختصواـ به (‪" )4‬‬
‫ويقول حممد بن إمساعيل الرشيد احلنفي‪-:‬‬
‫" ويف اخلالصة‪ :‬من أهدى بيضة إىل اجملوس يوم النريوز كفر‪.‬‬
‫ويف الفت ــاوى الص ــغرى‪ - :‬وإن اش ــرتى ي ــوم الن ــريوز ش ــيئاً ومل يكن يش ــرتيه قبل ذل ــك‪ ،‬إن أراد به تعظيم الن ــريوز‬
‫كفر‪ ،‬وإن اتفق الشراء ومل يعلم أن هذا اليومـ يوم النريوز ال يكفر‪")1(.‬‬
‫صـ‪377‬‬

‫(‪ )2‬املغرة ‪ :‬لون ليس بناصع احلمرة ‪ ،‬انظر ترتيب القاموس احمليط ‪. 4/266‬‬
‫(‪ )3‬خمتصر الفتاوى املصرية ص ‪ = 518 ، 517‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تشبه اخلسيس بأهل اخلميس للذهيب ص ‪. 23-21‬‬
‫(‪ )1‬رسالة ألفاظ الكفر ص ‪ ، 45 ، 43‬وانظر البحر الرايق البن جنيم ‪ ، 5/133‬وشرح الفقه األكرب ملال علي قاري ص ‪ ، 282‬والفتاوى البزازية‬
‫‪. 334 ، 3/333‬‬
‫‪100‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(د) من املواالةـ العملية اليت تنـ ـ ــاقض اإلميان‪ - :‬إقامة م ـ ــؤمترات وتنظيم ملتقي ـ ــات من أجل تقرير وح ـ ــدة األدي ـ ــان‪،‬‬
‫وإزالة اخلالف العق ـ ـ ــدي‪ ،‬وإس ـ ـ ــقاط الف ـ ـ ــوارق األساس ـ ـ ــيةـ فيما بني تلك ال ـ ـ ــديانات‪ ،‬وذلك من أجل توحيد ه ـ ــذه امللل‬
‫املختلفة على أس ــاس االع ــرتاف بعقائ ــدهم وص ــحتها‪ ،‬وقد يطلق ــون على ه ــذه الوح ــدة املزعومة بني ال ــديانات الثالث‬
‫(اإلسالمـ والنصرانيةـ واليهودية) ما يسمى بالديانة اإلبراهيمية‪،‬ـ أو الديانة العاملية‪.‬ـ‬
‫وقد نشأت هذه الدعوات املضللة يف أحضان التنصري‪،‬ـ والصــهيونية العامليةـ (‪ )2‬كما كــان للبهائيةـ مشــاركة يف إجياد‬
‫دين يوافق عليه اجلميع! (‪" )3‬‬
‫ويــذكر أن من أشــهر دعــاة وحــدة األديــان يف العصر احلديث مجال الــدين الفارســي‪ ،‬واملشــهور باألفغــاين (‪ ،)4‬فقد‬
‫كان له دور خطري يف السعي إىل توحيد األديان الثالثةـ (‪ ،)5‬وتلقف هذه الــدعوة من بعــده تلميــذه حممد عبــده (‪ )6‬فقد‬
‫كان له مشاركة يف التوفيق بني اإلسالمـ والنصرانيةـ (‪.)7‬‬
‫ومن الدعاة هلذه العقيدة الضالة يف السنوات األخرية‪ - :‬رجاء جارودي‬
‫صـ‪378‬‬
‫(‪)8‬‬
‫كما هو واضح يف رسالته املسماة بـ " وثيقة أشبيلية "‬

‫(‪ )2‬انظر االجتاهات الوطنية حملمد حممد حسني ‪ 320 – 2/318‬واإلسالم واألديان حملمد عوض ص ‪. 35‬‬
‫(‪ )3‬انظر االجتاهات الوطنية حملمد حممد حسني ‪. 2/321‬‬
‫(‪ )4‬مجال الدين بن صفدر بن علي املشهورـ باألفغاين ‪ ،‬واسع اإلطالع على خمتلف العلومـ ‪ ،‬ورحل إىل عدة بلدان ‪ ،‬واشتغل بالسياسة ‪ ،‬له مؤلفات ‪،‬‬
‫ذو شخصية غامضة ‪ ،‬صاحب أفكار منحرفة ‪ ،‬تويف برتكيا سنة ‪ 1314‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ - :‬معجم املؤلفني ‪ ، 3/154‬اإلسالم واحلضارة الغربية حملمد حممد حسني ص ‪. 63‬‬
‫(‪ )5‬دعوة األفغاين يف ميزان اإلسالم ملصطفى غزال ص ‪. 241‬‬
‫(‪ )6‬حممد عبده بن حسن آل الرتكماين ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬مفسر ‪ ،‬متكلم ‪ ،‬مارس التعلم ‪ ،‬واشتغل بالسياسة والقضاء ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬صاحب نزعة عقلية ‪،‬‬
‫وميول غربية ‪ ،‬تويف باإلسكندرية سنة ‪ 1323‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم املؤلفني ‪ ، 10/272‬اإلسالم واحلضارة الغربية حملمد حممد حسني ص ‪. 63‬‬
‫(‪ )7‬االجتاهات الوطنية حملمد حممد حسني ‪ 2/319‬واإلسالم واحلضارة الغربية حملمد حممد حسني ص ‪. 198 ، 197‬‬
‫(‪ )8‬انظر كتاب ‪ :‬ال جلارودي ووثيقة أشبيلية لسعدـ ظالم‪ ،‬واإلسالم واألديان حملمد عوض ص ‪. 20-11‬‬
‫‪101‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وهــذه الفكــرة اخلبيثة قد وجــدت قــدمياً عند مالحــدة الصــوفيةـ كــابن ســبعني (‪ )9‬وابن هــود (‪ )1‬والتلمســاين (‪ ،)2‬وقد‬
‫أشار إىل ذلك ابن تيمية رمحه اهلل يف أكثر من موضع يف كتبه‪ ،‬فمن ذلك قوله‪-:‬‬
‫" ك ــان ه ــؤالء ك ــابن س ــبعني وحنوه جيعل ــون أفضل اخللق " احملقق " عن ــدهم‪ ،‬وهو القائل بالوح ــدة‪ ،‬وإذا وصل إىل‬
‫ه ــذا فال يض ــره عن ــدهم أن يك ــونـ يهودي ـاً أو نص ــرانياً‪ ،‬بل ك ــان ابن س ــبعني وابن ه ــود والتلمس ــاين وغ ــريهم يس ــوغون‬
‫للرجل أن يتمسك باليهودية والنصـ ـ ـ ـ ــرانيةـ كما يتمسك باإلس ـ ـ ـ ـ ـ ـالم‪ ،‬وجيعلـ ـ ـ ـ ــون هـ ـ ـ ـ ــذه طرقـ ـ ـ ـ ـ ـاً إىل اهلل مبنزلة مـ ـ ـ ــذاهب‬
‫املسلمني‪" )3(.‬‬
‫كما وجـ ــدت عند التتـ ــار‪ ،‬يق ـ ــول ابن تيمية يف ذلـ ــك‪ " - :‬وك ـ ــذلك األكـ ــابر من وزرائهم وغـ ــريهم جيعلـ ــون دين‬
‫اإلسالمـ كدين اليهود والنصارى‪ ،‬وأن هذه كلها طرق إىل اهلل مبنزلة املذاهبـ األربعة عند املسلمني‪" )4(.‬‬
‫صـ‪379‬‬
‫وملا ك ــانت ال ــدعوة إىل وح ــدة األدي ــان كف ــراً بواح ـاً‪ ،‬وردة ظ ــاهرة‪ ،‬ي ــدركها الع ــوام فض ـالً عن اخلواص‪ ،‬ل ــذا فقد‬
‫حـرص أعـداء هـذا الـدين على إجياد ذرائع مبطنة واسـتحداث وسـائل مقنعة للوصـول إىل مـآرهبم يف هـذه القضـية‪ ،‬ولـذا‬
‫جندهم – ابتـ ــداء – جياهرون بضـ ــرورة التعـ ــايش بني األديـ ــان‪ ،‬واحلوار فيما بينهـ ــا‪ ،‬مث ينعقـ ــون باحلاجة امللحة إىل زمالة‬
‫األديان والتقارب فيما بينها من أجل مواجهة قوى اإلحلاد والتيارات املادية‪.‬‬
‫ويــأيت " النظــام الــدويل اجلديد " عــامالً رئيس ـاً يف إحيــاء تلك الشــجرة اخلبيثــة‪ ،‬كما هو ظــاهر يف مثل هــذه األيــام‬
‫القريبة‪ ،‬من كثرة املؤمترات وامللتقياتـ اليت تسعى إىل وحدة و" خلط " الديانات‪.‬‬
‫إن الــدعوة إىل وحــدة األديــان كفر صــريح‪ ،‬ملا تتضــمنه من تكــذيب للنصــوص الصــحيحة الظــاهرة‪ ،‬واليت تقــرر –‬
‫قطعي ـاً – ب ــأنـ دين اإلس ــالمـ الكام ــل‪ ،‬وال ــذي أمت اهلل به النعم ــة‪ ،‬ورض ــيه لنا دينـ ـاً‪ ،‬أنه هو الناسخ ملا س ــبقه من ديان ــات‬
‫{و َمن َيْبتَـ ِغ َغْـي َـر ا ِإل ْسـالَِـم ِدينًا َفلَن يُ ْقبَ َـل ِمْنـهُ} [آل عمـران‪ ،‬آية ‪ ،]85‬كما‬
‫اعرتاها التحريف والتبديل‪ ،‬قــال تعــاىل‪َ - :‬‬
‫أن هذا القرآن حجة على كل من بلغه‪.‬‬

‫(‪ )9‬عبد احلق بن إبراهيم بن حممد الرقوطي ‪ ،‬اشتغل بالفلسفةـ فأصابه إحلاد ‪ ،‬وجاور بغار حراء راجياً النبوة ‪ ،‬هلك عام ‪669‬هـ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬البداية والنهاية ‪ ، 13/261‬شذرات الذهب ‪. 5/329‬‬
‫(‪ )1‬حسن بن علي املغريب األندلسيـ ‪ ،‬متصوف فيلسوف ‪ ،‬له صلة باليهود ‪ ،‬صاحب شطح وذهول ‪ ،‬هلك عام ‪ 699‬هـ ‪.‬‬
‫انظر شذرات الذهب ‪ ، 5/446‬األعالم ‪. 2/203‬‬
‫(‪ )2‬أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد اهلل العابدي ‪ ،‬شاعر حنوي ‪ ،‬نسب إليه حلول واحتاد وزندقة ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬هلك عام ‪ 690‬هـ‬
‫انظر ‪ :‬البداية والنهاية ‪ ، 13/326‬وشذرات الذهب ‪. 5/412‬‬
‫(‪ )3‬الصفديةـ ‪ ، 1/268‬وانظر ‪ :‬الصفدية ‪ ، 99 ، 1/98‬والرد على املنطقيني ص ‪ 282‬وجمموع الفتاوى ‪. 14/165‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪. 28/523‬‬
‫‪102‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫َك‬ ‫ْن‬‫بي‬ ‫ِي و‬
‫ََ‬ ‫ْن‬ ‫ِي‬‫دب‬ ‫ِيٌ‬ ‫ِ شَ‪3‬ه‬ ‫ِ هّللا‬
‫ُل‬‫ةق‬ ‫هادً‬ ‫ُ شََ‬ ‫َر‬‫ْب‬‫َك‬ ‫ءأ‬ ‫َيُّ شَيٍْ‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬‫يقـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫لغ} [األنع ـ ــام‪،‬ـ آية ‪ ]19‬كما أن بعثـ ـ ـة‬ ‫بَ‬ ‫من َ‬ ‫ََ‬‫ِو‬ ‫ِه‬
‫ُم ب‬ ‫ِر‬
‫َك‬ ‫ن ألُنذ‬ ‫ْآُ‬ ‫ُر‬‫الق‬
‫َا ْ‬ ‫هذ‬ ‫َِليَّ َ‬ ‫ُوحِيَ إ‬ ‫َأ‬‫و‬
‫ل هّللا‬
‫ِ‬ ‫َسُوُ‬ ‫ِّي ر‬‫ِن‬‫َّاسُ إ‬ ‫ها الن‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬‫يا أ‬ ‫َْ‬ ‫حممد صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم للثقلني كافـ ــة‪ ،‬قـ ــال تعـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ُل‬
‫ًا} [األعراف‪،‬ـ آية ‪.]158‬‬ ‫ِيع‬ ‫َم‬ ‫ْج‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫َِلي‬ ‫إ‬
‫َ} [األنبياء‪ ،‬آية ‪.]107‬‬ ‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫لع‬ ‫ًَ‬
‫ة ِّلْ‬ ‫ْم‬ ‫َح‬‫ِالَّ ر‬‫َاكَ إ‬ ‫لن‬‫ْسَْ‬ ‫َر‬‫ما أ‬ ‫وقال تعاىل‪{ :‬و‬
‫ََ‬
‫كما أن الــدعوة إىل وحــدة األديــان عبــارة عن إنكــار ألحكــام كثــرية معلومة الــدين بالضــرورة‪ ،‬منهــا‪ - :‬اســتحالل‬
‫مواالةـ الكفار‪ ،‬وعدم تكفريهم‪،‬ـ وإلغاء اجلهاد يف سبيل اهلل تعاىل وتوابعه‪..‬ـ اخل‪.‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬
‫ها َّ‬ ‫يَ‬‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫وقد ح ــرم اهلل تع ــاىل م ــواالة الكف ــار من أهل الكت ــاب وغ ــريهم‪ ،‬فق ــال س ــبحانه‪َ{ - :‬‬
‫َاء} [املائدة‪ ،‬آية ‪.]51‬‬ ‫لي‬ ‫َو‬
‫ِْ‬ ‫َى أ‬‫َار‬ ‫َّص‬‫َالن‬ ‫دو‬ ‫هوَ‬ ‫َُ‬ ‫ْ ْ‬
‫الي‬ ‫ُوا‬ ‫َّخِذ‬‫تت‬ ‫ْ الَ َ‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫آَ‬
‫ْ}‬ ‫ُوا‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬‫هو‬ ‫ولُ‬ ‫َسُ ُ‬ ‫َر‬ ‫ُو‬‫ُ هّللا‬
‫ُم‬‫ُّك‬
‫ِي‬ ‫َل‬‫َا و‬ ‫نم‬‫َِّ‬ ‫وخص س ــبحانه الواليةـ بقوله تع ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫[املائـ ــدة‪،‬ـ آية ‪ .]55‬وقد شـ ــهد اهلل تعـ ــاىل عليهم بـ ــالكفر يف آيـ ــات كثـ ــرية‪ ،‬منها قوله تعـ ــاىل‪{ - :‬يا أ ـَه ـ ِ ِ مِل‬
‫ـل الْكتَـ ــاب َ‬
‫َ ْ َ‬
‫ات اللّ ِه َوأَنتُ ْم تَ ْش َه ُدو َن} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]70‬‬ ‫تَ ْك ُفرو َن بِآي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صـ‪380‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫ِك‬‫ُشْر‬‫الم‬‫َ ْ‬ ‫َابِ و‬ ‫ِت‬ ‫الك‬‫ِ ْ‬ ‫هل‬ ‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫ِن‬ ‫ُوا م‬ ‫َر‬ ‫َف‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ُنِ َّ‬ ‫يك‬‫َْ‬ ‫وق ـ ـ ـ ـال تع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬لم‬
‫ة} [البينة‪،‬ـ آية ‪.]1‬‬‫َُ‬‫ِّن‬ ‫َي‬‫الب‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ِي‬‫ْت‬ ‫تأ‬ ‫َّى َ‬‫َت‬ ‫َح‬ ‫ِّين‬ ‫َك‬ ‫منف‬ ‫ُ‬
‫يقول ابن حزم‪ " - :‬واتقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً‪ ،‬واختلفوا يف تسميتهم مشركني‪" )1(.‬‬
‫ويقـول القاضي عيـاض‪ " - :‬وهلذا نكفر من دان بغري ملة املسـلمني من امللـل‪ ،‬أو وقف فيهم‪ ،‬أو شـك‪ ،‬أو صـحح‬
‫م ــذهبهم‪ ،‬وإن أظهر مع ذلك اإلس ــالم‪ ،‬واعتق ــده‪،‬ـ واعتقد إبط ــال كل م ــذهب س ــواه‪،‬ـ فهو ك ــافر بإظه ــاره ما أظهر من‬
‫خالف ذلك‪" )2(.‬‬
‫وتتضمن دعوة وحده األديان جتويزاً وتسويغاً التباع غري دين اإلسالم‪،‬ـ وهذا كفر ينــاقض اإلميان‪ ،‬فمن اعتقد أن‬
‫بعض الن ــاس يس ــعه اخلروج عن ش ــريعة حممد ص ــلى اهلل عليه وس ــلم كما وسع اخلضر اخلروج عن ش ــريعة موسى عليه‬
‫السالم فهو كافر‪.‬‬

‫(‪ )1‬مراتب اإلمجاع ص ‪. 120 ، 119‬‬


‫(‪ )2‬الشفا ‪. 2/1071‬‬
‫‪103‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يقــول ابن تيميــة‪ " - :‬ومعلــوم باالضــطرار من دين املســلمني وباتفــاق مجيع املســلمني أن من ســوغ اتبــاعـ غري دين‬
‫اإلسالم‪،‬ـ او اتباعـ شريعة غري شريعة حممد صلى اهلل عليه وسـلم فهو كـافر‪ ،‬وهو ككفر من آمن ببعضـ الكتـاب وكفر‬
‫ببعضـ الكتاب‪" )3(.‬‬
‫حيدث نفسه بــاجلمع أو التقــريبـ بني اإلســالمـ واليهودية والنصــرانيةـ كمن‬
‫ويف هناية هذه املسألةـ نقول‪ " - :‬إن من ّ‬
‫جيهد نفسه يف اجلمع بني النقيضني بني احلق والباطل وبني الكفر واإلميان وما مثله إال كما قيل‪-:‬‬
‫عمرك اهلل كيف يلتقيان‬ ‫أيها املنكح الثريا سهـيال‬
‫(‪)4‬‬
‫وسهيل إذا استقل ميان‬ ‫هي شامية إذا ما استقلتـ‬
‫ص‪381‬‬
‫‪-3‬وأما مظ ــاهرة الكف ــار على املس ــلمني‪ ،‬فاملقص ــود هبا أن يكـ ــون أولئك أنصـ ــاراً وظهـ ــوراً وأعوانـ ـاً للكف ــار ضد‬
‫املسلمني‪ ،‬فينضمون إليهم‪ ،‬ويذبون عنهم باملال والسنان والبيان‪ ،‬فهذا كفر يناقض اإلميان‪" )1(.‬‬
‫وه ــذا ما يس ــميه بعض العلم ــاء ب ـ ـ " الت ــويل " وجيعلونه أخص من عم ــوم املواالة‪ ،‬كما هو عند بعض أئمة ال ــدعوة‬
‫السلفية يف جند (‪ )2‬مع أن مجهوراً من املفسرين يفسرون التويل باملواالة‪،‬ـ فعلى سبيل املثال نذكر ما يلي‪- :‬‬
‫هم‬
‫ُ‬ ‫ِكَ ُ‬‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬‫ْف‬ ‫ُم‬‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬
‫َو‬‫يت‬‫من َ‬ ‫ََ‬ ‫يق ـ ـ ـ ــول ابن عط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـية عند تفس ـ ـ ـ ـ ـ ــريه لقوله تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} [التوبة‪،‬ـ آية ‪ " - :]23‬أي واالهم واتبعهمـ يف أغراضهم‪" )3(.‬‬ ‫ُون‬‫لم‬ ‫َّاِ‬ ‫الظ‬
‫ْا‬‫ََّلو‬
‫َو‬‫تت‬‫ُوا ال َ‬ ‫من‬
‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫ويق ــول ابن كثري عند تفس ـ ـريه لقوله ع ـ ـز وج ـ ـل‪َ{ - :‬‬
‫ْ‪[ }..‬املمتحنة‪ ،‬آية ‪.]13‬‬ ‫ِم‬ ‫ْه‬‫لي‬‫ََ‬‫ُع‬ ‫ِب‬
‫َ هَّللا‬ ‫َض‬‫ما غ‬ ‫ًْ‬‫َو‬ ‫ق‬
‫" ينهى تبـ ــارك وتعـ ــاىل عن مـ ــواالةـ الكـ ــافرين يف آخر هـ ــذه السـ ــورة‪ ،‬كما هنى عنها يف أوهلا فقـ ــال تعـ ــاىل {َ‬
‫يا‬
‫ْا‪ }..‬فكيف توالوهنم وتتخذوهنم أصدقاء وأخالء‪" )4( .‬‬ ‫ََّلو‬
‫َو‬‫تت‬ ‫ُوا ال َ‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫أ‬
‫ْ}‬
‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬
‫نُ‬‫إَّ‬
‫َِ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬
‫منك‬ ‫هم ِّ‬
‫ََّلُ‬
‫َو‬‫يت‬‫من َ‬ ‫ََ‬‫ويق ـ ـ ــول البيض ـ ـ ـ ــاوي عند تفس ـ ـ ـ ــريه لقوله س ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫[املائدة‪،‬ـ آية ‪ " ]51‬أي من واالهم منكم‪ ،‬فإنه يف مجلتهم‪ ،‬وهذا للتشديد يف وجوب جمانبتهم‪" )5( .‬‬

‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪، 28/524‬وانظر خمتصر الفتاوى املصرية ص ‪. 507‬‬


‫(‪ )4‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪. 2/85‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬تفسري الطربي ‪ ، 3/140‬وجمموعة التوحيد ص ‪ ، 38‬والدرر السنية ‪ ، 7/201‬وفتاوى ابن باز ‪. 1/272‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الدرر السنية ‪ ، 7/201‬وعقود اجلواهر املنضدة البن سحمان ص ‪. 146‬‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن عطية ‪. 8/152‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري ‪. 4/356‬‬
‫(‪ )5‬تفسري البيضاوي ‪ ، 1/279‬وانظر البيضاوي ‪ ، 2/462‬وتفسري اآللوسي ‪ ، 28/32‬وتفسري الشوكاين ‪ ، 5/192‬وتفسري القامسي ‪. 6/331‬‬
‫‪104‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وما يؤكد أن التــويل يكــون مبعىن املوالة‪ ،‬ما جــاء يف لغة العــرب‪ ،‬فــإن التــويل واملواالة من مــادة واحــدة وهي‪ :‬ويل‬
‫(‪)6‬‬
‫مبعىن قرب‪ ،‬والويل‪ :‬الناصر ضد العدو‪.‬‬
‫صـ‪382‬‬
‫ولذا فإن شيخ املفسرين ابن جرير رمحه اهلل تعاىل – يف عدة مواضع من تفسريه – يفسر معىن اختاذ الكفار أولياء‬
‫مبعىن جعلهم أنصاراً (‪ ،)7‬وهو مبعىن توليهم‪.‬‬
‫وإذا كـ ــان الت ـ ــويل مبعىن املواالة‪ ،‬فكما أن م ـ ــواالة الكف ـ ــار ذات ش ـ ــعب متفاوت ـ ــة‪ ،‬منها ما خيرج من امللة كـ ــاملواالة‬
‫املطلقة هلم‪ ،‬ومنها ما دون ذلك … ف ــإن ت ــويل الكف ــار مثل م ــواالهتم‪ ،‬فهن ــاك الت ــويل املطلق الت ــام ال ــذي ين ــاقض اإلميان‬
‫(‪)8‬‬
‫بالكلية‪ ،‬وهناكـ مراتب دون ذلك‪.‬‬
‫ولذا يقول الشيخ عبد الرمحن السعدي عند تفسريه لقوله تعاىل‪-:‬‬
‫َ} [املمتحن ــة‪ ،‬آية ‪ " - :]9‬وذلك‬
‫ُون‬ ‫لم‬‫َّاِ‬ ‫ُ الظ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬‫َْلـئ‬ ‫ُو‬‫َأ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬
‫َو‬ ‫يت‬
‫من َ‬ ‫{و‬
‫ََ‬
‫الظلم يكون حبسب التويل‪ ،‬فـإن كان تولياً تاماً‪ ،‬كان ذلك كفـراً خمرجـاً عن دائــرة اإلســالم‪ ،‬وحتت ذلك من املراتب‪،‬‬
‫ما هو غليظ وما هو دونه‪" )1(.‬‬
‫ْ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]51‬‬ ‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬‫َِ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬ ‫َو‬‫يت‬ ‫من َ‬‫ََ‬ ‫ويقول عند تفسريه لقوله تعاىل‪{ - :‬و‬
‫" إن التــويل التــام يــوجب االنتقــال إىل دينهم‪ ،‬والتــويل القليل يــدعو إىل الكثــري‪،‬ـ مث يتــدرج شــيئاً فشــيئاً حىت يكــون‬
‫العبد منهم‪" )2(.‬‬
‫وعلى كــل‪ ،‬فال مشــاحة يف االصــطالح‪ ،‬فــاملهم أن مظــاهرة الكفــار‪ ،‬ونصــرهتم والــذب عنهم‪ ،‬ينــاقض اإلميان ســواء‬
‫مسي ذلك تولياً أم مواالة‪.‬‬
‫إن مظـ ــاهرة الكفـ ــار ضد املسـ ــلمني خيانة هلل تعـ ــاىل‪ ،‬ولرسـ ــوله صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم وللمؤمـ ــنني‪ ،‬قـ ــال تعـ ــاىل‪-:‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ْ َلُ‬ ‫مت‬‫‪3‬دَ‬ ‫َ‪َّ 3‬‬‫ما ق‬ ‫ْسَ َ‬ ‫ِئ‬ ‫ْ َلب‬‫ُوا‬ ‫َ‪33‬ر‬ ‫َف‬‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ن َّ‬ ‫َْ‬ ‫ََّلو‬ ‫َو‬‫يت‬‫َْ‬‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ًا ِّ‬‫ِ‪33‬ير‬ ‫َث‬ ‫َى ك‬ ‫تر‬ ‫{َ‬
‫ََل‪ 3‬و‬
‫ْ‬ ‫ن {‪ 3 }80‬و‬ ‫دوَ‬ ‫ل ‪ُ3‬‬ ‫َاِ‬ ‫ْخ‬ ‫هم‬‫َابِ ُ‬ ‫َذ‬ ‫الع‬‫ِي ْ‬ ‫َف‬ ‫ْو‬ ‫ِم‬ ‫ْه‬‫لي‬‫ََ‬‫ُع‬ ‫َن سَخِط‬
‫َ هّللا‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫ُسُُ‬ ‫َنف‬ ‫أ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ُوُ‬ ‫اتخَ‪33‬ذ‬ ‫ما َّ‬ ‫َِ‬ ‫ْ‪33‬ه‬ ‫َِلي‬‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُن‪33‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ِيِّ و‬‫َّب‬ ‫ِاهلل والن‬ ‫نب‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫يؤ‬‫ُوا ُ‬ ‫َ‪33‬ان‬ ‫ك‬
‫َ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]81 ،80‬‬ ‫ُون‬ ‫ِق‬‫َاس‬ ‫ْف‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫من‬ ‫ًا ِّ‬‫ِير‬ ‫َث‬ ‫َّ ك‬‫ِن‬‫ََلـك‬ ‫َاء و‬ ‫لي‬‫ِْ‬‫َو‬‫أ‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬معجم مقاييس اللغة البن فارس ‪ ، 6/141‬وترتيب القاموس احمليط ‪ ، 4/658‬واملصباح املنري ص ‪ ، 841‬ومفردات الراغب ص‬
‫‪ ، 837‬وخمتار الصحاح للرازي ص ‪ ، 736‬ونزهة األعني النواظر البن اجلوزي ‪. 2/208‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬تفسري الطربي ‪. 28/34 , 182 , 166 ، 6/159 ، 5/195‬‬
‫(‪ )8‬أنظر ‪ :‬بدائع الفوائد البن القيم ‪ ، 4/19‬وجمموعة الرسائل واملسائل النجدية ‪. 3/7‬‬
‫(‪ )1‬تفسري السعدي ‪. 7/357‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪. 2/304‬‬
‫‪105‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪383‬‬
‫فتوىل الكفار موجب لسخط اهلل تعاىل‪ ،‬اخللود يف عذابه‪ ،‬ولو كان متوليهم مؤمناً ما فعل ذلك‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّخ ِذ الْم ْؤ ِمنُ ــو َن الْ َكــافِ ِر ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ني َو َمن َي ْف َعـ ْـل‬
‫ين أ َْوليَ ــاء من ُد ْون الْ ُمـ ْـؤمن َ‬
‫َ‬ ‫يق ــول الط ــربي عند تفس ــريه لقوله تع ــاىل‪{ - :‬الَّ َيت ـ ُ‬
‫س ِم َن اللّ ِه يِف َش ْي ٍء} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]28‬‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫ل‬‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬
‫َ‬
‫َذلِ‬
‫" ومعىن ذلك‪ :‬ال تتخذوا أيها املؤمنون الكفار ظهوراً وأنصاراً‪ ،‬توالــوهنم على دينهم‪ ،‬وتظــاهروهنم على املســلمني‬
‫من دون املؤمــنني‪ ،‬وتــدلوهنم على عــوراهتم‪ ،‬فإنه من يفعل ذلك فليس من اهلل يف شــيء‪ ،‬يعين فقد بــرئ من اهلل‪ ،‬وبــرئ‬
‫اهلل منه بارتداده عن دينه ودخوله يف الكفر‪" )3(.‬‬
‫وتضمنتـ رسالة " الـدالئل يف حكم مـواالة أهل اإلشـراك " للشـيخ سـليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهـاب‬
‫رمحهم تعاىل أكثر من عشرين دليالً يف النهيـ عن مواالة الكفار‪ ،‬فكان مما قاله الشيخ سليمان‪-:‬‬
‫ِم‬
‫ُ‬ ‫ِه‬ ‫َان‬ ‫ْ‪33‬و‬ ‫ِخ‬‫ن إل‬
‫ُ‪ 33‬وَ‬ ‫ُول‬ ‫يق‬ ‫ُوا َ‬ ‫َق‬
‫َ‪33‬اف‬ ‫َن‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫تر إ‬ ‫َْ‬‫ََلم‬ ‫" قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬أ‬
‫َال‬‫ْو‬ ‫ُم‬‫َك‬‫مع‬ ‫َن‬
‫َّ َ‬ ‫ُج‬‫َخْ ‪3‬ر‬ ‫ْ َلن‬ ‫ُم‬‫ْت‬
‫ِج‬ ‫ْ ‪3‬ر‬‫ُخ‬‫ْأ‬ ‫ِن‬ ‫‪3‬ابِ َلئ‬ ‫َ‪3‬‬ ‫ِت‬‫الك‬‫ِ ْ‬ ‫هل‬‫َْ‬‫ْأ‬ ‫ِن‬ ‫ُوا م‬ ‫َر‬‫َف‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َّ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫نُ‬ ‫دإ‬
‫َِّ‬ ‫هُ‬ ‫ش‪َ33‬‬‫يْ‬ ‫َُ‬‫َهَّللا‬‫ْو‬ ‫ُم‬ ‫نك‬ ‫نص‪33‬ر‬
‫ََّ‬ ‫َ ُ‬‫ْ َلن‬ ‫ُم‬ ‫لت‬‫ِْ‬‫ُوت‬ ‫ِن ق‬ ‫َإ‬‫دا و‬ ‫بً‬‫ََ‬‫دا أ‬ ‫ًَ‬‫َح‬‫ْأ‬ ‫ُم‬‫ِيك‬ ‫ُف‬ ‫ِيع‬ ‫نط‬ ‫ُ‬
‫َ} [احلشر‪ ،‬آية ‪]11‬‬ ‫بون‬ ‫ُِ‬‫َاذ‬ ‫َلك‬
‫فإذا كان وعد املشركني يف السر – بالدخول معهم ونصرهتم واخلروج معهم إن جلــوا – نفاقـاً وكفــراً وإن كــان‬
‫كــذباً‪ ،‬فكيف مبن أظهر هلم ذلك صــادقاً‪ ،‬وقــدم عليهم‪ ،‬ودخل يف طــاعتهم‪ ،‬ودعا إليهــا‪ ،‬ونصــرهم وانقــاد هلم‪ ،‬وصــار‬
‫من مجلتهم وأع ـ ــاهنم باملال وال ـ ــرأي؟ ه ـ ــذا مع أن املن ـ ــافقني مل يفعل ـ ــوا ذلك إال خوفـ ـ ـاً من ال ـ ــدوائر كما ق ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫َن‬ ‫ش‪33‬ى أ‬ ‫َخَْ‬ ‫نن‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬‫ِيه‬ ‫نف‬ ‫ُوَ‬ ‫ِع‬‫يسَار‬ ‫َضٌ ُ‬ ‫مر‬ ‫ِه‬
‫ِم َّ‬ ‫ُوب‬ ‫ُل‬
‫ِي ق‬ ‫َف‬‫ِين‬ ‫الذ‬‫َى َّ‬ ‫َر‬‫َت‬ ‫{ف‬
‫(‪)1‬‬
‫ة} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]52‬‬
‫ٌَ‬‫ِر‬
‫دآئ‬
‫َا َ‬
‫َن‬‫ِيب‬
‫تص‬‫ُ‬
‫من‬ ‫ََ‬ ‫ويقـ ــول الشـ ــيخ عبد اللطيف بن عبد الـ ــرمحن بن حسن آل الشـ ــيخ – عن هـ ــذه املسـ ــألة ‪ " :-‬وأما قوله {و‬
‫ن‬
‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫يؤ‬ ‫ما ُ‬ ‫َو‬
‫ًْ‬ ‫دق‬ ‫تجُِ‬ ‫ْ} [املائ ــدة‪،‬ـ آية ‪ ]51‬وقول ــه‪{ - :‬ال َ‬
‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬‫نُ‬
‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْف‬
‫ُم‬‫منك‬ ‫هم ِّ‬‫ََّلُ‬ ‫َو‬ ‫يت‬
‫َ‬
‫ه} [اجملادل ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬آية ‪ 22‬وقوله تع ـ ـ ـ ــاىل‬ ‫َسُ َ‬
‫ولُ‬ ‫َر‬‫َو‬ ‫اد هَّللا‬ ‫ْح‬
‫َ َّ‬ ‫من‬ ‫نَ‬ ‫ادوَ‬ ‫يو‬
‫َ ُّ‬ ‫ُِ‬‫ِ اآلخِر‬
‫ْم‬ ‫َو‬
‫الي‬
‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬
‫ب‬
‫ًا‬‫ُو‬ ‫ه‪33‬ز‬ ‫ُْ‬ ‫ُم‬
‫َك‬‫ِين‬ ‫ْد‬ ‫ُوا‬ ‫اتخَذ‬ ‫ِين‬
‫َ َّ‬ ‫ْ َّ‬
‫الذ‬ ‫ُوا‬‫َّخِذ‬
‫تت‬ ‫ْ الَ َ‬
‫ُوا‬‫من‬
‫َ آَ‬‫ِين‬‫الذ‬‫ها َّ‬‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫{َ‬
‫‪3‬اء‬ ‫َ‪3‬‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬‫َأ‬‫َّار‬‫ُف‬‫الك‬ ‫َ ْ‬ ‫ْو‬ ‫ِك‬
‫ُم‬ ‫َب‬
‫ْل‬ ‫ِن ق‬‫َم‬ ‫‪3‬اب‬ ‫َ‪3‬‬‫ِت‬
‫الك‬ ‫ْ ْ‬ ‫‪3‬وا‬ ‫ت‪3‬‬‫ُوُ‬‫َأ‬‫ِين‬‫الذ‬
‫َ َّ‬‫من‬‫ًا ِّ‬‫ِب‬ ‫ََلع‬ ‫و‬

‫(‪ )3‬تفسري الطربي ‪. 3/140‬‬


‫(‪ )1‬الدالئل يف حكم موالة أهل اإلشراك ص ‪. 52‬‬
‫‪106‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ} [املائـ ـ ــدة‪ ،‬آية ‪ .]57‬فقد فس ـ ــرته الس ـ ــنة وقيدته وخص ـ ــته ب ـ ــاملواالة‬ ‫ِن‬
‫ِين‬ ‫ْم‬
‫مؤ‬‫ُم ُّ‬
‫ُنت‬
‫ِن ك‬
‫َإ‬‫ْ هّللا‬
‫ُوا‬
‫اتق‬ ‫و‬
‫َ َّ‬
‫املطلقة العامة …(‪" )2‬‬
‫وقد خيلط البعض بني مس ــألة تــويل الكف ــار ومظــاهرهتم‪ ،‬وبني مســألة االس ــتعانةـ بهم يف قت ــال الكفــار … فاملس ــألة‬
‫األوىل خــروج عن امللــة‪ ،‬وحماربة هلل تعــاىل ورســوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬ومفارقة لســبيل املؤمــنني‪ ،‬يقــول الشــيخ عبد‬
‫اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ عن ذلك‪ " - :‬وأكرب ذنب وأصله وأعظمه منافاة ألصل اإلســالمـ ونصــرة‬
‫أعداء اهلل ومعاونتهم‪ ،‬والسعيـ فيما يظهر به دينهم‪ ،‬وما هم عليه من التعطيل والشرك واملوبقات العظام‪" )3(.‬‬
‫وأما مسألة االستعانةـ هبم يف قتال كفار آخــرين … فهي مســألة خالفية بني أهل العلم‪ ،‬فهنــاك من منعهــا‪ ،‬وهنــاكـ‬
‫من أجازها بش ــروط كــأن حيت ــاج إليهم‪ ،‬وت ــؤمن خي ــانتهم‪ ،‬وأن ال يكون ــواـ أصــحاب صــولة وشــوكة … اخل (‪ ،)4‬وأما‬
‫(‪)5‬‬
‫االستعانة بالكفار على بغاة املسلمني فهذه ممنوعة عند مجاهري علماء اإلسالم‪.‬‬
‫ونورد كالماً البن حزم يف هذه القضية حيث يقول‪-:‬‬
‫" قد علمنا أن من خـرج عن دار اإلســالم إىل دار احلرب‪ ،‬فقد أبق عن اهلل تعــاىل‪ ،‬وعن إمــام املســلمني ومجاعتهم‪،‬‬
‫ويبين هذا حديثه صـلى اهلل عليه وســلم أنه بــرئ من كل مســلم يقيم بني أظهر املشــركني‪ ،‬وهو عليه الســالم ال يــربأ إال‬
‫ض}‬ ‫ٍْ‬ ‫بع‬ ‫َاء َ‬ ‫لي‬‫ِْ‬ ‫َو‬‫ْأ‬ ‫هم‬‫ُُ‬‫ْض‬
‫بع‬ ‫َُ‬ ‫َات‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫الم‬‫َ ْ‬ ‫نو‬ ‫ُوَ‬‫ِن‬‫ْم‬‫ُؤ‬‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫من ك ـ ــافر (‪ ،)6‬قـ ـ ــال تعـ ـ ــاىل ‪{ - :‬و‬
‫[التوبة‪ ،‬آية ‪.]71‬‬
‫صـ‪385‬‬
‫فصح هبذا أن من حلق بـ ــدار الكفر واحلرب خمتـ ــاراً حمارب ـ ـاً ملن يليه من املسـ ــلمني‪ ،‬فهو هبذا الفعل مرتد له أحكـ ــام‬
‫املرتد كله ــا‪ ،‬من وج ــوب القتل علي ــه‪ ،‬مىت ق ــدر عليه ومن إباحة مال ــه‪ ،‬وانفس ــاخ نكاحه وغري ذل ــك؛ ألن رس ــول اهلل‬
‫ص ــلى اهلل عليه وس ــلم مل ي ــربأ من مس ــلم‪ .‬وأما من فر إىل أرض احلرب لظلم خاف ــه‪ ،‬ومل حيارب املس ــلمني‪ ،‬وال أع ــاهنم‬
‫عليه ومل جيد يف املسلمني من جيريه‪،‬فهذا ال شيء عليه؛ ألنه مضطر مكره‪" )1(.‬‬

‫(‪ )2‬جمموعة الرسائل واملسائل النجدية ‪. 3/7‬‬


‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪. 3/57‬‬
‫(‪ )4‬انظر املرجع السابق ‪ ، 67 , 3/66‬وكتاب االستعانة بغري املسلمني لعبد اهلل الطريقي ص ‪. 271 – 262‬‬
‫(‪ )5‬انظر كتاب االستعانة بغري املسلمني لعبد اهلل الطريقي ص ‪. 274 – 272‬‬
‫(‪ )6‬مراد ابن حزم – هاهنا ‪ : -‬أن يلحق املسلم بدار احلرب خمتاراً حمارباً – كما سيأيت متام كالمه بعد قليل ‪ ، -‬انظر للمزيد من التوضيح احمللى‬
‫‪. 13/140‬‬
‫(‪ )1‬احمللى ‪. 139 ، 13/138‬‬
‫‪107‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪-‬إىل أن قـ ــال – وأما من محلته احلمية من أهل الثغر من املسـ ــلمني فاسـ ــتعان باملشـ ــركني احلرب ــيني‪ ،‬وأطلق أي ــديهم‬
‫على قتل من خالفه من املسلمني‪ ،‬أو على أخذ أمواهلم أو سبيهم‪ ،‬فإن كانت يده هي الغالبة وكــان الكفــار له كأتبــاعـ‬
‫فهو هالك يف غاية الفســوق‪ ،‬وال يكــونـ بــذلك كــافراً؛ ألنه مل يــأت شــيئاً أوجب به عليه كفــراً‪ :‬قــرآن أو إمجاع‪ ،‬وإن‬
‫ك ــان حكم الكف ــار جاريـ ـاً عليه فهو ب ــذلك ك ــافر‪ ،‬ف ــإن كانا متس ــاويني ال جيري حكم أح ــدمها على اآلخر فما ن ــراه‬
‫بذلك كافراً واهلل أعلم‪" )2(.‬‬
‫‪ - 4‬واآلن نورد مجلة من االعتبارات اليت جتعل مظاهرة الكفار على املسلمني ناقضاً من نواقض اإلميان‪-:‬‬
‫ِي‬ ‫ه‪3‬د‬ ‫يْ‬‫َ الَ َ‬ ‫ن هّللا‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫هم‬
‫ُْ‬‫ِن‬‫هم‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْف‬
‫ُم‬ ‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬
‫َ‪3‬و‬‫يت‬‫من َ‬ ‫ََ‬‫(أ) يقـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]51‬‬
‫ِين‬‫لم‬ ‫َّاِ‬ ‫َ الظ‬ ‫ْم‬ ‫َو‬
‫الق‬ ‫ْ‬
‫فبني اهلل تعاىل أن من فعل ذلك فهو منهم أي من أهل دينهم وملتهم‪ ،‬فله حكمهم‪.‬‬
‫يقــول الطــربي يف تفسري هــذه اآليــة‪ " - :‬من تــوالهم ونصــرهم على املؤمــنني فهو من أهل دينهم وملتهم‪ ،‬فإنه ال‬
‫يتـ ــوىل متـ ــول أحـ ــداً إال وهو به وبدينه وما هو عليه راض‪ ،‬وإذا رضـ ــيه ورضي دينـ ــه‪ ،‬فقد عـ ــادى ما خالفه وسـ ــخطه‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وصار حكمه حكمه‪.‬‬
‫صـ‪386‬‬
‫ْ} فإنه أي يعض ـ ــدهم على‬ ‫ُم‬‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬‫َو‬ ‫يت‬‫من َ‬ ‫ََ‬ ‫ويق ـ ــول الط ـ ــربي يف تفس ـ ــريها‪ " - :‬قوله تع ـ ــاىل‪{ :‬و‬
‫ْ} بني أن حكمه حكمهم‪ ،‬وهو مينع إثب ــات املرياثـ للمس ــلم من املرت ــد‪ ،‬وك ــان ال ــذي‬ ‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫إَّ‬ ‫َِ‬‫املس ــلمني {ف‬
‫توالهم ابن أيب‪ ،‬مث هذا احلكم باق إىل يوم القيامة يف قطع املواالة‪" )4(.‬‬
‫ْ} [املائــدة‪،‬ـ آية‬
‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬‫هم‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْف‬ ‫ُم‬‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬‫َو‬‫يت‬ ‫من َ‬‫ََ‬ ‫ويقول ابن حزم‪ " - :‬صح أن قوله تعــاىل {و‬
‫‪ ،]51‬إمنا هو على ظاهره بأنه كافر من مجلة الكفار فقط‪ ،‬وهذا حق ال خيتلف فيه اثنانـ من املسلمني‪" )5(.‬‬
‫ْ}‪ :‬أي مجلتهم‪ ،‬وحكمه حكمهم‪ ،‬وإن زعم أنه خمالف هلم‬ ‫هم‬
‫ُْ‬‫ِن‬‫هم‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫ويق ــول القامسي يف تفس ــريه‪{ - :‬ف‬
‫يف الدين‪ ،‬فهو بداللة احلال منهم لداللتها على كمال املوافقة‪" )1(.‬‬
‫ْم‬
‫َ‬ ‫َو‬
‫الق‬
‫ِي ْ‬
‫هد‬‫يْ‬
‫َ الَ َ‬
‫ن هّللا‬ ‫إض ـ ـ ــافة إىل ذلك فـ ـ ـ ـ ــإن اهلل تعـ ـ ـ ـ ــاىل ذكر بعد هـ ـ ـ ـ ــذه اآليـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬قوله سـ ـ ـ ـ ــبحانه {إ‬
‫َِّ‬
‫َ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]51‬‬ ‫ِين‬ ‫لم‬ ‫َّاِ‬ ‫الظ‬

‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪. 141 ،13/140‬‬


‫(‪ )3‬تفسري الطربي ‪. 6/160‬‬
‫(‪ )4‬تفسري القرطيب ‪ ، 6/217‬وانظر تفسري البيضاوي ‪ ، 1/279‬وتفسري الشوكاين ‪. 2/50‬‬
‫(‪ )5‬احمللى ‪. 13/35‬‬
‫(‪ )1‬تفسري القامسي ‪. 6/240‬‬
‫‪108‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ} [التوب ــة‪ ،‬آية‬
‫ُون‬
‫لم‬‫َّاِ‬
‫ُ الظ‬
‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫َأ‬
‫ْف‬‫هم‬
‫ََّلُ‬
‫َو‬‫يت‬
‫من َ‬‫ويف آية أخ ــرى يق ــول عز وجل {و‬
‫ََ‬
‫‪ ]23‬والظلم إذا أطلق يراد به الشرك األكرب (‪ ،)2‬فدل هذا على أن مظاهرة الكفار على املسلمني خروج عن امللة‪.‬‬
‫(ب) وال ريب أن مظـ ــاهرة الكفـ ــار على املسـ ــلمني تنـ ــاقض اإلميان‪ ،‬وتنافيه بالكليـ ــة‪ ،‬فمثل هـ ــذه املواالةـ تتضـ ــمن‬
‫بغضاً لدين اهلل تعاىل‪ ،‬وحربـاً لعبــاد اهلل الصــاحلني‪ ،‬ونصــرة للكفــار … وال شك أن اإلميان ال ميكن أن جيتمع مع هــذه‬
‫املواالة كما قال تعاىل‪- :‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ْ َلُ‬ ‫مت‬ ‫َ‪33‬دَ‬
‫ما ق َّ‬ ‫ْسَ َ‬ ‫ِئ‬‫ْ َلب‬ ‫ُوا‬ ‫َر‬‫َف‬‫َك‬ ‫ِين‬‫الذ‬ ‫ن َّ‬‫َْ‬ ‫ََّلو‬‫َو‬‫يت‬‫َْ‬ ‫هم‬‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ًا ِّ‬‫ِير‬ ‫َث‬ ‫َى ك‬ ‫تر‬‫{َ‬
‫ََل‪ 3‬و‬
‫ْ‬ ‫ن {‪ 3 }80‬و‬ ‫دوَ‬ ‫ل ‪ُ3‬‬ ‫َاِ‬ ‫ْخ‬ ‫هم‬‫َابِ ُ‬ ‫َذ‬‫الع‬ ‫ِي ْ‬ ‫َف‬ ‫ْو‬ ‫ِم‬‫ْه‬‫لي‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫َن سَخِط‬
‫َ هّللا‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫َنف‬
‫ُسُُ‬ ‫أ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ُوُ‬ ‫اتخَ‪33‬ذ‬ ‫ما َّ‬ ‫َِ‬‫ْ‪33‬ه‬ ‫َِلي‬ ‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُن‪33‬ز‬ ‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ِيِّ و‬ ‫َّب‬
‫ِاهلل والن‬ ‫نب‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫يؤ‬ ‫ُوا ُ‬ ‫َ‪33‬ان‬ ‫ك‬
‫َ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪]81 ،80‬‬ ‫ُون‬ ‫ِق‬ ‫َاس‬‫ْف‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫من‬
‫ًا ِّ‬ ‫ِير‬ ‫َث‬ ‫َّ ك‬‫ِن‬ ‫ََلـك‬ ‫َاء و‬ ‫لي‬‫ِْ‬‫َو‬‫أ‬
‫صـ‪387‬‬
‫ف ــبني س ــبحانه وتع ــاىل أن اإلميان باهلل والنيب وما أن ــزل إليه مس ــتلزم لع ــدم واليتهم‪ ،‬فثب ــوت واليتهم ي ــوجب ع ــدم‬
‫اإلميان؛ ألن ع ــدم الالزم يقتضيـ ع ــدم املل ــزوم‪ ،‬كما س ــجل على من ت ــوىل الك ــافرين باملذمة وحل ــول الس ــخط عليهم‬
‫واخللود يف العذاب‪" )3(.‬‬
‫يق ــول ابن تيمية عن ه ــذه اآلي ــات‪ " - :‬ف ــذكر مجلة ش ــرطية تقتضيـ أنه إذا وجد الش ــرط وجد املش ــروط حبرف "‬
‫ِيِّ‬
‫َّب‬‫ِاهلل والن‬ ‫نب‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫يؤ‬‫ُوا ُ‬ ‫َان‬ ‫ََلو‬
‫ْك‬ ‫ل ــو" اليت تقتضيـ مع الش ــرط انتف ــاء املش ــروط‪ ،‬فق ــال‪ }-:‬و‬
‫َاء} فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدل على أن اإلميان املذكور ينفيـ اختاذهم‬ ‫لي‬ ‫َو‬
‫ِْ‬ ‫ْأ‬‫هم‬‫ُوُ‬ ‫اتخَذ‬ ‫ما َّ‬ ‫َِ‬ ‫َِلي‬
‫ْه‬ ‫لإ‬ ‫َِ‬ ‫ُنز‬ ‫ما أ‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫أولي ـ ــاء ويض ـ ـ ــاده‪ ،‬وال جيتمع اإلميان واختاذهم أولي ـ ـ ــاء يف القلب‪ ،‬ودل ذلك على أن من اختذهم أولي ـ ــاء ما فعل اإلميان‬
‫الواجب من اإلميان باهلل وما أنزل إليه‪.‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ض‪ُ33‬‬ ‫ُْ‬‫بع‬ ‫َ‪33‬اء َ‬ ‫ِْ‬
‫لي‬ ‫َو‬ ‫َى أ‬ ‫َار‬ ‫َّص‬ ‫َالن‬ ‫دو‬‫هوَ‬ ‫ْ ْ‬
‫الي‬
‫َُ‬ ‫ُوا‬ ‫َّخِذ‬ ‫تت‬ ‫ومثله قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬الَ َ‬
‫ْ} [املائــدة‪ ،‬آية ‪ ،]51‬فإنه أخرب يف تلك‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬‫هم‬
‫نُ‬‫إَّ‬‫ْف‬
‫َِ‬ ‫ُم‬
‫منك‬ ‫هم ِّ‬‫ََّلُ‬ ‫َو‬‫يت‬ ‫من َ‬ ‫ضو‬
‫ََ‬ ‫ٍْ‬ ‫بع‬ ‫َاء َ‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬‫أ‬
‫اآليات أن متوليهم ال يكونـ مؤمناً‪ ،‬وأخرب هنا أن متوليهم هم منهم‪ ،‬والقرآن يصدق بعضه بعضاً‪" )4(.‬‬
‫ويقول الشيخ سليمان عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب يف ذلك‪- :‬‬

‫(‪ )2‬انظر فتاوى اللجنة الدائمة ‪. 2/78‬‬


‫(‪ )3‬انظر اقتضاء الصراط املستقيم ‪ ، 1/490‬والدررـ السنية ‪. 7/84‬‬
‫(‪ )4‬اإلميان ص ‪ ، 14 ، 13‬وانظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪. 542 , 7/17‬‬
‫‪109‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫من‬
‫ْ‬ ‫نَ‬ ‫ادوَ‬‫َ ُّ‬‫يو‬ ‫ُِ‬ ‫ِ اآلخِر‬ ‫ْم‬ ‫َو‬‫الي‬
‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬
‫نب‬‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬
‫يؤ‬ ‫ما ُ‬ ‫ًْ‬‫َو‬ ‫دق‬ ‫تجُِ‬ ‫" قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ال َ‬
‫َو‬
‫ْ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬
‫نُ‬ ‫َاَ‬‫ْ‪33‬و‬ ‫ِخ‬ ‫ْإ‬ ‫َو‬‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫َاءُ‬ ‫بن‬ ‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫َو‬
‫ْأ‬‫هم‬‫باءُ‬ ‫ُوا آَ‬ ‫َان‬ ‫ْك‬ ‫ََلو‬ ‫هو‬‫ولُ‬‫َسُ َ‬ ‫َر‬ ‫َو‬ ‫اد هَّللا‬ ‫ح‬
‫َ َّ‬
‫ْ} [اجملادلة‪ ،‬آية ‪.]22‬‬ ‫هم‬ ‫تُ‬ ‫ََ‬ ‫ِير‬ ‫َش‬
‫ع‬
‫أخرب تعــاىل أنك ال جتد من يــؤمن باهلل واليــومـ اآلخر يــوادون من حــاد اهلل ورســوله‪ ،‬ولو كــان أقــرب قــريب‪ ،‬وأن‬
‫هذا مناف لإلميان مضاد له‪ ،‬ال جيتمع هو واإلميان إال كما جيتمع املاء والنار‪" )1(.‬‬
‫ِ‬ ‫(ج) جــاء النص القــرآين مقــرراً بــراءة اهلل تعــاىل ممن ظــاهر الكفــار‪ ،‬فقــال تعــاىل‪{ - :‬الَّ يت ِـ ِ ِ‬
‫َّخ ذ الْ ُم ْؤمنُــو َـن الْ َـكـاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َ‬
‫س ِم َن اللّ ِه يِف َش ْي ٍء إِالَّ أَن َتَّت ُقواْ ِمْن ُه ْم ُت َقا ًة} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]28‬‬ ‫ك َفلَْي َ‬
‫ِ‬
‫ني َو َمن َي ْف َع ْل َذل َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أ َْوليَاء من ُد ْون الْ ُم ْؤمن َ‬
‫س ِم َن اللّ ِـه يِف َشـ ْي ٍء} أي من‬ ‫ـك} [أي اختاذهم أوليـاء‪َ { ،‬فلَْي َ‬
‫ِ‬
‫{و َمن َي ْف َع ْـل َذل َ‬ ‫ويقول البيضاوي عند هذه اآلية‪َ - :‬‬
‫واليته يف شيء يصح أن يسمى والية‪ ،‬فإن مواالة املتعاديني ال جيتمعان‪" )2(.‬‬
‫َّخ ِذ} فيه النهي عن مــواالة الكفــار لســبب من األســباب‬ ‫ويق ـول الشــوكاين يف تفسري هــذه اآليــة‪ " - :‬قوله {الَّ َيت ِ ـ‬
‫ني} يف حمل احلال‪ :‬أي متجاوزين املؤمنني إىل الكافرين استقالالًـ أو اشــرتاكاً … ومعىن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫… وقوله‪{ :‬من ُد ْون الْ ُم ْؤمن َ‬
‫س ِم َن اللّ ِه يِف َش ْي ٍء} أي من واليته يف شيء من األشياء‪ ،‬بل هو منسلخ عنه بكل حال‪" )3(.‬‬ ‫قوله { َفلَْي َ‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫َا َلك‬ ‫َم‬ ‫(د) إن مظــاهرة أعــداء اهلل تعــاىل كفر نفــاق‪ ،‬وقد حكم اهلل تعــاىل بــذلك يف قوله عز وجــل‪{ - :‬ف‬
‫َن‬ ‫نأ‬ ‫دوَ‬ ‫ِي‪ُ33‬‬ ‫تر‬ ‫َُ‬‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫َس‪33‬ب‬ ‫َا ك َ‬ ‫ِم‬‫هم ب‬ ‫َس‪ُ33‬‬ ‫ْك َ‬ ‫َر‬ ‫ُأ‬ ‫َهّللا‬
‫ْنِ و‬ ‫َي‬‫َت‬ ‫ِئ‬ ‫َف‬ ‫ِين‬ ‫ِق‬ ‫َ‪33‬اف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬ ‫ِي ْ‬ ‫ف‬
‫ْ‬‫ْ َل‪ 3‬و‬ ‫دوا‬ ‫َُّ‬‫ِيالً {‪ 3 }88‬و‬ ‫ه سَب‬ ‫د َلُ‬‫تجَِ‬ ‫لن َ‬ ‫ََ‬‫ُف‬ ‫ِ هّللا‬ ‫ِل‬ ‫ْل‬ ‫يض‬ ‫من ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُو‬ ‫َّ هّللا‬
‫َل‬ ‫َض‬‫ْأ‬ ‫من‬ ‫َْ‬ ‫دوا‬ ‫هُ‬
‫تْ‬ ‫َ‬
‫‪3‬اء‬ ‫َ‪3‬‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬ ‫َو‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُوا‬ ‫َّخِ‪3‬ذ‬ ‫تت‬ ‫َالَ َ‬
‫َاء ف‬ ‫ن سَ‪3‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫ُون‬ ‫َك‬ ‫َت‬‫ْف‬ ‫ُوا‬ ‫َر‬ ‫َف‬ ‫َا ك‬ ‫َم‬ ‫نك‬ ‫ُوَ‬ ‫ُر‬ ‫ْف‬‫تك‬ ‫َ‬
‫ِ…} [النساء‪ ،‬آية ‪.]89 , 88‬‬ ‫ِ هّللا‬‫ِيل‬ ‫ِي سَب‬ ‫ْف‬ ‫ُوا‬ ‫هاجِر‬ ‫يَ‬ ‫َّىَ ُ‬ ‫َت‬ ‫ح‬
‫وذلك أن قوم ـاً ك ــانوا مبكة قد تكلم ــوا باإلس ــالم‪ ،‬وك ــانوا يظ ــاهرون املش ــركني فخرج ــوا من مكة يطلب ــون حاجة‬
‫هلم‪ ،‬فق ــالوا إن لقينا أص ــحاب حممد عليه الس ــالم فليس علينا منهم ب ــأس‪ ،‬وأن املؤم ــنني ملا أخ ــربوا أهنم قد خرج ــوا من‬
‫مكة ق ــالت فئة من املؤم ــنني‪ :‬اركب ــواـ إىل اخلبث ــاء ف ــاقتلوهم‪ ،‬ف ــإهنم يظ ــاهرون عليكم ع ــدوكم‪ ،‬وق ــالت فئة أخ ــرى من‬
‫املؤم ــنني‪ :‬س ــبحان اهلل أو كما ق ــالوا تقتل ــون قومـ ـاً قد تكلم ــوا مبثل ما تكلمتم به من أجل أهنم مل يه ــاجروا‪ ،‬وي ــرتكواـ‬
‫ديارهم‪ ،‬تستحل دماؤهم وأمواهلم لذلك‪ ،‬فكانوا كــذلك فئـتني … فـنزلت اآلية تقـرر نفــاقهم وكفــرهم وأن اهلل تعـاىل‬
‫أركسهم أي ردهم إىل أحكام أهل الشرك يف إباحة دمائهم وسيب ذراريهم (‪.)4‬‬
‫صـ‪389‬‬

‫(‪ )1‬تفسري البيضاوي ‪ ، 1/155‬وانظر تفسري ابن كثري ‪. 1/357‬‬


‫(‪ )2‬الدالئل يف حكم مواالة أهل اإلشراك ص ‪ ، 56‬وانظر ص ‪. 39‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير ‪ 1/331‬وانظر رسالة أوثق عرى اإلميان ص ‪ ، 28‬والدالئل ص ‪ 32‬كالمها للشيخ سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬تفصيل ذلك ‪ :‬يف تفسري الطربي ‪. 5/113‬‬
‫‪110‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إن مظــاهرة الكفــار على املســلمني خصـلة من خصــال املنــافقني‪ ،‬وشـعبة من شــعب النفـاق‪،‬ـ كما جـاء بيـان ذلك يف‬
‫كثري من نصوص القرآن الكرمي‪.‬‬
‫ًا {‪}138‬‬ ‫ِيم‬ ‫َل‬‫با أ‬ ‫َاً‬ ‫َ ‪3‬ذ‬‫ْع‬ ‫هم‬ ‫ََّ‬
‫ن َلُ‬ ‫‪3‬أ‬ ‫ِ‪3‬‬‫َب‬ ‫ِين‬ ‫ِق‬ ‫‪3‬اف‬ ‫َ‪3‬‬
‫ُن‬‫الم‬‫ِ ْ‬ ‫بشِّر‬‫ق ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬‬
‫ن‬
‫ُ‪33‬وَ‬ ‫َغ‬ ‫ْت‬‫يب‬ ‫ََ‬‫َأ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫ُؤ‬ ‫الم‬
‫دونِ ْ‬ ‫ِن ُ‬ ‫َاء م‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬ ‫َأ‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬
‫َاف‬ ‫الك‬‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫َّخِذ‬ ‫يت‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َّ‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.]139 ،138‬‬ ‫ِيع‬ ‫َم‬ ‫ِج‬ ‫ة هّلِل‬ ‫ِز‬
‫ََّ‬ ‫ن الع‬ ‫إَّ‬‫َِ‬‫ةف‬ ‫ِز‬
‫ََّ‬ ‫الع‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫دُ‬ ‫ِنَ‬ ‫ع‬
‫هم‬ ‫ما ُ‬ ‫ِم َّ‬ ‫ْه‬ ‫لي‬ ‫ََ‬
‫ُع‬ ‫ِب‬
‫َ هَّللا‬ ‫َض‬‫ما غ‬ ‫ًْ‬ ‫َو‬ ‫ْا ق‬‫ََّلو‬ ‫تو‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬ ‫تر‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫وقال سبحانه‪{ - :‬أ‬
‫‪3‬د هَّللا‬
‫ُ‬ ‫َ‪َّ 3‬‬‫َع‬‫ن {‪ 33}14‬أ‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬ ‫يع‬ ‫َْ‬ ‫هم‬‫َُ‬‫ِبِ و‬ ‫َذ‬‫الك‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫نع‬ ‫ُوَ‬‫ِف‬ ‫ْل‬‫يح‬ ‫ََ‬‫ْو‬ ‫هم‬‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫َال م‬ ‫ْو‬ ‫ُم‬ ‫منك‬ ‫ِّ‬
‫َ} [اجملادلة‪ ،‬آية ‪.]15 ،14‬‬ ‫ُون‬ ‫َل‬ ‫ْم‬ ‫يع‬ ‫ُوا َ‬ ‫َان‬‫ما ك‬ ‫ْ سَاء َ‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫دا إ‬
‫َِّ‬ ‫ِيً‬ ‫با شَد‬ ‫َاً‬ ‫َذ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬ ‫َلُ‬
‫ِم‬
‫ُ‬ ‫ِه‬‫َان‬ ‫ْ ‪3‬و‬ ‫ِخ‬ ‫ن إل‬
‫ُول‪ 3‬وَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ُوا َ‬ ‫َق‬‫َاف‬ ‫َن‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َِلى َّ‬ ‫تر إ‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫وق ـ ـ ـ ــال عز وج ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬أ‬
‫َال‬ ‫ْو‬ ‫ُم‬‫َك‬‫مع‬ ‫َّ َ‬ ‫َن‬‫ُج‬‫َخْ ‪3‬ر‬ ‫ْ َلن‬ ‫ُم‬‫ْت‬‫ِج‬ ‫ْ ‪3‬ر‬ ‫ُخ‬
‫ْأ‬ ‫ِن‬‫‪3‬ابِ َلئ‬ ‫َ‪3‬‬ ‫ِت‬ ‫الك‬
‫ِ ْ‬ ‫هل‬ ‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫ِن‬‫ُوا م‬ ‫َر‬‫َف‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َّ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫نُ‬ ‫دإ‬
‫َِّ‬ ‫هُ‬‫ش‪َ33‬‬ ‫يْ‬ ‫َُ‬ ‫َهَّللا‬
‫ْو‬ ‫ُم‬‫نك‬ ‫نص‪33‬ر‬
‫ََّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َلن‬ ‫ُم‬
‫لت‬‫ِْ‬ ‫ُوت‬ ‫ِن ق‬ ‫َإ‬ ‫دا و‬‫بً‬ ‫ََ‬‫دا أ‬ ‫َح‬
‫ًَ‬ ‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫ِيك‬ ‫ُف‬ ‫ِيع‬ ‫نط‬ ‫ُ‬
‫َ} [احلشر‪ ،‬آية ‪.]11‬‬ ‫بون‬ ‫ُِ‬‫َاذ‬ ‫َلك‬
‫ْ‬‫ِم‬ ‫ِيه‬ ‫نف‬ ‫ُوَ‬ ‫ِع‬ ‫يسَ‪3‬ار‬ ‫َضٌ ُ‬‫مر‬‫ِم َّ‬ ‫ِه‬ ‫‪3‬وب‬‫ل‪3‬‬ ‫ُُ‬ ‫ِي ق‬ ‫َف‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َى َّ‬ ‫َ ‪3‬ر‬ ‫َت‬ ‫وقـ ـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ف‬
‫ة} [املائدة‪،‬ـ آية ‪.]52‬‬ ‫ٌَ‬‫ِر‬‫دآئ‬ ‫َا َ‬ ‫َن‬‫ِيب‬ ‫تص‬ ‫َن ُ‬ ‫َخْشَى أ‬ ‫نن‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫َ‬
‫يق ــول ابن جرير يف تفسري اآلية األخ ــرية‪ " - :‬ه ــذا خرب عن ن ــاس من املن ــافقني ك ــانوا يوال ــون اليه ــود والنص ــارى‪،‬‬
‫ويغش ــون املؤم ــنني‪ ،‬ويقول ــونـ خنشى أن ت ــدور دوائر إما لليه ــود والنص ــارى‪ ،‬وإما ألهل الش ــرك من عب ــدة األوث ــان‪،‬ـ أو‬
‫غــريهم على أهل اإلســالم‪ ،‬أو تــنزل هبؤالء املنــافقني فيكــونـ بنا إليهم حاجــة‪ ،‬وقد جيوز أن يكــونـ ذلك كــان من قــول‬
‫عبد اهلل بن أيب‪ ،‬وجيوز أن يكونـ كان من قول غريه‪ ،‬غري أنه ال شك أنه من قول املنافقني‪" )1(.‬‬
‫وســئل الشــيخ ســليمان ين عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهــاب عمن أظهر عالمــات النفــاق ممن يــدعي اإلســالم‪،‬ـ هل‬
‫يقال عنه أنه منافق أم ال؟‬
‫فأج ـ ــاب رمحه اهلل‪ " - :‬من ظه ـ ــرت منه عالم ـ ــات النفـ ـ ــاق الدالة عليه كارت ـ ــداده عند التح ـ ــزيب على املؤم ـ ــنني‬
‫وخذالهنم عند اجتماع العدو‪ ،‬كالذين قالوا لو نعلم قتاالً التبعناكم‪ ،‬وكونه إذا غلب املشركون التجأ إليهم‪ ،‬ومدحه‬
‫للمش ــركني بعض األحي ــان‪ ،‬وم ــواالهتم من دون املؤم ــنني‪ ،‬وأش ــباهـ ه ــذه العالم ــات اليت ذكر اهلل أهنا عالم ــات للنف ــاق‪،‬‬
‫وصفات للمنافقني‪ ،‬فإنه جيوز إطالق النفاقـ عليه وتسميته‬
‫صـ‪390‬‬

‫(‪ )1‬تفسري الطربي ‪. 6/161‬‬


‫‪111‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫منافقاً …(‪" )2‬‬
‫‪ .5‬وخنتم هذا املبحث بإيراد مجلة من كالم أهل العلم يف هذه املسألة‪-:‬ـ‬
‫يقول ابن تيمية‪ " - :‬فمن قفز منهم إىل التتـار كــان أحق بالقتـال من كثري من التتــار‪ ،‬فـإن التتـار فيهم املكــره وغري‬
‫املكره‪ ،‬وقد استقرت السنة بأنـ عقوبة املرتد أعظم من عقوبة الكافر األصلي من وجوه متعددة‪" )3( .‬‬
‫يق ـ ــول ابن القيم‪ " - :‬إنه س ـ ــبحانه قد حكم‪ ،‬وال أحسن من حكمه أن من ت ـ ــوىل اليه ـ ــود والنص ـ ــارى فهو منهم‬
‫ْ} ف ــإذا ك ــان أولي ــاؤهم منهم بنص الق ــرآن ك ــان هلم حكمهم‪.‬‬
‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬
‫نُ‬‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫منك‬ ‫هم ِّ‬‫ََّلُ‬
‫َو‬ ‫يت‬ ‫من َ‬ ‫ََ‬ ‫{و‬
‫(‪" )1‬‬
‫وذكـر الش ـيخ حممد بن عبد الوهـاب – رمحه اهلل – مظـاهرة الكفـار ضد املسـلمني ضـمن نـواقضـ اإلسـالم‪ ،‬فقـال‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫هم‬
‫ََّلُ‬
‫َو‬‫يت‬
‫من َ‬
‫ََ‬‫النــاقض الثــامن‪ - :‬مظــاهرة املشــركني ومعــاونتهمـ على املســلمني‪ ،‬والــدليل قوله تعــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ} [املائدة‪ ،‬آية ‪" )2(]51‬‬
‫ِين‬
‫لم‬‫َّاِ‬
‫َ الظ‬
‫ْم‬‫َو‬
‫الق‬
‫ِي ْ‬
‫هد‬‫يْ‬
‫َ الَ َ‬
‫ن هّللا‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫هم‬
‫ُْ‬‫ِن‬
‫هم‬‫نُ‬
‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْف‬
‫ُم‬‫منك‬
‫ِّ‬
‫ويقول الشيخ عبد اهلل بن عبد اللطيف آل الشيخ (‪-:)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫" التويل كفر خيرج من امللة‪ ،‬وهو كالذب عنهم وإعانتهم باملال والبدن والرأي‪.‬‬
‫صـ‪391‬‬
‫ويق ـ ــول الش ـ ــيخ عبد العزيز بن بـ ـ ــاز‪ " - :‬وقد أمجع علمـ ـ ــاء اإلس ـ ــالم على أن من ظـ ـ ــاهر الكف ـ ــار على املس ـ ــلمني‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬ ‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬ ‫يا أ‬ ‫وسـ ـ ــاعدهم عليهم بـ ـ ـ ــأي نـ ـ ـ ــوع من املسـ ـ ـ ــاعدةـ فهو كـ ـ ـ ــافر مثلهم‪ ،‬كما قـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ــبحانه {َ‬
‫ض‬
‫ٍْ‬‫بع‬ ‫َاء َ‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬‫ُُ‬ ‫ْض‬ ‫بع‬‫َاء َ‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬ ‫َو‬‫َى أ‬‫َار‬ ‫َّص‬
‫َالن‬ ‫دو‬ ‫هوَ‬ ‫َُ‬ ‫الي‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُوا‬ ‫َّخِذ‬
‫تت‬ ‫ْ الَ َ‬‫ُوا‬‫من‬ ‫آَ‬
‫(‪)5‬‬
‫ْ} [املائدة‪،‬ـ آية ‪]51‬‬ ‫هم‬ ‫ِن‬
‫ُْ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬ ‫َِ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫منك‬ ‫هم ِّ‬ ‫ََّلُ‬
‫َو‬ ‫يت‬‫من َ‬ ‫ََ‬ ‫و‬

‫(‪ )2‬الدررـ السنية ‪. 80 ، 7/79‬‬


‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪ ، 28/534‬وانظر جمموع الفتاوى ‪ ، 531 ، 28/530‬وخمتصر الفتاوى املصرية ص ‪ ، 508 ، 507‬وجمموعة الرسائل‬
‫واملسائل ‪. 43 – 1/41‬‬
‫(‪ )1‬أحكام أهل الذمة ‪. 1/67‬‬
‫(‪ )2‬جمموعة التوحيد ص ‪. 38‬‬
‫(‪ )3‬هو عبد اهلل بن عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن بن حممد بن عبد الوهاب ‪ ،‬من علماء جند يف هذا العصر ‪ ،‬نشأ يف األحساء ‪ ،‬ودرس يف‬
‫الرياض ‪ ،‬وتتلمذ على يديه خلق كثري ‪ ،‬له بعض الفتاوى والرسائل‪ ،‬تويف يف الرياض سنة ‪1339‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬علماء جند ‪ ، 1/78‬والدرر السنية ‪. 12/98‬‬
‫(‪ )4‬الدررـ السنية ‪. 7/201‬‬
‫(‪ )5‬فتاوي ابن باز ‪. 1/274‬‬
‫‪112‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪392‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫نواقض اإليمان العملية في النبوات‬

‫يف هذا الفصل سنورد مثاالً واحداً على ما يناقض اإلميان بالنبوات‪،‬ـ وهو االستهانة باملصحف‪.‬‬
‫ونــذكر ابتــداء مبا هو معلــوم عند كل مســلم من وجــوب اإلميان بــالقرآن الكــرمي وتصــديقه واتباعــه‪،‬ـ فــالقرآن كالم‬
‫اهلل تعــاىل‪ ،‬وال مياثل شــيئاً من كالم اخللــق‪ ،‬وال يقــدر على مثله أحد من اخللــق‪ ،‬فيجب تعظيمه وإجاللــه‪ ،‬وتالوتهـ حق‬
‫تالوته‪ ،‬والذب عنه أمام حتريف الغالني وانتحال املبطلني‪.‬‬
‫َكَ‬‫َار‬ ‫َج‬‫اس‪33‬ت‬ ‫َ ْ‬ ‫ِين‬ ‫ِك‬‫ُشْر‬‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫من‬ ‫د ِّ‬
‫ٌَ‬‫َح‬ ‫نأ‬ ‫ِْ‬‫َإ‬ ‫فه ـ ـ ـ ـ ــذا القـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرآن العظيم هو كالم اهلل عز وجل {و‬
‫ه} [التوبة‪،‬ـ آية ‪،]6‬‬ ‫َُ‬ ‫من‬‫َْ‬‫مأ‬ ‫هَ‬ ‫ُْ‬ ‫ِغ‬‫بل‬ ‫َْ‬
‫َّ أ‬ ‫ثم‬ ‫ُِ‬‫َ هّللا‬‫َالَم‬
‫َك‬ ‫َع‬‫يسْم‬ ‫َّى َ‬ ‫َت‬ ‫هح‬ ‫ُْ‬ ‫َجِر‬ ‫َأ‬‫ف‬
‫ِيالً} [النساء‪ ،‬آية ‪ ،122‬وهو حق‪ ،‬ونــزل بــاحلق قــال ســبحانه‬ ‫ِق‬ ‫ِن‬
‫َ هّللا‬ ‫ُم‬ ‫دق‬ ‫َص‬
‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫من‬‫ََ‬ ‫وقال تعاىل‪{ - :‬و‬
‫ًا‬ ‫َشِّ‪3‬ر‬ ‫مب‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫َاكَ إ‬ ‫لن‬‫ْسَ‪ْ3‬‬ ‫َر‬‫ما أ‬ ‫ََ‬‫لو‬ ‫ََ‬ ‫ن‪ 3‬ز‬ ‫ِّ َ‬‫َق‬ ‫ِ‪ْ 3‬‬
‫‪3‬الح‬ ‫َب‬
‫هو‬ ‫‪3‬اُ‬ ‫َ‪3‬‬‫َلن‬ ‫َنزْ‬ ‫ِّ أ‬
‫َق‬ ‫‪3‬الح‬ ‫ِ‪ْ 3‬‬ ‫َب‬‫{و‬
‫ًا} [اإلسراء‪ ،‬آية ‪.]105‬‬ ‫ِير‬ ‫نذ‬ ‫ََ‬
‫و‬
‫َنِ‬‫َم‬‫ْف‬ ‫ُم‬‫بك‬ ‫ِن ر‬
‫َِّّ‬ ‫ُّ م‬‫‪3‬ق‬‫َ‪3‬‬ ‫الح‬
‫ُ ْ‬ ‫ُم‬ ‫َاءك‬ ‫دج‬ ‫َْ‬ ‫َّاسُ ق‬ ‫ها الن‬ ‫يَ‬‫َُّ‬‫يا أ‬ ‫َْ‬ ‫ُل‬ ‫وق ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ْ‬
‫َ‪ 33‬ا‬ ‫َن‬‫ما أ‬ ‫ََ‬‫ها و‬ ‫َْ‬ ‫لي‬‫ََ‬‫ُّ ع‬
‫ِل‬ ‫يض‬ ‫َا َ‬ ‫نم‬ ‫إَّ‬
‫َِ‬‫َّ ف‬ ‫َل‬‫من ض‬ ‫ََ‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ْس‬ ‫َف‬‫لن‬ ‫ِي ِ‬ ‫َد‬‫هت‬ ‫يْ‬‫َا َ‬ ‫نم‬‫إَّ‬ ‫َِ‬ ‫دى ف‬ ‫ََ‬ ‫هت‬‫اْ‬
‫ٍ} [يونس‪،‬ـ آية ‪]13‬‬ ‫ِيل‬ ‫َك‬ ‫ِو‬ ‫ُم ب‬ ‫ْك‬ ‫لي‬‫ََ‬‫ع‬
‫ه‪ 3‬و‬
‫َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ََ‬ ‫ٌ {‪ 3 }13‬و‬ ‫ْل‬ ‫َص‬ ‫لف‬ ‫ٌْ‬ ‫َو‬ ‫ه َلق‬ ‫نُ‬ ‫َِّ‬ ‫وه ـ ـ ـ ــذا الق ـ ـ ـ ـ ـ ــرآن ق ـ ـ ـ ـ ـ ــول فص ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬ال باطل وال لعب‪{ :‬إ‬
‫ِ} [الطارق‪ ،‬آية ‪]13‬‬ ‫ْل‬ ‫هز‬ ‫ِالَ‬ ‫ب ْ‬
‫ومن مث فيتعني توقري هذا الكتاب والقيامـ بإجالله وتقديره حتقيقاً لإلميان بالقرآن‪ ،‬وتنفيذاًـ للنصيحة لكتابه تعاىل‪.‬‬
‫واالس ـ ــتهانةـ باملصـ ـ ــحف تنـ ـ ــاقض هـ ـ ــذا اإلميان‪ ،‬وتنافيه بالكليـ ـ ــة‪ ،‬واملقصـ ـ ــود باالسـ ـ ــتهانة – هاهنا – االس ـ ــتخفاف‬
‫واالستهزاءـ واالحتقار‪ )1(.‬واالستهانة باملصحف قد تكونـ أقواالً (‪ ،)2‬وقد تكون أعماالً‪.‬‬
‫صـ‪393‬‬

‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬اللسان ‪ ، 13/438‬واملصباح املنري ص ‪ ، 795‬وخمتار الصحاح للرازي ص ‪. 7 , 2‬‬


‫(‪ )2‬انظر أمثلة على تلك األقوال الكفرية ‪ :‬شرح الفقه األكرب ملال علي قاري ص ‪ ، 254 – 249‬والفتاوى البزازية (هبامش الفتاوى اهلندية)‬
‫‪ ، 3/338‬واإلعالم للهيتمي ص ‪. 359‬‬
‫‪113‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫واالسـ ــتهانةـ العملية بـ ــالقرآن الكـ ــرمي أن يفعل عامـ ــداً ما يتضـ ــمن احتقـ ــاراً أو اسـ ــتخفافاً هبذا القـ ــرآن‪ ،‬أو إسـ ــقاطا‬
‫حلرمت ــه‪ ،‬وهلذه االسـ ــتهانة عـ ــدة أمثلة منهـ ــا‪ - :‬أن يضع املصـ ــحف حتت قدمـ ــه‪ ،‬أو يلقيه يف القـ ــاذورات‪ ،‬أو يس ــعى إىل‬
‫تغيريهـ وتبديله بزيادة أو نقصان‪.‬‬
‫وسنتحدث بشيء من التفصيل عن مسألة التبديل يف آيات الكتاب إما بزيادة أو نقصان‪ ،‬نظراً لظهور هذا الكفر‬
‫ووقوعه وانتشارهـ عند الفرق املنحرفة‪ ،‬كالباطنيةـ مثالً واليت تنتسب لإلسالم زوراً وهبتاناً‪.‬‬
‫لقد تكفل اهلل تعـ ـاىل حبفظ كتابه عن كل ما ال يليق من زي ــادة‪ ،‬أو نقص ــان‪ ،‬أو تص ــحيف أو حتريف وحنوه‪ ،‬ومن‬
‫مث فإن هذا القرآن ال اختالف فيه وال اضطراب وال تعارض‪.‬‬
‫ولذا فإن املناسب أن نورد بعض النصوص الشرعية اليت تقرر حفظ اهلل تعاىل لكتابه العزيز‪ ،‬ونسوق أقــواالً خمتـارة‬
‫لبعض األئمة يف ذلك‪.‬‬
‫يقول اهلل تعاىل‪-:‬‬
‫ِ‬
‫ِي ‪3‬ه‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫َ ‪ُ3‬‬ ‫َج‬ ‫ِ َلو‬ ‫ِ هّللا‬
‫ْر‬‫َي‬ ‫ِغ‬ ‫ِند‬ ‫ْع‬ ‫ِن‬
‫نم‬ ‫َاَ‬ ‫ْك‬ ‫ََلو‬ ‫نو‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬‫الق‬ ‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫بر‬ ‫دَّ‬
‫ََ‬‫يت‬ ‫َالَ َ‬ ‫َف‬ ‫{أ‬
‫ًا} [النساء‪ ،‬آية ‪]82‬‬ ‫ِير‬ ‫َث‬‫ًا ك‬ ‫ِالَف‬ ‫ْت‬ ‫اخ‬
‫يقول ابن جرير يف تفسري هذه اآلية‪-:‬‬
‫" يعين جل ثنــاؤه بقوله أفال يتــدبرون القــرآن‪ ،‬أفال يتــدبر املبيتون غري الــذي تقــول هلم يا حممد كتــاب اهلل فيعملــوا‬
‫حجة اهلل عليهم يف طاعتك واتب ـ ــاعـ أم ـ ــرك‪ ،‬وأن ال ـ ــذي أتيتهم به من التنزيل من عند رهبم التس ـ ــاق معاين ـ ــة‪ ،‬وائتالف‬
‫أحكامه وتأييد بعضه بعض ـاً بالتصــديق‪ ،‬وشــهادة بعضه لبعض بــالتحقيق‪ ،‬فــإن ذلك لو كــان من عند غري اهلل الختلفت‬
‫(‪)1‬‬
‫أحكامه‪ ،‬وتناقضت معانيه‪ ،‬وأبان بعضه عن فساد بعض‪.‬‬
‫ويقول ابن عطية‪-:‬‬
‫َ} هــذا أمر بــالنظر واالس ــتالل مث عــرف تع ــاىل‪ ،‬مبواقع احلجــة‪،‬‬‫ْآن‬‫ُر‬ ‫الق‬‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫بر‬ ‫دَّ‬
‫ََ‬‫يت‬
‫َالَ َ‬ ‫َف‬‫" قول ــه‪{ :‬أ‬
‫أي لو ك ــان من كالم البشر لدخله ما يف كالم البشر من القص ــور وظهر فيه تن ــاقض والتن ــايف ال ــذي ال ميكن مجع ــه‪ ،‬إذ‬
‫ذلك موجود‬
‫صـ‪394‬‬
‫يف كالم البشر والقرآن منزه عنه إذ هو كالم احمليط بكل شيء علماً‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن جرير ‪ ، 1 ,5/6‬وانظر تفسري ابن كثري ‪5 , 2 ، 5 , 1/1‬‬


‫‪114‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ف ــإن عرضـ ـت ألحد ش ــبهة وظن اختالف ـاً يف ش ــيء من كت ــاب اهلل‪ ،‬ف ــالواجب أن يتهم نظ ــره ويس ــأل من هو أعلم‬
‫منه‪" )2(.‬‬
‫ويقول حممد رشيد رضا‪-:‬‬
‫" وإن تعجب فعجب أن متر السنون واألحقــاب‪ ،‬وتكر القــرون واألجيــال‪ ،‬وتتسع دوائر العلــوم واملعــارف‪ ،‬وتتغري‬
‫أحوال العمران وال تنقضـ كلمة من كلمات القرآن‪ ،‬ال يف أحكام الشرع‪ ،‬وال يف أحــوال النــاس وشــؤونـ الكــون‪،‬ـ وال‬
‫يف غري ذلك من فنون القول‪" )3(.‬‬
‫َ} [احلج ـ ــر‪،‬‬ ‫ِظ‬
‫ُون‬ ‫َاف‬ ‫ه َلح‬ ‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬ ‫َإ‬ ‫َو‬ ‫ْر‬ ‫َا ِّ‬
‫الذك‬ ‫َّلن‬‫َزْ‬ ‫ُن‬ ‫ْن‬‫نح‬‫َّا َ‬ ‫ِن‬‫ويق ـ ــول اهلل عز وجـ ـ ــل‪{ :‬إ‬
‫آية ‪.]9‬‬
‫يقــول ابن جرير يف تفسري هــذه اآليــة‪ " -:‬يقــول تعــاىل ذكــره إنا حنن نزلنا الــذكر وهو القــرآن وإنا له حلافظون من‬
‫أن يزاد فيه باطل ما ليس منه‪ ،‬أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضهـ (‪" )4‬‬
‫َ} من كل ما ال يليق به فيـ ـ ـ ـ ــدخل فيه تك ـ ـ ــذيبهم له‬
‫ُون‬‫ِظ‬ ‫َاف‬ ‫ه َلح‬ ‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬‫َإ‬ ‫ويق ـ ـ ــول أبو السـ ـ ـ ـ ــعود‪{ - :‬و‬
‫واس ــتهزاؤهم به دخـ ــوالً أولياً‪ ،‬فيك ــونـ وعي ــداً للمسـ ــتهزئني‪ ،‬وأما احلفظ عن جمرد التحريف والزي ــادة والنقص وأمثاهلا‬
‫فليس مبقتضى املق ــام‪،‬ـ فالوجه احلمل على احلفظ من مجيع ما يق ــدح فيه من الطعن في ــه‪ ،‬واجملادلة يف حقيت ــه‪ ،‬وجيوز أنه‬
‫يـ ــراد حفظه باإلعجـ ــاز دليالً على التنزيل من عنـ ــده تعـ ــاىل‪ ،‬إذ لو كـ ــان من عند غري اهلل لتطـ ــرق عليه الزيـ ــادة والنقص‬
‫(‪)5‬‬
‫واالختالف‪.‬‬
‫ن}‪ ،‬أي من كل ما يق ـ ـ ـ ــدح فيه ك ـ ـ ــالتحريف والزي ـ ـ ــادة‬ ‫ِظ‬
‫ُوَ‬ ‫َاف‬ ‫ه َلح‬
‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬ ‫َإ‬‫ويق ـ ـ ــول اآللوس ـ ـ ـ ــي‪{ - :‬و‬
‫والنقصان وغري ذلك‪ ،‬حىت إن الشيخ املهيب لو غري نقطة يرد عليه الصبيانـ ويقول من كان‪ :‬الصواب كذا‪.‬‬
‫صـ‪395‬‬
‫ومل حيفظ سـ ــبحانه كتاب ـ ـاً من الكتب كـ ــذلك‪ ،‬بل اسـ ــتحفظها جل وعال الربـ ــانيني واألحبـ ــار فوقع فيها ما وقـ ــع‪،‬‬
‫وتوىل حفظ القرآن بنفسه سبحانه فلم يزل حمفوظاً أوالً وآخراً‪" )1(.‬‬
‫وعقد اإلمام البخاري (‪ - )2‬يف صحيحه – باباً بعنـوان‪:‬ـ " بـاب من قـال مل يـرتك النيب صـلى اهلل عليه وسـلم إال ما‬
‫بني الدفتني "وساق بسنده إىل عبد العزيز بن رفيع حيث قــال‪ " - :‬دخلت أنا وشــداد بن معقل على ابن عبــاس رضي‬

‫(‪ )2‬تفسري ابن عطية ‪. 188 ، 4/187‬‬


‫(‪ )3‬تفسري املنار ‪. 5/289‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن جرير ‪ ، 6 / 14‬وانظر تفسري ابن كثري ‪ ، 2/528‬والقرطيب ‪. 10/5‬‬
‫(‪ )5‬تفسري أيب السعود ‪ ، 3/296‬وانظر فتح القدير للشوكاين ‪. 3/122‬‬
‫(‪ )1‬روح املعاين ‪ = 14/16‬باختصار ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫اهلل عنهم ــا‪ ،‬فق ــال ش ــداد بن معق ــل‪ :‬أت ــرك النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم عليه وس ــلم من ش ــيء؟ ق ــال‪ :‬ما ت ــرك إال ما بني‬
‫(‪)5‬‬
‫الدفتني (‪)3‬؛ قال‪ :‬ودخلنا على حممد بن احلنفيةـ (‪ )4‬فسألناه‪ ،‬فقال‪ :‬ما ترك إال ما بني الدفتني‪.‬‬
‫يق ــول احلافظ ابن حج ــر‪ " - :‬وه ــذه الرتمجة لل ــرد على من زعم أن كث ــرياً من الق ــرآن ذهب ل ــذهاب محلت ــه‪ ،‬وهو‬
‫شــيء اختلقه الــروافض لتصــحيح دعــواهم أن التنصــيص على إمامة علي‪ ،‬واســتحقاقه اخلالفة عند مــوت النيب صــلى اهلل‬
‫عليه وســلم كــان ثابت ـاً يف القــرآن وأن الصــحابة كتمــوه‪ ،‬وهي دعــوى باطلــة؛ ألهنم مل يكتمــوا مثــل‪ " - :‬أنت عنــدي‬
‫(‪)7‬‬
‫مبنزلة هارون من موسى " (‪ )6‬وغريها من الظواهر اليت قد ميسك هبا من يدعي إمامته‪.‬‬
‫صـ‪396‬‬
‫ويقـ ــول الشـ ــاطيب‪ " - :‬إن هـ ــذه الشـ ــريعة املباركة معصـ ــومة‪ ،‬كما أن صـ ــاحبها معصـ ــوم‪،‬ـ وكما كـ ــانت أمته فيما‬
‫اجتمعت عليه معصومة‪.‬‬
‫ويتبني ذلك من وجهتني‪-:‬‬
‫ْر‬
‫َ‬ ‫الذك‬‫َا ِّ‬ ‫َّلن‬
‫َزْ‬‫ُن‬ ‫ْن‬ ‫نح‬‫َّا َ‬‫ِن‬‫أحدهـما‪ - :‬األدلة الدالة على ذلك تصرحياً وتلوحياً‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ - :‬إ‬
‫ه} [هود‪ ،‬آية ‪]1‬‬ ‫تُ‬ ‫ياُ‬ ‫ْ آَ‬ ‫َت‬‫ِم‬‫ْك‬‫ُح‬‫َ} [احلجر آية ‪ ،9‬وقوله‪{ :‬أ‬ ‫ُون‬ ‫ِظ‬ ‫َاف‬ ‫ه َلح‬ ‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬‫َإ‬
‫و‬
‫والث ــاين‪ - :‬االعتب ــار الوج ــودي الواقع من زمن رســول اهلل صــلى اهلل عليه وس ــلم إىل اآلن‪ ،‬وذلك أن اهلل عز وجل‬
‫وفر دواعيـ األمة للذب عن الشريعة‪ ،‬واملناضلة عنها حبسب اجلملة والتفصيل‪.‬‬
‫أما الق ــرآن الك ــرمي فقد قيض اهلل له حفظة حبيث لو زيد فيه ح ــرف واحد ألخرجه آالف من األطف ــال األص ــاغر‪،‬‬
‫فضالً عن القراء األكابر‪" )1(.‬‬
‫وحتدث ابن حزم عما جيب اعتقاده يف مسألة حفظ اهلل تعاىل لكتابه فقال‪-:‬‬

‫(‪ )2‬أبو عبد اهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ‪ ،‬أمري املؤمنني يف احلديث ‪ ،‬صاحب الصحيح ‪ ،‬احلافظ ‪ ،‬الفقيه ‪ ،‬املؤرخ ‪ ،‬له رحالت كثرية ‪،‬‬
‫ومؤلفات مجة ‪ ،‬تويف سنة ‪ 256‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 12/391‬ومقدمة فتح الباري ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اللوحتني ‪ ،‬واملراد به املصحف ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حممد بن علي بن أيب طالب ‪ ،‬من كرباء التابعني ‪ ،‬كان ورعاً كثري العلم ‪ ،‬وهو من سادات قريش ‪ ،‬كان شجاعاً قوياً ‪ ،‬مات باملدينة سنة ‪ 81‬هـ‬
‫‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،9/38‬سري أعالم النبالء ‪.4/110‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك فضائل القرآن (‪ )9/64‬ح (‪. )5019‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك فضائل الصحابة (‪ ، )7/71‬ح (‪ ، )3706‬ومسلمـ ‪ ،‬ك فضائل الصحابة (‪ ، )4/1871‬ح (‪. )2404‬‬
‫(‪ )7‬فتح الباري ‪. 9/65‬‬
‫(‪ )1‬املوافقات ‪ = 59 , 2/58‬باختصار ‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" إن القــرآن املقــروء املكتــوب يف املصــاحف حق نــزل به جربيل على قلب حممد صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬وأنه كالم‬
‫اهلل عز وج ــل‪ ،‬حق ـاً ال جمازاً‪ ،‬وهو علم اهلل تع ــاىل‪ ،‬وأنه حمف ــوظ مل يغري منه ش ــيء وال ح ــرف‪ ،‬وال زيد فيه ح ــرف فما‬
‫ُ {‪}193‬‬ ‫ِين‬ ‫ُ األَم‬ ‫ُّوح‬ ‫ِ الر‬ ‫ِه‬‫لب‬ ‫ََ‬‫نز‬‫فوقـ ــه‪ ،‬وال نقص منه حـ ــرف فما فوقـ ــه‪ ،‬قـ ــال اهلل عز وجـ ــل‪َ{ - :‬‬
‫بل‬
‫ْ‬ ‫َ} [الشـ ــعراء‪ ،‬آية ‪ , 193‬ـ ـ ‪ ،]194‬وق ــال تع ــاىل‪َ{ -:‬‬ ‫ِين‬‫ِر‬ ‫ُنذ‬ ‫الم‬‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫نم‬ ‫ُوَ‬ ‫َك‬‫لت‬ ‫ِكَ ِ‬ ‫لب‬ ‫َْ‬‫لى ق‬ ‫ََ‬‫ع‬
‫َ} [العنكبوت‪،‬ـ آية ‪.]49‬‬ ‫لم‬ ‫ِْ‬‫الع‬‫توا ْ‬ ‫ُوُ‬ ‫َأ‬ ‫ِين‬‫الذ‬ ‫ِ َّ‬ ‫دور‬ ‫ُُ‬ ‫ِي ص‬ ‫ٌف‬ ‫َات‬ ‫ِّن‬
‫بي‬ ‫ٌَ‬ ‫يات‬ ‫َ آَ‬ ‫هو‬‫ُ‬
‫ُونٍ {‪ 3}78‬الَّ‬ ‫ْن‬‫مك‬‫َابٍ َّ‬ ‫ِت‬‫ِي ك‬ ‫ٌ {‪ 3}77‬ف‬ ‫ِيم‬‫َر‬ ‫نك‬ ‫ْآٌ‬ ‫ُر‬ ‫ه َلق‬ ‫نُ‬ ‫وقـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬إ‬
‫َِّ‬
‫َ} [الواقع ـ ـ ــة‪،‬ـ آية ‪-77‬‬
‫ِين‬ ‫الم‬ ‫َ َ‬ ‫الع‬ ‫ِّ ْ‬‫َّب‬ ‫من ر‬‫ٌ ِّ‬ ‫ِيل‬ ‫تنز‬‫ن {‪َ 3}79‬‬ ‫ُوَ‬ ‫َهر‬‫ُطَّ‬‫الم‬‫ِالَّ ْ‬ ‫هإ‬ ‫َسُُّ‬ ‫يم‬‫َ‬
‫‪.]79‬‬
‫َ} [احلجر‪ ،‬آية ‪.]9‬‬ ‫ُون‬ ‫ِظ‬‫َاف‬ ‫ه َلح‬ ‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬‫َإ‬‫َو‬ ‫ْر‬ ‫َا ِّ‬
‫الذك‬ ‫َّلن‬
‫َزْ‬ ‫ُن‬ ‫ْن‬ ‫نح‬ ‫َّا َ‬ ‫وقال تعاىل‪{ - :‬إ‬
‫ِن‬
‫فمن قال إن القرآن نقص منه بعد مــوت رســول اهلل صـلى اهلل عليه وسـلم حـرف‪ ،‬أو زيد فيه حـرف‪ ،‬أو بــدل منه‬
‫حرف‪ ،‬أو أن هــذا املســموع أو احملفــوظ أو املكتــوب أو املنزل ليس هو القــرآن‪ ،‬أو قــال‪ :‬إن القــرآن مل يــنزل به جربيل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم على قلب حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو أنه ليس هو كالم اهلل تعاىل‬
‫صـ‪397‬‬
‫فهو ك ــافر‪ ،‬خ ــارج عن دين اإلس ــالم؛ ألنه خ ــالف كالم اهلل عز وج ــل‪ ،‬وس ــنن رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‬
‫(‪)2‬‬
‫وإمجاع أهل اإلسالم‪.‬ـ‬
‫‪ .3‬إن االستهانةـ بالقرآن ناقض من نواقض اإلميان جلملة من االعتبارات نذكر منها ما يلي‪-:‬‬
‫(أ) أن االس ـ ــتهانةـ باملص ـ ــحف تن ـ ــاقض اإلميان‪ ،‬فاإلميان مبين على إجالل اهلل تع ـ ــاىل وتعظيم كالم ـ ــه‪ ،‬واالس ـ ــتهانة‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ُنت‬ ‫ِك‬ ‫له‬ ‫س‪33‬وِ‬ ‫َُ‬‫َر‬‫ِو‬ ‫ِ‪33‬ه‬ ‫يات‬ ‫َآَ‬ ‫ِو‬ ‫ِاهّلل‬‫َب‬‫ْأ‬ ‫ُ‪33‬ل‬‫اس ـ ـ ـ ـ ــتخفاف واس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهزاء‪ ،‬يق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل تع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ :‬ق‬
‫َ} [التوب ــة‪،‬ـ آية ‪, 65‬ـ ـ ‪ ]66‬واإلميان انقي ــاد وخض ــوع‪ ،‬واالس ــتهانةـ باملص ــحف ال جتتمع مع ه ــذا‬ ‫ُون‬ ‫ِؤ‬
‫هز‬‫َْ‬‫تسْت‬ ‫َ‬
‫االنقياد واخلضوع‪،‬ـ فمن استهانـ باملصحف‪ ،‬امتنع أن يكونـ منقاداً ألمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫يق ــول ابن تيمي ــة‪ " - :‬إن االنقي ــاد إجالل وإك ــرام‪ ،‬واالس ــتخفاف إهانة وإذالل‪ ،‬وه ــذان ض ــدان‪ ،‬فمىت حصل يف‬
‫القلب أحدمها‪ ،‬انتفى اآلخر فعلم أن االستخفاف واالستهانةـ به ينايف اإلميان منافاة الضد للضد‪" )3(.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫(ب) أن اهلل تعاىل توعد من اختذ آياته هزواً بالعذاب املهني‪ ،‬ومل جيئ إعداد العذاب املهني إال يف حق الكفار‪.‬‬

‫(‪ )2‬الدرة فيما جيب اعتقاده ص ‪ = 221 – 218‬باختصار يسري ‪.‬‬


‫(‪ )3‬الصارمـ املسلول ص ‪. 521‬‬
‫(‪ )4‬انظر املرجع السابق ص ‪. 52‬‬
‫‪117‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َا‬‫ِن‬‫يات‬ ‫ْ آَ‬‫ِن‬ ‫َم‬ ‫ِم‬‫َل‬‫َا ع‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬‫كما توعد أولئك املس ـ ــتهينني بآياته ب ـ ــاخللود يف الن ـ ــار‪ .‬فق ـ ــال تع ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫ٌ} [اجلاثية‪ ،‬آية ‪]9‬‬ ‫ِين‬ ‫مه‬ ‫َاب‬
‫ٌ ُّ‬ ‫َذ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬ ‫ِكَ َلُ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬‫ًا أ‬ ‫ُو‬‫هز‬ ‫ها ُ‬ ‫ذَ‬‫اتخََ‬
‫ًا َّ‬ ‫ْئ‬ ‫شَي‬
‫َا‬‫هذ‬‫َْ‬ ‫ُم‬‫ِك‬‫ْم‬
‫يو‬ ‫َاء َ‬ ‫لق‬ ‫ِْ‬ ‫ُم‬ ‫ِيت‬ ‫نس‬ ‫َا َ‬ ‫َم‬‫ْك‬ ‫ُم‬ ‫َنسَاك‬ ‫َن‬ ‫ْم‬‫َو‬‫الي‬ ‫َ ْ‬ ‫ِيل‬ ‫َق‬ ‫وقـ ـ ــال سـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫تم‬
‫ْ‬ ‫ذُ‬‫اتخَْ‬
‫ُ َّ‬ ‫ُم‬‫نك‬‫ََّ‬
‫ِأ‬ ‫ُم ب‬ ‫لك‬ ‫َِ‬‫‪ 3‬ذ‬ ‫َ {‪}34‬‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬ ‫َّاص‬ ‫من ن‬ ‫ُم ِّ‬ ‫ما َلك‬ ‫ََ‬‫ُو‬ ‫َّار‬ ‫ْ الن‬ ‫ُم‬‫َاك‬ ‫ْو‬
‫مأ‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫ها‬‫َْ‬‫ِن‬‫نم‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫َج‬‫يخْر‬ ‫َ ال ُ‬ ‫ْم‬ ‫َو‬ ‫َالي‬‫َا ف ْ‬ ‫ني‬ ‫الدْ‬‫ة ُّ‬ ‫َاُ‬ ‫َي‬‫الح‬‫ُ ْ‬ ‫ُم‬‫تك‬ ‫َر‬
‫َّْ‬ ‫َغ‬ ‫ًا و‬ ‫ُو‬‫هز‬‫ُِ‬ ‫ياتِ هَّللا‬ ‫آَ‬
‫َ} [اجلاثية‪،‬ـ آية ‪.]35 , 34‬‬ ‫ُون‬ ‫َب‬ ‫ْت‬ ‫َع‬‫يسْت‬‫ُْ‬ ‫هم‬‫َال ُ‬‫و‬
‫(ج) أن االس ـ ــتهانة باملص ـ ــحف تك ـ ــذيب هلل تع ـ ــاىل يف خ ـ ــربه‪ ،‬ومناقضة ملا أمر اهلل تعـ ـ ــاىل به من تعظيم كالمه عز‬
‫(‪)1‬‬
‫وجل‪ ،‬واالستهانةـ بالقرآن استهانةـ مبن تكلم به تعاىل‪.‬‬
‫َ} [احلج ــر‪ ،‬آية‬ ‫ِظ‬
‫ُون‬ ‫ه َلح‬
‫َاف‬ ‫َّا َلُ‬
‫ِن‬‫َإ‬
‫َو‬‫ْر‬ ‫َا ِّ‬
‫الذك‬ ‫َّلن‬
‫َزْ‬‫ُن‬
‫ْن‬‫نح‬
‫َّا َ‬
‫ِن‬‫يق ــول اهلل تع ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫‪]9‬‬
‫صـ‪398‬‬
‫ِ هّللا‬
‫ِ‬ ‫ْ‪33‬ر‬ ‫َي‬‫ِغ‬‫ِند‬ ‫ْع‬ ‫ِن‬‫نم‬‫َاَ‬‫ْك‬ ‫ََلو‬ ‫نو‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬‫الق‬
‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫بر‬ ‫دَّ‬ ‫ََ‬‫يت‬ ‫َف‬
‫َالَ َ‬ ‫ويق ـ ـ ـ ـ ــول سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬أ‬
‫ًا {‪[ }}82‬النساء‪ ،‬آية ‪.]82‬‬ ‫ِير‬‫َث‬‫ًا ك‬‫ِالَف‬
‫ْت‬ ‫ِ اخ‬ ‫ِيه‬ ‫ْف‬ ‫دوا‬ ‫َُ‬ ‫َج‬‫َلو‬
‫ْل‬
‫ِ‬ ‫ِث‬‫ِم‬‫ْب‬ ‫توا‬ ‫ُْ‬
‫يأ‬ ‫َن َ‬‫لى أ‬‫ََ‬‫ُّ ع‬
‫الجِن‬ ‫َ ْ‬ ‫ِنسُ و‬‫َتِ اإل‬ ‫َع‬‫َم‬ ‫ْت‬‫ِنِ اج‬‫ُل َّلئ‬‫وقـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ًا}‬ ‫‪3‬ير‬ ‫ِ‪3‬‬‫َه‬
‫ضظ‬ ‫ٍْ‬ ‫َع‬
‫لب‬ ‫ِْ‬‫هم‬
‫ُ‪ُ3‬‬ ‫ْض‬ ‫بع‬ ‫نَ‬ ‫‪3‬اَ‬ ‫َ‪3‬‬
‫ْك‬ ‫ََلو‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬‫ْل‬ ‫ِث‬ ‫ِم‬‫نب‬‫توَ‬ ‫ُْ‬‫يأ‬‫ْآنِ الَ َ‬ ‫ُر‬ ‫الق‬ ‫َا ْ‬ ‫هـذ‬‫َ‬
‫[اإلسراء‪ ،‬آية ‪.]88‬‬
‫َا‬ ‫ِذ‬‫ِالَّ إ‬
‫ِيٍّ إ‬
‫نب‬ ‫َال َ‬
‫ٍو‬‫س‪33‬ول‬ ‫َّ ُ‬‫ِن ر‬ ‫ِكَ م‬‫ْل‬‫َب‬
‫ِن ق‬ ‫َا م‬ ‫لن‬ ‫َر‬
‫ْسَْ‬ ‫ما أ‬‫ََ‬‫وق ـ ـ ـ ـ ــال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫ثم‬
‫َّ‬ ‫نُ‬‫َاُ‬ ‫ْط‬‫الش‪33‬ي‬
‫َّ‬ ‫ِي‬
‫لق‬‫يْ‬‫ما ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ هَّللا‬
‫َنسَخ‬‫َي‬‫ِف‬ ‫ِه‬ ‫َّت‬
‫ِي‬‫من‬ ‫ُْ‬‫ِي أ‬‫نف‬ ‫َاُ‬‫ْط‬‫َى الشَّي‬ ‫َْلق‬ ‫َّى أ‬ ‫َن‬‫تم‬‫َ‬
‫ِ} [احلج‪ ،‬آية ‪ ]52‬فـ ـ ـ ـ ــأخرب تعـ ـ ـ ـ ــاىل أنه حيفظ آياتـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬وحيكمها حىت ال خيالطها غريها وال‬‫ِه‬‫يات‬ ‫ُ آَ‬ ‫ِم‬
‫ُ هَّللا‬ ‫ْك‬‫يح‬‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫يداخلها التغيري وال التبديل‬
‫فمن اســتهان باملصــحف ســواء كــان بتحريــف‪ ،‬أو تصــحيف أو زيــادة‪ ،‬أو نقص فهو مكــذب مبثل اآليــات الكرمية‬
‫اليت ســبق ذكرهــا‪ ،‬ولقد حكم اهلل تعــاىل – وال معقب حلكمه – لكفر على من جحد آياتــه‪ ،‬وأخرب تعــاىل بأنه ال أحد‬
‫أظلم ممن كذب بآيات اهلل تعاىل‪ ،‬وأهنم ال تفتح هلم أبواب السماء‪ ،‬وال يدخلون اجلنة‪ ،‬كما سبق إيراده‪" )3(.‬‬
‫ْر‬
‫َ‬ ‫َا ِّ‬
‫الذك‬ ‫َّلن‬
‫َزْ‬ ‫ُن‬
‫ْن‬‫نح‬
‫َّا َ‬
‫ِن‬‫يقـ ـ ـ ـ ــول احلليمي (‪ - :)4‬إن اهلل حفظ القـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرآن‪ ،‬فقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال عند ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره {إ‬
‫ٌ {‪}41‬ال‬
‫ِي ‪3‬ز‬
‫َز‬ ‫ٌع‬
‫‪3‬اب‬‫َ‪3‬‬ ‫ه َلك‬
‫ِت‬ ‫نُ‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫َ} [احلجر آية ‪.]9‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‪{ :‬و‬ ‫ُون‬ ‫ِظ‬‫َاف‬ ‫ه َلح‬‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬ ‫َإ‬
‫و‬
‫(‪ )1‬انظر مغين احملتاج للشربيين ‪. 4/136‬‬
‫(‪ )2‬انظر املوافقات للشاطيب ‪. 2/58‬‬
‫(‪ )3‬انظر املبحث الثالث من الفصل الثاين يف الباب األول ‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ٍ}‬‫ِيد‬ ‫َم‬
‫ٍح‬ ‫ِيم‬ ‫َك‬‫ْح‬ ‫من‬ ‫ِيل‬
‫ٌ ِّ‬ ‫تنز‬ ‫َِ‬ ‫ِه‬ ‫لف‬‫َْ‬ ‫ْخ‬‫ِن‬ ‫َال م‬‫ِو‬ ‫يه‬ ‫دْ‬‫يَ‬ ‫ْنِ َ‬ ‫بي‬ ‫ِن َ‬‫ُم‬ ‫ِل‬‫َاط‬‫الب‬‫ِ ْ‬ ‫ِيه‬ ‫ْت‬‫يأ‬
‫َ‬
‫[فصلت‪ ،‬آية ‪.]42‬‬
‫فمن أجـ ــاز أن يتمكن أحد من زيـ ــادة شـ ــيء يف القـ ــرآن أو نقصـ ــانه منـ ــه‪ ،‬أو حتريفه أو تبديلـ ــه‪ ،‬فقد ك ــذب اهلل يف‬
‫خربه‪ ،‬وأجاز الوقوع فيه‪ ،‬وذلك كفر‪" )5(.‬‬
‫ويقول القرطيب‪-:‬‬
‫" ال خالف بني األمة وال بني األئمة أهل السـ ــنة أن القـ ــرآن اسم لكالم اهلل تعـ ــاىل الـ ــذي ج ــاء به حممد ص ــلى اهلل‬
‫عليه وسلم معجزة له‪ ،‬وأنه حمفوظ يف الصدور‪،‬‬
‫صـ‪399‬‬
‫مقــروء باأللسـنة‪ ،‬مكتــوب يف املصــاحف‪ ،‬معلومة على االضــطرار سـوره وآياتـه‪ ،‬مــربأ من الزيــادة والنقصـان حروفه‬
‫وكلماتـ ــه‪ ،‬فال حيتـ ــاج يف تعريفه حبد‪ ،‬وال يف حصره بعـ ــد‪ ،‬فمن ادعى زيـ ــادة عليه أو نقصـ ــاناً منه فقد أبطل اإلمجاع‪،‬‬
‫ِنِ‬ ‫ُل َّلئ‬ ‫وهبت النــاس‪ ،‬ورد ما جــاء به الرســول صــلى اهلل عليه وســلم من القــرآن املنزل عليــه‪ ،‬ورد قوله تعــاىل‪{ :‬ق‬
‫ْآنِ الَ‬ ‫ُ‪33‬ر‬‫الق‬‫َا ْ‬ ‫هـذ‬ ‫َِ‬ ‫ْ‪33‬ل‬ ‫ِث‬‫ِم‬‫ْب‬ ‫توا‬ ‫ُْ‬
‫ي‪33‬أ‬ ‫َن َ‬ ‫لى أ‬ ‫ََ‬‫ُّ ع‬
‫الجِن‬ ‫َ ْ‬ ‫ِنسُ و‬ ‫َتِ اإل‬‫َع‬‫َم‬‫ْت‬‫اج‬
‫ًا} [اإلسـ ـ ـ ـ ـ ــراء‪ ،‬آية ‪ ،]88‬وأبطل آية‬ ‫ِير‬ ‫َه‬‫ضظ‬ ‫ٍْ‬‫َع‬ ‫لب‬ ‫ِْ‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬ ‫ْض‬‫بع‬‫نَ‬ ‫َاَ‬ ‫ْك‬ ‫ََلو‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ْل‬ ‫ِث‬‫ِم‬
‫نب‬ ‫توَ‬ ‫ُْ‬‫يأ‬
‫َ‬
‫رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬ألنه إذا ذاك يصري القــرآن مقــدوراً عليــه‪ ،‬حني شــيب بالباطــل‪ ،‬وملا قــدر عليه مل يكن‬
‫(‪)1‬‬
‫"‬
‫حجة وال آية‪ ،‬وخرج عن أن يكون معجزاً‪.‬‬
‫(د) أن االســتهانة باملصــحف – حتريفـاً أو تبــديالً – اسـتهانةـ بالـدين‪ ،‬وهــدم ألصــول هـذه الشـريعة وفروعهــا‪ ،‬وهو‬
‫طعن يف تمام دين اإلسالم وكماله‪.‬‬
‫ولذا يقول ابن حزم‪ " - :‬والدين قد مت فال يزاد فيه وال ينقص منه‪ ،‬وال يبدل‪.‬‬
‫ْ} [املائدة‪ ،‬آية ‪]3‬‬ ‫ُم‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫ْد‬‫ُم‬ ‫ُ َلك‬ ‫لت‬ ‫َْ‬ ‫ْم‬‫َك‬ ‫َأ‬ ‫ْم‬‫َو‬ ‫قال تعاىل‪ْ { - :‬‬
‫الي‬
‫ِ} [يونس‪ ،‬آية ‪ ،}64‬والنقصـ والزيادة تبديل‪" )2(.‬‬
‫َاتِ هّللا‬
‫ِم‬‫َل‬
‫لك‬‫َِ‬
‫ِيل‬
‫ْد‬ ‫وقال تعاىل‪{ - :‬الَ َ‬
‫تب‬

‫(‪ )4‬أبو عبد اهلل احلسني بن احلسن البخاري الشافعي ‪ ،‬حمدث متكلم عاش يف بالد ما وراء النهر ‪ ،‬كان ذكياً سيال الذهن ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة‬
‫‪ 403‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 231 / 17‬طبقات الشافعية ‪. 4/333‬‬
‫(‪ )5‬املنهاج يف شعب اإلميان ‪. 1/320‬‬
‫(‪ )1‬تفسري القرطيب ‪. 81 ، 1/80‬‬
‫(‪ )2‬احمللى ‪. 1/31‬‬
‫‪119‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقول الشــيخ حممد بن عبد الوهــاب‪ " - :‬ومن اعتقد عــدم صـحة حفظه {أي املصــحف} من اإلســقاط‪ ،‬واعتقد‬
‫ما ليس منه أنه منه قد كف ــر‪ ،‬ويل ــزم من ه ــذا رفع الوث ــوق ب ــالقرآن كل ــه‪ ،‬وهو ي ــؤدي إىل ه ــدم ال ــدين‪ ،‬ويل ــزمهم ع ــدم‬
‫االستدالل به‪ ،‬والتعبد بتالوته‪،‬ـ الحتمال التبدل‪ ،‬ما أخبث قول قوم يهدم دينهم‪" )3(.‬‬
‫وعندما حتدث حممود شكري اآللوسي (‪ )4‬عن القرآن الكرمي‪ ،‬وأنه حمفوظ‬
‫صـ‪400‬‬
‫عن الزي ــادة والنقص ــان‪ ،‬مث ذكر معتقد اإلثين عش ــرية يف الق ــرآن … ق ــال بعد ذل ــك‪ " -:‬واحلق ما ذهب إليه أهل‬
‫َّا‬‫ِن‬‫السـ ــنة ومجهـ ــور الفـ ــرق اإلسـ ــالمية أنه ليس يف القـ ــرآن حتريف وال نقصـ ــان‪،‬ـ وذلك ألن اهلل تع ـ ــاىل قـ ــال‪{ - :‬إ‬
‫َ} [احلجر‪ ،‬آية ‪.]9‬‬ ‫ُون‬ ‫ِظ‬ ‫َاف‬‫ه َلح‬‫َّا َلُ‬ ‫ِن‬ ‫َإ‬‫َو‬ ‫ْر‬ ‫الذك‬‫َا ِّ‬ ‫َّلن‬‫َزْ‬ ‫ُن‬ ‫ْن‬‫نح‬ ‫َ‬
‫وإذا ك ــان اهلل تع ــاىل احلافظ ل ــه‪ ،‬كيف يتمكن أحد من حتريف ــه‪ ،‬ألن تبليغ الق ــرآن ك ــان واجب ـاً على الرس ــول عليه‬
‫الصالةـ والسالم إىل كافة الناس‪ ،‬أو مبن اتبعه …‬
‫ومل يــزل املســلمون يتعبــدون بتالوتهـ آنــاء الليــل‪ ،‬وأطــراف النهــار‪ ،‬ويــرون ذلك من أفضل الطاعــات واألعمــال من‬
‫زمن النيب عليه الصــالةـ والســالم إىل زمننا هــذا‪ ،‬وكل ما يف هــذا شــأنه ال ميكن تغيــريهـ وال إســقاط شــيء منــه‪ ،‬وألنه لو‬
‫كان فيه حتريف بتغيري أو نقصانـ مل يبق وثوق باألحكام‪" )1(.‬‬
‫(هـ ــ) أمجع العلم ــاء على كفر من اس ــتهانـ باملص ــحف‪ ،‬وخروجه عن املل ــة‪ ،‬وقد نقل هـ ــذا اإلمجاع مجاعة من أهل‬
‫العلم (‪ )2‬ونورد هاهنا ما يلي‪-:‬‬
‫ذكر ابن حـ ــزم أن العلم ـ ــاء اتفق ـ ــوا على‪ " :‬أن كل ما يف الق ـ ــرآن حـ ــق‪ ،‬وأن من زاد فيه حرف ـ ـاً من غري القـ ــراءات‬
‫املروية احملفوظة املنقولة نقل الكاف ــة‪ ،‬أو نقص حرف ـاً‪ ،‬أو ب ــدل منه حرف ـاً مك ــان ح ــرف‪ ،‬وقد ق ــامت عليه احلجة أنه من‬
‫القرآن فتمادى متعمداً لكل ذلك عاملاً بأنه خبالف ما فعل فإنه كافر‪" )3(.‬‬

‫(‪ )3‬رسالة يف الرد على الرافضة ص ‪. 14‬‬


‫(‪ )4‬أبو املعايل حممود شكري بن عبد اهلل اآللوسي احلسيين ‪ ،‬عامل بالشرع ‪ ،‬والتاريخ واألدب ولد يف بغداد سنة ‪ 1273‬هـ ‪ ،‬له جهود يف الرد على‬
‫املبتدعة ‪ ،‬وألف كتباً كثرية ‪ ،‬تويف ببغداد سنة ‪ 1342‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ - :‬كتاب تلميذه حممد هبجت األثري " أعالم العراق " ص ‪ ، 36‬األعالم ‪. 7/172‬‬
‫(‪ )1‬السيوف املشرقة وخمتصر الصوامق احملرقة ‪( ،‬خمطوط) ‪ ،‬ق ‪ = 129‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد سبق ذكر شيء من ذلك فيما مضى ‪ ،‬مما هو قريب من موضوع هذا الفصل ‪ ،‬انظر ‪ - :‬املبحث الثالث من الفصل الثاين يف الباب األول ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مراتب اإلمجاع ص ‪. 174‬‬
‫‪120‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقـ ــول أيض ـ ـاً‪ " - :‬إن األمة جممعة كلها بال خالف من أحد منهم وهو أن كل من بـ ــدل آية من الق ــرآن عامـ ــداً‬
‫وهو يـ ــدري أهنا يف املصـ ــاحف خبالف ذلـ ــك‪ ،‬أو أسـ ــقط كلمة عم ـ ــداً ك ـ ــذلك‪ ،‬أو زاد فيها كلمة عامـ ــداً فإنه كـ ــافر‬
‫بإمجاع األمة كلها‪" )4(.‬‬
‫ويقــول القاضي عيــاض‪ " - :‬اعلم أن من اســتخف بــالقرآن‪ ،‬أو املصــحف‪ ،‬أو بشــيء منــه‪ ،‬أو ســبهما‪ ،‬أو جحــده‪،‬‬
‫أو حرفا منه‪ ،‬أو آية‪ ،‬أو كذب به‪ ،‬أو بشيء‬
‫صـ‪401‬‬
‫منه‪ ،‬أو كــذب بشــيء مما صـرح به فيه من حكم أو خــرب‪ ،‬أو أثبت ما نفــاه فهو كــافر عند أهل العلم بإمجاع‪ ،‬قــال‬
‫من‬
‫ْ‬ ‫ٌ ِّ‬‫ِي ‪3‬ل‬ ‫تنز‬ ‫َِ‬‫ِ‪3‬ه‬ ‫لف‬ ‫َْ‬
‫ْخ‬ ‫ِن‬ ‫َال م‬ ‫ِو‬ ‫ي‪ 3‬ه‬‫دْ‬‫يَ‬ ‫ْنِ َ‬ ‫بي‬‫ِن َ‬‫ُم‬ ‫ِل‬
‫َاط‬ ‫الب‬‫ِ ْ‬ ‫ِيه‬ ‫ْت‬ ‫يأ‬ ‫تع ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ال َ‬
‫ٍ} [فصلت‪ ،‬آية ‪" )5(.]42‬‬
‫ِيد‬
‫َم‬‫ٍح‬
‫ِيم‬
‫َك‬‫ح‬
‫‪.4‬ويف هناية هذا الفصل نذكر مجلة من كالم العلماء يف هذه املسألة‪-:‬ـ‬
‫يقول ابن حزم – يف الــرد على اعـرتاضـ النصـارى بــأن الــروافض يزعمـون أن أصـحاب حممد صـلى اهلل عليه وســلم‬
‫بدلوا القرآن …‪ " -:‬وأما قوهلم يف دعوى الروافض تبديل القرآن‪ ،‬فإن الروافض ليسوا من املسلمني‪" )6(.‬‬
‫وقال حممد بن إمساعيل الرشيد احلنفي‪_:‬ـ " من استخف بالقرآن أو باملســجد أو بنحــوه مما يعظم يف الشــرع كفــر‪،‬‬
‫ومن وضع رجله على املصحف حالفاً استخفافاً كفر‪" )1(.‬‬
‫وذكر الــدردير أن من موجبــات الــردة‪ " ::‬إلقــاء مصــحف أو بعضه ولو كلمــة‪ ،‬وكــذا حرقه اســتخفافاً ال صــوناً‪،‬‬
‫ومثل إلقائ ــه‪ ،‬وتركه مبك ــان ق ــذر‪ ،‬ولو ط ــاهراً كبص ــاق أو تلطيخه به … ومثل املص ــحف احلديث‪ ،‬وأمساء اهلل تع ــاىل‬
‫وكتب احلديث‪ ،‬وكذا كتب الفقه إن كان على وجه االستخفاف بالشريعة‪" )2(.‬‬
‫وقال النووي‪-:‬ـ " األفعــال املوجبة للكفر هي اليت تصــدر عن تعمد واســتهزاء بالــدين صـريح‪ ،‬كإلقــاء املصــحف يف‬
‫القاذورات‪" )3(.‬‬

‫(‪ )4‬الفصل ‪ ، 3/296‬وانظر ‪ :‬احمللى ‪ ، 1/39‬واإلحكام يف أصول األحكام ‪. 1/86‬‬


‫(‪ )5‬الشفا ‪ ، 2/1101‬وانظر ‪. 2/1076‬‬
‫(‪ )6‬الفصل ‪ ، 2/213‬وانظر احمللى ‪. 1/15‬‬
‫(‪ )1‬رسالة يف ألفاظ الكفر ص ‪ ، 22‬ويقول مال علي قاري معلقاً على اجلملة األخرية ‪ " - :‬وال خيفى أن قوله حالفاً قيد واقعي فال مفهوم له ‪" .‬‬
‫شرح الفقه األكرب ص ‪250‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغري ‪ ، 146 , 6/145‬وانظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ‪ ، 4/301‬وبلغة السالك ‪ ، 2/416‬واخلرشي على خمتصر خليل‬
‫‪. 63 , 7/62‬‬
‫(‪ )3‬روضة الطالبني ‪ ، 10/64‬وانظر مغني احملتاج للشربيين ‪ ، 4/136‬وهناية احملتاج للرملي ‪. 7/416‬‬
‫‪121‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقال قليويب شارحاً قول النووي‪ " - :‬إلقاء مصحف بقاذورة "‪ " - :‬قوله كإلقاء مصحف بقــاذورة " بالفعل أو‬
‫ب ــالعزم وال ــرتدد فيه ومسه هبا كإلقائه فيه ــا‪ ،‬وأحلق بعض ــهم به وضع رجله عليه ون ــوزع في ــه‪ ،‬واملراد باملص ــحف ما فيه‬
‫قرآن ومثله‬
‫صـ‪402‬‬
‫احلديث‪ ،‬وكل علم شــرعي وما عليه اسم معظم‪ ،‬ق ــال ش ــيخنا ال ــرملي‪ :‬وال بد يف غري الق ــرآن من قرينة ت ــدل على‬
‫اإلهانةـ وإال فعال‪ ،‬ومشلت القاذورة الطاهرة كبصاق وخماط ومين‪" )4(.‬‬
‫وعد البه ـ ــويت من ن ـ ــواقضـ اإلس ـ ــالم ما يلي‪ " - :‬أو وجد منه امته ـ ــان الق ـ ــرآن‪ ،‬أو طلب تناقض ـ ــه‪ ،‬أو دع ـ ــوى أنه‬
‫ن‬
‫ْآَ‬ ‫ُر‬‫الق‬ ‫َا ْ‬ ‫هذ‬‫َا َ‬ ‫َنزْ‬
‫َلن‬ ‫ْأ‬ ‫خمتلـ ــف‪ ،‬أو مقـ ــدور يف مثلـ ــه‪ ،‬أو إسـ ــقاط حرمته كفـ ــر؛ لقوله تعـ ــاىل‪َ{ - :‬لو‬
‫ِ} [احلشــر‪ ،‬آية ‪ ]21‬وقولــه‪" - :‬‬ ‫ِ هَّللا‬
‫َة‬‫َشْي‬‫ْخ‬ ‫من‬ ‫ًــا ِّ‬ ‫دع‬ ‫َِّ‬‫َص‬
‫مت‬ ‫ًا ُّ‬ ‫ِع‬ ‫َاش‬ ‫هخ‬ ‫يت‬
‫َُ‬ ‫َْ‬ ‫َأ‬‫ٍ َّلر‬‫َل‬ ‫َب‬ ‫لى ج‬ ‫ََ‬‫ع‬
‫ًا} [النسـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬آية ‪]82‬‬ ‫ِير‬
‫َث‬‫ًا ك‬ ‫ِالَف‬‫ْت‬ ‫ِ اخ‬ ‫ِيه‬ ‫ْف‬‫دوا‬ ‫َُ‬ ‫َج‬‫ِ َلو‬‫ِ هّللا‬
‫ْر‬‫َي‬ ‫ِغ‬ ‫ِند‬ ‫ْع‬ ‫ِن‬‫نم‬ ‫َاَ‬ ‫ْك‬ ‫ََلو‬‫{و‬
‫َا‬ ‫ه ـذ‬ ‫َِ‬ ‫ْ‪33‬ل‬ ‫ِث‬ ‫ْب‬
‫ِم‬ ‫توا‬‫ُْ‬‫ي‪33‬أ‬ ‫َن َ‬ ‫لى أ‬ ‫ََ‬ ‫ُّ ع‬
‫الجِن‬
‫َ ْ‬ ‫ِنسُ و‬ ‫َتِ اإل‬ ‫َع‬‫َم‬ ‫ْت‬
‫ِنِ اج‬ ‫ُل َّلئ‬ ‫وقوله {ق‬
‫ًا} [ اإلسـ ـ ـ ـ ـ ــراء‪ ،‬آية‬‫ِير‬‫َه‬
‫ضظ‬ ‫ٍْ‬ ‫َع‬ ‫لب‬‫ِْ‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬‫ْض‬ ‫بع‬ ‫نَ‬‫َاَ‬‫ْك‬ ‫ََلو‬‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ْل‬ ‫ِث‬‫ِم‬‫نب‬ ‫توَ‬ ‫ُْ‬ ‫يأ‬ ‫ْآنِ الَ َ‬ ‫ُر‬
‫الق‬‫ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.]88‬‬

‫(‪ )4‬قليويب وعمرية ‪ ، 4/176‬وانظر األعالم للهيتميـ ص ‪. 349‬‬


‫(‪ )5‬كشاف القناع ‪ ، 6/137‬وانظر شرح منتهى اإلرادات ‪ ، 3/387‬وغاية املنتهى ملرعي الكرمي ‪. 3/339‬‬
‫‪122‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪403‬‬

‫البابـ الثالث‪:‬‬
‫نواقض اإليمان المختلف فيها القولية والعملية‬

‫‪123‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪404‬‬
‫يف البابني السابقني كان احلديث شامالً للنواقض القوليةـ والعملية املتفق عليها بني أهل السنة‪.‬‬
‫ويف ه ــذا الب ــاب س ــنتحدث عن أمثلة مهمة على ن ــواقضـ اإلميان املختلف فيها بني أهل الس ــنة أيض ـاً‪ ،‬وس ــيظهر من‬
‫خالل ع ـ ــرض أك ـ ــثر تلك املس ـ ــائل أن اخلالف فيها يس ـ ــري‪ ،‬وذلك عند حتقيق مع ـ ــاين تلك الن ـ ــواقض‪،‬ـ ومعرفة تفاص ـ ــيل‬
‫جمملها‪ ،‬وتنوع احتماالهتا‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪405‬‬
‫الفصل األول‪ :‬النواقض القولية‬
‫‪‬‬
‫المبحث األول‪( :‬سب الصحابة رضي اهلل عنهم)‬

‫‪ -1‬يف مطلع هذا املبحث نشري إىل ما جيب علينا حنو الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬فالواجب علينا أن حنبهم وجنلهم‬
‫ونرتضى عنهم‪ ،‬ونــنزهلم املنزلة الالئقةـ هبم من غري إفــراط وال تفريــط‪ ،‬كما ينبغي أن تســلم قلوبنا وألســنتناـ حنوهم‪ ،‬وأن‬
‫منسك عما شجر بني الصحابة رضوانـ اهلل عليهم أمجعني‪.‬‬
‫ِ‬‫َ‪3‬ار‬ ‫َاألَنص‬ ‫َو‬ ‫ِين‬ ‫‪3‬اجِر‬ ‫ه‪3‬‬
‫َُ‬‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫نم‬‫َُّلوَ‬ ‫ن األَو‬ ‫ُوَ‬ ‫ِق‬ ‫َالسَّاب‬ ‫يقـ ـ ـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫ْ‬‫هم‬ ‫‪3‬د َلُ‬
‫َ‪َّ3‬‬ ‫َع‬‫َأ‬ ‫هو‬ ‫ْ‪ُ33‬‬ ‫َن‬ ‫ْع‬ ‫ض‪33‬وا‬‫َُ‬‫َر‬ ‫ْو‬‫هم‬ ‫َن‬
‫ُْ‬ ‫ُع‬ ‫ِيَ هّللا‬ ‫َّض‬‫ْسَانٍ ر‬ ‫إح‬ ‫ِِ‬‫هم ب‬ ‫ُوُ‬ ‫َع‬‫اتب‬ ‫َ َّ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬‫و‬
‫ُ‬‫ْز‬ ‫َ‪33‬و‬‫الف‬‫ِ‪33‬كَ ْ‬ ‫َل‬ ‫دا ذ‬ ‫ََ‬
‫ب‪ً 33‬‬ ‫ها أ‬‫ِيَ‬ ‫َف‬‫ِين‬ ‫ِ‪ 33‬د‬ ‫َال‬ ‫ُخ‬ ‫هار‬ ‫نَ‬‫ها األَْ‬ ‫ْت‬
‫ََ‬ ‫تح‬ ‫ِي َ‬ ‫ْر‬ ‫تج‬‫َّاتٍ َ‬ ‫َن‬‫ج‬
‫ُ} [التوبة‪ ،‬آية ‪]100‬‬ ‫ِيم‬ ‫َظ‬ ‫الع‬‫ْ‬
‫ِ‬‫َّار‬ ‫ُف‬‫الك‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫داء ع‬ ‫ش‪َّ33‬‬‫َِ‬‫هأ‬‫َُ‬‫مع‬‫ََ‬‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫ِو‬ ‫ل هَّللا‬
‫َّسُوُ‬‫در‬ ‫َم‬
‫ٌَّ‬ ‫مح‬ ‫ويق ـ ـ ـ ـ ــول س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪ُّ{ - :‬‬
‫ًا‬ ‫َان‬ ‫ض‪33‬و‬‫ِْ‬ ‫َر‬ ‫ِو‬ ‫َ هَّللا‬
‫من‬‫َض‪33‬الً ِّ‬ ‫ن فْ‬ ‫ُ‪33‬وَ‬‫َغ‬‫ْت‬‫يب‬ ‫دا َ‬ ‫ًَّ‬ ‫ًا سُج‬ ‫َّع‬
‫ُك‬‫ْر‬ ‫هم‬‫َاُ‬ ‫تر‬‫َْ‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ْن‬ ‫بي‬ ‫َاء َ‬ ‫َم‬‫ُح‬‫ر‬
‫ِ‬‫َاة‬ ‫ْر‬ ‫َّو‬
‫ِي الت‬ ‫ْف‬ ‫هم‬
‫لُ‬ ‫َُ‬‫مث‬ ‫َل‬
‫ِ‪33‬كَ َ‬ ‫ِذ‬ ‫ُود‬‫الس‪33‬ج‬
‫ُّ‬ ‫ث‪ 33‬ر‬
‫ِ‬ ‫ََ‬
‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ِم ِّ‬‫ِه‬‫ُوه‬ ‫ُج‬‫ِي و‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫َاُ‬ ‫ِيم‬ ‫س‬
‫َى‬ ‫َو‬‫َاس‪3‬ت‬‫َف ْ‬ ‫لظ‬ ‫َْ‬ ‫َغ‬‫َاس‪3‬ت‬ ‫هف ْ‬ ‫َُ‬‫َر‬‫َآز‬‫هف‬ ‫َُ‬‫ْأ‬‫َ شَط‬ ‫َج‬ ‫ْر‬ ‫َخ‬‫ٍأ‬ ‫ْع‬‫َر‬‫َز‬‫ِك‬ ‫ِنجِيل‬ ‫ِي اإل‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫لُ‬ ‫َُ‬ ‫مث‬ ‫و‬
‫ََ‬
‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ُ َّ‬ ‫د هَّللا‬
‫ََ‬ ‫َع‬‫َو‬‫َّار‬
‫ُف‬ ‫الك‬
‫ُ ْ‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫َب‬ ‫ِيظ‬ ‫َغ‬‫لي‬‫َِ‬ ‫َّاع‬‫ُّر‬‫ُ الز‬ ‫ْجِب‬‫يع‬ ‫ُِ‬ ‫ِه‬ ‫لى سُوق‬ ‫ََ‬‫ع‬
‫ًا} [الفتح‪ ،‬آية ‪.]29‬‬ ‫ِيم‬ ‫َظ‬‫ًا ع‬‫ْر‬‫َج‬‫َأ‬‫ةو‬ ‫ًَ‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬ ‫مغ‬‫هم َّ‬‫ُْ‬‫ِن‬‫َاتِ م‬ ‫لح‬‫َّاِ‬‫ُوا الص‬ ‫ِل‬ ‫َم‬‫َع‬‫و‬
‫ْ‬‫ِم‬ ‫ِه‬
‫ِيار‬ ‫ِن د‬ ‫ُوا م‬ ‫ِج‬ ‫ْر‬‫ُخ‬ ‫َأ‬‫ِين‬‫الذ‬‫َ َّ‬‫ِين‬‫هاجِر‬ ‫َُ‬ ‫الم‬ ‫َاء ْ‬ ‫َر‬‫ُق‬‫لف‬‫لْ‬ ‫ويق ـ ــول عز وجـ ـ ــل‪ِ{ - :‬‬
‫ه‬‫ولُ‬‫َسُ‪َ 3‬‬ ‫َر‬‫َو‬ ‫ن هَّللا‬‫ُوَ‬ ‫ُ‪3‬ر‬ ‫ينص‬ ‫ََ‬‫ًا و‬‫َان‬ ‫ْ‪3‬و‬‫ِض‬‫َر‬ ‫ِو‬ ‫َ هَّللا‬ ‫من‬ ‫ْ‪3‬الً ِّ‬‫َض‬‫نف‬ ‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬‫َغ‬‫ْت‬‫يب‬‫َْ‬ ‫ِم‬ ‫له‬‫َاِ‬ ‫مو‬ ‫َْ‬‫َأ‬‫و‬
‫ِن‬ ‫نم‬ ‫َاَ‬ ‫ِيم‬ ‫َاإل‬ ‫َو‬ ‫الدار‬ ‫َّ‬ ‫ُوا‬‫َّؤ‬‫َو‬
‫تب‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫ن {‪ 3}8‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫ِق‬ ‫َّاد‬‫ُ الص‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬‫أ‬
‫َّا‬‫مم‬‫ة ِّ‬‫َ‪ً33‬‬ ‫َاج‬ ‫ْح‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬‫دور‬ ‫ص‪ُ33‬‬‫ِي ُ‬‫نف‬ ‫دوَ‬‫يجُِ‬‫َال َ‬ ‫ْو‬ ‫ِم‬ ‫ْه‬‫َِلي‬‫َإ‬ ‫َر‬‫هاج‬ ‫َْ‬ ‫من‬‫نَ‬ ‫ُّوَ‬ ‫يحِب‬ ‫ُْ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ْل‬‫َب‬‫ق‬
‫َ شُ‪3‬ح‬
‫َّ‬ ‫‪3‬وق‬ ‫ي‪3‬‬ ‫من ُ‬ ‫ََ‬‫ةو‬ ‫ٌَ‬ ‫َاص‬ ‫َص‬‫ْخ‬‫ِم‬‫ِه‬‫نب‬‫َاَ‬ ‫ْك‬ ‫ََلو‬ ‫ْو‬ ‫ِم‬‫ِه‬‫ُس‬ ‫َنف‬‫لى أ‬ ‫ََ‬‫نع‬ ‫ُوَ‬ ‫ِر‬‫ْث‬ ‫يؤ‬ ‫َُ‬ ‫توا و‬ ‫ُوُ‬ ‫أ‬
‫َ} [احلشر‪ ،‬آية ‪ ]9 , 8‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ " - :‬ال تسبواـ‬ ‫ُون‬ ‫ِح‬‫ْل‬
‫ُف‬ ‫الم‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬‫ِف‬ ‫ِه‬ ‫ْس‬‫نف‬‫َ‬
‫أصحايب‪ ،‬ال تسبواـ أصحايب فو الذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل‬
‫صـ‪406‬‬
‫أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم وال نصيفه (‪" )1‬‬
‫‪ ‬يف هذا املبحث استفدت مما كتبه األخ حممد الوهييب يف حبث نشر يف جملة البيان ع ‪ 26 ،25 ،‬بعنوان (اعتقاد أهل السنة يف الصحابة)‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك فضائل الصحابة (‪ )7/21‬ح ( ‪ ، )3673‬ومسلمـ ‪ ،‬ك فضائل الصحابة (‪ )4/1967‬ح (‪ ، )2540‬انظر ما ورد يف فضل‬
‫الصحابة يف الكتاب والسنة ‪ - :‬كتاب فضائل الصحابة لإلمام أمحد بن حنبل ‪ ،‬وفضائل الصحابة للنسائي ‪ ،‬والصواعق احملرقة للهيتميـ ‪ ،‬ودر السحابة‬
‫يف مناقب الصحابة للشوكاين ‪ ،‬وإحتاف ذوي النجابة حملمد العريب ‪ ،‬وكتاب صحابة رسول اهلل صلى الله عليه وسلم لعيادة الكبيسي ‪149‬‬
‫‪125‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقد قرر علماء أهل السنة يف مؤلفاهتم – اتباعاًـ ملا جاء يف كتاب اهلل تعاىل وســنة رســوله صــلى اهلل عليه وســلم ‪-‬‬
‫الواجب حنو الصحابة رضي اهلل عنهم وإليك أمثلة من تقريراهتم على النحو التايل‪-:‬‬
‫فــذكر احلميــدي رمحه اهلل تعــاىل أن من الســنة‪ " - :‬الــرتحم على أصح ـاب حمم ـد صــلى اهلل عليه وســلم كلهم فــإن‬
‫َا‬‫ْ َلن‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬
‫َا اغ‬ ‫بن‬‫ََّ‬ ‫نر‬ ‫ُولوَ‬‫يق ُ‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬
‫ْد‬‫بع‬‫ِن َ‬ ‫ُوا م‬ ‫َاؤ‬ ‫َج‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬‫اهلل عز وجل قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـال‪{ - :‬و‬
‫َانِ} [احلشــر‪ ،‬آية ‪ ،]10‬فلم نــؤمر إال باالســتغفار هلم‪،‬‬ ‫ِيم‬ ‫ِاإل‬ ‫َا ب‬ ‫ُون‬ ‫َق‬‫َ سَب‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َا َّ‬ ‫ِن‬ ‫َان‬ ‫ْو‬
‫ِخ‬‫َإل‬
‫و‬
‫فمن ســبهم أو تنقضــهم‪ ،‬أو أحــداً منهم فليس على الســنة‪ ،‬وليس له يف الفيء حــق‪ ،‬أخربنا بــذلك غري واحد عن مالك‬
‫بن أنس‪" )1(.‬‬
‫وقــال الطحــاوي يف عقيدته املشــهورة‪:‬ـ ‪ " -‬وحنب أصــحاب رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم وال نفــرط يف حب‬
‫أحد منهم‪ ،‬وال نتربأ من أحد منهم‪ ،‬ونبغض من يبغضــهم‪ ،‬وبغري اخلري يــذكرهم‪ ،‬وال نــذكرهم إال بــاخلري‪ ،‬وحبهم دين‬
‫وإميان وإحسان‪ ،‬وبغضهم كفر ونفاق وطغيان‪.‬ـ(‪" )2‬‬
‫ويقول ابن بطة – يف هذه المســألة‪ " - :‬ويشــهد جلميع املهــاجرين واألنصــار باجلنة والرضــوان والتوبة والرمحة من‬
‫اهلل‪ ،‬ويس ــتقر علمك وت ــوقن بقلبك أن رجالً رأى النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم وش ــاهده وآمن به واتبعه ولو س ــاعة من‬
‫هنار أفضل ممن مل يره‪ ،‬ومل يشــاهده ولو أتى بأعمــال اجلنة أمجعني‪ ،‬مث الــرتحم على مجيع أصـحاب رســول اهلل صــلى اهلل‬
‫عليه وسلـ ـ ـم ص ـ ــغريهم وكب ـ ــريهم‪ ،‬وأوهلم وآخ ـ ــرهم‪ ،‬وذكر حماس ـ ــنهم ونشر فض ـ ــائلهم‪ ،‬واالقت ـ ــداء هبديهم‪ ،‬واالقتف ـ ــاء‬
‫آلثارهم‪" )3(.‬‬
‫صـ‪407‬‬
‫ويذكرهم ابن بطة املسلك الصحيح جتاه النزاع بني الصحابة‪ ،‬فيقول‪- :‬‬
‫" ونكف عما شـ ــجر بني أصـ ــحاب رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم‪ ،‬فقد شـ ــهدوا املشـ ــاهد معه وس ــبقوا الن ــاس‬
‫بالفضــل‪ ،‬فقد غفر اهلل هلم‪ ،‬وأمــرك باإلســتغفار هلم والتقــرب إليه مبحبتهم‪ ،‬وفــرض ذلك على لســان نبيه صــلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫– ‪. 176‬‬
‫(‪ )1‬أصول السنة للحميديـ (بذيل مسنده) ‪. 2/546‬‬
‫(‪ )2‬شرح العقيدة الطحاوية ‪. 2/689‬‬
‫(‪ )3‬اإلبانة الصغرى ص ‪. 265 – 263‬‬
‫‪126‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وال تنظر يف كت ــاب ص ــفني واجلم ــل‪ ،‬ووقعه ال ــدار وس ــائر املنازع ــات اليت ج ــرت بينهم‪ ،‬وال تكتبهـ لنفس ــك‪ ،‬وال‬
‫لغــريك‪ ،‬وال تــروه عن أحــد‪ ،‬وال تقــرأ على غــريك‪ ،‬وال تســمعه ممن يرويــه‪ ،‬فعلى ذلك اتفــاق ســادات علمــاء هــذه األمة‬
‫من النهيـ عما وصفناه‪" )4(.‬‬
‫ويقــول أبو نعيم (‪ " :)5‬فــالواجب على املســلمني يف أصــحاب رســول صــلى اهلل عليه وســلم إظهــار ما مــدحهم اهلل‬
‫تعــاىل به وشــكرهم عليه من مجيل أفعــاهلم‪ ،‬ومجيل ســوابقهم‪ ،‬وأن يغضــوا عما كــان منهم يف حــال الغضبـ واإلغفــال‬
‫وفرط منهم عند استزالل الشيطان إياهم‪.‬‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬ ‫ْد‬‫بع‬ ‫ِن َ‬‫ُوا م‬ ‫َاؤ‬ ‫َج‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫ونأخذ يف ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرهم مبا أخرب اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل به فقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َ‪33‬انِ}‬ ‫ِيم‬‫ِاإل‬‫َا ب‬ ‫ُون‬ ‫َق‬‫س‪33‬ب‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َا َّ‬ ‫ِن‬ ‫َان‬ ‫ْو‬ ‫ِخ‬ ‫َإل‬
‫َا و‬ ‫ْ َلن‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬‫َا اغ‬ ‫بن‬ ‫ََّ‬ ‫نر‬ ‫ُولوَ‬
‫يق ُ‬ ‫َ‬
‫[احلش ـر‪ ،‬آية ‪ ،]10‬فــإن اهلفــوة والزلل والغضبـ واحلدة واإلفــراط ال خيلو منه أحـد‪ ،‬وهو هلم غفـور‪ ،‬وال يــوجب ذلك‬
‫الرباءةـ منهم‪ ،‬وال العداوة هلم‪ ،‬ولكن حيب على السابقة احلميدة‪ ،‬ويتوىل للمنقبة الشريفة‪.‬‬
‫‪-‬إىل أن ق ــال –‪ :‬فال يتتبع هف ــواتـ أص ــحاب رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم وزللهم‪ ،‬وحيفظ عليهم ما يك ــونـ‬
‫منهم يف حال الغضب واملوجدة إال مفتون القلب يف دينه‪" )1(.‬‬
‫صـ‪408‬‬
‫ومما سطره شيخ اإلسالمـ أبو عثمان الصــابوين (‪ )2‬يف رســالته " عقيــدة أصـحاب احلديث "‪ " -:‬ويــرون الكف عما‬
‫شـ ــجر بني أصـ ــحاب رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم وتطهري األلسـ ــنة عن ذكر ما يتضـ ــمن عيب ـ ـاً هلم ونقص ـ ـاً فيهم‪،‬‬
‫ويـ ــرون الـ ــرتحم على مجيعهم‪ ،‬واملواالةـ لكـ ــافتهم‪ ،‬وكـ ــذلك يـ ــرون تعظيم قـ ــدر أزواجه رضي اهلل عنهن والـ ــدعاء هلن‪،‬‬
‫ومعرفة فضلهن‪ ،‬واإلقرار بأهنن أمهات املؤمنني‪" )3(.‬‬
‫وجــاء يف " العقيــدةـ الواســطية " ما يلي‪ " -:‬ومن أصــول أهل الســنة واجلماع ـة ســالمة قلــوهبم وألســنتهم ألصــحاب‬
‫ِن‬
‫ُوا م‬ ‫َاؤ‬ ‫َج‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫رس ـ ـ ـ ــول اهلل صـ ـ ـ ـ ـ ــلى اهلل عليه وسـ ـ ـ ـ ـ ــلم‪ ،‬كما وصـ ـ ـ ـ ـ ــفهم اهلل به يف قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬و‬
‫َا‬
‫ُون‬ ‫َق‬
‫س‪33‬ب‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َا َّ‬ ‫ِن‬
‫َان‬ ‫ْو‬‫ِخ‬ ‫َإل‬‫َا و‬ ‫ْ َلن‬ ‫ِ‪33‬ر‬ ‫ْف‬ ‫َا اغ‬ ‫بن‬ ‫نر‬
‫ََّ‬ ‫ُولـوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫ْ‪33‬د‬ ‫بع‬ ‫َ‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق = باختصار ص ‪. 269 , 268‬‬
‫(‪ )5‬أبو نعيم أمحد بن عبد اهلل األصبهاين الشافعي ‪ ،‬حمدث مؤرخ ‪ ،‬صاحب تصوف له مؤلفات ‪ ،‬تويف بأصبهان سنة ‪430‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات الشافعية ‪ ، 4/18‬البداية والنهاية ‪. 12/45‬‬
‫(‪ )1‬اإلمامة ص ‪ ، 344 ، 342 , 341‬وانظر ص ‪. 211 – 208‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل بن عبد الرمحن النيسابوري الصابوين الشافعي ‪ ،‬حمدث فقيه ‪ ،‬مفسر واعظ ‪ ،‬نصر السنة يف خراسان ‪ ،‬ولقبـ بشيخ اإلسالم ‪ ،‬تويف سنة‬
‫‪ 449‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات الشافعية ‪ ، 4/271‬وسري أعالم النبالء ‪. 18/40‬‬
‫(‪ )3‬عقيدة السلف أصحاب احلديث ص ‪.93‬‬
‫‪127‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َّكَ‬
‫ِن‬ ‫َا إ‬ ‫بن‬‫ََّ‬ ‫‪3‬وا ر‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫لذ‬‫ِـالًّ ِّلَّ‬ ‫َا غ‬ ‫ِن‬‫ُوب‬ ‫ُل‬‫ِي ق‬‫ْف‬‫َ‪3‬ل‬ ‫ْع‬‫تج‬ ‫َال َ‬ ‫‪3‬انِ و‬
‫َ‪3‬‬‫ِيم‬
‫ِاإل‬
‫ب‬
‫ٌ} [احلش ــر‪ ،‬آية ‪ ،]10‬وطاعة النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم يف قول ــه‪ " :‬ال تس ــبوا أص ــحايب فوال ــذي‬
‫َّحِيم‬
‫ٌر‬ ‫ُوف‬‫َؤ‬
‫ر‬
‫نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم وال نصيفهـ (‪ " )4‬ويقبلــون ما جــاء به الكتــاب والســنة‬
‫واإلمجاع من فضائلهم ومراتبهم‪" )5(.‬‬
‫مث قال‪ " - :‬وميسكون عما شجر بني الصـحابة ويقولـونـ إن هـذه اآلثـار املروية يف مسـاويهم‪ ،‬منها ما هو كـذب‪،‬‬
‫ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغري عن وجهــه‪ ،‬والصــحيح منه هم فيه معــذرون‪ ،‬إما جمتهــدون مصــيبون‪،‬ـ وإما جمتهــدون‬
‫خمطئون‪" )6( .‬‬
‫‪-‬إىل أن قال – " مث إن القدر الـذي ينكر من فعل بعضـهم قليل نـزر مغفـور يف جنب فضـائل القـوم وحماسـنهم من‬
‫اإلميان باهلل ورســوله واجلهــاد يف ســبيله واهلجــرة والنصــرة والعلم النــافع والعمل الصــاحل‪ ،‬ومن نظر يف ســرية القــوم بعلم‬
‫وبصريةـ وما‬
‫صـ‪409‬‬
‫من اهلل عليهم به من الفضائل علم يقيناً أهنم خري اخللق بعد األنبياء‪ ،‬ال كـان وال يكـونـ مثلهم‪ ،‬وأهنم الصـفوةـ من‬
‫قرون هذه األمة اليت هي خري األمم وأكرمها على اهلل‪" )7(.‬‬
‫وهبذا يعلم عظم منزلة الص ــحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وأنه ال يع ــدهلا ش ــيء‪ ،‬وأن حبهم طاعة وإميان وبغض ــهم معص ــيةـ‬
‫ونفــاق‪ ،‬وأن من أصــول أهل الســنة ســالمة قلــوهبم وألســنتهم ألصــحاب رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬ويف املقابل‬
‫فإن بغض الصحابة أو سبهم من صفات املبتدعةـ كما هو ظاهر – مثالً – عند الرافضة واخلوارج‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإذا تق ـ ــرر واجبنا جتاه ص ـ ــحابة رس ـ ــول اهلل ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪ ،‬فإننا ننتقل إىل احلديث عن حكم سب‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫وابتداءـ نذكر مبعىن السب‪ ،‬فهو الشتم وكل كالم قبيح يوجب اإلهانةـ والتنقصـ واالستخفاف‪" )1(.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واختلف العلماء فيمن سب الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وهل يكفر بذلك؟‬

‫(‪ )4‬سبق خترجيه ص ‪. 406‬‬


‫(‪ )5‬شرح العقيدة الواسطية حملمد خليل هراس ص ‪. 158 , 157‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق ص ‪. 164‬‬
‫(‪ )7‬املرجع السابق ص ‪. 167‬‬
‫(‪ )1‬انظر مسألة سب اهلل تعاىل يف املبحث من الفصل األول يف الباب األول ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬الشفا للقاضي عياض ‪ ، 1114 – 2/1108‬والصارم املسلول ص ‪ ، 587 – 567‬وصحابة رسول اهلل لعيادة الكبيسي ص ‪– 334‬‬
‫‪. 346‬‬
‫‪128‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وذلك أن سب الص ــحابة ليس على مرتبة واح ــدة‪ ،‬بل له م ــراتب متفاوت ــة‪،‬ـ ف ــإن سب الص ــحابة أن ــواع ودرك ــات‪،‬‬
‫فمنها سب يطعن يف عــدالتهم‪ ،‬ومنها سب ال يــوجب الطعن يف عــدالتهم‪ ،‬وقد يكــونـ السب جلميعهم‪ ،‬وأكــثرهم وقد‬
‫يكونـ لبعضهم‪ ،‬وهناك سب ملن تواترت النصوصـ بفضله‪ ،‬ومنهم دون ذلك‪.‬‬
‫وسنورد مجلة من أنواعـ سب الصحابة رضي اهلل عنهم مما يعد ناقضاً من نواقض اإلميان على النحو التايل‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬إن ك ــان مس ــتحالً لسب الص ــحابة رضي اهلل عنهم فهو ك ــافر (‪ ،)3‬فمن املعل ــوم أن مجيع الص ــحابة رضي اهلل‬
‫عنهم ع ــدول‪ ،‬وقد أمجع العلم ــاء على ع ــدالتهم‪ ،‬ملا ج ــاء يف الكت ــاب والس ــنة من الثن ــاء احلسن عليهم‪ ،‬املدح هلم ونقل‬
‫هذا اإلمجاع‬
‫صـ‪410‬‬
‫مجع كثري من العلماء‪ ،‬منهم النووي حيث يقول‪-:‬‬
‫" وكلهـ ـ ـم عـ ــدول رضي اهلل عنهم‪ ،‬ومتـ ــأولون يف حـ ــروهبم وغريهـ ــا‪ ،‬ومل خيرج ش ـ ــيء من ذلك أحـ ــداً منهم عن‬
‫العدالة …‬
‫‪-‬إىل أن ق ــال – وهلذا اتفق أهل احلق ومن يعتد به يف اإلمجاع على قب ــول ش ــهاداهتم ورواي ــاهتم‪ ،‬وكمــال عــدالتهم‬
‫رضي اهلل عنهم أمجعني‪" )4(.‬‬
‫ويقول ابن الصالح (‪ )5‬يف مقدمته‪ " - :‬للصـحابة بأســرهم خصيصــة‪ ،‬وهي أنه ال يســأل عن عدالة أحد منهم‪ ،‬بل‬
‫ذلك أم ـ ـر مف ــروغ من ــه‪ ،‬لك ــوهنم على اإلطالق مع ــدلني بنص ــوصـ الكت ــاب والس ــنة وإمجاع من يعتد به يف اإلمجاع من‬
‫األمة‪.‬‬
‫‪-‬إىل أن ق ــال – مث إن األمة جممعة على تع ــديل مجيع الص ــحابة‪ ،‬ومن البس الفنت منهم فك ــذلك‪ ،‬بإمجاع العلم ــاء‬
‫ال ــذين يعتد هبم يف اإلمجاع‪ ،‬إحس ــاناً للظن هبم‪ ،‬نظ ــراً إىل ما متهد هلم من املآثر وك ــأنـ اهلل س ــبحانه أت ــاح اإلمجاع على‬
‫ذلك‪ ،‬لكوهنم نقلة الشريعة واهلل أعلم‪" )1(.‬‬

‫(‪ )3‬انظر الصارم املسلول البن تيمية ص ‪. 571 ، 569‬‬


‫(‪ )4‬صحيح مسلمـ بشرح النووي ‪. 15/149‬‬
‫(‪ )5‬أبو عنمر عثمان بن صـالح الدين بن عبد الرمحن الكردي الشهرزوريـ الشافعي ‪ ،‬إمام ‪ ،‬حمدث ‪ ،‬درس وأفىت ‪ ،‬صاحب هيبة ووقار ‪ ،‬أتقن علوماً‬
‫كثرية ‪ ،‬تويف سنة ‪ 643‬هـ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات الشافعة ‪ ، 8/326‬وسري أعالم النبالء ‪. 23/140‬‬
‫(‪ )1‬مقدمةـ ابن الصالح ص ‪. 428 ، 427‬‬
‫‪129‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقــول ابن كثــري‪ " - :‬والصــحابة كلهم عــدول عند أهل الســنة واجلماعة ملا أثىن اهلل عليهم يف كتابه العزيــز‪ ،‬ومبا‬
‫نطقت به السنة النبويةـ يف املدح هلم يف مجيع أخالقهم وأفعـاهلم‪ ،‬وما بـذلوه من األمـوال واألرواح بني يـدي رسـول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬رغبة فيما عند اهلل من الثوابـ اجلزيل‪ ،‬واجلزاء اجلميل‪" )2(.‬‬
‫وقد تقـ ــرر أن سب أصـ ــحاب رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم حـ ــرام بالكتـ ــاب والسـ ــنة‪ ،‬قـ ــال تعـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫َال‬
‫ًا} [احلجرات‪ ،‬آية ‪.]12‬‬ ‫ْض‬ ‫بع‬ ‫ُم َ‬‫ُك‬
‫ْض‬ ‫بع‬‫َب َّ‬ ‫ْت‬‫يغ‬
‫َ‬
‫قال ابن تيمية‪ " - :‬وأدىن أحوال الساب هلم أن يكونـ مغتاباً‪" )3(.‬‬
‫ْ} [آل عمران‪ ،‬آية ‪.]119‬‬ ‫ْ َلُ‬
‫هم‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬ ‫َغ‬‫َاسْت‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫َن‬‫ُع‬ ‫ْف‬
‫َاع‬ ‫وقال عز وجل‪{ - :‬ف‬
‫صـ‪411‬‬
‫قــال ابن تيميــة‪ " - :‬وحمبة الشــيء كراهتهـ لضــده‪ ،‬فيكــونـ اهلل يكــره السب هلم الــذي هو ضد االســتغفار‪،‬ـ والبغض‬
‫(‪)4‬‬
‫"‬ ‫هلم الذي هو ضد الطهارة‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسـلم‪ " - :‬من سـب أصـحايب فعليه لعنة اهلل‬
‫واملالئكة والناس أمجعني‪" )5(.‬‬
‫فسب الصــحابة كبــرية من كبــائر الــذنوب‪ ،‬ملا تــرتب عليه من الوعيد باللعنة (‪ ،)6‬واســتحالل ســبهم إنكــار ملا علم‬
‫حترميه من الدين بالضرورة‪ ،‬ومن مث فهو خروج عن امللة‪" )7(.‬‬
‫ولذا يقول الشيخ حممد بن عبد الوهاب‪-:‬‬
‫" فــإذا عــرفت أن آيــات القــرآن تكــاثرت يف فضــلهم واألحــاديث املتــواترةـ مبجموعها ناصة على كمــاهلم … فمن‬
‫اعتقد حقية س ــبهم وإباحت ــه‪ ،‬أو س ــبهم مع اعتق ــاد حقية س ــبهم‪ ،‬أو حليته فقد كفر باهلل تع ــاىل ورس ــوله فيما أخرب من‬
‫فضائلهم …‬
‫‪ -‬إىل أن قــال – فــإن اعتقد حقية ســبه أو إباحته فقد كفر‪ ،‬لتكذيبه ما ثبت قطع ـاً عن رســول اهلل صــلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومكذبه كافر‪" )8(.‬‬
‫(‪ )2‬الباعث احلثيث ص ‪. 205‬‬
‫(‪ )3‬الصارمـ املسلول ص ‪. 571‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق ص ‪. 574‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطرباين يف الكبري (‪ ، )12/142‬وابن أيب عاصم يف السنة (‪ )2/483‬وأبو نعيم يف احللية " (‪ )7/103‬وحسنه األلباين يف (الصحيحة) (‬
‫‪. )2340‬‬
‫(‪ )6‬انظر تعريف الكبرية يف شرح العقيدة الطحاوية ‪ ، 2/526‬وجمموع فتاوى ابن تيمية ‪. 11/650‬‬
‫(‪ )7‬انظر يف هذه الرسالة ‪ - :‬الفصل الرابع من الباب األول ‪" :‬إنكار حكم معلومـ من الدين بالضرورةـ "‬
‫(‪ )8‬الرد على الرافضة ص ‪. 19 ،18‬‬
‫‪130‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ب) ومما يناقض اإلميان‪ - :‬أن يسب مجيع الصحابة‪ ،‬أو مجهورهم ســباً يقــدح يف دينهم وعــدالتهم‪ ،‬كــأن يــرميهم‬
‫بالكفر‪ ،‬أو الفسق‪ ،‬أو الضالل‪ ،‬وبيانـ ذلك من خالل النقول اآلتية‪-:‬‬
‫يقول القاضي عياض‪ " - :‬وكذلك نقطع بتكفري كل قائل قوالً يتوصل به إىل‬
‫صـ‪412‬‬
‫تض ــليل األمة وتكفري مجيع الصـ ــحابة‪ ،‬كقـ ــول الكميلية (‪ )1‬من الرافضة بتكفري مجيع األمة بعد النيب ص ــلى اهلل عليه‬
‫وســلم … ألهنم أبطلــوا الشــريعة بأســرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القــرآن‪ ،‬إذ نــاقلوه كفــرة على زعمهم‪ ،‬وإىل هــذا –‬
‫واهلل أعلم – أشار مالك يف أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة‪" )2(.‬‬
‫ويقول ابن تيمية‪ " - :‬وأما من جاوز ذلك إىل أن زعم أهنم ارتدوا بعد رسول اهلل عليه الصــالةـ والســالم إال نفــراً‬
‫قليالً ال يبلغون بضعة عشر نفساً‪ ،‬أو أهنم فسقوا عامتهم‪ ،‬فهذا ال ريب يف كفره؛ ألنه مكــذب ملا نصه القــرآن يف غري‬
‫موضــع‪ :‬من الرضى والثنــاء عليهم‪ ،‬بل من يشك يف كفر مثل هــذا فــإن كفــره متعني‪ ،‬فـإن مضـمون هــذه املقالة أن نقلة‬
‫َّاس} [آل عمـران‪ ،‬آية ‪،]110‬‬ ‫ت لِلن ِ‬ ‫الكتـاب والســنة كفـار أو فسـاق‪ ،‬وأن هــذه اآلية اليت هي { ُكنتُ ْم َخْي َـر أ َُّم ٍة أ ْـ‬
‫ُخ ِر َج ْ‬
‫وخريها هو القــرن األول‪ ،‬كــان عــامتهم كفــاراً أو فسـاقاً‪ ،‬ومضــموهنا أن هــذه األمة شر األمم‪ ،‬وأن ســابقي هــذه األمة‬
‫هم شرارها‪ ،‬وكفر هذا مما يعلم باالضطرار من دين اإلسالم‪" )3(.‬‬
‫ويقـول السـبكي‪ " - :‬إن سب اجلميع ال شك أنه كفر … وعلى هـذا ينبغي أن حيمل قـول الطحـاوي‪ :‬وبغضـهم‬
‫كفر‪ ،‬فإن بغض الصحابة جبملتهم ال شك أنه كفر‪" )4( .‬‬
‫ويقــول ابن كثــري‪ " - :‬ومن ظن بالصــحابة رضــوان اهلل عليهم ذلك [أي كتمــان الوصــية لعلي باخلالفة …] فقد‬
‫نســبهم بــأمجعهم إىل الفجــور والتواطؤـ على معانــدة‪ ،‬رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم ومضــادته يف حكمه ونصــه‪ ،‬ومن‬
‫وصل من النــاس إىل هــذا املقــامـ فقد خلع ربقة اإلســالم‪ ،‬وكفر بإمجاع األئمة األعالم‪،‬ـ وكــان إراقة دمه أحل من إراقة‬
‫املدام …(‪" )5‬‬
‫صـ‪413‬‬

‫(‪ )1‬الكميلية ‪ :‬ولعلهاـ الكاملية ‪ ،‬وهم أصحاب أيب كامل ‪ ،‬وهم فرقة من غالية الشيعة ‪ ،‬أكفروا مجيع الصحابة ‪ ،‬وقالوا بالتناسخ واحللول ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬امللل والنحل ‪ ، 1/174‬واعتقادات فرق املسلمني ص ‪. 60‬‬
‫(‪ )2‬الشفا ‪ = 2/1072‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصارمـ املسلول ص ‪. 587 ، 586‬‬
‫(‪ )4‬فتاوى السبكي ‪. 2/575‬‬
‫(‪ )5‬البداية والنهاية ‪. 5/252‬‬
‫‪131‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقـ ـ ــول ابن حجر اهليتمي‪ " - :‬إن تكفري مجيع الصـ ـ ــحابة كفـ ـ ــر؛ ألنه صـ ـ ــريح يف إنكـ ـ ــار مجيع فـ ـ ــروع الشـ ـ ــريعة‬
‫الضرورية فضالً عن غريها …(‪" )6‬‬
‫وي ــذكر الش ــيخ حممد بن عبد الوه ــاب أن الق ــول بارت ــداد الص ــحابة ع ــدا مخسة أو س ــتة نفر ه ــو‪ " :‬ه ــدم ألس ــاس‬
‫الــدين؛ ألن أساسه القــرآن واحلديث‪ ،‬فــإذا فــرض ارتــداد من أخذ من النيب صــلى اهلل عليه وســلم إال النفر الــذين ال يبلغ‬
‫خربهم التواتر‪ ،‬وقع الشك يف القرآن واألحاديث‪" )1(.‬‬
‫ويق ــول أيضـ ـاً‪ :- :‬ومن نسب مجه ــور أص ــحابه ص ــلى اهلل عليه وس ــلم إىل الفسق والظلم‪ ،‬وجعل اجتم ــاعهم على‬
‫الباطل فقد أزرى بالنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وازدراؤه كفر‪" )2(.‬‬
‫ويقول حممد العريب بن التباين املغريب (‪-:)3‬‬
‫" كيف ي ــؤمن بنص ــوصـ الق ــرآن من يكـ ــذب بوعـ ــده تع ــاىل هلم باحلس ــىن‪ ،‬وبإعـ ــداده هلم املن ــازل الرفيعة يف اجلن ــة‪،‬‬
‫وبرضــاه عنهم بزعمه أهنم قد كفــروا وارتــدوا عن اإلســالم‪ ،‬فعقيــدة هــذه الطائفة [يعين الرافضة] يف جل ســادات هــذه‬
‫األمة ال خترج عن أمرين‪ - :‬إما نسبة اجلهل إليه تعاىل‪ ،‬أو العبث يف هذه النصوص اليت أثىن هبا على الصحابة رضــوانـ‬
‫اهلل عليهم‪ ،‬تق ــدس ربنا وتع ــاىل عن ذلك عل ــواً كب ــرياً … وال خالف بني كل من ي ــؤمن ب ــالقرآن وله عقل س ــليم أن‬
‫نسبة اجلهل أو العبثـ إليه تعاىل كفر بواح‪" )4(.‬‬
‫وميكن أن نلحق هبذا النــوعـ من السب – وإن كــان أشــنع مما ســبق – فيما لو سب الصــحابة رضي اهلل عنهم من‬
‫أجل صحبتهم ونصرهتم لدين تعاىل‪ ،‬ولو كان‬
‫صـ‪414‬‬
‫واحداً‪ ،..‬وإليك ما يبني ذلك من كالم أهل العلم‪.‬‬
‫يقــول ابن حــزم‪ " - :‬ومن أبغض األنصــار ألجل نصــرهتم للنيب صــلى اهلل عليه وســلم فهو كــافر؛ ألنه وجد احلرج‬
‫يف نفسه مما قضى اهلل تعــاىل ورســوله صــلى اهلل عليه وســلم من إظهــار اإلميان بأيــديهم‪ ،‬ومن عــادى عليـاً ملثل ذلك فهو‬
‫أيضاً كافر‪" )5(.‬‬
‫(‪ )6‬اإلعالم ص ‪. 380‬‬
‫(‪ )1‬الرد على الرافضة ص ‪. 13‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ص ‪ 8‬وانظر ص ‪. 17‬‬
‫(‪ )3‬أبو عبد اهلل حممد العريب التباين اجلزائري مث املكي‪ ،‬عامل معاصر ‪ ،‬أصويل ‪ ،‬مفسر ‪ ،‬حمدث ‪ ،‬مؤرخ ‪ ،‬درس يف احلرم املكي ‪ ،‬وكذا يف مدرسة‬
‫الفالح مبكة ‪ ،‬له مؤلفات مجة‪ ،‬كان حياً عام ‪ 1374‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬مقدمة كتابه حتذير العبقري من حماضرات اخلضري (‪. )1/9‬‬
‫(‪ )4‬إحتاف ذوي النجابة ص ‪. 75‬‬
‫(‪ )5‬الفصل ‪. 3/300‬‬
‫‪132‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويق ـ ـ ـول السـ ـ ـ ــبكي‪ " - :‬إن سب اجلميع بال شك أنه كفـ ـ ـ ــر‪ ،‬وهكـ ـ ـ ــذا إذا سب واحـ ـ ـ ــداً من الصـ ـ ــحابة حيث هو‬
‫صحايب؛ ألن ذلك استخفاف حبق الصحبة‪ ،‬ففيه تعرض إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فال شك يف كفر الساب‪.‬‬
‫‪-‬إىل أن قــال – وال شك أنه لو أبغض واحــداً منهما (أي الشــيخني أيب بكر وعمــر) ألجل صــحبته فهو كفــر‪ ،‬بل‬
‫(‪)6‬‬
‫من دوهنما يف الصحبة‪ ،‬إذا أبغضه لصحبته كان كافراً قطعاً‪.‬‬
‫ومما أورده احلافظ ابن حجر عند ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحه حلديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه مرفوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ " - :‬آية اإلميان حب‬
‫األنصار وآية النفاق بغض األنصار " (‪ )1‬حيث قال رمحه اهلل‪ " - :‬فمن أبغضــهم من جهة هــذه الصــفة – وهي كــوهنم‬
‫نص ــروا رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم ‪ -‬أثر ذلك يف تص ــديقه‪ ،‬فيصح أنه من ــافق‪ ،‬ويق ــرب ه ــذا زي ــادة أيب نعيم يف‬
‫املســتخرج يف حدي ـث الــرباء بن عــازب‪ " - :‬من أحب األنصــار فبحيب أحبهم‪ ،‬ومن أبغض األنصــار فببغضي أبغضــهم‬
‫(‪ ،" )2‬وقد أخرج مسلـم من حديث أيب سعيد رفعه‪ " - :‬ال يبغـض األنصار رجل يؤم باهلل واليوم اآلخر " (‪" )4( ،)3‬‬
‫صـ‪415‬‬
‫ويوضح العيين (‪ )5‬ه ــذا املعىن فيق ــول‪ " - :‬املقص ــود من احلديث احلث على حب األنص ــار وبي ــان فض ــلهم ملا ك ــان‬
‫منهم من إعــزاز الــدين‪ ،‬وبــذل األمــوال واألنفس واإليثــار على أنفســهم واإليــواء والنصــرة‪ ،‬وغري ذلــك‪ ،‬وهــذا جــار يف‬
‫أعي ــانـ الص ــحابة كاخللف ــاء وبقية العش ــرة‪ ،‬وامله ــاجرين‪ ،‬بل يف كل الص ــحابة‪ ،‬إذ كل منهم له س ــابقة وس ــالفة وغن ــاء يف‬
‫الدين وأثر حسن فيه‪ ،‬فحبهم لذلك املعىن حمض اإلميان‪ ،‬وبغضهم حمض النفاق‪" )6(.‬‬
‫ويقـ ــول الصـ ــاوي‪ " - :‬وأما من كفر مجيع الصـ ــحابة فإنه يكفر باتفـ ــاق‪ ،‬كما يف الشـ ــامل؛ ألنه أنكر معلوم ـ ـاً من‬
‫الدين بالضرورة‪ ،‬وكذب اهلل ورسوله‪" )7(.‬‬

‫(‪ )6‬فتاوى السبكي ‪. 2/575‬‬


‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/62‬ح (‪ ، )17‬ومسلم ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/85‬ح (‪. )74‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد يف فضائل الصحابة ح(‪ ، )1411‬والنسائي في فضائل الصحابة ح (‪ ، )225‬وقال اهليثمي يف اجملمع (‪ " : )10/39‬رواه الطرباين‬
‫ورجاله رجال الصحيح ‪ ،‬غري أمحد بن حامت وهو ثقة " انظر "الصحيحة " لأللباين ح (‪. )991‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/86‬ح (‪ ، )77‬وأمحد (‪. )2/419‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري ‪. 1/62‬‬
‫(‪ )5‬بدر الدين حممود بن أمحد بن موسى العيين احلليب مث القاهري احلنفي ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬حمدث مفسر ‪ ،‬لغوي ‪ ،‬أجاد علوماً مجة ‪ ،‬له رحالت ومؤلفات ‪،‬‬
‫ويل التدريس واحلسبة والقضاء يف مصر ‪ ،‬تويف بالقاهرة سنة ‪ 855‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ - :‬شذرات الذهب ‪ ، 7/286‬البدر الطالع ‪. 2/294‬‬
‫(‪ )6‬عمدة القارئ ‪ 1/173‬وانظر ‪ :‬الصارمـ املسلول البن تيمية ص ‪. 581‬‬
‫(‪ )7‬الشرح الصغري للدردير حباشية الصاوي ‪ ، 6/160‬وانظر الرد على الرافضة حملمد بن عبد الوهاب ص ‪. 19‬‬
‫‪133‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(ج) من أنــواع سب الصــحابة الــذي ينــاقض اإلميان‪ " - :‬أن يسب صــحابياً تــواترت النصــوصـ بفضــله‪ ،‬فيطعن يف‬
‫دينه وعدالته‪ ،‬وذلك ملا فيه من تكذيب هلذه النصوصـ املتواترة‪،‬ـ واإلنكار واملخالفة حلكم معلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫وإليك مجلة من كالم أهل العلم يف تقرير ذلك‪- :‬‬
‫قــال مالك (‪ )8‬رمحه اهلل‪ " - :‬من شــتم أحــداً من أصــحاب حممد صــلى اهلل عليه وســلم أبا بكر أو عمر أو عثمــان‬
‫(‪)8‬‬
‫أو معاوية أو عمرو بن العاص‪ ،‬فإن قال كانوا على ضالل وكفر قتل‪.‬‬
‫صـ‪416‬‬
‫" وســئل اإلمــام أمحد عمن يشــتم أبا بكر وعمر وعائشــة‪ ،‬فقــال‪ :‬ما أراه على اإلســالم‪ ،‬وســئل عمن يشــتم عثمــان‪،‬‬
‫فقال رمحه اهلل‪ - :‬هذه زندقة‪" )1(.‬‬
‫" وقال حممد بن يوسف الفريايب (‪ )2‬وسئل عمن شتم أبا بكر‪ ،‬فقال‪ :‬كافر‪ ،‬قيل‪ :‬فيصلي عليــه؟ قــال‪ :‬ال‪ ،‬وســأله‪:‬‬
‫كيف يصـنع به وهـو يقول ال إله إال اهلل؟ قال‪ :‬ال متسوه بأيديكم‪ ،‬ادفعوه باخلشب حىت تواروه يف حفرته‪" )3(.‬‬
‫وج ــاء يف الفت ــاوى البزازي ــة‪ " - :‬ومن أنكر خالفة أيب بكر فهو ك ــافر يف الص ــحيح‪ ،‬ومنكر خالفة عمر رضي اهلل‬
‫عنه فهو كافر يف األصح‪ ،‬وجيب إكفار اخلوارج بإكفار عثمان وعلي وطلحة والزبري وعائشة رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫ويف اخلالصة‪ :‬الرافضي إذا كان يسب الشيخني ويلعنهما فهو كافر‪" )4(.‬‬
‫وقــال اخلرشــي‪ " -:‬إن رمى عائشة مبا برأها اهلل منه بــأنـ قــال زنت‪ ،‬أو أنكر صــحبة أيب بكر أو إســالم العشــرة أو‬
‫إسالم مجيع الصحابة‪ ،‬أو كفر األربعة‪ ،‬أو واحداً منهم كفر‪" )5(.‬‬

‫(‪ )8‬أبو عبد اهلل مالك بن أنس األصبحي ‪ ،‬إمام دار اهلجرة ‪ ،‬وأحد األئمة األربعة ‪ ،‬كان صلباً يف دينه ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف يف املدينة املنورة سنة‬
‫‪ 179‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الديباج املذهب ‪ ،1/82‬سري أعالم النبالء ‪.8/48‬‬
‫(‪ )8‬الشفا ‪. 2/1107‬‬
‫(‪ )1‬املسائل املروية عن اإلمام أمحد يف العقيدة لألمحدي ‪ ، 363 ، 2/358‬وانظر السنة للخالل ص ‪. 493‬‬
‫(‪ )2‬أبو عبد اهلل حممد بن يوسف بن واقد الفريايب ‪ ،‬إمام حافظ ‪ ،‬عابد ‪ ،‬من أكرب شيوخ البخاري ‪ ،‬وثقة مجهور احملدثني ‪ ،‬له ردود على املبتدعة ‪،‬‬
‫مات سنة ‪ 212‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 10/114‬وهتذيب التهذيب ‪. 9/335‬‬
‫(‪ )3‬السنة للخالل ص ‪. 499‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى البزازية (هبامش الفتاوى اهلندية) ‪ 6/318‬وانظر البحر الرايق البن جنيم ‪. 5/131‬‬
‫(‪ )5‬اخلرشي على خمتصر خليل ‪ ، 7/74‬وعلل العدوي ذلك يف حاشيته على اخلرشي (‪" : )7/74‬ألن إسالم الصحابة صار معلوماً من دين اهلل‬
‫بالضرورةـ ‪" .‬‬
‫‪134‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويق ــول الس ــبكي‪ " - :‬احتج املكف ــرون للش ــيعة واخلوارج بتكف ــريهم ألعالم الص ــحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وتك ــذيب‬
‫النيب صــلى اهلل عليه وســلم يف قطعه هلم باجلنــة‪ ،‬وهــذا عنــدي احتجــاج صــحيح فيمن ثبت عليه تكفري أولئــك‪ ،‬وأجــاب‬
‫اآلم ــدي بأن ـ ـه إمنا يلـ ــزم أن لو كـ ــان المكفر يعلم بتزكية من كفـ ــره قطع ـ ـاً على اإلطالق إىل مماته بقوله ص ــلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ - :‬أبو بكر يف اجلنة‪ ،‬وعمر يف اجلنة‪ ،‬وعثمان‬
‫صـ‪417‬‬
‫يف اجلنة‪ ،‬وعلي يف اجلنة(‪ )6‬إىل آخرهم‪ ،‬وإن كــان هــذا اخلرب ليس متــواتراً لكنـه مشــهود مســتفيض‪ ،‬وعضــده إمجاع‬
‫األمة على إمـ ــامتهم وعلو قـ ــدرهم وتـ ــواتر منـ ــاقبهم أعظم التـ ــواتر الـ ــذي يفيد تـ ــزكيتهم فبـ ــذلك نقطع بـ ــتزكيتهم على‬
‫اإلطالقـ إىل مماهتم ال خيتلجنا شك يف ذلك‪" )7(.‬‬
‫ويقول أيضاً‪ " - :‬وأما الرافضي فإنه يبغضـ أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما ملا استقر يف ذهنه جبهله وما نشأ عليه‬
‫من الفس ــاد عن اعتق ــاد ظلمهما لعلي‪ ،‬وليس ك ــذلك وال علي يعتقد ذل ــك‪ ،‬فاعتق ــاد الرافضي ذلك يع ــود على ال ــدين‬
‫بنقض؛ـ ألن أبا بكر وعمر مها أصل بعد النيب صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬فهــذا مأخذ التكفري ببغضـ الرافضة هلمــا‪ ،‬وســبهم‬
‫هلما‪" )1(.‬‬
‫ويقول يف موضع ثالث‪ " -:‬وحترمي سب الصديق رضي عنه معلوم من الدين بالضرورة بالنقل املتــواتر على حسن‬
‫إسالمه‪ ،‬وأفعاله الدالة على إميانه وأنه دام على ذلك إىل أن قبضه اهلل تعاىل هذا ال شك فيه‪" )2(.‬‬
‫وهذه املسألة فيها خالف‪ ،‬فهناك من ال يعد هذا السب كفراً‪ ،‬بل جيعله فسقاً‪ ،‬يوجب التأديب والتعزير‪.‬‬
‫وال شك أن هــذا السب فسق باالتفــاق‪ ،‬بل إن القــائلني بعــدم تكفري من سب الصــحابة جممعــون على ذلــك‪ ،‬كما‬
‫قال السبكي‪-:‬ـ‬
‫(‪)3‬‬
‫" وأمجع القائلونـ بعدم تكفري من سب الصحابة أهنم فساق‪.‬‬
‫ويذكر ابن تيمية أن أقل ما يفعل بشـامت الصـحابة‪ :‬التعزير ويعلل ذلك بقولـه‪ " - :‬ألنه [أي التعزير] [مشـروع يف‬
‫كل معصيةـ ليس فيها حد وال كفارة‪ ،‬وقال صلى اهلل‬
‫صـ‪418‬‬

‫(‪ )6‬أخرجه الرتمـذي ح (‪ ، )3757( ، )3748‬وقال الرتمذي ‪ " :‬حسن صحيح " ‪ ،‬وأمحد (‪ ، )1/193‬والنسائي يف فضائل الصحابة ‪ ،‬ح(‪، )91‬‬
‫وابن أيب عاصم يف السنة " (‪ )2/618‬وصححه األلباين يف اجلامع الصغري ح (‪. )3905‬‬
‫(‪ )7‬فتاوى السبكي ‪. 2/569‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق ‪. 2/576‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪ ، 2/587‬وانظر ‪ 2/589 :‬وانظر اإلعالم للهيتمي ص ‪. 380 ، 363 ، 352‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪. 2/580‬‬
‫‪135‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫عليه وســلم‪ " -:‬انظر أخــاك ظاملاً أو مظلوم ـاً "(‪ )4‬وهــذا مما ال يعلم فيه خالف ـاً بني أهل الفقه والعلم من أصــحاب‬
‫رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم والتــابعني هلم بإحســان‪ ،‬وســائر أهل الســنة واجلماعــة‪ ،‬فــإهنم جممعــون على أن الــواجب‬
‫الثن ــاء عليهم‪ ،‬واالسـ ــتغفار هلم‪ ،‬والـ ــرتحم عليهم والرتضي عنهم‪ ،‬واعتقـ ــاد حمبتهم‪ ،‬ومـ ــواالهتم‪ ،‬وعقوبة من أس ــاء فيهم‬
‫القول‪" )5(.‬‬
‫وإليك طرفاً من أقوال العلماء القائلني بعدم التكفري يف هذا السب‪.‬‬
‫س ــئل اإلم ــام أمحد بن حنبل رمحه اهلل عمن ش ــتم رجالً من أص ــحاب النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ ،‬فق ــال‪ :‬أرى أن‬
‫يضرب … وقال‪ :‬ما أراه إال على اإلسالم‪.‬ـ(‪" )6‬‬
‫ويقـ ــول القاضي عيـ ــاض‪ " - :‬قد اختلف العلمـ ــاء يف هـ ــذا‪ ،‬فمشـ ــهور مـ ــذهب مالك يف ذلك االجتهـ ــاد واألدب‬
‫املوجع‪ ،‬قال مالك رمحه اهلل‪ - :‬من شتم النيب صلى اهلل عليه وسلم قتل‪ ،‬ومن شتم أصحابه أدب‪.‬‬
‫وقال ابن حبيب (‪ " - : )1‬من غال من الشيعة إىل بغض عثمان والرباءةـ منه أدب أدباً شــديداً‪ ،‬ومن زاد إىل بغض‬
‫أيب بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد‪ ،‬ويكرر ضربه‪ ،‬ويطال سجنه حىت ميوت‪ ،‬وال يبلغ به القتل إال يف سب النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال سحنون (‪ - :)2‬من كفر أحداً من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫صـ‪419‬‬
‫علياً أو عثمان أو غريمها‪ ،‬يوجع ضرباً‪" )3(.‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك املظامل (‪ )5/98‬ح (‪ ، )2443‬وأمحد (‪)3/99‬‬


‫(‪ )5‬الصارمـ املسلول ص ‪. 578‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬املسائل املروية عن اإلمام أمحد ‪ ،‬لألمحدي ‪ ، 2/363‬وانظر اإلنصاف للمرداوي ‪. 324 ، 10/323‬‬
‫(‪ )1‬أبو مروان عبد امللك بن حبيب السلمي األندلسي املالكي ‪ ،‬من أوائل فقهاء املالكية ‪ ،‬كان موصوفاً باحلذق يف الفقه ‪ ،‬له مؤلفات كثرية ‪ ،‬توىل‬
‫الفتيا يف قرطبة ‪ ،‬مات سنة ‪ 238‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الديباج املذهب ‪ ، 2/8‬سري أعالم النبالء ‪. 12/102‬‬
‫(‪ )2‬أبو سعيد عبد السالم بن حبيب التنوخي القريواين املالكي ‪ ،‬بـرع يف الفقه ‪ ،‬وتفقه به عدد كثري صاحـب ورع وكرم ‪ ،‬توىل القضاء ‪ ،‬تويف‬
‫القضاء ‪ ،‬تويف سنة ‪240‬هـ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الديباج املذهب ‪ ، 2/30‬وسري أعالم النبالء ‪. 12/63‬‬
‫(‪ )3‬الشفا ‪ ، 2/1108‬وانظر ‪ :‬الشرح الصغري للدردير ‪ ، 6/160‬واخلرشي عل ـى خمتصر خليل ‪ ، 7/74‬وفتح العلي املالك لعليش ‪ ، 2/286‬وبلغة‬
‫السالك ألقرب املسالك ‪. 2/420‬‬
‫‪136‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقــال الســبكي‪:‬ـ ‪ " -‬وأما أصــحابنا [الشــافعية] [فقد قــال القاضي حسني (‪ )4‬يف تعليقه يف بــاب اختالف نية اإلمــام‬
‫واملأموم‪ - :‬من سب النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم يكفر ب ــذلك‪ ،‬ومن سب ص ــحابياً فس ــق‪ ،‬وأما من سب الش ــيخني أو‬
‫اخلتنني (‪ )5‬ففيه وجهان‪ ،‬أحدمها يكفر؛ ألن األمة اجتمعت على إمامتهم‪ ،‬والثاين يفسق وال يكفر‪" )6(.‬‬
‫ويقول الرملي‪ " - :‬وال يكفر بسب الشيخني أو احلسن واحلسني إال يف وجه حكاه القاضي {حسني}‪" )7(.‬‬
‫ويقــول ابن عابــدين‪ " - :‬نقل يف البزازية عن اخلالصة أن الرافضي إذا كــان يسب الشــيخني ويلعنهما فهو كــافر‪،‬‬
‫وإن كان يفضل علياً عليهما فهو مبتدع‪.‬أ‪ .‬هـ‬
‫على أن احلكم عليه بــالكفر مشــكل‪ ،‬ملا يف االختيــار‪ :‬اتفق األئمة على تضــليل أهل البــدع أمجع وختطئتهم‪ ،‬وسب‬
‫أحد من الصحابة وبغضه ال يكونـ كفراً‪ ،‬ولكن يضلل … اخل‪.‬‬
‫وذكر يف فتح القـ ــدير أن اخلوارج الـ ــذين يسـ ــتحلون دمـ ــاء املسـ ــلمني وأمـ ــواهلم ويكفـ ــرون الصـ ــحابة حكمهم عند‬
‫مجهور الفقهاء وأهل احلديث حكم البغاة‪.‬‬
‫‪-‬إىل أن قال – فعلم أن ما ذكره يف اخلالصة من أنه كافر قول ضعيف خمالف للمتون والشروح …(‪" )8‬‬
‫صـ‪420‬‬
‫ومما يسـ ــتدل به القـ ــائلونـ بعـ ــدم كفر سـ ــاب الص ـ ــحابة رضي اهلل عنهم بـ ــأنـ مطلق السب لغري األنبيـ ــاءـ ال يسـ ــتلزم‬
‫الكفر؛ ألن بعض من كان على عهد النيب صـلى اهلل عليه وســلم كــان رمبا سب بعضـهم بعضـاً‪ ،‬ومل يكفر أحد بـذلك‬
‫(‪.)1‬‬
‫واجلواب عن استدالهلم أن يقال‪ :‬إن سب الصحابة نوعان‪ ،‬أحدمها سب يقدح يف دين الصحابة وعدالتهم‪ ،‬كأن‬
‫يــرمي صــحابياً بــالكفر مثالً ممن تــواترت النصــوصـ بفضــله‪ ،‬فهــذا من الكفــر‪ ،‬ملا يتضــمنه من تكــذيب لآليــات القرآنيــة‪،‬‬
‫واألحاديث الصحيحة الدالة على تزكيتهم وفضلهم‪ ،‬وألن هــذا السب إنكــار ملا هو معلــوم من الــدين بالضــرورة‪ ،‬ومن‬
‫ظن أن مثل هـ ــذا السب ال يعد كفـ ــراً‪ ،‬فقد خـ ــالف الكتـ ــاب والسـ ــنة واإلمجاع (‪ .)2‬واآلخر أن يسب ص ــحابياً – وإن‬

‫(‪ )4‬هو أبو علي احلسني بن حممد بن أمحد املروروذي الشافعي شيخ الشافعية يف زمانه ‪ ،‬كان غواصاً يف دقائق الفقه ‪،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة ‪462‬‬
‫‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات الشافعية ‪ ، 4/356‬شذرات الذهب ‪. 3/310‬‬
‫(‪ )5‬يعين عثمان وعلياً رضي اهلل عنهما ‪ ،‬ويف األصل املطبوع ‪ :‬احلسني ‪ ،‬والتصحيح من كتاب اإلعالم البن حجر ص ‪. 352‬‬
‫(‪ )6‬فتاوى السبكي ‪ ، 2/577‬وانظر فتح الباري ‪. 7/36‬‬
‫(‪ )7‬هناية احملتاج ‪ ، 7/426‬وانظر قليويب وعمرية ‪. 4/175‬‬
‫(‪ )8‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 4/237‬وانظر جمموعة رسائل ابن عابدين ‪. 345 – 1/342‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬الصارم املسلول ص ‪. 579‬‬
‫(‪ )2‬سيأيت إن شاء اهلل بيان أوجه كون سب الصحابة كفراً‬
‫‪137‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ك ــان ممن ت ــواترت النص ــوص بفض ــله – س ــباً ال يق ــدح يف إس ــالمه ودين ــه‪ ،‬مثل وص ــفه بالبخ ــل‪ ،‬أو اجلنب‪ ،‬أو قلة معرفة‬
‫(‪)3‬‬
‫بالسياسة وحنو ذلك‪ ،‬فهذا ال يعترب كفراً‪ ،‬ولكن يستحق فاعله التأديب والتعزير‪.‬‬
‫وكذا لو سب صحابياً مل يتواتر النقل بفضـله سـباً يطعن يف دينـه‪ ،‬فال يكفر هبذا السـب‪ ،‬لعـدم إنكـاره معلومـاً من‬
‫الدين بالضرورة (‪.)4‬‬
‫وال شك أن ما قد وقع بني بعض الصــحابة من ســبا ليس من النــوعـ األول‪ ،‬ويشــهد لــذلك أن حــديث أيب ســعيد‬
‫اخلدري رضي اهلل عنه حيث ق ــال‪ - :‬ك ــان بني خالد بن الوليد وبني عبد ال ــرمحن بن ع ــوف ش ــيء فس ــبه خال ــد‪ ،‬فق ــال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ال تسبواـ أحداً من أصحايب فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحــدهم‬
‫(‪)5‬‬
‫وال نصيفه‪.‬‬
‫فقد جاءت رواية توضح وتبني حقيقة هذا السب‪ ،‬فقد روى اإلمام أمحد بسنده إىل أنس بن مالك رضي اهلل عنه‬
‫قــال‪ - :‬كــان بني خالد بن الوليد وبني عبد الــرمحن بن عــوف كالم‪ ،‬فقــال خالد لعبد الــرمحن‪ :‬تســتطيلون علينا بأيــام‬
‫سبقتموناـ‬
‫صـ‪421‬‬
‫هبـا‪ ،‬فبلغنا أن ذلك ذكر للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقــال‪ - :‬دعــوا يل أصــحايب فوالــذي نفسي بيــده … احلديث‬
‫(‪" )6‬‬
‫وهبذا التفصــيل والتفريق بني نــوعي السب ميكن اجتمــاع القــولني‪ ،‬كما حيصل التوفيق بني األقــوال املختلفــة‪ ،‬فمثالً‬
‫الرواية الســابقة عن اإلمــام أمحد‪ :‬ما أراه إال على اإلســالمـ ميكن أن نضــمها إىل الرواية األخــرى عن اإلمــام أمحد حيث‬
‫قال‪ - :‬ما أراه على اإلسالم (‪")1‬‬
‫وقد ق ـ ــال القاضي أبو يعلى يف اجلمع بين تلك الرواي ـ ــتني املتعارض ـ ــتني عن اإلم ـ ــام أمحد "حيتمل أن قوله " ما أراه‬
‫على اإلســالمـ " إذا اســتحل ســبهم بأنه يكفر بال خالف‪ ،‬وحيمل إســقاط القتل على من مل يســتحل ذلــك‪ ،‬بل فعله مع‬
‫اعتقـ ــاده لتحرميه كمن يـ ــأيت املعاصـ ــي‪،‬ـ قـ ــال‪ :‬وحيتمل قوله " ما أراه على اإلسـ ــالمـ " على سب يطعن يف عـ ــدالتهم حنو‬

‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬الصارم املسلول ص ‪. 589 ، 571‬‬


‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬رسالة الرد على الرافضة حملمد بن عبد الوهاب ص ‪. 19 ، 18‬‬
‫(‪ )5‬سبق خترجيه ص ‪. 406‬‬
‫(‪ )6‬مسند اإلمام أمحد ‪ 3/266‬وقال اهليثمي يف اجملمع (‪ " - : )10/15‬ورجاله رجال الصحيح " وانظر البيان والتعريف يف أسباب ورود احلديث‬
‫الشريف البن محزة احلسيين ‪. 305 ، 3/304‬‬
‫(‪ )1‬انظر املسائل والرسائل املروية عن اإلمام أمحد ‪ ،‬لألمحدي ‪. 364 ، 2/363‬‬
‫‪138‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫قول ــه‪ :‬ظلم ــوا‪ ،‬وفس ــقوا بعد النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ ،‬وأخ ــذوا األمر بغري ح ــق‪ ،‬وحيمل قوله يف إس ــقاط القتل على‬
‫سب ال يطعن يف دينهم‪ ،‬حنو قوله " كان فيهم قلة علم‪ ،‬وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة …(‪" )2‬‬
‫ويقــول ابن تيمية – يف هــذا الصــدد ‪ " - :-‬وأما من ســبهم ســباً ال يقــدح يف عــدالتهم وال يف دينهم‪ ،‬مثل وصف‬
‫بعضــهم بالبخــل‪ ،‬أو اجلنب‪ ،‬أو قلة العلم‪ ،‬أو عــدم الزهــد‪ ،‬وحنو ذلــك‪ ،‬فهــذا هو الــذي يســتحق التــأديبـ والتعزيــر‪ ،‬وال‬
‫حنكم بكفره مبجرد ذلك‪ ،‬وعلى هذا حيمل كالم من مل يكفرهم من أهل العلم ‪" )3(.‬‬
‫وكذا ميكن التوفيق بني الروايات املختلفة عن اإلمام مالـك‪ ،‬فالرواية الســابقة عن مالــك‪ :‬من شـتم الصـحابة أدب‪،‬‬
‫ال تعارض مـا جـاء يف الرواية األخـرى عنه حيث قـال‪ " - :‬من شـتم أحـداً من أصـحاب النيب صـلى اهلل عليه وسـلم أبا‬
‫بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص‪ ،‬فإن قال‪ :‬كانوا على ضالل وكفر قتل‪،‬‬
‫صـ‪422‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وإن شتمهم بغري هذا من مشامتة الناس نكل نكاالً شديداً‪.‬‬
‫فهذه الرواية تبني ما أمجل يف الرواية األوىل‪ ،‬فمن شتم الصحابة – ممن تواترت النصوصـ بفضلهم – شتماً يقدح‬
‫يف دينهم فهو كافر جيب قتله‪ ،‬ومن شتمهم بغري هذا فليس بكفر‪ ،‬ويتعين تعزيره وتأديبه‪.‬‬
‫وأيضـ ـاً فرواية مال ــك‪ " - :‬من سب أبا بكر جل ــد‪ ،‬ومن سب عائشة قت ــل‪ ،‬قيل ل ــه‪ :‬مل؟ ق ــال‪ - :‬من رماها فقد‬
‫خالف القرآن‪" )5(.‬‬
‫فم ــراده – واهلل أعلم – أن يسب الص ــديق رضي اهلل عنه س ــباً ال يق ــدح يف دين ــه‪ ،‬وذلك ملا ورد عنه رمحه اهلل من‬
‫القول بالقتل فيمن شتم من هو دون الصديق – كما سبق ذكره –‬
‫يوضح ذلك ما قاله السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبكي‪:‬ـ ‪ " -‬فيتلخص أن سب أيب بكر رضي اهلل عنه على مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذهب أيب حنيفة وأحد‬
‫ال ــوجهني عند الشـ ــافعية كفـ ــر‪ ،‬وأما مالك فاملشـ ــهور أنه أوجب اجللـ ــد‪ ،‬فيقتضي أنه ليس كفـ ــراً‪ ،‬ومل أر عن ــده خالف‬
‫ذلك‪ ،‬إال يف اخلوارج فتخرج عنه أنه كفر‪ ،‬فتكونـ املســألة عنــده على حــالتني‪ :‬إن اقتصر على السب من غري تكفري مل‬
‫(‪)1‬‬
‫يكفر‪ ،‬وإن كفر كفر‪.‬‬

‫(‪ )2‬الصارمـ املسلول ص ‪. 571‬‬


‫(‪ )3‬املرجع السابق ص ‪. 586‬‬
‫(‪ )4‬الشفا ‪. 2/1108‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق ‪. 2/1109‬‬
‫(‪ )1‬فتاوى السبكي ‪. 2/590‬‬
‫‪139‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويق ــول أيضـ ـاً‪ " - :‬القائل ب ــأن الس ــاب ال يكفر مل نتحقق منه أن يط ــرده فيمن يكفر أعالم الص ــحابة رض ــوان اهلل‬
‫عليهم‪ ،‬فأحد ال ـ ـ ــوجهني عن ـ ـ ــدنا إمنا اقتص ـ ـ ــرنا على جمرد السب دون التكف ـ ـ ــري‪ ،‬وك ـ ـ ــذلك أمحد إمنا جنب عن قتل من مل‬
‫يصدر منه إال السب‪" )2(.‬‬
‫وإذا تقــرر نوعا السب والطعن يف حق الصــحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬ف ــإن من أن ــواع السب ما ال ميكن القطع بإحلاقه‬
‫يف أحد النوعني السابقني‪ ،‬بل يكون حمل تردد‪ ،‬وهذا النوع هو ما قال عنه ابن تيمية‪-:‬‬
‫صـ‪423‬‬
‫" وأما من لعن وقبح مطلقاً‪ ،‬فهذا حمل اخلالف فيهم‪ ،‬لرتدد األمر بني لعن الغيظ ولعن االعتقاد‪" )3(.‬‬
‫(ك) من ق ــذف إح ــدى أمه ــات املؤم ــنني‪ ،‬ف ــإن كنت عائشة رضي اهلل عنها فهو ك ــافر باإلمجاع ومن ق ــذف غريها‬
‫من أمهات املؤمنني فهو أيضاً كافر على أصح األقوال‪.‬‬
‫وبيـ ــانـ ذلك أن ق ـ ــذف عائشة رضي اهلل عنها تك ـ ــذيب ومعان ـ ــدة للق ـ ــرآن‪ ،‬ف ـ ــإن أهل اإلفك رمـ ــوا عائشة املطهـ ــرة‬
‫بالفاحشة فربأها اهلل‪ ،‬فكل من سبها مبا برأها اهلل منه فهو مكذب هلل تعاىل‪.‬‬
‫َ}‬‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫مؤ‬ ‫ُم ُّ‬ ‫ُنت‬‫ِن ك‬ ‫دا إ‬‫بً‬ ‫ََ‬‫ِأ‬ ‫ِه‬ ‫ْل‬ ‫ِث‬‫لم‬ ‫دوا ِ‬ ‫ُوُ‬ ‫تع‬ ‫َن َ‬ ‫ُأ‬ ‫ُ هَّللا‬
‫ُم‬ ‫ِظ‬
‫ُك‬ ‫قـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬‬
‫يع‬
‫[ النور‪ ،‬آية ‪.]17‬‬
‫كما قال اإلمام مالك‪ - :‬من سب عائشة قتل‪ ،‬قيل له‪ :‬مل؟ قال‪ :‬من رماها فقد خالف القرآن‪" )4(.‬‬
‫قال ابن حزم معلقاً على مقالة مالك‪ " - :‬قول مالك هاهنا صحيح‪ ،‬وهي ردة تامة‪ ،‬وتكذيب هلل تعاىل يف قطعـه‬
‫برباءهتا‪" )5(.‬‬
‫وذكر ابن بطة عائشة رضي اهلل عنهــا‪ ،‬وأهنا‪ " :‬مــربأة طــاهرة خــرية فاضــلة وصــاحبته يف اجلنــة‪ ،‬وهي أم املؤمــنني يف‬
‫الــدنيا واآلخــرة‪ ،‬فمن شك يف ذلــك‪ ،‬أو طعن فيــه‪ ،‬أو توقف عنــه‪ ،‬فقد كــذب بكتــاب اهلل‪ ،‬وشك فيما جــاء به رســول‬
‫ُ هَّللا‬
‫ُ‬ ‫ُم‬ ‫ِظ‬
‫ُك‬ ‫يع‬ ‫اهلل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وزعم أنه من عند غير الله عز وجل‪ ،‬قال الله تعالى‪َ{ - :‬‬
‫َ} [النور آية ‪ ،]17‬فمن أنكر هذا‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫مؤ‬‫ُم ُّ‬ ‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫دا إ‬ ‫بً‬ ‫ََ‬‫ِأ‬ ‫ْل‬
‫ِه‬ ‫ِث‬
‫(‪)1‬‬
‫دوا ِ‬
‫لم‬ ‫ُوُ‬ ‫تع‬‫َن َ‬
‫أ‬
‫فقد برىء من الإيمان‪" .‬‬

‫(‪ )2‬املرجع الساب نفس اجلزء والصفحة ‪.‬‬


‫(‪ )3‬الصارمـ املسلول ص ‪ ، 586‬وانظر فتاوى السبكي ‪. 2/579‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬الشفا ‪. 2/1109‬‬
‫(‪ )5‬احمللى ‪. 13/504‬‬
‫(‪ )1‬اإلبانة الصغرى ص ‪. 270‬‬
‫‪140‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن قذف عائشة رضي اهلل عنها يعد تنقصاً للرسول صلى الله عليه وسلم وإيذاء له‪،‬‬
‫ولذا قال السبكي‪ " - :‬وأما الوقيعة في عائشة رضي الله عنها والعياذ بالله فموجبة للقتل‬
‫لأمرين‪-:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن القرآن الكرمي يشهد برباءهتا‪ ،‬فتكذيبه كفر‪ ،‬والوقيعةـ فيها تكذيب له‪.‬‬
‫صـ‪424‬‬
‫الثاين‪ :‬أهنا فراش النيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والوقيعة فيها تنقيص له‪ ،‬وتنقيصه كفر‪" )2( .‬‬
‫وقال الشيخ حممد بن عبد الوهاب‪ " - :‬من قذف عائشة بالفاحشة … فقد جـاء بكـذب ظـاهر واكتسب اإلمث‪،‬‬
‫واســتحق العــذاب‪ ،‬وظن بــاملؤمنني ســوءاً وهو كــاذب‪ ،‬وأتى بــأمر ظنه هينـاً وهو عند اهلل عظيم‪ ،‬واهتم أهل بيت النبــوةـ‬
‫(‪)3‬‬
‫"‬ ‫بالسوء‪ ،‬ومن هذا االهتام يلزم نقص النيب صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فقد أمجع العلماء على أن من قذفها مبا برأها اهلل تعاىل منه فهو كافر‪.‬‬
‫يقــول ابن تيمية رمحه اهلل‪ " - :‬ذكر غري واحد من العلمــاء اتفــاق النــاس على أن من قــذفها مبا برأها اهلل تعــاىل منه‬
‫فقد كفر؛ ألنه مكذب للقرآن‪" )4(.‬‬
‫َاتِ‬ ‫َن‬‫ْص‬‫ُح‬‫الم‬
‫ن ْ‬ ‫موَ‬ ‫ُْ‬‫ير‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ن َّ‬ ‫ويقـ ـ ـ ـ ــول ابن كثري رمحه اهلل عند تفسريه لقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ِ} [النور‪،‬ـ آية ‪- :]23‬‬‫َة‬ ‫َاآلخِر‬ ‫َا و‬ ‫ني‬ ‫الدْ‬
‫ِي ُّ‬ ‫ُوا ف‬ ‫ِن‬
‫َاتِ ُلع‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬‫الم‬‫ِالتِ ْ‬ ‫َاف‬ ‫الغ‬‫ْ‬
‫" وقد أمجع العلمــاء رمحهم اهلل قاطبة على أن من سـبها بعد هــذا ورماها مبا رماها به بعد هـذا الـذي ذكر يف هـذه‬
‫اآلية فإنه كافر؛ ألنه معاند للقرآن‪" )5( .‬‬
‫وأما من قذف سائر أمهات املؤمنني‪ ،‬فهل يكفر من قذفهن أم ال؟ على قولني أصحهما أنه يكفر‪.‬‬
‫والقــول اآلخر أنه ال يكفــر‪ ،‬وقــالوا‪ :‬إن القــرآن قد شــهد بـرباءةـ عائشة رضي اهلل عنهـا‪ ،‬فمن خـالف ذلك وأنكــره‪،‬‬
‫فهو مكذب للقرآن‪ ،‬ومن مث فهو كافر باهلل تعاىل‪ ،‬ومل يرد مثل هذا يف بقية أمهات املؤمنني‪.‬‬
‫واجلواب عن ذلك أن يقال‪ - :‬املقذوفة زوج رسول اهلل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والله تعالى إنما غضب‬
‫لها؛ لأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫صـ‪425‬‬
‫فهي وغريها منهن سواء‪" )1(.‬‬

‫(‪ )2‬فتاوى السبكي ‪. 2/592‬‬


‫(‪ )3‬الرد على الرافضة ص ‪ = 24‬بتصرف يسري ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرد على البكري ص ‪. 340‬‬
‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪ ، 3/267‬وقد حكى ابن كثري هذا اإلمجاع أيضاً يف البداية ‪ ، 8/92‬وانظر جمموعة رسائل ابن عابدين ‪.1/345‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬البداية البن كثري ‪. 8/92‬‬
‫‪141‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫كما أن مجيع أمهات املؤمنني فراش للنيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والوقيعة في أعراضهن تنقص ومسبة‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن المعلوم أن سب المصطفى صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن‬
‫الملة بالإجماع (‪.)2‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وقد اخت ــار الق ــول األول مجع من احملققني‪ ،‬ك ــابن ح ــزم (‪ ،)3‬والقاضي عي ــاض (‪ ،)4‬وابن تيمية (‪ ،)5‬والس ــبكيـ‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية‪ " - :‬واألصح أن من قذف واحدة من أمهات املؤمنني فهو كقذف عائشة رضي اهلل عنها؛ ألن‬
‫هذا منه عار وغضاضة على رسول اهلل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن‪" )7(.‬‬
‫ِالتِ‬‫َ‪33‬اف‬ ‫َاتِ ْ‬
‫الغ‬ ‫َن‬
‫ْص‬‫ُح‬
‫الم‬
‫ن ْ‬
‫موَ‬‫ُْ‬‫ير‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ن َّ‬ ‫ويـ ـ ـ ـ ــدل على هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ٌ} [الن ـ ـ ـ ـ ـ ــور‪ ،‬آية‬
‫ِيم‬
‫َظ‬‫ٌع‬‫َاب‬‫َذ‬
‫ْع‬ ‫ََلُ‬
‫هم‬ ‫ِو‬‫َة‬‫َاآلخِر‬ ‫َا و‬ ‫ني‬ ‫الدْ‬
‫ِي ُّ‬ ‫ُوا ف‬ ‫ِن‬‫َاتِ ُلع‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫ُؤ‬ ‫الم‬ ‫ْ‬
‫‪.]23‬‬
‫فهذه اآلية الكرمية يف أزواج النيب صلى الله عليه وسلم وخاصة‪ ،‬في قول كثير من أهل العلم كما جاء‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين‪.‬‬
‫وكذا روي عن أيب اجلوزاء‪ ،‬والضحاك‪ ،‬والكليب وغريهم (‪" )8‬‬
‫يقول ابن تيمية عن هذه اآلية‪ - :‬ملا كان رمي أمهات املؤمنني أذى للنيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلعن‬
‫صاحبه في الدنيا والآخرة‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس‪ - :‬ليس له توبة؛ لأن مؤذي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً‪ ،‬وعلى هذا فرميهن نفاق‬
‫مبيح للدم إذا قصد به‬
‫صـ‪426‬‬
‫أذى النيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة‪" )9(.‬‬
‫ومما قاله أبو السعود يف تفسري هذه اآلية‪-:‬‬
‫" واملراد هبا عائشة الصديقة رضي اهلل عنها‪ ،‬واجلمع باعتبار أن رميها رمي لسائر أمهات املؤمنني‪ ،‬الشرتاك الكل‬
‫بت‬
‫ْ‬ ‫يف العصمة والنزاهة واالنتساب إىل رسول اهلل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪{ - :‬كَّ‬
‫َذَ‬

‫(‪ )2‬انظر فتاوى السبكي ‪ ، 2/592‬وطرح التثريب للعراقي ‪.8/69‬‬


‫(‪ )3‬انظر احمللى ‪. 13/504‬‬
‫(‪ )4‬انظر الشفا ‪. 2/1113‬‬
‫(‪ )5‬انظر الصارم املسلول ص ‪. 567‬‬
‫(‪ )6‬انظر فتاوي السبكي ‪. 2/592‬‬
‫(‪ )7‬الصارمـ املسلول ص ‪. 567‬‬
‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬تفسري الطربي ‪ ، 18/74‬وابن كثري ‪ ، 3/268‬والدر املنثور للسيوطي ‪. 6/164‬‬
‫(‪ )9‬الصارمـ املسلول ص ‪. 47‬‬
‫‪142‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ} [الشعراء‪ ،‬آية ‪ ،]105‬ونظائره‪ ،‬وقيل أمهات المؤمنين فيدخل‬ ‫ِين‬ ‫ْسَل‬‫ُر‬
‫الم‬‫ُوحٍ ْ‬ ‫ُن‬ ‫ْم‬‫َو‬ ‫ق‬
‫فيهن الصديقة دخولاً أولياً‪.‬‬
‫وأما ما قيل من أن املراد هي الصديقة‪ ،‬واجلمع باعتبار اســتتباعها للمتصــفات بالصــفات املذكورة من نســاء األمــة‪،‬‬
‫فيأب ــاه‪ ،‬أن العقوب ــات املرتتبة على رمي ه ــؤالء عقوب ــات خمتصة بالكف ــار واملن ــافقني‪ ،‬وال ريب يف أن رمي غري أمه ــات‬
‫املؤم ــنني ليس بكف ــر‪ ،‬فيجب أن يك ــونـ املراد إي ــاهن على أحد ال ــوجهني‪ ،‬ف ــإهنن قد خصصن من بني س ــائر املؤمن ــات‪،‬ـ‬
‫(‪)1‬‬
‫فجعل رميهن كفــراً إبــرازاً لكــرامتهن على اهلل عز وجـل‪ ،‬ومحاية يف صــاحب الرســالة من أن حيوم حوله أحد بســوء‪.‬‬
‫"‬
‫‪ -3‬ومن خالل عــرض أنــواعـ سب الصــحابة اليت خترج عن امللــة‪ ،‬فإنه ميكن أن نســوق مجلة من األوجه يف كــون‬
‫هذا السب ناقضاً من نواقض اإلميان‪ ،‬على النحو التايل‪-:‬‬
‫أ‪ -‬أن يف سب الصــحابة رضي اهلل عنهم تكــذيباً للقــرآن الكــرمي‪ ،‬وإنكــاراً ملا تضــمنته اآليــات القرآنية من تــزكيتهم‬
‫والثناء احلسن عليهم‪.‬‬
‫ن‬
‫ُوَ‬ ‫ِق‬‫َالسَّاب‬ ‫ول ـ ــذا يق ـ ــول ابن تيمي ـ ــة‪ " - :‬إن اهلل س ـ ــبحانه رضي عنهم رضى مطلق ـ ـاً بقوله تع ـ ــاىل‪{ -:‬و‬
‫ِيَ‬
‫َّض‬‫ْسَانٍ ر‬ ‫إح‬ ‫ِِ‬ ‫هم ب‬ ‫ُوُ‬ ‫َع‬ ‫اتب‬ ‫َ َّ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫ِو‬ ‫َار‬ ‫َاألَنص‬ ‫َو‬ ‫ِين‬ ‫هاجِر‬ ‫َُ‬ ‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫ِن‬ ‫نم‬ ‫َُّلوَ‬ ‫األَو‬
‫ه} [ التوبة‪،‬ـ آية ‪ ]100‬فرضي عن السابقني من غري اشرتاط إحسان‪ ،‬ومل يــرض عن‬ ‫َن‬
‫ُْ‬ ‫ْع‬‫ُوا‬ ‫َض‬ ‫َر‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫َن‬ ‫ُع‬ ‫هّللا‬
‫ْ‬
‫ِذ‬‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫ُ ‪3‬ؤ‬ ‫الم‬
‫َنِ ْ‬ ‫ُع‬ ‫ِيَ هَّللا‬
‫َض‬‫در‬ ‫َْ‬‫التـ ـ ـ ـ ــابعني إال أن يتبعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوهم بإحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬لق‬
‫ِ} [الفتح‪ ،‬آية ‪ ،]18‬والرضى من اهلل صـ ــفة قدمية (‪ ،)2‬فال يرضى إال عن‬
‫َة‬‫َر‬
‫َ الشَّج‬
‫ْت‬‫تح‬
‫َكَ َ‬
‫ُون‬
‫ِع‬‫َاي‬
‫يب‬‫ُ‬
‫عبد علم أنه يوافيه على موجبات‬
‫صـ‪427‬‬
‫الرضى‪ ،‬ومن رضي اهلل عنه مل يسخط عليه أبداً "‬
‫‪ -‬إىل أن ق ــال – فكل من أخرب اهلل عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل اجلن ــة‪ ،‬وإن ك ــان رض ــاه عنه بعد إميانه وعمله‬
‫الصــاحل‪ ،‬فإنه يــذكر ذلك يف معــرض الثنــاء عليه واملدح لــه‪ ،‬فلو علم أن يتعقبـ ذلك مبا يســخط الــرب مل يكن من أهل‬
‫ذلك (‪" )3‬‬
‫ْ‬
‫ِذ‬‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬
‫ْم‬‫ُ ‪3‬ؤ‬‫الم‬‫َنِ ْ‬ ‫ُع‬ ‫ِ‪3‬يَ هَّللا‬ ‫َض‬
‫در‬ ‫ويقـ ـ ـ ـ ــول ابن حجر اهليتمي‪ " - :‬ومنها قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ :‬لق‬
‫َْ‬
‫ِ} [الفتح‪ ،‬آية ‪ ،]18‬فصـ ـ ــرح تعـ ـ ــاىل برضـ ـ ــاه عن أولئك وهم ألف وحنو‬ ‫َة‬ ‫َر‬‫َ الشَّج‬‫ْت‬ ‫تح‬‫َكَ َ‬
‫ُون‬ ‫ِع‬ ‫َاي‬ ‫يب‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬تفسري أيب السعود ‪. 105 ، 4/104‬‬


‫(‪ )2‬الرضى من صفات اهلل تعاىل الفعلية اليت تتعلق مبشيئة واختاره ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصارمـ املسلول ص ‪ ، 573 ، 572‬وانظر سري أعالم النبالء للذهيب ‪. 5/117‬‬
‫‪143‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫أربعمائــة‪ ،‬ومن رضي عنه تعــاىل ال ميكن موته على الكفــر‪ ،‬ألن العــربة بالوفــاة على اإلســالم‪ ،‬فال يقع الرضا منه تعــاىل‬
‫إال على من علم موته على اإلســالم‪ ،‬وأما من علم موته على الكفــر‪ ،‬فال ميكن أن خيرب اهلل تعــاىل بأنه رضي عنــه‪ ،‬فعلم‬
‫أن كال من هذه اآلية وما قبلها صريح يف رد ما زعمه وافرتاهـ أولئك امللحدون اجلاحدون حىت للقرآن العزيز‪ ،‬إذ يلــزم‬
‫من اإلميان به اإلميان مبا فيـ ـ ــه‪ ،‬وقد علمت أن الـ ـ ــذي فيه أهنم خري األمم‪ ،‬وأهنم ع ـ ــدول خيـ ـ ــار‪ ،‬وأن اهلل ال خيزيهم وأنه‬
‫رضي عنهم‪ ،‬فمن مل يص ـ ــدق ب ـ ــذلك منهم فهو مكـ ــذب ملا يف القـ ــرآن‪ ،‬ومن ك ـ ــذب مبا فيه مما ال حيتمل التأويل كـ ــان‬
‫كافراً جاحداً ملحداً مارقاً‪" )1(.‬‬
‫وقد اس ــتنبط بعض األئمة من نص ــوصـ قرآنية كفر من سب الص ــحابة رضي اهلل عنهم أمجعني‪ .‬فق ــال اإلم ــام مالك‬
‫بن أنس‪ " - :‬من تنقصـ أحداً من أصحاب رسول اهلل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو كان في قلبه غل‪ ،‬فليس له‬
‫ِ} [حتى أتى‬ ‫له‬ ‫َسُوِ‬ ‫لى ر‬ ‫ََ‬‫ُع‬ ‫َاء هَّللا‬‫َف‬ ‫ما أ‬ ‫حق في فيء المسلمين‪ ،‬ثم تلا قوله تعالى‪َ{ - :‬‬
‫َا‬ ‫ْ َلن‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬‫َا اغ‬ ‫بن‬ ‫ن ر‬
‫ََّ‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِم‬‫ِه‬
‫ْد‬‫بع‬‫ِن َ‬ ‫ُوا م‬ ‫َاؤ‬ ‫َ ج‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬
‫قوله‪{ :‬و‬
‫ِالًّ‬
‫َا غ‬ ‫ِن‬‫ُوب‬ ‫ُل‬ ‫ِي ق‬ ‫ْف‬ ‫َ‪33‬ل‬‫ْع‬ ‫تج‬ ‫َال َ‬ ‫َ‪33‬انِ و‬ ‫ِيم‬‫ِاإل‬‫َا ب‬ ‫ُون‬‫َق‬‫س‪33‬ب‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َا َّ‬ ‫ِن‬
‫َان‬ ‫ْو‬‫ِخ‬‫َإل‬
‫و‬
‫ٌ} [الآية " الحشر‪ ،‬آية ‪ ،]10 -7‬فمن‬ ‫َّحِيم‬
‫ٌر‬ ‫ُوف‬ ‫َؤ‬‫َّكَ ر‬
‫ِن‬‫َا إ‬ ‫بن‬ ‫ُوا ر‬
‫ََّ‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫لذ‬‫ِّلَّ‬
‫تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غل‪ ،‬فليس له في الفيء حق‪" )2(.‬‬
‫صـ‪428‬‬
‫وقال أبو عبيد القاسم بن سالم (‪-:)3‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬ ‫"الحظ للرافضيـ يف الفيء والغنيمةـ لقـ ـ ـ ـ ــول اهلل حني ذكر آية الفيء يف سـ ـ ـ ـ ــورة احلشـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬فق ـ ـ ــال {و‬
‫َ َّ‬
‫ْ‪[ }..‬اآليةـ (‪" )4‬‬ ‫ِم‬‫ِه‬‫ْد‬ ‫بع‬ ‫ِن َ‬‫ُوا م‬ ‫َاؤ‬ ‫ج‬
‫" وق ــال أبو ع ــروة – رجل من ولد الزب ــري‪ - :‬كنا عند مال ــك‪ ،‬ف ــذكروا رجالً ينتقص أص ــحاب رس ــول اهلل عليه‬
‫َشَّ‬
‫ِداء} [حىت بل ـ ـ ــغ‪:‬‬ ‫هأ‬ ‫مع‬
‫َُ‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫ِو‬ ‫ل هَّللا‬
‫َّسُوُ‬
‫در‬ ‫َم‬
‫ٌَّ‬ ‫مح‬‫وسل ـ ـ ـ ـم‪ ،‬فقـ ـ ـ ـ ــرأ مالك هـ ـ ـ ـ ــذه اآليـ ـ ـ ـ ــة‪ُّ{ - :‬‬
‫ُ} [الفتح‪ ،‬آية ‪ ]29‬فقال مالــك‪ :‬من أصــبح يف قلبه غيظ على أحد من‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬‫َب‬ ‫ِيظ‬ ‫َغ‬ ‫لي‬ ‫َِ‬ ‫َّاع‬ ‫ُّر‬
‫ُ الز‬ ‫ْجِب‬ ‫يع‬ ‫ُ‬
‫أصحاب رسول اهلل صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية‪" )5(.‬‬
‫قال القرطيب – معلقاً على قول مالك ‪- :-‬‬
‫(‪ )1‬الصواعق احملرقة يف الرد على أهل البدع والزندقة ص ‪. 316‬‬
‫(‪ )2‬احللية أليب نعيم ‪ ، 6/327‬وانظر ‪ :‬السنة للخالل ص ‪ ، 493‬وأصول الاللكائي ‪. 7/1268‬‬
‫(‪ )3‬أبو عبيد القاسم بن سالم بن عبد اهلل ‪ ،‬إمام حافظ ‪ ،‬صاحب التصانيف ‪ ،‬ويل قضاء طرطوس ‪ ،‬وقدم بغداد ‪ ،‬ألف يف غريب احلديث واللغة ‪،‬‬
‫نصر السنة ورد على املبتدعة ‪ ،‬تويف مبكة سنة ‪ 124‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات احلنابلة ‪ ، 1/259‬وسري أعالم النبالء ‪. 10/490‬‬
‫(‪ )4‬السنة للخالل ص ‪. 498‬‬
‫(‪ )5‬احللية أليب نعيم ‪. 6/327‬‬
‫‪144‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" لقد أحسن مالك يف مقالته‪ ،‬وأصـاب يف تأويلـه‪ ،‬فمن تنقصـ واحـداً منهم أو طعن عليه يف روايتـه‪ ،‬فقد رد على‬
‫اهلل رب العاملني‪ ،‬وأبطل شرائع املسلمني‪" )6(.‬‬
‫ِ …} قــال‪ " :‬قــال العلمــاء هــذه اآلية ناصة على‬
‫ل هَّللا‬
‫َّسُوُ‬
‫در‬ ‫َم‬
‫ٌَّ‬ ‫وملا ذكر أبو املعايل اآللوسيـ هــذه اآلية {ُّ‬
‫مح‬
‫أن الرافضة كفرة؛ ألهنم يكرهوهنم‪ ،‬بل يكفروهنم والعياذ باهلل تعاىل‪" )7(.‬‬
‫وننبه هاهنا إىل أن قول مالك رمحه اهلل‪ - :‬من أصبح يف قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول اهلل صلى الله‬
‫عليه وسلم فقد أصابته الآية‪ ،‬إنما يحمل على غيظ سببه ما كان عليه الصحابة من الإيمان‬
‫لى‬ ‫ََ‬‫ِداء ع‬ ‫َشَّ‬‫ه أ‬ ‫َُ‬‫مع‬‫ََ‬ ‫ِين‬‫الذ‬‫َ َّ‬‫ِ و‬ ‫ل هَّللا‬
‫َّسُوُ‬
‫د ر‬ ‫َم‬
‫ٌَّ‬ ‫مح‬‫والقوة والكثرة‪ ،‬قال تعالى‪ُّ{ - :‬‬
‫َ هَّللا‬
‫ِ‬ ‫من‬‫ْ‪3‬الً ِّ‬‫َض‬‫نف‬ ‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬‫َغ‬‫ْت‬
‫يب‬‫دا َ‬ ‫ًا سُ‪3‬ج‬
‫ًَّ‬ ‫َّع‬
‫ُك‬ ‫ْر‬
‫هم‬‫َاُ‬ ‫ت‪ 3‬ر‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫ْن‬‫بي‬ ‫َاء َ‬ ‫َم‬ ‫ُح‬‫ِر‬ ‫َّار‬‫ُف‬ ‫الك‬‫ْ‬
‫ِي‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫لُ‬ ‫َُ‬
‫مث‬ ‫ِ‪33‬كَ َ‬ ‫َل‬‫ِذ‬ ‫ُود‬‫الس‪33‬ج‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬‫ث‪ 33‬ر‬ ‫ََ‬
‫ْأ‬ ‫من‬
‫ِم ِّ‬‫ِه‬‫ُوه‬ ‫ُج‬‫ِي و‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫َاُ‬ ‫ِيم‬ ‫ًا س‬ ‫َان‬ ‫ْو‬ ‫ِض‬‫َر‬‫و‬
‫َ‬‫لظ‬ ‫َْ‬‫َغ‬‫َاسْت‬ ‫هف‬ ‫َُ‬‫َر‬‫َآز‬ ‫هف‬ ‫َُ‬‫ْأ‬
‫َ شَط‬ ‫َج‬
‫ْر‬ ‫َخ‬ ‫ٍأ‬‫ْع‬‫َر‬
‫َز‬ ‫ِك‬‫ِنجِيل‬ ‫ِي اإل‬ ‫ْف‬‫هم‬ ‫لُ‬‫َُ‬‫مث‬‫ََ‬‫ِو‬ ‫َاة‬ ‫ْر‬‫َّو‬‫الت‬
‫َ} [الفتح‪،‬ـ آية ‪.]29‬‬ ‫َّار‬‫ُف‬‫الك‬
‫ُ ْ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬‫َب‬ ‫ِيظ‬ ‫َغ‬
‫لي‬‫َِ‬ ‫َّاع‬
‫ُّر‬
‫ُ الز‬ ‫ْجِب‬‫يع‬ ‫ُِ‬‫ِه‬ ‫لى سُوق‬ ‫ََ‬‫َى ع‬ ‫َو‬‫َاسْت‬ ‫ف‬
‫فكثرهم اهلل تعاىل وقواهم ليكونـواـ غيظـاً للكـافرين‪ ،‬فمن غاظه حـال الصـحابة رضي اهلل عنهم إلمياهنم فهو كـافر‪،‬‬
‫كمن ســبهم طعنـاً يف دينهم وعــدالتهم‪ ،‬وأما إن وقع الغيضـ من غري هــذه اجلهــة‪ ،‬فليس بكفــر‪ ،‬فقد جــرت حــروب بني‬
‫الصحابة‪ ،‬ووقع من بعضهم غيظ وبغض لبعض‪ ،‬ومع ذلك مل حيكم بعضهم على بعض بكفر أو نفاق‪.‬‬
‫وتوضيحاً لذلك نورد ما قاله العيين‪ ،‬ونقله عن القرطيب (‪ )1‬صــاحب املفهم‪ ..‬عند شــرحه حلديث‪ " - :‬آية اإلميان‬
‫حب األنصار‪ ،‬وآية النفاق بغض األنصـار " " حيث يقـول العيـين‪ " -:‬املقصـود من احلديث احلث على حب األنصـار‪،‬‬
‫وبيانـ فضلهم ملا كان منهم من إعزاز الدين وبذل األموال واألنفسـ واإليثار على أنفســهم واإليــواء والنصر وغري ذلك‬
‫… فحبهم لذلك املعىن حمض اإلميان وبغضهم حمض النفاق‪.‬‬
‫وقــال القرطـيب‪ - :‬وأما من أبغض والعيــاذ باهلل أحـداً منهم من غري تلك اجلهة ألمر طـارئ من حـدث وقع ملخالفة‬
‫غـ ــرض‪ ،‬أو لضـ ــرر وحنوه‪ ،‬مل يصر بـ ــذلك منافق ـ ـاً وال كـ ــافراً‪ ،‬فقد وقع بينهم حـ ــروب وخمالفـ ــات‪ ،‬ومع ذلك مل حيكم‬
‫بعضهم على بعض بالنفاق‪ ،‬وإمنا كان حاهلم يف ذلك حال اجملتهدين يف األحكام‪" )2(.‬‬

‫(‪ )6‬تفسري القرطيب ‪. 297 ، 16/96‬‬


‫(‪ )7‬السيوف املشرقة (خمطوط) ‪ ،‬ق ‪. 238‬‬
‫(‪ )1‬أبو العباس أمحد بن عمرو بن إبراهيم القرطيب املالكي ‪ ،‬حمدث ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬رحل إىل املشرق ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف باإلسكندرية سنة ‪ 656‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الديباج املذهب ‪ ، 1/240‬وشذرات الذهب ‪. 5/273‬‬
‫(‪ )2‬عمدة القارئ ‪ = 1/173‬باختصار ‪ ،‬وانظر فتح الباري ‪. 1/63‬‬

‫‪145‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ‪ }..‬على ما‬
‫َّار‬
‫ُف‬ ‫الك‬
‫ُ ْ‬ ‫ِه‬
‫ِم‬ ‫َب‬
‫ِيظ‬
‫َغ‬ ‫وهبذا ن ـ ــدرك خطأ ما قاله ابن حـ ـ ــزم عند خطأ من محل اآليـ ـ ــة‪ِ{ :‬‬
‫لي‬
‫استنبطهـ اإلمام مالك (‪ ،)3‬فابن حزم مل يفرق بني الغيظ الذي يوجب خروجاً عن امللة‪ ،‬وبني الغيظ فيما دون ذلك‪.‬‬
‫ويق ــول الش ــيخ حممد بن عبد الوه ــاب‪ " - :‬فمن س ــبهم فقد خ ــالف ما أمر اهلل من إك ــرامهم‪ ،‬ومن اعتقد الس ــوء‬
‫فيهم كلهم أو مجهورهم فقد كذب اهلل تعاىل‬
‫صـ‪430‬‬
‫فيما أخرب من كماهلم وفضلهم ومكذبه كافر‪" )4(.‬‬
‫وإذا تقرر أن سب الصــحابة رضي اهلل عنهم تكـذيب للقـرآن الكـرمي‪ ،‬فــإن القــول بكفر مجهـور الصــحابة رضي اهلل‬
‫عنهم‪ ،‬أو فسقهم يــؤول إىل الشك يف القــرآن الكـرمي‪ ،‬والطعن يف ثبوته وحفظــه؛ ألن الطعن يف النقلة طعن يف املنقــول‪،‬‬
‫ولذا فإن الرافضة ملا كفروا مجهور الصحابة‪ ،‬اتبعواـ ذلك بدعوى حتريف القرآن الكرمي وتبديله‪.‬‬
‫(ب) أن سب الص ــحابة رضي اهلل عنهم يس ــتلزم نس ــبة اجلهل إىل اهلل تع ــاىل‪ ،‬أو العبثـ يف تلك النص ــوص الكث ــرية‬
‫اليت تقرر الثناء احلسن على الصحابة‪ ،‬وتزكيهم‪.‬‬
‫ويبني ذلك الشيخ حممد العريب بن التباين املغريب حيث يقول‪-:‬‬
‫" كيف ي ــؤمن بنص ــوصـ الق ــرآن من يك ــذب بوع ــده تع ــاىل هلم باحلس ــىن‪ ،‬وبإع ــداده هلم املن ــازل الرفيعة يف اجلن ــة‪،‬‬
‫وبرضاه عنهم‪ ،‬ورضاهم عنه بزعمه أهنم قد كفروا وارتدوا عن اإلسالم‪ ،‬فعقيــدة هــذه الطائفة {أي الرافضــة} يف جل‬
‫س ــادات ه ــذه األمة ال خترج عن أم ــرين‪ - :‬إما نس ــبة اجلهل إليه تع ــاىل‪ ،‬أو العبثـ يف ه ــذه النص ــوصـ اليت أثىن هبا على‬
‫الصــحابة رضــوانـ اهلل عليهم وتقــدس ربنا وتعــاىل عن ذلك علــواً كبــرياً‪ ،‬وكالمها مصــيبةـ كــربى‪ ،‬وذلك ألنه تعــاىل إن‬
‫ما‬ ‫ََ‬ ‫كـ ــان عاملاً ب ـ ــأهنم س ـ ــيكفرون فيك ـ ــون وع ـ ــده هلم باحلسىن ورض ـ ــاه عنهم عبثـ ـ ـاً‪ ،‬والعبثـ يف حقه تعـ ــاىل حمال‪{،‬و‬
‫َ} [الـ ــدخان‪ ،‬آية ‪ ،]38‬وإن كـ ــان‬ ‫ِين‬ ‫ِب‬ ‫َا الع‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ْن‬ ‫بي‬ ‫ما َ‬ ‫ْضَ و‬
‫ََ‬ ‫َاألَر‬
‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫َا السَّم‬ ‫ْن‬ ‫لق‬‫ََ‬ ‫خ‬
‫تعـ ــاىل غري عـ ــامل بـ ــأهنم سـ ــيكفرون ومع ذلك أثىن عليهم ووعـ ــدهم باحلسىن فهو جهـ ــل‪ ،‬واجلهل عليه تع ــاىل حمال‪ ،‬وال‬
‫خالف بني كل من يؤمن بالقرآن وله عقل سليم أن نسبة اجلهل أو العبثـ إليه تعاىل كفر بواح‪" )1(.‬‬
‫(ج) من سب الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬ورماهم بالكفر أو الفسق‪ ،‬فقد تنقص الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وآذاه؛ لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم‪ ،‬ومن المعلوم أن تنقص الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم كفر وخروج عن الملة‪" )2(.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬الفصل ‪. 3/294‬‬
‫(‪ )4‬الرد على الرافضة ص ‪. 17‬‬
‫(‪ )1‬إحتاف ذوي النجابة مبا يف القرآن والسنة من فضائل الصحابة ص ‪ = 75‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬أصول الاللكائي (حاشية احملقق) ‪ ، 7/1238‬فتاوي السبكي ‪ ، 2/575‬والرد على الرافضة حملمد بن عبد الوهاب ص ‪ ، 8‬وصحابة‬
‫الرسول للكبيسيـ ص ‪. 337‬‬
‫‪146‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪431‬‬
‫أخ ــرج اخلطيب البغ ــدادي – بس ــنده – عن أيب زرعة (‪ )3‬ق ــال‪ " - :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أح ــداً من أص ــحاب‬
‫رسول اهلل صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق‪ ،‬وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا‬
‫حق‪ ،‬والقرآن حق‪ ،‬وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة‪ ،‬والجرح بهم أولى وهم زنادقة‪" )4(.‬‬
‫ومن أشـ ــنع أنـ ــواع السـ ــب‪ :‬أن يقـ ــذف إحـ ــدى أمهـ ــات املؤمـ ــنني‪ ،‬ملا يف الوقيعةـ يف أعراضـ ــهن من التنقص واملس ــبة‬
‫لرسول اهلل صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما سبق ذكره – ‪-‬‬
‫ســاق الاللكــائيـ (‪ )1‬بســنده أن احلسن بن زيد (‪ ،)2‬وملا ذكر رجل حبضــرته عائشة بــذكر قــبيح من الفاحشــة‪ ،‬فــأمر‬
‫بضرب عنقه‪ ،‬فقال له العلويون‪:‬ـ هذا رجل من شيعتنا‪،‬ـ فقال‪ :‬معاذ اهلل هذا رجل طعن على النيب صلى الله عليه‬
‫َاتِ‬‫ِيث‬‫ْخَب‬‫لل‬‫نِ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيث‬‫الخَب‬
‫َ ْ‬‫َو‬ ‫ِين‬ ‫ِيث‬ ‫ْخَب‬‫لل‬‫ُِ‬ ‫َات‬ ‫ِيث‬ ‫الخَب‬
‫وسلم‪ ،‬قال الله عز وجل‪ْ { :‬‬
‫َّا‬
‫ِم‬‫نم‬‫ُوَ‬‫َّؤ‬
‫َ‪33‬ر‬‫مب‬ ‫ِ‪33‬كَ ُ‬‫َْلئ‬‫ُو‬
‫َاتِ أ‬ ‫ِّب‬‫َّي‬
‫ِلط‬ ‫نل‬ ‫ُوَ‬ ‫ِّب‬‫َّي‬
‫َالط‬ ‫َو‬‫ِين‬ ‫ِّب‬
‫َّي‬‫ِلط‬ ‫ُل‬ ‫َات‬ ‫ِّب‬‫َّي‬
‫َالط‬ ‫و‬
‫ٌ} [النور‪ ،‬آية ‪.]26‬‬ ‫ِيم‬ ‫َر‬‫ٌك‬ ‫ْق‬‫ِز‬
‫َر‬‫ةو‬‫ٌَ‬ ‫ِر‬‫ْف‬‫مغ‬‫هم َّ‬ ‫ن َلُ‬‫ُولوَ‬
‫يق ُ‬ ‫َ‬
‫فإن كانت عائشة خبيثة فالنيب صلى الله عليه وسلم خبيث‪ ،‬فهو كافر فاضربوا عنقه‪ ،‬فضربوا‬
‫عنقه‪" )3(.‬‬
‫صـ‪432‬‬

‫(‪ )3‬أبو زرعة عبيد اهلل بن عبد الكرمي الرازي ‪ ،‬اإلمام احلافظ ‪ ،‬نشأ يف الري ‪ ،‬له رحالت ‪ ،‬ومؤلفات مجة ‪ ،‬من أحفظ الناس للحديثـ ‪ ،‬وأعلمهم به‬
‫وكان صاحب عبادة وزهد ‪ ،‬تويف سنة ‪264‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬طبقات احلنابلة ‪ ، 1/199‬وسري أعالم النبالء ‪. 13/65‬‬
‫(‪ )4‬الكفاية يف علم الرواية ص ‪. 64 ، 63‬‬
‫(‪ )1‬أبو القاسم هبة اهلل بن احلسن الطربي الرازي الشافعي ‪ ،‬إما حافظ له مصنفات ‪ ،‬نصر السنة ‪ ،‬تويف يف الدينور سنة ‪ 418‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 17/419‬شذرات الذهب ‪. 3/211‬‬
‫(‪ )2‬احلسن بن زيد بن حممد بن إمساعيل العلوي ‪ ،‬ظهر سنة ‪ 250‬هـ ‪ ،‬وكثر جيشه ‪ ،‬واستوىل على جرجان ‪ ،‬واستفحل أمره ‪ ،‬تويف سنة ‪ 270‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬البداية والنهاية ‪ ، 11/6‬وسري أعالم النبالء ‪. 13/136‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬أصول الاللكائي ‪. 7/1269‬‬
‫‪147‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وأخرج اللالكائي – بسنده – عن محمد بن زيد (‪ )4‬أنه قدم عليه من العراق رجل ينوح بين‬
‫يديه فذكر عائشة بسوء‪ ،‬فقام إليه بعمود‪ ،‬وضرب به دماغه فقتله‪ ،‬فقيل له‪ :‬هذا من شيعتنا‬
‫وممن يتولانا‪ ،‬فقال‪ - :‬هذا سمى جدي قرنان (‪ )5‬استحق عليه القتل فقتلته (‪.)6‬‬
‫إضافة إلى ذلك فإن هذا السب يستلزم اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم ينجح في‬
‫دعوته‪ ،‬ولم يحقق البلاغ المبين‪ ،‬وقد زعم من لا خلاق له من الدين والعلم‪ ،‬أن جمهور الصحابة‬
‫رضي الله عنهم قد ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يثبت على الإيمان إلا‬
‫القليل‪ ،‬وقد يؤول هذا الأمر إلى اليأس من إصلاح البشر‪ ،‬وإخراجهم من الظلمات إلى النور‪،‬‬
‫ومن المعلوم قطعاً أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى الأمانة‪ ،‬ونصح الأمة‪،‬‬
‫وجاهد في الله حق جهاده‪.‬‬
‫(د) أن سب الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬والطعن في دينهم‪ ،‬هو طعن في الدين‪ ،‬وإبطال للشريعة‪،‬‬
‫وهدم لأصله‪ ،‬لعدم توافر النقل المأمون له‪.‬‬
‫وإليك هذه القصة التي تبين ذلك‪- :‬‬
‫قال عمر بن حبيب (‪ " - :)1‬حضرت مجلس هارون الرشيد‪ ،‬فجرت مسألة تنازعها الحضور‪ ،‬وعلت‬
‫أصواتهم‪ ،‬فاحتج أحدهم بحديث رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فدفع بعضهم‬
‫الحديث‪ ،‬وزادت المدافعة‬
‫صـ‪433‬‬
‫والخصومة‪ ،‬حين قال قائلون منهم‪ - :‬لا يقبل هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم؛‬
‫لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه‪ ،‬وصرحوا بتكذيبه‪ ،‬ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم‪ ،‬ونصر‬
‫قولهم‪ ،‬فقلت أنا‪ :‬هذا الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأبو هريرة صحيح‬
‫النقل‪ ،‬صدوق فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره‪ ،‬فنظر إليّ الرشيد نظر مغضب‪،‬‬
‫وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي‪ ،‬فلم ألبث حتى قيل صاحب البريد بالباب‪ ،‬فدخل فقال لي‪:‬‬
‫أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن‪ ،‬فقلت‪ :‬اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك‬
‫وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه‪ ،‬فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب‪،‬‬
‫حاسر عن ذراعيه بيده والسيف‪ ،‬وبين يديه النطع‪ ،‬فلما بصر بي قال لي‪ :‬يا عمر بن حبيب‪ ،‬ما‬
‫تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن الذي‬
‫قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى ما جاء به‪ ،‬إذا كان‬
‫أصحابه كذابين‪ ،‬فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح‬
‫والحدود كله مردود غير مقبول‪ ،‬فرجع إلى نفسه ثم قال‪ :‬أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله‪،‬‬
‫وأمر لي بعشرة آلاف درهم‪" )2(.‬‬
‫وقال ابن عقيل الحنبلي في هذا المقال‪ " :‬الظاهر أن من وضع مذهب الرافضة قصد الطعن في‬
‫أصل الدين والنبوة‪ ،‬وذلك أن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر غائب عنا‪ ،‬وإنما‬
‫(‪ )4‬هو حممد بن زيد بن حممد العلوي ‪ ،‬توىل احلكم بعد وفاة أخيه احلسن بن زيد عام ‪270‬هـ ‪ ،‬كانت يف أيامه حروب وفنت ‪ ،‬وكان شجاعاً ‪،‬‬
‫أديباً ‪ ،‬حسن السرية ‪ ،‬تويف مقتوالً جبرجان ‪ 287‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ - :‬الكامل البن األثري ‪ ، 7/504‬واألعالم ‪. 6/132‬‬
‫(‪ )5‬يف األصل ‪ :‬قرتان ‪ ،‬وقال احملقق ‪ :‬مل يتبني يل معناها (الاللكائي ‪ )7/1270‬والصحيح ما أثبته كما نقله ابن تيمية يف الصارم املسلول ص ‪67‬‬
‫ومعىن قرنان ‪ " - :‬هو الذي يشارك يف امرأته كأن يقرن به غريه ‪ ،‬وهو نعت سوء يف الرجل الذي ال غرية له " لسان العرب‪. 13/338‬‬
‫(‪ )6‬انظر أصول الاللكائي ‪. 7/1270‬‬
‫(‪ )1‬عمر بن حبيب العدوي البصري ‪ ،‬ويل قضاء البصرة ‪ ،‬ومات هبا سنة ‪ 207‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ، 9/490‬شذرات الذهب ‪. 2/17‬‬
‫(‪ )2‬هتذيب الكمال ‪. 1005 ، 2/1004‬‬
‫‪148‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫نثق في ذلك بنقل السلف‪ ،‬وجودة نظر الناظرين إلى ذلك منهم‪ ...‬فإذا قال قائل‪ - :‬إنهم أول ما‬
‫بدأوا بعد موته بظلم أهل بيته في الخلافة‪ ،‬وابنته في إرثها‪ ،‬وما هذا إلا لسوء اعتقاد في‬
‫المتوفي‪.‬‬
‫فإن الاعتقادات الصحيحة سيما في الأنبياء توجب حفظ قوانينهم بعدهم لا سيما في أهليهم‬
‫وذريتهم‪.‬‬
‫فإذا قالت الرافضة‪ :‬إن القوم استحلوا هذا بعده‪ ،‬خابت آمالنا في الشرع؛ لأنه ليس بيننا‬
‫وبينه إلا النقل عنهم والثقة بهم‪ .‬فإذا كان هذا محصول ما حصل لهم بعد موته خبنا في‬
‫المنقول‪ ،‬وزالت ثقتنا فيما عولنا عليه من اتباع ذوي العقول‪،‬‬
‫صـ‪434‬‬
‫ولم نأمن أن يكون القوم لم يروا ما يوجب اتباعه‪ ،‬فراعوه مدة الحياة‪ ،‬وانقلبوا عن‬
‫شريعته بعد الوفاة‪ ،‬ولم يبقى على دينه إلا الأقل من أهله‪ ،‬فطاحت الاعتقادات‪ ،‬وضعفت النفوس‬
‫عن قبول الروايات في الأصل‪ ،‬فهذا من أعظم المحن على الشريعة‪" )1(.‬‬
‫وقال الذهبي‪ " - :‬فمن طعن فيهم أو سبهم‪ ،‬فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين؛ لأن‬
‫الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم‪ ،‬وإضمار الحقد فيهم‪ ،‬وإنكار ما ذكره الله تعالى في‬
‫كتابه من ثنائه عليهم‪ ،‬وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وبيان فضائلهم‬
‫ومناقبهم وحبهم‪...‬‬
‫إلى أن قال – والطعن في الوسائط طعن الأصل‪ ،‬والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول‪ ،‬هذا‬
‫ظاهر لمن تدبره‪ ،‬وسلم من النفاق‪ ،‬ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته‪" )2(...‬‬
‫وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن القول بارتداد الصحابة عدا خمسة أو ستة نفر‪" - :‬‬
‫هدم لأساس الدين؛ لأن أساسه القرآن والحديث‪ ،‬فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر‪ ،‬وقع الشك في القرآن والأحاديث‪...‬‬
‫فهؤلاء أشد ضراراً على الدين من اليهود والنصارى‪ ،‬وفي هذه الهفوة الفسـاد من وجوه‪ ،‬فإنها‬
‫توجب إبطال الدين والشـك فيـه‪ ،‬وتجوز كتمان ما عورض به القرآن‪ ،‬وتجوز تغيير القرآن‪" )3(...‬‬
‫ويقول محمد صديق حسن خان (‪ " - :)4‬والعجب كل العجب من علماء الإسلام وسلاطين هذا الدين‬
‫كيف تركوهم {أي الرافضة} على هذا المنكر البالغ في القبح إلى غايته ونهايته‪ ،‬فإن هؤلاء‬
‫المخذولين لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها‪ ،‬طعنوا في أعراض الحاملين لها‪،‬‬
‫الذين لا طريق لنا إليها إلا من‬
‫صـ‪435‬‬
‫طريقهم‪ ،‬واستذلوا أهل العقول الضعيفة والإدراكات الركيكة بهذه الذريعة الملعونة‬
‫والوسيلة الشيطانية‪ ،‬فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة‪ ،‬ويضمرون العناد للشريعة ورفع‬
‫أحكامها عن العباد‪" )5(.‬‬
‫(هـ) إن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم تضليل الأمة المحمدية‪ ،‬ويتضمن أن هذه الأمة‬
‫شر الأمم‪ ،‬وأن سابقي هذه الأمة شرارها‪ ،‬وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام‪" )1(.‬‬
‫(‪ )1‬تلبيس إبليس البن اجلوزي ص ‪. 108 , 107‬‬
‫(‪ )2‬الكبائر ص ‪. 285‬‬
‫(‪ )3‬الرد على الرافضة ص ‪ = 13‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حممد صديق بن حسن احلسيين البخاري القنوجي ‪ ،‬عامل ‪ ،‬أمري ‪ ،‬نشأ يف اهلند ‪ ،‬وشارك يف أنواع من العلوم ‪ ،‬وله مؤلفات كثرية ‪ ،‬تويف سنة‬
‫‪ 1307‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬التاج املكلل ص ‪ ، 541‬ومعجم املؤلفني ‪. 10/90‬‬
‫(‪ )5‬الدين اخلالص ‪. 3/404‬‬
‫(‪ )1‬انظر الصارم املسلول ص ‪ ، 587‬واألعالم البن حجر اهليتمي ص ‪. 380‬‬
‫‪149‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫كما أن سبهم إنكار لما قام الإجماع عليه‪ ،‬قبل ظهور المخالف من فضلهم وشرفهم ومصادمة‬
‫للنصوص المتواترة من الكتاب والسنة في بيان علو مقامهم وعظيم شأنهم‪" )2(.‬‬
‫صـ‪436‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫االستهزاء بالعلماء والصالحين‬

‫‪ -1‬في مطلع هذا المبحث نشير إلى منزلة العلماء والصالحين‪ ،‬وواجبنا نحوهم فالعلماء‬
‫لهم المنزلة اللائقة بهم‪ ،‬فقد رفعهم الله تعالى وميزهم عن غيرهم‪ ،‬فقال سبحانه‪- :‬‬
‫َ‪33‬اتٍ و‬
‫َهَّللا‬
‫ُ‬ ‫َج‬‫در‬‫ََ‬ ‫لم‬ ‫ِْ‬ ‫الع‬ ‫ت‪33‬وا ْ‬ ‫ُوُ‬ ‫َأ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْو‬ ‫ُم‬ ‫ِنك‬ ‫ُوا م‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ِ هَّللا‬
‫َع‬ ‫ْف‬ ‫ير‬ ‫{َ‬
‫ِي‬ ‫َو‬‫يسْت‬
‫َْ‬‫هل‬ ‫ْ َ‬‫ُل‬ ‫ٌ} [المجادلة‪ ،‬آية ‪ ]11‬وقال تعالى‪{ - :‬ق‬ ‫ِير‬ ‫َب‬ ‫ن خ‬ ‫ُوَ‬ ‫َل‬ ‫ْم‬ ‫تع‬ ‫َا َ‬ ‫ِم‬‫ب‬
‫َ‪33‬ابِ}‬ ‫ُْلوا األَْلب‬ ‫ُو‬ ‫ُأ‬ ‫َّر‬
‫َك‬ ‫َذ‬ ‫يت‬ ‫َا َ‬ ‫نم‬ ‫َِّ‬‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫يع‬ ‫َ ال َ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫نو‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫يع‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َّ‬
‫[الزمـر‪ ،‬آية ‪ ]9‬واستشهد سبحانه بأولي العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم} [آل عمران‪،‬‬ ‫‪َ { -‬شه َد اللّهُ أَنَّهُ الَ إلَـهَ إالَّ ُه َو َوالْ َمالَئ َكةُ َوأ ُْولُواْ الْع ْلم قَآئ َماً بالْق ْسط الَ إلَـهَ إالَّ ُه َو الْ َعز ُيز احْلَك ُ‬
‫آية ‪.]18‬‬
‫وعن أبي الدرداء (‪ )3‬رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" - :‬‬
‫من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة‪ ،‬وإن العالم ليستغفر له من في‬
‫السموات ومن في الأرض‪ ،‬حتى الحيتان في الماء‪ ،‬وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر‬
‫الكواكب‪ ،‬وإن العلماء ورثة الأنبياء‪ ،‬إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً‪ ،‬إنما‬
‫ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ افر‪" )4(.‬‬
‫قال ابن القيم‪ " - :‬قوله‪{ - :‬إن العلماء ورثة الأنبياء} هذا من أعظم المناقب لأهل‬
‫العلم فإن الأنبياء خير خلق الله‪ ،‬فورثتهم خير الخلق بعدهم‪ ،‬ولما كان كل موروث ينتقل‬
‫ميراثه إلى ورثته‪ ،‬إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده‪ ،‬ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في‬
‫تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء‪ ،‬كانوا أحق الناس بميراثهم‪ ،‬وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب‬
‫الناس إليهم‪ ،‬فإن الميراث إنما يكون‬
‫صـ‪437‬‬
‫لأقرب الناس إلى الموروث‪ ،‬وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدرهم والدينار‪ ،‬فكذلك هو في‬
‫ميراث النبوة‪ ،‬والله يختص برحمته من يشاء‪ ،‬وفيه أيضاً إرشاد وأمر للأمة بطاعتهم‬
‫واحترامهم وتعزيرهم وتوقيرهم وإجلالهم‪ ...‬وفيه تنبيه على أن محبتهم من الدين وبغضهم مناف‬
‫للدين‪ ،‬كما هو ثابت موروثهم‪ ،‬وكذلك معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كما هو في‬
‫موروثهم‪ ،‬قال علي رضي الله عنه‪ - :‬محبة العلماء دين يدان به‪" )1(.‬‬
‫ومما قاله ابن رجب في شرح حديث أبي الدرداء و–‪-‬الذي سبق ذكره ‪- :-‬‬

‫(‪ )2‬انظر صحابة الرسول للكبيسيـ ص ‪. 337‬‬


‫(‪ )3‬أبو الدرداء عومير اخلزرجي ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬شهد أحداً ‪ ،‬واله معاوية قضاء الشام يف خالفة عمر ‪ ،‬روى عن النيب صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫مات سنة ‪32‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الإصابة ‪ ، 4/747‬وسير أعلام النبلاء ‪. 2/335‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ 2/407‬وأبو داود ح (‪ )3641‬والرتمذي ح(‪ )2646‬وابن ماجه ح (‪ ، )223‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب‬
‫للمنذري ‪. 1/33‬‬
‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة ‪ = 1/66‬باختصار يسري ‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫"وإنما يبغض المؤمن والعالم عصاة الثقلين؛ لأن معصيتهم لله اقتضت تقديم أهوائهم على‬
‫محبة الله وطاعته‪ ،‬فكرهوا طاعة الله وأهل طاعته‪ ،‬ومن أحب الله وأحب طاعته‪ ،‬أحب أهل طاعته‪،‬‬
‫وخصوصاً من دعا إلى طاعته وأمر الناس بها وأيضاً فإن العلم إذا ظهر في الأرض وعمل به درت‬
‫البركات‪ ،‬ونزلت الأرزاق‪ ،‬فيعيش أهل الأرض كلهم‪ ،‬حتى النملة وغيرها من الحيوانات ببركته‪...‬‬
‫وقد ظهر بهذا أن محبة العلماء العاملين من الدين‪ ،‬وفي الأثر المعروف‪-:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫" كن عالماً‪ ،‬أو متعلماً‪ ،‬أو مستمعاً‪ ،‬أو محباً لهم‪ ،‬ولا تكن الخامسة فتهلك‪" .‬‬
‫قال بعض السلف‪ :‬سبحان الله! لقد جعل الله لهم مخرجاً‪ ،‬يعني أنه لا يخرج عن هذه‬
‫الأربعة الممدوحة إلا الخامس الهالك‪ ،‬وهو من ليس بعالم‪ ،‬ولا متعلم‪ ،‬ولا مستمع‪ ،‬ولا محب‬
‫لأهل العلم وهو الهالك‪ ،‬فإن من أبغض أهل العلم‪ ،‬أحب هلاكهم‪ ،‬ومن أحب هلاكهم فقد أحب أن‬
‫يطفأ نور الله في الأرض‪ ،‬ويظهر فيها المعاصي والفساد‪ ،‬فيخشى أن لا يرفع له مع ذلك عمل‪ ،‬كما‬
‫قال سفيان الثوري وغيره من السلف‪" )3(.‬‬
‫صـ‪438‬‬
‫واحترام العلماء وتوقيرهم هو إجلال لله تعالى كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري (‪)4‬‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ " - :‬إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة‬
‫المسلم‪ ،‬وحامل القرآن غير الغالي فيه‪ ،‬ولا الجافي عنه‪ ،‬وإكرام ذي السلطان المقسط‪" )5(.‬‬
‫وعن عبادة بن الصامت (‪)1‬رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ " - :‬ليس‬
‫منا من لم يجل كبيرنا‪ ،‬ويرحم صغيرنا‪ ،‬ويعرف لعالمنا حقه (‪" )2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال طاووس رحمه الله‪ - :‬من السنة أن يوقر العالم‬
‫وما أجمل ما كتبه الآجري في وصف العلماء حيث قال رحمه الله‪-:‬‬
‫" إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان كما اختص من سائر‬
‫المؤمنين من أحب‪ ،‬فتفضل عليهم‪ ،‬فعلمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬وفقههم في الدين‪ ،‬وعلمهم التأويل‪،‬‬
‫وفضلهم على سائر المؤمنين‪ ،‬وذلك في كل زمان وأوان‪ ،‬رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم‪ ،‬بهم يعرف‬
‫الحلال من الحرام‪ ،‬والحق من الباطل‪ ،‬فضلهم عظيم‪ ،‬وخطرهم (‪ )4‬جزيل‪ ،‬ورثة الأنبياء‪،‬‬
‫صـ‪439‬‬

‫(‪ )2‬قال اهليثمي ‪ - :‬أخرجه الطرباين يف الثالثة والبزار ‪ ،‬ورجاله موثقون "‬
‫انظر ‪ :‬جممع الزوائد (‪. )1/122‬‬
‫(‪ )3‬شرح حديث أيب الدرداء ص ‪ = 32 – 30‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو عبد اهلل بن قيس بن سليم األشعري ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬وكان من قراء الصحابة ‪ ،‬وويل اإلمارة والقضاء يف خالفة عمر ‪ ،‬وشارك يف‬
‫الفتوحات ‪ ،‬صاحب صيام وصالة‪ ،‬تويف سنة ‪ 42‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 4/211‬وسري أعالم النبالء ‪. 2/380‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود ح (‪ )4843‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب ‪. 1/44‬‬
‫(‪ )1‬عبادة بن الصامت بن قيس اخلزرجي األنصاري ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬أحد النقباء يوم العقبة ‪ ،‬شهد املشاهد كلها بعد بدر ‪ ،‬وحضر الفتوحات ‪،‬‬
‫وروى عن النيب صلى الله عليه وسلم كثيراً ‪ ،‬تولى الإمارة والقضاء في الشام ‪ ،‬مات بالرملة سنة ‪ 34‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الإصابة ‪ ، 3/625‬وسير أعلام النبلاء ‪.2/5‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه احلاكم يف املستدركـ (‪ ، )1/122‬وحسنه األلباين ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬صحيح اجلامع الصغري (‪ ، )5319‬وصحيح الرتغيب والرتهيب ‪. 1/45‬‬
‫(‪ )3‬انظر جامع بيان العلم وفضله البن عبد الرب وفضله ‪. 1/129‬‬
‫(‪ )4‬خطرهم ‪ :‬أي شرفهم وقدرهم ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬املصباح املنري ص ‪ 208‬وخمتار الصحاح ص ‪. 180‬‬
‫‪151‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقرة عين الأولياء حياتهم غنيمة‪ ،‬وموتهم مصيبة‪ ،‬يذكرون الغافل‪ ،‬ويعلمون الجاهل‪ ،‬ولا‬
‫يتوقع لهم بائقة‪ ،‬ولا يخاف عنهم غائلة‪ ،‬جميع الخلق إلى علمهم محتاج‪ ،‬هم سراج العباد‪،‬‬
‫ومنار البلاد‪ ،‬وقوام الأمة‪ ،‬وينابيع الحكمة‪ ،‬هم غيظ الشيطان‪ ،‬بهم تحيا قلوب أهل الحق‪،‬‬
‫وتموت قلوب أهل الزيغ‪ ،‬مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر‬
‫والبحر‪ ،‬إذا انطمست النجوم تحيروا‪ ،‬وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا‪" )5(.‬‬
‫وأما الصالحون فهم أولياء الله تعالى من المقتصدين أصحاب اليمين والسابقين المقربين‪،‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َالَ ُ‬
‫ْو‬ ‫ِم‬
‫ْه‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫ٌع‬ ‫ْف‬‫َو‬‫ِ الَ خ‬ ‫َاء هّللا‬ ‫لي‬ ‫َو‬
‫ِْ‬ ‫نأ‬ ‫َال إ‬
‫َِّ‬ ‫قال الله تعالى في وصفهم وجزائهم‪{ - :‬أ‬
‫ِي‬ ‫َى ف‬ ‫ُشْر‬
‫الب‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ن {‪َ}63‬لُ‬ ‫ُوَ‬ ‫َّق‬ ‫يت‬ ‫َْ‬‫ُوا‬‫َان‬ ‫َك‬‫ْو‬‫ُوا‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ن {‪َّ }62‬‬ ‫ُوَ‬ ‫َن‬
‫ْز‬ ‫يح‬
‫َ‬
‫ْز‬
‫ُ‬ ‫َ‪33‬و‬ ‫الف‬
‫َ ْ‬‫هو‬‫ِكَ ُ‬ ‫َل‬
‫ِذ‬ ‫َاتِ هّللا‬ ‫ِم‬ ‫َل‬‫لك‬ ‫َِ‬ ‫ِيل‬‫ْد‬ ‫ِ الَ َ‬
‫تب‬ ‫َة‬‫ِي اآلخِر‬ ‫َف‬ ‫َا و‬ ‫ني‬ ‫ِ ُّ‬
‫الدْ‬ ‫َياة‬ ‫الح‬‫ْ‬
‫ُ} [يونس‪ ،‬آية ‪]64 ،62‬‬ ‫ِيم‬ ‫َظ‬
‫الع‬‫ْ‬
‫ُ هّللا‬
‫ُ‬ ‫ُم‬‫ُّك‬
‫ِي‬‫َل‬
‫َا و‬‫نم‬ ‫فهؤلاء الأولياء تجب محبتهم ومودتهم ونصرتهم كما قال تعال‪{ -:‬إ‬
‫َِّ‬
‫ْ} [المائدة‪ ،‬آية ‪.]55‬‬ ‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫هو‬ ‫ولُ‬‫َسُ ُ‬ ‫َر‬
‫و‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى‬
‫قال‪ " - :‬من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب‪ ،‬وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليّ مما‬
‫افترضت عليه‪ ،‬ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع‬
‫به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولئن سألني لأعطينه‬
‫(‪)1‬‬
‫ولئن استعاذني لأعيذنه "‬
‫يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث‪ " -:‬قوله عز وجل " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب‬
‫" يعني فقد أعلمته بأني محارب له‪ ،‬حيث كان محارباً لي بمعادة أوليائي‪ ...‬فأولياء الله تجب‬
‫موالاتهم‪ ،‬وتحرم معاداتهم‪ ،‬كما أن أعداءه تجب معاداتهم‪ ،‬وتحرم موالاتهم‪ ،‬قال تعالى‪- :‬‬
‫َا‬ ‫نم‬ ‫َاء} [الممتحنة‪ ،‬آية ‪ ]1‬وقال‪{ -:‬إ‬
‫َِّ‬ ‫لي‬ ‫َو‬
‫ِْ‬ ‫ْ أ‬‫ُم‬‫َّك‬
‫دو‬‫َُ‬‫َع‬‫ِّي و‬ ‫دو‬‫َُ‬‫ُوا ع‬ ‫َّخِذ‬ ‫تت‬‫{ال َ‬
‫ن‬
‫ت‪33‬وَ‬ ‫ُْ‬‫يؤ‬ ‫ةو‬
‫َُ‬ ‫َّالََ‬
‫ن الص‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيم‬ ‫يق‬ ‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫ْ َّ‬
‫الذ‬ ‫ُوا‬‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫هو‬ ‫ولُ‬
‫َسُ ُ‬‫َر‬‫ُو‬ ‫ُ هّللا‬
‫ُم‬‫ُّك‬
‫ِي‬ ‫َل‬
‫و‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬‫ِين‬‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫هو‬‫ولُ‬ ‫َسُ َ‬ ‫َر‬ ‫َو‬ ‫ل هّللا‬ ‫َو‬
‫ََّ‬ ‫يت‬
‫من َ‬ ‫‪ 3‬و‬
‫ََ‬ ‫ن {‪}55‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِع‬
‫َاك‬ ‫ْر‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ةو‬ ‫َاَ‬ ‫َّك‬
‫الز‬
‫ن} [المائدة‪ ،‬آية ‪ ،]56 ،55‬ووصف أحباءه الذين يحبهم‬ ‫ُوَ‬‫لب‬‫َاِ‬ ‫الغ‬‫ُ ْ‬‫هم‬‫ُِ‬ ‫َ هّللا‬
‫ْب‬ ‫ن حِز‬
‫إَّ‬ ‫ف‬
‫َِ‬
‫صـ‪440‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويحبونه بأنهم أذلة على المؤمنين‪ ،‬أعزة على الكافرين "‬
‫وبهذا يعلم أن الواجب تجاه العلماء والصالحين هو محبتهم ومودتهم‪ ،‬وتوقيرهم وإجلالهم‪،‬‬
‫كما جاءت به الشريعة‪ ،‬دون غلو وإفراط‪.‬‬
‫‪ -2‬ولا شك أن الاستهزاء بالعلماء أو الصالحين يضاد محبتهم وإجلالهم‪ ،‬فالاستهزاء بهم‬
‫يعني السخرية بهم والاستخفاف بهم‪" )3(.‬‬
‫قال الآلوسي‪ " - :‬الاستهزاء‪ :‬الاستخفاف والسخرية‪ ،‬وذكر الغزالي أن الاستهزاء‬
‫الاستحقار والاستهانة والتنبيه علـى العيوب والنقائص على وجه يضحك منه‪ ،‬وقد يكون ذلك‬
‫بالمحاكاة في الفعل والقول‪ ،‬وبالإشارة والإيماء‪ ...‬وأصل هذه المادة الخفة‪ ،‬يقال‪ :‬ناقة‬
‫تهزأ به أي‪ :‬تسرع وتخف‪" )4(.‬‬
‫(‪ )5‬أخالق العلماء ص ‪ = 83 – 81‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الرقاق (‪ . )11/340‬ح (‪)6502‬‬
‫(‪ )2‬جامع العلوم واحلكم ‪ = 2/334‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ، 1/183‬واملصباح املنري ص ‪. 787‬‬
‫(‪ )4‬روح املعاين ‪ = 1/158‬باختصار ‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إن الاستهزاء بأهل العلم والصلاح صفة من صفات الكافرين‪ ،‬وخصلة من خصال المنافقين‪ ،‬كما‬
‫قرر ذلك القرآن في آيات كثيرة‪.‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين َّات َقواْـ َف ْو َق ُه ْم َي ْو َم‬
‫ين َآمنُواْ َوالذ َ‬ ‫يقول الله تعالى‪ُ { - :‬زيِّ َن للَّذ َ‬
‫ين َك َف ُرواْ احْلَيَاةُ ُّ‬
‫الد ْنيَا َويَ ْس َخُرو َن م َن الذ َ‬
‫اب} [البقرة‪ ،‬آية ‪.]212‬‬ ‫الْ ِقيام ِـة واللّهُ ير ُز ُق من ي َشاء بِغَرْيِ ِحس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ‬
‫ْ‬‫هم‬ ‫ُسَُ‬ ‫ُوا أنف‬ ‫َ‬ ‫ِر‬ ‫َس‬ ‫َخ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ِكَ َّ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُ‬
‫َأو‬ ‫هف‬ ‫ُُ‬‫ِين‬ ‫َاز‬ ‫مو‬ ‫َْ‬ ‫َّت‬
‫َف‬ ‫ْخ‬ ‫من‬ ‫ََ‬‫وقال سبحانه‪{ - :‬و‬
‫ن‬
‫ُوَ‬ ‫لح‬ ‫َاِ‬ ‫ها ك‬ ‫ِيَ‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ُو‬‫َّار‬ ‫ُ الن‬ ‫هم‬ ‫هُ‬‫ُوَ‬ ‫ُج‬ ‫ُو‬ ‫َح‬ ‫لف‬ ‫تْ‬ ‫ن {‪َ }103‬‬ ‫دوَ‬ ‫لُ‬ ‫َاِ‬ ‫َخ‬ ‫َّم‬‫هن‬ ‫ََ‬ ‫ِي ج‬ ‫ف‬
‫ن {‪}105‬‬ ‫بوَ‬ ‫َ‪ِّ 3‬‬
‫‪3‬ذُ‬ ‫تك‬
‫ها ُ‬ ‫َِ‬ ‫ُم ب‬ ‫ُنت‬ ‫َك‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫لي‬‫ََ‬ ‫لى ع‬ ‫َْ‬‫تت‬ ‫ِي ُ‬ ‫يات‬ ‫ْ آَ‬ ‫ُن‬‫تك‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬‫{‪ }104‬أ‬
‫َ {‪}106‬‬ ‫الين‬ ‫ض‪ِّ 33‬‬ ‫ما َ‬ ‫ًْ‬‫َو‬ ‫َّا ق‬ ‫ُن‬ ‫َك‬ ‫َا و‬ ‫تن‬ ‫َُ‬ ‫ْو‬ ‫ش‪33‬ق‬ ‫َا ِ‬ ‫ْن‬‫لي‬‫ََ‬ ‫ْع‬ ‫َت‬ ‫لب‬ ‫ََ‬‫َا غ‬ ‫بن‬ ‫‪3‬الوا ر‬
‫ََّ‬ ‫َ‪ُ 3‬‬ ‫ق‬
‫ُوا‬ ‫ْسَؤ‬ ‫ل اخ‬ ‫َاَ‬ ‫‪ 3‬ق‬ ‫ن {‪}107‬‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬ ‫َاِ‬ ‫َّا ظ‬ ‫إن‬ ‫َِ‬ ‫َا ف‬ ‫دن‬ ‫ُْ‬ ‫نع‬ ‫إْ‬‫َِ‬ ‫ها ف‬ ‫َْ‬‫ِن‬‫َا م‬ ‫ْن‬‫ِج‬‫ْر‬ ‫َخ‬ ‫َا أ‬ ‫بن‬ ‫ََّ‬‫ر‬
‫َا‬ ‫بن‬ ‫ََّ‬ ‫نر‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ِي َ‬ ‫َاد‬ ‫ِب‬ ‫ْع‬ ‫من‬ ‫ٌ ِّ‬ ‫ِيق‬ ‫َر‬‫نف‬ ‫َاَ‬ ‫هك‬ ‫نُ‬ ‫‪ 3‬إ‬
‫َِّ‬ ‫ُونِ {‪}108‬‬ ‫َلم‬‫تكِّ‬‫َال ُ‬ ‫ها و‬ ‫ِيَ‬ ‫ف‬
‫َ {‪}109‬‬ ‫ِين‬ ‫َّاحِم‬ ‫ُ ال‪333‬ر‬ ‫ْ‪333‬ر‬ ‫َي‬ ‫َخ‬ ‫َنت‬ ‫َأ‬ ‫َا و‬ ‫من‬ ‫َْ‬ ‫ْح‬ ‫َار‬ ‫َا و‬ ‫ْ َلن‬‫ِر‬‫ْف‬ ‫َ‪333‬اغ‬ ‫َّا ف‬ ‫من‬ ‫آَ‬
‫ن{‬ ‫ُوَ‬ ‫َك‬ ‫ْ‪3‬ح‬ ‫تض‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫من‬‫ُم ِّ‬ ‫ُنت‬ ‫َك‬ ‫ِي و‬ ‫ْ‪33‬ر‬ ‫ِك‬‫ْذ‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫َنسَو‬ ‫َّى أ‬ ‫َت‬ ‫يا ح‬ ‫ِخْر‬
‫ًِّ‬ ‫ْس‬ ‫هم‬‫ُوُ‬ ‫تم‬ ‫ذُ‬‫َاتخَْ‬ ‫ف َّ‬
‫َ}‬ ‫ُون‬ ‫ِز‬ ‫َ‪33‬ائ‬ ‫الف‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ُْ‬ ‫هم‬
‫نُ‬ ‫ََّ‬
‫ُوا أ‬ ‫َر‬ ‫ص‪33‬ب‬ ‫َا َ‬ ‫ِم‬ ‫َب‬ ‫ْم‬ ‫َ‪33‬و‬ ‫الي‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬ ‫يت‬‫َْ‬‫َ‪33‬ز‬ ‫ِّي ج‬‫ِن‬ ‫‪ }110‬إ‬
‫[المؤمنون‪ ،‬آية ‪.]111 ،103‬‬
‫ُوا‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ م‬
‫ِن‬ ‫ُوا‬ ‫َان‬ ‫موا ك‬ ‫َُ‬ ‫ْر‬ ‫َج‬ ‫َ أ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ن َّ‬ ‫وقال سبحانه‪{ -:‬إ‬
‫َِّ‬
‫ْ‬‫‪3‬وا‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫لب‬ ‫ََ‬ ‫َا انق‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬‫ن {‪}30‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫مز‬ ‫َاَ‬ ‫َغ‬ ‫يت‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫ُّوا‬ ‫مر‬‫َا َ‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ن {‪ 3 }29‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫َك‬ ‫ْح‬ ‫يض‬ ‫َ‬
‫ُالء‬ ‫ه ‪3‬ؤ‬ ‫نَ‬ ‫َِّ‬ ‫‪3‬الوا إ‬ ‫َ‪ُ 3‬‬ ‫ْق‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫َأو‬‫َ‬ ‫َا ر‬ ‫ِذ‬‫َإ‬ ‫َ {‪}31‬و‬ ‫ِين‬ ‫ِه‬‫َك‬‫ْف‬ ‫ُوا‬ ‫لب‬‫ََ‬
‫ُ انق‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫هل‬ ‫َ‬
‫َِلى أْ‬ ‫إ‬
‫َ} [المطففين‪ ،‬آية ‪.]33 -29‬‬ ‫ِين‬ ‫ِظ‬ ‫َاف‬ ‫ْح‬ ‫ِم‬ ‫ْه‬ ‫لي‬ ‫ََ‬ ‫ُوا ع‬ ‫ِل‬‫ْس‬ ‫ُر‬ ‫ما أ‬ ‫ن {‪ }32‬و‬
‫ََ‬ ‫الوَ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َلض‬
‫صـ‪441‬‬
‫اطينِ ِه ْم قَالُواْ إِنَّا‬‫وقال تعالى في شأن المنافقين‪{ - :‬وإِ َذا لَ ُقواْ الَّ ِذين آمنُواْـ قَالُواْ آمنَّا وإِ َذا خلَواْ إِىَل َشي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ُّه ْم يِف طُ ْغيَاهِنِ ْم َي ْع َم ُهو َن} [البقرة‪ ،‬آية ‪–،14‬‬ ‫هِبِ‬
‫َم َع ُك ْم إِمَّنَا حَنْ ُن ُم ْسَت ْه ِز ُؤو َن {‪ }14‬ـ اللّهُ يَ ْسَت ْه ِزىءُ ْم َومَيُد ُ‬
‫‪.]15‬‬
‫َاتِ‬ ‫دق‬ ‫الص‪َ333‬‬ ‫َّ‬ ‫ِي‬ ‫َف‬‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُ‪333‬ؤ‬ ‫الم‬ ‫َ ْ‬ ‫ِن‬ ‫َم‬ ‫ِين‬ ‫ِّع‬ ‫َّو‬
‫ُط‬ ‫الم‬
‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِ‪333‬ز‬ ‫لم‬ ‫يْ‬‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫{ َّ‬
‫ْ‬‫هم‬ ‫ََلُ‬ ‫ْو‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫ُم‬ ‫س‪33‬خِر‬
‫َ هّللا‬ ‫َْ‬ ‫هم‬‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫نم‬ ‫ُوَ‬ ‫س‪33‬خَر‬ ‫َْ‬ ‫َي‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫دُ‬ ‫هَ‬‫ُْ‬‫ِالَّ ج‬ ‫نإ‬ ‫دوَ‬ ‫يجُِ‬ ‫َ الَ َ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫و‬
‫ٌ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]79‬‬ ‫ِيم‬ ‫َل‬ ‫ٌأ‬ ‫َاب‬ ‫َذ‬ ‫ع‬
‫ولقد حرص أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وأذنابهم من منافقي هذا الزمان على تشويه‬
‫سمعة العلماء‪ ،‬وزعزعة مكانتهم في نفوس الأمة المسلمة‪.‬‬
‫فمما جاء في البروتوكول السابع عشر من بروتوكولات اليهود‪-:‬‬
‫" وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين من الأمميين (غير اليهود) في أعين‬
‫الناس‪ ،‬وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤوداً في طريقنا‪،‬‬
‫وإن نفوذ رجال الدين على الناس ليتضاءل يوماً فيوماً‪" )1(.‬‬
‫وسعى هؤلاء في سبيل ذلك سعياً حثيثاً‪ ،‬فشنوا الحملات المسعورة‪ ،‬وأعدوا المخططات‬
‫الرهيبة من أجل الكيد لهذا الدين والصد عنه‪ ،‬عن طريق الطعن في حملة الإسلام ودعاته‬
‫وعلمائه‪ ،‬وقد آتت هذه المؤامرات ثمارها النكدة كما هو مشاهد في واقع الأمة‪ ،‬وتولت وسائل‬

‫(‪ )1‬بروتوكوالت حكماء صهيون ‪ /‬ترمجة حممد خليفة التونسي ص ‪. 187‬‬


‫‪153‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫الإعلام في بلاد المسلمين وغيرها كبر هذه الهجمة الشرسة على علماء الأمة (‪ ،)2‬فظهر‬
‫الاستهزاء بالعلماء والصالحين على وسائل الإعلام المختلفة‪ ،‬وتطاول الأقزام من أهل‬
‫الشبهات والشهوات على مقامات أهل العلم والصلاح باسم حرية الرأي والفكر!‪ ،‬واستهزئ بأهل‬
‫الصلاح والديانة تحت مظلة محاربة التطرف والتشدد!‬
‫وساعد على استفحال هذا المنكر أسباب كثيرة‪ ،‬فبالإضافة إلى ما سبق ذكره‪ ،‬نذكر أيضاً من‬
‫تلك الأسباب‪-:‬‬
‫غلبة الجهل بدين الله تعالى بين المسلمين‪ ،‬سواء كان الجهل بحرمة المسلم وعظيم حقه‬
‫ومنزلته‪ ،‬أو الجهل بحكم الاستهزاء بأهل العلم والصلاح‪ .‬وسبب‬
‫صـ‪442‬‬
‫آخر وهو تنحية شرع الله تعالى في بلاد المسلمين‪ ...‬فلو أن حد الردة– مثلاً– أقيم على‬
‫من يستحقه‪ ...‬فلن يتطاول سفيه على فتاوى أهل العلم‪ ،‬كما هو واقعنا الآن‪ ،‬ولن يسخر مريض قلب‬
‫من استقامة أهل الديانة وطهرهم‪ ،‬والله حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫إن الاستهزاء بالعلماء والصالحين على ضربين‪-:‬‬
‫أحدهما‪ -:‬الاستهزاء بأشخاصهم‪ ،‬كمن يستهزئ بأوصافهم الخلقية أو الخلقية‪ ،‬وهذا محرم‬
‫َن‬‫َسَى أ‬‫ٍع‬ ‫ْم‬‫َو‬
‫من ق‬ ‫َوم‬
‫ٌ ِّ‬ ‫ْق‬ ‫يسْخَر‬‫ُوا ال َ‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ها َّ‬ ‫يَ‬‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫لقوله تعالى‪َ{ - :‬‬
‫َال‬
‫َّ و‬
‫هن‬ ‫من‬
‫ُْ‬ ‫ًا ِّ‬
‫ْر‬‫َي‬
‫َّ خ‬‫ُن‬
‫يك‬‫َن َ‬‫َسَى أ‬ ‫ِّسَاء ع‬ ‫من ن‬ ‫ِسَاء ِّ‬‫َال ن‬
‫ْو‬ ‫هم‬ ‫من‬
‫ُْ‬ ‫ًا ِّ‬
‫ْر‬‫َي‬
‫ُوا خ‬ ‫ُون‬ ‫يك‬‫َ‬
‫د‬
‫ْ‪َ33‬‬ ‫بع‬‫َُ‬‫ُسُوق‬ ‫الف‬
‫ُ ْ‬ ‫ِسْم‬
‫ْسَ اال‬‫ِئ‬‫َابِ ب‬ ‫َ‬
‫ِاألْلق‬ ‫ُوا ب‬ ‫بز‬‫َاَ‬‫تن‬‫َال َ‬‫ْو‬‫ُم‬‫ُسَك‬ ‫َ‬
‫ُوا أنف‬ ‫ِز‬‫لم‬‫تْ‬‫َ‬
‫ن} [الحجرات‪ ،‬آية ‪.]11‬‬‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َّاِ‬‫ُ الظ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫َأ‬
‫ْف‬ ‫ُب‬‫يت‬ ‫من َّلم‬
‫َْ‬ ‫ََ‬‫َانِ و‬‫ِيم‬ ‫اإل‬
‫قال ابن كثير في تفسير هذه الآية‪ " - :‬ينهى تعالى عن السخرية بالناس‪ ،‬وهو احتقارهم‬
‫والاستهزاء بهم‪ ،‬كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنه قال " الكبر بطر‬
‫الحق وغمص الناس (‪ " )1‬ويروى وغمط الناس‪.‬‬
‫والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند‬
‫الله تعالى‪ ،‬وأجب إليه من الساخر منه المحتقر له‪" )2( ...‬‬
‫والضرب الآخر‪ - :‬الاستهزاء بالعلماء لكونهم علماء‪ ،‬ومن أجل ما هم عليه من العلم‬
‫الشرعي‪ ،‬فهذا كفر؛ لأنه استهزاء بدين الله تعالى‪ ،‬وكذا الاستهزاء بأهل الصلاح من أجل‬
‫استقامتهم على الديانة‪ ،‬واتباعهم للسنة‪ ،‬فالاستهزاء – هاهنا – متوجه إلى الدين والسنة‪.‬‬
‫ومن المناسب هاهنا أن نورد تعقيباً لابن حجر الهيتمي على ما قاله أحد علماء الأحناف –‬
‫(‪)3‬‬
‫عند ذكره لنواقض الإيمان – فقال هذا الحنفي‬
‫(‪)4‬‬
‫أو قال‪ :‬إيش مجلس الوعظ‪ ،‬او العلم لا يثرد ‪ ،‬أو وعظ على سبيل‬
‫صـ‪443‬‬
‫الاستهزاء‪ ،‬أو ضحك على وعظ العلم‪ ،‬أو قال‪ :‬إيش هذا القبيح الذي خففت شاربك‪ ،‬أو قال‬
‫بئسما أخرجت السنة‪ " )5(.‬أهـ كلامه‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ - :‬املشايخ واالستعمار حلسين عثمان ‪ ،‬والقول املبني يف حكم االستهزاء باملؤمنني لعبد السالم آل عبد الكرمي ‪ ،‬واالستهزاء بالدين وأهله‬
‫حملمد القحطاين ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلمـ ك اإلميان (‪ . )1/93‬ح (‪)91‬‬
‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪. 4/213‬‬
‫(‪ )3‬مل يذكر ابن حجر اهليتمي اسم هذا العامل ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ال يثرد من قوهلم " ثرد اخلبز ‪ :‬أي فتنه مث بله مبرق (انظر اللسان ‪ ، )3/102‬وظاهر العبادة السابقة ‪ :‬العلم ال يثرد ‪ ...‬االستهزاء بالعلم واحتقاره‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )5‬اإلعالم البن حجر ص ‪. 373 ، 372‬‬
‫‪154‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فعقب ابن حجر قائلاً‪ " -:‬ما ذكره في إيش مجلس الوعظ‪ ..‬الخ‪ ،‬إنما يتجه إن أراد‬
‫الاستهزاء‪ ،‬وكذا إن أطلق على احتمال قوي فيه لظهور هذا اللفظ في الاستخفاف بمجلس الوعظ‬
‫والعلم‪.‬‬
‫وما ذكره في الوعظ استهزاء إنما يتجه إن أراد الاستهزاء بالواعظ وكذا بالوعظ من حيث هو‬
‫وعظ‪ ،‬أما لو أراد الاستهزاء بالواعظ‪ ،‬أو بكلماته‪ ،‬لا من حيث كونه واعظاً فلا يتجه الكفر‬
‫حينئذ‪ ،‬وكذا يقال في الضحك على الوعظ‪" )1(.‬‬
‫ولما كان الاستهزاء بالعلماء والصالحين محتملاً للضربين المذكورين آنفاً‪ ،‬صار محلاً‬
‫للخلاف (‪ ،)2‬وبهذا التفريق بينهما يزول الإشكال‪ ،‬ويرتفع الخلاف‪.‬‬
‫‪ -3‬وأما وجه كون هذا الاستهزاء يناقض الإيمان‪ ،‬فلما يلي‪-:‬‬
‫(أ) أن الله عز وجل جعل الاستهزاء بالمؤمنين استهزاء بالله تعالى وآياته ورسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم(‪ ،)1‬فقال تبارك وتعالى‪-:‬‬
‫ن {‪ 33}65‬الَ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِؤ‬‫هز‬ ‫س‪33‬ت‬
‫َْ‬ ‫تْ‬‫َْ‬ ‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِك‬ ‫له‬‫س‪33‬وِ‬ ‫َُ‬‫َر‬‫ِو‬ ‫ِ‪33‬ه‬‫يات‬‫َآَ‬ ‫ِو‬ ‫َب‬
‫ِاهّلل‬ ‫ْأ‬‫ُـل‬ ‫{ق‬
‫ْ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]66 ،65‬‬ ‫ُم‬‫ِك‬‫َان‬‫ِيم‬ ‫دإ‬ ‫بع‬
‫َْ‬ ‫تم َ‬‫ُْ‬‫َر‬
‫َف‬ ‫دك‬‫َْ‬‫ْق‬‫ُوا‬‫ِر‬‫َذ‬‫ْت‬‫تع‬‫َ‬
‫فقد جاء في سبب نزول هذه الآيات عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رجل في‬
‫)‬‫‪3‬‬ ‫(‬
‫غزوة تبوك في مجلس‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً (‪ ،)4‬ولا أكذب ألسناً‪ ،‬ولا أجبن‬
‫عند اللقاء‪ ،‬فقال رجل في المجلس‪:‬‬
‫صـ‪444‬‬
‫كذبت‪ ،‬ولكنك منافق‪ ،‬لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ونزل القرآن‪ .‬قال عبد الله بن عمر‪ :‬فأنا رأيته متعلقاً بحقب (‪ )5‬ناقة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬تنكبه الحجارة‪ ،‬وهو يقول‪ - :‬يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب‪،‬‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ِ ك‬
‫ُنت‬ ‫له‬ ‫َسُوِ‬ ‫ِو‬
‫َر‬ ‫ِه‬
‫يات‬‫َآَ‬ ‫ِ و‬‫ِاهّلل‬‫َب‬
‫ْأ‬ ‫ُل‬‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪{ - :‬ق‬
‫ُم‬
‫ْ}(‪" )6‬‬ ‫ِك‬‫َان‬‫ِيم‬‫دإ‬ ‫بع‬
‫َْ‬ ‫تم َ‬ ‫َر‬
‫ُْ‬ ‫َف‬‫دك‬ ‫َْ‬‫ْق‬‫ُوا‬ ‫ِر‬‫َذ‬‫ْت‬
‫تع‬‫ن {‪ }65‬الَ َ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِؤ‬
‫هز‬‫َْ‬‫تسْت‬‫َ‬
‫ونورد جملة من كلام أهل العلم في بيان ذلك‪- :‬‬
‫يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬رحمهم الله – في هذا الشأن "‬
‫وفيه بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها‪ ،‬أو بعمل يعمل به‪ ...‬ومن هذا الباب‬
‫الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله‪" )7(.‬‬

‫(‪ )1‬اإلعالم البن حجر ص ‪. 373 ، 372‬‬


‫(‪ )2‬انظر روضة الطالبني للنووي ‪ ، 10/68‬واإلعالم البن حجر ص ‪. 362‬‬
‫(‪ )1‬انظر فتاوي اللجنة الدائمة ‪. 15 ،2/14‬‬
‫(‪ )3‬عبد اهلل بن عمـر بن اخلطاب القرشي العدوي ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬أسلم مع أبيه ‪ ،‬روى أحاديث كثرية ‪ ،‬عرف بالزهد والورع ‪ ،‬وكثرة التعبد‬
‫وحتري السنة ‪ ،‬مات سنة ‪ 73‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 4/181‬وسري أعالم النبالء ‪. 3/203‬‬
‫(‪ )4‬أي ‪ :‬أوسع بطوناً ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬الفائق يف غريب احلديث للزخمشري ‪. 2/69‬‬
‫(‪ )5‬احلقب ‪ :‬حبل يشد به رحل البعري إىل بطنه ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬املرجع السابق ‪. 1/300‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الطربي يف تفسريه ‪ ، 10/104‬وانظر الصحيح املسند من أسباب النزول ملقبل الوادعي ص ‪. 77‬‬
‫(‪ )7‬قرة عيون املوحدين ص ‪. 217‬‬
‫‪155‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وسئل الشيخ حمد بن عتيق‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن معنى قول الفقهاء‪ :‬من قال يا فقيه بالتصغير‬
‫يكفر‪ ..‬فكان من جوابه‪ " - :‬اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله‪ ،‬أو رسوله‪،‬‬
‫أو كتابه فهو كافر‪ ،‬وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء‪ ،‬واستدلوا بقوله تعالى‪- :‬‬
‫ِ‬
‫ِ‪3‬ه‬ ‫يات‬‫َآَ‬ ‫ِو‬ ‫َب‬
‫ِاهّلل‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬‫ُق‬ ‫َب‬‫لع‬‫نْ‬‫ََ‬
‫َخُوضُ و‬‫َّا ن‬‫ُن‬‫َا ك‬ ‫نم‬ ‫َّ إ‬
‫َِّ‬ ‫ُولن‬
‫َق ُ‬ ‫ْ َلي‬‫هم‬‫َُ‬‫َْلت‬
‫ِن سَأ‬‫ََلئ‬
‫{و‬
‫د‬
‫ْ ‪َ3‬‬‫بع‬
‫تم َ‬ ‫ُْ‬‫َ ‪3‬ر‬ ‫َف‬‫دك‬‫َ ‪ْ3‬‬‫ْق‬ ‫ُوا‬‫ِر‬‫َ ‪3‬ذ‬
‫ْت‬‫تع‬‫ن {‪ 3 }65‬الَ َ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِؤ‬‫هز‬ ‫تسْت‬
‫َْ‬ ‫َْ‬‫ُم‬‫ُنت‬‫ِك‬ ‫له‬‫َسُوِ‬‫َر‬‫و‬
‫ْ} [التوبة‪ ،‬آية ‪.]66 ،65‬‬ ‫ُم‬‫ِك‬
‫َان‬ ‫ِيم‬ ‫إ‬
‫وسبب النزول مشهور‪ ،‬وأما قول القائل‪ :‬فقيه‪ ،‬أو عويلم‪ ،‬أو مطيويع ونحو ذلك‪ ،‬فإذا كان‬
‫قصد القائل الهزل‪ ،‬أو الاستهزاء بالفقه أو العلم أو الطاعة‪ ،‬فهذا كفر أيضاً ينقل عن الملة‬
‫فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً‪" )1(.‬‬
‫صـ‪445‬‬
‫ِ‬
‫ِه‬‫يات‬‫َآَ‬ ‫ِ و‬‫ِاهّلل‬‫َب‬‫وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (‪ " - :)2‬قوله تعالى‪{ - :‬أ‬
‫ِ‪ }..‬الآيات أي فليس لكم عذر؛ لأن هذا لا يدخله الخوض واللعب‪ ،‬وإنما تحترم هذه‬ ‫له‬‫َسُوِ‬‫َر‬‫و‬
‫الأشياء وتعظم ويخشع عندها إيماناً بالله ورسوله‪ ،‬وتعظيماً لآياته‪ ،‬وتصديقاً وتوقيراً‪،‬‬
‫والخائض واللاعب منتقص لها‪ ،‬ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله‪ ،‬وعدم احترامهم‪ ،‬أو‬
‫الوقيعة فيهم لأجله‪" )3(.‬‬
‫وجاء في فتوى اللجنة الدائمة ما يلي‪-:‬‬
‫" سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة‪ ،‬والاستهزاء بالمتمسك بها نظراً لما‬
‫تمسك به كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة‪ ،‬هذا كفر إذا صدر من مكلف‪ ،‬وينبغي أن يبين له أن هذا‬
‫ِ‬
‫له‬‫َسُوِ‬‫َر‬‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫يات‬ ‫َآَ‬‫ِو‬ ‫َب‬
‫ِاهّلل‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬
‫كفر‪ ،‬فإن أصر بعد العلم فهو كافر‪ ،‬قال الله تعالى‪{ - :‬ق‬
‫ْ}‬‫ُم‬‫ِك‬
‫َ‪33‬ان‬ ‫ِيم‬ ‫دإ‬ ‫ْ‪َ33‬‬‫بع‬‫تم َ‬ ‫َر‬
‫ُْ‬ ‫َف‬‫دك‬‫َْ‬‫ْق‬‫ُوا‬ ‫ِر‬‫َذ‬‫ْت‬‫تع‬ ‫ن {‪ 33}65‬الَ َ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِؤ‬‫هز‬ ‫تسْت‬
‫َْ‬ ‫َْ‬‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ك‬
‫(‪)4‬‬
‫[التوبة‪ ،‬آية ‪" ]66 ،65‬‬
‫(ب) ذكر الله عز وجل أن الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين سبب في دخول نار جهنم‪ ،‬وعدم‬
‫الخروج منها‪.‬‬
‫َّا‬
‫إن‬ ‫َا ف‬
‫َِ‬ ‫دن‬‫ُْ‬ ‫نع‬ ‫إْ‬ ‫ها ف‬
‫َِ‬ ‫َْ‬‫ِن‬
‫َا م‬ ‫ْن‬
‫ِج‬‫ْر‬‫َخ‬‫َا أ‬‫بن‬ ‫فعندما ينادي أهل النار قائلين‪{ -:‬ر‬
‫ََّ‬
‫ن} [المؤمنون‪ ،‬آية ‪.]107‬‬ ‫ُوَ‬‫لم‬‫َاِ‬ ‫ظ‬
‫ُونِ {‪}108‬‬ ‫َلم‬‫تكِّ‬‫َال ُ‬‫ها و‬ ‫ِيَ‬‫ُوا ف‬ ‫ْسَؤ‬‫ل اخ‬ ‫َاَ‬ ‫يقول الله تعالى جواباً عنهم‪{ -:‬ق‬
‫َا‬‫ْ َلن‬
‫ِر‬‫ْف‬‫َ‪33‬اغ‬ ‫َّا ف‬‫من‬‫َا آَ‬ ‫بن‬ ‫نر‬
‫ََّ‬ ‫ُ‪ 33‬وَ‬‫ُول‬ ‫يق‬‫ِي َ‬ ‫َ‪33‬اد‬ ‫ِب‬‫ْع‬‫من‬ ‫ِي‪33‬ق‬
‫ٌ ِّ‬ ‫َر‬
‫نف‬ ‫َ‪33‬اَ‬ ‫هك‬‫نُ‬ ‫إ‬
‫َِّ‬
‫َّى‬
‫َت‬‫يا ح‬ ‫ِخْر‬
‫ًِّ‬ ‫ْس‬ ‫هم‬‫ُوُ‬‫تم‬ ‫ذُ‬ ‫َاتخَْ‬
‫َ {‪ 3}109‬ف َّ‬ ‫ِين‬ ‫َّاحِم‬ ‫ُ الر‬ ‫ْر‬‫َي‬‫َخ‬ ‫َنت‬ ‫َأ‬
‫َا و‬ ‫من‬
‫َْ‬‫ْح‬‫َار‬ ‫و‬
‫ن} [المؤمنون‪ ،‬آية ‪.]110 –،108‬‬ ‫ُوَ‬ ‫َك‬‫ْح‬‫تض‬ ‫َْ‬‫هم‬ ‫ُْ‬‫من‬
‫ُم ِّ‬‫ُنت‬‫َك‬ ‫ِي و‬‫ْر‬‫ِك‬
‫ْذ‬ ‫ُم‬
‫ْك‬‫َنسَو‬ ‫أ‬
‫وتوضيحاً لذلك نسوق أقوال بعض المفسرين لهذه الآيات‬
‫فمما قاله أبو السعود رحمه الله‪ " - :‬وقوله تعالى‪{ - :‬إنه} تعليل لما قبله من الزجر‬
‫ِي} [وهم المؤمنون‪{ ..‬يقولون} في‬ ‫َاد‬ ‫ِب‬
‫ْ ع‬ ‫من‬‫ٌ ِّ‬‫ِيق‬ ‫َر‬‫ن ف‬‫َاَ‬ ‫عن الدعاء أي أن الشأن {ك‬
‫(‪ )1‬الدررـ السنية ‪ = 8/242‬باختصار يسري ‪.‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرمحن بن حممد قاسم العاصمي القحطاين ‪ ،‬من علماء جند املعاصرين ‪ ،‬له مؤلفات كثرية ‪ ،‬مجع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ورتب فتاوى علماء جند‬
‫‪ ،‬تويف عام ‪ 1392‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬علماء جند ‪. 2/414‬‬
‫(‪ )3‬حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد ‪ ،‬ص ‪. 323‬‬
‫(‪ )4‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪. 257 ، 1/256‬‬
‫‪156‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ {‬ ‫ِين‬ ‫َّاحِم‬‫ُ الر‬ ‫ْر‬‫َي‬‫َ خ‬‫َنت‬ ‫َأ‬‫َا و‬‫ْن‬‫َم‬‫ْح‬‫َار‬ ‫َا و‬ ‫ْ َلن‬‫ِر‬‫ْف‬‫َاغ‬ ‫َّا ف‬ ‫من‬‫َا آَ‬ ‫بن‬ ‫الدنيا {ر‬
‫ََّ‬
‫يا} أي اسكتوا عن الدعاء بقولكم ربنا الخ؛ لأنكم كنتم‬ ‫ِخْر‬
‫ًِّ‬ ‫ْس‬‫هم‬ ‫ُوُ‬ ‫تم‬‫ذُ‬‫َاتخَْ‬
‫‪ 3‬ف َّ‬ ‫‪}109‬‬
‫تستهزئون بالداعين بقولهم ربنا آمنا الخ‪ ،‬وتتشاغلون باستهزائهم " حتى أنسوكم " أي‬
‫ن} وذلك‬ ‫ُوَ‬ ‫َك‬‫ْح‬‫تض‬
‫َْ‬ ‫هم‬ ‫من‬
‫ُْ‬ ‫ُم ِّ‬‫ُنت‬ ‫َك‬
‫الاستهزاء بهم {ذكري} من فرط اشتغالكم باستهزائهم {و‬
‫(‪)1‬‬
‫غاية الاستهزاء‪.‬‬
‫ويقول الآلوسي‪ - :‬قيل‪ :‬التعليل على معنى إنما خسأناكم كالكلب ولم نحتفلكم إذ دعوتكم؛‬
‫لأنكم استهزأتم غاية الاستهزاء بأوليائي حين دعوا واستمر ذلك منكم حتى نسيتم ذكري‬
‫بالكلية ولم تخافوا عقابي فهذا جزاؤكم‪.‬‬
‫وقيل‪ - :‬خلاصة معنى الآية إنه كان فريق من عبادي يدعون‪ ،‬فتشاغلتم بهم ساخرين‪ ،‬واستمر‬
‫تشاغلكم باستـهزائهم إلى أن جركم إلى ترك ذكري في أوليائي فلم تخافوني في الاستهزاء بهم‪.‬‬
‫وفيه تسخط عظيم لفعلهم ذلك ودلالة على اختصاص بالغ لأولئك العباد المسخور منهم‪ ،‬كما‬
‫ُ}‬‫هم‬‫ُُ‬‫يت‬ ‫َْ‬
‫َز‬‫ِّي ج‬‫ِن‬‫ِي} وختمه بقوله تعالى {إ‬ ‫َاد‬ ‫ِب‬
‫ْع‬ ‫من‬ ‫نبه عليه أولاً في قوله تعالى {ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ}‬ ‫ُون‬‫ِز‬‫َائ‬ ‫الف‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫إلى قوله تعالى‪ُ{ - :‬‬
‫ٌ‪ }..‬إلى قوله‬ ‫ِيق‬ ‫َر‬
‫نف‬ ‫َاَ‬ ‫هك‬ ‫نُ‬ ‫ومما سطـره الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآيات‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫َ} حيث قال رحمه الله‪-:‬‬ ‫ُون‬ ‫َك‬‫ْح‬‫تض‬‫َْ‬ ‫هم‬ ‫من‬
‫ُْ‬ ‫ُم ِّ‬ ‫ُنت‬ ‫َك‬
‫تعالى {و‬
‫" قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه‪ ،‬أن " إن " المكسورة المشددة من حروف‬
‫ن‬
‫َاَ‬ ‫ه ك‬ ‫نُ‬ ‫التعليل كقولك‪ :‬عاقبه إنه مسيء‪ :‬أي لأجل إساءته‪ ،‬وقوله في هذه الآية {إ‬
‫َِّ‬
‫ِي} الآيتين‪ .‬يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة على أن من الأسباب‬ ‫َاد‬‫ِب‬ ‫ْع‬ ‫من‬ ‫ِيق‬
‫ٌ ِّ‬ ‫َر‬
‫ف‬
‫َا‬‫بن‬‫ََّ‬‫التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم‪ ،‬وسخريتهم من هذا الفريق المؤمن الذي يقول‪{ - :‬ر‬
‫َ} فالكفار يسخرون من‬ ‫ِين‬‫َّاحِم‬ ‫ُ الر‬ ‫ْر‬‫َي‬
‫َخ‬ ‫َنت‬ ‫َأ‬
‫َا و‬ ‫من‬ ‫َْ‬‫ْح‬‫َار‬‫َا و‬ ‫ْ َلن‬‫ِر‬ ‫ْف‬‫َاغ‬ ‫َّا ف‬
‫من‬‫آَ‬
‫ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله‪ ،‬والإيمان به فيدخلون بذلك النار‪...‬‬
‫ِي‪ }..‬حروف غاية‪ ،‬لاتخاذهم إياهم سخرياً أي لم‬ ‫ْر‬‫ِك‬‫ْذ‬ ‫ُم‬‫ْك‬‫َنسَو‬ ‫َّى أ‬ ‫َت‬‫وحتى في قوله‪{ :‬ح‬
‫يزالوا كذلك‪ ،‬حتى أنساهم ذلك ذكر الله والإيمان به‪ ،‬فكان مأواهم‬
‫صـ‪447‬‬
‫(‪)3‬‬
‫النار والعياذ بالله‪" .‬‬
‫(ج) أن الاستهزاء بالعلماء والصالحين لأجل ما هم عليه من العلم الشرعي‪ ،‬واتباعهم‬
‫للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة‪ ،‬هو في حقيقته استهزاء بآيات الله تعالى‪ ،‬وسخرية‬
‫بشرائع دين الله عز وجل‪ ،‬ولا شك أن هذا الاستهزاء كفـر يناقض الإيمان‪ ،‬يقول الله تعالى‪- :‬‬
‫َاب‬
‫ٌ‬ ‫َ‪33‬ذ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬‫ِ‪33‬كَ َلُ‬‫َْلئ‬‫ُو‬‫ًا أ‬ ‫ُو‬‫ه‪33‬ز‬‫ها ُ‬‫ذَ‬‫اتخََ‬‫ًا َّ‬ ‫ْئ‬‫َا شَي‬ ‫ِن‬‫يات‬ ‫ْ آَ‬‫ِن‬‫َم‬ ‫ِم‬‫َل‬‫َا ع‬‫ِذ‬
‫َإ‬‫{و‬
‫ٌ} [الجاثية‪ ،‬آية ‪ ،]9‬ولم يجيء إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار‪" )1(.‬‬ ‫ِين‬ ‫مه‬
‫ُّ‬
‫يقول ابن حزم‪ " - :‬صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى‪ ،‬أو بملك من الملائكة‪ ،‬أو‬
‫بنبي من الأنبياء عليهم السلام‪ ،‬أو بآيـة من القـرآن‪ ،‬أو بفريضة من فرائض الدين‪ ،‬فهي كلها‬
‫آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر‪" )2(.‬‬
‫(‪ )1‬تفسري أيب السعود ‪ = 4/87‬باختصار يسري ‪.‬‬
‫(‪ )2‬روح املعاين ‪ = 18/69‬باختصار يسري ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أضواء البيان ‪ = 828 ، 5/827‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر الصارم املسلول البن تيمية ص ‪. 52‬‬
‫(‪ )2‬الفصل ‪ ، 3/299‬وانظر احمللى ‪. 502 – 5 13/00‬‬
‫‪157‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -4‬ونختم هذا المبحث بجملة من أقوال العلماء في تلك المسألة‪.‬‬
‫يا‪ }..‬الآية‬ ‫ِخْر‬
‫ًِّ‬ ‫ْ س‬‫هم‬ ‫ُوُ‬‫تم‬‫ذُ‬‫َاتخَْ‬
‫يقول القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى‪{ - :‬ف َّ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬‫من‬
‫ُم ِّ‬ ‫ُنت‬ ‫َك‬‫ِي} أي اشتغلتم بالاستهزاء عند ذكري {و‬ ‫ْر‬‫ِك‬ ‫ْ ذ‬ ‫ُم‬
‫ْك‬‫َنسَو‬ ‫َّى أ‬ ‫َت‬
‫{ح‬
‫ن} استهزاء بهم‪ ،‬وأضاف الإنساء إلى المؤمنين؛ لأنهم كانوا سبباً لاشتغالهم عن‬ ‫ُوَ‬ ‫َك‬‫ْح‬‫تض‬‫َ‬
‫ذكره‪ ،‬وتعدى شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم‪..‬‬
‫ويستفيد من هذا‪ :‬التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء‪ ،‬والمساكين‪ ،‬والاحتقار لهم‪،‬‬
‫والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني‪ ،‬وأن ذلك مبعد من الله عز وجل‪" )3(.‬‬
‫وجاء في الفتاوى البزازية‪ " - :‬والاستخفاف بالعلماء لكونهم علماء استخفاف بالعلم‪،‬‬
‫والعلم صفة الله تعالى منحه فضلاً على خيار عباده ليدلوا خلقه على شريعته نيابة عن رسله‪،‬‬
‫فاستخفافه بهذا يعلم أنه إلى من يعود‪" )4(.‬‬
‫صـ‪448‬‬
‫وجاء أيضاً‪ " -:‬رجل يجلس على مكان مرتفع أو لا يجلس عليه‪ ،‬لكن يسألونه عن مسائل بطريق‬
‫الاستهزاء‪ ،‬ويضربونه بما شاؤا وهم يضحكون كفروا‪" )5(.‬‬
‫" ويقول ابن نجيم‪ " - :‬ويكفر بجلوسه على مكان مرتفع والتشبه بالمذكرين ومعه جماعة‬
‫يسألون من المسائل ويضحكون منه‪ ،‬ثم يضربونه بالمخراق (‪ ،)6‬وكذا يكفر الجميع لاستخفافهم‬
‫بالشرع‪ ،‬وكذا لو لم يجلس على مكان مرتفع‪ ،‬ولكن يستهزئ بالمذكورين ويتمشى والقوم يضحكون‪،‬‬
‫وبقوله لا تذهب وإن ذهبت تطلق امرأتك استهزاء بالعلم والعلماء جواباً لمن قال إلى مجلس‬
‫العلم‪ ،‬جواباً أين تذهب‪" )1(.‬‬
‫ويقول أيضاً‪ " -:‬ولو صغر الفقيه أو العلوي قاصداً الاستخفاف بالدين كفر‪ ،‬لا إن لم‬
‫يقصده‪" )2(.‬‬
‫ويقول – في كتاب آخر ‪ " - :-‬الاستهزاء بالعلم والعلماء كفر‪" )3(.‬‬
‫ويقول ملا علي قاري‪ " - :‬وفي الظهيرية من قال لفقيه أخذ شاربه‪ :‬ما أشد قبحاً قص‬
‫الشارب ولف طرف العمامة تحت الذقن يكفر؛ لأنه استخفاف بالعلماء يعني وهو مستلزم لاستخفاف‬
‫الأنبياء عليهم السلام؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام‪ ،‬وقص الشارب من سنن‬
‫الأنبياء عليهم السلام فتقبيحه كفر بلا اختلاف بين العلماء‪.‬‬
‫وفي الخلاصة من قال‪ :‬قصصت شاربك وألقيت العمامة على العاتق استخفافاً يعني بالعالم أو‬
‫بعلمه فذلك كفر‪.‬‬
‫ونقل عن الأستاذ نجم الدين الكندي بسمرقند أن من تشبه بالمعلم على وجه السخرية‪ ،‬وأخذ‬
‫الخشبة‪ ،‬وضرب الصبيان كفر‪ ،‬يعني لأن معلم القرآن من جملة علماء الشريعة فلاستهزاء به‬
‫وبمعلمه يكون كفراً‪.‬‬

‫(‪ )3‬تفسري القرطيب ‪ = 12/154‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )4‬الفتاوى البزازية (هبامش الفتاوى العاملكريية) ‪. 6/336‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق ‪. 6/337‬‬
‫(‪ )6‬املخراق ‪ - :‬املنديل يلف ليضرب به‬
‫انظر ‪ :‬خمتار الصحاح ص ‪. 173‬‬
‫(‪ )1‬البحر الرايق ‪. 5/132‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪. 5/134‬‬
‫(‪ )3‬األشباه والنظائر ص ‪.191‬‬
‫‪158‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪449‬‬
‫ويف احمليط ذكر أن فقيه ـاً وضع كتابه يف دك ــان وذهب‪ ،‬مث مر على ذلك ال ــدكان‪ ،‬فق ــال ص ــاحب ال ــدكان‪ :‬ههنا‬
‫نس ــيت املنش ــار‪ ،‬فق ــال الفقيه عن ــدك كت ــاب ال منش ــار‪ ،‬فق ــال ص ــاحب ال ــدكان‪ :‬النج ــار باملنش ــار يقطع اخلش ــب‪ ،‬وأنتم‬
‫تقطعونـ به حلق الناس‪ ،‬أو قــال حق النــاس‪ ،‬فشــكى الفقيه إىل اإلمــام الفضــلي يعين الشــيخ حممد بن الفضــل‪ ،‬فــأمر بقتل‬
‫ذلك الرجل؛ ألنه كفر باستخفاف كتب الفقه‪.‬‬
‫ويف التتمة‪ :‬من أهان الشريعة أو املسائل اليت ال بد منها كفر‪ ،‬ومن ضحك من املتيمم كفر‪" )1( .‬‬
‫وســئل الشــيخ حممد بن صــاحل العــثيمني عن بعض النــاس يســخرون بــامللتزمني بــدين اهلل ويســتهزئون هبم فم ـا حكم‬
‫هؤالء؟‬
‫فأجــاب‪ " - :‬هــؤالء الــذين يســخرون بــامللتزمني بــدين اهلل املنفــذين ألوامر اهلل فيهم نــوع نفــاق‪ ،‬فــإن اهلل قــال عن‬
‫َاتِ‬ ‫دق‬ ‫الص‪َ33‬‬
‫َّ‬ ‫ِي‬ ‫َف‬ ‫ِين‬‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫ُؤ‬ ‫الم‬‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫َم‬ ‫ِين‬ ‫ِّع‬
‫َّو‬
‫ُط‬ ‫الم‬
‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِز‬
‫لم‬ ‫يْ‬
‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫املنـ ـ ـ ـ ـ ــافقني‪َّ { - :‬‬
‫الذ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ََلُ‬ ‫ْو‬ ‫هم‬‫ُْ‬‫ِن‬ ‫ُم‬ ‫س‪33‬خِر‬
‫َ هّللا‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫ِن‬ ‫نم‬ ‫ُوَ‬ ‫س‪33‬خَر‬ ‫َْ‬‫َي‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫دُ‬ ‫هَ‬ ‫ُْ‬‫ِالَّ ج‬
‫نإ‬ ‫دوَ‬ ‫يجُِ‬ ‫َ الَ َ‬‫ِين‬‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫و‬
‫ٌ} [ التوبة‪،‬ـ آية ‪.]79‬‬ ‫ِيم‬ ‫َل‬‫ٌأ‬‫َاب‬ ‫َذ‬ ‫ع‬
‫مث إن كــانوا يســتهزئون هبم من أجل ما هم عليه من الشــرع‪ ،‬فـإن اســتهزاءهم هبم اســتهزاء بالشــريعة‪ ،‬واالســتهزاء‬
‫بالشريعة كفر‪ ،‬أما إذا كانوا يستهزئونـ هبم يعنونـ أشخاصهم‪ ،‬وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع الســنة فــإهنم‬
‫ال يكف ـرون بــذلك؛ ألن اإلنســان قد يســتهزىء بالشــخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله لكنهم على خطر عظيم‪.‬‬
‫(‪" )2‬‬

‫(‪ )1‬شرح الفقه األكرب ص ‪ = 262 – 260‬باختصار ‪ ،‬وانظر هتذيب ألفاظ الكفر حملمد امساعيل الرشيد ص ‪26‬‬
‫(‪ )2‬اجملموع الثمني ‪ ، 1/65‬وانظر األجوبة املفيدة ملهمات العقيدة للدوسري ص ‪ ، 63‬واملنافقون يف القرآن لعبدالعزيز احلميدي ص ‪. 384‬‬
‫* الرتك يعد فعالً وعمالً ‪ ،‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة ‪ ،‬قال تعاىل ‪ " " :‬لوال ينهاهم الربانيون واألحبار عن قوهلم األمث وأكلهم السحت‬
‫لبئس ما كانوا يصنعونـ " " املائدة ‪ ،‬آية ‪ 63‬فسمى اهلل عز وجل عدم هني الربانيني واألحبار هلم صنيعاً ‪ ،‬والصنع فعل ‪ .‬وقال تعاىل ‪ " " :‬كانوا ال‬
‫يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " " فسمى عدم تناهيهم عن املنكر فعالً ‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬عرضت علي أعمال أميت‬
‫حسنها وسيئها ‪ ،‬فوجدت يف حماسن أعماهلا إماطة األذى عن الطريق ‪ ،‬ووجدت يف مساويء أعماهلا النخاعة تكون يف املسجد ال تدفن " أخرجه‬
‫مسلمـ يف كتاب املساجد ومواضع الصالة ‪ ،‬باب النهي عن البصاق يف املسجد ‪ ،‬يف الصالة وغريها ‪ ، 1/390‬رقم احلديث (‪. )553‬‬
‫انظر تفصيل هذه املسألة ‪ - :‬روضة الناظر البن قدامة ص ‪ ، 54‬واملوافقات للشاطيب ‪ ،4/58‬وإرشاد الفحول للشوكاين ص ‪ ،42‬والقواعد والفوائد‬
‫األصولية البن اللحام ص ‪ ،62‬وشرح الروضة للشنقيطيـ ص ‪ ،38‬وأفعال الرسول حملمد األشقر ‪.50-2/47‬‬
‫‪159‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪450‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫النواقض العملية‬
‫المبحث األولـ " ترك الصالة*‬

‫‪ - 1‬يف مستهل هذا املبحث نشري بإجياز إىل أمهية شأن الصالة‪ ،‬وعظيم منزلتها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬ولقد كفانا اإلمــام‬
‫حممد بن نصر املروزي مؤنة احلديث عن منزلة الصـ ـ ـ ــالة‪،‬ـ حيث ألف رمحه اهلل كتاب ـ ـ ـ ـاً مسـ ـ ـ ــتقالً بعنـ ـ ــوان "تعظيم قـ ـ ــدر‬
‫الصالة"ـ (‪ ،)1‬ولذا سنورد مجلة من كالمه يف هذا املقام‪.‬ـ‬
‫يق ــول اإلم ــام حممد بن نص ــر‪ " - :‬ومما دل اهلل تع ــاىل به على تعظيم ق ــدر الص ــالةـ ومباينتهاـ لس ــائر األعم ــال؛ إجيابه‬
‫إياها على أنبيائ ــه‪ ،‬ورس ــله‪ ،‬وإخب ــاره عن تعظيمهم إياه ــا‪ ،‬فمن ذلك أنه جل وعز ق ــرب موسى جني ـاً‪ ،‬وكلمه تكليم ـاً‪،‬‬
‫فك ــان أول ما اف ــرتض عليه بعد افرتاضه عبادته إق ــام الص ــالة‪،‬ـ ومل ينص له فريضة غريه ــا‪ ،‬فق ــال‪ ،‬تب ــارك وتع ــاىل خماطب ـاً‬
‫ُ ال‬ ‫َن‬
‫َا هَّللا‬ ‫ِي أ‬ ‫نن‬ ‫‪ 3‬إ‬
‫َِّ‬ ‫َى {‪}13‬‬ ‫يوح‬ ‫َا ُ‬ ‫لم‬‫ِْ‬ ‫ِع‬ ‫َم‬ ‫َاسْت‬ ‫ملوسىـ بكلماته ليس بينه وبينه ترمجان‪{ - :‬ف‬
‫ِي} [طه‪ ،‬آية ‪ .]13‬فدل‬ ‫ْر‬ ‫ِك‬‫لذ‬‫ةِ‬‫َّالَ‬‫ِ الص‬ ‫ِم‬ ‫َق‬‫َأ‬ ‫ِي و‬ ‫دن‬‫ُْ‬ ‫ْب‬‫َاع‬ ‫َا ف‬‫َن‬‫ِالَّ أ‬ ‫هإ‬‫َِلَ‬ ‫إ‬
‫ص‪451‬‬
‫ذلك على عظم قدر الصالة‪ ،‬وفضلها على سائر األعمال‪ ،‬إذ مل يبدأ مناجيه وكليمه بفريضة أول منها‪" )2( .‬‬
‫لح‬
‫َ‬ ‫َْ‬‫َف‬‫دأ‬ ‫َْ‬‫ويق ـ ــول أيض ـ ـاً‪ " -:‬وم ـ ــدح اهلل عب ـ ــاده املؤم ـ ــنني‪ ،‬فب ـ ــدأ ب ـ ــذكر الص ـ ــالةـ قبل كل عم ـ ــل‪ ،‬فق ـ ــال‪{ :‬ق‬
‫ن} [املؤمن ـ ــون‪ ،‬آية ‪ , 1‬ـ ـ ‪ ]2‬فمـ ــدحهم‬ ‫ُوَ‬ ‫ِع‬ ‫َاش‬ ‫ْخ‬‫ِم‬ ‫ِه‬
‫َالت‬ ‫ِي ص‬‫ْف‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ِين‬‫الذ‬ ‫ن {‪َّ }1‬‬ ‫ُوَ‬‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫الم‬
‫ْ‬
‫في أول نعتهم باخلش ــوع فيه ــا‪ ،‬مث أع ــاد ذكرها يف آخر القصة إعظام ـاً لق ــدرها‪ ،‬يف القربة إلي ــه‪ ،‬وملا أعد للق ــائمني هبا‪،‬‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬‫َات‬ ‫لو‬ ‫ص‪َ33‬‬ ‫لى َ‬ ‫ََ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫احملافظني عليها من جزيل الثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواب‪ ،‬ونعيم املآب فقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‪{ - :‬و‬
‫ن‬
‫‪3‬وَ‬ ‫ث‪3‬‬‫ُِ‬‫ير‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ن {‪َّ 3 }10‬‬ ‫‪3‬وَ‬ ‫ث‪3‬‬ ‫ُِ‬‫َار‬ ‫الو‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫‪3‬كَ ُ‬ ‫ِ‪3‬‬ ‫َْلئ‬‫ُو‬
‫ن {‪ 3 }9‬أ‬ ‫ُوَ‬‫ِظ‬‫‪3‬اف‬ ‫َ‪3‬‬‫يح‬ ‫ُ‬
‫ن} [املؤمنون آية ‪.]11 – 9‬‬ ‫دوَ‬ ‫لُ‬‫َاِ‬ ‫ها خ‬ ‫ِيَ‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫ْسَ ُ‬
‫دو‬ ‫َْ‬‫ِر‬‫الف‬
‫ْ‬
‫ومل جند اهلل عز وجل مدح أحداً من من املؤمني مبواظبته على شيء من األعمــال مــدح من واظبـ على الصــلوات‬
‫يف أوقاهتا‪ ،‬أال تراه كيف ذكرها مبتدأة من بني سائر األعمال‪،‬‬

‫(‪ )1‬طبع هذا الكتاب سنة ‪ 1406‬هـ يف جملدين ‪ ،‬بتحقيق الدكتور عبدالرمحن الفريوائي‬
‫(‪ )2‬تعظيم قدر الصالة ‪1/96‬‬
‫‪160‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ًا}‬ ‫ُوع‬ ‫من‬‫َُ‬‫ْر‬‫الخَي‬‫ه ْ‬ ‫مسَُّ‬ ‫َا َ‬ ‫ِذ‬‫َإ‬
‫‪ 3‬و‬ ‫ًا {‪}20‬‬ ‫ُوع‬ ‫َز‬‫ُّ ج‬
‫ه الشَّر‬ ‫مسَُّ‬ ‫َا َ‬ ‫ِذ‬ ‫قال تعاىل‪{ - :‬إ‬
‫[املعارج‪ ،‬آية ‪ ]21-19‬مث مل يربئ أحداً من هذين اخللقني املذمومني من مجيع الناس قبل املصلني‪ ،‬فقــال‪{ - :‬إ‬
‫ِالَّ‬
‫ن} [املعارج‪ ،‬آية ‪.]23 ،22‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِم‬
‫دائ‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬‫ِه‬ ‫َالت‬
‫لى ص‬ ‫ََ‬
‫ْع‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ِين‬‫الذ‬‫َ {‪َّ }22‬‬ ‫ِّين‬‫َل‬ ‫ُص‬‫الم‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ُوَ‬ ‫ِظ‬ ‫َاف‬ ‫يح‬
‫ُْ‬ ‫ِم‬‫ِه‬‫َالت‬ ‫لى ص‬ ‫ََ‬‫ْع‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬‫مث أعاد ذكــرهم يف آخر اآليــة‪ ،‬بــذكر آخر فقــال‪{ - :‬و‬
‫ن} [املعارج‪ ،‬آية ‪.]35 ،34‬‬ ‫موَ‬ ‫ْر‬
‫َُ‬ ‫مك‬ ‫َّاتٍ ُّ‬
‫َن‬ ‫ِي ج‬ ‫ِكَ ف‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫{‪ }34‬أ‬
‫ة} [فـ ــاطر‪ ،‬آية ‪ ،]29‬يف كل‬ ‫َّالَ‬ ‫موا الص‬ ‫َاُ‬ ‫َق‬ ‫َأ‬
‫ِو‬ ‫َ هَّللا‬
‫َاب‬‫ِت‬‫نك‬ ‫ُوَ‬ ‫ْل‬
‫يت‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ن َّ‬ ‫وقـ ــال {إ‬
‫َِّ‬
‫ذلك يبدأ مبدح الصالة قبل ســائر األعمـال‪ ،‬تبعها ما تبعها من سـائر الطاعــات‪ ،‬فكــرر الثنــاء عليهم‪ ،‬ومـدحهم باحملافظة‬
‫عليها‪ ،‬ليدوموا عليها‪ ،‬كل ذلك تأكيداً هلا وتعظيماً لشأهنما (‪" )3‬‬
‫ويق ــول أيضـ ـاً‪ " - :‬إن الص ــالة مل ت ــزل مفت ــاح ش ــرائع دين اإلس ــالم وعق ــده ال ت ــزول عنه أب ــداً‪ ،‬ومل ت ــزل مقرونة‬
‫باإلميان يف دين املالئكةـ واألنبياء واخللق أمجعني‪ ،‬مل يكن هلل عز وجل دين بغريها قط‪ ،‬وسائر الفرائضـ ليس كذلك‪.‬‬
‫‪-‬إىل أن قال – فهي أشهر معامل التوحيد مناراً بني ملة اإلسالم‪ ،‬وملة الكفر‪ ،‬لن يستحق دين اإلسالمـ ومشاركة‬
‫أهل امللــة‪ ،‬ومباينة ملة الكفر إال بإقامتهــا‪ ،‬فــإن تركتها العامة انطمس منــار الــدين كلــه‪ ،‬فال يبقى للــدين رســم‪ ،‬وال علم‬
‫يعرف به‪" )1(.‬‬
‫ومما دونه ابن القيم يف هــذا الصــدد‪ " -:‬إن الصــالة قد اختصت من ســائر األعمــال خبصــائص ليست لغريهــا‪ ،‬فهي‬
‫أول ما ف ـ ــرض اهلل من اإلس ـ ــالم‪،‬ـ وهلذا أمر النيب صـ ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم نوابـ ـ ـه ورس ـ ــله أن يب ـ ــدؤوا بال ـ ــدعوة إليها بعد‬
‫الشهادتني فقال ملعاذ‪ " :‬ستأيت قوماً أهل كتاب‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممداً رسول‬
‫اهلل‪ ،‬وأن اهلل فرض عليهم مخس صلوات يف اليـوم والليلة (‪ ،" )2‬وألهنا أول ما حياسب عليها العبد من عملـه‪ ،‬وألن اهلل‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫َك‬ ‫لك‬ ‫ما سََ‬ ‫فرضها يف السماء ليلة املعراج‪ ،‬وألهنا أكثر الفروض ذكراً يف القرآن‪ ،‬وألن أهل النار ملا يسألون‪َ{ :‬‬
‫َ} [املدثر‪ ،‬آية ‪]42‬مل يبــدؤوا بشــيء غري تــرك الصــالة‪ ،‬وألن فرضــها ال يســقط عن العبد حبال دون حــال‬ ‫َر‬ ‫ِي سَق‬ ‫ف‬
‫ما دام عقله معه خبالف س ــائر الف ــروض‪ ،‬فإهنا جتب يف ح ــال دون ح ــال‪ ،‬وألهنا عم ــود فس ــطاط اإلس ــالم‪،‬ـ وإذا س ــقط‬
‫عمـ ــود الفسـ ــطاط وقع الفسـ ــطاط‪ ،‬وألهنا آخر ما يفقد من الـ ــدين‪ ،‬وألهنا فـ ــرض على احلر والعبـ ــد‪ ،‬والـ ــذكر واألن ــثى‪،‬‬
‫واحلاضر واملسافر‪ ،‬والصحيح واملريض‪ ،‬والغين والفقري‪")3(...‬‬

‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪. 136 , 1/135‬‬


‫(‪ )1‬املرجع السابق ‪. 1003 ، 2/1002‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الزكاة (‪ ، )3/357‬ح (‪ )1496‬ومسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان (‪ ، )1/50‬ح (‪. )19‬‬
‫(‪ )3‬كتاب الصالة ص ‪ ، 32 , 31‬وانظر رسالة الصالة لإلمام أمحد بن حنبل ص ‪ ، 22 – 14‬وجمموع الفتاوي البن تيمية ‪.3/427‬‬
‫‪161‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -2‬وإذا انتقلنا إىل مسألة ترك الصالة‪ ،‬فينبغيـ أن يعلم أن هذا الرتك له ضــروب متعــددة‪ ،‬فمنه ما هو كفــر‪ ،‬ومنه‬
‫ما ليس بكف ـ ــر‪ ،‬ومنه ما هو خمتلف فيه فمن ت ـ ــرك الص ـ ــالة نس ـ ــياناً فال يكفر بإمجاع األمة (‪ ،)4‬وأما الـ ــرتك الـ ــذي يعد‬
‫كفراً‪ ،‬فمنه ما يلي‪-:‬‬
‫(أ) من ترك الصالة جاحداً لوجوهبا فهو كافر بإمجاع املسلمني‪ ،‬وكذا إن جحد‬
‫صـ‪453‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وجوهبا ومل يرتك فعلها‪.‬‬
‫(ب) من ترك الصالة استكباراً أو حسداً‪ ...‬فهذا كافر باالتفاق‪.‬‬
‫وقد بني ابن تيمية هذه احلالة بياناً كافياً فقال‪-:‬‬
‫" أن ال جيحد وجوهبا‪ ،‬لكنه ممتنع من ال ــتزام فعلها ك ــرباً‪ ،‬أو حس ــداً‪ ،‬أو بغضـ ـاً هلل ولرس ــوله‪ ،‬فيق ــول أعلم أن اهلل‬
‫أوجبها على املسلمني‪ ،‬والرسول صادق يف تبليغ القرآن‪ ،‬لكنه ممتنع عن التزام الفعل استكباراً‪ ،‬أو حسداً للرســول‪ ،‬أو‬
‫عصبيةـ لدينه‪ ،‬أو بغضاً ملا جاء به الرسول‪ ،‬فهذا كافر باالتفاق‪ ،‬فإن إبليس ملا ترك السجود املأمورـ به مل يكن جاحداً‬
‫لإلميان‪ ،‬ف ــإن اهلل تع ــاىل باش ــره باخلط ــاب‪ ،‬وإمنا أىب واس ــتكرب وك ــان من الك ــافرين‪ ،‬وك ــذلك أبو ط ــالب ك ــان مص ــدقاً‬
‫للرســول فيما بلغــه‪ ،‬لكنه تــرك اتباعه محية لدينــه‪ ،‬وخوف ـاً من عــار االنقيــاد‪ ،‬واســتكباراً عن أن تعلو أســته رأســه‪ ،‬فهــذا‬
‫ينبغيـ أن يتفطن ل ــه‪ .‬ومن أطلق من الفقه ــاء أنه ال يكفر إال من جيحد وجوهبا فيك ــون اجلحد عن ــده متن ــاوالً للتك ــذيب‬
‫ِن‬
‫َّ‬ ‫ََلك‬ ‫َكَ و‬ ‫بون‬ ‫يكِّ‬
‫َذُ‬ ‫ْ الَ ُ‬‫هم‬ ‫نُ‬ ‫إَّ‬‫َِ‬‫باإلجياب‪ ،‬ومتنــاوالً لالمتنــاعـ عن اإلقــرار وااللــتزام‪،‬ـ كما قــال تعــاىل‪{ -:‬ف‬
‫ها‬ ‫َِ‬ ‫دوا ب‬ ‫َُ‬‫َح‬ ‫َج‬‫َ} [األنعـ ــام‪ ،‬آية ‪ ،]63‬وقـ ــال تعـ ــاىل‪{ - :‬و‬ ‫دون‬ ‫َُ‬ ‫ْح‬ ‫يج‬‫َِ‬ ‫ياتِ هّللا‬‫ِآَ‬ ‫َب‬ ‫ِين‬ ‫لم‬‫َّاِ‬‫الظ‬
‫َ ‪ُ3‬‬
‫ة‬ ‫ِب‬‫َاق‬ ‫نع‬ ‫‪3‬اَ‬ ‫َ‪3‬‬ ‫َك‬ ‫ْ ‪3‬ف‬‫َي‬ ‫ْك‬ ‫ُر‬ ‫‪3‬انظ‬ ‫َ‪3‬‬ ‫ًّا ف‬
‫‪3‬و‬ ‫ل‪3‬‬ ‫ُُ‬‫َع‬‫ًا و‬ ‫لم‬ ‫ُْ‬ ‫ْظ‬‫هم‬‫ُسُُ‬ ‫َنف‬
‫ها أ‬ ‫َْ‬ ‫َت‬ ‫َن‬ ‫ْق‬‫َي‬‫َاسْت‬ ‫و‬
‫َ} [النمل‪ ،‬آية ‪ .]14‬وإال فمىت مل يقر ويلتزم فعلها قتل وكفر باالتفاق‪" )1(.‬‬ ‫ِين‬ ‫ِد‬‫ْس‬‫ُف‬‫الم‬‫ْ‬
‫(ج) من ت ــرك الص ــالةـ اس ــتخفافاً واس ــتهانةـ هبا فهو ك ــافر‪ " ،‬فقد س ــئل اإلم ــام أمحد بن حنبل رمحه اهلل عن الرجل‬
‫يــدع الصــالة اســتخفافاً وجمون ـاً‪ ،‬فقــال‪ :‬ســبحان اهلل إذا تركها اســتخفافاً وجمون ـاً فــأي شــيء بقي‪ ،‬فقيل لــه‪ :‬إنه يســكر‬
‫وميجن‪ ،‬ق ــال‪ :‬ه ــذا تريد تس ــأل عن ــه‪ ،‬ق ــال النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ " - :‬بني العبد وبني الكفر ت ــرك الص ــالةـ (‪" )2‬‬
‫قلت‪ - :‬ترى أن تستيبه‪،‬ـ فأعدت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬إذا تركها استخفافاً وجموناً فأي شيء بقي‪" )3(.‬‬

‫(‪ )4‬انظر معامل السنن للخطايب ‪ ، 7/45‬واجملموع للنووي ‪. 3/16‬‬


‫(‪ )5‬انظر مقدمات ابن رشد ص ‪ ، 100‬واجملموع للنووي ‪ ، 3/16‬واملغني البن قدامة ‪ ، 3/351‬وجمموع فتاوي ابن تيمية ‪. 22/40 ، 20/96‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ ، 98 ، 20/97‬وانظر ‪ :‬الصارمـ املسلول ص ‪. 522 ، 521‬‬
‫(‪ )2‬تقدم خترجيه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬املسائل والرسائل املروية عن اإلمام أمحد ‪ ،‬مجع عبد اإلله األمحدي ‪. 2/37‬‬
‫‪162‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪454‬‬
‫وقـال اإلمـام أمحد يف رسـالة الصـالة‪ " -:‬فكل مسـتخف بالصـالةـ مسـتهني هبا هو مسـتخف باإلسـالم مسـتهني بـه‪،‬‬
‫وإمنا حظهم من اإلسالم على قدر حظهم من الصالة‪ ،‬ورغبتهم يف اإلسالم على قدر رغبتهم يف الصالة‪.‬ـ(‪" )4‬‬
‫(د) من تــرك الصــالةـ وأصر على تركها حىت يقتل فهو كــافر اتفاقـاً‪ ،‬فــإن من امتنع من الصــالةـ حىت يقتــل‪ ،‬مل يكن‬
‫يف الباطل مقراً بوجوهبا‪ ،‬وال ملتزماً بفعلها‪.‬‬
‫وقد ف ــرض مت ــأخرو الفقه ــاء مس ــألة ميتنع وقوعه ــا‪ ،‬وهو أن الرجل إذا ك ــان مق ــراً بوج ــوب الص ــالة‪،‬ـ ف ــدعي إليها‬
‫وامتنع واستتيبـ مع هتديده بالقتل فلم يصل حىت قتل هل ميوت كافراً أو فاسقاً؟ على قولني‪.‬‬
‫فهذا فرض باطل‪ ،‬فإنه ميتنع يف الفطــرة أن يكــون الرجل معتقـداً لفرضـية الصـالةـ وعقوبة تاركهــا‪ ،‬ومع ذلك يصرب‬
‫(‪)5‬‬
‫على القتل وال يسجد هلل سجدة‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية – عن هذه املسألة وأشباهها‪-:‬ـ‬
‫" وهي فــروع فاســدة‪ ،‬فــإن كــان مقــراً بالصــالة يف البــاطن‪ ،‬معتقــداً لوجوهبا‪ ،‬ميتنع أن يصر على تركها حىت يقتــل‪،‬‬
‫وهو ال يص ــلي‪ ،‬ه ــذا ال يع ــرف من بين آدم وع ــادهتم‪ ،‬وهلذا مل يقع ه ــذا قط يف اإلس ــالم‪ ،‬وال يع ــرف أن أح ــداً يعتقد‬
‫وجوب ـ ـ ـها‪ ،‬ويق ـ ـ ــال له إن مل تصل وإال قتلن ـ ـ ــاك‪ ،‬وهو يصر على تركه ـ ـ ــا‪ ،‬مع إق ـ ـ ــراره ب ـ ـ ــالوجوب‪ ،‬فه ـ ــذا مل يقع قط يف‬
‫اإلسالم‪.‬ـ(‪" )1‬‬
‫وحتدث ابن تيمية – يف موضع آخر – عن هذه املسألةـ املفرتضة‪ ،‬وبيانـ صلتها باإلرجاء فقال‪ " - :‬ال يتصــور يف‬
‫العــادة أن رجالً يكــون مؤمنـاً بقلبــه‪ ،‬مقــراً بـأنـ اهلل أوجب عليه الصـالة‪،‬ـ ملتزمـاً لشـريعة النيب صـلى اهلل عليه وســلم وما‬
‫جاء به يأمره ويل األمر بالصالةـ فيمتنع‪ ،‬حىت يقتل‪ ،‬ويكـون مع ذلك مؤمنـاً يف البـاطن قـط‪ ،‬وال يكـونـ إال كـافراً‪ ،‬ولو‬
‫قال أنا مقر بوجوهبا غري أين ال أفعلها‪ ،‬كان هذا القول مع هذه احلال كذباً منه‪...‬‬
‫فهذا املوضع ينبغيـ تدبره‪ ،‬فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن‪ ،‬زالت عنه الشبهة من هذا الباب‪ ،‬وعلم أن من قال‬
‫من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن‬
‫صـ‪455‬‬

‫(‪ )4‬ص ‪. 16 ، 15‬‬


‫(‪ )5‬انظر جمموع فتاوي ابن تيمية ‪. 35/106 ، 22/48 ، 7/219‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪. 22/48‬‬
‫‪163‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫الفعل ال يقت ـ ــل‪ ،‬أو يقتل مع إس ـ ــالمه‪ ،‬فإنه دخلت عليه الش ـ ــبهة اليت دخلت على املرجئة واجلهميـ ــة‪ ،‬واليت دخلت‬
‫على من جعل اإلدارة اجلازمة مع الق ــدرة التامة ال يك ــون هبا ش ــيء من الفع ــل‪ ،‬وهلذا ك ــان املمتنع ــون من قتل ه ــذا من‬
‫الفقهاء بنوهـ على قوهلم يف " مسألة اإلميان "‪ ،‬وأن األعمال ليست من اإلميان‪" )2(.‬‬
‫ويس ـ ــتنكر ابن القيم عـ ـ ــدم تكفري من تلبس هبذه احلالـ ـ ــة‪ ،‬فيقـ ـ ــول‪ "-:‬ومن العجب أن يقع الشك يف كفر من أصر‬
‫على تركه ــا‪ ،‬ودعي إىل فعلها على رؤوس املأل وهو ي ــرى بارقة الس ــيف على رأس ــه‪ ،‬ويشد للقت ــل‪ ،‬وعص ــبتـ عين ــاه‪،‬ـ‬
‫وقيل لــه‪ - :‬تصــلي‪ ،‬وإال قتلنــاك‪ ،‬فيقــول‪ - :‬اقتلــوين‪ ،‬وال أصــلي أبــداً‪ ،‬ومن ال يكفر تــارك الصــالة‪،‬ـ يقــول‪ :‬هــذا مــؤمن‬
‫مســلم يغســل‪ ،‬ويصــلي عليـه‪ ،‬ويـدفن يف مقـابر املسـلمني‪ ،‬وبعضـهم يقــول‪ :‬إنه مـؤمن كامل اإلميان‪ ،‬إميانه كإميان جربيل‬
‫وميكائيل‪ ،‬أفال يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفري من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة‪" )3(.‬‬
‫(هـ) من ترك الصالة معرضاً عنها‪ ،‬ال مقراً بوجوهبا‪ ،‬وال منكراً فهو كافر‪ ،‬كما بني ذلك ابن تيمية بقوله‪-:‬‬
‫" أن يرتكها {أي الصـالة} وال يقر بوجوهبا‪ ،‬وال جيحد وجوهبا‪ ،‬لكنه مقر باإلسـالم من حيث اجلملـة‪ ،‬فهل هـذا‬
‫من م ــوارد ال ــنزاع‪ ،‬أو من م ــوارد اإلمجاع؟ ولعل كالم كثري من الس ــلف متن ــاول هلذا‪ ،‬وهو املع ــرض عنها ال مق ــراً وال‬
‫منكراً‪ ،‬وإمنا هو متكلم باإلسالم فهذا فيه نظر‪ ،‬فـإن قلنــا‪ :‬يكفر باالتفـاق‪ ،‬فيكــون اعتقــاد وجـوب هــذه الواجبــات على‬
‫التعــيني من اإلميان ال يكفي فيها االعتقــاد العــام‪ ،‬كما يف اخلربيــات من أحــوال اجلنة والنــار‪ ،‬والفــرق بينهما أن األفعــال‬
‫املأمورـ هبا‪ ،‬املطلــوب فيها الفعل ال يكفيـ فيها االعتقــاد العــام‪ ،‬بل البد من اعتقــاد خــاص خبالف األمــور اخلربيــة‪ ،‬فــإن‬
‫اإلميان اجململ مبا ج ـ ــاء به الرس ـ ــول من ص ـ ــفات ال ـ ــرب وأمر املع ـ ــاد يكفي فيه م ـ ــامل ينقضـ اجلملة بالتفصـ ــيل‪ ...‬خبالف‬
‫(‪)1‬‬
‫"‬ ‫الشرائع املأمور هبا فإنه ال يكتفي فيها باجلمل‪ ،‬بل البد من تفصيلها علماً وعمالً‪.‬‬
‫صـ‪456‬‬
‫‪ - 3‬أما من تعمد تــرك الصــالة هتاونـاً وكسـالً‪ ،‬وهل هو كــافر أو مســلم؟ ففيه قــوالن‪ ،‬وهــذه املســألةـ حمل خالف‬
‫طويل بني أهل العلم‪ ،‬وسنورد أقواهلم وأدلتهم ومناقشتها على النحو التايل‪-:‬‬
‫الق ـ ــول األول‪ -:‬قـ ـ ــال بتكفري تـ ـ ــارك الصـ ـ ــالةـ مجع من الص ـ ــحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬والتـ ـ ــابعني وكثري من أئمة العلم‬
‫وأهله‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يقول حممد بن نصر املروزي عن هذا القول‪ " - :‬وهذا مذهب مجهور أصحاب احلديث‪.‬‬

‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪ = 7/615‬باختصار ‪.‬‬


‫(‪ )3‬كتاب الصالة ص ‪. 63 ، 62‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪. 99 , 20/98‬‬
‫(‪ )2‬تعظيم قدر الصالة ‪. 636 /2‬‬
‫‪164‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ويقــول ابن حــزم‪ " - :‬فروينا عن عمر بن اخلطــاب – رضي اهلل عنه – ومعــاذ بن جبل وابن مســعود ومجاعة من‬
‫الصـ ــحابة – رضي اهلل عنهم – وعن ابن املب ـ ــارك‪،‬ـ وأمحد بن حنب ـ ــل‪ ،‬وإس ـ ــحاق بن راهوية رمحة اهلل عليهم‪ ،‬وعن متام‬
‫س ــبعة عشر رجالً من الص ــحابة‪ ،‬والت ــابعني ضي اهلل عنهم‪ ،‬أن من تـ ـرك ص ــالة ف ــرض عام ــداً ذاك ــراً حىت خيرج وقته ــا‪،‬‬
‫فإنه كـ ــافر ومرت ـ ـ ـد‪ ،‬وهبذا يق ـ ــول عبد اهلل بن املاحش ـ ـ ـون ص ـ ــاحب مال ـ ــك‪ ،‬وبه يق ـ ــول عبد امللك بن حـ ــبيب األندلسي‬
‫وغريه‪" )3(.‬‬
‫وق ــال ابن قدام ــة‪ - :‬واختلفت الرواية هل يقتل لكف ــره أو ح ــداً؟ ف ــروي أنه يقتل لكف ــره كاملرت ــد‪ ،‬فال يغسل وال‬
‫يكفن وال ي ــدفن بني املس ــلمني‪ ،‬وال يرثه أح ــد‪ ،‬وال ي ــرث أح ــداً‪ ،‬اختارها أبو إس ــحاق بن ش ــاقال‪ ،‬وابن حام ــد‪ ،‬وهو‬
‫مــذهب احلســن‪ ،‬والنخعي‪ ،‬والشــعيب‪ ،‬وأيــوب الســختياين‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وابن املبــارك‪،‬ـ ومحاد بن زيــد‪ ،‬وإســحاق‪ ،‬وحممد‬
‫بن احلسن‪" )4(...‬‬
‫وق ــال الن ــووي‪ " - :‬من تركها بال ع ــذر تكاسـ ـالً وهتاونـ ـاً في ــأمث بال ش ــك‪ ،‬وجيب قتله إذا أص ــر‪ ،‬وهل يكف ــر؟ فيه‬
‫وجهــان‪ ،‬حكاهمـا املصــنفـ {الشــريازي}ـ وغــريه‪ ،‬أحــدمها يكفــر‪ ،‬قــال العبــدري‪ :‬وهو قــول منصــور الفقيه من أصــحابنا‬
‫وحكاه‬
‫صـ‪457‬‬
‫املصنفـ يف كتابه يف اخلالف عن أيب الطيب بن سلمة من أصحابنا‪" )5(.‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ " - :‬وإن كان التـارك للصـالة واحـداً فقد قيل إنه يعـاقب بالضـرب واحلبس حىت يصـلي‪ ،‬ومجهـور‬
‫العلم ــاء على أنه جيب قتله إذا امتنع من الص ــالة بعد أن يس ــتتاب‪ ،‬ف ــإن ت ــاب وص ــلى‪ ،‬وإال قت ــل‪ ،‬وهل يقتل ك ــافراً أو‬
‫(‪)1‬‬
‫مسلماً فاسقاً؟ فيه قوالن‪ ،‬وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً‪ ،‬وهذا كله مع اإلقرار بوجوهبا‪.‬‬
‫وأما القائلون بعدم تكفري تارك الصالةـ فكثري من الفقهاء‪.‬‬
‫قــال ابن قدامــة‪ " - :‬والرواية الثانيــة‪ :‬يقتل حــداً‪ ،‬مع احلكم بإســالمه‪ ،‬كــالزاين احملصــن‪ ،‬وهــذا اختيــار أيب عبد اللـه‬
‫ابن بطة‪ ،‬وأنكر قول من قال إنه يكفر‪ ...‬وهذا قول أكثر الفقهاء‪ ،‬وقول أيب حنيفة ومالك‪ ،‬والشافعي‪" )2(.‬‬

‫(‪ )3‬الفصل ‪ ، 3/274‬وانظر احمللى ‪ ، 327 ، 2/326‬والشريعة لآلجري ص ‪ 135 – 133‬وأصول الاللكائي ‪ ، 829 – 2/816‬واإلبانة‬
‫الكربى البن بطة ‪ ، 683 – 2/669‬والتمهيد البن عبد الرب ‪. 4/225‬‬
‫(‪ )4‬املغين ‪ ، 3/354‬وانظر اإلنصاف للمرداوي ‪. 405 ، 1/404‬‬
‫(‪ )5‬اجملموع ‪. 3/17‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ ، 28/308‬وانظـر ‪ – 20/97 ، 611 ، 7/303 ، 360 ، 28/359‬وكـتاب الصالة البن القـيم ص ‪ ، 33‬وجامع العلوم‬
‫واحلكم البن رجب ‪. 1/147‬‬
‫(‪ )2‬املغين ‪ ، 3/355‬وانظر اإلنصاف للمرداوي ‪. 405 ، 1/404‬‬
‫‪165‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقال النووي – عن هذا القول ‪ " - :-‬وهو الصحيح املنصوصـ الذي قطع به اجلمهور‪" )3(.‬‬
‫(أ) أدلة الفريق األول‪-:‬‬
‫استدل القائلون بتكفري تارك الصالةـ بأدلة من الكتاب والسنة واإلمجاع أما الكتاب‪-:‬‬
‫َ‬‫ْف‬ ‫َي‬ ‫ْك‬ ‫ُم‬‫ما َلك‬ ‫‪َ 3‬‬ ‫َ {‪}35‬‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬‫ْر‬ ‫ُج‬ ‫َالم‬
‫َك ْ‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬ ‫ُسْل‬ ‫الم‬ ‫ُ ْ‬ ‫َل‬‫ْع‬‫َج‬
‫َن‬‫َف‬ ‫‪ .1‬فقوله تعاىل‪{ - :‬أ‬
‫َا‬ ‫ِ َلم‬ ‫ِيه‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫ن َلك‬ ‫َِّ‬‫‪ 3‬إ‬ ‫ن {‪}37‬‬ ‫ُسُوَ‬ ‫در‬‫تْ‬ ‫َِ‬ ‫ِيه‬ ‫ٌف‬ ‫َاب‬ ‫ِت‬‫ْك‬ ‫ْ َلك‬
‫ُم‬ ‫َم‬‫‪ 3‬أ‬ ‫ن {‪}36‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫تح‬
‫َ‬
‫ِ}‬ ‫م‪ 33‬ة‬ ‫َاَ‬ ‫ِي‬‫الق‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْم‬
‫يو‬ ‫َِلى َ‬ ‫ةإ‬ ‫ٌَ‬‫لغ‬ ‫باِ‬ ‫َا َ‬ ‫ْن‬‫لي‬‫ََ‬ ‫نع‬ ‫َاٌ‬ ‫يم‬ ‫َْ‬
‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫َم‬
‫ْ َلك‬ ‫ن {‪}38‬أ‬ ‫ُوَ‬ ‫َّر‬
‫َخَي‬ ‫يت‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬‫يسْت‬ ‫َال َ‬‫ِف‬ ‫ُود‬ ‫َِلى السُّج‬ ‫نإ‬ ‫َْ‬ ‫َو‬‫دع‬‫يْ‬ ‫َُ‬ ‫ٍو‬ ‫َن سَاق‬ ‫ُع‬ ‫ْشَف‬
‫يك‬ ‫َُ‬ ‫ْم‬‫يو‬ ‫[– إىل قوله – {َ‬
‫َِلى‬ ‫نإ‬ ‫َْ‬‫َو‬‫دع‬‫ي‪ْ 3‬‬ ‫ُوا ُ‬ ‫‪3‬ان‬ ‫َ‪3‬‬‫دك‬ ‫َ‪ْ33‬‬ ‫َق‬‫ةو‬ ‫ِلٌ‬‫ْ ذَّ‬‫هم‬‫ُُ‬ ‫هق‬‫َْ‬ ‫ت‪ 3‬ر‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫َار‬
‫ُُ‬ ‫بص‬ ‫َْ‬‫ةأ‬‫ًَ‬ ‫ِع‬ ‫َاش‬ ‫‪ 3 }42‬خ‬
‫َ} [القلم‪ ،‬آية ‪.]43 – 35‬‬ ‫ُون‬‫لم‬‫ْ سَاِ‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ِو‬ ‫ُود‬ ‫السُّج‬
‫صـ‪458‬‬
‫َن‬ ‫ُع‬ ‫ْشَف‬ ‫يك‬‫َُ‬ ‫ْم‬ ‫يو‬ ‫يق ـ ــول ابن تيمي ـ ـ ــة‪ " - :‬إمنا يصف س ـ ـ ــبحانه باالمتن ـ ـ ــاع عن الس ـ ـ ــجود الكف ـ ـ ــار‪ ،‬كقوله {َ‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َار‬ ‫بص‬ ‫َْ‬‫ةأ‬ ‫ًَ‬ ‫ِع‬‫َاش‬ ‫ن {‪ 3}42‬خ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيع‬ ‫َط‬ ‫يسْت‬‫َال َ‬ ‫ِف‬ ‫ُود‬ ‫َِلى السُّج‬ ‫نإ‬ ‫َْ‬ ‫َو‬ ‫دع‬ ‫يْ‬‫َُ‬ ‫ٍو‬ ‫سَاق‬
‫ة} (‪" )4‬‬‫ِلٌ‬ ‫ْ ذَّ‬‫هم‬ ‫ُُ‬‫هق‬ ‫َْ‬ ‫تر‬
‫َ‬
‫ويقـ ــول ابن القيم‪ " - :‬فوجه الداللة من اآليـ ــة‪ - :‬أنه سـ ــبحانه أخرب أنه ال جيعل املس ـ ــلمني كـ ــاجملرمني‪ ،‬وأن هـ ــذا‬
‫األمر ال يليق حبكمته‪ ،‬وال حبكمه‪ ،‬مث ذكر أحوال اجملرمني الذين هم ضد املسلمني‪ ،‬فقال‪ " - :‬يــوم يكشف عن ســاق‬
‫" وأهنم يدعون إىل السجود لرهبم – تبارك وتعاىل – فيحال بينهم وبينه‪ ،‬فال يســتطيعون الســجود مع املســلمني عقوبةـ‬
‫هلم على ترك السجود له مع املصلني يف دار الدنيا‪ ،‬وهذا يدل على أهنم مع الكفار واملنافقني الــذين تبقى ظهــورهم إذا‬
‫سجـد املسلمون كصياصي البقر (‪ ،)5‬ولـو كانوا من املسلمني ألذن هلم بالسجود كما أذن للمسلمني‪" )6(.‬‬
‫ِينِ {‬‫َم‬‫الي‬
‫َ ْ‬ ‫َاب‬‫ْح‬‫َص‬‫ِالَّ أ‬
‫ة {‪}38‬إ‬ ‫ٌَ‬ ‫ِين‬ ‫َه‬‫ْر‬ ‫َت‬‫َسَب‬ ‫َا ك‬ ‫ِم‬‫ْسٍ ب‬ ‫نف‬ ‫ُّ َ‬
‫ُل‬ ‫‪ - 2‬قوله تعاىل‪{ :‬ك‬
‫ِي‬‫ْف‬‫ُم‬‫َك‬
‫لك‬‫س‪َ33‬‬ ‫ما َ‬ ‫َ {‪َ}41‬‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬‫ْ‪33‬ر‬‫ُج‬ ‫الم‬
‫َنِ ْ‬ ‫ن {‪}40‬ع‬ ‫اءلوَ‬‫َسَ ُ‬ ‫يت‬ ‫َّاتٍ َ‬‫َن‬‫ِي ج‬ ‫‪}39‬ف‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫ِسْك‬‫الم‬
‫ُ ْ‬ ‫ِم‬‫ْع‬‫نط‬‫َكُ ُ‬ ‫ْن‬ ‫ََلم‬
‫َ {‪}43‬و‬ ‫ِّين‬‫َل‬‫ُص‬‫الم‬‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫َكُ م‬ ‫ْن‬ ‫َالوا َلم‬ ‫َ {‪}42‬ق ُ‬ ‫َر‬‫سَق‬
‫الدينِ‬
‫ِ ِّ‬ ‫ْم‬ ‫َو‬‫ِي‬‫ُب‬‫َذب‬‫نكِّ‬‫َّا ُ‬‫ُن‬‫َك‬‫‪ 3‬و‬ ‫َ {‪}45‬‬ ‫ِين‬ ‫ِض‬ ‫الخَائ‬ ‫َ ْ‬ ‫مع‬‫َخُوضُ َ‬ ‫َّا ن‬
‫ُن‬‫َك‬ ‫‪ 3‬و‬ ‫{‪}44‬‬
‫ُ} [املدثر‪ ،‬آية ‪]47 – 38‬‬ ‫ِين‬ ‫َق‬ ‫الي‬‫َا ْ‬ ‫تان‬‫ََ‬
‫َّى أ‬ ‫َت‬ ‫{‪}46‬ح‬

‫(‪ )3‬اجملموع ‪ ، 3/17‬وانظر طرح التثريب شرح التقريب للعراقي ‪ ، 2/147‬ومقدمات ابن رشد ص ‪ ، 101‬والتمهيد البن عبد الرب ‪. 4/230‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪. 7/611‬‬
‫(‪ )5‬صياصي البقر ‪ :‬أي قروهنا ‪ .‬انظر اللسان ‪ ، 7/52‬ومفردات األصفهاين ص ‪. 429‬‬
‫(‪ )6‬كتاب الصالة ص ‪. 38 ، 37‬‬
‫‪166‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يقول حممد بن نصر املروزي‪ - :‬أوال تراه أبـان أن أهل املعـاد إىل اجلنة املصـلني‪ ،‬وأن املسـتوجبني لإليـاس من اجلنة‬
‫ما‬ ‫املسـ ــتحقني للتخليد يف الن ـ ــار من مل يكن من أهل الص ـ ــالةـ بإخب ـ ــاره تع ـ ــاىل عن املخل ـ ــدين يف الن ـ ــار حني سـ ــئلوا {َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ} [املدثر‪ ،‬آية ‪.]42‬‬ ‫ِّين‬ ‫َل‬‫ُص‬‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫ِن‬ ‫َكُ م‬ ‫ْن‬ ‫َالوا َلم‬ ‫َ {‪}42‬ق ُ‬ ‫َر‬ ‫ِي سَق‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫َك‬‫لك‬‫سََ‬
‫وقــال ابن القيم‪ " - :‬قد جعل اهلل ســبحانه اجملرمني ضد املســلمني‪ ،‬وتــارك الصــالةـ من اجملرمني الســالكني يف ســقر‪،‬‬
‫َّار‬
‫ِ‬ ‫ِي الن‬ ‫نف‬ ‫ُوَ‬ ‫َب‬ ‫يسْح‬ ‫َُ‬ ‫ْم‬ ‫يو‬ ‫ٍ {‪َ}47‬‬ ‫ُر‬ ‫َسُع‬ ‫ٍو‬‫َالل‬‫ِي ض‬ ‫َف‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬ ‫ْر‬‫ُج‬‫الم‬
‫ن ْ‬ ‫وقد قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‪{ :‬إ‬
‫َِّ‬
‫َ} [القمر‪ ،‬آية ‪]48 , 47‬‬ ‫َر‬ ‫مسَّ سَق‬ ‫ُوا َ‬ ‫ُوق‬ ‫ْذ‬ ‫ِم‬‫ِه‬
‫ُوه‬ ‫ُج‬‫لى و‬ ‫ََ‬‫ع‬
‫َ}‬‫ُون‬ ‫َك‬‫ْح‬
‫يض‬ ‫ُوا َ‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫ُوا‬ ‫َان‬ ‫موا ك‬ ‫َُ‬ ‫ْر‬ ‫َج‬‫َأ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ن َّ‬ ‫وقال تعاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫صـ‪459‬‬
‫[املطففني‪ ،‬آية ‪ ،]29‬فجعل اجملرمني ضد املؤمنني املسلمني‪" )2(.‬‬
‫‪3‬وا‬
‫ُ‪3‬‬‫َع‬
‫اتب‬ ‫ةو‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‪3‬الَ‬
‫ُوا الص‬ ‫َض‬
‫َ‪3‬اع‬ ‫ٌأ‬ ‫لف‬‫َْ‬‫ْخ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ْد‬‫بع‬ ‫ِن َ‬
‫َم‬ ‫لف‬ ‫َخََ‬‫‪ -3‬قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ -:‬ف‬
‫ًّا} [مرمي‪ ،‬آية ‪.]59‬‬ ‫َي‬‫نغ‬‫َْ‬‫َو‬‫لق‬ ‫يْ‬‫ََ‬‫ْف‬‫َسَو‬‫َاتِ ف‬ ‫هو‬‫الشََّ‬
‫ومعىن أضــاعوا الصــالةـ أي تركوهــا‪ ،‬كما اختــاره ابن جرير وغــريه (‪ ،)3‬وأما املقصــود بغي‪ ،‬فقد ســاق اإلمــام حممد‬
‫بن نصر بسـ ــنده عن أيب أمامة البـ ــاهلي رضي اهلل عنه قـ ــال‪ - :‬مسعت رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم يقـ ــول‪ :‬لو أن‬
‫صخرة زنة عشر عشروات (‪ )4‬قذف هبا من شفري جهنم ما بلغت قعرها سبعني خريفاً‪ ،‬مث تنتهي إىل غي وأثام‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وما غي وأثام؟ قال‪ - :‬بئران يف أسفل جهنم‪ ،‬يسيل فيها صديد أهل جهنم‪" )5(.‬‬
‫يقــول ابن القيم‪ " - :‬فوجه الداللة من اآلية أن اهلل ســبحانه جعل هــذا املكــان من النــار ملن أضــاع الصــالة‪،‬ـ واتبع‬
‫الشــهوات‪ ،‬ولو كــان مع عصــاة املســلمني‪ ،‬لكــانوا يف الطبقة العليا من طبقــات النــار‪ ،‬ومل يكونــوا يف هــذا املكــانـ الــذي‬
‫هو يف أسفلها‪ ،‬فإن هـذا ليس من أمكنـة أهل اإلسـالم‪،‬ـ بل من أمكنه الكفـار‪ ،‬ومن اآلية دليل آخر وهو قوله تعـاىل‪- :‬‬

‫(‪ )1‬تعظيم قدر الصالة ‪. 2/1007‬‬


‫(‪ )2‬كتاب الصالة ‪. 38‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن جرير ‪ ، 16/66‬وابن كثري ‪ ، 3/125‬وفتح القدير للشوكاين ‪. 3/339‬‬
‫(‪ )4‬عشروات ‪ - :‬مجع عشراء ‪ :‬وهي الناقة اليت أتى عليها من وقت احلمل عشرة أشهر ‪( .‬انظر اللسان ‪ ، 4/572‬وخمتار الصحاح ص ‪. )434‬‬
‫(‪ )5‬تعظيم قدر الصالة ‪ ، 120 ، 1/119‬وأخرجه الطربي (‪ ، )16/75‬وقال اهليثمي يف جممع الزوائد (‪ " : )10/389‬وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن‬
‫حبان وقال خيطئون " وقال املنذري يف الرتغيب (‪ " - : )4/231‬رواه الطرباين والبيهقي مرفوعاً ‪ ،‬ورواه غريمها موقوفاً عن أيب أمامة وهو أصح ‪" .‬‬
‫وقال حمقق كتاب تعظيم قدر الصالة – الفريوائي – (‪ )1/121‬وله شاهد من حديث أيب هريرة ‪ ،‬وبريدة ‪ ،‬وأيب موسى ‪ ،‬وأنس ‪ ،‬وخالصته أن‬
‫احلديث صحيح لشواهده ‪" .‬‬
‫وانظر " الصحيحة لأللباين (‪. )1612‬‬
‫‪167‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ًا} فلو كــان مضــيع‬
‫لح‬‫َاِ‬
‫َص‬‫ِل‬
‫َم‬‫َع‬
‫َو‬‫من‬
‫َآَ‬
‫َو‬‫تاب‬
‫من َ‬
‫ِالَّ َ‬
‫‪ 3‬إ‬
‫ًّا {‪}59‬‬
‫َي‬ ‫نغ‬
‫َْ‬‫َو‬
‫لق‬‫يْ‬
‫ََ‬‫ْف‬ ‫{ف‬
‫َسَو‬
‫الصالةـ مؤمناً‪ ،‬مل يشرتط يف توبته اإلميان‪ ،‬وأنه يكونـ حتصيالً للحاصل‪")1(.‬‬
‫صـ‪460‬‬
‫ة‬
‫‪3‬اَ‬ ‫َ‪3‬‬ ‫َّك‬ ‫ْ الز‬ ‫ُا‬‫ت‪ 3‬و‬ ‫َآَ‬
‫ةو‬ ‫ْ الص‬
‫َّ‪3‬الََ‬ ‫موا‬‫َاُ‬ ‫َق‬ ‫َأ‬‫ْو‬‫بوا‬ ‫تاُ‬ ‫إن َ‬‫َِ‬‫‪ -4‬قوله عز وجـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬ف‬
‫الدينِ} [التوبة‪،‬ـ آية ‪.]11‬‬
‫ِي ِّ‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬‫نك‬‫َاُ‬ ‫ْو‬‫إخ‬ ‫َِ‬‫ف‬
‫فمفهوم هذه اآلية أهنم إن مل يقيموا الصالة مل يكونوا من إخوان املؤمــنني‪ ،‬ومن انتفت عنهم أخــوة املؤمــنني‪ ،‬فهم‬
‫ة} [احلج ــرات‪ ،‬آية ‪ ،]10‬ف ــاألخوة‬ ‫ٌَ‬‫ْو‬‫ِخ‬ ‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬‫ُؤ‬‫الم‬‫َا ْ‬ ‫نم‬ ‫من الك ــافرين؛ ألن اهلل تع ــاىل يق ــول‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الدينيةـ ال تنتفي باملعاصي وإن عظمت‪ ،‬ولكن تنتفيـ باخلروج عن اإلسالم‪.‬ـ‬
‫ََّلى} [القيامة‪،‬ـ‬‫تو‬ ‫ََ‬‫َو‬ ‫َذب‬‫ِن كَّ‬ ‫ََلك‬ ‫لى {‪ }31‬و‬ ‫ََّ‬‫َال ص‬ ‫َو‬‫دق‬
‫ََّ‬‫َال ص‬ ‫‪ -5‬قوله سبحانه وتعاىل‪{ - :‬ف‬
‫آية‬
‫‪.]32 ,31‬‬
‫يقــول حممد بن نصر املروزي‪ " - :‬فالكــذب ضد التصــديق‪ ،‬والتــويل تــرك الصــالة وغريها من الفــرائض‪ ،‬مث أوعــده‬
‫وعيداً بعد وعيد فقال‪{ - :‬أوىل لك فأوىل‪ ،‬مث أوىل لك فأوىل} [القيامة ‪" )3(.]35 ،34‬‬
‫ويقــول ابن القيم – عن هـذه اآليـات ‪ " - :-‬فلما كـان اإلسـالمـ تصـديق اخلرب‪ ،‬واالنقيــاد لألمـر‪ ،‬جعل سـبحانه له‬
‫َذب‬
‫َ‬ ‫ِن كَّ‬ ‫ضــدين‪ :‬عــدم التصــديق‪ ،‬وعــدم الصــالة‪،‬ـ وقابل التصــديق بالتكــذيب‪ ،‬والصــالةـ بـالتويل فقــال‪ }" - :‬و‬
‫ََلك‬
‫ََّلى} فكمـا أن املكذب كـافر‪ ،‬فـاملتويل عن الصـالةـ كـافر‪ ،‬فكما يـزول اإلســالم بالتكــذيب يــزول بـالتويل عن‬ ‫تو‬‫ََ‬ ‫و‬
‫الصالة‪.‬ـ(‪" )4‬‬
‫َال‬‫ْو‬ ‫ُم‬
‫الك‬‫َ ُ‬ ‫َْ‬
‫مو‬ ‫ْأ‬‫ُم‬
‫ِك‬ ‫تْ‬
‫له‬ ‫ُوا ال ُ‬‫من‬‫َ آَ‬
‫ِين‬‫الذ‬
‫ها َّ‬
‫يَ‬‫َُّ‬
‫يا أ‬‫‪.6‬قوله تبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارك وتعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪َ{ - :‬‬
‫ن} [املنافقون‪،‬ـ آية‬
‫ُوَ‬‫ِر‬
‫الخَاس‬
‫ُ ْ‬ ‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫َأ‬ ‫َل‬
‫ِكَ ف‬ ‫ْذ‬
‫َل‬‫ْع‬‫يف‬‫من َ‬
‫ََ‬‫ِو‬‫ِ هَّللا‬
‫ْر‬ ‫ِك‬ ‫َن ذ‬‫ْع‬ ‫ُم‬ ‫دك‬‫ْالُ‬‫َو‬ ‫أ‬
‫‪.]9‬‬
‫قال عطاء بن أيب رباح‪ " - :‬هي الصالةـ املكتوبة‪.‬ـ(‪" )5‬‬

‫(‪ )1‬كتاب الصالة ص ‪. 41‬‬


‫(‪ )2‬انظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ ، 7/613‬وكت ـاب الصالة البن القيم ص ‪ ، 42 ، 41‬وأضواء البيان للشنقيطي ‪ ، 4/311‬ورسالة الطهارة‬
‫والصالة البن عثيميني ص ‪. 58‬‬
‫(‪ )3‬تعظيم قدر الصالة ‪. 1/129‬‬
‫(‪ )4‬كتاب الصالة ص ‪ ، 42‬وانظر فتاوى ابن تيمية ‪. 613 ، 7/612‬‬
‫‪168‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يق ـ ــول ابن القيم‪ " - :‬ووجه االس ـ ــتدالل باآلية أن اهلل حكم باخلس ـ ــران املطلق ملن أهلا ماله وول ـ ــده عن الص ـ ــالة‪،‬ـ‬
‫واخلسران املطلق ال حيصل إال للكفار‪ ،‬فإن‬
‫صـ‪461‬‬
‫املس ــلم ولو خسر بذنوبه ومعاص ــيه‪ ،‬ف ــآخر أم ــره إىل ال ــربح‪ ،‬يوض ــحه أنه س ــبحانه وتع ــاىل – أكد خس ــران ت ــارك‬
‫الصالةـ يف هذه اآلية بأنواعـ من التأكيد‪:‬‬
‫األول‪ :‬إتيانه به بلفظ االسم الدال على ثبوت اخلسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد واحلدوث‪.‬‬
‫الثاين‪ - :‬تصـدير االسم بـاأللف والالم املؤدية حلصـول كمـال املسـمى هلم فإنك إذا قلت‪ :‬زيد العـامل الصـاحل‪ ،‬أفـاد‬
‫ذلك إثبات كمال ذلك‪ ،‬خبالف قولك عامل صاحل‪.‬‬
‫الث ــالث‪:‬ـ ‪ -‬إتيانه – س ــبحانه – باملبت ــدأـ واخلرب معرف ــتني‪،‬وذلك من عالم ــات احنص ــار اخلرب يف املبت ــدأـ كما يف قوله‬
‫{والْ َـك ــافُِرو َـن ُه ُم الظَّالِ ُمو َن} [البقـ ــرة‪ ،‬آية‬ ‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُـ‬
‫ح ــو َن} [البقـ ــرة‪ ،‬آية ‪ ،]5‬وقوله تعـ ــاىل ‪َ -‬‬ ‫{وأ ُْولَـ ــئِ َ‬
‫تعـ ــاىل‪َ - :‬‬
‫‪.]254‬‬
‫الرابع‪ - :‬إدخال ضمري الفصل بني املبتدأ واخلرب‪ ،‬وهو يفيد مع الفصل فائدتني أخريني‪ :‬قوة اإلســناد‪ ،‬واختصــاص‬
‫املسند إليه باملسند‪ ،‬كقوله تعاىل‪-:‬‬
‫ِيع‬
‫ُ‬ ‫َ السَّم‬ ‫هو‬ ‫ُُ‬ ‫د} [احل ـ ـ ـ ـ ـج‪ ،‬آية ‪ ]64‬وقول ـ ـ ـ ــه‪{ - :‬و‬
‫َهّللا‬ ‫ِيُ‬ ‫َم‬‫الح‬ ‫ِيُّ ْ‬ ‫َن‬ ‫الغ‬ ‫َ ْ‬ ‫هو‬ ‫َ َلُ‬ ‫ن هَّللا‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫{و‬
‫ُ} [ املائدة‪،‬ـ آية ‪" )1( .]76‬‬
‫ِيم‬
‫َل‬‫الع‬
‫ْ‬
‫ي‪ 33‬ل‬
‫ٌ‬ ‫َْ‬‫ن {‪}46‬و‬ ‫م‪33‬وَ‬ ‫ُِ‬‫ْر‬ ‫مج‬ ‫ُم ُّ‬ ‫نك‬ ‫ِيالً إ‬
‫َِّ‬ ‫َل‬‫ُ‪33‬وا ق‬ ‫َّع‬‫َت‬‫تم‬ ‫ََ‬‫ُوا و‬ ‫ُل‬ ‫‪ .7‬قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ك‬
‫ن {‪}48‬‬ ‫ُ‪33‬وَ‬ ‫َع‬‫ْك‬ ‫ير‬ ‫ُ‪33‬وا ال َ‬ ‫َع‬ ‫ْك‬‫ُ ار‬ ‫هم‬ ‫َ َلُ‬‫ِيل‬ ‫َا ق‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬
‫َ {‪}47‬و‬ ‫ِين‬ ‫َذب‬‫ُكِّ‬
‫لم‬ ‫ٍ ِّلْ‬ ‫ِذ‬‫مئ‬ ‫يو‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫َ} [املرسالت‪ ،‬آية ‪.]49 – 46‬‬ ‫ِين‬ ‫ُكِّ‬
‫َذب‬ ‫لم‬‫ٍ ِّلْ‬
‫ِذ‬ ‫مئ‬ ‫َْ‬ ‫يو‬‫ٌَ‬ ‫يل‬ ‫و‬
‫َْ‬
‫يقـ ــول ابن القيم‪ " - :‬توعـ ــدهم على تـ ــرك الركـ ــوع‪ ،‬وهو الصـ ــالةـ إذا دعـ ــوا إليهـ ــا‪ ،‬وال يقـ ــال إمنا توعـ ــدهم على‬
‫التكذيب‪،‬ـ فإنه سبحانه وتعاىل إمنا أخربهم عن تركهم هلا‪ ،‬وعليه وقع الوعيد‪.‬‬
‫على أنا نقول‪ :‬ال يصر على ترك الصالة إصراراً مستمراً من يصدق بــأنـ اهلل ســبحانه أمر هبا أصـالً‪ ،‬فإنه يســتحيل‬
‫– يف الع ــادة والطبيعةـ – أن يك ــون الرجل مص ــدقاً تص ــديقاً جازمـ ـاً أن اهلل ف ــرض عليه كل ي ــوم وليلة مخس ص ــلوات‪،‬‬
‫وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب‪ ،‬وهو مع ذلك مصر على تركها‪ ،‬هذا من املستحيل قطعاً‪ ،‬فال حيافظ على تركها‬

‫(‪ )5‬أخرجه البيهقي يف شعب اإلميان (‪ ، )76 = 3/7‬وحممد بن نصر املروزي يف تعظيم قدر الصالة (‪ ، )1/129‬وانظر الدر املنثور للسيوطيـ (‬
‫‪.)8/180‬‬
‫(‪ )1‬كتاب الصالة ص ‪. 43 ، 42‬‬
‫‪169‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫مصـ ــدق بفرض ـ ــها أب ـ ــداً‪ ،‬ف ـ ــإن اإلميان ي ـ ــأمر ص ـ ــاحبه هبا‪ ،‬فحيث مل يكن يف قلبه ما ي ـ ــأمره هبا‪ ،‬فليس يف قلبه شـ ــيء من‬
‫اإلميان‪.‬‬
‫صـ‪462‬‬
‫وال تصغ إىل كالم من ليس له خــربة وال علم بأحكــام القلــوب وأعماهلا‪ ،‬وتأمل يف الطبيعةـ بــأن يقــوم بقلب العبد‬
‫إميان بالوعد والوعيــد‪،‬ـ واجلنة والنــار‪ ،‬وأن اهلل فــرض عليه الصــالة‪،‬ـ وأن اهلل يعاقبه معاقبة على تركهــا‪ ،‬وهو حمافظ على‬
‫ال ــرتك يف ص ــحته وعافيت ــه‪ ،‬وع ــدم املوانع املانعة له من الفع ــل‪،‬و ه ــذا الق ــدر هو ال ــذي خفي على من جعل اإلميان جمرد‬
‫التصــديق‪ ،‬وإن مل يقارنه فعل واجب وال تــرك حمرم‪ ،‬وهــذا من أحمل احملال أن يقــوم بقلب العبد إميان جــازم ال يتقاضــاه‬
‫فعل طاعة‪ ،‬وال ترك معصية‪.‬ـ(‪" )2‬‬
‫ُوا‬
‫ُون‬
‫تك‬‫َال َ‬
‫ةو‬‫َّالَ‬
‫ُوا الص‬ ‫َق‬
‫ِيم‬ ‫َأ‬
‫هو‬‫ُوُ‬
‫اتق‬ ‫ِو‬
‫َ َّ‬ ‫َِلي‬
‫ْه‬ ‫َإ‬‫ِين‬ ‫ِيب‬ ‫من‬ ‫‪ -8‬قوله تعاىل‪ُ{ - :‬‬
‫َ} [الروم‪ ،‬آية ‪.]31‬‬
‫ِين‬‫ِك‬ ‫ُشْر‬‫الم‬‫َ ْ‬ ‫ِن‬
‫م‬
‫فبني عز وجل أن عالمة أن يكون من املشركني ترك إقامة الصالة‪.‬ـ(‪" )1‬‬
‫وأما أدلتهم من السنة فنوردها كما يأيت‪-:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بس ــنده عن ج ــابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما ق ــال‪ - :‬مسعت رس ــول اهلل ص ــلى اهلل‬ ‫‪ -1‬س ــاق اإلم ــام مس ــلم‬
‫عليه وسلم يقول‪ " - :‬إن بني الرجل وبني الشرك والكفر ترك الصالة‪" )3(.‬‬
‫فجعل النيب ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم احلد بني اإلس ـ ــالم والكفر ت ـ ــرك الص ـ ــالة‪ ،‬فمن أدى الص ـ ــالة فهو مسـ ــلم‪ ،‬ومن‬
‫تركها فهو كافر‪.‬‬
‫يقول البيهقيـ (‪ " - :)4‬ليس من العبادات بعد اإلميان الرافع للكفر عبادة مساها اهلل‬
‫صـ‪463‬‬
‫عز وجل إمياناً‪ ،‬ومسى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تركها كفراً إال الصالة‪.‬ـ(‪" )5‬‬

‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 44 ، 43‬‬


‫(‪ )1‬انظر تعظيم قدر الصالة للمروزي ‪ ، 1006 ، 2/1005‬وفتح الباري ‪. 2/7‬‬
‫(‪ )2‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري ‪ ،‬اإلمام ‪ ،‬احلافظ ‪ ،‬صاحب " الصحيح " ‪ ،‬كان من أوعية العلم ‪ ،‬له مصنفات ‪ ،‬تويف‬
‫بنيسابور سنة ‪ 261‬هـ ‪.‬‬
‫انظر سري أعالم النبالء ‪ ، 12/557‬طبقات احلنابلة ‪. 1/337‬‬
‫(‪ )3‬سبق خترجيه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو بكر أمحد بن احلسني اخلراساين ‪ ،‬احلافظ الفقيه ‪ ،‬صاحب املصنفات الكثرية ‪ ،‬كان متقناً لعلومـ مجة ‪ ،‬وزاهداً ورعاً ‪ ،‬مات سنة ‪ 458‬هـ ‪.‬‬
‫انظر طبقات الشافعية ‪ ، 4/8‬وسري أعالم النبالء ‪. 18/163‬‬
‫(‪ )5‬شعب اإلميان للبيهقي ‪. 3/33‬‬
‫‪170‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقد جاء الكفر – يف هذا احلديث – معرفاً‪ ،‬فدل على التخصيصـ والعهد‪ ،‬وكما قال ابن تيمية‪-:‬‬
‫" ليس كل من قام به شــعبة من شــعب الكفر يصري كــافراً الكفر املطلق حىت تقــوم به حقيقة الكفــر‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫كل من قام به شعبة من شعب اإلميان يصري مؤمناً‪ ،‬حىت يقوم به أصل اإلميان‪ ،‬وفرق بني الكفر املعرف بالالم كما يف‬
‫قولـ ـ ـ ـه ص ـ ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ـ ـ ــلم‪ " - :‬ليس بني العبد وبني الكفر أو الش ـ ـ ـ ــرك إال ت ـ ـ ـ ــرك الص ـ ـ ـ ــالةـ " وبني كفر منكر يف‬
‫اإلثبات‪" )6(.‬‬
‫ويق ــول الش ــوكاين‪ - - :‬يف بي ــان حكم ت ــارك الص ــالة – واحلق أنه ك ــافر يقت ــل‪ ،‬أما كف ــره فألن األح ــاديث قد‬
‫صحت أن الشــارع مسى تــارك الصــالةـ بــذلك االســم‪ ،‬وجعل احلائل بني الرجل وبني جــواز إطالقـ هــذا اإلسم عليه هو‬
‫الصالة‪،‬ـ فرتكها مقتض جلواز اإلطالق‪" )7(.‬‬
‫ويق ــول الش ــنقيطي عن ه ــذا احلديث‪ " - :‬وهو واضح يف أن ت ــارك الص ــالة ك ــافر؛ ألن عطف الش ــرك على الكفر‬
‫فيه تأكيد قوي لكونه كافراً‪" )8(.‬‬
‫‪ -2‬وعن بريدة بن احلصيب (‪)1‬رضي اهلل عنه قال‪ :‬قــال رســول اهلل صـلى اهلل عليه وســلم ‪ " - :‬العهد الــذي بينناـ‬
‫وبينهم الصالةـ فمن تركها فقد كفر "(‪" )2‬‬
‫صـ‪464‬‬
‫يقــول العــراقي يف شــرح هــذا احلديث‪ " - :‬الضــمري يف قوله " وبينهم " يعــود على الكفــار أو املنــافقني‪ ،‬معنــاه بني‬
‫املسلمني والكافرين واملنافقني ترك الصالة‪ ...‬واملراد أهنم ما داموا يصلون فالعهد الذي بينهم وبني املســلمني من حقن‬
‫الدم باق‪" )3(...‬‬

‫(‪ )6‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪1/208‬‬


‫(‪ )7‬نيل األوطار ‪. 2/13‬‬
‫(‪ )8‬أضواء البيان ‪. 4/311‬‬
‫(‪ )1‬بريدة بن احلصيب بن عبد اهلل األسلمي ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬غزا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ست عشرة غزوة ‪ ،‬وغزا خراسان يف زمن‬
‫عثمان ‪ ،‬ومات يف مرو سنة ‪ 63‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 1/286‬وسري أعالم النبالء ‪.2/469‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ، 5/346‬والرتمذي يف اإلميان ح (‪ )2621‬وقال " هذا حديث حسن صحيح غريب " ‪ ،‬والنسائي يف الصالة (‪، )1/187‬‬
‫وأخرجه احلاكم وصححه ووافقه الذهيب (‪ ، )1/6‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ . )1/226‬وانظر ‪ :‬تعظيم قدر الصالة للمروزي‬
‫(‪. )880 – 2/877‬‬
‫(‪ )3‬طرح التثريب شرح التقريب ‪. 2/145‬‬
‫‪171‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ومما قاله املباركفوري (‪ )4‬يف شرح هذا احلديث‪ " - :‬واملعىن أن العمدة يف إجــراء أحكــام اإلســالم عليهم تشــبههم‬
‫باملس ــلمني يف حض ــور ص ــالهتم‪ ،‬ول ــزوم مجاعتهم‪ ،‬وانقي ــادهم لألحك ــام الظ ــاهرة‪ ،‬ف ــإذا ترك ــوا ذلك ك ــانوا هم والكف ــار‬
‫سواء‪" )5(.‬‬
‫فجعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الصالة حــداً مييز املســلمني عن غــريهم من الكفــار‪ ،‬ويشــهد هلذا ما جـاء يف‬
‫احلديث اآلخر عن ثوب ــان م ــوىل رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم مرفوعـ ـاً ق ــال‪ " - :‬بني العبد وبني الكفر واإلميان‬
‫الصالة‪،‬ـ فإذا تركها فقد أشرك (‪" )6‬‬
‫‪ -3‬وعن عبد اهلل بن عم ــرو بن الع ــاص رضي اهلل عنهما عن النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم أنه ذكر الص ــالةـ يومـ ـاً‬
‫فق ــال‪ " - :‬من حافظ عليها ك ــانت له ن ــوراً وبرهانـ ـاً وجناة ي ــوم القيام ــة‪،‬ـ ومن مل حيافظ عليه ــا‪ ،‬مل تكن له ن ــوراً‪ ،‬وال‬
‫برهاناً‪ ،‬وال جناة‪ ،‬وكان يوم القيامة مع قارون وفرعونـ وهامان وأيب بن خلف (‪" )7‬‬
‫صـ‪465‬‬
‫قــال ابن القيم‪ " - :‬وإمنا خص هــؤالء األربعة بالــذكر ألهنم من رؤوس الكفــرة‪ ،‬وفيه نكتة بديعــة‪ ،‬وهو أن تــارك‬
‫احملافظة على الصالة‪...‬ـ إما أن يشغله ماله‪ ،‬أو ملكه‪ ،‬أو رئاســته‪ ،‬أو جتارتــه‪ ،‬فمن شــغله عنها ماله فهو مع قــارون ومن‬
‫شـ ــغله عنها ملكه فهو مع فرع ـ ــون‪ ،‬ومن ش ـ ــغله عنها رئاسة وزارة فهو مه هام ـ ــان‪ ،‬ومن ش ـ ــغله عنها جتارته مع أيب بن‬
‫خلف‪" )1(.‬‬
‫وقـ ــال الشـ ــنقيطي‪:‬ـ " وهـ ــذا احلديث أوضح داللة على كفر تـ ــارك الصـ ــالة؛ـ ألن انتفـ ــاء النـ ــور والربهـ ــانـ والنجـ ــاة‪،‬‬
‫والكينونةـ مع فرعون وهامان وقارون وأيب بن خلف يوم القيامة أوضح دليل على الكفر كما ترى‪")2(.‬‬
‫‪ - 4‬وعن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قــال‪ :‬أوصــاين خليلي أبو القاسم صـلى اهلل عليه وســلم بســبع‪ - :‬ال تشــرك‬
‫باهلل شيئاً‪ ،‬وإن قطعت أو حرقت‪ ،‬وال ترتك صالة مكتوبة متعمداً‪ ،‬فمن تركها عمداً فقد برئت منه الذمة (‪" )3‬‬

‫(‪ )4‬حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم املباركفوري ‪ ،‬من علماء احلديث يف بالد اهلند ‪ ،‬قرأ يف العلومـ املختلفة ‪ ،‬وله مؤلفات ‪ ،‬تويف سنة ‪ 1353‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم املؤلفني ‪.5/166‬‬
‫(‪ )5‬حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي ‪. 7/369‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الاللكائي يف أصول اعتقاد أهل السنة (‪ )4/822‬وقال ‪ :‬إسناده صحيح على شرط مسلمـ ‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب‬
‫والرتهيب (‪ ، )1/227‬وانظر ‪ :‬تعظيم قدر الصالة للمروزيـ (‪. ) 880 ، 2/879‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه أمحد (‪ )2/169‬وابن حبان ح (‪ ، )1448‬وعزاه اهليثمي يف جممع الزوائد (‪ )1/292‬إىل الطرباين يف الكبري واألوسط ‪ ،‬وقال ‪" - :‬‬
‫رجال أمحد ثقات ‪.‬‬
‫(‪ )1‬كتاب الصالة ص ‪47 ، 46‬‬
‫(‪ )2‬أضواء البيان ‪. 4/313‬‬
‫‪172‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يقول ابن القيم‪ " - :‬ولو كان باقياً على إسالمه‪ ،‬لكانت له ذمة اإلسالم‪.‬ـ(‪" )4‬‬
‫‪ -5‬وج ـ ـ ــاء يف حـ ـ ــديث مع ـ ـ ــاذ بن جبل رضي اهلل عنه الطويـ ـ ــل‪ ،‬قوله صـ ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪ " - :‬رأس األمر‬
‫اإلسالم‪،‬ـ وعموده الصالة‪،‬ـ وذروة سنامه اجلهاد‪" )5(.‬‬
‫يقــول اإلمــام أمحد بن حنبل – رمحه اهلل ‪" - :-‬ألست تعلم أن الفسـطاط (‪ )6‬إذا ســقط عمــوده‪ ،‬سـقط الفسـطاط‪،‬‬
‫ومل تنتفع بالطنب وال باألوتاد‪ ،‬وإذا قام عمود‬
‫صـ‪466‬‬
‫الفسطاط انتفعت بالطنب واألوتاد؟(‪" )7‬‬
‫‪ -6‬وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قـ ــال‪ :‬قـ ــال رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم‪ " - :‬من ص ــلى ص ــالتنا‪،‬‬
‫واستقبل قبلتنا‪ ،‬وأكل ذبيحتنا‪ ،‬فهو املسلم‪ ،‬له ما لنا‪ ،‬وعليه ما علينا‪" )8(.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫فهذا دليل على أن من مل يصل صالتنا‪ ،‬ويستقبل قبلتنا فليس مبسلم‪.‬‬
‫وقال ابن القيم – عن هذا احلديث ‪- :-‬‬
‫" ووجه الداللة فيه من وجهني‪-:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أنه إمنا جعله مسلماً هبذه الثالثة‪ ،‬فال يكون مسلماً بدوهنا‪.‬‬
‫الث ـ ــاين‪ -:‬أن ـ ـ ـ ـه إذا صل ـ ـ ـ ـى إىل الشـ ـ ــرق‪ ،‬مل يكن مسـ ـ ــلماً حىت يصلي إىل قبلة املسـ ـ ــلمني‪ ،‬فكيف إذا ت ـ ــرك الص ـ ــالة‬
‫بالكلية‪" )1(.‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه يف األشربة ‪ ،‬ح (‪ ، )4034‬والاللكائي ‪ ، 2/823‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة ‪ ، 891 – 2/885‬وقال البوصريي ‪" :‬‬
‫إسناده حسن ‪ ،‬وشهر بن حوشب [أحد رجال هذا احلديث] خمتلف فيه " ‪ ،‬وصححه األلباين لشواهده يف صحيح الرتغيب والرتهيب ‪– 1/227‬‬
‫‪. 229‬‬
‫(‪ )4‬كتاب الصالة ص ‪. 487‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد (‪ ، )5/231‬والرتمذي ح (‪ )2616‬وقال " حسن صحيح " ‪ ،‬وابن ماجه ح (‪ )3973‬وصححه ابن القيم يف كتاب الصالة (ص‬
‫‪ ، )47‬وصححه األلباين يف خترجيه لكتاب اإلميان البن أيب شيبة (‪ ، )1‬وصحيح اجلامع الصغري (‪. )5012‬‬
‫(‪ )6‬الفسطاط ‪ :‬بيت الشعر (املصباح املنري ص ‪. )567‬‬
‫(‪ )7‬رسالة الصالة ص ‪ ، 16‬وانظر كتاب الصالة البن القيم ص ‪ ، 48‬وجامع العلومـ واحلكم ‪. 2/146 ، 1/146‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الصالة (‪ )1/496‬ح (‪. )391‬‬
‫(‪ )9‬انظر التمهيد البن عبد الرب ‪. 4/1228‬‬
‫(‪ )1‬كتاب الصالة ص ‪. 49 ، 48‬‬
‫‪173‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -7‬وعن حمجن الـ ـ ــديلي (‪ )2‬رضي اهلل عنـ ـ ــه‪ :‬أنه كـ ـ ــان يف جملس مع رسـ ـ ــول اهلل صـ ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪ ،‬ف ـ ـأذن‬
‫بالصالة‪،‬ـ فقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فصلى‪ ،‬مث رجع وحمجن يف جملسه‪ ،‬فقال رسول اهلل صــلى اهلل عليه‬
‫وســلم‪ :‬ما منعك أن تصــلي مع النــاس؟ ألست برجل مســلم؟ قــال بلى يا رســول اهلل‪ ،‬ولكين قد صـليت يف أهلي‪ ،‬فقــال‬
‫(‪)3‬‬
‫له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا جئت فصل مع الناس‪ ،‬وإن كنت قد صليت‪.‬‬
‫يقــول ابن عبد الــرب‪ " - :‬يف هــذا احلديث وجــوه من الفقــه‪ :‬أحــدمها قوله صــلى اهلل عليه وســلم حملجن الــديلي‪ :‬ما‬
‫منعك أن تص ــلي مع الن ــاس؟ ألست برجل مس ــلم؟ ويف ه ــذا – واهلل أعلم – دليل على أن من ال يص ــلي ليس مبس ــلم‪،‬‬
‫وإن كان‬
‫ص‪467‬‬
‫موحــداً‪ ،‬وهــذا موضع اختالف بني أهل العلم‪ ،‬وتقرير هــذا اخلطــاب يف هــذا احلديث‪ :‬أن أحــداً ال يكــون مســلماً‬
‫إال أن يصلي‪ ،‬فمن مل يصل فليس مبسلم (‪" )4‬‬
‫ويق ــول ابن القيم‪ " - :‬فجعل الف ــارق بني املس ــلم والك ــافر الص ــالة‪ ،‬وأنت جتد حتت ألف ــاظ احلديث أنك لو كنت‬
‫مســلماً لصــليت‪ ،‬وهــذا كما تقــول‪ :‬مالك ال تتكلم ألست بنــاطق؟ ومالــك؛ ال تتحــرك ألست حبي؟ ولو كــان اإلســالمـ‬
‫يثبتـ مع عدم الصالة‪،‬ـ ملا قال ملن رآه ال يصلي‪ :‬ألست برجل مسلم‪" )5( .‬‬
‫‪ - 8‬وعن أيب هريرة رضى اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صـلى اهلل عليه وسـلم يقـول‪ " - :‬إن أميت يـدعون يـوم‬
‫القيامةـ غرا حمجلني من آثار الوضوء‪" )6( .‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ويف رواية املسلم ‪ " :‬قـالوا‪ - :‬كيف تعــرف من مل يـأت بعد من أمتك يا رســول اهلل؟ قــال‪ :‬أرأيت لو أن رجالً‬
‫له خيل غر حمجلة بني ظهــري خيل دهم (‪ )8‬هبم (‪ )9‬أال يعــرف خيلــه؟ قــالوا بلى يا رســول اهلل‪ .‬قــال‪ - :‬فــإهنم يــأتونـ‬
‫غراً حمجلني من الوضوء وأنا فرطهم على احلوض "‬

‫(‪ )2‬حمجن بن أيب حمجن الديلي ‪ ،‬صحب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ويعد من أهل املدينة‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪. 5/779‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪ ، )1/132‬وأمحد (‪ ، )4/34‬والنسائي (‪ )2/87‬واحلاكم (‪ ،)1/244‬وصححه األلباين يف اجلامع الصغري ح (‬
‫‪. )480‬‬
‫(‪ )4‬التمهيد ‪4/224‬‬
‫(‪ )5‬كتاب الصالة ص ‪50‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الوضوء (‪ . )1/235‬ح (‪ ، )136‬ومسلم ‪ ،‬ك الطهارة (‪ )1/216‬ح (‪. )246‬‬
‫(‪ )7‬ك الطهارة (‪ )1/218‬ح (‪)249‬‬
‫(‪ )8‬دهم ‪ :‬مجع أدهم وهو األسود‬
‫(‪ )9‬هبم ‪ :‬قيل السود ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الذي ال خيالط لونه لوناً سواه ‪ ،‬بل يكون خالصاً ‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يق ــول ابن تيميــة‪ - :‬فــدل ذلك على أن من مل يكن غــراً حمجالً‪ ،‬مل يعرفه النيب صــلى اهلل عليه وســلم فال يك ــون‬
‫من أمته‪" )1( .‬‬
‫‪ - 9‬وعن أيب س ــعيد اخلدري رضي اهلل عنه ق ــال‪ :‬بعث على بن أيب ط ــالب إىل رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‬
‫من اليمن بذهبة يف أدمي مقروظ (‪ )2‬مل حتصل من‬
‫ص‪468‬‬
‫تراهبا (‪ )3‬وقــال فقســمها بني أربعة نفر بني عينية بن حصــن‪ ،‬واألقــرع بن حــابس‪ ،‬وزيد اخليــل‪ ،‬وعلقمة بن عالثــة‪،‬‬
‫فق ـ ــال رجل من أصـ ـ ــحابه‪ :‬كنا حنن أحق هبذا من هـ ـ ــؤالء‪ ،‬قـ ـ ــال فبلغ ذلك النيب صـ ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم فق ـ ــال‪ - :‬أال‬
‫تأمونين وأنا أمني من يف الســماء‪ ،‬يـأتيين خرب الســماء صـباحاً ومسـاءً‪ ،‬قـال فقـام رجل غـائر العيــنني‪ ،‬مشـرف الوجنـتني‪،‬‬
‫ناشز اجلبهة (‪ ،)4‬كث اللحية حملوق الرأس‪ ،‬مشمر اإلزار‪ ،‬فقال‪ :‬يا رســول اهلل اتق اهلل‪ ،‬فقــال‪ " :‬ويلــك! أولست أحق‬
‫أهل األرض أن يتقيـ اهلل " قــال مث وىل الرجــل‪ ،‬فقــال خالد بن الوليــد‪ - :‬يا رســول اهلل أال أضـرب عنقــه؟ فقــال‪ - :‬ال‬
‫لعله أن يكونـ يصلي (‪" )5‬‬
‫ويف احلديث اآلخر قال صلى اهلل عليه وسلم‪ " - :‬إين هنيت عن قتل املصلني (‪" )6‬‬
‫هم الص ــحابة بقتلهم ملا رأوا فيهم من احتم ــال‬ ‫فجعل النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم إقامة الص ــالةـ مانعـ ـاً من قتل من ّ‬
‫كفرهم‪ ،‬ولو مل يكونواـ مقيمني للصالة مل مينع الصحابة من ذلك‪ ،‬كما هو ظاهر احلديثني‪ ،‬ولكـان قتلهم إيـاهم ألجل‬
‫أهنم كفــار ليس لــدمائهم عصــمة‪ ،‬وال يقــال هنا أن تــارك الصــالة يقتل حــداً ال كفــراً‪ ،‬بداللة هــذين احلديثني الســابقني‪،‬‬
‫فإهنما ال يـدالن على ذلـك‪ ،‬وإمنا يـدالن على خالفـه‪ ،‬والـذي يـبني ذلك أن الرسـول صـلى اهلل عليه وسـلم قـال‪ " - :‬ال‬
‫حيل دم امرىء مسلم إال بإحدى ثالث‪ :‬الثيبـ الزاين‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة‪" )7( .‬‬
‫ص‪469‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪7/612‬‬


‫(‪ )2‬يف أدمي مقروظ ‪ :‬أي يف جلد مدبوغ بالق ـرظ ‪ ،‬والقرظ حـب معروف خيرج يف غلف كالعدسـ من شجر العضاء ‪( ،‬عن تعليق حممد فؤاد‬
‫عبدالباقي على صحيح مسلمـ ‪)2/742‬‬
‫(‪ )3‬مل حتصل من تراهبا ‪ :‬أي مل متيز ومل تصف من تراب معدهنا ‪( .‬املصدرـ السابق)‬
‫(‪ )4‬ناشر اجلبهة ‪ :‬أي مرتفعها (املصدرـ السابق)‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك املغازي (‪ ، )8/67‬ح (‪ )4351‬ومسلم ‪ ،‬ك الزكاة (‪ ، )2/742‬ح (‪. )1064‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود ك األدب ‪ ،‬ح (‪ ، )4928‬والدار قط ـين ‪ ، 55 ، 2/54‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة ‪ ، 2/918‬وصححه األلباين يف اجلامع‬
‫الصغري ‪ 1/332‬رقم (‪. )2502‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الديات (‪ )12/201‬ح (‪ ، )6878‬ومسلمـ ‪ .‬ك القسامة ‪ ، )3/1302( ،‬ح (‪. )1676‬‬
‫‪175‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وليس تــارك الصــالةـ من أصــحاب احلدود من املســلمني‪ ،‬بل ال يكـون ذلك إال يف الــزاين احملصن وليس قاتل نفس‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫فلم يبق إال أن يكون إباحة دم تارك الصالةـ من أجل ردته‪.‬‬
‫‪ - 10‬عن عـ ــوف بن مالك (‪ )1‬رضي اهلل عنه عن رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم قـ ــال‪ " - :‬خيـ ــار أئمتكم‬
‫الــذين حتبــوهنم وحيبــونكم‪،‬ـ ويصــلون عليكم وتصــلون عليهم‪ ،‬وشــرار أئمتكم الــذين تبغضــوهنم ويبغضــونكم‪ ،‬وتلعنــوهنم‬
‫ويعلنونكم‪،‬ـ قيل‪ - :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أفال ننابذهم بالسيف؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ما أقاموا فيكم الصالة … (‪" )2‬‬
‫وعن أم ســلمة (‪ )3‬رضي اهلل عنها أن النيب صــلى اهلل عليه وســلم أنه قــال‪ " - :‬إنه يســتعمل عليكم أمــراء فتعرفــون‬
‫وتنك ــرون‪،‬ـ فمن ك ــره فقد ب ــرىء‪ ،‬ومن أنكر فقد س ــلم‪ ،‬ولكن من رضي وت ــابع‪ ،‬ق ــالوا‪ :‬أفال نق ــاتلهم؟ ق ــال‪ - :‬ال‪ ،‬ما‬
‫صلوا (‪" )4‬‬
‫و" ما " يف قوله " ما صـلوا " مصــدرية ظرفيــة‪ ،‬أي ال تقــاتلوهم مــدة كــوهنم يصــلون‪ ،‬ويفهم منه أهنم إن مل يصــلوا‬
‫(‪)5‬‬
‫قوتلوا‪.‬‬
‫وجاء يف حديث عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه قال‪ " - :‬دعانا النيب صلى اهلل عليه وسلم فبايعنـاه‪،‬ـ فقـال فيما‬
‫أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة يف منشطنا ومكرهنا‪ ،‬وعسرنا ويسرنا وأثرة علينـا‪ ،‬وأن ال ننـازع األمر أهلـه‪،‬‬
‫إال أن‬
‫ص‪470‬‬
‫تروا كفراً بواحاً عندكم من اهلل فيه برهان‪" )6( .‬‬

‫(‪ )8‬انظر ضوابط التكفري لعبداهلل القرين ص ‪207 ،206‬‬


‫(‪ )1‬عوف بن مالك األشجعي ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬أسلم عام خيرب ‪ ،‬وشهد الفتح ‪ ،‬ونزل محص ‪ ،‬مات سنة ‪73‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ،4/743‬وسري أعالم النبالء ‪.2/487‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلمـ ك اإلمارة (‪ )3/1481‬ح (‪ ، )1855‬وأمحد (‪)28 ، 6/24‬‬
‫(‪ )3‬أم سلمه هند بنت أيب أمية املخزومية ‪ ،‬أم املؤمنني ‪ ،‬زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬من املهاجرات األول ‪ ،‬وهلا أوالد صحابيون ‪ ،‬توفيت سنة‬
‫‪ 68‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ،2/201‬اإلصابة ‪.8/221‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلمـ ‪ ،‬ك اإلمارة (‪ )3/148‬ح (‪ ، )1854‬والرتمذي ‪ ،‬ك الفنت ‪ ،‬ح (‪)2265‬‬
‫(‪ )5‬انظر أضواء البيان للشنقيطي ‪4/315‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري ك (الفنت (‪ )13/5‬ح (‪ ، )7056 ،7055‬ومسلمـ ك اإلمارة (‪ )3/1470‬ح (‪. )1709‬‬
‫‪176‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فــدل جممــوع هــذه األحــاديث أن تــرك الصــالة كفر بــواح عليه من اهلل برهــان؛ ألنه إذا مل جيز اخلروج على األئمة‬
‫إال إذا كف ـ ــروا كفـ ـ ــراً بواح ـ ـ ـاً‪ ،‬مث جـ ـ ــاز اخلروج عليهم إذا تركـ ـ ــوا الصـ ـ ــالة‪ ،‬دل ذلك على أن ت ـ ــرك الص ـ ــالةـ من ذاك‬
‫الكفر‪" )7(.‬‬
‫‪ -11‬وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪-:‬‬
‫" إذا قــرأ ابن آدم الســجدة‪ ،‬فســجد‪ ،‬اعــتزل الشــيطان يبكي‪ ،‬ويقــول‪ :‬يا ويلي‪ ،‬أمر ابن آدم بالســجود فســجد فله‬
‫اجلنة‪ ،‬وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار‪" )8(.‬‬
‫" ق ــال إس ــحاق [بن راهويـ ـه] ‪ :‬واجتمع أهل العلم على أن إبليس إمنا ت ــرك الس ــجود آلدم عليه الص ــالةـ والس ــالم؛‬
‫ه‬
‫ُْ‬ ‫من‬ ‫ْر‬
‫ٌ ِّ‬ ‫َي‬‫َا خ‬ ‫َن‬ ‫لأ‬ ‫َاَ‬ ‫ألنه كان يف نفسه خرياً من آدم عليه السالم‪ ،‬فاس ــتكرب عن الســجود آلدم فقــال ‪{ -‬ق‬
‫ِينٍ} [األعراف‪ ،‬آية ‪.]12‬‬ ‫ِن ط‬ ‫هم‬
‫َُ‬ ‫ْت‬
‫لق‬‫ََ‬
‫َخ‬‫ٍو‬ ‫َّار‬‫ِن ن‬ ‫ِي م‬ ‫َن‬‫ْت‬ ‫لق‬ ‫ََ‬
‫خ‬
‫فالنـ ــار أق ـ ــوى من الطني‪ ،‬فلم يشك إبليس يف أن اهلل قد أم ـ ــره‪ ،‬وال جحد الس ـ ــجود‪ ،‬فص ـ ــار كـ ــافراً برتكه أمر اهلل‬
‫تعــاىل‪ ،‬واســتنكافه أن يــذل آلدم بالســجود لــه‪ ،‬ومل يكن تركه اســتنكافاً عن اهلل تعــاىل‪ ،‬وال جحــوداً منه ألمــره‪ ،‬فاقتــاس‬
‫قوم ترك الصالةـ على هذا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬تارك السجود هلل تعاىل‪ ،‬وقد افرتضه عليه عمداً‪ ،‬وإن كان مقراً بوجوبه‪ ،‬أعظم معصــيةـ من إبليس يف تركه‬
‫الســجود آلدم؛ ألن اهلل افــرتض الصــلوات على عبــاده‪ ،‬اختصــها لنفســه‪ ،‬فــأمرهم باخلضــوع هلم هبا دون خلقــه‪ ،‬فتــارك‬
‫الصالةـ أعظم معصية‪ ،‬واستهانةـ من إبليس حني ترك الســجود آلدم عليه الســالم‪ ،‬فكما وقعت اســتهانةـ إبليس‪ ،‬وتكــربهـ‬
‫عن الس ــجود آلدم موقع احلج ــة‪ ،‬فصــار ب ــذلك كــافراً‪ ،‬فك ــذلك تــارك الصــالة‪،‬ـ عمــداً من غري ع ــذر حىت يــذهب وقتها‬
‫(‪)1‬‬
‫كافر‪.‬‬
‫صـ‪471‬‬
‫وأما داللة اإلمجاع على كفر تـ ــارك الصـ ــالة‪ ،‬فإمجاع الصـ ــحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬فعن س ــليمان بن يس ــار ق ــال‪ :‬أن‬
‫املســور بن خمرمة أخــربه أن عمر بن اخلطــاب رضي اهلل عنه إذ طعن‪ ،‬دخل عليه هو وابن عبــاس رضي اهلل عنهم‪ ،‬فلما‬
‫أصــبح من غــد‪ ،‬فزعــوه‪ ،‬فقــالوا‪ :‬الصــالة‪ ،‬ففــزع‪ ،‬فقــال‪ :‬نعم‪ ،‬الحظ يف اإلســالم ملن تــرك الصــالة فصــلى واجلرح يثعبـ‬
‫دماً‪" )2(.‬‬

‫(‪ )7‬انظر أضواء البيان للشنقيطي ‪ ، 315 ،4/311‬وضوابط التكفري للقرين ص ‪. 208‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه مسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/87‬ح (‪ ، )81‬وأمحد ‪. 2/443‬‬
‫(‪ )1‬تعظيم قدر الصالة ‪. 2/934‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪ ، )1/40‬واآلجري يف الشريعة (ص‪ ، )134‬واملروزي يف تعظيم قدر الصالة (‪ ، )896 – 2/892‬والاللكائي (‬
‫‪ ، )2/825‬وصححه األلباين يف حتقيقه وخترجيه لكتاب اإلميان البن أيب شيبة رقم (‪. )103‬‬
‫‪177‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يقول ابن القيم‪ " - :‬فقال هذا مبحضر من الصحابة‪ ،‬ومل ينكروه عليه‪")3(.‬‬
‫وق ـ ــال حممد بن نصر املروزي‪ " - :‬ذكرنا األخبـ ـ ــار املروية عن النيب صـ ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ـ ــلم يف إكف ـ ــار تاركه ـ ــا‪،‬‬
‫وإخراجه إيــاه من امللــة‪ ،‬وإباحة قتل من امتنع من إقامتهــا‪ ،‬مث جاءنا عن الصــحابة رضي اهلل عنهم مثل ذلــك‪ ،‬ومل جيئنا‬
‫عن أحد منهم خالف ذلك‪" )4(.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن ش ـقيق العقيلي (‪ )5‬قــال‪ " - :‬كــان أصــحاب رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم ال يــرون شــيئاً من‬
‫األعمال تركه كفر غري الصالة‪.‬ـ(‪" )6‬‬
‫وعن أيب هري ـ ــرة رضي اهلل عنه ق ـ ــال‪ " - :‬ك ـ ــان أص ـ ــحاب رس ـ ــول اهلل ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم ال يـ ــرون شـ ــيئاً من‬
‫(‪)7‬‬
‫األعمال تركه غري الصالة‪.‬ـ‬
‫صـ‪472‬‬
‫قال الشوكاين معلقاً على أثر عبد اهلل بن شقيق " والظاهر من الصــيغةـ أن هــذه املقالة اجتمع عليها الصــحابة؛ ألن‬
‫قوله‪ " :‬كان أصحاب رسول اهلل‪ ،‬مجع مضاف‪ ،‬وهو من املشعرات بذلك‪" )1(.‬‬
‫" وقـ ــال إسـ ــحاق بن راهويـ ــة‪ - :‬قد صح عن رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم أن تـ ــارك الصـ ــالةـ عمـ ــداً كـ ــافر‪،‬‬
‫وكــذلك كــان رأي أهل العلم من لــدن النيب صــلى اهلل عليه وســلم إىل يومنا هــذا أن تــارك الصــالةـ عمــداً من غري عــذر‬
‫حىت يذهب وقتها كافر‪" )2(.‬‬
‫(ب) أدلة الفريق اآلخر‪-:‬‬
‫واستدل القائلون بعدم تكفري تارك الصالةـ جبملة من األدلة‪ ،‬نذكرها على النحو التايل‪-:‬‬

‫(‪ )3‬كتاب الصالة ص ‪ . 50‬ويقول الشيخ ابن عثيمني يف رسالته عن الطهارة والصالة (ص‪ " : )59‬واحلظ النصيب وهو هنا نكرة يف سياق النفي ‪،‬‬
‫فيكون عاماً ال نصيب ال قليل وال كثري ‪" .‬‬
‫(‪ )4‬تعظيم قدر الصالة ‪. 2/925‬‬
‫(‪ )5‬أبو عبد الرمحن عبد اهلل بن شقيق العقيليـ ‪ ،‬تابعي جليل من أهل البصرة ‪ ،‬وثقه مجع من احملدثني ‪ ،‬وكان رجالً صاحلاً جماب الدعوة ‪ ،‬مات سنة‬
‫‪ 108‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬هتذيب التهذيب ‪ ، 5/253‬اجلرح والتعديل البن أيب حامت ‪. 5/81‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الرتمذي ‪ ،‬ك ‪ :‬اإلميان ح (‪ ، )3622‬وأخرجه حممد بن نصر يف تعظيم قدر الصالة (‪ ، )2/905‬وقال النووي يف اجملموع (‪: )3/19‬‬
‫"إسناده صحيح " ‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )1/227‬رقم (‪)564‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه احلاكم (‪ )1/7‬وقال الذهيب ‪ - :‬إسناده صاحل " ‪ ،‬وانظر أصول الاللكائي ‪. 4/829‬‬
‫(‪ )1‬نيل األوطار ‪. 2/16‬‬
‫(‪ )2‬تعظيم قدر الصالة حملمد بن نصر ‪ ، 2/930‬وانظر التمهيد البن عبد الرب ‪. 4/226‬‬
‫‪178‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َن‬‫لم‬‫ِكَ ِ‬ ‫َل‬ ‫نذ‬‫دوَ‬ ‫ما ُ‬ ‫َُ‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬‫يغ‬ ‫ِو‬
‫ََ‬ ‫ِه‬‫َكَ ب‬ ‫َن ُ‬
‫يشْر‬ ‫ُأ‬‫ِر‬ ‫ْف‬ ‫يغ‬‫َ الَ َ‬‫ن هّللا‬ ‫‪ -1‬قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫يشَاء} [النساء‪ ،‬آية ‪.]48‬‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬وعن عب ــادة بن الص ــامت رضي اهلل عنه ق ــال‪ - :‬مسعت رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم يق ــول‪ " - :‬مخس‬
‫صــلوات افرتضــهن اهلل‪ ،‬من أحسن وضــوءهن وصــالهن لــوقتهن‪ ،‬وأمت ركــوعهن وخشــوعهن كــان له على اهلل عهد أن‬
‫يغفر له ومن مل يفعل فليس له على اهلل عهد‪ ،‬إن شاء غفر له‪ ،‬وإن شاء عذبه‪" )3(.‬‬
‫ويف رواية‪ " :‬فمن حافظ عليهن كان له عند اهلل عهد أن يدخله اجلنة‪ ،‬ومن مل حيافظ عليهن‪ ..‬احلديث ‪" 3‬‬
‫وهذا الدليل أجود ما اعتمدوا – كما يقول ابن تيمية (‪-)5‬‬
‫صـ‪473‬‬
‫قال الطحـاوي‪ " - :‬دل أنه مل خيرج بــذلك عن اإلســالمـ فيجعله مرتــداً مشــركاً؛ ألن اهلل تعــاىل ال يــدخل اجلنة من‬
‫ة} [املائـ ــدة‪،‬ـ آية‬
‫ََّ‬
‫َن‬ ‫ِ ْ‬
‫الج‬ ‫ليه‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫َ هّللا‬
‫َّم‬
‫َر‬‫دح‬ ‫َْ‬
‫َق‬‫ِف‬ ‫ِاهّلل‬
‫ِكْ ب‬ ‫يشْر‬ ‫من ُ‬ ‫هَ‬
‫نُ‬ ‫َِّ‬ ‫أشـ ــرك به لقوله تع ـ ــاىل‪{ :‬إ‬
‫ِكَ‬‫َل‬ ‫نذ‬ ‫دوَ‬ ‫ما ُ‬
‫َُ‬ ‫ِر‬‫ْف‬ ‫يغ‬ ‫ََ‬‫ِو‬ ‫ِه‬‫َكَ ب‬ ‫يشْر‬ ‫َن ُ‬‫ُأ‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬ ‫يغ‬‫َ الَ َ‬
‫ن هّللا‬ ‫‪ ،]73‬وال يغفر له لقوله تع ـ ـ ـ ـ ــاىل {إ‬
‫َِّ‬
‫يشَاء} [النساء‪ ،‬آية ‪" )6(.]48‬‬ ‫َن َ‬ ‫لم‬ ‫ِ‬
‫وقـ ــال ابن عبد الرب عن ه ـ ــذا احلديث‪ " - :‬وفيه دليل على أن من مل يصل من املس ـ ــلمني يف مشـ ــيئة اهلل‪ ،‬إذا كـ ــان‬
‫موحداً مؤمناً مبا جاء به حممد صلى اهلل عليه وسلم مقراً‪ ،‬وإن مل يعمل‪" )7(.‬‬
‫وق ــال الزرق ــاين (‪ " :)1‬وفيه – يعين ح ــديث عب ــادة املذكور – أن ت ــارك الص ــالةـ ال يكفر وال يتمتم عذاب ــه‪ ،‬بل هو‬
‫حتت املشيئة بنص احلديث‪ ،" )2(.‬ولو كان كافراً مل يدخله حتت املشيئة (‪.)3‬‬

‫(‪ 4، )3‬أخرجه أمحد ‪ ، 5/319‬ومالك يف املوطأ ‪ ،‬صالة الليل ‪ ،‬باب األمر بالوتر (‪ )1/123‬وأخرجه أبو داود ‪ ،‬ك الصالة ‪ ،‬الوتر ح (‪)325‬‬
‫وأخرجه املروزي يف تعظيم قدر الصالة (‪ ، )956 – 2/951‬وصححه النووي يف اجملموع (‪ ، )3/20‬وقال العراقي يف طرح التثريب (‪" )2/148‬‬
‫إسناده " صحيح ‪ ،‬وصححه األلباين يف اجلامع الصغري‪ ،‬ح (‪. )3238‬‬
‫‪3‬‬

‫(‪ )5‬انظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪. 7/614‬‬


‫(‪ )6‬مشكل اآلثار ‪. 4/226‬‬
‫(‪ )7‬التمهيد ‪. 23/290‬‬
‫(‪ )1‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد الباقي الزرقاين املالكي ‪ ،‬حمدث ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬أصويل عاش يف القاهرة ‪ ،‬له مؤلفات ‪ ،‬تويف بالقاهرة سنة ‪1122‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ /‬معجم املؤلفني ‪. 10/124‬‬
‫(‪ )2‬شرح املوطأ ‪. 1/255‬‬
‫(‪ )3‬انظر املغين البن قدامة ‪ ، 3/357‬وجمموع الفتاوى البن تيمية ‪ ، 7/614‬وأضواء البيان للشنقيطي ‪. 4/318‬‬
‫‪179‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -3‬وعن حذيفة بن اليمان رضي اهلل عنه مرفوعاً‪ -:‬يدرس اإلســالم كما يــدرس وشي (‪ )4‬الثـوب‪ ،‬حىت ال يــدرى‬
‫ما ص ـ ــيام وال ص ـ ــالة وال نسك وال ص ـ ــدقة‪ ،‬وليسرى على كت ـ ــاب اهلل عز وجل يف ليلة فال يبقىـ يف األرض منه آي ـ ــة‪،‬‬
‫وتبقىـ طوائف من الناس الشيخ الكبري والعجوز‪ ،‬يقولون‪ :‬أدركنا آباءنا على هذه الكلمة ال إله إال اهلل‪ ،‬فنحن نقوهلا‪.‬‬
‫قال صلة بن زفر حلذيفة‪ - :‬ما تغين عنهم ال إله إال اهلل وهم ال يدرون ما صالة وال صيام وال نسك وال صدقة؟‬
‫فأعرض عنه حذيفه‪ ،‬مث ردها عليه ثالثاً‪،‬‬
‫صـ‪474‬‬
‫كل ذلك يعرض عنه حذيفة‪ ،‬مث أقبل عليه يف الثالثةـ فقال‪ :‬يا صلة! تنجيهم من النار ثالثاً‪" )5(.‬‬
‫‪ -4‬وعن أيب ذر الغف ـ ــاري (‪ )6‬رضي اهلل عنه ق ـ ــال‪ - :‬ق ـ ــام النيب ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم ليلة من الليـ ــايل من صـ ــالة‬
‫العشــاء‪ ،‬فصــلى بــالقوم‪ ،‬مث ختلف أصــحاب له يصــلون فلما رأى قيــامهم وختلفهم‪ ،‬انصــرف إىل رحلــه‪ ،‬فلما رأى القــوم‬
‫قد أخلــوا املكــان رجع إىل مكانــه‪ ،‬فصــلى فجئت خلفــه‪ ،‬فأومأـ إيل بيمينــه‪ ،‬فقمت عن ميينــه‪ ،‬مث جــاء ابن مســعود‪ ،‬فقــام‬
‫خلفي وخلفــه‪ ،‬فأومأ إليه بشــماله‪ ،‬فقــام عن مشاله‪ ،‬فقمنا ثالثتناـ يصــلي كل رجل منا بنفســه‪ ،‬ويتلو من القــرآن ما شــاء‬
‫اهلل أن يتلــو‪ ،‬فقــام بآية من القــرآن يرددها حىت صــلى الغــداة‪،‬ـ فبعد أن أصــبحنا أومــأت إىل عبد اهلل بن مســعود أن ســله‬
‫يل‪ ،‬فقلت بــأيب أنت وأمي‪ ،‬قمت‬ ‫ما أراد إىل ما صــنع البارحــة‪ ،‬فقــال ابن مســعود‪ - :‬ال أســأله عن شــيء حىت حيدث إ ّ‬
‫بآية من الق ــرآن ومعك الق ــرآن‪ ،‬لو فعل ه ــذا بعض ــنا وج ــدنا عليه (‪ ،)1‬ق ــال دع ــوت ألم ــيت‪ ،‬ق ــال‪ :‬فم ــاذا أجبت؟ ق ــال‪:‬‬
‫أجبت بالذي لو اطلع عليه كثري منهم طلعة تركوا الصالة … احلديث (‪" )2‬‬
‫‪ -5‬وعن عائشة رضي اهلل عنها ق ــالت‪ - :‬ق ــال رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ " -:‬ال ــدواوين عند اهلل ثالث‪:‬‬
‫ديـ ــوان ال يعبأـ اهلل به شـ ــيئاً‪ ،‬وديـ ــوان ال يـ ــرتك اهلل منه شـ ــيئاً‪ ،‬وديـ ــوانـ ال يغفـ ــره اهلل‪ ،‬فأما الـ ــديوانـ الـ ــذي ال يغفـ ــره اهلل‬

‫(‪ )4‬كما يدرس وشي ‪ - : ..‬أي كما ميحي ويزول نقش الثوب‬
‫انظر ‪ :‬املصباح املنري ص ‪. 826 ، 228‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه ابن ماجه ح (‪ )4049‬وقال البوصريي ‪ - :‬إسناده صحيح ‪ ،‬واحلاكم ‪ 4/473‬وصححه ووافقه الذهيب ‪ ،‬وقال عنه احلافظ ابن حجر يف‬
‫الفتح (‪ : )13/16‬سنده قوي " وصححه األلباين يف " الصحيحة " (‪. )87‬‬
‫(‪ )6‬هو جندب بن جنادة الغفاري ‪ ،‬صحايب جليل ‪ ،‬كان زاهداً ‪ ،‬صادق اللهجة ‪ ،‬من السابقني األوائل إىل اإلسالم ‪ ،‬تويف بالربذة سنة ‪ 31‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 7/125‬وسري أعالم النبالء ‪. 2/46‬‬
‫(‪ )1‬وجدنا عليه ‪ - :‬أي غضبنا عليه ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬املصباح املنري ص ‪. 803‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ ، )5/170‬وأخرج بعضه النسائي ‪ ،‬ك االفتتاح ‪ ،‬باب ترديد آية (‪ . )2/138‬وابن ماجة ‪ ،‬ح(‪ ، )1350‬وقال اهليثمي يف اجملمع‬
‫(‪ " - : )2/273‬رواه أمحد والبزار ورجاله ثقات "‬
‫‪180‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ة}‬ ‫ََّ‬‫َن‬ ‫ِ ْ‬
‫الج‬ ‫ليه‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫َ هّللا‬
‫َّم‬
‫َر‬ ‫دح‬ ‫َْ‬‫َق‬ ‫ِف‬ ‫ِاهّلل‬ ‫ِكْ ب‬ ‫يشْر‬ ‫من ُ‬ ‫هَ‬ ‫نُ‬ ‫فالش ـ ـ ـ ــرك‪ ،‬ق ـ ـ ـ ـ ـ ــال اهلل عز وج ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫[املائدة‪،‬ـ آية ‪.]73‬‬
‫صـ‪475‬‬
‫وأما الديوان الذي ال يعبأـ اهلل به شيئاً‪ ،‬فظلم العبد نفسه فيما بينه وبني ربه من صوم يوم تركه‪ ،‬أو صـالة تركهـا‪،‬‬
‫ف ــإن اهلل – عز وجل – يغفر ذلـ ــك‪ ،‬ويتجـ ــاوز عنه إن شـ ــاء‪ ،‬وأما الـ ــديوان الـ ــذي ال يـ ــرتك اهلل منه ش ــيئاً‪ ،‬فظلم العب ــاد‬
‫بعضهم بعضاً القصاص ال حمالة‪" )3(.‬‬
‫‪ -6‬وعن عبد اهلل بن مس ــعود رضي اهلل عنه ق ــال‪ - :‬ق ــال رس ــول اهلل ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ " :‬أول ما حياسب به‬
‫العبد الصالة‪،‬ـ وأول ما يقضيـ بني الناس يف الدماء (‪" )4‬‬
‫وجــاء من حــديث أيب هريــرة قــال‪ :‬إين مسعت رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم يقــول‪ " - :‬إن أول ما حياسب به‬
‫العبد صــالته‪ ،‬فــإن أمتهــا‪ ،‬وإال نظر هل له من تطــوع‪ ،‬فــإن كــان له تطــوع‪ ،‬أكملت الفريضة من تطوعــه‪ ،‬مث ترفع ســائر‬
‫األعمال على ذلك‪" )5(.‬‬
‫يقـ ــول الشـ ــوكاين‪ - :‬أثنـ ــاء شـ ــرحه هلذا احلديث – " واحلديث يـ ــدل على أن ما حلق الفـ ــرائض من النقصـ كملته‬
‫النواف ــل‪ ،‬وأورده املنصفـ [اجملد ابن تيمية] يف حجج من ق ــال بع ــدم الكف ــر؛ ألن نقص ــانـ الف ــرائضـ أعم من أن يك ــون‬
‫نقصاً يف الذات‪ ،‬وهو ترك بعضـها‪ ،‬أو يف الصـفة وهو عـدم اسـتيفاء أذكارهـا‪ ،‬أو أركاهنا وجرباهنا بالنوافـل‪ ،‬شـعر بأهنا‬
‫مقبولة مثاب عليها‪ ،‬والكفر ينايف ذلك‪" )6(.‬‬
‫ويق ــول الشـ ــنقيطي‪ " - :‬وجه االسـ ــتدالل باحلديث املذكور على عـ ــدم كفر تـ ــارك الصـ ــالة أن نقص ــانـ الص ــلوات‬
‫املكتوبة وإمتامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً‪ ،‬كما يقتضيهـ ظاهر عموم اللفظ كما ترى‪" )1( .‬‬
‫صـ‪476‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ ، )6/240‬واحلاكم (‪ )4/575‬وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ‪.‬‬


‫(‪ )4‬أخرجه النسائي ‪ ،‬ك حترمي الدم (‪ ، )7/77‬وحممد بن نصر املروزي يف تعظيم قدر الصالة (‪ ، )1/209‬وصححه األلباين يف " الصحيحة " (‬
‫‪. )1748‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ‪ ، 2/290‬وابن ماجة ‪ ،‬ك ‪ :‬إقامة الصالة ‪ ،‬باب ما جاء يف أول ما حياسب به العبد الصالة (‪ ، )1/458‬وأخرجه البغوي يف شرح‬
‫السنة (‪( )4/159‬رقم ‪ )1019‬وقال " حديث حسن " ‪ ،‬وصححه األلباين يف " الصحيحة " (‪. )1358‬‬
‫(‪ )6‬نيل األوطار ‪. 19 , 2/18‬‬
‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪. 4/319‬‬
‫‪181‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -7‬وعن أيب ذر رضي اهلل عنه قـ ــال‪ - :‬قـ ـ ـال رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم‪ :‬يا أبا ذر! إنه سـ ــيكونـ بعـ ــدي‬
‫أمــراء‪ ،‬مييت ـون الصــالةـ (‪ ،)2‬فصل الصــالة لوقتها‪ ،‬فــإن صــليت لوقتها كــانت لك نافلــة‪ ،‬وإال كنت قد أحــرزت صــالتك‬
‫(‪ " )4( )3‬فهذا دليل على أن تارك الصالة حىت خيرج وقتها غري كافر‪.‬‬
‫‪ -8‬وعن عبد اهلل بن مس ـ ــعود رضي اهلل عنه عن النيب ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم أنه قـ ــال‪ :‬أمر بعبد من عبـ ــاد اهلل أن‬
‫يضــرب يف قــربه مائة جلــدة‪ ،‬فلم يــزل يســئل ويــدعو حىت صــارت جلــدة واحــدة‪ ،‬فجلد جلــدة واحــدة فــامتأل قــربه عليه‬
‫نــاراً‪ ،‬فلما ارتفع عنه أفــاق‪ ،‬قــال‪ :‬عالم جلــدمتوين؟ إنك صــليت صــالة واحــدة بغري طهــور‪ ،‬ومــررت‪ ،‬على مظلــوم فلن‬
‫تنصره‪" )5(.‬‬
‫ق ــال الطحــاوي‪ " :‬يف ه ــذا احلديث ما قد دل أن ت ــارك الص ــالة مل يكن ب ــذلك ك ــافراً؛ ألنه لو ك ــان ك ــافراً‪ ،‬لك ــان‬
‫ٍ} [غافر‪ ،‬آية ‪" )6(]50‬‬
‫َالَل‬
‫ِي ض‬
‫ِالَّ ف‬
‫َإ‬ ‫ِر‬
‫ِين‬ ‫َاف‬
‫الك‬
‫َاء ْ‬
‫دع‬‫ما ُ‬
‫ََ‬‫دعاؤه باطالً‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬و‬
‫‪ -9‬وعن أيب مشيلة أن النيب صــلى اهلل عليه وســلم خــرج إىل قبــاء فاســتقبله رهط من األنصــار حيملــون جنــازة على‬
‫باب‪ ،‬فقـال النيب صـلى اهلل عليه وسـلم‪ :‬ما هــذا؟ قـال‪ :‬مملـوك آلل فالن كـان من أمـره‪ ،‬قـال‪ :‬أكـان يشــهد أن ال إله إال‬
‫اهلل؟ قالوا نعم ولكن كان وكان‪ ،‬فقال‪ :‬أما كان يصلي فقالوا‪ :‬كان يصلي ويدع‪ :‬فقال هلم‪:‬‬
‫صـ‪477‬‬
‫ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه‪ ،‬والذي نفسي بيده لقد كادت املالئكة حتول بيين وبينه‪" )7(.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -10‬وعن أيب هريــرة رضي اهلل قــال‪ :‬قــال رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬إن لإلســالم صــوى ‪ ،‬ومنــاراً‬
‫كمنــار الطريــق‪ ،‬منها أن تــؤمن باهلل وال تشــرك به شــيئاً‪ ،‬وإقــام الصــالة‪ ،‬وإيتــاء الزكــاة‪ ،‬وصــوم رمضــان‪ ،‬وحج الــبيتـ‬

‫(‪ )2‬مييتون الصالة ‪ - :‬أي يؤخروهنا فيجعلوهنا كامليت الذي خرجت روحه )تعليق حممد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم ‪. )1/448‬‬
‫(‪ )3‬أحرزت صالتك ‪ :‬أي حصلتها وصنتها هلا (املرجع السابق) ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلمـ يف كتاب املساجد ومواضع الصالة ‪ ،‬باب كراهية تأخري الصالة عن وقتها املختار ( ‪ 1/448‬رقم _‪ ، )648‬والرتمذي الصالة ح‬
‫(‪ )1760‬وحممد بن نصر املروزي في تعظيم قدر الصالة ‪ ،‬باب ذكر األخبار اليت احتجت به هذه الطائفة اليت مل تكفر برتك الصالة ‪– 2/939‬‬
‫‪. 951‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطحاوي يف مشكل اآلثار ‪ ، 4/231‬وقال املنذري يف الرتغيب (‪ " - : )3/190‬رواه أبو الشيخ بن حبان يف كتاب التوبيخ ‪ " .‬وانظر‬
‫التمهيد البن عبد الرب ‪. 23/299‬‬
‫(‪ )6‬مشكل اآلثار ‪. 4/231‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه اخلالل يف جامعه ‪ ،‬كما قاله ابن قدامة يف املغين ‪. 3/357‬‬
‫(‪ )1‬الصوى مجع صوة وهي أعالم من حجارة منصوبة يف الفيايف يستدل هبا على الطريق ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ 14/472‬مادة " صوو" ‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫واألمر بــاملعروف والنهي عن املنكــر‪ ،‬وأن تســلم على أهلك إذا دخلت عليهم‪ ،‬وأن تســلم على القــوم إذا مــررت هبم‪،‬‬
‫فمن ترك من ذلك شيئاً‪ ،‬فقد ترك سهماً من اإلسالم‪ ،‬ومن تركهن كلهن فقد وىل اإلسالمـ ظهره‪" )2(.‬‬
‫‪ -11‬وعن أيب ســعيد اخلدري رضي اهلل عنه قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل صـلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬إذا خلص املؤمنــون‬
‫من النــار وأمنــوا‪ ،‬فوالــذي نفسي بيــده ما جمادلة أحــدكم لصــاحبه يف احلق يكــون له يف الــدنيا بأشد من جمادلة املؤمــنني‬
‫لرهبم يف إخواهنم الذين أدخلوا النار‪.‬‬
‫قال‪ :‬يقولون‪ :‬ربنا! إخوانناـ كانوا يصلون معنا‪ ،‬ويصومونـ معنا‪ ،‬وحيجون معنا‪ ،‬وجياهدون معنا فأدخلتهم النار‪.‬‬
‫ق ــال‪ :‬فيقـ ــول اذهبـ ــوا‪،‬ـ فـ ــأخرجوا من عـ ــرفتم منهم‪ .‬فيـ ــأتوهنم‪ ،‬فيعرفـ ــوهنم بصـ ــورهم‪ ،‬ال تأكل الن ــار ص ــورهم …‬
‫فيخرجون منها بشراً كثرياً‪ ،‬فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا‪.‬‬
‫قــال‪ :‬مث يعــودون فيتكلمــون‪ ،‬فيقــول‪ :‬أخرجــوا من كــان يف قلبه مثقــال دينــار من اإلميان فيخرجــون خلقـاً كثــرياً مث‬
‫يقول ـ ــون‪ :‬ربنا مل ن ـ ــذر فيها أح ـ ــداً ممن أمرتن ـ ــا‪ .‬مث يق ـ ــول‪ :‬ارجع ـ ــوا فمن ك ـ ــان يف قلبه وزن نصف دين ـ ــار‪ ،‬ف ـ ــأخرجوه‪،‬‬
‫فيخرج ــون خلقـ ـاً كث ــرياً‪ ،‬مث يقول ــون‪:‬ـ ربنا مل ن ــذر فيها ممن أمرتنا حىت يق ــول‪ :‬أخرج ــوا من ك ــان يف قلبه مثق ــال ذرة‪،‬‬
‫فيخرجون خلقاً كثرياً‪.‬‬
‫صـ‪478‬‬
‫ق ــال‪ :‬فيقول ــون‪ :‬ربنا قد أخرجنا من أمرتن ــا‪ ،‬فلم يبق يف الن ــار أحد فيه خ ــري‪ ،‬ق ــال مث يق ــول اهلل‪ :‬ش ــفعت املالئك ــة‪،‬‬
‫وشــفعت األنبيــاء‪ ،‬وشــفع املؤمنــون‪ ،‬وبقي أرحم الــرامحني‪ .‬قــال‪ :‬فيقبضـ قبضة من النــار – أو قــال قبضــتني – ناس ـاً مل‬
‫يعملوا هلل خرياً قط‪ ،‬قد احرتقوا حىت صاروا محماً‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيؤتى هبم إىل ماء ما يقال له‪ :‬احلياة‪ ،‬فيصب عليهم … ‪ -‬إىل أن قال صـلى اهلل عليه وسـلم ‪ :-‬فيقـال هلم‪:‬‬
‫ادخلوا اجلنة … احلديث (‪" )3‬‬
‫قال الشيخ ناصر الدين األلباين عن هذا احلديث‪ " - :‬فاحلديث دليل قاطع على أن تارك الصالة إذا مــات مســلماً‬
‫يش ــهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬أنه ال خيلد يف الن ــار مع املش ــركني‪ ،‬ففيه دليل ق ــوي ج ــداً أنه داخل حتت مش ــيئة اهلل تع ــاىل يف‬

‫(‪ )2‬أخرجه أبو عبيد القاسم بن سالم يف كتاب اإلميان (‪ ، )3‬وأخرجه احلاكم (‪ )1/27‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح عل (شرط البخاري ‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين يف " الصحيحة " (‪. )333‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ( ‪ ، )3/94‬والنسائي (‪ ، )998‬ابن ماجة ح (‪ )60‬وحممد بن نصر املروزي يف تعظيم قدر الصالة ح (‪ . )276‬وقال األلباين ‪" :‬‬
‫إسناده صحيح على شرط الشيخني ‪ ،‬وللحديث متابعات كثرية ‪.‬‬
‫انظر رسالة حكم تارك الصالة لأللباين ص ‪ ، 32 – 30‬والشفاعة للوادعي ص ‪. 158 – 130‬‬
‫‪183‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ش‪33‬اء}‬
‫يَ‬‫َن َ‬
‫لم‬ ‫َل‬
‫ِكَ ِ‬‫نذ‬‫دوَ‬
‫ما ُ‬
‫َُ‬‫ِر‬
‫ْف‬‫يغ‬
‫ََ‬‫ِو‬
‫ِه‬‫َكَ ب‬ ‫َن ُ‬
‫يشْر‬ ‫ُأ‬‫ِر‬
‫ْف‬‫يغ‬
‫َ الَ َ‬
‫ن هّللا‬ ‫قولـ ـ ـ ـ ــه‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫[النساء‪ ،‬آية ‪" )4( ]48‬‬
‫‪ -12‬واحتجــوا جبملة من عمومــات األحــاديث‪ - :‬كقوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬من شــهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وح ــده ال ش ــريك ل ــه‪ ،‬وأن حمم ــداً عب ــده ورس ــوله‪ ،‬وأن عيسى عبد اهلل ورس ــوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إىل م ــرمي وروح من ــه‪،‬‬
‫واجلنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬أدخله اهلل اجلنة على ما كان من العمل‪" )1(.‬‬
‫وعن أيب هريــرة رضي اهلل عنه عن النيب صــلى اهلل عليه وســلم قــال‪ " - :‬أســعد النــاس بشــفاعيت من قــال ال إله إال‬
‫اهلل خالصاً من قلبه‪" )2(.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وما جاء يف معنامها …‬
‫صـ‪479‬‬
‫‪ -13‬واحتج ـ ــوا باإلمجاع ق ـ ــائلني‪ " -:‬ال نعلم يف عصر من األعص ـ ــار أح ـ ــدا من ت ـ ــاركي الص ـ ــالة ت ـ ــرك تغس ـ ــيله‪،‬‬
‫والصالةـ عليه‪ ،‬ودفنه يف مقابر املسـلمني‪ ،‬وال منع ورثته مرياثـه‪ ،‬وال منع هو مـرياث مورثـه‪ ،‬وال فـرق بني زوجني لـرتك‬
‫صالة من أحدمها‪ ،‬مع كثرة تاركي الصالة‪،‬ـ ولو كان كافراً لثبتتـ هذه األحكام كلها‪ ،‬وال نعلم بني املسلمني خالف ـاً‬
‫يف أن تارك الصالةـ جيب عليه قضاؤها‪ ،‬ولو كان مرتداً مل جيب عليه قضاء صالة وال صيام‪" )4(.‬‬
‫وأجاب هذا الفريق عن أدلة مكفري تارك الصالةـ بأجوبة منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬قـ ــالوا‪ :‬حتمل أح ـ ــاديث تكفري ت ـ ــارك الص ـ ــالةـ على كفر النعم ـ ــة‪ ،‬كقوله صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم‪ " - :‬من تعلم‬
‫الرمي‪ ،‬مث تركه‪ ،‬فهي نعمة كفرها (‪" )5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وقوله‪ :- :‬سباب املسلم فسوق وقتاله كفر "‬
‫(‪)7‬‬
‫وقوله‪ " - :‬من حلف بغري اهلل فقد كفر "‬

‫(‪ )4‬حكم تارك الصالة لأللباين ص ‪. 35‬‬


‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك أحاديث األنبياء (‪ )6/474‬ح (‪ )3435‬ومسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/57‬ح (‪. )28‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك العلم (‪ ، )10/93‬ح (‪. )99‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬التمهيد البن عبد الرب ‪ ، 299 – 23/296‬واملغـين البن قدامة ‪ ، 3/356‬واجملموع للنووي ‪ ، 3/20‬وطرح التثريب للعراقي ‪، 2/148‬‬
‫ونيل األوطار للشوكاين ‪. 2/19‬‬
‫(‪ )4‬املغىن ‪ ، 358 , 3/357‬وانظر تعظيم قدر الصالة للمروزيـ ‪ ، 2/956‬واجملموع للنووي ‪. 3/20‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود ح ( ‪ ، )2513‬والنسائي (‪ )6/185‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (‪. )6 , 18‬‬
‫(‪ )6‬تقدم خترجيه ‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه الرتمذي وحسنه ح (‪ ، )1535‬وأبو داود ح (‪ ، )3251‬واحلاكم (‪ )4/297 ، 1/18‬وصححه ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وبعضــهم يقــول – كالشــوكاين – إن كفر تــارك الصــالة إمنا هو كفر دون كفــر‪ ،‬فال مينع أن يكــونـ بعض أنــواعـ‬
‫الكفر غري مانع من املغفرةـ واستحقاق الشفاعة‪" )8(.‬‬
‫‪ -2‬إن األح ــاديث ال ــواردة يف تكفري ت ــارك الص ــالة كح ــديث ج ــابر وبري ــدة رضي اهلل عنهما إمنا هي على س ــبيل‬
‫(‪)9‬‬
‫التغليظ والزجر الشديد ال على احلقيقة‪،‬ـ فظاهرها غري مراد‬
‫ص‪480‬‬
‫‪ -3‬إن مثل هــذه النصــوص حممولة على أنه شــارك الكــافر يف بعض أحكامه وهو وجــوب القتــل‪ .‬قــال النــووي‪- :‬‬
‫وهذا التأويل متعني للجمع بني نصوصـ الشرع وقواعده‪.‬ـ(‪" )1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -4‬املراد من هذه األحاديث من استحل ترك الصالة‪ ،‬أو تركها جحوداً بال عذر‪.‬‬
‫(ج) أجوبة املكفرين عن أدلة اآلخرين‪-:‬‬
‫وقد أجاب القائلونـ بتكفري تارك الصالة عن أدلة اآلخرين مبا يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أما حــديث عبــادة بن الصــامت‪ " - :‬مخس صــلوات‪ ..‬احلديث " فهــذا الوعد الكــرمي إمنا هو باحملافظة عليهــا‪،‬‬
‫صـالَِة الْ ُو ْسـطَى}ـ [البقــرة‪ ،‬آية ‪]238‬‬ ‫صـلَو ِ‬
‫ات وال َّ‬ ‫واحملافظــة‪ :‬فعلها يف أوقاهتا كما أمــر‪ ،‬قــال تعــاىل‪ - :‬ـ ِ‬
‫{حـافظُواْ َعلَى ال َّ َ‬
‫َ‬
‫وعــدم احملافظة يكــونـ مع فعلها بعد الــوقت‪ ،‬كما أخر النيب صــلى اهلل عليه وســلم صــالة العصر يــوم اخلنــدق‪ ،‬فــأنزل اهلل‬
‫آية األمر باحملافظة عليها وعلى غريها من الصلوات‪.‬‬
‫وقد دل الكتاب والسنة‪ ،‬واتفــاق الســلف على الفــرق بني من يضــيع الصــالة فيصــليها بعد الــوقت‪ ،‬والفــرق بني من‬
‫يرتكها‪ .‬ولو كانت بعد الوقت ال تصح حبال‪ ،‬لكان اجلميع سواء ‪,‬‬
‫ف ــالنيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم إمنا أدخل حتت املش ــيئةـ من مل حيافظ عليه ــا‪ ،‬ال من ت ــرك‪ ،‬ونفي احملافظة يقتضيـ أهنم‬
‫صلوا‪ ،‬ومل حيافظوا عليها (‪ ،)3‬وقوله صلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬ومن مل يفعل فليس له على اهلل عهــد‪ " ..‬معنــاه‪:‬ـ أنه مل‬
‫يــأت هبن على الكمــال‪ ،‬وإمنا أتى هبن ناقصــات من حقــوقهن‪ ،‬كما جــاء مفســراً يف بعض الروايــات‪ " :‬ومن جــاء هبن‪،‬‬
‫وقد انتقصـ من حقهن شيئاً‪ ،‬جاء وليس له عند اهلل‬
‫ص‪481‬‬

‫(‪ )8‬انظر هذا اجلواب ‪ :‬مشكل اآلثار للطحاوي ‪ ، 4/227‬وكتاب الصالة البن القيم ص ‪ ، 53 – 51‬والعواصم البن الوزير ‪ ، 9/79‬ونيل‬
‫األوطار ‪. 2/20‬‬
‫(‪ )9‬انظر هذا اجلواب ‪ :‬املغني البن قدامة ‪ ، 3/358‬فتح الباري ‪ ، 2/32‬وأحكام القرآن البن العريب ‪. 1/41‬‬
‫(‪ )1‬اجملموع ‪ ، 3/20‬وانظر هذا اجلواب ‪ :‬مسلم بالنووي ‪ ، 2/71‬وأحكام القرآن البن العريب ‪ ، 1/41‬وطرح التثريب للعراقي ‪. 2/147‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬هذا اجلواب ‪ :‬التمهيد البن عبد الرب ‪ ، 4/236‬ومسلم بالنووي ‪ ، 2/71‬وطرح التثريب للعراقي ‪2/147‬‬
‫(‪ )3‬انظر الفتاوى البن تيمية ‪. 22/19 ، 615 , 7/614‬‬
‫‪185‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫عهد‪ ،‬إن شاء عذبه‪ ،‬وإن شاء رمحه (‪" )4‬‬
‫ق ــال حممد بن نصر املزوري‪" - :‬فمن أتى ب ــذلك كله ك ــامالً على ما أمر ب ــه‪ ،‬فهو ال ــذي له العهد عند اهلل تع ــاىل‬
‫بــأنـ يدخله اجلنــة‪ ،‬ومن أتى هبن‪ ،‬مل يــرتكهن‪ ،‬وقد انتقصـ من حقــوقهن شــيئاً‪ ،‬فهو الــذي ال عهد له عند اهلل‪ ،‬إن شــاء‬
‫عذبه وإن شاء غفر له‪ ،‬فهذا بعيد الشبه من الذي يرتكها أصالً ال يصليها‪" )5( .‬‬
‫‪ -2‬وأما ح ــديث حذيفة – وال ــذي ج ــاء فيه ‪" :-‬تنجيهم ال إله إال اهلل " فهو حمم ــول على زمن الف ــرتات‪،‬ـ حيث‬
‫تضــمن هــذا احلديث اإلخبــار عما حيصل يف آخر الزمــان من حمو اإلســالم‪ ،‬ورفع القــرآن حىت ال يبقى منه آيــة‪ ،‬حىت ال‬
‫يدرى ما صيام وال صالة وال نسك وال صدقة‪ ،‬فيغفر اهلل هلؤالء مـاال يغفر لغـريهم ممن قـامت عليهم احلجـة‪ ،‬وظهـرت‬
‫آث ــار الرس ــالة يف وقتهم‪ ،‬وقد أش ــار ابن تيمية إىل زمان ــه‪ ،‬وما ك ــان عليه الكثري من الن ــاس من الوق ــوع يف أن ــواعـ الكفر‬
‫فقال – عنهم ‪- :-‬‬
‫"وهــؤالء األجنــاس وإن كــانوا قد كــثروا يف هــذا الزمــان‪ ،‬فلقلة دعــاة العلم واإلميان‪ ،‬وفتــور آثــار الرســالة يف أكــثر‬
‫البلدان‪ ،‬وأكثر هؤالء ليس عنــدهم من آثــار الرســالة ومــرياث النبــوةـ ما يعرفــون به اهلدى‪ ،‬وكثري منهم مل يبلغهم ذلــك‪،‬‬
‫ويف أوق ــات الف ــرتات‪،‬ـ وأمكنه الف ــرتات‪ ،‬يث ــاب الرجل على ما معه من اإلميان القلي ــل‪ ،‬ويغفر اهلل فيه ملن ملم تقم احلجة‬
‫عليــه‪ ،‬ما ال يغفر به ملن قــامت احلجة عليــه‪ ،‬كما يف احلديث املعــروف‪ " :‬يــأيت على النــاس زمــان ال يعرفــون فيه صــالة‪،‬‬
‫وال صياماً وال حجاً‪ ..‬احلديث (‪" )1‬‬
‫ف ــإذا ك ــان ه ــؤالء مع ــذورين مع وج ــود أهل العلم‪ ،‬ووج ــود الق ــرآن والس ــنة بني أظه ــرهم‪...‬فكيف ال يع ــذر ب ــرتك‬
‫الصالةـ وحنوها من كان يف زمان ميحى فيه اإلسالم‪،‬ـ ويرفع فيه القرآن فال يبقىـ منه يف األرض آية؟‬
‫فينبغيـ مراعــاة أحــوال األزمنة واألمكنة واألشــخاص‪ ،‬ولعل مما يؤكد ما ذكرنــاه أن راوي احلديث الســابق حذيفة‬
‫بن اليمان رضي اهلل عنه ملا رأى رجالً ال يتم‬
‫ص‪482‬‬
‫الركوع والسجود‪ ،‬قال‪ " - :‬ما صليت‪ ،‬ولو مـت مت على غري الفطرة اليت فطر اهلل حممداً صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(‪" )2‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه حممد بن نصر يف تعظيم قدر الصالة ‪ ، 2/968‬وانظر بقية الروايات األخرى يف نفس الكتاب ‪ ، 971 – 2/968‬وانظر التمهيد البن‬
‫عبدالرب ‪ 23/293‬و‪294‬‬
‫(‪ )5‬تعظيم قدر الصالة ‪2/971‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪. 35/165‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ك األذان (‪ )2/275‬ح (‪. )791‬‬
‫‪186‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يقول ابن حجر‪ " - :‬واستدل به على تكفري تارك الصالة؛ ألن ظــاهره أن حذيفة نفى اإلســالم عمن أخل ببعض‬
‫أركاهنا‪ ،‬فيكون نفيه عمن أخل هبا كلها أوىل (‪")3‬‬
‫فتأمل تنوع اجلوابني الختالف الزمان واحلال واهلل أعلم‬
‫‪ -3‬وأما اسـتدالهلم حبديث أيب ذر مرفوعـاً‪ " -:‬إنه سـيكون بعـدي أمـراء مييتـونـ الصـالة‪ ..‬احلديث "‪ ،‬فقد أجـاب‬
‫حممد بن نصر عن اســتدالهلم مبا يلي‪ " - :‬ليس يف هــذه األخبــار اليت احتججتم هبا دليل على أن تــارك الصــالةـ عمــداً‪،‬‬
‫حىت خيرج وقتها ال يكف ــر‪ ،‬متعم ــدين لرتكها حىت ي ــذهب وقته ــا‪ .‬إمنا ق ــال يف ح ــديث عب ــادة (‪ )4‬يك ــون عليكم أم ــراء‬
‫يش ــغلهم أش ــياء عن الص ــالة‪،‬ـ فإمنا أخروها عن ال ــوقت ال ــذي ك ــانت تص ــلى فيه على عهد النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‬
‫واخللفــاء الراشــدين‪ ...‬فكــانوا يؤخروهنا عن وقت االختيــار إىل وقت أصــحاب العــذر‪ ..‬وال يؤخروهنا حىت خيرجــوا من‬
‫وقت أصـ ــحاب العـ ــذر كلـ ــه‪ ،‬فلم يكونـ ــواـ يـ ــؤخرون الصـ ــالةـ حىت خيرج الـ ــوقت كلـ ــه‪ ،‬إمنا كـ ــانوا يؤخروهنا عن وقت‬
‫االختيار‪ ،‬ويصلون يف آخر وقت العذر‪ ،‬فلذلك مل يثبت عليهم الكفر‪" )1(.‬‬
‫وأجاب ابن تيمية قائالً‪ " :‬وقد ثبت عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال يف األمــراء الــذين يــؤخرون الصــالةـ عن‬
‫وقتهــا‪ " ،‬صــلوا الصــالةـ لوقتهــا‪ ،‬واجعلــوا صــالتكم معهم نافلة (‪ " )2‬وهم إمنا كــانوا يــؤخرون الظهر إىل وقت العصــر‪،‬‬
‫والعصر إىل وقت االص ــفرار‪ ،‬وذلك مما هو م ــذمومون علي ــه‪ ،‬ولكن ليس ــوا كمن تركها أو فوهتا حىت غ ــابت الش ــمس‪،‬‬
‫فإن هؤالء أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بقتاهلم‪،‬‬
‫ص‪483‬‬
‫وهنى عن قت ــال أولئ ــك‪ ،‬فإنه ملا ذكر أنه س ــيكون أم ــراء يفعل ــون ويفعل ــون‪ ،‬ق ــالوا‪ :‬أفال نق ــاتلهم؟ ق ــال‪ " - :‬ال‪ ،‬ما‬
‫صـ ــلوا "وقد أخرب عن هـ ــذه الصـ ــالة اليت يؤخروهنا‪ ،‬وأمر أن نصلي يف الـ ــوقت‪ ،‬وتعـ ــاد معم نافلـ ــة‪ ،‬فـ ــدل على صـ ــحة‬
‫صالهتم‪ ،‬ولو كانوا مل يصلوا ألمر بقتاهلم‪")3( .‬‬
‫‪ -‬واستكماالً ألجوبة القائلني بتكفري تارك الصالة‪،‬ـ نضيف ما يلي‪- :‬‬
‫ِ} اآلي ــة‪ ،‬فقد تق ــرر باألدلة أن‬
‫ِه‬‫َكَ ب‬‫يشْر‬‫َن ُ‬ ‫ُأ‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬
‫يغ‬ ‫َ الَ َ‬ ‫ن هّللا‬ ‫‪ -4‬أما اس ــتدالهلم بقوله تع ــاىل‪{ - :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ت ــرك الص ــالة كفر وش ــرك‪ ،‬كما ج ــاء يف ح ــديث ج ــابر مرفوعـ ـاً‪ " :‬بني الرجل وبني الش ــرك والكفر ت ــرك الص ــالة "‪،‬‬

‫(‪ )3‬فتح الباري ‪ ، 2/275‬وجيب التنبيه هاهنا أن قول الصحايب ‪ :‬سنة حممد أو فطرته له حكم الرفع – على القول الراجح كما ذكر احلافظ ابن‬
‫حجر يف الفتح ‪- 2/275‬‬
‫(‪ )4‬حديث ‪ - :‬إنه سيكون بعدي أمراء " رواه اكثر من صحايب‬
‫(‪ )1‬تعظيم قدر الصالة ‪ = 963 – 2/957‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلمـ ك املساجد ومواضع الصالة ‪ )1/449( ،‬ح (‪)648‬‬
‫(‪ )3‬منهاج السنة النبوية ‪ ، 211 ، 5/210‬وانظر كتاب الصالة البن القيم ص ‪26‬‬
‫‪187‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فيك ــون ت ــرك الص ــالة داخالً يف عم ــوم اآلية من جهة الداللة على أن ذلك مما ال يغف ــره اهلل تع ــاىل‪ ،‬وهبذا نص ــدق جبميع‬
‫(‪)4‬‬
‫تلك النصوص‪ ،‬ويتحقق إعماهلا دون إمهاهلا‪.‬‬
‫‪ -5‬وأما احتجــاجهم حبديث أيب ذر مرفوع ـاً‪" :‬لو اطلع عليه كثري منهم طلعة تركــوا الصــالةـ " ففي ســنده قدامة‬
‫(‪)5‬‬
‫"‪ ،‬ويف سنده جسرة بنت دجاجــة‪ ،‬قـال الــبيهقي‪:‬ـ فيها‬ ‫بن عبداهلل بن عبدة البكري‪ ،‬قال عنه ابن حجر‪" - :‬مقبول‬
‫نظر‪ ،‬وقال البخاري يف تارخيه‪ - :‬وعند جسرة عجائب (‪.)6‬‬
‫وقد أورد ابن خزمية هـ ــذا احلديث بصـ ــيغة تشـ ــعر بعـ ــدم صـ ــحته‪ ،‬فعقد باب ـ ـاً بعنـ ــوان‪ " - :‬بـ ــاب إباحة ترديد اآلية‬
‫(‪)7‬‬
‫الواحدة يف الصالة مراراً عند التدبر والتفكر يف القرآن إن صح اخلرب "‪ ،‬مث ساق احلديث املذكور‬
‫وميكن أن يق ــال‪ :‬أن احلديث علق ت ــرك الص ــالةـ ب ــأمر ممتنع ال ميكن االطالع علي ــه‪ ،‬فمن املعل ــوم أن "ل ــو" ح ــرف‬
‫امتناعـ المتناع‪ ،‬وهبذا نعلم أن هذه الرواية قد قيدت بوصف ميتنع معه ترك الصالة‪.‬‬
‫ص‪484‬‬
‫‪ .6‬وأما احتجاجهم حبديث عائشة‪" - :‬الدواوين ثالثــة‪ ...‬ففيه صـدقة بن موسى وقد ضــعفه اجلمهــور (‪ " .)1‬قـال‬
‫حيي بن معني‪ - :‬ليـس حديثه بشيء‪ .‬وقال أبو حـامت‪ :‬لني احلديث‪ ،‬يكتبـ حديثه وال حيتج به‪ ،‬ليس بالقوي (‪" )2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وفيه يزيد بن بابنوس‪ ،‬قال عنه الذهيب‪ :‬فيه جهالة‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وضعف األلباين هذا احلديث‪.‬‬
‫ولو صح احلديث فيحمل على من يقع أحيان ـ ـاً يف تـ ــرك صـ ــلوات‪ ،‬دون أن يرتكها بالكلي ـ ــة‪ ،‬ويشـ ــهد لـ ــذلك لفظ‬
‫احلديث حيث جاء فيه‪ "" :‬من صوم يوم تركه أو صالة تركها "‬
‫‪ -7‬وكـ ــذا يقـ ــال بالنسـ ــبة حلديث عبداهلل بن مسـ ــعود‪ " :‬أول ما حياسب به العبد الصـ ــالة‪ ..‬احلديث "فـ ــإن منـ ــاط‬
‫التكفري لتارك الصالةـ إمنا هو الرتك املطلق‪ ،‬حبيث يـرتك الصـالة مجلـة‪ ،‬وأما تـرك بعض الصـلوات فال يكـونـ كفـراً‪ ،‬كما‬
‫يدل عليه ظاهر احلديث‪ ،‬وسيأيت مزيد تفصيل – إن شاء اهلل – هلذه املسألة‪.‬ـ‬

‫(‪ )4‬انظر ملزيد من التفصيل يف اجلواب عن االستدالل هبذه اآلية ‪ - :‬رسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪. 209‬‬
‫(‪ )5‬تقريب التهذيب ‪2/124‬‬
‫(‪ )6‬انظر ميزان االعتدال للذهيب ‪1/399‬‬
‫(‪ )7‬انظر صحيح ابن خزمية ‪2/124‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬جممع الزوائد للهيثميـ ‪10/348‬‬
‫(‪ )2‬اجلرح والتعديل البن أيب حامت ‪4/432‬‬
‫(‪ )3‬انظر احلاكم مع التلخيص ‪ ، 576 ، 4/575‬وانظر التهذيب ‪11/316‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪367‬‬
‫‪188‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫بل إن بعض مرويــات هــذا احلديث تكــاد تشــهد بكفر تــارك الصــالة‪ ،‬فعن أنس مرفوع ـاً "أول ما حياسب به العبد‬
‫يوم القيامةـ الصالة‪ ،‬فإن صلح له سائر عمله‪ ،‬وإن فسدت فسد سائر عمله‪" )5( .‬‬
‫فجعل ص ــالح الص ــالةـ وص ــحتها ش ــرطاً يف ص ــالح س ــائر األعم ــال وص ــحته‪ ،‬وأن فس ــادها ش ــرط يف فس ــاد ب ــاقي‬
‫األعمال‪.‬‬
‫ولـ ــذا ق ـ ــال اإلم ـ ــام أمحد بن حنبـ ــل‪ " - :‬وج ـ ــاء يف احلديث عن النيب صـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم إنه قـ ــال‪ " - :‬أول ما‬
‫تفقدون من دينكم األمانة‪ ،‬وآخر ما تفقدون منه‬
‫ص ‪485‬‬
‫الصالةـ (‪ " )6‬وجاء يف احلديث " إن أول ما يســأل عنه العبد يــوم القيامة من عمله صـالته فـإن تقبلت منه تقبل من‬
‫سائر عمله‪ ،‬وإن ردت عليه صالته رد سائر عمله‪ " )7( .‬فصالتنا آخر ديننا‪ ،‬وهي أول ما نسئل عنه غداً من أعمالنــا‪،‬‬
‫فليس بعد ذهــاب الصــالة إســالم وال دين‪ ،‬فــإذا صــارت الصــالة آخر ما يــذهب من اإلســالم‪ ،‬فكل شــيء يــذهب آخـره‬
‫فقد ذهب مجيعه‪" )1( ...‬‬
‫‪ -8‬وأما حــديث‪ " :‬أمر بعبد من عبــاد اهلل أن يضــرب يف قــربه مائة جلــدة‪ ..‬احلديث (‪ " )2‬ففي ســنده عاصم بن‬
‫هبدلة تكلمـ ــوا يف حفظـ ــة‪ )3( ...‬وقـ ــال ابن حجـ ــر‪ " - :‬صدوق‪ ،‬وله أوهـ ــام (‪ " )4‬وفيـ ــه‪ :‬جعفر بن سـ ــليمان الضـ ــبعي‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫صدوق زاهد‪ ،‬لكنه كان يتشيع‪.‬‬
‫إض ــافة إىل ذل ــك‪ ،‬فقد ج ــاء يف رواية ه ــذا احلديث‪ - :‬ص ــليت ص ــالة واح ــدة بغري طه ــور " فهو إذن ليس تاركـ ـاً‬
‫للص ـ ــالة بالكلية برتكه الوض ـ ــوء‪ ،‬وإمنا هي ص ـ ــالة واح ـ ــدة بغري طه ـ ــور " فهو إذن ليس تارك ـ ـاً للص ـ ــالة بالكلية برتكه‬
‫الوض ــوء‪ ،‬وإمنا هي ص ــالة واح ــدة‪...‬وهن ــاكـ ف ــرق ظ ــاهر بني من تركها بالكلي ــة‪ ...‬ومن ت ــرك ص ــالة واح ــدة وقد يفعل‬
‫بعض املســلمني ذلــك‪ ،‬فيصــلي بغري وضــوء‪ ،‬فيكــون مســتحقاً للــذم والعقــاب‪ ،‬وقد يفعله مع اعرتافهـ بالــذنب فال يكفــر‪،‬‬

‫(‪ )5‬أخرجه الطرباين يف األوسط ‪ 2/512‬ح (‪ ، )1880‬وقال األلباين يف "الصحيحة" (‪" - : )1358‬وأخرجه الضياء يف املختارة ‪ ... 2/209‬وهو‬
‫حديث صحيح مبجموعة طرقه ‪ " .‬وانظر تعظيم قدر الصالة للمروزي ‪ 1/213‬رقم (‪ )185‬واهليثمي يف اجملمع ‪. 292 ، 1/291‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه اخلرائطي يف مكارم األخالق ص ‪ ، 28‬والضياء يف املختارة ‪ ، 1/495‬وصححه األلباين يف الصحيحة (‪)1739‬‬
‫(‪ )7‬مل أعثر عليه هبذا اللفظ ‪ ،‬وقد جاءت أحاديث كثرية مبعناه ‪ ،‬انظر جممع الزوائد ‪292 ، 1/291‬‬
‫(‪ )1‬رسالة الصالة ص ‪ ، 17‬وانظر كتاب الصالة البن القيم ص ‪32‬‬
‫(‪ )2‬هذا احلديث أورده املنذري يف الرتغيب (‪ )3/190‬بصيغة التمريض ‪ ،‬وكذا الذهيب يف الكبائر ص ‪147‬‬
‫(‪ )3‬انظر التهذيب ‪49 - 5/38‬‬
‫(‪ )4‬التقريب ‪1/383‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬التهذيب ‪ ، 98 – 2/95‬والتقريب ‪1/131‬‬
‫‪189‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫كما ظن بعض األحنـ ـ ـ ــاف عنـ ـ ـ ــدما أطلقـ ـ ـ ــوا كفر من صـ ـ ـ ــلى بغري طهـ ـ ـ ــارة (‪ ،)6‬ولكن لو فعله على سـ ـ ــبيل االسـ ـ ــتهانة‬
‫واالستخفاف‬
‫ص‪486‬‬
‫فهو كــافر (‪ )7‬فكيف حبال هذا الرجل الــذي كــان مــداوماً على الوضــوء والصــالة‪ ..‬لكنه صــلى صــالة واحــدة بغري‬
‫ِي‬ ‫ِالَّ ف‬‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬‫َاف‬ ‫الك‬‫َاء ْ‬ ‫دع‬ ‫ما ُ‬ ‫ََ‬‫وضوء؟ وأما قولــه‪ - :‬إن دعــاء الكــافرين داخل يف قوله تعــاىل‪{ - :‬و‬
‫ٍ} [غــافر‪ ،‬آية ‪ ]50‬فال يســتجاب هلم‪ ،‬فهــذا كالم جممل حيتــاج إىل تفصــيل‪ ،‬فقد يــدعو الكــافر ربه فيســتجاب‬ ‫َالَل‬ ‫ض‬
‫له‪ ،‬كما جاء ذلك يف آيات كثرية من القرآن‪.‬‬
‫َُ‬
‫ة‬ ‫الس‪33‬اع‬ ‫َّ‬ ‫ُم‬
‫ُ‬ ‫ْك‬‫تت‬ ‫ََ‬
‫ْأ‬ ‫َو‬ ‫ِأ‬ ‫ُ هّللا‬
‫َاب‬ ‫َذ‬
‫ْع‬ ‫ُم‬‫تاك‬ ‫ََ‬‫نأ‬ ‫ُم إ‬
‫ِْ‬ ‫ُك‬ ‫يت‬‫َْ‬
‫َأ‬ ‫َر‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬ ‫قـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬ق‬
‫ما‬ ‫َُ‬ ‫ش‪33‬ف‬ ‫ِْ‬‫َك‬ ‫َي‬ ‫نف‬ ‫ُوَ‬ ‫دع‬‫تْ‬ ‫هَ‬ ‫ياُ‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫بل‬ ‫َ {‪َ}40‬‬ ‫ِين‬‫ِق‬ ‫َاد‬ ‫ْص‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫دع‬ ‫تْ‬ ‫َِ‬ ‫َ هّللا‬
‫ْر‬ ‫َي‬ ‫َغ‬‫أ‬
‫َ} [األنعام‪،‬ـ آية ‪.]41 ،40‬‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬‫تشْر‬‫ما ُ‬ ‫نَ‬ ‫َْ‬ ‫تنسَو‬ ‫ََ‬‫ن شَاء و‬ ‫ِْ‬‫ِإ‬ ‫ْه‬ ‫َِلي‬ ‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫دع‬ ‫تْ‬
‫َ‬
‫الدين‬
‫َ‬ ‫ه ِّ‬ ‫َ َلُ‬ ‫ِين‬ ‫ِص‬‫مخْل‬‫َُ‬ ‫ُا هَّللا‬ ‫َو‬‫دع‬‫ْكِ َ‬ ‫ُل‬‫الف‬
‫ِي ْ‬ ‫ُوا ف‬ ‫ِب‬ ‫َا ر‬
‫َك‬ ‫إذ‬ ‫َِ‬ ‫وقـ ـ ـ ــال س ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ف‬
‫َ} [العنكبوت‪،‬ـ آية ‪]65‬‬ ‫ُون‬ ‫ِك‬
‫يشْر‬ ‫ُْ‬ ‫هم‬‫َا ُ‬ ‫ِذ‬ ‫ِّ إ‬
‫َر‬‫الب‬ ‫َِلى ْ‬ ‫ْإ‬ ‫هم‬ ‫َّاُ‬ ‫َج‬ ‫َّا ن‬ ‫لم‬ ‫ََ‬‫ف‬
‫َق‬
‫ِّ‬ ‫الح‬
‫ة ْ‬ ‫َُ‬‫ْو‬ ‫دع‬ ‫هَ‬‫وأما دع ـ ـ ــاء الك ـ ـ ــافرين لغري اهلل تع ـ ـ ــاىل فهو ض ـ ـ ــالل‪ ،‬كما هو ظ ـ ـ ــاهر اآلية التالي ـ ـ ــة‪:‬ـ ‪َ{ -‬لُ‬
‫ِ‬
‫ْه‬ ‫َّي‬
‫َف‬ ‫ِك‬ ‫ِط‬‫َاس‬ ‫َب‬‫ِالَّ ك‬
‫ءإ‬ ‫ِشَيٍْ‬ ‫هم ب‬ ‫ن َلُ‬ ‫ُوَ‬ ‫َجِيب‬ ‫يسْت‬‫ِ الَ َ‬ ‫ِه‬
‫دون‬ ‫ِن ُ‬ ‫نم‬ ‫ُوَ‬ ‫دع‬ ‫يْ‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫و‬
‫ِالَّ‬
‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬‫‪3‬اف‬ ‫َ‪3‬‬‫الك‬‫َاء ْ‬ ‫دع‬ ‫ما ُ‬ ‫ََ‬‫ِو‬‫ِه‬ ‫لغ‬ ‫َاِ‬ ‫ِب‬
‫َب‬ ‫هو‬‫ما ُ‬ ‫ََ‬ ‫هو‬ ‫َاُ‬ ‫َف‬ ‫لغ‬ ‫ُْ‬‫َب‬‫لي‬ ‫َاء ِ‬ ‫الم‬ ‫َِلى ْ‬ ‫إ‬
‫ٍ} [الرعد‪ ،‬آية ‪.]14‬‬ ‫َالَل‬ ‫ِي ض‬ ‫ف‬
‫كما ينبغيـ مراعــاة الفــرق بني حيــاة الــربزخ كما جــاء يف احلديث الــذي اســتدلواـ بــه‪ ،‬ودخــول دار اجلزاء (اجلنة أو‬
‫ٍ} [غ ــافر‪ ،‬آية ‪ ]50‬ففي ال ــربزخ‬ ‫َالَل‬ ‫ِي ض‬ ‫ِالَّ ف‬ ‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬ ‫َاف‬‫الك‬ ‫َاء ْ‬ ‫دع‬ ‫ما ُ‬ ‫ََ‬‫الن ــار) كما يف اآلي ــة‪{ - :‬و‬
‫قد يقع التكليف كما يف سـ ـ ــؤال امللكني‪ ،‬وكـ ـ ــذا يف عرصـ ـ ــات القيامةـ يـ ـ ــدعون إىل السـ ـ ــجود‪ ،‬وأما بـ ــدخول دار اجلزاء‬
‫(‪)1‬‬
‫فينقطع التكليف‪ ،‬كما يف اآلية‪.‬‬
‫إضافة إىل ذلك فهذا احلديث – املتكلم على سنده ومتنه – معــارض حلديث صــحيح صــريح وهو قوله صــلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪- :‬‬
‫" إذا مـ ــات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ - :‬صـ ــدقة جاريـ ــة‪ ،‬أو ولد صـ ــاحل يـ ــدعو لـ ــه‪ ،‬أو علم ينتفع به من‬
‫بعده (‪" )2‬‬
‫(‪ )6‬انظر مثالً رسالة البدر الرشيد احلنفي يف األلفاظ املكفرات ص ‪29‬‬
‫(‪ )7‬انظر منهاج السنة النبوية ‪ ، 5/204‬وانظر حكم تارك الوضوء يف كتاب الصالة البن القيم ص ‪. 28 ، 27‬‬
‫(‪ )1‬انظر خمتصر الفتاوي املصرية البن تيمية ص ‪646 ، 645‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلمـ ‪ ،‬ك الوصية (‪ )3/1255‬ح (‪ ، )1631‬والرتمذي ح (‪)1376‬‬
‫‪190‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫صـ‪487‬‬
‫‪ -9‬وأما احلديث الـ ــذي أخرجه اخلالل وفيه أن مـ ــوىل لألنصـ ــار مـ ــات وكـ ــان يصـ ــلي ويـ ــدع‪ ،‬ومع ذلك أمر النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بغسله والصالةـ عليه ودفنه‪ ..‬فهذا احلديث يف سنده مقال‪ ..‬فأبو مشيلة خمتلف يف صحبته‪...‬‬
‫وقد ذكر الــذهيب وابن حجر وغريمها قصة تــدل على صــحبته‪ ،‬لكن يف ســندها حممد بن إســحاق وهو مــدلس وقد‬
‫(‪)3‬‬
‫عنعن‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وفيه عبدالوهاب بن عطاء‪ ،‬قال عنه ابن حجر‪ - :‬صدوق‪ ،‬رمبا أخطأ‬
‫(‪)5‬‬
‫وضعف األلباين هذا احلديث يف "الضعيفة"‪.‬ـ‬
‫ولو صح احلديث فال داللة فيه على أن ال ــرتك املطلق للص ــالة ال يعد كف ــراً‪ ،‬وه ــذا املوىل ك ــان يص ــلي وي ــدع‪ ،‬فلم‬
‫يكن تاركـ ـاً للصـ ــالة بالكليـ ــة‪ ،‬وفـ ــرق بني من حيافظ على تركهـ ــا‪ ،‬ومن يصـ ــلي ويـ ــدع فهو غري حمافظ على فعلها واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ - 10‬وأما حــديث " إن لالســالم ص ــوى ومنــاراً كمنــار الطري ــق‪ ...‬احلديث‪" .‬فليس يف داللة ظــاهرة على عــدم‬
‫كفر تـارك الصـالة‪ ...‬ولقد أخرب الصـادق املصـدوق صـلى اهلل عليه وسـلم أن من تـرك من ذلك شـيئاً فقد تـرك سـهماً‬
‫من اإلســالم‪ ،‬ومن املعلــوم أن تلك "املنــارات"ـ متفاوتــه‪ ،‬فمنها ما تركه ينــاقض امللة كاإلميان باهلل تعــاىل‪ ،‬ومنها ما تركه‬
‫ينــايف كمـال اإلميان الــواجب كـاألمر بــاملعروف والنهيـ عن املنكـر‪ ،‬ومنها ما تركه يعد تفويتـاًـ لكمــال اإلميان املســتحب‬
‫كالسالم‪.‬‬
‫‪ – 11‬وأم ـ ـ ـا اسـ ـ ــتدالهلم حبديث أيب سـ ـ ــعيد اخلدري رضي اهلل عنه يف الشـ ـ ــفاعة‪ ،‬وكـ ـ ــذا عمومـ ـ ــات األحـ ـ ــاديث‬
‫األخرى‪ ..‬فهــذه من نصــوصـ الوعــد‪ ،‬اليت البد من اإلميان هبا‪ ،‬وضــمها إىل ما يقابلها من نصــوصـ الوعيــد‪ ،‬فالـذي عليه‬
‫أهل السنة واجلماعة اإلميان بالوعد والوعيــد‪،‬ـ فكما أن ما توعد اهلل به العبد من العقــاب‪ ،‬قد تــبني ســبحانه أنه مشــروط‬
‫بــأنـ ال يتــوب‪ ،‬فــإن تــاب‪ ،‬تــاب اهلل عليــه‪ ،‬وبــأن ال يكــونـ له حســنات متحو ذنوبــه‪ ،‬فهكــذا الوعد له تفسري وبيــان فمن‬
‫قال بلسانه‪ :‬ال إله إال اهلل وكذب‬
‫ص‪488‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الرسول فهو كافر باتفاق املسلمني‪ ،‬وكذلك إن جحد شيئاً مما أنزل اهلل‪...‬‬

‫(‪ )3‬انظر اإلصابة ‪ ، 7/208‬وجتريد الصحابة للذهيب ‪2/178‬‬


‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬التهذيب ‪ 453 – 6/451‬؛ والتقريب ‪1/528‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬كتابه ‪ " - :‬حكم تارك الصالة " ص ‪ ، 64‬حيث ذكر أنه ضعيف ‪ ،‬ويف سلسلة األحاديث الضعيفةـ (‪)6036‬‬
‫(‪ )1‬انظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ = 271 ، 8/270‬باختصار يسري ‪ ،‬وانظر كتاب التوحيد البن خزمية ‪. 2/869‬‬
‫‪191‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فاس ــتدالهلم بعم ــوم األح ــاديث اليت فيها من ق ــال ال إله إال اهلل دخل اجلنة وما ج ــاء يف معناه ــا‪ ،‬ومل يش ــرتط إقامة‬
‫الص ــالة ل ــذلك‪ ...‬ال دالله فيها على أن ت ــارك الص ــالةـ ال يكف ــر؛ ألن املراد بق ــول ال إله إال اهلل حتقيق ش ــروطها وت ــرك‬
‫(‪)2‬‬
‫نواقضها‪،‬ـ وقد تقرر باألدلة أن ترك الصالةـ كفر‪ ،‬فال اعتبار مبجرد اإلقرار بالشهادتني مع عدم أداء الصالة‪.‬ـ‬
‫ومثل ه ـ ــذه األح ـ ــاديث اليت قد يكـ ـ ــون فهمها مشـ ـ ــكالً أو مشـ ـ ــتبهاً على البعض‪ ،‬فإنه جيب ردها إىل األح ـ ــاديث‬
‫الواضحة احملكمة‪ ،‬فنصوص الكتاب والسنة يصدق بعضها بعضاً‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ويقال – أيضاً – إن هذه العمومات ميكن ختصيصهاـ بأحاديث كفر تارك الصالة‪.‬‬
‫يقول ابن الوزير‪ " - :‬وال شك يف ترجيح النص اخلاص على العموم وتقدميه‪ ،‬وعليه عمل علماء اإلســالم يف أدلة‬
‫الشــريعة‪ ،‬ومن مل يقدمه يف بعض املواضع مل ميكنه الوفــاء بــذلك يف كل موضــع‪ ،‬واضــطر إىل التحكم والتلــون من غري‬
‫حجة بينة‪" )4( .‬‬
‫وقد عقد إمــام األئمة ابن خزمية رمحه اهلل يف كتــاب التوحيد باب ـاً بعنــوان‪:‬ـ ‪ " -‬بــاب ذكر الــدليل أن مجيع األخبــار‬
‫اليت تق ــدم ذك ــري هلا إىل ه ــذا املوضع يف ش ــفاعة النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم يف إخ ــراج أهل التوحيد من الن ــار إمنا هي‬
‫(‪)5‬‬
‫ألفاظ عامة مرادها خاص‪ " .‬مث أورد أدلته على ذلك‬
‫بل إن يف حـديث أيب سـعيد اخلدري رضي اهلل عنه وغـريه من أحـاديث الشـفاعة لعصـاة املوحـدين ما يـدل على أن‬
‫تارك الصالة كافر‪ ...‬فقد قال صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ص‪489‬‬
‫وســلم‪ " - :‬حىت إذا فــرغ اهلل من القضــاء بني عبــاده‪ ،‬وأراد أن خيرج من النــار من أراد أن خيرج ممن كــان يشــهد‬
‫أن ال إله إال اهلل‪ ،‬أمر املالئكة أن خيرج ــوهم‪ ،‬فيعرف ــوهنم بعالمة آث ــار الس ــجود‪ ،‬وح ــرم اهلل على الن ــار أن تأكل من ابن‬
‫آدم أثر السجود‪" )6( .‬‬
‫(‪)7‬‬
‫فعلم أن من مل يكن يسجد هلل تأكله النار كله‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫وقد استنبطـ ابن أيب مجرة من هذا أن من كان مسلماً‪ ،‬ولكنه كان ال يصلي ال خيرج إذ ال عالمة له‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظر تفصيالً ‪ :‬نيل األوطار ‪ ، 2/20‬وضوابط التكفري للقرين ص ‪210 ، 209‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬أضواء البيان للشنقيطي ‪ 4/320‬ورسالة يف الطهور والصالة البن عثيمني ص ‪60‬‬
‫(‪ )4‬إيثار احلق على اخللق ص ‪383‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬كتاب التوحيد ‪734 - 2/727‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري ك األذان (‪ )2/293‬ح (‪)806‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪7/612‬‬
‫(‪ )8‬انظر فتح الباري ‪11/457‬‬
‫‪192‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وإن كانوا حيتجون برواية " مل يعملوا خري قط " على عدم كفر تارك الصالة‪،‬ـ يف نفس الـوقت يـدفعون تـوهم من‬
‫زعم أن املراد بـاخلري املنفي جتويز إخـراج غري املوحـدين من النـار‪ ،‬كما قـال ابن حجـر‪ " - :‬ورد ذلك بـأن املراد بـاخلري‬
‫املنفي ما زاد على أصل اإلقرار بالشهادتني‪ ،‬كما تدل عليه بقية األحاديث (‪" )1‬‬
‫فكذا يقال أيضاً أن هذا اخلري املنفيـ ما زاد على فعل الصالة كما جاءت بذلك النصوص‪.‬ـ‬
‫وقــال ابن خزمية‪ " - :‬هــذه اللفظــة" مل يعملــوا خــرياً قط " من اجلنس الــذي يقــول العــرب‪ :‬ينفيـ االسم عن الشــيء‬
‫لنقصه على الكمال والتمام‪ ،‬فمعىن هذه اللفظة على هذا األصل‪ ،‬مل يعملوا خرياً قط‪ ،‬على التمام والكمال‪" )2( ..‬‬
‫‪ - 12‬وأما دعــواهم اإلمجاع – على فــرض صــحتها – فهي منقوضة ومــردودة بإمجاع الصــحابة رضي اهلل عنهم‬
‫كما نقله أبو هريـ ـ ـ ــرة رضي اهلل عنـ ـ ـ ــه‪ ،‬وعبد اهلل بن شـ ـ ـ ــقيق العقيلي رمحه اهلل‪ ،‬فاإلمجاع على مـ ـ ـ ــراتب‪ ،‬وأقواها إمجاع‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪.)3( .‬‬
‫ص‪490‬‬
‫وقوهلم ال نعلم بني املسلمني خالفاً ال يعد إمجاعاً (‪ ،)4‬ونفي العلم ليس علماً بالنفي‪.‬‬
‫إضافة إىل ذلك فإنه قد يصعب القطع بأنـ فالنـاً ال يصــلي متامـاً‪ ،‬خاصة أن من ادعى أنه صـلى يف أهله وبيتـه‪ ،‬قبل‬
‫منــه‪ ،‬كما دل عليه حـديث حمجن – وقد تقــدم – وفيه قوله صـلى اهلل عليه وســلم حملجن‪ " - :‬ما منعك أن تصــلي مع‬
‫الناس؟ ألست برجل مسلم؟ قال حمجن‪ :‬بلى يا رسول اهلل‪ ،‬ولكين صليت يف أهلي "‬
‫وقد اسـتنبطـ ابن عبـدالرب من هـذا احلديث أن من أقر بالصـالة وإقامتها أنه يوكل إىل ذلك إذا قـال إين أصـلي؛ ألن‬
‫(‪)5‬‬
‫حمجناً قال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد صليت يف أهلي‪ ،‬فقبل منه‪.‬‬
‫وقال اإلمام الشافعي رمحه اهلل‪ " - :‬من قيل أنه ال يصلي فكذهبم صدق‪" )6( .‬‬
‫وقال النووي‪ " - :‬إذا أراد السلطان قتله‪ ،‬فقال‪ :‬صليت يف بييت ترك (‪" )7‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق ‪13/429‬‬


‫(‪ )2‬كتاب التوحيد ‪2/732‬‬
‫(‪ )3‬انظر املغني يف أصول الفقه للخبازي ص‪ ، 282‬وفتح الغفار بشرح املنار البن جنيم ‪3/7‬‬
‫(‪ )4‬انظر أعالم املوقعني البن القيم ‪ ، 1/30‬وإرشاد الفحول للشوكاين ص ‪90‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬التمهيد ‪4/224‬‬
‫(‪ )6‬األم ‪1/390‬‬
‫(‪ )7‬روضة الطالبني ‪2/147‬‬
‫‪193‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إن ال ـ ــرتك للصـ ـ ــالة – والـ ـ ــذي يعد ناقض ـ ـ ـاً من نـ ـ ــواقضـ اإلميان – ال يتحقق يف املعني إال باإلص ـ ــرار على تركه ـ ــا‪،‬‬
‫واألصل يف املســلم فعل الصــالةـ حىت يثبت ما ينــاقض ذلــك‪ ،‬فمن أظهر أداء الصــالة فهو املســلم حكم ـاً وظــاهراً‪ ،‬وقد‬
‫(‪)8‬‬
‫يكونـ مؤمناً عند اهلل‪ ،‬وقد يكون منافقاً كافراً‪ ،‬فليس كل من قيل عنه أنه كافر‪ ،‬جترى عليه أحكام الكفر‪.‬‬
‫يقــول ابن تيميــة‪ " - :‬إن كثــرياً من النــاس‪ ،‬بل أكــثرهم يف كثري من األمص ـار ال يكونــون حمافظني علي الصــلوات‬
‫اخلمس‪ ،‬وال هم تاركيها باجلمل ـ ــة‪ ،‬بل يص ـ ــلون أحيانـ ـ ـاً‪ ،‬وي ـ ــدعونـ أحيانـ ـ ـاً‪ ،‬فه ـ ــؤالء فيهم إميان ونفـ ــاق‪ ،‬وجتري عليهم‬
‫أحكام اإلسالم الظاهرة يف املواريث وحنوها من الأحكام‪" )1( .‬‬
‫ص‪491‬‬
‫وأما قوهلم‪ :‬إن تارك الصالة جيب عليه قضاؤها‪ ،‬ولو كان مرتداً مل جيب عليه قضاء صالة وال صيام‪..‬‬
‫فقد أجاب عند حممد بن نصر املروزي بقوله‪- :‬‬
‫" إن الكــافر الــذي أمجعــوا على أنه ال يــؤمر بقضــاء ما تــرك من الصــالة هو الكــافر الــذي مل يســلم قــط‪ ،‬مث أســلم‪،‬‬
‫ف ــإهنم أمجع ــوا على أنه ليس عليه قض ــاء ما ت ــرك من الص ــالةـ يف ح ــال كف ــره‪ ...‬فأما من أس ــلم مث ارتد عن اإلس ــالم‪،‬ـ مث‬
‫رجع فــإهنم قد اختلفــوا فيما ضــيع يف ارتــداده من صــالة وصــيام وزكــاة وغري ذلــك‪ ،‬فكــان الشــافعي يــوجب عليه قضــاء‬
‫مجيع ذلك‪" )2( .‬‬
‫مث قــال‪ " - :‬فــإذا تــرك الرجل صــالة متعمــداً حىت يــذهب وقتها فعليه قضــاؤها‪ ،‬ال نعلم يف ذلك اختالف ـاً‪ ،‬إال ما‬
‫ي ـروى عن احلس ــن‪ ،‬فمن أكف ــره برتكها اس ــتتابه‪،‬ـ وجعل توبت ــه‪ ،‬وقض ــاءه إياها رجوع ـاً منه إىل اإلس ــالم‪ ،‬ومن مل يكفر‬
‫تاركها ألزمه املعصية‪،‬ـ وأوجب عليه قضاءها‪" )3( .‬‬
‫وقـال أبو الوفـاء ابن عقيـل‪ " - :‬من كـان كفـره بـرتك الصـالة‪ ،‬ال بـرتك كلمة اإلسـالم‪ ،‬فهو إذا عـاود فعل الصـالة‬
‫صارت معاودته للصالة إسالماً‪" )4( .‬‬
‫وق ــال ابن تيمي ــة‪ " - :‬من كفر ب ــرتك الصــالة‪:‬ـ األصــوب أن يصري مســلماً بفعله ــا‪ ،‬من غري إعــادة الشــهادتني؛ ألنه‬
‫كفره باالمتناع كإبليس‪" )5( .‬‬
‫واآلنـ ننتقل إىل مناقشة أجوبة القائلني بعدم التكفري ألدلة الفريق األول‪.‬‬

‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪7/617‬‬


‫(‪ )1‬جمموع الفتاوي ‪ ، 7/716‬وانظر جمموع الفتاوى ‪24/287 ، 6/429‬‬
‫(‪ )2‬تعظيم قدر الصالة ‪2/980‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪2/996‬‬
‫(‪ )4‬بدائع الفوائد البن القيم ‪3/212‬‬
‫(‪ )5‬االختيارات الفقهية ص ‪32‬‬
‫‪194‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -1‬فأم ـ ـ ـا محله ـ ـ ـم أحـ ـ ــاديث تكفري تـ ـ ــارك الصـ ـ ــالةـ على كفر النعمـ ـ ــة‪ ،‬فهـ ـ ــذا غري مسـ ـ ــتقيم‪ ،‬وال خيفى ما فيه من‬
‫تكلــف‪..‬فهل يســوغ أن يكــونـ معىن حــديث جــابر بني الرجل وبني كفر النعمة تــرك الصــالة؟ لقد بني اإلمــام أبو عبيد‬
‫القاسم بن س ـ ــالم رمحه اهلل فسـ ــاد هـ ــذا القـ ــول عند أهل اللغـ ــة‪ ،‬مث علل ذلك قـ ــائالً‪ " - :‬وذلك أهنم (أي العـ ــرب) ال‬
‫يعرفون كفران النعم إال باجلحد ألنعام اهلل وآالئه‪ ،‬وهو كاملخرب عن‬
‫ص‪492‬‬
‫من اهلل عليه بالس ـ ــالمة وك ـ ــذلك ما يكـ ــون من كتمـ ــان‬ ‫نفسه بالع ـ ــدم‪ ،‬وقد وهب اهلل له ال ـ ــثروة‪ ،‬أو بالس ـ ــقم وقد ّ‬
‫احملاسن ونشر املص ــائبـ فه ــذا ال ــذي تس ــميه الع ــرب كفرانـ ـاً إن ك ــان ذلك فيما بينهم وبني اهلل‪ ،‬أو ك ــان من بعض ــهم‬
‫لبعض إذا تناكروا اصطناع املعروف عندهم وجتاحدوه‪ ،‬ينبئك عن ذلك مقالة النيب صلى اهلل عليه وســلم للنســاء‪" - :‬‬
‫إنكن تكــثرن اللعن وتكفــرن العشري – يعين الــزوج – وذلك أن تغضب إحــداكن فتقــول‪ - :‬ما رأيت منك خــرياً قط‬
‫(‪" )1‬‬
‫فهذا ما يف كفر النعمة (‪" )2‬‬
‫وأما ق ــوهلم إنه كفر دون كف ــر‪ ،‬فقد س ــبق بي ــان أن الكفر ج ــاء معرفـ ـاً كما يف ح ــديث ج ــابر مما أف ــاد التخص ــيص‬
‫والعهد‪ ،‬وفرق بني هذا وبني كفر منكر‪...‬‬
‫إض ــافة إىل ذلك فـ ــإن حـ ــديث بريـ ــدة مرفوع ـ ـاً "العهد الـ ــذي بينناـ وبينهم الصـ ــالة فمن تركها فقد كفر " قد جعل‬
‫الصــالةـ حــداً فاصـالً بني املســلمني عن غــريهم‪ ،‬وال يتصــور أن يكــون كفــراً دون كفــر؛ ألنه ال يكــون حــداً فاصـالً بني‬
‫(‪)3‬‬
‫املسلمني والكافرين‪ ،‬فهناك من املسلمني من يقع يف مثل هذا الكفر‪ ،‬وإن مل يكن مؤمناً بإطالق‪.‬ـ‬
‫‪ -2‬وأما قــوهلم إن األحــاديث الــواردة يف تكفري تــارك الصــالةـ إمنا هي على ســبيل التغليظ والزجر الشــديد ال على‬
‫احلقيقةـ فظاهرها غري مراد‪.‬‬
‫ف ــاجلواب أن يق ــال‪ :‬ه ــذا كالم فيه إمجال وإيه ــام‪ ،‬فال شك أن ه ــذه األح ــاديث فيها تغليظ وختوي ــف‪ ،‬وهي على‬
‫احلقيقــة‪ ،‬نــؤمن بــذلك وال نكــذب‪ ،‬ومنرها كما جــاءت ونأخذ بظاهرها املفهــومـ منهــا‪ ،‬وإذا كــان عامة الســلف الصــاحل‬
‫يق ـ ــرون أحـ ـ ــاديث الوعيد – فيما دون الكفر – وميروهنا كما جـ ـ ــاءت‪ ،‬ويكرهـ ـ ــونـ أن تتـ ـ ــأول ت ـ ــأويالت خترجها عن‬
‫مقصود قائلها صلى اهلل عليه وسلم (‪ ،)4‬فكيف ســاغ هلؤالء صــرف نصــوص تكفري تــارك الصــالة عن ظاهرهــا‪ ،‬وجعله‬
‫وعيداً ال حقيقة له!‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ك اإلميان (‪ )1/83‬ح (‪ ، )29‬ومسلم ك اإلميان (‪ )1/86‬ح _‪)79‬‬


‫(‪ )2‬اإلميان أليب عبيد القاسم بن سالم ص ‪88‬‬
‫(‪ )3‬انظر رسالة ضوابط التكفري ص ‪203‬‬
‫(‪ )4‬انظر جمموع فتاوى ابن تيمية ‪7/674‬‬
‫‪195‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إن اإلميان بالنص ـ ــوصـ الش ـ ــرعية – ومنها نص ـ ــوص الوعيد – ي ـ ــوجب التس ـ ــليم هلا واالنقي ـ ــاد‪ ،‬كما يقتضي إجالهلا‬
‫وتعظيمها‪ ،‬وقد التزم سلف األمة هذا النهج‪،‬‬
‫ص‪493‬‬
‫" فقد قــال الرجل للزهــري‪ :‬يا أبا بك ـر حــديث رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬ليس منا من لطم اخلدود‬
‫(‪ " ،)5‬وليس منا من مل يوقر كبرينا (‪ " )6‬وما أشبه هذا احلديث؟ فأطرق الزهري ساعة‪ ،‬مث رفع رأسه فقال‪ - :‬من اهلل‬
‫عز وجل العلم‪ ،‬وعلى الرسول البالغ‪،‬ـ وعلينا التسليم‪" )7( .‬‬
‫" وملا ذكر عبداهلل بن املبــاركـ – رمحه اهلل – حــديث‪ " - :‬ال يــزين الــزاين حني يــزين وهو مــؤمن‪ ،)1( ...‬فقــال فيه‬
‫قائ ــل‪ :‬ما ه ــذا! على معىن اإلنكـ ــار‪ ،‬فغضب ابن املبـ ــارك وقـ ــال‪ :‬مينعنا هـ ــؤالء األنـ ــان (‪ )2‬أن حندث حبديث رس ــول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أكلما جهلنا معىن حديث تركناه! ال بل نرويه كما مسعنا‪ ،‬ونلزم اجلهل أنفسنا‪" )3( .‬‬
‫ومما حيسن إيراده يف هذا املوضع ما قاله ابن تيمية‪- :‬‬
‫" ينبغيـ للمسلم أن يقدر قدر كالم اهلل ورسوله‪ ..‬فجميع ما قاله اهلل ورسوله جيب اإلميان بــه‪ ،‬فليس لنا أن نــؤمن‬
‫ببعضـ الكت ــاب ونكفر ببعض‪ ،‬وليس االعتنـ ــاءـ مبراده يف أحد النصني دون اآلخر بـ ــأوىل من العكس‪،‬ـ ف ــإذا كـ ــان النص‬
‫الــذي وافقه يعتقد انه اتبع فيه مــراد الرســول‪ ،‬فكــذلك النص اآلخر الــذي تأولــه‪ ،‬فيكــون أصل مقصــودة معرفة ما أراده‬
‫الرسول بكالمه‪.‬ـ (‪" )4‬‬
‫ص‪494‬‬
‫وعلى كل ف ــإن االسرتس ــال مع ق ــول من ق ــال إن ه ــذا وعيد للتغليظ وال حقيقة ل ــه‪ ،‬قد ي ــؤؤل إىل تعطيل الش ــريعة‬
‫(‪)5‬‬
‫وإبطال العقاب‪...‬‬
‫وقد نبه مجع من أهل العلم خلطورة ذلك‪.‬‬

‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك اجلنائز ‪ ، )3/166( ،‬ح (‪ ، )1297‬ومسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان ‪ ، )1/99( ،‬ح (‪)165‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الرتمذي ‪ ،‬وقال حسن غريب ‪ ،‬ك الرب والصلة ‪ ،‬باب ما جاء يف رمحة الصبيان ‪ ،‬حديث (‪ ، )1921‬وابن ماجة ‪ ،‬ك األدب ‪ ،‬باب يف‬
‫الرمحة ‪ ،‬حديث (‪ ، )4943‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب (‪ 1/44‬و‪)45‬‬
‫(‪ )7‬السنة للخالل ‪ ، 3/579‬وانظر تعظيم قدر الصالة ‪1/487‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك املظامل (‪ ، )5/119‬ح (‪ ، )2475‬ومسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/76‬ح (‪)100‬‬
‫(‪ )2‬أي كثريو الكالم والتشكي (لسان العرب ‪)13/28‬‬
‫(‪ )3‬تعظيم قدر الصالة ‪505 ، 1/504‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوي ‪ = 37 ، 7/36‬باختصار‬
‫(‪ )5‬انظر جمموع الفتاوي البن تيمية ‪19/150‬‬
‫‪196‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فق ــال أبو عبيد القاسم بن س ــالم – جواب ـاً عمن محل نص ــوص الوعيد على التغلي ــظ‪ " - :‬وأما الق ــول احملم ــول عل‬
‫التغليظ فمن أفظع ما تأول على رسـول اهلل صـلى اهلل عليه وسـلم وأصـحابه‪ ،‬أن جعلـوا اخلرب عن اهلل وعن دينه وعيـداً‬
‫ال حقيقـة له‪ ،‬وهذا يؤول إىل إبطـال العقاب؛ ألنه إن أمكن ذلك يف واحد منها‪ ،‬كان ممكناً يف العقوبات كلها‪" )6(.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض – رمحه اهلل ‪ " - :-‬املرجئة كلما مسعوا حديثاً فيه ختويف قالوا‪ :‬هــذا هتديــد‪ ،‬وإن املؤمن‬
‫من خياف هتديد اهلل وحتذيره وختويفه ووعي ـ ــده‪ ،‬ويرجو وع ـ ــده‪ .‬وإن املن ـ ــافق ال خياف هتديد اهلل وال حتذيره وال ختويفه‬
‫وال وعيده‪ ،‬وال يرجو وعده‪")7( .‬‬
‫وق ـ ــال ابن ح ـ ـ ــزم‪ " - :‬وأما من اس ـ ـ ــتجاز أن يك ـ ـ ــون ورود الوعيد على معىن التهديد ال على معىن احلقيق ـ ــة‪،‬ـ فقد‬
‫اضمحلت الشريعة بني يديه‪ ،‬ولعل وعيد الكفــار أيضـاً كــذلك‪ ،‬ومن بلغ هــذا املبلغ فقد ســقط الكالمـ معــه؛ ألنه يلزمه‬
‫جتويز تـ ــرك الشـ ــريعة كلها إذ لعلها نـ ــدب‪ ،‬ولعل كل وعيد ورد إمنا هو هتديـ ــد‪ ،‬وهـ ــذا مع فراقه املعقـ ــول خـ ــروج عن‬
‫اإلسالم؛ـ ألنه تكذيب هلل عز وجل‪" )8( .‬‬
‫وقال القامسي – معلقاً على ما قاله الزخمشري عن حديث‪ " :‬آية املنافق ثالث وإن صام وصلى‪ :" )9( ..‬للتغليــظ‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫" قـ ــول الزخمشـ ــري " فللتغليـ ــظ" يوجد مثله لثلة من شـ ــراح احلديث وغـ ــريهم وقد حبث فيه بعض حمققي مشـ ــاخينا‬
‫بقوله‪ - :‬هذا اجلواب ال يرتضيه من عرف قدر النيب صـلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬وكــأهنم غفلــوا عما يســتلزمه هــذا اجلواب‬
‫مما ال يرتضيه‬
‫ص‪495‬‬
‫أدىن ع ــامل أن ينسب إليـ ــه‪ ،‬وهو اإلخبـ ــار خبالف الواقع ألجل الزجـ ــر‪ .‬انتهى‪،‬ـ وقـ ــال بعض احملققني‪ :‬عليك أن تقر‬
‫األحاديث كما وردت‪ ،‬لتنجو من معرة اخلطر‪" )1( .‬‬
‫‪ - 3‬وأما قــوهلم‪ :‬إن مثل هــذه النصــوصـ حممولة على أن شــارك الكــافر يف بعض أحكامه وهو وجــوب القتــل‪...‬‬
‫فاجلواب أن يقال‪ - :‬ما املسوغـ الستحالل دم تارك الصالة وهو ليس بكافر عندكم؟‬
‫لقد تقرر – شرعاً – أن قتل املسلم ال يستباح إال بإحدى ثالث‪ -:‬تـرك دين‪ ،‬وإراقة الـدم احملرم‪ ،‬وانتهـاكـ الفـرج‬
‫احملرم‪.‬‬

‫(‪ )6‬اإلميان لأيب عبيد ص ‪88‬‬


‫(‪ )7‬السنة لعبداهلل بن اإلمام أمحد ‪1/377‬‬
‫(‪ )8‬اإلحكام البن حزم ‪1/283‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه البخاري مبعناه ك اإلميان (‪ )1/89‬ح (‪ ، )33‬ومسلم ك اإلميان (‪ )1/78‬ح (‪)107‬‬
‫(‪ )1‬تفسري القامسي ‪537، 3/536‬‬
‫‪197‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فعن عبداهلل بن مســعود رضي اهلل عنه قــال‪ :‬قــال رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬ال حيل دم امــريء مســلم‬
‫إال بإحدى ثالث‪ - :‬الثيب الزاين‪ ،‬والنفسـ بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة (‪" )2‬‬
‫فتارك الصالة ليس قاتالً‪ ،‬وال زانياً حمصناً‪ ،‬فلم يبق إال أن يكون إباحة دمه من أجل ردته‪.‬‬
‫يقول ابن حزم – وهو ممن يرى عدم كفر تارك الصالة – جواباً عن القائلني بقتل تارك الصالةـ دون كفره‪-:‬‬
‫" أما مالك والشافعىـ فإهنما يريان تارك الصالة مسلماً؛ ألهنما يورثــان مالـه‪ ،‬وولـده‪ ،‬ويصـليان عليــه‪ ،‬ويدفنانه مع‬
‫املس ــلمني‪ ...‬ف ــإذا ذلك ك ــذلك فقد س ــقط قوهلما يف قتل ــه؛ ألنه لا حيل دم امرىء مس ــلم إال بإح ــدى ثالث‪ :‬كفر بعد‬
‫إميان‪ ،‬أو زىن بعد إحصان‪ ،‬أو نفس بنفس‪ ،‬وتــارك الصــالة متعمــداً ال خيلو أن يكــونـ كــافراً‪ .‬أو يكــونـ غري كــافر‪ ،‬فــإن‬
‫كان كافراً فهم ال يقولونـ بذلك‪ ...‬فإذا ليس كافراً‪ ،‬وال قاتالً‪ ،‬وال زانياً حمصناً‪ ..‬فدمه حرام بالنص‪" )3(.‬‬
‫‪ - 4‬أما ق ــوهلم إن املراد هبذه األح ــاديث من اس ــتحل ت ــرك الص ــالة‪ ،‬أو تركها جح ــوداً‪ ...‬فجوابه أن يق ــال‪ -:‬إن‬
‫هــذه األحــاديث – كحــديث جــابر وبريــدة وحنومها‪ ...‬قد علقت الكفر بــرتك الصــالة‪ ،‬فمنــاط احلكم بــالكفر فيها تــرك‬
‫الصالة‪،‬ـ وقد يكون هذا الرتك جحوداً‪ ،‬أو هتاوناً وكسالً‪.‬‬
‫ص‪496‬‬
‫فمن قــال إن تــارك الصــالة ال يكفر إال إذا كــان جاحــداً لوجوهبا‪ ،‬فقد جعل منــاط احلكم يف هــذه املســألة غري ما‬
‫حــدده الرســول صــلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬مث إنه على هــذا التأويل ال فــرق بني الصــالةـ وغريهــا‪ ،‬فال تكــونـ إقامتها عهــداً‬
‫وحداً يعرف به املسلم من الكافر؛ ألن من ترك شيئاً من شعائر اإلسالم وفرائضه الظاهرة جحوداً لوجوهبا فهو كــافر‬
‫باإلمجاع‪ ،‬فجحد الوج ــوب ال خيتص بالص ـ ـالة وح ــدها‪ ،‬مع أن الص ــحابة رضي اهلل عنهم قد جعل ــوا ت ــرك الص ــالة هو‬
‫من ــاط الكف ـ ـر دون بقية األعم ــال‪ ،‬كم ـ ـا حكى ذلك عنهم أبو هري ــرة رضي اهلل عنه وعبد اهلل بن شـ ـقيق العقيلي رمحه‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل‪.‬‬
‫ومن املناسب – يف خامتة هذه املناقشة – أن نشري إىل أن بعض القــائلني بعــدم تكفري تــارك الصــالة‪ ،‬قد ســلكوا يف‬
‫بعض استدالهلم مسلك اإلرجاء‪.‬‬
‫فهم يقولــون – مثالً – إن الكفر جحــود التوحيــد‪ ،‬وإنكــار الرســالة واملعــاد وجحد ما جــاء به الرســول‪ ،‬وهــذا يقر‬
‫بالوحدانية شـ ـ ـ ــاهداً أن حممد رسـ ـ ـ ــول اهلل‪ ،‬مؤمن ـ ـ ـ ـاً بـ ـ ـ ــأنـ اهلل يبعث من يف القبـ ـ ـ ــور‪ ،‬فكيف حيكم بكفـ ـ ــره؟ واإلميان هو‬
‫(‪)2‬‬
‫التصديق‪ ،‬وضده التكذيب‪،‬ـ ال ترك العمل‪ ،‬فكيف حيكم للمصدق حبكم املكذب اجلاحد؟‬

‫(‪ )2‬سبق خترجيه ص ‪468‬‬


‫(‪ )3‬احمللى ‪ = 13/438‬خص ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر تفصيل هذا اجلواب ‪ - :‬الفتاوى البن تيمية ‪، 7/614‬والدررـ السنية ‪ ، 4/102‬ورسالة ضوابط التكفري للقرين ص ‪. 205‬‬
‫(‪ )2‬انظر كتاب الصالة البن القيم ص ‪. 37‬‬
‫‪198‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وجواباً عن ذلك نقـول‪ - :‬قد تقـرر عند أهل السـنة أن اإلميان قـول وعمـل‪ ،‬فليس تصـديقاً فحسـب‪ ،‬ومن مث فـإن‬
‫مقابله هو الكفر قــول وعمــل‪ ،‬فقد يكــون الكفر قــوالً قلبيـاً‪ ،‬وقد يكــونـ عمالً قلبيـاً‪ ،‬وتــارة قــوالً باللســان‪ ،‬وتــارة عمالً‬
‫(‪)3‬‬
‫باجلوارح كما سبق تفصيله وبيانه باألدلة‬
‫ويق ـ ـول أيض ـ ـاً‪ - :‬يلـ ــزم من تكفري تـ ــارك الصـ ــالةـ أن يكفر القاتل والشـ ــامت للمسـ ــلم‪ ،‬وأن يكفر الـ ــزاين‪ ،‬وشـ ــارب‬
‫(‪)5‬‬
‫اخلمر‪...‬‬
‫ص‪497‬‬
‫واجلواب‪ - :‬أن هــذا الالزم يلــزم املبتدعةـ عموم ـاً‪ ...‬ســواء كــانوا وعيدية أو مرجئة والــذين جعلــوا الكفر خصــلة‬
‫واحـدةً‪ ،‬بنـاء على ظنهم الفاسد أن اإلميان شـيء واحد يـزول كله بـزوال بعضـه‪ ،‬وقد دلت النصـوصـ أن الكفر مـراتب‬
‫وشعب متفاوتة‪،‬ـ كاإلميان‪ ،‬فمن شعب الكفر ما خيرج من امللة‪ ،‬ومنها ماال خيرج من امللة‪.‬‬
‫(د) الرتجيح‪- :‬‬
‫بعد ه ــذا الع ــرض التفص ــيلي ألدلة الف ــريقني واس ــتدالالهتم ومناقش ــتها‪ ،‬يظهر أن أدلة الق ــائلني بتكفري ت ــارك الص ــالةـ‬
‫(‪)6‬‬
‫أصح وأقوى‪.‬‬
‫إال أن ال ـ ـراجح – يف نظ ـ ــري – ولعله الق ـ ــول الوسط بني الط ـ ــرفني‪ ،‬وبه جتتمع الكثري من أدلة الفـ ــريقني‪ ،‬وهو أن‬
‫يق ــال‪ :‬إن ض ــابط ت ــرك الص ــالة ال ــذي يعد كف ــراً – ها هنا – هو ال ــرتك املطلق ال ــذي هو مبعىن ت ــرك الص ــالة من حيث‬
‫اجلملة الــذي يتحقق بــرتك الصــالةـ بالكليــة‪ ،‬أو باإلصــرار على عــدم إقامتهــا‪ ،‬أو برتكها يف األعم األغلب‪ ،‬وليس منــاط‬
‫(‪)7‬‬
‫التكفري – ها هنا – مطلق الرتك للصالة حبيث يلزم أن نكفر كل من ترك صالة واحدة أو بعض صلوات‬
‫ويشهد لذلك مجلة من األدلة‪ ،‬منها ما يلي‪- :‬‬
‫ُ‪33‬وا‬ ‫َع‬‫اتب‬‫َ َّ‬ ‫ةو‬ ‫الص‪33‬الَ‬
‫َّ‬ ‫ُوا‬‫ض‪33‬اع‬ ‫ََ‬ ‫ٌأ‬ ‫ْ‪33‬ف‬‫َل‬ ‫ْخ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬‫ْد‬‫بع‬‫ِن َ‬ ‫َم‬ ‫لف‬ ‫َخََ‬‫قوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاىل‪{ - :‬ف‬
‫ًّا} [مرمي‪ ،‬آية ‪]59‬‬ ‫َي‬‫نغ‬ ‫َْ‬‫َو‬ ‫لق‬‫يْ‬ ‫ََ‬ ‫ْف‬
‫َسَو‬ ‫َاتِ ف‬ ‫هو‬ ‫الشََّ‬
‫ف ــاملراد من تض ــييع الص ــالة – هاهنا – تركها بالكلية كما قاله حممد بن كعب الق ــرظي وزيد بن أس ــلم والس ــدي‬
‫(‪)1‬‬
‫واختاره ابن جرير‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬املبحث األول من متهيد الرسالة ‪.‬‬


‫(‪ )5‬انظر التمهيد البن عبد الرب ‪. 4/236‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬أضواء البيان للشنقيطي ‪4/322‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬رسالة ضوابط التكفري ص ‪211‬‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬تفسري الطربي ‪ ، 16/66‬وتفسري ابن كثري ‪3/125‬‬
‫‪199‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ - 2‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وقد تقدم ‪" - :-‬مخس صلوات كتبهن اهلل على العبــاد يف اليــوم والليلــة‪ ،‬فمن‬
‫حافظ عليها كــان له عند اهلل عهد أن يدخله اجلنــة‪ ،‬ومن مل حيافظ عليهن مل يكن له عند اهلل عهــد‪ ،‬إن شــاء عذبه وإن‬
‫شاء أدخله اجلنة" فهذا احلديث صريح يف الفرق بني الرتك املطلق‪ ،‬وبني مطلق الرتك‪ ..‬يقول ابن تيمية رمحه اهلل‪- :‬‬
‫ص‪498‬‬
‫"ف ــالنيب صــلى اهلل عليه وســلم إمنا أدخل حتت املشــيئةـ من مل حيافظ عليهــا‪ ،‬ال من تــرك‪ ،‬ونفي احملافظة يقتضيـ أهنم‬
‫صلوا ومل حيافظوا عليها‪" )2( ...‬‬
‫مث قــال‪ " - :‬فــإن كثــرياً من النــاس‪ ،‬بل أكــثرهم يف كثري من األمصــار ال يكونــونـ حمافظني على الصــلوات اخلمس‪،‬‬
‫وال هم تاركيها باجلملة‪ ،‬بل يصلون أحياناً ويدعون أحياناً‪ ،‬فهـؤالء فيهم إميان ونفـاق‪ ،‬وجترى عليهم أحكـام اإلسـالم‬
‫الظاهرة‪" )3( ...‬‬
‫ويق ــول يف موضع آخ ــر‪ " - :‬فأما من ك ــان مص ــراً على تركها ال يص ــلي ق ــط‪ ،‬وميوت على ه ــذا اإلص ــرار وال ــرتكـ‬
‫فهــذا ال يكــون مســلماً‪ ،‬لكن أكــثر النــاس يصــلون تــارة‪ ،‬ويرتكوهنا تــارة‪ ،‬فهــؤالء ليســوا حيافظون عليهــا‪ ،‬وهــؤالء حتت‬
‫الوعيد‪ ،‬وهم الذين جاء فيهم احلديث الذي يف السنن حديث عبادة بن الصامتـ – مث ساق احلديث املذكور ‪" )4( -‬‬
‫‪ -3‬قوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬إن أول ما حياسب به العبد صــالته‪ ،‬فــإن أمتهــا‪ ،‬وإال نظر هل له من تطــوع‪،‬‬
‫فإن كان له تطوع‪ ،‬أكملت الفريضة من تطوعه (‪" )5‬‬
‫واالنتق ــاصـ هنا ع ــام يتن ــاول ت ــرك األداء لبعض الص ــلوات‪ ...‬وه ــذا من مطلق ال ــرتك ال ــذي ال يعد كف ــراً‪ ،‬ومن مث‬
‫صارت مقبولة‪ ،‬وأكملت بالتطوع‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )2‬جمموع الفتاوي ‪7/615‬‬


‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪7/616‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق ‪ ، 22/49‬وانظر جمموع الفتاوى ‪ ، 6/429‬والصارم املسلول ص ‪554‬‬
‫(‪ )5‬تقدم خترجيه‬
‫‪200‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪499‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫السحر وما يلحق به‬

‫‪ - 1‬من املعلوم يقيناً عند أهل اإلميان أن النفع والضر بيد اهلل تعاىل‪ ،‬فما شاء اهلل كان‪ ،‬وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬فهو‬
‫س ــبحانه املتف ــرد ب ــاخللق والت ــدبري والنفع والض ــر‪ ،‬فال تتح ــرك ذرة إال بإذن ــه‪ ،‬وال جيري ح ــادث إال مبش ــيئته‪ ،‬وال تس ــقط‬
‫ورقة إال بعلمه‪.‬‬
‫ِي‬ ‫ما ف‬ ‫َُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫يع‬ ‫ََ‬ ‫َو‬ ‫هو‬‫ِالَّ ُ‬‫ها إ‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬
‫لم‬ ‫يع‬ ‫ْبِ الَ َ‬ ‫َي‬ ‫الغ‬‫ُ ْ‬ ‫ِح‬‫َات‬ ‫مف‬‫هَ‬ ‫دُ‬ ‫ِنَ‬ ‫َع‬ ‫قال سبحانه‪{ - :‬و‬
‫َاتِ‬ ‫لم‬ ‫ُُ‬‫ِي ظ‬ ‫ٍف‬ ‫َّة‬‫َب‬‫َالَ ح‬ ‫ها و‬ ‫َُ‬‫لم‬‫َْ‬‫يع‬ ‫ِالَّ َ‬‫ٍإ‬ ‫َة‬ ‫َق‬ ‫َر‬ ‫ِن و‬ ‫ُم‬ ‫ُط‬‫تسْق‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫ِو‬ ‫ْر‬‫َح‬ ‫الب‬ ‫َ ْ‬ ‫ِّ و‬
‫َر‬ ‫الب‬ ‫ْ‬
‫ِينٍ} [األنعام‪،‬ـ آية ‪]59‬‬ ‫مب‬‫َابٍ ُّ‬ ‫ِت‬ ‫ِي ك‬ ‫ِالَّ ف‬
‫ِسٍ إ‬‫ياب‬ ‫َالَ َ‬ ‫ْبٍ و‬ ‫َط‬ ‫َالَ ر‬ ‫ضو‬ ‫ِْ‬ ‫األَر‬
‫ن {‪}84‬‬ ‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬‫لم‬ ‫َْ‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِن ك‬‫ها إ‬ ‫ِيَ‬ ‫من ف‬ ‫ََ‬ ‫ْضُ و‬ ‫َنِ األَر‬ ‫ُل ِّلم‬ ‫وق ـ ـ ـ ــال عز وجـ ـ ـ ـ ـ ــل‪{ - :‬ق‬
‫َب‬
‫ُّ‬ ‫َر‬ ‫ِو‬ ‫ْع‬ ‫َاتِ السَّب‬ ‫َاو‬ ‫ُّ السَّم‬‫َّب‬
‫من ر‬ ‫َْ‬ ‫ُل‬‫ن {‪}85‬ق‬ ‫ُوَ‬ ‫َّر‬
‫َك‬‫تذ‬ ‫َال َ‬ ‫َف‬ ‫ْأ‬ ‫ُل‬‫ِق‬ ‫ن هَّلِل‬
‫ُولوَ‬
‫َق ُ‬ ‫سَي‬
‫من‬ ‫َْ‬ ‫ُ‪3‬ل‬ ‫ن {‪ 3}87‬ق‬ ‫‪3‬وَ‬ ‫ُ‪3‬‬ ‫َّق‬
‫تت‬‫َال َ‬‫َف‬‫ْأ‬ ‫ُ‪3‬ل‬ ‫ِق‬ ‫ن هَّلِل‬
‫ُولوَ‬
‫َق ُ‬ ‫ِ {‪}86‬سَي‬ ‫ِيم‬ ‫َظ‬ ‫الع‬ ‫ْشِ ْ‬ ‫َر‬ ‫الع‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬‫تع‬ ‫َْ‬ ‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫ْه‬‫لي‬‫ََ‬
‫ُع‬ ‫َار‬ ‫يج‬ ‫َال ُ‬ ‫ُو‬ ‫يجِير‬ ‫َُ‬ ‫هو‬ ‫ءو‬
‫َُ‬ ‫ِّ شَيٍْ‬ ‫ُل‬ ‫ُك‬‫ُوت‬ ‫لك‬‫مَ‬‫َِ‬ ‫ِه‬ ‫َد‬ ‫ِي‬‫ب‬
‫َ} [املؤمنون‪،‬ـ آية ‪]89 – 84‬‬ ‫ُون‬ ‫َر‬ ‫تسْح‬‫َّى ُ‬‫َن‬‫َأ‬‫ْف‬ ‫ُل‬ ‫ِق‬ ‫ن هَّلِل‬
‫ُولوَ‬
‫َق ُ‬ ‫‪ }88‬سَي‬
‫ومن مث فال يس ــتحق العب ــادة إال اهلل وح ــده ال ش ــريك ل ــه‪ ،‬فال ــدعاء والس ــجود واخلوف والرج ــاء وس ــائر الطاع ــات‬
‫كلها هلل وحده ال شريك له‪.‬‬
‫َ{‬ ‫ِين‬ ‫الم‬‫َ َ‬ ‫الع‬‫ِّ ْ‬ ‫َب‬ ‫ِر‬‫ِي هّلِل‬‫َات‬ ‫مم‬‫ََ‬‫َايَ و‬ ‫ْي‬‫مح‬ ‫ََ‬ ‫ِي و‬ ‫ُسُك‬ ‫َن‬
‫ِي و‬ ‫َالَت‬ ‫نص‬ ‫َِّ‬‫ْإ‬ ‫ُل‬‫قال تعاىل‪{ - :‬ق‬
‫ُ} [ األنعام‪ ،‬آية ‪.]162‬‬ ‫ْت‬‫ِر‬‫ُم‬ ‫ِكَ أ‬‫ذل‬ ‫َِ‬‫َب‬ ‫هو‬ ‫ِيكَ َلُ‬ ‫‪}162‬الَ شَر‬
‫ويف هــذا املبحث ســنتحدث عن الســحر وما يلحق بــه؛ ألنه يضــاد اإلميان وينافيــه‪ ،‬وهو حمل خالف بني أهل العلم‬
‫هل يعد كفراً أم ال؟‬
‫ومما يؤكد أمهية هــذا املوضــوع وجــود ظــاهرة الســحر بأنواعهـ املختلفه يف غــالب األمم‪ ،‬كما دل ذلك قوله تعــاىل‪:‬‬
‫َو‬
‫ْ‬ ‫ٌأ‬ ‫س‪33‬احِر‬ ‫‪3‬الوا َ‬ ‫َ‪ُ 3‬‬ ‫ِالَّ ق‬
‫ٍإ‬ ‫َّسُول‬ ‫من ر‬ ‫ِم ِّ‬ ‫ِه‬ ‫َب‬
‫ْل‬ ‫ِن ق‬ ‫َم‬‫ِين‬ ‫الذ‬‫تى َّ‬ ‫ََ‬
‫ما أ‬ ‫ِكَ َ‬ ‫ذل‬‫ََ‬ ‫‪{ -‬ك‬
‫ن} [الذاريات‪ ،‬آية ‪.]52‬‬ ‫ُوٌ‬ ‫ْن‬ ‫مج‬‫َ‬
‫ولذا يقول ابن تيمية‪ " - :‬اسم الساحر معروف يف مجيع األمم‪" )1( ...‬‬

‫(‪ )1‬النبوات ص ‪ ، 272‬وانظر تأويل خمتلف احلديث البن قتيبة ص ‪ 210‬ت ‪ :‬حممد األصفر‬
‫‪201‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فقد وجد السـ ــحر عند أهل فـ ــارس‪ ،‬وعند قـ ــدماء املصـ ــريني‪ ،‬وكـ ــذا يف اهلنـ ــد‪ ،‬وبالد اليونـ ــان‪،‬ـ كما أن اليهـ ــود ملا‬
‫احنرفوا فأعرضوا عن كتاب اهلل تعاىل‪ ...‬أقبلوا‬
‫ص‪500‬‬
‫على السحر‪ ،‬واتبعوا ما تتلو الشياطني كما قال سبحانه‪- :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني َعلَى م ْلـ ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َك َفـ ـ ُـرواْ يُ َعلِّ ُـم ــو َن الن َ‬
‫َّاس‬ ‫ـك ُس ـ ـلَْي َما َن َو َما َك َفـ ـ َـر ُس ـ ـلَْي َما ُن َولَـ ــك َّن ال َّش ـ ـْياط َ‬ ‫ُ‬ ‫{واتََّبعُـ ــواْـ َما َتْتلُـ ــواْ ال َّش ـ ـيَاط ُ‬
‫َ‬
‫الس ْحَر‪ [ }....‬البقرة‪ ،‬آية ‪.]102 ،101‬‬ ‫ِّ‬
‫يقـ ــول الشـ ــيخ السـ ــعدي – رمحه اهلل ‪ " - :-‬ملا ك ـ ــان من العوائد القدسـ ــية واحلكمة اإلهلية أن من تـ ــرك ما ينفعه‬
‫وأمكنهـ االنتفاع به ومل ينتفع‪ ،‬ابتلي باالشتغال مبا يضره‪ ،‬فمن ترك عبادة الرمحن‪ ،‬ابتلي بعبادة األوثـان‪،‬ـ ومن تـرك حمبة‬
‫اهلل وخوفه ورج ــاه‪ ،‬ابتلي مبحبة غري اهلل وخوفه ورجائ ــه‪ ،‬ومن مل ينفق ماله يف طاعة اهلل أنفقه يف طاعة الش ــيطان ومن‬
‫ترك الذل لربه‪ ،‬ابتلي بالذل للعبيد‪ ،‬ومن ترك احلق ابتلي بالباطل‪.‬‬
‫كذلك هؤالء اليهود ملا نبذوا كتاب اهلل اتبعوا ما تتلو الشياطني وختتلق من السحر‪" )1( ...‬‬
‫وبالفعل هؤالء اليهود ملا نبذوا كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬واحنرفوا عن عبادة اهلل وحده‪ ،‬عوقبــواـ بعبــادة الشــيطان عن طريق‬
‫السح ـ ـر‪ ،‬فتعرض ــوا للخ ــذالن واحلرم ــان‪ ،‬وأن ــواعـ الض ــنك والش ــقاء يف ال ــدنيا واآلخ ــرة‪ ،‬وقد أش ــار إىل ذلك ابن تيمية‬
‫بقوله‪-:‬‬
‫" إن الكثريين من أرباب السـحر ممن يـدخل ىف الباطل اخلفي الـدقيق‪ ،‬وحيتـاج إىل أعمـال عظيمـة‪ ،‬وأفكـار عميقـة‪،‬‬
‫وأنــواعـ من العبــادات والزهــادات والرياضــات‪ ،‬ومفارقة الشــهواتـ والعــادات‪ ،‬مث آخر أمــرهم الشك بــالرمحن‪ ،‬وعبــادة‬
‫الطــاغوت والشــيطان‪ ،‬والفســاد يف األرض‪ ،‬والقليل منهم من ينــال غرضــه‪ ،‬الــذي ال يزيــده من اهلل إال بعــداً‪ ،‬وغــالبهم‬
‫حمروم مـ ـ ــأثوم‪ ،‬يتمىن الكفر والفسـ ـ ـ ــوقـ والعصـ ـ ـ ــيان‪ ،‬وهو ال حيصل إال على نقل األكـ ـ ـ ــاذيب ومتىن الطغيـ ـ ــان‪،‬ـ مساعون‬
‫(‪)2‬‬
‫للكذب‪ ،‬أكالون للسحت‪ ،‬عليهم ذلة املفرتين‪.‬ـ‬
‫ص‪501‬‬
‫ويف هــذا العصــر‪ ،‬عصر التقــدم املادي‪ ...‬تــزداد ظــاهرة الســحر نفــوذاً وانتشــاراً‪،‬ـ فــأكثر شــعوب العــامل تقــدماً ماديـاً‬
‫جتري فيها طق ــوس الس ــحر على نط ــاق واسع وبط ــرق متنوعةـ كأمريكا وفرنسا وأملاني ــا‪ ،‬بل إن الس ــحر قد واكب ه ــذا‬
‫التط ـ ــور املادي‪ ،‬فـ ـ ــأقيمت اجلمعيـ ـ ــات واملعاهد لتعليم السـ ـ ــحر سـ ـ ــواء عن طريق االنتظـ ـ ــام‪ ،‬أو االنتس ـ ــاب‪ ،‬كما نظمت‬
‫املؤمترات والندوات يف هذا اجملال‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري السعدي ‪1/118‬‬


‫(‪ )2‬درء تعارض العقل والنقل ‪ = 63 ، 5/62‬باختصار يسري ‪ ،‬وانظر جمموع الفتاوى ‪. 385 ، 29/384‬‬
‫‪202‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إض ــافة إىل ذلك ف ــإن بالد املس ــلمني – عمومـ ـاً – تنتشر فيها مظ ــاهر الس ــحر وأنواعه بس ــبب ض ــعف اإلميان باهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وظهور اجلهل بأحكام الشريعة‪ ،‬وسذاجة الكثري من املسلمني وجهلهم حبل هؤالء السحرة املشعوذين‪ ،‬وتعطيل‬
‫أحكام اهلل تعاىل يف هؤالء السحرة (‪.)3‬‬
‫‪ -2‬الســحر يف لغة العــرب هو كل ما لطف مأخــذه ودق‪ ،‬وأصل الســحر‪ :‬صــرف الشــيء عن حقيقته إىل غــريه‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وسحره مبعىن خدعه‪ ،‬وسحره بكالمه‪ :‬استماله برقته‪ ،‬وحسن تركيبه‬
‫وأما تعريفه اصــطالحاً فــإن الســحر ليس نوعـاً واحــداً ميكن حــده حبد مييزه عن غــريه وقد أشــار الشــافعي رمحه اهلل‬
‫إىل ذلك بقوله‪ " - :‬والسحر اسم جامع ملعان خمتلفة‪" )5(.‬‬
‫وكما قال الشنقيطي‪ " - :‬واعلم أن السحر يف االصــطالح ال ميكن حــده حبد جــامع مــانع لكــثرة األنــواعـ املختلفة‬
‫الداخلة حتته‪ ،‬وال يتحقق قدر مشرتك بينها يكـونـ جامعـاً هلا مانعـاً لغريهـا‪ ،‬ومن هنا اختلفت عبــارات العلمـاء يف حـده‬
‫اختالفاً متبايناً‪" )1(.‬‬
‫فعرف أبو بكر اجلصاص السحر بقوله‪ " - :‬كل أمر خفي سببه‪ ،‬وختيل‬
‫ص‪502‬‬
‫على غري حقيقته‪ ،‬وجيري جمرى التمويه واخلداع‪" )2(.‬‬
‫وق ـ ـ ــال ابن العـ ـ ـ ـ ــريب – يف معىن السـ ـ ـ ـ ــحر ‪ " - :-‬كالم مؤلف يعظم به غري اهلل تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪ ،‬وتنسبـ إليه يف املق ـ ـ ــادير‬
‫والكائنات‪.‬ـ(‪" )3‬‬
‫وقــال ابن قدامــة‪ " - :‬الســحر هو عقد ورقى وكالم يتكلم بــه‪ ،‬أو يكتبــه‪،‬ـ أو يعمل شــيئاً يــؤثر يف بــدن املســحور‪،‬‬
‫أو قلبه‪ ،‬أو عقله‪" )4(.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫إىل غري ذلك من التعريفات املختلفة‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر ملعرفة أحوال السحرة يف هذا العصر ‪-:‬‬


‫عامل السحر والشعوذة لعمر األشقر ص ‪ ، 68– 55‬وتكملة اجملموع حملمد املطيعي ‪ 91 , 21/90‬والسحر واجملتمع لسامية الساعايت ‪ ،‬والعرافون‬
‫الدجالون لياسني العجرمي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر اللسان ‪ ، 4/348‬واملصباح املنري ص ‪ ، 317‬وترتيب القاموس احمليط ‪ ، 2/528‬وخمتار الصحاح ص ‪. 288‬‬
‫(‪ )5‬األم ‪. 1/391‬‬
‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪. 4/444‬‬
‫(‪ )2‬أحكام القرآن للجصاص ‪. 1/42‬‬
‫(‪ )3‬أحكام القرآن البن العريب ‪ ، 1/31‬وانظر الشرح الصغري للدرديرـ ‪ ، 6/146‬واخلرشي على خليل ‪.7/63‬‬
‫(‪ )4‬املغين ‪ ، 8/150‬وانظر املبدع يف شرح املقنع ‪ ، 9/188‬وشرح منتهى اإلرادات ‪. 3/394‬‬
‫(‪ )5‬انظر كتاب السحر بني احلقيقة واخليال لأمحد احلمد ص ‪. 16 – 13‬‬
‫‪203‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وسـ ــبب ذلك االختالف‪ :‬كـ ــثرة أنـ ــواعـ السـ ــحر‪ ،‬واختالف صـ ــوره‪ ..‬حىت جعله الفخر الـ ــرازي مثانية أقسـ ــام (‪،)6‬‬
‫وبعضهم جعله أكثر من ذلك (‪.)7‬‬
‫إضــافة إىل توسع بعض العلمــاء يف إطالقـ الســحر على كثري من األحــوال اســتناداً للمعىن اللغــوي‪ ،‬فبعضــهم يطلق‬
‫السحر على النميمة‪ ،‬والكالم البليغ‪ ،‬وكذا احلركات القائمة على خفة اليد ومهارة األداء‪.‬‬
‫وأمر ثــالث أوجب هــذا االختالف‪ ،‬وهو تنــوع الســحر من ناحية حقيقته أو ختييلــه‪ ،‬من مث فبعض العلمــاء يقــول‪:‬‬
‫إن السحر حقيقة‪ ،‬ومنهم من يقول إنه ختييـل‪ ،‬والصـحيح يف ذلـك‪ - :‬أن منه ما هو حقيقـة‪ ،‬فيفـرق بني املرء وزوجـه‪،‬‬
‫ول ــذا أمر اهلل تع ــاىل باالس ــتعاذة به س ــبحانه من الس ــواحر‪ ،‬ف ــدل ذلك على أن للس ــحر حقيق ــة‪ ،‬وبعض الس ــحر ختييل ال‬
‫حقيقة له‪.)8( .‬‬
‫وقد نبه اإلمام القـرايف رمحه اهلل إىل ضـرورة حتديد معىن السـحر ومتيــيزه عن غـريه فقــال‪ " - :‬أطلق املالكية ومجاعة‬
‫الكفر على الساحر‪ ،‬وأن السحر كفر‪،‬‬
‫ص‪503‬‬
‫وال شك أن ه ــذا ق ــريب من حيث اجلمل ــة‪ ،‬غري أنه عند الفتيا يف جزئي ــات الوق ــائع يقع فيهم الغلط العظيم املودي‬
‫إلى هالك املفــيت‪ ،‬والســبب يف ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو الســحر وما حقيقته حىت يقضي بوجــوده على كفر فاعليه‬
‫يعسر عليه ذلك جـ ــداً‪ ،‬فإنك إذا قلت له السـ ــحر والـ ــرقى واخلواصـ والسـ ــيميا واهليميا وقـ ــوى النفـ ــوس شـ ــيء واحـ ــد‪،‬‬
‫وكلها سحر‪ ،‬أو بعض هذه األمور سحر‪ ،‬وبعضها ليس بسحر‪ ،‬فإن قال‪ :‬الكل سحر‪ ،‬يلزمه أن سورة الفاحتة سحر؛‬
‫ألهنا رقية إمجاعاً‪ ،‬وإن قال‪ :‬لكل واحدة من هذه خاصــية ختتص هبا‪ ،‬فيقــال‪ :‬بني لنا خصــوص كل واحد منهــا‪ ،‬وما به‬
‫متتــاز‪ ،‬وهــذا ال يكــاد يعرفه أحد من املتعرضني للفتيــا‪ .‬وأنا طــول عمــري ما رأيت من يفــرق بني هــذه األمــور‪ ،‬فكيف‬
‫يفيت أح ـد بعد هـذا بكفر شـخص معني أو مبباشـرة شـيء معني بنـاء على أن ذلك سـحر‪ ،‬وهو ال يعـرف السـحر ما هو‬
‫(‪" )1‬‬

‫(‪ )6‬انظر تفسري الرازي ‪ ، 236 – 3/228‬وانظر املفردات للراغب ص ‪. 331‬‬


‫(‪ )7‬انظر ‪ - :‬الفروق للقرايف ‪ ، 149 – 4/137‬ومفتاح دار السعادة لطائش كربي زاده ‪ ، 346 – 1/340‬وأضواء البيان للشنقيطي ‪– 4/452‬‬
‫‪ ، 455‬وكتاب السحر للحمد ص ‪. 36-18‬‬
‫(‪ )8‬انظر تفصيل هذه املسألة يف كتاب السحر ألمحد احلمد ص ‪88 - 37‬‬
‫(‪ )1‬الفروق للقرايف ‪4/135‬‬
‫‪204‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫إىل أن ق ـ ـ ـال‪ " - :‬إن الكتب املوض ـ ــوعة يف السحـ ـ ـر‪ ،‬وضع فيها ه ـ ــذا االسم [الس ـ ــحر] على ما هو ك ـ ــذلك كفر‬
‫(‪)2‬‬
‫وحمـرم‪ ،‬وعلى ما ليس كذلك‪ ،‬وكذلك الســحرة يطلق لفظ الســحر على القســمني‪ ،‬فالبد من التعــرض لبيــان ذلــك‪.‬‬
‫"‬
‫مث قال أيضاً‪ " - :‬وللسحر فصول كثــرية يف كتبهم يقطع من قبل الشــرع بأهنا ليست معاصي وال كفــراً‪ ،‬كما أن‬
‫هلم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل كما قال الشافعي رضي اهلل عنه‪ ،‬أما اإلطالق بأن كل ما يسـمى سـحراً‬
‫كفر فصعب جداً‪" )3( .‬‬
‫وص ــدق رمحه اهلل تعـ ــاىل‪ ،‬فـ ــاحلكم على الشـ ــيء فـ ــرع عن تصـ ــوره‪ ،‬فالبد للنـ ــاظر يف هـ ــذه املس ــألةـ أن يفصل ومييز‬
‫ويفرق بني السحر الذي يعد كفراً‪ ،‬وما ليس كــذلك‪ ...‬وهبذا التفصــيل والتميــيز يــزول اإلشــكال ويرتفع اخلالف كما‬
‫سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ – 3‬قب ـ ـ ـل أن نـ ـ ــورد اخلالف‪ ،‬جيب أن نتـ ـ ــذكر أن السـ ـ ــحر – مبعنـ ـ ــاه االصـ ـ ــطالحي – حمرم بالكتـ ـ ــاب والسـ ـ ــنة‬
‫(‪)4‬‬
‫واإلمجاع‪.‬‬
‫ص‪504‬‬
‫ني َك َف ُـرواْ يُ َعلِّ ُمـو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني َعلَى م ْلـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك ُسـلَْي َما َن َو َما َك َفـ َـر ُسـلَْي َما ُن َولَــك َّن ال َّشـْياط َ‬ ‫ُ‬ ‫{واتََّبعُواْ َما َتْتلُواْ ال َّشـيَاط ُ‬
‫قال تعاىل‪َ - :‬‬
‫َح ٍـد َحىَّت َي ُقــوالَ إِمَّنَا حَنْ ُن فِْتنَـةٌ فَالَ تَ ْك ُف ْـر‬ ‫ِِ‬
‫وت َو َما يُ َعلِّ َـمـان م ْن أ َ‬
‫ـار َ‬
‫وت َو َمـ ُ‬
‫ـار َ‬ ‫ِِِ‬
‫الس ْحَر َو َما أُن ِز َل َعلَى الْ َملَ َكنْي ببَاب َل َـه ُ‬
‫َّاس ِّ‬
‫الن َ‬
‫َفيََت َعلَّ ُمو َن ِمْن ُه َما َما يُ َفِّرقُو َن بِِه َبنْي َ الْ َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه} [البقرة‪،‬ـ آية ‪.]102‬‬
‫تى} [طه‪ ،‬آية ‪.]69‬‬ ‫ََ‬ ‫ُأ‬ ‫ْث‬ ‫َي‬ ‫ُح‬ ‫ُ السَّاحِر‬ ‫ِح‬ ‫ْل‬ ‫يف‬ ‫َال ُ‬ ‫وقال سبحانه‪{ - :‬و‬
‫وعن أيب هريــرة رضي اهلل عنه قــال‪ " :‬قــال رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ - :‬اجتنبــوا الســبع املوبقــاتـ قــالوا‪ :‬يا‬
‫رســول اهلل وما هن؟ قــال‪ " - :‬الشــرك باهلل‪ ،‬والســحر‪ ،‬وقتل النفس اليت حــرم اهلل إال بــاحلق‪ ،‬وأكل الربــا‪ ،‬والتــويل يــوم‬
‫الزحف‪ ،‬وقذف احملصناتـ الغافالت املؤمنات‪" )5( .‬‬
‫وعن أيب موسى رضي اهلل عنه عن النيب ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم ق ـ ــال‪ " - :‬ثالثة ال ي ـ ــدخلون اجلن ـ ــة‪ :‬م ـ ــدمن مخر‪،‬‬
‫وقاطع رحم‪ ،‬مصدق بالسحر (‪" )6‬‬

‫(‪ )2‬املرجع السابق ‪4/137‬‬


‫(‪ )3‬املرجع السابق ‪4/141‬‬
‫(‪ )4‬انظر الفتاوى البن تيمية ‪ ، 35/171‬وخمتصر الفتاوى املصرية ص ‪ ، 151‬واإلعالم للهيتميـ ص ‪ ، 391‬وحاشية ابن عابدين ‪4/240‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ‪ ،‬ك الوصايا (‪ )5/393‬ح (‪ )2766‬ومسلمـ ‪ ،‬ك اإلميان (‪ )1/92‬ح (‪)89‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أمحد (‪ ، )4/399‬وقال اهليثمي يف اجملمع (‪ " - : )5/74‬رواه أمحد وأبو يعلى والطرباين ورجال أمحد وأيب يعلى ثقات " "‬
‫‪205‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وعن عثمــان رضي اهلل عنه قــال‪ :‬مسعت رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم يقــول " كــان لــداود نيب اهلل عليه الســالم‬
‫من الليل س ــاعة يوقظ فيها أهل ــه‪ ،‬فيق ــول‪ - :‬يا آل داود قوم ــوا فص ــلوا ف ــإن ه ــذه س ــاعة يس ــتجيب اهلل فيها ال ــدعاء إال‬
‫لساحر أو عشار (‪" )2( )1‬‬
‫وإليك اخلالف يف مسألة كفر الساحر‪ ،‬وأقوال العلماء فيها‪ ،‬والتحقيق يف ذلك‬
‫ص‪505‬‬
‫ق ـال ابن هبــريةـ (‪ " - :)3‬اختلفــوا فيمن يتعلم الســحر ويســتعمله‪ ،‬فقــال أبو حنيفة ومالك وأمحد‪ - :‬يكفر بــذلك‪،‬‬
‫إال أن من أصـ ــحاب أيب حنيفة من فصل ذلـ ــك‪ ،‬فقـ ــال إن تعلمه ليتقه أو ليتجنبه فال يكفر بـ ــذلك‪ ،‬وإن تعلمه معتقـ ــداً‬
‫جلوازه أو معتقـ ـ ــداً أنه ينفعه فإنه يكفـ ـ ــر‪ ،‬ومل ير اإلطالق‪،‬ـ وإن اعتقد أن الشـ ـ ــياطني تفعل ما يشـ ـ ــاء فهو ك ـ ــافر‪ ،‬وق ـ ــال‬
‫الشــافعي‪ - :‬إذا تعلم الســحر قلنا له صف ســحرك‪ ،‬ف ـإن وصف ما يــوجب الكفر مبثل ما اعتقد أهل بابل من التقــرب‬
‫إىل الكواكـب السبعة‪ ،‬وأهنا تفعل ما يلتمس منها فهو كــافر‪ ،‬وإن كــان ال يــوجب الكفــر‪ ،‬فـإن اعتقد إباحته فهو كــافر‬
‫(‪" )4‬‬
‫أما القائلون بتكفري الساحر‪ ،‬فنورد أمثلة من أقواهلم على النحو التايل‪-:‬‬
‫يقــول مال علي قــاري احلنفي‪:‬ـ ‪ " -‬مث قــول بعض أصــحابنا ب ـأن الســحر كفر مــؤول‪ ،‬فقد قــال الشــيخ أبو منصــور‬
‫املاتريدي القول بأنـ السـحر كفر على اإلطالقـ خطأ جيب البحث عنــه‪ ،‬فـإن كـان رد ما لزمه يف شـرط اإلميان (‪ )5‬فهو‬
‫كــافر وإال فال‪ ،‬فلو فعل ما فيه هالك إنســان‪ ،‬أو مرضــه‪ ،‬أو تفريق بينه وبني امرأتــه‪ ،‬وهو غري منكر لشــيء من شــرائط‬
‫(‪)7‬‬
‫اإلميان ال يكف ــر‪ ،‬لكنه يك ــونـ فاس ــقاً س ــاعياً يف األرض بالفس ــاد‪ " )6( .‬ويق ــول ال ــدردير املالكي‪ " - :‬فق ــول اإلم ــام‬
‫رضي اهلل عنه‪ - :‬إن تعلم السحر وتعليمه كفر‪ ،‬وإن مل يعمل به‪ ،‬ظاهر يف الغاية إذ تعظيم الشياطني ونسبة الكائنات‬

‫(‪ )1‬العشار ‪ - :‬هو الذي يأخذ من أموال الناس ضريبة باسم العشر على عادة اجلاهلية (عن الفتح الرباين وشرحه بلوغ األماين ألمحد البنا)‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ ، )4/22‬وانظر املسند (‪ ، )4/218‬وقال املنذري يف الرتغيب (‪" - : )4/31‬رواه أمحد عن علي بن زيد عنه ‪ ،‬وبقية رواته حمتج‬
‫هبم يف الصحيح ‪ ،‬واختلف يف مساع احلسن من عثمان " وقال أمحد البنا يف الفتح الرباين (‪ " - : )15/16‬أخرجه الطرباين يف األوسط ‪ ،‬وقال اهليثمي‬
‫رجال أمحد رجال الصحيح إال أن فيه على بن زيد وفيه كالم وقد وثق "‬
‫(‪ )3‬أبو املظفر حيي بن حممد بن هبرية الشيباين العراقي احلنبلي ‪ ،‬صاحب التصانيف الوزير العادل ‪ ،‬كان ديناً خرياً عاقالً كرمياً ‪ ،‬تويف سنة ‪560‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ذيل طبقات احلنابلة ‪ ،1/251‬وسري أعالم النبالء ‪.20/426‬‬
‫(‪ )4‬اإلفصاح عن معاين الصحاح ‪ ، 2/226‬وانظر احمللى البن حزم ‪ ، 13/469‬وتفسري القرطيب ‪. 48 ، 2/47‬‬
‫(‪ )5‬يعين بشرط اإلميان ‪ :‬إقرار اللسان ‪ ،‬ألن القول الظاهر – عند أيب منصورـ – شرط لثبوت أحكام الدنيا ‪ ،‬واإلميان هو التصديق فحسب ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ 7/510‬وشرح العقيدة الطحاوية ‪. 2/459‬‬
‫(‪ )6‬شرح الفقه األكرب ص ‪220‬‬
‫(‪ )7‬لعلهـ اإلمام مالك بن أنس رمحه اهلل‬
‫‪206‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪506‬‬
‫إليها ال يستطيع عاقل يؤمن باهلل أن يقول فيه‪ :‬إنه ليس بكفر (‪" )8‬‬
‫وقال اخلرشي‪ " - :‬واملشهور أن تعلم السحر كفر‪ ،‬وإن مل يعمل به (‪.)8‬‬
‫وق ــال ابن قدامـ ــة‪ " - :‬إن تعلم السـ ــحر وتعليمه حـ ــرام ال نعلم فيه خالف ـ ـاً بني أهل العلم‪ ،‬ق ــال أص ــحابنا‪ :‬ويكفر‬
‫الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد حترميه أو إباحته‪ ،‬وروي عن اإلمام أمحد ما يدل على أنه ال يكفر (‪" )2( )1‬‬
‫وقـ ــال مـ ــرعي الكـ ــرمي‪ " - :‬فسـ ــاحر يـ ــركب املكنسة فتسري به يف اهلواء‪ ،‬أو يـ ــدعي أن الكـ ــواكب ختاطبه كـ ــافر‪،‬‬
‫كمعتقد حله‪ ،‬ال من يسحر بأدوية وتدخني وسقي شيء يضر‪ ،‬ويعزر بليغاً‪" )3( .‬‬
‫وجــاء يف اإلنصــاف‪" - :‬الســاحر الــذي يــركب املكنســة‪،‬ـ فتسري به يف اهلواء وحنوه‪ ،‬كالــذي يــدعي أن الكــواكب‬
‫ختاطبه يكفر ويقتل‪ ،‬هذا املذهب‪،‬ـ وعليه مجاهري الأصحاب‪ ...‬وعنه‪ :‬ال يكفر‪..‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فأم ـا الــذي يسح ـر باألدويــة‪ ،‬والتــدخني‪ ،‬وسق ـي ش ـيء يضــر‪ ،‬فال يكفر وال يقتــل‪ ،‬ولكن يعــزر‪ .‬هــذا املذهب‪...‬ـ‬
‫"‬
‫وأما الفريق اآلخ ــر‪ ،‬فه ــذا اإلم ــام الش ــافعي – رمحه اهلل – يق ــول‪ " - :‬والس ــحر اسم ج ــامع ملع ــان خمتلف ــة‪ ،‬فيق ــال‬
‫للس ــاحر صف الس ــحر ال ــذي تس ــحر ب ــه‪ ،‬ف ــإن ك ــان ما يس ــحر به كالم كفر ص ــريح اس ــتتيبـ من ــه‪ ،‬ف ــإن ت ــاب وإال قتل‬
‫وأخذ ماله فيئاً‪ ،‬وإن كان ما يسحر به كالماً ال يكونـ كفراً‪ ،‬وكان غري معروف ومل يضر به أحد هني عنه‪ ،‬فـإن عـاد‬
‫عزر‪ ،‬وإن كان يعمل عمالً إذا عمله إذا قتل املعمول به‪ ،‬وقال عمدت قتله‪ ،‬قتل به‬
‫ص‪507‬‬
‫قوداً‪ ،‬إال أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته‪" )5(...‬‬
‫وإذا تأملنا القــولني فال اختالف معنــوي بينهمــا‪ ،‬فعند التفصــيل يــزول االشــكال وجتتمع األدلــة‪ ،‬وكما قــال الشــيخ‬
‫سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب – رمحهم اهلل – " وعند التحقيق ليس بني القولني اختالف‪ ،‬فــإن من مل‬

‫(‪ )8‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ‪ ، 4/302‬وانظر الشرح الصغري ‪ ، 4/146‬وبلغة السالك ‪.6/146‬‬
‫(‪ )8‬اخلرشي على خمتصر خليل ‪.7/63‬‬
‫(‪ )1‬غالب الروايات عن اإلمام أمحد تنص على قتل الساحر ‪ ،‬ومنها روايات تنص على كفره وروايات أخرى ال تكفره‬
‫انظر ‪ :‬املسائل والرسائل املروية عن اإلمام أمحد يف العقيدة ‪107 – 101 ، 69 ، 2/60‬‬
‫(‪ )2‬املغىن ‪8/150‬‬
‫(‪ )3‬غاية املنتهى ‪ 3/344‬وانظر ‪ :‬املبدع ‪ ، 9/188‬وشرح منتهى الإرادات ‪3/394‬‬
‫(‪ )4‬اإلنصاف للمرداوي ‪ = 350 ، 10/349‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )5‬األم ‪. 392 ، 1/391‬‬
‫‪207‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫يكفر لظنه أنه يتـ ــأتى بـ ــدون الشـ ــرك وليس كـ ــذلك بل ال يـ ــأيت السـ ــحر الـ ــذي من قبل الشـ ــياطني إال بالشـ ــرك وعبـ ــادة‬
‫الشيطان والكواكب‪،‬ـ وهلذا مساه اهلل كفراً يف قوله‪{ - :‬إمنا حنن فتنة فال تكفر} [البقرة‪ ،‬آية ‪]102‬‬
‫وأما سـ ـ ــحر األدوية والت ـ ــدخني وحنوه فليس بسـ ـ ــحر‪ ،‬وإن مسي سـ ـ ــحراً فعلى سـ ـ ــبيل اجملاز كتس ـ ــمية الق ـ ــول البليغ‬
‫والنميمة سحراً‪ ،‬ولكنه يكون حراماً ملضرته‪ ،‬ويعزر من يفعله تعزيراً بليغاً‪" )1(.‬‬
‫وقــال الشــنقيطي‪:‬ـ ‪ " -‬التحقيق يف هــذه املســألةـ هو التفصــيل‪ ،‬فــإن كــان الســحر مما يعظم فيه غري اهلل كــالكواكبـ‬
‫واجلن وغري ذلك مما يــؤدي إىل الكفر فهو كفر بال نــزاع‪ ،‬ومن هــذا النــوع ســحر هــاروت ومــاروت املذكور يف ســورة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َك َفـ ُـرواْ يُ َعلِّ ُمــو َن الن َ‬
‫َّاس‬ ‫{و َما َك َف ـ َـر ُسـ ـلَْي َما ُن َولَـ ــك َّن ال َّشـ ـْياط َ‬
‫البق ــرة فإنه كفر بال ن ــزاع‪،‬كما دل عليه قوله تع ــاىل‪َ - :‬‬
‫ال ِّسـ ْحَر} وإن كــان الســحر ال يقتضي الكفر كاالســتعانة خبواص بعض األشــياء من دهانــات وغريهــا‪ ،‬فهو حــرام حرمة‬
‫شديدة‪ ،‬ولكنه ال يبلغ بصاحبه الكفر‪" )2(.‬‬
‫ولإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل عبارة جامعة يف حكم السحر حيث قال‪- :‬‬
‫" قد يك ــونـ (الس ــحر) كف ــراً‪ ،‬وقد ال يك ــونـ كف ــراً بل معص ــيته كب ــرية‪ ،‬ف ــإن ك ــان فيه ق ــول أو فعل يقتضيـ الكفر‬
‫كف ـ ــر‪ ،‬وإال فال‪ ،‬وأما تعلمه وتعليمه فحـ ـ ــرام فـ ـ ــإن تضـ ـ ــمن ما يقتضيـ الكفر كفر وإال فال‪ ،‬وإذا مل يكن فيه ما يقتضي‬
‫الكفر عزر واستتيب‪...‬ـ(‪" )3‬‬
‫ص‪508‬‬
‫وإن الس ــحر ال ــذي يعد كف ــراً‪ ،‬قد يقع ق ــوالً باللس ــان‪ ،‬أو اعتق ــاداًـ ب ــالقلب‪ ،‬أو عمالً ب ــاجلوارح‪ ،‬ون ــورد أمثلة على‬
‫ذلك‪:‬‬
‫فمنه السـ ــحر الـ ــذي ال يتـ ــأتىـ إال عن طريق الشـ ــياطني‪ ،‬كـ ــأن يسـ ــتغيثـ هبم‪ ،‬ويـ ــدعوهم فيما ال يق ــدر عليه إال اهلل‬
‫تعــاىل‪ ،‬وينطق بكلمة الكفر من أجل رضــاهم واالســتماع هبم‪ ،‬أو يعتقد نفعهم وضــرهم بغري إذن اهلل تعــاىل‪ ،‬أو يــذبح‬
‫لتلك الشــياطني وحنوهم ويتقــرب إليهم‪ ،‬أو يهني ما أوجب اهلل تعظيمه من الكتــاب العزيز وغــريه‪ ،‬أو يــدعي لنفسه أو‬
‫لشياطينهـ علم الغيبـ ومشاركة اهلل يف ذلك‪.‬‬
‫‪ - 4‬وأما وجه كون هذا السحر كفراً فذلك لعدة اعتبارات منها‪-:‬‬
‫ني َك َفـ ُـرواْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني َعلَى م ْل ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك ُس ـلَْي َما َن َو َما َك َفـ َـر ُس ـلَْي َما ُن َولَ ــك َّن ال َّش ـْياط َ‬ ‫ُ‬ ‫{واتََّبعُ ــواْ َما َتْتلُ ــواْ ال َّش ـيَاط ُ‬ ‫(أ) قوله تع ــاىل‪َ - :‬‬
‫َح ٍـد َحىَّت َي ُقــوالَ إِمَّنَا حَنْ ُن فِْتنَـةٌ‬ ‫ـان ِم ْن أ َـ‬
‫يعلِّمــو َن النَّاس ال ِّسـحر وما أُنـ ِز َل علَى الْملَ َك ِ بِبابِــل ـهـاروت ومــاروت وما يعلِّ ـم ِ‬
‫َ َ نْي َ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬
‫َح ٍـد إِالَّ بِـِإ ْذ ِن اللّـ ِـه َو َيَت َعلَّ ُمــو َن َما‬
‫ين بِـِـه ِم ْن أ َـ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آر َ‬ ‫فَالَ تَ ْك ُفـ ْـر َفيََت َعلَّ ُـمـو َن مْن ُه َما َما يُ َفِّرقُــو َن بِــه َبنْي َ الْ َـم ْـرء َو َز ْو ـج ه َو َما ُهم بِ َ‬
‫ضـ ِّ‬
‫(‪ )1‬تيسري العزيز احلميد ص ‪ = 384‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أضواء البيان ‪4/456‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلمـ بالنووي ‪. 14/176‬‬
‫‪208‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫س َما َش ـ ـَر ْواْ بِـ ـ ِـه أَن ُف َسـ ـ ُه ْم لَـ ـ ْـو َـك ــانُواْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يضـ ـُّرهم والَ ين َفعهم ولََقـ ـ ْد علِ ـم ــواْ لَم ِن ا ْشـ ـَتراه ما لَـ ــه يِف ِـ ِ ِ‬
‫اآلخـ َرة م ْن َخالَق َولَبْئ َ‬ ‫ََُ ُ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ ُ ُ ْ َ َ ُُ ْ َ‬
‫َي ْعلَ ُمو َن} [البقرة‪ ،‬آية ‪.]103 ،102‬‬
‫فيستدل هبذه اآليات على كفر الساحر من وجوه‪-:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْحَر}‬ ‫ني َك َف ُرواْ يُ َعلِّ ُمو َن الن َ‬
‫َّاس ِّ‬ ‫{و َما َك َفَر ُسلَْي َما ُن َولَـك َّن الشَّْياط َ‬
‫‪ - 1‬قوله تعاىل‪َ - :‬‬
‫فظاهر هـذا أهنم إمنا كفـروا بتعليمهم السـحر؛ ألن تـرتيب احلكم على الوصف يشـعر بعليتـه‪ ،‬فصـرحت اآلية بكفر‬
‫(‪)1‬‬
‫الشياطني منوطاً بتعليم السحر للناس‪.‬‬
‫ض ـُّر ُه ْم َوالَ يَن َفعُ ُه ْم َولََقـ ْد َعلِ ُمــواْ لَ َم ِن ا ْش ـَتَراهُ َما لَــهُ يِف ِ ـ‬
‫اآلخ َر ِة ِم ْن َخالَق}‬ ‫{و َيَت َعلَّ ُمــو َن َما يَ ُ‬
‫‪ - 2‬قوله تعــاىل‪َ - :‬‬
‫يعين من حظ وال نصيب‪.‬ـ‬
‫(‪)2‬‬
‫" ـ – يف ذلك –‪ " :‬وهــذا الوعيد مل يطلق إال فيما هو كفر ال بقــاء لإلميان معــه‪،‬‬ ‫يقــول الشــيخ حافظ احلكمي‬
‫فإنه ما من مؤمن إال ويدخل اجلنة‪ ،‬وكفى بدخول اجلنة خالقاً‪ ،‬وال يدخل اجلنة إال نفس مؤمنة‪" )3(.‬‬
‫{ولَ ْو أَن َُّه ْم َآمنُواْـ َّ‬
‫وات َق ْوا‪}..‬ـ‬ ‫‪ - 3‬قوله تعاىل‪َ - :‬‬
‫يق ـ ــول اجلص ـ ــاص – عن ه ـ ــذه اآلية ‪ " :-‬فجعل ضد ه ـ ــذا اإلميان فعل الس ـ ــحر؛ ألنه جعل اإلميان يف مقابلة فعل‬
‫الس ــحر‪ ،‬وه ــذا ي ــدل على أن الس ــاحر ك ــافر‪ ،‬ف ــإذا ثبت كف ــره‪ ،‬ف ــإن ك ــان مس ــلماً قبل ذل ــك‪ ،‬فقد كفر بفعل الس ــحر‪،‬‬
‫فاستحق القتل‪" )4(.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫{ولَ ْو أَن َُّه ْم َآمنُواْ َّ‬
‫وات َق ْوا‪ }..‬من ذهب إىل تكفري الساحر‬ ‫يقول ابن كثري‪ " - :‬وقد استدل بقوله َ‬
‫ويق ــول احلكمي – عن ه ــذا ال ــدليل ‪ " :-‬وه ــذا من أص ــرح األدلة على كفر الس ــاحر‪ ،‬ونفي اإلميان عنه بالكلي ــة‪،‬‬
‫فإنه ال يقـ ــال للمـ ــؤمن املتقي‪:‬ـ ولو أنه آمن واتقى‪،‬ـ وإمنا قـ ــال تعـ ــاىل ذلك ملن كفـ ــر‪ ،‬وفجـ ــر‪ ،‬وعمل بالسـ ــحر‪ ،‬واتبعـ ــه‪،‬ـ‬
‫وخاصم به رسوله‪ ،‬ونبذ الكتاب وراء ظهره‪" )6(.‬‬
‫ََ‬
‫تى} [طه‪ ،‬آية ‪]69‬‬ ‫ُأ‬
‫ْث‬‫َي‬
‫ُح‬‫ُ السَّاحِر‬ ‫ِح‬‫ْل‬‫يف‬ ‫(ب) قوله تعاىل‪{ - :‬و‬
‫َال ُ‬
‫(‪ )1‬انظـر ‪ :‬تفسري القرطيب ‪ ، 2/43‬فتح الباري ‪ ، 10/225‬الزواجر البن حجر اهليتمي ص ‪ ، 104‬ومعارج القبول للحكميـ ‪، 516 – 1/514‬‬
‫وكتاب السحر للحمد ص ‪. 158‬‬
‫(‪ )2‬حافظ بن أمحد احلكمي ‪ ،‬من علماء اجلزيرة العربية يف هذا العصر ‪ ،‬نِشأ يف منطقة جيزان واشتغل بالعلمـ بتوجيه من الشيخ عبد اهلل القرعاوي ‪،‬‬
‫وألف حافظ مؤلفات مجه‪ ،‬ومارس التدريس ‪ ،‬تويف مبكة سنة ‪ 1377‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬ترمجته يف مقدمةـ كتابه معارج القبول ‪ ،‬األعالم ‪. 2/159‬‬
‫(‪ )3‬معارجـ القبول ‪ ، 1/517‬وانظر أضواء البيان للشنقيطيـ ‪. 4/442‬‬
‫(‪ )4‬أحكام القرآن ‪. 1/53‬‬
‫(‪ )5‬تفسري ابن كثري ‪. 1/137‬‬
‫(‪ )6‬معارجـ القبول ‪. 1/518‬‬
‫‪209‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ومما قاله الشنقيطيـ – رمحه اهلل – يف هذه اآلية‪-:‬‬
‫ِح‬
‫ُ‬ ‫ْل‬‫يف‬ ‫َال ُ‬ ‫" إن الفعل يف سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــياق النفي من صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيغ العمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم‪ ...‬فقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل يف هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه اآلية الكرمية {و‬
‫ْث‬
‫ُ‬ ‫َي‬‫ُ} [اآليةـ يعم نفي مجيع أنـ ـ ـ ــواع الفالح عن السـ ـ ـ ــاحر‪ ،‬وأكد ذلك بـ ـ ـ ــالتعميم يف األمكنةـ بقوله {ح‬ ‫السَّاحِر‬
‫تى} وذلك دليل على كفره؛ ألن الفالح ال ينفىـ بالكلية نفياً عاماً إال عمن ال خري فيه وهو الكافر‪.‬‬ ‫ََ‬‫أ‬
‫ص‪510‬‬
‫وي ــدل على ذلك أنه ع ــرف باســتقراء الق ــرآن أن الغــالب فيه أن لفظة {ال يفلح} ي ــراد هبا الك ــافر كقوله تعــاىل يف‬
‫ِي‬ ‫ما ف‬ ‫هَ‬ ‫َ‪ُ 33‬‬‫ُّ ل‬ ‫ِي‬‫َن‬‫الغ‬
‫َ ْ‬ ‫ه‪33‬و‬ ‫هُ‬ ‫نُ‬‫َاَ‬ ‫ْح‬ ‫دا سُب‬ ‫ََلً‬ ‫ُو‬ ‫اتخََ‬
‫ذ هّللا‬ ‫ْ َّ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ــورة يـ ـ ـ ـ ـ ــونس‪{ - :‬ق ُ‬
‫َالوا‬
‫ن‬
‫ُ‪ 33‬وَ‬ ‫ُول‬ ‫َتق‬ ‫َا أ‬ ‫هـذ‬ ‫َِ‬ ‫َانٍ ب‬ ‫لط‬ ‫من سُْ‬ ‫ُم ِّ‬‫دك‬‫ِنَ‬ ‫نع‬ ‫ِْ‬ ‫ضإ‬ ‫ِْ‬ ‫ِي األَر‬‫ما ف‬ ‫ََ‬ ‫َات و‬ ‫َاو‬ ‫السَّم‬
‫َ الَ‬ ‫ِب‬‫َذ‬ ‫الك‬‫ِ ْ‬ ‫لى هّللا‬‫ََ‬
‫نع‬ ‫ُوَ‬ ‫َر‬ ‫ْت‬ ‫يف‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ن َّ‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُل‬ ‫‪ 3‬ق‬ ‫ن {‪}68‬‬ ‫ُوَ‬‫لم‬ ‫َْ‬‫تع‬ ‫ما الَ َ‬ ‫َِ‬ ‫ََ‬
‫لى هّللا‬ ‫ع‬
‫ن} [يونس‪،‬ـ آية ‪.]70 – 68‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِح‬ ‫ْل‬
‫يف‬‫ُ‬
‫‪3‬ذب‬
‫َ‬ ‫َ‪َّ 3‬‬ ‫ْك‬ ‫َو‬‫با أ‬ ‫ًِ‬‫َ‪33‬ذ‬ ‫ِك‬ ‫لى هّللا‬ ‫ََ‬‫َى ع‬ ‫َ‪33‬ر‬ ‫ْت‬ ‫َّنِ اف‬‫ِم‬ ‫ُم‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫َظ‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫وقوله يف األنعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ " – {و‬
‫ََ‬
‫َ} [آية‪" )1(..]21 ،‬‬ ‫ُون‬ ‫لم‬ ‫َّاِ‬ ‫ُ الظ‬ ‫ِح‬‫ْل‬
‫يف‬ ‫ه الَ ُ‬ ‫نُ‬ ‫َِّ‬‫ِإ‬ ‫ِه‬‫يات‬ ‫ِآَ‬‫ب‬
‫(ج) أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قرن السحر بالشرك‪ ،‬ويف بعض األحــاديث مساه شــركاً‪ ،‬وحكم صــلى اهلل عليه‬
‫وسلم بالكفر على من أتى ساحراً فصدقه‪ ،‬كما تربأ صلى اهلل عليه وسلم من الساحر واملسحور‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪ " - :‬اجتنبواـ السبع املوبقاتـ قــالوا يا رســول اهلل‬
‫وما هن؟ قال‪ :‬الشرك باهلل والسحر‪ ..‬احلديث (‪" )2‬‬
‫وعنه رضي اهلل عنه قــال‪ :‬قــال رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم‪ " -:‬من عقد عقــدة مث نفث فيها فقد ســحر‪ ،‬ومن‬
‫سحر فقد أشرك‪ ،‬ومن تعلق شيئاً وكل إليه (‪" )3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مس ـ ــعود رضي اهلل عنه قـ ــال‪ " - :‬مسعت رس ـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم يقـ ــول‪" :‬إن ال ـ ــرقى‬
‫(‪)4‬‬
‫والتمائم والتولة شرك‪.‬‬

‫ص‪511‬‬

‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪ = 443 – 4/441‬باختصار ‪ ،‬وانظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪. 35/193‬‬
‫(‪ )2‬تقدم خترجيه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي ‪ 7/103‬وقال املنذري يف الرتغيب ‪ " 4/51‬وراه النسائي من رواية احلسن عن أيب هريرة ومل يسمع منه عند اجلمهور " وحسنه‬
‫ابن مفلح يف اآلداب الشرعية (‪ ، )3/78‬وضعفه األلباين يف ضعيف اجلامع الصغري ‪ 5/221‬رقم (‪)5714‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪ ، )1/381‬وأبو داود ‪ ،‬ح (‪ )3883‬وابن ماجه ح (‪ )3530‬وأخرجه احلاكم (‪ )418 ،4/417‬وصححه على شرط الشيخني‬
‫‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" والتولةـ ضرب من السحر‪ ،‬قال األصمعي‪ - :‬وهو الذي حيبب املرأة إىل زوجها‪" )5(.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مســعود رضي اهلل عنه قــال‪ " - :‬من أتى عراف ـاً‪ ،‬أو ســاحراً‪ ،‬أو كاهن ـاً فســأله فصــدقه مبا يقــول‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصني (‪ )1‬رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسـول اهلل صـلى اهلل عليه وسـلم‪ " :‬ليس منا من تطري أو تطري‬
‫(‪)2‬‬
‫له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر له‪ " ..‬احلديث‬
‫(د)أن الص ــحابة رضي اهلل عنهم أم ــروا بقتل أولئك الس ــحرة‪ ،‬وقد تق ــرر ش ــرعاً أن دم ــاء املس ــلمني حمظ ــورة إال ما‬
‫اسـ ــتثناهـ الش ـ ــرع لقوله ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم " ال حيل دم ام ـ ــريء مس ـ ــلم إال بإح ـ ــدى ثالث‪ :‬الـ ــثيبـ الـ ــزاين‪ ،‬والنفسـ‬
‫بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة‪" )3(.‬‬
‫وليس الساحر زانياً حمصناً‪ ،‬وال قاتل نفس‪ ،‬فتعني أن يكون كافراً مرتداً‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪ " - :‬أكثر العلماء على أن الساحر كافر جيب قتله‪ ،‬وقد ثبت قتل الســاحر عن عمر بن اخلطــاب‪،‬‬
‫وعثمان بن عفان‪ ،‬وحفصة بنت عمر‪ ،‬وعبد اهلل‬
‫ص‪512‬‬
‫بن عمر‪ ،‬وجندب بن عبداهلل‪" )4( ...‬‬

‫(‪ )5‬انظر شرح السنة للبغويـ ‪. 12/158‬‬


‫(‪ )6‬أخرجه البيهقي (‪ ، )8/36‬وقال املنذري يف الرتغيب (‪ : )4/53‬رواه البزار وأبو يعلى باسناد جيد موقوفاً ‪ ،‬وقال اهليثمي يف اجملمع (‪: )5/118‬‬
‫" رواه البزار ‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح خال هبرية بن مرمي وهو ثقة ‪ ، " .‬وقال ابن كثري يف التفسري (‪ " : )1/137‬وهذا إسناد صحيح " وقال‬
‫احلافظ ابن حجر يف الفتح (‪ - : )10/217‬وسنده جيد ‪ ،‬ومثله ال يقال بالرأي "‬
‫(‪ )1‬أبو جنيد عمران بن حصني اخلزاعي ‪ ،‬صحايب جليل أسلم عام خيرب ‪ ،‬وغزا عدة غزوات ‪ ،‬وبعثه عمر إىل البصرة معلماًـ ‪ ،‬وكان جماب الدعوة ‪،‬‬
‫مات سنة ‪ 52‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ،511 ،1/509‬وسري أعالم النبالء ‪.3/175‬‬
‫(‪ )2‬وقال املنذري يف الرتغيب (‪ " - : )4/52‬رواه البزار وإسناده جيد " ‪ ،‬وقال اهليثمي يف اجملمع (‪ " - : )5/117‬رواه البزار ورجاله رجال‬
‫الصحيح خال إسحاق بن إبراهيم وهو ثقة "‬
‫(‪ )3‬تقدم ختريجه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوي ‪ ، 29/384‬وانظر المنتقى للباجي ‪ ، 7/117‬واملغين البن قدامة ‪8/153‬‬
‫‪211‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فمن ه ـ ــذه اآلث ـ ــار ما ج ـ ــاء " عن جبالة بن عب ـ ــدة (‪ )5‬أنه ق ـ ــال‪ - :‬كتب عمر بن اخلط ـ ــاب أن اقتل ـ ــوا كل س ـ ــاحر‬
‫وساحرة‪ .‬قال‪ :‬فقتلنا ثالث سواحر‪" )6( .‬‬
‫يقول ابن قدامة – معلقاً على هذا األثر ‪ " - :-‬وهذا اشتهر فلم ينكر‪ ،‬فكان إمجاعاً‪" .‬‬
‫(‪)7‬‬
‫رضي اهلل عنها سـ ـ ـ ــحرهتا جارية هلا‪ ،‬فـ ـ ــأقرت‬ ‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهمـ ـ ــا‪ ،‬فقـ ـ ــال أن أم املؤمـ ـ ــنني حفصة‬
‫بالســحر‪ ،‬وأخرجتــه‪ ،‬فقتلتهــا‪ ،‬فبلغ ذلك عثمــان رضي اهلل عنه فغضــب‪ ،‬فأتــاه ابن عمر رضي اهلل عنــه‪ ،‬فقــال‪ :‬جاريتها‬
‫سحـرهتا أقرت بالسحر وأخرجـته‪ ،‬قـال‪ :‬فكف عثمان رضي اهلل عنه‪ ،‬قال إمنا كان غضبه لقتلها إياها بغري أمره‪" )8( .‬‬
‫وعن جندب اخلري(‪ )9‬رضي اهلل عنه قال‪ " - :‬حد الساحر ضربة بالسيف‪" )10(.‬‬
‫ص‪513‬‬
‫وقتل جندب بن عبد اهلل البجلي (‪ )1‬رضي اهلل عنه ساحراً كان عند الوليد بن عقبه (‪.)2‬‬
‫وأما ما ورد عن أم املؤمـ ـ ــنني عائشة رضي اهلل عنهما عنـ ـ ــدما بـ ـ ــاعت جارية مـ ـ ــدبرة (‪ )3‬سـ ـ ــحرهتا‪ ،‬فيحمل على أن‬
‫س ــحرها من قبيل األدوية الض ــارة‪ ،‬والت ــدخينات املؤذي ــة‪ ،‬كي متوت أم املؤم ــنني‪ ،‬فيتحقق عتقه ــا‪ ،‬ول ــذا أم ــرت عائشة‬
‫رضي اهلل عنها بعقاب تلك اجلارية بنقيض قصدها‪ ،‬كما هو ظاهر يف احلديث التايل‪-:‬‬
‫(‪ )5‬جبالة بن عبدة التميمي البصري ‪ ،‬كان كاتباً جلزء بن معاوية يف خالفة عمر ‪ ،‬وثقه مجع من العلماء وقد أدرك النيب صلى اهلل عليه وسلك ومل يره‬
‫‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬هتذيب التهذيب ‪ ، 1/417‬واإلصابة ‪1/339‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود ح (‪ . )3043‬وأمحد (‪ )191 ،1/190‬والبيهقي ‪ ، 8/136‬وابن حزم يف احمللى وصححه ‪473 ، 13/470‬‬
‫(‪ )7‬حفصه بنت عمر بن اخلطاب ‪ ،‬أم املؤمنني ‪ ،‬تزوجها النيب صلى اهلل عليه وسلم يف سنة ثالث من اهلجرة ‪ ،‬روت عنه عدة أحاديث ‪ ،‬كانت‬
‫صوامة قوامة ‪ ،‬توفيت باملدينة سنة ‪ 41‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ،7/580‬وسري أعالم النبالء ‪.3/175‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه مالك (‪ ، )2/871‬والبيهقي (‪ ، )8/136‬وقال اهليثمي يف اجملمع (‪ )6/280‬رواه الطرباين من رواية إمساعيل بن عياش عن املدنيني وهي‬
‫ضعيفة ‪ ،‬وبقية رجاله ثقاث ‪" .‬‬
‫(‪ )9‬أبو عبداهلل جندب بن عبداهلل األزدي ‪ ،‬صاحب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قدم دمشق ‪ ،‬ويقال له جندب اخلري ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 511 ، 1/509‬وسري أعالم النبالء ‪. 3/175‬‬
‫(‪ )10‬أخرجه الرتمذي ح (‪ )1460‬ك احلدود ‪ ،‬باب ما جاء يف حد الساحر ‪ ،‬وذكر الرتمذي أنه ال يصح رفعه ‪ ،‬والبيهقي ‪ ، 8/136‬واحلاكم‬
‫‪ 4/360‬وصححه ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أبو عبد اهلل جندب بن عبد اهلل البجلي ‪ ،‬صحب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ونزل الكوفة والبصرة ‪ ،‬وله عدة أحاديث ‪ ،‬بقى إىل حدود سنة‬
‫سبعني ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اإلصابة ‪ ، 1/509‬وسري أعالم النبالء ‪. 3/174‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف التاريخ الكبري ‪ ، 2/222‬والبيهقي ‪. 8/136‬‬
‫(‪ )3‬التدبري ‪ :‬هو تعليق العتق باملوت ‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫فعن عمــرة قــالت‪ - :‬اشــتكتـ(‪ )4‬عائشة فطــال شــكواها‪ ،‬فقــدم إنســان املدينةـ يتطبب (‪ )5‬فـذهب بنو أخيها يســألونه‬
‫عن وجعهــا‪ ،‬فقــال‪ :‬واهلل إنكم تنعتــون نعت امــرأة مطبوبة (‪ ،)6‬قــال هــذه امــرأة مســحورة ســحرهتا جارية هلا‪ ،‬فقــالت‪:‬‬
‫نع ـ ـم(‪ )7‬أردت أن مت ـ ـويت فـ ــأعتق‪ ،‬ق ـ ــال وك ـ ــانت مـ ــدبرة‪ ،‬ق ـ ــالت‪ :‬فبيعوهاـ يف أشد الع ـ ــرب ملكة (‪ ،)8‬واجعلـ ــوا مثنها يف‬
‫مثلها‪" )9(.‬‬
‫وقد أجاب اإلمام الشافعي عن هذا األثر قائالً‪-:‬‬
‫" وأما بيع عائشة اجلارية ومل تأمر بقتلها‪ ،‬فيشبه أن تكونـ مل تعرف ما السحر‬
‫ص‪514‬‬
‫فباعته ــا؛ ألن هلا بيعها عن ــدنا‪ ،‬وإن مل تس ــحرها‪ ،‬ولو أق ــرت عند عائشة أن الس ــحر ش ــرك‪ ،‬ما ت ــركت قتلها إن مل‬
‫تتب‪ ،‬أو دفعتها إىل اإلمام ليقتلها (‪")10‬‬
‫(هـ) أن السحر الذي يعد كفــراً يتضـمن أنواعـاًـ كثــرية من املكفـراتـ االعتقادية والقوليةـ والعمليـة‪ ،‬كـأن يعتقد نفع‬
‫الش ــياطني وض ــررهم بغري إذن اهلل تع ــاىل‪ ،‬أو يعتقد أن الك ــواكبـ م ــدبر ًة ألمر الع ــامل‪ ،‬أو ينطق بكلمة الكفر كسب اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬أو االستهزاء برسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫كما يتضــمن هــذا الســحر شــركاً يف توحيد العبــادة‪ ،‬فمن ذلك أن يــدعو غري اهلل تعــاىل فيما ال يقــدر عليه إال اهلل‪،‬‬
‫أو يستعيذ بالشياطني أو يذبح هلم‪ ،‬أو يتقرب إليهم بالنذور‪.‬‬
‫وقد أورد القرايف أمثلة للكفر اليت يتضمنها هذا السحر فقال‪- :‬‬

‫(‪ )4‬اشتكت ‪ :‬أي مرضت )عن الفتح الرباين وشرحه بلوغ األماين ألمحد البنا ‪)14/159‬‬
‫(‪ )5‬يتطبب ‪ :‬أي يعاين الطب وال جييده (عن املرجع السابق) ‪.‬‬
‫(‪ )6‬مطبوبة ‪ :‬أي مسحورةـ (عن املرجع السابق) ‪.‬‬
‫(‪ )7‬هذا جواب عن سؤال مل يذكر يف احلديث ‪ ،‬وكأن عائشة سألتها هل قول الطبيب صحيح ؟ فقالت نعم أردت أن متويت فأعتق (عن املرجع‬
‫السابق) ‪.‬‬
‫(‪ )8‬أي لألعراب الذين ال حيسنون إىل املماليك (عن املرجع السابق) ‪.‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه أمحد (الفتح الرباين ‪ )14/159‬احلاكم (‪ ، )220 ، 4/219‬وصححه ‪ ،‬والبيهقي (‪ ، )8/137‬وصححه األلباين يف إرواء الغليل (‬
‫‪ )6/178‬رقم (‪. )1757‬‬
‫(‪ )10‬األم ‪ ، 1/392‬وقد أورد البيهقي هذا احلديث حتت عنوان ‪ " - :‬باب من ال يكون سحره كفراً ومل يقتل به أحداً مل يقتل " ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬سنن البيهقي ‪8/137‬‬
‫‪213‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫" ه ــذه األن ــواعـ قد تقع بلفظ هو كف ــر‪ ،‬أو اعتق ــاد هو كف ــر‪ ،‬أو فعل هو كف ــر‪ ،‬ف ــاألول كالسب املتعلق مبن س ــبه‬
‫كفر‪ ،‬والثـاين كاعتقـاد انفـراد الكـواكبـ أو بعضـها بالربوبيـة‪ ،‬والثـالثـ كإهانة ما أوجب اهلل تعـاىل تعظيمه من الكتـاب‬
‫العزيز وغريه‪ ،‬فهذه الثالثة مىت وقع شيء منها يف السحر‪ ،‬فذلك السحر كفر ال مرية فيه‪" )1( .‬‬
‫ويذكر بن حجر اهليتمي أنواعاًـ من الكفر تندرج يف هذا السحر فيقول‪-:‬‬
‫" إن اش ــتمل (الس ــحر) على عب ــادة خمل ــوق كش ــمس‪ ،‬أو قم ــر‪ ،‬أو ك ــوكب أو غريه ــا‪ ،‬أو الس ــجود ل ــه‪ ،‬أو تعظيمه‬
‫كما يعظم اهلل تعاىل‪ ،‬أو اعتقاد أن له تأثرياً بذاته‪ ،‬أو تنقيصـ نيب‪ ،‬أو ملك‪ ...‬كان كفراً وردة‪")2( .‬‬
‫ويتبني الشيخ السعدي وجه إدخال السحر يف الشرك قائالً‪- :‬‬
‫"الس ــحر ي ــدخل يف الش ــرك من جه ــتني‪ - :‬من جهة ما فيه من اس ــتخدام الش ــياطني ومن التعلق هبم‪ ،‬ورمبا تق ــرب‬
‫إليهم مبا حيب ـ ــون ليقوم ـ ــواـ خبدمته ومطلوب ـ ــه‪ ،‬ومن جهة ما فيه من دع ـ ــوى علم الغيب‪ ،‬ودع ـ ــوى مشـ ــاركة اهلل يف علمه‬
‫وسلوك‬
‫ص‪515‬‬
‫الطرق املفضية إىل ذلك‪ ،‬وذلك من شعب الشرك والكفر‪" )3( .‬‬
‫‪ - 5‬واس ــتكماالً هلذا املبحث ن ــورد مجلة من كالم العلم ــاء يف معىن الس ــحر وحكم ــه‪ .‬ومهزه ووسوس ــته‪،‬ـ ويتلق ــاه‬
‫الساحر بتعليمه إياه‪ ،‬ومعونتهـ عليه‪ ،‬فإذا تلقاه عنه‪ ،‬استعمله يف غريه بالقول والنفثـ يف العقد‪" )4( .‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم الصابوين‪ " - :‬ومن ســحر منهم واســتعمل الســحر‪ ،‬واعتقد انه يضر أو ينفع بغري إذن اهلل فقد‬
‫كفر باهلل جل جالل ــه‪ ،‬وإذا وصف ما يكفر به اس ــتتيب ف ــإن ت ــاب وإال ض ــربت عنق ــه‪ ،‬وإن وصف ما ليس بكف ــر‪ ،‬أو‬
‫تكلم مبا ال يفهم هني عنــه‪ ،‬فـإن عـاد عــزر‪ ،‬وإن قــال الســحر ليس حبرام‪ ،‬وأنا اعتقد إباحته وجب قتلـه؛ ألنه اسـتباح ما‬
‫أمجع املسلمون على حترميه‪" )5( .‬‬
‫{واتََّبعُــواْـ َما َتْتلُــواْ‬
‫ويقــول ابن العــريب‪ " - :‬إن اهلل ســبحانه قد صــرح يف كتابه بــان الســحر كفــر؛ ألنه تعــاىل قــال‪َ :‬‬
‫ني َك َف ـ ُـرواْ " به‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني َعلَى م ْل ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك ُسـ ـلَْي َما َن} من الس ــحر‪َ { ،‬و َما َك َف ـ َـر ُسـ ـلَْي َما ُن} بق ــول الس ــحر‪َ " ،‬ولَـ ــك َّن ال َّشـ ـْياط َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َّشـ ـيَاط ُ‬
‫وبتعليمه‪ ،‬وهاروت وماروت يقوالن " إمنا حنن فتنة فال تكفر " وهذا تأكيد للبيان (‪" )6‬‬

‫(‪ )1‬الفروق ‪4/140‬‬


‫(‪ )2‬اإلعالم ص ‪391‬‬
‫(‪ )3‬القول السديد ص ‪75 ، 74‬‬
‫(‪ )4‬شرح السنة للبغويـ ‪12/188‬‬
‫(‪ )5‬عقيدة السلف أصحاب احلديث ص ‪96‬‬
‫(‪ )6‬أحكام القرآن ‪1/31‬‬
‫‪214‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وقال ابن الشاط‪ " - :‬فالذي يستقيم يف هذه املسألة‪:‬ـ ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا ال نكفــره حىت‬
‫يثبتـ أنه من السحر الذي كفر اهلل تعاىل به‪ ،‬أو يكون سحراً مشتمالً على كفر كما قال الشافعي‪" )7( .‬‬
‫{و َما َك َفـ َـر ُس ـلَْي َما ُن} تربئـ ـة من اهلل لس ــليمان‪ ،‬ومل يتق ــدم يف اآلية أن أح ــداً‬
‫ويق ــول القرط ــيب‪ " - :‬قوله تع ــاىل‪َ - :‬‬
‫نســبه إىل الكفــر‪ ،‬ولكن اليهــود نســبته إىل الســحر‪ ،‬وملا كــان الســحر كفــراً صــار مبنزلة من نســبه إىل الكفــر‪ ،‬مث قــال "‬
‫ولكن الشياطني كفروا " فأثبتـ كفرهم بتعليم السحر‪" )1( .‬‬
‫ص‪516‬‬
‫وقـال النـووي‪ " - :‬واألفعـال املوجبة للكفر هي اليت تصـدر عن تعمد واسـتهزاء بالـدين صـريح‪ ...‬كالسـحر الـذي‬
‫فيه عبادة الشمس وحنوها‪" )2( ...‬‬
‫ويق ــول ابن تيمي ــة‪ " - :‬إذا تق ــرب ص ــاحب الع ــزائم وكتب الروحاني ــات الس ــحرية وأمث ــال ذلك إىل الش ــياطني مبا‬
‫حيبون من الكفر والشرك‪ ،‬صار ذلك كالرشوة هلم‪ ،‬فيقضــونـ بعض أغراضــه‪ ،‬كمن يعطي غــريه مــاالً ليقتل له من يريد‬
‫قتل ــه‪ ...‬وهلذا كثري من ه ــذه األم ــور يكتب ــونـ فيها كالم اهلل بالنجاس ــة‪ ،‬وقد يقلب ــون ح ــروف كالم اهلل عز وج ــل‪ ،‬إما‬
‫ح ــروف الفاحتة‪ ،‬وإما ح ــروف قل هو اهلل أحد وإما غريمها‪ ..‬ف ــإذا ق ــالوا أو كتب ــواـ ما ترض ــاه الش ــياطني‪ ،‬أع ــانتهم على‬
‫بعض أغراضهم‪" )3( ...‬‬
‫ويق ــول الس ــبكي‪ - :‬وأما م ــذهب الش ــافعي فحاص ــله أن الس ــحر له ثالثة أح ــوال‪ :‬ح ــال يقتل كف ــراً‪ ،‬وح ــال يقتل‬
‫قصاصاً‪ ،‬وحال ال يقتل أصالً بل يعــزر‪ ،‬أما احلالة اليت يقتل فيها كفــراً‪ ،‬فقــال الشــافعي رمحه اهلل‪ - :‬أن يعمل بســحره‪،‬‬
‫ما يبلغ الكفــر‪ ،‬وشــرح أصــحابه ذلك بثالثةـ أمثلــة‪ - :‬أحــدمها أن يتكلم بكالمـ هو كفر وال شك يف أن ذلك مــوجب‬
‫للقتل‪.‬‬
‫املث ــال الث ــاين‪ - :‬أن يعتقد ما اعتق ــدهـ من التق ــريب إىل الك ــواكب الس ــبعة‪ ،‬وأهنا تفعل بأنفس ــها فيجب عليه أيضـ ـاً‬
‫القتل‪،‬‬
‫املثال الثالث‪:‬ـ ‪ -‬أن يعتقد أنه يقدر به عل ـى قلب العيــان‪،‬ـ فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسني واملاوردي‪.‬‬
‫(‪" )4‬‬

‫(‪ )7‬هتذيب الفروق ‪4/157‬‬


‫(‪ )1‬تفسري القرطيب ‪2/43‬‬
‫(‪ )2‬روضة الطالبني ‪ . 64 /10‬وانظر مغين احملتاج للشربيين ‪4/136‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوي ‪ - 35 ، 19/34‬بتصرف‬
‫(‪ )4‬فتاوي السبكي ‪2/324‬‬
‫‪215‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َك َف ـ ُـرواْ يُ َعلِّ ُمــو َن الن َ‬
‫َّاس‬ ‫{ولَـ ــك َّن ال َّشـ ـْياط َ‬
‫ويق ــول ال ــذهيب‪ " - :‬إن الس ــاحر البد وأن يكف ــر‪ ،‬ق ــال اهلل تع ــاىل‪َ - :‬‬
‫الس ْحَر} [البقرة‪ ،‬آية ‪ ،]102‬وما للشيطان امللعون غرض يف تعليمه اإلنسان السحر إال ليشرك به‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫فرتى خلقاً كثرياً من الضالل يدخلون يف السحر ويظنون أنه حرام فقط‪ ،‬وما‬
‫ص‪517‬‬
‫يشــعرون أنه الكفــر‪ ،‬فيــدخلون يف تعلم الســيمياء (‪ )5‬وعملهــا‪ ،‬وهي حمض الســحر‪ ،‬ويف عقد املرء عن زوجته وهو‬
‫س ـ ــحر‪ ،‬ويف حمبة ال ـ ــزوج المرأته ويف بغض ـ ــها وبغض ـ ــه‪ ،‬وأش ـ ــباهـ ذلك بكلم ـ ــات جمهولة أكثرها ش ـ ــرك وض ـ ــالل‪ .‬وحد‬
‫الساحر القتل؛ ألنه كفر باهلل أو ضارع الكفر‪ ...‬فليتق العبد ربه وال يدخل فيما خيسر به الدنيا واآلخرة‪" )1( .‬‬
‫{و َما َك َفـ َـر ُسـلَْي َما ُن} تكــذيب ملن زعم ذلــك‪ ،‬وعرب عن الســحر بــالكفر ليــدل‬
‫ويقــول البيضــاوي‪ " - :‬قوله تعــاىل َ‬
‫على أنه كفر‪ ،‬وأن من كان نبياً كان معصوماً عنه‪" )2( ..‬‬
‫ني َك َفـ ـ ُـرواْ} على أن الس ـ ــحر كفر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وق ـ ــال احلافظ ابن حج ـ ــر‪ " - :‬وقد اس ـ ــتدل هبذه اآلي ـ ــة‪َ { - :‬ولَ ـ ــك َّن ال َّش ـ ـْياط َ‬
‫ومتعلمه كـ ــافر‪ ،‬وهو واضح يف بعض أنواعـ ــه‪ ...‬كالتعبد للشـ ــياطني‪ ،‬أو للكـ ــواكب‪ ،‬وأما النـ ــوعـ اآلخر الـ ــذي هو من‬
‫باب الشعوذة فال يكفر به من تعلمه أصالً‪.‬‬
‫‪ -‬إىل أن قــال – ويف إيــراد املصــنف [البخــاري] هــذه اآلية إشــارة إىل اختيــار احلكم بكفر الســاحر لقوله فيهــا‪- :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس ال ِّسـ ْحَر} فــإن ظاهرها أهنم كفــروا بــذلك‪ ،‬وال يكفر بتعليم‬ ‫ني َك َف ُـرواْ يُ َعلِّ ُمـو َن الن َ‬
‫{و َما َك َفَر ُسلَْي َما ُن َولَـك َّن ال َّشـْياط َ‬
‫َ‬
‫الشيء إال وذلك الشـيء كفــر‪ ،‬وكـذا قوله يف اآلية على لســان امللكني‪{ :‬إِمَّنَا حَنْ ُن فِْتنَـةٌ فَالَ تَ ْك ُفـ ْـر} فــإن فيه إشـارة إىل‬
‫أن تعلم السـ ــحر كفـ ــر‪ ،‬فيكـ ــونـ العمل به كفـ ــراً‪ ،‬وهـ ــذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعضـ أنواعـ ــه‪،‬ـ وقد زعم‬
‫بعضهم أن السحر ال يصح إال بذلك‪ ،‬وعلى هذا فتسميته ما عدا ذلك سحراً جماز‪" )3( .‬‬
‫ص‪518‬‬
‫وق ــال ال ــدردير‪ " - :‬وس ــحر فيكفر بتعلم ــه‪ ،‬وهو كالم يعظم به غري اهلل تع ــاىل‪ ،‬وينسب إليه املق ــادير‪ ،‬مث إن جتاهر‬
‫به فيقتل إن مل يتب‪ ،‬وإن أسره فحكم الزنديق‪ ،‬يقتل بدون استتابة‪ ،‬وشهر بعضهم عدم االستتابةـ مطلقاً‪" )4( .‬‬

‫(‪ )5‬السيمياء ‪ - :‬أحد علوم السحر ‪ ،‬وهو عبارة عما تركب من خواص توجب بعض التخيالت‬
‫انظر ‪ ، :‬ومقدمة ابن خلدون ‪ ، 3/1159‬والفروق للقرايف ‪ ، 4/137‬وجمموع الفتاوى البن تيمية ‪ ، 29/389‬ومفتاح السعادة لطاش كربي‬
‫‪ ، 1/317‬أجبد العلومـ حملمد صديق حسن ‪ ، 2/332‬وأضواء البيان ‪4/452‬‬
‫(‪ )1‬الكبائر للذهيب ص ‪41‬‬
‫(‪ )2‬أنوار التنزيل ‪1/73‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري ‪ = 225 ، 10/224‬باختصار يسري‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير ‪ 6/146‬وانظر بلغة السالك ‪ ، 2/416‬وتبصرة احلكام البن فرحون ‪ ، 2/288‬واخلرشي علي خليل ‪7/63‬‬
‫‪216‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وذكر الشيخ حممد بن عبدالوهاب السحر من نواقض اإلسالمـ فقال‪- :‬‬
‫"السحر ومنه الصرف والعطف‪ ،‬فمن فعله أو رضي به كفر‪" )5( .‬‬
‫‪ - 6‬ما يلحق بالسحر‪:‬‬
‫مما يلحق بالســحر‪ :‬التنجيم‪ ،‬وهو أحد أقســام الكهانــة‪ ،‬ولــذا يســمي بعضــهم املنجم كاهنـاً (‪ ،)6‬والكــاهن " هو‬
‫الذي يدعي مطالعة علم الغيبـ وخيرب الناس عن الكوائن‪" )7( .‬‬
‫يقول القاضي عياض – ذاكراً أنواعـ الكهانة –‬
‫"كــانت الكهانة يف العــرب ثالثة أضــرب‪ - :‬أحــدها أن يكــونـ لإلنســان ويل من اجلن خيبره مبا يســرتقه من الســمع‬
‫من السماء‪ ،‬وهذا القسم باطل من حني بعث النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫الثاين‪ - :‬أنه خيربه مبا يطرأ أو يكونـ يف أقطار األرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد‪ ،‬وهذا ال يبعد وجوده‪.‬‬
‫الثــالث‪:‬ـ ‪ -‬املنجمــون‪ ،‬وهــذا الضــرب خيلق اهلل تعــاىل فيه لبعض النــاس قــوة ما لكن الكــذب فيه أغلب‪ ،‬ومن هــذا‬
‫الفن العرافة وصاحبها عراف‪ ،‬وهو الذي‬
‫ص‪519‬‬
‫يس ــتدل على األم ــور بأس ــباب ومق ــدمات ي ــدعي معرفتها هبا‪ ،‬وقد يعتضد بعض ه ــذا الفن ببعض يف ذلك ب ــالزجر‬
‫والط ــرق والنج ــوم‪ ،‬وأس ــباب معت ــادة‪ ،‬وه ــذه األض ــرب كلها تس ــمى كهانة وقد أك ــذهبم الش ــرع وهنى عن تص ــديقهم‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وإتياهنم واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأما تعريف التنجيم فهو مأخوذ من النجم واملراد بــه‪ :‬االســتدالل بــاألحوال الفلكية على احلوادث األرضــية‪ ،‬مبعىن‬
‫(‪)2‬‬
‫أن املنجم يربط ما يقع يف األرض بالنجوم حبركاهتا‪ ،‬وطلوعها‪ ،‬وغروهبا واقرتاهنا وتفرقها‬

‫(‪ )5‬مؤلفات الشيخ حممد بن عبدالوهاب (رسالة نواقض اإلسالم) ‪ 1/386‬وانظر فتاوي حممد بن إبراهيم ‪ ، 1/163‬وفتاوي اللجنة الدائمة ‪1/364‬‬
‫‪ ،‬وفتاوي ابن باز ‪ ، 2/119‬واجملموع الثمني من فتاوي ابن عثيمني ‪2/130‬‬
‫(‪ )6‬انظر شرح السنة للبغويـ ‪ ، 12/177‬وجمموع الفتاوي البن تيمية ‪193 ، 35/172‬‬
‫(‪ )7‬معامل السنن للخطايب ‪ ، 4/225‬وانظر النهاية البن األثري ‪ ، 4/214‬وشرح السنة للبغوي ‪ ، 12/182‬وفتح الباري ‪ ، 10/216‬ومفردات‬
‫الراغب ص ‪ ، 665‬وشرح الفقه األكرب ملال علي قاري ص ‪ ، 221‬ومفتاح السعادة لطاش كربي ‪ ، 1/340‬وبلوغ األرب لآللوسيـ ‪، 3/269‬‬
‫وفتاوي اللجنة الدائمة ‪. 1/393‬‬
‫(‪ )1‬صحيـح مسلم بالنووي ‪ ، 14/223‬وانظر معامل السنن للخطايب ‪ ، 4/225‬ومفتاح دار السعادة البن القيم ‪ ، 2/217‬وفتح الباري‬
‫‪ ، 10/217‬وفتاوي ابن باز ‪ ، 2/120‬واجملموع الثمني من فتاوي ابن عثيمني ‪. 2/138‬‬
‫(‪ )2‬انظر جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ ، 35/192‬وتيسري العزيز احلميد لسليمانـ بن عبداهلل ص ‪ ، 441‬واجملموع الثمني من فتاوى ابن عثيمني‬
‫‪2/138‬‬
‫‪217‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫وهــذا التنجيم إمنا كــان ســحراً لقوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬من اقتبس شــعبة من النجــوم فقد اقتبس شــعبة من‬
‫السحر زاد ما زاد (‪" )3‬‬
‫يقول ابن تيمية‪ " - :‬فقد صرح رسول اهلل صلى اهلل عليه وسـلم بـأن علم النجـوم من السـحر‪ ،‬وقد قـال اهلل تعـاىل‬
‫ََ‬
‫تى} [طه آية ‪ ]69‬وهكـ ـ ــذا الواقع ف ـ ـ ــإن االس ـ ـ ــتقراء ي ـ ــدل على أن أهل‬ ‫ُأ‬
‫ْث‬‫َي‬
‫ُح‬‫ُ السَّاحِر‬
‫ِح‬‫ْل‬
‫يف‬ ‫{و‬
‫َال ُ‬
‫النجوم ال يفلحون‪ ،‬ال يف الدنيا وال يف اآلخرة‪ " )4( .‬والتنجيم الذي يعد سحراً له أنواعـ منها‪- :‬‬
‫(أ) عبــادة النجــوم كما كــان يفعل الصابئة‪ ،‬اعتقــاداًـ منهم بــأنـ املوجــودات يف العــامل الســفلي مركبة على تــأثري تلك‬
‫النج ـ ــوم‪ ،‬ول ـ ـ ــذا بن ـ ـ ــوا هياكل لتلك النج ـ ـ ــوم‪ ،‬وعب ـ ـ ــدوها وعظموه ـ ـ ــا‪ ،‬زاعمني أن روحانية تلك النج ـ ــوم تت ـ ــنزل عليهم‬
‫فتخاطبهم‬
‫ص‪520‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتقضيـ حوائجهم‪ .)5( .‬وال شك أن هذا كفر باإلمجاع‪.‬‬
‫(ب) أن يستدل حبركات النجوم وتنقالهتا على ما حيدث يف املستقبل من احلوادث والوقـائع‪ ،‬فيعتقد أنه لكل جنم‬
‫(‪)2‬‬
‫منها تأثريات يف كل حركاته منفرداً أو مقرتناً بغريه‪.‬‬
‫ويف هــذا النــوعـ دعــوى لعلم الغيب‪ ،‬ودعــوى علم الغيبـ كفر خمرج من امللــة؛ ألهنم هبذا يزعمــون مشــاركة اهلل يف‬
‫ِي‬ ‫من ف‬ ‫َُ‬‫لم‬ ‫َْ‬‫يع‬ ‫ُل الَّ َ‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفة من صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفاته اخلاصة وهي علم الغيب‪،‬ـ وألنه تكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذيب لقوله تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل {ق‬
‫ُ} [ النح ـ ــل‪ ،‬آية ‪ ]65‬وه ـ ــذا من أق ـ ــوى أنـ ــواعـ احلصـ ــر؛ ألنه‬ ‫ِالَّ هَّللا‬
‫َإ‬‫ْب‬
‫َي‬‫الغ‬
‫ض ْ‬ ‫ِْ‬‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬‫السَّم‬
‫بالنفيـ والاستثناء‪.‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ ، )1/227‬وأبو داود ح (‪ ، )3905‬وابن ماجه ح (‪ )3726‬وصححه النووي يف رياض الصاحلني ح (‪ ، )1673‬والعراقي يف‬
‫ختريج أحاديث اإلحياء ‪4/117‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪35/193‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬أحكام القرآن للجصاص ‪ ،1/51‬وجمموع الفتاوي البن تيمية ‪ ، 35/171‬ومفتاح دار السعادة البن القيم ‪ ، 2/191‬ومقدمةـ ابن‬
‫خلدون ‪ 3/1149‬وتيسري العزيز احلميد لسليمانـ بن عبداهلل ص ‪ ، 441‬ومعارج القبول للحكمي ‪ ، 1/522‬واجملموع الثمني من فتاوى ابن عثيمني‬
‫‪. 2/143‬‬
‫(‪ )1‬انظر الفتاوي البن تيمية ‪ ، 35/177‬وشرح العقيدة الطحاوية ‪ ، 2/775‬وشرح الفقه األكرب ملال علي قاري ص ‪ ، 223‬وتيسري العزيز احلميد‬
‫ص ‪441‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬معامل السنن للخطايب ‪ ، 4/226‬والفتاوي البن تيمية ‪ ، 35/171‬وتيسري العزيز احلميد ص ‪ ، 442‬ومعارج القبول ‪، 1/524‬‬
‫واجملموع الثمني من فتاوي ابن عثيمني ‪. 2/143‬‬
‫‪218‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫َ}‬
‫هو‬‫ِالَّ ُ‬
‫ها إ‬
‫َُ‬ ‫َْ‬
‫لم‬ ‫يع‬
‫ْبِ الَ َ‬
‫َي‬‫الغ‬
‫ُ ْ‬‫ِح‬
‫َات‬
‫مف‬‫هَ‬
‫دُ‬‫ِنَ‬
‫َع‬‫كما أنه تكـ ـ ـ ـ ــذيب لقوله سـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬و‬
‫(‪)3‬‬
‫[ الأنعام‪ ،‬آية ‪]59‬‬
‫‪ - 3‬ومن أنـ ــواع هـ ــذا التنجيم‪ " - :‬ما يفعله من يكتبـ حـ ــروف أيب جـ ــاد‪ ،‬وجيعل لكل ح ــرف منها ق ــدراً من‬
‫الع ــدد معلوم ـ ـاً‪ ،‬وجيري على ذلك أمساء اآلدمـ ــيني واألزمنة واملكنة وغريهـ ــا‪ ،‬وجيمع مجع ـ ـاً معروفـ ـاً عن ــده‪ ،‬ويط ــرح منه‬
‫طرحـ ـاً خاصـ ـاً‪ ،‬ويثبتـ إثباتـ ـاً خاصـ ـاً‪ ،‬وينس ــبه إىل األب ــراج اإلثين عشر املعروفة عند أهل احلس ــاب‪ ،‬مث حيكم على تلك‬
‫القواعد بالسعود والنحوس وغريها مما يوحيه إليه الشيطان‪" )4( .‬‬
‫ص‪521‬‬
‫" قال بن عباس رضي اهلل عنهما يف قوم يكتبونـ أباجاد‪ ،‬وينظــرون يف النجــوم‪ - :‬ما أدري من فعل ذلك له عند‬
‫اهلل خالق‪" )5( .‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وهذا النوع أيضاً يتضمن دعوى مشاركة اهلل يف علم الغيبـ الذي انفرد به سبحانه‪.‬‬
‫يقــول الســعدي يف هــذا املقــام‪:‬ـ ‪ " -‬إن اهلل تعــاىل املنفــرد بعلم الغيب‪ ،‬فمن ادعى مشــاركة اهلل يف شــيء من ذلك‬
‫بكهانةـ أو عرافة أو غريه ــا‪ ،‬أو ص ــدق من ادعى ذل ــك‪ ،‬فقد جعل اهلل ش ــريكاً فيما هو من خصائص ــه‪ ،‬وقد ك ــذب اهلل‬
‫ورسوله‪" )7( ...‬‬
‫ويقـ ــول الشـ ــنقيطي‪ " - :‬ملا ج ـ ــاء القـ ــرآن العظيم بـ ــأن الغيبـ ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬كـ ــان مجيع الطـ ــرق الىت يـ ــراد هبا‬
‫التوصل إىل شيء من علم الغيب غري الوحي من الضالل املبني‪" )8( ...‬‬
‫إن هـ ــذه األن ـ ــواعـ من التنجيم وما ش ـ ــاهبها كفر أكرب ين ـ ــاقض اإلميان‪ ..‬ف ـ ــالنيب صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم مسى التنجيم‬
‫سحراً‪ ..‬وقد سبق بيان وجه كون السحر كفراً‪.‬‬
‫إن ه ـ ــذا التنجيم ينـ ـ ــاقض اإلميان‪ ،‬ملا فيه من اعتقـ ـ ــاد أن تلك النجـ ـ ــوم تنفع وتضر بغري إذن اهلل تع ـ ــاىل‪ ،‬وملا فيه من‬
‫لم‬
‫ُ‬ ‫َاِ‬ ‫دعـ ـ ـ ــوى الغيب‪،‬ـ ومنازعة اهلل تع ـ ـ ـ ـ ــاىل فيما اختص به س ـ ـ ـ ـ ــبحانه من علم الغيب‪،‬ـ كما ق ـ ـ ـ ـ ــال س ـ ـ ـ ـ ــبحانه‪{ - :‬ع‬

‫(‪ )3‬انظر تيسري العزيز احلميد ص ‪ ، 442‬والقول السديد للسعديـ ص ‪ ، 84 ، 78 ، 77‬وأضواء البيان للشنقيطيـ ‪ ، 2/197‬وفتاوي ابن باز‬
‫‪ ، 2/120‬واجملموع الثمني من فتاوي ابن عثيمني ‪. 1/143‬‬
‫(‪ )4‬معارجـ القبول ‪ ، 1/523‬وانظر تفصيل احلديث عن علم تلك احلروف يف مقدمةـ ابن خلدون ‪ ، 1196 – 3/1159‬وأجبد العلوم حملمد صديق‬
‫حسن ‪2/236‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه عبدالرازق ‪ ، 11/26‬والبيهقي ‪8/139‬‬
‫(‪ )6‬ومما حيسن ذكره ها هنا أن ما يسمى حبساب اجلمل ‪ ،‬والذي يستفاد منه يف تيسري حفظ أزمان األحداث والوقائع ‪ ...‬فهذا ليس ممنوعاً ؛ ألنه ال‬
‫يتضمن شيئاً مما هنى عنه الشارع‬
‫(‪ )7‬القول السديد ص ‪78 ، 77‬‬
‫(‪ )8‬أضواء البيان ‪ ، 2/197‬وانظر املوافقات للشاطيب ‪4/84‬‬
‫‪219‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫دا} [اجلن‪ ،‬آية ‪ ،]26‬كما أن ه ــذا الس ــحر حيوي ش ــركاً يف‬ ‫َح‬
‫ًَ‬ ‫ِأ‬ ‫ِه‬ ‫ْب‬‫َي‬‫لى غ‬ ‫ََ‬‫ُع‬ ‫ِر‬‫ْه‬ ‫يظ‬ ‫َال ُ‬
‫ْبِ ف‬ ‫َي‬ ‫الغ‬‫ْ‬
‫العبادة‪ ،‬ودعاء لتلك النجوم وتعظيماً وتقربا هلا‪.‬‬
‫إضــافة إىل ذلك فــإن التنجيم إذا كـان نوعـاً من الكهانـة‪،‬ـ فـإن النيب صـلى اهلل عليه وســلم قــال‪ " - :‬من أتى عرافـاً‬
‫أو كاهناً فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على‬
‫ص‪522‬‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم‪" )1( .‬‬
‫ويف رواية‪ " - :‬من أتى كاهناً فصدقه مبا يقول‪ ..‬فقد بريء مما أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم‪" )2( .‬‬
‫فهذه األحاديث دليل على كفر من سأل الكهان مصدقاً هلم‪ ،‬فإذا كان هذا حال السائل فكيف باملسؤول؟‬
‫يق ــول ابن تيمية – ذامـ ـاً ه ــؤالء املنجمني ‪ " - :-‬ف ــإن ه ــؤالء املالعني يقول ــون اإلمث وي ــأكلون الس ــحت بإمجاع‬
‫املسلمني‪ ،‬وثبت عن النيب صـلى اهلل عليه وســلم برواية الصــديق عنه أنه قــال‪ " - :‬إن النــاس إذا رأوا املنكر ومل يغــريوه‬
‫أوشك أن يعمهم اهلل بعقـ ــاب منه " (‪)3‬وأي منكر أنكر من عمل هـ ــؤالء األخـ ــابث‪ ،‬سـ ــوس امللـ ــك‪ ،‬وأعـ ــداء الرسـ ــل‪،‬‬
‫وأفراخ الصابئة عباد الكواكب؟!!‬
‫فهل ك ــانت بعثة اخلليل ص ــالة اهلل وس ــالمه عليه إم ــام احلنف ــاء إال إىل س ــلف ه ــؤالء – ف ــإن منرود بن كنع ــان ك ــان‬
‫ملك هــؤالء‪ ،‬وعلمــاء الصابئة هم املنجمــون وحنوهم – وهل عبـدت األوثـانـ يف غــالب األمر إال عن رأي هـذا الصـنف‬
‫اخلبيث‪،‬ـ الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل اهلل؟!! (‪" )4‬‬
‫ومما يلحق بالســحر أيضـاً‪ :‬العيافــة‪ ،‬والطــرق‪ ،‬والطــرية‪ ،‬ملا جــاء يف قوله صــلى اهلل عليه وســلم‪ " - :‬العيافة والطــرق‬
‫والطرية من اجلبت (‪" )5‬‬
‫واجلبتـ هو السحر عند مجع من أهل العلم – كما سيأيت بيانه –‬
‫واملقصود بالعيافة‪ :‬زجر الطري واحليوان‪ ،‬واالستدالل بأصواهتا وحركاهتا‬
‫ص‪523‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ، 2/429‬واحلاكم ‪ 1/8‬وصححه على شرط الشيخني ‪ ،‬والبيهقي ‪ 8/135‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري ح (‬
‫‪)5815‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ، 2/408‬وأبو داود ح (‪ ، )3904‬والرتمذي ح (‪ ، )135‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري ح (‪)5818‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد (‪ . ، )91‬والرتمذي ح (‪ )2168‬وصححه ‪ ،‬وأبو داود ح (‪ )4338‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري ح (‪)1970‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪ ، 35/195‬وانظر شرح العقيدة الطحاوية ‪2/763‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد (‪ )3/477‬وأبو داود (‪ ، )3907‬وحسن النووي إسناده يف "رياض الصاحلني" ح (‪ ، )1672‬وكذا ابن تيمية يف جمموع الفتاوي‬
‫(‪)35/192‬‬
‫‪220‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫(‪)1‬‬
‫وسائر أحواهلا على احلوادث‪ ،‬واستعالمـ ما غاب عنهم‪.‬‬
‫وأما الطرق فهو اخلط يف األرض‪ .‬وقــال بعضــهم‪ :‬الضــرب باحلصــى‪ ،‬ويســمى علم الرمل حيث يســتدلون بأشــكال‬
‫(‪)2‬‬
‫الرمل على أحوال املسألةـ حني السؤال‪.‬‬
‫والطــرية‪ :‬التشــاؤم‪ ،‬وأصــله أن العــرب يف اجلاهلية يعتمــدون على الطــري‪ ،‬فــإذا خــرج أحــدهم ألمــر‪ ،‬فــإن رأى الطري‬
‫(‪)3‬‬
‫طار مينة تيمن به واستمر‪ ،‬وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع‬
‫من‬
‫َ‬ ‫ًا ِّ‬
‫ِيب‬
‫نص‬‫َْ‬ ‫ُوُ‬
‫توا‬ ‫َأ‬ ‫ِين‬‫الذ‬‫َِلى َّ‬ ‫َإ‬‫تر‬
‫َْ‬ ‫ََلم‬‫واجلبتـ هو السـ ـ ـ ـ ـ ــحر‪ ،‬قـ ـ ـ ـ ـ ــال اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ - :‬أ‬
‫ُوتِ} [النساء‪ ،‬آية ‪.]51‬‬‫َّاغ‬
‫َالط‬ ‫ْتِ و‬‫ِالجِب‬ ‫نب ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫يؤ‬ ‫َابِ ُ‬ ‫ِت‬‫الك‬ ‫ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫واجلبتـ هو السحر كما قال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪ " :‬اجلبت السحر‪ ،‬والطاغوت الشيطان "‬
‫وهك ــذا روي عن ابن عب ــاس وأيب العالية وجماهد وعط ــاء وعكرمة وس ــعيد بن جبري والش ــعيب واحلسن والض ــحاك‬
‫والسدي (‪.)5‬‬
‫ووجه ك ــون العيافة والط ــرق والط ــرية س ــحراً‪ ،‬ملا فيها من دع ــوى علم الغيب‪ ،‬ومنازعة اهلل تع ـاىل يف ربوبيت ــه‪ ،‬ف ــإن‬
‫علم الغيب من صــفات الربوبية اليت اســتأثر اهلل تعــاىل هبا دون من ســواه‪ ،‬إضــافة إىل أن بعضــهم يعتقد أن تلك األشــياء‬
‫تنفع أو تضر بغري إذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر ترتيب القاموس احمليط ‪ ، 3/357‬واملصباح املنري للفيوميـ ص ‪ ، 527‬وشرح السنة للبغويـ ‪ ، 12/177‬وبلوغ األرب لآللوسي‬
‫‪. 3/307‬‬
‫(‪ )2‬انظر ترتيب القاموس احمليط ‪ ، 3/71‬وشرح السنة للبغوي ‪ ، 12/177‬وخمتصر سنن أيب داود للمنذريـ ‪ 5/374‬ومفتاح السعادة لطاش كربي‬
‫زاده ‪1/336‬‬
‫(‪ )3‬انظر ترتيب القاموس احمليط ‪ ، 3/116‬واملصباح املنري للفيوميـ ص ‪ ، 454‬والفروق للقرايف ‪ ، 4/238‬وفتح الباري ‪10/212‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري تعليقاً (‪ ، )8/251‬وابن جرير موصوالً (‪ )3/13‬وقال احلافظ ابن حجر ‪ " - :‬إسناده قوي " ‪ ،‬انظر الفتح ‪8/252‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفسري ابن كثري ‪ ، 1/485‬وفتح الباري ‪ ، 252 ، 8/251‬والدر املنثور للسيوطيـ ‪565 ، 2/564‬‬
‫‪221‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫ص‪524‬‬
‫خاتمة‬

‫من خالل ما سبق عرضه يف هذا املبحث‪ ،‬ميكن أن نشري إىل بعض األمور التالية‪:‬ـ‬
‫‪ -1‬التأكيد على أمهية وخط ـ ــورة دراسة ن ـ ــواقض اإلميان‪ ،‬وض ـ ــرورة االعتن ـ ــاء هبا‪ ،‬وحترير مس ـ ــائلها بعلم وع ـ ــدل‪،‬‬
‫واحلذر من مسلك ردود األفعال‪ ،‬وما يؤول إليه من غلو أو إرجاء‪.‬‬
‫‪ -2‬إن دراسة موضــوع نــواقضـ اإلميان‪ ،‬ال تنفك عن دراسة مقابل ـه وهو اإلميان‪ ،‬ولــذا فــإن اللبس واخلطأ يف فهم‬
‫حقيقة اإلميان ي ـ ــورث – بطبيعة احلال – لبس ـ ـاً وخط ـ ـاً يف دراسة الكف ـ ــر‪ ،‬كما هو ظ ـ ــاهر ح ـ ــال املبتدعةـ من الوعيدية‬
‫واملرجئة‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان اإلميان قوالً وعمالً‪ ،‬قول القلب وعمله‪ ،‬وقول اللسان وعمل اجلوارح‪ ،‬فهذا النــواقضـ إما أهنا تضــاد‬
‫قول القلب أو عمله‪ ،‬أو تضاد قول اللسان أو عمل اجلوارح‪ .‬وحيث إن اإلميان تصديق وإقرار‪ ،‬وانقيــاد والـتزام بطاعة‬
‫اهلل تعاىل ظاهراً وباطناً‪ ،‬فالكفر عدم اإلميان وهو تكذيب وجحود‪ ،‬وإباء واستكبار‪ ،‬وامتناعـ وإعراض‪.‬‬
‫‪ -4‬ضــرورة مراع ــاة ض ــوابط التكف ــري‪،‬ـ وع ــوارض األهلية واليت س ــبق االش ــارة إىل بعض ــها‪ ،‬ف ــإن االعتن ــاء مبثل ذلك‬
‫يوجب توسطاً واعتداالً بني اإلفراط والتفريط‪.‬‬
‫‪ -5‬االعتنـ ــاء بالتفصـ ــيلـ والتوضـ ــيح عند دراسة تلك النـ ــواقض‪ ،‬وحتقيق حـ ــدودها وتعريفاهتا شـ ــرعاً ولغة وعرف ـ ـاً‪،‬‬
‫واحلذر من اإلمجال واإلطالق‪.‬ـ‬
‫‪ -6‬تضــمن هــذا البحث مجلة من نــواقضـ اإلميان‪ ،‬كــان من أمههــا‪ :‬الشــرك يف العبــادة‪ ،‬فتحــدثت – ابتــداءً – عن‬
‫وجوب إفراد اهلل تعاىل بالعبادة وحدة ال شريك له‪ ،‬مث ذكرت حقيقة الشرك يف العبادة‪ ،‬ســواء كــانت العبــادة قولية أو‬
‫عملية‪ ،‬ووضحت الفرق بني تلك املظاهر الشركية وما دوهنا من املعاصي‪،‬ـ‬
‫ص‪525‬‬
‫ك ــالفرق – مثالً – بني الس ــجود الش ــركي وس ــجود التحي ــة‪ ،‬والف ــرق بني الن ــذر الش ــركي‪ ،‬ون ــذر املعص ــية‪ ،....‬مث‬
‫أوردت عدة اعتباراتـ يف كون تلك املمارسات ناقضاً من نواقض اإلميان‪.‬‬
‫‪ -7‬ظهر من خالل ع ــرض مس ــألة احلكم بغري ما أن ــزل اهلل‪ ،‬أمهية وض ــرورة التح ــاكم إىل ش ــرع اهلل تع ــاىل وح ــده‪،‬‬
‫وعظم منزلته من الــدين‪ ،‬مث ذكــرت مجلة من احلاالت اليت يكــونـ فيها احلاكم بغري ما أنــزل اهلل تعــاىل خراجـاً عن امللــة‪،‬‬
‫كمن جحد حكم اهلل تعـ ــاىل‪ ،‬أو فضل حكم الطـ ــاغوت على حكم اهلل تعـ ــاىل‪ ،‬أو سـ ــاوى بينهم ــا‪ ،‬أو ج ــوز احلكم مبا‬
‫خيالف ش ــرع اهلل تع ــاىل‪ ،‬أو مل حيكم مبا أن ــزل اهلل إب ــاء وامتناع ـاً‪.‬ـ وأما احملك ــوم ف ــإن كف ــره متعلق بقبوله لغري ش ــريعة اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬ورضاه هبا‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫السنية‪www.dorar.net‬‬ ‫الدرر‬
‫‪ -8‬حــوى هــذا البحث مســألة تــارك الصــالة هتاونـاً وكسـالً‪ ...‬فبســطت أدلة الفــريقني واســتدالالهتم‪ ،‬مع املناقشة‬
‫والــرتجيح‪ .‬ولعل القــول الــراجح يف هــذه املســألةـ أن تــرك الصــالةـ الــذي يعد كفــراً هو الــرتك املطلق الــذي هو مبعىن تــرك‬
‫الصالةـ بالكلية أو يف الأعم األغلب واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -9‬إن لنواقضـ اإلميان أمثله كثرية جداً ال ميكن حصرها واإلحاطة هبا‪ ،‬وقد كثر كالم العلماء يف هذا النــواقض‪،‬ـ‬
‫وكــثرت تفصــيالهتم‪ ،‬وإيــراد أنــواعـ وأفــراد من املكفــرات‪ ،‬ورمبا تركــوا ما هو نظري تلك الأفــراد‪ ،‬أو آكد منهــا‪ ،‬واألوىل‬
‫يف هـذا أن تذكر أجناس األشـياء واألصول اليت ترجع إليها‪ ،‬ألجل إذا ذكــرت األشــياء تفصــيالً‪ ،‬كــان متثيالً ال حصــراً‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ويف اخلتـ ـ ــام أس ـ ــأل اهلل عز وجل أن ينفع هبذا اجلهـ ـ ــد‪ ،‬وأن يب ـ ــارك فيـ ـ ــه‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب الع ـ ــاملني‪،‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على نبيناـ حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر اإلرشاد للسعدي ص ‪203‬‬


‫‪223‬‬

You might also like