Professional Documents
Culture Documents
640-Article Text-1708-1-10-20200819
640-Article Text-1708-1-10-20200819
Atho’ilah Umar
Universitas Islam Negeri Sunan Ampel Surabaya
dakatir2018@gmail.com
Abstrak
إن القرآن هو كتاب هداية وإعجاز ﳌن مله وأمعن النظر فيه وطالعه وذاكره بكل إتقان .وعلى
ذلك فهو كتاب ﳌن أراد الﱪهان ومناهل العرفان ،وكيف ﻻ وهو نبأ من قبلنا وخﱪ من بعد ،فـ
ﲪٍ ﲔ ي َدي ِه وﻻ ِمن خ ْل ِﻔ ِه تَـْن ِﺰيل ِمن ﺣكِي ٍﻢ َِ ِِ ِ ِ
يد( )فﺼلﺖ (٤٢:ومن هﺬا ٌ ْ َ )ﻻ َْتيه الْبَاط ُل م ْن بَـ ْ ِ َ ْ َ ْ َ
اﳌنطلق ،بﺬلﺖ جهدي اﳌقل وأملى القﺼﲑ ﰲ التقدﱘ بسط الكﻼم ﺣول وجوه اﻹعجاز القرآﱐ
ﺳاعﻲ اﳌوﱃ أن ينﻔعﲏ به والقراء .وأخﲑا ،نسأل ﷲ أن ﳚعل هﺬا العﻤل ﰲ ميﺰان ﺣسناتنا وأن
ِ ِ ِِ ِ
ﺖﺖ َوَما تَـ ْوفيقﻲ إِﱠﻻ ِ ﱠ َعلَْيه تَـ َوﱠكلْ ُ
اﺳتَطَ ْع ُ
ﻼح َما ْ
ص َ يد إِﱠﻻ ْاﻷ ْ
ﳚعله خالﺼا لوجهه الكرﱘ .إِ ْن أُ ِر ُ
يﺐ. ِِ ِ
َوإلَْيه أُن ُ
٢
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
وكانﺖ العرب ﰲ عهد التنﺰيل ﺳألوا ﷴا ﷺ أن تيهﻢ ية تدل على صدق دعوته،
وادعوا أنه كتاب كﻐﲑه ليﺲ فيه ما يعجﺰ عن اﻹتيان ﲟﺜله وأعرضوا عنه زاعﻤﲔ ،كﻤا
ﺣكى عنهﻢ عﺰ وجل ﰲ كتابه
)وإِ َذا تُـْتـلَى علَي ِهﻢ آ تُـنَا قَالُوا قَ ْد َِﲰعنَا لَو نَ َشاء لَ ُقلْنَا ِمﺜْل ه َﺬا إِ ْن ه َﺬا إِﱠﻻ أ ِ
َﺳاطﲑُ َ َ َ َ ُ ْ ْ َْ ْ َ َ
ﲔ( )اﻷنﻔال(٣١: ِ
ْاﻷَﱠول َ
وﺣينئﺬ ﲢداهﻢ ﷲ أن توا بسورة من مﺜله أو ﲟﺜل أقﺼر صورة منه فقال ﳍﻢ ﰲ أول
مرة:
ﺐ ِﳑﱠا نَـﱠﺰلْنَا علَى عب ِد َ فَأْتُوا بِسورٍة ِمن ِمﺜْلِ ِه و ْادعوا ُﺷه َداء ُكﻢ ِمن ُد ِ
ون )وإِ ْن ُكْنـتُﻢ ِﰲ ريْ ٍ
َ ُ َ َْ ْ ُ َ ّْ َ َْ ْ َ َ
ِ ِ ِ
ﲔ( )البقرة(٢٣: صادق َ ا ﱠ إِ ْن ُكنْـتُ ْﻢ َ
ﰒ قال ﳍﻢ مرة أخرى :
آن ﻻ َْتُو َن ﲟِِﺜْلِ ِه َولَْو َكا َن
اﳉِ ﱡن َعلَى أَ ْن ْتُوا ﲟِِﺜْ ِل ه َﺬا الْ ُقر ِ
ْ َ َ ﺲ َو ْ ِ ِ
اجتَ َﻤ َعﺖ ْاﻷنْ ُ
ِ
)قُ ْل لَئ ِن ْ
ﺾ ﻇَ ِهﲑاً( )اﻻﺳراء(٨٨: ﻀ ُه ْﻢ لِبَـ ْع ٍ
بَـ ْع ُ
وقال ﳍﻢ مهيبا ومقرعا :
ﲔ( )الطور(٣٤: يﺚ ِمﺜْلِ ِه إِ ْن َكانُوا ِ ِ
)فَـ ْليأْتُوا ِﲝ ِد ٍ
صادق َ َ َ َ
وقد كان انطباعهﻢ ﺬه التحد ت أ ﻢ ﱂ يستجيبوا لتحدى القرآن الكرﱘ ﰲ
ﳏاولة ما ،غﲑ أ ﻢ ﲢولوا عن قوﳍﻢ السابق " لَ ْو نَ َشاءُ لَ ُقلْنَا ِمﺜْ َل َه َﺬا" إﱃ زعﻢ أن ﷴا
إﳕا تيهﻢ بسحر أو كهانة أو ﺷعر .ﰒ إن آ ت التحدى هﺬه ﻇلﺖ مسجلة ﰲ كتاب
ﷲ تعاﱃ تقرع آذان العلﻤاء واﻷد ء والشعراء والبلﻐاء على اختﻼف مﺬاهبهﻢ ﰲ كل
عﺼر وقرن ،فﻤا اﺳتطاع واﺣد منهﻢ أن يسجل إﱃ جانﺐ هﺬا التحدي عﻤﻼ ما
يﺼلﺢ أن يقال إنه قد عارض به القرآن فأتى بشﻲء ﺣسن لنﻀرب به على ﺳبيل اﳌﺜال
مسيلﻤة بن ﺣبيﺐ الكﺬاب الﺬي اﺳتﻔحل أمره ﰲ أواخر عهد النﱯ ﷺ قام لتنبﺆ
آخر نـﺰل عليه وقد كان من فﺼحاء العرب وكان إذا تكلﻢ بسجيته جاء وزعﻢ أن قرآ َ
٤
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
ط اخﱰاعه إﱃ أدﱏ
بكﻼم جيد ولكنه عندماﺣاول معارضة القرآن ﲟﺰيﺞ من التكلف اﳓ ّ
السﺨرية والسﺨف .وكان من ﲨلة ما قال :
والطاﺣنات طحنا والعاجنات عجنا واﳋابﺰات خبﺰا
فه ــﺬا الواق ــﻊ م ــن أجل ــى أدل ــة التجرب ــة واﳌش ــاهدة عل ــى ﺛب ــوت ص ــنعة اﻹعج ــاز للق ــرآن
الك ــرﱘ ،وعج ـ ُـﺰ ﲨي ــﻊ اﳌتح ـ ّـدين ع ــن اﻹتي ــان ﳝﺜ ــل الق ــرآن أم ــر متـ ـواتر) .ﷴ الﺰرق ــاﱐ ،
(١٧ :٢٠٠١
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن ﻋﻨﺪ اﳌﺘﻘﺪﻣﲔ واﳌﺘﺄﺧﺮﻳﻦ
لقد توصل العلﻤاء منﺬ العﺼــور اﻷوﱃ إﱃ اكتشــاف ﺣقــاﺋق اﻹعجــاز القــرآﱐ وقــالوا كــل
ﺷ ــﻲء وﺣللـ ـوا وذللـ ـوا واﺳ ــتوعبوا و قشـ ـوا ،ﺣ ــﱴ أ ــﻢ ﱂ يﱰكـ ـوا ﳎ ــاﻻ ﳌ ــن ﳚ ــﻲء بع ــدهﻢ
ليﻀيف ﺷيئا يﺬكر أو ينسﺐ إليه .وﺳــأذكر آراءهــﻢ ﺣــول ﺣقــاﺋق اﻹعجــاز القــرآﱐ فيﻤــا
يلﻲ:
-١الســكاكﻲ )ت ٦٢٦ه ــ( ،يــرى أن القــرآن معجــﺰ لــنظﻢ ،وهــﺬا ﺷــأن كــﻼم
عب ــد الق ــاهر .واﻹعج ــاز ﰲ نظ ــره ﻻ ي ــدرك اﻻ ل ــﺬوق وط ــول خدم ــة عل ــﻢ
البﻼغة وﳑارﺳة الكﻼم البليﻎ.
-٢اب ــن أﰊ اﻹص ــبﻊ اﳌﺼ ــري )ت ٦٥٤هـ ــ( ،نـ ـراه ﰲ كتابي ــه " ﲢريـ ـرالتحبﲑ" و
"بديﻊ القرآن" يﺆمن عجاز القرآن البياﱐ وهو يرى أن القرآن معجﺰ لﻔاﻇه
وأﺳلوبه وتراكيبه ،وأﺛره ﰲ النﻔوس البشرية.
العل ــوي اليﻤ ــﲏ )ت ٧٢٩هـ ــ( ي ــرى أن البﻼغ ــة ه ــﻲ الوﺳ ــيلة الوﺣي ــدة ﳌعرف ــة -٣
إعجاز القرآن.
بــدر الــدين ﷴ بــن عبــد ﷲ الﺰركشــﻲ ) ٧٩٤هــ( ،وهــو يــرى ﰲ مقدمــة كتابــه -٤
"الﱪهان ﰲ علوم القرآن" :
"قد أﺣكﻢ اﳊكيﻢ صيﻐته ومبناه ،وقسﻢ لﻔظه ومعناه "..ومعﲎ هﺬا ،أن وجــه
اﻹعجاز ﰲ نظره هو بﻼغة القرآن.
٥
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
ﴰــﺲ الــدين اﻷصــﻔهاﱐ )ت ٧٤٩ه ــ( قــد أبــدى رأيــه ﰲ تﻔس ــﲑه الكبــﲑ أن -٥
اﻹعجاز يكون من وجهﲔ:
أﺣدﳘا :إعجاز متعلق بنﻔﺲ القرآن ،وهو الﺬي يتعلــق بﻔﺼــاﺣته وبﻼغتــه أو
ﲟعناه ،ويشﻤل النظﻢ .والنظﻢ عنده صورة من القرآن الــﱵ تتــألف مــن عنﺼــري
اللﻔﻆ واﳌعﲎ.
و نيهﻤا :الﺼرفة
-٦اﻷلوﺳﻲ )ت ١٢٧٠هـ( ،قال ﰲ مقدمة تﻔسﲑه "روح اﳌعاﱐ" :
" وال ــﺬي ﳜط ــر بقل ــﺐ ه ــﺬا الﻔق ــﲑ أن الق ــرآن معج ــﺰ ﲜﻤلت ــه وأبعاض ــه ،ﺣ ــﱴ
أقﺼر ﺳــورة منــه ،ومعجــﺰ لنظــر إﱃ نظﻤــه وبﻼغتــه وإخبــاره لﻐيــﺐ وموافقتــه
لقﻀ ــية العقـ ــل ودقي ــق اﳌع ــﲎ ،وق ــد يظه ــر كله ــا ق ــﻲ آي ــة ،وق ــد يس ــتﱰالبعﺾ
كاﻹخب ــار ع ــن الﻐي ــﺐ ،وﻻ ض ــﲑ وﻻ عي ــﺐ ،فﻤ ــا يبق ــى ك ــاف ،وﰲ الﻐ ــرض
واف".
ويبــدو أن رأيــه هــﺬا يســﲑُ علــى رأي العلﻤــاء القــدماء وهــو أن القــرآن
معجﺰ بنظﻤه وبﻼغته و لنظر إﱃ ﲨلته.
-٧مﺼــطﻔى الﺼ ـادق الرافعــﻲ ،ن ـراه ﰲ كتابــه "إعجــاز القــرآن والبﻼغــة النبويــة"
بع ــد أن ذك ــر مﺆلﻔ ــات العلﻤ ــاء ال ــﺬين تكلﻤـ ـوا ع ــن اﻹعج ــاز وﺳ ــرد أق ـ ـواﳍﻢ
لعرض واﻹﺳتطراد و لرفﺾ والتﻔنيــد يقــول" :نقــول :إن الــﺬي ﻇهــر لنــا بعـد
ك ــل ذل ــك واﺳ ــتقر معن ــا ،أن الق ــرآن معج ــﺰ ﳌع ــﲎ ال ــﺬي يﻔه ــﻢ م ــن لﻔ ــﻆ
اﻹعجاز على إطﻼقه ﺣﲔ ينﻔﻲ اﻹمكان لعجﺰ عــن غــﲑ اﳌﻤكــن ،فهــو أمــر
ﻻ تبلﻎ منه الﻔطرة اﻹنسانية مبلﻐا ،وليﺲ إﱃ ذلــك مــأتًى وﻻ جهـةٌ ،وإﳕــا هــو
أﺛر كﻐﲑه من اﻵ ر اﻹﳍية ،يشاركها ﰲ إعجاز الﺼــﻔة وهيئــة الوضــﻊ ،وينﻔــرد
عنها ن له مادة من اﻷلﻔاظ كأ ا مﻔرغــة إفراغــا مــن ذوب تلــك اﳌـواد كلهــا،
٦
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
ومــا نظنــه إﻻ الﺼــورة الروﺣيــة للعــاﱂ كلــه .فــالقرآن معجــﺰ ﰲ رﳜــه دون ﺳــاﺋر
الكتﺐ ،ومعجﺰ فﺲ أﺛره النﻔسﻲ ،ومعجﺰ كﺬلك ﰲ ﺣقاﺋقه"
هﺬا هو مﻔهوم الرافعﻲ لﻺعجاز القرآﱐ ،وهﺬا هو رأيه ،وهــو
رأي ﳝكن تلﺨيﺼه على طريقة الرافعﻲ نﻔسه :ن القرآن معجﺰ ﻷنــه معجــﺰ،
أي ﻷنــه مــن صــنﻊ ﷲ ،وصــنﻊ ﷲ ﻻ يتــأتى لبشـ ٍر ﳏاكاتُـه ،فﻀــﻼ عــن اﻹتيــان
ﲟﺜله) .العﻤري ٢٢٢-٢١٢ :١٩٨٤ ،بتﺼرف(
اﻟﺒﺎب اﻟﺜﺎﱐ :وﺟﻮﻩ اﻹﻋﺠﺎز و آراء اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻴﻬﺎ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول :وﺟﻮﻩ اﻹﻋﺠﺎز .
إن وج ــوه اﻹعج ــاز ﰲ الق ــرآن ﻻتنحﺼ ــر وﻻ يقتﺼ ــر لوج ــه واﺣ ــد ﺣتﻤ ــا ﻷن ﰲ ك ــل ﺣروف ــه
إعجــازا .وﳍــﺬا اختلــف العلﻤــاء ﰲ ﲢديــد وجــوه إعجــاز القــرآن كﻤــا أ ــﻢ اختلﻔ ـوا ﰲ ﲢديــد
مﻔهومه السابق ذكره ﰲ الباب اﳌاضﻲ .
وتتعدد وجوه اﻹعجاز إﱃ أنواع ،منها :
-١اﻹﻋﺠﺎز ﻟﺼﺮﻓﺔ
وهﺬا مﺬهﺐ بعﺾ العلﻤاء ،وعده اﳉﻤهور ضﻤن القــول الﻔاﺳــد إذ يقــول فيــه النظــام" :إن
ﷲ صرف العــرب عــن معارضــته وﺳــلﺐ عقــوﳍﻢ وكــان مقــدورا ﳍــﻢ لكــن عــاقهﻢ أمــر خــارجﻲ
فﺼــار كســاﺋر اﳌعجـﺰات" ) الﺰركشــﻲ ،بــدون ﺳــنة . (٦١ :٢ ،وطبعــا أن مﺜــل هــﺬا القــول
يناﰲ طبيعة القرآن ﻷن اﻹعجاز عندهﻢ إﳕا ﰐ من أمر خارجﻲ أعظﻢ من القرآن.
-٢اﻹﻋﺠﺎز ﻹﺧﺒﺎر ﻋﻦ اﻟغﻴﻮب
وذلــك ﳑــا ﻻ يقــدر عليــه البشــر وﻻ ﺳــبيل ﳍــﻢ إليــه فﻤــن ذلــك مــا وعــد ﷲ تعــاﱃ نبيــه عليــه
الســﻼم أنــه ﺳــيظهر دينــه علــى اﻷد ن بقولــه عــﺰ وجــل ) ُهـ َـو الﱠـ ِـﺬي أ َْر َﺳـ َـل َر ُﺳــولَهُ ِ ْﳍـُ َـدى
َوِدي ِن ا ْﳊَِّق لِيُظْ ِهَرهُ َعلَى ال ِّدي ِن ُكلِّ ِه َولَ ْو َك ِرَه الْ ُﻤ ْش ِرُكو َن( )التوبة (٣٣:فﻔعل ذلك .وكان أبــو
بكــر الﺼــديق إذا أغــﺰى جيوﺷــه ع ـرفهﻢ مــا وعــدهﻢ ﷲ مــن إﻇهــار دينــه ليﺜق ـوا لنﺼــر
ويستيقنوا لنجﺢ ،وكان عﻤر بن اﳋطاب يﻔعل كﺬلك ﰲ أ مــه ﺣــﱴ وقــف أصــحاب
٧
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
جيوﺷه عليــه فكــان ﺳــعد بــن أﰊ وقــاص رﲪــه ﷲ وغــﲑه مــن أمـراء اﳉيــوش مــن جهتــه يــﺬكر
ذلك ﻷصحابه وﳛرضهﻢ يه ويوﺛق ﳍﻢ وكانوا يلقون الظﻔر ﰲ متوجها ﻢ ﺣﱴ فتﺢ إﱃ آخر
أ م عﻤــر إﱃ بلــﺦ وبــﻼد اﳍنــد وفــتﺢ ﰲ أ مــه مــرو الشــاهجان ومــرو الــروذ ومــنعهﻢ مــن
العبور إﱃ جيحون )ﷴ بن الطيﺐ ،بدون ﺳنة (٣٣ :١
-٣اﻹﻋﺠﺎز اﻟﺒﻼﻏﻲ و ﻟﻨﻈﻢ اﻟﻘﺮآﱐ
وذلــك أن القــرآن بــديﻊ الــنظﻢ عجيــﺐ التــأليف ُمتَنــاهٍ ﰲ البﻼغــة إﱃ اﳊــد الــﺬي يعلــﻢ عجــﺰ
اﳋلــق عنــه والــﺬي أطلقــه العلﻤــاء هــو علــى هــﺬه اﳉﻤلــة وﳓــن نﻔﺼــل ذلــك بعــﺾ التﻔﺼــيل
ونكشف اﳉﻤلة الﱵ أطلقوها .فالﺬي يشتﻤل عليه بديﻊ نظﻤه اﳌتﻀﻤن لﻺعجاز وجــوه:
منها ما يرجﻊ إﱃ اﳉﻤلة وذلــك أن نظــﻢ القــرآن علــى تﺼــرف وجوهــه وتبــاين مﺬاهبــه خــارج
عن اﳌعهود من نظام ﲨيﻊ كﻼمهﻢ ومباين للﻤألوف من ترتيﺐ خطا ﻢ وله أﺳلوب ﳜتص
بــه ويتﻤيــﺰ ﰲ تﺼ ـرفه عــن أﺳــاليﺐ الكــﻼم اﳌعتــاد وذلــك أن الطــرق الــﱵ يتقيــد ــا الكــﻼم
البديﻊ اﳌنظوم تنقسﻢ إﱃ أعاريﺾ الشعر علــى اخــتﻼف أنواعــه ﰒ إﱃ أنـواع الكــﻼم اﳌــوزون
غﲑ اﳌقﻔــى ﰒ إﱃ أصــناف الكــﻼم اﳌعــدل اﳌســجﻊ ﰒ إﱃ معــدل مــوزون غــﲑ مســجﻊ ﰒ إﱃ
ما يرﺳل إرﺳاﻻ فتطلﺐ فيه اﻹصابة واﻹفادة وإفهام اﳌعاﱐ اﳌعﱰضة على وجه بــديﻊ ترتيــﺐ
لطيــف وإن ﱂ يكــن معتــدﻻ ﰲ وزنــه وذلــك ﺷ ــبيه ﲜﻤلــة الكــﻼم الــﺬي ﻻ يتعﻤــل فيــه وﻻ
يتﺼنﻊ له وقد علﻤنا أن القرآن خارج عن هــﺬه الوجــوه ومبــاين ﳍــﺬه الطــرق ويبقــى علينــا أن
نبــﲔ أنــه لــيﺲ مــن ب مســجﻊ وﻻ فيــه ﺷــﻲء منــه وكــﺬلك لــيﺲ مــن قبيــل الشــعر ﻷن مــن
الناس من زعﻢ أنه كﻼم الســجﻊ ومــنهﻢ مــن يــدعى فيــه ﺷــعرا كﺜـﲑاوالكﻼم علــيهﻢ يــﺬكر بعــد
هﺬا اﳌوضﻊ فهﺬا إذا مله اﳌتأمل تبﲔ ﲞروجه عن أصناف كﻼمهﻢ وأﺳاليﺐ خطا ﻢ أنــه
خارج عن العادة وأنــه معجﺰوهــﺬه خﺼوصــية ترجــﻊ إﱃ ﲨلــة القــرآن وﲤيــﺰ ﺣاصــل ﰲ ﲨيعــه
)ﷴ بن الطيﺐ ،بدون ﺳنة .(٣٥ :١
٨
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
-٤اﻹﻋﺠﺎز اﻟﺘﺎرﳜﻲ
أنــه كــان معلومــا مــن ﺣــال النــﱯ أنــه كــان أميــا ﻻ يكتــﺐ وﻻ ﳛســن أن يقـرأ ،وكــﺬلك كــان
معروفا من ﺣاله أنه ﱂ يكــن يعــرف ﺷــيئا مــن كتــﺐ اﳌتقــدمﲔ وأقاصيﺼــهﻢ وأنبــاﺋهﻢ وﺳــﲑهﻢ
ﰒ أتى ﲜﻤل ما وقﻊ وﺣدث مــن عظيﻤــات اﻷمــور ومهﻤــات الســﲑ مــن ﺣــﲔ خلــق ﷲ آدم
عليــه الســﻼم إﱃ ﺣــﲔ مبعﺜ ـه فــﺬكر ﰲ الكتــاب الــﺬي جــاء بــه معجــﺰة لــه قﺼــة آدم عليــه
السﻼم وابتداء خلقه وما صار أمره إليه من اﳋروج من اﳉنة ﰒ ﲨﻼ مــن أمــر ولــده وأﺣوالــه
وتوبته ﰒ ذكر قﺼة نوح عليه السﻼم وما كان بينه وبﲔ قومه وما انتهى إليــه أمــرهﻢ وكــﺬلك
أمر إبراهيﻢ عليه السﻼم إﱃ ذكر ﺳاﺋر اﻷنبيــاء اﳌــﺬكورين ﰲ القــرآن واﳌلــوك والﻔراعنــة الــﺬين
كــانوا ﰲ أ م اﻷنبيــاء صــلوات ﷲ علــيهﻢ ،وﳓــن نعلــﻢ ضــرورة أن هــﺬا ﳑــا ﻻ ﺳــبيل إليــه إﻻ
عــن تعلــﻢ وإذ كــان معروفــا أنــه ﱂ يكــن مﻼبســا ﻷهــل اﻵ ر وﲪلــة اﻷخبــار وﻻ مــﱰددا إﱃ
الــتعلﻢ مــنهﻢ وﻻ كــان ﳑــن يق ـرأ فيجــوز أن يقــﻊ إليــه كتــاب فيأخــﺬ منــه علــﻢ أنــه ﻻ يﺼــل إﱃ
ـﺖ تَـْتـلُــو ِمـ ْـن قَـْبلِـ ِـه
علﻢ ذلك إﻻ بتأييد من جهة الوﺣﻲ ولﺬلك قــال ﷲ عــﺰ وجــل ) َوَمــا ُكْنـ َ
ِ
ك
(وَكـ ـ َﺬل َ ب الْ ُﻤْبطلُــو َن( )العنكب ــوت (٤٨:وق ــال َ
ِ
ﻻرَ َ ـاب َوﻻ َﲣُطﱡــهُ بِيَ ِﻤينِـ َ
ـك إِذاً ْ
ِم ــن كِتَـ ٍ
ْ
ٍ ِ ِ
ﺖ َولنُـبَـيِّنَــهُ ل َقـ ْـوم يَـ ْعلَ ُﻤــو َن( )اﻷنعــام) (١٠٥:ﷴ بــن الطيــﺐ ، ِ ِ ﺼ ِّر ُ
ف اْﻵ ت َوليَـ ُقولُوا َد َر ْﺳ َ نُ َ
بدون ﺳنة .(٣٤ :١
-٥اﻹﻋﺠﺎز ﺑﻜﻮﻧﻪ اﻟﻮﻓﺎء ﲝﺎﺟﺎت اﻟﺒﺸﺮ
ومعــﲎ هــﺬا أن القــرآن الكــرﱘ جــاء ــدا ت مــة كاملــة تﻔــﻲ ﲝاجــات البشــر ﰲ كــل عﺼــر
ومﺼ ـ ــر وف ـ ــاء ﻻ تظﻔ ـ ــر ب ـ ــه ﰲ أي تشـ ـ ـريﻊ وﻻ ﰲ أي دي ـ ــن آخـ ــر ويتجل ـ ــى ل ـ ــك ه ـ ــﺬا إذا
اﺳتعرض ــﺖ اﳌقاص ــد النبيل ــة ال ــﱵ رم ــى إليه ــا الق ــرآن ﰲ هدايت ــه وال ــﱵ نع ــرض علي ــك م ــن
تﻔاصيلها ما ﰐ :
أوﻻ :إصــﻼح العقاﺋــد عــن طريــق إرﺷــاد اﳋلــق إﱃ ﺣقــاﺋق اﳌبــدأ واﳌعــاد ومــا بينهﻤــا ﲢــﺖ
تعاﱃ ومﻼﺋكته ورﺳله واليوم اﻵخر. عنوان اﻹﳝان
٩
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
نيا :إصﻼح العبادات عن طريق إرﺷاد اﳋلق إﱃ ما يﺰكﻲ النﻔوس ويﻐــﺬي اﻷرواح ويقــوم
اﻹرادة ويﻔيد الﻔرد وا ﻤوع منها
لﺜا :إصﻼح اﻷخﻼق عن طريق إرﺷاد اﳋلق إﱃ فﻀاﺋلهﻢ وتنﻔﲑهﻢ من رذاﺋلهــا ﰲ قﺼــد
واعتدال وعند ﺣد وﺳط ﻻ إفراط فيه وﻻ تﻔريط
رابعا :إصﻼح اﻻجتﻤاع عن طريق إرﺷاد اﳋلق إﱃ توﺣيد صــﻔوفهﻢ وﳏــو العﺼــبيات وإزالــة
الﻔـوارق الــﱵ تباعــد بيــنهﻢ وذلــك ﺷــعارهﻢ أ ــﻢ جــنﺲ واﺣــد مــن نﻔــﺲ واﺣــدة ومــن عاﺋلــة
واﺣــدة أبــوهﻢ آدم وأمهــﻢ ﺣـواء وأنــه ﻻ فﻀــل لشــعﺐ علــى ﺷــعﺐ وﻻ ﻷﺣــد علــى أﺣــد إﻻ
لتقـ ــوى وأ ـ ــﻢ متس ـ ــاوون أم ـ ــام ﷲ ودينـ ــه وتش ـ ـريعه متك ـ ــافئون ﰲ اﻷفﻀ ـ ــلية وﰲ اﳊق ـ ــوق
والتبعــات مــن غــﲑ اﺳــتﺜناءات وﻻ امتيــازات وأن اﻹﺳــﻼم عقــد إخــاء بيــنهﻢ أقــوى مــن إخــاء
النسﺐ والعﺼﺐ وأن لسا ﻢ العام هو لسان هﺬا الدين ولسان كتابه لﻐــة العــرب وأ ــﻢ أمــة
واﺣدة يﺆلف بينها اﳌبدأ وﻻ تﻔرقها اﳊدود اﻹقليﻤية وﻻ الﻔواصــل السياﺳــية والوضــعية )إِ ﱠن
اعب ُد ِ ِ ِِ
ون( )اﻻنبياء(٩٢: َهﺬه أُﱠمتُ ُك ْﻢ أُﱠمةً َواﺣ َدةً َوأَ َ َربﱡ ُك ْﻢ فَ ْ ُ
خامسا :إصــﻼح السياﺳــة أو اﳊكــﻢ الــدوﱄ عــن طريــق تقريــر العــدل اﳌطلــق واﳌســاواة بــﲔ
النــاس ومراعــاة الﻔﻀــاﺋل ﰲ اﻷﺣكــام واﳌعــامﻼت مــن اﳊــق والعــدل والوفــاء لعهــود والرﲪــة
واﳌواﺳاة واﶈبة واجتناب الرذاﺋل من الظلﻢ والﻐدر ونقــﺾ العهــود والكــﺬب واﳋيانــة والﻐــﺶ
وأكل أموال الناس لباطل كالرﺷوة والر والتجارة لدين واﳋرافات
ﺳادﺳــا :اﻹصــﻼح اﳌــاﱄ عــن طريــق الــدعوة إﱃ اﻻقتﺼــاد وﲪايــة اﳌــال مــن التلــف والﻀــياع
ووجوب إنﻔاقه ﰲ وجوه الﱪ وأداء اﳊقوق اﳋاصة والعامة والسعﻲ اﳌشروع
ﺳ ــابعا :اﻹص ــﻼح النس ــاﺋﻲ ع ــن طري ــق ﲪاي ــة اﳌ ـ ـرأة واﺣﱰامه ــا وإعطاﺋه ــا ﲨي ــﻊ اﳊق ــوق
اﻹنسانية والدينية واﳌدنية
من ــا :اﻹص ــﻼح اﳊ ــرﰊ ع ــن طري ــق ــﺬيﺐ اﳊ ــرب ووض ــعها عل ــى قواع ــد ﺳ ــليﻤة ﳋ ــﲑ
اﻹنس ــانية ﰲ مب ــدﺋها وغايته ــا ووج ــوب الت ـﺰام الرﲪ ــة فيه ــا والوف ــاء ﲟعاهــدا ا وإيﺜ ــار الس ــلﻢ
عليها واﻻكتﻔاء ﳉﺰية عند النﺼر والظﻔر فيها
١٠
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
ﺳ ــعا :ﳏارب ــة اﻻﺳ ــﱰقاق ﰲ اﳌس ــتقبل وﲢري ــر الرقي ــق اﳌوج ــود بط ــرق ﺷ ــﱴ منه ــا الﱰغي ــﺐ
العظ ــيﻢ ﰲ ﲢري ــر الرق ــاب وجعل ــه كﻔ ــارة للقت ــل وللظه ــار وﻹفس ــاد الﺼ ــيام بطريق ــة فاﺣش ــة
ولليﻤﲔ اﳊانﺜة وﻹيﺬاء اﳌﻤلوك للطﻢ أو الﻀرب ) .الﺰرقاﱐ (٢٥٤-٢٥٣ :٢ ،١٩٩٦
-٦اﻹﻋﺠﺎز اﻟﻌﻠﻤﻲ
انقسﻢ العلﻤاء ﰲ الباب إﱃ اﲡاهﲔ رﺋيسﲔ وﳘا اﲡاه القبول واﻵخر اﲡاه الرد.
فﻤن اﻷول ﳝﺜله ﷴ اﲰاعيل ابراهيﻢ ،وﰲ مقدمة كتابه " القرآن وإعجازه العلﻤﻲ" يقول:
واعتقــادى أن أي ﳏاولــة مــن البشــر ﻻﻇهــار عظﻤــة القــرآن وقدﺳــيته إﳕــا هــﻲ وليــدة رغبــة
إﳝانيــة ﳐلﺼــة فيهــا مــا يشــبه التأﺳــﻲ ﲟوقــف نــﱮ ﷲ إب ـراهيﻢ عليــه الســﻼم وهــو خليــل ﷲ
عندما قال بروح الواﺛــق مــن قــدرة ﷲ تعــاﱃ) :وإِ ْذ قَـ َ ِ
ـف ُْﲢيِــﻲ الْ َﻤـ ْـوتَى ـال إِبْـ َـراه ُيﻢ َر ِّ
ب أ َِرِﱐ َكْيـ َ َ
ال بَـلَى َولَكِ ْن لِيَطْ َﻤئِ ﱠن قَـ ْلِﱯ )..البقرة(٢٦٠:
قَ َال أ ََوَﱂْ تُـ ْﺆِم ْن قَ َ
والقرآن ا يد ﺣافل لكﺜــﲑ مــن اﻵ ت الدالــة علــى علــﻢ ﷲ اﶈــيط بكــل مــا ﰲ الكــون مــن
ﳐلوقــات وكاﺋنــات ومــا فيــه مــن ن ـواميﺲ وﺳــنن وق ـوانﲔ أوجــدها ﺳــبحانه خاضــعة ﻻرادتــه
وأمره ،وقد نﺰلﺖ هﺬه اﻵ ت الكونيــة وغﲑهــا مــن آ ت اﻻعجــاز العلﻤــﻲ ﰲ وقــﺖ ﱂ يكــن
أهل اﳉﺰيرة العربية ومن ﺣوﳍا من اﻻقطار على علﻢ ﺳـرارها فلﻤــا تقــدم اﻻنســان وازدادت
علومــه ومعارفــه بــدأت آ ت القــرآن تظهــر أمــام بﺼــﲑته ﲟعانيهــا العلﻤيــة البــاهرة ،وتكشــف
عن إعجازها الراﺋﻊ.
واﳌســلﻤون يعيشــون اﻵن ﰲ عﺼــر زاهــر لعلــﻢ وقــد ــرهﻢ فيــه مــا وصــل إليــه
أهل أورو وأمريكا مــن تﻔــوق ﻇــاهر ﰲ العلــوم والﻔنــون واﻵداب وﲞاصــة علــﻢ التكنولوجيــا
وق ــد ﺳ ــبقوا فيه ــا ال ــدول اﻻﺳ ــﻼمية ﺷـ ـواط بعي ــدة اﻻم ــر ال ــﺬى جع ــل ض ــعاف العق ــول
يسيئون الظن ﻻﺳــﻼم وﳛســبون أنــه ﺳــبﺐ قﺼــورهﻢ وﲣلﻔهــﻢ ﰲ ذلــك اﳌﻀــﻤار ،وهــﻢ ﰲ
ذلك الوهﻢ نسوا أو تناﺳوا أن الدين اﻻﺳﻼمﻲ بقرآنه ا يد وﺳنته اﳌطهرة هو الﺬى خلق
مــن العــرب أهــل الباديــة خــﲑ أمــة أخرجــﺖ للنــاس وأﺳسـوا أعظــﻢ الــدول وأرقــى اﳊﻀــارات
١١
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
وأكﺜ ــر اﻻص ــول العلﻤي ــة ال ــﱴ اقت ــبﺲ أه ــل الﻐ ــرب منه ــا عل ــومهﻢ وفن ــو ﻢ) .ﷴ اﲰاعي ــل
ابراهيﻢ ،بدون ﺳنة( ٤-٢ ،
وم ــن اﻹﲡ ــﺎﻩ اﻟﺜ ــﺎﱐ ،فق ــد ج ــاء الﺰرق ــاﱐ يرف ــﻊ رايت ــه وﱂ ي ــﺬهﺐ إﻻ إﱃ الق ــول ن الق ــرآن
كتاب هداية وإعجاز وإﳕا هو أمام العلوم والكاﺋنات كتاب هداية ﻻغﲑ ،قال:
أنه ﱂ ﳚعل تلك العلوم الكونية من موضوعه وذلك ﻷ ا خاضعة لقانون النشوء واﻻرتقــاء
وﰲ تﻔاصــيلها مــن الدقــة واﳋﻔــاء مــا يعلــو علــى أفهــام العامــة ﰒ إن أمرهــا بعــد ذلــك هــﲔ
زاء ما يقﺼده القرآن من إنقاذ اﻹنسانية العاﺛرة وهداية الﺜقلﲔ إﱃ ﺳعادة الدنيا واﻵخرة
ف ــالقرآن كﻤـ ـا أﺳ ــلﻔنا ﰲ اﳌبح ــﺚ اﻷول كت ــاب هداي ــة وإعج ــاز وعل ــى ه ــﺬا ف ــﻼ يلي ــق أن
نتجــاوز بــه ﺣــدود اﳍدايــة واﻹعجــاز ﺣــﱴ إذا ذكــر فيــه ﺷــﻲء مــن الكونيــات فﺈﳕــا ذلــك
للهدايــة ودﻻلــة اﳋلــق علــى اﳋــالق وﻻ يقﺼــد القــرآن مطلقــا مــن ذكــر هــﺬه الكونيــات أن
يشرح ﺣقيقة علﻤية ﰲ اﳍيئة والﻔلك أو الطبيعة والكيﻤيــاء وﻻ أن ﳛــل مســألة ﺣســابية أو
معادلة جﱪية أو نظرية هندﺳية وﻻ أن يﺰيد ﰲ علﻢ الطــﺐ وﻻ ﰲ علــﻢ التشـريﺢ فﺼــﻼ
وﻻ أن يتح ــدث ع ــن عل ــﻢ اﳊيـ ـوان أو النب ــات أو طبق ــات اﻷرض إﱃ غ ــﲑ ذل ــك ،ولك ــن
بعــﺾ البــاﺣﺜﲔ طــاب ﳍــﻢ أن يتوﺳــعوا ﰲ علــوم القــرآن ومعارفــه فنظﻤـوا ﰲ ﺳــلكها مــا بــدا
ﳍــﻢ مــن علــوم الكــون وهــﻢ ﰲ ذلــك ﳐطئــون ومســرفون وإن كانــﺖ نيــتهﻢ ﺣســنة وﺷــعورهﻢ
نبيﻼ ولكــن النيــة والشــعور مهﻤــا ﺣســنا ﻻ يســوغان أن ﳛكــﻲ اﻹنســان غــﲑ الواقــﻊ وﳛﻤــل
كتاب ﷲ على ما لــيﺲ مــن وﻇيﻔتــه خﺼوصــا بعــد أن أعلــن الكتــاب نﻔســه هــﺬه الوﻇيﻔــة
ـﲔ( وﺣ ــددها م ـرات كﺜ ــﲑة منه ــا قول ــه ﺳ ــبحانه )ذَلِــك الْكِت ــاب ﻻ ري ــﺐ فِي ـ ِـه ه ـ ِ ِ
ـدى ل ْل ُﻤتﱠق ـ َ
ُ ً َ َ ُ َْ َ
ِ ِِ اب ُمبِـ ٌ )البقرة (٢:منها قوله جلﺖ ﺣكﻤته )قَ ْد جاء ُكﻢ ِمن ا ﱠِ نُ ِ
ـﲔ .يَـ ْهــدي بــه ا ﱠُ ور َوكتَ ٌ ٌ ََ ْ َ
ـات إِ َﱃ النﱡــوِر ِِ ْذنـِ ِـه ويـهـ ِـدي ِهﻢ إِ َﱃ ِصــر ٍ
اط ﻼم وُﳜْ ِرجهﻢ ِمــن الظﱡلُﻤـ ِ
ِ َم ِن اتـﱠبَ َﻊ ِر ْ
َ ََْ ْ ض َوانَهُ ُﺳبُ َل ال ﱠس َ ُ ُ ْ َ َ
ُم ْستَ ِقي ٍﻢ( )اﳌاﺋدة) (١٦-١٥:الﺰرقاﱐ ( ٢٥٦ :٢ ،١٩٩٦
١٢
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
ﻟﺜﻬــﺎ :مــا فيــه مــن اﻹخبــار عــن الﻐيــوب اﳌســتقبلة وﱂ يكــن ذلــك مــن ﺷــأن العــرب كقولــه تعــاﱃ
اﳉَ ْﻤـ ُـﻊ َويـُ َولﱡــو َن
اب()الﻔتﺢ :مــن اﻵيــة (١٦وقولــه ﰲ أه ــل بــدرَ ):ﺳ ـيُـ ْهَﺰُم ْ َعــر ِ )قُــل لِلْﻤﺨلﱠ ِﻔـ ِ
ـﲔ مـ َـن ْاﻷ ْ َ
ْ َُ َ
صـ ـ َـد َق ا ﱠُ َر ُﺳ ـ ـولَهُ ال ـ ـﱡرْؤ ()الﻔـ ــتﺢ :مـ ــن اﻵيـ ــة (٢٧وكقولـ ــه ال ـ ـ ﱡدبـَُر( )القﻤـ ــر (٤٥:وقولـ ــه )لَ َق ـ ـ ْد َ
ض()النــور :مــن اﻵيــة (٥٥وقولــه ﱠه ْﻢ ِﰲ ْاﻷ َْر ِ ِ )وع َد ا ﱠ الﱠ ِﺬين آمنُوا ِمْن ُكﻢ وع ِﻤلُوا ال ﱠ ِ ِ
ﺼاﳊَات لَيَ ْســتَ ْﺨل َﻔنـ ُ ْ ََ ََ ُ َ َ
وم( )الروم (٢:وغﲑ ذلك ﳑا أخﱪ به نه ﺳيقﻊ فوقﻊ ِ ِ
)اﱂ غُلبَﺖ الﱡر ُ
ورد هــﺬا القــول نــه يســتلﺰم أن اﻵ ت الــﱵ ﻻ خــﱪ فيهــا بــﺬلك ﻻ إعجــاز فيهــا وهــو
طل فقد جعل ﷲ كل ﺳورة معجﺰة بنﻔسها.
ـاهدها وﺣﻀــرها، راﺑﻌﻬﺎ :ما تﻀﻤن من إخباره عن قﺼــص اﻷولــﲔ وﺳــاﺋر اﳌتقــدمﲔ ﺣكايـةَ َمـن ﺷـ َ
اصـِ ْـﱪ إِ ﱠن ك ما ُكْنﺖ تَـعلَﻤها أَنْــﺖ وﻻ قَـومـ َ ِ ك ِمن أَنْـب ِاء الْﻐَي ِ ِ ِ
ـك مـ ْـن قَـْبـ ِـل َهـ َﺬا فَ ْ ﺐ نُوﺣ َيها إِلَْي َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ وقال )تْل َ ْ َ ْ
ﲔ( )هود(٤٩: ِ ِ ِ
الْ َعاقبَةَ ل ْل ُﻤتﱠق َ
وهــو مــردود ﲟــا ﺳــبق ،نعــﻢ ،هــﺬا والــﺬي قبلــه مــن أن ـواع اﻹعجــاز إﻻ أنــه منحﺼــر فيــه.
ـﺖ ﺧﺎﻣﺴـﻬﺎ :إخبــاره عــن الﻀــﻤاﺋر مــن غــﲑ أن يظهــر ذلــك مــنهﻢ بقــول أو فعــل ،كقولــه )إِ ْذ َﳘﱠـ ْ
ـك بِـ ِـه ان ِمْن ُك ْﻢ أَ ْن تَـ ْﻔ َشﻼ ()آل عﻤران :من اﻵية (١٢٢وقوله ) َوإِ َذا َجاءُ َ
وك َﺣيﱠـ ْـو َك ِﲟـَـا َﱂْ ُﳛَيِّـ َ طَاﺋَِﻔتَ ِ
ا ﱠُ َويَـ ُقولُــو َن ِﰲ أَنْـ ُﻔ ِس ـ ِه ْﻢ لَـ ْـوﻻ يـُ َع ـ ِّﺬبـُنَا ا ﱠُ ()ا ادل ــة :مــن اﻵيــة (٨وقولــه ) َوإِ ْذ يَعِ ـ ُد ُك ُﻢ ا ﱠُ إِ ْﺣـ َـدى
ﲔ أَنـﱠ َهــا لَ ُكـ ْـﻢ َوتَـ َـوﱡدو َن)(...اﻷنﻔــال :مــن اﻵيــة (٧وكﺈخبــاره عــن اليهــود أ ــﻢ ﻻ يتﻤنــون اﳌــوت الطﱠــاﺋَِﻔتَـ ْ ِ
أبدا.
ﺳﺎدﺳﻬﺎ :وصححه ابن عطية وقال :إنه الﺬي عليه اﳉﻤهور واﳊﺬاق-وهو الﺼــحيﺢ ﰲ نﻔســه-
وأن التحــدي إﳕــا وقــﻊ بنظﻤــه ،وصــحة معانيــه ،وتـواﱄ فﺼــاﺣة ألﻔاﻇــه ،ووجــه إعجــازه أن ﷲ أﺣــاط
بكل ﺷﻲء علﻤا ،وأﺣاط لكﻼم كله علﻤا ،فﺈذا ترتبﺖ اللﻔظة من القرآن َعلــﻢ ﺣاطتــه أي لﻔظــة
تﺼــلﺢ أن تلـ َـﻲ اﻷوﱃ ويتبــﲔ اﳌعــﲎ بعــد اﳌعــﲎ ،ﰒ كــﺬلك مــن أول القــرآن إﱃ آخــره ،والبشـ ُـر معهــﻢ
اﳉهل والنسيان والﺬهول ،ومعلوم لﻀرورة أن أﺣدا من البشر ﻻ ﳛيط بﺬلك ،و ﺬا جــاء نظــﻢ ُ
القــرآن ﰲ الﻐايــة القﺼــوى مــن الﻔﺼــاﺣة ،و ــﺬا النطــق يبطــل قــول مــن قــال :إن العــرب ك ـان ﰲ
قدر ا اﻹتيان ﲟﺜله فلﻤا جاءهﻢ النﱯ ﷺ صرفوا عن ذلك وعجﺰوا عنه.
١٤
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
والﺼحيﺢ أن اﻹتيان ﲟﺜل القرآن ﱂ يكن قط ﰲ قدرة أﺣد من اﳌﺨلــوقﲔ ،وﳍــﺬا تــرى
البليﻎ ينقﺢ اﳋطبة أو القﺼيدة ﺣوﻻ ،ﰒ ينظر فيها فيﻐــﲑ فيهــا ،وهلــﻢ جـرا وكتــاب ﷲ ﺳــبحانه
نﺰعﺖ منه لﻔظة ،ﰒ أدبر لسان العرب على لﻔظة أﺣسن منها ﱂ توجد.
لو َ
وﳓن تتبﲔ لنا الﱪاعة ﰲ أكﺜــره ،وﳜﻔــﻲ وجههــا ﰲ مواضــﻊ لقﺼــور عــن مرتبــة العــرب
يومئﺬ ﰲ ﺳﻼمة الﺬوق ،وجودة القرﳛة ،وميﺰ الكﻼم.
وقامﺖ اﳊجة على العاﱂ لعرب إذ كانوا أر ب الﻔﺼاﺣة ومظنة اﳌعارضة كﻤا قامــﺖ
اﳊجة ﰲ معجﺰة عيسى ﻷطباء ،وﰲ موﺳى لسحرة ،فــﺈن ﷲ تعــاﱃ إﳕــا جعــل معجـﺰات اﻷنبيــاء
لوجه الشهﲑ أبرع ما تكون ﰲ زمن النﱯ الﺬي أراد إﻇهاره فكان السحر ﰲ مدة موﺳى قد انتهى
إﱃ غايته ،وكﺬا الطﺐ ﰲ زمان عيسى ،والﻔﺼاﺣة ﰲ مدة ﷴ ﷺ.
ﺳــﺎﺑﻌﻬﺎ :أن وجــه اﻹعجــاز :الﻔﺼــاﺣة وغرابــة اﻷﺳــلوب والســﻼمة مــن ﲨيــﻊ العيــوب وغــﲑ ذلــك
مقــﱰ لتحــدي ،وهــﺬا القــول اختــاره اﻹمــام فﺨــر الــدين ،وهــو قريــﺐ ﳑــا ﺳــبق ،وقــد قــال تعــاﱃ
آن ﻻ َْتُــو َن ﲟِِﺜْلِ ِه()اﻻﺳـ ـراء :م ــن اﳉِـ ـ ﱡن َعلَ ــى أَ ْن ْتُـ ـوا ﲟِِْﺜ ـ ِـل هـ ـ َﺬا الْ ُق ــر ِ
ْ َ َ ـﺲ َو ْ ِ ِ
اجتَ َﻤ َع ــﺖ ْاﻷنْ ـ ُ
ِ
)قُـ ْـل لَ ــئ ِن ْ
ـورةٍ ِّمـ ْـن ِمﺜْلِــهِ()البقرة :مــن اﻵيــة.(٢٣ ِ
اﻵيــة ، (٨٨واﳌ ـراد ﲟﺜــل نظﻤــه بــدليل قولــه تعــاﱃ )فَ ـأْتُوا ب ُسـ َ
وق ــول م ــن قـ ــال إن الﻀ ــﻤﲑ ﰲ )م ــن مﺜل ــه( عاﺋ ــد عل ــى ﷲ :ض ــعيف بقول ــه )فَـ ـأْتُوا بِ َع ْش ـ ـ ِر ُﺳ ـ َـوٍر
ِمﺜْلِ ِه()هود :من اﻵية (١٣والسياق واﺣد.
ﻣﻨﻬــﺎ :مــا فيــه مــن الــنظﻢ والتــأليف والﱰصــيف وأنــه خــارج عــن ﲨيــﻊ وجــوه الــنظﻢ اﳌعتــاد ﰲ كــﻼم
العــرب ومبــاين ﻷﺳــاليﺐ خطــا ﻢ وهــﺬا القــول اختــاره القاضــﻲ أبــو بكــر ،وقــال :وﳍــﺬا ﱂ ﳝكــنهﻢ
معارضته.
قال :وﻻ ﺳبيل إﱃ معرفة إعجاز القرآن ) من أصناف البديﻊ الﱵ أدعوها ﰲ الشعر ﻷنه لــيﺲ
ﳑا ﳜرق العادة( ،بل ﳝكن اﺳتدراكه لتعلﻢ والتدريﺐ والتﺼنﻊ له ،كقــول الشــعر ورصــف اﳋطــﺐ
وصــناعة الرﺳ ــالة واﳊــﺬق ﰲ البﻼغ ــة ولــه طريــق يُســلك ،..فأمــا ﺷ ــأو نظــﻢ القــرآن فلــيﺲ ل ــه مﺜــال
ﳛتﺬى عليه وﻻ إمام يقتدى به وﻻ يﺼﺢ وقوع مﺜله اتﻔاقا...
قال :وﳓن نعتقد أن اﻹعجاز ﰲ بعﺾ القرآن أﻇهر وﰲ ٍ
بعﺾ أدق وأغﻤﺾ
١٥
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
ﰒ قــال القاضــﻲ :فــﺈن قيــل :مــا الــﺬي وقــﻊ التحــدي بــه؟ أهــو اﳊــروف اﳌنظومــة أو الكــﻼم
القــاﺋﻢ لــﺬات؟ أو غــﲑه؟ ...قلنــا :الــﺬي ﲢــداهﻢ بــه أن تـوا علــى اﳊــروف الــﱵ هــﻲ نظــﻢ القــرآن
منظومة ِﺣ َكﻤها ،متتابعة كتتابعها مطّـردة كاطّرادهــا وﱂ يتحــدهﻢ إﱃ أن تـوا لكــﻼم القــدﱘ الــﺬي
ﻻ مﺜل له .
وق ــال بع ــﺾ اﻷﺋﻤـ ــة :ل ــيﺲ اﻹعج ــاز اﳌتح ــدى ب ــه إﻻ ﰲ الـ ــنظﻢ ﻻ ﰲ اﳌﻔه ــوم ﻷن
اﳌﻔهــوم ﱂ ﳝكــن اﻹﺣاطـة بــه وﻻ الوقــوف علــى ﺣقيقــة اﳌـراد منــه ،فكيــف يتﺼــور أن يتحــدى ﲟــا ﻻ
ﳝكــن الوقــوف عليــه إذ هــو يســﻊ كــل ﺷــﻲء ،فــأي ﺷــﻲء قوبــل بــه ادعــى أنــه غــﲑ اﳌ ـراد ويتسلســل؟
ﺳ ــﻌﻬﺎ :أن ــه ﺷ ــﻲء ﻻ ﳝك ــن التعب ــﲑ عن ــه ،وه ــو اختي ــار الس ــكاكﻲ ﺣي ــﺚ ق ــال ﰲ "اﳌﻔت ــاح" :
واعلــﻢ أن ﺷــأن اﻹعجــاز عجيــﺐ يُـدرك وﻻ ﳝكــن وصــﻔه كاﺳــتقامة الــوزن تــدرك وﻻ ﳝكــن وصــﻔها،
وكاﳌﻼﺣــة .وكﻤــا يــدرك طيــﺐ الــنﻐﻢ العــارض ﳍــﺬا الﺼــوت ،وﻻ طريــق إﱃ ﲢﺼــيله لﻐــﲑ ذوي الﻔطــر
لﻤﻲ اﳌعاﱐ والبيان والتﻤرن فيهﻤا ِ
السليﻤة إﻻ تقان ع َ
وقال أبو ﺣيان التوﺣيدي ﰲ "البﺼاﺋر" :ﱂ أﲰﻊ كﻼما ألﺼق لقلﺐ وأعلق لــنﻔﺲ
م ــن فﺼ ــل تكل ــﻢ ب ــه بُن ــدار ب ــن اﳊس ــﲔ الﻔارﺳ ــﻲ -وك ــان ﲝ ـرا ﰲ العل ــﻢ -وق ــد ﺳ ــئل ع ــن موض ــﻊ
اﻹعجاز من القرآن ،فقال هﺬه مسألة فيها َﺣيف على اﳌﻔﱵ ،وذلك أنه ﺷبيه بقولك :ما موضــﻊ
اﻹنســان مــن اﻹنســان؟ فلــيﺲ لﻺنســان موضــﻊ مــن اﻹنســان بــل مــﱴ أﺷــرت إﱃ ﲨلتــه فقــد ﺣققتــه
ودللــﺖ علــى ذاتــه كــﺬلك القــرآن لشــرفه ﻻ يشــار إﱃ ﺷــﻲء منــه إﻻ وكــان ذلــك اﳌعــﲎ آيــة ﰲ نﻔســه
ومعجــﺰة ﶈاولــه وهـ ًـدى لقاﺋلــه ؛ ولــيﺲ ﰲ طاقــة البشــر اﻹﺣاطــة غ ـراض ﷲ ﰲ كﻼمــه وأﺳ ـراره ﰲ
كتابه ،فلﺬلك ﺣارت العقول و هﺖ البﺼاﺋر عنده.
ﻋﺎﺷــﺮﻫﺎ :وهــو قــول ﺣــازم ﰲ "منهــاج البﻼغــة" :إن اﻹعجــاز فيــه مــن ﺣيــﺚ اﺳــتﻤرت الﻔﺼــاﺣة
والبﻼغــة فيــه مــن ﲨيــﻊ أﳓاﺋهــا ﰲ ﲨيعــه اﺳــتﻤرارا ﻻ توجــد لــه فــﱰة ،وﻻ يقــدر عليــه أﺣــد مــن البشــر،
وكــﻼم العــرب ومــن تكلــﻢ بلﻐــتهﻢ ﻻ تســتﻤر الﻔﺼــاﺣة والبﻼغــة ﰲ ﲨيــﻊ أﳓاﺋهــا ﰲ العــاﱄ منـه إﻻ ﰲ
الشﻲء اليسﲑ اﳌعدود ،ﰒ تعرض الﻔﱰات اﻹنسانية فتقطﻊ طيﺐ الكــﻼم ورونقــه ،فــﻼ تســتﻤر لــﺬلك
الﻔﺼــاﺣةُ ﰲ ﲨيع ــه ،ب ــل توجــد ﰲ تﻔ ــاريق وأج ـﺰاء منــه ،والﻔ ـﱰات ﰲ الﻔﺼ ــاﺣة تقــﻊ للﻔﺼ ــيﺢ إم ــا
١٦
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
بســهو يعــرض لــه ﰲ الشــﻲء مــن غــﲑ أن يكــون جــاهﻼ بــه ،أو مــن جهــل بــه أو مــن ﺳـ ٍ
ـﺂمة تعــﱰي
هوى للنﻔﺲ يﻐلﺐ عليها فيﻤا ﳛوش عليهــا خــاطره مــن اقتنــاص اﳌعــاﱐ ﲰينــا كــان أوفكره ،أو من ً َ
غﺜا .فهﺬه آفات ﻻ ﳜلو منها اﻹنسان الﻔاضل والطبﻊ الكامل .
وهﺬا اﳌﺬهﺐ قريﺐ ﳑا ذكره ابن الﺰملكاﱐ وابن عطية.
ﺣــﺎدي ﻋﺸــﺮﻫﺎ :قــال اﳋطــاﰊ ﰲ كتابــه -وإليــه ذهــﺐ اﻷكﺜــرون مــن علﻤــاء النظــر : -إن وجــه
اﻹعجاز فيه من جهــة البﻼغــة لكــن ﳌــا صــعﺐ علــيهﻢ تﻔﺼــيلُها صــﻐوا فيــه إﱃ ﺣكــﻢ الــﺬوق والقبــول
عند النﻔﺲ.
ق ــال :والتحقي ــق أن أجن ــاس الك ــﻼم ﳐتلﻔ ــة ومراتبه ــا ﰲ درج ــة البي ــان متﻔاوت ــة ،ودرجا ــا ﰲ
البﻼغة متباينة غﲑ متساوية ،فﻤنها البليﻎ الرصﲔ اﳉــﺰل ،ومنهــا الﻔﺼــيﺢ القريــﺐ الســهل ،ومنهــا
اﳉاﺋﺰ الطلق الرﺳل ،وهﺬه أقسام الكﻼم الﻔاضل اﶈﻤود دون النوع اﳍجﲔ اﳌﺬموم الﺬى ﻻ يوجــد
ﰱ الق ــرآن ﺷ ــﺊ من ــه البت ــة .فالقس ــﻢ اﻷول أع ــﻼه والﺜ ــاﱏ أوﺳ ــطه والﺜال ــﺚ أد ه وأقرب ــه؛ فح ــازت
بﻼغــات القــرآن مــن كــل قســﻢ مــن هــﺬه اﻷقســام ﺣﺼــة ،وأخــﺬت مــن كــل نــوع ﺷــعبة ،فــانتظﻢ ﳍــا
مت ـﺰاج هــﺬه اﻷوص ــاف ﳕــط مــن الكــﻼم ﳚﻤــﻊ صــﻔﱴ الﻔﺨامــة والعﺬوبــة ،وﳘ ــا علــى اﻻنﻔ ـراد ﰱ
نعو ﻤا كاﳌتﻀادين ،ﻷن العﺬوبة نتاج السهولة واﳉﺰالــة واﳌتانــة ﰱ الكــﻼم يعاﳉــان نوعــا مــن الوعــورة
ص ــا القــرآن يســرها ﷲ فكــان اجتﻤــاع اﻷم ـرين ﰱ نظﻤــه مــﻊ نبــو كــل منهﻤــا عــن اﻵخــر فﻀــيلة ُخـ ﱠ
بلطيــف قدرتــه ليكــون آيــة بينــة لنبيــه ودﻻلــة علــى صــحة مــا دعــا إليــه مــن أمــر دينــه .وإﳕــا تعــﺬر
على البشر اﻹتيان ﲟﺜله ﻷمور :منها أن علﻤهﻢ ﻻ ﳛيط ﲜﻤيــﻊ أﲰــاء اللﻐــة العربيــة وأوضــاعها الــﱴ
هى ﻇروف اﳌعاﱏ واﳊوامل ،وﻻ تدرك أفهامهﻢ ﲨيﻊ معاﱏ اﻷﺷياء اﶈﻤولة على تلك اﻷلﻔــاظ وﻻ
تكﻤل معرفتهﻢ ﺳتيﻔاء ﲨيﻊ وجوه النظوم الﱴ ــا يكــون اﺋتﻼفهــا وارتبــاط بعﻀــها بــبعﺾ فيتوصــلوا
ختيار اﻷفﻀل عن اﻷﺣسن من وجوهها إﻻ أن توا بكﻼم مﺜله...
قال اﳋطــاﰉ :وقلــﺖ ﰱ إعجــاز القــرآن وجهــا آخــر ذهــﺐ عنــه النــاس فــﻼ يكــاد يعرفــه
إﻻ الشــاذ ﰱ آﺣــادهﻢ ،وهــو :صــنيعه لقلــوب و ﺛــﲑه ﰱ النﻔــوس ،فﺈنــك ﻻ تســﻤﻊ كﻼمــا غــﲑ
القــرآن منظومــا وﻻ منﺜ ــورا إذا قــرع الســﻤﻊ خل ــص لــه إﱃ القلــﺐ مــن اللــﺬة واﳊــﻼوة ﰱ ﺣــال ومــن
١٧
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
الروعة واﳌهابة ﰱ ﺣال أخــرى مــا ﳜلــص منــه إليــه ،قــال ﷲ تعــاﱃ )لَـ ْـو أَنْـَﺰلْنَــا َهـ َﺬا الْ ُقـ ْـرآ َن َعلَــى َجبَـ ٍـل
َﺣ َس ـ َـن ِ ِ اﺷ ــعاً متَ ِ ِ لَرأَيـتَ ــه خ ِ
ﺼـ ـ ّدعاً م ـ ْـن َخ ْش ــيَة ا ﱠ ()اﳊش ــر :م ــن اﻵي ــة (٢١وق ــال تع ــاﱃ )ا ﱠُ نَـ ـﱠﺰَل أ ْ ُ َ َْ ُ َ
ين َﳜْ َش ْو َن َربـﱠ ُه ْﻢ()الﺰمر :من اﻵية(٢٣ يﺚ كِتا ً متشا ِ اً مﺜ ِاﱐ تَـ ْقشعِﱡر ِم ْنه جلُ ﱠ ِ
ِْ ِ
ود الﺬ َاﳊَد َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ
أﺳلﻢ جبﲑ بن مطعﻢ ﳌا ﲰﻊ قراءة النﱮ ﷺ للطور ﺣــﱴ انتهــى إﱃ قولــه : قلﺖ وﳍﺬا َ
ّ
ك لَ َواقِ ٌﻊ( )الطور (٧:قال :خشيﺖ أن يدركﲎ العﺬاب .وﰱ لﻔﻆ :كاد قلــﱮ يطــﲑ، اب َربِّ َ
)إِ ﱠن َع َﺬ َ
فأﺳلﻢ .
َ
وﰱ أﺛر آخــر أن عﻤــر ﳌــا ﲰــﻊ ﺳــورة طــه أﺳــلﻢ وغــﲑ ذلــك .وقــد صــنف بعﻀــهﻢ كتــا
فيﻤن مات بسﻤاع آية من القرآن .
ﱏ ﻋﺸــﺮﻫﺎ :وهــو قــول أهــل التحقيــق :إن اﻹعجــاز وقــﻊ ﲜﻤيــﻊ مــا ﺳــبق مــن اﻷق ـوال ﻻ بكــل
واﺣد عن انﻔراده ،فﺈنه ﲨﻊ كله ،فﻼ معﲎ لنسبته إﱃ واﺣد منها ﲟﻔــرده مــﻊ اﺷــتﻤاله علــى اﳉﻤيــﻊ
بل وغﲑ ذلك ﳑا ﱂ يسبق..
فﻤنهــا :الروعــة الــﱴ لــه ﰱ قلــوب الســامعﲔ وأﲰــاعهﻢ ﺳ ـواء اﳌقـ َـرين واﳉاﺣــدين ﰒ إن
ﺳامعه إن كان مﺆمنا به يداخله روعة ﰱ أول ﲰاعه وخشــية ،ﰒ ﻻ يـﺰال ﲜــد ﰱ قلبــه هشاﺷــة إليــه
وﳏبة له ،وإن كان جاﺣدا وجد فيه مﻊ تلك الروعة نﻔورا وعيا ﻻ نقطاع مادته ﲝسن ﲰعه.
ومنه ــا :أن ــه ﱂ ي ــﺰل وﻻ يـ ـﺰال وﻻ ي ـ ـﺰال غﻀ ــا ط ــر ﰱ أﲰ ــاع الس ــامعﲔ وعل ــى ألس ــنة
القارﺋﲔ.
ومنها :ما ينتشــر فيــه عنــد تﻼوتــه مــن إنـﺰال ﷲ إ ه ﰱ صــورة كــﻼم هــو ﳐاطبــة مــن ﷲ
لرﺳوله رة وﳐطبة أخرى ﳋلقه ﻻ ﰱ صورة كﻼم يســتﻤليه مــن نﻔســه مــن قــد قــﺬف ﰱ قلبــه وأوﺣــى
إليه ما ﺷاء أن يلقيه إﱃ عباده على لسانه فهو تــى ﳌعــاﱏ الــﱴ أﳍﻤهــا لﻔاﻇــه الــﱴ يكســوها إ ه
كﻤا يشاهد من الكتﺐ اﳌتقدمة.
ومنهــا :ﲨعــه بــﲔ صــﻔﱴ اﳉﺰالــة والعﺬوبــة وﳘــا كاﳌتﻀــادين ﻻ ﳚتﻤعــان غالبــا ﰱ كــﻼم
البشر ﻹن اﳉﺰالة من اﻷلﻔاظ الﱴ ﻻ توجد إﻻ ﲟا يشو ا من القوة وبعﺾ الوعورة والعﺬوبة منها مــا
يﻀادها من السﻼﺳة والسهولة فﻤن ﳓا ﳓو الﺼورة اﻷوﱃ فﺈﳕــا يقﺼــد الﻔﺨامــة والروعــة ﰱ اﻷﲰــاع
١٨
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
مﺜل الﻔﺼحاء من اﻷعراب وفحول الشعراء منهﻢ ومن ﳓا ﳓو الﺜانية قﺼد كــون الكــﻼم ﰱ الســﻤاع
أعﺬب وأﺷهى وألﺬ مﺜل أﺷعار اﳌﺨﻀــرمﲔ ومــن دا هــﻢ مــن اﳌولــدين اﳌتــأخرين وتــرى ألﻔــاظ القــرآن
قد ﲨعﺖ ﰱ نظﻤه كلتا الﺼﻔتﲔ وذلك من أعظﻢ وجوه البﻼغة واﻹعجاز.
ومنهــا :جعلــه آخــر الكتــﺐ غنيــا عــن غــﲑه وجعــل غــﲑه مــن الكتــﺐ اﳌتقدمــة قــد ﳛتــاج
اﺋيل أَ ْكﺜَـ َـر الﱠـ ِـﺬي ُهـ ْـﻢ فِيـ ِـه ِ إﱃ بيان يرجﻊ فيه إليه كﻤا قال تعاﱃ )إِ ﱠن َه َﺬا الْ ُقْرآ َن يَـ ُق ﱡ
ص َعلَــى بـَ ِـﲏ إ ْﺳـر َ
َﳜْتَلِ ُﻔو َن( )النﻤل ) . (٧٦:الﺰركشﻲ ،بدون ﺳنة.(٧١-٦١ :٢ ،
اﳋﺎﲤﺔ
إن هــﺬا البحــﺚ الــﺬى عرضــنا بعــﺾ وجــوه اﻹعجــاز فيــه ،ﻻ علــى ﺳــبيل اﳊﺼــر ولكــن علــى ﺳــبيل
التﻤﺜي ـل ..فلــﻢ يكــن جــل اهتﻤــامﻲ فيــه الكــﻼم عــن وجــه واﺣــد مــن اﻹعجــاز وإﳕــا اﻷليــق أن أتقيــد
بعﻤومية البحﺚ ﺣول وجوه اﻹعجاز القرآﱐ كﻤقدمة ﳍﺬه الدراﺳة وفــاءً ﳌــا ﺣﻔــﺰﱐ اﻷﺳــتاذ اﶈاضــر
على هﺬا اﳌوضوع وهو "وجوه اﻹعجاز عند العلﻤاء"
وخﻼصة ما ﺳــبق هــو أن وجــوه اﻹعجــاز لــدى العلﻤــاء ﲣتلــف اختﻼفــا كبـﲑا وبعﻀــها تلــف،
وهــﻲ عنــدما نﻼﺣــﻆ آراء اﳌتقــدمﲔ الــﱵ كﺜـﲑا مــا تــدور ﺣــول اﻹعجــاز البﻼغــﻲ والقــول لﺼـرفة ﰲ
ﺣﲔ ﳒد آراء اﳌتأخرين ﺣول اﻹعجاز تﻔﱰق بشكل كبﲑ.
١٩
ﻣﻔﻬﻮم إﻋﺠﺎز اﻟﻘﺮآن وأدﻟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ
Atho’ilah Umar
اﳌﺮاﺟﻊ
القرآن الكرﱘ
ابن منظور . ١٩٩٠ ،لسان العرب .ا لد اﳋامﺲ .بﲑوت :دار صادر.
مناع القطان .٢٠٠٠ ،مباﺣﺚ ﰲ علوم القرآن .الطبعة اﳊادية عشرة .القاهرة :مطبعة اﳌدﱐ.
العﻤري ،أﲪد ﲨال .١٩٨٤ ،مﻔهوم اﻹعجاز القرآﱐ ﺣﱴ القرن السادس اﳍجري.
دار اﳌعرفة.
أبــو بكــر ﷴ بــن الطيــﺐ بــن ﷴ بــن جعﻔــر بــن القاﺳــﻢ .إعجــاز القــرآن .بــدون ﺳــنة .القــاهرة :دار
اﳌعارف
ﷴ إﲰاعيل بن إبراهيﻢ .القرآن وإعجازه العلﻤﻲ .بدون ﺳنة .دار الﻔكــر العــرﰊ-دار الﺜقافــة العربيــة
للطباعة.