You are on page 1of 41

‫أساس الحكم في اإلسالم‬

‫آية اهلل الشيخ محسن اآلراكي‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬حمسن األراكي‪ ،‬أساس احلكم يف اإلسالم‪ ،‬اإلسالم وحكومة‪ ،‬الفقيه‪ ،‬احلاكم العادل‪،‬‬
‫التوحيد العملي‪.‬‬

‫اإلسالم والحكومة‬

‫سره)‪:‬‬
‫يقول اإلمام اخلميين (ق ّدس ّ‬
‫على املسلمني –ويف طليعتهم الروحانيّون وطالب العلوم الدينيّة– القيام ض ّد تبليغات أعداء اإلسالم بأيّة وسيلة‬
‫حت يههر أ ّن اإلسالم قام لتأسي حكومة عادلة ييها قوانني مربوطة باملاليّات وبيت املال‪ ،‬وأخذها من‬ ‫ممكنة‪ّ ،‬‬
‫مجيع الطبقات على هنج عدل‪ ،‬وقوانني مربوطة باجلزائيّات قصاصا‪ ،‬وحدا‪ ،‬وديّة بوجه لو عُمل به لقلّت اجلنايات‬
‫لو مل تنقطع‪ ،‬وانقطعت بذلك املفاسد املرتتّبة عليها‪ ،‬كاليت ترتتّب على استعمال املسكرات من اجلنايات‬
‫والفواحش إىل ما شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وما ترتتّب على الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وقوانني مربوطة بالقضاء‬
‫واحلقوق على هنج عادل وسهل من غري إتالف الوقت واملال‪ ،‬كما هو املشهد يف احملاكم الفعليّة‪ ،‬وقوانني مربوطة‬
‫باجلهاد والدياع واملعاهدات بني دولة اإلسالم وغريها‪.1‬‬

‫ويقول (رضوان اهلل عليه) ‪" :‬بل ميكن أن يقال‪ :‬اإلسالم هو احلكومة بشؤوهنا واألحكام قوانني اإلسالم‪،‬‬
‫وهي شأن شؤوهنا‪ ،‬بل األحكام مطلوبات بالعرض وأمور آليّة إلجرائها وبسط العدالة"‪.2‬‬

‫اب بِا ْحلَ ِّق‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ث اللَّهُ النَّبِيِّ َ‬


‫يفي اآلية الكرمية { َكا َن النَّاس أ َُّمة و ِ‬
‫ين َوأَنْ َزَل َم َع ُه ُم الْكتَ َ‬ ‫ني ُمبَ ِّش ِر َ‬
‫ين َوُمْنذر َ‬ ‫اح َدة يَبَ َع َ‬ ‫ُ َ‬
‫اختَ لَ ُفوا يِ ِيه ‪ 3}..‬تأكيد على أ ّن الرسالة اليت بُعث هبا األنبياء ال هتدف ّإال إىل إقامة‬ ‫يما ْ‬
‫ِ‬
‫ني النَّا ِس ي َ‬
‫ِ‬
‫ليَ ْح ُك َم بَ ْ َ‬
‫البشري وأ ّن البيّنات‪ ،‬والكتاب‪ ،‬وامليزان كلّها وسائل وطرق لتحقيق تلك الغاية السامية اليت‬ ‫ّ‬ ‫القسط يف اجملتمع‬
‫بُعث األنبياء من أجلها‪.‬‬

‫روح اهلل املوسوي اخلميين‪ ،‬كتاب البيع‪ ،‬حتقيق ّ‬


‫‪1‬‬
‫مؤسسة تنهيم ونشر آثار اإلمام اخلميين‪( ،‬طهران‪ ،‬الطبعة ‪1421 ،1‬ه) اجلزء‬
‫‪ ،2‬الصفحة ‪.460‬‬
‫‪ 2‬املصدر نفسه‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.472‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.213‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫َع ِد َل بَْي نَ ُك ُم}‪ ،4‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ت ِأل ْ‬ ‫وقال تعاىل خماطبا نبيه الكرمي‪{ :‬وقُل آَمْنت ِِبَا أَنْزَل اللَّه ِمن كِتَ ٍ ِ‬
‫اب َوأُم ْر ُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب بِ ْ‬ ‫{إِنَّا أَنْزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫َّاس ِبَا أ ََر َاك اللَّهُ } ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ { :‬وَم ْن َملْ ََْي ُك ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ‬ ‫ني الن ِ‬
‫‪5‬‬
‫احلَ ِّق لتَ ْح ُك َم بَ ْ َ‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الهَّال ُمو َن} ‪ ،‬و{ َوَم ْن َملْ ََْي ُك ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َكاي ُرو َن } ‪َ { ،‬وَم ْن َملْ ََْي ُك ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ يَأُولَئ َ‬ ‫يَأُولَئِ َ‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫اب َوُم َهْي ِمنا‬ ‫ني ي َديِْه ِمن الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب بِ ْ‬ ‫اس ُقو َن}‪ ،8‬وقال تعاىل‪{ :‬وأَنْزلْنَا إِلَي َ ِ‬ ‫ك هم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫صدِّقا ل َما بَ ْ َ َ‬ ‫احلَ ِّق ُم َ‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫يَأُولَئ َ ُ ُ‬
‫احلَ ِّق }‪ ،9‬وقال يف اآلية اليت بعدها مؤّكدا‪:‬‬ ‫اح ُك ْم بَْي نَ ُه ْم ِِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ َوَال تَتَّبِ ْع أ َْه َواءَ ُه ْم َع َّما َجاءَ َك ِم َن ْ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه يَ ْ‬
‫ك يَِ ْن تَ َولَّْوا‬ ‫ض َما أَنْ َزَل اللَّهُ إِلَْي َ‬ ‫وك َع ْن بَ ْع ِ‬ ‫اح َذ ْرُه ْم أَ ْن يَ ْفتِنُ َ‬ ‫ِ‬
‫اح ُك ْم بَْي نَ ُه ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ َوَال تَتَّبِ ْع أ َْه َواءَ ُه ْم َو ْ‬
‫{ َوأَن ْ‬
‫ِ‬
‫َّاس لََفا ِس ُقو َن * أَيَحكْم ْ ِ ِ ِ‬ ‫ض ذُنُوهبِِ ْم َوإِ َّن َكثِريا ِم َن الن ِ‬ ‫صيبَ ُه ْم بِبَ ْع ِ‬‫يد اللَّه أَ ْن ي ِ‬
‫َح َس ُن‬ ‫اجلَاهليَّة يَْب غُو َن َوَم ْن أ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫اعلَ ْم أَََّّنَا يُِر ُ ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫اب آَ َمنُوا َواتَّ َق ْوا لَ َكف َّْرنَا َعْن ُه ْم َسيِّئَاهتِِ ْم‬ ‫َن أ َْهل الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫م َن الله ُحكْما ل َق ْوم يُوقنُو َن} ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ { :‬ولَ ْو أ َّ َ‬
‫‪10‬‬

‫اإل ِْْنيل وما أُنْ ِزَل إِلَي ِهم ِمن رِّهبِم َألَ َكلُوا ِمن يَوقِ ِهم وِمن َْحت ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬ ‫ْ ْ َْ ْ‬ ‫ْ ْ َْ ْ‬ ‫اه ْم َجنَّات النَّعي ِم * َولَ ْو أَن َُّه ْم أَقَ ُاموا الت َّْوَرا َة َو ِْ َ َ َ‬ ‫َوَأل َْد َخ ْلنَ ُ‬
‫اب لَ ْستُ ْم َعلَى َش ْي ٍء‬ ‫ص َدةٌ وَكثِري ِمْن هم ساء ما ي ْعملُو َن}‪ ،11‬وقال تعاىل‪{ :‬قُل يا أ َْهل الْ ِكتَ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ ٌ ُْ َ َ َ َ َ‬
‫أَرجلِ ِهم ِمْن هم أ َُّمةٌ م ْقتَ ِ‬
‫ُْ ْ ُْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َشاءُ َوَر ْْحَِيت‬ ‫يب بِه َم ْن أ َ‬ ‫{ع َذ ِاِب أُص ُ‬ ‫يل َوَما أُنْ ِزَل إِلَْي ُك ْم م ْن َربِّ ُك ْم} ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫‪12‬‬
‫يموا الت َّْوَرا َة َو ْاإل ْْن َ‬
‫َح َّت تُق ُ‬
‫ين يَتَّبِعُو َن َّ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫و ِسعت ُك َّل شي ٍء يَسأَ ْكتب ها لِلَّ ِذين ي تَّ ُقو َن وي ؤتُو َن َّ َّ ِ‬
‫ول النِ َّ‬
‫َِّب‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ين ُه ْم ب َآيَاتنَا يُ ْؤمنُو َن الذ َ‬ ‫الزَكا َة َوالذ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ ُُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫وف وي ْن هاهم ع ِن الْمْن َك ِر وَُِي ُّل ََلم الطَّيِّب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاأل ُِّمي الَّ ِذي ََِي ُدونَه مكْتُوبا ِعْن َدهم ِيف التَّوراةِ و ِْ ِ‬
‫ات‬ ‫اإل ْْن ِيل يَأْ ُم ُرُه ْم بالْ َم ْع ُر َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ص ُروهُ َواتَّبَ عُوا‬‫ين آَ َمنُوا به َو َعَّزُروهُ َونَ َ‬ ‫ت َعلَْيه ْم يَالذ َ‬ ‫صَرُه ْم َو ْاألَ ْغ َال َل الَِّيت َكانَ ْ‬ ‫ض ُع َعْن ُه ْم إِ ْ‬ ‫ث َويَ َ‬ ‫اخلَبَائِ َ‬
‫َوَُيَِّرُم َعلَْي ِه ُم ْ‬
‫ول اللَّ ِه إِلَي ُكم َِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫مجيعا}‪.13‬‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّاس إِ ِِّّن َر ُس ُ‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفل ُحو َن قُ ْل يَا أَيُّ َها الن ُ‬ ‫ُّور الَّذي أُنْ ِزَل َم َعهُ أُولَئِ َ‬ ‫َ‬
‫وخاصة منها‬
‫ّ‬ ‫ياآليات اليت ذُكرت تؤّكد ِبجموعها على املفهوم الذي أسلفناه وهو أ ّن الرساالت اإلَليّة‪،‬‬
‫احملمديّة إَّّنا جاءت إلقامة العدل بني الناس‪ ،‬وإلقامة حكم اهلل‪ ،‬وما أُنزل إىل الناس من قبل اهلل‪ ،‬وإلقامة‬
‫الرسالة ّ‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ومن أجل حترمي اخلبائث وحتليل الطيّبات‪ ،‬ومن أجل حترير اإلنسان من أغالل‬
‫حممد (صلّى اهلل‬
‫العبوديّة والطاعة لغري اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأ ّكد سبحانه على أ ّن الرسالة اإلسالميّة اليت بعث هبا ّ‬

‫‪ 4‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬


‫‪ 5‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.105‬‬
‫‪ 6‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫‪ 7‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫‪ 8‬سورة المائدة‪ ،‬االية ‪.47‬‬
‫‪ 9‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.48‬‬
‫‪ 10‬سورة المائدة‪ ،‬اآليتان ‪ 49‬و ‪.50‬‬
‫‪ 11‬سورة المائدة‪ ،‬اآليتان ‪ 65‬و ‪.66‬‬
‫‪ 12‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.68‬‬
‫‪ 13‬سورة األعراف‪ ،‬اآليات ‪ 156‬إىل ‪.158‬‬
‫‪2‬‬
‫ختتص بزمان دون زمان‪ ،‬وال بقوم‬
‫عامة شاملة‪ ،‬ال ّ‬
‫عليه وآله) هبذه املواصفات وَلذه األهداف‪ ،‬إَّّنا هي رسالة ّ‬
‫دون قوم‪.‬‬

‫وخنلص ممّا ذكرنا إىل أ ّن احلكومة روح اإلسالم وأساسه‪ ،‬وأ ّن اإلسالم املنفصل عن احلكم والسياسة اسم‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ يلسنا حباجة إىل اثبات ضرورة إقامة احلكومة اإلسالميّة بالدليل‪ ،‬ينف‬ ‫مسمى ولفظ ياقد ملعناه‪،‬‬
‫دون ّ‬
‫كل األدلّة اليت على أساسها نعرتف باإلسالم كدين ألزمنا اهلل تعاىل‬
‫الدليل الذي يثبت لنا ح ّقانيّة اإلسالم‪ ،‬و ّ‬
‫سالمي‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمي ووجوب تطبيق النهام اإل‬
‫ّ‬ ‫كل ذلك دليل بنفسه على وجوب إقامة احلكم‬‫باتّباعه والعمل به‪ ،‬و ّ‬
‫على اجملتمع بكايّة شؤونه وأحواله‪.‬‬

‫عقيدة التوحيد ونظام الحكم اإللهي‬

‫يف الواقع إ ّن قضيّة احلكومة اإلسالميّة ليست قضيّة يرعيّة يف شريعة اإلسالم‪ ،‬كسائر يروع الواجبات من أمثال‬
‫الصالة والصوم والزكاة وغريها‪ ،‬بل ّإهنا مت ّ أصل العقيدة اإلسالميّة وهو مبدأ التوحيد‪.‬‬

‫العملي اخلضوع هلل وحده‪ ،‬ونفي اخلضوع والطاعة والتبعيّة لغريه‪،‬‬


‫احلقيقي و ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلَلي يعين يف مدلوله‬
‫يالتوحيد ّ‬
‫العملي ّإال بقيام حكومة إسالميّة عادلة يكون اخلضوع‬
‫ّ‬ ‫اإلَلي‬
‫ّ‬ ‫يتم هذا التوحيد‬
‫يف خمتلف نواحي احلياة‪ .‬وال ّ‬
‫والطاعة َلا خضوعا هلل وحده‪ ،‬وطاعة له سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫اإلَلي على مرحلتني‪ ،‬وال تكتمل األوىل ّإال بالثانية‪:‬‬


‫وتوضيح ذلك أ ّن التوحيد ّ‬
‫المرحلة األولى‪ :‬التوحيد النظري‬

‫اإلَلي واإلميان بوحدانيّة اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وال ب ّد أن نكون على بصرية من مفهوم‬
‫وهو عقد القلب على التوحيد ّ‬
‫حمرف واآلخر صائب وسليم‪.‬‬
‫النهري‪ ،‬يِ ّن هناك مفهومني للمبدأ الواحد أحدمها ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلَلي على املستوى‬
‫التوحيد ّ‬

‫احملرف‪ :‬هو الذي يعترب اإلله الواحد موجودا منعزال عن الكون واجملتمع انقضت ّ‬
‫مهمته يف عامل‬ ‫املفهوم َّ‬
‫األول يف خلق‬
‫الوجود بعد خلقه للكون واإلنسان‪ ،‬ولي على اإلنسان ّإال أن يق ّدره وَيرتمه جزاء على إحسانه ّ‬
‫األشياء من العدم‪.‬‬

‫ياإلله يف هذا املفهوم اخلاطئ شخصيّة تارخييّة لي َلا بواقع احلياة اإلنسانيّة احلاضرة دخل أو مساس من‬
‫ويكرمها كما يق ّدس األحفاد العجائز من اجلدات واجلدود‪ .‬وقد‬
‫قريب أو بعيد‪ ،‬وإَّّنا على اإلنسان أن يق ّدسها ّ‬

‫‪3‬‬
‫ت أَيْ ِدي ِه ْم َولُعِنُوا ِِبَا قَالُوا‬ ‫ِ‬
‫ود يَ ُد اللَّه َم ْغلُولَةٌ غُلَّ ْ‬
‫ِ‬
‫احملرف حيث قال‪َ { :‬وقَالَت الْيَ ُه ُ‬
‫أشار القرآن الكرمي إىل هذا املفهوم ّ‬
‫ف يَ َشاءُ}‪.14‬‬ ‫ِ ِ‬
‫بَ ْل يَ َداهُ َمْب ُسوطَتَان يُْنف ُق َكْي َ‬
‫المفهوم السليم‪ :‬وهو الذي يعترب اإلله الواحد مهيمنا على الوجود كلّه ومفيضا ييضه على املخلوقات يف‬
‫جل‬
‫كل شيء من شؤونه ِبشيئة الباري ّ‬ ‫كل حلهة‪ ،‬ويرى أ ّن الوجود كلّه قائم بذاته تعاىل‪ ،‬وأ ّن الكون واإلنسان و ّ‬
‫ّ‬
‫توضح حقيقة التوحيد‪ ،‬وتُزيح الشُّبَه وتزيل الغموض عن هذا‬
‫وعال‪ .‬والقرآن الكرمي مليء باآليات والبيّنات اليت ّ‬
‫حت‬
‫خاص‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫املفهوم‪ ،‬ومن بني السور القرآنية ْند أ ّن سوريت الرعد والنحل تؤّكدان على هذا املفهوم بشكل‬
‫لنجد أ ّن اآليات يف هاتني السورتني تدور حول هذا املوضوع من ّأول السورة إىل آخرها بالتقريب‪.‬‬

‫ونذكر على سبيل املثال بعض اآليات من كلتا السورتني‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يض ْاأل َْر َح ُام َوَما تَ ْزَد ُاد َوُك ُّل َش ْيء عْن َدهُ ِب ْق َدا ٍر َعاملُ‬ ‫سورة الرعد‪{ :‬اللَّهُ يَ ْعلَ ُم َما َْحتم ُل ُك ُّل أُنْثَى َوَما تَغ ُ‬
‫ني يَ َديِْه َوِم ْن َخ ْل ِف ِه ََْي َفهُونَهُ ِم ْن أ َْم ِر اللَّ ِه إِ َّن اللَّ َه َال يُغَيِّ ُر‬
‫ات ِم ْن بَ ْ ِ‬ ‫ب والش ِ‬
‫َّه َادة الْ َكبِريُ الْ ُمتَ َع ِال} ‪{ ،‬لَهُ ُم َعقِّبَ ٌ‬
‫‪15‬‬
‫الْغَْي ِ َ َ‬
‫ب‬ ‫َما بَِق ْوٍم َح َّت يُغَيِّ ُروا َما بِأَنْ ُف ِس ِه ْم َوإِ َذا أ ََر َاد اللَّهُ بَِق ْوٍم ُسوءا يَ َال َمَرَّد لَهُ َوَما ََلُ ْم ِم ْن ُدونِِه ِم ْن َو ٍال}‪{ ،16‬قُ ْل َم ْن َر ُّ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ضرا قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي ْاأل َْع َمى‬ ‫ض قُ ِل اللَّهُ قُ ْل أَيَ َّاختَ ْذ ُُْت م ْن ُدونه أ َْوليَاءَ َال ميَْل ُكو َن ألَنْ ُفس ِه ْم نَ ْفعا َوَال َ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫اخلَْل ُق َعلَْي ِه ْم قُ ِل اللَّهُ َخالِ ُق ُك ِّل‬ ‫ُّور أ َْم َج َعلُوا لِلَّ ِه ُشَرَكاءَ َخلَ ُقوا َك َخ ْل ِق ِه يَتَ َشابَهَ ْ‬ ‫ِ‬
‫َوالْبَصريُ أ َْم َه ْل تَ ْستَ ِوي الهُّلُ َم ُ‬
‫ات َوالن ُ‬
‫َشي ٍء وهو الْو ِ‬
‫اح ُد الْ َق َّه ُار}‪.17‬‬ ‫ْ ََُ َ‬
‫وح ِم ْن أ َْم ِرِه‬ ‫سورة النحل‪{ :‬أَتَى أ َْم ُر اللَّ ِه يَ َال تَ ْستَ ْع ِجلُوهُ ُسْب َحانَهُ َوتَ َع َاىل َع َّما يُ ْش ِرُكو َن يُنَ ِّزُل الْ َم َالئِ َكةَ بِ ُّ‬
‫الر ِ‬
‫ون اللَّ ِه َال َخيْلُ ُقو َن َشْيئا‬ ‫ون}‪{ ،18‬والَّ ِذين ي ْدعو َن ِمن د ِ‬ ‫علَى من ي َشاء ِمن ِعب ِاد ِه أَ ْن أَنْ ِذروا أَنَّه َال إِلَه إَِّال أَنَا يَاتَّ ُق ِ‬
‫َ ََ ُ ْ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ َْ َ ُ ْ َ‬
‫ين َال يُ ْؤِمنُو َن بِ ْاآلَ ِخَرةِ قُلُوبُ ُه ْم ُمْن ِكَرةٌ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫وهم ُخيلَقو َن أَموات َغي ر أ ٍ‬
‫َحيَاء َوَما يَ ْشعُ ُرو َن أَيَّا َن يُْب َعثُو َن إ ََلُ ُك ْم إلَهٌ َواح ٌد يَالذ َ‬ ‫َ ُ ْ ْ ُ َْ ٌ ُْ ْ‬
‫ض‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪20‬‬ ‫ٍ‬
‫َوُه ْم ُم ْستَكِْربُو َن}‪{ ،19‬إََِّّنَا قَ ْولُنَا لِ َش ْيء إِذَا أ ََرْدنَاهُ أَ ْن نَ ُق َ‬
‫ول لَهُ ُك ْن يَيَ ُكو ُن} ‪َ { ،‬ولَهُ َما يف َّ َ َ‬
‫اصبا أَيَغَْي َر اللَّ ِه تَتَّ ُقو َن َوَما بِ ُك ْم ِم ْن نِ ْع َم ٍة يَ ِم َن اللَّ ِه ُُثَّ إِذَا َم َّس ُك ُم الضُُّّر يَِلَْي ِه ََْتأ َُرو َن}‪َ { ،21‬ويَ ْعبُ ُدو َن‬
‫ولَه الدِّين و ِ‬
‫َُ َُ‬

‫‪ 14‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬


‫‪ 15‬سورة الرعد‪ ،‬اآليتان ‪ 8‬و‪.9‬‬
‫‪ 16‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬
‫‪ 17‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬
‫‪ 18‬سورة النحل‪ ،‬اآليتان ‪ 1‬و‪.2‬‬
‫‪ 19‬سورة النحل‪ ،‬اآليات ‪ 20‬إىل ‪.22‬‬
‫‪ 20‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫‪ 21‬سورة النحل‪ ،‬اآليتان ‪ 52‬و‪.53‬‬
‫‪4‬‬
‫ض ِربُوا لِلَّ ِه ْاأل َْمثَ َ‬
‫ال إِ َّن اللَّ َه يَ ْعلَ ُم‬ ‫ض َشْيئا َوَال يَ ْستَ ِطيعُو َن يَ َال تَ ْ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ون اللَّ ِه ما َال ميَْلِ ُ ِ ِ‬
‫ك ََلُ ْم رْزقا م َن َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِمن د ِ‬
‫ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب اللَّهُ َمثَال َعْبدا ممَْلُوكا َال يَ ْقد ُر َعلَى َش ْيء َوَم ْن َرَزقْ نَاهُ منَّا ِرْزقا َح َسنا يَ ُه َو يُْنف ُق مْنهُ سرا‬ ‫ضَر َ‬‫َوأَنْتُ ْم َال تَ ْعلَ ُمو َن َ‬
‫احلَ ْم ُد لِلَّ ِه بَ ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم َال يَ ْعلَ ُمو َن}‪.22‬‬
‫َو َج ْهرا َه ْل يَ ْستَ ُوو َن ْ‬

‫يهذه اآليات وكثري غريها تؤّكد بوضوح على أ ّن حقيقة التوحيد تعين االعتقاد بأ ّن األمر كلّه هلل‪ ،‬وأنّه ال‬
‫مؤثّر يف الوجود ّإال اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأ ّن األشياء كلّها تابعة يف وجودها وأيعاَلا وآثارها ملشيئة اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل وسنّته اليت ق ّدرها يف الوجود‪ .‬هذا من التوحيد النهري‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬التوحيد العملي‬

‫النهري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العملي هو أن يكون اإلنسان يف عمله خاضعا هلل وحده‪ .‬وهذا يف احلقيقة نتيجة التوحيد‬‫ّ‬ ‫ومعىن التوحيد‬
‫العملي‪ .‬يِ ّن االعتقاد‬
‫ّ‬ ‫النهري إَّّنا يتجلّى من خالل التوحيد‬
‫ّ‬ ‫ِبعىن أ ّن صدق عقيدة التوحيد أو قُل صدق التوحيد‬
‫وتصرياته‪ ،‬واالعتقاد بأ ّن األشياء كلّها تابعة ألمر‬
‫خبضوع األشياء كلّها هلل يقتضي خضوع اإلنسان هلل يف عمله ّ‬
‫اهلل ومشيئته يقتضي تبعيّة اإلنسان أيضا هلل تعاىل يف حياته وحركاته‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫َن أ َْهل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب آَ َمنُوا َواتَّ َق ْوا لَ َكف َّْرنَا َعْن ُه ْم َسيِّئَاهت ْم َوَأل َْد َخ ْلنَ ُ‬
‫اه ْم‬ ‫أنهر اآلية الكرمية اليت تقول‪َ { :‬ولَ ْو أ َّ َ‬
‫ت أ َْر ُجلِ ِه ْم‬ ‫اإل ِْْنيل وما أُنْ ِزَل إِلَي ِهم ِمن رِّهبِم َألَ َكلُوا ِمن يَوقِ ِهم وِمن َْحت ِ‬
‫ْ ْ ْ َ ْ‬ ‫ْ ْ ْ َ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َجنَّات النَّعي ِم * َولَ ْو أَن َُّه ْم أَقَ ُاموا الت َّْوَرا َة َو ِْ َ َ َ‬
‫وتأمل ييها لتجد روعة املعىن وعهمة الدليل ومجال البالغة‬ ‫‪23‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مْن ُه ْم أ َُّمةٌ ُم ْقتَص َدةٌ َوَكث ٌري مْن ُه ْم َساءَ َما يَ ْع َملُو َن } ‪ّ ،‬‬
‫ض‪،24}...‬‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫األدبيّة‪ ،‬كيف َتلّت كلّها يف هذا الربط املربهن بني التوحيد النهري‪َ { :‬ولَهُ َما يف َّ َ َ‬
‫اصبا أَيَغَْي َر اللَّ ِه تَتَّ ُقو َن}‪ ،25‬وذلك بأوجز تعبري وأمجل خطاب‪.‬‬ ‫وبني التوحيد العلمي‪ { :‬ولَه الدِّين و ِ‬
‫ّ َُ َُ‬
‫العملي‪ ،‬وَلذا َتد أ ّن القرآن َيكي موجز رسالة األنبياء هبذه‬ ‫ّ‬ ‫والواقع أ ّن التقوى عبارة أخرى عن التوحيد‬
‫ت ِم ْن لَ ُد ْن َح ِكي ٍم َخبِ ٍري أََّال تَ ْعبُ ُدوا إَِّال اللَّهَ إِن َِّين لَ ُك ْم ِمْنهُ نَ ِذ ٌير‬
‫صلَ ْ‬ ‫ت آَيَاتُهُ ُُثَّ يُ ِّ‬ ‫العبارة تارة‪{ :‬الر كِتَاب أ ِ‬
‫ُحك َم ْ‬‫ٌ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم ُهودا‬ ‫ني أَ ْن َال تَ ْعبُ ُدوا إَِّال اللَّهَ} ‪َ { ،‬وإِ َىل َعاد أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫َوبَشريٌ} ‪َ { ،‬ولََق ْد أ َْر َس ْلنَا نُوحا إِ َىل قَ ْومه إِ ِِّّن لَ ُك ْم نَذ ٌير ُمبِ ٌ‬
‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪ 22‬سورة النحل‪ ،‬اآليات ‪ 73‬إىل ‪.75‬‬


‫سورة المائدة‪ ،‬اآليتان ‪ 65‬و‪.66‬‬ ‫‪23‬‬

‫سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪ 25‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬


‫‪ 26‬سورة هود‪ ،‬اآليتان ‪ 1‬و‪.2‬‬
‫‪ 27‬سورة هود‪ ،‬اآليتان ‪ 25‬و‪.26‬‬
‫‪5‬‬
‫ال يَا قَ ْوِم ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َما لَ ُك ْم ِم ْن إِلٍَه‬ ‫ال يا قَوِم اعبدوا اللَّه ما لَ ُكم ِمن إِلٍَه َغي ره}‪{ ،28‬وإِ َىل ََثُود أَخاهم ص ِ‬
‫احلا قَ َ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُُ‬ ‫قَ َ َ ْ ْ ُ ُ َ َ ْ ْ‬
‫ال يَا قَ ْوِم ْاعبُ ُدوا اللَّ َه َما لَ ُك ْم ِم ْن إِلٍَه َغْي ُرهُ}‪.30‬‬
‫اه ْم ُش َعْيبا قَ َ‬ ‫َغْي ُرهُ} ‪َ { ،‬وإِ َىل َم ْديَ َن أ َ‬
‫َخ ُ‬
‫‪29‬‬

‫ني إِ ْذ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫وح أََال‬ ‫وه ْم نُ ٌ‬ ‫َخ ُ‬ ‫ال ََلُ ْم أ ُ‬ ‫وح الْ ُم ْر َسل َ‬‫ت قَ ْوُم نُ ٍ‬ ‫وثانية َيكي موجز رسالة األنبياء هبذه العبارة‪َ { :‬ك َّذبَ ْ‬
‫ني إِ ْذ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ‪31‬‬ ‫تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن لَ ُكم رس ٌ ِ‬
‫ود أََال تَتَّ ُقو َن‬ ‫وه ْم ُه ٌ‬ ‫َخ ُ‬‫ال ََلُ ْم أ ُ‬ ‫اد الْ ُم ْر َسل َ‬
‫ت َع ٌ‬ ‫ون} ‪َ { ،‬ك َّذبَ ْ‬ ‫ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأَطيعُ‬
‫ول أَم ٌ‬ ‫ْ َُ‬
‫صالِ ٌح أََال تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن‬
‫وه ْم َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫ني إِ ْذ قَ َ‬
‫ال ََلُ ْم أ ُ‬
‫ِ‬
‫ود الْ ُم ْر َسل َ‬
‫ت ََثُ ُ‬ ‫ون} ‪َ { ،‬ك َّذبَ ْ‬
‫‪32‬‬ ‫َطيع ِ‬ ‫ِ‬
‫ني يَاتَّ ُقوا اللَّهَ َوأ ُ‬
‫إِ ِِّّن لَ ُكم رس ٌ ِ‬
‫ول أَم ٌ‬ ‫ْ َُ‬
‫ط أََال تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن‬ ‫ني إِ ْذ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َطيع ِ‬‫ِ‬ ‫لَ ُكم رس ٌ ِ‬
‫وه ْم لُو ٌ‬‫َخ ُ‬‫ال ََلُ ْم أ ُ‬ ‫ت قَ ْوُم لُوط الْ ُم ْر َسل َ‬ ‫ون} ‪َ { ،‬ك َّذبَ ْ‬ ‫ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأ ُ‬
‫ول أَم ٌ‬
‫‪33‬‬
‫ْ َُ‬
‫ب أََال تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن‬ ‫ني إِ ْذ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫لَ ُكم رس ٌ ِ‬
‫ال ََلُ ْم ُش َعْي ٌ‬ ‫اب ْاألَيْ َكة الْ ُم ْر َسل َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫بأْ‬ ‫ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأَطيعُون} ‪َ { ،‬ك َّذ َ‬ ‫ول أَم ٌ‬
‫‪34‬‬
‫ْ َُ‬
‫ِ ِ ‪35‬‬ ‫لَ ُكم رس ٌ ِ‬
‫ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأَطيعُون} ‪.‬‬ ‫ول أَم ٌ‬ ‫ْ َُ‬
‫يالعبارتان حتكيان معىن واحدا بلفهني‪ :‬يِ ّن عبادة اهلل تعاىل وحده هي بعينها تقوى اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫اليت جاء األمر هبا يف احلكاية الثانية لرسالة األنبياء عليهم السالم‪ .‬ويبدو من جمموع آيات الطائفة الثانية أ ّن‬
‫وضحت وبالدقّة‬
‫تقوى اهلل اليت أمر هبا األنبياء لي مفهوما َتريديا كلّيا غامض األبعاد واملصاديق‪ ،‬بل إ ّهنا ّ‬
‫ون }‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َطيع ِ‬
‫احلقيقي من األمر به بقوَلم‪َ { :‬وأ ُ‬
‫ّ‬ ‫مصداق هذه التقوى واملراد‬
‫َطيع ِ‬ ‫ِ‬
‫مستقالن‪ ،‬منفصل أحدمها عن اآلخر‪ ،‬بل هناك‬ ‫ّ‬ ‫ون} موضوعان‬ ‫يلي يف كلمة األنبياء {يَاتَّ ُقوا اللَّهَ َوأ ُ‬
‫رسالة واحدة يف عبارة‪{ :‬قَ ْوِم ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َما لَ ُك ْم ِم ْن إِلٍَه َغْي ُرهُ‪ .}...‬وهي يف عبارة أخرى‪{ :‬أََال تَتَّ ُقو َن} و{اتّقوا‬
‫ون}‪ ،‬وهبذه الطاعة تتح ّقق التبعيّة العمليّة واخلضوع‬ ‫َطيع ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل}‪ .‬وهي يف مصداقها وتعيّنها العملي وامليداِّن‪َ { :‬وأ ُ‬
‫العملي يف سلوك اإلنسان املؤمن باهلل وحده‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وبذلك يتجلّى التوحيد‬ ‫ّ‬

‫التوحيد العملي وتوحيد الطاعة‬

‫‪ 28‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.50‬‬


‫‪ 29‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.61‬‬
‫‪ 30‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.84‬‬
‫‪ 31‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪ 105‬إىل ‪.108‬‬
‫‪ 32‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪ 123‬إىل ‪.126‬‬
‫‪ 33‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪ 141‬إىل ‪.144‬‬
‫‪ 34‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪ 160‬إىل ‪.163‬‬
‫‪ 35‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪ 176‬إىل ‪.179‬‬
‫‪6‬‬
‫العملي يف واقعه هو توحيد الطاعة هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬يحقيقة‬
‫ّ‬ ‫تبني – من احلديث الذي أسلفناه – أ ّن التوحيد‬
‫ّ‬
‫العمل بالتوحيد أن ال يطيع اإلنسان يف سلوكه ويف مجيع شؤونه احلياتيّة (يرديّة كانت أو اجتماعيّة‪ ،‬سياسيّةَ كانت‬
‫أو اقتصاديّةَ‪ ،‬أم غريها) غري اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن يطيع اهلل وحده يف مجيع ذلك‪.‬‬

‫للموحد أن ال يرى مؤثرا يف الوجود على حنو االستقالل غري اهلل‬ ‫ّ‬ ‫النهري‪ ،‬ال ب ّد‬
‫ّ‬ ‫يفي جمال التوحيد‬
‫سبحانه‪ ،‬وأن يعتقد أ ّن األمر كلّه بيد اهلل‪ ،‬وأ ّن إىل اهلل تصري األمور‪ ،‬وأ ّن له اخللق واألمر‪ ،‬وأ ّن له من يف‬
‫السماوات واألرض وما ييهما‪ ،‬وأ ّن له امللك وأنّه يفعل ما يشاء‪ ،‬وال يفعل ما يشاء غريه‪.‬‬

‫يوجه اإلنسان إرادته‬ ‫النهري‪ ،‬يال ب ّد أن ّ‬


‫ّ‬ ‫يِذا كانت شؤون اخللق والكون بيده كلّها‪ِ ،‬بقتضى التوحيد‬
‫كل أيعاله اإلراديّة‪ ،‬واالختياريّة مع إرادة اهلل وأمره‬ ‫واختياره الوجهة اليت يريده اهلل سبحانه وتعاىل أي أن ينسجم يف ّ‬
‫{ولِلَّ ِه‬
‫وهنيه‪ ،‬وأن َيعل إرادة اهلل سبحانه يوق إرادته‪ ،‬وأمره وهنيه يوق هواه ورغبته‪ .‬يحينما يقول القرآن العهيم‪َ :‬‬
‫السماو ِ‬
‫ات َوَم ْن ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َوَما ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ض}‪،37‬‬ ‫َن اللَّ َه يَ ْس ُج ُد لَهُ َم ْن يف َّ َ َ‬
‫ض}‪{ ،36‬أَ َملْ تَ َر أ َّ‬ ‫يَ ْس ُج ُد َما يف َّ َ َ‬
‫ويعرب بذلك عن‬
‫يقصد بالسجود اخلضوع املطلق هلل سبحانه‪ ،‬يِ ّن حقيقة السجود هي هناية التذلّل واخلضوع‪ّ ،‬‬
‫النهري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يكرة التوحيد يف جماَلا‬

‫اه ُدوا‬ ‫اخلي ر لَعلَّ ُكم تُ ْفلِحو َن وج ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫اس ُج ُدوا َو ْاعبُ ُدوا َربَّ ُك ْم َوايْ َعلُوا َْْ َ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ين آَ َمنُوا ْارَكعُوا َو ْ‬
‫وحينما يقول‪{ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ني ِم ْن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ِيف اللَّه َح َّق ج َهاده ُه َو ْ‬
‫اجتَبَا ُك ْم َوَما َج َع َل َعلَْي ُك ْم يف الدِّي ِن م ْن َحَرٍج ملةَ أَبي ُك ْم إبْ َراه َ‬
‫يم ُه َو َسَّا ُك ُم الْ ُم ْسلم َ‬
‫ص ُموا بِاللَّ ِه‬
‫الزَكا َة و ْاعتَ ِ‬ ‫ول ش ِهيدا علَي ُكم وتَ ُكونُوا شهداء علَى الن ِ ِ‬ ‫قَ ْب ُل َوِيف َه َذا لِيَ ُكو َن َّ‬
‫الص َال َة َوآَتُوا َّ َ‬
‫يموا َّ‬ ‫َّاس يَأَق ُ‬ ‫َُ َ َ َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫الر ُس ُ َ‬
‫يعرب عنه ِبلّة‬ ‫هو موَال ُكم يَنِعم الْموَىل ونِعم الن ِ‬
‫العملي الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّصريُ}‪ .38‬يِنّه سبحانه يرسم للعباد طريق التوحيد‬ ‫َُ َْ ْ ْ َ َْ َ ْ َ‬
‫املوحدين العمليّني باملسلمني‪ ،‬وَيعل اإلسالم مراديا لتوحيد الطاعة واخلضوع هلل سبحانه وتعاىل‪،‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ويصف ّ‬
‫وهبذه املناسبة يؤّكد على أ ّن اهلل سبحانه هو املوىل‪ ،‬وأنّه نعم املوىل‪ ،‬ونعم النصري‪.‬‬
‫ٍ ِ‬ ‫وهبذا يتضح معىن قوله تعاىل‪{ :‬إََِّّنَا أ ُِمرت أَ ْن أَعبد ر َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫ت أَ ْن‬ ‫ب َهذه الْبَ ْل َدة الَّذي َحَّرَم َها َولَهُ ُك ُّل َش ْيء َوأُم ْر ُ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ّ‬
‫يم َحنِيفا َوَما َكا َن ِم َن‬ ‫ِ ٍ ِ ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني} ‪{ ،‬قُ ْل إن َِّين َه َداِّن َرِِّب إ َىل صَراط ُم ْستَقيم دينا قيَما مل َة إبْ َراه َ‬
‫‪39‬‬
‫أَ ُكو َن م َن الْ ُم ْسلم َ‬
‫ِِ‬ ‫يك لَه وبِ َذلِ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اي َوممََ ِايت لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ني قُل إِ َّن َ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ت َوأَنَا أ ََّو ُل الْ ُم ْسلم َ‬
‫ني‬ ‫ك أُم ْر ُ‬ ‫ني َال َش ِر َ ُ َ‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫ص َاليت َونُ ُسكي َوَْحميَ َ‬ ‫الْ ُم ْشرك َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ٍ ‪40‬‬
‫يم إَِّال َم ْن َسف َه نَ ْف َسهُ َولََقد ْ‬
‫اصطََفْي نَاهُ‬ ‫ب َع ْن ملة إبْ َراه َ‬ ‫ب ُك ِّل َش ْيء} ‪َ { ،‬وَم ْن يَ ْر َغ ُ‬ ‫قُ ْل أَ َغْي َر اللَّ ِه أَبْغِي َربا َوُه َو َر ُّ‬

‫‪ 36‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.49‬‬


‫‪ 37‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬
‫‪ 38‬سورة الحج‪ ،‬اآليتان ‪ 77‬و‪.78‬‬
‫‪ 39‬سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.91‬‬
‫‪ 40‬سورة األنعام‪ ،‬اآليات ‪ 161‬إىل ‪.164‬‬
‫‪7‬‬
‫يم بَنِ ِيه‬ ‫ب الْعالَ ِمني وو َّ ِ ِ ِ‬ ‫ال أَسلَم ِ‬ ‫ال لَه ربُّه أ ِ‬ ‫ِيف الدُّنْيا وإِنَّه ِيف ْاآلَ ِخرةِ لَ ِمن َّ ِِ‬
‫صى هبَا إبْ َراه ُ‬ ‫ت لَر ِّ َ َ َ َ‬ ‫َسل ْم قَ َ ْ ْ ُ‬ ‫ني إِ ْذ قَ َ ُ َ ُ ْ‬ ‫الصاحل َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ت‬
‫وب الْ َم ْو ُ‬ ‫ِّين يَ َال متَُوتُ َّن إَِّال َوأَنْتُ ْم ُم ْسل ُمو َن أ َْم ُكْنتُ ْم ُش َه َداءَ إِ ْذ َح َ‬
‫ضَر يَ ْع ُق َ‬ ‫ين إِ َّن اللَّ َه ْ‬
‫اصطََفى لَ ُك ُم الد َ‬ ‫وب يَا بَِ َّ‬
‫َويَ ْع ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ك إِب ر ِاه ِ ِ‬ ‫ال لِبنِ ِيه ما تَعب ُدو َن ِمن ب ع ِدي قَالُوا نَعب ُد إِ ََل َ ِ ِ‬
‫اق إِ ََلا َواحدا َوَْحن ُن لَهُ‬
‫يل َوإِ ْس َح َ‬ ‫يم َوإ ْسَاع َ‬ ‫ك َوإلَ َه آَبَائ َ ْ َ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫إ ْذ قَ َ َ َ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ُم ْسلِ ُمو َن}‪.41‬‬

‫وهذا هو معىن إسالم الوجه هلل سبحانه الذي يعين أن يكون العبد يف وجهته أي يف الطريقة اليت يسلكها‬
‫عمن سواه‪.‬‬
‫تتوجه إليه إرادته خاضعا هلل سبحانه مطيعا ألمره‪ ،‬ممتثال إلرادته معرضا ّ‬
‫يف حياته‪ ،‬ويف كل ما ّ‬
‫اب إَِّال ِم ْن بَ ْع ِد َما َجاءَ ُه ُم الْعِْل ُم‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬
‫اإلس َالم وما اخت لَ َّ ِ‬
‫ف الذ َ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬إِ َّن الد ِ ِ‬
‫ِّين عْن َد اللَّه ِْ ْ ُ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َو ْج ِه َي للَّه َوَم ِن اتَّبَ َع ِن َوقُ ْل‬ ‫احلس ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َسلَ ْم ُ‬
‫وك يَ ُق ْل أ ْ‬‫اج َ‬
‫اب يَِ ْن َح ُّ‬ ‫يع ْ َ‬ ‫بَ ْغيا بَْي نَ ُه ْم َوَم ْن يَ ْك ُف ْر ب َآيَات اللَّه يَِ َّن اللَّ َه َس ِر ُ‬
‫ص ٌري بِالْعِبَ ِاد}‪.42‬‬ ‫ك الْب َالغُ واللَّه ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫َسلَ ُموا يَ َقد ْاهتَ َد ْوا َوإ ْن تَ َولَّْوا يَََِّّنَا َعلَْي َ َ َ ُ َ‬ ‫ني أَأ ْ‬
‫َسلَ ْمتُ ْم يَِ ْن أ ْ‬ ‫اب َو ْاأل ُِّميِّ َ‬
‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬ ‫للذ َ‬
‫ويف اآلية داللة على أ ّن األنبياء صلوات اهلل عليهم هم الطليعة يف طريق اإلسالم هلل‪ ،‬وتوحيد الطاعة هلل تعاىل‪،‬‬
‫ت َو ْج ِه َي لِلَّ ِه َوَم ِن‬ ‫َسلَ ْم ُ‬
‫وأ ّن إسالم الناس اآلخرين هلل تعاىل إَّّنا يتح ّقق بتبعيّتهم لألنبياء عليهم السالم‪ { ،‬أ ْ‬
‫اتَّب ع ِن}‪ ،‬كما قال سبحانه أيضا‪{ :‬قُل ه ِذ ِه سبِيلِي أ َْدعو إِ َىل اللَّ ِه علَى ب ِ‬
‫ص َريةٍ أَنَا َوَم ِن اتَّبَ َع ِين َو ُسْب َحا َن اللَّ ِه َوَما أَنَا‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫نِب اهلل سليمان بن داوود قوله‪{ :‬أ اَّل تَ ْعلوا َعلَ اي‬ ‫م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫‪43‬‬
‫ني} ‪ .‬وَلذا ْند القرآن الكرمي َيكي عن لسان ّ‬
‫َو ْأتُونِي ُم ْسلِ ِمينَ }‪ ،44‬ياإلسالم هلل إَّّنا يتح ّقق باخلضوع حلكمه اجلاري على يد عبده الصاحل سليمان يال ب ّد‬
‫لآلخرين أن خيضعوا َلذا احلكم وأن ال يعلوا على حكومة اهلل اليت يقيمها أولياؤه الصاحلون‪ ،‬ولن يكون إسالم إال‬
‫هبذه التبعيّة للقادة اإلَليّني‪.‬‬

‫توحيد الطاعة ووالية األنبياء‬

‫ّأما توحيد الطاعة هلل يتعين أ ّن الوالية له تعاىل على الناس ال لغريه‪ ،‬يِ ّن الوالية معناها السيطرة والسلطة‪ ،‬يقد جاء‬
‫ول الشيء وعليه والية‪ :‬ملك أمره وقام به‪ .45‬يالوالية يف‬
‫ول البلد‪ :‬تسلّط عليه‪ .‬وجاء يف اللغة أيضا ّ‬ ‫يف اللغة ّ‬
‫حق ّاختاذ القرار وتعيني املصري‪.‬‬
‫روحها تعين ّ‬

‫‪ 41‬سورة البقرة‪ ،‬اآليات ‪ 130‬إىل ‪.133‬‬


‫‪ 42‬سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪ 19‬و‪.20‬‬
‫‪ 43‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬
‫‪ 44‬سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬
‫‪ 45‬سعيد اخلوري الشرتوِّن اللبناِّن‪ ،‬أقرب الموارد (قم‪ -‬إيران‪ :‬منشورات مكتبة آية اهلل العهمى املرعشي النجفي)‪ ،‬الصفحة‬
‫‪.1487‬‬
‫‪8‬‬
‫والسؤال هنا عن اإلنسان يف حياته الفرديّة واالجتماعيّة ِبختلف شؤوهنا وحقوَلا وأ ّن الطريقة اليت ال ب ّد‬
‫َيق له تعيني مصري اإلنسان وَيق له ّاختاذ القرار‬‫أن يكيّف هبا حياته ومصريه ما هي؟ وما هو املصدر الذي ّ‬
‫بشأن حياة اإلنسان وسلوكه وكايّة شؤونه؟‬

‫العملي يقتضي خضوع اإلنسان هلل وطاعته املطلقة له تعاىل ياجلواب واضح ال غموض‬ ‫ّ‬ ‫وإذا كان التوحيد‬
‫يقرر لإلنسان مصريه والطريقة اليت‬
‫ييه أبدا‪ .‬يِ ّن معىن خضوع اإلنسان هلل وطاعته له أ ّن اهلل هو الذي ال ب ّد أن ّ‬
‫يكيّف هبا شؤونه احلياتيّة يف خمتلف جماالهتا وشعبها‪.‬‬

‫إ ّن النهرة التوحيديّة حتكم أن يكون صاحب القرار يف الكون كلّه هو اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وتأىب هذه‬
‫أي استثناء‪ ،‬يلي اإلنسان وحياته الفرديّة واالجتماعيّة استثناء يف هذه النهرة‬ ‫النهرة التوحيديّة إىل الكون ّ‬
‫الشاملة‪ ،‬وال ميكن أن يكون اإلنسان نشازا يف هذه اجملموعة الكونيّة اخلاضعة هلل تعاىل وحده‪{ .‬لَ ِكنَّا ُه َو اللَّهُ َرِِّب‬
‫ك َماال‬ ‫ت َما َشاءَ اللَّهُ َال قُ َّوَة إَِّال بِاللَّ ِه إِ ْن تَ َرِن أَنَا أَقَ َّل ِمْن َ‬
‫ك قُ ْل َ‬ ‫ت َجنَّتَ َ‬ ‫َحدا * َولَ ْوَال إِ ْذ َد َخ ْل َ‬ ‫ِ‬
‫َوَال أُ ْش ِرُك بَرِِّب أ َ‬
‫ك الْ َوَاليَةُ لِلَّ ِه ْ‬
‫احلَ ِّق ُه َو َخْي ٌر ثَ َوابا َو َخْي ٌر عُ ْقبا}‪.47‬‬ ‫ِ‬ ‫‪46‬‬
‫َوَولَدا} ‪ .‬إىل قوله تعاىل‪ُ { :‬هنَال َ‬
‫وإذا كان صاحب القرار يف الكون واحدا وهو اهلل تعاىل لي غريه‪ ،‬وإذا كان اإلنسان ضمن هذه اجملموعة‬
‫الكونيّة اخلاضعة لوالية اهلل سبحانه‪ ،‬يليست الوالية يف حياة اإلنسان ّإال هلل وحده‪ ،‬يهو صاحب القرار يف حياة‬
‫اإلنسان وهو املوىل ونعم املوىل ونعم النصري‪.‬‬

‫العملي توحيد الوالية والطاعة هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ونتيجة ذلك‬


‫ّ‬ ‫إىل هنا‪ ،‬اتّضح لدينا أ ّن مقتضى التوحيد‬
‫أ ّن قبول والية غري اهلل تعاىل والتسليم واخلضوع لغري اهلل سبحانه خروج عن طريقة التوحيد‪ .‬ولكن كيف يأخذ‬
‫احلقيقي الذي‬
‫ّ‬ ‫لي أو الطاعة والوالية املطلقة اإلَليّة جمرامها يف حياة اإلنسان؟ وكيف ينطبق اإلسالم‬
‫التوحيد العم ّ‬
‫العملي واخلضوع املطلق هلل سبحانه وتعاىل على حياة اإلنسان؟ ويف مجيع شؤوهنا وجماالهتا؟‬
‫ّ‬ ‫هو التوحيد‬

‫لي هناك ّإال طريق واحد‪ ،‬وهو أن ينصب اهلل سبحانه وتعاىل يف عباده َمن يأمرهم بطاعته واتّباعه‪،‬‬
‫ويفرتض عليهم واليته‪ ،‬لتكون طاعتهم له طاعة هلل سبحانه واخلضوع لواليته خضوعا لوالية اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫تتبىن آراء الناس أساسا النبثاق احملور الذي يسلّم له الناس بالطاعة‬
‫حت الطرق اليت ّ‬
‫أي طريق غري هذا الطريق ّ‬
‫وّ‬
‫التصرف يف حياهتم وشؤوهنم‪ ،‬يضال عن الطرق املعتمدة على أساس القهر‪ ،‬والغلبة‪ ،‬والقوة‪،‬‬
‫وخيولونه أمر ّ‬
‫واالنقياد ّ‬
‫كل هذه الطرق تتناىف‬‫والسيطرة‪ ،‬واخلداع‪ ،‬والتضليل‪ ،‬والتمويه‪ ،‬وسرقة آراء الناس‪ ،‬واغتصاب إرادهتم وغري ذلك‪ّ ،‬‬

‫‪ 46‬سورة الكهف‪ ،‬اآليتان ‪ 38‬و‪.39‬‬


‫‪ 47‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫‪9‬‬
‫اإلَلي الذي يريد لإلنسان أن يكون خاضعا يف‬‫والنهرة التوحيديّة للكون واإلنسان‪ ،‬وتتناقض مع أساس التوحيد ّ‬
‫وحكمه‪.‬‬
‫حياته وإرادته هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومسلّما أمره هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومسلّما أمره إليه ومنقادا لواليته ُ‬
‫يهناك طريقان أمام اإلنسان لي َلما ثالث‪:‬‬

‫اإلميان باهلل وحده‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫واإلميان بالطاغوت‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫احتل يف اجملتمع البشري موقعا إَليا‪ ،‬ويرض نفسه يوق العباد وطلب منهم طاعته‬
‫كل ما سوى اهلل إذا ّ‬
‫و ّ‬
‫حت لو كان ذلك بفعل آراء الناس أنفسهم يَِّّنا هو طاغوت‪ّ ،‬إال َمن كانت طاعته منبثقة من‬ ‫واالنقياد ألمره ّ‬
‫طاعة اهلل‪ ،‬وكان االنقياد له انقيادا هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو الذي ينصبه اهلل سبحانه وتعاىل على الناس إماما‬
‫وقائدا ليسلك هبم طريق الطاعة اإلَليّة‪ ،‬وين ّفذ ييهم أمر اهلل وهنيه‪ ،48‬قال تعاىل‪{ :‬فَ َم ْن يَ ْكفُرْ بِالطاا ُغو ِ‬
‫ت‬
‫َّللاُ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم}‪ .49‬وقد سبق أن أشرنا‬‫صا َم لَهَا َو ا‬ ‫ك بِ ْالعُرْ َو ِة ْال ُو ْثقَى ََّل ا ْنفِ َ‬ ‫َوي ُْؤ ِم ْن بِ ا‬
‫اَّللِ فَقَ ِد ا ْستَ ْم َس َ‬
‫ِ‬
‫َطيع ِ‬
‫ون}‪ ، 50‬ونبّهنا إىل أ ّن طاعة األنبياء‬ ‫إىل ما َيكيه القرآن من موجز رسالة االنبياء بقوله تعاىل‪{ :‬يَاتَّ ُقوا اللَّهَ َوأ ُ‬
‫العملي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مصداق التقوى اإلَليّة اليت هي بدورها تعبري عن التوحيد‬

‫مواصفات القادة اإللهيين‬

‫‪48‬‬
‫يِهنا طاعة الطاغوت‪ ،‬وكل مطاع ال تنتهي طاعته‬ ‫يكل طاعة وانقياد مل تنته إىل طاعة اهلل ّ‬
‫وانطالقا من هذا األساس التوحيدي ّ‬
‫أي إنسان حت الوالدين‪ ،‬أو الصديق أو القادة السياسيني واحلزبيّني إَّّنا َتوز بِذن من‬ ‫إىل طاعة اهلل يِنّه طاغوت‪ .‬إذن‪ ،‬يِطاعة ّ‬
‫اهلل سبحانه‪ ،‬وإال يِنّه من عبادة الطاغوت‪ .‬وقد وردت بذلك أحاديث كثرية عن املعصومني منها ما رواه القمي بسند صحيح عن‬
‫وجل‪{ :‬وما يؤمن أكثرهم باهلل ّإال وهم مشركون} قال‪ :‬شرك طاعة‪ ،‬ولي شرك عبادة‪.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫أِب عبداهلل (عليه السالم) يف قول اهلل ّ‬
‫احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (دار إحياء الرتاث العرِب)‪ ،‬اجلزء ‪،18‬‬ ‫حممد بن احلسن ّ‬ ‫الشيخ ّ‬
‫الصفحة ‪.90‬‬
‫وروى الصدوق بِسناده عن اإلمام الصادق (عليه السالم) أنّه قال‪ :‬إياك والرياسة يما طلبها أحد إال هلك – إىل أن قال – إَّّنا‬
‫احلر العاملي‪ ،‬وسائل‬
‫حممد بن احلسن ّ‬
‫تنصب رجال دون احلجة يتص ّدقه يف كل ما قال‪ ،‬وتدعو الناس إىل قوله الشيخ ّ‬
‫ذلك أن ّ‬
‫الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (دار إحياء الرتاث العرِب)‪ ،‬اجلزء ‪ ،18‬الصفحة ‪.93‬‬
‫‪ 49‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.256‬‬
‫‪ 50‬سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬
‫‪10‬‬
‫العملي يفرض توحيد الوالية والطاعة هلل سبحانه‪ ،‬وإ ّن توحيد الوالية والطاعة‬
‫ّ‬ ‫بناءّ على ما تق ّدم‪ ،‬إ ّن التوحيد‬
‫ينصب اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬يف عباده قائدا ووليا يطيعون اهلل بطاعته‪ ،‬ويسلّمون هلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يقتضي أن ّ‬
‫باالنقياد له‪.‬‬

‫تؤدي إىل أن تكون طاعته طاعة هلل‬


‫اإلَلي يف كلمة واحدة هو القائد الذي َيمل املواصفات اليت ّ‬
‫يالقائد ّ‬
‫تتلخص يف عناصر أساسيّة ثالثة‪:‬‬
‫واالنقياد له انقيادا هلل تعاىل‪ .‬وهذه املواصفات ّ‬
‫بكل ما يريده اهلل تعاىل منه ومن سائر عباده‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون عاملا ّ‬
‫ّ‬
‫الثاِّن‪ :‬أن يكون منقادا هلل تعاىل مسلِّما ألمره ال يتخطّاه قيد شعرة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يكون منصوبا للحكم من قبل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫األول يقد قال‬ ‫وخاصة نبيّنا صلّى اهلل عليه وآله‪ّ ،‬أما الوصف ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد َتلّت هذه الصفات يف األنبياء عليهم السالم‪،‬‬
‫{ونََّزلْنَا‬ ‫ضل اللَّ ِه علَي َ ِ‬ ‫ْم َة َو َعلَّ َم َ‬ ‫ك الْ ِكتَاب و ِْ‬
‫تعاىل‪َ { :‬وأَنْ َزَل اللَّهُ َعلَْي َ‬
‫ك َعهيما} ‪َ ،‬‬ ‫ك َما َملْ تَ ُك ْن تَ ْعلَ ُم َوَكا َن يَ ْ ُ َ ْ‬ ‫احلك َ‬
‫‪51‬‬
‫َ َ‬
‫ني}‪.52‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫علَيك الْ ِكت ِ ِ‬
‫اب تْب يَانا ل ُك ِّل َش ْيء َوُهدى َوَر ْْحَة َوبُ ْشَرى ل ْل ُم ْسلم َ‬‫َْ َ َ َ‬
‫كل ما حتتاجه‬
‫املنزل على الرسول األعهم تبيان لك ّل شيء‪ ،‬ويدخل يف هذا العموم الشامل ّ‬
‫يالكتاب ّ‬
‫كل اجملاالت من إدارة‪ ،‬وحكم‪ ،‬وسياسة‪ ،‬وتربية‪ ،‬واقتصاد وغري ذلك‪.‬‬
‫البشريّة يف حياهتا من نُهم وتشريعات ويف ّ‬
‫املنزل على الرسول‪ ،‬هو هدى ورْحة وبشرى للمسلمني‪ ،‬أي الذين خضعوا لوالية اهلل تعاىل وطاعته‪،‬‬ ‫وهذا الكتاب ّ‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‬ ‫ِ‬
‫{وَر ْْحَِيت َوس َع ْ‬
‫وانقادوا ألمره‪ ،‬واتّبعوا الرسول صلّى اهلل عليه وآله كما ّبني سبحانه وتعاىل ذلك قائال‪َ :‬‬
‫ين يَتَّبِعُو َن َّ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫يَسأَ ْكتب ها لِلَّ ِذين ي تَّ ُقو َن وي ؤتُو َن َّ َّ ِ‬
‫ول النِ َّ‬
‫َِّب ْاأل ُِّم َّي}‪.53‬‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ين ُه ْم بآَيَاتنَا يُ ْؤمنُو َن الذ َ‬
‫الزَكا َة َوالذ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُُ َ‬
‫ول يَِ ْن تَ َولَّْوا يَََِّّنَا َعلَْي ِه َما ُْحِّ َل َو َعلَْي ُك ْم‬
‫الر ُس َ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫َطيعوا اللَّه وأ ِ‬
‫ِ‬
‫و ّأما الوصف الثاِّن‪ ،‬يقد قال تعاىل‪{ :‬قُ ْل أ ُ َ َ‬
‫احبُ ُك ْم َوَما َغ َوى‬ ‫ول إَِّال الْب َالغُ الْمبِني}‪ ،54‬وقال تعاىل‪{ :‬ما ض َّل ص ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َما ُْحِّْلتُ ْم َوإ ْن تُطيعُوهُ تَ ْهتَ ُدوا َوَما َعلَى َّ ُ‬
‫اع اللَّهَ}‪ ،56‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫{م ْن يُ ِط ِع َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَما يَْنط ُق َع ِن ا َْلََوى إ ْن ُه َو إَّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫‪55‬‬
‫ول يَ َق ْد أَطَ َ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫وحى} ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ :‬‬

‫‪ 51‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.113‬‬


‫‪ 52‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.89‬‬
‫‪ 53‬سورة األعراف‪ ،‬اآليتان ‪ 156‬و‪.157‬‬
‫‪ 54‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬
‫‪ 55‬سورة النجم‪ ،‬اآليتان ‪ 2‬إىل ‪.4‬‬
‫‪ 56‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬
‫‪11‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{إِنَّك لَ ِمن الْمرسلِني علَى ِصر ٍ ِ‬
‫ت تَ ْد ِري‬ ‫ك ُروحا م ْن أ َْم ِرنَا َما ُكْن َ‬ ‫ك أ َْو َحْي نَا إِلَْي َ‬‫اط ُم ْستَقي ٍم} ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ { :‬وَك َذل َ‬
‫‪57‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُْ َ َ َ‬
‫اط ُم ْستَ ِقي ٍم}‪،58‬‬ ‫َّك لَتَ ه ِدي إِ َىل ِصر ٍ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اإلميَا ُن َولَك ْن َج َع ْلنَاهُ نُورا نَ ْهدي بِه َم ْن نَ َشاءُ م ْن عبَادنَا َوإِن َ ْ‬
‫ِ‬ ‫اب َوَال ِْ‬ ‫ِ‬
‫َما الْكتَ ُ‬
‫ال‬
‫ال َال يَنَ ُ‬ ‫ال َوِم ْن ذُِّريَِّيت قَ َ‬ ‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َماما قَ َ‬ ‫ال إِ ِِّّن ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وإِ ِذ اب ت لَى إِب ر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ‬
‫ات يَأََمتَُّه َّن قَ َ‬ ‫َ َْ ْ َ َ َ ُ َ‬
‫يم َحنِيفا َوَما َكا َن‬ ‫ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني} ‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬قُ ْل إن َِّين َه َداِّن َرِِّب إ َىل صَراط ُم ْستَقيم دينا قيَما مل َة إبْ َراه َ‬ ‫َع ْهدي الهَّالم َ‬
‫‪59‬‬

‫يك لَه وبِ َذلِ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اي َوممََ ِايت لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ني قُل إِ َّن َ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت َوأَنَا أ ََّو ُل‬ ‫ك أُم ْر ُ‬ ‫ني َال َش ِر َ ُ َ‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫ص َاليت َونُ ُسكي َوَْحميَ َ‬ ‫م َن الْ ُم ْشرك َ ْ‬
‫ني}‪.60‬‬ ‫ِِ‬
‫الْ ُم ْسلم َ‬
‫ضل وما غوى‪ ،‬وأنّه ال ينطق عن اَلوى إن هو ّإال وحي‪،‬‬ ‫يالتصريح بأ ّن الرسول صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬ما ّ‬
‫وأ ّن من يطيعه يقد أطاع اهلل‪ ،‬وأ ّن املهتدين هم الذين يطيعونه‪ ،‬وأ ّن الذين يتّقون هم الذين يتبعونه وأ ّن الرسول‬
‫يتضمن التأكيد الصريح على عصمة الرسول‬
‫كل هذا ونهائره الكثرية يف القرآن الكرمي ّ‬
‫يهدي إىل صراط مستقيم‪ّ ،‬‬
‫الشك أو الرتديد‪.‬‬
‫صلّى اهلل عليه وآله قوال ويعال ِبا ال يقبل ّ‬
‫متنوعة‪ ،‬وآيات كثرية من القرآن نكتفي‬ ‫وقد أ ّكد القرآن هذه العصمة بالنسبة لغريه من األنبياء بأساليب ّ‬
‫اه ْم أَئِ َّمة يَ ْه ُدو َن بِأ َْم ِرنَا‬ ‫اق وي ع ُقوب نَايِلَة وُكال جع ْلنَا ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني َو َج َع ْلنَ ُ‬
‫صاحل َ‬
‫َ ََ َ‬ ‫منها هبذه اآلية الكرمية‪َ { :‬وَوَهْب نَا لَهُ إ ْس َح َ َ َ ْ َ‬
‫ين}‪.61‬‬ ‫ِِ‬ ‫الص َال ِة وإِيتاء َّ ِ‬ ‫وأَوحْي نَا إِلَْي ِهم يِ ْعل ْ ِ ِ‬
‫الزَكاة َوَكانُوا لَنَا َعابد َ‬ ‫اخلَْي َرات َوإقَ َام َّ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََْ‬
‫ويف التعبري القرآِّنّ الوارد يف هذه اآلية بقوله تعاىل‪{ :‬يهدون بأمرنا} إلبراز للعنصرين األساسيَّني يف‬
‫مواصفات القادة اإلَليّني وهو العلم ِبا يأمر به اهلل تعاىل‪ ،‬أي العلم بالطريق السالك إىل مرضاة اهلل اليت يتح ّقق‬
‫اإلَلي‬
‫العملي الكامل بسلوك الطريق ّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤدية إىل االلتزام‬
‫هبا إسعاد الناس‪ ،‬وإيصاَلم إىل كماَلم املطلوب‪ ،‬والعصمة ّ‬
‫تتم ّإال هبذين العنصرين األساسيَني‪.‬‬
‫وعدم االحنراف عنه بتاتا‪ ،‬يِ ّن اَلداية بأمر اهلل ال ّ‬
‫العملي‪ ،‬أو قل خضوع اإلنسان هلل تعاىل يف حياته االجتماعيّة‬
‫ّ‬ ‫وال ب ّد هنا من اإلشارة إىل أ ّن التوحيد‬
‫والفرديّة‪ ،‬ال تتح ّقق ّإال عن طريق القيادة اإلَليّة ِبواصفاهتا اليت أشرنا إليها‪ .‬يالطريق الوحيد خلضوع احلياة‬
‫إَلي‬
‫اإلنسانيّة هلل تعاىل‪ ،‬وانطباعها بطابع الطاعة اإلَليّة‪ ،‬هو أن ختضع احلياة اإلنسانيّة حلكومة إَليّة يقوم هبا قائد ّ‬
‫بكل ما يرضه اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫خاضع هلل سبحانه وتعاىل كمال اخلضوع‪ ،‬ومنقاد له تعاىل كمال االنقياد‪ ،‬وعامل ّ‬
‫املتنوعة‪.‬‬
‫وقرره بشأن اإلنسان وإدارة حياته وتوجيهها يف شؤوهنا املختلفة وشعبها ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ 57‬سورة يس‪ ،‬اآليتان ‪ 3‬و‪.4‬‬


‫‪ 58‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬
‫‪ 59‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.124‬‬
‫‪ 60‬سورة األنعام‪ ،‬اآليات ‪ 161‬إىل ‪.163‬‬
‫‪ 61‬سورة األنبياء‪ ،‬اآليتني ‪ 72‬و‪.73‬‬
‫‪12‬‬
‫كل ما ذكرناه أن يكون القائد منصوبا من قبل اهلل سبحانه وتعاىل للقيادة‬‫ّأما الوصف الثالث‪ :‬يال ب ّد مع ّ‬
‫واحلكم‪ ،‬لتكون طاعته طاعة هلل‪ ،‬واالنقياد له انقيادا هلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫َيق لإلنسان اخلضوع َلا واالنقياد‬‫ّأما القيادة اليت ال تكتسب شرعيّتها من قبل اهلل سبحانه وتعاىل يال ّ‬
‫إليها‪ ،‬يِ ّن طاعة غري اهلل خروج عن طريقة التوحيد (كما أسلفنا توضيحه من قبل)‪ .‬و ّأما إرادة اإلنسان واختياره‬
‫يِ ّهنا ال ترتفع يوق اإلنسان نفسه‪ ،‬أي إنّه ال تستطيع أن تُضفي بالشرعيّة لقيادة تريد أن ترتفع يوق إرادة اإلنسان‬
‫وتوجه إرادته وتأمره وتنهاه‪ .‬يما قيمة اآلمر والناهي الذي يكتسب شرعيّة األمر والنهي ّإال من املأمور؟ وما‬
‫نفسه‪ّ ،‬‬
‫حق املطاع على املطيع لو أراد املطيع أن يتجاوز إرادة‬
‫قيمة املطاع الذي مل تستند طاعته ّإال إىل إرادة املطيع؟ يما ّ‬
‫حق‬
‫املنطقي الذي يفرض على اإلنسان أن خيضع للجهة اليت لي َلا عليه من ّ‬ ‫العقلي و ّ‬‫ّ‬ ‫املطاع؟ وما هو األساس‬
‫حق أن يعطي؟‬
‫يسرتد الذي أعطى كما ّ‬
‫إال الذي ّيوضه َلا اإلنسان نفسه وله أن ّ‬
‫وبكلمة واحدة‪ :‬يِ ّن البديهة حتكم بأ ّن من السخف أن يفرض اإلنسان على نفسه َمن َيكم عليه حبيث‬
‫أي‬
‫يكل طاعة تنبع من إرادة اإلنسان نفسه ال متلك ّ‬ ‫َيق له اخلروج عن طاعته‪ ،‬وال التخلّف عن حكمه‪ّ .‬‬ ‫ال ّ‬
‫يِهنا عدمية األساس واملعىن مهما ّاختذت هذه الطريقة من‬
‫كل طريقة للحكم تقوم على هذا املبىن ّ‬
‫أساس معقول‪ ،‬و ّ‬
‫أشكال وعناوين‪ ،‬ومهما ّاختذت من أساء وصفات‪ ،‬وسواء ّاختذت شكل الدميقراطيّة‪ ،‬أو الشورى‪ ،‬أو اإلمجاع‪،‬‬
‫أي صفة‪ ،‬أو عنوان آخر‪.‬‬‫أو ّ‬
‫حق اختيار احلاكم املطاع يِنّه ‪ -‬بعبارة أخرى ‪ -‬يعين التخلّي‬
‫خيول اهلل سبحانه لعباده ّ‬
‫و ّأما ايرتاض أن ّ‬
‫عن الربوبيّة واإلَليّة‪ ،‬يِ ّن األمر والنهي واحلكم والسلطة من مستلزمات الربوبيّة واإلَليّة‪ :‬أل ّن الطاعة عبادة‪،‬‬
‫والعبادة ال تكون ّإال هلل سبحانه‪ ،‬ياحلكم والسلطة واألمر والنهي من شؤون املعبوديّة والربوبيّة‪ ،‬ويستحيل أن‬
‫يتخلّى اهلل سبحانه وتعاىل عن صفة ال تليق ّإال به‪ ،‬وال َتوز ّإال له‪.‬‬

‫وبني وصفه لنفسه بالربوبيّة واأللوهيّة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬قُ ْل‬ ‫وَلذا وصف اهلل سبحانه وتعاىل نفسه بامللك‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫َّاس إِلَِه الن‬ ‫َّاس ملِ ِ‬ ‫أَعُوذُ بَِر ِّ‬
‫َّاس} ‪ ،‬كما قال تعاىل أيضا‪{ :‬يَتَ َع َاىل اللَّهُ الْ َمل ُ‬
‫ِ ‪62‬‬ ‫ك الن ِ‬
‫احلَ ُّق}‪ ،63‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ك ْ‬ ‫ب الن ِ َ‬
‫اجلَبَّ ُار الْ ُمتَ َكبِّ ُر ُسْب َحا َن اللَّ ِه َع َّما‬
‫الس َال ُم الْ ُم ْؤِم ُن الْ ُم َهْي ِم ُن الْ َع ِز ُيز ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّوس َّ‬ ‫{ه َو اللَّهُ الَّذي َال إِلَهَ إَِّال ُه َو الْ َمل ُ‬
‫ك الْ ُقد ُ‬ ‫ُ‬
‫ض الْملِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْش ِرُكو َن}‪ ،64‬وقال تعاىل‪َ { :‬ذلِ ُكم اللَّه ربُّ ُكم لَه الْم ْلك}‪{ ،65‬يسبِّح لِلَّ ِه ما ِيف َّ ِ‬
‫ك‬ ‫الس َم َاوات َوَما يف ْاأل َْر ِ َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ُ َُ ْ ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫احلَ ِكي ِم}‪ ...66‬وغري ذلك من اآليات‪.‬‬ ‫ُّوس الْ َع ِزي ِز ْ‬
‫الْ ُقد ِ‬

‫‪ 62‬سورة الناس‪ ،‬اآليات ‪ 1‬إىل ‪.3‬‬


‫‪ 63‬سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.114‬‬
‫‪ 64‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬
‫‪13‬‬
‫املختص بذاته تعاىل‪ ،‬وأنّه هو الذي يفيض من نعمته على بعض‬ ‫ّ‬ ‫وقد أ ّكد سبحانه وتعاىل أ ّن هذا امللك‬
‫ينصبهم مصابيحا هادية إىل طاعته‪ ،‬وح ّكاما ين ّفذون إرادته‪،‬‬ ‫املكرمني ييجعلهم ملوكا على عباده ِبعىن أنّه ّ‬ ‫عباده ّ‬
‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ك ت ؤِيت الْم ْلك من تشاء وت ن ِزع الْم ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫ك الْ ُم ْل ِ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ َْ ُ ُ َ‬
‫ك مم َّْن تَ َشاءُ َوتُعُّز َم ْن تَ َشاءُ َوتُذل َم ْن تَ َشاءُ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬قُ ِل اللَّ ُه َّم َمال َ‬
‫َّك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير}‪ .67‬وقد أشار وأ ّكد سبحانه على أنّه يؤيت ملكه من يشاء من عباده‬ ‫اخلَْي ُر إِن َ‬ ‫بِيَ ِد َك ْ‬
‫ِ ِ‬
‫يقال‪َ { :‬واللَّهُ يُ ْؤِيت ُم ْل َكهُ َم ْن يَ َشاءُ َواللَّهُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم}‪.68‬‬

‫ال‬‫يتدخلوا يف شؤون القيادة اإلَليّة بآرائهم ونهريّاهتم‪َ { :‬وقَ َ‬ ‫وقد جاء هذا ردا على َمن زعم أ ّن للناس أن ّ‬
‫ت‬ ‫ِ ِ‬
‫َح ُّق بِالْ ُم ْلك مْنهُ َوَملْ يُ ْؤ َ‬
‫ك َعلَْي نَا َوَْحن ُن أ َ‬ ‫وت َملِكا قَالُوا أ َّ‬
‫ََّن يَ ُكو ُن لَهُ الْ ُم ْل ُ‬ ‫ََلُ ْم نَبِيُّ ُه ْم إِ َّن اللَّ َه قَ ْد بَ َع َ‬
‫ث لَ ُك ْم طَالُ َ‬
‫اجلِ ْس ِم َواللَّهُ يُ ْؤِيت ُم ْل َكهُ َم ْن يَ َشاءُ َواللَّهُ َو ِاس ٌع‬
‫اصطََفاهُ َعلَْي ُك ْم َوَز َادهُ بَ ْسطَة ِيف الْعِْل ِم َو ْ‬ ‫َس َعة ِم َن الْ َم ِال قَ َ‬
‫ال إِ َّن اللَّ َه ْ‬
‫يم}‪.69‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫لتحمل عبء القيادة يف‬ ‫وقد أ ّكد أيضا على أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل قد اختار من عباده قادة اصطفاهم ّ‬
‫اب‬‫صيبا ِمن الْ ِكتَ ِ‬ ‫اجملتمع البشري رغم كراهة احلاقدين‪ ،‬وحنق احلاسدين يقال تعاىل‪{ :‬أَ َمل تَر إِ َىل الَّ ِذين أُوتُوا نَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ين لَ َعنَ ُه ُم اللَّهُ َوَم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت والطَّاغُوت ويَ ُقولُو َن للَّذين َك َفروا َه ُؤَالء أ َْه َدى من الَّذين آَ َمنُوا َسبِيال أُولَئ َ َّ‬‫ِ‬ ‫ي ْؤِمنُو َن بِ ِْ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اجلْب َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُم‬
‫َّاس َعلَى َما آَتَ ُ‬ ‫َّاس نَقريا أ َْم ََْي ُس ُدو َن الن َ‬
‫يب م َن الْ ُم ْلك يَِذا َال يُ ْؤتُو َن الن َ‬ ‫يَْل َع ِن اللَّهُ يَلَ ْن ََت َد لَهُ نَصريا أ َْم ََلُ ْم نَص ٌ‬
‫اه ْم ُم ْلكا َع ِهيما}‪.70‬‬ ‫ضلِ ِه يَ َق ْد آَتَي نَا آَ َل إِب ر ِاهيم الْ ِكتَاب و ِْ‬
‫اللَّهُ ِم ْن يَ ْ‬
‫ْم َة َوآَتَْي نَ ُ‬
‫احلك َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬
‫وهذا امللك العهيم هو الذي طلبه إبراهيم لذريته يف قوله تعاىل‪{ :‬وإِ ِذ اب ت لَى إِب ر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ‬
‫ات يَأََمتَُّه َّن‬ ‫َ َْ ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َوِم ْن ذُِّريَِّيت قَ َ‬ ‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس إَِماما قَ َ‬ ‫ال إِ ِِّّن ج ِ‬
‫ال َع ْهدي الهَّالم َ‬
‫‪71‬‬
‫اإلَلي قد‬ ‫ني} ‪ .‬وإذا كان هذا امللك ّ‬ ‫ال َال يَنَ ُ‬ ‫اعلُ َ‬ ‫َ‬ ‫قَ َ‬
‫الذريّة الطاهرة قد امتازت على غريها من‬ ‫استقر يف آل إبراهيم يلم يكن ذلك بالوراثة والنسب‪ ،‬وإَّّنا أل ّن هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلَلي على سؤال إبراهيم باالستجابة‬ ‫الرد ّ‬ ‫الناس بالكفاءات والقابليّات اإلَليّة اليت ّأهلها لذلك‪ ،‬وَلذا يقد جاء ّ‬
‫ِِ‬ ‫املشروطة بالكفاءة واألهلية‪َ{ :‬ال ي ن ُ ِ‬
‫ني}‪ ،72‬وقال – ييما أشرنا إليه سابقا – مؤّكدا على أ ّن‬ ‫ال َع ْهدي الهَّالم َ‬ ‫ََ‬ ‫ّ‬
‫ْمةَ} ورتّب على هذا التمتّع‬ ‫ِ‬
‫السر يف هذا االصطفاء هو الكفاءة واألهلية‪{ :‬يَ َق ْد آَتَي نَا آَ َل إِب راهيم الْ ِكتَاب و ِْ‬
‫احلك َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ 65‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬


‫‪ 66‬سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪ 67‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.26‬‬
‫‪ 68‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.247‬‬
‫‪ 69‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.247‬‬
‫‪ 70‬سورة النساء‪ ،‬اآليات ‪ 51‬إىل ‪.54‬‬
‫‪ 71‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.124‬‬
‫‪ 72‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪124‬‬
‫‪14‬‬
‫الكي القائم على أساس الكفاية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم ُم ْلكا َعهيما}‪ .‬كما أشار إىل هذا االصطفاء امل ّ‬ ‫{وآَتَْي نَ ُ‬
‫بالكفاءة قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني}‪ ،73‬ويف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫يم َوآَ َل ع ْمَرا َن َعلَى الْ َعالَم َ‬
‫اصطََفى آَ َد َم َونُوحا َوآَ َل إبْ َراه َ‬ ‫واألهليّة يف قوله تعاىل‪{ :‬إِ َّن اللَّهَ ْ‬
‫{ولََق ْد أَرس ْلنَا نُوحا وإِب ر ِاهيم وجع ْلنَا ِيف ذُِّريَّتِ ِهما النُّب َّوَة والْ ِكتَاب يَ ِمْن هم مهتَ ٍد وَكثِري ِمْن هم يَ ِ‬
‫اس ُقو َن}‪.74‬‬ ‫َ ُ ْ ُْ َ ٌ ُ ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ َ َ‬ ‫َ َْ‬
‫الذريّة الصاحلة إلبراهيم‪ ،‬على نبيّنا وآله وعليه السالم‪ ،‬والذي يع ّد األب‬ ‫وقال تعاىل مؤّكدا على أ ّن ّ‬
‫الذريّة الصاحلة َلذا‬ ‫املوحد‪ّ ،‬‬ ‫البشري‪ ،‬ويع ّد الواضع ألس اجملتمع املسلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫العملي يف اجملتمع‬ ‫ّ‬ ‫ط التوحيد‬ ‫األعلى خل ّ‬
‫الذريّة الصاحلة هي‬ ‫املؤس ‪ ،‬واليت اقتدت به‪ ،‬والتزمت بطريقته اليت هي اإلسالم املطلق هلل تعاىل‪ ،‬هذه ّ‬ ‫األب ّ‬
‫ك‬ ‫املؤهلني والواجدين ألرقى صالحيّات القيادة اإلَليّة احلكيمة قال تعاىل‪َ { :‬وتِْل َ‬ ‫األرضيّة الكفوءة النبثاق القادة ّ‬
‫وب ُكال‬ ‫يم َوَوَهْب نَا لَهُ إِ ْس َح َ‬ ‫ات من نَشاء إِ َّن ربَّك ح ِك ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ح َّجت نا آَتَي ن ِ ِ‬
‫اق َويَ ْع ُق َ‬ ‫يم َعل ٌ‬‫يم َعلَى قَ ْومه نَ ْريَ ُع َد َر َج َ ْ َ ُ َ َ َ ٌ‬ ‫اها إبْ َراه َ‬‫ُ َُ ْ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك َْْن ِزي الْ ُم ْحسن َ‬
‫ني‬ ‫وسى َوَه ُارو َن َوَك َذل َ‬ ‫ف َوُم َ‬ ‫وس َ‬‫وب َويُ ُ‬ ‫ود َو ُسلَْي َما َن َوأَيُّ َ‬
‫َه َديْنَا َونُوحا َه َديْنَا م ْن قَ ْب ُل َوم ْن ذُِّريَّته َد ُاو َ‬
‫ني َوِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ض ْلنَا َعلَى الْ َعالَم َ‬ ‫يل َوالْيَ َس َع َويُونُ َ َولُوطا َوُكال يَ َّ‬ ‫الصاحلِِ ِ ِ‬
‫ني َوإ ْسَاع َ‬ ‫اس ُكلٌّ م َن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى َوإلْيَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَزَكريَّا َوََْي ََي َوع َ‬
‫ك ُه َدى اللَّ ِه يَ ْه ِدي بِِه َم ْن يَ َشاءُ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه‬ ‫آَبائِ ِهم وذُِّريَّاهتِِم وإِخواهنِِم واجتب ي ناهم وهدي ناهم إِ َىل ِصر ٍ ِ ِ‬
‫اط ُم ْستَقي ٍم ذَل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ ْ ََ ْ َ ُ ْ َ َ َ َْ ُ ْ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬
‫ْم َوالنُّبُ َّوةَ يَِ ْن يَ ْك ُف ْر ِهبَا َه ُؤَالء يَ َق ْد‬ ‫ِ‬ ‫ط عْن هم ما َكانُوا ي عملُو َن أُولَئِ َّ ِ‬
‫احلُك َ‬
‫اب َو ْ‬ ‫اه ُم الْكتَ َ‬ ‫ين آَتَْي نَ ُ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َولَ ْو أَ ْشَرُكوا َحلَبِ َ َ ُ ْ َ‬
‫َجرا إِ ْن ُه َو إَِّال ِذ ْكَرى‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وَّك ْلنا ِهبا قَوما لَيسوا ِهبا بِ َكايِ ِرين أُولَئِ َّ ِ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه أ ْ‬ ‫ين َه َدى اللَّهُ يَبِ ُه َد ُاه ُم اقْ تَده قُ ْل َال أ ْ‬‫ك الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ ْ ُْ َ‬
‫ني}‪.75‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ل ْل َعالَم َ‬
‫العملي جاء يف القرآن بعد عرض رائع‬ ‫ّ‬ ‫ط التوحيد‬‫ومن املناسب اإلشارة إىل أ ّن هذا التسلسل البياِّن خل ّ‬
‫الطليعي‪ ،‬يف وجه دعاة الشرك وأتباع الطاغوت يف جمتمعه‬ ‫ّ‬ ‫التوحيدي‬
‫ّ‬ ‫التوحيدي العهيم إلبراهيم القائد‬
‫ّ‬ ‫للموقف‬
‫سر اصطفاء هذه العيّنات املختارة من ذريّة نوح وإبراهيم إَّّنا هو كفاءهتم‬ ‫الذي عاصره‪ .‬وقد أ ّكد سبحانه أ ّن ّ‬
‫التام له قائال‪:‬‬
‫اإلَلي وتسليمهم املطلق هلل سبحانه وتعاىل وانقيادهم ّ‬ ‫ط التوحيد ّ‬ ‫وأهليّتهم املتمثّلة يف اتّباعهم خل ّ‬
‫ط َعْن ُه ْم َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن}‪ .‬يليست املسألة مسألة وراثة ونسب‪ ،‬وإَّّنا القضيّة قضيّة إسالم‬ ‫{ولَ ْو أَ ْشَرُكوا َحلَبِ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َه َدى اللَّهُ يَب ُه َد ُاه ُم اقْ تَده }‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫وتوحيد وكفاءة وجدارة‪{ :‬أُولَئ َ‬
‫ذريّتهم واألقربني منهم‪ ،‬وأن تكون‬
‫اص على ّ‬
‫الطبيعي لعهماء القادة اإلَليّني أن يؤثّروا بشكل خ ّ‬
‫ّ‬ ‫نعم من‬
‫الرابطة النسبيّة بينهم أرضيّة صاحلة لتواجد أكرب األعداد املمكنة من النماذج الصاحلة الكفوءة‪.‬‬

‫‪ 73‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬


‫‪ 74‬سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.26‬‬
‫‪ 75‬سورة األنعام‪ ،‬اآليات ‪ 83‬إىل ‪.90‬‬
‫‪15‬‬
‫استمرار خط الوالية اإللهية في إمامة أهل البيت عليهم السالم‬

‫وخوله‬
‫ال خالف بني املسلمني كايّة أ ّن الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله اصطفاه اهلل سبحانه وتعاىل لواليته‪ّ .‬‬
‫حق ّاختاذ القرار بشأن اإلنسان‬
‫البشري وسياسته‪ .‬وإذا كنّا قد يهمنا معىن الوالية اإلَليّة‪ ،‬وأ ّهنا ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمر إدارة اجملتمع‬
‫وتعيني مصريه يف احلياة عرينا معىن الوالية النبويّة‪ ،‬أي الوالية اليت جعلها اهلل سبحانه وتعاىل لنبيّه على الناس‪ .‬وقد‬
‫ني ِم ْن أَنْ ُف ِس ِه ْم}‪ .76‬واألولويّة باملؤمنني من أنفسهم هي‬‫ِِ‬
‫َِّب أ َْوَىل بِالْ ُم ْؤمن َ‬
‫جاء التصريح بذلك يف قوله تعاىل‪{ :‬النِ ُّ‬
‫حق ّاختاذ القرار بشأن املؤمنني وتقرير مصريهم يف احلياة بكايّة حقوَلا وشؤوهنا‪.‬‬
‫العبارة الثانية ملا ذكرناه من ّ‬
‫للنِب‬
‫العملي منحصر جبعل الوالية اإلَليّة ّ‬‫ّ‬ ‫وال حاجة لنا أن نعود ملا أ ّكدناه سابقا من أ ّن طريق التوحيد‬
‫وشرعه حلياة‬
‫بكل ما أراده اهلل ّ‬
‫صلّى اهلل عليه وآله الذي تتويّر ييه الصفتان األساسيّتان للقيادة اإلَليّة‪ ،‬ومها العلم ّ‬
‫التام بطاعة اهلل سبحانه وتعاىل‪ُ .‬ثّ إ ّن املسلمني اختلفوا يف كيفيّة امتداد‬
‫لي ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬والعصمة ِبعىن اإللتزام العم ّ‬
‫ط الوالية اإلَليّة يف اجملتمع اإلنساِّنّ بعد وياة الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله إىل يريقني‪:‬‬
‫خّ‬

‫السنّة زعموا أ ّن الرسول صلّى اهلل عليه وآله أمهل أمر الوالية‬
‫األول‪ :‬هم الذين اصطُلح عليهم بأهل ُّ‬
‫الفريق ّ‬
‫األمة (على اختالف‬ ‫الول بنفسها‪ ،‬يكأ ّن ّ‬
‫لألمة لتختار ّ‬ ‫يسروا ذلك بأنّه ختويل ّ‬
‫ينص عليها بشيء‪ ،‬وقد ّ‬‫اإلَليّة ومل ّ‬
‫املتصورة أو اإلمجاع ِبختلف‬
‫األمة من الشورى باختالف أشكاَلا املفروضة و ّ‬ ‫الصيغ اليت يفرتضوهنا يف متثيل هذه ّ‬
‫حق الوالية على نفسها‪.‬‬
‫خولت من قبل الرسول صلّى اهلل عليه وآله ّ‬
‫الدوائر اليت ميكن ايرتاضها له) ّ‬
‫الفريق الثاني‪ :‬هم الذين اصطُلح عليهم بشيعة أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬اعتقدوا أ ّن الوالية اإلَليّة ال‬
‫البشري ال يتح ّقق‬
‫ّ‬ ‫العملي يف اجملتمع‬
‫ّ‬ ‫مخ الشريعة وقوامها‪ .‬وقد ذكرنا سابقا أ ّن التوحيد اإلَل ّي‬
‫يعقل إمهاَلا أل ّهنا ّ‬
‫علي بن موسى الرضا صلوات اهلل عليهما‪ ،‬عن أبيه‪ :‬عن‬ ‫ّإال هبا وعن طريقها‪ ،‬وهذا معىن الرواية املتواترة عن اإلمام ّ‬
‫آبائه‪ ،‬عن ج ّده رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬أ ّن اهلل تبارك وتعاىل قال‪" :‬ال إله إال اهلل حصين يمن دخل حصين‬
‫مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها"‪ .77‬كما ال يعقل تفويض أمر الوالية إىل‬ ‫ِ‬
‫يلما ّ‬
‫أمن (من) عذاِب‪ّ ،‬‬
‫األمة نفسها ملا أشرنا إليه من العاملني األساسيّني‪:‬‬
‫ّ‬
‫حق اختيار من َتب‬
‫املوىل عليه‪ ،‬يِنّه ال معىن ألن يوكل إىل يرد أو مجاعة ّ‬
‫الول و ّ‬
‫األول‪ :‬ال يعقل ّاحتاد ّ‬ ‫ّ‬
‫لتعني‬
‫عليها طاعته‪ ،‬وتق ّدم على إرادهتا إرادته‪ ،‬وبعبارة أخرى أ ّن اإلرادة البشريّة ال ميكن أن ترتفع يوق مستواها ّ‬
‫توجه إرادة اإلنسان وأن تأمر اإلنسان وتنهاه‪.‬‬‫َيق َلا أن ّ‬‫اجلهة اليت ّ‬

‫‪ 76‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬


‫(تويف عام ‪ 381‬ه)‪ ،‬عيون أخبار الرضا (عليه السالم) (منشورات‬
‫القمي "الصدوق" ّ‬
‫حممد بن علي بن احلسني بن بابويه ّ‬
‫ّ‬
‫‪77‬‬

‫الرضي)‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.145‬‬


‫ّ‬ ‫الشريف‬
‫‪16‬‬
‫مخ العبادة‬
‫اإلَلي‪ ،‬يِ ّن الطاعة والتبعيّة ّ‬
‫ّ‬ ‫الثاِّن‪ :‬أ ّن الوالية من الشؤون اإلَليّة ومن مستلزمات التوحيد‬
‫اإلَلي يقتضي أن ال تكون الطاعة ّإال هلل‪ ،‬وإذا كان هلل سبحانه‬
‫العملي للخضوع واخلنوع‪ ،‬والتوحيد ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملصداق‬
‫وتعاىل شأن وقرار يف إدارة العباد وسياستهم وتربيتهم وتوجيههم يف خمتلف شؤون حياهتم‪ ،‬يال ب ّد للعباد أن‬
‫كل عمل يقومون‬ ‫كل أعماَلم اإلراديّة‪ِ ،‬بعىن أن َيعلوا إرادهتم يف احلياة‪ ،‬ويف ّ‬
‫كل ما مي ّ حياهتم ويف ّ‬
‫يطيعوه يف ّ‬
‫به‪ ،‬أو حركة أو سكون تابعة إلرادة اهلل سبحانه‪ ،‬وهذا هو معىن التبعيّة واخلضوع هلل سبحانه‪.‬‬

‫إَلي منصوب من قبل اهلل سبحانه متويّر على‬ ‫وهذا النوع من الطاعة هلل إَّّنا ميكن عمليا عند وجود قائد ّ‬
‫شرط العلم والعمل ِبا يريده اهلل تعاىل يف خلقه يِ ّن اخلضوع والطاعة للمنصوب من اهلل بالشرطني املذكورين‬
‫خضوع هلل سبحانه وطاعة له‪ّ .‬أما طاعة من خيتاره الناس لإلمامة والقيادة يِ ّهنا طاعة ملن اختاروه‪ ،‬وهم الناس‬
‫أنفسهم‪ ،‬ومن املستحيل أن خيلع اهلل سبحانه وتعاىل عن عباده ربقة الطاعة لنفسه‪ ،‬ويوّكل أمر الطاعة والوالية‬
‫خيول للناس‬
‫إليهم يِ ّن معىن ذلك – كما أشرنا سابقا – أن يتخلّى اهلل سبحانه وتعاىل عن ألوهيّته وربوبيّته‪ ،‬وأن ّ‬
‫خول َلم ييها أن يطيعوا من‬ ‫أي شأن من شؤون حياهتم وأن ال يطيعوه يف أعماَلم اليت ّ‬ ‫خيص ّ‬‫أن ال يعبدوه ييما ّ‬
‫خيتاروهنم‪ ،‬ال من خيتاره اهلل نفسه‪.‬‬
‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضى اللَّهُ َوَر ُسولُهُ أ َْمرا أَ ْن يَ ُكو َن ََلُ ُم‬ ‫وَلذا ْند أ ّن اهلل سبحانه يؤكد قائال‪َ { :‬وَما َكا َن ل ُم ْؤم ٍن َوَال ُم ْؤمنَة إِ َذا قَ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخلِيَ َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم َوَم ْن يَ ْع ِ‬
‫ص اللَّهَ َوَر ُسولَهُ يَ َق ْد َ‬
‫‪78‬‬
‫ين‬
‫ض َالال ُمبينا} ‪ ،‬ويقول تعاىل‪{ :‬إَّنَا َوليُّ ُك ُم اللهُ َوَر ُسولُهُ َوالذ َ‬ ‫ض َّل َ‬ ‫ْ‬
‫ب اللَّ ِه ُه ُم‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫الص َال َة َويُ ْؤتُو َن َّ‬ ‫آَمنوا الَّ ِذ ِ‬
‫ين آَ َمنُوا يَ َّن ح ْز َ‬ ‫الزَكا َة َوُه ْم َراكعُو َن َوَم ْن يَتَ َول الل َه َوَر ُسولَهُ َوالذ َ‬ ‫يمو َن َّ‬ ‫ين يُق ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫اع بِِ ْذ ِن اللَّ ِه}‪.80‬‬ ‫الْغالِبو َن}‪ ،79‬يقول سبحانه‪{ :‬وما أَرس ْلنا ِمن رس ٍ ِ‬
‫ول إَِّال ليُطَ َ‬ ‫ََ ْ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َُ‬
‫يفي هذه اآليات‪ ،‬ويف غريها الكثري ممّا أشرنا إىل بعضه سابقا داللة وتأكيدا على حصر الطاعة هلل‬
‫األدالء اَلادين إىل سبيله وال ّداعني إىل طريقه‪.‬‬
‫سبحانه وعلى أ ّن اهلل سبحانه يتح للعباد أبواب طاعته بنصبه ّ‬
‫وجاءت السنّة النبويّة لتؤّكد على استمراريّة القيادة اإلَليّة يف أهل البيت عليهم السالم ابتداء باإلمام أمري املؤمنني‬
‫األئمة من‬
‫نص ييها على ّ‬ ‫صلوات اهلل عليه‪ ،‬وتواترت يف ذلك األحاديث عن النِب (صلّى اهلل عليه وآله)‪ ،‬واليت ّ‬
‫كل هذا عدا ما ورد يف القرآن الكرمي ممّا اتّفق املسلمون على نزوله يف‬
‫بعده باإلمجال تارة‪ ،‬والتفصيل أخرى‪ّ .‬‬
‫املناسبات اليت تؤّكد على هذا التنصيص‪.‬‬

‫‪ 78‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬


‫‪ 79‬سورة المائدة‪ ،‬اآليتان ‪ 55‬و‪.56‬‬
‫‪ 80‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬
‫‪17‬‬
‫والية أهل البيت عليهم السالم في القرآن الكريم‬

‫ين آَ َمنُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ ِ‬


‫ّأما اآليات القرآنيّة الكرمية اليت تؤّكد هذا التنصيص يأوضحها داللة ما يلي‪{ :‬إَّنَا َوليُّ ُك ُم اللهُ َوَر ُسولُهُ َوالذ َ‬
‫الزَكا َة َوُه ْم َراكِعُو َن}‪ ،81‬وقد اتّفق املسلمون على نزوَلا يف علي عليه السالم إذ‬ ‫الص َال َة َويُ ْؤتُو َن َّ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُق ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول بَلِّ ْغ َما أُنْ ِزَل إلَْي َ‬
‫‪82‬‬
‫ك َوإ ْن َملْ‬ ‫ك م ْن َربِّ َ‬ ‫الر ُس ُ‬
‫أنفق على املسكني وهو يف حالة الركوع ‪ .‬وقوله تعاىل‪{ :‬يَا أَيُّ َها َّ‬
‫األمة بِمامة علي عليه‬ ‫النِب صلّى اهلل عليه وآله إبالغ ّ‬
‫‪83‬‬ ‫تَ ْف َعل يَما بَلَّ ْغ َ ِ‬
‫ت ر َسالَتَهُ} ‪ ،‬وقد نزلت اآلية لتؤّكد على ّ‬ ‫ْ َ‬
‫حجة الوداع‪.‬‬
‫السالم بعد رجوعه صلّى اهلل عليه وآله من ّ‬
‫وهنا توقّف الرسول صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬وتوقّف املسلمون معه يف مكان يدعى بالغدير يصدع ِبا أمره اهلل‬
‫توجه الرسول صلّى اهلل عليه وآله يف خطبته التأرخييّة هذه إىل املؤمنني‬
‫به يف حشد حاشد من املسلمني‪ .‬وقد ّ‬
‫هم و ِال من وااله‬
‫"ألست أوىل بكم من أنفسكم؟ قالوا‪ :‬بلى‪ .‬يقال‪َ :‬من ُكنت مواله يهذا علي مواله‪ ،‬اللّ ّ‬
‫ُ‬ ‫قائال‪:‬‬
‫ِ‬
‫وعاد من عاداه‪ ،‬وانصر من نصره‪ ،‬واخذل من خذله"‪.84‬‬

‫‪ 81‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.55‬‬

‫قال السيّد شرف الدين يف المراجعات‪ ،‬الصفحة ‪ :160‬إ ّن نزوَلا يف ّ‬


‫‪82‬‬
‫املفسرون عليه‪ ،‬وقد نقل إمجاعهم هذا‬
‫علي ممّا أمجع ّ‬
‫غري واحد من أعالم أهل السنّة كاإلمام القوشجي يف مبحث اإلمامة شرح تجريد اإلعتقاد‪ ،‬ويف (غاية المرام الباب الثامن‬
‫عشر)‪ ،‬الصفحة ‪ 24‬حديثا من طريق اجلمهور يف نزوَلا ِبا قلناه‪ .‬وقال أيضا‪ :‬والصحاح – يف نزوَلا بعلي – إذ تص ّدق خبامته‬
‫وهو راكع يف الصالة – متوترة عن أئمة العرتة الطاهرة‪ ،‬وحسبك ممّا جاء نصا يف هذا من طريق غريهم حديث ابن سالم مريوعا‬
‫إىل رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) يراجعه يف صحيح النسائي‪ ،‬أو يف تفسري سورة المائدة من باب اجلمع بني الصحاح الستّة‪،‬‬
‫ومثله حديث ابن عبّاس‪ ،‬وحديث علي مريوعني أيضا يراجع حديث ابن عبّاس يف تفسريه هذه اآلية من كتاب أسباب النزول‬
‫لإلمام الواحدي‪ ،‬وقد أخرجه اخلطيب يف املت ّفق (وهو احلديث ‪ 5991‬من أحاديث كنز العمال‪ ،‬اجلزء ‪ ،6‬الصفحة ‪ ،391‬وقد‬
‫أورده يف منتخب الكنز أيضا‪ ،‬يراجع ما هو مطبوع من املنتخب من سند أْحد يراجعه يف اجلزء ‪ ،6‬الصفحة ‪ 38‬يف اَلامش)‪،‬‬
‫وراجع حديث علي‪ ،‬مسندي ابن مردويه وأِب الشيخ‪ ،‬وإن شئت يراجعه يف كنز العمال (يهو احلديث ‪ 6137‬يف اجلزء ‪،6‬‬
‫الصفحة ‪.)405‬‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ .67‬وقد جاء يف الغدير‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحات ‪ 223 -214‬التصرَيات والنصوص اليت رواها ّ‬
‫‪83‬‬
‫مفسر‬
‫حممد عبده يف تفسير المنار‪،‬‬
‫مفسري أهل السنّة حول نزول هذه اآلية ِبناسبة الغدير‪ .‬ونكتفي هنا ِبا نقله عن الشيخ ّ‬
‫من كبار ّ‬
‫اجلزء ‪ ،6‬الصفحة ‪ 463‬قال‪ :‬روى ابن أِب حاُت‪ ،‬وابن مردويه‪ ،‬وابن عساكر عن أِب سعيد اخلدري‪ّ :‬أهنا نزلت يوم غدير خم يف‬
‫علي بن أِب طالب‪.‬‬
‫‪ 84‬أخرج اإلمام أْحد من حديث زيد بن أرقم يف مسنده‪ ،‬اجلزء ‪ ،4‬الصفحة ‪ .372‬قال‪ :‬نزلنا مع رسول اهلل (صلّى اهلل عليه‬
‫وآله) بو ٍاد يقال له‪ :‬وادي خم‪ ،‬يأمر بالصالة يصالها هبجري‪ ،‬قال‪ :‬يخطبنا وظلّل لرسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) بثوب على‬
‫أِّن أوىل بكل مؤمن من نفسه؟ يقالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬يمن كنت‬ ‫شجرة سرة من الشم ‪ ،‬يقال‪ :‬ألستم تعلمون‪ ،‬أولستم تشهدون ّ‬
‫مواله‪ ،‬يعلي مواله‪ ،‬اللّهم و ِال من وااله‪ ،‬و ِ‬
‫عاد من عاداه‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم ن ْع َم ِيت َوَرض ُ‬
‫يت لَ ُك ُم‬ ‫ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوأَْمتَ ْم ُ‬
‫وهبذه املناسبة نزلت اآلية األخرى أيضا‪{ :‬الْيَ ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫التارخيي العهيم متّفق عليه بني املسلمني‪ ،‬وقد تواتر نقله بني الفريقني‪ .‬ومن أراد‬ ‫ّ‬ ‫اإل ْس َال َم ِدينا}‪ .85‬وهذا احلدث‬
‫ِْ‬
‫تضمنت نقله يعليه ِبراجعة الكتب اليت تناولت‬ ‫التفصيلي‪ ،‬على جزئيّات احلادث‪ ،‬وعلى املصادر اليت ّ‬ ‫ّ‬ ‫االطّالع‬
‫الر ْج َ أ َْه َل‬ ‫ب َعْن ُك ُم ِّ‬ ‫املوضوع بالبحث كاملراجعات والغدير وغريمها‪ .86‬وقال تعاىل أيضا‪{ :‬إََِّّنَا ي ِر َّ ِ ِ‬
‫يد اللهُ ليُ ْذه َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ت َويُطَ ِّهَرُك ْم تَطْ ِهريا}‪ ،87‬وقد اتّفق املسلمون على نزوَلا يف علي وياطمة واحلسن واحلسني عليهم السالم‪،‬‬ ‫الْب ي ِ‬
‫َْ‬
‫وأ ّهنم أهل البيت املقصودون يف هذه اآلية الشريفة‪ ،‬ولو ضممنا إىل هذه اآلية –اليت تؤّكد عصمة أهل البيت‬
‫َّاس إَِماما‬‫ك لِلن ِ‬ ‫اعلُ َ‬‫ال إِ ِِّّن ج ِ‬
‫َ‬
‫عليهم السالم عن الرج – قوله تعاىل‪{ :‬وإِ ِذ اب ت لَى إِب ر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ‬
‫ات يَأََمتَُّه َّن قَ َ‬ ‫َ َْ ْ َ َ َ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫ال َال ي ن ُ ِ‬
‫ال َوِم ْن ذُِّريَِّيت قَ َ ََ‬
‫ال َع ْهدي الهَّالم َ‬
‫‪88‬‬
‫نص على إمامة أهل البيت عليهم‬ ‫ني} عرينا أ ّن جمموع اآليتني ّ‬ ‫قَ َ‬
‫{وَم ْن يَ ْع َم ْل ُسوءا أ َْو يَهْلِ ْم نَ ْف َسهُ ُُثَّ‬
‫السالم‪ .‬إذ إ ّن املراد بالهلم يف هذه اآلية معصية اهلل تعاىل كما قال تعاىل‪َ :‬‬
‫استَ ْغ َف ُروا اللَّهَ}‪،90‬‬ ‫َّه ْم إِ ْذ ظَلَ ُموا أَنْ ُف َس ُه ْم َجاءُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْستَ ْغف ِر اللَّهَ ََيد اللَّ َه َغ ُفورا َرحيما} ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫‪89‬‬
‫وك يَ ْ‬ ‫{ولَ ْو أَن ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{م ْن ُوج َد ِيف َر ْحل ِه يَ ُه َو َجَز ُاؤهُ َك َذل َ‬
‫ني}‪ .91‬ياملراد باآلية أ ّن اإلمامة اإلَليّة ال تنال‬ ‫ك َْْن ِزي الهَّالم َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫العاصني واخلارجني عن حدود الطاعة اإلَليّة‪ ،‬ولي من العباد من خيلو من معصية اهلل صغرية أو كبرية إال من‬
‫يدل على‬ ‫عصمهم اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وعصمة اهلل ال تُعرف إال بأخباره سبحانه‪ ،‬ومل يرد من اهلل سبحانه ما ّ‬
‫يتختص اإلمامة اإلَليّة هبم من بعد الرسول صلّى اهلل عليه وآله دون‬ ‫ّ‬ ‫عصمة غري أهل البيت عليهم السالم‬
‫غريهم‪.‬‬

‫ويراجع التفصيل إىل (مراجعات) السيّد شرف الدين‪ ،‬وكتاب الغدير ّ‬


‫للعالمة األميين‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪ 9‬يما بعد‪.‬‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ .3‬وقد ذكر األميين يف الغدير اجلزء ‪ ،1‬الصفحات ‪ 237 – 230‬تصرَيات ستّة عشر ّ‬
‫‪85‬‬
‫مفسرا من كبار‬
‫مفسري أهل السنّة أ ّن اآلية نزلت يف يوم غدير خم يف علي (عليه السالم)‪ .‬ونكتفي هنا ِبا رواه احلايظ أبو القاسم احلاكم‬
‫ّ‬
‫احلسكاِّن بسنده عن أِب سعيد اخلدري أ ّن رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) ملا نزلت هذه اآلية‪{ :‬اليوم أكملت لكم دينكم}‪،‬‬
‫الرب برساليت‪ ،‬ووالية علي بن أِب طالب من بعدي‪ ،‬وقال‪ :‬من كنت مواله‬‫قال‪ :‬اهلل أكرب على إكمال الدين وإمتام النعمة ورضى ّ‬
‫وعاد من عاداه‪ ،‬وانصر من نصره‪ ،‬واخذل من خذله‪( .‬الغدير ّ‬
‫للعالمة األميين‪ ،‬اجلزء ‪،1‬‬ ‫يعلي مواله‪ ،‬اللّهم و ِال من وااله‪ِ ،‬‬
‫الصفحة ‪.)233‬‬
‫‪ 86‬راجع نص الرواية ِبصادرها من أهل السنّة يف كتاب الغدير اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪ -9‬يما بعد‪.‬‬
‫‪ 87‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬
‫‪ 88‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.124‬‬
‫‪ 89‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.110‬‬
‫‪ 90‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬
‫‪ 91‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬
‫‪19‬‬
‫ُول ْاأل َْم ِر‬
‫ول َوأ ِ‬ ‫الر ُس َ‬‫َطيعُوا َّ‬ ‫َطيعوا اللَّه وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين آَ َمنُوا أ ُ َ َ‬ ‫وتدل على ذلك أيضا اآليات التالية‪{ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫ّ‬
‫ون اللَّ ِه َوَال َر ُسولِِه َوَال‬
‫َّخ ُذوا ِمن د ِ‬
‫ْ ُ‬
‫ِمْن ُكم}‪{ ،92‬أَم ح ِسبتُم أَ ْن تُْت رُكوا ولَ َّما ي علَ ِم اللَّه الَّ ِذين جاه ُدوا ِمْن ُكم وَمل ي ت ِ‬
‫ْ َْ َ‬ ‫ُ َ ََ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ْ َ ْْ‬ ‫ْ‬
‫ني لَهُ ا َْلَُدى َويَتَّبِ ْع َغْي َر َسبِ ِيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{وَم ْن يُ َشاق ِق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يجة َواللَّهُ َخب ٌري ِبَا تَ ْع َملُو َن} ‪َ ،‬‬
‫‪93‬‬
‫ول م ْن بَ ْعد َما تَبَ َّ َ‬‫الر ُس َ‬ ‫ني َول َ‬ ‫الْ ُم ْؤمن َ‬
‫تدل على أ ّن هناك من بعد الرسول من َتب على‬ ‫صريا}‪ .94‬يهي ّ‬ ‫تمِ‬ ‫الْم ْؤِمنِني نُولِِّه ما تَوَّىل ونُ ِ ِ‬
‫َّم َو َساءَ ْ َ‬ ‫صله َج َهن َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ ْ‬
‫املؤمنني طاعته وحترم عليه معصيته‪ .‬وهذا الذي َتب على سائر املسلمني طاعته من بعد الرسول معصوم عن‬
‫وإال مل‬ ‫عما أمر اهلل به‪ّ ،‬‬ ‫اخلطأ واملعصية واإلحنراف‪ ،‬أل ّن طاعته اقرتنت بطاعة اهلل والرسول ييستحيل عليه أن يزيغ ّ‬
‫يُعقل جعل طاعته يف عرض طاعة اهلل وطاعة الرسول‪ ،‬وميزانا يقاس به املطيعون والتابعون هلل ورسوله عن العاصني‬
‫املتمردين واملنحريني‪.‬‬
‫و ّ‬
‫ولي من بعد الرسول من قام الدليل على عصمته غري أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬مع العلم أ ّن العصمة‬
‫اختص بأهل البيت عليهم السالم دون من سواهم‪ُ .‬ثّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلَلي‪ ،‬وقد‬
‫اإلَليّة ال يُطّلع عليها ّإال عن طريق اإلخبار ّ‬
‫الكنائي يف الداللة على مصاديق اإلمامة اإلَليّة من بعد الرسول صلّى اهلل‬
‫ّ‬ ‫السر يف أ ّن القرآن اتّبع األسلوب‬
‫إ ّن ّ‬
‫اإلسالمي على قضيّة احلكم من بعد الرسول صلّى اهلل عليه‬
‫ّ‬ ‫عليه وآَلهو أ ّن املنايسات اليت شهدهتا ساحة اجملتمع‬
‫وآله واليت ّأدت بالتال‪ ،‬وبعد ما ال يزيد عن نصف قرن من وياة الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬إىل أن‬
‫لطف‬
‫يرتكب املنايسون يف السلطة واحلكم ألهل البيت عليهم السالم أيجع حادث عريه التاريخ‪ ،‬وهو واقعة ا ّ‬
‫حممد صلّى اهلل عليه وآله إبادة كاملة تقريبا‪ ،‬ومل يسلم منها ّإال من واراه املرض‬
‫ذريّة ّ‬
‫ُبيدت ييها ّ‬
‫بكربالء‪ ،‬واليت أ َ‬
‫ينج منها حت الصبية واألطفال‪ ،‬وسبيت يف أثنائها النساء والذراري من أهل بيت‬
‫والعلّة عن أعني األعداء‪ ،‬ومل ُ‬
‫رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬وأنزل هبم من العذاب وهتك احلرمات ما مل تشهد له الساحة اإلسالميّة بل‬
‫البشريّة على امتداد التاريخ مثيال من قبل وال من بعد‪.‬‬

‫املتجسدة يف أهل البيت‬


‫ّ‬ ‫ط املناهض واملناي للوالية اإلَليّة‬ ‫إ ّن هذه املنايسات اليت أبدى من خالَلا اخل ّ‬
‫عليهم السالم استعداده للقيام بأبشع اجلرائم‪ ،‬وأيهعها يف سبيل حتقيق أمنيته يف املسك بزمام السلطة داخل‬
‫تتورع عن هتك حرمي عرتة الرسول‬ ‫شك إىل أن متت ّد يد اجلرمية اليت مل ّ‬‫تؤدي من غري ّ‬‫اإلسالمي‪ ،‬كانت ّ‬
‫ّ‬ ‫اجملتمع‬
‫حت ال يبقى‬
‫أحد الثقلني‪ ،‬إىل الثقل اآلخر وهو القرآن الكرمي يتناله باَلتك والتحريف بل واإلبادة واالستئصال ّ‬
‫تعرض القرآن لقضيّة احلكم بعد الرسول صلّى اهلل عليه وآله ببيان املصاديق‬
‫من القرآن أثر وال خرب‪ ،‬ييما لو ّ‬
‫األمة اإلسالميّة والشريعة تفقد ضماهنا الوحيد يف‬
‫ووضع النقاط الواضحة الصرَية على احلروف‪ ،‬وبذلك كانت ّ‬
‫احملمديّة قضاء تاما‪.‬‬
‫ويتم القضاء على الشريعة ّ‬
‫البقاء والدميومة‪ّ ،‬‬

‫‪ 92‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬


‫‪ 93‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬
‫‪ 94‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.115‬‬
‫‪20‬‬
‫لكن احلكمة اإلَليّة اليت اقتضت بقاء اإلسالم‪ ،‬وسالمة القرآن من التحريف والضياع‪ ،‬أرادت أن يبقى‬
‫و ّ‬
‫القرآن هاديا ملن شاء أن يهتدي‪ ،‬ومصباحا ملن ابتغى إىل اهلل سبيال‪ .‬وكان الطريق إىل هذه الغاية هو اتّباع‬
‫يهم باستئشاف‬ ‫ط املناهض ييجعله ّ‬ ‫الكنائي وعدم التصريح املباشر ِبا يثري حفيهة هذا اخل ّ‬
‫اإلشاري و ّ‬
‫ّ‬ ‫األسلوب‬
‫التأويلي‬
‫ّ‬ ‫املعنوي و‬
‫ّ‬ ‫أصل اإلسالم‪ ،‬واستئصال جذوره‪ ،‬والنيل من حرمة القرآن ويكتفون يف إشباع أهوائهم بالتحريف‬
‫ينزل اهلل به من سلطان‪ ،‬ييبقى درب اَلداية القرآنية سالكا التّباع‬
‫ييفسرونه على ويق مشتهياهتم ِبا مل ّ‬‫للقرآن ّ‬
‫احلق‪ ،‬وتبقى الدالئل القرآنيّة الواضحة هادية للراغبني يف معرية احلقيقة إىل احلق الذي ال غموض ييه وال ارتياب‪،‬‬
‫وهكذا بقي القرآن على مدى التاريخ هدى للمتّقني‪ ،‬وموعهة للمحسنني‪ ،‬وذكرى ملن كان له قلب‪ ،‬أو ألقى‬
‫السمع وهو شهيد‪.‬‬

‫السنة النبوية ووالية أهل البيت‬

‫وجاءت السنّة النبويّة لتضع النقاط على احلروف يف مسألة الوالية واحلكم بعد الرسول صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬يلم‬
‫شك أو شبهة وتواترت األحاديث الصرَية عن الرسول صلّى اهلل عليه وآله مؤّكدة على استمرار‬ ‫ألي ّ‬ ‫ترتك جماال ّ‬
‫ط الوالية اإلَليّة يف أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬وهم علي وأوالده األحد عشر عليهم السالم املعيّنون من قِبَ ِل‬
‫خّ‬
‫الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله بأشخاصهم وأسائهم بصراحة وتأكيد‪.‬‬

‫وقد صدرت يف اآلونة األخرية جماميعا متع ّددة قامت بِحصاء النصوص الواردة عن الرسول األعهم يف‬
‫أهم هذه اجملاميع‪:‬‬
‫ذلك عن املصادر املتّفق عليها بني خمتلف يرق املسلمني‪ ،‬و ّ‬

‫‪ -1‬إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات‪ّ ،‬‬


‫للحر العاملي‪.‬‬
‫‪ -2‬إحقاق الحق‪ ،‬للقاضي نور اهلل التسرتي‪.‬‬
‫‪ -3‬عبقات األنوار‪ ،‬للمري حامد حسني‪.‬‬
‫‪ -4‬غاية المرام‪ ،‬للبحراِّن‪.‬‬
‫‪ -5‬الغدير‪ ،‬للعالمة األميين‪.‬‬
‫‪ -6‬منتخب األثر في اإلمام الثاني عشر‪ ،‬للصايف‪.‬‬
‫‪ -7‬المراجعات‪ ،‬للسيّد شرف الدين‪.‬‬

‫صحتها بني طايّة املسلمني ما يغين عن‬


‫والكتاب األخري هو أخطر هذه اجملاميع‪ ،‬وييه من النصوص املتّفق على ّ‬
‫غريه‪ .‬وحنن نشري هنا إشارة عابرة إىل أشهر هذه النصوص‪ ،‬ومن أراد التفصيل يلرياجع املصدر املذكور‪ ،‬أو غريه‬
‫املطوالت‪:‬‬
‫من ّ‬
‫‪ -1‬حديث الغدير‬

‫‪21‬‬
‫وقد مضت اإلشارة إليه عند ذكر آييت التبليغ واإلكمال وقد ُروي احلديث بطرق كثرية‪ ،‬وعبارات خمتلفة‪ ،‬خنتار‬
‫منها هنا ما أخرجه اإلمام أْحد يف مسنده‪:‬‬

‫بِسناده إىل زيد بن أرقم قال‪ :‬قال ميمون ابن عبد اهلل قال‪ :‬قال‪ :‬زيد بن أرقم وأنا أسع‪ :‬نزلنا مع رسول‬
‫اهلل بو ٍاد يقال له‪ :‬وادي خم يأمر بالصالة يصالها‪ ،‬قال‪ :‬يخطبنا وظُلِّ َل الرسول اهلل بثوب على شجرة‬
‫النِب صلّى اهلل عليه وآله‪:‬‬
‫من الشم ‪ ،‬يقال ّ‬
‫بكل مؤمن من نفسه؟‬
‫أِّن أوىل ّ‬
‫"ألستم تعلمون؟ أو لستم تشهدون ّ‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪ :‬يمن كنت مواله يِ ّن عليا مواله‪ ،‬اللّهم ِ‬
‫عاد من عاداه وو ِال من وااله‪."95‬‬ ‫ّ‬
‫كل ذلك‬ ‫العالمة األميين يف الغدير أساء الصحابة من رواة حديث الغدير‪ ،‬وهم مئة وعشرة‪ّ ،‬‬ ‫وقد ذكر ّ‬
‫عن مصادر أهل السنّة‪ 96‬وذكر أساء أربعة وَثانني تابعيا من رواة حديث الغدير نقال عن مصادر أهل السنّة‬
‫أيضا‪ ،‬وذكر أساء ثالَثائة وستني عاملا كبريا كلّهم من أهل السنّة ممّن روى حديث الغدير‪.97‬‬

‫‪ -2‬حديث الدار (أو حديث العشيرة)‬

‫روى الطربي يف تأرخيه‪ 98‬بِسناده إىل ابن عباس عن علي بن أِب طالب قال‪ :‬ملا نزلت هذه اآلية على‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله‪{ :‬وأَنْذ ْر َع ِش َريتَ َ‬
‫ك ْاألَقْ َربِ َ‬
‫ني}‪ 99‬دعاِّن رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله يقال‬
‫أِّن مت أُبادئهم هبذا‬
‫ل‪ :‬يا علي إ ّن اهلل أمرِّن أن أنذر عشرييت األقربني‪ ،‬يضقت بذلك ذرعا‪ ،‬وعريت ّ‬
‫حممد‪ ،‬إنّك ّإال تفعل ما تؤمر به‬
‫حت جاءِّن جربيل يقال‪ :‬يا ّ‬‫يصمت عليه ّ‬
‫ُ‬ ‫األمر أرى منهم ما أكره‪،‬‬
‫يع ّذبك ربّك‪ ،‬ياصنع لنا صاعا من طعام‪ ،‬واجعل عليه رجل شاة‪ ،‬وامأل لنا عُسا من لنب ُثّ امجع ل بين‬
‫عبد املطلب حت أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به‪ ،‬يفعلت ما أمرِّن به ُث دعوهتم له‪ ،‬وهم ٍ‬
‫يومئذ أربعون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يلما أراد رسول اهلل أن يكلّمهم بَ َدرهُ أبو َلب إىل‬
‫رجال يزيدون رجال أو ينقصونه – إىل أن يقول‪ّ :-‬‬

‫املصححة‪1403 ،‬ه‪1983 ،‬م)‪ ،‬اجلزء ‪ ،37‬الصفحة‬


‫ّ‬ ‫اجمللسي‪ ،‬بحار األنوار (بريوت‪ّ :‬‬
‫مؤسسة الوياء‪ ،‬الطبعة ‪2‬‬ ‫ّ‬ ‫العالمة‬
‫‪ّ 95‬‬
‫‪.188‬‬

‫‪ 96‬األميين‪ ،‬الغدير‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحات ‪.61 -14‬‬


‫‪ 97‬األميين‪ ،‬الغدير‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحات ‪.72 -62‬‬
‫‪ 98‬األميين‪ ،‬الغدير‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحات ‪.151 -73‬‬
‫‪ 99‬سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪214‬‬
‫‪22‬‬
‫يتفرق القوم‪ ،‬ومل يكلّمهم رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) يقال‬
‫الكالم يقال‪ :‬ل ُقدما سحركم صاحبكم‪ّ ،‬‬
‫يتفرق القوم قبل أن أكلّمهم يع ّد لنا‬
‫الغد‪ :‬يا علي‪ ،‬إ ّن هذا الرجل سبقين إىل ما قد سعت من القول ّ‬
‫يقربته َلم‪ ،‬يفعل‬
‫إل‪ ،‬قال‪ :‬يفعلت‪ُ ،‬ثّ مجعتهم ُثّ دعاِّن بالطعام ّ‬
‫من الطعام ِبثل ما صنعت ُثّ أمجعهم ّ‬
‫كما يعل باألم ‪ ،‬يأكلوا حت ما َلم بشيء حاجة – إىل أن يقول‪ُ :-‬ثّ تكلّم رسول اهلل (صلّى اهلل‬
‫إِّن واهلل ما أعلم شابا يف العرب جاء قومه بأيضل ممّا قد جئتكم‬‫عليه وآله) يقال‪ :‬يا بين عبد املطّلب‪ّ ،‬‬
‫إِّن قد جئتكم خبري الدينا واآلخرة‪ ،‬وقد أمرِّن اهلل تعاىل أن أدعوكم إليه يأيّكم يؤازرِّن على هذا‬
‫به‪ّ ،‬‬
‫وإِّن‬
‫األمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفيت ييكم؟ قال‪ :‬يأحجم القوم عنها مجيعا‪ ،‬وقلت ّ‬
‫نِب اهلل أكون وزيرك عليه‪ ،‬يأخذ‬
‫ألحدثهم سنا‪ ،‬وأرمصهم عينا‪ ،‬وأعهمهم بطنا‪ ،‬وأْحشهم ساقا‪ :‬أنا يا ّ‬
‫َ‬
‫برقبيت ُث قال‪ :‬إ ّن هذا أخي ووصيّي وخليفيت ييكم ياسعوا له وأطيعوا‪ ،‬قال‪ :‬يقام القوم يضحكون‬
‫ويقولون ألِب طالب‪ :‬قد أمرك أن تسمع البنك وتطيع‪.100‬‬

‫‪ -3‬حديث المنزلة‬

‫وحممد بن عبّأد‪ ،‬قال‪ :‬ح ّدثنا حاُت بن إساعيل‪ ،‬عن‬


‫روى مسلم يف صحيحه وقال‪ :‬ح ّدثنا قتيبة بن سعيد ّ‬
‫بكري بن مسمار‪ ،‬عن عامر بن سعد بن أِب وقّاص‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬أمر معاوية بن أِب سفيان سعدا يقال‪:‬‬
‫تسب أبا تراب؟ قال‪ّ :‬أما ما ذكرت ثالثا قاَلن رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله يلن أسبّه‪،‬‬
‫ما منعك أن ّ‬
‫سعت رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) يقول لعلي‬
‫إل من ُْحر النعم‪ُ ،‬‬ ‫أحب ّ‬
‫منهن ّ‬
‫ألن تكون ل واحدة ّ‬
‫‪ -‬وخلّفه ييبعض مغازيه ‪ -‬يقال ل علي‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ختلّفين مع النساء والصبيان؟ يقال له رسول اهلل‬
‫صلّى اهلل عليه وآله‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫املتوىف سنة ‪ 240‬ه يف‬
‫قال العالمة األميين يف ذيل هذه الرواية‪ :‬وهبذا اللفظ أخرجه أبو جعفر اإلسكايف املتكلّم البغدادي‪ّ ،‬‬
‫كتابه نقض العثمانية‪ ،‬وقال‪ :‬إنّه روى يف اخلرب الصحيح‪ ،‬ورواه الفقيه برهان الدين يف "أنباء ْنباء األبناء"‪ ،‬الصفحتان ‪-46‬‬
‫‪ ،47‬وابن األثري يف الكامل‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪ ،24‬وشهاب الدين اخلفاجي يف "شرح الشفاء" للقاضي عياض‪ ،‬اجلزء ‪،3‬‬
‫الصفحة ‪ 37‬وبرت آخره وقال‪ :‬ذكر يف داليل البيهقي وغريه بسند صحيح‪ ،‬واخلازن عالء الدين البغدادي‪ ،‬يف تفسريه‪ ،‬الصفحة‬
‫‪ ،390‬واحلايظ السيوطي يف جمع الجوامع كما يف (ترتيبه)‪ ،‬اجلزء ‪ ،6‬الصفحة ‪ 392‬نقال عن الطربي‪ .‬ويف الصفحة ‪ 397‬عن‬
‫احل ّفاظ الستّة‪ :‬ابن اسحاق وابن جرير وابن أِب حاُت ابن مردويه وأِب نعيم والبيهقي‪ :‬وعن ابن أِب احلديد يف شرح نهج البالغة‪،‬‬
‫املؤرخ جرجي زيدان يف تاريخ التمدن اإلسالمي‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪ ،31‬واألستاذ ّ‬
‫حممد‬ ‫اجلزء ‪ ،3‬الصفحة ‪ ،254‬وذكره ّ‬
‫حسني هيكل يف حياة محمد (ص)‪ ،‬الصفحة ‪ 104‬من الطبعة‪.1‬‬
‫ويواصل األميين حبثه حول الرواية‪ ،‬ومن أراد التفصيل يلرياجع الغدير اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪ 278‬يما بعدها‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫"أما ترضى أن تكون مين ِبنزلة هارون من موسى ّإال أنّه ال نب ّوة بعدي؟"‪.101‬‬

‫وقد روى هذا احلديث ابن عبّاس أيضا ضمن حديثه عن مناقب علي عليه السالم‪ ،‬وهو احلديث اآليت‪:‬‬

‫‪ -4‬حديث المناقب العشرة‬

‫قال السيّد شرف الدين‪ :‬أخرجه اإلمام أْحد يف اجلزء ‪ 1‬من مسنده‪ ،102‬واإلمام النسائي يف خصائصه‪،103‬‬
‫صحتها‪ :‬عن عمر بن ميمون قال‪:‬‬
‫وغريهم من أصحاب السنن بالطرق اجملمع على ّ‬
‫وإما أن ختلونا يا‬
‫إِّن جلال عند ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ابن عبّاس ّإما أن تقوم معنا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫يعم‪ ،‬قال‪ :‬يابتدأوا يتح ّدثوا يال‬ ‫ٍ‬
‫هؤالء‪ ،‬يقال ابن عبّاس‪ :‬بل أقوم معكم‪ ،‬قال‪ :‬وهو يومئذ صحيح مل َ‬
‫وتف‪ ،‬وقعوا يف رجل له عشر‪ ،‬وقعوا يف رجل قال له‬ ‫أف ّ‬ ‫ندري ما قالوا‪ ،‬يجاء ينفض ثوبه وهو يقول‪ّ :‬‬
‫َيب اهلل ورسوله قال‪ :‬ياستشرف َلا من‬ ‫ألبعثن رجال ال خيزيه اهلل أبدا ّ‬
‫ّ‬ ‫النِب صلّى اهلل عليه وآله‪:‬‬
‫استشرف يقال‪ :‬أين علي؟ قالوا‪ :‬هو يف الرحل يطحن‪ ،‬قال‪ :‬وما كان أحدكم يطحن؟ قال‪ :‬يجاء وهو‬
‫هز الراية ثالثا يأعطاها إيّاه‪ ،‬يجاء بصفيّة بنت حيّي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أرمد ال يكاد أن يبصر‪ ،‬ينفث يف عينيه‪ُ ،‬ثّ ّ‬
‫مين وأنا‬
‫ُثّ بعث يالنا بسورة التوبة‪ ،‬ييعث عليا خلفه‪ ،‬يأخذها منه‪ ،‬وقال‪ :‬ال يذهب هبا ّإال رجل هو ّ‬
‫منه‪ ،‬قال‪ :‬وقال لبين عمه‪ :‬أيّكم يواليين يف الدنيا واآلخرة؟ قال وعلي جال معهم يأبوا‪ ،‬يقال علي‬
‫(عليه السالم)‪ :‬أنا أواليك يف الدنيا واآلخرة يرتكه ُثّ أقبل على رجل منهم يقال‪ :‬أيّكم يواليين يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬يقال‪ :‬أنت وليّي يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال‪ :‬وكان ّأول َمن أسلم من الناس بعد خدَية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وأخذ رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) ثوبه‪ ،‬يوضعه على علي وياطمة وحسن وحسني صلوات اهلل عليهم‬
‫الرج أَهل الْب ي ِ‬
‫ت َويُطَ ِّهَرُك ْم تَطْ ِهريا}‪ 104‬قال‪ :‬وشرى علي نفسه‪:‬‬ ‫يقال‪{ :‬إََِّّنَا ي ِر َّ ِ ِ‬
‫ب َعْن ُك ُم ِّ ْ َ ْ َ َ ْ‬
‫يد اللهُ ليُ ْذه َ‬
‫ُ ُ‬
‫لف رأسه يف الثوب ال خيرجه حتّآ أصبح‪ُ ،‬ثّ‬ ‫يتضور‪ ،‬قد ّ‬ ‫النِب (صلّى اهلل عليه وآله) وهو ّ‬ ‫لب ثوب ّ‬
‫تتضور وقد استنكرنا ذلك‪ .‬قال‪:‬‬‫يتضور وأنت ّ‬ ‫كشف عن رأسه يقالوا‪ :‬إنّك للئيم كان صاحبك نرميه ال ّ‬
‫نِب اهلل‪ :‬ال‪،‬‬
‫وخرج الناس يف غزاة [غزوة] تبوك‪ ،‬يقال له علي (عليه السالم)‪ :‬أخر ُج معك؟ يقال له ّ‬
‫مين ِبنزلة هارون من موسى ّإال أنّك لست‬ ‫يبكى علي (عليه السالم)‪ ،‬يقال له‪ :‬أما ترضى أن تكون ّ‬
‫بنِب؟ ال ينبغي أن أذهب ّإال وأنت خليفيت‪ .‬قال‪ :‬وقال له رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله)‪ :‬أنت وليّي يف‬
‫ّ‬
‫أبواب املسجد غري باب علي (عليه السالم) قال‪ :‬ييدخل املسجد‬ ‫كل مؤمن من بعدي‪ .‬قال‪ :‬وس ّد‬
‫ّ‬

‫‪ 101‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،37‬الصفحة ‪.265‬‬


‫‪ 102‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬الصفحة ‪.330‬‬
‫‪ 103‬اإلمام النسائي‪ ،‬الخصائص‪ ،‬الصفحة ‪.6‬‬
‫‪ 104‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪33‬‬
‫‪24‬‬
‫كنت مواله يِ ّن مواله‬
‫له طريق غريه‪ ،‬قال‪ :‬وقال (صلّى اهلل عليه وآله)‪َ :‬من ُ‬ ‫جنبا‪ ،‬وهو طريقه لي‬
‫علي‪.105‬‬
‫ّ‬
‫قال احلاكم بعد إخراجه‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ومل خيرجاه هبذه السياقة‪ ،‬قلت‪ :‬وأخرجه الذهِب يف‬
‫تلخيصه ُث قال‪ :‬صحيح‪.106‬‬

‫‪ -5‬حديث الثقلين‬

‫إِّن تركت ييكم‬


‫يقد روي عن رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله بطرق متواترة أنّه صلّى اهلل عليه وآله قال‪ّ " :‬‬
‫متسكتم به لن تضلّوا بعدي‪ ،‬كتاب اهلل حبل ممدود من السماء إىل األرض‪ ،‬وعرتيت أهل بييت‪ ،‬ولن يفرتقا‬
‫ما إن ّ‬
‫علي احلوض‪ ،‬يانهروا كيف ختلفوِّن ييهما"‪.107‬‬
‫حت يردا ّ‬
‫ّ‬
‫وقال اإلمام شرف الدين‪:‬‬

‫التمسك بالثقلني متواترة‪ ،‬وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضايرة‪ ،‬وقد‬


‫والصحاح احلاكمة بوجوب ّ‬
‫شت تارة يوم غدير خم كما سعت‪ ،‬وتارة يوم عرية يف‬ ‫صدع هبا رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله يف مواقف له ّ‬
‫ومرة على منربه يف املدينة‪ ،‬وأخرى يف حجرته املباركة يف مرضه‬
‫حجة الوداع‪ ،‬وتارة بعد انصرايه من الطائف‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫غاصة بأصحابه‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫واحلجرة ّ‬
‫أِّن خملّف‬
‫"أيّها الناس يوشك أن أُقبض قبضا سريعا يينطلق ِب‪ ،‬وقد ق ّدمت إليكم القول معذرة إليكم أال ّ‬
‫وجل وعرتيت أهل بييت‪ُ ،‬ثّ أخذ بيد علي يريعها يقال‪ :‬هذا علي مع القرآن والقرآن مع‬
‫عز ّ‬‫اهلل ّ‬ ‫ييكم كتاب‬
‫علي احلوض"‪.108‬‬
‫حت يردا ّ‬‫علي ال يفرتقان ّ‬

‫‪ 105‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،38‬الصفحة ‪.242‬‬


‫‪ 106‬السيّد عبد احلسني شرف الدين‪ ،‬المراجعات‪ ،‬الصفحة ‪ ،130‬املراجعة ‪ ،26‬وكذا الغدير للعالمة األميين‪ ،‬اجلزء ‪،1‬‬
‫الصفحتان ‪ .51 -49‬وقال يف ذيل احلديث ما ملخصه‪ :‬هذا احلديث بطوله أخرجه مجع كثري من احلفاظ بأسانيدهم الصحاح‬
‫منهم احلنابلة أْحد يف مسنده‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪ ،321‬واحلاكم يف المستدرك ‪ ،‬اجلزء ‪ ،3‬الصفحة ‪ ،132‬واخلطيب اخلوارزمي‬
‫وحمب الدين الطربي يف الرياض‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.203‬‬
‫يف المناقب‪ ،‬الصفحة ‪ّ ،75‬‬
‫كنز العمال‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪ 173‬احلديث ‪ ،873‬وأخرجه احلاكم يف المستدرك‪ ،‬اجلزء ‪ ،3‬الصفحة ‪ :1448‬هذا‬ ‫‪107‬‬

‫حديث صحيح اإلسناد على شرط الشيخني‪ ،‬ومل خيرجاه‪ ،‬وأخرجه الذهِب يف تلخيص المستدرك معرتيا ّ‬
‫بصحته على شرط‬
‫الشيخني‪.‬‬
‫‪ 108‬المراجعات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الصفحة ‪.21‬‬
‫‪25‬‬
‫ُثّ أ ّن هناك رواية أخرى بلفظ‪" :‬كتاب اهلل وسنّيت" وهي غري متواترة يال تعارض احلديث املتواتر املذكور‪،‬‬
‫صحة هذه الرواية يال تعارض حديث الثقلني‬ ‫إضاية إىل ضعف طريقها على ما أثبته احمل ّققون‪ ،‬وعلى يرض ّ‬
‫اخلاص على العام‪ ،‬يِ ّن قوله صلّى اهلل عليه‬
‫ّ‬ ‫املعروف أل ّن بينهما عموما وخصوصا مطلقا ييق ّدم –بطبيعة احلال–‬
‫وآله –حسب هذا النقل– كتاب اهلل وسنّيت يأمر بالرجوع إىل سنّة رسول اهلل‪ .‬وقد ثبت بالنقل يف السنّة النبويّة‬
‫ما أسلفناه من حديث الثقلني الذي يأمر بالرجوع إىل الكتاب والعرتة‪ .‬إذن ينتيجة العمل واألخذ بالكتاب والسنّة‬
‫هو اإللتزام بوالية أهل البيت عليهم السالم‪.‬‬

‫هذه جمموعة يسرية من النصوص الصرَية الدالّة على استمراريّة الوالية اإلَليّة يف أهل البيت عليهم السالم‬
‫صرحت بعدد خلفاء النِب املنصوبني من قبله لوالية األمر بل‬ ‫النِب صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬وهناك نصوص أخرى ّ‬
‫بعد ّ‬
‫وأسائهم‪ ،‬نشري إىل َّنوذج ما ورد منها عن طرق أهل السنّة ويف مصادرهم املوثوق هبا عندهم‪.‬‬

‫الحديث األول‪:‬‬

‫حت ميضي‬
‫النِب يسمعته يقول‪ :‬إ ّن هذا األمر ال ينقضي ّ‬
‫دخلت مع أِب على ّ‬
‫ُ‬ ‫روى مسلم عن جابر بن سرة قال‪:‬‬
‫علي يقلت ألِب‪ :‬ما قال؟ قال‪ :‬كلّهم من قريش‪ .109‬وقريب‬‫خفي ّ‬
‫ييهم اثنا عشر خليفة قال‪ُ :‬ثّ تكلّم بكالم ّ‬
‫منه ولكن بلفظ "اثنا عشر أمريا" يف صحيح البخاري‪ 110‬وصحيح الرتمذي‪ 111‬وصحيح مسلم أيضا بلفظ آخر‬
‫األول يف نف الباب‪ ،‬وصحيح داوود أيضا‪ ،112‬وغريها من املصادر والكتب‪ ،‬وقد مجعها الشيخ لطف‬ ‫قريب من ّ‬
‫اهلل الصايف يف كتابه القيّم (منتخب األثر) يلرياجع‪.113‬‬

‫الحديث الثاني‪:‬‬

‫روي يف كشف اليقني عن مسند أْحد بن حنبل‪ :‬قال النِب صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬للحسني عليه السالم‪" :‬هذا إبين‬
‫أئمة تسعة‪ ،‬تاسعهم قائمهم"‪.114‬‬
‫إمام أخو إمام‪ ،‬أبو ّ‬
‫الحديث الثالث‪:‬‬

‫‪ 109‬صحيح مسلم – كتاب اإلمارة – (باب الناس تبع لقريش‪ ،‬واخلالية يف قريش)‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪ 191‬القسم ‪ ،1‬طبعة‬
‫مصر سنة ‪.1348‬‬
‫‪ 110‬صحيح البخاري‪ ،‬اجلزء ‪ ،4‬الصفحة ‪.175‬‬
‫‪ 111‬صحيح الترمذي‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.45‬‬
‫‪ 112‬صحيح أِب داوود‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.207‬‬
‫‪ 113‬أْحد بن عياش اجلوهري‪ ،‬مقتضب األثر (قم‪ :‬مكتبة الطبطبائي)‪ ،‬الصفحة ‪ 10‬يما بعده‪.‬‬
‫‪ 114‬مقتضب األثر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الصفحة ‪.96‬‬
‫‪26‬‬
‫حممد اَلروي‬
‫حممد بن مسلم بن أِب الفوارس يف أربعينه‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا حممود بن ّ‬
‫روى احلايظ أبو الفتح ّ‬
‫بقريبة –إىل أن قال– عن أِب حفص أْحد بن نايع البصري قال‪ :‬ح ّدثين أِب وكان خادما لإلمام أِب‬
‫احلسن علي بن موسى الرضا عليهما السالم‪ ،‬قال ح ّدثين أِب العبد الصاحل موسى بن جعفر‪ ،‬وذ ّكر آباءه‬
‫واحدا بعد واحد إىل احلسني صلوات اهلل عليه ُث قال‪ :‬ح ّدثين أِب سيّد األوصياء علي بن أِب طالب‬
‫وجل‪ ،‬وهو مقبل‬‫عز ّ‬ ‫أحب أن يلقى اهلل ّ‬
‫عليهم السالم قال‪" :‬قال أخي رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله من ّ‬
‫يليتول‬
‫أحب أن يلقى اهلل وقد مت ّحص عنه ذنوبه ّ‬ ‫يليتول بنك [ابنك] احلسن‪ ،‬ومن ّ‬ ‫عليه غري معرض عنه ّ‬
‫يليتول حممد بن علي‪ ،‬ومن‬
‫أحب أن يلقى اهلل تعاىل وهو قرير العني ّ‬
‫السجاد‪ ]..[،‬ومن ّ‬
‫علي بن احلسني ّ‬
‫أحب أن يلقى اهلل‬
‫حممد الصادق‪ ،‬ومن ّ‬
‫يليتول جعفر بن ّ‬‫أحب أن يلقى اهلل تعاىل ييعطيه كتابه بيمينه ّ‬
‫ّ‬
‫يليتول ابنه‬
‫أحب أن يلقى اهلل وهو ضاحك ّ‬
‫يليتول موسى بن جعفر الكاظم‪ ،‬ومن ّ‬ ‫مطهرا ّ‬ ‫تعاىل طاهرا ّ‬
‫أحب‬
‫حممدا‪ ،‬ومن ّ‬ ‫يليتول ابنه ّ‬
‫أحب أن يلقى اهلل وقد ريعت درجاته وب ّدلت سيّئاته حسنات ّ‬
‫علي‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ّ‬
‫وجل ييحاسبه حسابا يسريا ويدخله جنّة عرضها السماوات واألرض أعددت للمتّقني‬
‫عز ّ‬ ‫أن يلقى اهلل ّ‬
‫أحب‬
‫العسكري‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫يليتول ابنه احلسن‬
‫أحب أن يلقى اهلل وهو من الفائزين ّ‬
‫ييتول ابنه عليا‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬
‫املهدي‪ .‬يهؤالء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حممدا صاحب الزمان‬
‫يليتول ابنه املنتهر ّ‬
‫ّ‬ ‫أن يلقى اهلل وقد كمل إميانه وحسن إسالمه‬
‫وتوالهم كنت ضامنا له على اهلل تعاىل‬
‫أئمة اَلدى‪ ،‬وأعالم التقى يمن أحبّهم‪ّ ،‬‬
‫مصابيح الدجى‪ ،‬و ّ‬
‫اجلنّة‪.115‬‬

‫املهدي صلوات اهلل عليه بوجه خاص أحاديث وروايات كثرية‬


‫ّ‬ ‫وقد وردت يف مصادر أهل السنّة حول‬
‫نشري إىل بعضها‪:‬‬

‫‪ -1‬روى الرتمذي يف الصحيح عن زين عبد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله‪" :‬ال تذهب‬
‫حت ميلك العرب رجل من أهل بييت يواطئ اسه اسي"‪.116‬‬
‫الدنيا ّ‬
‫النِب صلّى اهلل عليه وآله أنّه قال‪" :‬ال تذهب –أو ال تنقضي–‬
‫‪ -2‬روى أبو داوود يف الصحيح عن ّ‬
‫حت ميلك العرب رجل من أهل بييت يواطئ اسه اسي"‪.117‬‬
‫الدنيا ّ‬
‫‪ -3‬روى أبو داود يف الصحيح أيضا عن ّأم َسلَمة قالت سعت رسول اهلل [صلّى اهلل عليه وآله] يقول‪:‬‬
‫"املهدي من عرتيت من ولد ياطمة"‪ .118‬ورواه ابن ماجة يف سننه‪ ،119‬ورواه يف التاج اجلامع‬
‫لألصول‪.120‬‬

‫‪ 115‬مقتضب األثر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬املق ّدمة الصفحة ‪.13‬‬


‫‪ 116‬صحيح الترمذي‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.46‬‬
‫‪ 117‬سنن أبي داوود‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.207‬‬
‫‪ 118‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ -4‬روى ابن ماجة يف الصحيح‪ ،121‬عن إبراهيم بن علقمة عن عبداهلل قال‪:‬‬
‫يلما رآهم النِب صلّى اهلل عليه وآله‬
‫بينما حنن عند رسول اهلل إذ أقبل يتية من بين هاشم ّ‬
‫وتغري لونه‪ ،‬قال‪ :‬يقلت‪ :‬ما نزال نرى يف وجهك شيئا نكرهه‪ ،‬يقال‪ :‬إنّا أهل‬
‫ّ‬ ‫اغرورقت عيناه‪،‬‬
‫بيت اختار اهلل لنا اآلخرة على الدنيا وأ ّن أهل بييت سيلقون بعدي بالء وتشريدا وتطريدا حت يأيت‬
‫ييسألون اخلري يال يعطونه ييقاتلون‪ ،‬يينصرون‪ ،‬ييعطون ما‬ ‫قوم من املشرق معهم رايات سود‬
‫سألوا يال يقبلونه حت يديعوها إىل رجل من أهل بييت ييملؤها قسطا كما مألوها جورا‪ ،‬يمن أدرك‬
‫ذلك الزمان يليأهتم‪ ،‬ولو حبوا على الثلج‪.122‬‬

‫استمرار والية أهل البيت في والية الفقهاء العدول‬

‫الفصل املاضي أ ّن املسلمني بعد اتّفاقهم على الوالية النبويّة اختلفوا يف كيفيّة استمرارها يف‬ ‫مستهل‬
‫ّ‬ ‫ذكرنا يف‬
‫البشري‪ ،‬أو قل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بعد الرسول على يرقتني‪ ،‬وذكرنا هنالك أ ّن توحيد الطاعة هلل يف اجملتمع‬ ‫اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫اجملتمع‬
‫العملي هلل يف اجملتمع ال يتح ّقق ّإال عن طريق استمرار الوالية اإلَليّة بنصب القادة اإلَليني‪ ،‬وهم أهل‬
‫ّ‬ ‫التوحيد‬
‫أئمة‬
‫البيت عليهم السالم‪ ،‬والكالم نفسه يعود بالنسبة للمرحلة الزمنيّة اليت تغيب ييها القيادة اإلَليّة املتمثّلة يف ّ‬
‫األمة اإلسالميّة‪.‬‬
‫أهل البيت عليهم السالم عن ّ‬
‫عجل اهلل يرجه أن يغيب عن ساحة األحداث‬ ‫يفي زمن الغيبة –وهو زماننا هذا‪ -‬إذ ق ّدر إلمام العصر ّ‬
‫البشري‪ ،‬وال ميكن أن يتح ّقق هذا االستمرار‬
‫ّ‬ ‫تستمر عمليا يف اجملتمع‬
‫ّ‬ ‫البشري ال ب ّد للوالية اإلَليّة أن‬
‫ّ‬ ‫يف اجملتمع‬
‫البشري ّإال بنصب القادة الذين َيتمع ييهم شرط العلم بالشريعة‪ ،‬أي ِبا أراده‬
‫ّ‬ ‫العملي للوالية اإلَليّة يف اجملتمع‬
‫ّ‬
‫شرعه يف شأن عباده‪.‬‬
‫بكل ما أراده اهلل تعاىل‪ ،‬و ّ‬
‫التامة أي االلتزام الكامل عمليا ّ‬
‫اهلل تعاىل من خلقه‪ ،‬والعدالة ّ‬
‫يتم يف حبثني‪:‬‬
‫وتفصيل الكالم يف هذا الباب ُّ‬
‫األول‪ :‬دليل والية الفقيه‪.‬‬
‫‪ -‬البحث ّ‬
‫‪ -‬البحث الثاِّن‪ :‬حدود والية الفقيه‪.‬‬

‫البحث األول‪ :‬دليل والية الفقيه‬


‫هنالك نوعان من الدليل على ثبوت الوالية للفقيه يف زمن غيبة املعصوم‪.‬‬

‫‪ 119‬سنن ابن ماجة‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬الصفحة ‪.1368‬‬


‫‪ 120‬التاج اجلامع لألصول‪ ،‬اجلزء ‪ ،5‬الصفحة ‪.364‬‬
‫‪ 121‬أبواب الفتن (باب خروج املهدي)‪ ،‬اجلزء ‪.2‬‬
‫‪ 122‬مقتضب األثر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬الصفحة ‪.151‬‬
‫‪28‬‬
‫النوع األول‪ ،‬الدليل العقلي‪:‬‬
‫وله ع ّدة صياغات‪:‬‬
‫الصياغة األولى وترتكب من مقدمتني‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يتم عقال ّإال عن طريق‬
‫البشري ال ّ‬
‫ّ‬ ‫العملي –أو توحيد الطاعة هلل– يف اجملتمع‬
‫ّ‬ ‫املقدمة األوىل أ ّن التوحيد‬
‫الول‪.‬‬
‫نصب ّ‬
‫الول الذي ميكن عقال أن يطبّق من خالله توحيد الطاعة هلل يف اجملتمع يف عصر‬ ‫املق ّدمة الثانية‪ :‬إ ّن ّ‬
‫البشري ال ميكن حتقيقه عقال يف‬
‫ّ‬ ‫الغيبة‪ ،‬لي إال الفقيه العادل‪ .‬يالنتيجة إذن‪ :‬إ ّن توحيد الطاعة هلل يف اجملتمع‬
‫عصر الغيبة ّإال عن طريق نصب الفقيه العادل‪.‬‬
‫العملي –توحيد‬
‫ّ‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬إ ّن هناك تالزما عقليا بني قبول اإلسالم القائم على أساس التوحيد‬
‫عز وجل– وبني كون الفقيه العادل منصوبا من قبل اهلل لوالية األمر‪ ،‬يف عصر غيبة املعصوم‪.‬‬
‫الطاعة هلل ّ‬
‫وال بأس بتوضيح املقدمتني توضيحا موجزا‪:‬‬
‫أما المقدمة األولى‪:‬‬
‫وضحنا يف الفصل الثاِّن من هذه الرسالة أ ّن دعوة األنبياء صلوات اهلل عليهم تقوم على أساس‬ ‫يقد ّ‬
‫وجل‪ ،‬وحصر الطاعة‪ ،‬واخلضوع هلل قال اهلل تعاىل‪{ :‬قُ ْل يَا‬ ‫عز ّ‬ ‫العملي‪ ،‬ونفي الطاعة واخلضوع لغري اهلل ّ‬ ‫ّ‬ ‫التوحيد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ٍ‬ ‫أ َْهل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب تَ َعالَ ْوا إِ َىل َكل َمة َس َواء بَْي نَ نَا َوبَْي نَ ُك ْم أََّال نَ ْعبُ َد إَِّال اللَّ َه َوَال نُ ْش ِرَك بِه َشْيئا َوَال يَتَّخ َذ بَ ْع ُ‬
‫ضنَا بَ ْعضا أ َْربَابا‬ ‫َ‬
‫‪123‬‬ ‫ِ‬
‫ون اللَّ ِه يَِ ْن تَ َولَّْوا يَ ُقولُوا ا ْش َه ُدوا بِأَنَّا ُم ْسل ُمو َن} ‪.‬‬ ‫ِمن د ِ‬
‫ْ ُ‬
‫ادي‪،‬‬
‫واملراد بالعبادة هو اخلضوع املطلق يف العمل الذي ينطبق على خمتلف أنواع النشاط والسلوك اإلر ّ‬
‫البشري على‬
‫ّ‬ ‫وليست الصالة ّإال رمزا وشعارا للخضوع املطلق هلل تعاىل يف احلياة‪ .‬ياألنبياء جاؤوا لريبّوا اجملتمع‬
‫اخلاصة كأساليب تربويّة تعبّد‬
‫ّ‬ ‫كل شؤونه احلياتيّة‪ ،‬وجاؤوا بالصالة وسائر العبادات‬
‫عبادة اهلل‪ ،‬واخلضوع له يف ّ‬
‫االجتماعي إلرادة اهلل سبحانه‬
‫ّ‬ ‫كل شؤون احلياة‪ ،‬وخضوع النهام‬‫الطريق إىل الغاية األساسيّة وهي العبادة هلل يف ّ‬
‫وتعاىل‪ ،‬ومل تكن دعوة األنبياء حمدودة بأداء بعض الطقوس العباديّة أو الوصايا األخالقيّة يحسب‪ ،‬ولو كانت‬
‫كل ذلك الصدام واخلصام العريق بني الطواغيت وأصحاب القدرة والنفوذ يف‬ ‫تتلخص يف ذلك ملا حصل ّ‬ ‫دعوهتم ّ‬
‫اجملتمعات الضالّة وبني األنبياء وأتباعهم على مدى التاريخ‪.‬‬
‫العملي‪ ،‬أي‬‫ّ‬ ‫حتملوا هي التوحيد‬ ‫وحتملوا من أجلها ما َّ‬ ‫يالقضيّة األساسيّة اليت جاهد من أجلها األنبياء ّ‬
‫وت َويُ ْؤِم ْن بِاللَّ ِه يَ َق ِد‬
‫الطاعة العملية هلل‪ ،‬ونفي الطاعة واخلضوع لغري اهلل‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬يَمن ي ْك ُفر بِالطَّا ُغ ِ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫ّ‬
‫استمسك بِالْعروةِ الْوثْ َقى}‪ ،124‬وقال تعاىل‪{ :‬ومن يسلِم وجهه إِ َىل اللَّ ِه وهو ُْحم ِسن يَ َق ِد استمسك بِالْعروةِ‬
‫ْ َ ْ َ َ ُْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ََُ‬ ‫ََ ْ ُ ْ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ُْ َ ُ‬

‫‪ 123‬آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬


‫‪ 124‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.256‬‬
‫‪29‬‬
‫ت َو ْج ِه َي لِلَّ ِه َوَم ِن‬
‫َسلَ ْم ُ‬
‫وك يَ ُق ْل أ ْ‬
‫اج َ‬ ‫اللَّ ِه ِْ‬
‫اإل ْس َال ُم‪ ...‬يَِ ْن َح ُّ‬ ‫ِّين ِعْن َد‬ ‫ِ‬
‫الْ ُوثْ َقى} ‪ .‬وقال تعاىل‪{ :‬إ َّن الد َ‬
‫‪125‬‬

‫اتَّبَ َع ِن} ‪ .‬وقد سبق أن ّ‬


‫‪126‬‬
‫العملي‬
‫ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أ ّن خضوع اجملتمع اإلنساِّنّ هلل وتطبيق التوحيد‬ ‫وضحنا يف الفصل‬
‫ينصب اهلل سبحانه وتعاىل يف عباده من يأمرهم‬
‫وتوحيد الطاعة هلل تعاىل يف احلياة البشريّة ال طريق له سوى أن ّ‬
‫جل شأنه‪،‬‬
‫بطاعته وأتباعه‪ ،‬لتكون طاعتهم له طاعة هلل سبحانه وتعاىل واخلضوع له خضوعا لوالية الباري ّ‬
‫وتفصيل الكالم يف هذا الباب سبق يف حديثنا عن الوصف الثالث من مواصفات القادة اإلَليني‪ ،‬يلرياجع‪.‬‬
‫أما المقدمة الثانية‪:‬‬
‫وجل يف اجملتمع يف عصر‬
‫عز ّ‬ ‫الول الذي ميكن عقال أن يطبّق من خالله توحيد الطاعة هلل ّ‬
‫وهي "أ ّن ّ‬
‫الغيبة‪ ،‬لي ّإال الفقيه العادل"‪.‬‬
‫اإلَلي الذي تتح ّقق من خالله الطاعة‬
‫يهي واضحة متام الوضوح‪ ،‬يقد ذكرنا يف الفصل الثالث أ ّن القائد ّ‬
‫بكل ما أراده اهلل تعاىل من اإلنسان يف خمتلف شؤون احلياة‪ ،‬وهذا‬ ‫وجل ال ميكن أن يكون إال عاملا ّ‬ ‫عز ّ‬ ‫هلل ّ‬
‫بطبيعة احلال‪ ،‬ينحصر مصداقه يف عصر الغيبة يف الفقيه العامل بالشريعة اإلسالميّة علما مستوعبا عن دقّة ويهم‪،‬‬
‫وال ميكن أن يكون أيضا ّإال عادال ملتزما يف عمله وسلوكه بشريعة اهلل التزاما كامال ليكون مأمونا من الزيغ يال‬
‫شرع اهلل تعاىل يف شأن اإلنسان‪.‬‬‫وجل‪ ،‬وال اتّباعه ّإال ما ّ‬
‫عز ّ‬‫تؤدي طاعته ّإال إىل طاعة اهلل ّ‬
‫ّ‬
‫وجل‪،‬‬
‫عز ّ‬ ‫تصح املق ّدمتان السالفتان ْند أنفسنا بني أمرين‪ ،‬بني أن نريع اليد عن الطاعة هلل ّ‬
‫وعندما ّ‬
‫العملي له يف حياتنا االجتماعيّة يف عصر الغيبة (أي نريع اليد عن تطبيق اإلسالم يف عصر الغيبة)‪– .‬‬
‫ّ‬ ‫والتوحيد‬
‫كل الشرائع اإلَليّة‪ ،-‬وبني االلتزام بالطاعة يف احلياة‬
‫ضروري البطالن يف الشريعة اإلسالميّة‪ ،‬بل ويف ّ‬
‫ّ‬ ‫وهذا‬
‫البشري‪ .‬وطريقه منحصر يف نصب الفقيه العادل‬ ‫ّ‬ ‫العملي واخلضوع هلل يف اجملتمع‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيّة وتطبيق التوحيد‬
‫وجل على أ ّن اهلل تعاىل‬
‫عز ّ‬ ‫ينستدل بعقولنا‪ ،‬وبعد اإلميان بضرورة الطاعة هلل ّ‬
‫ّ‬ ‫وجل‬
‫عز ّ‬ ‫لوالية األمر من قبل اهلل ّ‬
‫نصب الفقيه العادل وليا علينا نطيع اهلل بطاعته‪ ،‬ونن ّفذ أمر اهلل سبحانه وتعاىل يف احلياة باتّباعه‪.127‬‬
‫ّ‬
‫الصياغة الثانية‪ ،‬وهي تتألّف من مق ّدمتني أيضا‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬نف ما جاء يف املق ّدمة األوىل من الصياغة األوىل‪ ،‬وهي ضرورة الطاعة هلل وحده يف‬
‫الول من‬
‫كل شؤون احلياة اإلنسانيّة‪ ،‬وأ ّن توحيد الطاعة هلل أساس دعوة األنبياء‪ ،‬وهذه الضرورة تقتضي نصب ّ‬
‫ّ‬
‫كل عصر‪.‬‬
‫قبل اهلل تعاىل يف ّ‬

‫‪ 125‬سورة لقمان‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬


‫‪ 126‬سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪ 19‬و‪.20‬‬
‫‪127‬‬
‫حت وإن مل يصلنا عن املعصوم نص صريح‪ ،‬صحيح دال على النصب – أ ّن املعصوم قد نصب الفقيه‬ ‫وهبذا نكون على جزم ّ‬
‫العادل لوالية األمر يف زمن غيبته ‪ ،-‬وال يقل طريق الكشف هذا يف قوته وقطيعته عن طرق الكشف األخرى اليت حبث ييها‬
‫األصوليون والفقهاء كطريقة اإلمجاع أو السرية أو البناء العقالئي‪ ،‬وميكن تسمية هذا الطريق بطريقة الكشف العقلي‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬نستقصي االحتماالت العقليّة يف مسألة الوالية يف عصر الغيبة ينجد أ ّن االحتمال‬
‫املعقول الوحيد هو كون الفقيه العادل منصوبا لوالية األمر من قبل املعصوم‪.‬‬
‫واالحتماالت العقليّة يف مسألة الوالية يف عصر الغيبة تنحصر يف ثالثة يروض‪:‬‬
‫األول‪ :‬عدم نصب َمن ميارس الوالية اإلَليّة يف اجملتمع ممارسة عمليّة ميدانيّة‪ .‬وهذا الفرض خيالف‬
‫الفرض ّ‬
‫بكل شؤوهنا‬
‫العملي يف اجملتمع‪ ،‬وتنفيذ الطاعة هلل يف حياة اإلنسان ّ‬ ‫ّ‬ ‫أساس دعوة األنبياء‪ ،‬وهي تطبيق لتوحيد‬
‫‪128‬‬
‫وجوانبها‪.‬‬
‫الول‪ ،‬وهي تنفيذ إرادة‬
‫الفرض الثاِّن‪ :‬نصب غري الفقيه العادل‪ ،‬وهذا ال َي ّقق الغاية املطلوبة من نصب ّ‬
‫اهلل يف احلياة وتطبيق الطاعة اإلَليّة يف اجملتمع اإلنساِّنّ‪ 129‬يينحصر األمر يف الفرض الثالث‪ ،‬وهو نصب الفقيه‬
‫العادل‪.‬‬
‫الصياغة الثالثة‪ ،‬وهي ترتّكب من مق ّدمتني أيضا‪:‬‬
‫الول من قبل اهلل –مطلقا أو يف عصر الغيبة باخلصوص– يستلزم إمضاء‬ ‫المقدمة األولى‪ :‬عدم نصب ّ‬
‫والية الطاغوت ألمرين‪ :‬أل ّن وجود من ميارس الوالية يف اجملتمع ضرورة من ضرورات احلياة االجتماعيّة بل أمهّها‬
‫كل والية ال تنتهي إىل والية اهلل يهي والية الطاغوت‪ ،‬والتال باطل –أي إمضاء والية الطاغوت– ياملق ّدم‬
‫وأل ّن ّ‬
‫الول من قبل اهلل يف عصر الغيبة‪.‬‬
‫مثله‪ ،‬يتنتهي يف املق ّدمة األوىل إىل ضرورة نصب ّ‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬بعد الفراغ عن املق ّدمة األوىل يصل الدور إىل املق ّدمة الثانية ينقول‪ :‬عدم نصب الفقيه‬
‫العادل معناه أن يكون غريه منصوبا وبالتال باطل‪ ،‬أل ّن نصب غري الفقيه العادل مع إمكان نصب الفقيه العادل‬
‫غري حمتمل‪ ،‬ييكون املق ّدم‪ ،‬وهو عدم نصب الفقيه العادل باطال ايضا‪.‬‬
‫اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫والنتيجة اليت ننتهي إليها هي ضرورة نصب الفقيه العادل وليا من قبل اهلل إلدارة شؤون اجملتمع‬
‫يف عصر غيبة املعصوم‪.‬‬
‫الصياغة الرابعة‪ ،‬وتتألّف من مق ّدمتني أيضا‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬وهي مق ّدمة شرعيّة‪ ،‬إستقراء األدلّة الشرعيّة اليت ّ‬
‫ختول الفقيه بعض املمارسات اليت هي‬
‫الول القائم بِدارة شؤون اجملتمع‪ ،‬وذلك يف كثري من املوارد اجلزئيّة يف خمتلف أبواب‬
‫بطبيعتها من صالحيّات ّ‬
‫أهم تلك املوارد‪:‬‬
‫الفقه‪ ،‬ونشري هنا إىل بعض ّ‬
‫‪ -1‬والية القضاء واحلكم بني املتخاصمني‪.‬‬
‫‪ -2‬الوالية على إجراء احلدود والتعزيرات‪.‬‬
‫‪ -3‬الوالية على الصغار والقاصرين بشكل عام‪.‬‬

‫‪ 128‬سبق توضيح ذلك يف الفصل الثالث‪ ،‬وخاصة يف الوصف الثالث من مواصفات القادة اإلَليني‪.‬‬
‫‪ 129‬راجع الفصل املذكور‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪ -4‬الوالية على استيفاء احلقوق املاليّة اإلَليّة كاألمخاس والصدقات‪.‬‬
‫‪ -5‬الوالية على الغائب‪.‬‬
‫‪ -6‬الوالية على املمتنع‪.‬‬
‫‪ -7‬الوالية على اجملهول‪.‬‬
‫ول له‪.‬‬
‫‪ -8‬الوالية على َمن ال ّ‬
‫وغري ذلك ممّا َيده الباحث يف أبواب الفقه املختلفة‪.‬‬

‫كل‬
‫العامة يف ّ‬
‫املق ّدمة الثانية‪ :‬نستكشف من خالل املوارد املشار إليها سابقا أ ّن الفقيه العادل له الوالية ّ‬
‫العامة الثابتة للفقيه‪ .‬وذلك‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأ ّن تلك املوارد ما هي إال مصاديق وجزئيّات لكربى الوالية ّ‬
‫ّ‬ ‫شؤون اجملتمع‬
‫الول‪ ،‬ولي من املعقول أن‬‫أل ّن الصالحيّات اليت تتوقّف عليها املمارسات املذكورة إَّّنا هي صالحيّات احلاكم ّ‬
‫تكون لبعض هذه املوارد أو كلّها خصوصيّة تقتضي جعل الوالية ييها للفقيه العادل دون غريها‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬الدليل النقلي‬

‫أهم األدلّة النقليّة اليت تصلح أن تكون دليال على والية الفقيه العادل‪:‬‬
‫وييما يلي نشري إىل ّ‬
‫النص األول‪ :‬مقبولة عمر بن حنهلة قال‪:‬‬

‫سألت أبا عبد اهلل (عليه السالم) عن رجلني من أصحابنا بينهما منازعة يف دين أو مرياث يتحاكما إىل‬
‫املنهي عنه‬
‫حق أو باطل يَِّّنا حتاكم إىل الطاغوت ّ‬ ‫أَيل ذلك‪ ،‬قال‪َ :‬من حتاكم إليهم يف ّ‬ ‫القضاة ّ‬ ‫السلطان أو‬
‫وجل أن‬
‫عز ّ‬‫وما حكم له به‪ ،‬يَِّّنا يأخذ سحتا‪ ،‬وإن كان حقا ثابتا له؛ ألنّه أخذه حبكم الطاغوت‪ ،‬ومن أمر اهلل ّ‬
‫يدو َن أَ ْن ي تحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ‬
‫وت َوقَ ْد أ ُِم ُروا أَ ْن يَ ْك ُف ُروا بِِه}‪ .130‬قلت‪ :‬يكيف‬ ‫وجل‪{ :‬يُِر ُ‬
‫ََ َ ُ‬ ‫عز ّ‬‫يكفر به‪ ،‬قال اهلل ّ‬
‫يصنعان وقد اختلفا؟ قال‪ :‬ينهران إىل من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونهر يف حاللنا وحرامنا‪ ،‬وعرف‬
‫يِِّن قد جعلته عليكم حاكما‪ ،‬يِذا حكم حبكم يلم يقبل منه‪ ،‬يَِّّنا حبكم اهلل‬ ‫أحكامنا‪ ،‬يلريضوا به حكما ّ‬
‫رد‪ ،‬والرد علينا كاير راد على اهلل وهو على ح ّد الشرك باهلل‪.131‬‬ ‫استخف وعلينا َّ‬
‫ّ‬
‫والرواية صحيحة السند لكون رواهتا موثوقني مجيعا‪ ،‬وقد وصفها يقهاؤنا باملقبولة للداللة على الوثوق‬
‫يدل‬
‫يِِّن قد جعلته عليكم حاكما"‪ ،‬واحلاكم ّ‬ ‫بسندها‪ ،‬وداللتها على والية الفقيه واضحة لقوله عليه السالم‪ّ " :‬‬

‫‪ 130‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬


‫املريزا النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل (لبنان‪ -‬بريوت‪ّ :‬‬
‫‪131‬‬
‫مؤسسة آل البيت عليهم السالم إلحياء الرتاث‪1408 ،‬ه‪1988 /‬م)‬
‫اجلزء ‪ ،17‬الصفحة ‪.311‬‬

‫‪32‬‬
‫العامة‪ ،‬وورودها يف مورد القضاء ال‬
‫العامة يتكون دالّة على نصب الفقيه للوالية ّ‬
‫بههوره على السلطة والوالية ّ‬
‫العامة ِبقتضى التعبري باحلاكم ييها‪.‬‬
‫تدل على النصب للوالية ّ‬
‫يستلزم اختصاص الوالية بوالية القضاء يِ ّن الرواية ّ‬

‫النص الثاني‪ :‬ما رواه الكليين عن إسحاق بن يعقوب قال‪:‬‬

‫علي‪ ،‬يورد التوقيع‬


‫حممد بن عثمان العمري أن يوصل ل كتابا قد سألت ييه عن مسائل أشكلت ّ‬ ‫سألت ّ‬
‫ُ‬
‫صاحب الزمان‪ّ :‬أما ما سألت عنه أرشدك اهلل وثبّتك –إىل أن قال– و ّأما احلوادث الواقعة‬ ‫ط موالنا‬
‫خب ّ‬
‫حجة اهلل‪.132‬‬
‫حجيت عليكم‪ ،‬وأنا ّ‬
‫يِهنم ّ‬
‫حديثنا‪ّ ،‬‬ ‫يارجعوا ييها إىل رواة‬

‫يدل على أ ّن‬


‫حجيت عليكم" ّ‬ ‫تامة من حيث السند‪ 133‬والداللة‪ ،‬وقوله عليه السالم‪ّ :‬‬
‫"يِهنم ّ‬ ‫وهذه الرواية ّ‬
‫سالمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل شؤون اإلمام املعصوم وصالحيّاته يف اجملتمع اإل‬
‫للفقيه يف عصر الغيبة ّ‬
‫جمردة عن معانيها ومداليلها‪ ،‬بل املقصود حديثهم من حيث‬
‫ولي املقصود حبديثهم ألفاظ احلديث ّ‬
‫املتفهم‬
‫شك أ ّن راوي علومهم ومعاريهم هو الفقيه ّ‬ ‫احتوائه لعلومهم ومعاريهم ياملراد علومهم وتعاليمهم‪ ،‬وال ّ‬
‫تام الداللة على والية الفقيه‪.‬‬
‫النص ّ‬
‫لرسالة أهل البيت واملستوعب حلقيقة كالمهم‪ ،‬ييكون هذا ّ‬
‫النص الثالث‪ :‬ما رواه الصدوق بسنده إىل أمري املؤمنني عليه السالم قال‪ :‬قال رسول اهلل صلّى اهلل عليه‬
‫ومن خلفاؤك قال‪ :‬الذين يأتون من بعدي يروون حديثي‬‫هم ارحم خلفائي‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل َ‬ ‫وآله‪ :‬اللّ ّ‬
‫‪134‬‬
‫أي حال يهي من‬
‫وسنّيت ‪ .‬وقد وردت هذه الرواية بطرق كثرية كما جاءت عن طريق أهل السنّة أيضا‪ ،‬وعلى ّ‬
‫الروايات املطمأ ّن بصدورها عن املعصوم عليه السالم‪.‬‬

‫ولقد يهم السائل اإلطالق من قوله "ارحم خلفائي" يلم يسأل الرسول عن مورد اخلالية‪ ،135‬وإَّّنا سأله‬
‫عن مصاديق اخللفاء يأجابه صلّى اهلل عليه وآله ببيان العنوان العام‪ ،‬ونكتة هذا اإلطالق أ ّن ظاهر هذا الكالم‬

‫احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة (لبنان‪ -‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث العرِب)‪ ،‬اجلزء ‪ ،18‬الصفحة ‪.101‬‬ ‫ّ‬
‫‪132‬‬

‫‪ 133‬يِ ّن رجال السند موثوقون‪ ،‬وال كالم ييهم ّإال إسحاق بن يعقوب يلم يرد يف كتب الرجال له ذكر‪ ،‬ولي ذلك بضائر بعد‬
‫تصديق الكليين له هذه الرواية‪ ،‬أل ّن الكليين عاصر الغيبة الصغرى‪ ،‬وعرف رجاَلا‪ ،‬ومل يكن يرد آنذاك توقيع من الناحية املق ّدسة‬
‫ّإال للخواص لش ّدة التقيّة‪ ،‬يلم َيتمل من مثل الكليين أن يروي باملباشرة توقيعا إال وهو يرى الراوي أهال لصدور التوقيه له من‬
‫(عجل اهلل يرجه)‪.‬‬
‫صاحب الزمان ّ‬
‫‪ 134‬وسائل الشيعة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،18‬الصفحة ‪.65‬‬
‫‪ 135‬هذا جواب على إشكال يقول‪ :‬إ ّن قوله "ارحم خلفائي‪ "...‬ال ّ‬
‫يدل على أ ّن الذين يذكرهم الرسول (صلّى اهلل عليه وآله)‬
‫ولعل املراد باخلالية خصوص اخلالية‬
‫كول لألمر‪ ،‬ومبلّغ عن اهلل وغري ذلك‪ّ .‬‬
‫كل صالحياته وشؤونه ّ‬ ‫بعنوان اخللفاء هم خلفاؤه يف ّ‬
‫أهم ما جاء الرسول ألجله كما دلّت عليه آيات القرآن هو‬‫يف العلوم واألحكام يال يشمل اخلالية يف والية األمر‪ .‬هذا مع أ ّن ّ‬
‫‪33‬‬
‫وأمثاله أنّه أسلوب خاص للداللة على اخلالية وتعريف اخللفاء عن الرسول صلّى اهلل عليه وآله‪ ،‬ولي هذا الكالم‬
‫جمرد طلب الرْحة للخلفاء ليقال إنّه لي بصدد البيان من هذه اجلهة يال يكون للكالم إطالق‪ ،‬واحلاصل أ ّن‬ ‫ّ‬
‫شك يف إطالق مثل هذا‬
‫الكالم ِبنزلة أن يقال‪ :‬خلفائي هم الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنّيت وال ّ‬
‫التعبري‪.‬‬

‫ولو مل يرد الرسول من اخلالية‪ ،‬اخلالية املطلقة لكان عليه أن يزيل احتمال ذلك بالتنبيه على أ ّن املراد‬
‫خاص‪ ،‬وذلك ألمهّيّة موضوع اخلالية وضرورة ديع الغموض احملتمل يف شأنه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫باخلالية خالية خاصة يف مورد‬
‫النص‬
‫جمرد نَ َقلة ألفاظ األحاديث (ملا ذكرناه يف ّ‬‫واملراد برواة احلديث والسنّة هم الفقهاء العاملون بالشريعة‪ ،‬ولي ّ‬
‫النص باخلصوص وهي عطف "سنّيت" على "حديثي" يِ ّن السنّة تعين واقع الشريعة‬ ‫السابق)‪ ،‬ولقرينة أخرى يف هذا ّ‬
‫اليت سنّها الرسول صلّى اهلل عليه وآله بقوله وبفعله وبتقريره‪ ،‬وال يكون العارف هبذه السنّة إال الفقيه املستوعب‬
‫لشريعة الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله استيعابا عن يهم وتف ّقه‪.‬‬

‫النِب صلّى اهلل عليه وآله له دائرتان‪:‬‬


‫يدل عليه هذا النص أ ّن النصب الصادر عن ّ‬
‫وممّا ّ‬

‫العامة‪ :‬وهي دائرة الفقهاء العاملني بالشريعة العاملني هبا‪.‬‬


‫‪ -1‬الدائرة ّ‬
‫اخلاصة‪ :‬وهي دائرة املعصومني اإلثين عشر ابتداء باإلمام أمري املؤمنني عليه السالم‪ ،‬وانتهاء‬‫ّ‬ ‫‪ -2‬الدائرة‬
‫عجل اهلل تعاىل يرجه الشريف‪.‬‬
‫باإلمام الثاِّن عشر صاحب العصر ّ‬
‫ونتيجة ذلك أنّه عندما تغيب القيادة املعصومة عن ساحة املمارسة الفعليّة لوالية األمر داخل اجملتمع‬
‫العامة عبء الوالية‪ ،‬وهي دائرة الفقهاء العدول‪.136‬‬
‫تتحمل الدائرة ّ‬
‫اإلسالمي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫البحث الثاني‬

‫يتطرق له عادة الباحثون َلذا املوضوع وهو الدائرة اليت تتّسع َلا صالحيات الفقيه يف الوالية‬ ‫هنالك حبث ّ‬
‫خمتص باهلل تعاىل ال‬
‫احلق ّ‬
‫واحلكم‪ .‬ولقد ذكرنا سابقا أ ّن حقيقة الوالية واحلكم تعين حق الطاعة والتبعيّة‪ ،‬وأ ّن هذا ّ‬
‫أدالء على طاعته‪ ،‬ويأمر الناس بطاعتهم‪ ،‬يطاعة‬ ‫ينصب األنبياء واألولياء ّ‬
‫يشاركه ييه غريه‪ُ ،‬ثّ إ ّن اهلل سبحانه ّ‬
‫حق الطاعة والوالية بشكل‬
‫األدالء على مرضاته سبحانه‪ ،‬وهكذا ينتقل ّ‬
‫الناس هلل إَّّنا تتح ّقق بطاعتهم ألوليائه ّ‬
‫ثانوي إىل النِب صلّى اهلل عليه وآله ومنه إىل سائر املعصومني‪ ،‬ومنهم إىل الفقهاء العدول‪ .‬وعلى هذا األساس‬
‫ّ‬

‫إقامة العدل والقسط كما قال تعاىل‪{ :‬وأمرت ألعدل بينكم}‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات‪ ،‬وأنزلنا معهم الكتاب‬
‫أهم ما بعث ألجله‪.‬‬ ‫وامليزان ليقوم الناس بالقسط" يال ب ّد أن تكون خالية شاملة َلذا األمر الذي هو ّ‬
‫‪136‬‬
‫(عجل اهلل تعاىل‬
‫وهبذا يتّضح أ ّن اإلسالم مل يرتك يراغا يف مسألة الوالية واحلكم حت بالنسبة ملا بعد زمن اإلمام الثاِّن عشر ّ‬
‫يرجه الشريف)‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫يكتسب أمر الرسول صلّى اهلل عليه وآله وأمر أوصيائه والنائبني عنهم صفة اإللزام ولزوم الطاعة وحرمة املعصية‬
‫واملخالفة أل ّن خمالفتهم خمالفة هلل سبحانه الذي أمر بطاعتهم واتّباعهم‪ ،‬وقد ورد النص القرآِّنّ مؤّكدا على هذا‬
‫َّللا َوأَ ِطيعُوا ال ارسُو َل َوأُولِي ْاْلَ ْم ِر ِم ْن ُك ْم}‪.137‬‬
‫األمر يف قوله تعاىل‪{ :‬يَا أَ ُّيهَا الا ِذينَ آَ َمنُوا أَ ِطيعُوا ا َ‬
‫مرة يف شأن اهلل تعاىل‪ ،‬وثانية بشأن‬
‫مرتني‪ّ ،‬‬
‫يتكرر يف اآلية ّ‬
‫وامللحوظ يف هذه اآلية أ ّن األمر بالطاعة ّ‬
‫الرسول وأول األمر‪ .‬وهذه إشارة إىل أ ّن العباد مكلّفون بنوعني من الطاعة‪ ،‬الطاعة هلل تعاىل والطاعة للرسول‬
‫وأول األمر‪ ،‬وإن كانت الطاعة للرسول وأول األمر نرجع يف حقيقتها إىل إطاعة اهلل تعاىل‪.‬‬

‫البشري يتوقف على أمرين‪:138‬‬


‫ّ‬ ‫ولتوضيح هذا األمر نقول‪ :‬إ ّن إقامة حكم اهلل تعاىل يف اجملتمع‬

‫اإلَلي وتعليمه ونشره بني الناس‪.‬‬


‫‪ -1‬بيان التشريع ّ‬
‫اإلَلي تطبيقا ميدانيا عمليا يف حياة الناس‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيق التشريع ّ‬
‫وهذا التطبيق له مرحلتان‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬املرحلة النهريّة أي وضع الصيغ التطبيقيّة للعمومات التشريعيّة وتفسريها وتبيني مصاديقها العينيّة‬
‫يف احلياة‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬املرحلة العمليّة أي تنفيذ الشريعة اإلَليّة بكامل أبعادها وتفاصيلها يف اجملتمع اإلنساِّنّ‪.‬‬

‫األئمة املعصومون والفقهاء مكلّفون بِقامة حكم اهلل تعاىل يف األرض‪ ،‬يهم مكلّفون ببيان‬
‫واألنبياء وكذا ّ‬
‫شريعة اهلل للناس ومكلّفون أيضا بشرحها وتفسريها وبيان مصاديق العمومات الواردة ييها‪ ،‬كما أ ّهنم مكلّفون‬
‫العملي على صعيد احلياة البشريّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بتنفيذها وتطبيقها‬

‫مهمة بيان شريعة اهلل‪ ،‬لي دورهم ّإال دور املبلّغ والوسيط مع يارق‬ ‫للمهمة األوىل‪ ،‬وهي ّ‬
‫ولكنّهم بالنسبة ّ‬
‫األئمة‬
‫النِب خمرب مباشر عن اهلل تعاىل‪ ،‬و ّ‬‫كل من الطوائف الثالثة يف جمال التبليغ‪ ،‬يِ ّن ّ‬
‫يف األدوار اليت يقوم هبا ّ‬
‫األئمة عليهم السالم‪ ،‬باإلضاية‬
‫النِب و ّ‬
‫النِب‪ ،‬والفقهاء خمربون عن اهلل تعاىل‪ ،‬بواسطة ّ‬
‫خيربون عن اهلل تعاىل بواسطة ّ‬
‫اجتهادي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حدسي‬
‫ّ‬ ‫حس ّي‪ ،‬و ّأما إخبار الفقيه يهو إخبار‬
‫إىل أ ّن أخبار املعصوم عليه السالم إخبار ّ‬
‫املهمة تكون األحكام واألوامر اليت يبلّغها املعصوم أو الفقيه عن اهلل سبحانه‬
‫خيص دائرة هذه ّ‬
‫إذن‪ ،‬يفيما ّ‬
‫أوامر وأحكاما هلل تعاىل باملباشرة‪ ،‬وقد كلّف املعصوم والفقيه بتطبيق هذه األوامر واألحكام كتكليفهما بِبالغها‬

‫‪ 137‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬


‫‪ 138‬ويف اآلية الكرمية‪{ :‬إَّّنا أنت منذر ولكل قوم هاد} إشارة إىل هذين األمرين يِ ّن قوله تعاىل‪{ :‬إَّّنا أنت منذر} إشارة إىل‬
‫قوم هاد}‪ .‬إشارة إىل والية التطبيق‪.‬‬ ‫املهمة اليت سوف تعرب عنها بوالية اإلنذار والتبشري‪ .‬وقوله تعاىل‪{ :‬ولكل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪35‬‬
‫املهمة األوىل‪ ،‬بوالية التبليغ‪ ،‬كما ميكننا التعبري عن‬
‫املهمة‪ ،‬وهي ّ‬
‫نعرب عن هذه ّ‬
‫للناس ونشرها بينهم وميكننا أن ّ‬
‫املهمة الثانية بوالية التطبيق‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتغريات واملستج ّدات‪ ،‬يِ ّن مالبسات احلياة االجتماعيّة‬
‫ُثّ إنّه نهرا إىل أ ّن ساحة التطبيق هي ساحة ّ‬
‫كل‬
‫شرع اهلل أحكامه‪ ،‬وأوامره بالصيغة اليت يتاح َلا استيعاب ّ‬‫ختتلف من مكان إىل مكان‪ ،‬وبني زمان وزمان‪ ،‬يقد ّ‬
‫يعي‬
‫تتبىن رسم األهداف‪ ،‬وإراءة اخلط التشر ّ‬‫عامة ّ‬
‫املتغريات واملستج ّدات وذلك عن طريق تشريع صيغ وأطر ّ‬
‫هذه ّ‬
‫املتغريات واملتب ّدالت إىل جانب التشريعات التفصيليّة اليت تكلّفت األوامر اإلَليني بتعيني‬
‫كل ّ‬ ‫العام املنسجم مع ّ‬
‫صيغها النهائية وُكلّف املسؤول عن تطبيق الشريعة (وهو املعصوم‪ ،‬أو الفقيه) بوضع الصيغة القانونيّة اليت تنسجم‬
‫العامة‪ ،‬وحت ّقق األهداف املطلوبة ِبا يتناسب والهروف املكانيّة والزمانيّة وسائر املستج ّدات‬‫مع تلك األطر ّ‬
‫املتغريات‪.‬‬
‫و ّ‬
‫يتوىل مسؤول تطبيق‬
‫املتغري من شريعة اهلل تعاىل‪ ،‬واليت ّ‬
‫العامة –اليت تش ّكل اجلانب ّ‬
‫وهذه الصيغ واألطر ّ‬
‫الشريعة ملء الفراغات التفصيليّة يف الشريعة على ضوء منها– على قسمني‪:‬‬

‫الول املسؤول عن تطبيق الشريعة برسم تفاصيلها وجزئيّاهتا متهيدا‬ ‫األول‪ :‬عمومات وكلّيّات يكلّف ّ‬ ‫القسم ّ‬
‫ِِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ني‬ ‫{ولَ ْن ََْي َع َل اللهُ ل ْل َكاي ِر َ‬
‫ين َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫العملي وامليداِّنّ‪ ،‬وذلك كما يف النصوص والتشريعات التالية‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫لتطبيقها‬
‫ٍ ‪140‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسبِيال} ‪َ { ،‬وأَع ُّدوا ََلُ ْم َما ْ‬
‫‪139‬‬
‫لعرِب‬
‫استَطَ ْعتُ ْم م ْن قُ َّوة} ‪ .‬قال رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله‪" :‬أال ال يضل ّ‬
‫عرِب‪ ،‬وال ألسود على أْحر‪ ،‬وال أْحر على أسود ّإال بالتقوى"‪ ،141‬وعنه صلّى‬ ‫عجمي على ّ‬ ‫ّ‬ ‫عجمي‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫على‬
‫ني ْاألَ ْغنِيَ ِاء ِمْن ُك ْم}‪َ{ ،143‬ال تَأْ ُكلُوا‬ ‫‪142‬‬
‫اهلل عليه وآله‪" :‬الناس كأسنان املشط سواء" ‪َ { ،‬ك ْي َال يَ ُكو َن ُدولَة بَ ْ َ‬
‫ضةَ َوَال يُْن ِف ُقونَ َها ِيف‬
‫ب َوالْ ِف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين يَكْن ُزو َن الذ َه َ‬
‫اض}‪ِ َّ ،144‬‬
‫{والذ َ‬‫َ‬
‫أَموالَ ُكم ب ي نَ ُكم بِالْب ِ‬
‫اط ِل إَِّال أَ ْن تَ ُكو َن َِتَ َارة َع ْن تَ َر ٍ‬‫ْ َ ْ َْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ٍ ٍ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َسب ِيل الله يَبَش ِّْرُه ْم ب َع َذاب أَليم} ‪َ { ،‬وإ ْن تُْبتُ ْم يَلَ ُك ْم ُرؤ ُ‬
‫‪146‬‬ ‫‪145‬‬
‫وس أ َْم َوال ُك ْم َال تَهْل ُمو َن َوَال تُهْلَ ُمو َن} ‪ .‬وعن النِب‬

‫‪ 139‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.141‬‬


‫‪ 140‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬
‫‪ 141‬تفسير القرطبي‪ ،‬اجلزء ‪ ،16‬الصفحة ‪ 342‬يف تفسري سورة احلجرات‪.‬‬
‫الشيخ الص ّدوق‪ ،‬من ال يحضره الفقيه (منشورات مجاعة املدرسني يف احلوزة العلميّة يف ّ‬
‫‪142‬‬
‫قم املق ّدسة‪ ،‬الطبعة ‪1404 ،2‬ه)‬
‫اجلزء ‪ ،4‬الصفحة ‪( 379‬احلديث ‪.)5798‬‬
‫‪ 143‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫‪ 144‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬
‫‪ 145‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬
‫‪ 146‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.279‬‬
‫‪36‬‬
‫صلّى اهلل عليه وآله‪" :‬ال ضرر وال ضرار يف اإلسالم"‪ ،147‬وعن النِب صلّى اهلل عليه وآله‪" :‬اإلسالم يعلو وال يعلى‬
‫عليه"‪ ،148‬وعنه صلّى اهلل عليه وآله‪" :‬مثل املؤمنني يف تو ّادهم وتعاطفهم وتراْحهم مثل اجلسد الواحد إن اشتكى‬
‫احلمى"‪" ،149‬املسلمون ي ٌد على من سواهم"‪" ،150‬املسلمون عند‬ ‫منه شيء تداعى له سائر اجلسد بالسهر و ّ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪151‬‬
‫وجل يال َيوز" ‪{ ،‬ل َق ْد أ َْر َس ْلنَا ُر ُسلَنَا بالْبَ يِّ نَات َوأَنْ َزلْنَا َم َع ُه ُم الْكتَ َ‬ ‫عز ّ‬ ‫شروطهم ّإال ما خالف كتاب اهلل ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ‪152‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ني الن ِ‬
‫َّاس أَ ْن‬ ‫َّاس بِالْق ْسط} ‪{ .‬اللَّهَ يَأْ ُم ُرُك ْم أَ ْن تُ َؤُّدوا ْاأل ََمانَات إِ َىل أ َْهل َها َوإِ َذا َح َك ْمتُ ْم بَ ْ َ‬ ‫وم الن ُ‬ ‫َوالْم َيزا َن ليَ ُق َ‬
‫اخلَبَائِ َ‬ ‫َْحت ُكموا بِالْع ْد ِل}‪{ ،153‬وَُِي ُّل ََلم الطَّيِّب ِ‬
‫ت‬‫صَرُه ْم َو ْاألَ ْغ َال َل الَِّيت َكانَ ْ‬ ‫ض ُع َعْن ُه ْم إِ ْ‬ ‫ث َويَ َ‬ ‫ات َوَُيَِّرُم َعلَْي ِه ُم ْ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ين آَ َمنُوا َال‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫‪155‬‬ ‫ِ ‪154‬‬
‫تؤدي" ‪{ ،‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫حت ّ‬ ‫النِب صلّى اهلل عليه وآله‪" :‬على اليد ما أخذت ّ‬ ‫َعلَْيه ْم} ‪ ،‬وقال ّ‬
‫{والْ ُم ْؤِمنُو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫‪156‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين آَ َمنُوا َال تَتَّخ ُذوا َع ُد ِّوي َو َع ُد َّوُك ْم أ َْوليَاءَ}‪َ 157‬‬ ‫تَتَّخ ُذوا بطَانَة م ْن ُدون ُك ْم} ‪{ ،‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ض}‪.158‬‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ بَ ْع ٍ‬
‫ات بَ ْع ُ‬
‫ِ‬
‫َوالْ ُم ْؤمنَ ُ‬
‫وغري ذلك الكثري ممّا ال يسع هذا املوجز بيانه‪ ،‬وهذه العمومات –كما يبدو من النماذج اليت أشرنا‬
‫ول‬
‫وشت احلقول‪ ،‬وعلى ّ‬ ‫اإلسالمي يف خمتلف اجملاالت ّ‬
‫ّ‬ ‫ط األساس والعريض حلياة اجملتمع‬‫إليها– تتص ّدى لرسم اخل ّ‬
‫ليتم تطبيقها يف اجملتمع‪.159‬‬
‫األمر وضع اخلطوط التفصيليّة َلا‪ّ ،‬‬

‫‪ 147‬وسائل الشيعة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،17‬الصفحة ‪( ،341‬الباب ‪ ،12‬احلديث ‪.)3‬‬


‫‪ 148‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،4‬الصفحة ‪( ،334‬احلديث ‪.)5719‬‬
‫‪ 149‬مسند أْحد ‪.270 :4‬‬
‫املتّقي اَلندي‪،‬كنز العمال (لبنان‪ -‬بريوت‪ّ :‬‬
‫‪150‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ 1409 ،‬ه‪1989 /‬م)‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪( ،98‬احلديث‬
‫‪.)441‬‬
‫‪ 151‬وسائل الشيعة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،6‬الصفحة ‪( ،353‬احلديث ‪.)2‬‬
‫‪ 152‬سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬
‫‪ 153‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.58‬‬
‫‪ 154‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.157‬‬
‫‪ 155‬بن أِب مجهور األحسائي‪ ،‬عوالي اللئالي (قم‪ :‬سيّد الشهداء‪ ،‬الطبعة‪1403 ،1‬ه‪ 1983 /‬م)‪ ،‬اجلزء ‪ ،1‬الصفحة ‪.224‬‬
‫‪ 156‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.118‬‬
‫‪ 157‬سورة الممتحنة ‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪ 158‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬
‫‪ 159‬وتنبغي اإلشارة هنا إىل أ ّن من مصاديق هذا القسم وضع العقوبات التعزيزية من أي جن كانت – حبسا أو غرامة وغري‬
‫ول األمر ِبا هو مسؤول عن تطبيق‬
‫ذلك‪ -‬للجرائم اليت مل يضع الشارع َلا حدا معيّنا‪ ،‬ومنها التخلّف عن القرارات الصادرة عن ّ‬
‫يعرب عنه أحيانا بالقرارات أو األحكام احلكومتية‪.‬‬
‫الشريعة (أي ِبا له والية التطبيق)‪ ،‬أو ما ّ‬
‫‪37‬‬
‫عامة تنهّم العالقات بني األحكام والتشريعات يف مقام التطبيق والتنفيذ –‬
‫القسم الثاِّن‪ :‬ضوابط وقواعد ّ‬
‫العامة اليت تنهّم‬
‫ول األمر أن يستعني بالضوابط والقواعد ّ‬‫أي تعارض يف مقام التشريع– يعلى ّ‬
‫وإن مل يكن بينها ّ‬
‫العالقة بني األحكام الشرعيّة ويرسم الطريقة امليدانيّة للتعامل مع املتزاْحني يف مقام التنفيذ‪ .‬يعلى سبيل املثال‪:‬‬
‫شرعي يقضي ِبنع السبيل للكايرين على املؤمنني أي حرمة‬
‫ّ‬ ‫حبل التجارة‪ ،‬وهناك حكم‬ ‫شرعي يقضي ّ‬ ‫ّ‬ ‫هناك حكم‬
‫لكن الهروف واملالبسات‬ ‫خضوع املسلمني لسلطة الكايرين‪ .‬وال تعارض يف التشريع بني هذين احلكمني‪ ،‬و ّ‬
‫الفقهي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العملي بني احلكمني أي التزاحم حسب التعبري‬
‫ّ‬ ‫تؤدي يف بعض األحيان إىل التعارض‬ ‫العمليّة قد ّ‬
‫شرعها اإلسالم لتنهيم العالقة امليدانيّة والتطبيقيّة بني األحكام الشرعيّة وهي‬
‫وهناك ضابطة أو قاعدة ّ‬
‫الشرعي‬
‫ّ‬ ‫األهم‬
‫الشرعي وال ب ّد من تقدمي ّ‬
‫ّ‬ ‫تقضي بأ ّن األحكام الشرعيّة متفاوتة يف درجة أمهيتها يف مقياس النهر‬
‫األهم من احلكمني على ويق‬
‫يعني ّ‬ ‫ول األمر –يف هذا الفرض– أن ّ‬
‫املهم يف حالة من هذا القبيل‪ ،‬يعلى ّ‬
‫على ّ‬
‫ول األمر هو احلكم الشرعي الذي يلزم‬
‫املالكات املعتربة يف نهر الشارع األقدس‪ ،‬ويكون احلكم الذي يصدره ّ‬
‫اتّباعه على املسلمني يف هذا التقدير‪.160‬‬

‫ول األمر‬
‫لول األمر أن يصدر ييهما حكمه ِبا هو ّ‬
‫وقد اتّضح ممّا ذكرناه جماالن من اجملاالت اليت ال ب ّد ّ‬
‫أي ِبا هو مسؤول عن تطبيق الشريعة ال ِبا هو مبلّغ عن اهلل تعاىل‪:‬‬

‫األول‪ :‬رسم وحتديد التفاصيل التشريعيّة للعمومات والكلّيات الشرعيّة‪.‬‬


‫اجملال ّ‬
‫اجملال الثاِّن‪ :‬تنهيم العالقة بني األحكام الشرعيّة يف مقام التطبيق والتنفيذ‪.‬‬

‫املوحد إزاء موضوعات األحكام اليت ال ب ّد ييها من موقف‬‫وهناك جمال ثالث وهو‪ّ ،‬اختاذ املوقف ّ‬
‫اإلسالمي ووحدته‪ ،‬أو يستلزم يقدان احلكم‬
‫ّ‬ ‫يضر بانسجام اجملتمع‬
‫موحد‪ ،‬باعتبار أ ّن تعدد املواقف ييها ّ‬
‫اجتماعي ّ‬
‫ّ‬
‫احلجة‬
‫شوال‪ ،‬أو ذي ّ‬ ‫العملي‪ .‬نضرب لذلك مثاال‪ :‬هالل رمضان‪ ،‬أو ّ‬‫ّ‬ ‫الشرعي لروحه وجوهره يف جمال التطبيق‬
‫ّ‬
‫شوال وصالة العيد‪ ،‬أو‬ ‫األول من ّ‬ ‫عبادي عهيم كصوم شهر رمضان‪ ،‬أو إيطار اليوم ّ‬
‫ّ‬ ‫باعتبار أنّه موضوع حلكم‬
‫اإلسالمي كما أنّه مينع من‬
‫ّ‬ ‫يضر بانسجام اجملتمع‬
‫األمة يف ذلك ممّا ّ‬
‫احلج ووظائفه‪ ،‬يِ ّن اختالف ّ‬
‫أداء مناسك ّ‬
‫األساسي يف هذه املناسك العباديّة‪ ،‬وبانتفائه تكاد العبادة‬
‫ّ‬ ‫الفقري و‬
‫ّ‬ ‫اخلاصة وهو العمود‬
‫حت ّقق االجتماع يف العبادة ّ‬
‫تتقوم به‪.‬‬
‫اجلوهري الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫اخلاصة تفقد روحها‬
‫ّ‬

‫‪ 160‬ومن اجلدير أن ننبّه على أ ّن اللجنة اليت أمر اإلمام اخلميين بتشكيلها حتت عنوان (جلنة تعيني املصلحة) تقوم بنف هذه‬
‫التام‬
‫املهمة اليت أشرنا إليها‪ ،‬يالواقع أ ّن هذه املهمة من صالحية شخص اإلمام‪ ،‬ولكنّه من أجل رعاية الدقة الكاملة واالحتياط ّ‬ ‫ّ‬
‫املهمة حتت نهره وإشرايه‪ّ .‬أما جمل احملايهة على الدستور يلي من شأنه إال تطبيق‬ ‫أمر بتشكيل هذه اللجنة لتقوم هبذه ّ‬
‫املقررات القانونية على نص الشريعة أو الدستور واإلعالن عن مطابقتها أو خمالفتها معه‪ُ .‬ثّ إ ّن من صالحيّات اللجنة املذكورة‬
‫ّ‬
‫ممارسة اجملال الثالث من جماالت والية األمر الذي سوف نشري إليه‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫لكل ّأمة مصاحل ومنايع ال ب ّد من ْحايتها ورعايتها سواء يف إدارة شؤوهنا الداخليّة أو‬
‫ومثال آخر‪ّ :‬‬
‫اخلارجيّة ويف تعاملها مع سائر األمم واحلكومات‪ ،‬ومن الطبيعي أن تتع ّدد اآلراء والنهريات ييما هو األصلح‪ ،‬أو‬
‫يؤدي بنفسه إىل‬ ‫الصالح يف كثري من املوارد واألمور‪ ،‬غري أ ّن اضطراب املوقف وعدم ّاختاذ موقف حم ّدد واحد ّ‬
‫املوحد من قبل‬ ‫األمة تستدعي ّاختاذ املوقف ّ‬ ‫األمة‪ ،‬وهدر الكثري من منايعها وحقوقها‪ ،‬يِدارة شؤون ّ‬‫ضياع حق ّ‬
‫ول األمر‪ ،‬ويكون املوقف الذي َي ّدده هو املوقف املشروع الوحيد الذي ال ب ّد جلميع أيراد األمة اتّباعه و ّاختاذه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهناك جمال رابع أيضا وهو يصل اخلصومات واحلكم بني املتنازعني يِنّه أيضا من املوارد اليت يتوقف عليها‬
‫تطبيق الشريعة بني الناس‪.‬‬

‫عربنا عنها‬
‫ُثّ إ ّن هذه اجملاالت األربعة تندرج كلّها ضمن املرحلة األوىل من مسؤوليّة التطبيق‪ ،‬واليت ّ‬
‫باملرحلة النهريّة للتطبيق‪ ،‬ولكن هذه املرحلة النهريّة ِبجاالهتا األربعة ال تكفي لتطبيق الشريعة تطبيقا عمليا يف‬
‫ول األمر من بسط الشريعة اإلَليّة يف واقع التعايش اإلنساِّن‬
‫اجملتمع ما مل تقرتن بالصالحيّات التنفيذيّة اليت مت ّكن ّ‬
‫أهم هذه الصالحيات التنفيذيّة (واليت تشكل جماالت املرحلة‬
‫وتكييف احلياة البشريّة على ضوئها‪ ،‬وميكن تلخيص ّ‬
‫العملية لتطبيق الشريعة) يف أمور‪:‬‬

‫العامة‬
‫التصرف يف األموال ّ‬‫ّ‬ ‫ول األمر‬
‫ختول ّ‬
‫األمر األول‪ :‬الصالحيات املالية‪ :‬وهي الصالحيّات اليت ّ‬
‫تتقوم به حياة الناس ومعاشهم يف خمتلف الشؤون والقضايا واجلهات‪.‬‬
‫كل ما ّ‬
‫وصريها يف املصاحل العامة ويف ّ‬
‫َيق َلا أن متارس‬
‫يول األمر هو اجلهة الوحيدة اليت ّ‬
‫األمر الثاِّن‪ :‬صالحية تنفيذ العقوبات واحلدود‪ّ ،‬‬
‫ول األمر ويق صالحيات املرحلة النهرية للتطبيق‪،‬‬
‫العقوبات واحلدود يف مواردها اليت حددهتا الشريعة‪ ،‬أو َيددها ّ‬
‫(واليت سبقت اإلشارة إليها)‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬صالحية إبرام العهود‪ ،‬واملواثيق واإللتزامات مع األشخاص واجلهات والدول واملؤسسات‬
‫وعلى االمجال مع الشخصيات احلقيقيّة أو االعتباريّة‪.‬‬

‫ول الغائب والصغري والقاصر والعاجز‪ 161‬واملمتنع‬ ‫يول األمر ّ‬


‫األمر الرابع‪ :‬صالحيات القيمومة والنيابة‪ّ :‬‬
‫وغري ذلك من املوارد اليت تغيب ييها الشخصية ذات اإلرادة الواعية غيبة حقيقية كما يف الغائب واَلارب‪ ،‬أو غيبة‬
‫حكميّة (أي أ ّن حضورها يف حكم عدم احلضور نهرا النعدام اإلرادة الواعية كما يف القاصر أو لعدم اإلرادة كما‬
‫يف املمتنع) كما يف القاصر واملمتنع‪ ،‬يله أن يقوم بكل ما يلزم القيام به عن املوىل عليه يف املوارد املذكورة من‬
‫التصرف يف األموال‪ ،‬وإنشاء العقود واإليقاعات وخمتلف أنواع املبادالت‪.‬‬

‫‪ 161‬نهري احملجور عليه لفل ‪ ،‬أو احملبوس الذي ال تصل األيدي إليه‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫األمر اخلام ‪ :‬صالحيّة تنفيذ األحكام القضائيّة بني املتخاصمني‪ :‬وهذه أيضا من الصالحيّات التنفيذيّة‬
‫حق املهلوم وردع املعتدي وإقامة موازين العدل‬
‫الشرعي واليت ِبوجبها يتمكن من إجراء العدل وإحقاق ّ‬
‫ّ‬ ‫للحاكم‬
‫البشري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والقسط يف اجملتمع‬

‫هذا جممل الصالحيّات التنفيذيّة اليت تندرج ضمن دائرة املرحلة التنفيذيّة أو العمليّة للتطبيق‪ .‬وهبذا اتّضح‬
‫لول األمر من القيام هبا ِبرحلتيها‪ ،‬ومسؤولية تطبيق الشريعة بكلتا مرحلتيها عبارة‬
‫املراد ِبسؤولية التطبيق اليت ال ب ّد ّ‬
‫اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫وول‪ ،‬ياحلاكم يف املفهوم‬
‫الول ِبا هو حاكم ّ‬
‫عما يُصطلح عليه أحيانا بصالحيّات احلاكم أو ّ‬ ‫أخرى ّ‬
‫كل الصالحيّات اليت ال ب ّد منها يف تطبيق الشريعة‪،‬‬
‫هو املتص ّدي لتطبيق شريعة اهلل يف اجملتمع‪ ،‬وله هبذا االعتبار ّ‬
‫وقد أسلفنا رسا عاما عن هذه الصالحيّات‪.‬‬

‫إىل هنا اتّضح املعىن املراد يف األمر بطاعة اهلل‪ ،‬واألمر بطاعة الرسول وأول األمر يف اآلية الشريفة ياألمر‬
‫مهمة التبليغ عن اهلل تعاىل‪،‬‬
‫مهمته األوىل وهي ّ‬
‫الول بلحاظ ّ‬‫بطاعة اهلل إشارة إىل األوامر واألحكام الصادرة من ّ‬
‫الول ِبا هو مطبّق‬
‫واألمر بطاعة الرسول وأول األمر إشارة إىل األوامر‪ ،‬واألحكام‪ ،‬واالجراءات الصادرة عن ّ‬
‫الول من قبل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫يتوالها ّ‬
‫املهمة الثانية اليت ّ‬
‫لرسالة اهلل وشريعته يف األرض‪ ،‬وهي ّ‬
‫وقد اتّضحت أبعاد الوالية اليت نبحث عن ثبوهتا للفقيه يف زمن الغيبة‪ .‬وباتّضاح ذلك يههر أ ّن جمرد‬
‫وضحناه بالتفصيل‬‫بكل أبعادها‪ ،‬وذلك ملا ّ‬
‫ثبوت أصل الوالية للفقيه يف زمن غيبة املعصوم يكفي يف ثبوت الوالية ّ‬
‫من أ ّن حقيقة الوالية تعين مسؤوليّة تطبيق الشريعة بني الناس‪ ،‬يِن ثبتت هذه املسؤوليّة يِ ّن الصالحيّات اليت‬
‫مهمة‬
‫املهمة األوىل وهي ّ‬
‫تنفك عنها‪ ،‬وإن مل تثبت هذه املسؤوليّة‪ ،‬يذلك يعين لغويّة ّ‬‫تستتبعها هذه املسؤوليّة ال ّ‬
‫التبليغ واإلنذار – يِنّه ال معىن ألن يكون املعصوم أو الفقيه مكلّفا ِبجرد نشر األحكام وتعليمها للناس‪ ،‬من‬
‫خاصة إزاء تطبيقها والعمل هبا‪.‬‬
‫دون أن تكون هناك مسؤوليّة ّ‬
‫هذا وميكننا تلخيص األدلّة على الوالية املطلقة للفقيه‪ ،‬أي الوالية اليت تستبطن كل صالحيات التطبيق‬
‫ضمن األدلّة التالية‪:‬‬

‫الدليل األول‪:‬‬

‫ويتلخص يف مق ّدمتني‪:‬‬
‫العقلي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ما أشرنا إليه أخريا من الدليل‬

‫المقدمة األولى‪ :‬إ ّن املعصوم والفقيه له ّ‬


‫مهمتان‪:‬‬

‫ومهمة التطبيق‪ ،‬وإ ّن سلب مسؤوليّة التطبيق عن املعصوم أو الفقيه باإلضاية إىل ضرورة‬ ‫مهمة التبليغ‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫تدل بالضرورة على أ ّن املعصوم والفقيه مسؤوالن عن التطبيق‬
‫بطالنه إثباتا –أي يف األدلّة الشرعيّة والعقليّة أل ّهنا ّ‬

‫‪40‬‬
‫كما ّأهنما مسؤوالن عن التبليغ– مستحيل ثبوتا‪ ،‬أل ّن العقل َيكم بأ ّن من اللغو البارد أن يكلّف اهلل املعصوم أو‬
‫مهمة التبليغ واإلرشاد طريق‬
‫الفقيه بتبليغ الشريعة ويسلب عنه أيّة مسؤوليّة إزاء تطبيقها‪ ،‬بل إ ّن العقل َيكم بأ ّن ّ‬
‫املهمة األخرى وهي تطبيق شريعة اهلل على وجه األرض‪.‬‬
‫إىل حت ّقق ّ‬
‫مهمة املعصوم ْند أ ّن من‬ ‫المقدمة الثانية‪ :‬بعد ثبوت كون مسؤوليّة التطبيق من ّ‬
‫مهمة الفقيه كما هو من ّ‬
‫مهمة تطبيق الشريعة‪ُ ،‬ثّ ال مينحه الصالحيّة اليت يستحيل‬
‫غري املعقول أن يعهد اهلل سبحانه إىل املعصوم أو الفقيه ّ‬
‫التطبيق بدوهنا‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إىل أ ّن طبيعة التطبيق تتطلّب الصالحيّات املذكورة‪ ،‬وأ ّن هذه الصالحيّات‬
‫ِبجموعها ليست ّإال جهات متع ّددة ملسؤوليّة واحدة‪ ،‬وهي مسؤوليّة التطبيق‪ .‬يسلب صالحيّات التطبيق مع‬
‫كل الصالحيّات اليت يتطلّبها تطبيق شريعة‬‫ثبوت مسؤوليّة التطبيق أمر غري معقول‪ .‬وبذلك تتّضح ضرورة ثبوت ّ‬
‫اهلل بني الناس للفقيه العادل يف زمن غيبة املعصوم‪.‬‬

‫الدليل الثاني‪:‬‬

‫الول الفقيه يف زمن الغيبة بناء على النهرة التوحيديّة للكون‬


‫األدلّة العقليّة اليت دلّت على ضرورة نصب ّ‬
‫وجل‪،‬‬
‫عز ّ‬ ‫واحلياة واليت تقتضي توحيد الطاعة واخلضوع هلل وإرساء احلياة االجتماعيّة على أساس من طاعة اهلل ّ‬
‫ليتوىل إدارة شؤون الناس‪ ،‬وتكييف احلياة‬
‫الول من قبل اهلل تعاىل ّ‬‫وأ ّن الطريق إىل حتقيق ذلك منحصر بنصب ّ‬
‫اإلجتماعيّة على ضوء الشريعة اإلَليّة‪ .‬هذه األدلّة بنفسها تقتضي أن مينح للفقيه املتص ّدي ملسؤوليّة تطبيق‬
‫يتوىل مسؤوليّة تطبيق النهام يف اجملتمع‬
‫لكل من ّ‬‫كل صالحيّات التطبيق اليت ال ب ّد منها ّ‬
‫الشريعة اإلَليّة بني الناس ّ‬
‫وضحنا حدود هذه الصالحيّات وأبعادها ييما سبق‪.‬‬
‫البشري‪ ،‬وقد سبق أن ّ‬
‫ّ‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬

‫تدل بِطالقها على ثبوت مطلق الصالحيّات –الثابتة‬ ‫النصوص املطلقة الدالّة على والية الفقيه ّ‬
‫حجيت‬
‫"أما احلوادث الواقعة يارجعوا ييها إىل رواة حديثنا يِ ّهنم ّ‬
‫للمعصوم– للفقيه كذلك‪ ،‬مثل قوله عليه السالم‪ّ :‬‬
‫"أللهم ارحم خلفائي‪ ..‬إخل" يف داللته على ثبوت اخلالية‬
‫ّ‬ ‫حجة اهلل"‪ .‬وقد بيّ نّا سابقا إطالق رواية‪:‬‬
‫عليكم‪ ،‬وأنا ّ‬
‫والوالية للفقهاء‪.‬‬

‫كل‬
‫تدل بوضوح على ثبوت الوالية املطلقة للفقيه واليت ِبوجبها تثبت للفقيه ّ‬ ‫إذن يمجموع األدلّة ّ‬
‫البشري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلَلي يف اجملتمع‬
‫صالحيّات تطبيق النهام ّ‬

‫‪41‬‬

You might also like