You are on page 1of 45

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذا الكتاب األول من سلسلة التوحيد ‪ ،‬قد راعيت فيه أن يكون متمشيًا مع أحوال زماننا ‪ ،‬وحرصت‬
‫على ضرب األمثلة ‪ ،‬حىت يتحقق اهلدف املنشود الذي طاملا حثنا القرآن عليه‪ ،‬يف هذا الزمان ‪ ،‬ذلك هو هدف‬
‫ض‬‫ات َوالأَْ ْر ِ‬
‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫وت َّ‬ ‫َك ِ‬‫نظ ُروا فِي َمل ُ‬ ‫َم َي ُ‬ ‫ربط احلقائق الدينية بأدلتها املبثوثة يف الكون كما قال تعاىل ‪َ ﴿:‬أ َول ْ‬
‫ون﴾ صدق اهلل العظيم‬ ‫َد ا ْق َت َر َب َأ َجلُ ُه ْم َف ِب َأ ِّي َح ِد ٍ‬
‫يث َب ْع َد ُه ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ون ق ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ِن َش ْي ٍء َو َأ ْن َع َسى َأ ْن َي ُ‬‫َق اللهَُّ م ْ‬‫َو َما َخل َ‬
‫ين‬ ‫اب ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫الن َها ِر آَل َي ٍ‬
‫ات لأِ ُولِي الأَْل َْب ِ‬ ‫اختِلاَ ِف الل َّْي ِل َو َّ‬‫ض َو ْ‬ ‫ات َوالأَْ ْر ِ‬ ‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬ ‫ْق َّ‬ ‫‪ ،‬أو كما قال سبحانه ‪﴿ :‬إِ َّن فِي َخل ِ‬
‫ض َر َّب َنا َما َخلَ ْق َت َه َذا َب ِ‬
‫اط اًل‬ ‫ات َوالأَْ ْر ِ‬
‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫ْق َّ‬ ‫ون فِي َخل ِ‬ ‫ك ُر َ‬ ‫ِم َو َي َت َف َّ‬
‫ُعو ًدا َو َعلَى ُج ُنو ِبه ْ‬
‫اما َوق ُ‬ ‫ون اللهََّ ق َ‬
‫ِي ً‬ ‫ك ُر َ‬‫َي ْذ ُ‬
‫النا ِر﴾ صدق اهلل العظيم ‪.‬‬ ‫اب َّ‬ ‫َك َف ِق َنا َع َذ َ‬
‫ُس ْب َحان َ‬
‫لذلك فقد جيد القارئ بعض حقائق علمية مل يكن قد عرفها من قبل يف ميدان العلوم الكونية ‪ ،‬فال مينعه‬
‫ذلك من معرفتها من املراجع اخلاصة هبا ‪ ،‬أو بواسطة التعاون مع أساتذة هذه العلوم ‪ .‬ومن املفيد جدًا للنجاح‬
‫يف دراسة هذا العلم‪ :‬ضرب األمثلة‪ ،‬واستخدام وسائل اإليضاح املختلفة‪ ،‬كما أن بساطة التعبري‪ ،‬ووضوح‬
‫الفكرة ‪ ،‬وسهولة الربهان ‪ ،‬أمور هامة جدًا لتثبيت العقيدة يف قلوب الناس‪ ،‬كما أن االنتفاع مبا جاء يف‬
‫موضوع الدرس من اآليات القرآنية أمر نافع جدًا ‪ ،‬فليس هنا ما يثبت املعىن العقلي كآيات القرآن ‪ ،‬ويستثري‬
‫أحاسيس الوجدان ‪.‬‬
‫أما أنت أيها املسلم ‪ ،‬فاعلم أن علم التوحيد هذا هو أصل دينك فإذا جهلت به فقد دخلت يف نطاق العمي ‪،‬‬
‫الذين يدينون بدين ال دليل هلم عليه ‪ ،‬وإذا فقهت هذا العلم كنت من أهل الدين الثابت الذين انتفعوا بعقوهلم ‪.‬‬
‫اب﴾ صدق اهلل‬ ‫ك ُر ُأ ْولُوا الأَْل َْب ِ‬ ‫ك َم ْن ُه َو َأ ْع َمى إِن َ‬
‫َّما َي َت َذ َّ‬ ‫ْح ُّق َ‬ ‫َّما ُأن ِز َل إِل َْي َك م ْ‬
‫ِن َر ِّب َك ال َ‬ ‫َم َأن َ‬
‫قال تعاىل ‪َ ﴿ :‬أ َف َم ْن َي ْعل ُ‬
‫العظيم ‪.‬‬
‫فإذا انتفعت هبذا العلم ‪ ،‬وبغريه من العلوم النافعة فإن عليك أن تعلم أهلك وأصحابك ‪ ،‬فتكون من الدعاة‬
‫ْم ْسلِمِنيَ﴾‬
‫ِن ال ُ‬
‫َال إِ َّننِي م ْ‬
‫ِحا َوق َ‬ ‫ِم ْن َد َعا إِلَى اللهَّ ِ َو َع ِم َل َ‬
‫صال ً‬ ‫﴿و َم ْن َأ ْح َس ُن ق ْ‬
‫َو اًل م َّ‬ ‫إىل اهلل الذين قال اهلل فيهم ‪َ :‬‬
‫صدق اهلل العظيم‪.‬‬
‫وهبذا أيها املسلمون تكونون مصابيح مضيئة بني أهليكم وأمتكم ينتفع الناس بكم ‪.‬‬
‫ال إىل رضوانه‪.‬‬
‫اسأل اهلل أن جيعل العمل خالصًا لوجهه ‪ ،‬وأن جيعله طريقًا موص ً‬

‫املؤلف‬

‫‪2‬‬
‫الفصل األول‬
‫علم التوحيد‬
‫تعريفه ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هو علم التوحيد؟‬
‫ج ‪ :‬هو علم يبحث يف إثبات العقائد الدينية باألدلة اليقينية العقلية والنقلية اليت تزيل كل شك ‪ ،‬وهو العلم‬
‫الذي يكشف باطل الكافرين ‪ ،‬وشبهاهتم ‪ ،‬وأكاذيبهم‪ ،‬وبه تستقر النفوس ‪ ،‬وتطمئن القلوب باإلميان‬
‫ْح ُّق‬ ‫َّما ُأن ِز َل إِل َْي َك م ْ‬
‫ِن َر ِّب َك ال َ‬ ‫َم َأن َ‬
‫‪ ،‬ومسي بعلم التوحيد ألن أهم حبوثه هو‪ :‬توحيد اهلل ‪ .‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬أ َف َم ْن َي ْعل ُ‬
‫اب﴾[الرعد‪. ]19:‬‬‫ك ُر ُأ ْولُوا الأَْل َْب ِ‬ ‫ك َم ْن ُه َو َأ ْع َمى إِن َ‬
‫َّما َي َت َذ َّ‬ ‫َ‬
‫جماالت حبث علم التوحيد ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي املجاالت اليت يبحث فيها علم التوحيد؟‬
‫ج ‪ :‬يبحث علم التوحيد يف عدة جماالت هي ‪:‬‬
‫‪.1‬يف جمال اإلميان باهلل وتوحيده ‪ ،‬وإخالص العبادة له دون شريك ‪.‬‬
‫‪.2‬يف جمال اإلميان برسل اهلل ‪ ،‬محلة اهلدي اإلهلي ‪ ،‬ومعرفة ما جيب هلم كالصدقة واألمانة ‪ ،‬وما ال جيوز‬
‫يف حقهم كالكذب واخليانة ‪ ،‬ومعرفة معجزاهتم وبينات رسالتهم ‪ ،‬وخاصة معجزات وبينات وأدلة رسالة‬
‫سيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫‪.3‬يف جمال اإلميان بالكتب اإلهلية اليت أنزهلا اهلل هداية لعباده عرب التاريخ البشري الطويل ‪.‬‬
‫‪.4‬يف جمال اإلميان باملالئكة وما يقومون به من أعمال ‪ ،‬وصلتهم بنا يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫‪.5‬يف جمال اإلميان باليوم اآلخر وما أعد اهلل فيه من جزاء املؤمنني والكافرين‪ :‬من نعيم يف اجلنة وعذاب يف‬
‫النار‪.‬‬
‫ول ِب َما‬
‫الر ُس ُ‬
‫‪﴿:‬آم َن َّ‬
‫‪.6‬يف جمال اإلميان بقدر اهلل احلكيم ‪ ،‬الذي يسري عليه كل ما يف الكون‪ :‬قال تعاىل َ‬
‫ك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِهِ﴾[البقرة‪. ]285:‬‬ ‫آم َن ِباللهَّ ِ َو َملاَ ئ َ‬
‫ِك ِت ِه َو ُ‬ ‫ك ٌّل َ‬ ‫ْم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ُ‬ ‫ُأن ِز َل إِل َْي ِه م ْ‬
‫ِن َر ِّب ِه َوال ُ‬
‫ولقد سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم عن اإلميان فقال ‪( :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه وشره)‪.‬‬
‫مكانته بني سائر العلوم ‪:‬‬
‫س‪ :‬وما هي مكانة علم التوحيد بني سائر العلوم؟‬
‫ج‪ :‬شرف كل علم يقدر بشرف موضوعه ‪ ،‬وجمال حبثه ‪ ،‬فإذا كان الطب أشرف من النجارة ‪ :‬فإن ذلك ألن‬
‫ميدان حبث النجارة ‪ :‬األخشاب وميدان حبث الطب‪ :‬األجسام البشرية‪ .‬أما شرف علم التوحيد فيستمد من‬
‫شرف جماالت حبثه ‪ ،‬وهل هناك ما هو أعظم من خالق الكون؟ وهل هناك من هو أطهر من رسل اهلل من‬
‫بين البشر؟ وهل هناك ما هو أهم من معرفة اإلنسان بربه وخالقه ؟ واحلكمة من وجوده يف هذه الدنيا‪ ،‬وملاذا‬
‫خلقه اهلل عليها؟ وما هو املصري الذي ينتظره بعد موته؟ هذه هي جماالت علم التوحيد وموضوعاته‪.‬‬
‫وعلم التوحيد هو أصل علوم اإلسالم وأفضلها وأمهها على اإلطالق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فرضيته‪:‬‬
‫س‪ :‬وهل تعلمه فرض عني أم فرض كافية؟‬
‫ج ‪ :‬علم التوحيد فرض عني على كل مسلم ومسلمة ‪ ،‬حبيث يتوفر االمتناع القبلي لدى املسلم أنه على الدين‬
‫احلق‪ ،‬وأما ما زاد على ذلك فهو فرض كفاية ‪ ،‬إذا قام به القليل من املسلمني سقط عن الباقي ‪.‬‬
‫اعل َْم َأ َّن ُه لاَ إِ َل َه إِلاَّ اللهَُّ﴾[حممد‪. ]19:‬‬
‫قال تعاىل ‪َ ﴿:‬ف ْ‬
‫القرآن كتاب التوحيد األكرب‪:‬‬
‫س‪ :‬وهل اهتم القرآن هبذا العلم؟‬
‫ج ‪ :‬إن املوضوع األساسي يف القرآن هو موضوع علم التوحيد فأنت ال جتد صفحة يف كتاب اهلل ختلو من‬
‫الدعوة إىل اإلميان باهلل أو برسوله‪ ،‬أو باليوم اآلخر‪ ،‬أو باملالئكة ‪ ،‬أو بالكتب اإلهلية السابقة ‪ ،‬أو بالقدر‬
‫الذي سنه اهلل لسري هذا الكون‪ .‬وإن القرآن املكي الذي نزل مبكة قبل اهلجرة ملدة ثالثة عشر عامًا يكاد‬
‫يكون كله حول التوحيد وما يتصل به ‪.‬‬
‫اهتمام املسلمني به ‪:‬‬
‫س‪ :‬وهل اعتىن به املسلمون؟‬
‫ج ‪ :‬إن عناية املسلمني هبذا العلم مستمدة من عناية القرآن به ‪ ،‬فقد كان مههم األكرب هو ‪ :‬الدعوة إىل دين‬
‫اهلل باحلكمة ‪ ،‬واملوعظة احلسنة‪ ،‬أي مبا يقدمه علم التوحيد من أدلة وبراهني لتثبيت العقيدة ودعوة الناس‬
‫لإلميان هبا واستمرت عناية املسلمني به مدة طويلة ‪.‬‬
‫إمهال املسلمني هلذا العلم‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما الذي أصاب املسلمني عندما أمهلوا التوحيد؟‬
‫ج ‪ :‬ملا أمهل املسلمون بناء العقيدة الصحيحة بواسطة علم التوحيد الذي يقوم على العلم واليقني ‪ ،‬بدأ اخللل‬
‫يتسرب إىل عقائد الكثريين منهم ‪ ،‬تسرب إىل أعماهلم ‪ ،‬وأخذ الفساد يف االتساع حىت سهل على أعدائهم‬
‫القضاء عليهم واستعمار بالدهم واستذالهلم يف أرضهم وديارهم ‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫·يقدم علم التوحيد األدلة العقلية والنقلية على صحة وصدق العقائد اإلسالمية‪.‬‬
‫·يبحث علم التوحيد يف جماالت عدة هي ‪ :‬اإلميان باهلل ‪ ،‬وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪ ،‬ومالئكته ‪ ،‬واليوم اآلخر ‪،‬‬
‫والقدر خريه وشره ‪.‬‬
‫·أشرف العلوم الدينية والدنيوية هو علم التوحيد ‪ ،‬ألنه يتعلق باهلل رب العاملني ‪ ،‬ويستمد أمهيته من عظمة‬
‫اخلالق سبحانه‬
‫·وتعلم القدر الضروري منه فرض عني على كل مسلم ومسلمة لتثبيت اإلميان باهلل ورسله وكتبه ومالئكته‬
‫واليوم اآلخر والقدر خريه وشره‪.‬‬
‫·ولقد اهتم القرآن مبوضوعات هذا العلم وكاد القرآن املكي أن يقتصر عليها وما يتصل هبا ‪.‬‬
‫·ولقد اهتم املسلمون األولون به فعزوا وسادوا ‪ ،‬وعندما أمهلوه اختلت عقائدهم وسرى اخللل إىل سلوكهم‬
‫وأعماهلم فاستعمر الكفار أرضهم وبالدهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫أمهية علم التوحيد يف الدين‬
‫اإلميان أساس العمل ‪:‬‬
‫س‪ :‬ملاذا ال يقبل اهلل العمل إال من املؤمن؟‬
‫ج ‪ :‬إن الذين ال يؤمنون باهلل وال يرجون ثوابه وال خيافون عقابه يعملون أعماهلم وهم ال يريدون هبا وجه اهلل‬
‫‪ ،‬وال يبتغون هبا رضاه وال يهمهم هل عملوا حال ًال أم حرامًا فهم هبذا ال يستحقون الثواب على العمل وإن‬
‫كان صاحلًا ‪ ،‬ألهنم كفار مل يقصدوا به أن ينالوا ثواب رهبم ‪ ،‬وال ابتغوا به رضا خالقهم ‪ ،‬والكافر‬
‫معاقب على كفره وضالله ؛ ألنه مل يبحث عن دين اهلل ومل حياول االستماع إىل البيان اإلهلي الذي جاء به‬
‫املرسلون ‪ ،‬زيادة على ذلك فهو إذا مسع آيات اهلل تتلى عليه‪ ،‬اختذها هزوًا لذلك فعمله مردود وهو معاقب‬
‫ين‬ ‫‪﴿.‬م َث ُل ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫ُورا﴾[الفرقان ‪َ ]23 :‬‬ ‫اء َم ْنث ً‬‫ِن َع َم ٍل َف َج َع ْل َن ُاه َه َب ً‬ ‫َد ْم َنا إِلَى َما َع ِملُوا م ْ‬ ‫‪﴿:‬وق ِ‬
‫على كفره ‪.‬قال تعاىل َ‬
‫ِك ُه َو‬ ‫ك َس ُبوا َعلَى َش ْي ٍء َذل َ‬
‫ِما َ‬
‫ون م َّ‬ ‫اص ٍف لاَ َي ْق ِد ُر َ‬ ‫يح فِي َي ْو ٍم َع ِ‬ ‫اش َت َّد ْت ِب ِه ِّ‬
‫الر ُ‬ ‫ك َر َما ٍد ْ‬ ‫ِم َأ ْع َما ُل ُه ْم َ‬
‫ك َف ُروا ِب َر ِّبه ْ‬ ‫َ‬
‫َم‬
‫اء ُه ل ْ‬
‫اء َح َّتى إِ َذا َج َ‬
‫آن َم ً‬ ‫ِيع ٍة َي ْح َس ُب ُه َّ‬
‫الظ ْم ُ‬ ‫اب ِبق َ‬ ‫ك َس َر ٍ‬ ‫ك َف ُروا َأ ْع َما ُل ُه ْم َ‬
‫ين َ‬ ‫‪﴿.]18‬وال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫َ‬ ‫ِيد﴾[إبراهيم‬ ‫الضلاَ ُل ال َْبع ُ‬ ‫َّ‬
‫اب﴾[النور‪]39 :‬‬ ‫ْح َس ِ‬‫يع ال ِ‬ ‫َي ِج ْد ُه َش ْيئًا َو َو َج َد اللهََّ ِع ْن َد ُه َف َو َّف ُاه ِح َس َاب ُه َواللهَُّ َس ِر ُ‬
‫مثال ‪:‬‬
‫دخل رجل إىل بستان كبري ال ميلكه ‪ ،‬فوجد فيه الفواكه ‪ ،‬وأنواع املأكوالت ‪ ،‬فأكل وشرب ‪ ،‬مث أخذ‬
‫يقوم بأعمال داخل البستان‪ :‬هذه الشجرة يقلعها ‪ ،‬وتلك يغرسها ‪ ،‬ودخل البستان رجل آخر قال لنفسه ‪ :‬لن‬
‫أفعل شيئًا هبذا البستان حىت أتصل بصاحب البستان أو من ميثله أو ينوب عنه ‪ ،‬وأخذ يبحث عنه فإذا مبندوب‬
‫صاحب البستان يصل إليهما ‪ ،‬فاستنكر املندوب أعمال الشخص األول ‪ ،‬ولكنه مل يهتم بالكالم ‪ ،‬وأخذ‬
‫يتصرف بالبستان بدون إذن من مالكه ‪ ،‬أما الشخص الثاين فقد مسع التوجيهات من مندوب صاحب البستان‬
‫‪ ،‬وأخذ يعمل طبقًا هلا ‪ ،‬فأيهما يستحق املكافأة؟ وهل يستحق ذلك الذي اقتحم البستان وسخر من توجيهات‬
‫ال صاحلًا يف البستان؟‬
‫صاحب البستان اليت محلها مندوبه؟ هل يستحق مكافأة ولو عمل عم ً‬
‫ال شك أن كل عاقل يقول بأن اجلزاء للذي اتبع إرشادات صاحب البستان ‪ ،‬وأن الذي اقتحم البستان وأخذ‬
‫يعمل به كما يشاء بدون رضا صاحبه ومالكه ـ رغم وصول من ينذره ـ ال شك أنه ال يستحق اجلزاء ‪ ،‬ولو‬
‫أحسن يف بعض أعماله‪.‬‬
‫وكذلك هذه األرض وما فيها ‪ ،‬ملك اهلل ‪ ،‬ورسل اهلل هم املنسوبون ‪ ،‬واملؤمن هو الذي عمل طبقًا هلدى ربه ‪،‬‬
‫والكافر هو الذي يتصرف يف ملك ربه ‪ ،‬بدون إذن أو هداية ‪ ،‬وهو يف نفس الوقت قد أعرض عن رسل ربه ‪.‬‬
‫باب اإلسالم ‪ :‬أداء الشهادتني‪:‬‬
‫س ‪ :‬ملاذا جعل اإلسالم أداء الشهادتني أول أركانه؟‬
‫ج ‪ :‬إن تأدية الشهادة معناه ‪ :‬أنك مقتنع ومصدق بأن هلذا الكون إهلًا خلقه ‪ ،‬وأوجده ‪ ،‬ونظمه ‪ ،‬وأحكمه‬
‫‪ ،‬وأنه إله واحد ال شريك له ‪ ،‬وأنك أحد خملوقاته ‪ .‬ومعىن الشهادة الثانية‪ :‬أنك تؤمن وتصدق وتوقن بأن‬
‫حممدًا رسول اهلل ‪ ،‬أرسله باهلدى وبالبيان للحالل الذي يرضي اخلالق ‪ ،‬وللحرام الذي يغضبه ‪ ،‬وبأنك باتباع‬
‫حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم تتحقق طاعتك هلل ‪ .‬ومن املعلوم أنك إذا مل تكن عارفًا بالتوحيد فإن شهادتك‬
‫تكون شهادة باطلة وناقصة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫إذن‬
‫ال بد لك من تعلم علم التوحيد لتكون شهادتك صحيحة ‪ ،‬وإسالمك صحيحًا وعملك مقبو ًال قال تعاىل ‪:‬‬
‫اعل َْم َأ َّن ُه لاَ إِ َل َه إِلاَّ اللهَُّ﴾[حممد ‪. ]19:‬‬
‫﴿ َف ْ‬
‫﴿شه َ للهَُّ‬
‫يم﴾[آل عمران‬
‫كُ‬ ‫ِس ِط لاَ إِ َل َه إِلاَّ ُه َو ال َْع ِزي ُز ال َ‬
‫ْح ِ‬ ‫ِك ُة َو ُأ ْولُوا ا ْل ِع ْل ِم قَائ ً‬
‫ِما ِبا ْلق ْ‬ ‫ِد ا َأ َّن ُه لاَ إِ َل َه إِلاَّ ُه َو َوال َ‬
‫ْملاَ ئ َ‬ ‫َ‬
‫‪. ]18 :‬‬
‫لذلك فعلم التوحيد أصل العلوم الدينية وأفضلها ‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫·ال يقبل اهلل أعمال الكافرين ‪ ،‬وال يتقبل اهلل إال من املؤمنني ‪.‬‬
‫·ألن الكافر يعمل غري قاصد به رضاء مالكه وخالقه وسيده وال يهمه أيرضى اهلل عنه أم يغضب ‪ ،‬فاستحق‬
‫العقاب وحرم الثواب ‪.‬‬
‫·باب اإلسالم أداء الشهادتني ‪ ،‬وال تؤدى الشهادتان كاملتني إال إذا تعلم املرء علم التوحيد ‪ :‬لذلك كان علم‬
‫التوحيد أهم العلوم يف نظر الدين اإلسالم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫أمهية علم التوحيد يف احلياة الدنيا‬
‫أضرار اجلهل بعلم التوحيد ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هو اجلهل بعم التوحيد يف حياة الناس؟‬
‫ج ‪ :‬أو ًال ‪ :‬يعيش الذي ال يعرف خالقه كاألعمى يف هذه احلياة الدنيا ‪ ،‬فهو ال يدري ملاذا خلق؟ وال يدري ما‬
‫احلكمة يف وجوده على األرض!! تنتهي حياته وهو ال يعرف ملاذا بدأت! وخيرج من الدنيا وهو ال يدري ملاذا‬
‫دخل إليها؟!‬
‫ار َمث ًْوى َل ُه ْم﴾[حممد‪. ]12 :‬‬
‫الن ُ‬ ‫ك ُل الأَْن َْع ُ‬
‫ام َو َّ‬ ‫ك َما َت ْأ ُ‬
‫ُون َ‬
‫كل َ‬‫ون َو َي ْأ ُ‬
‫ك َف ُروا َي َت َم َّت ُع َ‬
‫ين َ‬ ‫‪﴿:‬وال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫ثانيًا ‪ :‬من ال يؤمن باليوم اآلخر يغتر باحلياة الدنيا ‪ ،‬وجيعل كل مهه أن حيقق مصاحله يف هذه الدنيا قبل‬
‫أن ميوت ‪ ،‬فهو يتكالب على أطماع الدنيا ‪ ،‬يأخذها من حالل أو حرام ‪ ،‬ال يهمه أن يلحق ضررًا بغريه ‪،‬‬
‫وكل ما يهمه هي مصلحته الشخصية ‪ ،‬وهبذه الروح األنانية ‪ ،‬يتفكك املجتمع ‪ ،‬وتفسد املعاملة بني أبنائه‬
‫‪ ،‬ويكون بعضهم حربًا على بعض ‪ ،‬بعكس املجتمع املؤمن املتماسك ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬إذا فشا اجلهل يعلم التوحيد فسدت العقائد ‪ ،‬وفسدت األعمال ‪ ،‬وكثرت املعاصي والذنوب فيزنل‬
‫ك َس َب ْت َأ ْي ِدي‬ ‫َ‬
‫تعاىل‪﴿:‬ظ َه َر ا ْل َف َسا ُد فِي ال َْب ِّر َوال َْب ْح ِر ِب َما َ‬ ‫اهلل عقابه باملسلمني الذين أمهلوا دينهم وضيعوه ‪.‬قال‬
‫ون﴾[الروم ‪. ]41:‬‬
‫َعلَّ ُه ْم َي ْر ِج ُع َ‬ ‫ض ال ِ‬
‫َّذي َع ِملُوا ل َ‬ ‫اس ل ُِي ِذي َق ُه ْم َب ْع َ‬
‫الن ِ‬
‫َّ‬
‫أثر علم التوحيد يف احلياة‪:‬‬
‫س‪ :‬وما هو أثر علم التوحيد يف احلياة؟‬
‫ج ‪ :‬أو ًال ‪ :‬إن املوحد املؤمن بربه ورسله ‪ ،‬قد علم ملاذا خلقه ربه فسار يف هذه الدنيا على صراط مستقيم ‪،‬‬
‫يعرف البداية والنهاية ‪ ،‬بعيدًا عن حياة العمى والضالل ‪.‬‬
‫ك ًّبا َعلَى َو ْج ِه ِه َأ ْه َدى َأ َّم ْن َي ْم ِشي َس ِو ًّيا َعلَى ِ‬
‫ص َر ٍ‬
‫اط ُم ْس َتقِي ٍم﴾[امللك‪. ]22:‬‬ ‫قال تعاىل ‪َ ﴿:‬أ َف َم ْن َي ْم ِشي ُم ِ‬
‫ثانيًا ‪ :‬التوحيد جيعل قلوب الناس مجيعًا موحدة حول رب واحد وكتاب واحد ورسول واحد وقبلة واحدة‪،‬‬
‫ْم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون إِ ْخ َو ٌة﴾[احلجرات‪. ]10 :‬‬ ‫َّما ال ُ‬
‫واإلميان جيعل الناس متحابني متآخني كما وصفهم اهلل بقوله ‪﴿ :‬إِن َ‬
‫وكما وصفهم عليه الصالة والسالم بقوله ‪( :‬مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم كمثل اجلسد الواحد إذا‬
‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد بالسهر واحلمى) واملجتمع املؤمن‪ ،‬جمتمع متعاون على الرب والتقوى‬
‫‪ ،‬يتناهى أفراده عن اإلمث والعدوان كل منهم يعمل ليفوز برضا ربه ‪ ،‬خيشى أن يظلم أو يسرق ‪ ،‬أو يغش أو‬
‫يقتل ‪ ،‬أوخيدع ‪ ،‬أو يزين ‪ ،‬أو يرشو ‪ ،‬أو يرتشي ‪ ،‬أو يكذب ‪ ،‬أو حيسد ‪ ،‬أو يغتاب ‪ ،‬أو يسيء إىل أحد ؛‬
‫ألنه خيشى اهلل ‪ ،‬وخياف من الوقوف بني يديه ‪.‬‬
‫اس‬ ‫رهبم‪﴿:‬ك ْن ُت ْم َخ ْي َر ُأ َّم ٍة ُأ ْخ ِر َج ْت ل َّ‬
‫ِلن ِ‬ ‫ُ‬ ‫وعندما كان املسلمون متمسكني بالتوحيد كانوا كما وصفهم‬
‫ون ِباللهَّ ِ﴾[آل عمران‪. ]110 :‬‬
‫نك ِر َو ُت ْؤ ِم ُن َ‬
‫ْم َ‬ ‫ْم ْع ُر ِ‬
‫وف َو َت ْن َه ْو َن َع ْن ال ُ‬ ‫َت ْأ ُم ُر َ‬
‫ون ِبال َ‬
‫ثالثًا ‪ :‬إذا انتشر اإلميان بني الناس أمثر أعما ًال صاحلة ترضي اهلل سبحانه فيفتح عليهم أبواب اخلري ‪،‬‬
‫الس َما ِء‬
‫ِن َّ‬ ‫ات م ْ‬‫ك ٍ‬ ‫ِم َب َر َ‬ ‫‪﴿:‬ول َْو َأ َّن َأ ْه َل ا ْل ُق َرى َ‬
‫آم ُنوا َو َّات َق ْوا َل َف َت ْح َنا َعل َْيه ْ‬ ‫وينصرهم على عدوهم ‪.‬قال تعاىل َ‬
‫ك ْم َو ُيث َِّب ْت‬‫نص ْر ُ‬ ‫للهََّ‬
‫نص ُروا ا َي ُ‬ ‫ون﴾[األعراف ‪﴿. ]96 :‬إِ ْن َت ُ‬ ‫ك ِس ُب َ‬ ‫كانُوا َي ْ‬ ‫ك َّذ ُبوا َف َأ َخ ْذن ُ‬
‫َاه ْم ِب َما َ‬ ‫َك ْن َ‬ ‫َوالأَْ ْر ِ‬
‫ض َول ِ‬
‫‪7‬‬
‫ك ْم﴾[حممد‪. ]7:‬‬
‫ام ُ‬ ‫َأق َ‬
‫ْد َ‬
‫وهكذا كان املسلمون األولون ‪ ،‬ضعافًا فقراء فآمنوا وعملوا الصاحلات ففتح اهلل هلم الدنيا ‪ ،‬وأغناهم من‬
‫فضله ونصرهم على عدوهم نصرًا مؤزرًا ‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫·من ال يعرف التوحيد يعيش يف حياته أعمى كاحليوان تنتهي حياته على األرض وهو ال يدري ملاذا بدأت ‪،‬‬
‫وخيرج منها وهو ال يدري ملاذا دخل إليها ‪.‬‬
‫·الذي ال يؤمن باليوم واآلخر ‪ ،‬ال هتمه إال أطماع الدنيا جيمعها من حالل أو حرام ‪ ،‬وهبذا تفسد احلياة‬
‫ويتفكك املجتمع‪.‬‬
‫·إذا ضعف اإلميان زادت الذنوب وأرسل اهلل عذابه على املذنبني‪.‬‬
‫·أما املؤمن فيعرف ربه وخالقه ‪ ،‬ويعرف ملاذا خلقه اهلل يف الدنيا فيعيش مهتديًا هبدى اهلل ‪ ،‬سائرًا على‬
‫الصراط املستقيم‪ ،‬واملؤمن ال يظلم‪ ،‬وال يقتل ‪ ،‬وال يسرق وال يأيت الفاحشة ‪ ،‬وال يرتكب املحرمات وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬فبهذا تصلح حياة الناس ‪ ،‬ويوجد املجتمع املتآخي ‪ ،‬املتماسك‪.‬‬
‫·اإلميان يثمر العمل الصاحل‪ ،‬ويرضي اخلالق‪ ،‬فيفتح اهلل الربكات‪ ،‬وميد املؤمنني الصادقني بالنصر على‬
‫أعدائهم كما حدث للسلف الصاحل يف هذه األمة ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫كيف نعرف اهلل‬
‫معرفة وجود اهلل‪:‬‬
‫س‪ :‬كيف نعرف وجود اهلل؟‬
‫ج ‪ :‬إذا رأيت سيارة تتحرك أمامك من بعيد ‪ ،‬ورأيت طيارة تطري يف السماء فستجزم وتتأكد أن سائق السيارة‬
‫الذي يسوقها بإتقان يف الطريق امللتوية موجود‪ ،‬وستتأكد أن الطيار موجود‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف تأكدنا من وجود سائق السيارة والطائرة؟‬
‫ج ‪ :‬ألنه لو مل يوجد الطيار أو الذي يسوق الطائرة ما كنا سنرى الطائرة تطري بإتقان من بلد إىل بلد ‪.‬‬
‫س ‪ :‬فكيف عرفنا وجود اهلل؟‬
‫ج ‪ :‬إن اهلل هو الذي يسري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وهو الذي يقلب الليل والنهار ‪ ،‬وهو الذي خلق‬
‫مجيع املخلوقات فهو ال شك موجود ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف ذلك؟‬
‫ج ‪ :‬لو أن اهلل ـ أستغفره سبحانه ـ غري موجود فإن الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار سوف‬
‫تذهب وتتوقف يف سريها املنتظم ‪ ،‬وستنعدم مجيع املخلوقات ‪.‬‬
‫ألن املخلوقات ال توجد من غري شيء ‪ ،‬وإذا مل يوجد خالقها فلن يكون هلا وجود‪.‬‬
‫ض َبل لاَ ُيو ِق ُن َ‬
‫ون﴾[الطور ‪،35:‬‬ ‫ات َوالأَْ ْر َ‬
‫او ِ‬ ‫ون َأ ْم َخلَ ُقوا َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫ِن َغ ْي ِر َش ْي ٍء َأ ْم ُه ْم ال َ‬
‫ْخا ِل ُق َ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿:‬أ ْم ُخلِ ُقوا م ْ‬
‫‪. ]36‬‬
‫معرفة صفات اهلل ‪:‬‬
‫س‪ :‬وكيف نعرف صفات اهلل؟‬
‫ْم ْؤ ِمنِنيَ‬ ‫ض آَل َي ٍ‬
‫ات ِلل ُ‬ ‫ات َوالأَْ ْر ِ‬
‫او ِ‬
‫الس َم َ‬
‫ج ‪ :‬نعرف صفات اهلل بالتفكري يف خملوقاته وبالتعلم من رسله‪﴿.‬إِ َّن فِي َّ‬
‫ات ِل َق ْو ٍم ُيو ِق ُن َ‬
‫ون﴾[اجلاثية‪.]4 ،3 :‬‬ ‫ِن َد َّاب ٍة َآي ٌ‬
‫ِك ْم َو َما َي ُب ُّث م ْ‬
‫َوفِي َخ ْلق ُ‬
‫س‪ :‬وكيف نعرف صفات اهلل من التفكر يف خملوقاته؟‬
‫ال ـ فسترى ‪:‬‬
‫ج ‪ :‬إذا تفكرت يف السيارة ـ مث ً‬
‫·أن احلديد الذي يف السيارة يشهد لك أن الصانع لديه حديد وأن صانع السيارة قادر على تشكيل احلديد‬
‫يف شكل سيارة كما ترى ‪.‬‬
‫·وان الزجاج الذي يف السيارة يشهد لك أن الصانع لديه زجاج وأن لديه القدرة على تشكيل الزجاج يف شكل‬
‫ألواح ‪ ،‬ويف شكل أغطية للمصابيح كما ترى ‪.‬‬
‫·وأن لديه أسالكًا لنقل الكهرباء ‪.‬‬
‫·وأن لديه علمًا بصناعة كل أجزاء السيارة ‪.‬‬
‫·وأن لديه خربة هندسية يف صناعة السيارة ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫·وأن لديه إرادة يف صنع سيارة من املواد اليت صنعت منها السيارة ‪.‬‬
‫·وهكذا نستطيع أن نعرف كثريًا من صفات صانع السيارة ‪.‬‬
‫س‪ :‬وما عالقة هذا املثال مبعرفة صفات اهلل؟‬
‫ج ‪ :‬كما عرفنا صفات صانع السيارة من التفكري يف السيارة اليت صنعها فكذلك ـ وهلل املثل األعلى ـ‬
‫نستطيع أن نعرف بعض صفات اهلل من التفكري يف خملوقاته‪.‬‬
‫·سنشاهد احلكمة يف كل خملوقات اهلل تشهد أهنا من صنع احلكيم‪.‬‬
‫·سنشاهد اخلربة يف كل خملوقات اهلل تشهد أهنا من صنع اخلبري ‪.‬‬
‫·سنشاهد القوة يف كل خملوقات اهلل تشهد أهنا من صنع القوي ‪.‬‬
‫·سنشاهد الصور البديعة يف كل خملوقات اهلل تشهد أهنا من صنع املصور البديع‪.‬‬
‫·سنشاهد اهلداية يف كل ما خلق اهلل تشهد انه من صنع اهلادي ‪.‬‬
‫·سنشاهد احلياة يف كثري من خملوقات اهلل تشهد أهنا من صنع املحيي ‪.‬‬
‫·سنشاهد العلم يف كل ما خلق اهلل يشهد أنه من صنع العليم ‪.‬‬
‫·سنشاهد احلفظ لكل ما خلق اهلل يشهد أنه من صنع احلافظ ‪.‬‬
‫·سنشاهد تدبري األرزاق لكثري من خملوقات اهلل يشهد أنه من صنع الرزاق‪.‬‬
‫·سنشاهد النظام املوحد واالستقرار يف الكون كله يشهد أنه من صنع الواحد‪.‬‬
‫وهكذا عرفنا عند تفكرينا يف خملوقات اهلل أنه ‪:‬‬
‫احلكيم ‪ ،‬اخلبري ‪ ،‬القوي ‪ ،‬املصور البديع ‪ ،‬اهلادي ‪ ،‬املحيي ‪ ،‬العليم ‪ ،‬احلافظ ‪ ،‬الرزاق ‪ ،‬الواحد ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وهل نستطيع أن نعرف كل صفات اهلل بالتفكري يف خملوقاته؟‬
‫ج ‪:‬ال نستطيع ذلك ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وملاذا ؟‬
‫ج ‪ :‬عندما تفكرنا يف السيارة عرفنا أن لدى صانعها قدرة ‪ ،‬وعلمًا ‪ ،‬وخربة ‪ ،‬وإرادة ‪ ،‬وأن لديه حديدًا ‪،‬‬
‫وزجاجًا وأسالكًا من مواد السيارة ‪ ،‬ولكنا ال نعرف هل صاحب السيارة كرمي أم خبيل ‪ ،‬طويل أم قصري‬
‫‪ ،‬حيبنا أم يكرهنا ‪ ،‬ظامل أم عادل؟‬
‫فكذلك ـ وهلل املثل األعلى ـ ميكننا أن نعرف كثريًا من صفات اهلل بالتأمل يف خملوقاته ‪ ،‬ولكن كثريًا‬
‫من صفاته ستبقى جمهولة لدينا ‪ ،‬فال ميكننا أن نعرف ملاذا خلقنا؟ وملاذا مييتنا ؟ كما ال ميكننا أن نعرف‬
‫صفاته العليا مثل ‪ :‬أنه املعبود‪ ،‬والقدوس ‪ ،‬واألعلى ‪ ،‬واحلسيب ‪ ،‬واملنتقم والغفور إال بتعلم منه سبحانه ‪.‬‬
‫س ‪ :‬فكيف عرفنا ما جهلنا من صفات ربنا؟‬
‫ج ‪ :‬بواسطة الرسل الذين علمونا ما شاء ربنا أن نعرفه عنه‪.‬‬
‫ِن ِع ْل ِم ِه إِلاَّ ِب َما َش َ‬
‫اء﴾[البقرة‪. ]255:‬‬ ‫ون ِب َش ْي ٍء م ْ‬ ‫﴿ولاَ ُي ِح ُ‬
‫يط َ‬ ‫قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫·إذا رأينا السيارة تتحرك بإتقان وكذلك الطائرة ‪ ،‬شهد ذلك بوجود السائق‪.‬‬
‫·وإذا رأينا السري املنظم للشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار‪ ،‬وخلق املخلوقات بإحكام وإتقان‬
‫شهد ذلك بوجود اهلل ‪.‬‬
‫·لو أن اخلالق غري موجود ‪ ،‬لكانت املخلوقات مجيعًا معدومة ‪.‬‬
‫ال ـ فسنعرف أن صانعها ميلك احلديد والزجاج واألسالك وسائر املواد اليت ركبت‬‫·إذا تفكرنا يف سيارة ـ مث ً‬
‫منها السيارة ‪ ،‬وأن لديه قدرة على الصناعة وعلمًا هبا وخربة هندسية وإرادة ‪.‬‬
‫·وإذا تفكرنا يف خملوقات اهلل عرفنا أن احلكمة اليت فيها من حكيم ‪ ،‬واخلربة من خبري ‪ ،‬والقوة من قوي‬
‫‪ ،‬والصور البديعة من مصور بديع‪ ،‬واهلداية من هاد ‪ ،‬واحلياة من حميي ‪ ،‬والعلم من عليم ‪ ،‬واحلفظ من‬
‫حفيظ‪ ،‬والرزق من رزاق ‪ ،‬والنظام املوحد املستقر من واحد‪.‬‬
‫·أرسل اهلل إلينا رسله لتعليمنا ما جلهنا من صفاته وأوامره سبحانه ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫فلينظر اإلنسان إىل طعامه‬

‫النظر إىل الطعام‪:‬‬


‫س‪ :‬ملاذا أمرنا اهلل أن ننظر وتتفكر يف طعامنا يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ان إِلَى َط َعا ِمهِ﴾[عبس‪. ]24:‬‬ ‫﴿ َفل َْي ْن ُظ ْر الإْ ِ َ‬
‫نس ُ‬
‫ج‪ :‬لقد أمرنا اهلل سبحانه بأن نتفكر يف كل شيء ويف هذه اآلية أمرنا أن ننظر ونتفكر يف طعامنا ؛ ألن‬
‫طعامنا من خلقه سبحانه ‪ ،‬وكما بينا سابقًا أن يف املخلوقات عالمات وآيات تعرفنا ببعض صفات ربنا‬
‫سبحانه ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وما هي صفات ربنا اليت نعرفها من التفكري يف طعامنا؟‬
‫ج‪ :‬نستطيع أن نعرف كثريًا من صفات ربنا ‪.‬‬
‫منها أنه سبحانه الرزاق ‪ ،‬العليم اخلبري ‪ ،‬احلكيم ‪ ،‬الرحيم ‪ ،‬الكرمي‪ ،‬اهلادي‪ ،‬املحيي ‪ ،‬املصور ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو الرزاق؟‬
‫ج ‪ :‬إن اهلل هو الذي يرزق اإلنسان وهو يف بطن أمه ‪ ،‬فال األم وال األب وال احلكومة وال الشعب وال أحد‬
‫يستطيع أن يرزق اجلنني وهو يف بطن أمه ‪ ،‬ولكن اهلل الرزاق هو الذي مد أنبوبة (حبل السرة) من بطن‬
‫اجلنني إىل رحم أمه وساق له الغذاء مدة تسعة أشهر حىت خرج من بطن أمه ‪.‬‬
‫وملا خرج من بطن أمه وقص حبل السرة ‪ ،‬ختم اهلل على الفتحة اليت كان الطعام يصل منها إليه (السرة) وفتح‬
‫له طريقًا جديدًا (الفم واملريء واملعدة واألمعاء) ‪.‬‬
‫فهل أمك هي اليت ختمت فتحة السرة ‪ ،‬وفتحت لك الفم وأنشأت لك اجلهاز اهلضمي؟ وهل أسهم أبوك يف‬
‫شيء من ذلك؟ وهل اشتركت احلكومة أو الشعب يف صنع عرق أو قطرة دم؟!!‬
‫وهل قامت اجلبال واألشجار والنجوم والكواكب أو أي جزء من أجزاء الطبيعة بتنظيم أمر رزقك وطعامك؟‬
‫ال صغريًا ال تستطيع أن تأكل احلبوب والثمار‪ ،‬أو اللحم واخلبز ‪ ،‬وغذاؤك‬
‫وبعد أن خرجت من بطن أمك طف ً‬
‫الذي كان يأتيك إىل بطن أمك قد انقطع بقطع حبل السرة‪ ،‬فهل يتركك الرزاق بدون رزق؟‬
‫كال ‪ .‬لقد لفتح لك مصدرًا جديدًا لطعامك من ثدي أمك ‪ ،‬الذي كان فارغًا من اللنب قبل والدتك ‪ ،‬وأهلمك‬
‫الرزاق أن متص الثدي إلخراج ما فيه من اللنب ‪ ،‬وأنت يف تلك احلالة ال تعلم شيئًا؟!‬
‫فهل علمت الطبيعة اجلامدة اليت ال علم هلا أنك قد خرجت من بطن أمك وأن غذاءك قد انقطع فكونت لك‬
‫الغذاء من ثدي أمك؟!‬
‫كيف والطبيعة صماء بكماء ال علم هلا وال حكمة؟!‬
‫وهل أسهم أحد من املخلوقني يف تكوين غذائك من ثدي أمك؟!‬
‫إن أمك اليت تتغذى من ثديها مل تفعل ذلك اللنب وإمنا هي مسخرة لك بأمر ربك ورهبا‪.‬‬
‫ولكن إىل مىت تستمر يف االعتماد على أمك؟‬

‫‪12‬‬
‫سيأيت لك أخوة آخرون يريدون ثدي أمك‪..‬‬
‫وستحتاج أن تبتعد عن أمك وتستقل بنفسك‪..‬‬
‫إذن ال بد من مصدر جديد‪.‬‬
‫‪.1‬إن الذي رزقك يف جوف الرحم‪.‬‬
‫ال صغريًا من ثدي أمك‪.‬‬
‫‪.2‬والذي رزقك طف ً‬
‫وقد أعد لك الرزق يف كل مكان تذهب إليه على هذه األرض فأوجد التربة الصاحلة للزراعة‪.‬‬
‫وأوجد املاء الذي حيتاجه النبات لصناعة الطعام لك وللناس مجيعًا ‪.‬‬
‫وأوجد اهلواء الذي حيتاجه النبات لصناعة الطعام لك وللناس مجيعًا ‪.‬‬
‫وأوجد الشمس اليت حيتاج إليها النبات يف صناعة الطعام ‪.‬‬
‫وأوجد النبات بكميات كبرية لصناعة طعامك وغذائك ‪.‬‬
‫وأخرج لك الثمار ‪.‬‬
‫وما كان منها صغريًا مجعه لك يف سنابل كالقمح والشعري أو يف عناقيد كالعنب ‪.‬‬
‫وما كان كبريًا أو متوسطًا جعله مفرقًا كالتفاح والبطيخ والربتقال واجلزر‪.‬‬
‫مث جعل لك (ورشة) األسنان القاطعة واملمزقة والطاحنة واخلالطة (اللسان) واللعاب املبلل ليسهل لك األكل‬
‫من هذه األشجار ومثارها ‪.‬‬
‫وهكذا بالتفكري يف خملوقات اهلل نعرف أن اهلل هو الرزاق سبحانه ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف تعرف نعرف باقي الصفات اليت ذكرهتا سابقًا ‪.‬‬
‫ج ‪ :‬نعرف أن اهلل هو العليم ‪.‬‬
‫ألن الذي أوصل لك الغذاء وأنت يف بطن أمك قد علم أنك حباجة إىل الغذاء فساقه إليك ‪ ،‬وكون حبل السرة‬
‫‪ ،‬وملا خرجت من بطن أمك علم خبروجك فساق لك الغذاء من ثدي أمك ‪ ،‬وعلم بأن املاء يف التربة فخلق له‬
‫اجلذور وما فيها ما من ماصات جذرية للماء واألمالح ‪ ،‬وعلم حباجة اليخضور يف األوراق إىل ضوء الشمس‬
‫فجعل األوراق معرضة لضوء الشمس ‪ ،‬وعلم حباجة النبات إىل املاء فساق إليه املاء ‪ .‬فال شك أن اهلل هو الرزاق‬
‫العليم سبحانه ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو احلكيم؟‬
‫ج ‪ :‬إذا شاهدت اإلحكام بني حبل السرة وجسم الطفل ينمو بنموه ويرتبط به وبرحم األم يف غاية اإلتقان ‪،‬‬
‫وإذا رأيت اإلحكام يف تركيب لنب األم الذي يتناسب مع منو الطفل ‪ ،‬وإذا رأيت اإلحكام يف تركيب أجزاء‬
‫النبات ‪ ،‬ويف إخراج الثمر وختزينها ‪ ،‬شهد لك كل ذلك اإلحكام أنه من صنع الرزاق العليم احلكيم‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو اخلبري؟‬
‫ج ‪ :‬إن نقل غذاء األم املهضوم بني الدماء إىل جسم اجلنني عن طريق حبل السرة ال يتم إال خبربة خبري ‪.‬‬
‫أال ترى أن نقل حمتويات إبرة إىل الوريد حيتاج إىل خربة وحكمة؟ فكيف بنقل مستمر طوال تسعة أشهر‬
‫للغذاء من جسم األم إىل جسم اجلنني؟‬
‫‪13‬‬
‫وكذلك استخراج اللنب من الغذاء الذي تأكله األم ال يكون إال خبربة خبري‪.‬‬
‫وتكون احلبوب والثمار املختلفة األشكال واأللوان والطعوم مع أهنا مجيعًا قد تكون من تراب واحد وسقيت‬
‫مباء واحد وتنفست أشجارها هواء واحدًا ‪ ،‬وحتركت مصانعها بطاقة مشس واحدة ‪.‬‬
‫أال إن كل ذلك يشهد أنه من صنع اخلبري الرزاق العليم احلكيم ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو الرحيم؟‬
‫ج ‪ :‬إذا عرفت عجز اجلنني يف بطن أمه عن تدبري رزقه‪ ،‬وعرفت عجز الرضيع عن رزق نفسه‪ ،‬وعجز اإلنسان‬
‫عن صنع احلبوب والثمار ‪ ،‬وتكوين املطر‪ ،‬وصنع اهلواء‪.‬‬
‫إذا عرفت ذلك ‪ ،‬وعرفت كيف أنقذ اهلل عبده بصنع ما حيتاج إليه من غذاء يف الرحم والثدي والنباتات ‪،‬‬
‫شهد لك ذلك كله أنه من صنع الرزاق احلكيم العليم اخلبري الرحيم ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو الكرمي؟‬
‫ج ‪ :‬إن اإلنسان إذا توىل النفقة على عشرة أشخاص بدون مقابل مساه الناس كرميًا‪ ،‬فما بالك مبن تكفل‬
‫بأرزاق البشر أمجعني وتكفل بأرزاق كل الكائنات احلية‪.‬‬
‫ض إِلاَّ َعلَى اللهَّ ِ ِر ْز ُق َها َو َي ْعل ُ‬
‫َم ُم ْس َت َق َّر َها‬ ‫ِن َد َّاب ٍة فِي الأَْ ْر ِ‬
‫سبحانه‪﴿:‬و َما م ْ‬
‫َ‬ ‫إن ذلك كله يشهد أنه من صنع الكرمي‬
‫ني﴾[هود‪. ]6:‬‬
‫اب ُم ِب ٍ‬ ‫ك ٌّل فِي ِ‬
‫ك َت ٍ‬ ‫َو ُم ْس َت ْو َد َع َها ُ‬
‫س‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو اهلادي؟‬
‫ج ‪ :‬إذا رأيت الثدي بعد الوالدة قد امتأل باللنب فمن الذي هداه إىل ذلك؟ ومن الذي هدى الطفل أن ميتص ذلك‬
‫الثدي إذا امتأل لبنًا؟!‬
‫ال شك أن ذلك يشهد أنه من صنع اهلادي ‪.‬‬
‫وإذا رأيت البذرة تنفلق يف التربة فتتجه أغصاهنا إىل أعلى األوراق وتتجه جذورها إىل أسفل حىت ولو كانت‬
‫احلبة مقلوبة ‪ ،‬إن ذلك يشهد أنه من صنع اهلادي سبحانه‪.‬‬
‫وهذه األوراق اليت ترتب يف كل شجرة بنظام حمكم حبيث تتعرض مجيعًا للشمس وال تغطي إحداها‬
‫األخرى ‪.‬‬
‫فمن الذي يهدي كل ورقة إىل مكاهنا الصحيح؟‬
‫اس َم َر ِّب َك الأَْ ْعلَى ال ِ‬
‫َّذي‬ ‫‪﴿.‬س ِّب ْح ْ‬
‫إنه بدون شك اهلادي الرزاق احلكيم العليم اخلبري الرحيم الكرمي سبحانه َ‬
‫َد َر َف َه َدى﴾[األعلى‪]3-1:‬‬ ‫َق َف َس َّوى َوال ِ‬
‫َّذي ق َّ‬ ‫َخل َ‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو املحي؟‬
‫ج ‪ :‬إن التراب واملاء واهلواء والضوء كلها مواد ميتة ال تنمو وال تتحرك وال تتفس‪ ،‬وال تتزاوج وال تتغذى ‪ ،‬فإذا‬
‫رأينا أن اخلالق يكون من هذه املواد امليتة نباتات وأشجارًا تنمو‪ ،‬وتتنفس ‪ ،‬وتتحرك ‪ ،‬وتتغذى ‪ ،‬وتتزاوج‬
‫فتنتج الثمار واحلبوب‪ ،‬عرفنا أن اخلالق قد جعل من املواد امليتة أشجارًا ونباتات حية نعلم أنه املحي سبحانه‬
‫وأنه الرزاق احلكيم العليم اخلبري الرحيم الكرمي اهلادي جل وعال ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وكيف نعرف أن اهلل هو املصور؟‬
‫ج ‪ :‬إذا رأيت قطعة من الطني قد حتولت إىل صورة شجرة مثمرة فأنت جتزم بأن تلك الصورة ال تكون إال أن‬
‫‪14‬‬
‫من صنع مصور ‪.‬‬
‫فإذا رأينا التراب وقد أحياه اهلل فجعله نباتات خمتلفة األشكال واأللوان والثمار‪ ،‬لكل شجرة رسم خاص‬
‫يف أوراقها وعروقها وأغصاهنا وأزهارها ومثارها‪ ،‬فمن جعل التراب واملاء واهلواء وضوء الشمس حدائق ذات‬
‫هبجة ‪ ،‬يف أمجل صورة؟!‬
‫إن ذلك كله يشهد أنه من صنع املصور سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وهكذا بالتفكري يف خلق اهلل‪ ،‬وبالتأمل يف طعامنا عرفنا بعض صفات ربنا‪:‬‬
‫‪0‬فشهد لنا تدبري الرزق أنه من صنع الرزاق‪.‬‬
‫‪0‬وشهد لنا اإلحكام يف اخللق أنه من صنع احلكيم‪.‬‬
‫‪0‬وشهدت لنا اخلربة يف الصنع أهنا من صنع اخلبري ‪.‬‬
‫‪0‬وشهد لنا العلم الذي ركب به اخللق أنه من صنع العليم‪.‬‬
‫‪0‬وشهدت لنا الرمحة املشاهدة مبا خلق اهلل أهنا من صنع الرحيم‪.‬‬
‫‪0‬وشهد لنا الكرم الفائض أنه من صنع الكرمي‪.‬‬
‫‪0‬وشهدت لنا اهلداية املقدرة املوجهة أهنا من صنع اهلادي‪.‬‬
‫‪0‬وشهدت لنا احلياة املتنوعة أهنا من صنع املحيي ‪.‬‬
‫‪0‬وشهدت لنا الصور املتقنة أهنا من صنع املصور البديع سبحانه‪.‬‬
‫س‪ :‬وما فائدة معرفتنا ببعض صفات اهلل؟‬
‫ج‪ :‬إذا عرفنا الصفات املوصوفة ‪ ،‬فإذا عرفنا أن الذي خلق الطعام هو الرزاق‪ ،‬احلكيم ‪ ،‬اخلبري‪ ،‬العليم‪،‬‬
‫الرحيم ‪ ،‬الكرمي ‪ ،‬اهلادي ‪ ،‬املحيي ‪ ،‬املصور‪.‬‬
‫عندئذ جنزم بأن اهلل سبحانه هو صاحب هذه الصفات‪.‬‬
‫ألن الطبيعة اليت يزعم الكافرون أهنا خلقت النباتات وغريها ال تتصف هبذه الصفات‪.‬‬
‫فال تدبري للطبيعة حىت نقول ‪ :‬إهنا اليت دبرت األرزاق وال إرادة هلا ‪.‬‬
‫‪0‬وال حكمة للطبيعة‪.‬‬
‫‪0‬وال خربة للطبيعة ‪.‬‬
‫‪0‬وال علم للطبيعة ‪.‬‬
‫‪0‬وال رمحة للطبيعة‪.‬‬
‫‪0‬وال كرم للطبيعة ألنه ال أخالق هلا ‪.‬‬
‫‪0‬وال هداية للطبيعة ‪.‬‬
‫‪0‬وال حياة للطبيعة متكنها أن هتب احلياة لغريها‪.‬‬
‫‪0‬وال تصوير للطبيعة حىت نتوهم أهنا اليت أبدعت هذه الصور اجلميلة‪.‬‬
‫وما قيل يف الطبيعة يقال يف كل وثن أو صنم تعلق الناس به قدميًا أو حديثًا فنعرف وجنزم أن اهلل هو الرزاق‬
‫‪15‬‬
‫ان إِلَى َط َعا ِم ِه‬ ‫‪ ،‬الذي أوجد لنا اآليات الدالة عليه يف خملوقاته سبحانه‪ ،‬وقال لنا يف كتابه‪َ ﴿:‬فل َْي ْن ُظ ْر الإْ ِ َ‬
‫نس ُ‬
‫اك َه ًة‬‫ِق ُغل ًْبا َو َف ِ‬
‫َخ اًل َو َح َدائ َ‬ ‫َض ًبا َو َز ْي ُتونًا َون ْ‬ ‫ُم َش َق ْق َنا الأَْ ْر َ‬
‫ض َش ًّقا َف َأن َْب ْت َنا فِي َها َح ًّبا َو ِع َن ًبا َوق ْ‬ ‫ص ًّبا ث َّ‬ ‫اء َ‬‫ْم َ‬ ‫َأنَّا َ‬
‫ص َب ْب َنا ال َ‬
‫ِك ْم﴾[عبس‪]32-24 :‬‬ ‫َك ْم َولأِ َن َْعام ُ‬‫اعا ل ُ‬‫َو َأ ًّبا َم َت ً‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫‪.1‬أمرنا اهلل بالتفكر يف طعامنا ألنه جعل يف كل ما خلق عالمات تعرفنا ببعض صفاته‪.‬‬
‫‪.2‬وإذا تأملنا كيف ساق اهلل الرزق لإلنسان وهو يف بطن أمه‪ ،‬مث كيف ساقه له من ثدي أمه‪ ،‬مث كيف‬
‫ساقه له من نباتات األرض‪ ،‬عرفنا أن اهلل هو الرزاق سبحانه‪.‬‬
‫‪.3‬ونعرف أن اهلل هو العليم ألنه علم حباجتك إىل الرزق وأنت يف رحم األم فساقه إليك ‪ ،‬وعلم خبروجك من‬
‫بطن أمك فساق لك الغذاء من ثديها‪ ،‬وعلم بوجود املاء يف التربة فجعل يف النباتات جذورًا وماصات جذرية‪،‬‬
‫وعلم حباجة األوراق واليخضور ـ الذي فيه ـ إىل ضوء الشمس فجعل األوراق تنمو يف اجتاه ضوء الشمس‪.‬‬
‫‪.4‬ونعرف أن اهلل هو احلكيم عندما نشاهد اإلحكام املتقن يف صنع حبل السرة‪ ،‬وعندما رأينا اإلحكام يف‬
‫مناسبة لنب أمك أثناء منوك‪ ،‬وعندما نرى األحكام يف كل جزء يف النباتات‪.‬‬
‫‪.5‬ونعرف أن اهلل هو اخلبري عندما نرى اخلربة يف نقل الغذاء إليك من أمك وأنت يف رمحها وعندما نرى‬
‫استخراج اللنب من الطعام الذي تأكله األم‪ ،‬وعندما نفكر يف تكوين الثمار املختلفة من تراب واحد وماء‬
‫وهواء واحد ومشس واحدة‪.‬‬
‫‪.6‬ونعرف أن اهلل هو الرحيم عندما نعرف أننا بدون رزق منه منوت فرمحنا وساق لنا األرزاق برمحته وفضله‪.‬‬
‫‪.7‬ونعرف أنه كرمي سبحانه عندما نرى رزقه غمر كل خملوق‪.‬‬
‫‪.8‬ونعرف أنه اهلادي عندما نرى التوجيه السديد للثدي الذي امتأل بعد خروج اجلنني من بطن أمه‪ ،‬وعندما‬
‫نرى اإلهلام للطفل ملص ثدي أمه وهو ال يعلم شيئًا ‪ ،‬وعندما نرى التوجيه املقدر يف منو البذور ويف منو األرزاق‪.‬‬
‫‪.9‬ونعرف أنه املحيي عندما نشاهد احلياة تدب يف املواد امليتة‪.‬‬
‫‪.10‬ونعرف أنه املصور عندما نرى الصور اجلميلة املختلفة تتكون من تراب وماء وهواء ‪.‬‬
‫‪.11‬وإذا عرفنا أن الذي خلق الطعام هو الرزاق ‪ ،‬العليم ‪ ،‬احلكيم ‪ ،‬اخلبري ‪ ،‬الرحيم‪ ،‬الكرمي‪ ،‬اهلادي ‪،‬‬
‫املحيي ‪ ،‬املصور سبحانه ‪ ،‬عرفنا أنه اهلل ألن الطبيعة أو األوثان بكل صورها ال تتصف هبذه الصفات‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل السادس‬
‫السيول الطائرة‬
‫السحاب سيل طائر‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هو السحاب؟‬
‫ج ‪ :‬السحاب ماء يطري يف اهلواء فإذا كان كثريًا تكونت منه السيول العظيمة‪ ،‬اليت تسقط إىل األرض‬
‫مكونة مياه اآلبار ‪ ،‬واألهنار (والغيول) والعيون واملياه اجلوفية‪ ،‬اليت نشرب منها ‪ ،‬ونسقي زرعنا وأنعامنا ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫ُم ُي ْخ ِر ُج ِب ِه َز ْر ًعا ُم ْخ َتلِ ًفا َأل َْوا ُن ُه﴾[الزمر‪. ]21 :‬‬ ‫يع فِي الأَْ ْر ِ‬
‫ض ث َّ‬ ‫َك ُه َي َنا ِب َ‬ ‫الس َما ِء َم ً‬
‫اء َف َسل َ‬ ‫َم َت َرى َأ َّن اللهََّ َأ ْن َز َل م ْ‬
‫ِن َّ‬ ‫﴿ َأل ْ‬
‫س‪ :‬كيف يتكون السحاب؟‬
‫ج ‪ :‬يرسل اهلل حرارة الشمس فتتبخر مياه البحار فيصعد إىل السماء ماء عذب‪ ،‬ال ملوحة فيه ‪ ،‬ولكن هذا‬
‫البخار ال يستمر يف صعوده ليصب يف القمر أو املريخ‪ ،‬فليس املقصود أن يصب هناك ‪ ،‬إمنا املراد أن يصب‬
‫غيثًا لعباد اهلل يف أوساط القارات‪ ،‬وشىت أجزائها ‪ ،‬فاحلاجة ماسة له هناك ‪ .‬فقدر اهلل نظامًا يسري به ماء‬
‫البحر غيثًا خللقه‪.‬‬
‫س ‪ :‬وما هو هذا النظام (السنة اإلهلية)؟‬
‫ج ‪ 1 :‬ـ لقد جعل اهلل حرارة الشمس والرياح سببًا يف رفع حبار املاء من البحر إىل فوق مستوى اجلبال (يف‬
‫الغالب)‪.‬‬
‫وذلك لكي ال تعوق اجلبال انتقال املاء من فوق البحر إىل أواسط القارات‪ .‬ورفع اهلل ماء البحر (خبارًا) ومل‬
‫يرفع معه امللح الذي خيتلط مبا البحر لكي ال يضر ذلك امللح اإلنسان والنبات واحليوان ‪.‬‬
‫اء َج َع ْل َن ُاه ُأ َج ً‬
‫اجا َفل َْولاَ‬ ‫َش ُ‬
‫ُون ل َْو ن َ‬
‫زنل َ‬
‫ْم ِ‬ ‫ْم ْز ِن َأ ْم ن ْ‬
‫َح ُن ال ُ‬ ‫ِن ال ُ‬ ‫ون َأ َأ ْن ُت ْم َأن َز ْل ُت ُم ُ‬
‫وه م ْ‬ ‫اء ال ِ‬
‫َّذي َت ْش َر ُب َ‬ ‫قال تعاىل ‪َ ﴿:‬أ َف َر َأ ْي ُت ْم ال َ‬
‫ْم َ‬
‫ون﴾[الواقعة‪]70-68:‬‬ ‫ك ُر َ‬
‫َت ْش ُ‬
‫‪ 2‬ـ لقد جعل اهلل الرياح وحرارة الشمس سببًا يف رفع املاء من البحر إىل فوق مستوى اجلبال كما قال تعاىل ‪:‬‬
‫َد َم ِّي ٍت﴾[األعراف‪. ]75 :‬‬ ‫﴿ح َّتى إِ َذا َأ َقل ْ‬
‫َّت َس َح ًابا ِث َق اًال ُس ْق َن ُاه ل َِبل ٍ‬ ‫َ‬
‫وأقلت ‪ :‬أي محلت ورفعت‪.‬‬
‫وجعل اهلل الربودة يف اجلو ـ اليت تزداد باالرتفاع من مستوى سطح البحر إىل ارتفاع ‪ 8‬أميال ـ سببًا يف إيقاف‬
‫ارتفاع املاء إىل أعماق السماء‪.‬‬
‫س ‪ :‬وملاذا تزداد الربودة باالرتفاع إىل أعلى؟‬
‫ج ‪ :‬إذا ارتفعنا إىل أعلى قربنا نسبيًا من الشمس وكان املفروض أن تزداد درجة احلرارة كما هو احلال يف‬
‫طبقات اجلو العليا‪.‬‬
‫ولكن اهلل جعل األمر عكسيًا كلما ارتفعنا اخنفضت درجة احلرارة إىل مسافة مثانية أميال بد ًال من زيادهتا‬
‫‪ .‬وذلك لكي يسكن املاء الذي خرج من البحر يف جو األرض وال يستمر تصاعده حىت يتبدد يف أعماق السماء‪.‬‬
‫ون﴾[املؤمنون ‪]18 :‬‬ ‫اب ِب ِه َل َقاد ُ‬
‫ِر َ‬ ‫ك َّن ُاه فِي الأَْ ْر ِ‬
‫ض َوإِنَّا َعلَى َذ َه ٍ‬ ‫اء ِب َق َد ٍر َف َأ ْس َ‬
‫الس َما ِء َم ً‬ ‫‪﴿:‬و َأن َز ْل َنا م ْ‬
‫ِن َّ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫‪17‬‬
‫س ‪ :‬وما هي سنة (جتميع خبار املاء)؟‬
‫ج ‪ :‬إن خبار املاء خفيف ال يرى‪ ،‬فيتصاعد إىل أعلى ‪ ،‬فريسل اهلل الرياح حمملة بذرات (الدخان‪ ،‬واألتربة‪،‬‬
‫وحبوب اللقاح) فتتلقح جزئيات خبار املاء هبا ‪ ،‬فتستثريها ‪ ،‬فيتجمع خبار املاء حول تلك اجلزئيات امللحقة مكونًا‬
‫أغلفة مائية‪ ،‬حىت تصل إىل حجم كبري نشاهده سحابًا عندئذ قد أخذ يثقل بتجمع أجزائه فيساعد ذلك على‬
‫اء‬
‫ك ْي َف َي َش ُ‬ ‫ِري َس َح ًابا َف َي ْب ُس ُط ُه فِي َّ‬
‫الس َما ِء َ‬ ‫اح َف ُتث ُ‬
‫الر َي َ‬ ‫عدم مغادرة خبار املاء الغالف األرض‪﴿.‬اللهَُّ ال ِ‬
‫َّذي ُي ْر ِس ُل ِّ‬
‫ون﴾[الروم‪]48:‬‬ ‫ِن ِع َبا ِد ِه إِ َذا ُه ْم َي ْس َت ْب ِش ُر َ‬ ‫اب ِب ِه َم ْن َي َش ُ‬
‫اء م ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ِن ِخلاَ ِل ِه َف ِإ َذا َأ َ‬ ‫َو َي ْج َعلُ ُه ِ‬
‫ك َس ًفا َف َت َرى ال َْو ْد َق َي ْخ ُر ُج م ْ‬
‫س‪ :‬وهل هناك سنن أو قوانني أخرى سنها اهلل للمشاركة يف تنظيم سري املطر؟‬
‫ج ‪ :‬نعم السنتان اإلهليتان السابقتان ‪( :‬سنة رفع املاء عذبًا من البحار فوق مستوى اجلبال ‪ ،‬وسنة وقف ارتفاعه‬
‫بالتكثيف والتلقيح بالرياح لتثقل) عملتا على رفع ماء عذب إىل فوق مستوى اجلبال فقط‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وهناك سنة ثالثة وهي ‪ :‬نقل هذا املاء من فوق البحار إىل أعماق القارات‪ ،‬وذلك بواسطة الرياح اليت تسوق‬
‫السحب دون أن تتقاضى من الناس مثنًا أو أجرًا ‪ ،‬ألهنا مسخرة هلم بأمر رهبم‪.‬‬
‫َد َم ِّي ٍت َف َأن َز ْل َنا‬ ‫اح ُب ْش ًرا َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َم ِت ِه َح َّتى إِ َذا َأ َقل ْ‬
‫َّت َس َح ًابا ِث َق اًال ُس ْق َن ُاه ل َِبل ٍ‬ ‫َّذي ُي ْر ِس ُل ِّ‬
‫الر َي َ‬ ‫‪﴿:‬و ُه َو ال ِ‬
‫قال تعاىل َ‬
‫ون﴾[األعراف ‪. ]57 :‬‬ ‫ك ُر َ‬‫َّك ْم َت َذ َّ‬
‫َعل ُ‬‫ْم ْو َتى ل َ‬ ‫ُخ ِر ُج ال َ‬
‫ِك ن ْ‬ ‫ك َذل َ‬ ‫ات َ‬ ‫َّم َر ِ‬
‫ك ِّل الث َ‬
‫ِن ُ‬ ‫اء َف َأ ْخ َر ْج َنا ِب ِه م ْ‬ ‫ِب ِه ال َ‬
‫ْم َ‬
‫وانظر إىل احلكمة يف تقدير الرياح ‪ ،‬حبيث كان قدرها وسرعتها مناسبني جدًا الستثارة السحب وثقلها‬
‫‪ ،‬ال لتكون مدمرة خمربة ‪ ،‬ولقد أعطانا اهلل عربة ببعض العواطف واألعاصري املدمرة اليت تبلغ سرعتها‬
‫(‪75‬ميالً) يف الساعة ‪ ،‬أما لو بلغت سرعة سري الرياح (‪200‬ميل) يف الساعة ملا أبقت شيئًا على األرض إال دمرته‬
‫‪ .‬ولتعلم بآثار رمحة اهلل عليك‪ ،‬فاعلم أن هذه الرياح موجودة يف األرض فوق رأسك ما بينك وبينها إال مخسة‬
‫أميال فقط حيث يوجد التيار النفاث يف الرياح اليت تسري بسرعة (‪ 200‬ميل) يف الساعة على ارتفاع (‪ 5‬أميال)‬
‫فوق سطح البحر ولو نزلت هذه الرياح مسافة بضعة أميال الختل نظام احلياة بعد أن خيتل النظام الذي يسري‬
‫عليه املطر‪ ،‬ولتعرض كل ما يف األرض للدمار وتشغل هذه الرياح املدمرة ‪( :‬التيار النفاث) منطقة ارتفاعها‬
‫ثالثة أميال وبعدها تأيت منطقة ال رياح فيها فلو كانت املنطقة رقم (‪ )3‬بد ًال من املنطقة رقم (‪ )1‬ملا حترك‬
‫ماء إىل داخل القارات ‪ ،‬وملات الناس واألنعام عطشًا ‪ ،‬فانظر إىل التصميم احلكيم يف هذه األرض ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وهناك سنة إهلية تعمل على إنزال املطر قطرات صغرية‪ ،‬ال سيو ًال متدفقة تدمر كل شيء‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وهناك سنة إهلية أخرى جتري املاء أهنارًا (وغيوالً) تنتشر يف األرض‪ ،‬كانتشار عروق الدماء يف جسم‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ وهناك سنة إهلية تعمل على امتصاص أغلب املاء؛ لتحفظه من التعفن‪ ،‬ولتصبح األرض صاحلة للسري بدون‬
‫عائق من املاء‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ وهناك أيضًا سنة إهلية تعمل على حفظ املاء قريبًا من سطح األرض ‪ ،‬فينتفع به الناس يف شكل عيون‬
‫وآبار ‪ ،‬بواسطة صحن إهلي من احلجر حيفظ لنا املياه اجلوفية حىت ال تغور يف أعماق األرض‪.‬‬
‫ِيك ْم ِب َما ٍء َم ِع ٍ‬
‫ني﴾[امللك ‪. ]30:‬‬ ‫ُل َأ َر َأ ْي ُت ْم إِ ْن َأ ْص َب َح َما ُؤ ُ‬
‫ك ْم َغ ْو ًرا َف َم ْن َي ْأت ُ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿:‬ق ْ‬
‫إذن‪:‬‬
‫·هناك تصميم حكيم يف هذه األرض يعمل حتت أمر خالقه بإتقان ونظام ‪.‬‬
‫·هناك قوانني (وسنن) ثابتة ‪ ،‬مقدرة ‪ ،‬متقنة ‪ ،‬تعمل على تكوين ماء املطر ورفعه من البحار إىل فوق مستوى‬

‫‪18‬‬
‫اجلبال بعد ختليصه من األمالح‪ ،‬مث نقله إىل املخلوقات املحتاجة إليه يف أواسط القارات وإنزاله نطفًا دقيقة‬
‫نافعة غري ضارة‪ ،‬وتسيريه أهنارًا نافعة وامتصاصه لكي ال يعوق سري احلباة ‪ ،‬ولكي ال يبعث العفونة ‪،‬‬
‫ولكي حيفظه قريبًا من سطح األرض بصحن صخري ‪.‬‬
‫جميب الدعاء‪:‬‬
‫اسأل العارفني برمحة ربك مسيع الدعاء ‪ ،‬اسأهلم عن إجابته سبحانه دعوة املضطرين وإغاثته للملهوفني‪.‬‬
‫اسأل كم أصيبت أراض باجلفاف وانعدام املطر‪ ،‬فخرج املسلمون ـ كما علمهم رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم ـ يدعون رهبم مستغيثني ‪ ،‬وما صدق قوم يف دعاء رهبم إال أجاب اهلل دعاءهم وأغاثهم باملطر‪ ،‬وهبذا‬
‫يشهد مئات املاليني من املسلمني يف مشارق األرض ومغارهبا‪.‬‬
‫ذلك هو التطبيق العملي الذي نعرف به أن خالق املطر هو السميع جميب الدعاء‪.‬‬
‫يبوا لِي َول ُْي ْؤ ِم ُنوا ِبي‬ ‫الد ِ‬
‫اعي إِ َذا َد َعانِي َفل َْي ْس َت ِج ُ‬ ‫يب ُأ ِج ُ‬
‫يب َد ْع َو َة َّ‬ ‫‪﴿:‬وإِ َذا َس َأل َ‬
‫َك ِع َبادِي َع ِّني َف ِإنِّي َق ِر ٌ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫ون﴾[البقرة‪. ]186:‬‬ ‫َعلَّ ُه ْم َي ْر ُش ُد َ‬
‫لَ‬
‫نقاش‪:‬‬
‫·من صاحب التركيب احلكيم يف تصميم األرض‪.‬‬
‫·من الذي قضى هبذه السنن والقوانني املنظمة الدقيقة املحكمة؟‬
‫·من الذي مسع دعاء املستغيثني فأجاب دعاءهم وأنشأت السحاب وأنزل املطر ؟‬
‫·وثن ال يقدر على فعل شيء وال يعقل أمرًا؟‍‬
‫·طبيعة عمياء صمياء بكماء ال متلك إرادة أو تدبريًا؟‍‬
‫·أم أن العدم هو الذي أنشأ‪ ،‬وصمم‪ ،‬وأوجد‪ ،‬وكون ‪ ,‬وقدر‪ ،‬وأتقن‪ ،‬ومسع‪ ،‬وأجاب‪ ،‬وهو العدم الذي ال‬
‫وجود له‪ .‬فكيف ينتج املوجود من معدوم؟!‬
‫·أم أن ذلك كله شاهد يتحدث إىل العقول البشرية أن له ربًا حكيمًا‪ ،‬قادرًا‪ ،‬خبريًا‪ ،‬مسيعًا‪ ،‬جميبًا‪ ،‬رازقًا‪،‬‬
‫مقيتًا‪ ،‬مغيثًا لعباده؟! إن هذه السنن املحكمة‪ ،‬املقدرة‪ ،‬اليت تنظم تكوين األمطار وسريها‪ ،‬تتحدث إىل‬
‫العقول بقدرة رهبا‪ ،‬وصفات خالقها‪ ،‬ووجود منشئها‪ ،‬فلواله ما كان شيء مما تشاهد األبصار من نظام‬
‫وإتقان وتدبري وإحكام‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫خالصة شعرية‪:‬‬

‫ك���ي���ف غ�����دا س���ي�ل�اً ي���س�ي�ر ط���ائ���رًا‬ ‫ك���ن ي���ا أخ���ي إىل ال��س��ح��اب ن��اظ��رًا‬
‫ف���ه���ل ش����ك����رت ل��ل�إل����ه ال��ن��ع��م��ة‬ ‫أرس������ل������ه ل����ن����ا اإلل����������ه رمح����ة‬
‫ف���ب���ع���ث م�����ا ف���ي���ه���ا م�����ن ال���ب���خ���ار‬ ‫ف��س��ل��ط ال���ش���م���س ع���ل���ى ال��ب��ح��ار‬
‫ف�������وق اجل�����ب�����ال ه�������ذه ال���ش���م���اء‬ ‫ورف���������ع م�����ائ�����ه إىل ال���س���م���اء‬
‫ل�����وق�����ف رف�����ع�����ه إىل ال���س���م���اء‬ ‫وح�������اط�������ه ب�������ب�������ارد اهل���������واء‬
‫ف���ل��ا ن�����ن�����ال ع����ن����ده����ا ق����ط����اره‬ ‫ول�������و أراد أوج��������د احل��������رارة‬
‫ت����ث��ي�ره ب����ع����د س����ح����اب����ًا م���ع���ص���را‬ ‫وس��������اق حن������وه ال������ري������اح ن���ش���رًا‬
‫إن ش�����اء م����ن ورائ����ه����ا أن ي��ن��ف��ذا‬ ‫ف��ل�ا اجل����ب����ال ت��س��ت��ط��ي��ع رد ذا‬
‫ب������ق������در م�����ن�����ه ل��������ه ت����س����ت����اق‬ ‫وس�������اق أخ�������رى م��ث��ل��ه��ا اخل��ل�اق‬
‫ألم������ر ال����ن����اس ال���ف���ن���اء ال���ع���اج�ل�ا‬ ‫ول�����و ج�����رى م����ن ال���س���م���اء س���ائ�ل�اً‬
‫ف��ك��ي��ف ل���و ص���ب ج���ب���ا ًال م���ن ب���رد؟‬ ‫ه����ذا إذا أن�����زل س���ي�ل�اً يف ال��ب��ل��د‬
‫وب�����ع�����ض�����ه س������خ������ره أهن����������ارًا‬ ‫أن�����زل�����ه رف����ق����ًا ب���ن���ا ‪ ..‬ق���ط���ارًا‬
‫ك���ي ال ي��ك��ون ع��ائ��ق�اً س�ي�ر ال����ورى‬ ‫وب���ع���ض���ه مي���ت���ص���ه ه������ذا ال���ث���رى‬
‫ي���ك���ف ع���ن���ه ال����غ����ور يف ال��ط��ب��اق‬ ‫ل���ك���ن ب����ق����در ال إىل األع����م����اق‬
‫خ����زن����ه ل��ل��ي��س��ر يف ن���ف���ع ال��ب��ش��ر‬ ‫وف�����وق ص��ح��ن ك���ائ���ن م���ن احل��ج��ر‬
‫ت����دب��ي�ره م����ن ل���ي���س ل����ه ت��ف��ك�ير؟!‬ ‫ف����ي����ا ت��������رى أذل���������ك ال���ت���دب�ي�ر‬
‫ج������ام������دة ل�����رهب�����ا م���ط���ي���ع���ة؟!‬ ‫م�����ن وث�������ن أص�������م أو ط��ب��ي��ع��ة‬
‫ب�������أن م���������واله اإلل���������ه ال�����واح�����د‬ ‫أم أن������ه ال ري������ب ح���ق�ا�ً ش��اه��د‬
‫ف����ن����ف����روا ث���ق���اهل���م م�����ع اخل���ف���اف‬ ‫وك���م أص����اب امل��س��ل��م�ين م���ن ج��ف��اف‬
‫ف��ح��ق��ق��وا ال���ف���وز ون����ال����وا امل��خ��رج��ا‬ ‫وط����ل����ب����وا م�����ن اإلل��������ه ال���ف���رج���ا‬
‫أم أن�����ه ال��س��م��ي��ع ك���ش���اف امل��ح��ن‬ ‫ف��ه��ل ط��ب��ي��ع��ة أج���اب���ت أم وث����ن؟!‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫·اهلل خالق األرض وما فيها بتصميم حكيم‪.‬‬
‫·اهلل الذي سخر الشمس وحرارهتا لرفع املاء العذب فوق مستوى اجلبال‪.‬‬
‫·اهلل الذي أرسل الرياح ‪ ،‬وأنشأ السحب وأنزل األمطار ‪.‬‬
‫·اهلل الذي أجرى األهنار (الغيول) وفجر العيون وخزن املياه اجلوفية وحفظها من الضياع يف أعماق األرض‬
‫بصحن صخري ‪.‬‬
‫·اهلل الذي خلق اإلنسان واحليوان والنبات وتكفل بالغذاء واملشرب فوفر هلم أسباهبا ‪.‬‬
‫·اهلل هو السميع جميب الدعاء كاشف الضر مغيث امللهوف‪.‬‬
‫·إن األوثان العاجزة والطبيعة البليدة الصماء البكماء ال تقدر على صنع أو تدبري أو مسع أو إجابة ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل السابع‬
‫البحر الذي نعيش يف أعماقه‬
‫اهلواء واحلياة ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي أمهية اهلواء حلياتنا؟‬
‫ج ‪ :‬سد أنفك وفمك ملدة دقيقة أو دقيقتني ‪ ،‬عندئذ ستعرف أمهية اهلواء بالنسبة حلياتك‪ ،‬ألنه حيتوي على‬
‫األكسجني الذي حتتاجه ‪ ،‬وستجد أنه لو انعدم اهلواء ملات الناس مجيعًا يف دقائق معدودة‪ ،‬وكذلك مجيع‬
‫احليوانات اليت تتنسم اهلواء‪ .‬وتفكر هل تستطيع االستغناء عن نعمة اهلواء اليت أنعم اهلل هبا عليك ملدة بضع‬
‫دقائق؟ وتفكر هل قمت بواجب الشكر لربك؟‬
‫فوائد أخرى للهواء‪:‬‬
‫س ‪ :‬وهل للهواء فوائد أخرى؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ يكون الغالف اهلواء املحيط باألرض درعًا واقيًا لسكان األرض من الشهب والنيازك اليت تسقط على‬
‫األرض كل يوم باملاليني‪.‬‬
‫فقد قدرت كثافة اهلواء بإحكام حىت يتمكن من إحراق الشهب والنيازك قبل وصوهلا إىل األرض بالغالف‬
‫اجلوي ‪ ،‬ولوال ذلك ألحرقت الشهب املدن ‪ ،‬والقرى واملحاصيل‪.‬‬
‫كما يقوم غالف (األوزون) املحيط باألرض على بعد عدد من األميال حبماية األرض وأحيائها من األشعة‬
‫الكونية املميتة اليت تتجه إىل األرض من السماء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يقوم اهلواء (الرياح) بتلقيح األزهار يف النباتات فتثمر ولوال ذلك ملا وجدنا مثرة يف كثري من النباتات‪.‬‬
‫ِح﴾[احلجر‪]23:‬‬
‫اح ل ََواق َ‬ ‫‪﴿:‬و َأ ْر َس ْل َنا ِّ‬
‫الر َي َ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫‪ 3‬ـ وعلى اهلواء ينتقل الطري والطائرات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ واهلواء حبر نعيش يف أعماقه له ضغط على أجسامنا يوازن ضغط سوائل اجلسم والدم وغري ذلك ولوال‬
‫ذلك الضغط املناسب النفجرت عروقنا ‪ ،‬والدماء اليت فيها وهبذا التعادل ال حنس ضغط الدم وال ضغط اهلواء‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ واهلواء (الرياح) ينقل لنا األمطار جمانًا‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ انتفع اإلنسان كثريًا باهلواء يف تسيري السفن الشراعية عرب القرن املتطاولة السابقة‪.‬‬
‫كو ٍر َأ ْو ُيو ِب ْق ُه َّن‬ ‫ص َّبا ٍر َش ُ‬ ‫ِك ِّل َ‬ ‫ات ل ُ‬‫ِك آَل َي ٍ‬ ‫اك َد َعلَى َظ ْه ِر ِه إِ َّن فِي َذل َ‬ ‫يح َف َي ْظلَل َ‬
‫ْن َر َو ِ‬ ‫الر َ‬
‫ك ْن ِّ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿:‬إِ ْن َي َش ْأ ُي ْس ِ‬
‫ِك ْم‬ ‫ْم ْؤ ِمنِنيَ َوفِي َخ ْلق ُ‬ ‫ض آَل َي ٍ‬
‫ات ِلل ُ‬ ‫ات َوالأَْ ْر ِ‬ ‫او ِ‬
‫الس َم َ‬
‫ري﴾[الشورى‪﴿. ]34 ،33 :‬إِ َّن فِي َّ‬ ‫ك ِث ٍ‬ ‫ك َس ُبوا َو َي ْع ُف َع ْن َ‬ ‫ِب َما َ‬
‫ض‬ ‫ِن ِر ْز ٍق َف َأ ْح َيا ِب ِه الأَْ ْر َ‬ ‫الس َما ِء م ْ‬ ‫للهَُّ‬
‫الن َها ِر َو َما َأن َز َل ا م ْ‬ ‫اختِلاَ ِف الل َّْي ِل َو َّ‬ ‫ات ِل َق ْو ٍم ُيو ِق ُن َ‬
‫ِن َد َّاب ٍة َآي ٌ‬
‫ِن َّ‬ ‫ون َو ْ‬ ‫َو َما َي ُب ُّث م ْ‬
‫يث َب ْع َد اللهَّ ِ َو َآيا ِت ِه‬
‫ْح ِّق َف ِب َأ ِّي َح ِد ٍ‬ ‫ات اللهَّ ِ َن ْتل َ‬
‫ُوها َعل َْي َك ِبال َ‬ ‫ْك َآي ُ‬‫ُون ِتل َ‬ ‫ات ِل َق ْو ٍم َي ْع ِقل َ‬
‫الر َيا ِح َآي ٌ‬ ‫يف ِّ‬ ‫َب ْع َد َم ْو ِت َها َو َت ْص ِر ِ‬
‫ون﴾[اجلاثية ‪. ]6-3 :‬‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫توفريه وسهولة أخذه‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هي األخرى املشاهدة يف تكوين اهلواء؟‬
‫‪21‬‬
‫ج ‪ :‬آيات اهلل يف خملوقاته كثرية فمنها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ توفري اهلواء ـ الذي هو أهم حمتاجات اإلنسان على اإلطالق ـ فأوجده اخلالق الرحيم يف كل مكان على‬
‫وجه األرض فال تتكلف يف مجعه وال يف نقله وال يف خرنه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وإذا تأملت يف استهالك الناس الدائم ـ وكذا احليوانات ـ للهواء الصاحل (األكسجني) وحتويله إىل هواء‬
‫فاسد خانق (ثاين أكسيد الكربون) فال تقلق على مصريك‪ ،‬وتقول ‪ :‬إن استهالك (األكسجني) باستمرار ‪،‬‬
‫سيؤدي يف وقت قريب إىل انعدامه ‪ ،‬وعندئذ منوت ‪ ،‬ال ‪ ..‬ال تقل ذلك فإن لك ربًا رحيمًا قد عوضك عن كل‬
‫نقص حيدث يف (األكسجني) باستمرار ‪ ،‬وذلك بواسطة النباتات اليت تأخذ (ثاين أكسيد الكربون) وتعيد‬
‫األكسجني املستهلك للحيوانات واإلنسان‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ خلق جهاز دقيق يف اإلنسان وهو ال يزال يف بطن أمه هو (اجلهاز التنفسي) ويعمل باستمرار بدون كلل أو‬
‫توقف منذ أيام الوالدة األوىل وحىت الوفاة‪ .‬يعمل وحنن يف النوم أو يف اليقظة‪ ،‬فكما أن خالقنا يسر لنا وجود‬
‫اهلواء يف كل مكان‪ ،‬فمن رمحته أن يسر لنا أن فأخذه بطريقة تنفسية آلية ال تتعبنا وال تؤملنا وال تكلفنا‬
‫جهدًا أو مشقة ‪.‬‬
‫إذن‬
‫اهلل هو خالق احلياة وهو الذي أمد احلياة مبا حتتاج من اهلواء ‪.‬‬
‫اهلل هو الذي أنعم على األحياء باهلواء للتنفس ‪ ،‬والذي حيميهم من أخطار الشهب والنيازك ‪ ،‬ويلقح هلم كثريًا‬
‫من النباتات ‪ ،‬وينقل األمطار إليهم‪ ،‬وعليه يطريون‪ ،‬ويوازن ضغط السوائل يف أجسامهم‪.‬‬
‫هل تشاهد ‪:‬‬
‫·احلكمة العظيمة يف خلق اإلنسان حمتاجًا للهواء هي اليت ألجلها خلق اهلل تعاىل لإلنسان ذلك اهلواء املناسب‬
‫حلياته ‪ ،‬ووفره له بكميات هائلة ‪.‬‬
‫·التقدير البديع احلكيم يف كثافة اهلواء اليت حترق الشهب والنيازك قبل الوصول إىل األرض ‪ ،‬واليت تعطي‬
‫اهلواء ضغطًا مناسبًا دقيقًا يعادل ضغط سوائل جسم اإلنسان الداخلية ومتكن الطري من الطريان بسهولة ‪.‬‬
‫·حركة اهلواء (الرياح) اليت تقوم بتلقيح النباتات والسحب واستثارة السحب ونقلها إىل أواسط القارات ‪ ،‬ويف‬
‫تسيري السفن الشراعية ردحًا من الزمن‪.‬‬
‫·ذلك التوفري اهلائل بكمياته املناسبة للحياة يف كل مكان على وجه األرض‪.‬‬
‫·ذلك التوازن الدقيق ‪ ،‬املتقن‪ ،‬املقدر بني (األكسجني) اهلواء الصاحل واهلواء الفاسد (ثاين أكسيد الكربون)‪.‬‬
‫·وذلك اجلهاز التنفسي املحكم الذي يباشر أعماله بدون توقف ويف غاية من الدقة والسهولة‪ ،‬وبآلية ال‬
‫تكلف اإلنسان جدًا أو مشقة يف نومه أو يقظته‪.‬‬
‫·فمن صاحب هذه احلكمة العظيمة وذلك التقدير البديع ‪ ،‬والتنظيم احلكيم ‪ ،‬والتوازن املتقن‪ ،‬والتركيب‬
‫العجيب؟‬
‫·أوثن ال يسمح واليبصر وال ينفع وال يضر وال ميلك حو ًال وال قوة؟!‬
‫·أطبيعة صماء عمياء جامدة ال متلك حكمة وال إرادة ؟!‬
‫·أعدم ال يفعل شيئًا؟!‬

‫‪22‬‬
‫·أم أن تلك احلكمة املشاهدة والتقدير البديع والتنظيم احلكيم ‪ ،‬والتوازن املتقن والتركيب العجيب كل‬
‫ذلك شاهد أمام كل عاقل بأن ربًا حكيمًا‪ ،‬وخالقًا عظيمًا ومريدًا خبريًا ‪ ،‬منشئًا رحيمًا ‪ ،‬هو خالق اهلواء‬
‫املحيط بأرضنا بتقدير حكيم وصنع لطيف ‪ ،‬وهو غري هذه املخلوقات املشاهدة ‪ .‬هو اهلل سبحانه ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫سكن وأمن‬
‫بيوتنا ‪:‬‬
‫ك ًنا﴾[النحل‪. ]80 :‬‬
‫ِك ْم َس َ‬
‫ِن ُب ُيوت ُ‬ ‫‪﴿:‬واللهَُّ َج َع َل ل ُ‬
‫َك ْم م ْ‬ ‫س ‪ :‬ما معىن قوله تعاىل َ‬
‫ج ‪ :‬معىن ذلك ـ واهلل أعلم ـ أن بيوتنا حمل راحة ‪ ،‬وهدوء وسكن نأوي إليها عند التعب ‪ ،‬وحنتمي هبا من‬
‫حر الصيف ‪ ،‬وبرد الشتاء ‪ ،‬وهجمات الوحوش ‪ ،‬وهبوب الرياح ‪ ،‬وهطول األمطار ‪ .‬فتكون البيوت سكنًا‬
‫لنا وألهلينا أطفا ًال ونساء؛ فربمحة اهلل وتقديره وجدنا فيها مأوى ومقرًا نسكن فيه وهندًا ‪ ،‬وحنتمي فيه من‬
‫كثري من األخطار‪.‬‬
‫ولو شاء اهلل ما جعل لنا يف بيوتنا سكنًا ‪ .‬فهو القادر على إرسال الزالزل اليت جتعلنا نفر من تلك البيوت ‪،‬‬
‫أو العواصف اليت جتعلنا هنرع إىل اجلبال‪ ،‬أو يرسل الربق أو الفيضانات أو جيعل األرض رخوة تغوص البيوت‬
‫فيها مبن فيها‪ .‬لكن اهلل سبحانه وتعاىل جعل لنا من بيوتنا سكنًا ‪.‬‬
‫ولقد يسر لنا أدوات البناء وإمكانيات التعمري‪:‬‬
‫·فمنحنا عقو ًال مفكرة ترسم وختطط وهتندس ‪ ،‬وأعطانا أبصارًا ترى ‪ ،‬وآذانًا تسمع وتتعلم اخلربات‬
‫والتجارب ‪ ،‬ووهب لنا أيادي تعمل ‪ ،‬وأقدامًا تسري ‪ ،‬ومنحنا علمًا ذلل لنا به الصعاب ‪.‬‬
‫·ويسر لنا مواد البناء وذللها لنا؛ فهذه األحجار نقطعها من اجلبال واجلبال خاضعة‪ ،‬نأخذ منها ما شئنا ‪،‬‬
‫ونقطع منها ما نريد‪ ،‬دون أن تقاومنا أو متتنع علينا ‪ ،‬وتلك األخشاب نقطعها وننجرها وهي خاضعة مستسلمة‬
‫لفعلنا‪.‬‬
‫·وكذلك التراب والطني واحلديد واألمسنت كلها قد سخرت لنا واستسلمت بأمر رهبا لتصرفنا‪.‬‬
‫·جعل ربنا األرض قرارًا وملساكننا فال تغوص بنا وال تتزلزل من حتت أقدامنا ‪ ،‬وال يقذف دوران األرض بنا‬
‫ومبنازلنا بعيدًا يف الفضاء اخلارجي‪ ،‬فقد زود اهلل األرض جباذبية متنع دوران األرض من طردنا إىل الفضاء ‪.‬‬
‫·قال اهلل تعاىل ‪( :‬اهلل الذي جعل لكم األرض قرارًا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من‬
‫الطيبات ذلكم اهلل ربكم فتبارك اهلل رب العاملني ) سورة غافر ‪.64‬‬
‫أثاث وفراش‪:‬‬
‫س‪ :‬وهل هناك نعم أخرى تدخل يف نطاق مساكننا؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ..‬إن البيوت بغري فراش وأثاث ناقصة ‪.‬‬
‫وال يكتمل السكن فيها إال بوجود أثاث وفراش‪ .‬وقد توىل اهلل سبحانه خلق مواد الفراش ‪ ،‬فأنبت القطن‬
‫يف احلقول ‪ ،‬وأنبت الشعر على جلود األنعام ومنه نصنع البطانيات والسجاجيد واألغطية واخليام واملعاطف‬
‫ومجيع املالبس الصوفية املختلفة األنواع‪ .‬لنحتمي هبا من الربد‪.‬‬
‫أما يف املناطق الصحراوية حيث ال تتوفر األحجار واألخشاب فإن جلود األنعام وأصوافها تتحول إىل خيام‬
‫وفراش وأثاث ومالبس‪ ،‬وكذلك حال اجلنود والرحالني‪ ،‬الذين ال يستقرون بأبنية‪.‬‬
‫ِن ُجلُو ِد الأَْن َْع ِ‬
‫ام ُب ُيو ًتا َت ْس َت ِخ ُّفو َن َها َي ْو َم َظ ْعن ُ‬
‫ِك ْم‬ ‫َك ْم م ْ‬
‫ك ًنا َو َج َع َل ل ُ‬
‫ِك ْم َس َ‬
‫ِن ُب ُيوت ُ‬ ‫‪﴿:‬واللهَُّ َج َع َل ل ُ‬
‫َك ْم م ْ‬ ‫قال تعاىل َ‬

‫‪24‬‬
‫ِن َأ ْص َوا ِف َها َو َأ ْو َبا ِر َها َو َأ ْش َعا ِر َها َأثَاثًا َو َم َت ً‬
‫اعا إِلَى ِح ٍ‬
‫ني﴾[النحل‪. ]80:‬‬ ‫ِك ْم َوم ْ‬
‫َامت ُ‬
‫َو َي ْو َم إِق َ‬
‫وهبذا الفراش املتوفر واألرض املمهدة واملساكن اآلمنة ذات اإلنسان ما أنعم اهلل عليه من أسكن وأمن ‪.‬‬
‫هل تشاهد؟‬
‫·احلكمة الظاهرة يف هتيئة األرض لتكون لنا دار سكن وأمن ال دار خراب ودمار ‪ .‬وتلك احلكمة تشهد‬
‫أهنا من صنع احلكيم الرحيم‪.‬‬
‫·اإلمكانيات العظيمة‪ :‬الفكرية والعملية اليت منحنا خالقنا إياها فعمرنا األرض‪ ،‬وشيدنا البنيان ‪ ،‬وسكنا‬
‫ناطحات السحاب حنن بين اإلنسان وتلك تشهد أهنا من خلق الوهاب الرمحن الرحيم‪.‬‬
‫·التسخري الذي استسلم لنا مبوجبه ما على األرض من خملوقات وذلك يشهد أنه من صنع امللك املتصرف‪،‬‬
‫الذي استخلف بين آدم على هذه األرض ومكنهم منها‪.‬‬
‫·التدبري احلكيم يف معادلة اجلاذبية األرضية لقوة الطرد الناشئة من دوران األرض‪.‬‬
‫·مما جعل األرض قرارًا ملا عليها ‪ ،‬فيشهد ذلك التدبري احلكيم أنه من صنع مريد حكيم خبري قدير‪.‬‬
‫·توفري مواد الفراش واألثاث مما تزرعه األرض‪ ،‬وما ينبت على جلود األنعام حىت يتم اإلنسان راحته وأثاثه‬
‫ومتاعه يشهد أنه من صنع الكرمي الودود ‪.‬‬
‫·مناقشة‪:‬‬
‫·فمن هو احلكيم رب تلك احلكمة؟‬
‫·ومن هو الوهاب مانح تلك اإلمكانيات البشرية؟‬
‫ومن هو امللك املتصرف يف هذه األرض الذي قضى على ما فيها من جبال وأشجار وأحجار وغريها من‬
‫املخلوقات أن ختضع لتصرف اإلنسان؟‬
‫ومن هو املدبر احلكيم الذي وازن قوة الطرد الناشئة عن دوران األرض مع قوة اجلاذبية؟‬
‫ومن هو الكرمي الودود الذي خلق لإلنسان مواد األثاث والفراش ومكنه من صنعه؟‬
‫·أهو وثن ال يعقل وال يتحرك؟!‬
‫·أم أهنا الطبيعة اليت ال تدبر أمرًا ‪ ،‬وال متلك لنفسها مشيئة أو إرادة؟‬
‫·أم أنه عدم ال وجود له؟!‬
‫·أم أن تلك احلكمة ‪ ،‬واملوهبة ‪ ،‬والتصرف ‪ ،‬والتدبري احلكيم والكرم تشهد كلها أهنا من صنع اخلالق‬
‫املوجود ‪ ،‬احلكيم ‪ ،‬الوهاب ‪ ،‬املالك ‪ ،‬املتصرف‪ ،‬املدبر ‪ ،‬الكرمي الودود ‪ ،‬هو اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫رسل اهلل وبينات رسالتهم‬

‫احلكمة من إرسال الرسل ‪:‬‬


‫س ‪ :‬ملاذا أرسل اهلل الرسل؟‬
‫ج ‪ 1 :‬ـ أرسل اهلل رسله لتعريف الناس برهبم وخالقهم‪ ،‬ودعوهتم لعبادته ‪.‬‬
‫ُوحي إِل َْي ِه َأ َّن ُه لاَ إِ َل َه إِلاَّ َأنَا َف ْ‬
‫اع ُب ُدونِي﴾[األنبياء‪. ]25 :‬‬ ‫ول إِلاَّ ن ِ‬
‫ِن َر ُس ٍ‬
‫ِك م ْ‬
‫َبل َ‬ ‫‪﴿:‬و َما َأ ْر َس ْل َنا م ْ‬
‫ِن ق ْ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫‪ 2‬ـ أنت تعلم أن كل شيء فيك قد خلقه اهلل حلكمة‪ ،‬فعينك قد خلقت حلكمة ومل ختلق عبثًا‪ ،‬وكذلك‬
‫أنفك‪ ،‬وفمك ‪ ،‬وأذنك حىت أصغر عرق فيك قد خلق حلكمة ومل خيلق عبثًا ‪ ،‬فمما ال شك فيه أنك بأكملك‬
‫اك ْم َع َبثًا َو َأن ُ‬
‫َّك ْم إِل َْي َنا لاَ ُت ْر َج ُع َ‬
‫ون َف َت َعالَى‬ ‫قد خلقت حلكمة ومل ختلق عبثًا ‪.‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬أ َف َح ِس ْب ُت ْم َأن َ‬
‫َّما َخلَ ْق َن ُ‬
‫مي﴾[املؤمنون ‪115 :‬ا‪. ]116 ،‬‬ ‫ْك ِر ِ‬ ‫ْح ُّق لاَ إِ َل َه إِلاَّ ُه َو َر ُّب ال َْع ْر ِ‬
‫ش ال َ‬ ‫ِك ال َ‬
‫ْمل ُ‬ ‫للهَُّ‬
‫ا ال َ‬
‫ولكنك لن تعرف احلكمة؛ إال بتعليم من خالقك بواسطة رسله‪.‬‬
‫وسكان األرض اليوم كانوا قبل مائة عام يف عامل الغيب مث جاءوا إىل الدنيا‪ ،‬وهم بعد مائة عام على أكثر‬
‫تقدير خيرجون منها ‪.‬‬
‫ولن يعرف إنسان ملاذا جاء إىل الدنيا ‪ ،‬أو ملاذا خيرج منها إال بتعليم من خالقه الذي خلقه ومل يك شيئًا‪ ،‬وجاء‬
‫به إىل الدنيا حيًا وقضى عليه باملوت واخلروج من الدنيا‪.‬‬
‫ولقد أرسل اهلل الرسل لتعليمنا هذه األمور اليت هي أخطر قضايا حياتنا واليت غابت عنا ‪ ،‬وجهلناها ‪.‬‬
‫‪.1‬وربنا الذي خلقنا أعلم مبا يصلح أحوالنا ‪ ،‬ويزكي نفوسنا ‪ ،‬ويطهر أخالقنا ‪ ،‬وقد هدانا بواسطة رسله‬
‫ك ْم َآيا ِت َنا‬ ‫ول ِم ْن ُ‬
‫ك ْم َي ْتلُو َعل َْي ُ‬ ‫‪﴿:‬ك َما َأ ْر َس ْل َنا ف ُ‬
‫ِيك ْم َر ُس اً‬ ‫َ‬ ‫إىل كل ما فيه سعادة الدنيا واآلخرة ‪.‬قال تعاىل‬
‫ون﴾[البقرة ‪. ]151 :‬‬ ‫َم َ‬‫كونُوا َت ْعل ُ‬
‫َم َت ُ‬‫ك ْم َما ل ْ‬
‫ِّم ُ‬
‫ك َم َة َو ُي َعل ُ‬ ‫اب َوال ِ‬
‫ْح ْ‬ ‫ك ْم ال ِ‬
‫ْك َت َ‬ ‫ِّم ُ‬
‫يك ْم َو ُي َعل ُ‬
‫ك ُ‬‫َو ُي َز ِّ‬
‫‪2‬ـ وأرسل اهلل رسله إلنقاذ البشر من االختالف يف أصول حياهتم ‪ ،‬وهدايتهم إىل احلق الذي يريد خالقهم ‪.‬‬
‫اخ َتلَ ُفوا فِي ِه َو ُه ًدى َو َر ْح َم ًة ِل َق ْو ٍم ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون﴾[النحل ‪:‬‬ ‫اب إِلاَّ ِل ُت َب ِّي َن َل ُه ْم ال ِ‬
‫َّذي ْ‬ ‫«‪﴿:‬و َما َأن َز ْل َنا َعل َْي َك ال ِ‬
‫ْك َت َ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫‪. ]64‬‬
‫‪ 3‬ـ وأرسل اهلل الرسل إلقامة الدين وللحفاظ عليه والنهي عن التفرق فيه ‪ ،‬وللحكم مبا أنزل اهلل ‪.‬‬
‫يسى‬ ‫وسى َو ِع َ‬ ‫يم َو ُم َ‬ ‫اه َ‬ ‫َّذي َأ ْو َح ْي َنا إِل َْي َك َو َما َو َّ‬
‫ص ْي َنا ِب ِه إِ ْب َر ِ‬ ‫ُوحا َوال ِ‬ ‫صى ِب ِه ن ً‬ ‫ين َما َو َّ‬‫الد ِ‬
‫ِن ِّ‬ ‫َك ْم م ْ‬
‫﴿ش َر َع ل ُ‬
‫قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫اك‬‫اس ِب َما َأ َر َ‬ ‫الن ِ‬
‫ك َم َب ْي َن َّ‬ ‫ْح ِّق ِل َت ْح ُ‬ ‫اب ِبال َ‬‫ْك َت َ‬ ‫ين َولاَ َت َت َف َّرقُوا فِيهِ﴾[الشورى ‪﴿. ]13 :‬إِنَّا َأن َز ْل َنا إِل َْي َك ال ِ‬ ‫الد َ‬ ‫َأ ْن َأق ُ‬
‫ِيموا ِّ‬
‫يما﴾[النساء ‪. ]105 :‬‬ ‫ص ً‬ ‫ْخا ِئنِنيَ َخ ِ‬
‫ك ْن ِلل َ‬ ‫اللهَُّ َولاَ َت ُ‬
‫‪ 4‬ـ وأرسل اهلل الرسل لتبشري املؤمنني مبا أعد هلم من نعيم مقيم جزاء طاعتهم‪ ،‬وإنذار الكافرين بعواقب‬
‫ين‬ ‫ين َو ُم ِ‬
‫نذ ِر َ‬ ‫‪﴿:‬ر ُس اًل ُم َب ِّش ِر َ‬
‫كفرهم ‪ ،‬وإسقاط كل عذر للناس ‪ ،‬وإقامة احلجة عليهم من رهبم ‪.‬قال تعاىل ُ‬
‫يما﴾[النساء ‪. ]165 :‬‬ ‫ك ً‬ ‫ان اللهَُّ َع ِزي ًزا َح ِ‬ ‫كَ‬ ‫الر ُس ِل َو َ‬ ‫للهَّ‬
‫اس َعلَى ا ِ ُح َّج ٌة َب ْع َد ُّ‬ ‫ِلن ِ‬
‫ون ل َّ‬
‫ك َ‬ ‫لأِ َلاَّ َي ُ‬
‫‪ 5‬ـ إعطاء األسوة احلسنة للناس يف السلوك القومي ‪ ،‬واألخالق الفاضلة ‪ ،‬والعبادة الصحيحة ‪ ،‬واالستقامة‬
‫ان َي ْر ُجو اللهََّ َوال َْي ْو َم آْال ِخ َر‬ ‫كَ‬ ‫ِم ْن َ‬ ‫َك ْم فِي َرس ِ للهَّ‬
‫ول ا ِ ُأ ْس َو ٌة َح َس َن ٌة ل َ‬ ‫ُ‬ ‫ان ل ُ‬ ‫كَ‬ ‫على هدى اهلل ‪.‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬ل َق ْد َ‬
‫‪26‬‬
‫ِريا﴾[األحزاب ‪. ]21 :‬‬
‫كث ً‬‫ك َر اللهََّ َ‬
‫َو َذ َ‬
‫وهذه التعاليم اإلهلية العالية ال ميكن للبشر أن يصلوا إليها بعقوهلم وإمنا يتعلموهنا بوحي اهلل ‪.‬‬
‫آيات صدقهم وبينات رسالتهم ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي األدلة اليت زود اهلل رسله هبا لئال يكذهبم الناس ؟‬
‫ج ‪ :‬األدلة والرباهني يسميها القرآن ‪( :‬آيات ) أي عالمات ودالئل وبينات ‪ ،‬تصدق الرسل فيما يقولون ‪،‬‬
‫ويسميها الناس ‪ :‬معجزات ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وما هي املعجزة؟‬
‫ج ‪ :‬املعجزة (البينة ‪ ،‬الربهان ‪ ،‬اآلية ) هي ‪ :‬األمر الذي يعجز البشر عن اإلتيان مبثله جيريه اهلل على يد نيب‬
‫مرسل ليقيم به الدليل على صدق نبوته وثبات رسالته‪.‬‬
‫وكأن الرسول يقول للناس ‪ :‬أيها الناس لقد أرسلين اهلل إليكم وأعطاين أمارات من قدرته تصديقًا يل فيما‬
‫أقول ؛ وهذه األمارات واآليات مما ال يقدر عليها إال اهلل ‪ .‬فال يقدر أحد من البشر أن يأيت مبثلها؛ حىت ال‬
‫اس‬
‫الن ُ‬
‫وم َّ‬
‫ان ل َِي ُق َ‬
‫اب َوا ْلمِي َز َ‬ ‫ات َو َأ ْن َز ْل َنا َم َع ُه ْم ال ِ‬
‫ْك َت َ‬ ‫تظنوا أين أفتري على اهلل الكذب‪َ ﴿.‬ل َق ْد َأ ْر َس ْل َنا ُر ُسلَ َنا ِبال َْب ِّي َن ِ‬
‫ِس ِط﴾[احلديد‪. ]25 :‬‬
‫ِبا ْلق ْ‬
‫س ‪ :‬ما هي أمثلة املعجزات اليت أيد اهلل رسله هبا ؟‬
‫ج ‪ :‬من األمثلة اليت ذكرها اهلل يف كتابه ما حدث لسيدنا إبراهيم ـ عليه السالم ـ مع قومه ‪.‬‬
‫كونِي َب ْر ًدا َو َسلاَ ًما َعلَى‬
‫َار ُ‬ ‫اعلِ َ‬
‫ني(‪ُ )68‬ق ْل َنا َيان ُ‬ ‫كن ُت ْم َف ِ‬ ‫انص ُروا آ ِل َه َت ُ‬
‫ك ْم إِ ْن ُ‬ ‫ُوه َو ُ‬
‫قال تعاىل ‪﴿:‬قَالُوا َح ِّرق ُ‬
‫يم﴾[األنبياء ‪. ]69 ،68 :‬‬ ‫إِ ْب َر ِ‬
‫اه َ‬
‫اء‬
‫ضَ‬ ‫‪﴿:‬و َأ ْد ِخ ْل َي َد َك فِي َج ْي ِب َك َت ْخ ُر ْج َب ْي َ‬
‫ومنها ما قصه اهلل علينا عن سيدنا موسى ـ عليه السالم ـ قال تعاىل َ‬
‫ني﴾[النمل ‪]12 :‬‬ ‫اس ِق َ‬
‫َو ًما َف ِ‬ ‫َو ِم ِه إِ َّن ُه ْم َ‬
‫كانُوا ق ْ‬ ‫ِر َع ْو َن َوق ْ‬ ‫ِس ِع َآي ٍ‬
‫ات إِلَى ف ْ‬ ‫ِن َغ ْي ِر ُسو ٍء فِي ت ْ‬
‫مْ‬
‫من هذه التسع اآليات ما حل بقوم فرعون من عذاب جزاء تكربهم وكفرهم ‪.‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬ف َأ ْر َس ْل َنا َعل َْيه ْ‬
‫ِم‬
‫َو ًما ُم ْج ِرمِنيَ﴾[األعراف‪]133:‬‬ ‫كانُوا ق ْ‬ ‫ك َب ُروا َو َ‬ ‫صلاَ ٍت َف ْ‬
‫اس َت ْ‬ ‫ات ُم َف َّ‬ ‫الد َم َآي ٍ‬
‫الض َفا ِد َع َو َّ‬
‫ْج َرا َد َوا ْل ُق َّم َل َو َّ‬
‫ان َوال َ‬ ‫ُّ‬
‫الطو َف َ‬
‫‪.‬‬
‫ومنها ما قصه اهلل علينا يف بينات سيدنا عيسى عليه السالم ‪.‬‬
‫ِّم‬
‫كل ُ‬ ‫س ُت َ‬‫دت َك ِب ُرو ِح ا ْل ُق ُد ِ‬ ‫ِك إِ ْذ َأ َّي ُّ‬
‫ِدت َ‬‫ك ْر ن ِْع َمتِي َعل َْي َك َو َعلى َوال َ‬ ‫يسى ْاب َن َم ْر َي َم ا ْذ ُ‬ ‫اع َ‬ ‫َال اللهَُّ َي ِ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿:‬إِ ْذ ق َ‬
‫ك َه ْي َئ ِة َّ‬
‫الط ْي ِر‬ ‫ني َ‬ ‫ِن ِّ‬
‫الط ِ‬ ‫ُق م ْ‬ ‫جني َل َوإِ ْذ َت ْخل ُ‬ ‫الت ْو َرا َة َوالإْ ِ ِ‬
‫ك َم َة َو َّ‬ ‫ْح ْ‬ ‫اب َوال ِ‬‫ْك َت َ‬ ‫َّم ُت َك ال ِ‬ ‫ك ْه اًل َوإِ ْذ َعل ْ‬ ‫ْم ْه ِد َو َ‬ ‫اس فِي ال َ‬ ‫الن َ‬‫َّ‬
‫ك َف ْف ُت َبنِي‬ ‫ْم ْو َتى ِب ِإ ْذنِي َوإِ ْذ َ‬ ‫ص ِب ِإ ْذنِي َوإِ ْذ ُت ْخ ِر ُج ال َ‬ ‫ك َم َه َوالأَْ ْب َر َ‬‫ون َط ْي ًرا ِب ِإ ْذنِي َو ُت ْب ِر ُئ الأَْ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ِب ِإ ْذنِي َف َتن ُف ُخ فِي َها َف َت ُ‬
‫ك َف ُروا ِم ْن ُه ْم إِ ْن َه َذا إِلاَّ ِس ْح ٌر ُم ِبنيٌ﴾[املائدة ‪. ]110 :‬‬ ‫ين َ‬ ‫َّذ َ‬‫ال ال ِ‬ ‫ات َف َق َ‬ ‫إِ ْس َرائِي َل َع ْن َك إِ ْذ ِج ْئ َت ُه ْم ِبال َْب ِّي َن ِ‬
‫ونتيجة ملا حدث من حتريف يف دين عيسى ـ عليه السالم ـ ظن اجلهلة فيما عرفوا من بينات رسالته القوية‬
‫أهنا ال تكون إىل على يد اهلل أو ابنه يف زعمهم‪ ،‬تعاىل اهلل‪.‬‬
‫أما معجزات وبينات رسالة حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم فسيأيت بياهنا ‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫‪.1‬يرسل اهلل الرسل لتعريف الناس برهبم ‪ ،‬ودعوهتم لعبادته ‪ ،‬ولبيان احلكمة من خلقهم ‪ ،‬وإلنقاذهم من‬

‫‪27‬‬
‫ويالت االختالف ‪ ،‬وإلقامة الدين بني الناس واحلكم مبا أنزل اهلل ‪ ،‬ولتبشري املؤمنني مبا أعد هلم رهبم‬
‫من نعيم ‪ ،‬وإلنذار الكافرين من عواقب كفرهم ‪ ،‬وإلقامة حجة اهلل على الناس وليكونوا أسوة حسنة‬
‫للمسلمني ‪.‬‬
‫‪.2‬يؤيد اهلل رسله برباهني وأدلة تسمى يف كتاب اهلل آيات وبينات ‪ ،‬ويسميها الناس معجزات ‪ ،‬تشهد للرسل‬
‫بصدق رسالتهم وثبوت نبوهتم وأهنم مبلغون عن رهبم ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫جممل آيات وبينات رسالة حممد صلى اهلل عليه وسلم‬

‫آيات رسالة سيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي اآليات (البينات ‪ ،‬املعجزات ) اليت أيد اهلل هبا رسوله؟ حممدًا صلى اهلل عليه وآله وسلم ؟‬
‫ج ‪ :‬اآليات (البينات ‪ ،‬املعجزات ) كثرية لسيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم ومنها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ البشارات يف الكتب السابقة ‪:‬‬
‫لقد بشرت الكتب السابقة املزنلة مبحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم قبل أن خيلق وأخربت بصفاته وصفات‬
‫وبا ِع ْن َد ُه ْم فِي‬
‫ك ُت ً‬ ‫الن ِب َّي الأُْ ِّم َّي ال ِ‬
‫َّذي َي ِج ُدو َن ُه َم ْ‬ ‫ول َّ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ون َّ‬ ‫ين َي َّت ِب ُع َ‬ ‫بالده ‪ ،‬وقومه ‪ ،‬وزمانه ‪.‬قال تعاىل ‪﴿:‬ال ِ‬
‫َّذ َ‬
‫الت ْو َرا ِة َوالإْ ِجنِي ِل﴾[ األعراف ‪. ]157 :‬‬ ‫َّ‬
‫ولقد كان األحبار والقسس من اليهود والنصارى ‪ ،‬يبشرون مبحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم قبل أن يبعثه‬
‫‪﴿:‬وإِ َّن ُه‬
‫اهلل ‪ ،‬قال تعاىل حماجًا للعرب املشركني الذين مسعوا هذه البشارات من قبل من اليهود والنصارى َ‬
‫اء َبنِي إِ ْس َرائِيلَ﴾[الشعراء ‪. ]197 ، 196 :‬‬ ‫َم ُ‬ ‫َم ُه ُعل َ‬‫ك ْن َل ُه ْم َآي ًة َأ ْن َي ْعل َ‬ ‫َلفِي ُز ُب ِر الأَْ َّولِنيَ َأ َول ْ‬
‫َم َي ُ‬
‫فلما بعث اهلل سيدنا حممدًا صلى اهلل عليه وآله وسلم آمنت طائفة منهم وكفرت طائفة ‪ ،‬فأما من آمن‬
‫فكان دافعهم األكرب أن وجدوا العالمات والبشارات يف كتبهم السابقة قد انطبقت عليه صلى اهلل عليه‬
‫ون﴾[القصص‪. ]52:‬‬ ‫َبلِ ِه ُه ْم ِب ِه ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ِن ق ْ‬
‫اب م ْ‬ ‫ْك َت َ‬‫اه ْم ال ِ‬ ‫ين آ َت ْي َن ُ‬ ‫وآله وسلم قال تعاىل ‪﴿:‬ال ِ‬
‫َّذ َ‬
‫( وال يزال إسالم النصارى واليهود مستمرًا إىل اليوم وخاصة بني العلماء املنصفني) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املعجزة القرآنية ‪:‬‬
‫لقد أرسل اهلل سبحانه حممدًا صلى اهلل عليه وآله وسلم بكتاب من عنده فيه معجزات وآيات بينات‪،‬‬
‫وعالمات إهلية كثرية جدًا لتكون مبقام اخلتم اإلهلي املصدق لرسالته صلى اهلل عليه وآله وسلم وهذه‬
‫اآليات ( البينات ‪ ،‬املعجزات ) القرآنية على أوجه كثرية ‪:‬‬
‫·فالقرآن آية بينة معجزة يف فصاحة لفظه ‪ ،‬وأسلوبه ‪ ،‬وتركيبه ‪ ،‬وقد حتدى القرآن اإلنسان واجلن على أن‬
‫يأتوا مبثل هذا القرآن ‪.‬‬
‫ض ُه ْم‬ ‫ان َب ْع ُ‬
‫كَ‬ ‫ون ِب ِم ْثلِ ِه َول َْو َ‬ ‫ْج ُّن َعلَى َأ ْن َي ْأ ُتوا ِب ِم ْث ِل َه َذا ا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن لاَ َي ْأ ُت َ‬ ‫نس َوال ِ‬ ‫اج َت َم َع ْت الإْ ِ ُ‬ ‫ِن ْ‬ ‫ُل َلئ ْ‬
‫قال تعاىل ‪﴿:‬ق ْ‬
‫ِريا﴾[اإلسراء‪. ]88:‬‬ ‫ض َظه ً‬ ‫ل َِب ْع ٍ‬
‫·والقرآن آية فيما اشتمل عليه من أخبار غيبية حدثت يف املاضي السحيق وكانت تدور يف نفوس الناس وقت‬
‫رسالته‪ ،‬وأخبار غيبته أخرب عنها ستكون يف املستقبل فتحقق منها الكثري ‪ ،‬وال تزال تتحقق كلما تقدم‬
‫اص ِب ْر إِ َّن‬
‫َب ِل َه َذا َف ْ‬‫ِن ق ْ‬ ‫ْت َولاَ ق ْ‬
‫َو ُم َك م ْ‬ ‫َم َها َأن َ‬
‫نت َت ْعل ُ‬
‫ك َ‬ ‫ُوحي َها إِل َْي َك َما ُ‬‫ِن َأن َْبا ِء ا ْل َغ ْي ِب ن ِ‬ ‫ْك م ْ‬‫الزمان‪.‬قال تعاىل ‪ِ ﴿:‬تل َ‬
‫ني﴾[هو ‪. ]49 :‬‬ ‫ْم َّت ِق َ‬
‫ِب َة ِلل ُ‬
‫الْعاق َ‬
‫·والقرآن آية بينة معجزة يف تأثريه على النفوس فتشعر حني تقرؤه بتأثري كبري يف نفسك وتشعر أن الذي‬
‫ِي‬
‫ك َت ًابا ُم َت َشا ِب ًها َمثَان َ‬ ‫يث ِ‬ ‫ْح ِد ِ‬‫َز َل َأ ْح َس َن ال َ‬ ‫حيدثك هو اهلل سبحانه ‪ ،‬قال تعاىل يف وصفه لكتابه ‪﴿:‬اللهَُّ ن َّ‬
‫للهَّ‬ ‫ِك ِر اللهَّ ِ َذل َ‬
‫ِك ُه َدى ا ِ َي ْه ِدي ِب ِه َم ْن َي َش ُ‬
‫اء‬ ‫ُوب ُه ْم إِلَى ذ ْ‬‫ُم َتلِنيُ ُجلُو ُد ُه ْم َو ُقل ُ‬
‫ين َي ْخ َش ْو َن َر َّب ُه ْم ث َّ‬
‫َّذ َ‬‫ِر ِم ْن ُه ُجلُو ُد ال ِ‬‫َت ْق َشع ُّ‬
‫ِن َهادٍ﴾[الزمر‪. ]23:‬‬ ‫ِل اللهَُّ َف َما َل ُه م ْ‬
‫َو َم ْن ُي ْضل ْ‬
‫‪29‬‬
‫·ويزداد التأثري بكتاب اهلل بزيادة التدبر والتفكري يف آياته‪.‬‬
‫تعاىل‪﴿:‬ك ْن ُت ْم َخ ْي َر ُأ َّم ٍة‬
‫ُ‬ ‫·والقرآن معجز مبا احتوى من هدى وأحكام أخرجت خري أمة أخرجت للناس‪.‬قال‬
‫ون ِباللهَّ ِ﴾[آل عمران ‪. ]110 :‬‬ ‫نك ِر َو ُت ْؤ ِم ُن َ‬
‫ْم َ‬ ‫ْم ْع ُر ِ‬
‫وف َو َت ْن َه ْو َن َع ْن ال ُ‬ ‫اس َت ْأ ُم ُر َ‬
‫ون ِبال َ‬ ‫ِلن ِ‬ ‫ُأ ْخ ِر َج ْت ل َّ‬
‫·ومن املستحيل أن يأيت أمي من الصحراء ال يقرأ وال يكتب بأنظمة وأحكام وهدى خيرج للناس خري أمة ‪،‬‬
‫وحيكم كل البلدان على اختالف درجات حضارهتا ورقيها‪.‬‬
‫·والقرآن معجزة فيما احتوى من علوم وحقائق كلما تقدم الزمان كشف عن دقة وصدق ما قرره القرآن‬
‫ْح ُّق﴾[فصلت ‪. ]53 :‬‬ ‫ِم َح َّتى َي َت َب َّي َن َل ُه ْم َأ َّن ُه ال َ‬ ‫ِم َآيا ِت َنا فِي آْال َف ِ‬
‫اق َوفِي َأ ْن ُف ِسه ْ‬ ‫‪﴿:‬س ُن ِريه ْ‬
‫الكرمي‪.‬قال تعاىل َ‬
‫·والقرآن معجز لكونه جاء هبذه العظمة يف شىت امليادين على لسان أمي ال يقرأ وال يكتب ‪.‬‬
‫اب‬‫ك َت ٍ‬ ‫ِن ِ‬ ‫َبلِ ِه م ْ‬
‫ِن ق ْ‬
‫ك ْن َت َت ْتلُو م ْ‬‫وأتباعه‪﴿:‬و َما ُ‬
‫َ‬ ‫قال تعاىل يصف رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم أمام أعدائه‬
‫ُون﴾[العنكبوت ‪. ]48 :‬‬ ‫ْم ْب ِطل َ‬ ‫ِك إِ ًذا لاَ ْر َت َ‬
‫اب ال ُ‬ ‫َولاَ َت ُخ ُّط ُه ِب َيمِين َ‬
‫‪ 3‬ـ تأييد اهلل لرسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫مل يؤمن برسول اهلل أول األمر إال قليل فآذاهم املشركون وعذبوهم ليفتنوهم يف دينهم‪ ،‬وحاربوهم فكان‬
‫اهلل يؤيد رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم وينصره على أعدائه بإرسال املالئكة على الكافرين مما كان‬
‫الكفار يشاهدونه فيقول املنصفون منهم‪ :‬ما أرسل هذا إال اهلل ‪.‬‬
‫ولقد أيد اهلل رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم بإخراج املاء من بني أصابعه حىت شرب القوم مجيعًا ‪ ،‬أو‬
‫بتكثري الطعام القليل حىت كفى كثريًا من املسلمني ‪ ،‬أو بشفاء من يدعو له ‪ ،‬أو بتكليمه للشجر وشهادهتا‬
‫له بالنبوة ؛ وغري ذلك من املواقف املدهشة املعجزة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ إجابة اهلل لدعائه صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫فما دعا اهلل يف شيء إال أجاب اهلل دعاءه وحققه ‪.‬‬
‫فلما أظهر الرسول صلى اهلل عليه وآله وسلم هذه اآليات والبينات حتول الكفار من عداواهتم وكفرهم إىل‬
‫اإلسالم واإلميان الصادق واجلهاد بأمواهلم وأنفسهم يف سبيل إعالء كلمة اهلل ‪.‬‬
‫ون﴾[البقرة ‪. ]99 :‬‬ ‫ك ُف ُر ِب َها إِلاَّ ا ْل َف ِ‬
‫اس ُق َ‬ ‫ات َو َما َي ْ‬ ‫‪﴿:‬و َل َق ْد َأن َز ْل َنا إِل َْي َك َآي ٍ‬
‫ات َب ِّي َن ٍ‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫·أيد اهلل رسوله حممدًا صلى اهلل عليه وآله وسلم ببينات ‪ ،‬وآيات معجزات حىت ال يكذبه الناس ‪.‬‬
‫·أخربت الكتب مبجيء سيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم وبعالمات زمانه ‪ ،‬وبالده ‪ ،‬وأحواله مع قومه؛‬
‫فجاء حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم فانطبقت عليه تلك العالمات فآمن املنصفون من أهل الكتب مبحمد‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم واتبعوه كسلمان الفارسي وعبداهلل بن سالم ـ رضي اهلل عنهما ـ ‪.‬‬
‫·أنزل اهلل على سيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم كتابًا معجزًا يف فصاحة لفظه وأسلوبه ‪ ،‬وفيما احتوى‬
‫عليه من علوم غيبية ‪ ،‬ويف قوة تأثريه ‪ ،‬وفيما تضمن من حقائق كونية أثبت التقدم العلمي يف أسرار الكون‬
‫صدق ما قرره القرآن ‪ ،‬ويف نزوله هبدي أخرج خري أمة عرفتها البشرية‪ ،‬وبكونه نزل على أمي مل يقرأ ومل‬
‫يكتب ‪.‬‬
‫·أيد اهلل رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم ضد أعدائه وأعز رسوله مبا أيده به من اخلوارق واملعجزات الكثرية‪.‬‬
‫كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم جمابًا يف دعوته لربه ‪ ،‬فما دعا إال وأجاب اهلل دعاءه ‪.r‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل احلادي عشر‬
‫فصاحة القرآن وبالغته‬
‫كالم اهلل شاهد برسالة سيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫س ‪ :‬هل يشهد كالم اهلل ملحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم بالرسالة؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ،‬فالقرآن يذكر أن حممدًا رسول اهلل ‪.‬‬
‫اء َب ْي َن ُه ْم﴾[الفتح‪. ]29:‬‬ ‫ين َم َع ُه َأ ِش َّد ُاء َعلَى ال ُ‬
‫ْك َّفا ِر ُر َح َم ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َوال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫‪﴿:‬م َح َّم ٌد َر ُس ُ‬
‫قال تعاىل ُ‬
‫س ‪ :‬هذا كالم يقنع املؤمن بأن القرآن كالم اهلل ‪ .‬فكيف بالذين ال يؤمنون بأن القرآن كالم اهلل؟‬
‫ج ‪ :‬القرآن نفسه يقنعه بأنه كالم اهلل؟‬
‫س ‪ :‬وكيف ذلك؟‬
‫ج ‪ :‬إن كالم اخلالق ال بد أن خيتلف عن كالم البشر ‪ ،‬فإذا تأمل عاقل بإنصاف يف كالم الناس ‪ ،‬ويف‬
‫كالم اهلل املكتوب يف القرآن ‪ ،‬فسيجد خصائص الكالم اإلهلي واضحة بينة ‪ ،‬كما سريى الفرق الكبري‬
‫بني كالم البشر وكالم اهلل‪ ،‬وسيعرف عندئذ أن القرآن الذي يشهد ملحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫بالرسالة ﴿إن هو إال وحي يوحى﴾ وليس حديثًا مفترى‪.‬‬
‫بالغة القرآن وفصاحته‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي اخلصائص والصفات اليت امتاز هبا القرآن على كل كالم بشري؟‬
‫ج ‪ :‬ما امتاز به القرآن (الكالم اإلهلي) عن الكالم البشري كثري نذكر منه ‪:‬‬
‫بالغة القرآن ‪ ،‬وفصاحته اليت أعجزت األولني واآلخرين واليت ما كان يسمعها أحد من فصحاء العرب ـ زمن‬
‫الرسالة ـ إال ودخل اإلسالم يف قلبه ‪ ،‬وعرف أن القرآن كالم اهلل‪ ،‬ال يقدر أحد أن يأيت مبثله ‪ ،‬مهما بلغ من‬
‫العلم ‪ ،‬والفصاحة ‪ ،‬فيعلم أنه مل جيره على لسان األمي الذي مل يقرأ ومل يكتب أحد إال اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫ولذلك فقد اجتمع الكفار ‪ ،‬وتدارسوا فيما بينهم ‪ ،‬كيف يقاومون تأثري القرآن يف أنفسهم؟ فقرروا‬
‫أن يسمعوا فصاحة القرآن وبالغته‪ :‬سحرًا من مسعه سحرته‪ .‬قال تعاىل حاكيًا ما قاله الوليد بن املغرية‬
‫(مستشار) الكفار يف هذا األمر‪:‬‬
‫َر إِ ْن َه َذا إِلاَّ ق ْ‬
‫َو ُل ال َْب َش ِر﴾[املدثر ‪. ]25-23 :‬‬ ‫ال إِ ْن َه َذا إِلاَّ ِس ْح ٌر ُي ْؤث ُ‬
‫ك َب َر َف َق َ‬ ‫ُم َأ ْد َب َر َو ْ‬
‫اس َت ْ‬ ‫﴿ث َّ‬
‫فكان وصفهم لكالم اهلل بالسحر أول وسيلة ملقاومة تأثريه يف نفوسهم ‪ .‬والوسيلة الثانية منع كل واحد منهم‬
‫ون﴾[فصلت‪:‬‬‫َّك ْم َت ْغل ُِب َ‬
‫َعل ُ‬ ‫ك َف ُروا لاَ َت ْس َم ُعوا ِل َه َذا ا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن َوا ْل َغ ْوا فِي ِه ل َ‬ ‫ين َ‬ ‫َال ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫‪﴿:‬وق َ‬
‫أن يستمع للقرآن ‪ .‬قال تعاىل َ‬
‫‪.]26‬‬
‫وذلك خشية أن يعرف العرب معجزة القرآن الظاهرة يف بالغته املؤثرة يف النفوس والعقول فيشهدوا أن حممدًا‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم رسول اهلل‪.‬‬
‫وقد أسلم أكثر املشركني عندما مسعوا شيئًا من كتاب اهلل أما من بقي على كفره‪ ،‬فلم ينكر بالغة‬
‫القرآن وفصاحته اليت ال تدانيها أي بالغة إنسانية‪ ،‬وإمنا مسعوا ذلك سحرًا يسحر من مسعه‪ .‬وهي شهادة يف‬
‫نفس الوقت بعظمة القرآن ومسوه على كل كالم ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫س ‪ :‬وملاذا ال ندرك حنن يف هذا الزمان بالغة القرآن وفصاحته كما كان السابقني من العرب‪.‬‬
‫ج ‪ :‬السبب أن القرآن كان مفهومًا لديهم فهو قد نزل بلغتهم أما حنن فقد بعدنا عن اللغة العربية الفصحى‬
‫اليت هبا نزل القرآن ‪ ،‬فأصبحنا ال نفهم كثريًا من كلمات القرآن إال بصعوبة بالغة لكن من تعلم اللغة‬
‫العربية وأجاد فنوهنا ‪ ،‬وقرأ كتاب اهلل عرف أن بالغة القرآن فوق بالغة كالم البشر وأنه ال يقدر على‬
‫تلك البالغة إال اخلالق القوى اخلالص والقادر ‪ ،‬ومع ذلك فهناك عالمة إهلية يف كل سورة من كتاب اهلل‬
‫يدركها العامل واجلاهل ‪ ،‬ويعرف هبا أن القرآن كالم اخلالق الذي خيالف كالم مجيع املخلوقني‪.‬‬
‫القرآن ال خيلق على كثرة الرد‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هي هذه املعجزة اإلهلية اليت يراها ويدركها العامل واجلاهل يف كتاب اهلل؟‬
‫ج ‪ :‬تلك املعجزة هي ‪ :‬أن هذا القرآن جديد دائمًا ال يبلى مهما كرره اإلنسان وردده‪ .‬إن أي قطعة نثرية أو شعرية‬
‫من كالم البشر ال تلبث أن تبلى إذا كررت على مسمع اإلنسان مرتني أو ثالثًا يف اليوم وتصبح ممجوجة مملة‬
‫إذا كررت عليه يف كل يوم ثالث مرات ملدة شهر‪ .‬وهذا ينطبق على كل قول من أقوال البشر‪ ،‬ويعرف املغنون‬
‫ذلك فيشترطون على اإلذاعات عدم إذاعة أغانيهم كل يوم حىت ال تبلى تلك األغاين ومتل ‪.‬‬
‫أما كالم اهلل فالربغم من أنه يتكون من نفس األحرف اليت يتكون منها كالم الناس ‪ ،‬ويتركب من نفس‬
‫الكلمات ‪ ،‬فإن كل مسلم يعرف أنه يردد فاحتة الكتاب كل يوم ـ إذا صلى الفروض فقط ـ سبع عشرة‬
‫مرة ‪ .‬أما إذا صلى السنن يرددها أكثر من واحد وثالثني مرة كل يوم ‪ .‬وليس ملدة شهر فقط ‪ ،‬بل طوال العمر‬
‫كله ‪ .‬فما شعر مسلم يومًا ما أن الفاحتة قد أبالها الترديد وأصبحت قدمية كما هو احلال يف كالم البشر‪.‬‬
‫وباملثل كل ما يكرره املسلمون من قصار السور وكذلك كل سورة من سور القرآن نقرؤها ونكرر قراءهتا‬
‫مرات ومرات ‪ ،‬فال نشعر أبدًا أهنا قد بليت‪ .‬بل ال يزال كالم اهلل طريًا جديدًا‪.‬‬
‫شهادة بعض املنصفني األوربيني‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هو موقف غري املسلمني من هذا؟‬
‫ج ‪ :‬إن من يدرس القرآن يعرف ما عرفنا ‪ ،‬ويرى آيات ربه ظاهرة يف كتابه‪.‬‬
‫وقد درس القرآن مجاعة من املستشرقني وغريهم‪ ،‬بقصد الطعن فيه حلساب دوهلم املستعمرة ‪ .‬لكن املنصفني‬
‫منهم مل يلبثوا أن فارقوا دينهم ودخلوا يف دين اهلل‪ .‬بعد أن عرفوا أنه الدين احلق وهذا بعض ما قاله املنصفون‬
‫من األوربيني يف القرآن‪:‬‬
‫‪.1‬قال املستشرق (سيل) ‪ « :‬إن أسلوب القرآن مجيل وفياض ومن العجيب أنه ياسر بأسلوبه أذهان املسيحيني‬
‫فيجذهبم إىل تالوته سواء يف ذلك الذين آمنوا به أم الذين مل يؤمنوا به وعارضوه»‪.‬‬
‫‪.2‬وقال (هرشفلد)‪ « :‬ليس للقرآن مثيل يف قوة إقناعه‪ ،‬وبالغته وتركيبه‪ ،‬وإليه يرجع الفضل يف ازدهار العلوم‬
‫بكافة نواحيها يف العامل اإلسالمي»‪.‬‬
‫‪.3‬وقال الدكتور (موريس) الفرنسي ‪« :‬إن القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية األزلية لبين البشر‪ ،‬وإنه‬
‫كتاب ال ريب فيه»‪.‬‬
‫‪.4‬وقال املستشرق (ليون) ‪« :‬حسب القرآن جاللة وجمدًا أن األربعة عشر قرنًا اليت مرت عليه‪ ،‬مل تستطع أن‬
‫ختفف ولو بعض الشيء من أسلوبه الذي ال يزال غضًا كأن عهده بالوجود أمس» ‪.‬‬
‫(القرآن يتحدى والبشر يعجزون) ‪:‬‬
‫‪32‬‬
‫س ‪ :‬وهل حتدى القرآن الناس أن يأتوا بسورة من مثل سوره؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ،‬لقد حتدى القرآن املرتابني املتشكيني وطالبهم أن يتركوا القتال واحلرب ضد اإلسالم والصراع‬
‫الذي تزهق فيه األنفس‪ ،‬وتضيع فيه األموال وأن يأتوا مبثل سورة من القرآن ‪ ،‬ويدعوا من شاءوا من أنصارهم‬
‫للتحكيم‪ ،‬فإن قدروا كان القرآن من عند حممد البشر‪ ،‬وإن مل يقدروا ـ ومل يقدروا ـ عرفوا أن القرآن من‬
‫كن ُت ْم فِي‬ ‫‪﴿:‬وإِ ْن ُ‬ ‫عند اهلل أوحى به إىل رسوله حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم فليحذروا عقابه ‪ .‬قال تعاىل َ‬
‫َم َت ْف َعلُوا‬ ‫صا ِد ِق َ‬
‫ني َف ِإ ْن ل ْ‬ ‫ون اللهَّ ِ إِ ْن ُ‬
‫كن ُت ْم َ‬ ‫ِن ُد ِ‬
‫ك ْم م ْ‬‫ِن ِم ْثلِ ِه َوا ْد ُعوا ُش َه َد َاء ُ‬ ‫َز ْل َنا َعلَى َع ْب ِدنَا َف ْأ ُتوا ِب ُس َ‬
‫ور ٍة م ْ‬ ‫ِما ن َّ‬
‫َر ْي ٍب م َّ‬
‫ين﴾[البقرة ‪. ]24 ، 23 :‬‬ ‫ار ُة ُأ ِع َّد ْت ِلل َ‬
‫ْكا ِف ِر َ‬ ‫اس َوال ِ‬
‫ْح َج َ‬ ‫الن ُ‬
‫ار َّالتِي َوقُو ُد َها َّ‬ ‫الن َ‬‫َن َت ْف َعلُوا َف َّات ُقوا َّ‬
‫َول ْ‬
‫س ‪ :‬ما هو موقف الناس من حتدي القرآن هلم ؟‬
‫ج ‪ :‬موقفهم العجز الكامل ـ كما أخرب القرآن ـ حىت إن أشد أعداء الرسول صلى اهلل عليه وآله وسلم من‬
‫الكفار مل جيدوا أمامهم إال أن يقاتلوا يف ميادين احلرب لعجزهم أن يأتوا مبثل سورة من القرآن ‪.‬‬
‫اخلالصة‪»:‬‬
‫‪.5‬القرآن كالم اهلل يشهد ملحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم أنه رسول اهلل ‪.‬‬
‫‪.6‬يف القرآن معجزات إهلية تدل على أنه كالم اهلل منها فصاحته وبالغته اليت أعجزت األولني واآلخرين‪.‬‬
‫‪.7‬ومنها أنه جديد دائمًا ال يبلى على كثرة ترديده وتكريره‪.‬‬
‫ولقد شهد بذلك املنصفون من علماء أوربا وعرفوا عظمة القرآن ومسوه على كل كالم‪.‬‬
‫‪.8‬ولقد حتدى القرآن البشر أمجعني أن يأتوا بسورة منه إن كانوا مرتابني يف أنه كالم اهلل فعجزوا وما زالوا‬
‫عاجزين حىت تقوم الساعة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاين عشر‬
‫القرآن يسبق العلوم احلديثة‬

‫القرآن كتاب هداية ‪:‬‬


‫س ‪ :‬ملاذا أنزل اهلل القرآن؟‬
‫ج ‪ :‬أنزل اهلل القرآن هلداية البشر ‪ ،‬فالقرآن كتاب هداية وليس القرآن كتابًا طبيًا أو هندسيًا أو فلكيًا أو‬
‫كيماويًا ‪ ،‬جيمع ويسجل حقائق هذه العلوم ‪ ،‬إمنا هو كتاب هداية إهلية لسلوك اإلنسان وعمله‪.‬‬
‫القرآن نزل بعلم اهلل‪:‬‬
‫س ‪ :‬فما معىن إذًا أن القرآن سبق العلوم احلديثة؟‬
‫ج ‪ :‬معىن ذلك أن القرآن ‪ ،‬وهو يتحدث عن اإلنسان أو عن النبات ‪ ،‬أو عن أي خملوق من املخلوقات إمنا يصفه‬
‫على حقيقته ‪ ،‬لكن علم البشر يكون قاصرًا على إدراك تلك احلقيقة ‪ .‬فإذا بالتقدم العلمي ‪ ،‬واالكتشافات‬
‫املتزايدة بواسطة اآلالت واألجهزة احلديثة تكشف عن تلك احلقيقة فإذا باحلقيقة واحدة يف كتاب اهلل‪،‬‬
‫ويف الكشف العلمي ‪ ،‬فنعرف من ذلك أن القرآن الكرمي سبق العلوم احلديثة‪ .‬ويكون ذلك شاهدًا جديدًا‬
‫أو معجزة جديدة تظهر للقرآن يف عصر التقدم العلمي‪ .‬وهكذا نعرف أن القرآن إمنا نزل بعلم اهلل ‪ ،‬وأنه ال‬
‫يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ‪.‬‬
‫القرآن خيرب بضيق الصدر يف طبقات اجلو العليا قبل الطيارين‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هو املثال على ذلك ؟‬
‫ج ‪ :‬األمثلة كثرية منها ما اكتشفه الطيارون على ارتفاعات عالية من ضيق جيدونه يف صدروهم يزداد شدة‬
‫كلما صعدوا يف السماء حىت يصل إىل درجة االختناق ‪ .‬وذلك بسبب تناقص اهلواء (األكسجني) عن الكمية‬
‫الالزمة كلما ازداد اإلنسان ارتفاعًا يف السماء‪ .‬وهذه احلقيقة مل تكن معروفة من قبل‪ .‬إذ أن الناس مجيعًا‬
‫كانوا يعتقدون أن اهلواء ميتد بصفاته هذه إىل الكواكب والنجوم ‪ .‬والقرآن يذكر هذه احلقيقة قبل أن‬
‫يعرفها البشر مجيعًا مبا يقرب من أربعة عشر قرنًا من الزمان‪ .‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬ف َم ْن ُي ِر ْد اللهَُّ َأ ْن َي ِ‬
‫هد َي ُه َي ْش َر ْح‬
‫ِك َي ْج َع ُل اللهَُّ‬ ‫ص ْد َر ُه ِللإْ ِ ْسلاَ ِم َو َم ْن ُي ِر ْد َأ ْن ُي ِ‬
‫ك َذل َ‬‫الس َما ِء َ‬ ‫ص َّع ُد فِي َّ‬ ‫ك َأن َ‬
‫َّما َي َّ‬ ‫ض ِّي ًقا َح َر ًجا َ‬
‫ص ْد َر ُه َ‬
‫ضلَّ ُه َي ْج َع ْل َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾[األنعام ‪. ]125 :‬‬ ‫ين لاَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫س َعلَى ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫الر ْج َ‬ ‫ِّ‬
‫أي من استحق أن يضله اهلل بأعماله السيئة ‪ ،‬وحماربته للدين ‪ ،‬جعل اهلل صدره ضيقًا باملوعظة أو ما يذكره‬
‫باإلسالم كضيق ذلك الذي يصعد يف السماء ‪ .‬والبشر كلهم كانوا جيهلون هذه احلقيقة‪ :‬حقيقة حدوث‬
‫الضيق الشديد ملن يصعد يف السماء‪ .‬ومل تعرف هذه احلقيقة إال بعد أن صعد اإلنسان بالطائرات إىل السماء‪.1‬‬
‫فهل كان ملحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم طائرة خاصة به من دون الناس‪ ،‬عرف هبا هذه احلقيقة أم أنه‬
‫الوحي الذي نزل بعلم اهلل؟!‬
‫‪2‬‬
‫القرآن خيرب بتركز اإلحساس يف اجللد قبل املشرحني‬
‫س ‪ :‬وهل هناك مثال آخر؟‬

‫‪34‬‬
‫ج ‪ :‬نعم‪ ...‬األمثلة األخرى كثرية نذكر منها مثا ًال من أسرار التركيب يف جسم اإلنسان‪.‬‬
‫س‪ :‬وما هو؟‬
‫ج ‪ :‬كان املعتقد أن اإلحساس من صفات اجلسد بكل أجزائه وأنه متساو يف درجة إحساسه باألشياء ‪ ،‬لكن‬
‫علم التشريح احلديث جاء حبقيقة جديدة كان الناس مجيعًا جيهلوهنا هي ‪ :‬أن مراكز اإلحساس باألمل‬
‫وغريه إمنا تتركز باجللد بكمية كبرية ‪ ،‬حىت أن اإلنسان ال يشعر بأمل وخز احلقنة (اإلبرة) إذا أدخلت‬
‫يف جسمه إال عند دخوهلا يف منطقة اجللد ‪ ،‬لكن القرآن يذكر هذه احلقيقة قبل علماء التشريح يف القرن‬
‫العشرين ‪.‬‬
‫اه ْم ُجلُو ًدا َغ ْي َر َها ل َِي ُذوقُوا‬ ‫َّما ن ِ‬
‫َض َج ْت ُجلُو ُد ُه ْم َب َّد ْل َن ُ‬ ‫كل َ‬‫َارا ُ‬
‫ِم ن ً‬ ‫آيا ِت َنا َس ْو َف ن ْ‬
‫ُصلِيه ْ‬ ‫ك َف ُروا ِب َ‬
‫ين َ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿ :‬إِ َّن ال ِ‬
‫َّذ َ‬
‫يما﴾[النساء‪]56:‬‬ ‫ك ً‬ ‫ان َع ِزي ًزا َح ِ‬
‫كَ‬ ‫اب إِ َّن اللهََّ َ‬
‫ال َْع َذ َ‬
‫أي أن اإلحساس باألمل والعذاب يتركز يف جلودهم فإذا نضجت استراحوا من عذاب النار ‪ ،‬لكن العليم‬
‫اخلبري خبلقه يعلم ذلك وخيربنا قبل أن نعرفه ويقول إنه سيبدهلم جلودًا غريها ليذوقوا العذاب ‪.‬‬
‫فهل كان ملحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم أجهزة تشرحيية خاصة به دون الناس؟ أم هذه آية من آيات اهلل‬
‫تشهد أن القرآن كالم اهلل قد نزل بعلمه سبحانه وصدق اهلل العظيم القائل‪:‬‬
‫ْح ُّق﴾[فصلت‪]53 :‬‬‫ِم َح َّتى َي َت َب َّي َن َل ُه ْم َأ َّن ُه ال َ‬ ‫ِم َآيا ِت َنا فِي آْال َف ِ‬
‫اق َوفِي َأ ْن ُف ِسه ْ‬ ‫﴿س ُن ِريه ْ‬
‫َ‬
‫اخلالصة‬
‫·تضمن القرآن حقائق مل تعرف إال بعد قرون من نزوله ‪.‬‬
‫·منها ما أخرب به القرآن من ضيق صدر من يرتفع يف السماء ‪ ،‬وتركز اإلحساس باألمل والعذاب يف اجللد‬
‫وجاءت علوم القرن العشرين تؤكد وتصدق ما جاء يف كتاب اهلل ‪.‬‬
‫·تشهد هذه احلقائق اليت كشف التقدم العلمي اليوم عن صدقها أن القرآن كالم اهلل ووحيه إىل رسوله‬
‫حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬
‫اإلميان باليوم اآلخر‬

‫اب﴾[غافر‪. ]27:‬‬
‫ْح َس ِ‬ ‫ك ِّب ٍر لاَ ُي ْؤم ُ‬
‫ِن ِب َي ْو ِم ال ِ‬ ‫ك ِّل ُم َت َ‬
‫ِن ُ‬
‫ك ْم م ْ‬
‫﴿إِنِّي ُع ْذ ُت ِب َر ِّبي َو َر ِّب ُ‬

‫احلياة البشرية قسمان‪:‬‬


‫س ‪ :‬إىل كم تنقسم حياة قصرية يف دار العمل ‪ ،‬وحياة خالدة يف دار اجلزاء ‪.‬‬
‫دار العمل ‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي دار العمل؟‬
‫ج ‪ :‬دار العمل هي هذه األرض اليت نعيش عليها اليوم مدة مؤقتة من الزمان؛ هي املهلة املعطاة لنا لنفعل فيها‬
‫ما نشاء من أعمال‪ ،‬ونعيش عليها املدة املحددة لنا كما عاشت األمم السابقة من قبلنا ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ان اللهَُّ‬
‫كَ‬ ‫كانُوا َأ َش َّد ِم ْن ُه ْم ق َّ‬
‫ُو ًة َو َما َ‬ ‫ِم َو َ‬ ‫َبلِه ْ‬ ‫ِب ُة ال ِ‬ ‫ض َف َي ْن ُظ ُروا َ‬ ‫ريوا فِي الأَْ ْر ِ‬ ‫َم َي ِس ُ‬ ‫﴿ َأ َول ْ‬
‫ِن ق ْ‬ ‫ين م ْ‬
‫َّذ َ‬ ‫ان َعاق َ‬ ‫كَ‬ ‫ك ْي َف َ‬
‫ك َس ُبوا َما َت َر َك‬
‫اس ِب َما َ‬ ‫الن َ‬‫اخ ُذ اللهَُّ َّ‬
‫يرا َول َْو ُي َؤ ِ‬ ‫َد ً‬ ‫ِيما ق ِ‬
‫ان َعل ً‬ ‫كَ‬ ‫ات َولاَ فِي الأَْ ْر ِ‬
‫ض إِ َّن ُه َ‬ ‫او ِ‬ ‫ِن َش ْي ٍء فِي َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫ل ُِي ْع ِج َز ُه م ْ‬
‫صريًا﴾[فاطر‪،44:‬‬ ‫ِبا ِد ِه َب ِ‬
‫ان ِبع َ‬
‫كَ‬ ‫اء َأ َجلُ ُه ْم َف ِإ َّن اللهََّ َ‬
‫َك ْن ُي َؤ ِّخ ُر ُه ْم إِلَى َأ َج ٍل ُم َس ًّمى َف ِإ َذا َج َ‬ ‫َعلَى َظ ْه ِر َها م ْ‬
‫ِن َد َّاب ٍة َول ِ‬
‫‪. ]45‬‬
‫وكلما مر يوم نقصت املهلة ‪ ،‬وقربنا من دار اجلزاء ‪ ،‬فإذا انقضت املهلة أصبحت حياتنا املاضية يف نظرنا‬
‫ال تساوي ساعة‬
‫ك َّذ ُبوا ِبلِ َقا ِء اللهَّ ِ َو َما‬
‫ين َ‬ ‫َد َخ ِس َر ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫ون َب ْي َن ُه ْم ق ْ‬
‫ار ُف َ‬
‫الن َها ِر َي َت َع َ‬
‫ِن َّ‬
‫اع ًة م ْ‬ ‫ك َأ ْن ل ْ‬
‫َم َيل َْبثُوا إِلاَّ َس َ‬ ‫﴿و َي ْو َم َي ْح ُش ُر ُه ْم َ‬
‫َ‬
‫ين﴾ [يونس‪. ]45:‬‬ ‫كانُوا ُم ْه َت ِد َ‬ ‫َ‬
‫دار اجلزاء‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هي دار اجلزاء؟‬
‫ج ‪ :‬دار اجلزاء هي ‪ :‬الدار اآلخرة حيث جيد اإلنسان نتيجة ما قدمت يداه يف دنياه ‪ ،‬وجاء ما عمله فيما أعطاه‬
‫اهلل ‪ ،‬واملوت ‪ :‬انتقال من دار العمل إىل دار اجلزاء‪ .‬فهذا اجليل الذي نعيش فيه ينتقل بعد مائة عام ـ على‬
‫أكثر تقدير ـ كله ‪ ،‬وأنت واحد منه ليجد كل إنسان جزاء عمله ‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِم‬
‫وسه ْ‬‫َاك ُسوا ُر ُء ِ‬ ‫ون ن ِ‬ ‫ْم ْج ِر ُم َ‬ ‫ون َول َْو َت َرى إِ ْذ ال ُ‬ ‫ك ْم ُت ْر َج ُع َ‬ ‫ُم إِلَى َر ِّب ُ‬‫ك ْم ث َّ‬ ‫ك َل ِب ُ‬ ‫َّذي ُو ِّ‬ ‫ْم ْو ِت ال ِ‬ ‫َك ال َ‬ ‫اك ْم َمل ُ‬ ‫ُل َي َت َو َّف ُ‬ ‫﴿ق ْ‬
‫ون﴾[السجدة ‪. ]12 ،11 :‬‬ ‫ِحا إِنَّا ُمو ِق ُن َ‬ ‫صال ً‬ ‫ار ِج ْع َنا ن َْع َم ْل َ‬‫ِع َنا َف ْ‬‫ص ْرنَا َو َسم ْ‬ ‫ِم َر َّب َنا َأ ْب َ‬
‫ِع ْن َد َر ِّبه ْ‬
‫وها‬‫اء َ‬‫ك َف ُروا إِلَى َج َه َّن َم ُز َم ًرا َح َّتى إِ َذا َج ُ‬ ‫ين َ‬ ‫َّذ َ‬‫يق ال ِ‬ ‫ُون َو ِس َ‬ ‫َم ِب َما َي ْف َعل َ‬ ‫َت َو ُه َو َأ ْعل ُ‬ ‫س َما َع ِمل ْ‬ ‫ك ُّل َن ْف ٍ‬ ‫﴿و ُو ِّف َي ْت ُ‬ ‫َ‬
‫ِك ْم‬ ‫َك ْم ِل َق َ‬
‫اء َي ْوم ُ‬ ‫ك ْم َو ُي ْن ِذ ُرون ُ‬ ‫ات َر ِّب ُ‬‫ك ْم َآي ِ‬ ‫ُون َعل َْي ُ‬
‫ك ْم َي ْتل َ‬ ‫ِك ْم ُر ُس ٌل ِم ْن ُ‬ ‫َم َي ْأت ُ‬‫َال َل ُه ْم َخ َز َن ُت َها َأل ْ‬
‫ِح ْت َأ ْب َو ُاب َها َوق َ‬ ‫ُفت َ‬
‫ْس َمث َْوى‬ ‫ين فِي َها َف ِبئ َ‬ ‫اب َج َه َّن َم َخال ِ‬
‫ِد َ‬ ‫ين قِي َل ا ْد ُخلُوا َأ ْب َو َ‬ ‫ْكا ِف ِر َ‬‫اب َعلَى ال َ‬ ‫ِم ُة ال َْع َذ ِ‬‫كل َ‬ ‫َك ْن َح َّق ْت َ‬ ‫َه َذا قَالُوا َبلَى َول ِ‬
‫ِح ْت َأ ْب َو ُاب َها َوق َ‬
‫َال َل ُه ْم َخ َز َن ُت َها َسلاَ ٌم‬ ‫وها َو ُفت َ‬ ‫اء َ‬ ‫ْج َّن ِة ُز َم ًرا َح َّتى إِ َذا َج ُ‬ ‫ين َّات َق ْوا َر َّب ُه ْم إِلَى ال َ‬ ‫يق ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫ين َو ِس َ‬ ‫ك ِّب ِر َ‬ ‫ْم َت َ‬
‫ال ُ‬
‫اء‬ ‫ْج َّن ِة َح ْي ُث ن َ‬
‫َش ُ‬ ‫ِن ال َ‬ ‫ض َن َت َب َّو ُأ م ْ‬ ‫ص َد َق َنا َو ْع َد ُه َو َأ ْو َر َث َنا الأَْ ْر َ‬‫َّذي َ‬ ‫ْح ْم ُد للِهَّ ِ ال ِ‬
‫ين َوقَالُوا ال َ‬ ‫ِد َ‬ ‫ُوها َخال ِ‬ ‫ك ْم ِط ْب ُت ْم َفا ْد ُخل َ‬ ‫َعل َْي ُ‬
‫ْح ِّق َوقِي َل‬
‫ُض َي َب ْي َن ُه ْم ِبال َ‬ ‫ِم َوق ِ‬ ‫ون ِب َح ْم ِد َر ِّبه ْ‬ ‫ش ُي َس ِّب ُح َ‬ ‫ِن َح ْو ِل ال َْع ْر ِ‬ ‫افنيَ م ْ‬ ‫ِك َة َح ِّ‬ ‫ْملاَ ئ َ‬ ‫ني َو َت َرى ال َ‬ ‫َفن ِْع َم َأ ْج ُر ال َْعا ِملِ َ‬

‫‪36‬‬
‫ْح ْم ُد للِهَّ ِ َر ِّب ال َْعا َلمِنيَ﴾[الزمر‪. ]75-70 :‬‬
‫ال َ‬
‫اليوم اآلخر مقتضى العدل اإلهلي ‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هو دليل املؤمن على إميانه باليوم اآلخر؟‬
‫ج ‪ :‬أهم األدلة على أن رسل اهلل مجيعًا ‪ ،‬الذين قدموا للبشرية أدلة صدقهم قد بلغوا إلينا كالم خالقنا ‪،‬‬
‫وخالق اجلنة والنار ‪ ،‬وأخربنا اهلل بنفسه ‪ ،‬حبقائق اليوم اآلخر‪ .‬وهناك أدلة عقلية أخرى ‪.‬‬
‫س ‪ :‬ما هي هذه األدلة العقلية؟‬
‫ج ‪ :‬هي كثرية ‪ ،‬نذكر منها ‪ :‬دليل العدل اإلهلي ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وما هو دليل العدل اإلهلي ؟‬
‫ج ‪ :‬يف اإلنسان حب العدل ‪ ،‬هو الذي جيعله يكره الظلم وحيب العدل وخالق حب العدل يف اإلنسان هو اهلل‬
‫خالق اإلنسان ‪ ،‬ومما ال شك فيه أن اخلالق أكمل وأعظم من خملوقاته ‪ ،‬وله املثل األعلى ‪.‬‬
‫إذن‪:‬‬
‫·عدل اهلل أكمل من عدل خملوقاته اإلنسان ‪.‬‬
‫·فإذا كان عدل اإلنسان يأىب التسوية بني الظامل واملظلوم ‪ ،‬والقاتل واملقتول‪ ،‬واملطيع والعاصي‪.‬‬
‫إذن‪:‬‬
‫·ال شك أن العدل اإلهلي ـ من باب أوىل ـ يأىب التسوية بني الظامل واملظلوم‪ ،‬والقاتل واملقتول‪ ،‬واملطيع‬
‫والعاصي‪ ،‬واملؤمن والكافر‪ ،‬والرب والفاجر‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫النا ِر َأ ْم ن ْ‬
‫َج َع ُل‬ ‫ِن َّ‬
‫ك َف ُروا م ْ‬
‫ين َ‬ ‫ك َف ُروا َف َو ْي ٌل ِلل ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ِك َظ ُّن ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫ض َو َما َب ْي َن ُه َما َب ِ‬
‫اط اًل َذل َ‬ ‫اء َوالأَْ ْر َ‬
‫الس َم َ‬
‫﴿و َما َخلَ ْق َنا َّ‬
‫َ‬
‫كا ْل ُف َّجا ِر﴾[سورة ص‪. ]28 ، 27 :‬‬ ‫ْم َّتقِنيَ َ‬ ‫ض َأ ْم ن ْ‬
‫َج َع ُل ال ُ‬ ‫ين فِي الأَْ ْر ِ‬‫ْم ْف ِس ِد َ‬
‫كال ُ‬ ‫ات َ‬ ‫ِح ِ‬ ‫آم ُنوا َو َع ِملُوا َّ‬
‫الصال َ‬ ‫ين َ‬ ‫ال ِ‬
‫َّذ َ‬
‫ال أو جمازاة وافية على أعمال الناس يف الدنيا‪.‬‬ ‫ال يف الدنيا ‪ ،‬وال جند إنصافًا كام ً‬ ‫ولكنا ال جند عد ًال كام ً‬
‫فال نشك يف عدل اهلل الذي قام الدليل القاطع عليه ‪ ،‬ولكنا نقول ونؤمن بأن احلساب ال يكون يف هذه الدنيا‬
‫‪ ،‬وأنه مؤخر ليوم معلوم يوم احلساب كما أخرب الرسل ‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫تنقسم احلياة البشرية إىل قسمني ‪ :‬دار عمل قصرية ‪ ،‬ودار جزاء خالدة ‪ ،‬هذه الدنيا هي دار العمل ‪ ،‬واآلخرة‬
‫دار اجلزاء ‪ ،‬واملوت ينقلنا من دار العمل إىل دار اجلزاء ‪.‬‬
‫ال أقاموا‬
‫من عمل صاحلًا يف الدنيا أثابه اهلل عليه ‪ ،‬ومن عمل سيئًا عاقبه اهلل عليه وأرسل اهلل إىل البشر رس ً‬
‫األدلة على صدق رسالتهم وبلغوا إىل البشر كالم رهبم الذي عرفهم باليوم اآلخر وما أعد هلم فيه ‪.‬‬
‫عدل اهلل أكمل من عدل اإلنسان ‪ ،‬ومن مقتضى العدل ‪ :‬عدم التسوية بني املسيء واملحسن ‪ .‬وليس يف الدنيا‬
‫ال ملكافأة املحسنني وعقاب الكافرين ‪.‬‬ ‫ثواب كامل ملحسن ‪ ،‬أو عقاب كامل ملسيء ‪ .‬فجعل اهلل يومًا كام ً‬

‫‪37‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬
‫من أحوال اليوم اآلخر‬

‫حياة الربزخ ‪:‬‬


‫س ‪ :‬ما معىن الربزخ؟‬
‫ج ‪ :‬الربزخ هو احلاجز‪.‬‬
‫س ‪ :‬وما معىن حياة الربزخ؟‬
‫ج ‪ :‬حياة الربزخ هي احلياة اليت نقضيها يف عامل الربزخ حىت تقوم القيامة ‪ .‬حني يبعث اهلل الناس لتوفية‬
‫احلساب ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِم ٌة ُه َو قَا ِئلُ َها‬
‫كل َ‬
‫كلاَّ إِ َّن َها َ‬
‫ك ُت َ‬
‫ِيما َت َر ْ‬
‫ِحا ف َ‬ ‫َعلِّي َأ ْع َم ُل َ‬
‫صال ً‬ ‫َال َر ِّب ْار ِج ُعونِي ل َ‬
‫ْم ْو ُت ق َ‬‫اء َأ َح َد ُه ْم ال َ‬‫﴿ح َّتى إِ َذا َج َ‬ ‫َ‬
‫ُون﴾[املؤمنون‪. ]100 ،99 :‬‬ ‫ِن َو َرا ِئه ْ‬
‫ِم َب ْر َز ٌخ إِلَى َي ْو ِم ُي ْب َعث َ‬ ‫َوم ْ‬
‫س ‪ :‬وهل من ثواب أو عقاب يف الربزخ على األعمال يف الدنيا؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ..‬يبدأ احلساب يف احلياة الربزخية يف بداية االنتقال إليها ومنها عذاب القرب ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِر َع ْو َن َأ َش َّد ال َْع َذ ِ‬
‫اب﴾[غافر‪. ]46:‬‬ ‫اع ُة َأ ْد ِخلُوا َ‬
‫آل ف ْ‬ ‫الس َ‬ ‫ون َعل َْي َها ُغ ُد ًّوا َو َع ِش ًّيا َو َي ْو َم َت ُق ُ‬
‫وم َّ‬ ‫ض َ‬‫ار ُي ْع َر ُ‬
‫﴿الن ُ‬
‫َّ‬
‫وقال تعاىل يف وصف حياة الشهداء يف احلياة الربزخية قبل يوم القيامة‪:‬‬
‫ِن َف ْضلِ ِه‬‫اه ْم اللهَُّ م ْ‬ ‫ُون َف ِر ِح َ‬
‫ني ِب َما آ َت ُ‬ ‫ِم ُي ْر َزق َ‬‫اء ِع ْن َد َر ِّبه ْ‬ ‫للهَّ‬
‫ين ُق ِتلُوا فِي َس ِبي ِل ا ِ َأ ْم َوا ًتا َب ْل َأ ْح َي ٌ‬ ‫﴿ولاَ َت ْح َس َب َّن ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫َ‬
‫ُون﴾[آل عمران‪. ]170 ،169 :‬‬ ‫ِم َولاَ ُه ْم َي ْح َزن َ‬ ‫ِم َألاَّ َخ ْو ٌف َعل َْيه ْ‬ ‫ِن َخ ْل ِفه ْ‬ ‫ِم م ْ‬
‫ْح ُقوا ِبه ْ‬
‫َم َيل َ‬
‫ين ل ْ‬ ‫ون ِبال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫َو َي ْس َت ْب ِش ُر َ‬
‫البعث والنشور ‪:‬‬
‫س ‪ :‬وماذا بعد حياة الربزخ؟‬
‫ج ‪ :‬يبعث اهلل الناس ليوم القيامة وتوفية احلساب‪.‬‬
‫ون َأ ْف َو ً‬
‫اجا﴾[النبأ‪. ]18 ،17 :‬‬ ‫الصو ِر َف َت ْأ ُت َ‬
‫ان مِي َقا ًتا َي ْو َم ُين َف ُخ فِي ُّ‬
‫كَ‬ ‫﴿إِ َّن َي ْو َم ا ْل َف ْص ِل َ‬
‫عرض األعمال‪:‬‬
‫س ‪ :‬وماذا بعد احلشر ومجع الناس ليوم القيامة؟‬
‫ج ‪ :‬مث تعرض األعمال يف الكتاب ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫صغِريًَة َولاَ‬ ‫اب لاَ ُي َغاد ُ‬
‫ِر َ‬ ‫ال َه َذا ال ِ‬
‫ْك َت ِ‬ ‫او ْيلَ َت َنا َم ِ‬ ‫فِي ِه َو َي ُقول َ‬
‫ُون َي َ‬ ‫ِما‬‫ني م َّ‬‫ني ُم ْش ِف ِق َ‬
‫ْم ْج ِر ِم َ‬
‫اب َف َت َرى ال ُ‬ ‫ض َع ال ِ‬
‫ْك َت ُ‬ ‫﴿و ُو ِ‬
‫َ‬
‫ِم َر ُّب َك َأ َح ًدا﴾[الكهف‪. ]49:‬‬ ‫اض ًرا َولاَ‬
‫َي ْظل ُ‬ ‫اها َو َو َج ُدوا َما َع ِملُوا َح ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬ ‫لاَّ‬
‫ري ًة إِ أ ْح َ‬
‫ك ِب َ‬ ‫َ‬
‫كما تشهد علينا األلسنة واأليدي واألرجل واجللود ‪ .‬وخترب مبا فعلنا يف الدنيا‪.‬‬
‫ِد ُت ْم‬
‫ِم َشه ْ‬ ‫ِجلُود ِ‬
‫ِه ْم ل َ‬ ‫ُون َوقَالُوا ل ُ‬
‫كانُوا َي ْع َمل َ‬ ‫ار ُه ْم َو ُجلُو ُد ُه ْم ِب َما َ‬ ‫صُ‬ ‫ِم َس ْم ُع ُه ْم َو َأ ْب َ‬
‫ِد َعل َْيه ْ‬
‫وها َشه َ‬ ‫اء َ‬
‫﴿ح َّتى إِ َذا َما َج ُ‬
‫َ‬
‫ون﴾[فصلت‪. ]21 ،20 :‬‬ ‫ك ْم َأ َّو َل َم َّر ٍة َوإِل َْي ِه ُت ْر َج ُع َ‬
‫ك َّل َش ْي ٍء َو ُه َو َخلَ َق ُ‬ ‫َّذي َأ َ‬
‫نط َق ُ‬ ‫للهَُّ‬ ‫َعل َْي َنا قَالُوا َأ َ‬
‫نط َق َنا ا ال ِ‬
‫‪38‬‬
‫امليزان ‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هو ميزان يوم القيامة؟‬
‫ج ‪ :‬يضع اهلل املوازين العادلة يوم القيامة لقياس احلسنات والسيئات‪.‬‬
‫ك َفى‬ ‫ِن َخ ْر َد ٍل َأ َت ْي َنا ِب َها َو َ‬
‫ال َح َّب ٍة م ْ‬‫ان ِم ْث َق َ‬
‫كَ‬ ‫س َش ْيئًا َوإِ ْن َ‬ ‫ام ِة َفلاَ ُت ْظل ُ‬
‫َم َن ْف ٌ‬ ‫ِس َط ل َِي ْو ِم ا ْلق َ‬
‫ِي َ‬ ‫ين ا ْلق ْ‬ ‫ْم َوا ِز َ‬
‫َض ُع ال َ‬
‫﴿ون َ‬ ‫َ‬
‫ني﴾[األنبياء ‪. ]47 :‬‬ ‫اس ِب َ‬‫ِب َنا َح ِ‬
‫ين َخ ِس ُروا َأن ُف َس ُه ْم فِي َج َه َّن َم‬ ‫َّذ َ‬ ‫ِك ال ِ‬ ‫ون َو َم ْن َخ َّف ْت َم َوا ِزي ُن ُه َف ُأ ْو َلئ َ‬ ‫ِح َ‬
‫ْم ْفل ُ‬
‫ِك ُه ْم ال ُ‬ ‫َت َم َوا ِزي ُن ُه َف ُأ ْو َلئ َ‬ ‫﴿ َف َم ْن َث ُقل ْ‬
‫ون﴾[املؤمنون ‪. ]103 ،102 :‬‬ ‫ِد َ‬‫َخال ُ‬
‫احلوض ‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هو احلوض؟‬
‫ج ‪ :‬لكل نيب حوض يشرب هو وأمته منه بعد املوقف وقبل دخول اجلنة ولنبينا حممد صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ،‬ماؤه أبيض من اللنب ‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬وأطيب من املسك‪ .‬من شرب منه شربة ال يظمأ بعدها أبدًا ‪.‬‬
‫الصراط‪:‬‬
‫س ‪ :‬وما هو الصراط؟‬
‫ج ‪ :‬هو طريق يوضع على ظهر جهنم مير عليه األولون واآلخرون بعد انصرافهم من املوقف ‪ ،‬فأهل اجلنة ميرون‬
‫ان َعلَى َر ِّب َك َح ْت ًما‬
‫كَ‬ ‫ك ْم إِلاَّ َوا ِر ُد َها َ‬
‫تعاىل‪﴿:‬وإِ ْن ِم ْن ُ‬
‫َ‬ ‫عليه وهم متجهون إليها ‪ ،‬وأهل النار يسقطون فيها ‪ .‬قال‬
‫ني فِي َها ِجث ًِّيا﴾[مرمي‪] 72 ،71 :‬‬ ‫َذ ُر َّ‬
‫الظا ِل ِم َ‬ ‫ين َّات َق ْوا َون َ‬ ‫ُم ُن َن ِّجي ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫َم ْق ِ‬
‫ض ًّيا ث َّ‬
‫اجلنة‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي اجلنة؟‬
‫ج ‪ :‬اجلنة هي املقر األخري للمؤمنني ‪ ،‬وهي أمنية كل مؤمن حيث جيد اجلزاء على إميانه الصادق وأعماله‬
‫َّما‬
‫كل َ‬ ‫ار ُ‬ ‫ِن َت ْح ِت َها الأَْ ْن َه ُ‬
‫ات َت ْج ِري م ْ‬ ‫ات َأ َّن َل ُه ْم َج َّن ٍ‬‫ِح ِ‬ ‫الصال َ‬‫آم ُنوا َو َع ِملُوا َّ‬
‫ين َ‬ ‫‪﴿:‬و َب ِّش ْر ال ِ‬
‫َّذ َ‬ ‫الصاحلة ‪ .‬قال تعاىل َ‬
‫َب ُل َو ُأ ُتوا ِب ِه ُم َت َشا ِب ًها َو َل ُه ْم فِي َها َأ ْز َو ٌ‬
‫اج ُم َط َّه َر ٌة َو ُه ْم فِي َها‬ ‫ِن ق ْ‬ ‫َم َر ٍة ِر ْزقًا قَالُوا َه َذا ال ِ‬
‫َّذي ُر ِز ْق َنا م ْ‬ ‫ُر ِزقُوا ِم ْن َها م ْ‬
‫ِن ث َ‬
‫ون﴾[البقرة‪]25:‬‬ ‫ِد َ‬
‫َخال ُ‬
‫النار‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هي النار؟‬
‫ج ‪ :‬إذا كان اهلل يكافئ األبرار بالنعيم ‪ ،‬فإنه جيازي الفجار باجلحيم عقابًا هلم على ما اقترفوا من‬
‫ِيةٌ﴾‬
‫َار َحام َ‬ ‫تعاىل‪﴿:‬و َأ َّما َم ْن َخ َّف ْت َم َوا ِزي ُن ُه َف ُأ ُّم ُه َها ِو َي ٌة َو َما َأ ْد َر َ‬
‫اك َما ِه َي ْه ن ٌ‬ ‫َ‬ ‫كبائر اإلمث والفواحش‪ .‬قال‬
‫[القارعة‪ . ]11-8:‬أي أن مصري من قلت أعماله الصاحلة فخف ميزانه هبا مصريه اهلاوية اليت هي النار احلامية‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫·ينتقل اإلنسان بعد موته إىل احلياة الربزخية اليت جيد فيها شيئًا من النعيم أو العذاب‪.‬‬
‫·يبعث اهلل الناس بعد احلياة الدنيا مجيعًا ليوم احلساب‪.‬‬
‫·مث تعرض أعماهلم على الدنيا ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫·توزن أعمال الناس فمن خفت موازينه بأعمال اخلري كان مصريه جنهم‪.‬‬
‫·لكل نيب حوض يشرب منه هو وأمته بعد املوقف ولنبينا حوض ماؤه أبيض من اللنب وأحلى من العسل وأطيب‬
‫من املسك‪.‬‬
‫·اجلنة دار النعيم للمؤمنني ‪.‬‬
‫·النار دار العذاب للمنافقني والكافرين ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل اخلامس عشر‬
‫اإلميان باملالئكة الكتب والرسل‬
‫اإلميان باملالئكة‪:‬‬
‫س ‪ :‬من هم املالئكة؟‬
‫ج ‪ :‬هم خملوقات نورانية ‪ ،‬ليسوا كالبشر يأكلون ‪ ،‬ويشربون ‪ ،‬وينامون ‪ ،‬ويتصفون بالذكورة أو األنوثة ‪،‬‬
‫إمنا هم عامل آخر ‪ ،‬قائم بنفسه ومستقل بذاته ‪ ،‬وال يتصفون بصفات البشر اجلسدية واملادية ‪.‬‬
‫س ‪ :‬مم خلقوا ؟‬
‫ج ‪ :‬خلق اهلل املالئكة من نور ‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ‪« :‬خلقت املالئكة من نور»‪.‬‬
‫س ‪ :‬ما هو عملهم؟‬
‫ج ‪ :‬يقومون بتصريف شئون العامل بإرادة اهلل ومشيئته ‪ ،‬وهو سبحانه يسخرهم لتنفيذ أمره ‪ ،‬وهم ال يعلمون‬
‫شيئًا إال بأمره‪ .‬قال سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫ون لاَ َي ْس ِب ُقو َن ُه ِبا ْل َق ْو ِل َو ُه ْم ِب َأ ْم ِر ِه َي ْع َمل َ‬
‫ُون﴾[األنبياء‪.]27 ،26 :‬‬ ‫﴿ب ْل ِع َبا ٌد ُم ْ‬
‫ك َر ُم َ‬ ‫َ‬
‫ومن أعماهلم ‪:‬‬
‫‪.1‬التسبيح واخلضوع التام هلل ‪.‬‬
‫‪.2‬الزنول بالوحي ‪.‬‬
‫‪.3‬كتابتهم لألعمال‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫ُون﴾[االنفطار‪. ]12-10 :‬‬
‫ون َما َت ْف َعل َ‬
‫َم َ‬ ‫كا ِت ِب َ‬
‫ني َي ْعل ُ‬ ‫اما َ‬ ‫ني ِ‬
‫ك َر ً‬ ‫َحاف ِ‬
‫ِظ َ‬ ‫ك ْم ل َ‬
‫﴿وإِ َّن َعل َْي ُ‬
‫َ‬
‫‪.4‬يتوفون األنفس ويقبضون األرواح‪.‬‬
‫س ‪ :‬هل اإلميان هبم واجب؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ..‬لقد أخربنا عنهم ربنا ورهبم يف كتابه ‪ ،‬فاإلميان هبم واجب وركن من أركان اإلميان‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه لاَ ُن َف ِّر ُق َب ْي َن َأ َح ٍد م ْ‬
‫ِن‬ ‫آم َن ِباللهَّ ِ َو َملاَ ئ َ‬
‫ِك ِت ِه َو ُ‬ ‫ك ٌّل َ‬‫ون ُ‬‫ْم ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ول ِب َما ُأن ِز َل إِل َْي ِه م ْ‬
‫ِن َر ِّب ِه َوال ُ‬ ‫الر ُس ُ‬
‫﴿آم َن َّ‬ ‫َ‬
‫ري﴾[البقرة ‪. ]285 :‬‬ ‫صُ‬ ‫ْم ِ‬ ‫ِع َنا َو َأ َط ْع َنا ُغ ْف َران َ‬
‫َك َر َّب َنا َوإِل َْي َك ال َ‬ ‫ُر ُسلِ ِه َوقَالُوا َسم ْ‬
‫اإلميان بالكتب‪:‬‬
‫س ‪ :‬على من أنزلت الكتب اإلهلية؟‬
‫ج ‪ :‬على األنبياء واملرسلني ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫اخ َتلَ ُفوا فِيهِ﴾[البقرة‪:‬‬
‫ِيما ْ‬
‫اس ف َ‬
‫الن ِ‬
‫ك َم َب ْي َن َّ‬
‫ْح ِّق ل َِي ْح ُ‬
‫اب ِبال َ‬ ‫ين َو َأن َز َل َم َع ُه ْم ال ِ‬
‫ْك َت َ‬ ‫ين َو ُم ِ‬
‫نذ ِر َ‬ ‫﴿ َف َب َع َث اللهَُّ َّ‬
‫الن ِب ِّينيَ ُم َب ِّش ِر َ‬
‫‪. ]213‬‬
‫س ‪ :‬وهل هذه الكتب مجيعًا مكتوبة ومدونة إىل اليوم؟‬
‫‪41‬‬
‫ج ‪ :‬الكتب اليت دونت هي ‪ :‬صحف إبراهيم ـ عليه السالم ـ ‪ ،‬وتوراة موسى ـ عليه السالم ـ ‪ ،‬وزبور داود ـ عليه‬
‫السالم ـ ‪ ،‬وإجنيل عيسى ـ عليه السالم ‪ ،‬والقرآن الذي نزل على سيدنا حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫س ‪ :‬وهل ال تزال هذه الكتب اإلهلية مجيعًا مدونة كما أنزلت؟‬
‫ج ‪ :‬ال ‪ ..‬فقد دخلها التحريف والتبديل ما عدا القرآن الكرمي الذي حفظه اهلل‪.‬‬
‫فالتوراة املتداولة لدى اليهود غري التوراة املتداولة لدى النصارى‪ .‬وليس لدى اجلميع سند صحيح أهنا توراة‬
‫موسى عليه السالم‪.‬‬
‫ال ‪ .‬وقد ظهر إجنيل‬ ‫واإلجنيل حرف وبدل فيوجد لدى النصارى أربعة أناجيل‪ ،‬اختصرت من سبعني إجني ً‬
‫خامس هو إجنيل (برنابا) خيالف بقية األناجيل خمالفة كبرية ‪ ،‬وقد ظهرت خمطوطات تارخيية يف (البحر‬
‫امليت) جعلت كثريًا من علماء النصارى اليوم يعلنون شكهم يف صدق أناجيلهم ‪ .‬وأما صحف إبراهيم وزبور‬
‫داود ـ عليهما السالم ـ ‪ ،‬فقد دخلهما تبديل وحتريف ويكادان أن ينعدما ‪ .‬وقد احتوى القرآن الكرمي على‬
‫‪﴿:‬و َأن َز ْل َنا‬
‫كل ما سبقه من هدى ‪ .‬فكان القرآن هو الكتاب اإلهلي املصدق ملا قبله واملهيمن عليه ‪ .‬قال تعاىل َ‬
‫اب َو ُم َه ْي ِم ًنا َعل َْيهِ﴾[املائدة‪.]48 :‬‬ ‫ِن ال ِ‬
‫ْك َت ِ‬ ‫ِما َب ْي َن َي َد ْي ِه م ْ‬
‫ص ِّدقًا ل َ‬
‫ْح ِّق ُم َ‬
‫اب ِبال َ‬ ‫إِل َْي َك ال ِ‬
‫ْك َت َ‬
‫س ‪ :‬ما موقف املسلم من الكتب السابقة؟‬
‫ج ‪ :‬على املسلم أن يؤمن جبميع الكتب السابقة املدونة وغريها كما أنزهلا اهلل وأن يصدق بزنوهلا ‪.‬‬
‫ويؤمن أن اهلل قد هداه بالقرآن الذي اشتمل على ما فيها من هدى ‪،‬و سلم من التحريف والتبديل الذي أدخله‬
‫الناس على الكتب السابقة ‪ .‬ومن مل يؤمن بالكتب اليت أنزل اهلل فقد اهندم ركن من أركان إميانه ‪.‬‬
‫وكذب بالقرآن الذي أخرب هبا ‪.‬‬
‫اإلميان بالرسل‪:‬‬
‫س ‪ :‬هل أرسل اهلل الرسل ألمم خاصة؟‬
‫ال يبشروهنا وينذروهنا ويهدوهنا إىل طريق اهلل ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ج ‪ :‬ال ‪ ..‬فما من أمة إال وأرسل اهلل هلا رس ً‬
‫َو ٍم َهادٍ﴾[الرعد‪. ]7 :‬‬
‫ِك ِّل ق ْ‬
‫‪﴿.‬ول ُ‬
‫ير﴾[فاطر‪َ ]24:‬‬ ‫ِن ُأ َّم ٍة إِلاَّ خلاَ فِي َها ن ِ‬
‫َذ ٌ‬ ‫﴿وإِ ْن م ْ‬
‫َ‬
‫س ‪ :‬وهل ذكر القرآن مجيع الرسل؟‬
‫ج ‪ :‬ال ‪ ..‬إمنا قص القرآن علينا أمثلة من حياة بعض الرسل للعربة ‪ ،‬ال للحصر‪.‬‬
‫اق‬ ‫يم َوإِ ْس َم ِ‬
‫اعي َل َوإِ ْس َح َ‬ ‫ِن َب ْع ِد ِه َو َأ ْو َح ْي َنا إِلَى إِ ْب َر ِ‬
‫اه َ‬ ‫ك َما َأ ْو َح ْي َنا إِلَى نُو ٍح َو َّ‬
‫الن ِب ِّينيَ م ْ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿:‬إِنَّا َأ ْو َح ْي َنا إِل َْي َك َ‬
‫ِن‬
‫اه ْم َعل َْي َك م ْ‬
‫َص ْص َن ُ‬‫َد ق َ‬
‫ورا َو ُر ُس اًل ق ْ‬
‫اوو َد َز ُب ً‬ ‫ان َوآ َت ْي َنا َد ُ‬
‫ون َو ُسل َْي َم َ‬
‫ار َ‬‫ُس َو َه ُ‬ ‫وب َو ُيون َ‬ ‫يسى َو َأ ُّي َ‬
‫اط َو ِع َ‬ ‫وب َوالأَْ ْس َب ِ‬ ‫َو َي ْع ُق َ‬
‫ِيما﴾[النساء‪. ]164 ،163 :‬‬ ‫كل َ للهَُّ‬
‫كل ً‬ ‫وسى َت ْ‬ ‫َّم ا ُم َ‬ ‫ص ْص ُه ْم َعل َْي َك َو َ‬ ‫َم َن ْق ُ‬ ‫َب ُل َو ُر ُس اًل ل ْ‬
‫قْ‬
‫س ‪ :‬وهل كان اهلل يرسل إىل الناس كافة أم إىل قومهم خاصة؟‬
‫ج ‪ :‬كان اهلل يرسل الرسل إىل أقوامهم خاصة حىت بعث خامت األنبياء واملرسلني حممد صلى اهلل عليه وآله‬
‫ْك‬ ‫ِيعا ال ِ‬
‫َّذي َل ُه ُمل ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ إِل َْي ُ‬
‫ك ْم َجم ً‬ ‫اس إِنِّي َر ُس ُ‬ ‫ُل َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫وسلم فأرسله اهلل إىل الناس عامة ‪ .‬قال تعاىل ‪﴿:‬ق ْ‬
‫ض﴾[األعراف‪. ]158 :‬‬ ‫ات َوالأَْ ْر ِ‬
‫او ِ‬
‫الس َم َ‬
‫َّ‬
‫س ‪ :‬كم عدد األنبياء؟‬

‫‪42‬‬
‫ج ‪ :‬ال يعلم عددهم إال اهلل ‪.‬‬
‫س ‪ :‬كم عدد املذكور منهم يف القرآن؟‬
‫ج ‪ :‬املذكور منهم يف القرآن مخسة وعشرون نبيًا ‪.‬‬
‫س ‪ :‬هل جيب علينا أن نؤمن جبميع األنبياء واملرسلني؟‬
‫ال وبعث أنبياء حنن نؤمن هبم كما أخربنا القرآن الكرمي‪﴿:‬‬ ‫ج ‪ :‬نعم ‪ ..‬علينا أن نؤمن أن اهلل أرسل رس ً‬
‫ك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه لاَ ُن َف ِّر ُق َب ْي َن َأ َح ٍد م ْ‬
‫ِن ُر ُسلِهِ﴾[البقرة‪. ]285 :‬‬ ‫آم َن ِباللهَّ ِ َو َملاَ ئ َ‬
‫ِك ِت ِه َو ُ‬ ‫ك ٌّل َ‬ ‫ْم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ُ‬ ‫َوال ُ‬
‫س ‪ :‬ما معىن أن حممدًا صلى اهلل عليه وآله وسلم خامت النبيني واملرسلني ‪.‬‬
‫ج ‪ :‬معىن ذلك أن اهلل قد أكمل الدين وأمت نعمته على الناس أمجعني وحفظ كتابه من التحريف والتبديل‪.‬‬
‫فال حاجة لنيب أو رسول إىل أن تقوم الساعة ‪ .‬وحممد هو خامت األنبياء واملرسلني؟‬
‫ان اللهَُّ ِب ُ‬
‫ك ِّل َش ْي ٍء َعل ً‬
‫ِيما﴾[األحزاب‪:‬‬ ‫كَ‬ ‫ني َو َ‬ ‫ول اللهَّ ِ َو َخا َت َم َّ‬
‫الن ِب ِّي َ‬ ‫ِك ْم َول ِ‬
‫َك ْن َر ُس َ‬ ‫ان ُم َح َّم ٌد َأ َبا َأ َح ٍد م ْ‬
‫ِن ِر َجال ُ‬ ‫كَ‬ ‫﴿ما َ‬
‫َ‬
‫‪. ]40‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫خلق اهلل املالئكة من نور‪ ،‬وليسوا كالبشر يف صفاهتم ‪ ،‬وخصائصهم وينفذون ما يأمرهم اهلل به ‪ .‬ومن‬
‫أعماهلم التسبيح ‪ ،‬واخلضوع التام اهلل ‪ ،‬الزنول بالوحي‪ ،‬كتابة األعمال ‪ ،‬تويف األنفس ‪.‬‬
‫أنزل اهلل كتبًا على أنبيائه ورسله ‪ :‬واملدون منها ‪ :‬صحف إبراهيم ‪ ،‬وتوراة موسى ‪ ،‬وزبور داود ‪ ،‬وإجنيل‬
‫عيسى ‪ ،‬والقرآن الكرمي ‪ ،‬وقد حرفت الكتب السابقة وحفظ القرآن من أي حتريف ‪.‬‬
‫أرسل اهلل إىل كل أمة وقص القرآن علينا بعضهم ويبلغ عدد األنبياء واملرسلني (‪ )124.000‬نيب ورسول ‪،‬‬
‫وخامتهم هو حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم‪. 3‬‬
‫اإلميان باملالئكة ‪ ،‬والكتب السابقة ‪ ،‬واملرسلني ‪ ،‬ثالثة أركان من أركان إميان املسلم‪ ،‬ال يتم إميانه إال‬
‫هبا‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل السادس عشر‬
‫اإلميان بالقدر‬

‫القدر‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما هو القدر؟‬
‫ج ‪ :‬القدر هو ما قدره اهلل يف األشياء من مقادير حمددة جتري وفق ما قضى اهلل به من نظام لسري الكون ‪.‬‬
‫َد َر َف َه َدى﴾[األعلى ‪.]3-1 :‬‬ ‫َّذي ق َّ‬‫َق َف َس َّوى َوال ِ‬ ‫اس َم َر ِّب َك الأَْ ْعلَى ال ِ‬
‫َّذي َخل َ‬ ‫‪﴿:‬س ِّب ْح ْ‬
‫قال تعاىل َ‬
‫ك ُّل َش ْي ٍء ِع ْن َد ُه ِب ِم ْق َدا ٍر﴾[الرعد‪. ]8:‬‬‫‪﴿.‬و ُ‬
‫يرا﴾[الفرقان‪َ ]2 :‬‬ ‫ك َّل َش ْي ٍء َف َق َّد َر ُه َت ْق ِد ً‬
‫َق ُ‬
‫﴿و َخل َ‬
‫َ‬
‫قدر ضار وقدر نافع‪:‬‬
‫س ‪ :‬ما موقف املؤمن من القدر؟‬
‫ج ‪ :‬موقف املؤمن من اإلميان بالقدر خريه وشره من اهلل سبحانه ألن املؤمن يعرف أن مقدر األقدار يف املخلوقات‬
‫هو اهلل احلكيم العليم اخلبري ‪ ،‬وأن جهل اإلنسان حبكمة اهلل يف قدر من األقدار إمنا ذلك لقصور يف علم‬
‫اإلنسان ‪ .‬وكل يوم يزداد علم اإلنسان علمًا بتلك األقدار احلكيمة‪.‬‬
‫س ‪ :‬وهل هناك حكمة من قدر الشر؟‬
‫ج ‪ :‬أال ترى أن أي حكومة وهي تضع املكافآت للمواطنني وتسن القوانني اخلاصة هبا اليت ينتفع منها الناس‪.‬‬
‫ويف الوقت نفسه تسن قوانني العقوبات وتنفيذها‪ .‬إن قوانني العقوبات شر ولكن هلا حكمة قد تغيب عن‬
‫كثري من اجلهلة‪ .‬والطبيب يقطع بطن املريض فإذا رآه اجلاهل حسبه عدوًا للمريض ‪ .‬ولكنه يقطع بطن‬
‫املريض حلكمة غابت عن ذلك اجلاهل‪.‬‬
‫ولوال قدر اجلوع ما عمل الناس شيئًا لينالوا قدر األكل‪ .‬ولوال قدر املرض ملا مات أحد‪ ،‬وملا شعر أحد بنعمة‬
‫الصحة‪ .‬ولوال قدر احلياة ما جاء أحد إىل األرض‪ ،‬ولوال قدر املوت لتزاحم األولون واآلخرون على هذه األرض‪.‬‬
‫س ‪ :‬ما هي أقدار اخلري وأقدار الشر؟‬
‫ج ‪ :‬كل ما ينفعك كالطعام والشراب والدواء والعلم؛ أقدار من أقدار اخلري‪ .‬وكل ما يضرك من أقدار‬
‫كاجلوع والعطش واملرض‪ ،‬واجلهل‪ ،‬أقدار من أقدار الشر‪.‬‬
‫س ‪ :‬وماذا يعمل اإلنسان مع األقدار؟‬
‫ال ‪ ،‬وأنزل اهلل كتابًا يهديه إىل اخلري‪ .‬وكل هذه املواهب اإلهلية‬
‫ج ‪ :‬إن اهلل قد منح اإلنسان مسعًا وبصرًا وعق ً‬
‫تعرف اإلنسان بأقدار اخلري وتدعوه لالنتفاع هبا‪ .‬وتبني له أقدار الشر وحتذره منها ‪ .‬فعلى اإلنسان أن ينتفع‬
‫بأقدار اخلري ويتجنب أقدار الشر‪ .‬وأن يدفع قدر الشر بقدر اخلري كأن يدفع قدر اجلوع بقدر األكل وقدر‬
‫املرض بقدر الدواء وهكذا‪ ..‬وهبذا أمرنا اهلل يف كتابه ‪ .‬فمن خالف هدى ربه ومل ينتفع بأقدار اهلل النافعة‬
‫وال بسمعه وبصره وعقله فهو عدو نفسه‪.‬‬
‫س ‪ :‬هل اإلميان بالقدر واجب؟‬
‫ج ‪ :‬نعم ‪ ..‬اإلميان بالقدر واجب وهو ركن من أركان اإلميان‪.‬‬
‫س ‪ :‬ما هي مثار اإلميان بالقدر؟‬
‫‪44‬‬
‫ج ‪ 1 :‬ـ من آمن أن اهلل خلق الكون بأقدار معلومة حمدودة انطلقت طاقاته ومواهبه للتعرف على األقدار‬
‫والسنن اإلهلية النافعة لينتفع هبا ‪ ،‬ويعمل مبقتضاها يف البناء والتعمري واستخراج خريات األرض ‪ ،‬وكل ما‬
‫أودع اهلل يف الكون من منافع وخريات‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ومن آمن بالقدر عرف أن كل شيء يف الوجود إمنا يسري وفق حكمة عليا‪ ،‬فإذا مسه الضر ‪ ،‬فإنه ال‬
‫جيزع ‪ ،‬وإذا وافقه النجاح والتوفيق فإنه ال يبطر‪.‬‬
‫وهبذا يوجد اإلنسان السوي املتزن‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫القدر هو ما قدر اهلل يف األشياء من مقادير حمدودة ‪ .‬جتري وفق ما قضى اهلل به من نظام لسري الكون ‪ .‬من‬
‫ال منيز به بني القدر‬
‫األقدار ما هو نافع ‪ ،‬ومن األقدار ما هو ضار وقد منحنا اهلل هدى ومسعًا وبصرًا وعق ً‬
‫النافع فننتفع به ‪ .‬وبني القدر الضار فنتجنبه ‪ .‬ولكل قدر حكمة عليا نؤمن هبا ألن اهلل حكيم يف أعماله‬
‫وأقداره‪.‬‬
‫اإلميان بالقدر ركن من أركان اإلميان‪ .‬وهو باعث على النشاط والعمل لالنتفاع مبا أودع اهلل يف خريات يف‬
‫األرض‪ .‬وهو يوجد اإلنسان السوي املتزن الذي ال جيزع عند الفشل ‪ ،‬وال يبطر عند النجاح والتوفيق ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اهلوامش‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫[‪ - ]1‬اجلزاء ‪ :‬أي املكافأة ‪.‬‬
‫[‪ - ]2‬السماء ‪ :‬كل ما ارتفع فوق رأسك فهو لك مساء ‪.‬‬
‫[‪ - ]3‬املشرحون ‪ :‬هم الذين يبحثون يف أسرار تركيب اجلسم اإلنساين‪.‬‬
‫[‪ - ]4‬من حديث رواه مسلم ‪.‬‬
‫[‪ - ]5‬هذا التحديد ذهب إليه بعض العلماء استنادًا إىل بعض اآلثار ‪.‬‬

‫‪45‬‬

You might also like