Professional Documents
Culture Documents
التعوي�ض عن الت�أخري
يف �سداد الديون
�إعداد
د�.سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ
ع�ضو هيئة التدري�س يف ق�سم الفقه بكلية ال�شريعة بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية بالريا�ض
التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون
احلمد هلل رب العاملني� ،أمت �أحكام الدين ،و�أظهر معامل �رشعه ،و�أ�شهد �أن ال �إله
�إال اهلل وحده ال �رشيك له ،و�أ�شهد �أن حممداً عبده ور�سوله ،نّبي احلالل واحلرام،
�صلى اهلل عليه ،وعلى �آله و�أ�صحابه ،والتابعني لهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين� ،أما بعد:
ف�إن من امل�شكالت الكربى التي تواجه العمل امل�رصيف واال�ستثمار الإ�سالمي
الديون املت�أخرة ال�سداد ،وهذه امل�شكلة مل يقت�رص دورها على امل�ؤ�س�سات وال�رشكات
فح�سب ،بل تعداها �إلى الدول �أي�ضاً ،وتعاين البنوك الإ�سالمية من هذه امل�شكلة
على وجه اخل�صو�ص؛ وذلك لأن من �أهم �أدواتها يف ا�ستثمار الأموال عقود املرابحة،
التي يرتتب عليها ديون يف ذمم العمالء ،و�إذا ت�أخر �أدا�ؤها عن وقتها املحدد ،ف�إن
البنك يخ�رس عوائدها ،ومما يزيد من �رضر هذا الأمر �أن الديون متثل ن�سبة عالية
من �أ�صول البنوك ال�رشعية ،قد ت�صل يف بع�ضها �إلى �أكرث من ،%90ومن ثم كان
الت�أخري يف �سداد الدين له الأثر البالغ على امل�ؤ�س�سات املالية ،فظهرت احلاجة عند
القائمني على هذه البنوك �إلى ا�شرتاط التعوي�ض يف الت�أخري عن �سداد الديون ،وقد
بلغ عدد البنوك الإ�سالمية التي ت�شرتط التعوي�ض اثني ع�رش بنكاً من �سبعة وع�رشين
بنكاً يف عام 1999م((( ،وهذا العدد يف ازدياد ،كما �أن هذا الأمر جعل البنوك
تت�شدد يف �إجراء املعامالت املالية ،فتطلب رهناً و�ضماناً يف �إعطاء متويل للعميل،
وترفع ن�سبة الربح خوفاً من الت�أخري يف �سداد الدين ،وهذا �أدى �إلى ح�رص تعامل
((( ينظر :م�شكلة الديون املت�أخرة يف البنوك الإ�سالمية د .علي القره داغي �ص.473
البنوك الإ�سالمية يف فئة من النا�س ،قادرة على الوفاء مبا يطلبه البنك منهم ،وقد
بحثت املجامع الفقهية ،وهيئات الرقابة ال�رشعية التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد
الدين ،بل �إن جممع الفقه الإ�سالمي كرر بحث هذا املو�ضوع يف �أكرث من دورة،
حيث بحثه يف الدورة الثامنة ،ثم �أعاد النظر فيه يف الدورة الرابعة ع�رشة ،وهذا
مما يبني الأهمية البالغة لدرا�سة �أحكام هذا املو�ضوع ،ومعاجلته باحللول ال�رشعية،
والطرق ال�صحيحة.
التمهيد
الدين له �إطالقان عند الفقهاء� ،أحدهما عام ،والآخر خا�ص ،فالعام هو احلق
الالزم يف الذمة ،قال ابن جنيم(((« :الدين لزوم حق يف الذمة»(((.
اال �أو حقاً ،فال ي�شرتط يف الدين وهذا ي�شمل كل ما ثبت يف الذمة� ،سوا ًء كان م ً
�أن يكون ما ًال ،بل ي�شمل احلق الذي يطالب بالوفاء به ،كال�صالة ،والزكاة ،واحلج،
والنذر ،وعلى هذا جاء ا�ستعماله يف الن�صو�ص ال�رشعية ،فجاء فيمن ماتت وعليها
الل �صلى اهلل ا�س((( ر�ضي اهلل عنه (�أَ َّن ا ْم َر َ�أ ًة َ�أت َْت َر ُ�س َ
ول هَّ ِ �صوم �شهر حديث ا ْب ِن َع َّب ٍ
عليه و�سلمَ ،فقَالَ ْت� :إِ َّن �أُ ِّمي َمات َْت َو َع َل ْي َها َ�ص ْو ُم �شَ ْه ٍرَ ،فق َ
َال�َ :أ َر�أَ ْي ِت لَ ْو َك َان َع َل ْي َها
((( هو زين الدين بن �إبراهيم بن حممد امل�شهور بابن جنيم ،من فقهاء احلنفية ،ولد �سنة 926هـ ،وتويف �سنة 970هـ ،وله
م�صنفات منها :البحر الرائق �شرح كنز الدقائق� ،شرح املنار فى الأ�صول ،الأ�شباه والنظائر.
ينظر :الطبقات ال�سنية يف تراجم احلنفية للغزي (� ،)275/3شذرات الذهب البن العماد (.)358/8
((( فتح الغفار �شرح املنار (.)20/3
وينظر :جممع الأنهر �شرح ملتقى الأبحر لداماد �أفندي (.)315/2
((( هو عبد اهلل بن عبا�س بن عبد املطلب �شيبة بن ها�شم� ،أبو العبا�س ،حرب الأمة ،وفقيه الع�صر ،و�إمام التف�سري ،مولده
ب�شعب بني ها�شم قبل عام الهجرة بثالث �سنني� ،صحب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم نحواً من ثالثني �شهراً ،وحدث عنه،
دعا له النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،فقال :اللهم فقه يف الدين ،وعلمه الت�أويل ،تويف �سنة � 67أو 68هـ.
ينظر :الطبقات الكربى البن �سعد (� ،)365/2سري �أعالم النبالء للذهبي (.)331/3
الل �أَ َح ُّق ِبا ْلق ََ�ضاءِ)(((. َد ْي ٌن� ،أَ ُك ْن ِت تَق ِْ�ضي َن ُه؟ َقالَ ْت :نَ َع ْمَ ،ق َالَ :ف َد ْي ُن هَّ ِ
ا�س َق َال�( :أَ َم َر ْت ا ْم َر�أَةٌ �سِ َن َان ْب َن َ�س َل َم َة وجاء فيمن مات ومل يحج حديث ا ْب ِن َع َّب ٍ
الل �صلى اهلل عليه و�سلم �أَ َّن �أُ َّم َها َمات َْت َولمَ ْ حَ ُت َّج� ،أَ َف ُي ْج ِز ُئ ول هَّ ِالجْ ُ َهن َِّي �أَنْ َي ْ�س�أَ َل َر ُ�س َ
َع ْن �أُ ِّم َها �أَنْ حَ ُت َّج َع ْن َها؟ َق َال :نَ َع ْم ،لَ ْو َك َان َع َلى �أُ ِّم َها َد ْي ٌنَ ،فق ََ�ض ْت ُه َع ْن َها� ،أَلمَ ْ َي ُك ْن
ُي ْج ِز ُئ َع ْن َها؟ َف ْل َت ُح َّج َع ْن �أُ ِّم َها)(((.
فجعل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صوم واحلج على الذي مات مكل ًفا ومل
يفعله ديناً هلل يق�ضى عن امليت ،وهذا يدل على �أن ما يثبت يف الذمة يعد ديناً� ،سواء
كان هلل �أو لأدمي ،وعلى هذا جرى عامة الفقهاء(((.
�أما الإطالق اخلا�ص فهو بالنظر للمال ،وللفقهاء قوالن يف حقيقته:
القول الأول :ما ثبت يف الذمة من مال ب�سبب يقت�ضي ثبوته ،وهذا مذهب
جمهور الفقهاء من املالكية((( ،وال�شافعية((( ،واحلنابلة( ،((1والظاهرية( ،((1وبع�ض
احلنفية(.((1
فالدين ي�شمل كل ما ثبت يف الذمة من مال� ،سواء ثبت بد ًال عن غريه �أو مل يكن
((( رواه البخاري يف كتاب ال�صوم ،باب من مات وعليه �صوم ( ،)1953( )46/2وم�سلم يف كتاب ال�صيام ،باب ق�ضاء ال�صيام
عن امليت (.)1148( )804/2
((( رواه الن�سائي يف كناب منا�سك احلج ،باب احلج عن امليت الذي مل يحج ( ،)2633( )116/5ورواه يف الكربى ()10/4
( ،)3599و�أحمد ( ،)2518( )279/1وابن خزمية (.)3034( )343/4
و�صححه ابن حزم يف املحلى ( ،)63/7والألباين يف �صحيح الن�سائي (.)2470( )558/2
((( ينظر :تبيني احلقائق للزيلعي ( ،)230/6بدائع ال�صنائع للكا�ساين ( ،)95/1الفروق للقرايف ( )134/2منح اجلليل
لعلي�ش ( ،)363/1ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد د .نزيه حماد �ص.110
((( منح اجلليل (� ،)363/1شرح الزرقاين على خمت�صر خليل ( ،)164/2حا�شية الد�سوقي ( ،)334/3املنتقى للباجي
(.)117/2
((( مغني املحتاج لل�شربيني ( ،)3/3نهاية املحتاج للرملي ( ،)6/6حا�شية اجلمل (.)5/4
( ((1املطلع على �أبواب املقنع للبعلي �ص ،326ك�شاف القناع للبهوتي ( ،)336/3العذب الفائ�ض �شرح عمدة الفار�ض
لأبراهيم الفر�ضي (.)15/1
( ((1املحلى البن حزم (.)80 ،77/8
( ((1املب�سوط لل�سرخ�سي ( ،)140/15درر احلكام لعلي حيدر ( )111/1املادة .158
( ((1ينظر :معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية د .نزيه حماد �ص ،208ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد
�ص ،111-110املعامالت املالية املعا�صرة د .وهبة الزحيلي �ص.186
( ((1جممع الأنهر �شرح ملتقى الأبحر ( ،)124/2غمز عيون الب�صائر للحموي ( ،)5/4حا�شية ال�شلبي على تبيني احلقائق
(.)165/4
(.)221/7( ((1
(.)166/5( ((1
( ((1ينظر :فتح القدير للكمال بن الهمام ( ،)221/7حا�شية ال�شلبي على تبيني احلقائق ( ،)165/4العناية �شرح الهداية
للبابرتي ( ،)221/7معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية د .نزيه حماد �ص.208
( ((1ينظر :ا�ستيفاء الديون يف الفقه الإ�سالمي د .مزيد املزيد �ص.36
( ((1ينظر :معجم مقايي�س اللغة البن فار�س ،مادة فل�س ( ،)451/4ل�سان العرب البن منظور ،مادة فل�س (،)166-165/6
خمتار ال�صحاح للرازي ،مادة فل�س �ص.510
( ((2ينظر :املغني البن قدامة ( ،)537/6ال�شرح الكبري ل�شم�س الدين ابن قدامة ( ،)227/13املطلع على �أبواب املقنع
�ص� ،254شرح منتهى الإرادات للبهوتي (.)273/2
( ((2ينظر :فتح العزيز للرافعي( ،)196/10رو�ضة الطالبني للنووي ( ،)127/4مغني املحتاج (.)146/2
( ((2ينظر :املغني ( ،)537/6ال�شرح الكبري (� ،)228-227/13شرح الزرك�شي ( ،)62/4ك�شاف القناع (.)417/3
(� ((2سورة البقرة� ،آية.280 :
( ((2ينظر :معجم مقايي�س اللغة ،مادة ع�سر ( ،)320-319/4ل�سان العرب ،مادة ع�سر ( ،)564-563/4القامو�س املحيط
للفريوز �آبادي ،مادة ع�سر (.)126/2
ويف اال�صطالح :لي�س للإع�سار عند الفقهاء تعريف جامع ي�شمل جميع معانيه
يف �أبواب الفقه ،بل يختلف معناه من باب �إلى �آخر ،ومل يتعر�ض �أكرث الفقهاء
لو�ضع حد �أو �ضابط للإع�سار ،لكن يدور معناه على عدم قدرة الإن�سان عن ما
لزمه يف ذمته من احلقوق املالية� ،سوا ًء �أكانت هلل كالزكاة ،والكفارة ،والهدي� ،أو
للعباد كالنفقات ،والديون( ،((2وبالنظر �إلى هذا املعنى ُعرف الإع�سار ب�أنه« :هو
عدم القدرة على النفقة� ،أو �أداء ما عليه مبال وال ك�سب»(.((2
-3اجلحود :اجليم واحلاء والدال �أ�صل يدل على قلة اخلري ،واجلحد من كل
�شيء القلة ،وا َجلحد واجلحود �ضد الإقرار ،كالإنكار ،واملعرفة ،يقال :جحده حقه
وبحقه ،وهو الإنكار مع العلم( ،((2ومنه قوله تعالى :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭼ(.((2
ويف اال�صطالح ال يخرج عن معناه يف اللغة ،فرياد به� :إنكار �شيء �سبق
الإقراره به( ،((2قال ابن القيم(« :((3ال يكون اجلحد �إال بعد االعرتاف بالقلب �أو
الل�سان ،....،وعلى هذا ال يح�سن ا�ستعمال الفقهاء لفظ اجلحود يف مطلق الإنكار
( ((2ينظر :مو�سوعة الفقه الإ�سالمي للمجل�س الأعلى لل�ش�ؤون الإ�سالمية (� ،)275/16أحكام الإع�سار املايل يف الفقه
الإ�سالمي د .ف�ضل الرحيم عثمان �ص� ،27-26أحكام املع�سر يف الفقه الإ�سالمي د .عبد اهلل احلذيفي �ص ،18معجم
امل�صطلحات املالية والإقت�صادية �ص.68
( ((2املو�سوعة الفقهية الكويتية (.)246/5
( ((2ينظر :معجم مقايي�س اللغة ،مادة جحد ( ،)425/1القامو�س املحيط ،مادة مطل ( ،)68/4ل�سان العرب مادة جحد
(.)106/3
(� ((2سورة النمل� ،آية.14 :
( ((2ينظر :املجموع للنووي (.)14/3
( ((3هو الإمام �شم�س الدين �أبو عبد اهلل حممد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد الزرعي الدم�شقي املعروف بابن قيم
اجلوزية ،ولد بدم�شق �سنة 691هـ ،والزم �شيخ الإ�سالم ابن تيميه و�أخذ عنه ،وتفنن يف علوم الإ�سالم ،كان عارفاً بالتف�سري
اليجارى فيه ،وب�أ�صول الدين ،و�إليه فيهما املنتهى ،واحلديث ومعانيه وفقهه ،تويف �سنة 751هـ بدم�شق ،وله م�ؤلفات كثرية
منها :زاد املعاد يف هدي خري املعاد� ،إعالم املوقعني عن رب العاملني ،مفتاح دار ال�سعادة ،الطرق احلكمية ،وغريها.
ينظر :الذيل على طبقات احلنابلة البن رجب ( ،)447/2املق�صد الأر�شد البن مفلح (.)384/ 2
يف باب الدعاوى وغريها؛ لأن املنكر قد يكون حمقاً ،فال ي�سمى جاحداً»(.((3
-4املماطلة :م�صدر للفعل ماطل ،وهو م�أخوذ من املطل ،وهو م�شتق من
مطلت احلديدة �إذا �رضبتها ومددتها لتطول ،ومنه يقـال :مطله بدينه مطـ ًال ،وماطله
به مماطلة �إذا �سوفه بوعد الوفاء مرة بعد �أخرى ،وهو يف اللغة :الت�سويف واملدافعة
يف �أداء احلق(.((3
واملماطلة يف اللغة هو ت�أخري �أداء ال�شيء مطلقاً� ،إال �أنها يف ال�رشع �أخ�ص من
ذلك فهي :منع ق�ضاء ما ا�ستحق �أدا�ؤه(.((3
الف�صل الأول
التعوي�ض بزيادة على الدين �إذا ت�أخر يف �سداده
مماطلة املدين القادر على الوفاء ،وت�أخريه يف �سداد ما عليه من الدين يف موعده
املحدد فيه ظلم للدائن ،و�إحلاق لل�رضر به ،وحيلولة بينه وبني �أخذ ماله ،والت�رصف
فيه مبا يعود عليه بامل�صلحة ،فهل يجوز للدائن �أن ي�أخذ من املدين زيادة على �أ�صل
دينه ب�سبب ت�أخره يف الوفاء؟
حترير حمل النزاع :اتفق �أهل العلم على �أنه ال يجوز للدائن �أن ي�أخذ من املدين
( ((3بدائع الفوائد (.)1517/4
( ((3ينظر :معجم مقايي�س اللغة ،مادة مطل ( ،)331/5القامو�س املحيط ،مادة مطل ( ،)68/4ل�سان العرب ،مادة مطل
(.)624/11
( ((3املنتقى (� ،)66/5شرح النووي على �صحيح م�سلم (� ،)227/10إكمال �إكمال املعلم للآبي ( ،)245/4عون املعبود للعظيم
�آبادي (.)195/9
زيادة على �أ�صل الدين عن ت�أخريه يف �سداده �إذا كان مع�رساً ،والواجب عليه �أن
ينظره �إلى مي�رسة( ،((3وقد دل على ذلك قوله تعالى :ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(.((3
ف�أمر اهلل ب�إنظار املع�رس �إلى مي�رسة ،و�إلزامه بالتعوي�ض ينايف الإنظار امل�أمور به.
واختلفوا يف �أخذ زيادة من املدين املو�رس عن �رضر املماطلة؛ لفوات الربح
املظنون لت�أخريه يف ال�سداد على قولني:
القول الأول :يحرم �أخذ زيادة من املدين عن ت�أخره يف �سداد الدين عن موعده
املحدد ،وبه قال �أكرث �أهل العلم ،حيث �صدرت به قرارات وفتاوى من جمامع
فقهية ،وهيئات �رشعية ،وهي:
-1املجمع الفقهي الإ�سالمي التابع لرابطة العامل الإ�سالمي ،فقد جاء يف قراره
ال�صادر بهذا ال�ش�أن�« :أن الدائن �إذا �رشط على املدين� ،أو فر�ض عليه �أن يدفع له
مبلغاً من املال ،غرامة مالية جزائية حمددة� ،أو بن�سبة معينة� ،إذا ت�أخر عن ال�سداد يف
املوعد املحدد بينهما ،فهو �رشط �أو فر�ض باطل ،وال يجب الوفاء به ،بل وال يحل،
�سواء كان ال�شارط امل�رصف �أو غريه»(.((3
-2جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ،فقد جاء يف قراره
ال�صادر ب�ش�أن البيع بالتق�سيط�« :إذا ت�أخر امل�شرتي املدين يف دفع الأق�ساط عن املوعد
املحدد فال يجوز �إلزامه �أي زيادة على الدين ب�رشط �سابق �أو بدون �رشط ،لأن ذلك
( ((3ينظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد �ص ،324بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية د .علي القره داغي
�ص ،116بيع التق�سيط -حتليل فقهي واقت�صادي -د .رفيق بن يون�س امل�صري �ص ،334مطبوع �ضمن �أبحاث جملة جممع
الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�ساد�س ،اجلزء الأول ،مناق�شات جممع الفقه الإ�سالمي ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي العدد
الرابع ع�شر ،اجلزء الرابع �ص.645
(� ((3سورة البقرة� ،آية.280 :
( ((3قرارات املجمع الفقه الإ�سالمي �ص.268
ربًا حمرم»(.((3
-3فتوى ندوة الربكة ال�ساد�سة لالقت�صاد الإ�سالمي التي ن�صت على �أنه« :ال
يجوز تطبيق غرامة الت�أخري على القر�ض احل�سن»(.((3
-4املجل�س ال�رشعي لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية،
حيث جاء يف معيار املدين املماطل« :ال جتوز املطالبة الق�ضائية للمدين املماطل
بالتعوي�ض املايل نقداً �أو عيناً عن ت�أخري الدين»(.((3
وهذا هو قول �أكرث الباحثني(.((4
القول الثاين :يجوز للدائن �أن ي�أخذ زيادة على �أ�صل الدين يف مقابل ت�أخري
املدين يف الوفاء ،ويرجع يف تقدير التعوي�ض �إلى القا�ضي الذي ينظر �إلى ما فات
الدائن من ربح معتاد يف طرق التجارة العامة يف حالة قب�ضه دينه يف موعده،
وا�ستثماره بالطرق امل�رشوعة دون نظر �إلى �سعر الفائدة ،و�إن كان الدائن م�رصفاً ،فله
�أخذ تعوي�ض مبقدار ن�سبة الربح الذي كان ميكن �أن يحققها يف دين املماطل يف حالة
ا�ستثماره ،وهذا هو قول بع�ض �أهل العلم(.((4
( ((3جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�ساد�س ،اجلزء الأول� ،ص.447
( ((3عقدت بت�أريخ � 9-5شعبان 1410هـ.
( ((3املعايري ال�شرعية �ص.34
( ((4وهم الدكتور نزيه حماد ،وال�شيخ عبد اهلل بن بيه ،والدكتور حممد الأمني ال�ضرير ،وال�شيخ حممد تقي العثماين،
والدكتور حممد عثمان �شبري ،والدكتور علي القره داغي ،والدكتور عبد اهلل ال�سعيدي ،والدكتور مزيد املزيد ،والدكتور
حممد زكي عبد الرب ،والدكتور زكي الدين �شعبان ،والدكتور �سليمان الرتكي ،والدكتور �سليمان الدخيل.
ينظر :درا�سات يف �أ�صول املداينات �ص ،285تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال �ص ،139االتفاق
على �إلزام املدين امل�ؤ�سر بتعوي�ض �ضرر املماطلة �ص�( 118ضمن بحوث جملة �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي ،املجلد ،3العدد
،1عام 1411هـ) ،بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص� ،40صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي
( ،)874 -873/2بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص ،150الربا يف املعامالت امل�صرفية املعا�صرة ( ،)1216/2ا�ستيفاء
الديون يف الفقه الإ�سالمي �ص ،185ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص�( ،166ضمن بحوث جملة جامعة
امللك عبد العزيز ،االقت�صاد الإ�سالمي ،املجلد - 2عام 1410هـ) ،تعليق على مقال هل يقبل �شرعاً احلكم على املدين املماطل
بالتعوي�ض عن الدائن �ص ،217بيع التق�سيط و�أحكامه �ص ،339املماطلة يف الديون �ص.391
( ((4هو قول ال�شيخ م�صطفى بن �أحمد الزرقا ،وال�شيخ عبد اهلل بن �سليمان املنيع.
ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن لل�شيخ م�صطفى الزرقا ،بحث مطبوع يف جملة درا�سات اقت�صادية
�إ�سالمية) املجلد الثالث ،العدد الثاين �ص ،20بحث يف مطل الغني و�أنه ظلم يحل عر�ضه وعقوبته لل�شيخ عبد اهلل بن منيع
�ص( 394مطبوع �ضمن كتاب بحوث يف االقت�صاد الإ�سالمي).
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
ا�ستدل القائلون بتحرمي �أخذ زيادة على �أ�صل الدين يف مقابل الت�أخري عن ال�سداد
ب�أدلة من املنقول ،واملعقول.
�أو ًال :دليلهم من املنقول:
-1عموم الن�صو�ص الواردة يف الكتاب وال�سنة يف حترمي الربا ،ومنها:
�أ -قوله تعالى :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ(� ((4إلى
قوله :ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ(.((4
تعالى :ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ب -قوله
ﯳ ﯴﭼ(.((4
ِيلَ :يا َر ُ�س َ
ول َات ،ق َ (اج َت ِن ُبوا ال�سَّ ْب َع المْ ُو ِبق ِ
ج -قوله �صلى اهلل عليه و�سلمْ :
اللُ �إِلاَّ ِبالحْ َقِّ ،
ال�س ْح ُرَ ،و َق ْت ُل ال َّن ْف ِ�س ا َّلتِي َح َّر َم هَّ
اللَِ ،و ِّ الل َو َما ُه َّن؟ َق َال :ال�شرِّ ْ ُك ِب هَّ هَّ ِ
ات ا ْلغَاف ِ
ِالت الز ْح ِفَ ،و َق ْذ ُف المْ ُ ْح ِ�ص َن ِ َو�أَ ْك ُل َمالِ ا ْليَت ِِيمَ ،و َ�أ ْك ُل ال ِّربَاَ ،وال َّت َوليِّ َي ْو َم َّ
ات)(.((4 المْ ُ�ؤْ ِم َن ِ
ول هَّ ِ
الل �صلى اهلل عليه و�سلم �آكِ َل د -عن َجا ِب ٍر( ((4ر�ضي اهلل عنه َق َال( :لَ َع َن َر ُ�س ُ
ال ِّربَاَ ،و ُم�ؤْكِ َل ُهَ ،و َكا ِت َب ُهَ ،و�شَ اهِ َد ْيهَِ ،و َق َالُ :ه ْم َ�س َوا ٌء)(.((4
وجه الداللة� :أن هذه الن�صو�ص دلت على حترمي الزيادة مقابل ت�أخري الوفاء،
وهذا ي�شمل ثالث �صور:
الأولى :حالة املع�رس الذي ال يجد ما يق�ضي به.
الثانية :حالة املو�رس الذي يتفق مع �صاحب الدين على �إنظاره مقابل الزيادة.
الثالثة :حالة املو�رس الذي ال يق�ضي ،في�ضع عليه �صاحب الدين زيادة مقابل ت�أخريه،
وهي هذه امل�س�ألة ،ومل يفرق �أحد من �أهل العلم يف حترمي الزيادة يف هذه ال�صور
الثالث باعتبارها من ربا اجلاهلية ،قال القرطبي( ((4يف تف�سري ربا اجلاهلية « :وغالبه ما
كانت العرب تفعله من قولها للغرمي� :أتق�ضي �أم تربي؟ فكان الغرمي يزيد يف عدد املال،
وي�صرب الطالب عليه ،وهذا كله حمرم باتفاق الأمة»(.((4
وت�سمية هذه الزيادة بالغرامة �أو العقوبة ال يغري حقيقتها ،لأن العربة باملعاين ال
بالألفاظ ،فكل زيادة على الدين مقابل الت�أخري يف �سداده هي من ربا اجلاهلية� ،سواء
�سميت تعوي�ضاً� ،أو غرامة� ،أو غري ذلك من الت�سميات احلادثة ،و�سواء كان املدين غنياً
�أو فقرياً ،فحقيقة الزيادة �أنها ربا مهما اختلفت م�سمياتها ،وتنوعت مقايي�س تقديرها(.((5
املناق�شة :الفرق بني غرامة الت�أخري والزيادة الربوية من �أربعة وجوه:
( ((4هو جابر بن عبد اهلل بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن �سلمة� ،أبو عبد اهلل الأن�صاري اخلزرجي ال�سلمي،
املجتهد احلافظ �صاحب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،من �أهل بيعة الر�ضوان ،روى علماً كثرياً ،مات �سنة 78هـ.
ينظر� :سري �أعالم النبالء للذهبي ( ،)189 / 3الإ�صابة البن حجر (.)214 / 1
(� ((4أخرجه م�سلم يف كتاب امل�ساقاة ،باب لعن �آكل الربا وم�ؤكله (.)1598( )1219/3
( ((4هو حممد بن �أحمد بن �أبي بكر الأن�صاري ،الأندل�سي ،املالكي ،كان من العلماء الزاهدين ،امل�شتغلني بالت�صنيف تويف
�سنة 671هـ ،له م�صنفات منها :اجلامع لأحكام القر�آن ،التذكرة ب�أحوال املوتى والآخرة.
ينظر :الديباج املذهب �ص� ،317شذرات الذهب (.)335/5
( ((4اجلامع لأحكام القر�آن (.)226/3
( ((5ينظر :تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال لل�شيخ عبد اهلل بن بيه �ص ،134 -133بيع
التق�سيط د .رفيق امل�صري �ص ،137 -136بيع التق�سيط و�أحكامه �ص.335
الأول� :أن الزيادة الربوية تكون م�رشوطة ابتداءاً� ،أما غرامة الت�أخري فال يلج�أ �إليها
�إال عند ت�أخر املدين يف ال�سداد.
الثاين� :أن الزيادة الربوية تلزم املدين مطلقاً� ،سواء كان مع�رساً �أو مو�رساً� ،أما
الغرامة فال تلزم �إال الغني املماطل.
الثالث� :أن الزيادة الربوية زيادة يف غري مقابلة عو�ض� ،أما غرامة الت�أخري فهي يف
مقابلة تفويت منفعة الدائن من ماله مدة املطل.
الرابع� :أن الزيادة الربوية تلزم املدين يف كل حال� ،أما غرامة الت�أخري فال تفر�ض
على املدين �إال �إذا حتققت يف مدة مماطلته �أرباح يف ح�ساب اال�ستثمار للم�رصف(.((5
اجلواب� :أن هذه الفروق غري م�ؤثرة يف احلكم ال�رشعي ،لأن غرامة الت�أخري
ت�ؤدي �إلى ما ي�ؤدي �إليه الربا من الزيادة على �أ�صل الدين ،والفرق بينهما �إمنا يف
االجراءات املتبعة يف حتقيق هذا الأمر.
الل �صلى اهلل عليه و�سلم َ -2ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ال�شرَّ ِ يدِ (َ ((5ع ْن �أَ ِبي ِه(َ ((5ع ْن َر ُ�سولِ هَّ ِ
َق َال( :ليَ ُّ ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(.((5
( ((5ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن لل�شيخ م�صطفى الزرقا �ص ،20-19بحوث يف ق�ضايا فقهية
معا�صرة �ص ،39-38بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص� ،122 -121أحكام البيع بالتق�سيط وو�سائله املعا�صرة يف �ضوء
الفقه الإ�سالمي لل�شيخ حممد تقي العثماين �ص�( 56-55ضمن بحوث جممع الفقه الإ�سالمي) ،جملة جممع الفقه
الإ�سالمي ،العدد ال�سابع ،اجلزء الثاين.
( ((5هو عمرو بن ال�شريد بن �سويد الثقفي� ،أبو الوليد الطائفي ،تابعي ثقة ،روى عن �أبيه ،و�أبي رافع ،و�سعد ابن �أبي
وقا�ص ،وابن عبا�س .ينظر :تهذيب التهذيب البن حجر (.)347/4
( ((5هو ال�شريد بن �سويد الثقفي ،له �صحبة ،قيل :ا�سمه مالك ،وفد على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،ف�سماه ال�شريد،
�شهد بيعة الر�ضوان روى عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم.
ينظر :اال�ستيعاب يف �أ�سماء الأ�صحاب البن عبد الرب ( ،)159/2تهذيب التهذيب (.)495-494/2
(� ((5أخرجه �أبو داود يف كتاب الأق�ضية ،باب يف احلب�س يف الدين وغريه ( ،)3628( )313/3والن�سائي يف كتاب البيوع ،باب
مطل الغني (،)4689( )316/7ويف الكربى ( ،)6288( )259/4وابن ماجه يف كتاب ال�صدقات ،باب احلب�س يف الدين واملالزمة
( ،)2427( )811/2و�أحمد ( ،)17975( )222/4وابن �أبي �شيبة ( ،)79/7وابن حبان ( ،)5089( )486/11والطرباين يف
الكبري ( ،)7249( )318/7واحلاكم ( ،)102/4والبيهقي ( ،)51/6وعلقه البخاري يف �صحيحه يف كتاب اال�ستقرا�ض ،باب
ل�صاحب احلق مقال ( ،)175/2فقال “ :ويذكر عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (يل الواجد يحل عقوبته وعر�ضه ).
واحلديث �صححه ابن حبان ،وقال احلاكم“ :هذا حديث �صحيح الإ�سناد ،ومل يخرجاه” ،وح�سنه ابن كثري ،وقال احلافظ:
“و�إ�سناده ح�سن” ،وح�سنه الألباين .ينظر� :صحيح ابن حبان ( ،)5089( )486/11امل�ستدرك على ال�صحيحني (،)102/4
�إر�شاد الفقيه ( ،)47/2فتح الباري (� ،)76/5إرواء الغليل (.)259/5
وجه الداللة� :أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ح�رص جزاء الغني املماطل يف
العر�ض بجواز ذمه ،ويف العقوبة بحب�سه �أو مالزمته ،ولو كانت العقوبة املالية جائزة
لذكرها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،كما ذكر غريها ،لأن املو�ضع مو�ضع بيان(.((5
املناق�شة� :أن املق�صود من العقوبة ردع الغني املماطل وزجره ،وحثه على �أداء
احلق ،وهذا كما يح�صل باحلب�س ،فكذلك يح�صل ب�إلزامه دفع زيادة على �أ�صل
دينه(.((5
اجلواب� :أن العقوبة مل يف�رسها �أحد من الفقهاء بالتعوي�ض املايل(.((5
( ((5ينظر :ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض د 0حممد زكي عبد الرب �ص ،168ا�ستيفاء الديون يف الفقه
الإ�سالمي �ص ،183بيع التق�سيط و�أحكامه �ص ،334املماطلة يف الديون �ص.364-363
( ((5ينظر :بحث يف مطل الغني و�أنه ظلم يحل عر�ضه وعقوبته �ص� ،398صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف
الفقه الإ�سالمي (.)865 -864/2
( ((5ينظر :بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص ،42تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال
�ص ،139نظام الديون د .ال�شريف �ص� ،421صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (.)868/2
( ((5ينظر :ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص ،170 ،167بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص ،40بيع
التق�سيط و�أحكامه �ص.334
( ((5الفروق (� ،)32 / 2شرح خمت�صر الرو�ضة للطويف (0 )135 / 3
وهذا ما ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا ،فوجب القول بتحرميها �سداً لهذه الذريعة(.((6
�أدلة القول الثاين:
ا�ستدل القائلون بجواز �أخذ زيادة على �أ�صل الدين يف مقابل الت�أخري عن ال�سداد
ب�أدلة من الكتاب ،وال�سنة ،واملعقول.
�أو ًال :دليلهم من الكتاب:
ا�ستدلوا بالآيات الآتية:
-1قوله تعالى :ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﭼ(.((6
وجه الداللة� :أن الوفاء مبا ترتب على العقد ال�صحيح من حقوق بني العاقدين
�أمر واجب بن�ص الآية ،لأن الأ�صل يف الأمر �أنه للوجوب ما مل تقم قرينة �صارفة له
عن الوجوب ،ويدخل يف الوفاء بالعقد االلتزام بوقت الوفاء ،والت�أخر يف ذلك
ي�ؤدي �إلى حرمان �صاحب احلق من اال�ستفادة من حقه ،ويدخل عليه ال�رضر ،وهذا
يوجب التعوي�ض على املدين ،لأنه املت�سبب فيه(.((6
-2قوله تعالى :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ(.((6
-3قوله تعالى :ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼ(.((6
وجه الداللة� :أن الأمانة ت�شمل جميع الأموال واحلقوق الواجبة ،وامل�ؤمن م�ؤمتن
( ((6ينظر :ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص ،167بيع التق�سيط و�أحكامه �ص ،334املماطلة يف الديون
�ص.371
(� ((6سورة املائدة� ،آية.1 :
( ((6ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص.13
(� ((6سورة امل�ؤمنون� ،آية .8
(� ((6سورة الن�ساء� ،آية .58
على ح�سن �أدائها ،ومن �أخر �أداء احلق امل�ستحق عن موعده املحدد ف�إنه مل يلتزم مبا
�أمر به ،ومل ي�ؤد الأمانة على وجهها(.((6
-4قوله تعالى :ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ(.((6
وجه الداللة من الآيتني� :أن اهلل �أمر بالعدل ،والعدل ي�شمل عدل احلكام على
الرعية ،وعدل الأفراد بع�ضهم مع بع�ض يف التعامالت ،ومن العدل �أن ي�ؤدي املرء
ما عليه من حقوق لأربابها يف وقتها ،و�إال كان ظاملاً ،وكل ظامل �أدى ظلمه �إلى �إحلاق
�رضر بغريه كان م�س�ؤو ًال عن ذلك(.((6
-6قوله تعالى :ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ(.((6
وجه الداللة� :أن اهلل نهى عن �أكل املال بالباطل ،واملال ي�شمل املنافع ،وال يقت�رص
على الأعيان ،وت�أخري �أداء احلق امل�ستحق عن موعده املحدد بال عذر هو من �أكل
منفعة املال بال �إذن �صاحبه مدة الت�أخري ،وهذا يوجب التعوي�ض على الآكل(.((6
مناق�شة وجه اال�ستدالل بالآيات :ال داللة يف هذه الآيات ،لأنها عمومات يف
وجوب الوفاء بالعقد وما ترتب عليه ،و�أداء الأمانة ،واحلكم بني النا�س بالعدل،
والنهي عن �أكل �أموال النا�س بالباطل ،وهذا ال يدل على �إلزام املدين الغني املماطل
بتعوي�ض للدائن عن ت�أخريه يف �سداد دينه عن وقته ،فاملدلول �أخ�ص من الدليل.
( ((7عبادة بن ال�صامت بن قي�س بن �أ�صرم ،اخلزرجى� ،أبو الوليد الأن�صاري ،الإمام القدوة� ،أحد النقباء ليلة العقبة �شهد
امل�شاهد كلها مع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� ،سكن بيت املقد�س ،تويف �سنة 34هـ.
ينظر :الطبقات الكربى البن �سعد (� ،)546/3سري �أعالم النبالء (.)5/2
(� ((7أخرجه ابن ماجه يف كتاب التجارات ،باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره ،)2340()784/2( ،و�أحمد ()327-326/5
( ،)22830والبيهقي ( .)157-156/6قال احلافظ يف الدراية �ص “ :373وفيه انقطاع “.
وقال البو�صريي يف الزوائد “ :حديث عبادة هذا �إ�سناد رجاله ثقات� ،إال �أنه منقطع ،لأن �إ�سحاق بن الوليد ،قال الرتمذي
وابن عدي “ :مل يدرك عبادة بن ال�صامت “ ،وقال البخاري “ :مل يلق عبادة “.
بع�ضا ،فقد روي عن ثمانية من ال�صحابة واحلديث ح�سنه جمع من �أهل العلم بالنظر �إلى كرثة طرقه التي يقوي بع�ضها ً
ح�سنه ابن ال�صالح ،والنووي ،والعالئي ،و�صححه الألباين. من طرق خمتلفة ،وقد ّ
ينظر :جامع العلوم واحلكم البن رجب ( ،)210/2في�ض القدير للمناوي (� ،)432/6إرواء الغليل للألباين (.)413/3
( ((7ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص ،15البيع امل�ؤجل د .عبد ال�ستار �أبو غدة �ص ،92بيع التق�سيط
و�أحكامه �ص.326
( ((7ينظر :ال�ضمان يف الفقه الإ�سالمي لل�شيخ علي اخلفيف �ص� ،56-54صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه
الإ�سالمي ( ،)870-869/2امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص.110
الوجه الثاين� :أن من �رشط �إزالة ال�رضر �أن ال يكون ب�رضر �آخر ،ولهذا قيدت
قاعدة« :ال�رضر يزال»( ((7بقاعدة �أخرى ،وهي« :ال�رضر ال يزال بال�رضر»( ،((7وهذا
ال�رشط غري متحقق يف �إزالة �رضر الت�أخر يف �سداد الدين بالتعوي�ض املايل ،لأن فيه
�إزالة ال�رضر ب�رضر �آخر ،بل ب�أكرث منه ،و�إمنا يكون بت�سليم املدين للدائن قدر دينه،
والزيادة لي�ست من دينه حتى يقال� :إنها �رضر ،فيعو�ض عنها.
الوجه الثالث :عدم الت�سليم بح�رص �إزالة ال�رضر بالتعوي�ض املادي ،بل له طرق
�أخرى م�رشوعة من ال�شكاية ،واملالزمة ،واحلب�س ،وغري ذلك.
الل �صلى اهلل عليه و�سلم َق َالَ ( :م ْط ُل ا ْل َغن ِِّي ُظ ْل ٌم)(.((7 َ -2ع ْن �أَ ِبي ُه َر ْي َر َة �أَ َّن َر ُ�س َ
ول هَّ ِ
الل �صلى اهلل عليه و�سلم َق َال( :ليَ ُّ َ -3ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ال�شرَّ ِ يدِ َع ْن �أَ ِبي ِه َع ْن َر ُ�سولِ هَّ ِ
ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(.((7
وجه الداللة من احلديثني� :أن احلديث الأول دل على �أن مماطلة الغني القادر
على الوفاء مبا عليه من دين عن وقته ظلم ،واحلديث الثاين دل على �أن هذا يحل
عر�ضه وعقوبته ،وهي عقوبة تعزيرية املق�صود منها الردع والزجر ،واحلث على
�أداء احلق ،وهذا كما يح�صل باحلب�س ،فكذلك يح�صل ب�إلزام املماطل دفع زيادة على
�أ�صل الدين ،لأن العقوبة �إذا كانت تعزيرية ،فهي تتغري من زمن �إلى زمن ح�سب
امل�صلحة ،كما �أن العقوبة الواردة يف احلديث مطلقة ،واملطلق يجري على �إطالقه ما
مل يقم دليل على تقييده ،وهي ت�شمل احلب�س ،والتعوي�ض ،وكل ما ي�ؤدي �إلى زجر
( ((7الأ�شباه والنظائر البن ال�سبكي ( ،)41/1الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص ،86الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص،85
جمامع احلقائق والقواعد للخادمي �ص.322
(� ((7شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص� ،195شرح جملة الأحكام العدلية ل�سليم ر�ستم ( ،)31/1قواعد الفقه للمجددي
الربكتي �ص.88
(� ((7أخرجه البخاري يف كتاب احلوالة ،باب احلوالة وهل يرجع يف احلوالة ؟ ( ،)2287( )139/2وم�سلم يف كتاب امل�ساقاة،
باب حترمي مطل الغني ،و�صحة احلوالة وا�ستحباب قبولها �إذا �أحيل على مليء (.)1564( )1197/3
(� ((7سبق تخريجه �ص.14
املماطلني الأغنياء(.((7
املناق�شة :يناق�ش من ثالثة وجوه:
الوجه الأول� :أن معنى قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلمُ ( :يحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)
�أن املدين الغني املماطل يحل القول يف عر�ضه بالإغالظ له من قبل الدائن ،ك�أن
يقول له :يا ظامل ،ومطلني ،ونحو ذلك� ،أما العقوبة فهي عقوبة بدنية تتمثل يف
حب�سه ،وما كان يف معناه كاملالزمة ،قال الإمام �أحمد« :قال وكيع :عر�ضه �شكايته،
وعقوبته حب�سه»( ،((7وقال البخاري« :قال �سفيان :عر�ضه :يقول :مطلتني ،وعقوبته
احلب�س»( ،((8وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة( ،((8قال �شيخ الإ�سالم« :والظامل
ي�ستحق العقوبة والتعزير ،وهذا �أ�صل متفق عليه �أن كل من فعل حمر ًما� ،أو ترك
واج ًبا ،ا�ستحق العقوبة ،ف�إن مل تكن مقدرة بال�رشع كان يجتهد تعزي ًرا فيه ويل
الأمر ،فيعاقب الغني املماطل باحلب�س ،ف�إن �أ�رص عوقب بال�رضب ،حتى ي�ؤدي
الواجب ،وقد ن�ص على ذلك الفقهاء من �أ�صحاب مالك ،وال�شافعي ،و�أحمد،
وغريهم ،وال �أعلم فيه خال ًفا»(.((8
ومل يف�رسها �أحد من الفقهاء بالتعوي�ض املايل( ،((8وبهذا يكون احلديث خارجاً
عن حمل النزاع.
( ((7ينظر :بحث يف مطل الغني و�أنه ظلم يحل عر�ضه وعقوبته �ص ،404 ،398حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض
للدائن �ص ،16-15بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص ،191تعليق على مقال هل يقبل �شرعاً احلكم على املدين املماطل
بالتعوي�ض عن الدائن �ص� ،217صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث (.)865 -864/2
(� ((7أخرجه �أحمد ( ،)17975( )222/4وابن �أبي �شيبة (.)287/5
( ((8علقه البخاري يف �صحيحه يف كتاب اال�ستقرا�ض ،باب ل�صاحب احلق مقال (.)175/2
( ((8ينظر :املب�سوط ( ،)88 ،76/20بدائع ال�صنائع ( ،)173/7املقدمات املمهدات ( ،)308/2تب�صرة احلكام (،)316/2
احلاوي الكبري ( ،)334-333/6مغني املحتاج ( ،)156/2املبدع ( ،)307/4ك�شاف القناع (.)420-419/3
( ((8ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية �ص.51
( ((8ينظر :بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص ،42تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال
�ص ،139نظام الديون �ص� ،421صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (.)868/2
الوجه الثاين :لو �سلمنا بجواز العقوبة املالية ،فال جتوز يف هذه امل�س�ألة ،وهي
الت�أخري يف �سداد الدين ،لأنها ذريعة �إلى الربا(.((8
الوجه الثالث� :أن الأ�صل يف العقوبة ب�أخذ املال �أنها من اخت�صا�ص احلاكم ،كما
�أنها ت�رصف يف بيت املال(.((8
ثالث ًا :دليلهم من املعقول:
� -1أن من مقا�صد ال�رشيعة عدم امل�ساواة بني املطيع والعا�صي ،والأمني واخلائن،
والعادل والظامل ،ومن ي�ؤدي احلقوق لأ�صحابها ومن ي�ؤخرها ،و�إذا مل يلزم املماطل
الغني بدفع تعوي�ض ل�صاحب احلق �أدى هذا �إلى م�ساواته بالعدل الأمني الذي ال
ي�ؤخر حقاً لأحد ،وال يدخل عليه �رضراً ،و�إذا ت�ساوى معجل احلق وم�ؤخره كان ذلك
داعياً لكل مدين �أن ي�ؤخر احلق ،ومياطل يف �أدائه قدر ما ي�ستطيع(.((8
املناق�شة :يناق�ش من وجهني:
الوجه الأول :عدم الت�سليم ب�أن عدم �إلزام املدين املماطل الغني بالتعوي�ض يلزم
منه ت�سويته بالعدل الأمني ،لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�صفه بالظلم ،وهذا
الو�صف ي�ستتبع عقوبات دنيوية من جواز مالزمته ،وحب�سه ،والكالم يف عر�ضه،
بالإ�ضافة �إلى العقوبة الآخروية ،وهاتان العقوبتان تنفيان الت�سوية بينه وبني العدل
الأمني ،وجتعله ي�شعر بعظيم الذنب ،ويبادر �إلى �سداد الدين(.((8
الوجه الثاين� :أن من مقا�صد ال�رشيعة �سد الذرائع املو�صلة للمحرمات ،والقول
( ((8ينظر :ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص ،167تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت
الأموال �ص.137
( ((8ينظر :تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال �ص ،136بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص.42
( ((8ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص� ،16-15صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه
الإ�سالمي ( ،)866 -865/2البيع امل�ؤجل �ص ،93ا�ستيفاء الديون يف الفقه الإ�سالمي �ص.182-181
( ((8ينظر� :صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي ( ،)871-870/2الربا يف املعامالت امل�صرفية
املعا�صرة ( ،)1195-1194/2امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص ،113-112البيع امل�ؤجل �ص،100-99
ا�ستيفاء الديون يف الفقه الإ�سالمي �ص.182
بجواز التعوي�ض عن الت�أخري يف�ضي �إلى الربا ،وهذا يتعار�ض مع هذا املق�صد،
والواجب هو اجلمع بني مقا�صد ال�رشيعة ،بحيث يعاقب املدين املماطل عقوبة حتقق
املق�صود ،وال تهدم مق�صداً �آخر.
� -2أن الفقهاء قرروا �أن منافع املغ�صوب م�ضمونة على الغا�صب ،كعني املال
املغ�صوب� ،سواء ا�ستوفاها الغا�صب �أو ال ،و�إذا هلك املغ�صوب عند الغا�صب ف�إنه
ي�ضمن ملالكه قيمته ،و�أجرة املثل ملنافعه يف مدة غ�صبه ،وت�أخري �أداء الدين عن وقته
من املماطل القادر على الوفاء ي�شبه الغ�صب ،فيجب �أن ي�أخذ حكمه ،فتكون منافع
الدين الذي �أخره م�ضمونة ،قيا�ساً على �ضمان الغا�صب منافع العني املغ�صوبة(.((8
املناق�شة :يناق�ش من �أربعة وجوه:
الوجه الأول� :أن من �رشوط القيا�س �أن يكون الأ�صل املقي�س عليه متفقاً على
حكمه ،والأ�صل املقي�س عليه ،وهو �ضمان منافع املغ�صوب مل يتحقق فيه هذا ال�رشط،
�إذ هو حمل خالف بني �أهل العلم ،حيث ذهب احلنفية �إلى �أن منافع املغ�صوب غري
م�ضمونة على الغا�صب� ،سواء ا�ستوفاها لنف�سه �أو عطلها على املالك(.((8
الوجه الثاين :لو �سلمنا �أن منافع املغ�صوب م�ضمونة على الغا�صب ،وهو مذهب
ال�شافعية( ،((9واحلنابلة( ،((9فمحله ما له منافع ت�ستباح بعقد الإجارة ،كالعقار،
والدواب ،والثياب ونحوها؛ لأن املنفعة مال متقوم ،فوجب �ضمانها كالعني
( ((8ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص ،15بحث يف مطل الغني �ص ،408 ،394الربا يف املعامالت
امل�صرفية املعا�صرة (� ،)1200 /2صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي ( ،)865/2البيع امل�ؤجل
�ص ،93-92بيع التق�سيط و�أحكامه �ص.327-326
( ((8الهداية ( ،)348/9العناية ( ،)348/9تبيني احلقائق ( ،)235/5تكملة البحر الرائق (.)37/8
( ((9املهذب لل�شريازي ( ،)483/1فتح العزيز �شرح الوجيز (� ،)262/11أ�سنى املطالب للأن�صاري ( ،)343/2مغني املحتاج
(.)286/2
( ((9ال�شرح الكبري ( ،)277/15الإن�صاف للمرداوي ( ،)278-277/15تقرير القواعد وحترير الفوائد (،)342 ،334/2
ك�شاف القناع (.)111/4
( ((9ينظر :فتح العزيز �شرح الوجيز ( ،)262/11املغني ( ،)418/7ال�شرح الكبري (.)279/15
( ((9هو الإمام موفق الدين �أبو حممد عبد اهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة املقد�سي ،ولد �سنة 541هـ ،كان �إمام
احلنابلة يف ع�صره ،بلغ مرتبة االجتهاد ،تويف �سنة 620هـ ،وله ت�صانيف كثرية منها :املغني ،الكايف ،املقنع ،العمدة.
ينظر :الذيل على طبقات احلنابلة ( ،)133/ 2املق�صد الأر�شد (.)15/2
( ((9املغني (.)418/7
( ((9املرجع ال�سابق (.)362/7
ويجوز مبادلتها مبال ،لأنها مال متقوم ،ولذا وجب �ضمانها على الغا�صب مقابل ما
فوت من منافعها على املغ�صوب منه ،بنا ًء على قاعدة اجلوابر التي تق�ضي بوجوب
�إحالل مال مماثل عو�ضاً عن مال حمقق فائت(.((9
الوجه الثالث� :أن هذا قيا�س مع وجود الن�ص فيكون باط ًال ،فقد جاءت الأدلة
عامة بتحرمي الربا ،وهذا ي�شمل �أخذ زيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن ال�سداد(.((9
الوجه الرابع :الفرق بني الغا�صب واملدين الغني املماطل من جهة �أن الغا�صب
ا�ستولى على مال املغ�صوب منه قهراً بغري حق ،فا�ستحق �أن ي�ضمن هذا املال
املغ�صوب ومنافعه معاً� ،أما املماطل فلم يح�صل منه اعتداء على مال الدائن ،و�إمنا
�أخذه بوجه م�رشوع ،ثم �صار ديناً يف ذمته ولكنه ت�أخر يف رده ل�صاحبه ،فوجب
ردعه بالعقوبة ال�رشعية حم ًال له على رد املال.
� -3أن الزيادة على الدين للت�أخري يف �سداده من باب امل�صالح املر�سلة ،فيكون
جائزاً ،لأن هذا مينع املماطل من ا�ستغالل �أموال غريه ظلماً ،ال �سيما �أن هذا الظلم
يقع على امل�صارف التي ال تتعامل بالربا دون امل�صارف الربوية التي حت�سب الفائدة
ح�سب زمن الت�أخري ،فت�رضر امل�صارف الإ�سالمية من جهتني:
الأولى� :أنها حترم من ا�ستثمار �أموالها ،واال�ستفادة منها.
الثانية� :أنها ت�ضعف يف �سوق املناف�سة(.((9
املناق�شة� :أن هذه امل�صلحة �شهد ال�رشع ببطالنها ،فتكون من �أنواع امل�صلحة
امللغاة ،وامل�صلحة امللغاة �أن يرد يف امل�س�ألة ن�ص يدل على حكمها يناق�ض احلكم
( ((9ينظر :امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص� ،110-109صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف
الفقه الإ�سالمي ( ،)870/2ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص ،218تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل
من معامالت الأموال �ص ،135بيع التق�سيط �ص ،150-149بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص.143 ،121-120
( ((9ينظر :تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال �ص ،136-135بيع التق�سيط �ص.137
( ((9ينظر :بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص ،121تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال �ص.139
النقود تن�شئ الربح ،وهذا خمالف لل�رشع ،ولو كان هذا معترباً ،لكان الغا�صب
وال�سارق �أولى بتطبيقه عليه ،ومل يقل �أحد من �أهل العلم بفر�ض عقوبة مالية على
غا�صب النقود �أو �سارقها لكونه فوت ربحها على مالكها ،و�إمنا جاء ال�رشع بعقوبة
قطع اليد يف حق ال�سارق ،و�إرجاع املال ل�صاحبه ،ومل يوجب عليه �أي عقوبة مالية،
وكذلك �أوجب على الغا�صب �إرجاع املغ�صوب �إلى مالكه ،وال �شك �أن ك ًال من
ال�سارق والغا�صب قد �أحدثا �رضراً على املالك بحرمانه من ماله ،وربحه املتوقع
منه ،وال�شارع �إمنا �أوجب �إزالة هذا ال�رضر برد املال �إلى مالكه دون فر�ض عقوبة مالية
على فوات ربحه(.((10
الوجه الثاين� :أن القاعدة يف �ضمان النقود �أنها ت�ضمن مبا فات منها ،بحيث
ت�ضمن مبثلها ال على ما يظن �أنه �سيفوت من ربحها ،وهذا باتفاق �أهل العلم ،كما
�سبق بيانه.
الراجح :بعد عر�ض الأقوال ،والأدلة ،وما �أورد عليها من مناق�شات يت�ضح
رجحان القول الأول ،وهو حرمة �أخذ زيادة من املدين عن ت�أخره يف �سداد الدين،
وذلك ملا ي�أتي:
�أو ًال :قوة �أدلة هذا القول.
ثانياً :ما �أورد على �أدلة القول الثاين من مناق�شات �أ�ضعفت داللتها على ما ا�ستدل
بها عليه وجلها ا�ستدالل بعمومات ال داللة فيها� ،أو ب�أنواع من القيا�س الفا�سد ،فكيف
ترتك املحكمات الدالة على حترمي الزيادة على الدين �إلى عمومات ال داللة فيها� ،أو
�إلى �أقي�سة باطلة.
ثالثاً� :أن املطل كان موجوداً يف عهد النبوة ،وبني النبي �صلى اهلل عليه و�سلم
( ((10ينظر� :أحكام البيع بالتق�سيط �ص ،58-57امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص.111
عقوبته يف قوله( :ليَ ُّ ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)( ،((10واملقت�ضي لزجر الغني
املماطل كان موجوداً بفر�ض عقوبة مالية عليه ،فلو كان هذا جائزاً لبينه النبي �صلى
اهلل عليه و�سلم ،كما بني حل عر�ضه وعقوبته ،فلما مل ينقل عن ال�رشع جواز ذلك،
ُعلم �أن هذا ال �سبيل �إليه.
رابعاً� :أن القول بجواز �أخذ زيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين يف ال�سداد ي�ؤدي
�إلى الوقوع يف ربا اجلاهلية الذي تظافرت الأدلة من الكتاب وال�سنة والإجماع على
حترميه ،ومهما قيل عن وجود فروق بينها وبني ربا اجلاهلية فهي فروق غري م�ؤثرة،
لأن كل زيادة على الدين فهي ربا ،فب�أي طريق �أراد الدائن �أخذ زيادة على الدين فهو
حرام� ،سواء ب�رشط ابتدا ًء �أو عند حلول الأجل ،واختالف الطريق ال يغري احلكم،
كما �أن تبديل الأ�سماء ك�أن ت�سمى �رشطاً جزائياً� ،أو غرامة ت�أخري ال يوجب تبديل
الأحكام ،ف�إذا كان معنى ربا اجلاهلية موجود يف معاملة �أحدثها النا�س وجب �أن
ت�أخذ حكمه يف التحرمي ،و�إن �سماها النا�س بغري هذا اال�سم ،ولهذا قال �شيخ الإ�سالم
ابن تيمية« :و�إمنا �أتى ه�ؤالء حيث ا�ستحلوا املحرمات مبا ظنوه من انتفاء اال�سم ،ومل
يلتفتوا �إلى وجود املعنى املحرم وثبوته ،ف�أعر�ضوا عن مق�صود ال�شارع وحكمته يف
حترمي هذه الأ�شياء ،....،فتبديل النا�س للأ�سماء ال يوجب تبديل الأحكام،....،
ف�إذا كانت �صفات اخلمر ،والربا ،وال�سفاح ،ونحو ذلك من املحرمات موجودة يف
�شيء كان حمرماً ،و�إن �سماه النا�س بغري ذلك اال�سم لتغيري �أتوا به يف ظاهره ،و�إن
�أفرد با�سم ،....،ومن علم ربا اجلاهلية الذي نزل فيه القر�آن كيف كان ،مل ي�شك
يف �أن كثرياً من هذه املعامالت هي ربا اجلاهلية ،ف�إن الرجل كان يكون له على رجل
دين من ثمن مبيع �أو نحوه ،ف�إذا حل عليه ،قال له� :إما �أن تويف ،و�إما �أن تربي ،ف�إن
فقد كان املدين �إذا حل الدين ،قال له الغرمي� :إما �أن تق�ضي و�إما �أن تربي ،فجاء
ال�رشع بتحرمي ذلك ،والتغليظ فيه� ،سواء كان املدين مو�رساً �أو مع�رساً.
�ساد�ساً� :أن القول بجواز �أخذ زيادة على �أ�صل الدين فيه رفع الظلم عن الدائن
بظلم �آخر يلحق املدين ،وهذا ينايف العدل الذي �أمر به ال�رشع ،و�أكده ،والعدل هو
يف وفاء املدين ما عليه من الدين دون زيادة.
القول الثاين :يجوز للدائن �أن ي�شرتط على املدين هذا ال�رشط ،وبه �صدر القرار
من بع�ض اجلهات الفقهية ،والهيئات ال�رشعية ،وهي:
-1املجل�س ال�رشعي لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية،
فقد جاء يف معيار املدين املماطل« :يجوز �أن ين�ص يف عقود املداينة -مثل املرابحة
-على التزام املدين عند املماطلة بالت�صدق مببلغ� ،أو ن�سبة ،ب�رشط �أن ي�رصف ذلك
يف وجوه الرب بالتن�سيق مع هيئة الرقابة ال�رشعية للم�ؤ�س�سة»(.((11
-2م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية الأول ب�ش�أن ال�رشط اجلزائي الذي خل�ص �إلى �أنه:
«يجوز �أن ي�شرتط على املدين دفع مبلغ من املال ،لي�رصف يف وجوه الرب �إذا ت�أخر
عن �سداد الدين بدون عذر مقبول»(.((11
-3فتوى الهيئة ال�رشعية للربكة التي ن�صت على �أن« :التعوي�ض عن طريق
احلكم على املتخلف عن ال�سداد ال يجوز �رشعاً� ،إال �إذا كان هناك �إلتزام م�سبق من
العميل بدفع زيادة ت�رصف يف وجوه اخلري ،ويف حال املماطلة ،وحينئذ ت�ؤخذ هذه
الزيادة ،وت�رصف يف وجوه الرب دون �أن تدخل موارد البنك»(.((11
وهذا قول جمع من الباحثني(.((11
الأدلة:
�أدلة القول الأول:
ا�ستدل القائلون بعدم جواز ا�شرتاط زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر املدين عن
( ((11املعايري ال�شرعية �ص.35
( ((11عقد يف عمان عام 1414هـ ،ينظر :ال�شامل يف معامالت وعمليات امل�صارف الإ�سالمية �ص.382
( ((11فتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة �ص.304
( ((11وهم ال�شيخ م�صطفى الزرقا ،وال�شيخ حممد تقي العثماين ،والدكتور حممد عثمان �شبري ،والدكتور وهبة الزحيلي
والدكتور علي ال�سالو�س ،وحممد علي القري ،وحممد جناة اهلل �صديقي ،وحممد �أن�س الزرقا.
ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص ،29بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص� ،44صيانة املديونيات
ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي ( ،)879/2املعامالت املالية املعا�صرة �ص ،178التعوي�ض عن �ضرر املماطلة يف
الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص.42 ،36
الوفاء بدون عذر ل�رصفها يف وجوه اخلري ب�أدلة من الكتاب ،وال�سنة ،واملعقول.
�أو ًال :دليلهم من الكتاب:
-1قوله تعالى :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ(.((11
وجه الداللة� :أن الربا الذي حرمه اهلل ،وتوعد من عاد �إليه بعد علمه بتحرميه بالنار
هو الذي كانوا يفعلون يف اجلاهلية ،وهو الزيادة يف الدين على املدين �إذا ت�أخر
يف �سداد الدين ،وال فرق يف ذلك بني �أن تدفع هذه الزيادة للدائن ،وبني �أن تدفع
لغريه ،ولو كان جهة بر ،فحقيقة الربا ت�شمل هذا كله(.((11
-2قوله تعالى :ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦﭼ(.((11
وجه الداللة :من �أربعة وجوه:
الوجه الأول� :أن اهلل حرم الربا ،و�أمر برتكه ،و�آذن فاعله بحرب من اهلل ور�سوله،
وحقيقته هو �أخذ زيادة من املدين على دينه لت�أخره يف �سداده ،وال فرق بني �أن
ي�أخذها الدائن �أو غريه ،ولو كان جهة بر ،لأن حقيقة الربا ت�شمل ذلك كله(.((11
الوجه الثاين� :أن اهلل �أمر برتك ما بقي من الربا ،وهي الزيادة مقابل ت�أخري الدين،
والأ�صل يف الأمر �أنه للوجوب ،ف�إذا �أخذت و�رصفت لغري الدائن ،ولو جلهة بر ،فقد
حتققت مع�صية اهلل مبخالفة �أمره ،وعدم االنتهاء عما �أمر برتكه(.((11
الوجه الثالث� :أن منطوق قوله تعالى :ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ� ،أن
الدائن لي�س له �إال ر�أ�س ماله ،ومفهومه �أن املدين ال يلزمه �إال �أداء �أ�صل دينه دون
زيادة ،ف�إلزامه بدفع زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر يف ال�سداد لغري الدائن خمالف
لهذا املفهوم(.((11
الوجه الرابع� :أن قوله تعالى :ﭽﯢﯣﯤﯥﭼ ،فيه �إ�شارة �إلى احلكمة
من حترمي الزيادة على املدين مقابل الت�أخري يف �سداد دينه ،وهي كون ذلك ظلماً له،
فكما ال يجوز �أن يظلم الدائن بعدم رجوع ر�أ�س ماله �إليه ،فكذلك ال يجوز �أن يظلم
املدين ب�إلزامه بدفع زيادة على دينه� ،سواء �أخذها الدائن �أو غريه كجهة بر ،لأن ذلك
ظلم له يف احلالني(.((12
ثانياً :دليلهم من ال�سنة:
الل �صلى اهلل عليه و�سلم �آكِ َل ول هَّ ِ -1عن َجا ِب ٍر -ر�ضي اهلل عنه َ -ق َال( :لَ َع َن َر ُ�س ُ
ال ِّربَاَ ،و ُم�ؤْكِ َل ُهَ ،و َكا ِت َب ُهَ ،و�شَ اهِ َد ْيهَِ ،و َق َالُ :ه ْم َ�س َوا ٌء)(.((12
الل �صلى اهلل ول هَّ ِ ـالَ :ق َال َر ُ�س ُ َ -2ع ْن �أَ ِبي َ�سعِ يدٍ الخْ ُ ْدر ِِّي( ((12ر�ضي اهلل عنه َق َ
الذ َه ِبَ ،وا ْل ِف�ضَّ ُة ِبا ْل ِف�ضَّ ةَِ ،وا ْلبرُ ُّ ِبا ْلبرُ ِّ َ ،و َّ
ال�شعِ ُري ِب َّ
ال�شعِ ِري، (الذ َه ُب ِب َّ عليه و�سلمَّ :
َوال َّت ْم ُر ِبال َّت ْم ِرَ ،والمْ ِ ْل ُح ِبالمْ ِ ْل ِحِ ،م ْثلاً بمِ ِث ٍْلَ ،يدً ا ِبيَدٍ َ ،ف َم ْن زَا َد �أَ ْو ْا�س َت َزا َد َفق َْد �أَ ْربَىْ ،الآخِ ُذ
( ((11ينظر :املماطلة يف الديون �ص ،511ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)211/1
( ((11ينظر :املماطلة يف الديون �ص ،511ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)211/1
( ((12ينظر :املماطلة يف الديون �ص ،511ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)211/1
(� ((12سبق تخريجه �ص.12
( ((12هو �سعد بن مالك بن �سنان بن اخلزرج ،ال�صحابي الأن�صاري� ،شهد اخلندق ،وبيعة الر�ضوان ،وحدث عن ر�سول اهلل
�صلى اهلل عليه و�سلم ف�أكرث ،وعن �أبي بكر ،وعمر ،وطائفة ،وكان �أحد الفقهاء املجتهدين ،مات �سنة 74هـ .ينظر� :سري
�أعالم النبالء ( ،)168/ 3البداية والنهاية البن كثري (.)4/ 9
� -2أن ا�شرتاط الزيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن ال�سداد ت�رصف يف وجوه
الرب فيه الرتا�ضي على الت�أخري مقابل تلك الزيادة ،كرتا�ضي الدائن واملدين على
الت�أجيل بزيادة ،وال فرق يف ذلك بني �أن تكون هذه الزيادة للدائن �أو غريه ،وهذا
مثل �أن يقر�ض امل�رصف الربوي قر�ضاً بزيادة ت�رصف جلهة بر ،وهذا مل يقل �أحد من
�أهل العلم بجوازه(.((12
�أدلة القول الثاين:
ا�ستدل القائلون بجواز ا�شرتاط زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر املدين عن
الوفاء ،بدون عذر مقبول ،ل�رصفها يف وجوه اخلري بالأدلة الآتية:
� -1أن هذا ال�رشط ت�ضمن مق�صوداً �صحيحاً ،وهو حتقيق النفع للفقراء ،وحث
املدين على �سداد الدين يف وقته املحدد ،و�إدخال االطمئنان للدائن على ماله ،ففيه
�سد لباب املماطلة ،وحفظ حلقوق الدائنني ،فيكون جائزاً(.((12
املناق�شة� :أن هذا ال�رشط ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا ،لأنه زيادة يف مقابل الت�أخري
يف الوفاء ،فيكون حمرماً ،كما لو ا�شرتط الدائن �أن تكون الزيادة له(.((13
-2القيا�س على من ا�شرتى مملوكاً ،وا�شرتط هو حر بعد موتي(.((13
املناق�شة :ال ي�صح قيا�س ا�شرتاط ال�صدقة على ا�شرتاط العتق يف البيع ،لوجود
فرق بينهما من وجهني:
الأول� :أن ا�شرتاط العتق هو ا�شرتاط يف البيع ،ومبنى البيع على جواز ال�رشوط،
( ((12ينظر :بحث يف مطل الغني ظلم لل�شيخ عبد اهلل املنيع �ص� ،244ضمن �أعمال الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل
الكويتي ،ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)213/1
( ((12ينظر� :صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي ( ،)879/2بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة
�ص ،46البيع امل�ؤجل �ص.98
( ((13ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية ( ،)214/1املماطلة يف الديون �ص.513
( ((13ينظر� :صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (.)878/2
�إال ما قام الدليل على منعه ،وهذا بخالف ا�شرتاط الزيادة على الدين ،لأن مبنى
الدين على املنع من مثل هذه ال�رشوط حذراً من الوقوع يف الربا.
الثاين� :أن العتق �أف�ضل من ال�صدقة ،وال�شارع يت�شوف �إليه كثرياً( ،((13ولذا
يجوز فيه ما ال يجوز يف ال�صدقة.
� -3أن ا�شرتاط هذا ال�رشط ال مف�سدة فيه ،لأنه ال توجد فيه �أي �شبهة ربا ،لأن
الدائن لن ي�أخذ زيادة على دينه ،كما �أن فيه م�صلحة من جهة زجر املدين املماطل،
وحمله على الوفاء(.((13
املناق�شة :عدم الت�سليم بعدم وجود مف�سدة من ا�شرتاط هذا ال�رشط ،بل املف�سدة
موجودة فيه ،وهو �أنه ي�ؤدي �إلى الربا.
� -4أن ا�شرتاط زيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن الوفاء ت�رصف للفقراء يعد
من باب الإلزام بالتربع ،والإلزام بالتربع �إذا مل يوفه حقه يف وقته املحدد جائز عند
بع�ض املالكية( ،((13قال احلطاب(« :((13و�أما �إذا التزم �أنه �إن مل يوفه حقه يف وقت
كذا ،فعليه كذا وكذا لفالن� ،أو �صدقة للم�ساكني ،فهذا هو حمل اخلالف املعقود
له هذا الباب ،فامل�شهور �أنه ال يق�ضى به كما تقدم ،وقال ابن دينار :يق�ضى به»(.((13
املناق�شة :يناق�ش من وجهني:
( ((13ينظر :بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص ،130البيع امل�ؤجل �ص.97
( ((13ينظر :حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص ،29بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص ،45ال�شامل يف
معامالت وعمليات امل�صارف الإ�سالمية �ص.391
( ((13ينظر :بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص� ،46 -45صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي
( ،)878 -877/2البيع امل�ؤجل �ص.97-95
( ((13هو حممد بن حممد بن عبد الرحمن بن ح�سن املكي امل�شهور باحلطاب ،ولد �سنة 902هـ� ،أحد العلماء الكبار
املحققني يف مذهب الإمام مالك ،تويف �سنة 954هـ ،له م�ؤلفات ،منها� :شرح خمت�صر خليل املعروف مبواهب اجلليل� ،شرح
من�سك خليل ،حترير املقالة يف �شرح نظائر الر�سالة.
ينظر :نيل االبتهاج لبابا التنبكتي �ص� ،337شجرة النور الزكية �ص.270
( ((13حترير الكالم يف م�سائل االلتزام �ص.176
الأول� :أن املراد بااللتزام بالتربع هو �إلزام املرء نف�سه �شيئاً من املعروف مطلقاً� ،أو
معلقاً على �شيء ،قال احلطاب« :و�أما االلتزام يف عرف الفقهاء فهو �إلزام ال�شخ�ص
نف�سه �شيئاً من املعروف مطلقاً� ،أو معلقاً على �شيء ،...،وقد يطلق يف العرف على
ما هو �أخ�ص من ذلك ،وهو التزام املعروف بلفظ االلتزام ،وهو الغالب يف عرف
النا�س اليوم»( ،((13وهذا غري متحقق هنا ،لأن الدائن هو الذي �ألزم املدين زيادة
على دينه ،ولي�س تربعاً من املدين نف�سه دون ا�شرتاط ،وحينئذ ال ي�صح تخريج هذا
ال�رشط على التزام التربع(.((13
الثاين� :أن هذا ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا ،وهذا بخالف الإلزام بالتربع.
الراجح :يت�ضح رجحان القول الأول ،وهو حرمة ا�شرتاط زيادة على �أ�صل الدين
�إذا ت�أخر املدين عن الوفاء ،ل�رصفها يف وجوه اخلري ،وذلك ملا ي�أتي:
�أو ًال :قوة �أدلة هذا القول.
ثانياً :ما �أورد على �أدلة القول الثاين من مناق�شات كافية.
ثالثاً� :أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بني عقوبة الغني املماطل يف قـوله( :ليَ ُّ
ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)( ،((13ولو كـان يجوز عقوبته ب�أخذ زيادة على دينه
ت�رصف يف جـهات اخلري لبينه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،لأن املقام مقام بيان ملا
يزجر املماطل عن مطله ،وال يجوز ت�أخري البيان عن وقت احلاجة.
رابعاً� :أن الأ�صل هو �أن الزيادة على الدين للت�أخري يف �سداده ممنوعة مطلقاً،
�سواء �أخذها الدائن �أو غريه ،فكل زيادة تعد حراماً ،لأن الن�صو�ص املحرمة للربا
جاءت عامة �شاملة لأي زيادة مهما كان غر�ضها ،وكونها ت�رصف للفقراء ال ي�ؤثر يف
( ((13حترير الكالم يف م�سائل االلتزام �ص.68
( ((13ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية ( ،)217/1املماطلة يف الديون �ص.514
(� ((13سبق تخريجه �ص.14
�إخراجها عن كونها ربا ،لأن حقيقة الربا هي الزيادة ،فمتى وجدت وجد الربا بغ�ض
النظر عن املق�صود منها.
خام�ساً� :أن ال�شارع حرم الربا ،و�سد ذرائعه ،و�ضيق م�سالكه ،والنظر يف م�آالت
الأفعال مق�صود �رشعاً ،وذلك �أن املجتهد ال يحكم على ت�رصف من الت�رصفات
ال�صادرة عن املكلفني باجلواز �أو املنع �إال بعد النظر �إلى ما ي�ؤول �إليه ذلك الت�رصف
من م�صلحة ت�ستجلب �أو مف�سدة تدر�أ( ،((14والقول بجواز �أخذ زيادة على الدين
مقابل الت�أخري يف ال�سداد ل�رصفها يف اخلري يف�ضي �إلى الربا ،فال ميتنع على من
�أراد الربا �أن يتحقق له هذا املق�صود بهذه الطريقة ،والواقع �أكرب �شاهد على ذلك،
جاء يف بع�ض الدرا�سات« :وهذا الذي خيف منه قد حتقق فع ًال ،فقد ا�ستطاع �أحد
البنوك حت�صيل املوافقة من الهيئة ال�رشعية على ا�شرتاط التعوي�ض عن الت�أخري،
وعلى غرامة الت�أخري ،فوافقت الهيئة على �أن ت�رصف يف وجوه اخلري ،ولكن الإدارة
كانت ذكية ،ف�أخذت موافقة �أخرى من الهيئة على اقتطاع جزء من هذه الغرامة يف
مقابل الإجراءات الإدارية ،وحينئذٍ كلفت الإدارة �أحد موظفيها باحت�ساب مقدار
التكلفة الإدارية ،حيث بلغت قريباً من الغرامة املح�صلة ،وبالتايل دخلت يف جيب
البنك»(.((14
املدين مبماطلته يف �سداد الدين قد يحوج الدائن �إلى رفع دعوى عليه للح�صول
حمام ،و�أجرة
على حقه ،وهذه الدعوى قد ترتتب عليها م�صاريف مالية من توكيل ٍ
( ((14ينظر :املوافقات لل�شاطبي (.)141-140/4
( ((14بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص.147
تنقل ،وغري ذلك ،فما حكم ا�شرتاط الدائن على املدين �أن تكون نفقات الق�ضية
املرفوعة �ضده عليه؟
ال يخلو املدين من حالتني:
الأولى� :أن يكون مع�رساً :فالواجب على الدائن �إنظاره �إلى مي�رسة ،ويحرم
مطالبته ،لأن اهلل �أوجب �إنظاره �إلى وقت املي�رسة ،فقال :ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(.((14
قال ابن العربي(�« :((14إذا مل يكن املدين غنياً ،فمطله عدل ،وينقلب احلال على
الغرمي فتكون مطالبته ظلماً»(.((14
ويف هذه احلالة لو طالبه ،وترتب على ذلك م�صاريف مالية ،فال يتحمل املدين
�شئ منها مطلقاً� ،سواء �أكان ذلك ب�رشط �أم بغري �رشط ،لأنه معذور ،والدائن ظامل
يف مطالبته ،وا�شرتاط �أن تكون نفقات املطالبة عليه حمرم ،لأنه �رشط خمالف ملا �أمر
اهلل به من �إنظاره �إلى وقت املي�رسة( ،((14وال�رشط املخالف لكتاب اهلل باطل ،لقول
اب اللهَّ ِ َع َّز َو َج َّل َف ُه َو
النبي �صلى اهلل عليه و�سلمَ ( :ما َك َان م ِْن �شرَ ْ ٍط لَ ْي َ�س فيِ كِ َت ِ
اب اللهَّ ِ �أَ َح ُّقَ ،و�شرَ ْ ُط اللهَّ ِ �أَ ْوثَقُ )(.((14
بَاطِ ٌلَ ،و�إِنْ َك َان مِائَ َة �شرَ ْ ٍط ،كِ َت ُ
الثانية� :أن يكون مو�رساً :ومعرفة حكم ا�شرتاط املطالبة مبني على م�س�ألة تغرمي
املدين ما حتمله الدائن من نفقات يف �شكايته.
ذهب املالكية( ،((14واحلنابلة(� ((14إلى �أن املدين املماطل القادر على الوفاء �إذا
�أحوج �صاحب احلق �إلى �شكايته ،فما غرمه ب�سبب ذلك فهو عليه.
قال يف معني احلكام -يف �أجرة �أعوان القا�ضي �« :-أن يتبني �أن املطلوب
�ألد بالطالب ودعاه �إلى االرتفاع �إلى القا�ضي ف�أبى ،فيكون على املطلوب �أجرة
�شخو�ص العوين �إليه ،وال يكون على الطالب يف ذلك �شيء»(.((14
وقال �شيخ الإ�سالم« :و�إذا كان الذي عليه احلق قادراً على الوفاء ،ومطل �صاحب
احلق حتى �أحوجه �إلى ال�شكاية ،فما غرمه ب�سبب ذلك ،فهو على الظامل املماطل� ،إذا
كان غرمه على الوجه املعتاد»(.((15
وقال ال�شيخ حممد بن �إبراهيم( - :((15بعد �أن حكى قول �شيخ الإ�سالم ال�سابق
« :-وحيث كان الأمر ما ذكر ،ف�إن نفقات املنتدبني على من تبني �أنه الظامل ،وهو
العامل �أن احلق يف جانب خ�صمه ،ولكن �أقام اخل�صومة عليه م�ضارة لأخيه امل�سلم �أو
طمعاً يف حقه»(.((15
وهذا احلكم لي�س على �إطالقه ،بل هو مقيد بقيود:
الأول� :أن يكون املدين قادراً على الوفاء.
الثاين� :أن يكون املدين مماط ًال حتى �أحوج الدائن �إلى �شكايته.
(� ((14شرح الزرقاين على خمت�صر خليل ( ،)278/5حا�شية الد�سوقي ( ،)278/3مواهب اجلليل ( )113/6حا�شية العدوي
على اخلر�شي ( ،)277/5تب�صرة احلكام (.)49 ،33/1
( ((14الفروع البن مفلح ( ،)292/4املبدع لربهان الدين ابن مفلح ( ،)308/4ك�شاف القناع ( ،)419/3معونة �أويل النهى
للرحيباين (� ،)492/4شرح منتهى الإرادات (.)275/2
(.)614/2( ((14
( ((15جمموع الفتاوى (.)25-24/30
( ((15هو ال�شيخ العالمة حممد بن �إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن التميمي احلنبلي ،مفتي الديار ال�سعودية،
ورئي�س ق�ضاتها ،ومرجع �أمورها الدينية ،ولد يف الريا�ض �سنة 1311هـ ،وتويف �سنة 1389هـ.
ينظر� :أعالم جند خالل ثمانية قرون البن ب�سام ( ،)242/1تراجم لت�سعة من الأعالم للحمد �ص.371
( ((15فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم (.)55/13
الثاين� :أن يكون ما غرم الدائن ب�سبب املماطلة من النفقات على ال�شكاية على
الوجه املعتاد.
وعللوا لذلك:
-1لأن املدين مبطله هو الذي ت�سبب يف �شكاية �صاحب احلق له ،و�أدخله يف
غرامة �شكايته بغري حق ،فكانت نفقات ذلك عليه(.((15
-2قيا�ساً على ما لو تعدى على مال حلمله �أجرة ،وحمله لبلد �أخرى ،ثم غرم
مالكه �أجرة حمله لعوده �إلى حمله الأول ،ف�إنه يرجع به على من تعدى بنقله(.((15
-3معاملة للمدين املماطل بنقي�ض ق�صده ،وردعاً له عن ظلمه ،وذلك �أن ق�صده من
املماطلة تيئي�س �صاحب احلق من حقه ،و�إدخال ال�رضر عليه ،ملا يرتتب على رفع دعوى
عليه من بذل �أموال ،و�رصف �أوقات ،فيحجم عن املطالبة ،ويدع احلق بيد املماطل،
فكان الواجب �إلزامه ب�إيفاء احلق ،وما �أنفق �صاحب احلق من �أجل الو�صول �إلى حقه،
ويف هذا من امل�صلحة ما ال يخفى ،حيث يرتدع املخا�صمون بالباطل عن خ�صوماتهم،
وي�أمن �أرباب احلقوق على حقوقهم ،وي�سرتيح الق�ضاة من كثري من اخل�صومات(.((15
وبهذا يتبني �أن املدين املماطل يتحمل م�رصوفات الدعوى التي غرمها الدائن من
�أجل حت�صيل دينه منه ،و�إليه ذهب جمع من �أهل العلم املعا�رصين(.((15
و�إذا تقرر �أن املدين املماطل يغرم ما دفعه الدائن من نفقات يف الدعوى التي
رفعها �ضده لتح�صيل دينه ،ف�إنه يجوز �أن ي�شرتط ذلك عليه ،ملا ي�أتي:
( ((15ينظر :معني احلكام البن عبد الرفيع ( ،)615/2ك�شاف القناع (.)419/3
( ((15ينظر :معونة �أويل النهى (� ،)492/4شرح منتهى الإرادات (.)275/2
( ((15ينظر :فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم ( ،)55/13التعوي�ض عن �أ�ضرار التقا�ضي د .عبد الكرمي
الالحم �ص ،34املماطلة يف الديون د� .سلمان الدخيل �ص.158
( ((15ينظر :املعايري ال�شرعية لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية �ص ،34بحث يف مطل الغني و�أنه
ظلم يحل عر�ضه وعقوبته �ص ،405املعامالت املالية املعا�صرة �ص� ،180صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه
الإ�سالمي ( ،)892/2بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص ،136ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية ( ،)204/1املماطلة
يف الديون �ص.160
�أو ًال :عموم قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم( :المْ ُ ْ�س ِل ُم َ
ون َع َلى �شرُ ُ وطِ ه ِْم �إِال
�شرَ ْ ًطا َح َّر َم َحال ًال �أَ ْو �أَ َح َّل َح َرا ًما)(.((15
ويدخل فيه كل �رشط ال حمذور فيه ،وال يرتتب عليه حمرم.
ثانياً� :أن الأ�صل يف ال�رشوط ال�صحة واجلواز� ،إال ما دل الدليل على منعه ،ومل
يرد دليل باملنع من هذا ال�رشط ،فيبقى على الأ�صل املقت�ضي للجواز(.((15
ثالثاً :لأن هذا ال�رشط يحقق م�صلحة ال مف�سدة فيها من جهة تو�صل �صاحب احلق
�إلى حقه ،وردع املدين املماطل عن ظلمه ،وزجره عن الدخول يف اخل�صومة �إذا
علم �أن ما يرتتب عليها من نفقات �سيتحملها ،وتقليل الق�ضايا املرفوعة يف املحاكم.
الف�صل الثاين :التعوي�ض بغري زيادة على الدين �إذا ت�أخر يف �سداده
وفيه مبحثان:
املبحث الأول :ا�شرتاط حلول الأق�ساط عند الت�أخري يف �سداد ق�سط منها
الدين قد يكون م�ؤج ًال على �أق�ساط يف �أوقات حمددة ،وي�شرتط الدائن على
املدين �أنه �إن ت�أخر يف �سداد ق�سط منها ،ف�إنها حتل عليه جميع الأق�ساط ،ويلزمه
�سداد الدين كله يف احلال ،وهذا ال�رشط حلمل املدين على الوفاء بكل ق�سط يف وقته
املحدد ،لئال حتل عليه جميع الأق�ساط ،فما حكم هذا ال�رشط؟
ال يخلو حال املدين املت�أخر يف �سداد ق�سط من �أن يكون عاجزاً عن الوفاء� ،أو
قادراً عليه ،ولكل حالة حكمها.
احلالة الأولى� :أن يكون املدين مع�رساً عاجزاً عن الوفاء بالق�سط وقت حلوله،
فهذا ال يجوز �إلزامه بحلول باقي الأق�ساط امل�ؤجلة بهذا ال�رشط ،لأن الواجب هو
�إنظاره �إلى حال الي�سار ،والتمكن من الأداء ،لقوله تعالى :ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ( ،((15ف�إذا وجب �إنظاره
فيما حل من الدين ،فمن باب �أولى �أن يجب �إنظاره فيما مل يحل( ،((16وا�شرتاط
حلول الدين يف هذه احلال باطل ملخالفته لكتاب اهلل ،وقد قال النبي �صلى اهلل عليه
اب اللهَّ ِ َع َّز َو َج َّل َف ُه َو بَاطِ ٌلَ ،و�إِنْ َك َان مِائَ َة
و�سلمَ ( :ما َك َان م ِْن �شرَ ْ ٍط لَ ْي َ�س فيِ كِ َت ِ
اب اللهَّ ِ �أَ َح ُّقَ ،و�شرَ ْ ُط اللهَّ ِ �أَ ْوثَقُ )(.((16
�شرَ ْ ٍط ،كِ َت ُ
احلالة الثانية� :أن يكون املدين قادراً على الوفاء:
�إذا كان املدين غنياً قادراً على الوفاء ،ولكنه ماطل يف ال�سداد ،فهل يجوز
ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط �إذا ماطل يف �سداد ق�سط منها؟
اختلف �أهل العلم يف ذلك على قولني:
القول الأول :يجوز ا�شرتاط حلول الأق�ساط �إذا ت�أخر يف �أداء بع�ضها ،وهذا هو
مذهب احلنفية ،واختاره ابن القيم ،وهو قول �أكرث �أهل العلم املعا�رصين.
فقد جاء يف املب�سوط« :ولو كان لرجل على رجل دين حال ،من ثمن بيع� ،أو
قر�ض� ،أو غ�صب ،ف�س�أله �أن ي�ؤخره عنه جنوماً ،....،و�إن ا�شرتط يف الت�أخري �أنه �إن
�أخره عن حمله ،فاملال كله حال �أو �إن �أخر جن ًما عن حمله ع�رشة �أيام ; فاملال كله
حال ،فهو جائز على ما ا�شرتطا»(.((16
وقال يف بدائع ال�صنائع« :لو جعل املال جنو ًما بكفيل� ،أو بغري كفيل ،و�رشط �أنه
حال عليه فهو جائز على ما �رشط»(.((16 �إن مل يوفه كل جنم عند حمله ،فاملال ٌ
وجاء يف درر احلكام�« :إذا ا�شرتط الدائن يف الدين املق�سط ب�أنه �إذا مل يدفع
املدين الأق�ساط يف �أوقاتها امل�رضوبة ،ي�صبح الدين معج ًال ،فيجب مراعاة ال�رشط،
ف�إذا مل يوف املدين بال�رشط ومل يدفع الق�سط الأول مث ًال عند حلول �أجله ي�صبح
الدين جميعه معج ًال»(.((16
وقال ابن القيم�« :إذا كان له عليه دين حال ،فاتفقا على ت�أجيله ،....،ف�إن خاف
�صاحب احلق �أن ال يفي له من عليه ب�أدائه عند كل جنم كما �أجله ،فاحليلة �أن ي�شرتط
عليه �أنه �إن حل جنم ،ومل ي�ؤده ق�سطه ،فجميع املال عليه حال ،ف�إذا جنمه على هذا
اال ومنجماً عند من يرى لزوم ت�أجيل احلال ومن ال�رشط جاز ،ومتكن من مطالبته به ح ً
ال يراه� ،أما من ال يراه فظاهر ،و�أما من يراه ف�إنه يجوز ت�أجيله لهذا ال�رشط ،كما
�رصح به �أ�صحاب �أبي حنيفة»(.((16
وهذا القول �صدر به عدد من القرارات من املجامع الفقهية ،وامل�ؤمترات العلمية.
منها:
-1جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ،فقد جاء يف قراره
ال�صادر ب�ش�أن البيع بالتق�سيط يف دورته ال�ساد�سة« :يجوز �رشعاً �أن ي�شرتط البائع
بالأجل حلول الأق�ساط قبل مواعيدها عند ت�أخر املدين عن �أداء بع�ضها ،مادام
املدين قد ر�ضي بهذا ال�رشط عند التعاقد»(.((16
وجاء �أي�ضاً يف قراره ال�صادر ب�ش�أن البيع بالتق�سيط يف دورته ال�سابعة« :يجوز
اتفاق املتداينني على حلول �سائر الأق�ساط عند امتناع املدين عن وفاء �أي ق�سط من
الأق�ساط امل�ستحقة عليه ،ما مل يكن مع�رساً»(.((16
-2م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية الأول ب�ش�أن ال�رشط اجلزائي الذي خل�ص
�إلى �أنه« :يجوز �أن ي�شرتط على املدين حلول باقي الأق�ساط �إذا ت�أخر عن �سداد
ق�سط منه»(.((16
ون َع َلى �شرُ ُ وطِ ه ِْم �إِال �شرَ ْ ًطا َح َّر َم َحال ًال �أَ ْو �أَ َح َّل َح َرا ًما)(.((17
اهلل عليه و�سلم( :المْ ُ ْ�س ِل ُم َ
ومل يرد دليل باملنع من هذا ال�رشط ،فيبقى على الأ�صل املقت�ضي للجواز(.((17
املناق�شة :ورد ما يدل على املنع من هذا ال�رشط ،كما �سي�أتي يف �أدلة القول
الثاين.
-2لأن هذا ال�رشط يحقق م�صلحة لكل من الدائن واملدين ،فالدائن يح�صل
على حقه يف وقته ،واملدين يلتزم بالوفاء حتى ال حتل عليه بقية الأق�ساط(.((17
املناق�شة :عدم الت�سليم ب�أن هذا ال�رشط يحقق م�صلحة للمدين ،بل هو حم�ض
�رضر عليه يف حلول باقي الأق�ساط ،مع دفعه زيادة على ثمن املبيع يف مقابل الأجل.
� -3أن ا�شرتاط هذا ال�رشط ال ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا ،وال �شبهته ،فال مانع
منه ،في�صح ا�شرتاطه ،ويلزم الوفاء به(.((17
املناق�شة� :أن هذا ال�رشط و�إن مل ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا� ،إال �أنه ي�ؤدي �إلى
�أكل �أموال النا�س بالباطل ،وهو �أخذ الزيادة دون الوفاء مبا يقابله من الأجل ،وهذا
كاف يف التحرمي. ٍ
� -4أن الت�أجيل حق للمدين ،فيملك �إ�سقاطه ،وتعجيله متى �شاء ،لأنه م�رضوب
مل�صلحته ،و�إذا جاز له �إبطال الت�أجيل مطلقاً ،فكذلك يجوز له �إبطاله معلقاً على
ت�أخره يف �سداد ق�سط من الأق�ساط(.((17
(� ((17سبق تخريجه �ص.34
( ((17ينظر :بيع التق�سيط و�أحكامه �ص ،343 – 342ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة �ص ،318ال�شروط
التعوي�ضية يف املعامالت املالية (� ،)196/1صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (.)876/2
( ((17ينظر� :صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي ( ،)876/2البيع امل�ؤجل �ص ،82ال�شروط
التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)196/1
( ((17ينظر :ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة �ص ،318بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص ،154بيع التق�سيط
و�أحكامه �ص.343
( ((17ينظر� :صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (.)876-875/2
� -5أن موجب هذا ال�رشط حلول الدين امل�ؤجل عند الت�أخر يف �سداد ق�سط،
في�صح قيا�ساً على فرعني فقهيني ،وهما� :أ -حلول الدين امل�ؤجل بالإفال�س ،وهو
مذهب املالكية( ،((17وقول لل�شافعية( ،((18ورواية عن الإمام �أحمد(.((18
ب -حلول الدين امل�ؤجل باملوت ،وهو مذهب جمهور الفقهاء من احلنفية(،((18
واملالكية( ،((18وال�شافعية( ،((18ورواية عن الإمام �أحمد(.((18
ووجه القيا�س هو مظنة �ضياع احلق يف الكل(.((18
املناق�شة :لو �سلمنا �أن الدين امل�ؤجل يحل بالإفال�س ،وباملوت ،فهو يحل دون
زيادة على �أ�صله ،وهذا بخالف ما �إذا كان الدين ثمن مبيع ،وروعي الأجل فيه ،فهو
يحل مع الزيادة التي جعلت يف مقابل الأجل.
�أدلة القول الثاين :ا�ستدل القائلون مبنع هذا ال�رشط بالأدلة الآتية:
� -1أن ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط عند ت�أخر املدين يف �سداد ق�سط �رشط ينايف
مقت�ضى العقد ،وهو الت�أجيل الذي ا�ستحقت به الزيادة ،فيكون باط ًال(.((18
املناق�شة� :إن كان املراد مبنافاة ال�رشط ملقت�ضى العقد �أنه ينايف مقت�ضى العقد
املطلق ،فهذا م�سلم ،وكل ال�رشوط يف العقد كذلك� ،إال �أن هذا ال�رشط ال يبطل
( ((17املقدمات واملمهدات ( ،)326/2حا�شية الد�سوقي ( ،)266/3الفواكه الدواين للنفراوي (� ،)324/2أ�سهل املدارك
(.)11/3
( ((18الأم ( ،)212/3رو�ضة الطالبني ( ،)128/4مغني املحتاج ( ،)147/2نهاية املحتاج (.)312/4
( ((18املغني ( ،)566/6ال�شرح الكبري ( ،)425-324/13الفروع (� ،)317/4شرح الزرك�شي (.)76/4
( ((18املب�سوط ( ،)187/18بدائع ال�صنائع ( ،)213/5حا�شية ابن عابدين (.)167/5
( ((18املقدمات واملمهدات ( ،)326/2حا�شية الد�سوقي (� ،)266/3شرح الزرقاين على خمت�صر خليل ( ،)267/5الفواكه
الدواين (.)324/2
( ((18الأم ( ،)212/3مغني املحتاج ( ،)144/2حا�شية ابن قا�سم العبادي (.)121/5
( ((18الفروع ( ،)307/4الإن�صاف (� ،)307/5شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي (� ،)77/4شرح منتهى الإرادات (.)286/2
( ((18ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية ( ،)197/1بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص.154
( ((18ينظر :فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (� ،)182/13شرح عمدة الفقه (.)885/2
العقد به ،و�إال لزم �إبطال ال�رشوط جملة ،كا�شرتاط ت�أجيل الثمن ،والرهن ،والكفيل،
وهو خالف الإجماع ،و�إن كان املراد مبنافاة ال�رشط ملقت�ضى العقد �أنه ينايف مقت�ضى
العقد املقيد ،فغري م�سلم ،لأن مقت�ضاه ما قيد به ،وهو قيد بهذا ال�رشط ،واملمنوع
هو منافاة ال�رشط ملق�صود العقد ،وهو �أن يكون للعقد مق�صود ،و�رشط ما ينايف هذا
املق�صود ،فال ي�صح ،لأنه جمع بني متناق�ضني ،وهو �إثبات املق�صود ونفيه ،وهذا مثل
�أن ي�شرتط الطالق يف النكاح� ،أو الف�سخ يف العقد(.((18
� -2أن املتعاقدين قد دخال يف العقد على الت�أجيل ،و�أن زيادة الثمن يف مقابل
الأجل ،وا�شرتاط حلول الأق�ساط عند الت�أخر يف �أداء بع�ضها ،من غري مراعاة �إ�سقاط
ما يقابل الأجل من الزيادة يف الثمن ،يعد من �أكل املـال بالباطل ،لأنه �أخذ هذه
الـزيادة دون الوفاء مبا يقابلها من الأجل بهذا ال�رشط ،فيكون باط ًال(.((18
املناق�شة :يناق�ش من وجوه:
الوجه الأول :عدم الت�سليم ب�أن هذا من �أكل املال بالباطل ،لأن الزيادة تابعة
للثمن ،وذلك �أن الثمن �إمنا هو يف مقابلة العني ،ودخول الزيادة فيه مقابل الأجل
تابع لها( ،((19والقاعدة �أن« :التابع تابع»(.((19
اجلواب :عدم الت�سليم �أن الزيادة تابعة للثمن ،بل هي يف مقابلة الأجل ،ولوال
الأجل ملا ح�صلت الزيادة ،وهذا يقت�ضي �أن الأجل �إذا �سقط وجب �أن ي�سقط ما
يقابله من الزيادة على الثمن.
الوجه الثاين� :أن امل�شرتي قد ر�ضي بهذا ال�رشط فلزمه ،قيا�ساً على العربون،
( ((18ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)198 -197/1
( ((18ينظر� :شرح عمدة الفقه ( ،)885/2ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)198/1
( ((19ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)198/1
( ((19الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص ،120الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص� ،117شرح القواعد الفقهية �ص.253
ال �سيما و�أن املماطلة تلحق ال�رضر بالبائع ،واملماطلة يف بع�ض الأق�ساط دليل على
املماطلة يف
الباقي �إذ املماطلة طبع وعادة ،فال يرتتب على ذلك ظلم ،وال �أكل للمال
بالباطل(.((19
اجلواب� :أن بيع العربون حمل خالف بني �أهل العلم يف جوازه ،حيث ذهب
جمهور �أهل العلم �إلى منعه( ،((19وعللوا ذلك �أنه من باب الغرر ،وال�شتماله على
�رشطني فا�سدين ،و�أكل املال بغري عو�ض( ،((19ومن �رشط �صحة القيا�س �أن يكون
الأ�صل املقي�س عليه متفقاً على حكمه ،وعلى الت�سليم بجوازه ،فهناك فرق بينه وبني
ا�شرتاط حلول الأق�ساط من جهة �أن امل�شرتي يف بيع العربون له اخليار يف �إم�ضاء
العقد ،ويكون العربون جزءاً من ثمن املبيع ،وله اخليار يف العدول عنه ،ويكون
العربون جزاء نكوله� ،أما ال�رشط اجلزائي فالعقد بات ،كما �أن العربون هو تعوي�ض
للبائع يف حالة عدول امل�شرتي عن ال�رضر الالحق له من تفويت فر�صة بيع املبيع
لآخر ،وقد ال يجد بعد ذلك من ي�شرتيها(.((19
الوجه الثالث� :أن املماطل بت�أخري �سداد ما حل عليه من �أق�ساط ،مع قدرته على
الوفاء ،قد �أ�رض بالدائن ،فكان التعجيل دفعاً لل�رضر الذي تعمده ،ولأنه قد ر�ضي
بهذا ال�رشط ،و�ألزم نف�سه مبوجبه باختياره(.((19
اجلواب� :أن ال�رضر ال يجوز رفعه ب�رضر �آخر ،وهنا يرفع ال�رضر عن الدائن
( ((19ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)199/1
( ((19ينظر :املعونة ( ،)1037/2مواهب اجلليل (� ،)369/4شرح اخلر�شي ( ،)78/5املجموع ( )335/9مغني املحتاج
( ،)39/2نيل الأوطار (� ،)153/5سبل ال�سالم (.)41/5
( ((19ينظر :بداية املجتهد ( ،)163/2التاج والإكليل للمواق ( ،)369/4املعونة ( ،)1037/2املجموع ( ،)335/9نيل الأوطار
(.)153/5
( ((19ينظر :بيع العربون د .رفيق امل�صري �ص.31 ،16-15
( ((19ينظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (.)199/1
ب�رضر يلحق املدين ،والواجب هو رفعه بدون �رضر ،وهو �إلزام املدين بال�سداد
بالطرق امل�رشوعة.
الوجه الرابع� :أن املدين لو و�ضع عنه من الثمن ما يقابله من الأجل لكان ذلك
�سبباً ملماطلة كثري من القادرين طمعاً يف الو�ضع عنهم ،فيفقد العقد بع�ض مق�صوده،
وال حت�صل الفائدة من ال�رشط(.((19
اجلواب� :أننا ال ن�سلم �أن عدم الو�ضع �سيكون �سبباً ملماطلة كثري من املدينني
القادرين طمعاً يف حط �شيء من الثمن ،لأن املدين ي�ستطيع الو�صول �إلى ذلك
ب�سداد ثمن املبيع يف احلال ،و�إمنا ر�ضي بالزيادة يف الثمن مقابل الت�أجيل.
الراجح :يظهر -واهلل �أعلم -التف�صيل يف هذه امل�س�ألة ،و�أن الدين امل�ؤجل �إما
�أن يكون ثمن مبيع� ،أو بدل قر�ض� ،أو غري ذلك ،ف�إن كان ثمن مبيع ،وروعي الأجل
يف ثمنه بحيث زاد ثمنه م�ؤج ًال على ثمنه حا ًال ،كال�سلعة التي قيمتها مائة �ألف نقداً،
وتباع مبائة وع�رشة �آالف م�ؤجلة ،فال يجوز ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط �إذا ت�أخر
يف �سداد ق�سط منها ،وذلك لأن الأجل له ما يقابله من الثمن ،ف�إذا �سقط �شيء من
الأجل وجب �أن ي�سقط ما يقابله من الثمن ،و�إال كان ظلماً ،و�أك ًال للمال بالباطل،
فلو �أخذ امل�شرتط جميع الثمن قبل حلول الأجل كان �أخذه بال عو�ض ،نظراً لأن
الزيادة يف الثمن جاءت يف مقابل الت�أجيل ،فالثمن يجعل يف مقابلة املبيع ،ومقابلة
الأجل ،ف�إذا زال هذا الو�صف باحللول وجب �إ�سقاط ما يقابله من الثمن ،ال �سيما
�أن ثمن املبيع قد يت�ضاعف بالأجل الطويل يف ال�صفقات الكبرية ،فكيف حتل جميع
الأق�ساط �إذا ت�أخر يف �سداد ق�سط ،ولو واحداً ،وقد يت�أخر املدين يف �سداد �أول
ق�سط ،فكيف يجوز للدائن مطالبته بكل الثمن الذي قدر فيه الأجل ،والزيادة لي�ست
تابعة للثمن ،بل هي من �صلب العقد ،والثمن ق�سط على املبيع والأجل ،والظلم
الواقع من ا�شرتاط هذا ال�رشط يف بع�ض �صوره �أعظم من الظلم الواقع من الربا،
وال�رشيعة ال تفرق بني املتماثالت ،لكن يجوز ا�شرتاط هذا ال�رشط �إذا �أ�سقط ما
يقابل الثمن من الأجل الباقي ،وهذا ما ذهب �إليه احلنفية ،وبع�ض احلنابلة.
قال يف تنوير الأب�صار و�رشحه الدر املختار« :ق�ضى املديون الدين امل�ؤجل قبل
احللول �أو مات فحل مبوته ،ف�أخذ من تركته ،ال ي�أخذ من املرابحة التي جرت بينهما
�إال بقدر ما م�ضى من الأيام ،وهو جواب املت�أخرين ،وبه �أفتى املرحوم �أبو ال�سعود
�أفندي»(.((19
قال ابن عابدين(« :((19قوله( :ال ي�أخذ من املرابحة) �صورته :ا�شرتى �شيئا بع�رشة
نقدً ا ،وباعه لآخر بع�رشين �إلى �أجل هو ع�رشة �أ�شهر ،ف�إذا ق�ضاه بعد متام خم�سة� ،أو
مات بعدها ي�أخذ خم�سة ،ويرتك خم�سة»(.((20
وعلل ذلك بقوله« :ووجه �أن الربح يف مقابلة الأجل ،لأن الأجل و�إن مل يكن
ما ًال ،وال يقابله �شيء من الثمن ،لكن اعتربوه ما ًال يف املرابحة �إذا ذكر الأجل مبقابلة
زيادة الثمن ،فلو �أخذ كل الثمن قبل احللول كان �أخذه بال عو�ض»(.((20
وجاء يف جممع ال�ضمانات« :ق�ضى املديون الدين امل�ؤجل قبل حلول الأجل
�أو مات ،ف�أخذ من تركته ،فجواب املت�أخرين �أنه ال ي�ؤخذ من املرابحة التي جرت
املبايعة بينهما �إال بقدر ما م�ضى من الأيام»(.((20
(.)810/6( ((19
( ((19هو حممد �أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدم�شقي� ،إمام احلنفية فى ع�صره ،ولد بدم�شق �سنة 1198هـ ،وبها
تويف �سنة 1252هـ ،وله م�صنفات كثرية منها :رد املحتار على الدر املختار ،منحة اخلالق.
ينظر :حا�شية الب�شر يف تاريخ القرن الثالث ع�شر للبيطار ( ،)1230/3الأعالم للزركلي (.)42/6
(.)810/6( ((20
(.)810/6( ((20
(� ((20ص .459وينظر :العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية البن عابدين �ص.279
وقال يف درر احلكام يف �رشح جملة الأحكام« :امل�س�ألة اخلام�سة والثالثون� :إذا
�أدى املدين دينه قبل حلول الأجل� ،أو تويف املدين ،وحل الدين ،وا�ستوفى الدائن
دينه من الرتكة ،فللدائن �أخذ ربح الأيام التي مرت فقط»(.((20
وجاء يف الإن�صاف« :متى قلنا بحلول الدين امل�ؤجل � -أي باملوت ،وعدم توثقة
الورثة -ف�إنه ي�أخذه كله على ال�صحيح من املذهب ،وهو ظاهر كالم الأ�صحاب،
وقدمه يف الفائق ،وقال :واملختار �سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل بق�سطه ،وهو
م�أخوذ من الو�ضع والت�أجيل .انتهى ،وهو ح�سن»(.((20
وقال ال�شيخ ابن �سعدي(« :((20يحل � -أي الدين -مبوت املدين �إال �إذا وثق
الورثة ،...،و�إذا مل يح�صل توثيق حل الدين ،وال فرق على املذهب بني الدين
امل�ؤجل الذي جعل �أجله مبقابلة م�صلحة� ،أو م�ؤجل قر�ض ونحوه ،ولكن الذي
نحن نفتي به �إذا كان الدين له م�صلحة ،مثل� :أن يبيع عليه ما ي�ساوي مائة ريال مبائة
وع�رشين �إلى �أجل ،ثم م�ضى ن�صف الأجل مث ًال ،وقلنا :يحل لعدم التوثيق ،ف�إنه ال
يحق لغرمي �إال مائة وع�رشة بح�سب ما م�ضى من الوقت ،وهو قول لبع�ض العلماء،
وهو العدل الذي ال يليق القول �إال به»(.((20
وقال �أي�ضاً« :الدين الذي على امليت �إذا مات ،ومل مي�ض من الأجل �إال �شيء قليل،
ف�إننا بني �أمرين� ،إما �أن نقول� :إن دينه يحل كله �إذا مل يح�صل توثقة ل�صاحب احلق،
(� ((20ص.95
(.)328/13( ((20
( ((20هو عبد الرحمن بن نا�صر بن عبد اهلل �آل �سعدي ،ولد يف بلدة عنيزة �سنة 1307هـ ،وا�شتغل بالعلم ،وجعل كل �أوقاته
م�شغولة يف حت�صيله حفظاً وفهماً ،حتى �أدرك يف �صباه ما ال يدركه غريه يف عمر طويل ،وا�شتغل بن�شر العلم ،والتوجيه،
ور�شح لق�ضاء عنيزة عام 1360هـ فامتنع منه تورعاً ،تويف �سنة 1376هـ ،له م�ؤلفات كثرية منها :تي�سري الكرمي الرحمن يف
تف�سري كالم املنان ،املختارات اجللية ،منهج ال�سالكني.
ينظر :علماء جند خالل ثمانية قرون ( ،)218/3م�شاهري علماء جند (.)392/3
( ((20الفتاوي ال�سعدية �ص.382
ويف هذا ظلم ،لأن البيع امل�ؤجل يجعل الثمن يف مقابلة ال�سلعة ومقابلة الأجل ،ف�إذا
باعه �سلعة ت�ساوي مائة مبائة وع�رشين م�ؤجلة ،ومل مي�ض من الأجل �إال بع�ضه ،وقيل:
بحلول املائة والع�رشين ،كان هذا ظلماً منافياً للعدل ،فكان من العدل احل�سن �أن
ينظر مقدار ما م�ضى من الأجل ،ويجعل له ح�صته من الثمن مع الأ�صل»(.((20
�أما �إن كان الدين بدل قر�ض فيجوز ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط �إذا ت�أخر يف
�سداد ق�سط منها ،لأنه ال حمذور يف هذا ،لأن القر�ض ال زيادة فيه يف مقابل الأجل،
و�إمنا هو حم�ض تربع و�إح�سان من الدائن للمدين ،ف�إذا اتفقا على تعجيل باقي
الأق�ساط جاز ،ويف جتويزه م�صلحة ظاهرة من جهة حث املدين على التزام وفاء
الأق�ساط يف الوقت املحدد لها ،ولأن الأ�صل يف ال�رشوط اجلواز ،ما مل يقم دليل
على حترميه.
املبحث الثاين :ا�شرتاط �إقرا�ض املدين للدائن �إذا ت�أخر يف �سداد الدين
�صورته� :أن ي�شرتط الدائن على املدين �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد قر�ضاً بقدر
الدين ،ويكون م�ؤج ًال ملدة مماثلة للماطلة ،ويكون هذا بعد ق�ضاء الدين.
اختلف �أهل العلم يف ا�شرتاط هذا ال�رشط على قولني:
القول الأول :يحرم ا�شرتاط هذا ال�رشط ،وهو قول بع�ض �أهل العلم(.((20
القول الثاين :يجوز ذلك ،وبه �صدرت فتوى ندوة الربكة الثامنة لالقت�صاد
يحقق هذا الق�صد من وجوب وفاء الدين ،وحترمي املطل ،و�رشع احلوالة ،وال�صلح،
وندب �إلى ال�صدقة على املع�رس وا�شرتاط �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد يخالف
هذا املق�صود� ،إذ يرتتب عليه ان�شغال الذمة مرة �أخرى بالقر�ض(.((21
�أدلة القول الثاين:
ا�ستدل القائلون بجواز ا�شرتاط هذا ال�رشط بالأدلة الآتية:
-1قوله تعالى :ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ(.((21
وجه الداللة� :أن غنماً دخلت زرعاً لي ًال ،ف�أكلته ،فلم تبق منه �شيئاً ،فحكم
�سليمان ب�أن تدفع الغنم �إلى �أهل احلرث ينتفعون ب�ألبانها و�أوالدها و�أ�صوافها ،ويقوم
�أ�صحاب الغنم ب�إ�صالح احلرث حتى يعود كما كان قبل دخول الغنم فيه ،ثم يرتادان
بعد ذلك ،فيعود لأهل الغنم غنمهم ،ولأهل احلرث حرثهم ،وقد �أثنى اهلل تعالى
على �سليمان -عليه ال�صالة وال�سالم -يف حكمه هذا ،ويف هذه الق�صة داللة
على �أنه يحكم على من �أحدث �رضراً على غريه �أن يعو�ضه بت�سليمه �شيئاً من �أمواله
ال�ستثمارها(.((21
املناق�شة :يناق�ش من ثالثة وجوه:
الوجه الأول� :أن ما حكم به داود و�سليمان عليهما ال�سالم من�سوخ ،وذلك �أن
داود حكم بدفع الغنم �إلى �صاحب احلرث ،وحكم �سليمان له ب�أوالدها و�ألبانها
و�أ�صوافها ،وهذا من�سوخ ،قال اجل�صا�ص(« :((21وال خالف بني امل�سلمني �أن من
نف�شت غنمه يف حرث رجل� ،أنه ال يجب عليه ت�سليم الغنم ،وال ت�سليم �أوالدها
و�ألبانها و�أ�صوافها �إليه ،فثبت �أن احلكمني جمي ًعا من�سوخان ب�رشيعة نبينا �صلى اهلل
عليه و�سلم»(.((21
الوجه الثاين� :أن �رشع من قبلنا �رشع لنا ما مل يرد �رشعنا بخالفه ،وقد ورد
�رشعنا بخالفه وهو قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم( :ا ْل َع ْج َما ُء ُج َبا ٌر)( ،((22ومعنى
جبار هدر ال �شيء فيه( ،((22فدل على �أنه ال �ضمان على �صاحب البهيمة فيما �أتلفت
�إذا مل تكن يده عليها ،قال القرطبي« :ظاهر قوله( :العجماء جرحها جبار)� ،أن ما
انفردت البهيمة ب�إتالفه مل يكن فيه �شيء ،وهذا جممع عليه»(.((22
الوجه الثالث :لو فر�ضنا وجوب ال�ضمان على �أهل املا�شية ،فلأنها �أتلفت زرعاً،
وهو مال حمرتم ،فوجب ال�ضمان لل�رضر احلا�صل ب�إتالف املال ،وهذا بخالف هذه
امل�س�ألة ،فت�أخريه رده ال يعد اتالفاً له حتى يوجب �ضمانه ،و�إمنا فوت على مالكه
ا�ستثماره ،وال يجزم بربحه فيه ،فقد يربح ،وقد يخ�رس ،كما �أن حمل هذه امل�س�ألة
الدين ،والزمن ال قيمة له يف الدين ،و�إال �آل ذلك �إلى ربا الن�سيئة.
-2قوله تعالى :ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ(.((22
( ((21هو �أبو بكر �أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص ،فقيه� ،أ�صويل ،مف�سر ،انتهت �إليه رئا�سة املذهب احلنفي يف ع�صره �سكن
ببغداد ،تويف �سنة 370هـ ،له م�ؤلفات منها� :أحكام القر�آن� ،أ�صول اجل�صا�ص� ،شرح خمت�صر الطحاوي.
ينظر :طبقات الفقهاء لطا�ش كربي زاده �ص ،69-68الطبقات ال�سنية يف تراجم احلنفية (.)415-412/1
(� ((21أحكام القر�آن (.)223/3
(� ((22أخرجه البخاري يف كتاب الزكاة ،باب يف الركاز اخلم�س ( ،)1499( )465/1وم�سلم يف كتاب احلدود ،باب جرح
العجماء واملعدن والبئر جبار ( )1710( )1334/3عن �أبي هريرة.
( ((22ينظر :فتح الباري (.)266/12
( ((22اجلامع لأحكام القر�آن (.)211/11
(� ((22سورة البقرة� ،آية.194 :
وجه الداللة� :أن املماطل اعتدى على الدائن ،فحرمه من االنتفاع مباله مدة من
الزمن ،فا�ستحق �أن يعامل مبثل معاملته ،فيحرم من االنتفاع مباله مبثل املدة(.((22
املناق�شة� :أن الآية دلت على �أن من �أوذي له �أن يجازي من ظلمه مبثل ما �أوذي
به ،و�أن من �أخذ �شيئاً ظلماً يلزمه رد مثله( ،((22وهذا يوجب على املدين املماطل رد
الدين مبثله دون زيادة عليه ،ولي�س للدائن �أن ي�أخذ �شيئاً من ماله مدة من الزمن ،و�إن
فعل املدين ذلك ،ف�إن املع�صية ال تقابل باملع�صية ،قال القرطبي« :فمن ظلمك فخذ
حقك منه بقدر مظلمتك ،ومن �شتمك فرد عليه مثل قوله»(.((22
� -3أن امل�سيء يعاقب بنقي�ض ق�صده ،وهذا مثل:
�أ -مانع الزكاة ،ت�ؤخذ منه ،ويعاقب ب�أخذ �شطر ماله.
ب -ال�سارق من الثمر املعلق ما ال يبلغ ن�صاباً ،يعاقب باجللد ،وتغرميه �ضعف
قيمة الثمر.
ج -املطلق �رضراً ،وهو الذي يوقعه الرجل يف مر�ض موته بق�صد حرمان زوجته
من املرياث ف�إنه يعاقب بتوريث زوجته منه �إذا مات ،وهي يف العدة.
واملماطل ق�صد بت�أخري رد الدين االنتفاع مبال الدائن ،فيعامل بنقي�ض ق�صده،
وهو �أن يحرم من االنتفاع مباله مدة مماثلة للماطلة(.((22
املناق�شة� :أن ما �أورد على مقابلة امل�سيء بنقي�ض ق�صده من �أمثلة ورد فيها ن�ص،
�أو هي يف معنى ما ورد به الن�ص ،وهذا بخالف هذه امل�س�ألة ،فالأدلة دلت على
حرمتها ،لأنها تف�ضي �إلى الربا.
( ((22ينظر :تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص.76 ،74
( ((22ينظر� :أحكام القر�آن للج�صا�ص (� ،)261/1أحكام القر�آن البن العربي (.)112-111/1
( ((22اجلامع لأحكام القر�آن (.)240/2
( ((22ينظر :التعوي�ض عن �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص ،45تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة
يف وفاء الديون بني الفقه واالقت�صاد �ص.76
-4تخريجاً على ما ذهب �إليه بع�ض الفقهاء �أن من غ�صب دراهم ،واجتر فيها
وربح� ،أن الربح للمغ�صوب منه ،لأنه منا ملكه ،واملدين �إذا طالبه الدائن باحلق بعد
حلول �أجله ،وامتنع ،يكون يف حكم الغا�صب(.((22
املناق�شة :ال ن�سلم ب�صحة قيا�س املدين املماطل على الغا�صب ،لأن الغ�صب هو
اال�ستيالء على حق غريه قهراً بغري حق( ،((22وهذا غري متحقق يف املدين املماطل،
�إذ �أنه �أخذ مال غريه بوجه م�رشوع ،لكنه ت�أخر يف رده ،كما �أن الغ�صب يتعلق بعني
ال�شيء املغ�صوب ،والواجب هو رده بعينه �إذا كان باقياً بحاله ،وهذا بالإجماع(،((23
و�إن زاد املغ�صوب بيد الغا�صب لزمه رده بزيادته ،لأنه من مناء املغ�صوب،
واملغ�صوب ملالكه ،فلزمه رد النماء كالأ�صل(� ،((23أما الدين فهو يتعلق بذمة املدين،
والواجب هو رد مثل املال الذي �شغلت به الذمة دون زيادة ،و�إال �أدى �إلى الربا.
الراجح :الذي يرتجح -والعلم عند اهلل � -أن ا�شرتاط هذا ال�رشط ممنوع �رشعاً،
وذلك لأن الدين �إن كان �سببه قر�ضاً ،فالواجب هو رده مبثله ،وا�شرتاط الدائن
على املدين �أن يقر�ضه حمرم ،وهذا ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من املالكية(،((23
وال�شافعية( ،((23واحلنابلة(.((23
واحلنفية و�إن مل ين�صوا على حكم هذه امل�س�ألة �إال �أنهم يتفقون مع اجلمهور على
( ((22ينظر :تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة يف وفاء الديون بني الفقه واالقت�صاد �ص.76
( ((22املقنع (� ،)111/15شرح الزرك�شي (� ،)167/4شرح منتهى الإرادات ( ،)399/2الرو�ض املربع مع حا�شية ابن قا�سم
(.)376-375/5
( ((23قال املوفق « و�أجمع العلماء على وجوب رد املغ�صوب �إذا كان باقيا بحاله مل يتغري ،ومل ي�شتغل بغريه « املغني
(.)406/7
( ((23ينظر :رو�ضة الطالبني (� ،)27/5أ�سنى املطالب ( ،)340/2الكايف ( ،)503/3ال�شرح الكبري ( ،)163/15ك�شاف القناع
(.)87/4
( ((23مواهب اجلليل ( ،)391/4منح اجلليل ( ،)588/2اخلر�شي على خمت�صر خليل ( ،)94/5حا�شية العدوي على
اخلر�شي (.)94/5
( ((23حا�شية اجلمل ( ،)262/3حوا�شي ال�شرواين على حتفة املحتاج ( ،)47/5نهاية املحتاج (.)231/4
( ((23املغني ( ،)437/6ال�شرح الكبري ( ،)344/12ك�شاف القناع (.)317/3
هذا احلكم ،حيث ذهبوا �إلى حرمة ال�رشوط يف القر�ض( ،((23ومنع كل قر�ض جر
نفعاً(.((23
جاء يف مواهب اجلليل« :ومن املمنوع الذي يبعد الق�صد �إليه جداً �أ�سلفني
و�أ�سلفك ،...،وال خالف يف املنع من �أن ي�سلف الإن�سان �شخ�صاً لي�سلفه بعد
ذلك»(.((23
وجاء يف حوا�شي ال�رشواين -يف بيان �أن كل قر�ض جر نفعاً فهو ربا « :-ولي�س
املعنى� :أن يقر�ض املقرت�ض املقر�ض ؛ لأنه حينئذ يجر نفعاً للمقر�ض ،فال ي�صح
فت�أمل»(.((23
وقال يف املغني« :و�إن �رشط يف القر�ض �أن ي�ؤجره داره� ،أو يبيعه �شيئاً� ،أو �أن
يقر�ضه املقرت�ض مرة �أخرى ،مل يجز»(.((23
ويدل على ذلك:
� -1أن هذا ال�رشط جر نفعاً للمقر�ض ،وكل قر�ض جر نفعاً فهو ربا( ،((24وهذا
ب�إجماع �أهل العلم ،قال ابن املنذر(�« :((24أجمعوا على �أن امل�سلف �إذا �رشط على
امل�ست�سلف زيادة �أو هدية ،ف�أ�سلف على ذلك� ،أن �أخذ الزيادة على ذلك ربا»(.((24
( ((23قال ابن جنيم « :ويف اخلال�صة القر�ض بال�شرط حرام ،وال�شرط لغو ».
البحر الرائق (.)133/6
( ((23قال الكا�ساين« :و�أما الذي يرجع �إلى نف�س القر�ض فهو �أن ال يكون فيه جر منفعة ،ف�إن كان مل يجز ».
بدائع ال�صنائع (.)395/7
(.)391/4( ((23
(.)47/5( ((23
(.)437/6( ((23
( ((24ينظر :حا�شية اجلمل ( ،)262-261/3حوا�شي ال�شرواين على حتفة املحتاج (.)47/5
( ((24هو الإمام �أبو بكر حممد بن �إبراهيم بن املنذر ال�شافعي الني�سابوري ،كان �إماماً جمتهداً ،ولد �سنة 242هـ ،وتويف �سنة
318هـ ،وله م�ؤلفات منها :الإجماع ،الأو�سط يف ال�سنن والإجماع واالختالف.
ينظر :طبقات ال�شافعية الكربى لل�سبكي ( ،)102/3العقد املذهب البن امللقن �ص.37
( ((24الإجماع �ص.55
وقال ابن عبد الرب(« :((24وكل زيادة من عني �أو منفعة ي�شرتطها امل�سلف على
امل�ست�سلف فهي ربا ،ال خالف يف ذلك»(.((24
وقال ابن جزي(�« :((24إن كانت املنفعة للدافع منع اتفاقاً»(.((24
-2لأنه �رشط عقداً يف عقد فلم يجز� ،أ�شبه ما لو باعه داره ب�رشط �أن يبيعه الآخر
داره(.((24
� -3أن مو�ضوع عقد القر�ض الإرفاق والقربة ،ف�إذا �رشط املقر�ض فيه املنفعة
لنف�سه خرج عن مو�ضوعه ،فمنع �صحته ; لأنه يكون بذلك قر�ضا للمنفعة ال للإرفاق
والقربة(.((24
وبهذا يت�ضح �أن ا�شرتاط الدائن على املدين �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف �سداد ما
�أقر�ضه ال يجوز ،وقد �سئل �سماحة ال�شيخ عبد العزيز بن باز( ((24رحمه اهلل عن
ا�شرتاط املقر�ض على املقرت�ض �أن يقر�ضه ،ف�أجاب« :ال يجوز هذا القر�ض ،لكونه
( ((24هو الإمام احلافظ �أبو عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب النمري القرطبي املالكي� ،شيخ علماء
الأندل�س وكبري حمدثيها يف وقته ،ولد �سنة 368هـ ،وتويف �سنة 463هـ ،وله م�ؤلفات كثرية منها :التمهيد ملا يف املوط�أ من
املعاين والأ�سانيد ،اال�ستذكار ملذاهب علماء الأم�صار ،جامع بيان العلم ،الكايف.
ينظر :ترتيب املدارك للقا�ضي عيا�ض (� ،)808/ 4سري �أعالم النبالء (.)153/18
( ((24اال�ستذكار (.)54/21
( ((24هو �أبو القا�سم حممد بن �أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي ،من فقهاء املالكية ،ولد �سنة 693هـ ،كان م�شاركاً يف فنون
العلم ،تويف �سنة 741هـ ،له م�صنفات كثرية منها :قوانني الأحكام ال�شرعية ،تقريب الو�صول �إلى علم الأ�صول ،و�سيلة
امل�سلم يف تهذيب �صحيح م�سلم.
ينظر :الديباج املذهب �ص� ،295شجرة النور الزكية �ص.213
( ((24قوانني الأحكام ال�شرعية �ص.190
( ((24ينظر :املغني (.)437/6
( ((24ينظر:حا�شية اجلمل (،)261/3حوا�شي ال�شرواين (،)47/5حا�شية العدوي على اخلر�شي (.)94/5
( ((24هو الإمام العالمة عبد العزيز بن عبد اهلل بن عبد الرحمن �آل باز ،ولد يف الريا�ض �سنة 1330هـ ،مرجع امل�سلمني
يف م�شارق الأر�ض ومغاربها يف الفتوى والعلم ،متيز ب�صفات ح�سنة ،و�شيم كرمية ال تكاد جتتمع يف رجل واحد ،كان زاهداً
ورعاً �سخياً ،قدوة يف علمه و�أخالقه ،تويف �سنة 1420هـ ،له م�صنفات مفيدة ،منها :التحقيق والإي�ضاح لكثري من م�سائل
احلج والعمرة والزيارة ،وجوب حتكيم �شرع اهلل ونبذ ما خالفه ،ثالث ر�سائل يف ال�صالة.
ينظر :جوانب من �سرية الإمام عبد العزيز بن باز للمو�سى �ص ،33الإجناز يف ترجمة الإمام عبد العزيز ابن باز للرحمة
�ص.27
يت�ضمن ا�شرتاط قر�ض مثله للمقر�ض ،وذلك يت�ضمن عقداً يف عقد ،فهو يف حكم
بيعتني يف بيعة ،ولأنه ي�شرتط فيه منفعة زائدة على جمرد القر�ض ،وهي �أن يقر�ضه
مثله ،وقد �أجمع العلماء على �أن كل قر�ض يت�ضمن �رشط منفعة زائدة� ،أو تواطئًا
عليها فهو ربا� ،أما حديث( :كل قر�ض جر نفعاً فهو ربا) ،فهو �ضعيف ،ولكن ورد
عن جماعة من ال�صحابة ما يدل على معناه �إذا كان ذلك النفع م�شرتطاً� ،أو يف حكم
امل�شرتط� ،أو الدين»(.((25
�أما �إن كان الدين �سببه ثمن مبيع ،فالذي يظهر �أن ا�شرتاط الدائن على املدين �أن
يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد ال يجوز �رشعاً ،لأنه اجتمع بيع و�سلف ،فباعه ب�رشط �أن
ي�سلفه ،وهذا حمرم بالإجماع ،قال القرايف(« :((25وب�إجماع الأمة على جواز البيع
وال�سلف مفرتقني،
وحترميهما جمتمعني لذريعة الربا»(.((25
وقال الباجي(« :((25ما روى عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده �أن ر�سول اهلل
�صلى اهلل عليه و�سلم قال( :ال يحل بيع و�سلف) ،و�أجمع الفقهاء على املنع من
ذلك»(.((25
وقال املوفق« :ولو باعه ب�رشط �أن ي�سلفه� ،أو يقر�ضه� ،أو �رشط امل�شرتي ذلك
( ((25جمموع فتاوى ومقاالت متنوعة ،جمع وترتيب د .حممد بن �سعد ال�شويعر (.)294/19
( ((25هو �شهاب الدين �أبو العبا�س �أحمد بن �إدري�س بن عبد الرحمن ،امل�شهور بالقرايف ،ولد �سنة 626هـ ،انتهت �إليه رئا�سة
الفقه يف مذهب مالك ،كان �إماماً يف الفقه ،والأ�صول ،والعلوم العقلية ،تويف �سنة 684هـ ،وله م�ؤلفات منها :الذخرية،
الفروق ،نفائ�س الأ�صول �شرح املح�صول.
ينظر :الديباج املذهب �ص� ،62شجرة النور الزكية �ص.188
( ((25الفروق (.)266/3
( ((25هو احلافظ �أبو الوليد �سليمان بن خلف بن �سعد الأندل�سي القرطبي الباجي ،تفقه به �أئمة ،وا�شتهر ا�سمه ،و�صنف
الت�صانيف املفيدة ،ولد �سنة 403هـ ،وتويف �سنة 474هـ ،له م�صنفات كثرية منها� :أحكام الف�صول يف �أحكام الأ�صول ،خمت�صر
املخت�صر يف م�سائل املدونة ،اال�ستيفاء.
ينظر� :سري �أعالم النبالء (� ،)535/18شجرة النور الزكية �ص.120
( ((25املنتقى (.)29/5
عليه ،فهو حمرم ،والبيع باطل ،وهذا مذهب مالك ،وال�شافعي ،وال �أعلم فيه
خالفاً»(.((25
وقال ابن جزي« :البيع با�شرتاط ال�سلف من �أحد املتابعني ،وهو ال يجوز
ب�إجماع»(.((25
ويدل على حرمة هذا:
الل �صلى اهلل عليه ول هَّ ِ
الل ْب َن َع ْم ٍرو( ((25ر�ضي اهلل عنه َق َالَ :ق َال َر ُ�س ُ -1عن َع ْبدِ هَّ ِ
و�سلم( :ال َيحِ ُّل َ�س َل ٌف َوبَ ْي ٌعَ ،وال �شرَ ْ َطانِ فيِ بَ ْي ٍعَ ،وال ِر ْب ُح َما لمَ ْ ت َْ�ض َم ْنَ ،وال بَ ْي ُع َما
لَ ْي َ�س عِ ْن َد َك)(.((25
وجه الداللة� :أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم نهى عن اجلمع بني �سلف وبيع يف
عقد واحد ،وحمل النهي �إذا كان ب�رشط ،وهو �أن يبيعه ب�رشط �أن يقر�ضه(.((25
� -2أن القر�ض لي�س من عقود املعاو�ضة ،و�إمنا هو من عقود الرب واملكارمة ،و�إذا
باعه ب�رشط �أن يقر�ضه� ،صار للقر�ض عو�ض من الثمن ،وهذا خمرج له عن مقت�ضاه
( ((25املغني (.)334/6
( ((25قوانني الأحكام ال�شرعية �ص.172
( ((25هو عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص بن وائل بن ها�شم بن كعب بن ل�ؤي ،الإمام احلرب العابد� ،صاحب ر�سول اهلل �صلى
اهلل عليه و�سلم� ،أبو حممد ،وقيل� :أبو عبد الرحمن ،هاجر بعد �سنة �سبع ،و�شهد بع�ض املغازي ،له مناقب وف�ضائل ومقام
را�سخ يف العلم والعمل ،حمل عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم علماً جماً ،مات �سنة 63هـ ،وقيل �سنة 65هـ.
ينظر :الطبقات الكربى (� ،)373/ 2سري �أعالم النبالء (.)79 / 3
(� ((25أخرجه �أبو داود يف كتاب البيوع والإجارات ،باب يف الرجل يبيع ما لي�س عنده ( ،)3504( )283/3والرتمذي يف البيوع،
باب ما جاء يف كراهية بيع ما لي�س عندك ( ،)1234( )536-535/3والن�سائي يف البيوع باب بيع ما لي�س عند البائع ()288/7
( ،)4611وابن ماجه يف التجارات باب النهي عن بيع ما لي�س عندك وعن ربح ما مل ي�ضمن ( ،)2188( )737/2و�أحمد
( ،)6628( )175-174/2و�أبو داود الطيال�سي �ص ،)2257( 298وعبد الرزاق ( ،)39/8وابن �أبي �شيبة ( ،)572/6والدارمي يف
البيوع ( ،)2560( )329/2وابن حبان ( ،)4321( )161/10والطرباين يف الأو�سط ( ،)1577( )333/2والدارقطني (-74/3
،)75واحلاكم ( ،)17/2والبيهقي (.)267/5
قال الرتمذي«:هذا حديث ح�سن �صحيح » ،وقال احلاكم« :هذا حديث على �شرط جملة من �أئمة امل�سلمني �صحيح » ،وقال
الباجي -يف املنتقى (« :- )29/5وتلقي الأمة له بالقبول ،والعمل به يدل على �صحة معناه وذلك يقوم له مقام الإ�سناد »،
وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يف جمموع الفتاوى ( « :)350/20قد ثبت عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم» .و�صححه ابن حزم
يف املحلى ( ،)520/8والنووي يف املجموع ( ،)376/9وح�سنه الألباين يف �إرواء الغليل (.)146/5
( ((25ينظر :احلاوي للماوردي ( ،)351/5رو�ضة الطالبني ( ،)400/3الفتاوى الكربى (.)227/3
من كونه من عقود الرب �إلى عقود املعاو�ضة ،فيكون مبط ًال له(.((26
� -3أن هذا يف�ضي �إلى جهالة الثمن ،وذلك �أن البائع �إذا باعه ب�رشط �أن يقر�ضه،
�صار بائعاً �سلعته بالثمن املذكور ،ومبنفعة القر�ض امل�رشوط ،و�إذا بطل �رشط القر�ض
�سقط ما يقابله من الثمن ،ولي�س له قيمة معلومة ،فيبقى الثمن جمهو ًال ،وجهالة
الثمن مبطلة للعقد(.((26
� -4أن اجلمع بني بيع وقر�ض هو جمع بني عقد الزم وعقد غري الزم ،لأن
القر�ض غري الزم للمقر�ض ،والبيع وما �أ�شبهه من العقود الالزمة ال يجوز �أن يقارنه
عقد غري الزم ،لتنايف حكميهما(.((26
� -5شبهة الربا ،لأن البيع ب�رشط ال�سلف يعد قر�ضاً جر نفعاً� ،سواء كان املقر�ض
البائع �أو امل�شرتي ،لأنه �إن كان البائع ف�سينتفع بزيادة ثمن املبيع ،و�إن كان امل�شرتي
ف�سينتفع بنق�صه(.((26
� -6أن قول الرجل للرجل� :أبيعك داري هذه بكذا على �أن تقر�ضني كذا ،ي�ؤول
�إلى م�س�ألة البيع ب�رشط ،وال يختلف الفقهاء يف ف�ساد البيع بذلك يف اجلملة(.((26
-7لأنه �إذا باعه ب�رشط �أن يقر�ضه فقد ا�شرتط عقداً يف عقد فف�سد ،كبيعتني يف
بيعة(.((26
-8قاعدة�« :سد الذرائع»(.((26
( ((26ينظر :املنتقى (.)29/5
( ((26ينظر :ال�شرح الكبري وحا�شية الد�سوقي عليه ( ،)66/3احلاوي ( ،)351/5التهذيب للبغوي ( ،)544-543/3مغني
املحتاج (.)31/2
( ((26ينظر :املنتقى للباجي (.)29/5
( ((26ينظر :ال�شرح الكبري وحا�شية الد�سوقي عليه ( ،)66/3اخلر�شي على خمت�صر خليل وحا�شية العدوي عليه (-93/5
.)94
( ((26ينظر :املو�سوعة الفقهية (.)185/9
( ((26ينظر :املغني (.)334/6
( ((26الفروق (� ،)32/2شرح خمت�صر الرو�ضة (.)135/3
وجه اال�ست�شهاد بالقاعدة� :أن البيع ب�رشط ال�سلف يف�ضي �إلى الربا من جهة
املحاباة يف الثمن من �أجل القر�ض ،فيكون القر�ض جاراً ملنفعة م�رشوطة ،وكل قر�ض
جر نفعاً فهو ربا ،وهذه الذريعة من الذرائع املتفق على منعها(.((26
اخلامتة
هذا البحث تناول �أحكام التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون ،وقد تو�صلت
-بف�ضل اهلل � -إلى نتائج ،من �أهمها ما ي�أتي:
�أو ًال� :أن الدين له �إطالقان عام وخا�ص ،فالعام هو احلق الالزم يف الذمة،
واخلا�ص هو ما ثبت يف الذمة من مال.
ثانياً� :أن �أ�سباب الت�أخري يف �سداد الدين تعود �إلى �إفال�س املدين� ،أو �إع�ساره� ،أو
جحوده �أو مماطلته.
ثالثاً :ال يجوز للدائن �أن ي�أخذ من املدين زيادة على �أ�صل الدين عن ت�أخريه يف
�سداده� ،سواء كان مع�رساً �أو مو�رساً.
رابعاً :ال يجوز للدائن �أن ي�شرتط على املدين زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر عن
الوفاء ،ل�رصفها يف وجوه اخلري.
خام�ساً :يجوز ا�شرتاط الدائن على املدين �أن تكون نفقات الق�ضية املرفوعة
حمام ،و�أجرة تنقل ،وغري ذلك ،وهذا ب�رشوط: �ضده عليه من توكيل ٍ
� -1أن يكون املدين قادراً على الوفاء.
� -2أن يكون املدين مماط ًال حتى �أحوج الدائن �إلى �شكايته.
� -3أن يكون ما غرم الدائن ب�سبب املماطلة من النفقات على ال�شكاية على
( ((26ينظر :جمموع الفتاوى (� ،)295/33إعالم املوقعني ( ،)141/3الفروق ( ،)266/3تهذيب الفروق (.)274/3
الوجه املعتاد.
�ساد�ساً :ا�شرتاط الدائن على املدين حلول الأق�ساط �إذا ت�أخر يف �سداد ق�سط ال
يجوز �إن كان الدين ثمن مبيع ،وروعي الأجل يف ثمنه ،ويجوز �إن كان الدين بدل
قر�ض.
�سابعاً :يحرم ا�شرتاط الدائن على املدين �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد قر�ضاً
بقدر الدين وملدة مماثلة للماطلة� ،سواء كان الدين ثمن مبيع �أو بدل قر�ض.
هذه �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها من خالل هذا البحث ،و�صلى اهلل و�سلم
على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني.