You are on page 1of 64

‫بحث حم َّكم‬

‫التعوي�ض عن الت�أخري‬
‫يف �سداد الديون‬

‫�إعداد‬
‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬
‫ع�ضو هيئة التدري�س يف ق�سم الفقه بكلية ال�شريعة بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية بالريا�ض‬
‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪� ،‬أمت �أحكام الدين‪ ،‬و�أظهر معامل �رشعه‪ ،‬و�أ�شهد �أن ال �إله‬
‫�إال اهلل وحده ال �رشيك له‪ ،‬و�أ�شهد �أن حممداً عبده ور�سوله‪ ،‬نّبي احلالل واحلرام‪،‬‬
‫�صلى اهلل عليه‪ ،‬وعلى �آله و�أ�صحابه‪ ،‬والتابعني لهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪� ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ف�إن من امل�شكالت الكربى التي تواجه العمل امل�رصيف واال�ستثمار الإ�سالمي‬
‫الديون املت�أخرة ال�سداد‪ ،‬وهذه امل�شكلة مل يقت�رص دورها على امل�ؤ�س�سات وال�رشكات‬
‫فح�سب‪ ،‬بل تعداها �إلى الدول �أي�ضاً‪ ،‬وتعاين البنوك الإ�سالمية من هذه امل�شكلة‬
‫على وجه اخل�صو�ص؛ وذلك لأن من �أهم �أدواتها يف ا�ستثمار الأموال عقود املرابحة‪،‬‬
‫التي يرتتب عليها ديون يف ذمم العمالء‪ ،‬و�إذا ت�أخر �أدا�ؤها عن وقتها املحدد‪ ،‬ف�إن‬
‫البنك يخ�رس عوائدها‪ ،‬ومما يزيد من �رضر هذا الأمر �أن الديون متثل ن�سبة عالية‬
‫من �أ�صول البنوك ال�رشعية‪ ،‬قد ت�صل يف بع�ضها �إلى �أكرث من ‪ ،%90‬ومن ثم كان‬
‫الت�أخري يف �سداد الدين له الأثر البالغ على امل�ؤ�س�سات املالية‪ ،‬فظهرت احلاجة عند‬
‫القائمني على هذه البنوك �إلى ا�شرتاط التعوي�ض يف الت�أخري عن �سداد الديون‪ ،‬وقد‬
‫بلغ عدد البنوك الإ�سالمية التي ت�شرتط التعوي�ض اثني ع�رش بنكاً من �سبعة وع�رشين‬
‫بنكاً يف عام ‪1999‬م(((‪ ،‬وهذا العدد يف ازدياد‪ ،‬كما �أن هذا الأمر جعل البنوك‬
‫تت�شدد يف �إجراء املعامالت املالية‪ ،‬فتطلب رهناً و�ضماناً يف �إعطاء متويل للعميل‪،‬‬
‫وترفع ن�سبة الربح خوفاً من الت�أخري يف �سداد الدين‪ ،‬وهذا �أدى �إلى ح�رص تعامل‬
‫((( ينظر‪ :‬م�شكلة الديون املت�أخرة يف البنوك الإ�سالمية د‪ .‬علي القره داغي �ص‪.473‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪98‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫البنوك الإ�سالمية يف فئة من النا�س‪ ،‬قادرة على الوفاء مبا يطلبه البنك منهم‪ ،‬وقد‬
‫بحثت املجامع الفقهية‪ ،‬وهيئات الرقابة ال�رشعية التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد‬
‫الدين‪ ،‬بل �إن جممع الفقه الإ�سالمي كرر بحث هذا املو�ضوع يف �أكرث من دورة‪،‬‬
‫حيث بحثه يف الدورة الثامنة‪ ،‬ثم �أعاد النظر فيه يف الدورة الرابعة ع�رشة‪ ،‬وهذا‬
‫مما يبني الأهمية البالغة لدرا�سة �أحكام هذا املو�ضوع‪ ،‬ومعاجلته باحللول ال�رشعية‪،‬‬
‫والطرق ال�صحيحة‪.‬‬
‫التمهيد‬

‫املبحث الأول‪ :‬بيان املراد بالدين‬

‫الدين له �إطالقان عند الفقهاء‪� ،‬أحدهما عام‪ ،‬والآخر خا�ص‪ ،‬فالعام هو احلق‬
‫الالزم يف الذمة‪ ،‬قال ابن جنيم(((‪« :‬الدين لزوم حق يف الذمة»(((‪.‬‬
‫اال �أو حقاً‪ ،‬فال ي�شرتط يف الدين‬ ‫وهذا ي�شمل كل ما ثبت يف الذمة‪� ،‬سوا ًء كان م ً‬
‫�أن يكون ما ًال‪ ،‬بل ي�شمل احلق الذي يطالب بالوفاء به‪ ،‬كال�صالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬واحلج‪،‬‬
‫والنذر‪ ،‬وعلى هذا جاء ا�ستعماله يف الن�صو�ص ال�رشعية‪ ،‬فجاء فيمن ماتت وعليها‬
‫الل �صلى اهلل‬ ‫ا�س((( ر�ضي اهلل عنه (�أَ َّن ا ْم َر َ�أ ًة َ�أت َْت َر ُ�س َ‬
‫ول هَّ ِ‬ ‫�صوم �شهر حديث ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫عليه و�سلم‪َ ،‬فقَالَ ْت‪� :‬إِ َّن �أُ ِّمي َمات َْت َو َع َل ْي َها َ�ص ْو ُم �شَ ْه ٍر‪َ ،‬فق َ‬
‫َال‪�َ :‬أ َر�أَ ْي ِت لَ ْو َك َان َع َل ْي َها‬
‫((( هو زين الدين بن �إبراهيم بن حممد امل�شهور بابن جنيم‪ ،‬من فقهاء احلنفية‪ ،‬ولد �سنة ‪926‬هـ‪ ،‬وتويف �سنة ‪970‬هـ‪ ،‬وله‬
‫م�صنفات منها‪ :‬البحر الرائق �شرح كنز الدقائق‪� ،‬شرح املنار فى الأ�صول‪ ،‬الأ�شباه والنظائر‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الطبقات ال�سنية يف تراجم احلنفية للغزي (‪� ،)275/3‬شذرات الذهب البن العماد (‪.)358/8‬‬
‫((( فتح الغفار �شرح املنار (‪.)20/3‬‬
‫وينظر‪ :‬جممع الأنهر �شرح ملتقى الأبحر لداماد �أفندي (‪.)315/2‬‬
‫((( هو عبد اهلل بن عبا�س بن عبد املطلب �شيبة بن ها�شم‪� ،‬أبو العبا�س‪ ،‬حرب الأمة‪ ،‬وفقيه الع�صر‪ ،‬و�إمام التف�سري‪ ،‬مولده‬
‫ب�شعب بني ها�شم قبل عام الهجرة بثالث �سنني‪� ،‬صحب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم نحواً من ثالثني �شهراً‪ ،‬وحدث عنه‪،‬‬
‫دعا له النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم فقه يف الدين‪ ،‬وعلمه الت�أويل‪ ،‬تويف �سنة ‪� 67‬أو ‪68‬هـ‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الطبقات الكربى البن �سعد (‪� ،)365/2‬سري �أعالم النبالء للذهبي (‪.)331/3‬‬

‫‪99‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫الل �أَ َح ُّق ِبا ْلق ََ�ضاءِ)(((‪.‬‬ ‫َد ْي ٌن‪� ،‬أَ ُك ْن ِت تَق ِْ�ضي َن ُه؟ َقالَ ْت‪ :‬نَ َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َد ْي ُن هَّ ِ‬
‫ا�س َق َال‪�( :‬أَ َم َر ْت ا ْم َر�أَةٌ �سِ َن َان ْب َن َ�س َل َم َة‬ ‫وجاء فيمن مات ومل يحج حديث ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم �أَ َّن �أُ َّم َها َمات َْت َولمَ ْ حَ ُت َّج‪� ،‬أَ َف ُي ْج ِز ُئ‬ ‫ول هَّ ِ‬‫الجْ ُ َهن َِّي �أَنْ َي ْ�س�أَ َل َر ُ�س َ‬
‫َع ْن �أُ ِّم َها �أَنْ حَ ُت َّج َع ْن َها؟ َق َال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬لَ ْو َك َان َع َلى �أُ ِّم َها َد ْي ٌن‪َ ،‬فق ََ�ض ْت ُه َع ْن َها‪� ،‬أَلمَ ْ َي ُك ْن‬
‫ُي ْج ِز ُئ َع ْن َها؟ َف ْل َت ُح َّج َع ْن �أُ ِّم َها)(((‪.‬‬
‫فجعل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صوم واحلج على الذي مات مكل ًفا ومل‬
‫يفعله ديناً هلل يق�ضى عن امليت‪ ،‬وهذا يدل على �أن ما يثبت يف الذمة يعد ديناً‪� ،‬سواء‬
‫كان هلل �أو لأدمي‪ ،‬وعلى هذا جرى عامة الفقهاء(((‪.‬‬
‫�أما الإطالق اخلا�ص فهو بالنظر للمال‪ ،‬وللفقهاء قوالن يف حقيقته‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ما ثبت يف الذمة من مال ب�سبب يقت�ضي ثبوته‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫جمهور الفقهاء من املالكية(((‪ ،‬وال�شافعية(((‪ ،‬واحلنابلة(‪ ،((1‬والظاهرية(‪ ،((1‬وبع�ض‬
‫احلنفية(‪.((1‬‬
‫فالدين ي�شمل كل ما ثبت يف الذمة من مال‪� ،‬سواء ثبت بد ًال عن غريه �أو مل يكن‬
‫((( رواه البخاري يف كتاب ال�صوم‪ ،‬باب من مات وعليه �صوم (‪ ،)1953( )46/2‬وم�سلم يف كتاب ال�صيام‪ ،‬باب ق�ضاء ال�صيام‬
‫عن امليت (‪.)1148( )804/2‬‬
‫((( رواه الن�سائي يف كناب منا�سك احلج‪ ،‬باب احلج عن امليت الذي مل يحج (‪ ،)2633( )116/5‬ورواه يف الكربى (‪)10/4‬‬
‫(‪ ،)3599‬و�أحمد (‪ ،)2518( )279/1‬وابن خزمية (‪.)3034( )343/4‬‬
‫و�صححه ابن حزم يف املحلى (‪ ،)63/7‬والألباين يف �صحيح الن�سائي (‪.)2470( )558/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تبيني احلقائق للزيلعي (‪ ،)230/6‬بدائع ال�صنائع للكا�ساين (‪ ،)95/1‬الفروق للقرايف (‪ )134/2‬منح اجلليل‬
‫لعلي�ش (‪ ،)363/1‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد د‪ .‬نزيه حماد �ص‪.110‬‬
‫((( منح اجلليل (‪� ،)363/1‬شرح الزرقاين على خمت�صر خليل (‪ ،)164/2‬حا�شية الد�سوقي (‪ ،)334/3‬املنتقى للباجي‬
‫(‪.)117/2‬‬
‫((( مغني املحتاج لل�شربيني (‪ ،)3/3‬نهاية املحتاج للرملي (‪ ،)6/6‬حا�شية اجلمل (‪.)5/4‬‬
‫(‪ ((1‬املطلع على �أبواب املقنع للبعلي �ص‪ ،326‬ك�شاف القناع للبهوتي (‪ ،)336/3‬العذب الفائ�ض �شرح عمدة الفار�ض‬
‫لأبراهيم الفر�ضي (‪.)15/1‬‬
‫(‪ ((1‬املحلى البن حزم (‪.)80 ،77/8‬‬
‫(‪ ((1‬املب�سوط لل�سرخ�سي (‪ ،)140/15‬درر احلكام لعلي حيدر (‪ )111/1‬املادة ‪.158‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪100‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫بد ًال‪ ،‬و�سواء كان هلل كالزكاة‪� ،‬أو كان لآدمي(‪.((1‬‬


‫القول الثاين‪ :‬ما ثبت يف الذمة من مال بد ًال عن �شيء �آخر يف عقد‪� ،‬أو �إتالف‪،‬‬
‫�أو قر�ض‪ ،‬وهذا مذهب احلنفية(‪.((1‬‬
‫قال يف فتح القدير‪« :‬الدين ا�سم ملال واجب يف الذمة‪ ،‬يكون بد ًال عن مال‬
‫�أتلفه‪� ،‬أو قر�ض اقرت�ضه‪� ،‬أو مبيع عقد بيعه‪� ،‬أو منفعة عقد عليها من ب�ضع امر�أة وهو‬
‫املهر‪� ،‬أو ا�ستئجار عني»(‪.((1‬‬
‫وجاء يف حا�شية ابن عابدين‪« :‬الدين ما وجب يف الذمة بعقد‪� ،‬أو ا�ستهالك‪ ،‬وما‬
‫�صار يف ذمته ديناً با�ستقرا�ضه»(‪.((1‬‬
‫وعلى هذا يخرج ما ثبت يف الذمة من مال لي�س بد ًال عن �شيء �آخر‪ ،‬فال يعد‬
‫ديناً ما ثبت يف الذمة بغري هذه الأ�سباب الثالثة‪ ،‬وهي العقد‪ ،‬والإتالف‪ ،‬والقر�ض‪،‬‬
‫وهذا مثل الزكاة‪ ،‬والدية‪ ،‬و�أر�ش اجلناية‪ ،‬فالزكاة ال تعد ديناً‪ ،‬لأنها متليك مال من‬
‫غري �أن يكون بد ًال عن �شيء‪ ،‬و�إمنا هي �إخراج مالٍ ابتداء بد ًال عن مال نف�سه(‪.((1‬‬
‫والأقـرب تعريف اجلمهور‪ ،‬لأن املال الثابت يف الذمة‪ ،‬ولي�س بد ًال عن �شيء‬
‫�آخر‪ ،‬حكمه حكم املال الثابت من جهة املالية‪ ،‬وثبوته يف الذمة‪ ،‬ووجوب �أدائه‪ ،‬فال‬
‫يخرج عن حقيقة الدين(‪.((1‬‬

‫(‪ ((1‬ينظر‪ :‬معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية د‪ .‬نزيه حماد �ص‪ ،208‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‬
‫�ص‪ ،111-110‬املعامالت املالية املعا�صرة د‪ .‬وهبة الزحيلي �ص‪.186‬‬
‫(‪ ((1‬جممع الأنهر �شرح ملتقى الأبحر (‪ ،)124/2‬غمز عيون الب�صائر للحموي (‪ ،)5/4‬حا�شية ال�شلبي على تبيني احلقائق‬
‫(‪.)165/4‬‬
‫(‪.)221/7( ((1‬‬
‫(‪.)166/5( ((1‬‬
‫(‪ ((1‬ينظر‪ :‬فتح القدير للكمال بن الهمام (‪ ،)221/7‬حا�شية ال�شلبي على تبيني احلقائق (‪ ،)165/4‬العناية �شرح الهداية‬
‫للبابرتي (‪ ،)221/7‬معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية د‪ .‬نزيه حماد �ص‪.208‬‬
‫(‪ ((1‬ينظر‪ :‬ا�ستيفاء الديون يف الفقه الإ�سالمي د‪ .‬مزيد املزيد �ص‪.36‬‬

‫‪101‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫املبحث الثاين‪� :‬أ�سباب الت�أخري يف �سداد الدين‬

‫للت�أخري يف �سداد الديون �أ�سباب متعددة‪ ،‬ميكن �إرجاعها �إلى ما ي�أتي‪:‬‬


‫‪ -1‬الإفال�س‪ :‬وهو م�صدر �أفل�س‪ ،‬وهو الزم‪ ،‬يقال‪� :‬أفل�س الرجل �إذا �صار ذا‬
‫فلو�س بعد �أن كان ذا دراهم‪� ،‬أو �صار �إلى حال لي�س له فلو�س(‪.((1‬‬
‫ويف اال�صطالح‪ :‬من دينه �أكرث من ماله‪ ،‬وخرجه �أكرث من دخله(‪.((2‬‬
‫وقيل‪ :‬من عليه ديون ال يفي بها ماله(‪.((2‬‬
‫و�إمنا �سمي من غلب دينه ماله مفل�ساً‪ ،‬و�إن كان ذا مال‪ ،‬لأن ماله م�ستحق ال�رصف‬
‫يف جهة دينه‪� ،‬أ�شبه من ال مال له‪� ،‬أو باعتبار ما ي�ؤول �إليه من عدم ماله بعد وفاء دينه‪،‬‬
‫فك�أنه معدوم‪� ،‬أو لأنه مينع من الت�رصف يف ماله �إال يف ال�شيء التافه الذي ال يعي�ش‬
‫�إال به كالفلو�س(‪.((2‬‬
‫‪ -2‬الإع�سار‪ :‬وهو م�صدر �أع�رس‪ ،‬وال ُع�رس بال�ضم �ضد الي�سار‪ ،‬والعني وال�سني‬
‫والراء �أ�صل �صحيح يدل على �ضيق و�صعوبة و�شدة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(‪ ،((2‬والع�رسة قلة‬
‫ذات اليد‪ ،‬ويقال‪ :‬يوم ع�سري �أي �شديد و�أع�رس الرجل �صار ذا ع�رسة‪ ،‬وتع�رس الأمر‬
‫وتعا�رس �أ�شتد والتوى و�صار ع�سرياً‪ ،‬ويقال‪� :‬أع�رست املر�أة �إذا ع�رس عليها والدها(‪.((2‬‬

‫(‪ ((1‬ينظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة البن فار�س‪ ،‬مادة فل�س (‪ ،)451/4‬ل�سان العرب البن منظور‪ ،‬مادة فل�س (‪،)166-165/6‬‬
‫خمتار ال�صحاح للرازي‪ ،‬مادة فل�س �ص‪.510‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬املغني البن قدامة (‪ ،)537/6‬ال�شرح الكبري ل�شم�س الدين ابن قدامة (‪ ،)227/13‬املطلع على �أبواب املقنع‬
‫�ص‪� ،254‬شرح منتهى الإرادات للبهوتي (‪.)273/2‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬فتح العزيز للرافعي(‪ ،)196/10‬رو�ضة الطالبني للنووي (‪ ،)127/4‬مغني املحتاج (‪.)146/2‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬املغني (‪ ،)537/6‬ال�شرح الكبري (‪� ،)228-227/13‬شرح الزرك�شي (‪ ،)62/4‬ك�شاف القناع (‪.)417/3‬‬
‫(‪� ((2‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.280 :‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬مادة ع�سر (‪ ،)320-319/4‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة ع�سر (‪ ،)564-563/4‬القامو�س املحيط‬
‫للفريوز �آبادي‪ ،‬مادة ع�سر (‪.)126/2‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪102‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫ويف اال�صطالح‪ :‬لي�س للإع�سار عند الفقهاء تعريف جامع ي�شمل جميع معانيه‬
‫يف �أبواب الفقه‪ ،‬بل يختلف معناه من باب �إلى �آخر‪ ،‬ومل يتعر�ض �أكرث الفقهاء‬
‫لو�ضع حد �أو �ضابط للإع�سار‪ ،‬لكن يدور معناه على عدم قدرة الإن�سان عن ما‬
‫لزمه يف ذمته من احلقوق املالية‪� ،‬سوا ًء �أكانت هلل كالزكاة‪ ،‬والكفارة‪ ،‬والهدي‪� ،‬أو‬
‫للعباد كالنفقات‪ ،‬والديون(‪ ،((2‬وبالنظر �إلى هذا املعنى ُعرف الإع�سار ب�أنه‪« :‬هو‬
‫عدم القدرة على النفقة‪� ،‬أو �أداء ما عليه مبال وال ك�سب»(‪.((2‬‬
‫‪ -3‬اجلحود‪ :‬اجليم واحلاء والدال �أ�صل يدل على قلة اخلري‪ ،‬واجلحد من كل‬
‫�شيء القلة‪ ،‬وا َجلحد واجلحود �ضد الإقرار‪ ،‬كالإنكار‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬يقال‪ :‬جحده حقه‬
‫وبحقه‪ ،‬وهو الإنكار مع العلم(‪ ،((2‬ومنه قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭼ(‪.((2‬‬
‫ويف اال�صطالح ال يخرج عن معناه يف اللغة‪ ،‬فرياد به‪� :‬إنكار �شيء �سبق‬
‫الإقراره به(‪ ،((2‬قال ابن القيم(‪« :((3‬ال يكون اجلحد �إال بعد االعرتاف بالقلب �أو‬
‫الل�سان‪ ،....،‬وعلى هذا ال يح�سن ا�ستعمال الفقهاء لفظ اجلحود يف مطلق الإنكار‬

‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬مو�سوعة الفقه الإ�سالمي للمجل�س الأعلى لل�ش�ؤون الإ�سالمية (‪� ،)275/16‬أحكام الإع�سار املايل يف الفقه‬
‫الإ�سالمي د‪ .‬ف�ضل الرحيم عثمان �ص‪� ،27-26‬أحكام املع�سر يف الفقه الإ�سالمي د‪ .‬عبد اهلل احلذيفي �ص‪ ،18‬معجم‬
‫امل�صطلحات املالية والإقت�صادية �ص‪.68‬‬
‫(‪ ((2‬املو�سوعة الفقهية الكويتية (‪.)246/5‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬مادة جحد (‪ ،)425/1‬القامو�س املحيط‪ ،‬مادة مطل (‪ ،)68/4‬ل�سان العرب مادة جحد‬
‫(‪.)106/3‬‬
‫(‪� ((2‬سورة النمل‪� ،‬آية‪.14 :‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ :‬املجموع للنووي (‪.)14/3‬‬
‫(‪ ((3‬هو الإمام �شم�س الدين �أبو عبد اهلل حممد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد الزرعي الدم�شقي املعروف بابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬ولد بدم�شق �سنة ‪ 691‬هـ‪ ،‬والزم �شيخ الإ�سالم ابن تيميه و�أخذ عنه‪ ،‬وتفنن يف علوم الإ�سالم‪ ،‬كان عارفاً بالتف�سري‬
‫اليجارى فيه‪ ،‬وب�أ�صول الدين‪ ،‬و�إليه فيهما املنتهى‪ ،‬واحلديث ومعانيه وفقهه‪ ،‬تويف �سنة ‪ 751‬هـ بدم�شق‪ ،‬وله م�ؤلفات كثرية‬
‫منها‪ :‬زاد املعاد يف هدي خري املعاد‪� ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مفتاح دار ال�سعادة‪ ،‬الطرق احلكمية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الذيل على طبقات احلنابلة البن رجب (‪ ،)447/2‬املق�صد الأر�شد البن مفلح (‪.)384/ 2‬‬

‫‪103‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫يف باب الدعاوى وغريها؛ لأن املنكر قد يكون حمقاً‪ ،‬فال ي�سمى جاحداً»(‪.((3‬‬
‫‪ -4‬املماطلة‪ :‬م�صدر للفعل ماطل‪ ،‬وهو م�أخوذ من املطل‪ ،‬وهو م�شتق من‬
‫مطلت احلديدة �إذا �رضبتها ومددتها لتطول‪ ،‬ومنه يقـال‪ :‬مطله بدينه مطـ ًال‪ ،‬وماطله‬
‫به مماطلة �إذا �سوفه بوعد الوفاء مرة بعد �أخرى‪ ،‬وهو يف اللغة‪ :‬الت�سويف واملدافعة‬
‫يف �أداء احلق(‪.((3‬‬
‫واملماطلة يف اللغة هو ت�أخري �أداء ال�شيء مطلقاً‪� ،‬إال �أنها يف ال�رشع �أخ�ص من‬
‫ذلك فهي‪ :‬منع ق�ضاء ما ا�ستحق �أدا�ؤه(‪.((3‬‬

‫الف�صل الأول‬
‫التعوي�ض بزيادة على الدين �إذا ت�أخر يف �سداده‬

‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الدين‬

‫مماطلة املدين القادر على الوفاء‪ ،‬وت�أخريه يف �سداد ما عليه من الدين يف موعده‬
‫املحدد فيه ظلم للدائن‪ ،‬و�إحلاق لل�رضر به‪ ،‬وحيلولة بينه وبني �أخذ ماله‪ ،‬والت�رصف‬
‫فيه مبا يعود عليه بامل�صلحة‪ ،‬فهل يجوز للدائن �أن ي�أخذ من املدين زيادة على �أ�صل‬
‫دينه ب�سبب ت�أخره يف الوفاء؟‬
‫حترير حمل النزاع‪ :‬اتفق �أهل العلم على �أنه ال يجوز للدائن �أن ي�أخذ من املدين‬
‫(‪ ((3‬بدائع الفوائد (‪.)1517/4‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬مادة مطل (‪ ،)331/5‬القامو�س املحيط‪ ،‬مادة مطل (‪ ،)68/4‬ل�سان العرب‪ ،‬مادة مطل‬
‫(‪.)624/11‬‬
‫(‪ ((3‬املنتقى (‪� ،)66/5‬شرح النووي على �صحيح م�سلم (‪� ،)227/10‬إكمال �إكمال املعلم للآبي (‪ ،)245/4‬عون املعبود للعظيم‬
‫�آبادي (‪.)195/9‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪104‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫زيادة على �أ�صل الدين عن ت�أخريه يف �سداده �إذا كان مع�رساً‪ ،‬والواجب عليه �أن‬
‫ينظره �إلى مي�رسة(‪ ،((3‬وقد دل على ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(‪.((3‬‬
‫ف�أمر اهلل ب�إنظار املع�رس �إلى مي�رسة‪ ،‬و�إلزامه بالتعوي�ض ينايف الإنظار امل�أمور به‪.‬‬
‫واختلفوا يف �أخذ زيادة من املدين املو�رس عن �رضر املماطلة؛ لفوات الربح‬
‫املظنون لت�أخريه يف ال�سداد على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬يحرم �أخذ زيادة من املدين عن ت�أخره يف �سداد الدين عن موعده‬
‫املحدد‪ ،‬وبه قال �أكرث �أهل العلم‪ ،‬حيث �صدرت به قرارات وفتاوى من جمامع‬
‫فقهية‪ ،‬وهيئات �رشعية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬املجمع الفقهي الإ�سالمي التابع لرابطة العامل الإ�سالمي‪ ،‬فقد جاء يف قراره‬
‫ال�صادر بهذا ال�ش�أن‪�« :‬أن الدائن �إذا �رشط على املدين‪� ،‬أو فر�ض عليه �أن يدفع له‬
‫مبلغاً من املال‪ ،‬غرامة مالية جزائية حمددة‪� ،‬أو بن�سبة معينة‪� ،‬إذا ت�أخر عن ال�سداد يف‬
‫املوعد املحدد بينهما‪ ،‬فهو �رشط �أو فر�ض باطل‪ ،‬وال يجب الوفاء به‪ ،‬بل وال يحل‪،‬‬
‫�سواء كان ال�شارط امل�رصف �أو غريه»(‪.((3‬‬
‫‪ -2‬جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪ ،‬فقد جاء يف قراره‬
‫ال�صادر ب�ش�أن البيع بالتق�سيط‪�« :‬إذا ت�أخر امل�شرتي املدين يف دفع الأق�ساط عن املوعد‬
‫املحدد فال يجوز �إلزامه �أي زيادة على الدين ب�رشط �سابق �أو بدون �رشط‪ ،‬لأن ذلك‬

‫(‪ ((3‬ينظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد �ص‪ ،324‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية د‪ .‬علي القره داغي‬
‫�ص‪ ،116‬بيع التق�سيط ‪ -‬حتليل فقهي واقت�صادي ‪ -‬د‪ .‬رفيق بن يون�س امل�صري �ص‪ ،334‬مطبوع �ضمن �أبحاث جملة جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬اجلزء الأول‪ ،‬مناق�شات جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي العدد‬
‫الرابع ع�شر‪ ،‬اجلزء الرابع �ص‪.645‬‬
‫(‪� ((3‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.280 :‬‬
‫(‪ ((3‬قرارات املجمع الفقه الإ�سالمي �ص‪.268‬‬

‫‪105‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫ربًا حمرم»(‪.((3‬‬
‫‪ -3‬فتوى ندوة الربكة ال�ساد�سة لالقت�صاد الإ�سالمي التي ن�صت على �أنه‪« :‬ال‬
‫يجوز تطبيق غرامة الت�أخري على القر�ض احل�سن»(‪.((3‬‬
‫‪ -4‬املجل�س ال�رشعي لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫حيث جاء يف معيار املدين املماطل‪« :‬ال جتوز املطالبة الق�ضائية للمدين املماطل‬
‫بالتعوي�ض املايل نقداً �أو عيناً عن ت�أخري الدين»(‪.((3‬‬
‫وهذا هو قول �أكرث الباحثني(‪.((4‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يجوز للدائن �أن ي�أخذ زيادة على �أ�صل الدين يف مقابل ت�أخري‬
‫املدين يف الوفاء‪ ،‬ويرجع يف تقدير التعوي�ض �إلى القا�ضي الذي ينظر �إلى ما فات‬
‫الدائن من ربح معتاد يف طرق التجارة العامة يف حالة قب�ضه دينه يف موعده‪،‬‬
‫وا�ستثماره بالطرق امل�رشوعة دون نظر �إلى �سعر الفائدة‪ ،‬و�إن كان الدائن م�رصفاً‪ ،‬فله‬
‫�أخذ تعوي�ض مبقدار ن�سبة الربح الذي كان ميكن �أن يحققها يف دين املماطل يف حالة‬
‫ا�ستثماره‪ ،‬وهذا هو قول بع�ض �أهل العلم(‪.((4‬‬
‫(‪ ((3‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬اجلزء الأول‪� ،‬ص‪.447‬‬
‫(‪ ((3‬عقدت بت�أريخ ‪� 9-5‬شعبان ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫(‪ ((3‬املعايري ال�شرعية �ص‪.34‬‬
‫(‪ ((4‬وهم الدكتور نزيه حماد‪ ،‬وال�شيخ عبد اهلل بن بيه‪ ،‬والدكتور حممد الأمني ال�ضرير‪ ،‬وال�شيخ حممد تقي العثماين‪،‬‬
‫والدكتور حممد عثمان �شبري‪ ،‬والدكتور علي القره داغي‪ ،‬والدكتور عبد اهلل ال�سعيدي‪ ،‬والدكتور مزيد املزيد‪ ،‬والدكتور‬
‫حممد زكي عبد الرب‪ ،‬والدكتور زكي الدين �شعبان‪ ،‬والدكتور �سليمان الرتكي‪ ،‬والدكتور �سليمان الدخيل‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬درا�سات يف �أ�صول املداينات �ص‪ ،285‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال �ص‪ ،139‬االتفاق‬
‫على �إلزام املدين امل�ؤ�سر بتعوي�ض �ضرر املماطلة �ص‪�( 118‬ضمن بحوث جملة �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬املجلد ‪ ،3‬العدد‬
‫‪ ،1‬عام ‪ 1411‬هـ)‪ ،‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪� ،40‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي‬
‫(‪ ،)874 -873/2‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،150‬الربا يف املعامالت امل�صرفية املعا�صرة (‪ ،)1216/2‬ا�ستيفاء‬
‫الديون يف الفقه الإ�سالمي �ص‪ ،185‬ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص‪�( ،166‬ضمن بحوث جملة جامعة‬
‫امللك عبد العزيز‪ ،‬االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬املجلد ‪ - 2‬عام ‪ 1410‬هـ)‪ ،‬تعليق على مقال هل يقبل �شرعاً احلكم على املدين املماطل‬
‫بالتعوي�ض عن الدائن �ص‪ ،217‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪ ،339‬املماطلة يف الديون �ص‪.391‬‬
‫(‪ ((4‬هو قول ال�شيخ م�صطفى بن �أحمد الزرقا‪ ،‬وال�شيخ عبد اهلل بن �سليمان املنيع‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن لل�شيخ م�صطفى الزرقا‪ ،‬بحث مطبوع يف جملة درا�سات اقت�صادية‬
‫�إ�سالمية) املجلد الثالث‪ ،‬العدد الثاين �ص‪ ،20‬بحث يف مطل الغني و�أنه ظلم يحل عر�ضه وعقوبته لل�شيخ عبد اهلل بن منيع‬
‫�ص‪( 394‬مطبوع �ضمن كتاب بحوث يف االقت�صاد الإ�سالمي)‪.‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪106‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بتحرمي �أخذ زيادة على �أ�صل الدين يف مقابل الت�أخري عن ال�سداد‬
‫ب�أدلة من املنقول‪ ،‬واملعقول‪.‬‬
‫�أو ًال‪ :‬دليلهم من املنقول‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم الن�صو�ص الواردة يف الكتاب وال�سنة يف حترمي الربا‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫�أ‪ -‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ(‪� ((4‬إلى‬
‫قوله‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ(‪.((4‬‬
‫تعالى‪ :‬ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫ب‪ -‬قوله‬
‫ﯳ ﯴﭼ(‪.((4‬‬
‫ِيل‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬
‫ول‬ ‫َات‪ ،‬ق َ‬ ‫(اج َت ِن ُبوا ال�سَّ ْب َع المْ ُو ِبق ِ‬
‫ج‪ -‬قوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ْ :‬‬
‫اللُ �إِلاَّ ِبالحْ َقِّ ‪،‬‬
‫ال�س ْح ُر‪َ ،‬و َق ْت ُل ال َّن ْف ِ�س ا َّلتِي َح َّر َم هَّ‬
‫اللِ‪َ ،‬و ِّ‬ ‫الل َو َما ُه َّن؟ َق َال‪ :‬ال�شرِّ ْ ُك ِب هَّ‬ ‫هَّ ِ‬
‫ات ا ْلغَاف ِ‬
‫ِالت‬ ‫الز ْح ِف‪َ ،‬و َق ْذ ُف المْ ُ ْح ِ�ص َن ِ‬ ‫َو�أَ ْك ُل َمالِ ا ْليَت ِِيم‪َ ،‬و َ�أ ْك ُل ال ِّربَا‪َ ،‬وال َّت َوليِّ َي ْو َم َّ‬
‫ات)(‪.((4‬‬ ‫المْ ُ�ؤْ ِم َن ِ‬

‫(‪� ((4‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.275 :‬‬


‫(‪� ((4‬سورة البقرة‪ ،‬الآيتان‪.279 ،278 :‬‬
‫(‪� ((4‬سورة �آل عمران‪� ،‬آية‪.130 :‬‬
‫(‪� ((4‬أخرجه البخاري يف كتاب الو�صايا‪ ،‬باب َق ْولِ اللهَِّ َت َعا َلى‪�ِ }:‬إ َّن ا َّلذِ ينَ َي�أْ ُك ُلو َن �أَ ْموَا َل ا ْل َي َتامَى ُظ ْل ًما ِ�إ مَّ َ‬
‫نا َي�أْ ُك ُلو َن يِف‬
‫ريا{ (‪ ،)2766( )295/2‬وم�سلم يف كتاب الإميان‪ ،‬باب بيان الكبائر و�أكربها (‪ )89( )92/1‬عن‬ ‫ب ُُطو ِن ِه ْم َنا ًرا َو َ�س َي ْ�صلَ ْو َن َ�س ِع ً‬
‫�أبي هريرة‪.‬‬

‫‪107‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫ول هَّ ِ‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم �آكِ َل‬ ‫د‪ -‬عن َجا ِب ٍر(‪ ((4‬ر�ضي اهلل عنه َق َال‪( :‬لَ َع َن َر ُ�س ُ‬
‫ال ِّربَا‪َ ،‬و ُم�ؤْكِ َل ُه‪َ ،‬و َكا ِت َب ُه‪َ ،‬و�شَ اهِ َد ْيهِ‪َ ،‬و َق َال‪ُ :‬ه ْم َ�س َوا ٌء)(‪.((4‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن هذه الن�صو�ص دلت على حترمي الزيادة مقابل ت�أخري الوفاء‪،‬‬
‫وهذا ي�شمل ثالث �صور‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬حالة املع�رس الذي ال يجد ما يق�ضي به‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حالة املو�رس الذي يتفق مع �صاحب الدين على �إنظاره مقابل الزيادة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬حالة املو�رس الذي ال يق�ضي‪ ،‬في�ضع عليه �صاحب الدين زيادة مقابل ت�أخريه‪،‬‬
‫وهي هذه امل�س�ألة‪ ،‬ومل يفرق �أحد من �أهل العلم يف حترمي الزيادة يف هذه ال�صور‬
‫الثالث باعتبارها من ربا اجلاهلية‪ ،‬قال القرطبي(‪ ((4‬يف تف�سري ربا اجلاهلية ‪« :‬وغالبه ما‬
‫كانت العرب تفعله من قولها للغرمي‪� :‬أتق�ضي �أم تربي؟ فكان الغرمي يزيد يف عدد املال‪،‬‬
‫وي�صرب الطالب عليه‪ ،‬وهذا كله حمرم باتفاق الأمة»(‪.((4‬‬
‫وت�سمية هذه الزيادة بالغرامة �أو العقوبة ال يغري حقيقتها‪ ،‬لأن العربة باملعاين ال‬
‫بالألفاظ‪ ،‬فكل زيادة على الدين مقابل الت�أخري يف �سداده هي من ربا اجلاهلية‪� ،‬سواء‬
‫�سميت تعوي�ضاً‪� ،‬أو غرامة‪� ،‬أو غري ذلك من الت�سميات احلادثة‪ ،‬و�سواء كان املدين غنياً‬
‫�أو فقرياً‪ ،‬فحقيقة الزيادة �أنها ربا مهما اختلفت م�سمياتها‪ ،‬وتنوعت مقايي�س تقديرها(‪.((5‬‬
‫املناق�شة‪ :‬الفرق بني غرامة الت�أخري والزيادة الربوية من �أربعة وجوه‪:‬‬
‫(‪ ((4‬هو جابر بن عبد اهلل بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن �سلمة‪� ،‬أبو عبد اهلل الأن�صاري اخلزرجي ال�سلمي‪،‬‬
‫املجتهد احلافظ �صاحب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬من �أهل بيعة الر�ضوان‪ ،‬روى علماً كثرياً‪ ،‬مات �سنة ‪ 78‬هـ‪.‬‬
‫ينظر‪� :‬سري �أعالم النبالء للذهبي (‪ ،)189 / 3‬الإ�صابة البن حجر (‪.)214 / 1‬‬
‫(‪� ((4‬أخرجه م�سلم يف كتاب امل�ساقاة‪ ،‬باب لعن �آكل الربا وم�ؤكله (‪.)1598( )1219/3‬‬
‫(‪ ((4‬هو حممد بن �أحمد بن �أبي بكر الأن�صاري‪ ،‬الأندل�سي‪ ،‬املالكي‪ ،‬كان من العلماء الزاهدين‪ ،‬امل�شتغلني بالت�صنيف تويف‬
‫�سنة ‪ 671‬هـ‪ ،‬له م�صنفات منها‪ :‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬التذكرة ب�أحوال املوتى والآخرة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الديباج املذهب �ص‪� ،317‬شذرات الذهب (‪.)335/5‬‬
‫(‪ ((4‬اجلامع لأحكام القر�آن (‪.)226/3‬‬
‫(‪ ((5‬ينظر‪ :‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال لل�شيخ عبد اهلل بن بيه �ص‪ ،134 -133‬بيع‬
‫التق�سيط د‪ .‬رفيق امل�صري �ص‪ ،137 -136‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪.335‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪108‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫الأول‪� :‬أن الزيادة الربوية تكون م�رشوطة ابتداءاً‪� ،‬أما غرامة الت�أخري فال يلج�أ �إليها‬
‫�إال عند ت�أخر املدين يف ال�سداد‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن الزيادة الربوية تلزم املدين مطلقاً‪� ،‬سواء كان مع�رساً �أو مو�رساً‪� ،‬أما‬
‫الغرامة فال تلزم �إال الغني املماطل‪.‬‬
‫الثالث‪� :‬أن الزيادة الربوية زيادة يف غري مقابلة عو�ض‪� ،‬أما غرامة الت�أخري فهي يف‬
‫مقابلة تفويت منفعة الدائن من ماله مدة املطل‪.‬‬
‫الرابع‪� :‬أن الزيادة الربوية تلزم املدين يف كل حال‪� ،‬أما غرامة الت�أخري فال تفر�ض‬
‫على املدين �إال �إذا حتققت يف مدة مماطلته �أرباح يف ح�ساب اال�ستثمار للم�رصف(‪.((5‬‬
‫اجلواب‪� :‬أن هذه الفروق غري م�ؤثرة يف احلكم ال�رشعي‪ ،‬لأن غرامة الت�أخري‬
‫ت�ؤدي �إلى ما ي�ؤدي �إليه الربا من الزيادة على �أ�صل الدين‪ ،‬والفرق بينهما �إمنا يف‬
‫االجراءات املتبعة يف حتقيق هذا الأمر‪.‬‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫‪َ -2‬ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ال�شرَّ ِ يدِ (‪َ ((5‬ع ْن �أَ ِبي ِه(‪َ ((5‬ع ْن َر ُ�سولِ هَّ ِ‬
‫َق َال‪( :‬ليَ ُّ ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(‪.((5‬‬
‫(‪ ((5‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن لل�شيخ م�صطفى الزرقا �ص‪ ،20-19‬بحوث يف ق�ضايا فقهية‬
‫معا�صرة �ص‪ ،39-38‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪� ،122 -121‬أحكام البيع بالتق�سيط وو�سائله املعا�صرة يف �ضوء‬
‫الفقه الإ�سالمي لل�شيخ حممد تقي العثماين �ص‪�( 56-55‬ضمن بحوث جممع الفقه الإ�سالمي)‪ ،‬جملة جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬اجلزء الثاين‪.‬‬
‫(‪ ((5‬هو عمرو بن ال�شريد بن �سويد الثقفي‪� ،‬أبو الوليد الطائفي‪ ،‬تابعي ثقة‪ ،‬روى عن �أبيه‪ ،‬و�أبي رافع‪ ،‬و�سعد ابن �أبي‬
‫وقا�ص‪ ،‬وابن عبا�س ‪ .‬ينظر‪ :‬تهذيب التهذيب البن حجر (‪.)347/4‬‬
‫(‪ ((5‬هو ال�شريد بن �سويد الثقفي‪ ،‬له �صحبة‪ ،‬قيل‪ :‬ا�سمه مالك‪ ،‬وفد على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ف�سماه ال�شريد‪،‬‬
‫�شهد بيعة الر�ضوان روى عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬اال�ستيعاب يف �أ�سماء الأ�صحاب البن عبد الرب (‪ ،)159/2‬تهذيب التهذيب (‪.)495-494/2‬‬
‫(‪� ((5‬أخرجه �أبو داود يف كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب يف احلب�س يف الدين وغريه (‪ ،)3628( )313/3‬والن�سائي يف كتاب البيوع‪ ،‬باب‬
‫مطل الغني (‪،)4689( )316/7‬ويف الكربى (‪ ،)6288( )259/4‬وابن ماجه يف كتاب ال�صدقات‪ ،‬باب احلب�س يف الدين واملالزمة‬
‫(‪ ،)2427( )811/2‬و�أحمد (‪ ،)17975( )222/4‬وابن �أبي �شيبة (‪ ،)79/7‬وابن حبان (‪ ،)5089( )486/11‬والطرباين يف‬
‫الكبري (‪ ،)7249( )318/7‬واحلاكم (‪ ،)102/4‬والبيهقي (‪ ،)51/6‬وعلقه البخاري يف �صحيحه يف كتاب اال�ستقرا�ض‪ ،‬باب‬
‫ل�صاحب احلق مقال (‪ ،)175/2‬فقال‪ “ :‬ويذكر عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (يل الواجد يحل عقوبته وعر�ضه )‪.‬‬
‫واحلديث �صححه ابن حبان‪ ،‬وقال احلاكم‪“ :‬هذا حديث �صحيح الإ�سناد‪ ،‬ومل يخرجاه”‪ ،‬وح�سنه ابن كثري‪ ،‬وقال احلافظ‪:‬‬
‫“و�إ�سناده ح�سن”‪ ،‬وح�سنه الألباين‪ .‬ينظر‪� :‬صحيح ابن حبان (‪ ،)5089( )486/11‬امل�ستدرك على ال�صحيحني (‪،)102/4‬‬
‫�إر�شاد الفقيه (‪ ،)47/2‬فتح الباري (‪� ،)76/5‬إرواء الغليل (‪.)259/5‬‬

‫‪109‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ح�رص جزاء الغني املماطل يف‬
‫العر�ض بجواز ذمه‪ ،‬ويف العقوبة بحب�سه �أو مالزمته‪ ،‬ولو كانت العقوبة املالية جائزة‬
‫لذكرها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كما ذكر غريها‪ ،‬لأن املو�ضع مو�ضع بيان(‪.((5‬‬
‫املناق�شة‪� :‬أن املق�صود من العقوبة ردع الغني املماطل وزجره‪ ،‬وحثه على �أداء‬
‫احلق‪ ،‬وهذا كما يح�صل باحلب�س‪ ،‬فكذلك يح�صل ب�إلزامه دفع زيادة على �أ�صل‬
‫دينه(‪.((5‬‬
‫اجلواب‪� :‬أن العقوبة مل يف�رسها �أحد من الفقهاء بالتعوي�ض املايل(‪.((5‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬دليلهم من املعقول‪:‬‬


‫‪ -1‬مل يرد يف كتاب اهلل‪ ،‬وال يف �سنة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وال فيما‬
‫�أجمع عليه �أهل العلم ما يدل على جواز �أخذ زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر املدين‬
‫عن الوفاء‪ ،‬مع وجود مطل الأغنياء يف عهد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم(‪.((5‬‬
‫‪ -2‬قاعدة‪�« :‬سد الذرائع»(‪.((5‬‬
‫وجه اال�ست�شهاد بها‪� :‬أن جواز الزيادة على الدين ي�ؤدي �إلى جواز فوائد الت�أخري‬
‫املتفق عليها بني الدائن واملدين‪ ،‬وال فرق بينهما �إال يف كون التعوي�ض مقدراً �سابقاً‬
‫بن�سبة معينة‪� ،‬أما يف هذه امل�س�ألة فيرتك تقديره للقا�ضي‪ ،‬وهذا الفرق غري م�ؤثر‪،‬‬

‫(‪ ((5‬ينظر‪ :‬ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض د‪ 0‬حممد زكي عبد الرب �ص‪ ،168‬ا�ستيفاء الديون يف الفقه‬
‫الإ�سالمي �ص‪ ،183‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪ ،334‬املماطلة يف الديون �ص‪.364-363‬‬
‫(‪ ((5‬ينظر‪ :‬بحث يف مطل الغني و�أنه ظلم يحل عر�ضه وعقوبته �ص‪� ،398‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف‬
‫الفقه الإ�سالمي (‪.)865 -864/2‬‬
‫(‪ ((5‬ينظر‪ :‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪ ،42‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال‬
‫�ص‪ ،139‬نظام الديون د‪ .‬ال�شريف �ص‪� ،421‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪.)868/2‬‬
‫(‪ ((5‬ينظر‪ :‬ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص‪ ،170 ،167‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪ ،40‬بيع‬
‫التق�سيط و�أحكامه �ص‪.334‬‬
‫(‪ ((5‬الفروق (‪� ،)32 / 2‬شرح خمت�صر الرو�ضة للطويف (‪0 )135 / 3‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪110‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫وهذا ما ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا‪ ،‬فوجب القول بتحرميها �سداً لهذه الذريعة(‪.((6‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بجواز �أخذ زيادة على �أ�صل الدين يف مقابل الت�أخري عن ال�سداد‬
‫ب�أدلة من الكتاب‪ ،‬وال�سنة‪ ،‬واملعقول‪.‬‬
‫�أو ًال‪ :‬دليلهم من الكتاب‪:‬‬
‫ا�ستدلوا بالآيات الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﭼ(‪.((6‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن الوفاء مبا ترتب على العقد ال�صحيح من حقوق بني العاقدين‬
‫�أمر واجب بن�ص الآية‪ ،‬لأن الأ�صل يف الأمر �أنه للوجوب ما مل تقم قرينة �صارفة له‬
‫عن الوجوب‪ ،‬ويدخل يف الوفاء بالعقد االلتزام بوقت الوفاء‪ ،‬والت�أخر يف ذلك‬
‫ي�ؤدي �إلى حرمان �صاحب احلق من اال�ستفادة من حقه‪ ،‬ويدخل عليه ال�رضر‪ ،‬وهذا‬
‫يوجب التعوي�ض على املدين‪ ،‬لأنه املت�سبب فيه(‪.((6‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ(‪.((6‬‬
‫‪ -3‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼ(‪.((6‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن الأمانة ت�شمل جميع الأموال واحلقوق الواجبة‪ ،‬وامل�ؤمن م�ؤمتن‬

‫(‪ ((6‬ينظر‪ :‬ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص‪ ،167‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪ ،334‬املماطلة يف الديون‬
‫�ص‪.371‬‬
‫(‪� ((6‬سورة املائدة‪� ،‬آية‪.1 :‬‬
‫(‪ ((6‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪.13‬‬
‫(‪� ((6‬سورة امل�ؤمنون‪� ،‬آية ‪.8‬‬
‫(‪� ((6‬سورة الن�ساء‪� ،‬آية ‪.58‬‬

‫‪111‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫على ح�سن �أدائها‪ ،‬ومن �أخر �أداء احلق امل�ستحق عن موعده املحدد ف�إنه مل يلتزم مبا‬
‫�أمر به‪ ،‬ومل ي�ؤد الأمانة على وجهها(‪.((6‬‬
‫‪ -4‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ(‪.((6‬‬
‫وجه الداللة من الآيتني‪� :‬أن اهلل �أمر بالعدل‪ ،‬والعدل ي�شمل عدل احلكام على‬
‫الرعية‪ ،‬وعدل الأفراد بع�ضهم مع بع�ض يف التعامالت‪ ،‬ومن العدل �أن ي�ؤدي املرء‬
‫ما عليه من حقوق لأربابها يف وقتها‪ ،‬و�إال كان ظاملاً‪ ،‬وكل ظامل �أدى ظلمه �إلى �إحلاق‬
‫�رضر بغريه كان م�س�ؤو ًال عن ذلك(‪.((6‬‬
‫‪ -6‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ(‪.((6‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن اهلل نهى عن �أكل املال بالباطل‪ ،‬واملال ي�شمل املنافع‪ ،‬وال يقت�رص‬
‫على الأعيان‪ ،‬وت�أخري �أداء احلق امل�ستحق عن موعده املحدد بال عذر هو من �أكل‬
‫منفعة املال بال �إذن �صاحبه مدة الت�أخري‪ ،‬وهذا يوجب التعوي�ض على الآكل(‪.((6‬‬
‫مناق�شة وجه اال�ستدالل بالآيات‪ :‬ال داللة يف هذه الآيات‪ ،‬لأنها عمومات يف‬
‫وجوب الوفاء بالعقد وما ترتب عليه‪ ،‬و�أداء الأمانة‪ ،‬واحلكم بني النا�س بالعدل‪،‬‬
‫والنهي عن �أكل �أموال النا�س بالباطل‪ ،‬وهذا ال يدل على �إلزام املدين الغني املماطل‬
‫بتعوي�ض للدائن عن ت�أخريه يف �سداد دينه عن وقته‪ ،‬فاملدلول �أخ�ص من الدليل‪.‬‬

‫(‪ ((6‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪.14‬‬


‫(‪� ((6‬سورة الن�ساء‪� ،‬آية‪.58:‬‬
‫(‪ ((6‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪.14‬‬
‫(‪� ((6‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.188 :‬‬
‫(‪ ((6‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪.14‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪112‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫ثاني ًا‪ :‬دليلهم من ال�سنة‪:‬‬


‫ا�ستدلوا بالأحاديث الآتية‪:‬‬
‫‪َ -1‬ع ْن ُع َبا َد َة ْب ِن ال�صَّ ام ِِت(‪ ((7‬ر�ضي اهلل عنه (�أَ َّن َر ُ�س َ‬
‫ول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫َق َ�ضى �أَنْ ال �ضرَ َ َر َوال �ضرِ َا َر)(‪.((7‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن من ت�أخر عن �سداد الدين فقد �أحلق ال�رضر بالدائن‪ ،‬وال�رشع‬
‫جاء ب�إزالة ال�رضر ورفعه‪ ،‬وال طريق لإزالة ال�رضر عمن حلقه �إال بالتعوي�ض(‪.((7‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من ثالثة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬لي�س كل �رضر يوجب ال�ضمان‪ ،‬و�إمنا الذي يوجب ال�ضمان هو‬
‫ال�رضر الواقع فع ًال ك�إتالف املال‪ ،‬واجلناية على البدن‪ ،‬و�أما ال�رضر املظنون الذي قد‬
‫ين�ش�أ عن ت�أخر املدين عن الوفاء فال يوجب تعوي�ضاً مالياً‪ ،‬لأن التعوي�ض باملال يكون‬
‫يف مقابلة ما فات من املال‪ ،‬وذلك ب�إحالل مال حمل مال مفقود مكافئ‪ ،‬لرد احلال‬
‫�إلى ما كانت عليه؛ �إزالة لل�رضر‪ ،‬وجرباً للنق�ص‪ ،‬وهذا غري متحقق يف ت�أخري �سداد‬
‫الدين عن وقته‪ ،‬وحينئذٍ �إذا �أعطي فهو من �أخذ املال يف غري مقابلة مال‪ ،‬وكان هذا‬
‫من �أكل �أموال النا�س بالباطل‪ ،‬وهو حمرم(‪.((7‬‬

‫(‪ ((7‬عبادة بن ال�صامت بن قي�س بن �أ�صرم‪ ،‬اخلزرجى‪� ،‬أبو الوليد الأن�صاري‪ ،‬الإمام القدوة‪� ،‬أحد النقباء ليلة العقبة �شهد‬
‫امل�شاهد كلها مع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬سكن بيت املقد�س‪ ،‬تويف �سنة ‪34‬هـ‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الطبقات الكربى البن �سعد (‪� ،)546/3‬سري �أعالم النبالء (‪.)5/2‬‬
‫(‪� ((7‬أخرجه ابن ماجه يف كتاب التجارات‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره‪ ،)2340()784/2( ،‬و�أحمد (‪)327-326/5‬‬
‫(‪ ،)22830‬والبيهقي (‪ .)157-156/6‬قال احلافظ يف الدراية �ص‪ “ :373‬وفيه انقطاع “‪.‬‬
‫وقال البو�صريي يف الزوائد‪ “ :‬حديث عبادة هذا �إ�سناد رجاله ثقات‪� ،‬إال �أنه منقطع‪ ،‬لأن �إ�سحاق بن الوليد‪ ،‬قال الرتمذي‬
‫وابن عدي‪ “ :‬مل يدرك عبادة بن ال�صامت “‪ ،‬وقال البخاري‪ “ :‬مل يلق عبادة “‪.‬‬
‫بع�ضا‪ ،‬فقد روي عن ثمانية من ال�صحابة‬ ‫واحلديث ح�سنه جمع من �أهل العلم بالنظر �إلى كرثة طرقه التي يقوي بع�ضها ً‬
‫ح�سنه ابن ال�صالح‪ ،‬والنووي‪ ،‬والعالئي‪ ،‬و�صححه الألباين‪.‬‬ ‫من طرق خمتلفة‪ ،‬وقد ّ‬
‫ينظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم البن رجب (‪ ،)210/2‬في�ض القدير للمناوي (‪� ،)432/6‬إرواء الغليل للألباين (‪.)413/3‬‬
‫(‪ ((7‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪ ،15‬البيع امل�ؤجل د‪ .‬عبد ال�ستار �أبو غدة �ص‪ ،92‬بيع التق�سيط‬
‫و�أحكامه �ص‪.326‬‬
‫(‪ ((7‬ينظر‪ :‬ال�ضمان يف الفقه الإ�سالمي لل�شيخ علي اخلفيف �ص‪� ،56-54‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه‬
‫الإ�سالمي (‪ ،)870-869/2‬امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص‪.110‬‬

‫‪113‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫الوجه الثاين‪� :‬أن من �رشط �إزالة ال�رضر �أن ال يكون ب�رضر �آخر‪ ،‬ولهذا قيدت‬
‫قاعدة‪« :‬ال�رضر يزال»(‪ ((7‬بقاعدة �أخرى‪ ،‬وهي‪« :‬ال�رضر ال يزال بال�رضر»(‪ ،((7‬وهذا‬
‫ال�رشط غري متحقق يف �إزالة �رضر الت�أخر يف �سداد الدين بالتعوي�ض املايل‪ ،‬لأن فيه‬
‫�إزالة ال�رضر ب�رضر �آخر‪ ،‬بل ب�أكرث منه‪ ،‬و�إمنا يكون بت�سليم املدين للدائن قدر دينه‪،‬‬
‫والزيادة لي�ست من دينه حتى يقال‪� :‬إنها �رضر‪ ،‬فيعو�ض عنها‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬عدم الت�سليم بح�رص �إزالة ال�رضر بالتعوي�ض املادي‪ ،‬بل له طرق‬
‫�أخرى م�رشوعة من ال�شكاية‪ ،‬واملالزمة‪ ،‬واحلب�س‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم َق َال‪َ ( :‬م ْط ُل ا ْل َغن ِِّي ُظ ْل ٌم)(‪.((7‬‬ ‫‪َ -2‬ع ْن �أَ ِبي ُه َر ْي َر َة �أَ َّن َر ُ�س َ‬
‫ول هَّ ِ‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم َق َال‪( :‬ليَ ُّ‬ ‫‪َ -3‬ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ال�شرَّ ِ يدِ َع ْن �أَ ِبي ِه َع ْن َر ُ�سولِ هَّ ِ‬
‫ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(‪.((7‬‬
‫وجه الداللة من احلديثني‪� :‬أن احلديث الأول دل على �أن مماطلة الغني القادر‬
‫على الوفاء مبا عليه من دين عن وقته ظلم‪ ،‬واحلديث الثاين دل على �أن هذا يحل‬
‫عر�ضه وعقوبته‪ ،‬وهي عقوبة تعزيرية املق�صود منها الردع والزجر‪ ،‬واحلث على‬
‫�أداء احلق‪ ،‬وهذا كما يح�صل باحلب�س‪ ،‬فكذلك يح�صل ب�إلزام املماطل دفع زيادة على‬
‫�أ�صل الدين‪ ،‬لأن العقوبة �إذا كانت تعزيرية‪ ،‬فهي تتغري من زمن �إلى زمن ح�سب‬
‫امل�صلحة‪ ،‬كما �أن العقوبة الواردة يف احلديث مطلقة‪ ،‬واملطلق يجري على �إطالقه ما‬
‫مل يقم دليل على تقييده‪ ،‬وهي ت�شمل احلب�س‪ ،‬والتعوي�ض‪ ،‬وكل ما ي�ؤدي �إلى زجر‬
‫(‪ ((7‬الأ�شباه والنظائر البن ال�سبكي (‪ ،)41/1‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪ ،86‬الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص‪،85‬‬
‫جمامع احلقائق والقواعد للخادمي �ص‪.322‬‬
‫(‪� ((7‬شرح القواعد الفقهية للزرقا �ص‪� ،195‬شرح جملة الأحكام العدلية ل�سليم ر�ستم (‪ ،)31/1‬قواعد الفقه للمجددي‬
‫الربكتي �ص‪.88‬‬
‫(‪� ((7‬أخرجه البخاري يف كتاب احلوالة‪ ،‬باب احلوالة وهل يرجع يف احلوالة ؟ (‪ ،)2287( )139/2‬وم�سلم يف كتاب امل�ساقاة‪،‬‬
‫باب حترمي مطل الغني‪ ،‬و�صحة احلوالة وا�ستحباب قبولها �إذا �أحيل على مليء (‪.)1564( )1197/3‬‬
‫(‪� ((7‬سبق تخريجه �ص‪.14‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪114‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫املماطلني الأغنياء(‪.((7‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من ثالثة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن معنى قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ُ ( :‬يحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)‬
‫�أن املدين الغني املماطل يحل القول يف عر�ضه بالإغالظ له من قبل الدائن‪ ،‬ك�أن‬
‫يقول له‪ :‬يا ظامل‪ ،‬ومطلني‪ ،‬ونحو ذلك‪� ،‬أما العقوبة فهي عقوبة بدنية تتمثل يف‬
‫حب�سه‪ ،‬وما كان يف معناه كاملالزمة‪ ،‬قال الإمام �أحمد‪« :‬قال وكيع‪ :‬عر�ضه �شكايته‪،‬‬
‫وعقوبته حب�سه»(‪ ،((7‬وقال البخاري‪« :‬قال �سفيان‪ :‬عر�ضه‪ :‬يقول‪ :‬مطلتني‪ ،‬وعقوبته‬
‫احلب�س»(‪ ،((8‬وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة(‪ ،((8‬قال �شيخ الإ�سالم‪« :‬والظامل‬
‫ي�ستحق العقوبة والتعزير‪ ،‬وهذا �أ�صل متفق عليه �أن كل من فعل حمر ًما‪� ،‬أو ترك‬
‫واج ًبا‪ ،‬ا�ستحق العقوبة‪ ،‬ف�إن مل تكن مقدرة بال�رشع كان يجتهد تعزي ًرا فيه ويل‬
‫الأمر‪ ،‬فيعاقب الغني املماطل باحلب�س‪ ،‬ف�إن �أ�رص عوقب بال�رضب‪ ،‬حتى ي�ؤدي‬
‫الواجب‪ ،‬وقد ن�ص على ذلك الفقهاء من �أ�صحاب مالك‪ ،‬وال�شافعي‪ ،‬و�أحمد‪،‬‬
‫وغريهم‪ ،‬وال �أعلم فيه خال ًفا»(‪.((8‬‬
‫ومل يف�رسها �أحد من الفقهاء بالتعوي�ض املايل(‪ ،((8‬وبهذا يكون احلديث خارجاً‬
‫عن حمل النزاع‪.‬‬

‫(‪ ((7‬ينظر‪ :‬بحث يف مطل الغني و�أنه ظلم يحل عر�ضه وعقوبته �ص‪ ،404 ،398‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض‬
‫للدائن �ص‪ ،16-15‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،191‬تعليق على مقال هل يقبل �شرعاً احلكم على املدين املماطل‬
‫بالتعوي�ض عن الدائن �ص‪� ،217‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث (‪.)865 -864/2‬‬
‫(‪� ((7‬أخرجه �أحمد (‪ ،)17975( )222/4‬وابن �أبي �شيبة (‪.)287/5‬‬
‫(‪ ((8‬علقه البخاري يف �صحيحه يف كتاب اال�ستقرا�ض‪ ،‬باب ل�صاحب احلق مقال (‪.)175/2‬‬
‫(‪ ((8‬ينظر‪ :‬املب�سوط (‪ ،)88 ،76/20‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)173/7‬املقدمات املمهدات (‪ ،)308/2‬تب�صرة احلكام (‪،)316/2‬‬
‫احلاوي الكبري (‪ ،)334-333/6‬مغني املحتاج (‪ ،)156/2‬املبدع (‪ ،)307/4‬ك�شاف القناع (‪.)420-419/3‬‬
‫(‪ ((8‬ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية �ص‪.51‬‬
‫(‪ ((8‬ينظر‪ :‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪ ،42‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال‬
‫�ص‪ ،139‬نظام الديون �ص‪� ،421‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪.)868/2‬‬

‫‪115‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫الوجه الثاين‪ :‬لو �سلمنا بجواز العقوبة املالية‪ ،‬فال جتوز يف هذه امل�س�ألة‪ ،‬وهي‬
‫الت�أخري يف �سداد الدين‪ ،‬لأنها ذريعة �إلى الربا(‪.((8‬‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن الأ�صل يف العقوبة ب�أخذ املال �أنها من اخت�صا�ص احلاكم‪ ،‬كما‬
‫�أنها ت�رصف يف بيت املال(‪.((8‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬دليلهم من املعقول‪:‬‬
‫‪� -1‬أن من مقا�صد ال�رشيعة عدم امل�ساواة بني املطيع والعا�صي‪ ،‬والأمني واخلائن‪،‬‬
‫والعادل والظامل‪ ،‬ومن ي�ؤدي احلقوق لأ�صحابها ومن ي�ؤخرها‪ ،‬و�إذا مل يلزم املماطل‬
‫الغني بدفع تعوي�ض ل�صاحب احلق �أدى هذا �إلى م�ساواته بالعدل الأمني الذي ال‬
‫ي�ؤخر حقاً لأحد‪ ،‬وال يدخل عليه �رضراً‪ ،‬و�إذا ت�ساوى معجل احلق وم�ؤخره كان ذلك‬
‫داعياً لكل مدين �أن ي�ؤخر احلق‪ ،‬ومياطل يف �أدائه قدر ما ي�ستطيع(‪.((8‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬عدم الت�سليم ب�أن عدم �إلزام املدين املماطل الغني بالتعوي�ض يلزم‬
‫منه ت�سويته بالعدل الأمني‪ ،‬لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�صفه بالظلم‪ ،‬وهذا‬
‫الو�صف ي�ستتبع عقوبات دنيوية من جواز مالزمته‪ ،‬وحب�سه‪ ،‬والكالم يف عر�ضه‪،‬‬
‫بالإ�ضافة �إلى العقوبة الآخروية‪ ،‬وهاتان العقوبتان تنفيان الت�سوية بينه وبني العدل‬
‫الأمني‪ ،‬وجتعله ي�شعر بعظيم الذنب‪ ،‬ويبادر �إلى �سداد الدين(‪.((8‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن من مقا�صد ال�رشيعة �سد الذرائع املو�صلة للمحرمات‪ ،‬والقول‬
‫(‪ ((8‬ينظر‪ :‬ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص‪ ،167‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت‬
‫الأموال �ص‪.137‬‬
‫(‪ ((8‬ينظر‪ :‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال �ص‪ ،136‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪.42‬‬
‫(‪ ((8‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪� ،16-15‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه‬
‫الإ�سالمي (‪ ،)866 -865/2‬البيع امل�ؤجل �ص‪ ،93‬ا�ستيفاء الديون يف الفقه الإ�سالمي �ص‪.182-181‬‬
‫(‪ ((8‬ينظر‪� :‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪ ،)871-870/2‬الربا يف املعامالت امل�صرفية‬
‫املعا�صرة (‪ ،)1195-1194/2‬امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص‪ ،113-112‬البيع امل�ؤجل �ص‪،100-99‬‬
‫ا�ستيفاء الديون يف الفقه الإ�سالمي �ص‪.182‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪116‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫بجواز التعوي�ض عن الت�أخري يف�ضي �إلى الربا‪ ،‬وهذا يتعار�ض مع هذا املق�صد‪،‬‬
‫والواجب هو اجلمع بني مقا�صد ال�رشيعة‪ ،‬بحيث يعاقب املدين املماطل عقوبة حتقق‬
‫املق�صود‪ ،‬وال تهدم مق�صداً �آخر‪.‬‬
‫‪� -2‬أن الفقهاء قرروا �أن منافع املغ�صوب م�ضمونة على الغا�صب‪ ،‬كعني املال‬
‫املغ�صوب‪� ،‬سواء ا�ستوفاها الغا�صب �أو ال‪ ،‬و�إذا هلك املغ�صوب عند الغا�صب ف�إنه‬
‫ي�ضمن ملالكه قيمته‪ ،‬و�أجرة املثل ملنافعه يف مدة غ�صبه‪ ،‬وت�أخري �أداء الدين عن وقته‬
‫من املماطل القادر على الوفاء ي�شبه الغ�صب‪ ،‬فيجب �أن ي�أخذ حكمه‪ ،‬فتكون منافع‬
‫الدين الذي �أخره م�ضمونة‪ ،‬قيا�ساً على �ضمان الغا�صب منافع العني املغ�صوبة(‪.((8‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من �أربعة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن من �رشوط القيا�س �أن يكون الأ�صل املقي�س عليه متفقاً على‬
‫حكمه‪ ،‬والأ�صل املقي�س عليه‪ ،‬وهو �ضمان منافع املغ�صوب مل يتحقق فيه هذا ال�رشط‪،‬‬
‫�إذ هو حمل خالف بني �أهل العلم‪ ،‬حيث ذهب احلنفية �إلى �أن منافع املغ�صوب غري‬
‫م�ضمونة على الغا�صب‪� ،‬سواء ا�ستوفاها لنف�سه �أو عطلها على املالك(‪.((8‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬لو �سلمنا �أن منافع املغ�صوب م�ضمونة على الغا�صب‪ ،‬وهو مذهب‬
‫ال�شافعية(‪ ،((9‬واحلنابلة(‪ ،((9‬فمحله ما له منافع ت�ستباح بعقد الإجارة‪ ،‬كالعقار‪،‬‬
‫والدواب‪ ،‬والثياب ونحوها؛ لأن املنفعة مال متقوم‪ ،‬فوجب �ضمانها كالعني‬

‫(‪ ((8‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪ ،15‬بحث يف مطل الغني �ص‪ ،408 ،394‬الربا يف املعامالت‬
‫امل�صرفية املعا�صرة (‪� ،)1200 /2‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪ ،)865/2‬البيع امل�ؤجل‬
‫�ص‪ ،93-92‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪.327-326‬‬
‫(‪ ((8‬الهداية (‪ ،)348/9‬العناية (‪ ،)348/9‬تبيني احلقائق (‪ ،)235/5‬تكملة البحر الرائق (‪.)37/8‬‬
‫(‪ ((9‬املهذب لل�شريازي (‪ ،)483/1‬فتح العزيز �شرح الوجيز (‪� ،)262/11‬أ�سنى املطالب للأن�صاري (‪ ،)343/2‬مغني املحتاج‬
‫(‪.)286/2‬‬
‫(‪ ((9‬ال�شرح الكبري (‪ ،)277/15‬الإن�صاف للمرداوي (‪ ،)278-277/15‬تقرير القواعد وحترير الفوائد (‪،)342 ،334/2‬‬
‫ك�شاف القناع (‪.)111/4‬‬

‫‪117‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫املغ�صوبة(‪ ،((9‬قال ابن قدامة(‪« :((9‬واخلالف يف ما له منافع ت�ستباح بعقد الإجارة‪،‬‬


‫كالعقار‪ ،‬والثياب‪ ،‬والدواب ونحوها‪ ،‬ف�أما الغنم‪ ،‬وال�شجر‪ ،‬والطري ونحوها‪ ،‬فال‬
‫�شيء فيها؛ لأنه ال منافع لها ي�ستحق بها عو�ض»(‪.((9‬‬
‫وبهذا يتبني �أن املغ�صوب الذي ي�ضمن الغا�صب منافعه هو ما له منافع مباحة‬
‫ميكن اال�ستفادة منها‪ ،‬كال�سكنى يف العقارات‪ ،‬والركوب يف احليوانات‪ ،‬واللب�س‬
‫يف الثياب‪ ،‬ولذا يجوز عقد الإجارة عليها‪ ،‬وهذا بخالف النقود فلي�س لها منافع يف‬
‫ذاتها‪ ،‬ولذا ال يجوز �أخذ �شيء يف بقائها عند من ي�أخذها‪ ،‬لأن هذا ي�ؤدي �إلى الربا‪،‬‬
‫فمحل اخلالف بني �أهل العلم يف مغ�صوب له منافع يجوز �أن ت�ؤجر‪� ،‬أما النقود‬
‫فلي�ست قابلة لإجارة‪ ،‬ومل يقل �أحد من �أهل العلم �أن الغا�صب يغرم منافع النقود‬
‫مدة غ�صبه‪ ،‬و�إمنا ت�ضمن مبثلها‪ ،‬قال املوفق‪« :‬وما تتماثل �أجزا�ؤه‪ ،‬وتتقارب �صفاته‪،‬‬
‫كالدراهم‪ ،‬والدنانري‪ ،‬واحلبوب‪ ،‬والأدهان‪� ،‬ضمن مبثله بغري خالف»(‪.((9‬‬
‫ومن ثم ف�إن قيا�س االنتفاع بالنقود امل�ستحقة للدائن يف حال مطل املدين على‬
‫منفعة املغ�صوب قيا�س مع الفارق‪� ،‬إذ الأول جمرد حق انتفاع غري متقوم مبال‬
‫بالإجماع‪ ،‬وال يجوز �أخذ العو�ض عنه‪ ،‬لأن النقود مال قابل للنماء باالجتار على وجه‬
‫غري متحقق‪ ،‬فمنافعها مظنونة‪ ،‬فقد تخ�رس �أو تربح عند ا�ستثمارها‪ ،‬ولذا ال ي�صح‬
‫مبادلة منفعتها مبال يف عقد �إجارة باتفاق �أهل العلم‪� ،‬أما منافع املغ�صوب املعدة‬
‫لالنتفاع التي ي�صح ورود عقد الإجارة عليها فهي منافع حمققة‪ ،‬لها �أجرة املثل‪،‬‬

‫(‪ ((9‬ينظر‪ :‬فتح العزيز �شرح الوجيز (‪ ،)262/11‬املغني (‪ ،)418/7‬ال�شرح الكبري (‪.)279/15‬‬
‫(‪ ((9‬هو الإمام موفق الدين �أبو حممد عبد اهلل بن �أحمد بن حممد بن قدامة املقد�سي‪ ،‬ولد �سنة ‪ 541‬هـ‪ ،‬كان �إمام‬
‫احلنابلة يف ع�صره‪ ،‬بلغ مرتبة االجتهاد‪ ،‬تويف �سنة ‪ 620‬هـ‪ ،‬وله ت�صانيف كثرية منها‪ :‬املغني‪ ،‬الكايف‪ ،‬املقنع‪ ،‬العمدة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الذيل على طبقات احلنابلة (‪ ،)133/ 2‬املق�صد الأر�شد (‪.)15/2‬‬
‫(‪ ((9‬املغني (‪.)418/7‬‬
‫(‪ ((9‬املرجع ال�سابق (‪.)362/7‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪118‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫ويجوز مبادلتها مبال‪ ،‬لأنها مال متقوم‪ ،‬ولذا وجب �ضمانها على الغا�صب مقابل ما‬
‫فوت من منافعها على املغ�صوب منه‪ ،‬بنا ًء على قاعدة اجلوابر التي تق�ضي بوجوب‬
‫�إحالل مال مماثل عو�ضاً عن مال حمقق فائت(‪.((9‬‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن هذا قيا�س مع وجود الن�ص فيكون باط ًال‪ ،‬فقد جاءت الأدلة‬
‫عامة بتحرمي الربا‪ ،‬وهذا ي�شمل �أخذ زيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن ال�سداد(‪.((9‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬الفرق بني الغا�صب واملدين الغني املماطل من جهة �أن الغا�صب‬
‫ا�ستولى على مال املغ�صوب منه قهراً بغري حق‪ ،‬فا�ستحق �أن ي�ضمن هذا املال‬
‫املغ�صوب ومنافعه معاً‪� ،‬أما املماطل فلم يح�صل منه اعتداء على مال الدائن‪ ،‬و�إمنا‬
‫�أخذه بوجه م�رشوع‪ ،‬ثم �صار ديناً يف ذمته ولكنه ت�أخر يف رده ل�صاحبه‪ ،‬فوجب‬
‫ردعه بالعقوبة ال�رشعية حم ًال له على رد املال‪.‬‬
‫‪� -3‬أن الزيادة على الدين للت�أخري يف �سداده من باب امل�صالح املر�سلة‪ ،‬فيكون‬
‫جائزاً‪ ،‬لأن هذا مينع املماطل من ا�ستغالل �أموال غريه ظلماً‪ ،‬ال �سيما �أن هذا الظلم‬
‫يقع على امل�صارف التي ال تتعامل بالربا دون امل�صارف الربوية التي حت�سب الفائدة‬
‫ح�سب زمن الت�أخري‪ ،‬فت�رضر امل�صارف الإ�سالمية من جهتني‪:‬‬
‫الأولى‪� :‬أنها حترم من ا�ستثمار �أموالها‪ ،‬واال�ستفادة منها‪.‬‬
‫الثانية‪� :‬أنها ت�ضعف يف �سوق املناف�سة(‪.((9‬‬
‫املناق�شة‪� :‬أن هذه امل�صلحة �شهد ال�رشع ببطالنها‪ ،‬فتكون من �أنواع امل�صلحة‬
‫امللغاة‪ ،‬وامل�صلحة امللغاة �أن يرد يف امل�س�ألة ن�ص يدل على حكمها يناق�ض احلكم‬
‫(‪ ((9‬ينظر‪ :‬امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص‪� ،110-109‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف‬
‫الفقه الإ�سالمي (‪ ،)870/2‬ر�أي �آخر يف مطل املدين هل يلزم بالتعوي�ض �ص‪ ،218‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل‬
‫من معامالت الأموال �ص‪ ،135‬بيع التق�سيط �ص‪ ،150-149‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪.143 ،121-120‬‬
‫(‪ ((9‬ينظر‪ :‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال يف م�سائل من معامالت الأموال �ص‪ ،136-135‬بيع التق�سيط �ص‪.137‬‬
‫(‪ ((9‬ينظر‪ :‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،121‬تو�ضيح �أوجه اختالف الأقوال �ص‪.139‬‬

‫‪119‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫الذي ي�ؤخذ من امل�صلحة‪ ،‬وهي مردودة بالإجماع(‪ ،((9‬قال ال�شاطبي(‪« :((10‬املعنى‬


‫املنا�سب الذي يربط به احلكم ال يخلو من ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫�أحدها‪� :‬أن ي�شهد ال�رشع بقبوله‪ ،‬فال �إ�شكال يف �صحته‪ ،‬وال خالف يف‬
‫�إعماله‪.،...‬‬
‫والثاين‪ :‬ما �شهد ال�رشع برده‪ ،‬فال �سبيل �إلى قبوله‪� ،‬إذ املنا�سبة ال تقت�ضي احلكم‬
‫لنف�سها‪ ،‬و�إمنا ذلك مذهب �أهل التح�سني العقلي‪ ،‬بل �إذا ظهر املعنى‪ ،‬وفهمنا من‬
‫ال�رشع اعتباره يف اقت�ضاء الأحكام‪ ،‬فحينئذ نقبله‪ ،....،‬ف�إذا مل ي�شهد ال�رشع‬
‫باعتبار ذلك املعنى‪ ،‬بل �شهد برده‪ ،‬كان مردوداً باتفاق امل�سلمني»(‪.((10‬‬
‫وهذه امل�صلحة‪ ،‬وهي الزيادة يف الدين ملنع مماطلة املدين الغني من هذا النوع‪،‬‬
‫لورود الن�صو�ص مبنع ذلك‪.‬‬
‫‪� -4‬أن الدائن لو ح�صل على دينه يف وقته املحدد حلقق فيه الأرباح با�ستثماره‪،‬‬
‫واملدين هو الذي فوت هذه الأرباح بت�أخريه يف ال�سداد‪ ،‬وهذا يوجب فر�ض غرامة‬
‫مالية عليه‪ ،‬لأنه‬
‫هو الذي ت�سبب يف هذا ال�رضر(‪.((10‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من وجهني‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن هذا مبني على �أن الربح املتوقع من النقود ربحاً حقيقياً‪ ،‬و�أن‬
‫(‪ ((9‬ينظر‪ :‬امل�ست�صفى للغزايل (‪ ،)285/1‬الإحكام للآمدي (‪ ،)285/3‬رو�ضة الناظر البن قدامة �ص‪� ،86‬شرح الكوكب‬
‫املنري البن النجار (‪ ،)433/4‬تقريب الو�صول �إلى علم الأ�صول البن جزي �ص‪ ،408‬نظرية امل�صلحة يف الفقه الإ�سالمي د‪.‬‬
‫ح�سني حامد �ص‪.16‬‬
‫(‪ ((10‬هو �أبو �إ�سحاق �إبراهيم بن مو�سى بن حممد الغرناطي ال�شهري بال�شاطبي‪ ،‬من علماء املالكية الكبار‪ ،‬كان �إماماً‬
‫حمققاً �أ�صولياً فقيهاً لغوياً‪ ،‬تويف �سنة ‪ 790‬هـ‪ ،‬وله م�ؤلفات منها‪ :‬املوافقات يف �أ�صول ال�شريعة‪ ،‬االعت�صام يف احلوادث‬
‫والبدع‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬نيل االبتهاج لبابا التنبكتي �ص‪� ،46‬شجرة النور الزكية ملخلوف �ص‪.231‬‬
‫(‪ ((10‬االعت�صام (‪.)610-609/2‬‬
‫(‪ ((10‬ينظر‪ :‬تعليق على مقال هل يقبل �شرعاً احلكم على املدين املماطل بالتعوي�ض عن الدائن �ص‪.219-218‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪120‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫النقود تن�شئ الربح‪ ،‬وهذا خمالف لل�رشع‪ ،‬ولو كان هذا معترباً‪ ،‬لكان الغا�صب‬
‫وال�سارق �أولى بتطبيقه عليه‪ ،‬ومل يقل �أحد من �أهل العلم بفر�ض عقوبة مالية على‬
‫غا�صب النقود �أو �سارقها لكونه فوت ربحها على مالكها‪ ،‬و�إمنا جاء ال�رشع بعقوبة‬
‫قطع اليد يف حق ال�سارق‪ ،‬و�إرجاع املال ل�صاحبه‪ ،‬ومل يوجب عليه �أي عقوبة مالية‪،‬‬
‫وكذلك �أوجب على الغا�صب �إرجاع املغ�صوب �إلى مالكه‪ ،‬وال �شك �أن ك ًال من‬
‫ال�سارق والغا�صب قد �أحدثا �رضراً على املالك بحرمانه من ماله‪ ،‬وربحه املتوقع‬
‫منه‪ ،‬وال�شارع �إمنا �أوجب �إزالة هذا ال�رضر برد املال �إلى مالكه دون فر�ض عقوبة مالية‬
‫على فوات ربحه(‪.((10‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن القاعدة يف �ضمان النقود �أنها ت�ضمن مبا فات منها‪ ،‬بحيث‬
‫ت�ضمن مبثلها ال على ما يظن �أنه �سيفوت من ربحها‪ ،‬وهذا باتفاق �أهل العلم‪ ،‬كما‬
‫�سبق بيانه‪.‬‬
‫الراجح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬والأدلة‪ ،‬وما �أورد عليها من مناق�شات يت�ضح‬
‫رجحان القول الأول‪ ،‬وهو حرمة �أخذ زيادة من املدين عن ت�أخره يف �سداد الدين‪،‬‬
‫وذلك ملا ي�أتي‪:‬‬
‫�أو ًال‪ :‬قوة �أدلة هذا القول‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما �أورد على �أدلة القول الثاين من مناق�شات �أ�ضعفت داللتها على ما ا�ستدل‬
‫بها عليه وجلها ا�ستدالل بعمومات ال داللة فيها‪� ،‬أو ب�أنواع من القيا�س الفا�سد‪ ،‬فكيف‬
‫ترتك املحكمات الدالة على حترمي الزيادة على الدين �إلى عمومات ال داللة فيها‪� ،‬أو‬
‫�إلى �أقي�سة باطلة‪.‬‬
‫ثالثاً‪� :‬أن املطل كان موجوداً يف عهد النبوة‪ ،‬وبني النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬

‫(‪ ((10‬ينظر‪� :‬أحكام البيع بالتق�سيط �ص‪ ،58-57‬امل�ؤيدات ال�شرعية حلمل املدين املماطل على الوفاء �ص‪.111‬‬

‫‪121‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫عقوبته يف قوله‪( :‬ليَ ُّ ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(‪ ،((10‬واملقت�ضي لزجر الغني‬
‫املماطل كان موجوداً بفر�ض عقوبة مالية عليه‪ ،‬فلو كان هذا جائزاً لبينه النبي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كما بني حل عر�ضه وعقوبته‪ ،‬فلما مل ينقل عن ال�رشع جواز ذلك‪،‬‬
‫ُعلم �أن هذا ال �سبيل �إليه‪.‬‬
‫رابعاً‪� :‬أن القول بجواز �أخذ زيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين يف ال�سداد ي�ؤدي‬
‫�إلى الوقوع يف ربا اجلاهلية الذي تظافرت الأدلة من الكتاب وال�سنة والإجماع على‬
‫حترميه‪ ،‬ومهما قيل عن وجود فروق بينها وبني ربا اجلاهلية فهي فروق غري م�ؤثرة‪،‬‬
‫لأن كل زيادة على الدين فهي ربا‪ ،‬فب�أي طريق �أراد الدائن �أخذ زيادة على الدين فهو‬
‫حرام‪� ،‬سواء ب�رشط ابتدا ًء �أو عند حلول الأجل‪ ،‬واختالف الطريق ال يغري احلكم‪،‬‬
‫كما �أن تبديل الأ�سماء ك�أن ت�سمى �رشطاً جزائياً‪� ،‬أو غرامة ت�أخري ال يوجب تبديل‬
‫الأحكام‪ ،‬ف�إذا كان معنى ربا اجلاهلية موجود يف معاملة �أحدثها النا�س وجب �أن‬
‫ت�أخذ حكمه يف التحرمي‪ ،‬و�إن �سماها النا�س بغري هذا اال�سم‪ ،‬ولهذا قال �شيخ الإ�سالم‬
‫ابن تيمية‪« :‬و�إمنا �أتى ه�ؤالء حيث ا�ستحلوا املحرمات مبا ظنوه من انتفاء اال�سم‪ ،‬ومل‬
‫يلتفتوا �إلى وجود املعنى املحرم وثبوته‪ ،‬ف�أعر�ضوا عن مق�صود ال�شارع وحكمته يف‬
‫حترمي هذه الأ�شياء‪ ،....،‬فتبديل النا�س للأ�سماء ال يوجب تبديل الأحكام‪،....،‬‬
‫ف�إذا كانت �صفات اخلمر‪ ،‬والربا‪ ،‬وال�سفاح‪ ،‬ونحو ذلك من املحرمات موجودة يف‬
‫�شيء كان حمرماً‪ ،‬و�إن �سماه النا�س بغري ذلك اال�سم لتغيري �أتوا به يف ظاهره‪ ،‬و�إن‬
‫�أفرد با�سم‪ ،....،‬ومن علم ربا اجلاهلية الذي نزل فيه القر�آن كيف كان‪ ،‬مل ي�شك‬
‫يف �أن كثرياً من هذه املعامالت هي ربا اجلاهلية‪ ،‬ف�إن الرجل كان يكون له على رجل‬
‫دين من ثمن مبيع �أو نحوه‪ ،‬ف�إذا حل عليه‪ ،‬قال له‪� :‬إما �أن تويف‪ ،‬و�إما �أن تربي‪ ،‬ف�إن‬

‫(‪� ((10‬سبق تخريجه �ص‪.14‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪122‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫مل يوفه‪ ،‬و�إال زاده يف املال‪ ،‬ويزيده الغرمي يف الأجل»(‪.((10‬‬


‫ثم قال ‪ -‬مقرراً �أن ما حتقق فيه هذا املعني يجب القطع بتحرميه ‪« :-‬ولهذا من‬
‫علم حقيقة الدين من الأئمة قطع بالتحرمي فيما كان مق�صوده هذا»(‪.((10‬‬
‫وما يقال من امل�صالح املرتتبة على هذا الإجراء من منع املدين املماطل من‬
‫ا�ستغالل �أموال غريه بال حق‪ ،‬ورفع الظلم الواقع على الدائن‪ ،‬فهي م�صالح ملغاة‪،‬‬
‫لأن يف اعتبارها خمالفة لن�صو�ص ال�رشع الكثرية الدالة على حرمة الربا‪ ،‬وفتح هذا‬
‫الباب ي�ؤدي �إلى تغيري حدود ال�رشع و�أحكامه ب�سبب تغري �أحوال النا�س(‪.((10‬‬
‫خام�ساً‪� :‬أن ال�صحابة والتابعني ومن بعدهم من �أهل العلم يف كل ع�رص وم�رص‬
‫ملدة �أربعة ع�رش قرناً بينوا عقوبة املدين املماطل‪ ،‬وهذه العقوبات على اختالفها‬
‫وتنوعها تتعلق ببدنه وماله‪ ،‬وما يتعلق ببدنه هو مالزمته‪ ،‬ومنعه من ال�سفر‪ ،‬وحب�سه‪،‬‬
‫و�رضبه‪ ،‬وما يتعلق مباله هو ق�ضاء احلاكم دينه من ماله جرباً‪ ،‬ولي�س فيها زيادة على‬
‫الدين‪ ،‬ولو كان ذلك جائزاً لذكروه كما ذكروا غريه من العقوبات مع حر�صهم على‬
‫ذكر �أي طريق من �ش�أنه ا�ستيفاء احلق‪ ،‬و�إن�صاف الغرمي‪ ،‬ورفع الظلم‪ ،‬و�إزالة ال�رضر‪،‬‬
‫وال يقال‪� :‬إنهم غفلوا عن هذا الطريق‪ ،‬لأن فيه ن�سبة اخلط�أ �إلى جميع الأمة‪ ،‬وهي‬
‫مع�صومة من ذلك‪� ،‬أو يقال‪ :‬بعدم احلاجة �إليه‪ ،‬لأن املطل كان موجوداً يف زمانهم‪،‬‬
‫ويقل ويكرث يف كل ع�رص بح�سب وازع الإميان يف قلوب النا�س‪� ،‬أو يقال‪ :‬ب�أن �أحداً‬
‫منهم مل مينع العقوبة املالية‪ ،‬لأنهم ذكروا جميع ما يعاقب به املدين املماطل‪ ،‬يظهر‬
‫هذا من خالل ا�ستقراء ما �أوردوه يف م�صنفاتهم يف عقوبة املدين‪ ،‬ولكن الذي‬
‫منعهم من �إيراد هذه العقوبة هو الوقوع يف الربا‪� ،‬إذ ال فرق بينها وبني ربا اجلاهلية‪،‬‬
‫(‪ ((10‬الفتاوى الكربى (‪.)117-116 ،113/3‬‬
‫(‪ ((10‬املرجع ال�سابق (‪.)117/3‬‬
‫(‪ ((10‬ينظر‪ :‬امل�ست�صفى للغزايل (‪.)285/1‬‬

‫‪123‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫فقد كان املدين �إذا حل الدين‪ ،‬قال له الغرمي‪� :‬إما �أن تق�ضي و�إما �أن تربي‪ ،‬فجاء‬
‫ال�رشع بتحرمي ذلك‪ ،‬والتغليظ فيه‪� ،‬سواء كان املدين مو�رساً �أو مع�رساً‪.‬‬
‫�ساد�ساً‪� :‬أن القول بجواز �أخذ زيادة على �أ�صل الدين فيه رفع الظلم عن الدائن‬
‫بظلم �آخر يلحق املدين‪ ،‬وهذا ينايف العدل الذي �أمر به ال�رشع‪ ،‬و�أكده‪ ،‬والعدل هو‬
‫يف وفاء املدين ما عليه من الدين دون زيادة‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الدين ل�صرفه يف وجوه اخلري‬

‫ا�شرتاط التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الدين قد ي�شرتطه الدائن لنف�سه‪ ،‬وقد‬


‫ي�شرتطه لغريه ك�أن ي�شرتط عليه مبلغاً معيناً يدفع �صدقة للفقراء‪ ،‬فهل يختلف احلكم‬
‫فيما �إذا ا�شرتطه ل�رصفه يف وجوه اخلري؟‬
‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫اتفق �أهل العلم على حرمة ا�شرتاط الزيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن‬
‫ال�سداد ل�رصفها يف وجوه اخلري يف حالة �إع�ساره‪ ،‬وم�ستند االتفاق‪:‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﭼ(‪.((10‬‬
‫واختلفوا فيما �إذا كان املدين غنياً مماط ًال على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬ال يجوز للدائن �أن ي�شرتط على املدين زيادة على �أ�صل الدين‬
‫�إذا ت�أخر عن الوفاء بدون عذر‪ ،‬ل�رصفها يف وجوه اخلري‪ ،‬وهذا قول جمع من‬
‫الباحثني(‪.((10‬‬
‫(‪� ((10‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.280 :‬‬
‫(‪ ((10‬هم الدكتور �أحمد فهمي �أبو �سنة‪ ،‬والدكتور علي القره داغي‪ ،‬والدكتور عياد العنزي‪ ،‬والدكتور �سلمان الدخيل‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬املدين املماطل يعاقب باحلب�س ال بتغرمي املال �ص‪ ،754‬مقال يف جملة الأزهر‪ ،‬اجلزء ال�سابع‪ ،‬بحوث يف فقه البنوك‬
‫الإ�سالمية �ص‪ ،130‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪ ،)217/1‬املماطلة يف الديون �ص‪.515‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪124‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫القول الثاين‪ :‬يجوز للدائن �أن ي�شرتط على املدين هذا ال�رشط‪ ،‬وبه �صدر القرار‬
‫من بع�ض اجلهات الفقهية‪ ،‬والهيئات ال�رشعية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬املجل�س ال�رشعي لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫فقد جاء يف معيار املدين املماطل‪« :‬يجوز �أن ين�ص يف عقود املداينة ‪ -‬مثل املرابحة‬
‫‪ -‬على التزام املدين عند املماطلة بالت�صدق مببلغ‪� ،‬أو ن�سبة‪ ،‬ب�رشط �أن ي�رصف ذلك‬
‫يف وجوه الرب بالتن�سيق مع هيئة الرقابة ال�رشعية للم�ؤ�س�سة»(‪.((11‬‬
‫‪ -2‬م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية الأول ب�ش�أن ال�رشط اجلزائي الذي خل�ص �إلى �أنه‪:‬‬
‫«يجوز �أن ي�شرتط على املدين دفع مبلغ من املال‪ ،‬لي�رصف يف وجوه الرب �إذا ت�أخر‬
‫عن �سداد الدين بدون عذر مقبول»(‪.((11‬‬
‫‪ -3‬فتوى الهيئة ال�رشعية للربكة التي ن�صت على �أن‪« :‬التعوي�ض عن طريق‬
‫احلكم على املتخلف عن ال�سداد ال يجوز �رشعاً‪� ،‬إال �إذا كان هناك �إلتزام م�سبق من‬
‫العميل بدفع زيادة ت�رصف يف وجوه اخلري‪ ،‬ويف حال املماطلة‪ ،‬وحينئذ ت�ؤخذ هذه‬
‫الزيادة‪ ،‬وت�رصف يف وجوه الرب دون �أن تدخل موارد البنك»(‪.((11‬‬
‫وهذا قول جمع من الباحثني(‪.((11‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بعدم جواز ا�شرتاط زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر املدين عن‬
‫(‪ ((11‬املعايري ال�شرعية �ص‪.35‬‬
‫(‪ ((11‬عقد يف عمان عام ‪1414‬هـ‪ ،‬ينظر‪ :‬ال�شامل يف معامالت وعمليات امل�صارف الإ�سالمية �ص‪.382‬‬
‫(‪ ((11‬فتاوى الهيئة ال�شرعية للربكة �ص‪.304‬‬
‫(‪ ((11‬وهم ال�شيخ م�صطفى الزرقا‪ ،‬وال�شيخ حممد تقي العثماين‪ ،‬والدكتور حممد عثمان �شبري‪ ،‬والدكتور وهبة الزحيلي‬
‫والدكتور علي ال�سالو�س‪ ،‬وحممد علي القري‪ ،‬وحممد جناة اهلل �صديقي‪ ،‬وحممد �أن�س الزرقا‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪ ،29‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪� ،44‬صيانة املديونيات‬
‫ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪ ،)879/2‬املعامالت املالية املعا�صرة �ص‪ ،178‬التعوي�ض عن �ضرر املماطلة يف‬
‫الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص‪.42 ،36‬‬

‫‪125‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫الوفاء بدون عذر ل�رصفها يف وجوه اخلري ب�أدلة من الكتاب‪ ،‬وال�سنة‪ ،‬واملعقول‪.‬‬
‫�أو ًال‪ :‬دليلهم من الكتاب‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ(‪.((11‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن الربا الذي حرمه اهلل‪ ،‬وتوعد من عاد �إليه بعد علمه بتحرميه بالنار‬
‫هو الذي كانوا يفعلون يف اجلاهلية‪ ،‬وهو الزيادة يف الدين على املدين �إذا ت�أخر‬
‫يف �سداد الدين‪ ،‬وال فرق يف ذلك بني �أن تدفع هذه الزيادة للدائن‪ ،‬وبني �أن تدفع‬
‫لغريه‪ ،‬ولو كان جهة بر‪ ،‬فحقيقة الربا ت�شمل هذا كله(‪.((11‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦﭼ(‪.((11‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬من �أربعة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن اهلل حرم الربا‪ ،‬و�أمر برتكه‪ ،‬و�آذن فاعله بحرب من اهلل ور�سوله‪،‬‬
‫وحقيقته هو �أخذ زيادة من املدين على دينه لت�أخره يف �سداده‪ ،‬وال فرق بني �أن‬
‫ي�أخذها الدائن �أو غريه‪ ،‬ولو كان جهة بر‪ ،‬لأن حقيقة الربا ت�شمل ذلك كله(‪.((11‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن اهلل �أمر برتك ما بقي من الربا‪ ،‬وهي الزيادة مقابل ت�أخري الدين‪،‬‬
‫والأ�صل يف الأمر �أنه للوجوب‪ ،‬ف�إذا �أخذت و�رصفت لغري الدائن‪ ،‬ولو جلهة بر‪ ،‬فقد‬

‫(‪� ((11‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.275 :‬‬


‫(‪ ((11‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)210/1‬‬
‫(‪� ((11‬سورة البقرة‪ ،‬الآيتان‪.279 ،278 :‬‬
‫(‪ ((11‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪ ،510‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)210/1‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪126‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫حتققت مع�صية اهلل مبخالفة �أمره‪ ،‬وعدم االنتهاء عما �أمر برتكه(‪.((11‬‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن منطوق قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ‪� ،‬أن‬
‫الدائن لي�س له �إال ر�أ�س ماله‪ ،‬ومفهومه �أن املدين ال يلزمه �إال �أداء �أ�صل دينه دون‬
‫زيادة‪ ،‬ف�إلزامه بدفع زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر يف ال�سداد لغري الدائن خمالف‬
‫لهذا املفهوم(‪.((11‬‬
‫الوجه الرابع‪� :‬أن قوله تعالى‪ :‬ﭽﯢﯣﯤﯥﭼ‪ ،‬فيه �إ�شارة �إلى احلكمة‬
‫من حترمي الزيادة على املدين مقابل الت�أخري يف �سداد دينه‪ ،‬وهي كون ذلك ظلماً له‪،‬‬
‫فكما ال يجوز �أن يظلم الدائن بعدم رجوع ر�أ�س ماله �إليه‪ ،‬فكذلك ال يجوز �أن يظلم‬
‫املدين ب�إلزامه بدفع زيادة على دينه‪� ،‬سواء �أخذها الدائن �أو غريه كجهة بر‪ ،‬لأن ذلك‬
‫ظلم له يف احلالني(‪.((12‬‬
‫ثانياً‪ :‬دليلهم من ال�سنة‪:‬‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم �آكِ َل‬ ‫ول هَّ ِ‬ ‫‪ -1‬عن َجا ِب ٍر ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪َ -‬ق َال‪( :‬لَ َع َن َر ُ�س ُ‬
‫ال ِّربَا‪َ ،‬و ُم�ؤْكِ َل ُه‪َ ،‬و َكا ِت َب ُه‪َ ،‬و�شَ اهِ َد ْيهِ‪َ ،‬و َق َال‪ُ :‬ه ْم َ�س َوا ٌء)(‪.((12‬‬
‫الل �صلى اهلل‬ ‫ول هَّ ِ‬ ‫ـال‪َ :‬ق َال َر ُ�س ُ‬ ‫‪َ -2‬ع ْن �أَ ِبي َ�سعِ يدٍ الخْ ُ ْدر ِِّي(‪ ((12‬ر�ضي اهلل عنه َق َ‬
‫الذ َه ِب‪َ ،‬وا ْل ِف�ضَّ ُة ِبا ْل ِف�ضَّ ةِ‪َ ،‬وا ْلبرُ ُّ ِبا ْلبرُ ِّ ‪َ ،‬و َّ‬
‫ال�شعِ ُري ِب َّ‬
‫ال�شعِ ِري‪،‬‬ ‫(الذ َه ُب ِب َّ‬ ‫عليه و�سلم‪َّ :‬‬
‫َوال َّت ْم ُر ِبال َّت ْم ِر‪َ ،‬والمْ ِ ْل ُح ِبالمْ ِ ْل ِح‪ِ ،‬م ْثلاً بمِ ِث ٍْل‪َ ،‬يدً ا ِبيَدٍ ‪َ ،‬ف َم ْن زَا َد �أَ ْو ْا�س َت َزا َد َفق َْد �أَ ْربَى‪ْ ،‬الآخِ ُذ‬

‫(‪ ((11‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪ ،511‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)211/1‬‬
‫(‪ ((11‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪ ،511‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)211/1‬‬
‫(‪ ((12‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪ ،511‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)211/1‬‬
‫(‪� ((12‬سبق تخريجه �ص‪.12‬‬
‫(‪ ((12‬هو �سعد بن مالك بن �سنان بن اخلزرج‪ ،‬ال�صحابي الأن�صاري‪� ،‬شهد اخلندق‪ ،‬وبيعة الر�ضوان‪ ،‬وحدث عن ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم ف�أكرث‪ ،‬وعن �أبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وطائفة‪ ،‬وكان �أحد الفقهاء املجتهدين‪ ،‬مات �سنة ‪ 74‬هـ‪ .‬ينظر‪� :‬سري‬
‫�أعالم النبالء (‪ ،)168/ 3‬البداية والنهاية البن كثري (‪.)4/ 9‬‬

‫‪127‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫َوالمْ ُ ْعطِ ي فِي ِه َ�س َوا ٌء)(‪.((12‬‬


‫وجه الداللة من احلديثني‪� :‬أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم لعن �آكل الربا وموكله‪،‬‬
‫والآكل هو الآخذ للزيادة‪ ،‬وامل�ؤكل هو املعطي لها‪ ،‬و�سوى بينهما يف احلكم بقوله‪:‬‬
‫( َف َم ْن زَا َد �أَ ْو ْا�س َت َزا َد َفق َْد َ�أ ْربَى‪ ،‬الآخِ ُذ َوالمْ ُ ْعطِ ي فِي ِه َ�س َوا ٌء)‪ ،‬ف�إذا كان الدائن ال يجوز‬
‫له �أن ي�أخذ الربا‪ ،‬فكذلك ال يجوز للمدين �أن يعطي الربا‪ ،‬و�إعطا�ؤه الربا ي�شمل‬
‫�إعطاء الدائن �أو غريه �إذا كان م�رشوطاً عليه يف العقد �إذا ت�أخر يف ال�سداد(‪.((12‬‬
‫‪َ -3‬ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ال�شرَّ ِ يدِ َع ْن �أَ ِبي ِه َع ْن َر ُ�سولِ هَّ ِ‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم َق َال‪( :‬ليَ ُّ‬
‫ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(‪.((12‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم نّبي �أن الغني املماطل حتل عقوبته‬
‫وعر�ضه‪ ،‬وحل العر�ض هو و�صفه باملطل‪ ،‬والظلم‪ ،‬وحل العقوبة ي�شمل ما يزجره‬
‫عن مطله كاحلب�س‪ ،‬واملالزمة‪ ،‬وبيع ماله جرباً عليه‪ ،‬ولو كان يجوز �أخذ زيادة منه‬
‫على دينه ل�رصفها يف وجوه اخلري لذكرها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم(‪.((12‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬دليلهم من املعقول‪:‬‬
‫‪ -1‬مل ينقل عن �أحد من �أهل العلم �أنه قال بجواز ا�شرتاط �أخذ زيـادة من املدين‬
‫الغني املماطل �إذا ت�أخر عن ال�سداد ل�رصفها يف وجوه اخلري‪ ،‬مع عدم خلو زمانهم‬
‫من مماطلة الأغنياء‪ ،‬و�إمنا يذكرون يف عقوبة الغني املماطل احلب�س‪ ،‬وال�رضب‪ ،‬وبيع‬
‫ماله جرباً عليه‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهذا راجع �إلى �أن ا�شرتاط هذا ال�رشط داخل يف الربا‬
‫املحرم‪� ،‬إذ هو زيادة يف الدين مقابل الزيادة يف الأجل(‪.((12‬‬
‫(‪� ((12‬أخرجه م�سلم يف كتاب امل�ساقاة‪ ،‬باب ال�صرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (‪.)1584( )1211/3‬‬
‫(‪ ((12‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪ ،511‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)212/1‬‬
‫(‪� ((12‬سبق تخريجه �ص‪.14‬‬
‫(‪ ((12‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪ ،512‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)212/1‬‬
‫(‪ ((12‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪ ،)213/1‬املماطلة يف الديون �ص‪.512‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪128‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫‪� -2‬أن ا�شرتاط الزيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن ال�سداد ت�رصف يف وجوه‬
‫الرب فيه الرتا�ضي على الت�أخري مقابل تلك الزيادة‪ ،‬كرتا�ضي الدائن واملدين على‬
‫الت�أجيل بزيادة‪ ،‬وال فرق يف ذلك بني �أن تكون هذه الزيادة للدائن �أو غريه‪ ،‬وهذا‬
‫مثل �أن يقر�ض امل�رصف الربوي قر�ضاً بزيادة ت�رصف جلهة بر‪ ،‬وهذا مل يقل �أحد من‬
‫�أهل العلم بجوازه(‪.((12‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بجواز ا�شرتاط زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر املدين عن‬
‫الوفاء‪ ،‬بدون عذر مقبول‪ ،‬ل�رصفها يف وجوه اخلري بالأدلة الآتية‪:‬‬
‫‪� -1‬أن هذا ال�رشط ت�ضمن مق�صوداً �صحيحاً‪ ،‬وهو حتقيق النفع للفقراء‪ ،‬وحث‬
‫املدين على �سداد الدين يف وقته املحدد‪ ،‬و�إدخال االطمئنان للدائن على ماله‪ ،‬ففيه‬
‫�سد لباب املماطلة‪ ،‬وحفظ حلقوق الدائنني‪ ،‬فيكون جائزاً(‪.((12‬‬
‫املناق�شة‪� :‬أن هذا ال�رشط ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا‪ ،‬لأنه زيادة يف مقابل الت�أخري‬
‫يف الوفاء‪ ،‬فيكون حمرماً‪ ،‬كما لو ا�شرتط الدائن �أن تكون الزيادة له(‪.((13‬‬
‫‪ -2‬القيا�س على من ا�شرتى مملوكاً‪ ،‬وا�شرتط هو حر بعد موتي(‪.((13‬‬
‫املناق�شة‪ :‬ال ي�صح قيا�س ا�شرتاط ال�صدقة على ا�شرتاط العتق يف البيع‪ ،‬لوجود‬
‫فرق بينهما من وجهني‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن ا�شرتاط العتق هو ا�شرتاط يف البيع‪ ،‬ومبنى البيع على جواز ال�رشوط‪،‬‬

‫(‪ ((12‬ينظر‪ :‬بحث يف مطل الغني ظلم لل�شيخ عبد اهلل املنيع �ص‪� ،244‬ضمن �أعمال الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل‬
‫الكويتي‪ ،‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)213/1‬‬
‫(‪ ((12‬ينظر‪� :‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪ ،)879/2‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة‬
‫�ص‪ ،46‬البيع امل�ؤجل �ص‪.98‬‬
‫(‪ ((13‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪ ،)214/1‬املماطلة يف الديون �ص‪.513‬‬
‫(‪ ((13‬ينظر‪� :‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪.)878/2‬‬

‫‪129‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫�إال ما قام الدليل على منعه‪ ،‬وهذا بخالف ا�شرتاط الزيادة على الدين‪ ،‬لأن مبنى‬
‫الدين على املنع من مثل هذه ال�رشوط حذراً من الوقوع يف الربا‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن العتق �أف�ضل من ال�صدقة‪ ،‬وال�شارع يت�شوف �إليه كثرياً(‪ ،((13‬ولذا‬
‫يجوز فيه ما ال يجوز يف ال�صدقة‪.‬‬
‫‪� -3‬أن ا�شرتاط هذا ال�رشط ال مف�سدة فيه‪ ،‬لأنه ال توجد فيه �أي �شبهة ربا‪ ،‬لأن‬
‫الدائن لن ي�أخذ زيادة على دينه‪ ،‬كما �أن فيه م�صلحة من جهة زجر املدين املماطل‪،‬‬
‫وحمله على الوفاء(‪.((13‬‬
‫املناق�شة‪ :‬عدم الت�سليم بعدم وجود مف�سدة من ا�شرتاط هذا ال�رشط‪ ،‬بل املف�سدة‬
‫موجودة فيه‪ ،‬وهو �أنه ي�ؤدي �إلى الربا‪.‬‬
‫‪� -4‬أن ا�شرتاط زيادة على الدين �إذا ت�أخر املدين عن الوفاء ت�رصف للفقراء يعد‬
‫من باب الإلزام بالتربع‪ ،‬والإلزام بالتربع �إذا مل يوفه حقه يف وقته املحدد جائز عند‬
‫بع�ض املالكية(‪ ،((13‬قال احلطاب(‪« :((13‬و�أما �إذا التزم �أنه �إن مل يوفه حقه يف وقت‬
‫كذا‪ ،‬فعليه كذا وكذا لفالن‪� ،‬أو �صدقة للم�ساكني‪ ،‬فهذا هو حمل اخلالف املعقود‬
‫له هذا الباب‪ ،‬فامل�شهور �أنه ال يق�ضى به كما تقدم‪ ،‬وقال ابن دينار‪ :‬يق�ضى به»(‪.((13‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من وجهني‪:‬‬

‫(‪ ((13‬ينظر‪ :‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،130‬البيع امل�ؤجل �ص‪.97‬‬
‫(‪ ((13‬ينظر‪ :‬حول جواز املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪ ،29‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪ ،45‬ال�شامل يف‬
‫معامالت وعمليات امل�صارف الإ�سالمية �ص‪.391‬‬
‫(‪ ((13‬ينظر‪ :‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة �ص‪� ،46 -45‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي‬
‫(‪ ،)878 -877/2‬البيع امل�ؤجل �ص‪.97-95‬‬
‫(‪ ((13‬هو حممد بن حممد بن عبد الرحمن بن ح�سن املكي امل�شهور باحلطاب‪ ،‬ولد �سنة ‪ 902‬هـ‪� ،‬أحد العلماء الكبار‬
‫املحققني يف مذهب الإمام مالك‪ ،‬تويف �سنة ‪ 954‬هـ‪ ،‬له م�ؤلفات‪ ،‬منها‪� :‬شرح خمت�صر خليل املعروف مبواهب اجلليل‪� ،‬شرح‬
‫من�سك خليل‪ ،‬حترير املقالة يف �شرح نظائر الر�سالة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬نيل االبتهاج لبابا التنبكتي �ص‪� ،337‬شجرة النور الزكية �ص‪.270‬‬
‫(‪ ((13‬حترير الكالم يف م�سائل االلتزام �ص‪.176‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪130‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫الأول‪� :‬أن املراد بااللتزام بالتربع هو �إلزام املرء نف�سه �شيئاً من املعروف مطلقاً‪� ،‬أو‬
‫معلقاً على �شيء‪ ،‬قال احلطاب‪« :‬و�أما االلتزام يف عرف الفقهاء فهو �إلزام ال�شخ�ص‬
‫نف�سه �شيئاً من املعروف مطلقاً‪� ،‬أو معلقاً على �شيء‪ ،...،‬وقد يطلق يف العرف على‬
‫ما هو �أخ�ص من ذلك‪ ،‬وهو التزام املعروف بلفظ االلتزام‪ ،‬وهو الغالب يف عرف‬
‫النا�س اليوم»(‪ ،((13‬وهذا غري متحقق هنا‪ ،‬لأن الدائن هو الذي �ألزم املدين زيادة‬
‫على دينه‪ ،‬ولي�س تربعاً من املدين نف�سه دون ا�شرتاط‪ ،‬وحينئذ ال ي�صح تخريج هذا‬
‫ال�رشط على التزام التربع(‪.((13‬‬
‫الثاين‪� :‬أن هذا ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا‪ ،‬وهذا بخالف الإلزام بالتربع‪.‬‬
‫الراجح‪ :‬يت�ضح رجحان القول الأول‪ ،‬وهو حرمة ا�شرتاط زيادة على �أ�صل الدين‬
‫�إذا ت�أخر املدين عن الوفاء‪ ،‬ل�رصفها يف وجوه اخلري‪ ،‬وذلك ملا ي�أتي‪:‬‬
‫�أو ًال‪ :‬قوة �أدلة هذا القول‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما �أورد على �أدلة القول الثاين من مناق�شات كافية‪.‬‬
‫ثالثاً‪� :‬أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بني عقوبة الغني املماطل يف قـوله‪( :‬ليَ ُّ‬
‫ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(‪ ،((13‬ولو كـان يجوز عقوبته ب�أخذ زيادة على دينه‬
‫ت�رصف يف جـهات اخلري لبينه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬لأن املقام مقام بيان ملا‬
‫يزجر املماطل عن مطله‪ ،‬وال يجوز ت�أخري البيان عن وقت احلاجة‪.‬‬
‫رابعاً‪� :‬أن الأ�صل هو �أن الزيادة على الدين للت�أخري يف �سداده ممنوعة مطلقاً‪،‬‬
‫�سواء �أخذها الدائن �أو غريه‪ ،‬فكل زيادة تعد حراماً‪ ،‬لأن الن�صو�ص املحرمة للربا‬
‫جاءت عامة �شاملة لأي زيادة مهما كان غر�ضها‪ ،‬وكونها ت�رصف للفقراء ال ي�ؤثر يف‬
‫(‪ ((13‬حترير الكالم يف م�سائل االلتزام �ص‪.68‬‬
‫(‪ ((13‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪ ،)217/1‬املماطلة يف الديون �ص‪.514‬‬
‫(‪� ((13‬سبق تخريجه �ص‪.14‬‬

‫‪131‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫�إخراجها عن كونها ربا‪ ،‬لأن حقيقة الربا هي الزيادة‪ ،‬فمتى وجدت وجد الربا بغ�ض‬
‫النظر عن املق�صود منها‪.‬‬
‫خام�ساً‪� :‬أن ال�شارع حرم الربا‪ ،‬و�سد ذرائعه‪ ،‬و�ضيق م�سالكه‪ ،‬والنظر يف م�آالت‬
‫الأفعال مق�صود �رشعاً‪ ،‬وذلك �أن املجتهد ال يحكم على ت�رصف من الت�رصفات‬
‫ال�صادرة عن املكلفني باجلواز �أو املنع �إال بعد النظر �إلى ما ي�ؤول �إليه ذلك الت�رصف‬
‫من م�صلحة ت�ستجلب �أو مف�سدة تدر�أ(‪ ،((14‬والقول بجواز �أخذ زيادة على الدين‬
‫مقابل الت�أخري يف ال�سداد ل�رصفها يف اخلري يف�ضي �إلى الربا‪ ،‬فال ميتنع على من‬
‫�أراد الربا �أن يتحقق له هذا املق�صود بهذه الطريقة‪ ،‬والواقع �أكرب �شاهد على ذلك‪،‬‬
‫جاء يف بع�ض الدرا�سات‪« :‬وهذا الذي خيف منه قد حتقق فع ًال‪ ،‬فقد ا�ستطاع �أحد‬
‫البنوك حت�صيل املوافقة من الهيئة ال�رشعية على ا�شرتاط التعوي�ض عن الت�أخري‪،‬‬
‫وعلى غرامة الت�أخري‪ ،‬فوافقت الهيئة على �أن ت�رصف يف وجوه اخلري‪ ،‬ولكن الإدارة‬
‫كانت ذكية‪ ،‬ف�أخذت موافقة �أخرى من الهيئة على اقتطاع جزء من هذه الغرامة يف‬
‫مقابل الإجراءات الإدارية‪ ،‬وحينئذٍ كلفت الإدارة �أحد موظفيها باحت�ساب مقدار‬
‫التكلفة الإدارية‪ ،‬حيث بلغت قريباً من الغرامة املح�صلة‪ ،‬وبالتايل دخلت يف جيب‬
‫البنك»(‪.((14‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬التعوي�ض عن الأ�ضرار املرتتبة على الت�أخري يف �سداد الدين‬


‫(نفقات الق�ضية)‬

‫املدين مبماطلته يف �سداد الدين قد يحوج الدائن �إلى رفع دعوى عليه للح�صول‬
‫حمام‪ ،‬و�أجرة‬
‫على حقه‪ ،‬وهذه الدعوى قد ترتتب عليها م�صاريف مالية من توكيل ٍ‬
‫(‪ ((14‬ينظر‪ :‬املوافقات لل�شاطبي (‪.)141-140/4‬‬
‫(‪ ((14‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪.147‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪132‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫تنقل‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فما حكم ا�شرتاط الدائن على املدين �أن تكون نفقات الق�ضية‬
‫املرفوعة �ضده عليه؟‬
‫ال يخلو املدين من حالتني‪:‬‬
‫الأولى‪� :‬أن يكون مع�رساً‪ :‬فالواجب على الدائن �إنظاره �إلى مي�رسة‪ ،‬ويحرم‬
‫مطالبته‪ ،‬لأن اهلل �أوجب �إنظاره �إلى وقت املي�رسة‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(‪.((14‬‬
‫قال ابن العربي(‪�« :((14‬إذا مل يكن املدين غنياً‪ ،‬فمطله عدل‪ ،‬وينقلب احلال على‬
‫الغرمي فتكون مطالبته ظلماً»(‪.((14‬‬
‫ويف هذه احلالة لو طالبه‪ ،‬وترتب على ذلك م�صاريف مالية‪ ،‬فال يتحمل املدين‬
‫�شئ منها مطلقاً‪� ،‬سواء �أكان ذلك ب�رشط �أم بغري �رشط‪ ،‬لأنه معذور‪ ،‬والدائن ظامل‬
‫يف مطالبته‪ ،‬وا�شرتاط �أن تكون نفقات املطالبة عليه حمرم‪ ،‬لأنه �رشط خمالف ملا �أمر‬
‫اهلل به من �إنظاره �إلى وقت املي�رسة(‪ ،((14‬وال�رشط املخالف لكتاب اهلل باطل‪ ،‬لقول‬
‫اب اللهَّ ِ َع َّز َو َج َّل َف ُه َو‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪َ ( :‬ما َك َان م ِْن �شرَ ْ ٍط لَ ْي َ�س فيِ كِ َت ِ‬
‫اب اللهَّ ِ �أَ َح ُّق‪َ ،‬و�شرَ ْ ُط اللهَّ ِ �أَ ْوثَقُ )(‪.((14‬‬
‫بَاطِ ٌل‪َ ،‬و�إِنْ َك َان مِائَ َة �شرَ ْ ٍط‪ ،‬كِ َت ُ‬
‫الثانية‪� :‬أن يكون مو�رساً‪ :‬ومعرفة حكم ا�شرتاط املطالبة مبني على م�س�ألة تغرمي‬
‫املدين ما حتمله الدائن من نفقات يف �شكايته‪.‬‬

‫(‪� ((14‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.280 :‬‬


‫(‪ ((14‬هو حممد بن عبد اهلل بن حممد بن عبد اهلل بن العربي‪ ،‬الأندل�سي‪� ،‬أبو بكر الأ�شبيلي‪ ،‬ولد �سنة ‪ 468‬هـ‪ ،‬برع يف فنون‬
‫العلم‪ ،‬وكان من كبار علماء املالكية‪ ،‬تويف �سنة ‪ 543‬هـ‪ ،‬له م�صنفات منها‪� :‬أحكام القر�آن‪ ،‬عار�ضة الأحوذي يف �شرح جامع �أبي‬
‫عي�سى الرتمذي‪ ،‬العوا�صم من القوا�صم‪.‬‬
‫ينظر‪� :‬سري �أعالم النبالء (‪ ،)197/20‬الديباج املذهب �ص‪.281‬‬
‫(‪ ((14‬عار�ضة الأحوذي ب�شرح �صحيح الرتمذي (‪.)46/6‬‬
‫(‪ ((14‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)200/1‬‬
‫(‪� ((14‬أخرجه البخاري يف كتاب ال�صالة‪ ،‬باب ذكر البيع وال�شراء على املنرب يف امل�سجد (‪ ،)456( )164-163/1‬وم�سلم يف‬
‫كتاب العتق‪ ،‬باب �إمنا الوالء ملن �أعتق (‪ )1504( )1143-1142/2‬عن عائ�شة‪.‬‬

‫‪133‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫ذهب املالكية(‪ ،((14‬واحلنابلة(‪� ((14‬إلى �أن املدين املماطل القادر على الوفاء �إذا‬
‫�أحوج �صاحب احلق �إلى �شكايته‪ ،‬فما غرمه ب�سبب ذلك فهو عليه‪.‬‬
‫قال يف معني احلكام ‪ -‬يف �أجرة �أعوان القا�ضي ‪�« :-‬أن يتبني �أن املطلوب‬
‫�ألد بالطالب ودعاه �إلى االرتفاع �إلى القا�ضي ف�أبى‪ ،‬فيكون على املطلوب �أجرة‬
‫�شخو�ص العوين �إليه‪ ،‬وال يكون على الطالب يف ذلك �شيء»(‪.((14‬‬
‫وقال �شيخ الإ�سالم‪« :‬و�إذا كان الذي عليه احلق قادراً على الوفاء‪ ،‬ومطل �صاحب‬
‫احلق حتى �أحوجه �إلى ال�شكاية‪ ،‬فما غرمه ب�سبب ذلك‪ ،‬فهو على الظامل املماطل‪� ،‬إذا‬
‫كان غرمه على الوجه املعتاد»(‪.((15‬‬
‫وقال ال�شيخ حممد بن �إبراهيم(‪ - :((15‬بعد �أن حكى قول �شيخ الإ�سالم ال�سابق‬
‫‪« :-‬وحيث كان الأمر ما ذكر‪ ،‬ف�إن نفقات املنتدبني على من تبني �أنه الظامل‪ ،‬وهو‬
‫العامل �أن احلق يف جانب خ�صمه‪ ،‬ولكن �أقام اخل�صومة عليه م�ضارة لأخيه امل�سلم �أو‬
‫طمعاً يف حقه»(‪.((15‬‬
‫وهذا احلكم لي�س على �إطالقه‪ ،‬بل هو مقيد بقيود‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن يكون املدين قادراً على الوفاء‪.‬‬
‫الثاين‪� :‬أن يكون املدين مماط ًال حتى �أحوج الدائن �إلى �شكايته‪.‬‬

‫(‪� ((14‬شرح الزرقاين على خمت�صر خليل (‪ ،)278/5‬حا�شية الد�سوقي (‪ ،)278/3‬مواهب اجلليل (‪ )113/6‬حا�شية العدوي‬
‫على اخلر�شي (‪ ،)277/5‬تب�صرة احلكام (‪.)49 ،33/1‬‬
‫(‪ ((14‬الفروع البن مفلح (‪ ،)292/4‬املبدع لربهان الدين ابن مفلح (‪ ،)308/4‬ك�شاف القناع (‪ ،)419/3‬معونة �أويل النهى‬
‫للرحيباين (‪� ،)492/4‬شرح منتهى الإرادات (‪.)275/2‬‬
‫(‪.)614/2( ((14‬‬
‫(‪ ((15‬جمموع الفتاوى (‪.)25-24/30‬‬
‫(‪ ((15‬هو ال�شيخ العالمة حممد بن �إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن التميمي احلنبلي‪ ،‬مفتي الديار ال�سعودية‪،‬‬
‫ورئي�س ق�ضاتها‪ ،‬ومرجع �أمورها الدينية‪ ،‬ولد يف الريا�ض �سنة ‪1311‬هـ‪ ،‬وتويف �سنة ‪1389‬هـ‪.‬‬
‫ينظر‪� :‬أعالم جند خالل ثمانية قرون البن ب�سام (‪ ،)242/1‬تراجم لت�سعة من الأعالم للحمد �ص‪.371‬‬
‫(‪ ((15‬فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم (‪.)55/13‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪134‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫الثاين‪� :‬أن يكون ما غرم الدائن ب�سبب املماطلة من النفقات على ال�شكاية على‬
‫الوجه املعتاد‪.‬‬
‫وعللوا لذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬لأن املدين مبطله هو الذي ت�سبب يف �شكاية �صاحب احلق له‪ ،‬و�أدخله يف‬
‫غرامة �شكايته بغري حق‪ ،‬فكانت نفقات ذلك عليه(‪.((15‬‬
‫‪ -2‬قيا�ساً على ما لو تعدى على مال حلمله �أجرة‪ ،‬وحمله لبلد �أخرى‪ ،‬ثم غرم‬
‫مالكه �أجرة حمله لعوده �إلى حمله الأول‪ ،‬ف�إنه يرجع به على من تعدى بنقله(‪.((15‬‬
‫‪ -3‬معاملة للمدين املماطل بنقي�ض ق�صده‪ ،‬وردعاً له عن ظلمه‪ ،‬وذلك �أن ق�صده من‬
‫املماطلة تيئي�س �صاحب احلق من حقه‪ ،‬و�إدخال ال�رضر عليه‪ ،‬ملا يرتتب على رفع دعوى‬
‫عليه من بذل �أموال‪ ،‬و�رصف �أوقات‪ ،‬فيحجم عن املطالبة‪ ،‬ويدع احلق بيد املماطل‪،‬‬
‫فكان الواجب �إلزامه ب�إيفاء احلق‪ ،‬وما �أنفق �صاحب احلق من �أجل الو�صول �إلى حقه‪،‬‬
‫ويف هذا من امل�صلحة ما ال يخفى‪ ،‬حيث يرتدع املخا�صمون بالباطل عن خ�صوماتهم‪،‬‬
‫وي�أمن �أرباب احلقوق على حقوقهم‪ ،‬وي�سرتيح الق�ضاة من كثري من اخل�صومات(‪.((15‬‬
‫وبهذا يتبني �أن املدين املماطل يتحمل م�رصوفات الدعوى التي غرمها الدائن من‬
‫�أجل حت�صيل دينه منه‪ ،‬و�إليه ذهب جمع من �أهل العلم املعا�رصين(‪.((15‬‬
‫و�إذا تقرر �أن املدين املماطل يغرم ما دفعه الدائن من نفقات يف الدعوى التي‬
‫رفعها �ضده لتح�صيل دينه‪ ،‬ف�إنه يجوز �أن ي�شرتط ذلك عليه‪ ،‬ملا ي�أتي‪:‬‬
‫(‪ ((15‬ينظر‪ :‬معني احلكام البن عبد الرفيع (‪ ،)615/2‬ك�شاف القناع (‪.)419/3‬‬
‫(‪ ((15‬ينظر‪ :‬معونة �أويل النهى (‪� ،)492/4‬شرح منتهى الإرادات (‪.)275/2‬‬
‫(‪ ((15‬ينظر‪ :‬فتاوى ور�سائل �سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم (‪ ،)55/13‬التعوي�ض عن �أ�ضرار التقا�ضي د‪ .‬عبد الكرمي‬
‫الالحم �ص‪ ،34‬املماطلة يف الديون د‪� .‬سلمان الدخيل �ص‪.158‬‬
‫(‪ ((15‬ينظر‪ :‬املعايري ال�شرعية لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية �ص‪ ،34‬بحث يف مطل الغني و�أنه‬
‫ظلم يحل عر�ضه وعقوبته �ص‪ ،405‬املعامالت املالية املعا�صرة �ص‪� ،180‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه‬
‫الإ�سالمي (‪ ،)892/2‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،136‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪ ،)204/1‬املماطلة‬
‫يف الديون �ص‪.160‬‬

‫‪135‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫�أو ًال‪ :‬عموم قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬المْ ُ ْ�س ِل ُم َ‬
‫ون َع َلى �شرُ ُ وطِ ه ِْم �إِال‬
‫�شرَ ْ ًطا َح َّر َم َحال ًال �أَ ْو �أَ َح َّل َح َرا ًما)(‪.((15‬‬
‫ويدخل فيه كل �رشط ال حمذور فيه‪ ،‬وال يرتتب عليه حمرم‪.‬‬
‫ثانياً‪� :‬أن الأ�صل يف ال�رشوط ال�صحة واجلواز‪� ،‬إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬ومل‬
‫يرد دليل باملنع من هذا ال�رشط‪ ،‬فيبقى على الأ�صل املقت�ضي للجواز(‪.((15‬‬
‫ثالثاً‪ :‬لأن هذا ال�رشط يحقق م�صلحة ال مف�سدة فيها من جهة تو�صل �صاحب احلق‬

‫(‪ ((15‬احلديث روي عن جماعة من ال�صحابة‪ ،‬منهم‪:‬‬


‫�أ‪ -‬عمرو بن عوف‪ :‬رواه الرتمذي يف الأحكام باب ‪ ،)1352( )635-634/3( ،17‬والبزار (‪ ،)3393( )320/8‬والطرباين يف الكبري‬
‫(‪ ،)22/17‬والدارقطني (‪ ،)27/3‬واحلاكم (‪ ،)101/4‬والبيهقي (‪.)79/6‬‬
‫ورووه من طريق كثري بن عبد اهلل بن عمرو بن عوف املزين عن �أبيه عن جده‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪« :‬هذا حديث ح�سن �صحيح» ‪.‬‬
‫وقال ابن حزم‪� « :‬أما الرواية عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ف�ساقطة؛ لأنه انفرد بها كثري بن عبد اهلل بن زيد بن عمر‪،‬‬
‫وهو �ساقط‪ ،‬متفق على اطراحه‪ ،‬و�أن الرواية عنه ال حتل»‪ .‬وقال الذهبي يف تلخي�ص امل�ستدرك‪ « :‬واه »‪.‬‬
‫وتعقب النووي حت�سني الرتمذي لأحاديث كثري بن عبد اهلل‪ ،‬فقال‪ « :‬ولي�س كما قال‪ ،‬ف�إن مداره على كثري بن عبد اهلل‬
‫وقد اتفقوا على �ضعفه‪ ،‬وترك االحتجاج به‪ ،‬قال ال�شافعي‪ :‬هو كذاب‪ ،‬ويف رواية عنه‪ :‬هو �أحد �أركان الكذب‪ ،‬وقال �أحمد بن‬
‫حنبل‪ :‬منكر احلديث لي�س ب�شيء »‪ .‬املجموع (‪.)550/4‬‬
‫و�ضعفه عبد احلق الأ�شبيلي يف الأحكام الو�سطى (‪ ،)276/3‬وابن القطان يف بيان الوهم والإيهام (‪ ،)527/3‬وابن امللقن يف‬
‫خال�صة البدر املنري (‪ ،)87/2‬وابن حجر يف التلخي�ص احلبري (‪.)27/3‬‬
‫ولعل الرتمذي �صحح حديثه‪ ،‬لأن هذا احلديث روي عن جمع من ال�صحابة‪ ،‬فقوى حديثه ل�شواهده‪ ،‬قال �شيخ الإ�سالم‪:‬‬
‫«لكن كثري بن عمرو �ضعفه اجلماعة‪ ،‬و�ضرب �أحمد على حديثه يف امل�سند‪ ،‬فلم يحدث به‪ ،‬فلعل ت�صحيح الرتمذي له‬
‫لروايته من وجوه‪ ،....،‬وهذه الأ�سانيد و�إن كان الواحد منها �ضعيفاً‪ ،‬فاجتماعها من طرق ي�شد بع�ضها بع�ضا »‪ .‬جمموع‬
‫الفتاوى (‪ .)147/29‬وقال احلافظ يف بلوغ املرام �ص‪ « :179‬وك�أنه اعتربه بكرثة طرقه «‪.‬‬
‫ب‪� -‬أبو هريرة‪ :‬رواه �أبو داود يف الأق�ضية‪ ،‬باب ‪ ،)3594( ،12‬وابن اجلارود (‪ ،)673( )205/2‬والدارقطني (‪ ،)27/3‬واحلاكم‬
‫(‪ ،)49/2‬والبيهقي (‪ .)79/6‬ورووه من طريق كثري بن زيد عن الوليد بن رباح عن �أبي هريرة‪.‬‬
‫و�ضعفه ابن حزم يف املحلى (‪ ،)370/7‬وعبد احلق الأ�شبيلي يف الأحكام الو�سطى (‪.)276/3‬‬
‫(‪ ((15‬قال احلافظ يف تغليق التعليق (‪« :)281/3‬وكثري بن زيد لينه ابن معني‪ ،‬و�أبو زرعة‪ ،‬والن�سائي‪ ،‬وقال �أحمد‪ :‬وما �أرى‬
‫به ب�أ�ساً‪ ،‬فحديثه ح�سن يف اجلملة‪ ،‬وقد اعت�ضد مبجيئه من طريق �أخرى»‪.‬‬
‫وح�سنه ابن امللقن يف خال�صة البدر املنري (‪.)69/2‬‬
‫واحلديث علقه البخاري ب�صيغة اجلزم يف كتاب الإجارة‪ ،‬باب �أجر ال�سم�سرة (‪.)135/2‬‬
‫واحلديث �صححه جمع من �أهل العلم بنا ًء على كرثة مروياته‪ ،‬وتعدد طرقها‪ ،‬قال احلافظ‪ « :‬و�أما حديث (امل�سلمون على‬
‫�شروطهم)‪ ،‬فروي من حديث �أبي هريرة‪ ،‬وعمرو بن عوف‪ ،‬و�أن�س بن مالك‪ ،‬ورافع بن خديج وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وغريهم‪،‬‬
‫وكلها فيها مقال‪ ،‬لكن حديث �أبي هريرة �أمثلها »‪ .‬تعليق التعليق (‪.)282/3‬‬
‫وقال ال�شوكاين‪« :‬وال يخفى �أن الأحاديث املذكورة‪ ،‬والطرق ي�شهد بع�ضها لبع�ض‪ ،‬ف�أقل �أحوالها �أن يكون املنت الذي‬
‫اجتمعت عليه ح�سناً » نيل الأوطار (‪.)255/5‬‬
‫وقال الألباين‪ « :‬وجملة القول �أن احلديث مبجموع هذه الطرق يرتقي �إلى درجة ال�صحيح لغريه‪ ،‬وهي و�إن كان يف بع�ضها‬
‫�ضعف �شديد‪ ،‬ف�سائرها مما ي�صلح اال�ست�شهاد به‪ ،‬ال �سيما وله �شاهد مر�سل جيد »‪.‬‬
‫�إرواء الغليل (‪ .)146-145/5‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)206/1‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪136‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫�إلى حقه‪ ،‬وردع املدين املماطل عن ظلمه‪ ،‬وزجره عن الدخول يف اخل�صومة �إذا‬
‫علم �أن ما يرتتب عليها من نفقات �سيتحملها‪ ،‬وتقليل الق�ضايا املرفوعة يف املحاكم‪.‬‬

‫الف�صل الثاين‪ :‬التعوي�ض بغري زيادة على الدين �إذا ت�أخر يف �سداده‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬ا�شرتاط حلول الأق�ساط عند الت�أخري يف �سداد ق�سط منها‬

‫الدين قد يكون م�ؤج ًال على �أق�ساط يف �أوقات حمددة‪ ،‬وي�شرتط الدائن على‬
‫املدين �أنه �إن ت�أخر يف �سداد ق�سط منها‪ ،‬ف�إنها حتل عليه جميع الأق�ساط‪ ،‬ويلزمه‬
‫�سداد الدين كله يف احلال‪ ،‬وهذا ال�رشط حلمل املدين على الوفاء بكل ق�سط يف وقته‬
‫املحدد‪ ،‬لئال حتل عليه جميع الأق�ساط‪ ،‬فما حكم هذا ال�رشط؟‬
‫ال يخلو حال املدين املت�أخر يف �سداد ق�سط من �أن يكون عاجزاً عن الوفاء‪� ،‬أو‬
‫قادراً عليه‪ ،‬ولكل حالة حكمها‪.‬‬
‫احلالة الأولى‪� :‬أن يكون املدين مع�رساً عاجزاً عن الوفاء بالق�سط وقت حلوله‪،‬‬
‫فهذا ال يجوز �إلزامه بحلول باقي الأق�ساط امل�ؤجلة بهذا ال�رشط‪ ،‬لأن الواجب هو‬
‫�إنظاره �إلى حال الي�سار‪ ،‬والتمكن من الأداء‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(‪ ،((15‬ف�إذا وجب �إنظاره‬
‫فيما حل من الدين‪ ،‬فمن باب �أولى �أن يجب �إنظاره فيما مل يحل(‪ ،((16‬وا�شرتاط‬
‫حلول الدين يف هذه احلال باطل ملخالفته لكتاب اهلل‪ ،‬وقد قال النبي �صلى اهلل عليه‬

‫(‪� ((15‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.280 :‬‬


‫(‪ ((16‬ينظر‪ :‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪ ،342 ،314‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)193/1‬‬

‫‪137‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫اب اللهَّ ِ َع َّز َو َج َّل َف ُه َو بَاطِ ٌل‪َ ،‬و�إِنْ َك َان مِائَ َة‬
‫و�سلم‪َ ( :‬ما َك َان م ِْن �شرَ ْ ٍط لَ ْي َ�س فيِ كِ َت ِ‬
‫اب اللهَّ ِ �أَ َح ُّق‪َ ،‬و�شرَ ْ ُط اللهَّ ِ �أَ ْوثَقُ )(‪.((16‬‬
‫�شرَ ْ ٍط‪ ،‬كِ َت ُ‬
‫احلالة الثانية‪� :‬أن يكون املدين قادراً على الوفاء‪:‬‬
‫�إذا كان املدين غنياً قادراً على الوفاء‪ ،‬ولكنه ماطل يف ال�سداد‪ ،‬فهل يجوز‬
‫ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط �إذا ماطل يف �سداد ق�سط منها؟‬
‫اختلف �أهل العلم يف ذلك على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬يجوز ا�شرتاط حلول الأق�ساط �إذا ت�أخر يف �أداء بع�ضها‪ ،‬وهذا هو‬
‫مذهب احلنفية‪ ،‬واختاره ابن القيم‪ ،‬وهو قول �أكرث �أهل العلم املعا�رصين‪.‬‬
‫فقد جاء يف املب�سوط‪« :‬ولو كان لرجل على رجل دين حال‪ ،‬من ثمن بيع‪� ،‬أو‬
‫قر�ض‪� ،‬أو غ�صب‪ ،‬ف�س�أله �أن ي�ؤخره عنه جنوماً‪ ،....،‬و�إن ا�شرتط يف الت�أخري �أنه �إن‬
‫�أخره عن حمله‪ ،‬فاملال كله حال �أو �إن �أخر جن ًما عن حمله ع�رشة �أيام ; فاملال كله‬
‫حال‪ ،‬فهو جائز على ما ا�شرتطا»(‪.((16‬‬
‫وقال يف بدائع ال�صنائع‪« :‬لو جعل املال جنو ًما بكفيل‪� ،‬أو بغري كفيل‪ ،‬و�رشط �أنه‬
‫حال عليه فهو جائز على ما �رشط»(‪.((16‬‬ ‫�إن مل يوفه كل جنم عند حمله‪ ،‬فاملال ٌ‬
‫وجاء يف درر احلكام‪�« :‬إذا ا�شرتط الدائن يف الدين املق�سط ب�أنه �إذا مل يدفع‬
‫املدين الأق�ساط يف �أوقاتها امل�رضوبة‪ ،‬ي�صبح الدين معج ًال‪ ،‬فيجب مراعاة ال�رشط‪،‬‬
‫ف�إذا مل يوف املدين بال�رشط ومل يدفع الق�سط الأول مث ًال عند حلول �أجله ي�صبح‬
‫الدين جميعه معج ًال»(‪.((16‬‬

‫(‪� ((16‬سبق تخريجه �ص‪.32‬‬


‫(‪.)127-126/20( ((16‬‬
‫(‪.)45/6( ((16‬‬
‫(‪.)75/1( ((16‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪138‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫وقال ابن القيم‪�« :‬إذا كان له عليه دين حال‪ ،‬فاتفقا على ت�أجيله‪ ،....،‬ف�إن خاف‬
‫�صاحب احلق �أن ال يفي له من عليه ب�أدائه عند كل جنم كما �أجله‪ ،‬فاحليلة �أن ي�شرتط‬
‫عليه �أنه �إن حل جنم‪ ،‬ومل ي�ؤده ق�سطه‪ ،‬فجميع املال عليه حال‪ ،‬ف�إذا جنمه على هذا‬
‫اال ومنجماً عند من يرى لزوم ت�أجيل احلال ومن‬ ‫ال�رشط جاز‪ ،‬ومتكن من مطالبته به ح ً‬
‫ال يراه‪� ،‬أما من ال يراه فظاهر‪ ،‬و�أما من يراه ف�إنه يجوز ت�أجيله لهذا ال�رشط‪ ،‬كما‬
‫�رصح به �أ�صحاب �أبي حنيفة»(‪.((16‬‬
‫وهذا القول �صدر به عدد من القرارات من املجامع الفقهية‪ ،‬وامل�ؤمترات العلمية‪.‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1‬جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪ ،‬فقد جاء يف قراره‬
‫ال�صادر ب�ش�أن البيع بالتق�سيط يف دورته ال�ساد�سة‪« :‬يجوز �رشعاً �أن ي�شرتط البائع‬
‫بالأجل حلول الأق�ساط قبل مواعيدها عند ت�أخر املدين عن �أداء بع�ضها‪ ،‬مادام‬
‫املدين قد ر�ضي بهذا ال�رشط عند التعاقد»(‪.((16‬‬
‫وجاء �أي�ضاً يف قراره ال�صادر ب�ش�أن البيع بالتق�سيط يف دورته ال�سابعة‪« :‬يجوز‬
‫اتفاق املتداينني على حلول �سائر الأق�ساط عند امتناع املدين عن وفاء �أي ق�سط من‬
‫الأق�ساط امل�ستحقة عليه‪ ،‬ما مل يكن مع�رساً»(‪.((16‬‬
‫‪ -2‬م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية الأول ب�ش�أن ال�رشط اجلزائي الذي خل�ص‬
‫�إلى �أنه‪« :‬يجوز �أن ي�شرتط على املدين حلول باقي الأق�ساط �إذا ت�أخر عن �سداد‬
‫ق�سط منه»(‪.((16‬‬

‫(‪� ((16‬إعالم املوقعني (‪.)39/4‬‬


‫(‪ ((16‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬اجلزء الأول‪� ،‬ص‪.448‬‬
‫(‪ ((16‬املرجع ال�سابق‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص‪.218‬‬
‫(‪ ((16‬ال�شامل يف معامالت وعمليات امل�صارف الإ�سالمية �ص‪.382‬‬

‫‪139‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫‪ -3‬املجل�س ال�رشعي لهيئة املحا�سبة واملراجعة للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‪،‬‬


‫فقد جاء يف معيار املدين املماطل‪« :‬يجوز ا�شرتاط حلول الأق�ساط جميعها �إذا ت�أخر‬
‫املدين املماطل عن �سداد ق�سط منها‪ ،‬والأولى �أن ال يطبق هذا ال�رشط �إال بعد �إ�شعار‬
‫املدين‪ ،‬وم�ضي مدة منا�سبة ال تقل عن �أ�سبوعني»(‪.((16‬‬
‫وهذا هو ر�أي كثري من الباحثني(‪.((17‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز ا�شرتاط حلول الأق�ساط �إذا ت�أخر املدين يف �أداء‬
‫بع�ضها‪ ،‬وهذا هو فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء يف اململكة العربية‬
‫ال�سعودية(‪ ،((17‬و�إليه ذهب بع�ض �أهل العلم(‪.((17‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بجواز هذا ال�رشط بالأدلة الآتية‪:‬‬
‫‪� -1‬أن الأ�صل يف العقود وال�رشوط ال�صحة واجلواز‪� ،‬إال ما دل الدليل على‬
‫منعه‪ ،‬كما دل على ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﭼ(‪ ،((17‬وقوله �صلى‬

‫(‪ ((16‬املعايري ال�شرعية �ص‪.34‬‬


‫(‪ ((17‬وهم الدكتور علي ال�سالو�س‪ ،‬والدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬وال�شيخ حممد تقي العثماين‪ ،‬والدكتور حممد عثمان �شبري‬
‫والدكتور عبد ال�ستار �أبو غدة‪ ،‬والدكتور �سليمان الرتكي‪ ،‬والدكتور رفيق امل�صري‪ ،‬والدكتور حممد اليمني‪ ،‬والدكتور عياد‬
‫العنزي‪ ،‬والدكتور علي القره داغي‪ ،‬والدكتور �سليمان الدخيل‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬االقت�صاد الإ�سالمي والق�ضايا الفقهية املعا�صرة �ص‪ ،568‬املعامالت املالية املعا�صرة �ص‪ ،176‬بحوث يف ق�ضايا‬
‫فقهية معا�صرة �ص‪� ،36‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪ ،)876/2‬البيع امل�ؤجل �ص‪ ،82‬بيع‬
‫التق�سيط و�أحكامه �ص‪ ،342‬بيع التق�سيط �ص‪ ،106‬ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة �ص‪ 317‬ال�شروط التعوي�ضية‬
‫يف املعامالت املالية (‪ ،)199/1‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،156 ،153‬املماطلة يف الديون �ص‪.305‬‬
‫(‪ ((17‬رقم الفتوى (‪ ،)18796‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (‪.)182/13‬‬
‫(‪ ((17‬ينظر‪ :‬حول جواز �إلزام املدين املماطل بتعوي�ض للدائن �ص‪� ،32‬شرح عمدة الفقه د‪ .‬عبد اهلل بن عبد العزيز‬
‫اجلربين (‪.)885/2‬‬
‫(‪� ((17‬سورة املائدة‪� ،‬آية‪.1 :‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪140‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫ون َع َلى �شرُ ُ وطِ ه ِْم �إِال �شرَ ْ ًطا َح َّر َم َحال ًال �أَ ْو �أَ َح َّل َح َرا ًما)(‪.((17‬‬
‫اهلل عليه و�سلم‪( :‬المْ ُ ْ�س ِل ُم َ‬
‫ومل يرد دليل باملنع من هذا ال�رشط‪ ،‬فيبقى على الأ�صل املقت�ضي للجواز(‪.((17‬‬
‫املناق�شة‪ :‬ورد ما يدل على املنع من هذا ال�رشط‪ ،‬كما �سي�أتي يف �أدلة القول‬
‫الثاين‪.‬‬
‫‪ -2‬لأن هذا ال�رشط يحقق م�صلحة لكل من الدائن واملدين‪ ،‬فالدائن يح�صل‬
‫على حقه يف وقته‪ ،‬واملدين يلتزم بالوفاء حتى ال حتل عليه بقية الأق�ساط(‪.((17‬‬
‫املناق�شة‪ :‬عدم الت�سليم ب�أن هذا ال�رشط يحقق م�صلحة للمدين‪ ،‬بل هو حم�ض‬
‫�رضر عليه يف حلول باقي الأق�ساط‪ ،‬مع دفعه زيادة على ثمن املبيع يف مقابل الأجل‪.‬‬
‫‪� -3‬أن ا�شرتاط هذا ال�رشط ال ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا‪ ،‬وال �شبهته‪ ،‬فال مانع‬
‫منه‪ ،‬في�صح ا�شرتاطه‪ ،‬ويلزم الوفاء به(‪.((17‬‬
‫املناق�شة‪� :‬أن هذا ال�رشط و�إن مل ي�ؤدي �إلى الوقوع يف الربا‪� ،‬إال �أنه ي�ؤدي �إلى‬
‫�أكل �أموال النا�س بالباطل‪ ،‬وهو �أخذ الزيادة دون الوفاء مبا يقابله من الأجل‪ ،‬وهذا‬
‫كاف يف التحرمي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪� -4‬أن الت�أجيل حق للمدين‪ ،‬فيملك �إ�سقاطه‪ ،‬وتعجيله متى �شاء‪ ،‬لأنه م�رضوب‬
‫مل�صلحته‪ ،‬و�إذا جاز له �إبطال الت�أجيل مطلقاً‪ ،‬فكذلك يجوز له �إبطاله معلقاً على‬
‫ت�أخره يف �سداد ق�سط من الأق�ساط(‪.((17‬‬
‫(‪� ((17‬سبق تخريجه �ص‪.34‬‬
‫(‪ ((17‬ينظر‪ :‬بيع التق�سيط و�أحكامه �ص‪ ،343 – 342‬ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة �ص‪ ،318‬ال�شروط‬
‫التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪� ،)196/1‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪.)876/2‬‬
‫(‪ ((17‬ينظر‪� :‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪ ،)876/2‬البيع امل�ؤجل �ص‪ ،82‬ال�شروط‬
‫التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)196/1‬‬
‫(‪ ((17‬ينظر‪ :‬ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة �ص‪ ،318‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،154‬بيع التق�سيط‬
‫و�أحكامه �ص‪.343‬‬
‫(‪ ((17‬ينظر‪� :‬صيانة املديونيات ومعاجلتها من التعرث يف الفقه الإ�سالمي (‪.)876-875/2‬‬

‫‪141‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫‪� -5‬أن موجب هذا ال�رشط حلول الدين امل�ؤجل عند الت�أخر يف �سداد ق�سط‪،‬‬
‫في�صح قيا�ساً على فرعني فقهيني‪ ،‬وهما‪� :‬أ‪ -‬حلول الدين امل�ؤجل بالإفال�س‪ ،‬وهو‬
‫مذهب املالكية(‪ ،((17‬وقول لل�شافعية(‪ ،((18‬ورواية عن الإمام �أحمد(‪.((18‬‬
‫ب‪ -‬حلول الدين امل�ؤجل باملوت‪ ،‬وهو مذهب جمهور الفقهاء من احلنفية(‪،((18‬‬
‫واملالكية(‪ ،((18‬وال�شافعية(‪ ،((18‬ورواية عن الإمام �أحمد(‪.((18‬‬
‫ووجه القيا�س هو مظنة �ضياع احلق يف الكل(‪.((18‬‬
‫املناق�شة‪ :‬لو �سلمنا �أن الدين امل�ؤجل يحل بالإفال�س‪ ،‬وباملوت‪ ،‬فهو يحل دون‬
‫زيادة على �أ�صله‪ ،‬وهذا بخالف ما �إذا كان الدين ثمن مبيع‪ ،‬وروعي الأجل فيه‪ ،‬فهو‬
‫يحل مع الزيادة التي جعلت يف مقابل الأجل‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪ :‬ا�ستدل القائلون مبنع هذا ال�رشط بالأدلة الآتية‪:‬‬
‫‪� -1‬أن ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط عند ت�أخر املدين يف �سداد ق�سط �رشط ينايف‬
‫مقت�ضى العقد‪ ،‬وهو الت�أجيل الذي ا�ستحقت به الزيادة‪ ،‬فيكون باط ًال(‪.((18‬‬
‫املناق�شة‪� :‬إن كان املراد مبنافاة ال�رشط ملقت�ضى العقد �أنه ينايف مقت�ضى العقد‬
‫املطلق‪ ،‬فهذا م�سلم‪ ،‬وكل ال�رشوط يف العقد كذلك‪� ،‬إال �أن هذا ال�رشط ال يبطل‬
‫(‪ ((17‬املقدمات واملمهدات (‪ ،)326/2‬حا�شية الد�سوقي (‪ ،)266/3‬الفواكه الدواين للنفراوي (‪� ،)324/2‬أ�سهل املدارك‬
‫(‪.)11/3‬‬
‫(‪ ((18‬الأم (‪ ،)212/3‬رو�ضة الطالبني (‪ ،)128/4‬مغني املحتاج (‪ ،)147/2‬نهاية املحتاج (‪.)312/4‬‬
‫(‪ ((18‬املغني (‪ ،)566/6‬ال�شرح الكبري (‪ ،)425-324/13‬الفروع (‪� ،)317/4‬شرح الزرك�شي (‪.)76/4‬‬
‫(‪ ((18‬املب�سوط (‪ ،)187/18‬بدائع ال�صنائع (‪ ،)213/5‬حا�شية ابن عابدين (‪.)167/5‬‬
‫(‪ ((18‬املقدمات واملمهدات (‪ ،)326/2‬حا�شية الد�سوقي (‪� ،)266/3‬شرح الزرقاين على خمت�صر خليل (‪ ،)267/5‬الفواكه‬
‫الدواين (‪.)324/2‬‬
‫(‪ ((18‬الأم (‪ ،)212/3‬مغني املحتاج (‪ ،)144/2‬حا�شية ابن قا�سم العبادي (‪.)121/5‬‬
‫(‪ ((18‬الفروع (‪ ،)307/4‬الإن�صاف (‪� ،)307/5‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي (‪� ،)77/4‬شرح منتهى الإرادات (‪.)286/2‬‬
‫(‪ ((18‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪ ،)197/1‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪.154‬‬
‫(‪ ((18‬ينظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (‪� ،)182/13‬شرح عمدة الفقه (‪.)885/2‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪142‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫العقد به‪ ،‬و�إال لزم �إبطال ال�رشوط جملة‪ ،‬كا�شرتاط ت�أجيل الثمن‪ ،‬والرهن‪ ،‬والكفيل‪،‬‬
‫وهو خالف الإجماع‪ ،‬و�إن كان املراد مبنافاة ال�رشط ملقت�ضى العقد �أنه ينايف مقت�ضى‬
‫العقد املقيد‪ ،‬فغري م�سلم‪ ،‬لأن مقت�ضاه ما قيد به‪ ،‬وهو قيد بهذا ال�رشط‪ ،‬واملمنوع‬
‫هو منافاة ال�رشط ملق�صود العقد‪ ،‬وهو �أن يكون للعقد مق�صود‪ ،‬و�رشط ما ينايف هذا‬
‫املق�صود‪ ،‬فال ي�صح‪ ،‬لأنه جمع بني متناق�ضني‪ ،‬وهو �إثبات املق�صود ونفيه‪ ،‬وهذا مثل‬
‫�أن ي�شرتط الطالق يف النكاح‪� ،‬أو الف�سخ يف العقد(‪.((18‬‬
‫‪� -2‬أن املتعاقدين قد دخال يف العقد على الت�أجيل‪ ،‬و�أن زيادة الثمن يف مقابل‬
‫الأجل‪ ،‬وا�شرتاط حلول الأق�ساط عند الت�أخر يف �أداء بع�ضها‪ ،‬من غري مراعاة �إ�سقاط‬
‫ما يقابل الأجل من الزيادة يف الثمن‪ ،‬يعد من �أكل املـال بالباطل‪ ،‬لأنه �أخذ هذه‬
‫الـزيادة دون الوفاء مبا يقابلها من الأجل بهذا ال�رشط‪ ،‬فيكون باط ًال(‪.((18‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من وجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬عدم الت�سليم ب�أن هذا من �أكل املال بالباطل‪ ،‬لأن الزيادة تابعة‬
‫للثمن‪ ،‬وذلك �أن الثمن �إمنا هو يف مقابلة العني‪ ،‬ودخول الزيادة فيه مقابل الأجل‬
‫تابع لها(‪ ،((19‬والقاعدة �أن‪« :‬التابع تابع»(‪.((19‬‬
‫اجلواب‪ :‬عدم الت�سليم �أن الزيادة تابعة للثمن‪ ،‬بل هي يف مقابلة الأجل‪ ،‬ولوال‬
‫الأجل ملا ح�صلت الزيادة‪ ،‬وهذا يقت�ضي �أن الأجل �إذا �سقط وجب �أن ي�سقط ما‬
‫يقابله من الزيادة على الثمن‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن امل�شرتي قد ر�ضي بهذا ال�رشط فلزمه‪ ،‬قيا�ساً على العربون‪،‬‬
‫(‪ ((18‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)198 -197/1‬‬
‫(‪ ((18‬ينظر‪� :‬شرح عمدة الفقه (‪ ،)885/2‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)198/1‬‬
‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)198/1‬‬
‫(‪ ((19‬الأ�شباه والنظائر البن جنيم �ص‪ ،120‬الأ�شباه والنظائر لل�سيوطي �ص‪� ،117‬شرح القواعد الفقهية �ص‪.253‬‬

‫‪143‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫ال �سيما و�أن املماطلة تلحق ال�رضر بالبائع‪ ،‬واملماطلة يف بع�ض الأق�ساط دليل على‬
‫املماطلة يف‬
‫الباقي �إذ املماطلة طبع وعادة‪ ،‬فال يرتتب على ذلك ظلم‪ ،‬وال �أكل للمال‬
‫بالباطل(‪.((19‬‬
‫اجلواب‪� :‬أن بيع العربون حمل خالف بني �أهل العلم يف جوازه‪ ،‬حيث ذهب‬
‫جمهور �أهل العلم �إلى منعه(‪ ،((19‬وعللوا ذلك �أنه من باب الغرر‪ ،‬وال�شتماله على‬
‫�رشطني فا�سدين‪ ،‬و�أكل املال بغري عو�ض(‪ ،((19‬ومن �رشط �صحة القيا�س �أن يكون‬
‫الأ�صل املقي�س عليه متفقاً على حكمه‪ ،‬وعلى الت�سليم بجوازه‪ ،‬فهناك فرق بينه وبني‬
‫ا�شرتاط حلول الأق�ساط من جهة �أن امل�شرتي يف بيع العربون له اخليار يف �إم�ضاء‬
‫العقد‪ ،‬ويكون العربون جزءاً من ثمن املبيع‪ ،‬وله اخليار يف العدول عنه‪ ،‬ويكون‬
‫العربون جزاء نكوله‪� ،‬أما ال�رشط اجلزائي فالعقد بات‪ ،‬كما �أن العربون هو تعوي�ض‬
‫للبائع يف حالة عدول امل�شرتي عن ال�رضر الالحق له من تفويت فر�صة بيع املبيع‬
‫لآخر‪ ،‬وقد ال يجد بعد ذلك من ي�شرتيها(‪.((19‬‬
‫الوجه الثالث‪� :‬أن املماطل بت�أخري �سداد ما حل عليه من �أق�ساط‪ ،‬مع قدرته على‬
‫الوفاء‪ ،‬قد �أ�رض بالدائن‪ ،‬فكان التعجيل دفعاً لل�رضر الذي تعمده‪ ،‬ولأنه قد ر�ضي‬
‫بهذا ال�رشط‪ ،‬و�ألزم نف�سه مبوجبه باختياره(‪.((19‬‬
‫اجلواب‪� :‬أن ال�رضر ال يجوز رفعه ب�رضر �آخر‪ ،‬وهنا يرفع ال�رضر عن الدائن‬
‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)199/1‬‬
‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬املعونة (‪ ،)1037/2‬مواهب اجلليل (‪� ،)369/4‬شرح اخلر�شي (‪ ،)78/5‬املجموع (‪ )335/9‬مغني املحتاج‬
‫(‪ ،)39/2‬نيل الأوطار (‪� ،)153/5‬سبل ال�سالم (‪.)41/5‬‬
‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬بداية املجتهد (‪ ،)163/2‬التاج والإكليل للمواق (‪ ،)369/4‬املعونة (‪ ،)1037/2‬املجموع (‪ ،)335/9‬نيل الأوطار‬
‫(‪.)153/5‬‬
‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬بيع العربون د‪ .‬رفيق امل�صري �ص‪.31 ،16-15‬‬
‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية (‪.)199/1‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪144‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫ب�رضر يلحق املدين‪ ،‬والواجب هو رفعه بدون �رضر‪ ،‬وهو �إلزام املدين بال�سداد‬
‫بالطرق امل�رشوعة‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪� :‬أن املدين لو و�ضع عنه من الثمن ما يقابله من الأجل لكان ذلك‬
‫�سبباً ملماطلة كثري من القادرين طمعاً يف الو�ضع عنهم‪ ،‬فيفقد العقد بع�ض مق�صوده‪،‬‬
‫وال حت�صل الفائدة من ال�رشط(‪.((19‬‬
‫اجلواب‪� :‬أننا ال ن�سلم �أن عدم الو�ضع �سيكون �سبباً ملماطلة كثري من املدينني‬
‫القادرين طمعاً يف حط �شيء من الثمن‪ ،‬لأن املدين ي�ستطيع الو�صول �إلى ذلك‬
‫ب�سداد ثمن املبيع يف احلال‪ ،‬و�إمنا ر�ضي بالزيادة يف الثمن مقابل الت�أجيل‪.‬‬
‫الراجح‪ :‬يظهر ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬التف�صيل يف هذه امل�س�ألة‪ ،‬و�أن الدين امل�ؤجل �إما‬
‫�أن يكون ثمن مبيع‪� ،‬أو بدل قر�ض‪� ،‬أو غري ذلك‪ ،‬ف�إن كان ثمن مبيع‪ ،‬وروعي الأجل‬
‫يف ثمنه بحيث زاد ثمنه م�ؤج ًال على ثمنه حا ًال‪ ،‬كال�سلعة التي قيمتها مائة �ألف نقداً‪،‬‬
‫وتباع مبائة وع�رشة �آالف م�ؤجلة‪ ،‬فال يجوز ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط �إذا ت�أخر‬
‫يف �سداد ق�سط منها‪ ،‬وذلك لأن الأجل له ما يقابله من الثمن‪ ،‬ف�إذا �سقط �شيء من‬
‫الأجل وجب �أن ي�سقط ما يقابله من الثمن‪ ،‬و�إال كان ظلماً‪ ،‬و�أك ًال للمال بالباطل‪،‬‬
‫فلو �أخذ امل�شرتط جميع الثمن قبل حلول الأجل كان �أخذه بال عو�ض‪ ،‬نظراً لأن‬
‫الزيادة يف الثمن جاءت يف مقابل الت�أجيل‪ ،‬فالثمن يجعل يف مقابلة املبيع‪ ،‬ومقابلة‬
‫الأجل‪ ،‬ف�إذا زال هذا الو�صف باحللول وجب �إ�سقاط ما يقابله من الثمن‪ ،‬ال �سيما‬
‫�أن ثمن املبيع قد يت�ضاعف بالأجل الطويل يف ال�صفقات الكبرية‪ ،‬فكيف حتل جميع‬
‫الأق�ساط �إذا ت�أخر يف �سداد ق�سط‪ ،‬ولو واحداً‪ ،‬وقد يت�أخر املدين يف �سداد �أول‬
‫ق�سط‪ ،‬فكيف يجوز للدائن مطالبته بكل الثمن الذي قدر فيه الأجل‪ ،‬والزيادة لي�ست‬

‫(‪ ((19‬ينظر‪ :‬املرجع ال�سابق (‪.)199/1‬‬

‫‪145‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫تابعة للثمن‪ ،‬بل هي من �صلب العقد‪ ،‬والثمن ق�سط على املبيع والأجل‪ ،‬والظلم‬
‫الواقع من ا�شرتاط هذا ال�رشط يف بع�ض �صوره �أعظم من الظلم الواقع من الربا‪،‬‬
‫وال�رشيعة ال تفرق بني املتماثالت‪ ،‬لكن يجوز ا�شرتاط هذا ال�رشط �إذا �أ�سقط ما‬
‫يقابل الثمن من الأجل الباقي‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه احلنفية‪ ،‬وبع�ض احلنابلة‪.‬‬
‫قال يف تنوير الأب�صار و�رشحه الدر املختار‪« :‬ق�ضى املديون الدين امل�ؤجل قبل‬
‫احللول �أو مات فحل مبوته‪ ،‬ف�أخذ من تركته‪ ،‬ال ي�أخذ من املرابحة التي جرت بينهما‬
‫�إال بقدر ما م�ضى من الأيام‪ ،‬وهو جواب املت�أخرين‪ ،‬وبه �أفتى املرحوم �أبو ال�سعود‬
‫�أفندي»(‪.((19‬‬
‫قال ابن عابدين(‪« :((19‬قوله‪( :‬ال ي�أخذ من املرابحة) �صورته‪ :‬ا�شرتى �شيئا بع�رشة‬
‫نقدً ا‪ ،‬وباعه لآخر بع�رشين �إلى �أجل هو ع�رشة �أ�شهر‪ ،‬ف�إذا ق�ضاه بعد متام خم�سة‪� ،‬أو‬
‫مات بعدها ي�أخذ خم�سة‪ ،‬ويرتك خم�سة»(‪.((20‬‬
‫وعلل ذلك بقوله‪« :‬ووجه �أن الربح يف مقابلة الأجل‪ ،‬لأن الأجل و�إن مل يكن‬
‫ما ًال‪ ،‬وال يقابله �شيء من الثمن‪ ،‬لكن اعتربوه ما ًال يف املرابحة �إذا ذكر الأجل مبقابلة‬
‫زيادة الثمن‪ ،‬فلو �أخذ كل الثمن قبل احللول كان �أخذه بال عو�ض»(‪.((20‬‬
‫وجاء يف جممع ال�ضمانات‪« :‬ق�ضى املديون الدين امل�ؤجل قبل حلول الأجل‬
‫�أو مات‪ ،‬ف�أخذ من تركته‪ ،‬فجواب املت�أخرين �أنه ال ي�ؤخذ من املرابحة التي جرت‬
‫املبايعة بينهما �إال بقدر ما م�ضى من الأيام»(‪.((20‬‬
‫(‪.)810/6( ((19‬‬
‫(‪ ((19‬هو حممد �أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدم�شقي‪� ،‬إمام احلنفية فى ع�صره‪ ،‬ولد بدم�شق �سنة ‪1198‬هـ‪ ،‬وبها‬
‫تويف �سنة ‪1252‬هـ‪ ،‬وله م�صنفات كثرية منها‪ :‬رد املحتار على الدر املختار‪ ،‬منحة اخلالق‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬حا�شية الب�شر يف تاريخ القرن الثالث ع�شر للبيطار (‪ ،)1230/3‬الأعالم للزركلي (‪.)42/6‬‬
‫(‪.)810/6( ((20‬‬
‫(‪.)810/6( ((20‬‬
‫(‪� ((20‬ص‪ .459‬وينظر‪ :‬العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية البن عابدين �ص‪.279‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪146‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫وقال يف درر احلكام يف �رشح جملة الأحكام‪« :‬امل�س�ألة اخلام�سة والثالثون‪� :‬إذا‬
‫�أدى املدين دينه قبل حلول الأجل‪� ،‬أو تويف املدين‪ ،‬وحل الدين‪ ،‬وا�ستوفى الدائن‬
‫دينه من الرتكة‪ ،‬فللدائن �أخذ ربح الأيام التي مرت فقط»(‪.((20‬‬
‫وجاء يف الإن�صاف‪« :‬متى قلنا بحلول الدين امل�ؤجل ‪� -‬أي باملوت‪ ،‬وعدم توثقة‬
‫الورثة ‪ -‬ف�إنه ي�أخذه كله على ال�صحيح من املذهب‪ ،‬وهو ظاهر كالم الأ�صحاب‪،‬‬
‫وقدمه يف الفائق‪ ،‬وقال‪ :‬واملختار �سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل بق�سطه‪ ،‬وهو‬
‫م�أخوذ من الو�ضع والت�أجيل‪ .‬انتهى‪ ،‬وهو ح�سن»(‪.((20‬‬
‫وقال ال�شيخ ابن �سعدي(‪« :((20‬يحل ‪� -‬أي الدين ‪ -‬مبوت املدين �إال �إذا وثق‬
‫الورثة‪ ،...،‬و�إذا مل يح�صل توثيق حل الدين‪ ،‬وال فرق على املذهب بني الدين‬
‫امل�ؤجل الذي جعل �أجله مبقابلة م�صلحة‪� ،‬أو م�ؤجل قر�ض ونحوه‪ ،‬ولكن الذي‬
‫نحن نفتي به �إذا كان الدين له م�صلحة‪ ،‬مثل‪� :‬أن يبيع عليه ما ي�ساوي مائة ريال مبائة‬
‫وع�رشين �إلى �أجل‪ ،‬ثم م�ضى ن�صف الأجل مث ًال‪ ،‬وقلنا‪ :‬يحل لعدم التوثيق‪ ،‬ف�إنه ال‬
‫يحق لغرمي �إال مائة وع�رشة بح�سب ما م�ضى من الوقت‪ ،‬وهو قول لبع�ض العلماء‪،‬‬
‫وهو العدل الذي ال يليق القول �إال به»(‪.((20‬‬
‫وقال �أي�ضاً‪« :‬الدين الذي على امليت �إذا مات‪ ،‬ومل مي�ض من الأجل �إال �شيء قليل‪،‬‬
‫ف�إننا بني �أمرين‪� ،‬إما �أن نقول‪� :‬إن دينه يحل كله �إذا مل يح�صل توثقة ل�صاحب احلق‪،‬‬

‫(‪� ((20‬ص‪.95‬‬
‫(‪.)328/13( ((20‬‬
‫(‪ ((20‬هو عبد الرحمن بن نا�صر بن عبد اهلل �آل �سعدي‪ ،‬ولد يف بلدة عنيزة �سنة ‪1307‬هـ‪ ،‬وا�شتغل بالعلم‪ ،‬وجعل كل �أوقاته‬
‫م�شغولة يف حت�صيله حفظاً وفهماً‪ ،‬حتى �أدرك يف �صباه ما ال يدركه غريه يف عمر طويل‪ ،‬وا�شتغل بن�شر العلم‪ ،‬والتوجيه‪،‬‬
‫ور�شح لق�ضاء عنيزة عام ‪1360‬هـ فامتنع منه تورعاً‪ ،‬تويف �سنة ‪1376‬هـ‪ ،‬له م�ؤلفات كثرية منها‪ :‬تي�سري الكرمي الرحمن يف‬
‫تف�سري كالم املنان‪ ،‬املختارات اجللية‪ ،‬منهج ال�سالكني‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬علماء جند خالل ثمانية قرون (‪ ،)218/3‬م�شاهري علماء جند (‪.)392/3‬‬
‫(‪ ((20‬الفتاوي ال�سعدية �ص‪.382‬‬

‫‪147‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫ويف هذا ظلم‪ ،‬لأن البيع امل�ؤجل يجعل الثمن يف مقابلة ال�سلعة ومقابلة الأجل‪ ،‬ف�إذا‬
‫باعه �سلعة ت�ساوي مائة مبائة وع�رشين م�ؤجلة‪ ،‬ومل مي�ض من الأجل �إال بع�ضه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بحلول املائة والع�رشين‪ ،‬كان هذا ظلماً منافياً للعدل‪ ،‬فكان من العدل احل�سن �أن‬
‫ينظر مقدار ما م�ضى من الأجل‪ ،‬ويجعل له ح�صته من الثمن مع الأ�صل»(‪.((20‬‬
‫�أما �إن كان الدين بدل قر�ض فيجوز ا�شرتاط حلول باقي الأق�ساط �إذا ت�أخر يف‬
‫�سداد ق�سط منها‪ ،‬لأنه ال حمذور يف هذا‪ ،‬لأن القر�ض ال زيادة فيه يف مقابل الأجل‪،‬‬
‫و�إمنا هو حم�ض تربع و�إح�سان من الدائن للمدين‪ ،‬ف�إذا اتفقا على تعجيل باقي‬
‫الأق�ساط جاز‪ ،‬ويف جتويزه م�صلحة ظاهرة من جهة حث املدين على التزام وفاء‬
‫الأق�ساط يف الوقت املحدد لها‪ ،‬ولأن الأ�صل يف ال�رشوط اجلواز‪ ،‬ما مل يقم دليل‬
‫على حترميه‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ا�شرتاط �إقرا�ض املدين للدائن �إذا ت�أخر يف �سداد الدين‬

‫�صورته‪� :‬أن ي�شرتط الدائن على املدين �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد قر�ضاً بقدر‬
‫الدين‪ ،‬ويكون م�ؤج ًال ملدة مماثلة للماطلة‪ ،‬ويكون هذا بعد ق�ضاء الدين‪.‬‬
‫اختلف �أهل العلم يف ا�شرتاط هذا ال�رشط على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬يحرم ا�شرتاط هذا ال�رشط‪ ،‬وهو قول بع�ض �أهل العلم(‪.((20‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يجوز ذلك‪ ،‬وبه �صدرت فتوى ندوة الربكة الثامنة لالقت�صاد‬

‫(‪ ((20‬املختارات اجللية �ص‪.84‬‬


‫(‪ ((20‬هم الدكتور ح�سن الأمني‪ ،‬والدكتور رفيق امل�صري‪ ،‬والدكتور ال�صديق ال�ضرير‪ ،‬والدكتور �سلمان الدخيل‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬تعليق حول جواز �إلزام املدين املماطل بتعوي�ض الدائن �ص‪ ،44‬تعليق على مقال الغني املماطل هل يجوز �إلزامه‬
‫بتعوي�ض دائنه �ص‪ ،68‬تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص‪ ،74‬املماطلة يف الديون‬
‫�ص‪.539‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪148‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫الإ�سالمي(‪ ،((20‬وذهب �إليه بع�ض الباحثني(‪.((21‬‬


‫الأدلة‪:‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بالتحرمي بالأدلة الآتية‪:‬‬
‫‪َ -1‬ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ال�شرَّ ِ يدِ َع ْن �أَ ِبي ِه َع ْن َر ُ�سولِ هَّ ِ‬
‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم َق َال‪( :‬ليَ ُّ‬
‫ا ْل َواجِ دِ ُيحِ ُّل عِ ْر َ�ض ُه َو ُعقُوبَ َت ُه)(‪.((21‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أحل عر�ض الغني املماطل وعقوبته‬
‫دون �أخذ ماله‪ ،‬فال ميلك الدائن مطالبته بالتعوي�ض املايل‪� ،‬سواء كان متليك مال‪� ،‬أو‬
‫متليك انتفاع به �إلى �أجل(‪.((21‬‬
‫‪ -2‬لأن هذا ال�رشط يجر نفعاً‪ ،‬وهذا حمرم �رشعاً(‪.((21‬‬
‫‪� -3‬أن القر�ض �إح�سان حم�ض ال يقبل املعاو�ضة‪ ،‬واملق�صود من ا�شرتاط هذا‬
‫ال�رشط هو املعاو�ضة عن الزمن املا�ضي ب�سبب املطل باالنتفاع مبثل املال ملدة مماثلة‬
‫للمطل‪ ،‬فال يق�صد املماطل نفع الدائن والإرفاق به‪ ،‬وال الدائن ي�أخذ ذلك لفقره‬
‫وحاجته‪ ،‬فيخرج بهذا الق�صد عن كونه تربعاً �إلى معاو�ضة مال مبثله من جن�سه �إلى‬
‫�أجل بال زيادة‪ ،‬فيجري فيه ربا الن�س�أ(‪.((21‬‬
‫‪� -4‬أن ال�رشع ق�صد �إلى �إبراء الذمم من الديون‪ ،‬ولذا �رشع من الأحكام ما‬
‫(‪ ((20‬عقدت بجدة‪ ،‬يف �شهر رم�ضان ‪1413‬هـ‪ ،‬فتاوى ندوات الربكة �ص‪.142‬‬
‫(‪ ((21‬هم الدكتور حممد القري‪ ،‬والدكتور حممد الزرقاء‪ ،‬والدكتور علي القره داغي‪ ،‬والدكتور عبد ال�ستار �أبو غدة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬التعوي�ض عن �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص‪( ،44‬مطبوع �ضمن بحوث جملة جامعة امللك عبد‬
‫العزيز‪ ،‬االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬املجلد ‪ ،3‬عام ‪1411‬هـ‪ ،‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية �ص‪ ،158‬البيع امل�ؤجل �ص‪.101-100‬‬
‫(‪� ((21‬سبق تخريجه �ص‪.14‬‬
‫(‪ ((21‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪.531-530‬‬
‫(‪ ((21‬ينظر‪ :‬تعليق حول جواز �إلزام املدين املماطل بتعوي�ض الدائن �ص‪.44‬‬
‫(‪ ((21‬ينظر‪ :‬املماطلة يف الديون �ص‪.531‬‬

‫‪149‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫يحقق هذا الق�صد من وجوب وفاء الدين‪ ،‬وحترمي املطل‪ ،‬و�رشع احلوالة‪ ،‬وال�صلح‪،‬‬
‫وندب �إلى ال�صدقة على املع�رس وا�شرتاط �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد يخالف‬
‫هذا املق�صود‪� ،‬إذ يرتتب عليه ان�شغال الذمة مرة �أخرى بالقر�ض(‪.((21‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ا�ستدل القائلون بجواز ا�شرتاط هذا ال�رشط بالأدلة الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ(‪.((21‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن غنماً دخلت زرعاً لي ًال‪ ،‬ف�أكلته‪ ،‬فلم تبق منه �شيئاً‪ ،‬فحكم‬
‫�سليمان ب�أن تدفع الغنم �إلى �أهل احلرث ينتفعون ب�ألبانها و�أوالدها و�أ�صوافها‪ ،‬ويقوم‬
‫�أ�صحاب الغنم ب�إ�صالح احلرث حتى يعود كما كان قبل دخول الغنم فيه‪ ،‬ثم يرتادان‬
‫بعد ذلك‪ ،‬فيعود لأهل الغنم غنمهم‪ ،‬ولأهل احلرث حرثهم‪ ،‬وقد �أثنى اهلل تعالى‬
‫على �سليمان ‪ -‬عليه ال�صالة وال�سالم ‪ -‬يف حكمه هذا‪ ،‬ويف هذه الق�صة داللة‬
‫على �أنه يحكم على من �أحدث �رضراً على غريه �أن يعو�ضه بت�سليمه �شيئاً من �أمواله‬
‫ال�ستثمارها(‪.((21‬‬
‫املناق�شة‪ :‬يناق�ش من ثالثة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪� :‬أن ما حكم به داود و�سليمان عليهما ال�سالم من�سوخ‪ ،‬وذلك �أن‬
‫داود حكم بدفع الغنم �إلى �صاحب احلرث‪ ،‬وحكم �سليمان له ب�أوالدها و�ألبانها‬

‫(‪ ((21‬ينظر‪ :‬املرجع ال�سابق �ص‪.533‬‬


‫(‪� ((21‬سورة الأنبياء‪ ،‬الآيتان‪.79-78 :‬‬
‫(‪ ((21‬ينظر‪ :‬التعوي�ض عن �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص‪ ،46-45‬البيع امل�ؤجل �ص‪.101‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪150‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫و�أ�صوافها‪ ،‬وهذا من�سوخ‪ ،‬قال اجل�صا�ص(‪« :((21‬وال خالف بني امل�سلمني �أن من‬
‫نف�شت غنمه يف حرث رجل‪� ،‬أنه ال يجب عليه ت�سليم الغنم‪ ،‬وال ت�سليم �أوالدها‬
‫و�ألبانها و�أ�صوافها �إليه‪ ،‬فثبت �أن احلكمني جمي ًعا من�سوخان ب�رشيعة نبينا �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم»(‪.((21‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن �رشع من قبلنا �رشع لنا ما مل يرد �رشعنا بخالفه‪ ،‬وقد ورد‬
‫�رشعنا بخالفه وهو قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ا ْل َع ْج َما ُء ُج َبا ٌر)(‪ ،((22‬ومعنى‬
‫جبار هدر ال �شيء فيه(‪ ،((22‬فدل على �أنه ال �ضمان على �صاحب البهيمة فيما �أتلفت‬
‫�إذا مل تكن يده عليها‪ ،‬قال القرطبي‪« :‬ظاهر قوله‪( :‬العجماء جرحها جبار)‪� ،‬أن ما‬
‫انفردت البهيمة ب�إتالفه مل يكن فيه �شيء‪ ،‬وهذا جممع عليه»(‪.((22‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو فر�ضنا وجوب ال�ضمان على �أهل املا�شية‪ ،‬فلأنها �أتلفت زرعاً‪،‬‬
‫وهو مال حمرتم‪ ،‬فوجب ال�ضمان لل�رضر احلا�صل ب�إتالف املال‪ ،‬وهذا بخالف هذه‬
‫امل�س�ألة‪ ،‬فت�أخريه رده ال يعد اتالفاً له حتى يوجب �ضمانه‪ ،‬و�إمنا فوت على مالكه‬
‫ا�ستثماره‪ ،‬وال يجزم بربحه فيه‪ ،‬فقد يربح‪ ،‬وقد يخ�رس‪ ،‬كما �أن حمل هذه امل�س�ألة‬
‫الدين‪ ،‬والزمن ال قيمة له يف الدين‪ ،‬و�إال �آل ذلك �إلى ربا الن�سيئة‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ(‪.((22‬‬

‫(‪ ((21‬هو �أبو بكر �أحمد بن علي الرازي اجل�صا�ص‪ ،‬فقيه‪� ،‬أ�صويل‪ ،‬مف�سر‪ ،‬انتهت �إليه رئا�سة املذهب احلنفي يف ع�صره �سكن‬
‫ببغداد‪ ،‬تويف �سنة ‪ 370‬هـ‪ ،‬له م�ؤلفات منها‪� :‬أحكام القر�آن‪� ،‬أ�صول اجل�صا�ص‪� ،‬شرح خمت�صر الطحاوي‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬طبقات الفقهاء لطا�ش كربي زاده �ص‪ ،69-68‬الطبقات ال�سنية يف تراجم احلنفية (‪.)415-412/1‬‬
‫(‪� ((21‬أحكام القر�آن (‪.)223/3‬‬
‫(‪� ((22‬أخرجه البخاري يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب يف الركاز اخلم�س (‪ ،)1499( )465/1‬وم�سلم يف كتاب احلدود‪ ،‬باب جرح‬
‫العجماء واملعدن والبئر جبار (‪ )1710( )1334/3‬عن �أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ ((22‬ينظر‪ :‬فتح الباري (‪.)266/12‬‬
‫(‪ ((22‬اجلامع لأحكام القر�آن (‪.)211/11‬‬
‫(‪� ((22‬سورة البقرة‪� ،‬آية‪.194 :‬‬

‫‪151‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫وجه الداللة‪� :‬أن املماطل اعتدى على الدائن‪ ،‬فحرمه من االنتفاع مباله مدة من‬
‫الزمن‪ ،‬فا�ستحق �أن يعامل مبثل معاملته‪ ،‬فيحرم من االنتفاع مباله مبثل املدة(‪.((22‬‬
‫املناق�شة‪� :‬أن الآية دلت على �أن من �أوذي له �أن يجازي من ظلمه مبثل ما �أوذي‬
‫به‪ ،‬و�أن من �أخذ �شيئاً ظلماً يلزمه رد مثله(‪ ،((22‬وهذا يوجب على املدين املماطل رد‬
‫الدين مبثله دون زيادة عليه‪ ،‬ولي�س للدائن �أن ي�أخذ �شيئاً من ماله مدة من الزمن‪ ،‬و�إن‬
‫فعل املدين ذلك‪ ،‬ف�إن املع�صية ال تقابل باملع�صية‪ ،‬قال القرطبي‪« :‬فمن ظلمك فخذ‬
‫حقك منه بقدر مظلمتك‪ ،‬ومن �شتمك فرد عليه مثل قوله»(‪.((22‬‬
‫‪� -3‬أن امل�سيء يعاقب بنقي�ض ق�صده‪ ،‬وهذا مثل‪:‬‬
‫�أ‪ -‬مانع الزكاة‪ ،‬ت�ؤخذ منه‪ ،‬ويعاقب ب�أخذ �شطر ماله‪.‬‬
‫ب‪ -‬ال�سارق من الثمر املعلق ما ال يبلغ ن�صاباً‪ ،‬يعاقب باجللد‪ ،‬وتغرميه �ضعف‬
‫قيمة الثمر‪.‬‬
‫ج‪ -‬املطلق �رضراً‪ ،‬وهو الذي يوقعه الرجل يف مر�ض موته بق�صد حرمان زوجته‬
‫من املرياث ف�إنه يعاقب بتوريث زوجته منه �إذا مات‪ ،‬وهي يف العدة‪.‬‬
‫واملماطل ق�صد بت�أخري رد الدين االنتفاع مبال الدائن‪ ،‬فيعامل بنقي�ض ق�صده‪،‬‬
‫وهو �أن يحرم من االنتفاع مباله مدة مماثلة للماطلة(‪.((22‬‬
‫املناق�شة‪� :‬أن ما �أورد على مقابلة امل�سيء بنقي�ض ق�صده من �أمثلة ورد فيها ن�ص‪،‬‬
‫�أو هي يف معنى ما ورد به الن�ص‪ ،‬وهذا بخالف هذه امل�س�ألة‪ ،‬فالأدلة دلت على‬
‫حرمتها‪ ،‬لأنها تف�ضي �إلى الربا‪.‬‬
‫(‪ ((22‬ينظر‪ :‬تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص‪.76 ،74‬‬
‫(‪ ((22‬ينظر‪� :‬أحكام القر�آن للج�صا�ص (‪� ،)261/1‬أحكام القر�آن البن العربي (‪.)112-111/1‬‬
‫(‪ ((22‬اجلامع لأحكام القر�آن (‪.)240/2‬‬
‫(‪ ((22‬ينظر‪ :‬التعوي�ض عن �ضرر املماطلة يف الدين بني الفقه واالقت�صاد �ص‪ ،45‬تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة‬
‫يف وفاء الديون بني الفقه واالقت�صاد �ص‪.76‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪152‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫‪ -4‬تخريجاً على ما ذهب �إليه بع�ض الفقهاء �أن من غ�صب دراهم‪ ،‬واجتر فيها‬
‫وربح‪� ،‬أن الربح للمغ�صوب منه‪ ،‬لأنه منا ملكه‪ ،‬واملدين �إذا طالبه الدائن باحلق بعد‬
‫حلول �أجله‪ ،‬وامتنع‪ ،‬يكون يف حكم الغا�صب(‪.((22‬‬
‫املناق�شة‪ :‬ال ن�سلم ب�صحة قيا�س املدين املماطل على الغا�صب‪ ،‬لأن الغ�صب هو‬
‫اال�ستيالء على حق غريه قهراً بغري حق(‪ ،((22‬وهذا غري متحقق يف املدين املماطل‪،‬‬
‫�إذ �أنه �أخذ مال غريه بوجه م�رشوع‪ ،‬لكنه ت�أخر يف رده‪ ،‬كما �أن الغ�صب يتعلق بعني‬
‫ال�شيء املغ�صوب‪ ،‬والواجب هو رده بعينه �إذا كان باقياً بحاله‪ ،‬وهذا بالإجماع(‪،((23‬‬
‫و�إن زاد املغ�صوب بيد الغا�صب لزمه رده بزيادته‪ ،‬لأنه من مناء املغ�صوب‪،‬‬
‫واملغ�صوب ملالكه‪ ،‬فلزمه رد النماء كالأ�صل(‪� ،((23‬أما الدين فهو يتعلق بذمة املدين‪،‬‬
‫والواجب هو رد مثل املال الذي �شغلت به الذمة دون زيادة‪ ،‬و�إال �أدى �إلى الربا‪.‬‬
‫الراجح‪ :‬الذي يرتجح ‪ -‬والعلم عند اهلل ‪� -‬أن ا�شرتاط هذا ال�رشط ممنوع �رشعاً‪،‬‬
‫وذلك لأن الدين �إن كان �سببه قر�ضاً‪ ،‬فالواجب هو رده مبثله‪ ،‬وا�شرتاط الدائن‬
‫على املدين �أن يقر�ضه حمرم‪ ،‬وهذا ما ذهب �إليه جمهور الفقهاء من املالكية(‪،((23‬‬
‫وال�شافعية(‪ ،((23‬واحلنابلة(‪.((23‬‬
‫واحلنفية و�إن مل ين�صوا على حكم هذه امل�س�ألة �إال �أنهم يتفقون مع اجلمهور على‬
‫(‪ ((22‬ينظر‪ :‬تعليق على التعوي�ض على �ضرر املماطلة يف وفاء الديون بني الفقه واالقت�صاد �ص‪.76‬‬
‫(‪ ((22‬املقنع (‪� ،)111/15‬شرح الزرك�شي (‪� ،)167/4‬شرح منتهى الإرادات (‪ ،)399/2‬الرو�ض املربع مع حا�شية ابن قا�سم‬
‫(‪.)376-375/5‬‬
‫(‪ ((23‬قال املوفق « و�أجمع العلماء على وجوب رد املغ�صوب �إذا كان باقيا بحاله مل يتغري‪ ،‬ومل ي�شتغل بغريه « املغني‬
‫(‪.)406/7‬‬
‫(‪ ((23‬ينظر‪ :‬رو�ضة الطالبني (‪� ،)27/5‬أ�سنى املطالب (‪ ،)340/2‬الكايف (‪ ،)503/3‬ال�شرح الكبري (‪ ،)163/15‬ك�شاف القناع‬
‫(‪.)87/4‬‬
‫(‪ ((23‬مواهب اجلليل (‪ ،)391/4‬منح اجلليل (‪ ،)588/2‬اخلر�شي على خمت�صر خليل (‪ ،)94/5‬حا�شية العدوي على‬
‫اخلر�شي (‪.)94/5‬‬
‫(‪ ((23‬حا�شية اجلمل (‪ ،)262/3‬حوا�شي ال�شرواين على حتفة املحتاج (‪ ،)47/5‬نهاية املحتاج (‪.)231/4‬‬
‫(‪ ((23‬املغني (‪ ،)437/6‬ال�شرح الكبري (‪ ،)344/12‬ك�شاف القناع (‪.)317/3‬‬

‫‪153‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫هذا احلكم‪ ،‬حيث ذهبوا �إلى حرمة ال�رشوط يف القر�ض(‪ ،((23‬ومنع كل قر�ض جر‬
‫نفعاً(‪.((23‬‬
‫جاء يف مواهب اجلليل‪« :‬ومن املمنوع الذي يبعد الق�صد �إليه جداً �أ�سلفني‬
‫و�أ�سلفك‪ ،...،‬وال خالف يف املنع من �أن ي�سلف الإن�سان �شخ�صاً لي�سلفه بعد‬
‫ذلك»(‪.((23‬‬
‫وجاء يف حوا�شي ال�رشواين ‪ -‬يف بيان �أن كل قر�ض جر نفعاً فهو ربا ‪« :-‬ولي�س‬
‫املعنى‪� :‬أن يقر�ض املقرت�ض املقر�ض ؛ لأنه حينئذ يجر نفعاً للمقر�ض‪ ،‬فال ي�صح‬
‫فت�أمل»(‪.((23‬‬
‫وقال يف املغني‪« :‬و�إن �رشط يف القر�ض �أن ي�ؤجره داره‪� ،‬أو يبيعه �شيئاً‪� ،‬أو �أن‬
‫يقر�ضه املقرت�ض مرة �أخرى‪ ،‬مل يجز»(‪.((23‬‬
‫ويدل على ذلك‪:‬‬
‫‪� -1‬أن هذا ال�رشط جر نفعاً للمقر�ض‪ ،‬وكل قر�ض جر نفعاً فهو ربا(‪ ،((24‬وهذا‬
‫ب�إجماع �أهل العلم‪ ،‬قال ابن املنذر(‪�« :((24‬أجمعوا على �أن امل�سلف �إذا �رشط على‬
‫امل�ست�سلف زيادة �أو هدية‪ ،‬ف�أ�سلف على ذلك‪� ،‬أن �أخذ الزيادة على ذلك ربا»(‪.((24‬‬
‫(‪ ((23‬قال ابن جنيم‪ « :‬ويف اخلال�صة القر�ض بال�شرط حرام‪ ،‬وال�شرط لغو »‪.‬‬
‫البحر الرائق (‪.)133/6‬‬
‫(‪ ((23‬قال الكا�ساين‪« :‬و�أما الذي يرجع �إلى نف�س القر�ض فهو �أن ال يكون فيه جر منفعة‪ ،‬ف�إن كان مل يجز »‪.‬‬
‫بدائع ال�صنائع (‪.)395/7‬‬
‫(‪.)391/4( ((23‬‬
‫(‪.)47/5( ((23‬‬
‫(‪.)437/6( ((23‬‬
‫(‪ ((24‬ينظر‪ :‬حا�شية اجلمل (‪ ،)262-261/3‬حوا�شي ال�شرواين على حتفة املحتاج (‪.)47/5‬‬
‫(‪ ((24‬هو الإمام �أبو بكر حممد بن �إبراهيم بن املنذر ال�شافعي الني�سابوري‪ ،‬كان �إماماً جمتهداً‪ ،‬ولد �سنة ‪242‬هـ‪ ،‬وتويف �سنة‬
‫‪318‬هـ‪ ،‬وله م�ؤلفات منها‪ :‬الإجماع‪ ،‬الأو�سط يف ال�سنن والإجماع واالختالف‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬طبقات ال�شافعية الكربى لل�سبكي (‪ ،)102/3‬العقد املذهب البن امللقن �ص‪.37‬‬
‫(‪ ((24‬الإجماع �ص‪.55‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪154‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫وقال ابن عبد الرب(‪« :((24‬وكل زيادة من عني �أو منفعة ي�شرتطها امل�سلف على‬
‫امل�ست�سلف فهي ربا‪ ،‬ال خالف يف ذلك»(‪.((24‬‬
‫وقال ابن جزي(‪�« :((24‬إن كانت املنفعة للدافع منع اتفاقاً»(‪.((24‬‬
‫‪ -2‬لأنه �رشط عقداً يف عقد فلم يجز‪� ،‬أ�شبه ما لو باعه داره ب�رشط �أن يبيعه الآخر‬
‫داره(‪.((24‬‬
‫‪� -3‬أن مو�ضوع عقد القر�ض الإرفاق والقربة‪ ،‬ف�إذا �رشط املقر�ض فيه املنفعة‬
‫لنف�سه خرج عن مو�ضوعه‪ ،‬فمنع �صحته ; لأنه يكون بذلك قر�ضا للمنفعة ال للإرفاق‬
‫والقربة(‪.((24‬‬
‫وبهذا يت�ضح �أن ا�شرتاط الدائن على املدين �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف �سداد ما‬
‫�أقر�ضه ال يجوز‪ ،‬وقد �سئل �سماحة ال�شيخ عبد العزيز بن باز(‪ ((24‬رحمه اهلل عن‬
‫ا�شرتاط املقر�ض على املقرت�ض �أن يقر�ضه‪ ،‬ف�أجاب‪« :‬ال يجوز هذا القر�ض‪ ،‬لكونه‬

‫(‪ ((24‬هو الإمام احلافظ �أبو عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب النمري القرطبي املالكي‪� ،‬شيخ علماء‬
‫الأندل�س وكبري حمدثيها يف وقته‪ ،‬ولد �سنة ‪ 368‬هـ‪ ،‬وتويف �سنة ‪ 463‬هـ‪ ،‬وله م�ؤلفات كثرية منها‪ :‬التمهيد ملا يف املوط�أ من‬
‫املعاين والأ�سانيد‪ ،‬اال�ستذكار ملذاهب علماء الأم�صار‪ ،‬جامع بيان العلم‪ ،‬الكايف‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ترتيب املدارك للقا�ضي عيا�ض (‪� ،)808/ 4‬سري �أعالم النبالء (‪.)153/18‬‬
‫(‪ ((24‬اال�ستذكار (‪.)54/21‬‬
‫(‪ ((24‬هو �أبو القا�سم حممد بن �أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي‪ ،‬من فقهاء املالكية‪ ،‬ولد �سنة ‪693‬هـ‪ ،‬كان م�شاركاً يف فنون‬
‫العلم‪ ،‬تويف �سنة ‪ 741‬هـ‪ ،‬له م�صنفات كثرية منها‪ :‬قوانني الأحكام ال�شرعية‪ ،‬تقريب الو�صول �إلى علم الأ�صول‪ ،‬و�سيلة‬
‫امل�سلم يف تهذيب �صحيح م�سلم‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الديباج املذهب �ص‪� ،295‬شجرة النور الزكية �ص‪.213‬‬
‫(‪ ((24‬قوانني الأحكام ال�شرعية �ص‪.190‬‬
‫(‪ ((24‬ينظر‪ :‬املغني (‪.)437/6‬‬
‫(‪ ((24‬ينظر‪:‬حا�شية اجلمل (‪،)261/3‬حوا�شي ال�شرواين (‪،)47/5‬حا�شية العدوي على اخلر�شي (‪.)94/5‬‬
‫(‪ ((24‬هو الإمام العالمة عبد العزيز بن عبد اهلل بن عبد الرحمن �آل باز‪ ،‬ولد يف الريا�ض �سنة ‪1330‬هـ‪ ،‬مرجع امل�سلمني‬
‫يف م�شارق الأر�ض ومغاربها يف الفتوى والعلم‪ ،‬متيز ب�صفات ح�سنة‪ ،‬و�شيم كرمية ال تكاد جتتمع يف رجل واحد‪ ،‬كان زاهداً‬
‫ورعاً �سخياً‪ ،‬قدوة يف علمه و�أخالقه‪ ،‬تويف �سنة ‪1420‬هـ‪ ،‬له م�صنفات مفيدة‪ ،‬منها‪ :‬التحقيق والإي�ضاح لكثري من م�سائل‬
‫احلج والعمرة والزيارة‪ ،‬وجوب حتكيم �شرع اهلل ونبذ ما خالفه‪ ،‬ثالث ر�سائل يف ال�صالة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬جوانب من �سرية الإمام عبد العزيز بن باز للمو�سى �ص‪ ،33‬الإجناز يف ترجمة الإمام عبد العزيز ابن باز للرحمة‬
‫�ص‪.27‬‬

‫‪155‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫يت�ضمن ا�شرتاط قر�ض مثله للمقر�ض‪ ،‬وذلك يت�ضمن عقداً يف عقد‪ ،‬فهو يف حكم‬
‫بيعتني يف بيعة‪ ،‬ولأنه ي�شرتط فيه منفعة زائدة على جمرد القر�ض‪ ،‬وهي �أن يقر�ضه‬
‫مثله‪ ،‬وقد �أجمع العلماء على �أن كل قر�ض يت�ضمن �رشط منفعة زائدة‪� ،‬أو تواطئًا‬
‫عليها فهو ربا‪� ،‬أما حديث‪( :‬كل قر�ض جر نفعاً فهو ربا)‪ ،‬فهو �ضعيف‪ ،‬ولكن ورد‬
‫عن جماعة من ال�صحابة ما يدل على معناه �إذا كان ذلك النفع م�شرتطاً‪� ،‬أو يف حكم‬
‫امل�شرتط‪� ،‬أو الدين»(‪.((25‬‬
‫�أما �إن كان الدين �سببه ثمن مبيع‪ ،‬فالذي يظهر �أن ا�شرتاط الدائن على املدين �أن‬
‫يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد ال يجوز �رشعاً‪ ،‬لأنه اجتمع بيع و�سلف‪ ،‬فباعه ب�رشط �أن‬
‫ي�سلفه‪ ،‬وهذا حمرم بالإجماع‪ ،‬قال القرايف(‪« :((25‬وب�إجماع الأمة على جواز البيع‬
‫وال�سلف مفرتقني‪،‬‬
‫وحترميهما جمتمعني لذريعة الربا»(‪.((25‬‬
‫وقال الباجي(‪« :((25‬ما روى عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده �أن ر�سول اهلل‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم قال‪( :‬ال يحل بيع و�سلف)‪ ،‬و�أجمع الفقهاء على املنع من‬
‫ذلك»(‪.((25‬‬
‫وقال املوفق‪« :‬ولو باعه ب�رشط �أن ي�سلفه‪� ،‬أو يقر�ضه‪� ،‬أو �رشط امل�شرتي ذلك‬
‫(‪ ((25‬جمموع فتاوى ومقاالت متنوعة‪ ،‬جمع وترتيب د‪ .‬حممد بن �سعد ال�شويعر (‪.)294/19‬‬
‫(‪ ((25‬هو �شهاب الدين �أبو العبا�س �أحمد بن �إدري�س بن عبد الرحمن‪ ،‬امل�شهور بالقرايف‪ ،‬ولد �سنة ‪ 626‬هـ‪ ،‬انتهت �إليه رئا�سة‬
‫الفقه يف مذهب مالك‪ ،‬كان �إماماً يف الفقه‪ ،‬والأ�صول‪ ،‬والعلوم العقلية‪ ،‬تويف �سنة ‪ 684‬هـ‪ ،‬وله م�ؤلفات منها‪ :‬الذخرية‪،‬‬
‫الفروق‪ ،‬نفائ�س الأ�صول �شرح املح�صول‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الديباج املذهب �ص‪� ،62‬شجرة النور الزكية �ص‪.188‬‬
‫(‪ ((25‬الفروق (‪.)266/3‬‬
‫(‪ ((25‬هو احلافظ �أبو الوليد �سليمان بن خلف بن �سعد الأندل�سي القرطبي الباجي‪ ،‬تفقه به �أئمة‪ ،‬وا�شتهر ا�سمه‪ ،‬و�صنف‬
‫الت�صانيف املفيدة‪ ،‬ولد �سنة ‪403‬هـ‪ ،‬وتويف �سنة ‪474‬هـ‪ ،‬له م�صنفات كثرية منها‪� :‬أحكام الف�صول يف �أحكام الأ�صول‪ ،‬خمت�صر‬
‫املخت�صر يف م�سائل املدونة‪ ،‬اال�ستيفاء‪.‬‬
‫ينظر‪� :‬سري �أعالم النبالء (‪� ،)535/18‬شجرة النور الزكية �ص‪.120‬‬
‫(‪ ((25‬املنتقى (‪.)29/5‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪156‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫عليه‪ ،‬فهو حمرم‪ ،‬والبيع باطل‪ ،‬وهذا مذهب مالك‪ ،‬وال�شافعي‪ ،‬وال �أعلم فيه‬
‫خالفاً»(‪.((25‬‬
‫وقال ابن جزي‪« :‬البيع با�شرتاط ال�سلف من �أحد املتابعني‪ ،‬وهو ال يجوز‬
‫ب�إجماع»(‪.((25‬‬
‫ويدل على حرمة هذا‪:‬‬
‫الل �صلى اهلل عليه‬ ‫ول هَّ ِ‬
‫الل ْب َن َع ْم ٍرو(‪ ((25‬ر�ضي اهلل عنه َق َال‪َ :‬ق َال َر ُ�س ُ‬ ‫‪ -1‬عن َع ْبدِ هَّ ِ‬
‫و�سلم‪( :‬ال َيحِ ُّل َ�س َل ٌف َوبَ ْي ٌع‪َ ،‬وال �شرَ ْ َطانِ فيِ بَ ْي ٍع‪َ ،‬وال ِر ْب ُح َما لمَ ْ ت َْ�ض َم ْن‪َ ،‬وال بَ ْي ُع َما‬
‫لَ ْي َ�س عِ ْن َد َك)(‪.((25‬‬
‫وجه الداللة‪� :‬أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم نهى عن اجلمع بني �سلف وبيع يف‬
‫عقد واحد‪ ،‬وحمل النهي �إذا كان ب�رشط‪ ،‬وهو �أن يبيعه ب�رشط �أن يقر�ضه(‪.((25‬‬
‫‪� -2‬أن القر�ض لي�س من عقود املعاو�ضة‪ ،‬و�إمنا هو من عقود الرب واملكارمة‪ ،‬و�إذا‬
‫باعه ب�رشط �أن يقر�ضه‪� ،‬صار للقر�ض عو�ض من الثمن‪ ،‬وهذا خمرج له عن مقت�ضاه‬
‫(‪ ((25‬املغني (‪.)334/6‬‬
‫(‪ ((25‬قوانني الأحكام ال�شرعية �ص‪.172‬‬
‫(‪ ((25‬هو عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص بن وائل بن ها�شم بن كعب بن ل�ؤي‪ ،‬الإمام احلرب العابد‪� ،‬صاحب ر�سول اهلل �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم‪� ،‬أبو حممد‪ ،‬وقيل‪� :‬أبو عبد الرحمن‪ ،‬هاجر بعد �سنة �سبع‪ ،‬و�شهد بع�ض املغازي‪ ،‬له مناقب وف�ضائل ومقام‬
‫را�سخ يف العلم والعمل‪ ،‬حمل عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم علماً جماً‪ ،‬مات �سنة ‪ 63‬هـ‪ ،‬وقيل �سنة ‪ 65‬هـ‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الطبقات الكربى (‪� ،)373/ 2‬سري �أعالم النبالء (‪.)79 / 3‬‬
‫(‪� ((25‬أخرجه �أبو داود يف كتاب البيوع والإجارات‪ ،‬باب يف الرجل يبيع ما لي�س عنده (‪ ،)3504( )283/3‬والرتمذي يف البيوع‪،‬‬
‫باب ما جاء يف كراهية بيع ما لي�س عندك (‪ ،)1234( )536-535/3‬والن�سائي يف البيوع باب بيع ما لي�س عند البائع (‪)288/7‬‬
‫(‪ ،)4611‬وابن ماجه يف التجارات باب النهي عن بيع ما لي�س عندك وعن ربح ما مل ي�ضمن (‪ ،)2188( )737/2‬و�أحمد‬
‫(‪ ،)6628( )175-174/2‬و�أبو داود الطيال�سي �ص‪ ،)2257( 298‬وعبد الرزاق (‪ ،)39/8‬وابن �أبي �شيبة (‪ ،)572/6‬والدارمي يف‬
‫البيوع (‪ ،)2560( )329/2‬وابن حبان (‪ ،)4321( )161/10‬والطرباين يف الأو�سط (‪ ،)1577( )333/2‬والدارقطني (‪-74/3‬‬
‫‪ ،)75‬واحلاكم (‪ ،)17/2‬والبيهقي (‪.)267/5‬‬
‫قال الرتمذي‪«:‬هذا حديث ح�سن �صحيح »‪ ،‬وقال احلاكم‪« :‬هذا حديث على �شرط جملة من �أئمة امل�سلمني �صحيح »‪ ،‬وقال‬
‫الباجي ‪ -‬يف املنتقى (‪« :- )29/5‬وتلقي الأمة له بالقبول‪ ،‬والعمل به يدل على �صحة معناه وذلك يقوم له مقام الإ�سناد »‪،‬‬
‫وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يف جمموع الفتاوى (‪ « :)350/20‬قد ثبت عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم»‪ .‬و�صححه ابن حزم‬
‫يف املحلى (‪ ،)520/8‬والنووي يف املجموع (‪ ،)376/9‬وح�سنه الألباين يف �إرواء الغليل (‪.)146/5‬‬
‫(‪ ((25‬ينظر‪ :‬احلاوي للماوردي (‪ ،)351/5‬رو�ضة الطالبني (‪ ،)400/3‬الفتاوى الكربى (‪.)227/3‬‬

‫‪157‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫من كونه من عقود الرب �إلى عقود املعاو�ضة‪ ،‬فيكون مبط ًال له(‪.((26‬‬
‫‪� -3‬أن هذا يف�ضي �إلى جهالة الثمن‪ ،‬وذلك �أن البائع �إذا باعه ب�رشط �أن يقر�ضه‪،‬‬
‫�صار بائعاً �سلعته بالثمن املذكور‪ ،‬ومبنفعة القر�ض امل�رشوط‪ ،‬و�إذا بطل �رشط القر�ض‬
‫�سقط ما يقابله من الثمن‪ ،‬ولي�س له قيمة معلومة‪ ،‬فيبقى الثمن جمهو ًال‪ ،‬وجهالة‬
‫الثمن مبطلة للعقد(‪.((26‬‬
‫‪� -4‬أن اجلمع بني بيع وقر�ض هو جمع بني عقد الزم وعقد غري الزم‪ ،‬لأن‬
‫القر�ض غري الزم للمقر�ض‪ ،‬والبيع وما �أ�شبهه من العقود الالزمة ال يجوز �أن يقارنه‬
‫عقد غري الزم‪ ،‬لتنايف حكميهما(‪.((26‬‬
‫‪� -5‬شبهة الربا‪ ،‬لأن البيع ب�رشط ال�سلف يعد قر�ضاً جر نفعاً‪� ،‬سواء كان املقر�ض‬
‫البائع �أو امل�شرتي‪ ،‬لأنه �إن كان البائع ف�سينتفع بزيادة ثمن املبيع‪ ،‬و�إن كان امل�شرتي‬
‫ف�سينتفع بنق�صه(‪.((26‬‬
‫‪� -6‬أن قول الرجل للرجل‪� :‬أبيعك داري هذه بكذا على �أن تقر�ضني كذا‪ ،‬ي�ؤول‬
‫�إلى م�س�ألة البيع ب�رشط‪ ،‬وال يختلف الفقهاء يف ف�ساد البيع بذلك يف اجلملة(‪.((26‬‬
‫‪ -7‬لأنه �إذا باعه ب�رشط �أن يقر�ضه فقد ا�شرتط عقداً يف عقد فف�سد‪ ،‬كبيعتني يف‬
‫بيعة(‪.((26‬‬
‫‪ -8‬قاعدة‪�« :‬سد الذرائع»(‪.((26‬‬
‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬املنتقى (‪.)29/5‬‬
‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬ال�شرح الكبري وحا�شية الد�سوقي عليه (‪ ،)66/3‬احلاوي (‪ ،)351/5‬التهذيب للبغوي (‪ ،)544-543/3‬مغني‬
‫املحتاج (‪.)31/2‬‬
‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬املنتقى للباجي (‪.)29/5‬‬
‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬ال�شرح الكبري وحا�شية الد�سوقي عليه (‪ ،)66/3‬اخلر�شي على خمت�صر خليل وحا�شية العدوي عليه (‪-93/5‬‬
‫‪.)94‬‬
‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬املو�سوعة الفقهية (‪.)185/9‬‬
‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬املغني (‪.)334/6‬‬
‫(‪ ((26‬الفروق (‪� ،)32/2‬شرح خمت�صر الرو�ضة (‪.)135/3‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪158‬‬


‫د‪�.‬سعد بن عبدالعزيز ال�شويرخ‬

‫وجه اال�ست�شهاد بالقاعدة‪� :‬أن البيع ب�رشط ال�سلف يف�ضي �إلى الربا من جهة‬
‫املحاباة يف الثمن من �أجل القر�ض‪ ،‬فيكون القر�ض جاراً ملنفعة م�رشوطة‪ ،‬وكل قر�ض‬
‫جر نفعاً فهو ربا‪ ،‬وهذه الذريعة من الذرائع املتفق على منعها(‪.((26‬‬

‫اخلامتة‬

‫هذا البحث تناول �أحكام التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‪ ،‬وقد تو�صلت‬
‫‪ -‬بف�ضل اهلل ‪� -‬إلى نتائج‪ ،‬من �أهمها ما ي�أتي‪:‬‬
‫�أو ًال‪� :‬أن الدين له �إطالقان عام وخا�ص‪ ،‬فالعام هو احلق الالزم يف الذمة‪،‬‬
‫واخلا�ص هو ما ثبت يف الذمة من مال‪.‬‬
‫ثانياً‪� :‬أن �أ�سباب الت�أخري يف �سداد الدين تعود �إلى �إفال�س املدين‪� ،‬أو �إع�ساره‪� ،‬أو‬
‫جحوده �أو مماطلته‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ال يجوز للدائن �أن ي�أخذ من املدين زيادة على �أ�صل الدين عن ت�أخريه يف‬
‫�سداده‪� ،‬سواء كان مع�رساً �أو مو�رساً‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬ال يجوز للدائن �أن ي�شرتط على املدين زيادة على �أ�صل الدين �إذا ت�أخر عن‬
‫الوفاء‪ ،‬ل�رصفها يف وجوه اخلري‪.‬‬
‫خام�ساً‪ :‬يجوز ا�شرتاط الدائن على املدين �أن تكون نفقات الق�ضية املرفوعة‬
‫حمام‪ ،‬و�أجرة تنقل‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهذا ب�رشوط‪:‬‬ ‫�ضده عليه من توكيل ٍ‬
‫‪� -1‬أن يكون املدين قادراً على الوفاء‪.‬‬
‫‪� -2‬أن يكون املدين مماط ًال حتى �أحوج الدائن �إلى �شكايته‪.‬‬
‫‪� -3‬أن يكون ما غرم الدائن ب�سبب املماطلة من النفقات على ال�شكاية على‬

‫(‪ ((26‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪� ،)295/33‬إعالم املوقعني (‪ ،)141/3‬الفروق (‪ ،)266/3‬تهذيب الفروق (‪.)274/3‬‬

‫‪159‬‬ ‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬


‫التعوي�ض عن الت�أخري يف �سداد الديون‬

‫الوجه املعتاد‪.‬‬
‫�ساد�ساً‪ :‬ا�شرتاط الدائن على املدين حلول الأق�ساط �إذا ت�أخر يف �سداد ق�سط ال‬
‫يجوز �إن كان الدين ثمن مبيع‪ ،‬وروعي الأجل يف ثمنه‪ ،‬ويجوز �إن كان الدين بدل‬
‫قر�ض‪.‬‬
‫�سابعاً‪ :‬يحرم ا�شرتاط الدائن على املدين �أن يقر�ضه �إذا ت�أخر يف ال�سداد قر�ضاً‬
‫بقدر الدين وملدة مماثلة للماطلة‪� ،‬سواء كان الدين ثمن مبيع �أو بدل قر�ض‪.‬‬
‫هذه �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها من خالل هذا البحث‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم‬
‫على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫العدد ‪� - 56‬شوال ‪1433‬هـ ‪ -‬ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪160‬‬

You might also like