‫ــــــــــــــــ محاضرات في فقه العبادات (‪)2019 -2018‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الشك في الطهارة‬
‫‪َ -1‬م ن َتَيَّقن الطهارَة َو َش َّك في الَح َد ِث ُح ِك َم ِبَبقاِئِه على الَّطهاَر ِة ‪،‬وال عبرَة بالَّشِّك ألَّن الطهارة هي‬
‫المَتَيَّقَنُة وال ُيْن َقُل َع نها إال ِبَيِقْي ٍن ‪.‬‬
‫‪ -2‬من تيقن الَح َد َث َو شك في الطهارة َبَنى على اليقيِن وهو الَح َد ُث ‪ ،‬وال ِع ْب َر َة بالشك ألن الحدث هو‬
‫المتيقن وال ُيْن َتَقل َع ْن ُه إال بيقين‪.‬‬
‫وذلك لحديِث َع َّباِد بن َتميٍم عن َع ِّم ه قال‪ُ " :‬ش كي إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الرجُل ُيَخ َّي ُل إليه أنه‬
‫(‪)1‬‬
‫َيِج ُد الشيَء في الصالِة فقال‪" :‬ال َيْن َص ِر ُف حَّتى َيْس َمَع َص ْو تًا أْو َيِج َد ِر ْي حًا "‬
‫ملحوظة‪ :‬قال محمد جواد مغنية‪ )(:‬اتفق الجميع على أّنه ال شك لكثير الشك ‪ ،‬أي أّن الوسواسي ال‬
‫(‪)2‬‬
‫اعتبار بشّك ه ‪ ،‬فيجب عليه المضي في جميع الحاالت))‬

‫المبحث الخامس‬
‫مباحث التيمم‬
‫تعريف التيمم ودليله وحكمة مشروعيته‪:‬‬
‫معناه في اللغة ‪ :‬القصد ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وال تيمموا الخبيث منه تنفقون } فمعنى – تيمموا‪:‬‬
‫طهور على وجه مخصوص ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تقصدوا ومعناه في الشرع(اصطالحا)‪ :‬مسح الوجه واليدين بتراب‬
‫دليل مشروعيته‪ :‬التيمم من خصائص األمة اإلسالمية‪ ،‬شرع في السنة السادسة من الهجرة وقد ثبتت‬
‫مشروعيته بالكتاب والسنة واإلجماع ‪:‬‬
‫ِئِط‬ ‫ِم ِم‬
‫‪ -‬فأما الكتاب فقد قال تعالى ‪َ { :‬و ِإ ْن ُك ْن ُتْم َمْر َض ى َأْو َع َلى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ْن ُك ْم َن اْلَغا َأْو َالَم ْس ُتُم‬
‫الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا َص ِع يًد ا َطِّيًبا َفاْمَس ُح وا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِد يُك ْم ِإَّن الَّلَه َك اَن َع ُفًّو ا َغ ُفوًر ا }سورة‬
‫النساء ‪ 43 /‬فهذه اآلية الكريمة قد دلت على أن التيمم شرع للناس عند عدم الماء ‪ :‬أو العجز عن‬
‫استعماله‪.‬‬
‫‪-‬وأما السنة‪ :‬فأحاديث كثيرة ‪،‬منها قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ُ « :‬ج ِع َلْت ِلَي اَأْلْر ُض َم ْس ِج ًد ا‬
‫(‪)5‬‬
‫َو َطُهوًر ا»(‪ ، )4‬ومنها « ِإَّن الَّص ِع يَد الَّطِّيَب َطُهوُر اْلُم ْس ِلِم َو ِإ ْن َلْم َيِج ِد اْلَم اَء َع ْش َر ِس ِنيَن »‬
‫‪-‬اما االجماع‪ :‬فَقْد َأْج اْل ِل و َلى َأَّن الَّت ُّم ْش وٌع َد ًال ِن اْل وِء اْلُغ ل ِفي َأْح اٍل َخ اَّص ٍة‬
‫َو‬ ‫َب َع ُو ُض َو ْس‬ ‫َي َم َم ُر‬ ‫َمَع ُم ْس ُم َن َع‬
‫(‪. )6‬‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري ج‪ 1‬ص‪ ، 39‬وسائل الشيعة‪ ,‬الحر العاملي ‪،‬ج‪ 1‬ص ‪ 177‬بلفظ(إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج‬
‫منه شيئ ام ال ‪ ،‬لم يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا‪).‬‬
‫‪ -2‬الفقه على المذاهب الخمسة‪ ،‬محمد جواد مغنية ص‪41‬‬
‫‪ - 3‬والتيمم ليس معناه أن يعفر وجهه ويديه بالتراب وإنما الغرض أن يضع يده على تراب طهور أو حجر أو نحو ذلك من األشياء التي‬
‫سيأتي بيانها ‪.‬‬
‫‪ -4‬صحيح البخاري ج‪ 1‬ص‪ ، 95‬وسائل الشيعة‪ ,‬الحر العاملي ‪،‬ج‪ 2‬ص ‪970‬‬
‫‪ -5‬سنن الترمذي ج‪ 1‬ص‪ ،212‬وسائل الشيعة‪ ,‬الحر العاملي ‪،‬ج‪ 2‬ص ‪984‬‬
‫‪ -6‬الموسوعة الفقهية ج‪ 14‬ص‪249‬‬

‫‪1‬‬
 ‫ــــــــــــــــ محاضرات في فقه العبادات (‪)2019 -2018‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حكمة مشروعيته‪ :‬هي أن اهلل سبحانه قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة فيما كلفهم به من العبادات‬
‫لقوله تعالى((َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا َص ِع يًد ا َطِّيًبا َفاْمَس ُح وا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِد يُك ْم ِم ْن ُه َم ا ُيِر يُد الَّلُه ِلَيْج َع ل‬
‫َع َلْي ُك ْم ِم ْن َح َر ٍج َو َلِك ْن ُيِر يُد ِلُيَطِّهَر ُك ْم َو ِلُيِتَّم ِنْع َم َتُه َع َلْي ُك ْم َلَع َّلُك ْم َتْشُك ُر وَن )) سورة المائدة ‪6 /‬‬
‫شبهات والجواب عنها‪-1 :‬فقد يقال ‪ :‬إن رفع الحرج يقتضي عدم التكليف بالتيمم عند فقد الماء أو‬
‫العجز عن استعماله فتكليفهم بالتيمم فيه حرج أيضا ؟‬
‫‪-‬وهذا قول فاسد‪ :‬ألن معنى رفع الحرج هو أن يكلفهم اهلل سبحانه بما في طاقتهم فمن عجز عن‬
‫الوضوء أو الغسل وقدر على التيمم فإنه يجب عليه أن يمتثل أمر اهلل تعالى وال يناجيه إال بالكيفية التي‬
‫بينها له ألن الغرض من العبادات جميعها إنما هو امتثال أمر اهلل تعالى وإ شعار القلوب بعظمته وأنه‬
‫هو وحده الذي يقصد بالعبادة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد يظن بعض من ال يفقه أغراض الشريعة اإلسالمية التي تترتب عليها سعادة المجتمع وتهذيب‬
‫أخالق الناس‪ ،‬أن التراب قد يكون ملوثا ‪ -‬بالميكروبات ‪ -‬الضارة فمسح الوجه به ضرر ال نفع فيه ؟‬
‫‪ -‬الذي يقول هذا لم يفهم معنى التيمم ولم يدرك الغرض منه‪ ،‬ألن الشارع قد اشترط أن يكون التراب‬
‫طاهرا نظيفا‪ ،‬ولم يشترط أن يأخذ بالتراب ويضعه على وجهه‪ ،‬بل المفروض هو أن يأتي بكيفية‬
‫خاصة تبيح له العبادة الموقوفة على الوضوء والغسل‪،‬ثم ان الذي يقول هذا الكالم جدير به أن ال يضع‬
‫يده على شيء من األشياء‪ ،‬لما عساه أن يكون قد علق بها شيء من الميكروبات‪ ،‬إن هذا قول من يريد‬
‫أن ينسلخ عن التكاليف‪ ،‬ليكون طليقا في باب الشهوات التي تطمح إليها النفوس الفاسدة‪ ،‬فتفضي بها‬
‫إلى الهالك والدمار‬
‫األسباب المبيحة للتيمم؟‬
‫ذكرت اآلية الكريمة أسباب التيمم وهي أربعة(المرض ‪،‬السفر‪،‬المجيء من الغائط ‪ ،‬مالمسة النساء )‬
‫فالسفر يبيح التيمم عند عدم الماء ‪ ،‬والمرض أيًا كان نوعه مبيح للتيمم عند عدم الماء ‪ ،‬وكذلك مالمسة‬
‫النساء ‪ ،‬والمجيء من الغائط عند عدم الماء ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ {:‬فَلْم َتِج ُد وْا َم آًء َفَتَيَّم ُم وْا َص ِع يدًا َطِّيبًا } فهذا‬
‫القيد راجع إلى الكل ‪ ،‬فالغالب في المسافر أال يجد الماء(‪ ،)7‬والمريض الذي يخشى على نفسه الضرر‬
‫يباح له التيمم ألنه مع وجود الماء قد ال يستطيع االستعمال فيكون كالفاقد للماء‪ ،‬فهو كمن يجد ماء في‬
‫قعر بئر يتعذر عليه الوصول إليه فهو عادم للماء حكمًا ‪ ،‬ويدل عليه ما ورد في السنة المطهرة من‬
‫حديث جابر رضي اهلل عنه قال ‪ « :‬خرجنا في سفر فأصاب رجًال مّنا حجٌر فشجه في رأسه ‪ ،‬ثم احتلم‬
‫فسأل أصحابه فقال ‪ :‬هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا ‪ :‬ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على‬

‫‪ -7‬قال محمد جواد مغنية في كتابه‪ :‬الفقه على المذاهب الخمسة ص‪(68‬ليس لمسألة عدم وجود الماء من موضوع في هذا العصر ؛‬
‫ألّن الماء متوفر لكل إنسان وفي كل مكان ‪ ،‬سفرًا وحضرًا ‪ .‬وإذا أطال الفقهاء الكالم ـ في وجوب البحث عن الماء ومقدار السعي ‪،‬‬
‫وفيما اذا خاف على نفسه أو ماله أو عرضه من اللصوص والسباع ‪ ،‬وفيما إذا وجده في بئر بال دلو ‪ ،‬أو بذل بأكثر من الثمن المعتاد ‪،‬‬
‫وما إلى ذاك ـ فألّن المسافرين كانوا يالقون عنتًا شديدًا في سبيل تحصيله ‪).‬‬
‫‪2‬‬
 ‫ــــــــــــــــ محاضرات في فقه العبادات (‪)2019 -2018‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الماء ‪ ،‬فاغتسل فمات ‪ ،‬فلما قدمنا على النبي صلى اهلل عليه وسلم أخبر بذلك فقال ‪ :‬قتلوه ‪ ،‬قتلهم اهلل ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫أال سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العّي السؤال »‬
‫(‪)8‬‬

‫فالخالصة‪ :‬ترجع هذه األسباب إلى أمرين أحدهما ‪:‬‬

‫‪ -‬فقد الماء بأن لم يجده أصال ‪ .‬أو وجد ماء ال يكفي للطهارة‬
‫‪ -‬ثانيهما ‪ :‬العجز عن استعمال الماء أو االحتياج إليه بأن يجد الماء الكافي للطهارة ولكن ال يقدر على‬
‫استعماله أو كان يقدر على استعماله ولكن يحتاجه لشرب ونحوه على تفصيل مذكور في كتب الفقه ‪.‬‬
‫ما يصح به التيمم ‪( :‬ما المراد بالصعيد الطيب في اآلية الكريمة؟)‬
‫اتفق الفقهاء على وجوب التيمم بالصعيد الطهور ؛ لقوله تعالى ‪َ ( :‬فَتَيَّم ُم وا َص ِع يدًا َطِّيبًا )‬
‫واختلفوا في معنى الصعيد ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فقال الحنفية والمالكية‪:‬يجوز التيمم بالتراب وبالحجر وبكل شيء من األرض ولو لم يكن عليه‬
‫تراب ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قال الشافعية والحنابلة وكثير من االمامية ‪ :‬بل ال بّد من التراب الذي يلتصق بيده ‪ ،‬فإذا لم يوجد‬
‫التراب لم يصح التيمم ‪.‬‬
‫حجة المذهب االول ‪ :‬احتجوا بظاهر هذه اآلية فقالوا ‪ :‬التيمم هو القصد ‪ ،‬والصعيد ما تصاعد من‬
‫األرض فقوله تعالى ‪َ { :‬فَتَيَّم ُم وْا َص ِع يدًا َطِّيبًا } أي اقصدوا أرضًا طاهرة ‪ ،‬فوجب أن يكون هذا القدر‬
‫كافيًا‬
‫حجة المذهب الثاني‪ :‬احتجوا من جهتين ‪ :‬األول أن اهلل تعالى أوجب كون الصعيد طيبًا ‪ ،‬واألرض‬
‫الطيبة هي التي ُتنبت ‪ ،‬بدليل قوله تعالى ‪ { :‬والبلد الطيب َيْخ ُر ُج َنَباُتُه ِبِإْذ ِن َر ِّبِه } [ األعراف ‪] 58 :‬‬
‫فوجب في التي ال تنبت أن ال تكون طيبة ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن اآلية مطلقة هنا ‪ ،‬ومقيدة في سورة المائدة بكلمة ( منه ) في قوله تعالى ‪ { :‬فامسحوا‬
‫ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِد يُك ْم ِّم ْن ُه } [ المائدة ‪ ] 6 :‬وكلمة ( من ) للتبعيض ‪ ،‬وهذا ال يتأتى في الصخر الذي ال‬
‫تراب عليه فوجب أال يصح التيمم إال بالتراب ‪.‬‬
‫كيفية التيمم ‪:‬‬
‫اتفقوا على أّن التيمم ال يصح من غير نية ‪،‬بأن يقصد المتيمم التقرب الى اهلل بأمتثال األمر المتعلق بهذا‬
‫التيمم ‪.‬‬
‫واختلفوا في المراد من الوجه واأليدي في اآلية الكريمة ؟‬
‫‪ -‬فقال األربعة وابن بابويه من اإلمامية ‪ :‬المراد من الوجه جميع الوجه ويدخل فيه اللحية ‪ ،‬ومن‬
‫اليدين الكّفان والزندان مع المرفقين ‪ ،‬وعليه يكون الحد في التيمم هو الحد بعينه في الوضوء ‪،‬‬

‫‪ -8‬سنن ابي داود ج‪ 1‬ص‪ ،93‬وسائل الشيعة‪ ,‬الحر العاملي ‪،‬ج‪ 2‬ص ‪" - 967‬العي" بكسر العين‪ :‬الجهل‬

‫‪3‬‬
 ‫ــــــــــــــــ محاضرات في فقه العبادات (‪)2019 -2018‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فيضرب ضربتين ‪ :‬إحداهما يمسح بها تمام الوجه ‪ ،‬والثانية يمسح بها اليدين من رؤوس األصابع الى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬
‫المرفقين‬
‫‪ -‬وقال اإلمامية ‪ :‬المراد من الوجه بعضه ال كله ؛ ألّن الباء في قوله تعالى ‪َ ( :‬فاْمَس ُح وا ِبُو ُج وِه ُك ْم )‬
‫تفيد التبعيض؛ وحددوا القدر الواجب مسحه من الوجه باالبتداء من قصاص الشعر إلى طرف األنف‬
‫األعلى ويدخل فيه الجبهة والجبينان ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬المراد من اليدين الكّفان فقط ‪.‬‬
‫وعليه تكون صورة التيمم عند اإلمامية على هذا النحو ‪ :‬يضرب على األرض بباطن الكفين ‪،‬‬
‫ويمسح وجهه من قصاص الشعر الى طرف األنف األعلى ‪ ،‬ثّم يضرب ثانية ويمسح تمام ظاهر الكف‬
‫اليمنى بباطن الكف اليسرى ‪ ،‬وتمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى ‪.‬‬

‫‪َ -9‬و ُصوَر ُتُه ‪ِ -‬ع ْنَد ُهْم ‪ِ -‬في َم ْس ِح اْلَيَد ْيِن ِبالَّضْر َبِة الَّثاِنَيِة ‪َ :‬أْن ُيِم َّر اْلَيَد اْلُيْس َر ى َع َلى اْلَيِد اْلُيْم َنى ِم ْن َفْو ِق اْلَكِّف ِإَلى اْلِم ْر َفِق ‪ُ ،‬ثَّم َباِط ِن‬
‫اْلِم ْر َفِق ِإَلى اْلُك وِع ( الُّر ْس ِغ ) ‪ُ ،‬ثَّم ُيِم َّر اْلُيْم َنى َع َلى اْلُيْس َر ى َك َذ ِلَك ‪.‬‬
‫‪4‬‬