You are on page 1of 4

‫الشروط الواجب توفرها في القاضي الشروط الواجب توفرها في القاضي‪:‬‬

‫يشترط الفقهاء في القاضي جملة من الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها في شخصيته لكي‬
‫يتمكن من أداء مهمته على الوجه األكمل‪ ،‬وهذه الشروط هي ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬البلوغ‪:‬‬

‫فال يجوز تقليد الصبي القضاء‪ ،‬وإذا قلد فال يصح قضاؤه وال ينفذ؛ ألن الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬قد أمر باالستعاذة من أمارة الصبيان‪ ،‬فقد روي األمام أحمد أنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪(:‬‬
‫تعوذوا باهلل من رأس السبعين‪ ،‬ومن إمارة الصبيان ) والتعوذ ال يكون إال من شر‪ ،‬فيكون تقليد‬
‫الصبيان فسادا في األرض ومضارة؛ وألنه ال والية للصبي على نفسه فال تكون له والية على غيره‬
‫بالقضاء ونحوه‪.‬‬

‫وألن القضاء ليس في حاجة إلى كمال العقل بكمال البدن فحسب‪ ،‬بل يحتاج كذلك إلى زيادة فطنة‬
‫وجودة رأي‪.‬‬

‫وال يشترط في القاضي أن يكون طاعنا في السن‪ ،‬بل المراد اجتماع الشروط المعتبرة في واليته بعد‬
‫بلوغه‪ ،‬ولو كان حديث السن‪ ،‬فقد روى أن الخليفة المأمون قلد يحي بن أكثم قضاء البصرة‪ ،‬وكان ابن‬
‫ثماني عشرة سنة‪ ،‬فطعن بعض الناس في واليته لحداثة سنه فكتب إليه المأمون‪ :‬كم سن القاضي ؟‬
‫فأجاب يحي بقوله‪ ( :‬أنا في سن عتاب بن أسيد حين واله الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على مكة‬
‫) على أن ارتفاع السن يجيء من باب الوقار والهيبة التي استحبها العلماء في القاضي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العقل‪:‬‬

‫فال يجوز تقليد المجنون أو المعتوه أو مختل النظر لكبر السن‪ ،‬أو مرض قياسا على الصبي‪ ،‬بل أولى‬
‫وإذا قلد أحد هؤالء فال يصح قضاؤه وال ينفذ‪.‬‬

‫قال الماوردي في هذا الشرط‪ ( :‬وهو مجمع على اعتباره وال يلتقي فيه العقل الذي يتعلق به التكليف‬
‫من عمله بالمدركات الضرورية حتى يكون صحيح التمييز‪ ،‬جيد الفطنة‪ ،‬بعيد من السهو والغفلة‬
‫يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعطل )‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الحرية‪:‬‬

‫والمراد كما لها‪ ،‬فال يجوز تقليد من فيه شائبة رق كالمكاتب والمدبر فضال عن القن (وهو العبد‬
‫الخالص ) وإذا قلد القضاء فال يصح قضاؤه وال ينفذ‪ ،‬وذلك ألن العبد ناقص عن والية نفسه فمن باب‬
‫أولى أن يكون ناقصا عن والية غيره‪ ،‬كما أن العبد مشغول بحقوق سيده‪ ،‬فمنافعه كلها له‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إلى أن القضاء منزلة وحرمة وهيبة لكي يردع أصحاب اللدد وأهل الباطل‪ ،‬وال شك أن هذه‬
‫الصفة ال تتوفر في العبد‪.‬‬

‫هذا مذهب جمهور العلماء‪ ،‬خالفا البن حزم ومن وافقه في قبول شهادة العبد ويقولون إن أهلية‬
‫القضاء كأهلية الشهادة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬اإلسالم‪:‬‬

‫وذلك ألن القضاء والية وال تجوز والية الكافر على المسلم‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َلنْ َي ْج َعل َ هَّللا ُ لِ ْل َكاف ِِرينَ َع َلى‬
‫س ِبياًل ﴾ [النساء‪ ]141 :‬ثم إن القاضي يطبق أحكام الشريعة اإلسالمية وهي دين‪ ،‬وتطبيق‬ ‫ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ َ‬
‫الدين يحتاج إلى إيمان به من قبل من يطبقه وخوف من هللا يمنعه من الحيدة عن التطبيق السليم‬
‫ألحكامه‪ ،‬وال يتأتى ذلك من غير المسلم الذي ال يؤمن بهذا الدين بل حمله كفره باإلسالم على تعمد‬
‫مخالفة أحكامه أو العبث بها‪.‬‬

‫وال خالف بين الفقهاء في اشتراط اإلسالم في من يتولى القضاء على المسلمين أما تولية القضاء‬
‫لغير المسلم على غير المسلمين‪ ،‬فقد منعها ولم يجزها جمهور الفقهاء ألن شرط اإلسالم عندهم شرط‬
‫ضروري ال بد منه في من يتولى القضاء سواء كان قضاؤه على المسلمين أو على غير المسلمين‪.‬‬

‫وذهب الحنفية إلى جواز تقليد الذمي وهو غير مسلم القضاء على أهل الذمة وعللوا ذلك بأن أهلية‬
‫القضاء كأهلية الشهادة‪ ،‬والذمي من أهل الشهادة على الذميين فهو أهل لتولي القضاء عليهم‪.‬‬

‫وكونه قاضيا خاصا بهم ال يقدح في واليته وال يضر كما ال يضر تخصيص القاضي المسلم بالقضاء‬
‫بين أفراد جماعة معينة من المسلمين‪.‬‬

‫ويرى الماوردي أن إسناد القضاء في غير المسلمين إلى قضاة منهم هو في الصورة تقليد قضاء‪ ،‬وفي‬
‫الحقيقة تقليد رياسة‪ ،‬بدليل أن لهم أن يدعوا قضائهم هؤالء ويتحاكمون إلى قضاة المسلمين‪ ،‬وفي‬
‫اح ُك ْم َب ْي َن ُه ْم َأ ْو‬
‫هذه الحالة يكون حكمنا بينهم متروكا الختيارنا كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬فِإنْ َجا ُءو َك َف ْ‬
‫ض َع ْن ُه ْم ﴾ [المائدة‪ ]42 :‬فإن تحاكموا إلى قضائهم فقد التزموا بما يحكمون به اللتزامهم له‪،‬‬ ‫َأ ْع ِر ْ‬
‫وليس ألنه الزم لهم من األصل‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الذكورة‪:‬‬

‫المولى وتكون‬
‫ّ‬ ‫وهي شرط عند جمهور الفقهاء‪ ،‬فال يجوز عندهم تولية المرأة القضاء وإذا وليت يأثم‬
‫واليتها باطلة وقضاؤها غير نافذ ولو فيما تقبل فيه شهادتها‪.‬‬
‫وحجتهم‪ :‬الحديث النبوي الشريف‪ ( :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )‪.‬‬

‫وألن المرأة ال تصلح لإلمامة العظمى أي رئاسة الدولة وال الوالية على البلدان‪ ،‬ولهذا لم ينقل عن‬
‫النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وال عن أحد من خلفائه الراشدين من بعده أنهم ولوا امرأة قضاء وال‬
‫والية بلد‪ ،‬ولو جاز ذلكم لوقع ولو مرة واحدة ولم يخل منه جميع البلدان غالبا‪.‬‬

‫وأيضا فإن القاضي يحتاج إلى مخالطة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم‪ ،‬والمرأة في األصل‬
‫ممنوعة من مخالطة الرجال‪ ،‬لما يخاف عليها من الفتنة بسبب هذه المخالطة التي ال ضرورة لها‪.‬‬

‫وقال فقهاء الحنفية يجوز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود والقصاص ألنه ال شهادة لها في هذه‬
‫الجنايات ولها شهادة في غيرها‪ ،‬وأهلية القضاء عندهم تدور مع أهلية الشهادة‪.‬‬

‫وذهب ابن جرير الطبري إلى أن الذكورة ليست شرطا لتولي القضاء كاإلفتاء عنده‪ ،‬واإلفتاء ال تشترط‬
‫فيه الذكورة‪ ،‬وعلى هذا يجوز للمرأة أن تكون قاضية في األموال وغيرها وبهذا القول قال فقهاء‬
‫المذهب الظاهري كذلك‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬العدالة‪:‬‬

‫وهي معتبرة في كل والية عند جمهور الفقهاء‪ ،‬والمقصود بها أن يكون القاضي قائما بالفرائض‬
‫واألركان‪ ،‬صادق اللهجة‪ ،‬ظاهر األمانة عفيفا عند المحارم‪ ،‬متوقيا المآثم بعيداً عن الريب‪ ،‬مستعمال‬
‫لمروءة مثله في دينه ودنياه‪.‬‬

‫لهذا ال تجوز والية الفاسق للقضاء ألنه متهم في دينه‪ ،‬والقضاء أمانة من أعظم األمانات‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬االجتهاد‪:‬‬

‫وهو األهلية الستنباط األحكام من مصادر التشريع فالمجتهد هو من يعرف من القرآن والسنة ما يتعلق‬
‫باألحكام خاصة وعامة ومجملة ومبنية وناسخة ومنسوخة ومتواتر السنة وغيره‪ ،‬والمتصل والمرسل‬
‫وحال الرواة قوة وضعفا ولسان العرب لغة ونحوا‪ ،‬وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم إجماعا‪،‬‬
‫واختالفا والقياس بأنواعه‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬سالمة الحواس‪:‬‬

‫والمراد بها السمع والبصر والكالم‪ :‬وهذا شرط جواز وصحة عند جمهور العلماء فال تجوز تولية‬
‫األصم ألنه ال يسمع كالم الخصمين وال تجوز تولية األعمى؛ ألنه ال يعرف المدعي من المدعى عليه‬
‫وال المقر من المقر له‪ ،‬وال الشاهد من المشهود له أو عليه‪ ،‬وال تجوز تولية األخرس ألنه ال يمكنه‬
‫النطق بالحكم‪ ،‬وال يفهم جميع الناس إشارته أما سالمة باقي األعضاء فهي هنا إنما تعتبر استحبابا ال‬
‫لزوما؛ ألن السالمة من اآلفات أهيب لذوي الوالية‪ ،‬والهيبة هنا مستحبة ال مستحقة ومن ثم فال مانع‬
‫من أن يكون القاضي مقعدا أو أقطع أو أعرج‪ ،‬ومثل هذا يقال في شأن ضعيف النطق أو السمع أو‬
‫البصر لعدم فوات المقصود من والية القضاء‪.‬‬

‫هذا ومن الجدير بالذكر أن القاضي ال يأخذ شرعيته إال بتعيين من ولى األمر أو نائبه وذلك حفاظا على‬
‫وحدة المسلمين وصيانة دمائهم‪ ،‬فالقضاء كما هو معلوم منصب من مناصب الدولة ال يجوز لغير ولي‬
‫األمر تعيينه إال في حالة الضرورة كما لو لم يوجد حاكم في بلد ما فإن ألهل العلم والرأي تعيين قاض‬
‫يحكم بينهم‪.‬‬

‫على أنه في حالة وجود حاكم بعد ذلك فالبد من إذنه‪ .‬كما أن والية القاضي تعمم وتخصص‪ ،‬فيجوز أن‬
‫يكون قاضيا في جميع بالد المسلمين وفي كل دعوى كما يجوز للحاكم أن يوليه القضاء في مكان معين‬
‫ال يتعداه‪ ،‬أو في نوع من الدعوى كالحكم بين أهل الذمة‪.‬‬

You might also like