You are on page 1of 2

‫‪:‬التحذير من الحكم بالباطل أو بالجهل‬

‫لقد حرص المسلمون باألندلس وبغيرها من بقاع العالم على َ‬


‫الغرفِ من تعاليم‬
‫الشريعة الربانية الغراء في امتهانهم للقضاء‪.‬‬
‫فالمقبل على ممارسة القضاء ال بد أن تتوفر فيه شروط كي يزاول عمله بكل جد‬
‫ومسؤولية وأمانة‪ ،‬وليس المستوى العلمي إال واحدا من هذه الشروط‪ ،‬فالقاضي‬
‫وو َرعِ ه وخضوعه للشرع‪ ،‬وعدم الخوف في الحق بل الخضوع هلل‪،‬‬ ‫ُعرف بتقواه َ‬
‫ي َ‬
‫وذلك ما درج عليه القضاء من بداية نشأته‪ ،‬وهي أمور مقدمة على غيرها في‬
‫إشغال هذه المكانة‪.‬‬
‫لذلك كان القضاة يتجنبون الحكم بالباطل أو بالجهل‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪ {:‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط وال يجرمنكم شنئان قوم على أال‬
‫تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}‪.‬المائدة‪ ،8:‬بمعنى‪ :‬ال يحملنكم بغض أعدائكم على‬
‫ترك ما تحكمون به‪ ،‬بل اعدلوا فهو أقرب للتقوى‪ .‬وقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫<< الحكام ثالثة‪ ،‬اثنان في النار وواحد في الجنة‪ ،‬حكم حكم بجهل‪ ،‬فخسر‪ ،‬فأهلك‬
‫أموال الناس‪ ،‬وأهلك نفسه‪ ،‬ففي النار‪ ،‬وحكم حكم فخدل أي جار‪ ،‬فأهلك أموال‬
‫الناس وأهلك نفسه‪ ،‬ففي النار‪ ،‬وحكم علم‪ ،‬فعدل فأحرز أموال الناس وأحرز نفسه‪،‬‬
‫ففي الجنة‪.>>.‬‬
‫فاإلسالم ولّى عنايته للعدل وأمر بإقامته والحكم به على المسلمين وغيرهم رغم‬
‫أنوف األعداء والحاقدين‪ ،‬لذلك فالبد من الحكم بالعدل بقبول الحق كحق من غير‬
‫الرجوع إلى قائله مسلما كان أو غير مسلم‪ ،‬كما نهى اإلسالم عن الجهل والظلم في‬
‫ممارسة القضاء ألن مصيرهما إلى الهالك‪.‬‬
‫بخالصة‪ ،‬كلما تم الحرص على العدل واالجتهاد في العمل به كان ذلك أقرب‬
‫للتقوى‪ ،‬وإن تم العدل كملت التقوى‪.‬‬

‫من بين القضاة المعروفين بعدلهم وعلمهم باألندلس كنموذج‪ ،‬نذكر قاضي اشبيلية‬
‫أبا بكر بن العربي المعافري‪ ،‬رحل إلى المشرق سنة ‪485‬ه‪ ،‬فدخل الشام ولقي بها‬
‫أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي‪ ،‬وتفقه عنده‪ .‬ورحل إلى الحجاز في موسم سنة‬
‫‪489‬ه ودخل بغداد مرتين‪ ،‬وصحب أبا بكر الشاشي‪ ،‬وأبا حامد الطوسي الغزالي‬
‫وغيرهما من العلماء واألدباء‪ ،‬وأخذ عنهم‪ .‬ثم صدر عن بغداد‪ ،‬ولقي بمصر‬
‫واالسكندرية جماعة‪ .‬ثم عاد إلى األندلس سنة ‪493‬ه‪ .‬وكان من أهل التفنن في‬
‫العلوم‪ ،‬متقدما في المعارف كلها‪ ،‬متكلما في أنواعها‪ ،‬حريصا على نشرها‪ .‬استقضى‬
‫بمدينة اشبيلية؛ فقام بها أجمل قيام‪ .‬وكان من أهل السرابة في الحق‪ ،‬والشدة والقوة‬
‫على الظالمين‪ ،‬والرفق بالمساكين‪ .‬ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم‬
‫وبثه‪ ،‬إلى أن توفي رحمه هللا بالعدوة ودفن بمدينة فاس في ربيع اآلخر سنة ‪543‬ه‪.‬‬
‫نذكر كذلك القاضي محمد بن عبد هللا بن حسن المالقي‪ ،‬يكنى بأبي عبد هللا‪ ،‬أخذ‬
‫عن أهل بلده‪ ،‬وألف كتابا حسنا في الزهد‪ ،‬سماه "المؤنس في الوحدة والموقظ من‬
‫سنة الغفلة"‪ .‬ولى قضاء غرناطة بعد القاضي أبي سعيد‪ ،‬وذلك سنة ‪515‬ه‪ ،‬وكان‬
‫عالي الهمة‪ ،‬شريف النفس‪ ،‬موفور الحظ من العلم‪ ،‬عدال‪ ،‬نزيها‪ ،‬فاضال‪ ،‬جليال‪،‬‬
‫بارع األدب‪ ،‬توفي رحمه هللا سنة ‪519‬ه‪.‬‬

You might also like