You are on page 1of 14

‫كلية العلوم اإلسالمية للوافدين غير الناطقين بالعربية‬

‫بحث بعنوان‬
‫حكم بيع عسب الفحل‬

‫مقدم من الباحث ‪ :‬أحمد أليف رشدي‬


‫الجنسية ‪ :‬إندونيسيا‬
‫القسم ‪ :‬الفقه المقارن‬
‫المرحلة الدراسية ‪ :‬تمهيدي ماجستير‬
‫أستاذ المادة ‪ :‬أ‪.‬د حسين البيومي‬

‫العام الجامعي ‪٢٠٢٤/٢٠٢٣‬م‬


‫المقدمة‬
‫عقد البيع والشراء في اإلسالم معاملة من معامالت مالية أقر بجوازها مادام خاليا من أي نوع من‬
‫الغرروالجهالة‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬وأحل هللا البيع وحرم الربا‪ ،‬ولكن مع هذا الجواز واإلقرار به من‬
‫شريعتنا وردت أنواع من معاملة البيع المنهي عنها من النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬من هذه‬
‫األنواع بيع عسب الفحل‪ ،‬قال ابن عمر أن النبي عليه السالم نهى عن ثمن عسب الفحل‪ ،1‬فهل‬
‫النهي الوارد في هذا للحديث راجع لذلك العقد نفسه أم راجع لعلة كامنة في الفحل أم لشيء آخر‪،‬‬
‫وهل النهي هنا مطلقا أم النهي وارد على صور معنية‪ ،‬فهذا ما أراد الباحث اكتشافه في هذا البحث‬
‫المتواضع‪.‬‬
‫سبب اختيار الموضوع ‪ :‬حينما ُوزعت حوالي سبعة موضاعات من فضيلة الدكتور حسين البيومي‬
‫لسبعة من الطالب في الفصل اختار كل منهم وأخذ موضوعا يراه مناسبا له متجنبا من أخذ هذا‬
‫الموضوع لما من كونه موضع مسخرة لتعلقة بعملية الجنس بين الحيوانات‪ ،‬فبالتالي لم أجد أمامي‬
‫غير هذا الموضوع الباقي فاخترته‬
‫أهمية الموضوع ‪ :‬بعد ما بحثت و جمعت معلومات حول هذا الموضوع اكتشفت أنه موضوع‬
‫مثير للتساؤل و فعال وقع الناس في الحيرة بسببه ويتساءل لماذا ورد النهي من الشرع عن هذه‬
‫المعاملة مع كونه في في ثقافتنا لم يخالف أي مبدإ عرفي مادام الرضا بين الطرفين تحقق‪ ،‬ومن‬
‫أمور يثير تساؤال اكثر حدوث صورة حديثة مستجدة معاصرة في الطبي البيطري المتطور مما‬
‫يجعل في اول وهلة أن ال حديث الوارد في هذا الموضوع ال يتمشى مع هذا التطور الطبي وان‬
‫تعليمات اإلسالم ال تصلح لكل زمان ومكان‪ ،‬فمن هذا المنطلق البد من بحث في هذا الموضوع‬
‫بحثا وافيا والبد من نيله اهتماما مم قبل بعض الباحثين المجتهدين‪.‬‬
‫دراسات سابقة ‪ :‬لم أعثر على أبحاث معاصرة تنفرد بالبحث في هذا الموضوع ولعله هناك وأنا‬
‫عاجز عن الوصول إليها وعلى الرغم من ذلك عثرت على فتاوى متعددة متنوعة على مواقع‬
‫الكترونية من قبل منصات بعض مؤسسات دينية إسالمية‪ ،‬فمنها ما اقتصر على قول واحد من‬
‫أقوال الفقهاء فحرم مطلقا و منهم من توسع في البيان فعرض آراء الفقهاء فيها‪ ،‬وسأوردها في‬
‫آخر البحث بإذن هللا‪.‬‬
‫منهج البحث ‪ :‬انتجهت في هذا البحث منهجا وصفيا و استنباطيا‬
‫أما المنهج الوصفي فيتمثل في توثيق البحث بحيث أثبت كل األقوال المنقولة وأنسبها إلى قائلها‬
‫من مصادرها األصلي ثم أقوم بتعقبها ذاكرا عبارة موجزة موضحة لها ومؤكدة‪ ،‬ولم اكثر من نقل‬
‫العبارات واكتفيت بتفهم هذه األقوال ثم وضعته في عبارة منسجة‬
‫أما المنهج االستنباطي فهذا واضح في بناء وجهة نظري حول الصورة المعاصرة لهذه المعاملة‬
‫على أسس وشروط قد وضعها الفقهاء لبعض مسائل المعامالت المالية لتضبطها‪.‬‬
‫ثم اعتمدت في هذا البحث على مذهب الشافعية حيث أجعله أساسا لكل نقاط واردة في كل مبحث‬
‫وما نقلته من مذاهب أخرى فهو من باب االستئناس واالستكمال‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه البخاري في صحيحه رقم و‪٢٨٨٤‬‬


‫خطة البحث ‪ :‬وضعت خطة لهذا البحث المتواضع تعتمد على مقدمة و أربعة مباحث و خاتمة‪.‬‬
‫أما المقدمة فبينت فيها سبب كتابة البحث في هذا الموضوع وأهميته ودراسات سابقة والخطة‪.‬‬
‫أما المبحث األول فعرضت فيه تعريف عسب الفحل لغة وشرعا‪.‬‬
‫أما المبحث الثاني فبينت فيه موقع هذه المعاملة في أي باب يقع هو من أبواب الفقه‪.‬‬
‫و بعده المبحث الثالث عرضت وسردت فيه صورا تتم بها هذه المعامالت و ذكرت مسألتين فقهية‬
‫وثيقة صلة بموضوع البحث‪.‬‬
‫ثم في المبحث الرابع عرضت أقوال الفقهاء في بعض الصور المذكورة ثم بينت فيه وجهة نظر‬
‫الفقير وما وصل إليه من حكم لباقي الصور‪.‬‬
‫ثم الخاتمة أوردت فيه ما وصل إليه الباحث من نتائج والمالحقات و المراجع‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وما توفيقي إال باهلل عليه توكلت و إليه أنيب‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم عسب الفحل‬
‫ورد إلبنا كثير من أحاديث تتعلق بهذ الموضوع وأنه وارد من النبي عليه الصالة والسالم أنه قد‬
‫نهي عن عسب الفحل‪ ،‬من هذه األحاديث ما روي عن ابن عمر أن النبي عليه الصالة والسالم‬
‫نهي عن ثمن عسب الفحل‪ 2‬ومنها ما روي عن جابر أن النبي عليه السالم نهي عن بيع ضراب‬
‫الفحل‪.3‬‬
‫ولكن قبل أن نحكم على حرمته أو أو عدم حرمته البد أوال من تحديد معنى عسب الفحل لغة و‬
‫وما المراد به شرعا عمال بالقاعدة الحكم على شيء فرع عن تصوره وألن الحكم السليم الصحيح‬
‫ال ينتج إال بعد تصور سليم صحيح‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مفهوم عسب الفحل لغة‬
‫ورد لفظ العسب في اللغة مقترنا كثيرا بلفظ الفحل ونحوه والفحل كما هو معروف ومتبادر إلى‬
‫الذهن أنه الذكر من كل حيوان وعند اقترانه به يكون العسب على معان عديدة متقاربة‪ ،‬منها‬
‫ضرابه ومنها ماءه ‪-‬أي منيه‪ -‬ومنها ولده‪.‬‬
‫قال ابن منظور في كتابه لسان العرب‪" : 4‬العسب طرق الفحل أي ضرابه … وقيل العسب ماء‬
‫الفحل فرسا كان أو بعيرا …ويقال للولد عسب قال كثير يصف خيال أزلقت ما في بطونها من‬
‫أوالدها من التعب ‪:‬‬
‫يغادرن عسب الوالقي و ناصح تخص به أم الطريق عيالها‪...‬‬
‫والعسب الكراء الذي يؤخذ على ضرب الفحل‪...‬واألصل فيه الضراب والعرب تسمي الشيء باسم‬
‫غيره إذا كان معه أو من سببه كما قالوا للمزادة راوية"‬
‫فهنا يالحظ أن هناك ارتباط وثيق بين المعاني الثالثة األولى فالعسب يطلق تارة على عملية بها‬
‫يتم إنزل الفحل ماءه و تارة يطلق على الماء نفسه وتارة ثالثة يطلق على الشيء الناتج من هذا‬
‫الماء مع هذه العملية وهو الولد ‪.‬فالمعنى األول يكون سببا للثاني والثاني يكون سببا للثالث والثالث‬
‫يكون مسببا عن المعنيين األولين معا‪ ،‬وويالحظ أيضا أن إطالقه على تلك المعاني الثالثة إطالق‬
‫حقيقي بينما إطالقه على المعنى الرابع إطالق مجازي‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مفهومه شرعا‬
‫أما المراد به شرعا فاختلف العلماء في تحديده وذلك بسبب أن األحاديث الواردة في هذا الباب ال‬
‫تصرح بأي معنى من هذه المعاني مع غرابة هذا اللفظ‪ ،‬ولكن ومع ذلك ال يختلف كثيرا عن معانيه‬
‫اللغوية‪ ،‬فعرفه اإلمام النووي من الشافعية في المنهاج‪ ..." :5‬وهو ضرابه ويقال ماؤه ويقال أجرة‬
‫ضرابه"‪ ،‬وعرفه ابن قدامة من الحنابلة في المغني‪" :6‬عسب الفحل ضرابه‪ ...‬وتسمى األجرة‬
‫عسب الفحل مجازا"‬

‫‪ 2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه مسلم في صحيحه رقم ‪.١٥٦٥‬‬
‫‪ 4‬ج ‪ ١‬ص ‪.٥٩٨‬‬
‫‪ 5‬مغني المحتاج شرح المنهاج ج ‪ ،٢‬ص ‪.٤٠‬‬
‫‪ 6‬جزء ‪ ،٦‬ص ‪.٣٠٢‬‬
‫فالمعنى الشرعي للعسب هو نفس المعنى له في اللغة وكذا الفحل مع اقتصاره على ثالثة معان‬
‫هي الضراب والماء واألجرة ولم يشمل المعنى الرابع‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اندراج عسب الفحل في كتب الفقهاء القدامى‬


‫إن الذي تتبع كتب الفقهاء سيجد أنهم كانوا يتعرضون لهذا الموضوع عند كالمهم عن أنواع البيوع‬
‫المنهي عنها‪ ،‬وهذا قد يوهم أن هذه المعاملة في كل صورها تندرج تحت مسمى بيع‪ ،‬قال اإلمام‬
‫النووي في أول باب البيوع المنهي عنها بعد ما أورد ما روي عن جابر من حديث عسب الفحل‬
‫‪" :7‬فيحرم ثمن مائه وكذا أجرته في األصح"‪ ،‬وقال ابن قدامة في المغني‪ 8‬وبيع عسب الفحل غير‬
‫جائز‪ ...‬وإجارة الفحل للضراب حرام"‬
‫والحقيقة أن بعض الصور لهذه المعاملة داخل تحت مسمى بيع كما إذا كان المراد بالعسب الماء‬
‫وذلك واضح ألن عقد البيع يقع على عين والماء عين من األعيان‪ ،‬و في بعض األخرى تندرج‬
‫تحت مسمى إجارة كما إذا أردنا بالعسب الضراب فحينئذ ال يكون من ماصدقات البيع ألن الضراب‬
‫منفعة من المنافع والمنفعة كما هو مقرر في الفقه ال تملك لوحدها منفصلة عن عينها كبيع وإنما‬
‫تملك كإجارة إذا كان بمقابل و كإعارة إذا كان بغير مقابل‪.‬‬
‫فهنا اتضح أن هذه المعاملة مرة تكون بيعا و مرة تكون من جملة اإلجارة‪ ،‬وتارة ثالثة تكون من‬
‫باب اإلعارة‪ ،‬و من أمعن النظر في كتبهم سيستنتج أن اإلجارة هي أساس هذا المبحث نظرا‬
‫لصورها كما سيأتي بيانه حتى ولو كانوا لم يبحثوا فيه ضمن باب اإلجارة‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬صور تتم بها معاملة عسب الفحل و بعض المسائل الفقهية المتعلقة بهذه‬
‫المعاملة‬
‫أوال ‪ :‬صورها‬
‫لهذه المعاملة صور عديدة منها ماهي قديمة ومنها ماهي معاصرة وسنذكر منها مايلي ‪:‬‬
‫الصورة األولى ‪ :‬أن يستعير أو أن يعير شخص فحال عنده من أو لشخص آخر لقصد لقاحه أنثاه‬
‫تلقيحا طبيعيا من غير مقابل ثمن‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬أن يستعير أو أن يعيره مدة معينة لقصد اللقاح تلقيحا طبيعيا من غير مقابل ثمن‬
‫الثالثة ‪ :‬أن يستعير أو أن يعيره مدة معينة ل حاجات أخرى غير اللقاح أصالة و لقصد اللقاح تبعا‬
‫مقابل ثمن‬
‫الرابعة ‪ :‬استعارته أو إعارته لقصد اللقاح أصالة بمقابل ثمن‬

‫‪ 7‬مغني المحتاج شرح المنهاج ج‪ ،٢‬ص ‪٤٠‬‬


‫‪ 8‬جزء ‪ ،٦‬ص‪.٣٠٢‬‬
‫الخامسة ‪ :‬شراء السائل المنوي للفحل ذي صفات ممتازة ليتم تلقيحه وتخصيب اإلناث به تلقيحا‬
‫صناعيا‬
‫الفرق والتشابه بين الصور‬
‫من استعراض هذه الصور تبين أن ثمة أمورا مشتركة بين صورة و صورة أو بين بعضها ببعض‬
‫في حين وجود الفرق بينها‪ ،‬ولتوضيح هذه األمور أكثر نقول ‪:‬‬
‫‪.1‬أن كل صور ماعدا الصورة الخامسة عملية التلقيح فيه يتم عن طريق التلقيح الطبيعي‬
‫بأن يُترك الفحل ينزو على أنثاه متى شاء ونتركها تقبل النزو كما شاءت ثم إذا حصل‬
‫النزو والقبول ننتظر النتيجة هل التلقيح نجح أم ال وانفردت الصورة الخامسة بكونها عن‬
‫طريق يسمى بالتلقيح الصناعي‬
‫‪.2‬أن كال من الصورة األولى والثانية العملية فيها تتم من غير مقابل لها و باقي الصور‬
‫تكون بمقابل‬
‫‪.3‬أن الصورة الثانية والثالثة يكون استعارة الفحل وإعارته فيهما لمدة معينة بينما الباقي‬
‫العقد فيها ال تُذكر فيه المدة‬

‫ثانيا ‪ :‬المسائل الفقهية المتعلقة بالصور لهذه المعاملة‬


‫قبل التعرض ألقوال الفقهاء عن حكمها و اختالفهم فيه يلزم ذكر بعض المسائل الفقهية التي تنبني‬
‫عليها هذه المعاملة ليتم التخريج الفقهي لها بصورة واضحة صحيحة‪ ،‬وسنكتفي بذكر مسالتين‬
‫مهمتين تنبني عليها الصور الثالثة والرابعة والخامسة وتكمن فيهما علة الحكم لهذه الصور‪ ،‬فنقول‬
‫‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬المعقود عليه في اإلجارة واالستئجار‬
‫اإلجارة كما هو مقرر في الفقه معاملة من معامالت مشروعية في اإلسالم والدليل على ذلك قوله‬
‫تعالى ‪ :‬فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‪ .‬وجه الداللة من اآلية أن اإلرضاع بمقابل أجرة نوع‬
‫من أنواع اإلجارة والشرع قد أمر بإتيان األجرة عليه واألمر بإتيان األجرة ‪-‬مع اختالف العلماء‬
‫في معنى األمر هل للوجوب أم للندب وما إلى ذلك‪ -‬يدل على أنه لم ينكر هذه المعاملة بل و أقرها‬
‫واإلقرار بها منه وعدم اإلنكار دليل على أنها جائزة‪.‬‬
‫وكما هو شأن سائر المعامالت لها أركان و شروط كذلك اإلجارة يكون من ضمن أركانها المعقود‬
‫عليه وهو في هذا الباب عبارة عن أجرة و منفعة وهذه المنفعة إما أن تكون واردة على عين من‬
‫األعيان وإما على ذمة والواردة على األعيان لها نوعان نوع تكون على صورة المنفعة ‪-‬المعروف‬
‫بلغتنا المعاصرة بإجارة المنافع‪ -‬كإجارة دار للسكنى فالسكنى هنا يكون منفعة ونوع تكون على‬
‫صورة عمل ‪-‬المعروف باسم إجارة األعمال‪ -‬من شخص ‪-‬فالشخص هنا يقوم مقام العين‪ -‬كأن‬
‫يُطلب من غسال غ ْس ُل ثياب بمقابل ثمن فالغسل منه يكون منفعة لكن على هيئة عمل‪.‬‬
‫وقد وضع الفقهاء شروطا لهذا المعقود عليه خاصة للمنفعة‪ ،‬وسنذكر بعض ما لها من شروط لما‬
‫من ارتباطها الوثيق ببحثنا عن موضوع عسب الفحل ونترك الكالم عن األجرة‪ ،‬من هذه الشروط‬
‫‪:‬‬
‫‪.1‬كون عينها ‪-‬ويدخل فيه ما إذا كان الشخص قام مقام العين‪ -‬باقية غالبا في مدة اإلجارة‬
‫مع استخدام المنفعة التي فيها وهذا أمر بديهي ألن العين المستهلكة باستخدام منفعتها ال‬
‫تؤجر لكنها تباع فال يجوز إجارة طعام ألكله مثال‪.‬‬
‫‪.2‬أن تكون المنفعة معلومة عينا وصفة و قدرا بمعنى أن تكون العين التي فيها المنفعة تتعين‬
‫عند العقد ويعرفها العاقدان فاليجوز مثال أن يقول عاقد آلخر استأجرت منك إحدى‬
‫سيارتيك‪ ،‬وأن يكون المستأجر عنده معلومات عن أوصاف هذه العين عند العقد وهذا‬
‫خاص بما إذا كانت العين المؤجرة غائبة عند العقد ‪،‬وأن ت ُقدر عند العقد إما بمدة وإما‬
‫بعمل على حسب نوع اإلجارة‪ ،‬فإذا كان من النوع األول ‪-‬الذي هو إجارة المنافع ‪ -‬فتقدر‬
‫المنفعة بمدة بأن تقدر مدة استئجار عينها في العقد‪ ،‬كأن يقول مثال ‪ :‬استأجرت منك هذه‬
‫السيارة لمدة يوم بمبلغ كذا‪ ،‬وإذا كان من النوع الثاني ‪-‬الذي هو إجارة األعمال‪ -‬فتقدر‬
‫بعمل كأن يقول في العقد ‪ :‬اطبع لي هذا الكتاب الذي على هيئة ب د ف فيقول اآلخر‬
‫قبلت طباعته بمقابل كذا للتكلفة‪ ،‬أو تقدر أيضا بزمان كأن يقول ‪ :‬شغلني في مطعمك‬
‫كطباخ فقال اآلخر ‪ :‬قبلت بمقابل كذا من المال لشغلك ‪ ٨‬ساعات في اليوم على مدار‬
‫شهر‪ ،‬فقال األول ‪ :‬نعم قبلت‪.‬‬
‫و تمشيا مع هذا الشرط ما ذكره ابن القاسم من المالكية حيث اشترط بجانب ذلك معرفة‬
‫بنسبة نجاح العمل ونتاجه مما نصه ‪ :‬وهو الصحيح إن كان ذلك فيما يعرف وجه خروجه‬
‫كبيعه ثوبا على أن البائع خياطه أو قمحا على أن يطحنه أو فيما ال يعرف وجه خروجه‬
‫ولكن يمكن إعادته للعمل كبيعه صفرا على أن يعمل البائع قدحا‪ ،‬وما أشبه ذلك فذلك جائز‬
‫واما ما ال يعرف وجه خروجه وال يمكن إعادته للعمل كبيعه غزال على أن على البائع‬
‫نسجه أو الزيتون على أن على البائع عصره أو الزرع على أن على البائع حصاده ودرسه‬
‫وما أشبه ذلك فال يجوز باالتفاق"‪.9‬‬
‫‪.3‬كون المؤجر قادرا على تسليمها بحيث انتفى مانع حسي أو شرعي من التسليم ككون‬
‫العبن مثال ضاعت وقت العقد أو غير مملوكة له‪ ،‬و ذكرنا العين على أنها هي المعتبرة‬
‫في القدرة على التسليم واالستالم ألن القدرة على تسليم المنفعة متوقفة على القدرة على‬
‫تسليم عينها‪.‬‬
‫ثم قد يوهم أن هذا الشرط البد منه في منافع األعيان دون منافع األعمال‪ ،‬وليس مرادا بل‬
‫يشترط في منافع األعمال أيضا بحيث أن خدمات مقدمة من المؤجر تناسب مهارة‬
‫صناعته‪ ،‬قال الخطيب الشربيني شارحا لنص المنهاج ‪ :‬وال يصح استئجار (أعمي) إجارة‬
‫عين (للحفظ) فيما يحتاج للنظر‪.‬‬
‫وهذا الشرط متوقف على الشرط الثاني فيما إذا إذا كانت اإلجارة إجارة أعمال‪ ،‬فما تعرف‬
‫نسبة نجاحه من نتاج الخدمات المقدمة من المستأجر مقدور على تسليمه منه كما هو‬
‫واضح‪.‬‬

‫المعقود عليه في البيع‬


‫المعقود عليه في البيع عبارة عن البضاعة المبيعة و الثمن‪ ،‬وقد وضع الفقهاء لكل منهما شروطا‬
‫عديدة خاصة للبضاعة والغرض من وضع هذه الشروط ليس إال لتحقيق روح الشريعة اإلسالمية‬
‫ومقاصدها في كل المعامالت المالية عامة و في البيع خاصة من اجتناب أي تغرير و خدع و حيل‬

‫مواهب الجليل شرح مختصر الخليل جزء ‪ ،٦‬ص ‪.١٤٣‬‬ ‫‪9‬‬


‫يحتمل ارتكابها بعض الناس فتحصل الخناقة والنزاع بينهم وامتثاال لقوله عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫"ال ضرر وال ضرار" وقوله تعالى ‪ :‬وال تنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم"‪ ،‬ولذلك نجد أن بعضهم‬
‫شددوا فيها نوعا ما‪ ،‬ومن هذه الشروط للبضاعة ‪:‬‬
‫‪.1‬أن تكون منتفعا بها انتفاعا يعتد به شرعا بحيث أن هذا النفع منها يصلح عرفا أن يؤخذ‬
‫بمقابلها مال فتكون متقومة‪.‬‬
‫طهر‬‫‪.2‬أن تكون طاهرة شرعا بأن ال تكون نجسا وال متنجسة ال يرجى طهورها مهما ت ُ َ‬
‫‪.3‬القدرة على التسليم بأن ال يظهر من البائع تعذر من تسليم البضاعة المبيعة‪.‬‬
‫هذه شروط ينبغي ذكرها في هذا المبحث لتعلقها تعلقا وثيقة بموضوعنا بحيث أنها تعتد ضابطة‬
‫للموضوع وأسسا مبني عليها‪.‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬أقوال الفقهاء في هذه المعاملة وأدلتهم فيها‬


‫اتفق الفقهاء على أن هذه المعاملة إذا كانت من باب اإلعارة بأن استعير الفحل للضراب من غير‬
‫مقابل لهذا الضراب جائزة بل مندوبة ‪ ،10‬وإذا أعطى صاحب األنثى لصاحب الفحل ماال كهدية‬
‫ال كمقابل للضراب فأخذه جائزعند الجمهور وخالفهم اإلمام أحمد في رواية فإن أخذه عنده ال‬
‫يجوز‪ ،‬فعلى هذا تكون الصورتان األ ُ ْولَيان جائزتين‪.‬‬
‫ثم بالنسبة للصورة الثالثة ‪-‬مالحظا بكونها من ضمن عقد إجارة‪ -‬ذهب بعض الشافعية إلى‬
‫جاوزها ‪ ،‬قال قليوبي في حاشيته على شرح المحلي على المنهاج ‪" :‬وما قيل من صحة استئجاره‬
‫لإلنزاء محمول على ما إذا استأجره مدة فله حينئذ إنزاؤه"‪ ،‬و دليلهم على ذلك أن العقد هنا واقع‬
‫على منافع الفحل عموما ال خصوص الضراب واستئجاره بهذه الصورة كاستئجار أي دابة أخرى‬
‫يكون تقديرها بمدة ‪ -‬وقد ذكرنا هذا األمر عن كالمنا عن شروط المعقود عليه في اإلجارة‪ ،-‬أما‬
‫النهي الوارد في الحديث إنما عن ما إذا كان العقد على خصوص الضراب فهو حينئذ ال يجوز‬
‫ألن المنفعة كما قلنا تقدر إما بمدة وإما بعمل وهذه المنفعة ‪-‬التى هي ضراب‪ -‬تقديرها في هذه‬
‫الصورة يكون بعمل القحل ولكن التقدير به غير منضبط ألن عمل الضراب من الفحل راجع‬
‫الختيار الفحل نفسه ونحن ليس عندنا معرفة بمواعد ضرابه و نزوه ففقد االنضباط‪ ،‬وإذا فقد‬
‫االنضباط فقد الشرط الذي هو العلم بمنفعة العين المؤجرة قدرا‪ ،‬وإضافة على ذلك أن هذا يؤدي‬
‫إلى عدم القدرة من المؤجر على تسليم تلك المنفعة فحينئذ يخل بالشرطين معا‪.‬‬
‫ثم بالنسبة للصورة الرابعة – وهي أيضا ضمن باب اإلجارة‪ -‬فاختلف الفقهاء فيها حيث ذهب‬
‫جمهور الفقهاء على تحريمها بنص الحديث وعللوا في ذلك أن المنفعة في هذه الصورة غير‬
‫المقدور على تسليمها نتيجة فقد االنضباط كما ذُكر آنفا‪ ،‬قال اإلمام المحلى في شرحه على‬
‫المنهاج‪" :11‬وضرابه لتعلقه باختياره غير مقدور عليه للمالك"‪ ،‬و قال ابن قدامة في المغني‪: 12‬‬
‫"وألنه مما ال يقدر على تسليمه فأشبه إجارة اآلبق وألن ذلك متعلق باختيار الفحل وشهوته"‪ ،‬في‬

‫‪ 10‬حاشيتا قليوبي وعميرة ومعها شرح المحلي جزء ‪ ،٢‬ص ‪.١٧٥‬‬


‫‪ 11‬حاشيتا قليوبي وعميرة ومعها شرح المحلي نفس الجزء والصفحة‪.‬‬
‫‪ 12‬ج ‪ ،٦‬ص ‪.٣٠٣‬‬
‫حين ذهب بعضهم إلى جوازها قياسا على االستئجار لتلقيح النخل وهذا ما ذهب إليه بعض‬
‫الشافعية‪ ،‬قال الخطيب الشربيني في مغنيه‪" : 13‬والثاني يجوز كاالستئجار لتلقيح النخل"‬
‫أما بنسبة للصورة الخامسة فلم يُعثر على أقوال الفقهاء فيها لما من كونها من قضايا معاصرة‬
‫متطورة لم تكن واقعة في زمانهم‪ ،‬ولكن ومع ذلك يصلح أن يجرى فيه التكييف والتخريج الفقهي‬
‫كما هو شأن سائر المعامالت المعاصرة عند عرضها على الفقه اإلسالمي تحقيقا لصالحيته لكل‬
‫زمان ومكان‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫أن هذه الصورة تشتمل على عقدين ‪ :‬إجارة المنافع و عقد البيع‪.‬‬
‫توضيح ذلك ‪ :‬أن العقد في هذه الصورة يتكون من ثالثة أطراف يتعاملون مع بعضهم البعض ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬صاحب الذكور من الحيوانات ذو صفات ممتازة التي تم استنزال منيه بعد الموافقة من‬
‫الصاحب وإعطاءه مقابل مالي على هذه الموافقة‬
‫الثاني ‪ :‬صاحب اإلناث من الحيوانات التي تتم فيها عملية التخصيب الصناعي‪ ،‬ويدفع مبلغا من‬
‫المال مقابل هذه العملية و المني المستخرج‬
‫الثالث ‪ :‬الدكتور البيطري الذي يقوم بعملية التلقيح اصطناعيا ويأخذ مبلغا من المال على العملية‬
‫التي قام بها‬
‫فالذي جرى بين الطرف األول والثاني عقد البيع ألنه دفع ماال للطرف األول مقابل المني‬
‫المستخرج‪ ،‬فالطرف األول بائع والثاني مشتر‪ ،‬والذي جري بين الطرف الثاني و الثالث عقد‬
‫إجارة األعمال ألنه دفع مبلغا من المال مقابل العمل الذي قام الطرف الثالث‪ ،‬فالطرف الثاني‬
‫مستأجر و الطرف الثالث مؤجر‪.‬‬
‫وهناك صورة أخري قريبة منها بيانها كاآلتي ‪:‬‬
‫الطرف الثالث الذي هو الدكتور البيطري قام على تجميع السائل المنوي من ذكور الحيوانات ذو‬
‫صفات ممتازة الذي يمتلكه صاحبه ‪-‬الذي هو الطرف األول في الصورة السابقة‪ -‬ثم يبيع هذا‬
‫السائل لمن له إناث الحيوان ‪-‬الذي هو الطرف الثاني‪ -‬وقام بتخصيبه اصطناعيا بالمعمل‪.‬‬
‫فاألطراف في هذه الصورة نفس األطراف التي في الصورة السابقة لكن الدور مختلف‪ ،‬فالطرف‬
‫الثالث هنا قام بثالثة أدوار ‪ :‬دور مشتري وذلك حين دفعه ماال للطرف األول مقابل السائل المنوي‪،‬‬
‫و دور بائع وذلك حين أخذه مبلغا ماليا من الطرف الثاني الذي هو صاحب اإلناث فدفع له هذا‬
‫الصاحب و ذلك مقابل السائل وفي نفس الوقت قام بدور مؤجر حين أخذه مبلغا آخر مقابل عمله‬
‫في التلقيح االصطناعي‪ .‬فما حصل ما بين الطرف األول والثالث عقد بيع‪ ،‬وما حصل بين الطرف‬
‫الثاني والثالث عقد بيع وفي نفس الوقت يجري بينهما عقد إجارة أعمال‪.‬‬
‫فمهما يكن من أمر العقد في كال الصورتين يتكون من عقد بيع وإجارة األعمال‪.‬‬
‫إذا تتبعنا نصوص الفقهاء في هذه المسألة وجدنا أن بيع السائل المنوي للفحل حرام بنص الحديث‬
‫ثم عللوا في هذا التحريم و قالوا أن العقد هنا وارد على مني الفحل وهو غير مقدور على تسليمه‬

‫‪ 13‬ج ‪ ،٢‬ص ‪.٤١‬‬


‫و وغير معلوم وغير متقوم‪ ،‬قال اإلمام المحلى في شرحه على المنهاج بعدما ذكر حكم بيع ثمن‬
‫ماء الفحل‪" : 14‬والمعنى فيه أن ماء الفحل ليس بمتقوم وال معلوم وال مقدور على تسليمه"‪.‬‬
‫ثم إذا فحصنا هذه العلل في الصور االتي كانت تحصل في زمانهم وجدنا أن العلة األولى فعال‬
‫متحقق فيها لتوقف تسليم السائل على نزو الفحل وهذا مما ال يقدر صاحبه على تحديد موعده‪،‬‬
‫وكذلك العلة الثانية لعدم المعرفة بوصفه من الكمية والجودة وبموعد تسليمه‪ ،‬وكذلك العلة الثالثة‬
‫متحققة نتيجة العلة الثانية ونتيجة عدم االنتفاع به حالة كونه مازال على هيئة سائل‪ ،‬ولكن في هذه‬
‫الصورة المعاصرة إذا فحصنا فيها وجدنا أن العلة األولى منتفية منها لعدم توقف التسليم على‬
‫اختيار الفحل في الضراب‪ ،‬وكذلك العلة ثانية تكون منتفية عنها لتمكننا من معرفة الكمية والجودة‬
‫نتيجة التطور الطبي الحديث في هذا العصر‪ ،‬ولكن ومع ذلك بقيت العلة األخيرة التي مازلت‬
‫متحققة فيها التي تجعله ال يصلح كونه بضاعة شرعية يؤخذ في مقابلته مال وهي عدم النفع فيه‬
‫و االنتفاع به من قبل المشتري‪.‬‬
‫ووجه عدم النفع فيه أن سائل منوي الفحل مهما كان جودته ومهما كان امتياز الفحل الذي نزل‬
‫هو منه فإنه في حالة كونه على هيئة مني شيء عديم المنفعة ودليل ذلك أنه بعد استخراجه من‬
‫الفحل وتجميعه ال يستطيع الدكتور فعل شيء إال تخزينه بل و أجرى فيه عملية كيمياوية حتى‬
‫يضمن بقاءه و صالحيته وعدم فساده عند التخزين‪ ،‬فنسبة عروضه للفساد عالية جدا مما يجعله‬
‫غير مقدور على االنتفاع به‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬قد يقال أن النفع هنا متحقق ألن مآله في اآلخر كونه ولدا فبالتالي يكون متقوما خاصة أن‬
‫الفحل من فحول ذو صفات ممتازة فال محالة في طلوع ولده مثله ولهذا سيكون سعره غاليا في‬
‫السوق إذا يباع‪ ،‬نقول أن التقوم المراد هنا أن يكون المبيع متقوما وقت العقد وهذا ال يتحقق‪.‬‬
‫ولكن مع هذا التحربم في أخذ المبلغ مقابلة السائل المنوي نتيجة العلة المتحققة فيه ا ُقترح اقتراح‬
‫من الفقهاء كحل لهذا فجوزوا إعطاء شيء سواء كان نقودا أو بضاعة لصاحب الفحل كهدية‪،‬‬
‫ولكن البد أن يالحظ الفرق مابين هذين الشيئين الثمن والهدية‪ ،‬فالمبلغ المدوفع إذا كان موافقا‬
‫للسعر المحدد بحيث اليجوز دفع ما يقل من هذا المحدد فهو حينىذ ثمن وليس هدية‪ ،‬فال يجوز‬
‫تحديد سعر للسائل المنوي ثم أطلق عليه أنه هدية‪ ،‬فإن الهدية يٌترك لل ُمهدي فيها أن يعطي ما شاء‬
‫من مبلغ حتى ولو كان أقل بكثير من السعر المحدد‪.‬‬
‫وأما عقد إجارة األعمال الذي جري في كال الصورتين فصحته متوقف على استيفاءه الشروط‬
‫المذكورة في المبحث الثالث وبخاصة الشرط الذي اشترطه ابن القاسم من المالكية من معرفة‬
‫بنسبة نجاح العمل ونتاجه‪ ،‬فما كانت نسبة نجاحه ضئيلة أو لم تصل إلى ما أكثر من ‪ ٩٠‬في المئة‬
‫فال يصح لكون الغرر والجهالة متحققين فيه‪ ,‬فال يجوز أخذ إجراءات عملية مازالت في المرحلة‬
‫التجريبية وتحمل المخاطر بها ثم األخذ بمقابلها ماال‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال أن العملية مثل هذه تحتاج من الدكتور البيطري تكلفة ليست بقليلة من مقتضيات‬
‫و مستلزمات و اجراءات طبية بالمعمل حتى تتم العملية فهل ال يجوز دفع مبلغ من المال من‬
‫صاحب اإلناث مقابل هذا كله‪.‬‬
‫واإلجابة على هذا السؤال محتاجة إلى النظر بالتفصيل والدقة في أمور فقهية و إجتماعية و‬
‫إقتصادية متعلقة به والموازنة بينها‪ ،‬وليس محله هنا وال يسع الكالم فيه‪.‬‬

‫‪ 14‬حاشيتا قليوبي وعميرة ومعاه شرح المحلي جزء ‪ ،٢‬ص ‪١٧٥‬‬


‫الخاتمة‬
‫نتائج البحث ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء ليس إال ألجل أن تنضبط المعامالت حيث إذا‬
‫حصل النزاع نستطيع الرجوع إليها والنظر فيها للموازنة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن ما ورد من تعليمات شرعية من النبي عليه الصالة والسالم وبخاصة إذا تعلقت بتحريم‬
‫أشياء أصلها مباحة البد من فحص علة تحريمه كما قام بذلك الفقهاء القدامى ليتمكن من بعده من‬
‫إجراء القياس في حوادث تحصل ولم تكن حاصلة حيث إذا تحققت العلة فيها حرمت وإال فبقيت‬
‫على جوازها‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مع تحريم الشريعة اإلسالمية لبعض األمور فإنها توفر بدائل لها كحل لمسألة إلحاح حاجة‬
‫الناس إليه كما هو واضح في جواز إعطاء هدية لصاحب الفحل بديال عن إعطاءه ثمنا‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن الغرر والجهالة في المعاملة المالية منعها الشريعة منعا باتا مما يجعل هذه الشريعة‬
‫الغراء متمشية و متوافقة مع العقل السليم وحقوق اإلنسان فبالتالي تكون صالحة لكل زمان ومكان‬
‫و أشخاص‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم بالصواب‪.‬‬


‫مالحقات‬
‫بعض فتاوى متعددة ذات صلة بالموضوع‬
‫‪.1‬فتوى من منصة دائرة اإلفتاء تابعة للمملكة األردونية الهاشمية‬

‫اشتريت حصانا وأعلم أنه يحرم تقاضي أجرة مقابل عملية اإلنزاء‪ ،‬فهل يجوز تقاضي أجرة مقابل‬
‫ما أقوم به من رعاية للفرس التي أُحضرت ل َي ْن ُز َو عليها حصاني كإطعام ومبيت وغير ذلك‪ ،‬وهل‬
‫يجوز أن أقوم بتأجير حصاني لصاحب الفرس مدة معينة كساعة أو يوم أو يومين وهو يستخدم‬
‫الحصان في عدة أمور منها اإلنزاء؟‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا رسول هللا ال نرى حرجا في استئجار الفحل من الدواب‬
‫أياما معلومة‪ ،‬أو مرات محددة‪ ،‬وينتفع المستأجر في تلك المدة بإنزاء الفحل على األنثى من‬
‫الدواب‪ ،‬ويشفع لهذا الحكم بالجواز أمور عدة‪:‬‬

‫صلَّى هللاُ َ‬
‫علَيْه‬ ‫أوال‪ :‬المقصود بالنهي الوارد في حديث ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪( :‬نَ َهى النَّب ُّ‬
‫ي َ‬
‫عسْب الفَحْ ل) متفق عليه‪ ،‬هو استئجار الفحل لتحقيق الحمل‪ ،‬وهذا من بيوع الغرر؛ ألن‬ ‫سلَّ َم َ‬
‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫تحقق الحمل غير مضمون‪ ،‬والشريعة وردت بالنهي عن كل ما فيه غرر يفضي إلى التنازع‬
‫والغبن‪ ،‬وهو األشبه في تفسير هذا النوع من البيوع‪ ،‬واألقرب إلى قياس النظائر الفقهية األخرى‪.‬‬

‫أما إذا استؤجر الفحل للضراب مطلقا سواء وقع الحمل أم لم يقع‪ ،‬فال غرر في هذا البيع‪ ،‬وال وجه‬
‫للنهي عنه‪ ،‬بل األصل جوازه لما فيه من تحقق "المنفعة المقصودة المنضبطة" كما يقول القرافي‬
‫رحمه هللا‪ .‬يقول اإلمام مالك رحمه هللا‪" :‬إذا استأجره ‪ -‬يعني الفحل ‪ -‬ينزيه أعواما معروفة بكذا‬
‫وكذا فهذا جائز‪ ،‬وإن استأجره ينزيه شهرا بكذا وكذا فذلك جائز‪ ،‬وإن استأجره ينزيه حتى تعلق‬
‫الرمكة ‪ -‬أي الفرس ‪ -‬فذلك فاسد ال يجوز"‪[ .‬المدونة‪ .]438/3‬ويقول الشيخ الدردير المالكي‬
‫رحمه هللا ‪-‬في معرض تعداد صور من بيوع الغرر المنهي عنها‪(" :-‬كعسيب الفحل يستأجر على‬
‫عقوق ‪ -‬أي إحمال ‪ -‬األنثى) حتى تحمل‪ ،‬وال شك في جهالة ذلك؛ ألنها قد ال تحمل‪( ،‬وجاز زمان)‬
‫كيوم أو يومين (أو مرات) كمرتين أو ثالث بكذا"‪[ .‬الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي‪.]58/3‬‬

‫ثانيا‪ :‬قال فقهاؤنا الشافعية رحمهم هللا‪ :‬من استأجر الفحل لالنتفاع به انتفاعا مطلقا من غير تحديد‬
‫منفعة اإلنزاء وال غيرها‪ ،‬فاستعمله المستأجر في طروق األنثى تبعا ال استقالال فال يدخل ذلك في‬
‫النهي‪ ،‬بل قال آخرون من الشافعية إن النهي متعلق بما إذا استأجر الفحل لينزو على األنثى‪ ،‬وهذا‬
‫صاحب الفحل ليساعد في‬
‫َ‬ ‫ما قد ال يحصل‪ ،‬فالفحل قد ينزو بنفسه وقد ال ينزو‪ ،‬ولكن إذا استأجر‬
‫إطراق الفحل وتيسير طريقة إنزائه على األنثى فال حرج حينئذ‪ .‬يقول ابن حجر الهيتمي رحمه‬
‫هللا‪" :‬يستأجر صاحب األنثى الفحل بمال معين زمنا معينا ولو ساعة ألن ينتفع به ما شاء‪ ،‬فتصح‬
‫هذه اإلجارة‪ ،‬كما هو قياس كالمهم في بابها‪ ،‬ويستوفي منافعه ولو بأن يحمله على أنثاه؛ ألن ما‬
‫ال يجوز االستئجار له قصدا يجوز له تبعا"‪[.‬الزواجر‪ .]382/1‬ويقول الشبراملسي الشافعي رحمه‬
‫هللا‪" :‬محل حرمة االستئجار حيث استأجره للضراب قصدا‪ ،‬فلو استأجره لينتفع به ما شاء جاز أن‬
‫يستعمله في اإلنزاء تبعا الستحقاقه المنفعة‪ ،‬بخالف ما لو استأجره للحرث أو نحوه فال يجوز‬
‫استعماله في اإلنزاء؛ ألنه إنما أذن له في استعماله فيما سماه له من حرث أو غيره"‪[.‬حاشية نهاية‬
‫المحتاج‪.]447/3‬‬

‫ثالثا‪ :‬من منع من إجارة الفحل مطلقا كالحنفية والحنابلة قالوا ال بأس بدفع هدية أو إكرامية غير‬
‫مشروطة لصاحب الفحل‪ ،‬يقول البهوتي الحنبلي رحمه هللا‪" :‬وإن أطرق إنسان فحلَه بغير إجارة‬
‫وال شرط‪ ،‬فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك‪ ،‬فال بأس؛ ألنه فعل معروفا فجازت مجازاته‬
‫‪15‬‬
‫عليه"‪[ .‬كشاف القناع ‪ .]563/3‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪.2‬فتوى من منصة دار اإلفتاء المصرية‬

‫ما هو الحكم الشرعي في مسألة عسب الفحل؟ حيث يمتلك أحد أصحاب الخيل ساللة نادرة من‬
‫الخيل‪ ،‬ويقوم بإعطاء خيله لمن يمتلك خيال إناثا إلجراء عملية التزاوج نظير مبلغ معين محدد‬
‫مسبَّقا‪.‬‬

‫يحرم بيع عسب الفحل؛ لحديث ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪" :‬نهى رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم عن عسب الفحل" رواه البخاري‪ ،‬وإنما يجوز استئجار الخيل للضراب بشرط أن تكون‬
‫المدة معلومة‪.‬‬

‫اتفق الفقهاء على عدم جواز بيع عسب الفحل؛ لحديث عبد هللا بن عمر رضي هللا تعالى عنهما‬
‫قال‪" :‬نهى رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم عن عسب الفحل" رواه البخاري‪ ،‬وألنه عند العقد‬
‫معدوم وال يصح بيع المعدوم‪.‬‬

‫أ َّما إجارة الفحل للضراب فمح ُّل خالف بين الفقهاء؛ حيث يرى جمهور الفقهاء تحريمها‪ ،‬حمال‬
‫للنهي في الحديث السابق على البيع واإلجارة‪ .‬وأجاز الحنابلة لمن عنده اإلناث واحتاج لفحل‬
‫يطرقها ولم يجد من يبذله مجانا أن يبذل الكر اء‪ ،‬والحرمة على اآلخذ فقط حينئذ‪ ،‬وهو مذهب‬
‫عطاء‪ ،‬ويرى المالكية ‪ -‬وهو مقابل األصح عند الشافعية ورأي أبي الخطاب من الحنابلة ومذهب‬
‫للضراب‪.‬‬ ‫الفحل‬ ‫إجارة‬ ‫يجوز‬ ‫‪-‬أنه‬ ‫سيرين‬ ‫وابن‬ ‫البصري‬ ‫الحسن‬
‫ونحن نميل إلى األخذ بهذا الرأي في جواز استئجار الخيل للضراب؛ لظنية الدليل الوارد‪ ،‬وألن‬
‫في ذلك تحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها‪ ،‬وحمال على إجارة الظئر للرضاع‪ ،‬وقياسا على‬
‫جواز إعارة الفحل للضراب‪ ،‬مع التنبيه على ضرورة كون االستئجار لمدة معلومة‪ ،‬أما المدة غير‬

‫‪https://aliftaa.jo/Question2.aspx?QuestionId=3176#.Y_HqLKTb40F‬‬ ‫‪15‬‬
‫المعلومة كاالستئجار لحين الحمل فغير جائز كما صرح بذلك السادة المالكية وغيرهم‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وهللا سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬

‫المراجع‬

‫‪.1‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني‪ ،‬ط دار الكتب‬
‫العلمية بيروت لبنان سنة ‪٢٠٠٠‬م ‪،‬و ط دار المعرفة بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪١٩٩٧‬م‪.‬‬
‫‪.2‬حاشيتان للقليوبي و عميرة ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة سنة‬
‫‪١٩٥٦‬م‪.‬‬
‫‪.3‬المغني البن قدامة‪ ،‬تحقيق عبد هللا بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو‪،‬‬
‫ط دار عالم الكتب الرياض‪ ،‬سنة الطبعة غير معروفة‪.‬‬
‫‪.4‬مواهب الجليل شرح مختصر الخليل للحطاب مع تحقيق و تعليق من كواكب علماء‬
‫الشنقيط‪ ،‬نشر دار الرضوان نواكشوط موريتانيا‪ ،‬طبعت سنة ‪٢٠١٠‬م‬
‫‪.5‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬ط دار صادر بيروت‪ ،‬سنة الطبعة غير معروفة‪.‬‬
‫‪ .6‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول هللا المشهور بصحيح البخاري‪،‬‬
‫ط جمعية المكنز اإلسالمي ألمانيا‪ ،‬سنة الطبعة غير معروفة‪.‬‬

‫‪https://www.dar-alifta.org/ar/fatawa/11299/%D8%B9%D8%B3%D8%A8 - 16‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AD%D9%84‬‬

You might also like