Professional Documents
Culture Documents
1
بمعنى إيقاع الحكم على النازلة ،وسبيله تحقيق المناط على الوقائع المتجددة ،فإن الحكم المعلق
بوصف يحتاج في الحكم على المعين أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه.
مالحظة :هذه الخطوات بفروعها يمكن أن تتوافر جميعا في فتوى نازلة ،وقد ال يظهر
بعضها ،وقد يبدو بعضها باإلشارة ال بالعبارة ،وقد يقع فيها التقديم والتأخير.
المسألة الثانية
حكم زكاة حلي الصبيان
ّ
لنص.
أوال :ا ّ
"سئل اإلمام أبو عبد هللا المازري رحمه هللا (ت536هـ) عن حلي الصبيان من الذهب والفضة هل
عنده رخصة في سقوط الزكاة فيه"()1؟
"أجاب -رحمه هللا :أما مسألة زكاة الحلي فقد استقصينا الكالم في كتابنا المترجم بشرح التلقين،
وذكرت فيه اختالف فقهاء األمصار في ثبوت الزكاة أو نفيها إذا ملكه الكبار من النسوان للزينة به
والتجمل ،وأوعبنا سبب الخالف في ذلك وأسرار الفقهاء فيه ،وما يتعلق بذلك من مسألتك هذه وغيرها،
فليطالع هناك.
()2
إلى تزكيته إذا كان حليا ملكه الذكران من الصبيان ،بناء على منع تحليتهم وقد أشار ابن شعبان
قياسا على الكبار؛ ألنهم وإن لم يكونوا متعبدين في أنفسهم فالبالغون الذين يملكون أمرهم مخاطبون
بذلك ً
فيهم على إجرائهم على حكم المكلفين وتمرينهم عليه في مثل هذه المعاني .كما أمرنا أن نخاطبهم
بالصالة ونضربهم عليها وإن كانوا غير مكلفين بها.
وبعض شيوخنا يرى أن المدونة يقتضي ظاهرها خالف ذلك لقوله في كتاب الحج منها :أنه ال بأس
أن يحرم الصبيان وفي أيديهم األسورة .وإذا جاز تمكينهم من لباسه والتجمل به سقطت الزكاة فيه لكونه
مباحا.
مما يقتنى اقتناء ً
وكشف الغطاء عن هذه المسألة وما يتعلق بها تطلع عليه من األسرار كشفناها في كتابنا شرح
التلقين لما ذكرنا مذهبنا فيه ومذهب المخالف .وباهلل تعالى التوفيق"(.)3
( )1فتاوى المازري جمعها د .الطاهر المعموري ،طبعة الدار التونسية للنشر ،ص .107وهي في المعيار المعرب
للونشريسي 306/6( ،وما بعدها).
( )2هو شيخ المالكية أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العماري ِ
المصري المعروف ِبابن القرطي
(ت355ه) كان إماماً وفقيهاً مالكي المذهب ،ومؤرخا ،وأديبا ،و محدثا .ألف كتاب الزاهي في الفقه ،-وكتاب مناقب
مالك ،وكتاب شيوخ مالك ،وكتاب الرواة عن مالك ،وغيرها .ترتيب المدارك ،للقاضي عياض 274/5( ،وما بعدها)،
والديباج المذهب ،البن فرحون.)194/2( ،
( )3فتاوى المازري ،ص110ـ ،111والمعيار المعرب للونشريسي.)309/6( ،
2
وأضاف الونشريسي (ت914ه) في المعيار المعرب بعد نقله فتوى المازري:
()4
عن هذه المسألة بعينها فقال :فأما حلي الصبيان المذكور فالظاهر عندي أن وأجاب أبو الفرج
تحليتهم بما يكره للذكور المكلفين لباسهم أو يحرم ال يسوغ من لباس الحرير والتحلي بالذهب والفضة من
()5
واألسورة وأشباه ذلك .ألنه وإن كان الصبيان غير مخاطبين وال مكلفين فاآلباء األقرطة واألخراص
واألولياء مخاطبون بذلك ،إذ كل ما يؤمر به البالغون من العبادات الظاهرة على األجساد ،وما نهوا عنه
يؤمر به األطفال ويضربون عليه ،إذ في ذلك تصون لهم ومنفعة عند البلوغ ،مع أنه قد اختلف فيما
يفعلونه من القرب هل لهم فيه أجر أم ال إذا كانوا يفعلون؟ وظاهر األحاديث اإلثبات .وعلى هذا ً
أيضا
فيجتنب األطفال المنهي عنه من المطعم والمشرب والملبس الحرام منه والمكروه على الكبار ،ويتفضل
حكم الملبس في الذكور واإلناث .فما أبيح للنساء لم يمنعه الصغار من اإلناث ،وما حرم عليهم منعه
الصغار من اإلناث وكذلك الذكور من األطفال يجتنبون ما يجتنبه الكبار ،ويعلمون ما يتعبد الكبار بفعله
على وجه الفرض والنفل .وبذلك ورد الشرع في قوله عليه السالم( :مروا الصبيان بالصالة لسبع
واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)(.)6
فاألمر بالتفريق أصل في المناهي ،واألمر بالصالة أصل في المأمورات .وأمره عليه السالم الحسن
()7
أيضا في المطعومات.
بإلقاء الثمرة من الصدقة من فيه ،لما كانت الصدقة ال تحل آلل محمد أصل ً
وال شك أن حض الصغير على الطاعات ،وتعليمه األذكار والدعوات ،واالبتهال عند الشدائد
والكربات داع للخير ،ودافع للشر .وهو مع ذلك مأمور به ومندوب إليه كي ال يأتي عليهم البلوغ إال وقد
عرفوا ما يؤمرون به وينهون عنه.
وإذا ذهبنا إلى ذلك أوجبنا في حلي الصبيان الزكاة .وإلى هذا ذهب ابن شعبان وخرج بعض الشيوخ
في ذلك خالًفا على ما ورد لمالك في اإلحرام بالحج باألطفال وعليهم األسورة .وفي ذلك نظر ،إذ لم
يقصد تفصيل أحكام الحلي .واألظهر ما قدمناه.
تماما للنصاب
ملكا للصبيان أو على ملك اآلباء يزكى الجميع إذا كان نصابا أو ً
وسواء كان الحلي ً
وباهلل تعالى التوفيق(.)8
( )4هو القاضي أبو الفرج عمر بن محمد الليثي البغدادي المالكي :صحب إسماعيل القاضي وتفقه معه ،كان فصيحا
متقدما ،من مؤلفاته :الحاوي في مذهب مالك ،واللمع في أصول الفقه ،توفي سنة 331هـ .انظر :الديباج ،البن
ً فقيها
لغويا ً
فرحون ،ص ،215شجرة النور ،البن مخلوف.)118/1( ،
( )5األخراص جمع ِخ ْرص ،الحلقة من الذهب أو الفضة ،أو القرط بحبة واحدة .ينظر :المعجم الوسيط ،لمجمع اللغة
العربية بالقاهرة ،طبعة دار الدعوة ،ص.227
( )6حديث حسن صحيح ،وهو في سنن أبي داود ،رقم ( ،)495ومسند أحمد ( ،)6756وصححه األلباني في صحيح
الجامع الصغير ،رقم (.)5868
( )7عن أبي هريرة رضي هللا عنه :أن الحسن بن علي ،أخذ تمرة من تمر الصدقة ،فجعلها في فيه ،فقال النبي
بالفارسيةِ « :ك ْخ ِك ْخ ،أما تعرف أنا ال نأكل الصدقة» .صحيح البخاري ،كتب الجهاد والسير ،باب من تكلم بالفارسية ،رقم
(.)74/4( ،)3072
3
ثانيا :التحليل.
تصور الفقيه للنازلة:
1ـ ّ
ـ جاء تصوير المسألة في السؤال" :عن حلي الصبيان من الذهب والفضة هل عنده رخصة في
سقوط الزكاة فيه"؟ والظاهر أن المقصود بالصبيان الذكران منهم دون اإلناث ،كما يتضح في قول ابن
شعبان" :إذا كان حليا ملكه الذكران من الصبيان".
2ـ توصيف النازلة (أو تكييفها):
ـ ألحق المازري مسألة زكاة حلي الصبيان إذا كان حليا ملكه الذكران من الصبيان ،بمسألة منع
قياسا على الكبار .وهذا من تخريج الفروع على الفروع قياسا.
تحليتهم بذلك ً
3ـ التدليل:
ـ بنى المازري رحمه هللا الحكم على القياس والتعليل ،حيث رتب وجوب الزكاة على منع تحليتهم
قياسا على الكبار:
بذلك ً
فلبس الحلي ممنوع على الرجال ،ولو لبس الرجل حليا وجبت فيه الزكاة ،فكذلك يمنع منه الصبيان
وتجب فيه الزكاة.
وإذا كان الصبيان غير مأمورين في أنفسهم بتجنب لبس الحلي فأولياؤهم مأمورون بتعويدهم على
ما هو مطلوب على الكبار .جاء ذلك في قوله" :ألنهم وإن لم يكونوا متعبدين في أنفسهم فالبالغون الذين
يملكون أمرهم مخاطبون فيهم على إجرائهم على حكم المكلفين وتمرينهم عليه في مثل هذه المعاني .كما
أمرنا أن نخاطبهم بالصالة ونضربهم عليها وإن كانوا غير مكلفين بها".
ـ واستدعى المازري رحمه هللا من األقوال والخالف في المسألة قول من فهم من ظاهر كالم المدونة
ما يفيد خالف ما حكم به ،قال" :وبعض شيوخنا يرى أن المدونة يقتضي ظاهرها خالف ذلك لقوله في
كتاب الحج منها :أنه ال بأس أن يحرم الصبيان وفي أيديهم األسورة .وإذا جاز تمكينهم من لباسه والتجمل
مباحا".
به سقطت الزكاة فيه لكونه مما يقتنى اقتناء ً
وفيه قياس سقوط الزكاة في حلي الصبيان الذكران على جواز لباسها الذي يفهم من جواز إحرامهم
اقتناء مباحا.
ً بها .فيعفون من زكاتها كما تعفى النساء من زكاة ما يتحلين به ،بجامع أنه مما يقتنى
ـ وناقش ذلك أبو الفرج البغدادي بقوله" :وفي ذلك نظر ،إذ لم يقصد تفصيل أحكام الحلي".
ـ ولعل الونشريسي رحمه هللا احتاج إلى أن يردف فتوى المازري بفتوى أبي الفرج البغدادي ،لما فيها
من تصريح بالحكم ،وتفصيل لألدلة .كما في قوله" :وأجاب أبو الفرج عن هذه المسألة بعينها فقال :فأما
( )9األخراص جمع ِخ ْرص ،الحلقة من الذهب أو الفضة ،أو القرط بحبة واحدة .ينظر :المعجم الوسيط ،لمجمع اللغة
العربية بالقاهرة ،طبعة دار الدعوة ،ص.227
5