Professional Documents
Culture Documents
- 2 -
املقدمة
إن احلمد للَّـه ،حنمده ونستعينه ،ونستغفره ،ونستهديه ،ونعوذ ابللَّـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من
يهده اللَّـه فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له.
تسليما
ً حممدا عبده ورسوله صلَّى اللَّـه عليه ،وعلى آله وصحبه وسلم
وأشهد أن ال إله إال اللَّـه ،وأشهد أن ً
كثريا.
ً
أما بعد ...
من املعلوم أن اللَّـه امنت علينا ببعثة سيدان حممد ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ وخصه خبصائص منها أنه أويت جوامع
العلم؛ وجوامع الكلم :أن يتكلم النيب ابلكالم القليل ،الذي يكون له معان عديدة ،ويشتمل على أحكام
متعددة.
وإذا أتمل املرء سنة النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ وجد فيها من ذلك الشيء الكثري ،ومثال ذلك قول النيب
ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ« :ال ضرر وال ضرار» ،فهذا أصل يندرج حتته الكثري من الفرو الفقهية ال ي ال حتصى
كثرًة يف غلب أبواب الفقه ،وقد استخدم علماء الفقه هذا احلديث وجعلوه بنصه قاعدة فقهية خرجوا عليها
الكثري من األحكام.
وألن هذه القواعد وأمثاهلا مما يضبط الفقه وحيد مسائله؛ رغب العلماء يف مجع تلك القواعد يف مؤلفات
خاصة ،وذلك ألن الفرو الفقهية متكاثرة ،وال ميكن اإلحاطة هبا ،فعندما نضبط تلك القواعد نستطيع ضبط
الفرو الفقهية.
* تعريف القاعدة:
القاعدة لغةً :األساس وكل ما يرتكز عليه الشيء فهو قاعدة ،وجتمع على قواعد ،وهي أسس الشيء وأصوله
()1
حسيا كان ذلك الشيء كقواعد البيت ،أو معنواي كقواعد الدين ودعائمه.
ويف االصطالح .القاعدة :هي حكم أو أمر كلي أو قضية كلية تفهم منها أحكام اجلزئيات ال ي تندرج حتت
()2
موضوعها.
( )1املفردات يف غريب القرآن ،لألصفهاين ،دار املعرفة للطباعة والنشر ،لبنان ،ص.404
( )2الوجيز يف القواعد الفقهية الكلية ،حملمد صدقي البورنو ،مؤسسة الرسالة ،ط 1416 ،4ه 1446 -م ،ص.16 ،15
- 4 -
القاعدة األوىل
« األمور مبقاصدها »
* شرح القاعدة:
َنز َل َعلَْي مكم ِّمن بَ ْع ِّد الْغَ ِّم أ ََمنَةً {ُثَّ أ َ
األمور :مجع أمر وهو لفظ عام لألفعال واألقوال كلها ،ومنه قوله تعاىل :م
اهلِّيَّ ِّة يَ مقولمو َن َهل لَّنَا ّلل غَي ر ا ْْل ِّق ظَ َّن ا ْل ِّ
َ
ِّ
س مه ْم يَظمنُّو َن ِِّب ْ َ َ شى طَآئَِّفةً ِّمن مك ْم َوطَآئَِّفةٌ قَ ْد أ َ
َمه َّْت مه ْم أَن مف م اسا يَغْ َ نُّ َع ً
ك يَ مقولمو َن لَ ْو َكا َن لَنَا ِّم َن األ َْم ِّر ّلل مُيْ مفو َن ِِّف أَن مف ِّس ِّهم َّما الَ يم ْب مدو َن لَ َ ِّمن األَم ِّر ِّمن َشي ٍء قمل إِّ َّن األَمر مكلَّه َِِّّّ
َْ م ْ ْ َ ْ
اج ِّع ِّه ْم َولِّيَ ْب تَلِّ َي اّللم َما ِِّف
ض ِّب َعلَْي ِّه مم الْ َق ْت مل إِّ َىل َم َ اهنَا قمل لَّو مكنتمم ِِّف ب يوتِّ مكم لَب رَز الَّ ِّذ ِّ
ين مكت َ
َ ْ ْ مم ْ َ َ َش ْيءٌ َّما قمتِّلْنَا َه م
الص مدور} ( ،)1وقوله تعاىل{ :إِّ َىل فِّ ْر َع ْو َن َوَملَئِّ ِّه فَاتَّبَ عمواْ ورمكم ولِّيم َّحص ما ِِّف قملموبِّ مكم واّلل َعلِّيم بِّ َذ ِّ
ات ُّ ْ َ م ٌ ص مد ِّ ْ َ م َ َ َ م
أ َْم َر ِّف ْر َع ْو َن َوَما أ َْم مر ِّف ْر َع ْو َن بَِّر ِّشيد} ( ،)2أي ما هو عليه من قول أو فعل.
وال يقصد هذا املعىن هنا بل يقصد ابألمر الفعل وجيمع على أمور ،ومبا أن الفعل هو عمل اجلوارح فالقول
أيضا يعد من مجلة األفعال ؛ ألنه ينشأ من جارحة اللسان.
والتقدير :أحكام األمور مبقاصدها ،ألن علم الفقه إمنا يبحث عن أحكام األشياء ال عن ذواهتا؛ ولذا فسرت
اجمللة العدلية القاعدة بقوهلا:
«يعين أن احلكم الذي يرتتب على أمر يكون على مقتضى ما هو املقصود من ذلك األمر»(.)3
فأعمال املكلفني و تصرفاهتم من قولية أو فعلية ختتلف نتائجها وأحكامها الشرعية ال ي ترتتب عليها ابختالف
مقصود الشخص وغايته وهدفه من وراء هذه األعمال و التصرفات.
وقد قرن الفعل هنا ابلقصد يف قوله :األمور مبقاصدها ،وبناء على ذلك فالنية ال ي ال تقرتن بفعل ظاهري ال
ترتتب عليها أحكام شرعية.
مثال ذلك :لو طلق شخص زوجته يف قلبه أو اب فرسه ومل ينطق بلسانه ال يرتتب على ذلك الفعل الباطين
حكم؛ ألن األحكام الشرعية تتعلق ابلظواهر.
- 5 -
* أصل هذه القاعدة:
ص َن ِِّبَن مف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قم مرَوٍء َوالَ ََِّي ُّل ََلم َّن أَن يَ ْكتم ْم َن َما َخلَ َق {وال مْمطَلَّ َق م
ات يَتَ َربَّ ْ أوال :من الكتا :قوله تعاىلَ : ً
َح ُّق بَِّرِّد ِّه َّن ِِّف ذَلِّ َ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ادواْ إِّ ْ
صالَ ًحا َوََلم َّن ك إِّ ْن أ ََر م اّللم ِِّف أ َْر َحام ِّه َّن إِّن مك َّن يم ْؤم َّن ِِّبّلل َوالْيَ ْوم اآلخ ِّر َوبم معولَتم مه َّن أ َ
ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َواّللم َع ِّز ٌيز َح مكيم} (.)1 لر َج ِّوف َولِّ ِّ
ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِِّبلْمعر ِّ
َ ْم ْ م
دلت هذه اآلية على أن أزواج املطلقات أحق مبراجعتهن ما دمن يف العدة.
وينبغي أن يكون ذلك بقصد اإلصالح واخلري ،وليس بقصد اإلضرار تعذيبا هلن بتطويل العدة ،حبيث يرجعها
يف آخر عدهتا من الطلقة ليطلقها مرة أخرى فتستقبل عدة جديدة فتطول بذلك عليها العدة.
اثنيًا :من السنة:
-عن عمر بن اخلطاب ـ رضي اللَّـه عنه ـ قال :قال رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ« :إمنا األعمال ابلنيات
وإمنا لكل امرئ ما نوى»(.)2
-عن سعد بن أيب وقاص ـ رضي اللَّـه عنه ـ أن النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ قال« :إنك لن تنفق نفقة تبتغي
هبا وجه اللَّـه إال أجرت عليها حىت مل جتعل يف فم امرأتك»(.)3
الصفني اللَّـه أعلم بنيَّته» ،قال
ب قتيل بـني َّ -روى أمحد يف مسنده برقم ( )3992من حديث ابن مسعود« :ر َّ
احلافظ بن حجر ىف الفتح ( :)144/10رجال سنده موثقون.
-عن أيب الدرداء يبلغ به النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ« :من أتى فراشه وهو يـنوي أن يـقوم فـيصلّي من اللَّيل
فـغلبـته عيـنه ح َّىت يصبح كتب له ما نـوى ،وكان نـومه صدقةً عليه من ربّه»(.)4
فهذه األدلة وغريها تدل داللة واضحة على أن ميزان العمل هو النية والقصد ،وليس جمرد صورة العمل وهيئته.
واملقصود األهم الذي ألجله مشرعت النية:
-1متييز العبادات من العادات:،
-كالوضوء والغسل ،يرتدد بني التنظف والتربد ،والعبادة ،فالنية متيز املراد منه.
-واإلمساك عن املفطرات قد يكون للحمية والتداوي ،أو لعدم احلاجة إليه والنية متيز ذلك.
-واجللوس يف املسجد ،قد يكون لالسرتاحة ،وقد يكون بقصد االعتكاف والنية متيز ذلك.
- 6 -
-ودفع املال للغري ،قد يكون هبة أو وصلة لغرض دنيوي ،وقد يكون قربة كالزكاة ،والصدقة ،والكفارة والنية
متيز ذلك.
-والذبح قد يكون بقصد األكل ،وقد يكون للتقرب إبراقة الدماء والنية متيز ذلك.
فشرعت النية لتمييز القرب من غريها.
-2متييز رتب العبادات بعضها من بع :
-فالوضوء والغسل والصالة والصوم وحنوها قد يكون فرضا ونذرا ونفال ،والتيمم قد يكون عن احلدث أو
()1
اجلنابة وصورته واحدة ،فشرعت النية لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض.
* أبوا الفقه اليت جرت فيها هذه القاعدة:
جتري هذه القاعدة ِف كثري من األبوا الفقهية مثل:
أوال :جتري ِف املعاوضات والتمليكات املالية :كالبيع والشراء واإلجارة والصلح واهلبة ،فإهنا كلها عند إطالقها تفيد
ً
حكمها :وهو األثر املرتتب عليها من التمليك والتملك ،لكن إذا اقرتن هبا ما خيرجها عن إفادة هذا احلكم وذلك:
كاهلزل واالستهزاء وغري ذلك؛ فإنه يسلبها إفادة حكمها املذكور.
مثال ذلك :لو اب إنسان أو اشرتى وهو هازل فإنه ال يرتتب على عقده متليك وال متلك؛ ألن املقصد هنا
ليس هو البيع املفيد لرتتب آاثره عليه.
اثنيًا :جتري ِف الوكاالت:
فرسا ففيه تفصيل :إن كان نوىفمنها :ما لو وكل إنسان غريه بشراء فرس معني أو حنوه ،فاشرتى الوكيل ً
شراءه للموكل أو أضاف العقد إىل دراهم املوكل يقع الشراء للموكل ،وإن نوى الشراء لنفسه أو أضاف
العقد إىل دراهم نفسه يقع الشراء لنفسه ،وكذا لو أضاف العقد إىل دراهم مطلقة فإنه إذا نوى هبا دراهم
() 2
املوكل يقع الشراء للموكل ،وإن نوى هبا دراهم نفسه يقع لنفسه.
اثلثا :جتري ِف إحراز املباحات:
اإلحرازات :وهي استمالك األشياء املباحة ،فإن النية والقصد شرط يف إفادهتا امللك.
مثال ذلك :لو وضع شخص إانء حتت املطر وجتمع فيه ماء فإذا وضع ذلك اإلانء بقصد مجع املاء وإحرازه
يصبح مالكا له ،فواحلالة هذه لو اغتصب املاء أحد يضمنه ،وأما إذا كان قد وضع اإلانء بقصد غسله مباء
املطر ال بقصد مجع املاء وأخذها أحد ال يضمن؛ ألن صاحب اإلانء مل ميلك املاء لعدم سبق نية منه إلحرازه.
- 7 -
كذلك الصيد :فلو وقع الصيد يف شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر:
فإن كان نشر الشبكة أو حفر احلفرة ألجل االصطياد هبما فإن الصيد ملكه وليس ألحد أن أيخذه ،وإن كان
مثال أو حفر احلفرة ال ألجل
نشر الشبكة لتجفيفها ً
()1
االصطياد فإنه ال ميلكه ،ولغريه أن يستملكه ابألخذ.
رابعا :جتري ِف الضماانت واألماانت:
ومسائلها كثرية جدا منها:
ـ اللقطة فإن التقطها ملتقط بنية حفظها ملالكها كانت أمانة ال تضمن إال ابلتعدي ،وإن التقطها بنية أخذها
لنفسه كان يف حكم الغاصب فيضمن إذا تلفت يف يده أبي صورة كان تلفها ،والقول للملتقط بيمينه يف النية
()2
لو اختلفا فيها.
وهناك أبواب أخرى كثرية تندرج أحكامها حتت هذه القاعدة لكننا نكتفي مبا ذكرانه مع اإلعراض عن ذكر
املستثىن منها خشية اإلطالة ال ي ال يقتضيها املقام.
***
- 8 -
القاعدة الثانية
- 9 -
العمدة عليه يف كلتا احلالتني ،وال يلتفت إىل الشك يف عروض املبيح على األول وعروض احلاظر على الثاين.
* أصل القاعدة:
من السنة:
-قوله ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ« :إذا وجد أحدكم يف بطنه شيئا فأشكل عليه ،أخرج منه شيء أم ال ؟ فال
خيرجن من املسجد حىت يسمع صوات أو جيد رحيا» ،رواه مسلم ( )231من حديث أيب هريرة.
وأصله يف الصحيحني عن عبد اللَّـه بن زيد قال «شكي إىل النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ الرجل خييل إليه أنه
جيد الشيء يف الصالة قال« :ال ينصرف حىت يسمع صوات ،أو جيد رحيا» ،ويف الباب عن أيب سعيد اخلدري
وابن عباس.
-وروى مسلم ( )1300عن أيب سعيد اخلدري قال :قال رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ« :إذا شك
أحدكم يف صالته ،فلم يدر كم صلى أثالاث أم أربعا ؟ فليطرح الشك ،ولينب على ما استيقن».
-وروى الرتمذي عن عبد الرمحن بن عوف قال :مسعت رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ يقول« :إذا سها
أحدكم يف صالته ،فلم يدر :واحدة صلى ،أم اثنتني ؟ فلينب على واحدة فإن مل يتيقن :صلى اثنتني ،أم ثالاث ؟
فلينب على اثنتني ،فإن مل يدر :أثالاث صلى أم أربعا ؟ فلينب على ثالث ،وليسجد سجدتني قبل أن يسلم».
يتفرع على هذه القاعدة مسائل:
مثال ،فإنه جيوز له أن يشهد على بكر ابأللف،
بكرا مديون لعمرو أبلف ً ( أ ) منها ما إذا كان إنسان يعلم أن ً
وإن خامره الشك يف وفائها أو يف إبراء الدائن له عنها إذ ال عربة للشك يف جانب اليقني السابق.
(ب) ومنها ما إذا كان يعلم أن العني الفالنية كانت ملك بكر مث انزعه فيها أحد ،فإنه جيوز له أن
يشهد لبكر أبن العني ملكه ،وإن كان حيتمل أنه ابعها ملن ينازعه بناء على األصل.
(ج) ومنها ما لو اشرتى أحد شيئًا مث ادعى أن به عيبًا وأ راد رده واختلف التجار أ هل اخلربة فقال
بعضهم :هو عيب ،وقال بعضهم :ليس بعيب ،فليس للمشرتي الرد ألن السالمة هي األصل
املتيقن فال يثبت العيب ابلشك ،فكذا لو وجد العيب عند البائع مث عند املشرتي ،ولكن اشتبه فلم
يدر أنه عني األول أو غريه فإنه ال يرد.
- 11 -
ويتفرع من هذه القاعدة قواعد كثرية منها:
أ « -األصل بقاء ما كان على ما كان»:
أي إذا ثبت كون الشيء يف زمن ما على حال ،فإنه حيكم ببقائه على هذه احلال ،إال إذا قام الدليل على تغري
هذه احلال.
« -األصل براءة الذمة»:
أي أن الراجح يف النظر واالعتبار هو أن ذمة اإلنسان غري مشغولة بشيء ،ألن اللَّـه خلق اإلنسان بريء الذمة
ال حق ألحد قبـله ،وانشغال ذمته لغريه يطرأ بعد ذلك من املعامالت ال ي يباشرها ،ومن تطبيقات هذه القاعدة
ما أييت:
- 1لو اختلف املؤجر واملستأجر يف مقدار األجرة ،فقال املؤجر :هي عشرة ،وقال املستأجر :بل هي مخسة،
وال دليل ألحدمها ،فالقول قول املستأجر؛ ألن األصل براءة ذمة املستأجر من هذه الزايدة وعلى املؤجر إثبات
هذه الزايدة ابلبينة.
ومن القواعد املتفرعة عليها أيضا:
« -ما ثبت بيقني ال يرتفع إال بيقني».
« -األصل يف الصفات واألمور العارضة عدمها».
« -األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته».
« -األصل يف األشياء اإلابحة عند اجلمهور».
« -األصل يف األبضا التحرمي».
« -ال عربة للداللة يف مقابلة التصريح».
« -ال ينسب إىل ساكت قول».
« -ال عربة ابلتوهم».
« -ال عربة ابلظن البني خطؤه».
« -املمتنع عادة كاملمتنع حقيقة».
« -ال حجة مع االحتمال الناش عن الدليل».
***
- 11 -
القاعدة الثالثة
- 12 -
كثرية وهي «أن املشقة جتلب التيسري» وهي إحدى القواعد اخلمس ال ي ينبين عليها الفقه وحتتها من القواعد
والفرو ما ال حيصى كثرة واآلية أصل يف مجيع ذلك.
()1
قال السيوطي« :قال العلماء :يتخرج على هذه القاعدة مجيع رخص الشر وختفيفاته» انتهى.
ّلل َوَمآلئِّ َكتِّ ِّه َومكتمبِّ ِّه َومر مسلِّ ِّه الَ نم َف ِّر مق منز َل إِّلَي ِّه ِّمن َّربِّ ِّه والْم ْؤِّمنو َن مكلٌّ آمن ِِّب ِّ
ََ َ م م ول ِّمبَا أ ِّ ْ الر مس م
{آم َن َّ ـ وقال تعاىلَ :
سا إِّالَّ مو ْس َع َها ََلَا َما ف اّللم نَ ْف ً صري * الَ يم َك ِّل م ك الْم ِّ
ك َربَّنَا َوإِّلَْي َ َ َح ٍد ِّمن ُّر مسلِّ ِّه َوقَالمواْ ََِّس ْعنَا َوأَطَ ْعنَا غم ْف َرانَ َ
ني أ َ
بَ َْ
ِّ ِّ
ص ًرا َك َما َََلْتَهم َعلَى ت َربَّنَا الَ تم َؤاخ ْذ َان إِّن نَّسينَا أ َْو أَ ْخطَأ َْان َربَّنَا َوالَ ََتْ ِّم ْل َعلَْي نَا إِّ ْ سبَ ْ
ت َو َعلَْي َها َما ا ْكتَ َ سبَ ْ
َك َ
انص ْرَان َعلَى َنت َم ْوالَ َان فَ م ف َعنَّا َوا ْغ ِّف ْر لَنَا َو ْار ََْنَآ أ َ ين ِّمن قَ ْب ِّلنَا َربَّنَا َوالَ مَتَ ِّملْنَا َما الَ طَاقَةَ لَنَا بِّ ِّه َوا ْع م َّ ِّ
الذ َ
الْ َق ْوِّم الْ َكافِّ ِّرين} (.)2
أمرا أو هنيًا مطيقون له قادرون عليه ،وأنه ال قال شيخ اإلسالم ابن تيمية« :تضمن أن مجيع ما كلفهم به ً
ف اّللم يكلفهم ما ال يطيقون ،ويف ذلك رد صريح على من زعم خالف ذلك ....وأتمل قوله تعاىل{ :الَ يم َكلِّ م
سا إِّالَّ مو ْس َع َها} كيف جتد حتته أهنم يف سعة ومنحة من تكاليفه ،ال ضيق وحرج ومشقة ،فإن الوسع يقتضي نَ ْف ً
()3
ذلك؛ فاقتضت اآلية أن ما كلفهم به مقدور هلم من غري عسر وال ضيق وال حرج عليهم» انتهى.
ض ِّعي ًفا}
نسا من َ ف َعن مك ْم َو مخلِّ َق ِّ
اإل َ أيضا قوله تعاىل{ :يم ِّري مد اّللم أَن مُيَِّف َ
-ومن أدلة القرآن على هذه القاعدة ً
(.)4
نِّ ْع َمتَهم َعلَْي مك ْم -وقال عز وجلَ ...{ :ما يم ِّري مد اّللم لِّيَ ْج َع َل َعلَْي مكم ِّم ْن َح َر ٍج َولَ ِّكن يم ِّري مد لِّيمطَ َّه َرمك ْم َولِّيمتِّ َّم
لَ َعلَّ مك ْم تَ ْش مك مرون} (.)5
واألدلة ال ي تدل على هذه القاعدة يف القرآن كثرية ،وكلها تدل داللة واضحة على أن التيسري والتخفيف ورفع
احلرج خصيصة عظيمة من خصائص الفقه يف الشريعة اإلسالمية.
اثنيًا :األدلة من السنة:
-سئل رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ :أي األداين أحب إىل اللَّـه ؟ قال« :احلنيفية السمحة» رواه
البخاري يف صحيحه تعلي ًقا.
- 13 -
قال الشاطيب« :ومسي ـ أي الدين ـ ابحلنيفية ملا فيه من التسهيل والتيسري»(.)1
-وروى البخاري يف صحيحه (برقم )34عن أيب هريرة ـ رضي اللَّـه عنه ـ أن النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ
قال« :إن الدين يسر و لن يشاد الدين أحد إال غلبه فسددوا و قاربوا وأبشروا واستعينوا ابلغدوة و الروحة و
شيء من الدجلة».
-وروى البخاري يف صحيحه (برقم )64عن أنس بن مالك ـ رضي اللَّـه عنه ـ عن النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه
وسلَّم ـ قال« :يسروا وال تعسروا وبشروا و ال تنفروا ».
فكل هذه األحاديث و غريها دالئل واضحة على أن رفع احلرج من األصول ال ي بنيت عليها الشريعة
اإلسالمية.
ما يندرج َتت هذه القاعدة من الفروع:
املشقة اليت جتلب التيسري يدخل َتتها سبعة أنواع:
أوهلا :السفر وتيسرياته كثرية منها:
-جواز اإلفطار فيه.
اثنيها :املرض وتيسرياته كثرية منها:
-جواز اجللوس يف صالة الفرض إذا عجز عن القيام.
اثلثها :اإلكراه.
وهو التهديد ممن هو قادر على اإليقا بضرب مربح ،أو إبتالف نفس ،أو عضو ،أو حببس أو قيد مديدين
مطل ًقا ،أو مبا هو دون ذلك لذي جاه ،ويسمى إكر ًاها ملجئًا.
وتيسرياته كثرية منها:
-النطق بكلمة الكفر إذا أكره عليها ،قال تعاىل{ :إَّال من أكره وقـلبه مطمئن ابإلميان } (.)2
وجواب ـ إن خطر بباله التورية ـ ،فإن مل
فريخص له أن جيري كلمتها على لسانه وقلبه مطمئن ابإلميان ،ويوري ً
يور يكفر وتبني زوجته.
رابعها :النسيان وهو عدم تذكر الشيء عند احلاجة إليه واتفق العلماء على أنه مسقط للعقاب.
ومن تيسرياته:
-أنه إذا وقع النسيان فيما يوجب عقوبة كان شبهة يف إسقاطها.
- 14 -
خامسها :اجلهل وهو عدم العلم ممن شأنه أن يعلم وهو قد جيلب التيسري.
ومن تيسرياته:
( أ ) ما لو جهل الشفيع ابلبيع فإنه يعذر يف أتخري طلب الشفعة.
(ب) ومنها ما لو جهل الوكيل أو القاضي ابلعزل أو احملجور ابحلجر فإن تصرفهم صحيح إىل أن يعلموا
بذلك.
جاهال حرمتها فهو معذور.
(ج) ومنها أن من أسلم يف دار احلرب ومل تبلغه أحكام الشريعة فتناول احملرمات ً
سادسها :العسر وعموم البلوى وله تيسريات منها:
( أ ) إابحة نظر الطبيب والشاهد واخلاطب لألجنبية.
(ب) والتيسري على اجملتهدين ابالكتفاء منهم بغلبة الظن.
سابعها :النقص وفيه نو من املشقة يتسبب عنها التخفيف؛ وذلك مثل:
أصال فيما يرجع إىل
-الصغر واجلنون واألنوثة ،فاألوالن جيلبان التخفيف عن الصغري واجملنون لعدم تكليفهما ً
غري خطاب الوضع اآليت بيانه؛ فإنه موجه إليهما ،وأما التخفيف بسبب األنوثة فمنه :عدم تكليف النساء
()1
بكثري مما كلف به الرجل كاجلهاد ،واجلزية ،وحتمل الدية إذا كان القاتل غريها.
ويتفرع من هذه القاعدة قواعد كثرية منها ما أييت:
أ -الضرورات تبيح احملظورات :ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه جيوز كشف الطبيب على عورات األشخاص
إذا توقف على ذلك عالجهم ،وانه إذا هجمت دابة على شخص ومل يستطع التخلص من شرها إال بقتلها فله
قتلها.
ب -الضرورات تقدر بقدرها :ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا احتيج ملداواة العورة ،يكشف الطبيب
عليها مبقدار ما حيتاج إىل العالج فقط ،والنسبة إىل املرأة ال جيوز أن يطلع على عورهتا للتطبيب أو التوليد رجل
ضررا.
إذا وجدت امرأة حتسن ذلك؛ ألن اطال اجلنس على جنسه أخف ً
جـ -احلاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ومن تطبيقات هذه القاعدة جواز دخول احلمام أبجر
معلوم ،مع أن مدة املكث فيه جمهولة ومقدار املاء ووسائل التنظيف الذي يستهلكه املستحم جمهول ،ألن
احلاجة تدعو إىل ذلك ،وإجازة عقد السلم مع أن املبيع معدوم وقت العقد حلاجة املتعاملني إىل النقود.
***
- 15 -
القاعدة الرابعة
« العادة حمكمة »
للعرف أو العادة أثر كبري يف القواعد الفقهية؛ فلم خيل كتاب من كتب القواعد من قاعدة أساسية يف العرف،
أو قاعدة من القواعد املتفرعة على قاعدة أساسية فيهما؛ ذلك ألن األفعال العادية وإن كانت أفعال شخصية
حيوية وليست من قبيل املعامالت ،إال أنه عندما يتعارفها الناس وجتري عليها عادات حياهتم يصبح هلا أتثري
وسلطان يف توجيه أحكام التصرفات فتثبت تلك األحكام على وفق ما تقتضي العادة.
وملا نظر الفقهاء إىل هذا املعىن ورأوا اعتبار العرف والعادة يف التشريع وبناء األحكام عليهما؛ مل يغفلوا ذلك
وهم يقعدون القواعد أو خيرجون الفرو واملسائل املفرعة على هذه القواعد فقد ذكروا أكثر من قاعدة تتعلق
ابلعرف وكيفية حتكيمه يف الوقائع والتصرفات.
* قيمة هذه القاعدة:
إن موضو هذه القاعدة يعد موضوعً ا مهما يعني على حل ك ثري من املسائل واحلوادث اجلديدة؛
ذلك ألنه يتضمن الكثري من املسائل ال ي تتسم ابلسعة واملرونة والتطور مع مرور الزمن.
فمن نظر يف هذه القاعدة وأمعن النظر ،ومل ينكر تغري األحكام املبنية على األعراف واملصاحل بتغري الزمان،
أدرك اتسا الفقه اإلسالمي وكفاءته الكاملة لتقدمي احللول املناسبة للمسائل واملشكالت املستحدثة وصالحيته
ملسايرة تطور احلياة ،ومناسبته لكل زمان ومكان ،وهذا من أعظم عوامل القابلية للخلود ابعتبارها الشريعة
اخلامتة ال ي ال شريعة وال دين بعده.
()1
* شرح القاعدة:
حكما إلثبات حكم شرعي مل ينص على خالفه خبصوصه ،فلو مل يعين أن العادة عامة كانت أو خاصة جتعل ً
عاما فإن العادة تعترب على ما سيأيت.
أصال أو ورد ولكن ً
يرد نص خيالفها ً
ومعىن العادة :االستمرار على شيء مقبول للطبع السليم واملعاودة إليه مرة بعد أخرى ،وهي املرادة ابلعرف
منكرا يف نظرهم.
مغايرا ملا عليه أهل الدين والعقل املستقيم ،وال ً
العملي ،فاملراد هبا حينئذ :ما ال يكون ً
مرجعا يف األمور الشرعية املطلقة ال ي مل حتدد ،مثل ضابط نفقة الزوجة واألوالد وحنو ذلك .وال
فالعادة تعترب ً
يعين هذا أهنا دليل شرعي مستقل يؤسس األحكام ،بل تدور يف فلك النصوص الشرعية املطلقة ال ي مل تقيد ومل
نصا شرعيًا فال عربة هبا.
حتدد ،وبناءً عليه فإذا خالفت ً
- 16 -
واملراد من كوهنا عامة :أن تكون مطردة أو غالبة يف مجيع البلدان.
ومن كوهنا خاصة :أن تكون كذلك يف بعضها فاالطراد والغلبة شرط العتبارها سواء كانت عامة أو خاصة.
أصل هذه القاعدة:
من القرآن:
ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َواّللم َع ِّز ٌيز َح مكيم} وف َولِّ ِّ
لر َج ِّ -قول اللَّـه عز وجل ...{ :وََل َّن ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِِّبلْمعر ِّ
َ ْم ْ َم م
(.)1
ومن السنة:
-قوله ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ هلند بنت عتبة زوجة أيب سفيان حينما شكت له شح زوجها فقال هلا:
«خذي ما يكفيك وولدك ابملعروف» متفق عليه .يعين خذي من ماله ولو بدون علمه فهذه النفقة واجبة عليه
فلك الظفر هبا مىت استطعت.
-قول ابن مسعود ـ رضي اللَّـه عنه ـ« :ما رآه املسلمون حسنًا فهو عند اللَّـه حسن ،وما رآه املسلمون ً
قبيحا
فهو عند اللَّـه قبيح» رواه أمحد برقم (.)3400
وهو حديث حسن ،وهو وإن كان موقوفًا على ابن مسعود إال أن له حكم املرفو ؛ ألنه ال مدخل فيه للرأي.
شروط العمل ِبا:
العرف ال بد له من شروط حىت نعمله ،وشروط العمل ابلعرف أربعة:
مطرد ا غالبًا حبيث ال يكون مضطرًاب ؛ ألنه إذا كان مضطرًاب غري غالب ،فال يقال
أوهلا :أن يكون العرف ً
له عرف ،وهذا ما يعربون عنه بقوهلم :العربة للغالب الشائع دون النادر.
والشرط الثاين :أن يكون العرف غري خمالف للشريعة ،فاملخالف للشريعة ال عربة به ،ومثال ذلك :ما لو كان يف
العرف بناء البيوت على شكل مفتوح ،حبيث ال يسترت النساء يف البيوت ،فإن هذا العرف خمالف للشريعة،
ومن مث ال يلتفت إليه ،وال تقيد به العقود.
الشرط الثالث :أن يكون العرف سابقا غري الحق ،ومن هنا فإننا نعمل ابلعرف السابق املقارب دون العرف
الالحق ،ومثال ذلك :لو اشرتى إنسان من غريه بستني جنيها قبل مائة سنة ،فإننا ال حنكم على ذلك ابجلنيهات
ايال يف ذلك الزمان ،كان اجلنيه يف ذلك الزمان من ذهب ،واآلن من ورق املوجودة بيننا اآلن بل مبا يسمى ر ً
فيعمل حبكم العرف السابق.
والشرط الرابع :أال يوجد تصريح خيالف العرف ،فإذا وجد تصريح خيالف العرف فالعربة ابلتصريح ال ابلعرف،
- 17 -
ومن أمثلة ذلك :أنه إذا وضع الطعام أمام اإلنسان ،فإنه يف العرف جيوز األكل من ذلك الطعام؛ ألن هذا
إذان يف العرف ،ولكن لو وضع الطعام ،مث قيل ال أتكل من هذا الطعام ،فهنا وجدت يف مقابلة العرفيعترب ً
قرينة تدل على أن ما تعارف عليه الناس ليس مر ًادا.
الفروع اليت تندرج َتت هذه القاعدة:
الذي تفرع عليها من الفروع الفقهية تعسر اإلحاطة به ومنها:
-أن الشريعة جاءت أبن السارق ال يقطع إال إذا سرق من احلرز ،واحلرز ال ضابط له يف الشر وال يف اللغة،
فريجع إىل العرف
-والنفقة على الزوجة أو القريب ال يوجد هلا ضابط حمدد يف الشر وال يف اللغة ،فريجع إىل العرف ،وقد أانط
الشار حكم النفقة ابلعرف.
واعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه يف الفقه ،يف مسائل ال تعد كثرة .فمن ذلك :سن احليض ،والبلوغ،
وأقل احليض ،والنفاس ،والطهر وغالبها وأكثرها ،وطول الزمان وقصره يف مواالة الوضوء ،ويف إحراز املال
املسروق ،ويف رد ظرف (وعاء) اهلدية وعدمه ،ويف القبض يف البيو ،واألكل من الطعام املقدم ضيافة بال
()1
لفظ ،وغري ذلك.
القواعد الفرعية املندرجة َتت هذه القاعدة:
-1استعمال الناس حجة جيب العمل هبا.
-2إمنا تعترب العادة إذا اضطردت وغلبت.
-3العربة للغالب الشائع ال النادر.
-4احلقيقة ترتك بداللة العادة.
-5الكتاب كاخلطاب.
-6اإلشارة املعهودة لآلخرين كالبيان ابللسان.
-9املعروف عرفًا كاملشروط شرطًا.
-2التعيني ابلعرف كالتعيني ابلنص.
-4املعروف بني التجار كاملشروط بينهم.
***
خمتصرا ص.40
ً ( )1األشباه والنظائر للسيوطي
- 18 -
القاعدة اخلامسة
- 19 -
قال املناوي« :قال العالئي :وللحديث شواهد ينتهي مبجموعها إىل درجة الصحة أو احلسن احملتج به»(.)1
* شرح القاعدة:
الضرر :ابلضم والفتح :ما يؤمل الظاهر من اجلسم وما يتصل مبحسوسه يف مقابلة األذى وهو إيالم النفس وما
يتصل هبا.
والضرار :ضرار مبعىن ضره ،واضطره إىل كذا مبعىن أجلأه إليه و ليس له منه بد.
والضرر :إحلاق مفسدة ابلغري مطلقا.
والضرار :مقابلة الضرر ابلضرر.
وفسره بعضهم :أبن ال يضر الرجل أخاه ابتداءً وال جزاءً.
والضرر يرجع إىل أحد أمرين :إما تفويت مصلحة ،أو حصول مضرة بوجه من الوجوه.
ضررا
شرعا ألحد أن يلحق آبخر ً معىن القاعدة :أنه ال فعل ضرر وال ضرار أبحد يف ديننا ،أي :ال جيوز ً
وال ضر ًارا ،وقد سيق ذلك أبسلوب نفي اجلنس ليكون أبلغ يف النهي والزجر.
إن تفسري لفظة وال ضرار ابملعىن السابق الذي ذكرانه هو مبعىن :ليس للمظلوم أن يظلم غريه ،وهو إبطالقه
أصال ،بل له أن يتخلص من ظلمه وأيخذ احلق منه ويسعى وراء أيضا فليس للمظلوم أن يظلمه ً شامل للظامل ً
ادعا ألمثاله عن املعاودة ،أما ما زاد على ذلك فال جيوز.
ردعه عن الظلم مبا يكفي ر ً
ما يندرج َتت هذه القاعدة من الفروع:
يتفر على هذه القاعدة كثري من أبواب الفقه مما كانت مشروعيته توقيًا من وقو الضرر فمن ذلك:
-ومن ذلك أنوا احلجر فإهنا شرعت توقيًا من وقو الضرر العائد اترة لذات احملجور ،واترة لغريه ،فإن من
وجب حجره إذا ترك بدون حجر قد يضر بنفسه وقد يضر بغريه كما هو ظاهر.
-ومنها حبس املوسر إذا امتنع عن اإلنفاق على أوالده أو قريبه احملرم وجواز ضربه يف احلبس إذا أصر على االمتنا
توقيًا من وقو الضرر أبوالده أو قريبه الفقراء ببقائهم بال نفقة.
أرضا للزراعة أو آجرها هلا فزرعها املستعري أو املستأجر مث رجع املعري أو انتهت مدة -ومنها ما لو أعار ً
اإلجارة قبل أن يستحصد الزر ؛ فإهنا ترتك يف يد املستعري أو املستأجر أبجر املثل إىل أن يستحصد الزر
()2
وذلك توقيًا من تضرره بقلع الزر وهو بقل.
- 21 -
القواعد الفرعية املندرجة َتتها كثرية ومنها:
-1الضرر يدفع بقدر اإلمكان.
-2الضرر يزال.
-3الضرر األشد يزال ابلضرر األخف.
-4يتحمل الضرر اخلاص لدفع الضرر العام.
-5درء املفاسد أوىل من جلب املصاحل.
***
احملتوَّيت
املقدمة 3 ........................................................................................
- 21 -