You are on page 1of 21

- 1 -

‫تلخيص القواعد الفقهية‬


‫(للمبتدئني)‬

‫د‪ .‬علي ونيس‬

‫‪- 2 -‬‬
‫املقدمة‬
‫إن احلمد للَّـه‪ ،‬حنمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونستهديه‪ ،‬ونعوذ ابللَّـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده اللَّـه فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬
‫تسليما‬
‫ً‬ ‫حممدا عبده ورسوله صلَّى اللَّـه عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫وأشهد أن ال إله إال اللَّـه‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫كثريا‪.‬‬
‫ً‬
‫أما بعد ‪...‬‬
‫من املعلوم أن اللَّـه امنت علينا ببعثة سيدان حممد ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ وخصه خبصائص منها أنه أويت جوامع‬
‫العلم؛ وجوامع الكلم‪ :‬أن يتكلم النيب ابلكالم القليل‪ ،‬الذي يكون له معان عديدة‪ ،‬ويشتمل على أحكام‬
‫متعددة‪.‬‬
‫وإذا أتمل املرء سنة النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ وجد فيها من ذلك الشيء الكثري‪ ،‬ومثال ذلك قول النيب‬
‫ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪« :‬ال ضرر وال ضرار»‪ ،‬فهذا أصل يندرج حتته الكثري من الفرو الفقهية ال ي ال حتصى‬
‫كثرًة يف غلب أبواب الفقه‪ ،‬وقد استخدم علماء الفقه هذا احلديث وجعلوه بنصه قاعدة فقهية خرجوا عليها‬
‫الكثري من األحكام‪.‬‬
‫وألن هذه القواعد وأمثاهلا مما يضبط الفقه وحيد مسائله؛ رغب العلماء يف مجع تلك القواعد يف مؤلفات‬
‫خاصة‪ ،‬وذلك ألن الفرو الفقهية متكاثرة‪ ،‬وال ميكن اإلحاطة هبا‪ ،‬فعندما نضبط تلك القواعد نستطيع ضبط‬
‫الفرو الفقهية‪.‬‬

‫* أهم القواعد الفقهية‪:‬‬


‫خيتلف مسلك العلماء يف تعيني أهم هذه القواعد‪ ،‬فالعز بن عبد السالم يرجع األحكام الفقهية إىل قاعدة‬
‫واحدة‪ ،‬هي‪« :‬اعتبار املصاحل ودرء املفاسد»‪ ،‬ويعني بعض الشافعية أهم هذه القواعد أبهنا أربع وهي‪ :‬اليقني‬
‫«ال يزول ابلشك»‪ ،‬و«املشقة جتلب التيسري»‪ ،‬و«الضرر يزال»‪ ،‬و«العادة حمكمة»‪ ،‬وبعض الشافعية يزيد‬
‫عليها قاعدة خامسة‪ ،‬وهي‪« :‬األمور مبقاصدها»‪ ،‬ويزيد ابن جنيم يف بيان القواعد املهمة على هذه القواعد‬
‫اتساعا ومشوال‬
‫اخلمسة قاعدة سادسة‪ ،‬وهي‪« :‬ال ثواب إال ابلنية»‪ ،‬ولعل املراد هنا أبهم القواعد‪ :‬ما هو األكثر ً‬
‫اتساعا ومشوال‬
‫من غريه من القواعد‪ ،‬ويعترب كاألركان األساسية ال ي يتفر عنها الكثري من القواعد ال ي تعترب أقل ً‬
‫‪- 3 -‬‬
‫منها‪.‬‬

‫* تعريف القاعدة‪:‬‬
‫القاعدة لغةً‪ :‬األساس وكل ما يرتكز عليه الشيء فهو قاعدة‪ ،‬وجتمع على قواعد‪ ،‬وهي أسس الشيء وأصوله‬
‫(‪)1‬‬
‫حسيا كان ذلك الشيء كقواعد البيت‪ ،‬أو معنواي كقواعد الدين ودعائمه‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ .‬القاعدة‪ :‬هي حكم أو أمر كلي أو قضية كلية تفهم منها أحكام اجلزئيات ال ي تندرج حتت‬
‫(‪)2‬‬
‫موضوعها‪.‬‬

‫* أمهية دراسة القواعد الفقهية‪:‬‬


‫لدراسة القواعد الفقهية وحفظها والعناية هبا فوائد مجة للفقيه اجملتهد والقاضي واإلمام واملف ي‪ .‬من هذه الفوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬هلذه القواعد أمهية فقهية ومكانة كربى يف أصول التشريع‪ ،‬ألهنا مجعت الفرو اجلزئية املشتتة‪ ،‬ال ي قد‬
‫تتعارض ظواهرها‪ ،‬حتت رابط واحد يسهل الرجو إليها وجيعلها قريبة املتناول‪.‬‬
‫‪ -2‬إن دراسة هذه القواعد تسهل على العلماء غري املختصني ابلفقه االطال على الفقه اإلسالمي‪ ،‬ومدى‬
‫استيعابه لألحكام ومراعاته للحقوق والواجبات‪.‬‬
‫تكون عند الباحث ملكة فقهية قوية‪ ،‬تنري أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه‬ ‫‪ -3‬إن دراسة القواعد الفقهية ّ‬
‫الواسعة واملتعددة‪ ،‬ومعرفة األحكام الشرعية‪ ،‬واستنباط احللول للوقائع املتجددة واملسائل املتكررة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن دراسة القواعد تساعد الفقيه على ربط الفقه أببوابه املتعددة بوحدات موضوعية جيمعها قياس واحد‪،‬‬
‫مما يساعد على حفظ الفقه وضبطه‪.‬‬
‫‪ -5‬إن دراسة القواعد الفقهية واإلملام هبا واستيعاهبا يعني القضاة واملفتني واحلكام عند البحث عن حلول‬
‫للمسائل املعروضة والنوازل الطارئة أبيسر سبيل وأقرب طريق‪.‬‬
‫‪ -6‬ملا كانت القواعد الفقهية موضع اتفاق بني األئمة اجملتهدين‪ ،‬ومواضع اخلالف فيها قليلة‪ ،‬فإن دراسة هذه‬
‫القواعد تريب عند الباحث ملكة املقارنة بني املذاهب املختلفة‪ ،‬وتوضح له وجوه االختالف وأسبابه بني‬
‫املذاهب‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪ ،‬دار املعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.404‬‬
‫(‪ )2‬الوجيز يف القواعد الفقهية الكلية‪ ،‬حملمد صدقي البورنو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط ‪1416 ،4‬ه ‪1446 -‬م‪ ،‬ص‪.16 ،15‬‬

‫‪- 4 -‬‬
‫القاعدة األوىل‬

‫« األمور مبقاصدها »‬
‫* شرح القاعدة‪:‬‬
‫َنز َل َعلَْي مكم ِّمن بَ ْع ِّد الْغَ ِّم أ ََمنَةً‬ ‫{ُثَّ أ َ‬
‫األمور‪ :‬مجع أمر وهو لفظ عام لألفعال واألقوال كلها‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬م‬
‫اهلِّيَّ ِّة يَ مقولمو َن َهل لَّنَا‬ ‫ّلل غَي ر ا ْْل ِّق ظَ َّن ا ْل ِّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫س مه ْم يَظمنُّو َن ِِّب ْ َ َ‬ ‫شى طَآئَِّفةً ِّمن مك ْم َوطَآئَِّفةٌ قَ ْد أ َ‬
‫َمه َّْت مه ْم أَن مف م‬ ‫اسا يَغْ َ‬ ‫نُّ َع ً‬
‫ك يَ مقولمو َن لَ ْو َكا َن لَنَا ِّم َن األ َْم ِّر‬ ‫ّلل مُيْ مفو َن ِِّف أَن مف ِّس ِّهم َّما الَ يم ْب مدو َن لَ َ‬ ‫ِّمن األَم ِّر ِّمن َشي ٍء قمل إِّ َّن األَمر مكلَّه َِِّّّ‬
‫َْ م‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫اج ِّع ِّه ْم َولِّيَ ْب تَلِّ َي اّللم َما ِِّف‬
‫ض ِّ‬‫ب َعلَْي ِّه مم الْ َق ْت مل إِّ َىل َم َ‬ ‫اهنَا قمل لَّو مكنتمم ِِّف ب يوتِّ مكم لَب رَز الَّ ِّذ ِّ‬
‫ين مكت َ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ مم ْ َ َ‬ ‫َش ْيءٌ َّما قمتِّلْنَا َه م‬
‫الص مدور} (‪ ،)1‬وقوله تعاىل‪{ :‬إِّ َىل فِّ ْر َع ْو َن َوَملَئِّ ِّه فَاتَّبَ عمواْ‬ ‫ورمكم ولِّيم َّحص ما ِِّف قملموبِّ مكم واّلل َعلِّيم بِّ َذ ِّ‬
‫ات ُّ‬ ‫ْ َ م ٌ‬ ‫ص مد ِّ ْ َ م َ َ َ‬ ‫م‬
‫أ َْم َر ِّف ْر َع ْو َن َوَما أ َْم مر ِّف ْر َع ْو َن بَِّر ِّشيد} (‪ ،)2‬أي ما هو عليه من قول أو فعل‪.‬‬
‫وال يقصد هذا املعىن هنا بل يقصد ابألمر الفعل وجيمع على أمور‪ ،‬ومبا أن الفعل هو عمل اجلوارح فالقول‬
‫أيضا يعد من مجلة األفعال ؛ ألنه ينشأ من جارحة اللسان‪.‬‬
‫والتقدير‪ :‬أحكام األمور مبقاصدها‪ ،‬ألن علم الفقه إمنا يبحث عن أحكام األشياء ال عن ذواهتا؛ ولذا فسرت‬
‫اجمللة العدلية القاعدة بقوهلا‪:‬‬
‫«يعين أن احلكم الذي يرتتب على أمر يكون على مقتضى ما هو املقصود من ذلك األمر»(‪.)3‬‬
‫فأعمال املكلفني و تصرفاهتم من قولية أو فعلية ختتلف نتائجها وأحكامها الشرعية ال ي ترتتب عليها ابختالف‬
‫مقصود الشخص وغايته وهدفه من وراء هذه األعمال و التصرفات‪.‬‬
‫وقد قرن الفعل هنا ابلقصد يف قوله‪ :‬األمور مبقاصدها‪ ،‬وبناء على ذلك فالنية ال ي ال تقرتن بفعل ظاهري ال‬
‫ترتتب عليها أحكام شرعية‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو طلق شخص زوجته يف قلبه أو اب فرسه ومل ينطق بلسانه ال يرتتب على ذلك الفعل الباطين‬
‫حكم؛ ألن األحكام الشرعية تتعلق ابلظواهر‪.‬‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪.154 :‬‬


‫(‪ )2‬هود‪.49 :‬‬
‫(‪ )3‬جملة األحكام مع شرحها درر احلكام (‪.)14/1‬‬

‫‪- 5 -‬‬
‫* أصل هذه القاعدة‪:‬‬
‫ص َن ِِّبَن مف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قم مرَوٍء َوالَ ََِّي ُّل ََلم َّن أَن يَ ْكتم ْم َن َما َخلَ َق‬ ‫{وال مْمطَلَّ َق م‬
‫ات يَتَ َربَّ ْ‬ ‫أوال‪ :‬من الكتا ‪ :‬قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫ً‬
‫َح ُّق بَِّرِّد ِّه َّن ِِّف ذَلِّ َ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ادواْ إِّ ْ‬
‫صالَ ًحا َوََلم َّن‬ ‫ك إِّ ْن أ ََر م‬ ‫اّللم ِِّف أ َْر َحام ِّه َّن إِّن مك َّن يم ْؤم َّن ِِّبّلل َوالْيَ ْوم اآلخ ِّر َوبم معولَتم مه َّن أ َ‬
‫ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َواّللم َع ِّز ٌيز َح مكيم} (‪.)1‬‬ ‫لر َج ِّ‬‫وف َولِّ ِّ‬
‫ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِِّبلْمعر ِّ‬
‫َ ْم‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫دلت هذه اآلية على أن أزواج املطلقات أحق مبراجعتهن ما دمن يف العدة‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون ذلك بقصد اإلصالح واخلري‪ ،‬وليس بقصد اإلضرار تعذيبا هلن بتطويل العدة‪ ،‬حبيث يرجعها‬
‫يف آخر عدهتا من الطلقة ليطلقها مرة أخرى فتستقبل عدة جديدة فتطول بذلك عليها العدة‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬من السنة‪:‬‬
‫‪ -‬عن عمر بن اخلطاب ـ رضي اللَّـه عنه ـ قال‪ :‬قال رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪« :‬إمنا األعمال ابلنيات‬
‫وإمنا لكل امرئ ما نوى»(‪.)2‬‬
‫‪ -‬عن سعد بن أيب وقاص ـ رضي اللَّـه عنه ـ أن النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ قال‪« :‬إنك لن تنفق نفقة تبتغي‬
‫هبا وجه اللَّـه إال أجرت عليها حىت مل جتعل يف فم امرأتك»(‪.)3‬‬
‫الصفني اللَّـه أعلم بنيَّته»‪ ،‬قال‬
‫ب قتيل بـني َّ‬ ‫‪ -‬روى أمحد يف مسنده برقم (‪ )3992‬من حديث ابن مسعود‪« :‬ر َّ‬
‫احلافظ بن حجر ىف الفتح (‪ :)144/10‬رجال سنده موثقون‪.‬‬
‫‪ -‬عن أيب الدرداء يبلغ به النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪« :‬من أتى فراشه وهو يـنوي أن يـقوم فـيصلّي من اللَّيل‬
‫فـغلبـته عيـنه ح َّىت يصبح كتب له ما نـوى‪ ،‬وكان نـومه صدقةً عليه من ربّه»(‪.)4‬‬
‫فهذه األدلة وغريها تدل داللة واضحة على أن ميزان العمل هو النية والقصد‪ ،‬وليس جمرد صورة العمل وهيئته‪.‬‬
‫واملقصود األهم الذي ألجله مشرعت النية‪:‬‬
‫‪ -1‬متييز العبادات من العادات‪:،‬‬
‫‪ -‬كالوضوء والغسل‪ ،‬يرتدد بني التنظف والتربد‪ ،‬والعبادة‪ ،‬فالنية متيز املراد منه‪.‬‬
‫‪ -‬واإلمساك عن املفطرات قد يكون للحمية والتداوي‪ ،‬أو لعدم احلاجة إليه والنية متيز ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬واجللوس يف املسجد‪ ،‬قد يكون لالسرتاحة‪ ،‬وقد يكون بقصد االعتكاف والنية متيز ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقرة ‪.222 :‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪ ،)1‬ومسلم برقم (‪.)1409‬‬
‫(‪ )3‬البخاري برقم (‪ ،)56‬ومسلم برقم (‪.)1622‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجة برقم (‪ ،)1344‬والنسائي برقم (‪.)1454‬‬

‫‪- 6 -‬‬
‫‪ -‬ودفع املال للغري‪ ،‬قد يكون هبة أو وصلة لغرض دنيوي‪ ،‬وقد يكون قربة كالزكاة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والكفارة والنية‬
‫متيز ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬والذبح قد يكون بقصد األكل‪ ،‬وقد يكون للتقرب إبراقة الدماء والنية متيز ذلك‪.‬‬
‫فشرعت النية لتمييز القرب من غريها‪.‬‬
‫‪ -2‬متييز رتب العبادات بعضها من بع ‪:‬‬
‫‪ -‬فالوضوء والغسل والصالة والصوم وحنوها قد يكون فرضا ونذرا ونفال‪ ،‬والتيمم قد يكون عن احلدث أو‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلنابة وصورته واحدة‪ ،‬فشرعت النية لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض‪.‬‬
‫* أبوا الفقه اليت جرت فيها هذه القاعدة‪:‬‬
‫جتري هذه القاعدة ِف كثري من األبوا الفقهية مثل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬جتري ِف املعاوضات والتمليكات املالية‪ :‬كالبيع والشراء واإلجارة والصلح واهلبة‪ ،‬فإهنا كلها عند إطالقها تفيد‬
‫ً‬
‫حكمها‪ :‬وهو األثر املرتتب عليها من التمليك والتملك‪ ،‬لكن إذا اقرتن هبا ما خيرجها عن إفادة هذا احلكم وذلك‪:‬‬
‫كاهلزل واالستهزاء وغري ذلك؛ فإنه يسلبها إفادة حكمها املذكور‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو اب إنسان أو اشرتى وهو هازل فإنه ال يرتتب على عقده متليك وال متلك؛ ألن املقصد هنا‬
‫ليس هو البيع املفيد لرتتب آاثره عليه‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬جتري ِف الوكاالت‪:‬‬
‫فرسا ففيه تفصيل‪ :‬إن كان نوى‬‫فمنها‪ :‬ما لو وكل إنسان غريه بشراء فرس معني أو حنوه‪ ،‬فاشرتى الوكيل ً‬
‫شراءه للموكل أو أضاف العقد إىل دراهم املوكل يقع الشراء للموكل‪ ،‬وإن نوى الشراء لنفسه أو أضاف‬
‫العقد إىل دراهم نفسه يقع الشراء لنفسه‪ ،‬وكذا لو أضاف العقد إىل دراهم مطلقة فإنه إذا نوى هبا دراهم‬
‫(‪) 2‬‬
‫املوكل يقع الشراء للموكل‪ ،‬وإن نوى هبا دراهم نفسه يقع لنفسه‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬جتري ِف إحراز املباحات‪:‬‬
‫اإلحرازات‪ :‬وهي استمالك األشياء املباحة‪ ،‬فإن النية والقصد شرط يف إفادهتا امللك‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو وضع شخص إانء حتت املطر وجتمع فيه ماء فإذا وضع ذلك اإلانء بقصد مجع املاء وإحرازه‬
‫يصبح مالكا له‪ ،‬فواحلالة هذه لو اغتصب املاء أحد يضمنه‪ ،‬وأما إذا كان قد وضع اإلانء بقصد غسله مباء‬
‫املطر ال بقصد مجع املاء وأخذها أحد ال يضمن؛ ألن صاحب اإلانء مل ميلك املاء لعدم سبق نية منه إلحرازه‪.‬‬

‫(‪ )1‬األشباه والنظائر للسيوطي ص‪.12‬‬


‫(‪ )2‬شرح القواعد الفقهية للزرقا (‪.)42/1‬‬

‫‪- 7 -‬‬
‫كذلك الصيد‪ :‬فلو وقع الصيد يف شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر‪:‬‬
‫فإن كان نشر الشبكة أو حفر احلفرة ألجل االصطياد هبما فإن الصيد ملكه وليس ألحد أن أيخذه‪ ،‬وإن كان‬
‫مثال أو حفر احلفرة ال ألجل‬
‫نشر الشبكة لتجفيفها ً‬
‫(‪)1‬‬
‫االصطياد فإنه ال ميلكه‪ ،‬ولغريه أن يستملكه ابألخذ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬جتري ِف الضماانت واألماانت‪:‬‬
‫ومسائلها كثرية جدا منها‪:‬‬
‫ـ اللقطة فإن التقطها ملتقط بنية حفظها ملالكها كانت أمانة ال تضمن إال ابلتعدي‪ ،‬وإن التقطها بنية أخذها‬
‫لنفسه كان يف حكم الغاصب فيضمن إذا تلفت يف يده أبي صورة كان تلفها‪ ،‬والقول للملتقط بيمينه يف النية‬
‫(‪)2‬‬
‫لو اختلفا فيها‪.‬‬
‫وهناك أبواب أخرى كثرية تندرج أحكامها حتت هذه القاعدة لكننا نكتفي مبا ذكرانه مع اإلعراض عن ذكر‬
‫املستثىن منها خشية اإلطالة ال ي ال يقتضيها املقام‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬جملة األحكام مع شرحها درر احلكام (‪.)20/1‬‬


‫(‪ )2‬شرح القواعد الفقهية للزرقا (‪.)44/1‬‬

‫‪- 8 -‬‬
‫القاعدة الثانية‬

‫« اليقني ال يزول ِبلشك »‬


‫هذه القاعدة أصل شرعي عظيم عليها مدار كثري من األحكام الفقهية‪ ،‬وتدخل يف معظم أبواب الفقه من‬
‫عبادات ومعامالت وعقوابت وأقضية وكثري من القواعد الدائرة يف الفقه وأصول الفقه وثيقة الصلة هبا بل انشئة‬
‫عنها‪.‬‬
‫ونظرا لذلك قيل أهنا تتضمن ثالثة أراب علم الفقه قال السيوطي‪« :‬هذه القاعدة تدخل يف معظم أبواب‬ ‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫الفقه‪ ،‬واملسائل املخرجة عليها تبلغ ثالثة أراب الفقه وأكثر» ‪.‬‬
‫كثريا ما ينشأ عن‬
‫أصال‪ ،‬وإزالة الشك الذي ً‬
‫وهتدف هذه القاعدة إىل رفع احلرج حيث فيها تقدير لليقني ابعتباره ً‬
‫الوساوس ال سيما يف ابب الطهارة والصالة‪ ،‬وكذلك يف سائر املسائل والقضااي الفقهية ال ي تسري فيها هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬يتجلى الرفق والتخفيف عن املكلفني‪.‬‬
‫* شرح القاعدة‪:‬‬
‫اليقني لغة‪ :‬العلم الذي ال تردد معه‪ ،‬وهو يف أصل اللغة االستقرار‪ ،‬يقال‪ :‬يقن املاء يف احلوض إذا استقر‪ .‬وال‬
‫{و َج َح مدوا ِِّبَا َو ْ‬
‫استَ ْي َقنَ ْت َها‬ ‫يشرتط يف حتقق اليقني االعرتاف والتصديق بل يتصور مع اجلحود كما قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ف َكا َن َعاقِّبَةم ال مْم ْف ِّس ِّدين} (‪.)2‬‬
‫س مه ْم ظمل ًْما َوعملمًّوا فَانظمْر َك ْي َ‬
‫أَن مف م‬
‫واليقني‪ :‬العلم و إزاحة الشك وحتقيق األمر‪ ،‬واليقني ضد الشك‪.‬‬
‫واليقني يف اصطالح علماء املعقول‪ :‬هو االعتقاد اجلازم املطابق للواقع الثابت‪ .‬لكن املناسب هنا تفسري اليقني‬
‫ابملعىن األول اللغوي؛ ألن األحكام الفقهية إمنا تبىن على الظاهر‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬إذا رأى إنسان شيئًا يف يد آخر‬
‫يتصرف به تصرفًا يغلب على ظن من يشاهده أنه ملكه‪ ،‬وكان مثله ميلك مثلها ومل خيرب الرائي عدالن أبهنا‬
‫ملك غريه‪ ،‬فإنه جيوز له أن يشهد لذي اليد مبلكها‪ ،‬وهذه شهادة على الظاهر ختالف حقيقة األمر‪.‬‬
‫* معىن القاعدة‪:‬‬
‫أن ما كان اثبتًا متيقنًا ال يرتفع مبجرد طروء الشك عليه؛ ألن األمر اليقيين ال يعقل أن يزيله ما هو أضعف‬
‫منه‪ ،‬بل ما كان مثله أو أقوى هذا وال فرق بني أن يكون اليقني السابق مقتضيًا للحظر أو مقتضيًا لإلابحة فإن‬

‫(‪ )1‬األشباه والنظائر ص‪.51‬‬


‫(‪ )2‬النمل‪.14 :‬‬

‫‪- 9 -‬‬
‫العمدة عليه يف كلتا احلالتني‪ ،‬وال يلتفت إىل الشك يف عروض املبيح على األول وعروض احلاظر على الثاين‪.‬‬
‫* أصل القاعدة‪:‬‬
‫من السنة‪:‬‬
‫‪ -‬قوله ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪« :‬إذا وجد أحدكم يف بطنه شيئا فأشكل عليه‪ ،‬أخرج منه شيء أم ال ؟ فال‬
‫خيرجن من املسجد حىت يسمع صوات أو جيد رحيا»‪ ،‬رواه مسلم (‪ )231‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫وأصله يف الصحيحني عن عبد اللَّـه بن زيد قال «شكي إىل النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ الرجل خييل إليه أنه‬
‫جيد الشيء يف الصالة قال‪« :‬ال ينصرف حىت يسمع صوات‪ ،‬أو جيد رحيا»‪ ،‬ويف الباب عن أيب سعيد اخلدري‬
‫وابن عباس‪.‬‬
‫‪ -‬وروى مسلم (‪ )1300‬عن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪« :‬إذا شك‬
‫أحدكم يف صالته‪ ،‬فلم يدر كم صلى أثالاث أم أربعا ؟ فليطرح الشك‪ ،‬ولينب على ما استيقن»‪.‬‬
‫‪ -‬وروى الرتمذي عن عبد الرمحن بن عوف قال‪ :‬مسعت رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ يقول‪« :‬إذا سها‬
‫أحدكم يف صالته‪ ،‬فلم يدر‪ :‬واحدة صلى‪ ،‬أم اثنتني ؟ فلينب على واحدة فإن مل يتيقن‪ :‬صلى اثنتني‪ ،‬أم ثالاث ؟‬
‫فلينب على اثنتني‪ ،‬فإن مل يدر‪ :‬أثالاث صلى أم أربعا ؟ فلينب على ثالث‪ ،‬وليسجد سجدتني قبل أن يسلم»‪.‬‬
‫يتفرع على هذه القاعدة مسائل‪:‬‬
‫مثال‪ ،‬فإنه جيوز له أن يشهد على بكر ابأللف‪،‬‬
‫بكرا مديون لعمرو أبلف ً‬ ‫( أ ) منها ما إذا كان إنسان يعلم أن ً‬
‫وإن خامره الشك يف وفائها أو يف إبراء الدائن له عنها إذ ال عربة للشك يف جانب اليقني السابق‪.‬‬
‫(ب) ومنها ما إذا كان يعلم أن العني الفالنية كانت ملك بكر مث انزعه فيها أحد‪ ،‬فإنه جيوز له أن‬
‫يشهد لبكر أبن العني ملكه‪ ،‬وإن كان حيتمل أنه ابعها ملن ينازعه بناء على األصل‪.‬‬
‫(ج) ومنها ما لو اشرتى أحد شيئًا مث ادعى أن به عيبًا وأ راد رده واختلف التجار أ هل اخلربة فقال‬
‫بعضهم‪ :‬هو عيب ‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ليس بعيب ‪ ،‬فليس للمشرتي الرد ألن السالمة هي األصل‬
‫املتيقن فال يثبت العيب ابلشك ‪ ،‬فكذا لو وجد العيب عند البائع مث عند املشرتي ‪ ،‬ولكن اشتبه فلم‬
‫يدر أنه عني األول أو غريه فإنه ال يرد‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫ويتفرع من هذه القاعدة قواعد كثرية منها‪:‬‬
‫أ ‪« -‬األصل بقاء ما كان على ما كان»‪:‬‬
‫أي إذا ثبت كون الشيء يف زمن ما على حال‪ ،‬فإنه حيكم ببقائه على هذه احلال‪ ،‬إال إذا قام الدليل على تغري‬
‫هذه احلال‪.‬‬
‫‪« -‬األصل براءة الذمة»‪:‬‬
‫أي أن الراجح يف النظر واالعتبار هو أن ذمة اإلنسان غري مشغولة بشيء‪ ،‬ألن اللَّـه خلق اإلنسان بريء الذمة‬
‫ال حق ألحد قبـله‪ ،‬وانشغال ذمته لغريه يطرأ بعد ذلك من املعامالت ال ي يباشرها‪ ،‬ومن تطبيقات هذه القاعدة‬
‫ما أييت‪:‬‬
‫‪ - 1‬لو اختلف املؤجر واملستأجر يف مقدار األجرة‪ ،‬فقال املؤجر‪ :‬هي عشرة‪ ،‬وقال املستأجر‪ :‬بل هي مخسة‪،‬‬
‫وال دليل ألحدمها‪ ،‬فالقول قول املستأجر؛ ألن األصل براءة ذمة املستأجر من هذه الزايدة وعلى املؤجر إثبات‬
‫هذه الزايدة ابلبينة‪.‬‬
‫ومن القواعد املتفرعة عليها أيضا‪:‬‬
‫‪« -‬ما ثبت بيقني ال يرتفع إال بيقني»‪.‬‬
‫‪« -‬األصل يف الصفات واألمور العارضة عدمها»‪.‬‬
‫‪« -‬األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته»‪.‬‬
‫‪« -‬األصل يف األشياء اإلابحة عند اجلمهور»‪.‬‬
‫‪« -‬األصل يف األبضا التحرمي»‪.‬‬
‫‪« -‬ال عربة للداللة يف مقابلة التصريح»‪.‬‬
‫‪« -‬ال ينسب إىل ساكت قول»‪.‬‬
‫‪« -‬ال عربة ابلتوهم»‪.‬‬
‫‪« -‬ال عربة ابلظن البني خطؤه»‪.‬‬
‫‪« -‬املمتنع عادة كاملمتنع حقيقة»‪.‬‬
‫‪« -‬ال حجة مع االحتمال الناش عن الدليل»‪.‬‬
‫***‬

‫‪- 11 -‬‬
‫القاعدة الثالثة‬

‫« املشقة جتلب التيسري »‬


‫هذه قاعدة عظيمة تواتر النقل عن األئمة يف تعظيم قدرها وبيان منزلتها يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬وأمجعت عليها‬
‫كتب القواعد الفقهية وهي من الدعائم واألسس ال ي يقوم عليها صرح الفقه اإلسالمي وأصوله‪.‬‬
‫* شرح القاعدة‪:‬‬
‫املشقة‪ :‬ابلتحريك‪ ،‬وتشديد القاف مصدر شق‪ ،‬واجلمع مشاق ومشقات‪« :‬العسر والعناء اخلارجني عن حد‬
‫العادة يف االحتمال»‪.‬‬
‫وف َّرِّحيم} (‪.)1‬‬ ‫{وََتْ ِّم مل أَثْ َقالَ مك ْم إِّ َىل بَلَ ٍد ََّّلْ تَ مكونمواْ َِبلِّ ِّغ ِّيه إِّالَّ بِّ ِّش ِّق األَن مف ِّ‬
‫س إِّ َّن َربَّ مك ْم لََرمؤ ٌ‬ ‫ومنه قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫والتيسري يف اللغة‪ :‬السهولة و الليونة؛ يقال يسر األمر إذا سهل‪.‬‬
‫واملعىن اللغوي اإلمجايل للقاعدة‪ :‬أن الصعوبة و العناء إذا حصلتا تصبحان يف الشر سببًا للتسهيل‪.‬‬
‫املراد ِبملشقة الالبة للتيسري‪:‬‬
‫املراد ابملشقة اجلالبة للتيسري هنا تلك املشقة ال ي تنفك عنها التكليفات الشرعية‪ ،‬أما املشقة ال ي ال تنفك عنها‬
‫التكليفات الشرعية كمشقة اجلهاد‪ ،‬وأمل احلدود‪،‬‬
‫ورجم الزانة‪ ،‬وقتل البغاة‪ ،‬واملفسدين واجلناة‪ ،‬فال أثر هلا يف جلب تيسري وال ختفيف‪.‬‬
‫وإمنا كانت املشقة جالبة للتيسري؛ ألن احلرج مدفو ابلنص‪ ،‬وجلبها التيسري مشروط بعدم مصادمتها نصا‪ ،‬فإذا‬
‫نصا روعي دوهنا؛ ألن النص أصل يف احلكم فيكون النص أوىل‪.‬‬ ‫صادمت ً‬
‫األدلة الشرعية على هذه القاعدة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من القرآن‪:‬‬
‫ً‬
‫ان فَ َمن َش ِّه َد‬ ‫ات ِّمن ا َْلمَدى والْ مفرقَ ِّ‬ ‫َّاس وب يِّنَ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ضا َن الَّ ِّذي أ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫منز َل فيه الْ مق ْرآ من مه ًدى للن ِّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ـ قال تعاىل‪َ { :‬ش ْه مر َرَم َ‬
‫ضا أ َْو َعلَى َس َف ٍر فَ ِّع َّدةٌ ِّم ْن أ َََّّيٍم أم َخ َر يم ِّري مد اّللم بِّ مك مم الْيم ْس َر َوالَ يم ِّري مد بِّ مك مم‬
‫ص ْمهم َوَمن َكا َن َم ِّري ً‬ ‫ِّمن مك مم َّ‬
‫الش ْه َر فَ لْيَ م‬
‫الْعم ْس َر َولِّتم ْك ِّملمواْ ال ِّْع َّد َة َولِّتم َكِّّبمواْ اّللَ َعلَى َما َه َدا مك ْم َولَ َعلَّ مك ْم تَ ْش مك مرون} (‪.)2‬‬
‫هذه اآلية أصل القاعدة الكربى ال ي تقوم عليها تكاليف هذه الشريعة‪ ،‬وهى قاعدة عظيمة ينبين عليها فرو‬

‫(‪ )1‬النحل‪.9 :‬‬


‫(‪ )2‬البقرة‪.125 :‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫كثرية وهي «أن املشقة جتلب التيسري» وهي إحدى القواعد اخلمس ال ي ينبين عليها الفقه وحتتها من القواعد‬
‫والفرو ما ال حيصى كثرة واآلية أصل يف مجيع ذلك‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قال السيوطي‪« :‬قال العلماء‪ :‬يتخرج على هذه القاعدة مجيع رخص الشر وختفيفاته» انتهى‪.‬‬
‫ّلل َوَمآلئِّ َكتِّ ِّه َومكتمبِّ ِّه َومر مسلِّ ِّه الَ نم َف ِّر مق‬ ‫منز َل إِّلَي ِّه ِّمن َّربِّ ِّه والْم ْؤِّمنو َن مكلٌّ آمن ِِّب ِّ‬
‫ََ‬ ‫َ م م‬ ‫ول ِّمبَا أ ِّ ْ‬ ‫الر مس م‬
‫{آم َن َّ‬ ‫ـ وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫سا إِّالَّ مو ْس َع َها ََلَا َما‬ ‫ف اّللم نَ ْف ً‬ ‫صري * الَ يم َك ِّل م‬ ‫ك الْم ِّ‬
‫ك َربَّنَا َوإِّلَْي َ َ‬ ‫َح ٍد ِّمن ُّر مسلِّ ِّه َوقَالمواْ ََِّس ْعنَا َوأَطَ ْعنَا غم ْف َرانَ َ‬
‫ني أ َ‬
‫بَ َْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ص ًرا َك َما َََلْتَهم َعلَى‬ ‫ت َربَّنَا الَ تم َؤاخ ْذ َان إِّن نَّسينَا أ َْو أَ ْخطَأ َْان َربَّنَا َوالَ ََتْ ِّم ْل َعلَْي نَا إِّ ْ‬ ‫سبَ ْ‬
‫ت َو َعلَْي َها َما ا ْكتَ َ‬ ‫سبَ ْ‬
‫َك َ‬
‫انص ْرَان َعلَى‬ ‫َنت َم ْوالَ َان فَ م‬ ‫ف َعنَّا َوا ْغ ِّف ْر لَنَا َو ْار ََْنَآ أ َ‬ ‫ين ِّمن قَ ْب ِّلنَا َربَّنَا َوالَ مَتَ ِّملْنَا َما الَ طَاقَةَ لَنَا بِّ ِّه َوا ْع م‬ ‫َّ ِّ‬
‫الذ َ‬
‫الْ َق ْوِّم الْ َكافِّ ِّرين} (‪.)2‬‬
‫أمرا أو هنيًا مطيقون له قادرون عليه‪ ،‬وأنه ال‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪« :‬تضمن أن مجيع ما كلفهم به ً‬
‫ف اّللم‬ ‫يكلفهم ما ال يطيقون‪ ،‬ويف ذلك رد صريح على من زعم خالف ذلك‪ ....‬وأتمل قوله تعاىل‪{ :‬الَ يم َكلِّ م‬
‫سا إِّالَّ مو ْس َع َها} كيف جتد حتته أهنم يف سعة ومنحة من تكاليفه‪ ،‬ال ضيق وحرج ومشقة‪ ،‬فإن الوسع يقتضي‬ ‫نَ ْف ً‬
‫(‪)3‬‬
‫ذلك؛ فاقتضت اآلية أن ما كلفهم به مقدور هلم من غري عسر وال ضيق وال حرج عليهم» انتهى‪.‬‬
‫ض ِّعي ًفا}‬
‫نسا من َ‬ ‫ف َعن مك ْم َو مخلِّ َق ِّ‬
‫اإل َ‬ ‫أيضا قوله تعاىل‪{ :‬يم ِّري مد اّللم أَن مُيَِّف َ‬
‫‪ -‬ومن أدلة القرآن على هذه القاعدة ً‬
‫(‪.)4‬‬
‫نِّ ْع َمتَهم َعلَْي مك ْم‬ ‫‪ -‬وقال عز وجل‪َ ...{ :‬ما يم ِّري مد اّللم لِّيَ ْج َع َل َعلَْي مكم ِّم ْن َح َر ٍج َولَ ِّكن يم ِّري مد لِّيمطَ َّه َرمك ْم َولِّيمتِّ َّم‬
‫لَ َعلَّ مك ْم تَ ْش مك مرون} (‪.)5‬‬
‫واألدلة ال ي تدل على هذه القاعدة يف القرآن كثرية‪ ،‬وكلها تدل داللة واضحة على أن التيسري والتخفيف ورفع‬
‫احلرج خصيصة عظيمة من خصائص الفقه يف الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬األدلة من السنة‪:‬‬
‫‪ -‬سئل رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪ :‬أي األداين أحب إىل اللَّـه ؟ قال‪« :‬احلنيفية السمحة» رواه‬
‫البخاري يف صحيحه تعلي ًقا‪.‬‬

‫(‪ )1‬األشباه والنظائر ص‪.99‬‬


‫(‪ )2‬البقرة‪.225 :‬‬
‫(‪ )3‬جممو الفتاوى (‪.)132/ 14‬‬
‫(‪ )4‬النساء‪.22 :‬‬
‫(‪ )5‬املائدة‪.6 :‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫قال الشاطيب‪« :‬ومسي ـ أي الدين ـ ابحلنيفية ملا فيه من التسهيل والتيسري»(‪.)1‬‬
‫‪ -‬وروى البخاري يف صحيحه (برقم ‪ )34‬عن أيب هريرة ـ رضي اللَّـه عنه ـ أن النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‬
‫قال‪« :‬إن الدين يسر و لن يشاد الدين أحد إال غلبه فسددوا و قاربوا وأبشروا واستعينوا ابلغدوة و الروحة و‬
‫شيء من الدجلة»‪.‬‬
‫‪ -‬وروى البخاري يف صحيحه (برقم ‪ )64‬عن أنس بن مالك ـ رضي اللَّـه عنه ـ عن النيب ـ صلَّى اللَّـه عليه‬
‫وسلَّم ـ قال‪« :‬يسروا وال تعسروا وبشروا و ال تنفروا »‪.‬‬
‫فكل هذه األحاديث و غريها دالئل واضحة على أن رفع احلرج من األصول ال ي بنيت عليها الشريعة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫ما يندرج َتت هذه القاعدة من الفروع‪:‬‬
‫املشقة اليت جتلب التيسري يدخل َتتها سبعة أنواع‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬السفر وتيسرياته كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -‬جواز اإلفطار فيه‪.‬‬
‫اثنيها‪ :‬املرض وتيسرياته كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -‬جواز اجللوس يف صالة الفرض إذا عجز عن القيام‪.‬‬
‫اثلثها‪ :‬اإلكراه‪.‬‬
‫وهو التهديد ممن هو قادر على اإليقا بضرب مربح‪ ،‬أو إبتالف نفس‪ ،‬أو عضو‪ ،‬أو حببس أو قيد مديدين‬
‫مطل ًقا‪ ،‬أو مبا هو دون ذلك لذي جاه‪ ،‬ويسمى إكر ًاها ملجئًا‪.‬‬
‫وتيسرياته كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -‬النطق بكلمة الكفر إذا أكره عليها‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إَّال من أكره وقـلبه مطمئن ابإلميان } (‪.)2‬‬
‫وجواب ـ إن خطر بباله التورية ـ‪ ،‬فإن مل‬
‫فريخص له أن جيري كلمتها على لسانه وقلبه مطمئن ابإلميان‪ ،‬ويوري ً‬
‫يور يكفر وتبني زوجته‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬النسيان وهو عدم تذكر الشيء عند احلاجة إليه واتفق العلماء على أنه مسقط للعقاب‪.‬‬
‫ومن تيسرياته‪:‬‬
‫‪ -‬أنه إذا وقع النسيان فيما يوجب عقوبة كان شبهة يف إسقاطها‪.‬‬

‫(‪ )1‬املوافقات (‪.)341/1‬‬


‫(‪ )2‬النحل‪.106 :‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫خامسها‪ :‬اجلهل وهو عدم العلم ممن شأنه أن يعلم وهو قد جيلب التيسري‪.‬‬
‫ومن تيسرياته‪:‬‬
‫( أ ) ما لو جهل الشفيع ابلبيع فإنه يعذر يف أتخري طلب الشفعة‪.‬‬
‫(ب) ومنها ما لو جهل الوكيل أو القاضي ابلعزل أو احملجور ابحلجر فإن تصرفهم صحيح إىل أن يعلموا‬
‫بذلك‪.‬‬
‫جاهال حرمتها فهو معذور‪.‬‬
‫(ج) ومنها أن من أسلم يف دار احلرب ومل تبلغه أحكام الشريعة فتناول احملرمات ً‬
‫سادسها‪ :‬العسر وعموم البلوى وله تيسريات منها‪:‬‬
‫( أ ) إابحة نظر الطبيب والشاهد واخلاطب لألجنبية‪.‬‬
‫(ب) والتيسري على اجملتهدين ابالكتفاء منهم بغلبة الظن‪.‬‬
‫سابعها‪ :‬النقص وفيه نو من املشقة يتسبب عنها التخفيف؛ وذلك مثل‪:‬‬
‫أصال فيما يرجع إىل‬
‫‪ -‬الصغر واجلنون واألنوثة‪ ،‬فاألوالن جيلبان التخفيف عن الصغري واجملنون لعدم تكليفهما ً‬
‫غري خطاب الوضع اآليت بيانه؛ فإنه موجه إليهما‪ ،‬وأما التخفيف بسبب األنوثة فمنه‪ :‬عدم تكليف النساء‬
‫(‪)1‬‬
‫بكثري مما كلف به الرجل كاجلهاد‪ ،‬واجلزية‪ ،‬وحتمل الدية إذا كان القاتل غريها‪.‬‬
‫ويتفرع من هذه القاعدة قواعد كثرية منها ما أييت‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الضرورات تبيح احملظورات‪ :‬ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه جيوز كشف الطبيب على عورات األشخاص‬
‫إذا توقف على ذلك عالجهم‪ ،‬وانه إذا هجمت دابة على شخص ومل يستطع التخلص من شرها إال بقتلها فله‬
‫قتلها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الضرورات تقدر بقدرها‪ :‬ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا احتيج ملداواة العورة‪ ،‬يكشف الطبيب‬
‫عليها مبقدار ما حيتاج إىل العالج فقط‪ ،‬والنسبة إىل املرأة ال جيوز أن يطلع على عورهتا للتطبيب أو التوليد رجل‬
‫ضررا‪.‬‬
‫إذا وجدت امرأة حتسن ذلك؛ ألن اطال اجلنس على جنسه أخف ً‬
‫جـ ‪ -‬احلاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ومن تطبيقات هذه القاعدة جواز دخول احلمام أبجر‬
‫معلوم‪ ،‬مع أن مدة املكث فيه جمهولة ومقدار املاء ووسائل التنظيف الذي يستهلكه املستحم جمهول‪ ،‬ألن‬
‫احلاجة تدعو إىل ذلك‪ ،‬وإجازة عقد السلم مع أن املبيع معدوم وقت العقد حلاجة املتعاملني إىل النقود‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬شرح القواعد الفقهية للزرقا (‪.)159/1‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫القاعدة الرابعة‬
‫« العادة حمكمة »‬
‫للعرف أو العادة أثر كبري يف القواعد الفقهية؛ فلم خيل كتاب من كتب القواعد من قاعدة أساسية يف العرف‪،‬‬
‫أو قاعدة من القواعد املتفرعة على قاعدة أساسية فيهما؛ ذلك ألن األفعال العادية وإن كانت أفعال شخصية‬
‫حيوية وليست من قبيل املعامالت‪ ،‬إال أنه عندما يتعارفها الناس وجتري عليها عادات حياهتم يصبح هلا أتثري‬
‫وسلطان يف توجيه أحكام التصرفات فتثبت تلك األحكام على وفق ما تقتضي العادة‪.‬‬
‫وملا نظر الفقهاء إىل هذا املعىن ورأوا اعتبار العرف والعادة يف التشريع وبناء األحكام عليهما؛ مل يغفلوا ذلك‬
‫وهم يقعدون القواعد أو خيرجون الفرو واملسائل املفرعة على هذه القواعد فقد ذكروا أكثر من قاعدة تتعلق‬
‫ابلعرف وكيفية حتكيمه يف الوقائع والتصرفات‪.‬‬
‫* قيمة هذه القاعدة‪:‬‬
‫إن موضو هذه القاعدة يعد موضوعً ا مهما يعني على حل ك ثري من املسائل واحلوادث اجلديدة؛‬
‫ذلك ألنه يتضمن الكثري من املسائل ال ي تتسم ابلسعة واملرونة والتطور مع مرور الزمن‪.‬‬
‫فمن نظر يف هذه القاعدة وأمعن النظر‪ ،‬ومل ينكر تغري األحكام املبنية على األعراف واملصاحل بتغري الزمان‪،‬‬
‫أدرك اتسا الفقه اإلسالمي وكفاءته الكاملة لتقدمي احللول املناسبة للمسائل واملشكالت املستحدثة وصالحيته‬
‫ملسايرة تطور احلياة‪ ،‬ومناسبته لكل زمان ومكان‪ ،‬وهذا من أعظم عوامل القابلية للخلود ابعتبارها الشريعة‬
‫اخلامتة ال ي ال شريعة وال دين بعده‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫* شرح القاعدة‪:‬‬
‫حكما إلثبات حكم شرعي مل ينص على خالفه خبصوصه‪ ،‬فلو مل‬ ‫يعين أن العادة عامة كانت أو خاصة جتعل ً‬
‫عاما فإن العادة تعترب على ما سيأيت‪.‬‬
‫أصال أو ورد ولكن ً‬
‫يرد نص خيالفها ً‬
‫ومعىن العادة‪ :‬االستمرار على شيء مقبول للطبع السليم واملعاودة إليه مرة بعد أخرى‪ ،‬وهي املرادة ابلعرف‬
‫منكرا يف نظرهم‪.‬‬
‫مغايرا ملا عليه أهل الدين والعقل املستقيم‪ ،‬وال ً‬
‫العملي‪ ،‬فاملراد هبا حينئذ‪ :‬ما ال يكون ً‬
‫مرجعا يف األمور الشرعية املطلقة ال ي مل حتدد‪ ،‬مثل ضابط نفقة الزوجة واألوالد وحنو ذلك‪ .‬وال‬
‫فالعادة تعترب ً‬
‫يعين هذا أهنا دليل شرعي مستقل يؤسس األحكام‪ ،‬بل تدور يف فلك النصوص الشرعية املطلقة ال ي مل تقيد ومل‬
‫نصا شرعيًا فال عربة هبا‪.‬‬
‫حتدد‪ ،‬وبناءً عليه فإذا خالفت ً‬

‫(‪ )1‬شرح القواعد الفقهية للزرقا ص‪.214‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫واملراد من كوهنا عامة‪ :‬أن تكون مطردة أو غالبة يف مجيع البلدان‪.‬‬
‫ومن كوهنا خاصة‪ :‬أن تكون كذلك يف بعضها فاالطراد والغلبة شرط العتبارها سواء كانت عامة أو خاصة‪.‬‬
‫أصل هذه القاعدة‪:‬‬
‫من القرآن‪:‬‬
‫ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َواّللم َع ِّز ٌيز َح مكيم}‬ ‫وف َولِّ ِّ‬
‫لر َج ِّ‬ ‫‪ -‬قول اللَّـه عز وجل‪ ...{ :‬وََل َّن ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِِّبلْمعر ِّ‬
‫َ ْم‬ ‫ْ‬ ‫َم م‬
‫(‪.)1‬‬
‫ومن السنة‪:‬‬
‫‪ -‬قوله ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ هلند بنت عتبة زوجة أيب سفيان حينما شكت له شح زوجها فقال هلا‪:‬‬
‫«خذي ما يكفيك وولدك ابملعروف» متفق عليه‪ .‬يعين خذي من ماله ولو بدون علمه فهذه النفقة واجبة عليه‬
‫فلك الظفر هبا مىت استطعت‪.‬‬
‫‪ -‬قول ابن مسعود ـ رضي اللَّـه عنه ـ‪« :‬ما رآه املسلمون حسنًا فهو عند اللَّـه حسن‪ ،‬وما رآه املسلمون ً‬
‫قبيحا‬
‫فهو عند اللَّـه قبيح» رواه أمحد برقم (‪.)3400‬‬
‫وهو حديث حسن‪ ،‬وهو وإن كان موقوفًا على ابن مسعود إال أن له حكم املرفو ؛ ألنه ال مدخل فيه للرأي‪.‬‬
‫شروط العمل ِبا‪:‬‬
‫العرف ال بد له من شروط حىت نعمله‪ ،‬وشروط العمل ابلعرف أربعة‪:‬‬
‫مطرد ا غالبًا حبيث ال يكون مضطرًاب ؛ ألنه إذا كان مضطرًاب غري غالب‪ ،‬فال يقال‬
‫أوهلا‪ :‬أن يكون العرف ً‬
‫له عرف‪ ،‬وهذا ما يعربون عنه بقوهلم‪ :‬العربة للغالب الشائع دون النادر‪.‬‬
‫والشرط الثاين‪ :‬أن يكون العرف غري خمالف للشريعة‪ ،‬فاملخالف للشريعة ال عربة به‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬ما لو كان يف‬
‫العرف بناء البيوت على شكل مفتوح‪ ،‬حبيث ال يسترت النساء يف البيوت‪ ،‬فإن هذا العرف خمالف للشريعة‪،‬‬
‫ومن مث ال يلتفت إليه‪ ،‬وال تقيد به العقود‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون العرف سابقا غري الحق‪ ،‬ومن هنا فإننا نعمل ابلعرف السابق املقارب دون العرف‬
‫الالحق‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬لو اشرتى إنسان من غريه بستني جنيها قبل مائة سنة‪ ،‬فإننا ال حنكم على ذلك ابجلنيهات‬
‫ايال يف ذلك الزمان‪ ،‬كان اجلنيه يف ذلك الزمان من ذهب‪ ،‬واآلن من ورق‬ ‫املوجودة بيننا اآلن بل مبا يسمى ر ً‬
‫فيعمل حبكم العرف السابق‪.‬‬
‫والشرط الرابع‪ :‬أال يوجد تصريح خيالف العرف‪ ،‬فإذا وجد تصريح خيالف العرف فالعربة ابلتصريح ال ابلعرف‪،‬‬

‫(‪ )1‬البقرة‪.222 :‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬أنه إذا وضع الطعام أمام اإلنسان‪ ،‬فإنه يف العرف جيوز األكل من ذلك الطعام؛ ألن هذا‬
‫إذان يف العرف‪ ،‬ولكن لو وضع الطعام‪ ،‬مث قيل ال أتكل من هذا الطعام‪ ،‬فهنا وجدت يف مقابلة العرف‬‫يعترب ً‬
‫قرينة تدل على أن ما تعارف عليه الناس ليس مر ًادا‪.‬‬
‫الفروع اليت تندرج َتت هذه القاعدة‪:‬‬
‫الذي تفرع عليها من الفروع الفقهية تعسر اإلحاطة به ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬أن الشريعة جاءت أبن السارق ال يقطع إال إذا سرق من احلرز‪ ،‬واحلرز ال ضابط له يف الشر وال يف اللغة‪،‬‬
‫فريجع إىل العرف‬
‫‪ -‬والنفقة على الزوجة أو القريب ال يوجد هلا ضابط حمدد يف الشر وال يف اللغة‪ ،‬فريجع إىل العرف‪ ،‬وقد أانط‬
‫الشار حكم النفقة ابلعرف‪.‬‬
‫واعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه يف الفقه‪ ،‬يف مسائل ال تعد كثرة‪ .‬فمن ذلك‪ :‬سن احليض‪ ،‬والبلوغ‪،‬‬
‫وأقل احليض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬والطهر وغالبها وأكثرها‪ ،‬وطول الزمان وقصره يف مواالة الوضوء‪ ،‬ويف إحراز املال‬
‫املسروق‪ ،‬ويف رد ظرف (وعاء) اهلدية وعدمه‪ ،‬ويف القبض يف البيو ‪ ،‬واألكل من الطعام املقدم ضيافة بال‬
‫(‪)1‬‬
‫لفظ‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫القواعد الفرعية املندرجة َتت هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ -1‬استعمال الناس حجة جيب العمل هبا‪.‬‬
‫‪ -2‬إمنا تعترب العادة إذا اضطردت وغلبت‪.‬‬
‫‪ -3‬العربة للغالب الشائع ال النادر‪.‬‬
‫‪ -4‬احلقيقة ترتك بداللة العادة‪.‬‬
‫‪ -5‬الكتاب كاخلطاب‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلشارة املعهودة لآلخرين كالبيان ابللسان‪.‬‬
‫‪ -9‬املعروف عرفًا كاملشروط شرطًا‪.‬‬
‫‪ -2‬التعيني ابلعرف كالتعيني ابلنص‪.‬‬
‫‪ -4‬املعروف بني التجار كاملشروط بينهم‪.‬‬
‫***‬

‫خمتصرا ص‪.40‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )1‬األشباه والنظائر للسيوطي‬

‫‪- 18 -‬‬
‫القاعدة اخلامسة‬

‫« ال ضرر وال ضرار »‬


‫هذه القاعدة الفقهية العظيمة يعنون هبا يف كثري من كتب الفقه بـ «الضرر يزال» وجعل مؤلفوها ما عربان به‬
‫دليال عليها وأصال هلا‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن ملا كان منطوقها نص حديث نبوي كرمي وهو يعد من جوامع كلمه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ سار مسار‬
‫القواعد الفقهية الكلية‪.‬‬
‫* أمهية هذه القاعدة‪:‬‬
‫إن اجملتمع اإلسالمي يف حميطه الكبري ختتلف فيه نوعيات األفراد ولكل وجهة هو موليها‪.‬‬
‫واللَّـه سبحانه وتعاىل خلق اإلنسان وأود فيه قويت اخلري والشر ومكنه من أن يتصرف هبما كيف يشاء‪.‬‬
‫فسادا بدافع من األاننية وحب الذات‬ ‫كثريا ما تغفل عن روح الشريعة فتعيث يف األرض ً‬ ‫والنفس اإلنسانية ً‬
‫والتعدي على اآلخرين‪ ،‬فلو تركت هذه النفس من غري مانع مينعها أو حاجز يوقفها عند حدها ألدى ذلك‬
‫النتشار املخاوف وزعزعة األمن وتصد بناء اجملتمع؛ هلذا كان ما حيقق املنفعة وينشر احملبة ومينع الضرر يعترب‬
‫ركنا من أركان الشريعة و أساسا من أسس التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫* أصل القاعدة‪:‬‬
‫أصل هذه القاعدة نص حديث نبوي شريف نقله مجاهري أهل العلم واحتجوا به‪ ،‬ولعل أجود الطرق له ما‬
‫رواه احلاكم و غريه عن أيب سعيد اخلدري ـ رضي اللَّـه عنه ـ أن رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ قال‪« :‬ال‬
‫ضرر وال ضرار‪ ،‬من ضار ضاره اللَّـه به ومن شاق شاق اللَّـه عليه» املستدرك على الصحيحني للحاكم‬
‫النيسابوري‪.‬‬
‫وأليب داود يف سننه من طريق أيب صرمة أن رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ قال‪« :‬من ضار ضاره اللَّـه به‬
‫ومن شاق شاق اللَّـه عليه»‪.‬‬
‫وملالك مرسال عن عمرو بن حيي املازين عن أبيه أن رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ قال‪« :‬ال ضرر وال‬
‫ضرار»‪.‬‬
‫والبن ماجه من طريق فضيل بن سليمان رسول اللَّـه ـ صلَّى اللَّـه عليه وسلَّم ـ‪« :‬قضى أن ال ضرر وال ضرار»‪.‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫قال املناوي‪« :‬قال العالئي‪ :‬وللحديث شواهد ينتهي مبجموعها إىل درجة الصحة أو احلسن احملتج به»(‪.)1‬‬
‫* شرح القاعدة‪:‬‬
‫الضرر‪ :‬ابلضم والفتح‪ :‬ما يؤمل الظاهر من اجلسم وما يتصل مبحسوسه يف مقابلة األذى وهو إيالم النفس وما‬
‫يتصل هبا‪.‬‬
‫والضرار‪ :‬ضرار مبعىن ضره‪ ،‬واضطره إىل كذا مبعىن أجلأه إليه و ليس له منه بد‪.‬‬
‫والضرر‪ :‬إحلاق مفسدة ابلغري مطلقا‪.‬‬
‫والضرار‪ :‬مقابلة الضرر ابلضرر‪.‬‬
‫وفسره بعضهم‪ :‬أبن ال يضر الرجل أخاه ابتداءً وال جزاءً‪.‬‬
‫والضرر يرجع إىل أحد أمرين‪ :‬إما تفويت مصلحة‪ ،‬أو حصول مضرة بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫ضررا‬
‫شرعا ألحد أن يلحق آبخر ً‬ ‫معىن القاعدة‪ :‬أنه ال فعل ضرر وال ضرار أبحد يف ديننا‪ ،‬أي‪ :‬ال جيوز ً‬
‫وال ضر ًارا‪ ،‬وقد سيق ذلك أبسلوب نفي اجلنس ليكون أبلغ يف النهي والزجر‪.‬‬
‫إن تفسري لفظة وال ضرار ابملعىن السابق الذي ذكرانه هو مبعىن‪ :‬ليس للمظلوم أن يظلم غريه‪ ،‬وهو إبطالقه‬
‫أصال‪ ،‬بل له أن يتخلص من ظلمه وأيخذ احلق منه ويسعى وراء‬ ‫أيضا فليس للمظلوم أن يظلمه ً‬ ‫شامل للظامل ً‬
‫ادعا ألمثاله عن املعاودة‪ ،‬أما ما زاد على ذلك فال جيوز‪.‬‬
‫ردعه عن الظلم مبا يكفي ر ً‬
‫ما يندرج َتت هذه القاعدة من الفروع‪:‬‬
‫يتفر على هذه القاعدة كثري من أبواب الفقه مما كانت مشروعيته توقيًا من وقو الضرر فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك أنوا احلجر فإهنا شرعت توقيًا من وقو الضرر العائد اترة لذات احملجور‪ ،‬واترة لغريه‪ ،‬فإن من‬
‫وجب حجره إذا ترك بدون حجر قد يضر بنفسه وقد يضر بغريه كما هو ظاهر‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها حبس املوسر إذا امتنع عن اإلنفاق على أوالده أو قريبه احملرم وجواز ضربه يف احلبس إذا أصر على االمتنا‬
‫توقيًا من وقو الضرر أبوالده أو قريبه الفقراء ببقائهم بال نفقة‪.‬‬
‫أرضا للزراعة أو آجرها هلا فزرعها املستعري أو املستأجر مث رجع املعري أو انتهت مدة‬ ‫‪ -‬ومنها ما لو أعار ً‬
‫اإلجارة قبل أن يستحصد الزر ؛ فإهنا ترتك يف يد املستعري أو املستأجر أبجر املثل إىل أن يستحصد الزر‬
‫(‪)2‬‬
‫وذلك توقيًا من تضرره بقلع الزر وهو بقل‪.‬‬

‫(‪ )1‬فيض القدير (‪.)431/6‬‬


‫(‪ )2‬شرح القواعد الفقهية للزرقا ص‪.165‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫القواعد الفرعية املندرجة َتتها كثرية ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬الضرر يدفع بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫‪ -2‬الضرر يزال‪.‬‬
‫‪ -3‬الضرر األشد يزال ابلضرر األخف‪.‬‬
‫‪ -4‬يتحمل الضرر اخلاص لدفع الضرر العام‪.‬‬
‫‪ -5‬درء املفاسد أوىل من جلب املصاحل‪.‬‬
‫***‬

‫احملتوَّيت‬
‫املقدمة ‪3 ........................................................................................‬‬

‫* أهم القواعد الفقهية‪3 ......................................................................... :‬‬

‫* تعريف القاعدة‪4 ..............................................................................:‬‬

‫* أمهية دراسة القواعد الفقهية‪4 ...................................................................:‬‬

‫القاعدة األوىل« األمور مبقاصدها » ‪5 ..............................................................‬‬

‫القاعدة الثانية« اليقني ال يزول ابلشك » ‪4 .........................................................‬‬

‫القاعدة الثالثة« املشقة جتلب التيسري » ‪12 .........................................................‬‬

‫القاعدة الرابعة « العادة حمكمة » ‪16 .............................................................‬‬

‫القاعدة اخلامسة« ال ضرر وال ضرار »‪14 ..........................................................‬‬

‫‪- 21 -‬‬

You might also like