You are on page 1of 69

‫قال حييى بن أيب كثري ☼‪:‬‬

‫ُ َ لج‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ل ُي ستطاع الِعلم براحِة ا ِ ِسم»‬
‫«ا‬

‫ذمركة‬

‫القواعد الفقهية‬
‫اوتسملىااخلسم‬

‫لشي‬
‫ا خ‪:‬‬
‫س‬ ‫عي‬‫عيس ل‬
‫دبعاهللنب ىا ى‬

‫شارك في إعداد املذكرة‪:‬‬

‫رش د د د د د د د د د د د دداد د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د د ا د د د د د د د د د د د د د د‬ ‫ددددددد‬ ‫فه د د د د د ددد د د د د د د د ع د د د د د ددد ا د د د د د د د ا‬


‫د د د د د ر ا د د د د د د ار‬ ‫ددددد‬ ‫ع د د د د ددد ا د د د د ددر‬ ‫د د د د د د د د د د ددا‬ ‫د د د د د د د د د د ددد ا‬ ‫ع د د د د د د د د د د ددا ر د د د د د د د د د د د‬

‫العام الدراس ي‪:‬‬


‫‪1440-1439‬ه‬
‫‪‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وحدددل ال ش د د د د د د د لدده‪ ،‬وأشد د د د د د دهددد أن م ددًا عبدددل‬
‫ورسد د د له‪ ،‬د د د َّى اهلل ع يه وع ى آله و د د د به‪،‬‬
‫وس م تس يمًا كثريًا‪.‬‬
‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬
‫مقدمة يف ا لقواعد ا لفقهية‬

‫* تعريف القاعدة‬
‫لغةً‪( :‬القاف والعين والدال) تعني‪ :‬االستقرار والثبات‪ ،‬وتجمع على قواعد وهي بمعنى‬
‫َۡ‬ ‫ۡ َ‬
‫األساس‪ ،‬فقواعد البيت أساسه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ِ{ :‬إَوذ يَ ۡرف ُع إِبۡ َر َٰ ِهۧ ُم ٱلق َواع َِد} [البقرة‪ ،]127:‬وتقول‬
‫العرب قواعد الهودج‪ ،‬ويقولون قواعد السحاب‪ ،‬وتستعمل يف األمور المعنوية مثل‪ :‬قواعد اإلسالم‪.‬‬
‫ويفًاالصطالحًالعام‪ :‬فالقاعدة قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها‪ ،‬هذا التعريف العام‬
‫للقاعدة يف أي علم‪.‬‬
‫■ وعند الفقهاء هلم اجتاهان‪:‬‬
‫‪ )1‬حكم كلي ينطبق على جميع الجزئيات لتعرف أحكامها منه‪.‬‬
‫‪ )2‬حكم أكثري ال كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه‪.‬‬
‫وهذا التعريف األخير هو تعريف الحموي ومن تبعه‪ ،‬ودعاهم لهذا التعريف أنهم نظروا‬
‫للقواعد ووجدوا فيها استثناءات‪ ،‬فقالوا يجب تعريفها بأنها حكم أكثري ال كلي‪ .‬هذا تعليلهم‪.‬‬
‫عرفها بأنها (حكم كلي) دعاه لهذا أن الشأن يف قواعد العلوم أنها كلية‪ ،‬كذلك يف قواعد‬
‫وأما من َّ‬
‫الفقه‪ ،‬وأجابوا على ما ذكره أصحاب االتجاه اآلخر القائلين بأنها حكم أكثري ال كلي بعدة أجوبة‪:‬‬
‫‪ )1‬قالوا إن ما ذكرتموه من مسائل مستثناة هي فروع لقواعد أخرى هي أليق بها فال تكون‬
‫مستثناة‪.‬‬
‫‪ )2‬وقالوا ال نس ِّلم أنها مستثناة بل هي داخلة وينطبق عليها الحكم‪ ،‬لكن لم يظهر لكم وجه‬
‫دخولها فيها‪.‬‬
‫‪ )3‬أنها ُاستثنيت ولم تدخل يف القاعدة لتخلف رشط أو وجود مانع‪.‬‬
‫أن القاعدة إذا ثبتت كليتها فوجود بعض االستثناءات‬ ‫‪ )4‬جواب آخر ذكره الشاطبي وهو‪َّ :‬‬
‫ال يمنع وصف القاعدة بأنها كلية‪ ،‬فال تنخرم كلية القاعدة بوجود بعض المسائل‬
‫المستثناة‪ ،‬وألنه ما من قاعدة ولها استثناءات‪.‬‬
‫كل فالتعريفات متعددة وهناك من يضيف قيود فيقول (حكم كلي فقهي) فيخرج الحكم‬ ‫وعلى ٍّ‬
‫النحوي ونحوه‪.‬‬
‫ًعرفهاًكالشيخًيعقوبًالباحسين‪ :‬بأنها قضية كلية فقهية جزئياتها قضايا كلية فقهية‪.‬‬ ‫ومنهمًمن َّ‬
‫‪2‬‬ ‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬

‫* ما الفرق بني القاعدة والضابط‬


‫كال منها حكم كلي يندرج تحته‬
‫أن ً‬
‫العالقية بين القاعدة والضابط هو أنهما يشتركان يف َّ‬
‫جزئيات‪ ،‬والفرق أن القواعد يندرج تحتها فروع من أبواب مختلفة‪ ،‬والضابط يندرج تحته جزئيات‬
‫من باب واحد‪.‬‬
‫والقاعدة الفقهية متفق عيلها يف الغالب‪ ،‬بخالف الضابط‪.‬‬

‫* الفرق بني القواعد الفقهية والقواعد األصولية‬


‫األصول منهج االستنباط من األدلة‪ ،‬أما القواعد الفقهية فأحكام عامة تحتها فروع جزئية ُربطت‬
‫ببعضها ليسهل حفظها‪.‬‬
‫والفرق بينهما؛ أوالً‪ :‬من جهة االستمداد‪ :‬فالقاعد األصولية ُتستمد من علم الكالم واللغة‬
‫العربية وتصور األحكام الرشعية‪.‬‬
‫والقواعد الفقهية تستمد من األدلة الرشعية والمسائل المتشابهة التي ترجع لعلة جامعة بينها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬من جهة تعلق ًكل ًمنهما‪ :‬فالقاعدة األصولية تتعلق باألدلة‪ ،‬والقاعدة الفقهية تتعلق‬
‫بأفعال الناس‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من جهة المستفيد من كل منهما‪ :‬فالقاعدة األصولية المستفيد منها هو المجتهد‪ ،‬أما‬
‫القاعدة الفقهية فالمستفيد هو الفقيه والمفتي والمكلف وغيره‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬القواعد األصولية متقدمة الوجود على القواعد الفقهية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬القواعد األصولية ُيتو َّصل بها للحكم بواسطة‪ ،‬أما الفقهية فبدون واسطة‪.‬‬

‫* نشأة القواعد الفقهية‬


‫معاني القواعد الفقهية كانت متقررة وموجودة يف أذهان العلماء من زمن الصحابة ♥ وإن لم‬
‫ََ َ ُ َ َ‪ٞ‬‬
‫تكن معروفة بهذه الصياغة‪ ،‬والقرآن والسنة يتضمنان قواعد كثيرة‪ ،‬منها قوله تعالى‪{ :‬وَل ت ِزر وازِرة‬
‫ُ‬
‫ى}‪ ،‬وقوله ﷺ‪” :‬الًرضرًوالًرضار“‪ ،‬بل هما مليئان بالقواعد‪.‬‬ ‫و ۡز َر أ ۡخ َر َٰ‬
‫ِ‬
‫وكذلك يف كالم الصحابة؛ كما يف قول عمر ☺‪( :‬مقاطع الحقوق عند الرشوط)‪.‬‬
‫ويف القرن الثاني الهجري بدأ التأليف يف الفقه وكانت تتضمن المؤلفات قواعد وكليات‪ ،‬وإن‬
‫لم ينصوا على ذلك‪ ،‬كاألم للشافعي وغيرها من المؤلفات‪.‬‬
‫باختصار‪ :‬معاني القواعد الفقهية كانت موجودة يف أذهان الصحابة والتابعين ويف مؤلفات الفقه‪.‬‬
‫لدباس أنه‬
‫َّأما بداية جمع القواعد فكان يف القرن الثالث‪ ،‬وأول ما ورد لنا ما جاء عن أبي طاهر ا َّ‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬

‫رد فروع الحنفية إلى ‪ 17‬قاعدة‪.‬‬


‫َّ‬
‫أما بداية التدوين فكانت يف نهاية القرن الثالث وبداية الرابع على يد أبي الحسن الكرخي‬
‫الدباس وزاد عليها‪.‬‬
‫أصال‪ ،‬ولعله أخذ ما عند َّ‬
‫الحنفي‪ ،‬وذكر فيه ‪ 37‬ا‬
‫الدباس‪ ،‬والتدوين‬
‫إذن؛ فبداية الجمع بدون تدوين كان يف بداية القرن الثالث على يد أبي طاهر َّ‬
‫كان يف أواخر القرن الثالث وبداية الرابع على يد أبي الحسن الكرخي‪.‬‬
‫الد ُبوسي وألف كتابه‪ :‬تأسيس النظر‪.‬‬
‫ثم يف القرن الخامس جاء أبو زيد َّ‬
‫ويف القرن السادس والسابع ظهرت العديد من الكتب من أشهرها كتاب‪ :‬قواعد األحكام يف‬
‫مصالح األنام للعز بن عبد السالم الشافعي‪ ،‬وهو بمثابة الكالم عن أرسار وحكم الرشيعة‪ ،‬وقد رد العز‬
‫يف كتابه الرشيعة إلى قاعدة واحدة وهي‪( :‬جلب المصالح ودرء المفاسد)‪.‬‬
‫ومنها كتاب الفروق للقرايف المالكي وهو تلميذ للعز‪ ،‬ويسمى أنوار البروق يف أنواء الفروق‪.‬‬
‫نظرا لزيادة اهتمام‬
‫ويف القرن الثامن الذي يعد العرص الذهبي للتأليف يف القواعد الفقهية‪ ،‬ا‬
‫العلماء فيه‪ ،‬وكثرة المؤلفات فيه‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬القواعد الكبرى لنجم الدين الطويف الحنبلي وهو كتاب مفقود‪.‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر البن الوكيل الشافعي‪.‬‬
‫‪ -‬القواعد النورانية لشيخ اإلسالم ابن تيمية وله ترتيب مختلف عن كتب القواعد‪ ،‬فقد‬
‫تكلم فيه عن أمهات المسائل الفقهية وفيه عدد ال بأس من القواعد‪ ،‬وكما ال يخفى‬
‫فشيخ اإلسالم مشهور بالتقعيد ومهتم به‪.‬‬
‫‪ -‬المجموع المذهب يف قواعد المذهب للعالئي الشافعي‪.‬‬
‫‪ -‬القواعد ألبي عبد اهلل الم َّقري المالكي‪.‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر البن السبكي الشافعي‪.‬‬
‫‪ -‬المنثور يف القواعد للزركشي الشافعي‪.‬‬
‫وطبع باسم‪( :‬القواعد يف الفقه اإلسالمي) وطبع محق اقا‬‫‪ -‬القواعد البن رجب الحنبلي‪ُ ،‬‬
‫باسم‪( :‬تقرير القواعد وتحرير الفوائد)‪.‬‬
‫يف القرن التاسع والعارش استمرت حركة التأليف‪ ،‬ومن المؤلفات‪:‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر البن الملقن الشافعي‪.‬‬
‫‪ -‬القواعد البن عبد الهادي الحنبلي‪.‬‬
‫‪ -‬رشح المنجور يف المذهب المالكي‪.‬‬
‫‪ -‬إيضاح المسالك إلى قواعد مذهب اإلمام مالك للونرشيسي‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬

‫‪ -‬األشباه والنظائر للسيوطي الشافعي‪.‬‬


‫‪ -‬األشباه والنظائر البن نجيم الحنفي‪.‬‬
‫ويف القرن الحادي والثاني والثالث عرش‪ ،‬ظهرت العديد من المؤلفات منها‪:‬‬
‫خاتمة مجامع الحقائق للخادمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫غمز عيون البصائر للحموي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفرائد البهية البن حمزة الحسيني قاضي دمشق يف العهد العثماني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجلة األحكام العدلية‪ ،‬وقد صاغوها على شكل مواد‪ ،‬والقواعد فيها من المادة الثانية‬ ‫‪-‬‬
‫تسعا وتسعين قاعدة‪.‬‬
‫حتى المادة المئة‪ ،‬فذكروا ا‬
‫ويف عرصنا زاد االهتمام بالقواعد يف أمور‪:‬‬
‫العناية بتحقيق كتب القواعد‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫استخراج القواعد الفقهية من كتب رشوح المتون الفقهية‪ ،‬كاألم للشافعي والمغني‬ ‫‪.2‬‬
‫البن قدامة وبدائع الصنائع للكاساني‪.‬‬
‫التأليف يف القواعد‪ ،‬سواء يف مجمل القواعد أو يف بعضها على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫العناية بالتطبيقات المعارصة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إخراج معلمة للقواعد الفقهية واألصولية وتسمى‪( :‬معلمة زايد)‪ ،‬وقد ُأصدرت‬ ‫‪.5‬‬
‫لكترونيا‪ ،‬ومطبوعة يف أكثر من ‪ 40‬مجلد‪.‬‬
‫ً‬ ‫إ‬
‫■ جدول لرتتيب الكتب حسب املذاهب‪:‬‬
‫احلنابلة‬ ‫الشافعية‬ ‫املالكية‬ ‫احلنفية‬
‫القواعد النورانية‬ ‫قواعد األحكام‬ ‫الفروق‬
‫أصول الكرخي‬
‫لشيخ اإلسالم ابن تيمية‬ ‫للعز بن عبد السالم‬ ‫للشهاب القرايف‬
‫القواعد‬ ‫األشباه والنظائر‬ ‫القواعد‬ ‫تأسيس النظر‬
‫البن رجب‬ ‫البن الوكيل‬ ‫ألبي عبد اهلل الم َّقري‬ ‫ألبي زيد الدبوسي‬
‫المجموع المذهب يف‬ ‫إيضاح المسالك‬
‫القواعد الكلية‬ ‫األشباه والنظائر‬
‫قواعد المذهب‬ ‫إلى قواعد اإلمام مالك‬
‫البن عبد الهادي‬ ‫البن نجيم‬
‫للعالئي‬ ‫ألبي العباس الونرشيسي‬
‫القواعد واألصول الجامعة‬ ‫األشباه والنظائر‬ ‫مجلة األحكام‬
‫البن سعدي‬ ‫البن السبكي‬ ‫العدلية‬
‫األشباه والنظائر‬ ‫الفرائد البهية‬
‫للسيوطي‬ ‫البن حمزة الحسيني‬
‫األشباه والنظائر‬
‫البن الملقن‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬

‫* مناهج التأليف‬
‫■ من جهة املضمون‪:‬‬
‫‪ -‬بعضهم يكتب القواعد ويذكر معها مباحث أصولية‪ ،‬مثل‪( :‬ابن السبكي يف األشباه‬
‫والنظائر ‪ -‬والحصني يف كتاب القواعد)‪.‬‬
‫‪ -‬وبعضهم يذكر معها مباحث فقهية‪ ،‬مثل‪( :‬السيوطي يف األشباه والنظائر ‪ -‬وابن نجيم)‪.‬‬
‫خالصا يف القواعد‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬والتأليف يف زماننا يكون‬
‫■ من جهة الرتتيب‪:‬‬
‫لم يسيروا على منهج واحد بل لهم مناهج‪:‬‬
‫منهم من رتبها حسب شمول القاعدة‪ ،‬فبدأ بالقواعد الشاملة وهي الكبرى‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫(السيوطي يف األشباه والنظائر ‪ -‬وابن نجيم يف األشباه والنظائر)‪.‬‬
‫ومنهم من رتبها على األبواب الفقهية‪ ،‬مثل‪( :‬الم َّقري ‪ -‬وابن الملقن ‪ -‬والبقوري)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومنهم من رتبها على حروف المعجم‪ ،‬مثل‪( :‬الزركشي يف المنثور ‪ -‬الخادمي يف مجامع‬ ‫‪-‬‬
‫الحقائق ‪ -‬ناظر زاده يف ترتيب الآللئ)‪.‬‬
‫ومنهم من نستطيع القول بأنه راعى الترتيب الفقهي كابن رجب يف القواعد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهناك مؤلفات لم يظهر أنهم لرتبوها على منهج معين‪ ،‬مثل‪( :‬رسالة الكرخي ‪ -‬ومجلة‬ ‫‪-‬‬
‫األحكام العدلية)‪.‬‬

‫* أقسام القواعد الفقهية‬


‫تقسم القواعد باعتبارات متعددة‪:‬‬
‫َّ‬
‫■ باعتبار الشمول وسعة التطبيق‪ ،‬وهي أقسام‪:‬‬
‫أ) قواعد لها تطبيقات واسعة بحيث تشمل كل األبواب أو غالبها‪ ،‬كالقواعد الخمس‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫ب) قواعد لها تطبيقات دون القسم األول‪ ،‬مثل القواعد األربعين عند السيوطي لها‬
‫تطبيقات يف كثير من األبواب‪ ،‬والقواعد يف هذا القسم متفاوتة يف الشمول فيما بينها‬
‫كذلك‪.‬‬
‫ج) قواعد خاصة بقسم فقهي‪ ،‬كقاعدة‪( :‬األصل يف العبادات الحظر) تكون تطبيقاتها يف قسم‬
‫العبادات‪ ،‬وكذلك‪( :‬األصل يف العادات اإلباحة) تكون تطبيقاتها يف قسم المعامالت‪.‬‬
‫د) القواعد التي تكون خاصة بكتاب معين‪ ،‬ككتاب الطهارة والصالة والبيع ونحوه‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬

‫ه) ما هو خاص بباب واحد‪ ،‬وهو ما ُيعرف بالضابط‪.‬‬


‫■ باعتبار االتفاق واالختالف‪ ،‬وهي أقسام‪:‬‬
‫أ) ما هو متفقًعليهاًبينًالعلماء‪ ،‬كالقواعد الخمس الكبرى‪.‬‬
‫ب) ما هو مختلف ًفيها ًبين ًالعلماء‪ ،‬مثل بعض القواعد التي ذكرها الدبوسي يف تأسيس‬
‫النظر‪ ،‬والتي ذكرها الم َّقري يف القواعد‪.‬‬
‫ج) ما هو متفقًعليهاًيفًالمذهب‪ ،‬مثل القواعد األربعين التي ذكرها السيوطي يف األشباه‬
‫والنظائر‪.‬‬
‫د) ما هو مختلفًفيهاًيفًالمذهب‪ ،‬مثل بعض القواعد التي ذكرها الدبوسي يف تأسيس النظر‪،‬‬
‫وبعض القواعد التي ذكرها ابن رجب‪ ،‬والقواعد العرشين التي ذكرها السيوطي‪ ،‬وهذه‬
‫صدرًـب(هل)ًللداللةًعلىًالخالفًفيها‪.‬‬
‫اًت َّ‬
‫تصاغ بصيغة اإلنشاء ال الخبر‪ً،‬فهيًغالب ُ‬
‫■ باعتبار كوهنا أصلية أو تابعة‪:‬‬
‫أ) أصلية‪ :‬وهي التي تكون مستقلة بنفسها غير تابعة‪ ،‬كالقواعد الخمس الكبرى‪.‬‬
‫ب) تابعة‪ :‬وهي التي تكون تابعة لغيرها‪ ،‬كالقواعد المتفرعة من القواعد الكبرى‪.‬‬
‫■ باعتبار املضمون‪:‬‬
‫وهذا تقسيم حديث‪ ،‬وهو أن تجمع القواعد المتعلقة بمسائل الضمان‪ ،‬أو اإلثبات‪ ،‬أو الرشوط‪،‬‬
‫أو المتعلقة بالمرأة‪ ،‬أو بذوي االحتياجات الخاصة وغيرها‪ ،‬وهي مبحوثة يف رسائل الدراسات العليا‪.‬‬
‫■ أثر القواعد الفقهية يف املسائل املعارصة‪:‬‬
‫مثال‪ :‬لو قال األطباء عن امرأة حامل أنه ال‬
‫للقواعد الفقهية فائدة يف دراسة النوازل المعارصة‪ ،‬ا‬
‫شق بطنها إلخراج الجنين‪ ،‬وإال فيخشى عليه أو على أمه‪ ،‬فما حكم ذلك‪ ،‬مع ما يف ذلك من‬ ‫بد من ِّ‬
‫استنادا لقاعدة (منع الرضر)‪ ،‬فإننا إن‬
‫ا‬ ‫كشف للعورة وأرضار على المرأة‪ ،‬فيقال‪ :‬يجوز فعل ذلك‪،‬‬
‫رضرا أخف‪ ،‬فنرجع لقاعدة‪( :‬يدفع الرضر‬ ‫تركناها ترضر الصبي أو أمه‪ ،‬وإن جوزناها ترضرت المرأة ا‬
‫األشد بارتكاب األخف)‪.‬‬
‫مرجعا يف كل ما يستجد من نوازل قبل البحث‪ .‬فقاعدة‪:‬‬‫ا‬ ‫لكن يتنبه إلى أننا ال نجعل القواعد‬
‫(األصل يف العقود الصحة)‪ ،‬هل نطبقها مبارشة؟ ال‪ ،‬بل ال بد أن نفحص العقد قبل ذلك‪ ،‬هل فيه رضر‬
‫أو ربا أو أمر محرم من الغرر ونحوه‪ ،‬فإن ظهر لم يجز العقد‪ ،‬وإن لم يظهر فإننا نطبق القاعدة يف أن‬
‫األصل يف العقود الصحة‪.‬‬
‫فمثال عقد اإلجارة المنتهي بال تمليك فيه صور مجازة وصور محرمة‪ ،‬فال يطلق القول بإباحته‬‫ا‬
‫بناء على هذه القاعدة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة يف القواعد الفقهية‬

‫* حجية القواعد الفقهية‬


‫لم يتكلم العلماء المتقدمون عن هذا الموضوع بتوسع‪ ،‬واألولى التفصيل يف حجية القواعد‪:‬‬
‫رشعيا كالحديث فهي حجة‪.‬‬‫ً‬ ‫نصا‬ ‫‪ )1‬إذا كانت القاعدة ً‬
‫‪ )2‬وإن كانت قواعد مستنبطة من النصوص الرشعية القطعية فهي حجة‪ ،‬كالقواعد الخمس‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫‪ )3‬وإذا كانت مبنية على االجتهاد فهذه ال تكون حجة إال على من يرى صحتها ومن ال يرى‬
‫فال تكون حجة يف ح ِّقه‪ ،‬مثالها‪( :‬الرخص ال تناط بالمعاصي)‪.‬‬

‫* فوائد دراسة القواعد الفقهية‬


‫وهي فوائد مستخلصة من الكتب المؤلفة يف القواعد‪ ،‬فمن الفوائد‪:‬‬
‫سلك واحد يساعد على معرفة الرابط بينها‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أنها تضبط الفروع يف‬ ‫‪)1‬‬
‫أنها تساعد على حفظ الفروع الفقهية الكثيرة‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫أنها تساعد على معرفة مناهج الفتوى ومآخذ المسائل ومداركها‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫أنها تساعد على معرفة مقاصد الرشيعة‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫أنها تساعد على تكوين ملكة فقهية للدارس وهذا يساعده يف دراسة النوازل‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫أنها تساعد غير المتخصصين يف الفقه االطالع على الفقه بروحه ومضمونه بأيرس سبيل‪.‬‬ ‫‪)6‬‬

‫* صياغة القاعدة الفقهية‬


‫نصا للقاعدة‪ ،‬مثل‪” :‬الًرضرًوالًرضار“‪.‬‬
‫نص حديث أو أثر فتكون ً‬
‫أوالً‪ :‬منها ما َّ‬
‫ثانيا‪ :‬منها ما يكون من كالم العلماء‪ ،‬مثل‪( :‬العادة محكمة)‪ ،‬وقد مرت صياغتها بمراحل قبل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن غالب صياغات القواعد تكون موجزة وشاملة‪ ،‬وقد يحتاج بعضها إلى إضافة قيد‪،‬‬
‫كقاعدة‪( :‬ما ح ُرم استعماله ح ُرم اتخاذه) ُيشكل عليه الحرير فهو محرم على الرجال مباح للنساء‪ ،‬لكن‬
‫يضاف للقاعدة قيد حتى ُيحل اإلشكال فيقال‪( :‬ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه)‪.‬‬
‫وما زال الباحثون يستخرجون القواعد من الكتب ويحتاجون للصياغة لئال يذكرها بطولها‪.‬‬

‫ً**‬ ‫ً**‬ ‫**‬


‫القاعدة الكبرى الاولى‪:‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫(األمور بمقاصدها)‬
‫ا لقاعد ة ا لكبر ى األو لى‪( :‬األمور بمق اصدها )‬

‫* مفردات القاعدة ومعناها اإلمجايل‪:‬‬


‫مكونة من لفظين‪:‬‬
‫القاعدة َّ‬
‫ٍ‬
‫معان منها‪ :‬ضد النهي‪ ،‬واألمر‬ ‫أوالً‪ :‬معنى (األمور)‪ :‬جمع أمر‪ ،‬واألمر يف لغة العرب له عدة‬
‫بمعنى النماء والبركة‪ ،‬واألمر بمعنى‪ :‬الحالًوالشأن‪ ،‬وهو المراد هنا‪ ،‬ويشمل‪ :‬الترصفات القولية‬
‫والفعلية واالعتقادية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معنى (المقاصد)‪ :‬جمع مقصد من القصد‪ ،‬وهي النية واإلرادة‪ ،‬فالمراد بالمقاصد‪:‬‬
‫النيات‪.‬‬
‫ومعنى ًالقاعدة ًاإلجمالي‪ :‬القاعدة تدل على أن ترصفات المك َّلف القولية أو الفعلية أو‬
‫االعتقادية تختلف أحكامها الرشعية باختالف إرادته ونيته‪.‬‬

‫* دليل القاعدة وأصلها‬


‫حث على‬
‫معناها الكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬فمنًالكتاب ُيستدل لها بكل دليل َّ‬ ‫دل على‬
‫القاعدة َّ‬
‫َ َ ُ د َ ُ َ َ َٓ‬ ‫َ َ ٓ ُ ُ ٓ ْ ا َ ۡ ُ ُ ْ ا َ ُۡ‬
‫اإلخالص ومنها‪{ :‬وما أمِروا إَِل ِلعبدوا ٱّلل ُمل ِِصني َل ٱلِين حنفاء} [البينة‪.]5:‬‬
‫وباآليات التي ُعلقت على اإلرادة واالبتغاء‪ ،‬فلفظ النية لم يرد يف القرآن وهذه ألفاظ مرادفة‪،‬‬
‫َ‬
‫يد ٱٓأۡلخ َِرة}‬
‫ُ‬
‫ِنكم امن يُر ُ‬
‫م‬ ‫يد ٱ ُّل ۡن َيا َ‬
‫و‬
‫ُ‬
‫ِنكم امن يُر ُ‬
‫فمن اآليات الدالة على اإلرادة قوله ╡‪{ :‬م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[آل عمران‪.]152:‬‬
‫ۡ َ َ َٰ َ ۡ َ د ُ ُ َ‬ ‫َ ۡ ۡ َۡ َ َ َ َ ا َ َۡ ُ َ‬
‫يدون َو ۡج َه ُه}‬ ‫ش ي ِر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫و‬ ‫د‬‫غ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ون َر اب ُ‬
‫ه‬ ‫وقوله ╡‪{ :‬وٱص ِب نفسك مع ٱَّلِين يدع‬
‫[الكهف‪.]28:‬‬
‫د ا ۡ َ َٰ ُ ۡ ا َ ۡ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ومن األدلة الدالة على االبتغاء قوله ╡‪ { :‬اَل َخ ۡ َ‬
‫ۡي مِن َّنوىهم إَِل من أمر بِصدق ٍة‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ۡي‬
‫ٗ‬ ‫َ ۡ ً َ‬ ‫ا َ َ َۡ ُۡ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ ۡ َ ٓ َ َ ۡ َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ۡ َ َٰ َ ۡ‬
‫وف أو إِصل ِۢح بني ٱنل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ات ٱّلل ِ فسوف نؤت ِيهِ أجرا ع ِظيما}‬ ‫اس ومن يفعل ذل ِك ٱبتِغاء مرض ِ‬ ‫أو معر ٍ‬
‫[النساء‪ ،]114:‬فع َّلق الثواب على ابتغاء مرضاته‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )63‬ط‪ .‬الثالثة‪ .‬ومراجع القاعدة متعددة‪ :‬ككتب القواعد‪ ،‬وكتب األشباه والنظائر‪ ،‬وهناك بحوث يف الجامعات‬
‫ويف المجالت العلمية عن القاعدة وتطبيقات لها‪ ،‬ويف رشوح األحاديث‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫ومنًالسنة دلَّت أحاديث كثيرة منها حديث عمر بن الخطاب ☺‪” :‬إنماًاألعمالًبالنيات‪ً،‬وإنماً‬
‫لكلًامرئًماًنوى‪ً،‬فمنًكانتًهجرتهًإلىًاهللًورسوله‪ً،‬فهجرتهًإلىًاهللًورسوله‪ً،‬ومنًكانتًهجرتهً‬
‫إلىًدنياًيصيبها‪ً،‬أوًإلىًامرأةًينكحها‪ً،‬فهجرتهًإلىًماًهاجرًإليه“ متفق عليه‪ ،‬وهو أصل هذه القاعدة‪.‬‬
‫ومنها قوله ﷺ‪” :‬منًأخذًأموالًالناسًيريدًأداءهاًأدىًاهللًعنه‪ً،‬ومنًأخذًيريدًإتالفهاًأتلفهً‬
‫اهلل“ رواه البخاري‪.‬‬
‫اشتد بي‬
‫وجع َّ‬
‫ومنها حديث سعد بن أبي وقاص ☺ قال‪ :‬جاءني رسول اهلل ﷺ يعودني من ٍ‬
‫زمن حجة الوداع‪ ،‬فقلت‪ :‬بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال‪ ،‬وال يرثني إال ابنة لي‪ ،‬أفأتصدق بثلثي مالي؟‬
‫قال‪”ً :‬ال“‪ً.‬قلت‪ :‬بالشطر؟ قال‪”ً :‬ال“‪ً .‬قلت‪ :‬الثلث؟ قال‪”ً :‬فالثلث‪ً،‬الثلثًكثير‪ً،‬أنًتدعًورثتكً‬
‫أغنياءًخيرًمنًأنًتذرهمًعالةًيتكففونًالناس‪ً،‬ولنًتنفقًنفقةًتبتغيًبهاًوجهًاهللًإالًأجرتًعليها‪ً،‬‬
‫حتى ًاللقمة ًالتي ًترفعها ًإلى يًيف ًامرأتك“ متفق عليه‪ ،‬فدل على أن أي فعل واجب أو مباح يفعله‬
‫اإلنسان يثاب عليه بحسب نيته‪.‬‬
‫واألدلة كثيرة منها لما سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل‬
‫رياء‪ ،‬أي ذلك يف سبيل اهلل؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪”ً:‬منًقاتلًلتكونًكلمةًاهللًهيًالعلياًفهوًيفًسبيلً‬
‫اهلل“ًمتفق عليه‪ ،‬فدل على أن النية لها أثر يف األعمال وأن الجزاء يختلف باختالف المقاصد والنيات‪.‬‬

‫* مكانة القاعدة‬
‫تتبوأ القاعدة مكانة عظيمة كبيرة عند السلف واألئمة‪ ،‬ودل على ذلك؛ تعظيم السلف لحديث‬
‫عده ربع‬
‫عده‪ :‬ثلث العلم‪ ،‬وبعضهم َّ‬ ‫عمر بن الخطاب ☺ فاعتبره بعضهم نصف العلم‪ ،‬وبعضهم َّ‬
‫ولكل منهم توجيه لقوله‪ ،‬فمن اعتبرها نصفه كالشافعي‪ ،‬فإنه قال‪ :‬أن للدين ظاهر وباطن‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫العلم‪،‬‬
‫وباطنه النية‪.‬‬
‫ومن قال ثلثًالعلم‪ :‬فإنه نظر أن أصول الدين ترجع لثالثة أحاديث؛ هذا الحديث‪ ،‬وحديث‬
‫”الحاللًبينًوالحرامًبين“‪ ،‬وحديث‪” :‬منًأحدثًيفًأمرناًهذاًماًليسًمنهًفهوًرد“ ومنهم من قال‪ :‬إن‬
‫كسب العبد يقع‪ :‬بقلبه‪ ،‬ولسانه‪ ،‬وجوارحه‪ .‬ومن قال ربعًالعلم‪ :‬نظر أن الدين يرجع ألربعة أحاديث‪،‬‬
‫الثالث السابقة وحديث‪” :‬إنًاهللًطيبًالًيقبلًإالًطيبا“‪.‬‬

‫* مسائل متعلقة بالنية‬


‫■ تعريف النية‬
‫النية من نوى ينوي‪ ،‬وأصلها نوية على وزن فعلة‪ ،‬وهي مشتقة من النواة‪ ،‬والنية‪ :‬القصد‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫نواك اهلل‪ ،‬أي قصدك‪ً.‬ويفًاالصطالح‪ :‬من عرفها بالتعريف اللغوي‪.‬‬
‫مقترنا بفعله‪ ،‬ذكره بعض الشافعية‪.‬‬
‫ا‬ ‫ومنهم عرفها بأنها‪ :‬قصد الشيء‬
‫تقربا إلى اهلل‪ ،‬أو فعل العبادة‪.‬‬
‫ومنهم من عرفها‪ :‬العزم على فعل الشيء ا‬
‫‪10‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫ال‪.‬‬
‫ال أو مآ ا‬
‫رض حا ا‬ ‫ومنهم من عرفها‪ :‬انبعاث القلب نحو ما يراه مواف اقا لغر ٍ‬
‫ض من جلب نفع أو دفع ُ ٍ‬
‫تقربا إلى اهلل‪.‬‬
‫باختصار‪ :‬يف االصطالح القصد‪ ،‬والنية يف العبادة العزم على فعل العبادة ا‬
‫■ احلكمة من مرشوعية النية‬
‫أن مما ُرشعت النية ألجله‪:‬‬
‫النية هي روح العمل و ُلبه والعمل الذي ال نية فيه كالبيت الخرب‪ ،‬وذكروا َّ‬
‫تمييز العبادات عن العادات‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫تمييز رتب العبادات بعضها عن بعض‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫اإلخالص‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫أما تمييز العبادات عن العادات‪ ،‬فإن هناك أفعال تكون عبادة أو عادة فالنية هي التي ُتميز‬
‫بينهما‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫الغسل‪ :‬فقد يغتسل اإلنسان ألجل النظافة وقد يكون ألجل رفع الجنابة‪ ،‬فالنية هي‬ ‫‪.1‬‬
‫التي ُتميز بينهما‪.‬‬
‫إخراجًاألموال‪ :‬قد يخرجها عادة أو صدقة‪ ،‬فتميزه النية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تركًاألكلًأوًالرشب‪ :‬قد يترك ألنه ال يرغب بذلك‪ ،‬أو لم يجد ما يأكل‪ ،‬أو أمره‬ ‫‪.3‬‬
‫الطبيب بذلك‪ ،‬وقد يمسك ألجل الصوم‪ ،‬فتميز بين ذلك النية‪.‬‬
‫ذبحًالذبائح‪ :‬قد يكون لرغبته باللحم وقد يذبح للهدي واألضحية‪ ،‬فالنية تميز بينهم‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الوقف‪ :‬قد يكون لإلرضار بالورثة وقد يكون صدقة هلل‪ ،‬فالنية تميز بين ذلك‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الزواج‪ :‬فقد يتزوج إلغاظة زوجته األولى‪ ،‬وقد يكون للولد وتكثير اا لألمة‪ ،‬فالنية‬ ‫‪.6‬‬
‫تميز بين ذلك‪.‬‬
‫َّأما تمييزًرتبًالعباداتًبعضهاًعنًبعض‪ ،‬فألنه قد يفعل اإلنسان أفعال تتشابه بين المسنون‬
‫والواجب‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫الوضوء‪ :‬قد يتوضأ لرفع الحدث‪ ،‬وقد يتوضأ لتجديد الوضوء‪ ،‬فاألول واجب‬ ‫‪.1‬‬
‫واآلخر مسنون‪ ،‬فالنية هي التي تميز بين رتب العبادات‪.‬‬
‫الغسل‪ :‬قد يكون ألجل الجنابة وقد يكون غسل الجمعة‪ ،‬فاألول واجب واآلخر مسنون‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إخراجًالمال‪ :‬قد يكون للزكاة وقد يكون للصدقة‪ ،‬فاألول فرض واآلخر سنة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الصالة‪ :‬فمنها ما هو مفروض ومنها ما هو نفل ومنها ما هو واجب بأصل الرشع ومنها‬ ‫‪.4‬‬
‫ما هو واجب بالنذر‪ ،‬فالنية تميز بين ذلك‪.‬‬
‫الحج‪ :‬منه ما هو فرض ومنه ما هو نفل ومنه النيابة عن الغير‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪11‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫َّأما اإلخالصًفإنه أعظم ما ُرشعت له النية‪ ،‬فهو يميز بين ما ُيعمل هلل وما ُيعمل لغيره‪ ،‬وهذه من‬
‫أعظم النيات‪ ،‬بسببها يدخل الناس الجنة أو النار‪ ،‬وبسببها ُأرسل الرسل و ُأنزلت الكتب‪ ،‬وهي التي‬
‫يؤ ِّثر فيها الرشك والرياء‪ ،‬وهي التي يتكلم عنها السلف يف كتب التوحيد‪.‬‬
‫أما نية قصد الشيء فهذه هي التي يتكلم عنها الفقهاء‪.‬‬

‫* حكم النية‬
‫حكم النية يختلف يف العبادات عن حكمها يف العادات ويف التروك‪.‬‬
‫َّأما العبادات فرشط لصحتها وترتيب الثواب عليها‪ ،‬كالصالة والصوم‪.‬‬
‫َّأما المعامالت ًوالعادات فليست رش اطا يف صحتها لكنها رشط لحصول الثواب‪ ،‬فإذا باع‬
‫واشترى يصح العقد دون نية‪ ،‬لكن إذا كان يريد الثواب فتشترط النية لوجه اهلل‪ ،‬كذلك العادات‬
‫كاألكل والنوم‪.‬‬
‫كف عن النهي مع القدرة‬ ‫رشط لحصول الثواب إذا َّ‬‫َّأما التروك فليست رش اطا يف صحتها لكن ٌ‬
‫فمنع وامتنع خو افا من اهلل‪ ،‬فإنه‬
‫فالنا من الناس‪ُ ،‬‬
‫شخص ا‬ ‫ٌ‬ ‫عليه‪ ،‬ابتغاء مرضاة اهلل فيثاب‪ ،‬كما لو اغتاب‬
‫يثاب‪ ،‬أما إن امتنع ألجل الخوف أو العجز فال يثاب‪.‬‬
‫إذن فيشترط للثواب يف التروك‪ :‬الكف مع القدرة‪ ،‬وأن يبتغي بذلك وجه اهلل‪.‬‬

‫* وقت النية‬
‫للنية ثالث حاالت‪:‬‬
‫‪ )1‬تقدم النية على العمل‪.‬‬
‫‪ )2‬مقارنة النية للعمل‪.‬‬
‫‪ )3‬تأخر النية عن العمل‪.‬‬
‫يسيرا‪ ،‬فإن كان طويال ًفال تصح النية حتى‬
‫طويال أو ا‬
‫ا‬ ‫تقدما‬
‫تقدم ًالنية؛ إما أن يكون ا‬
‫فال يخلو ُّ‬
‫يسيرا‪.‬‬
‫يجددها‪ ،‬أما إذا كان يسيرا فيصح العمل بها‪ ،‬ولو تشاغل بكالم ما دام التقدم ا‬
‫يستثنى من التقدم الطويل؛ نية صوم الفرض فالليل كله وقت للنية‪.‬‬
‫أما مقارنةًالنيةًللعمل فاألصل أن النية تحدث عند بداية الرشوع بالعمل فتكون مقارنة له من‬
‫بدايته ويستصحبها معه أثناء العمل‪ ،‬هذا هو األفضل‪ ،‬وذكرنا جواز تقدم النية اليسير‪.‬‬
‫أما تأخرًالنيةًعنًالعمل ‪ ،‬أي أن النية تحدث يف أثناء العمل أو بعد الفراغ منه‪ ،‬فحكمه أن هذا‬
‫العمل إذا كانت النية رش اطا فيه فإنه ال يصح بهذه النية‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫* حمل النية‬
‫محل النية هو القلب‪ ،‬ألنه محل اإلرادات وهو محل الفقه والخشية ومحل الصالح‪ ،‬وكذلك‬
‫َٰ‬ ‫َ ا َ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ‬
‫كن‬
‫محل الزيغ والفساد‪ ،‬وهو محل العقل ومحل اإليمان‪ ،‬قال ╡‪{ :‬فإِنها َل تعَم ٱۡلبصر ول ِ‬
‫لص ُدورِ} [الحج‪ ،]46:‬وقال ﷺ‪” :‬إنًيفًالجسدًمضغةًإذاًصلحتًصلحً‬ ‫َت ۡع ََم ٱ ۡل ُقلُ ُ‬
‫وب ٱ الت ِف ٱ ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫الجسدًكله‪ً،‬وإذاًفسدتًفسدًالجسدًكله‪ً،‬أالًوهيًالقلب“ متفق عليه‪ .‬والقلب محله الصدر بدليل‬
‫اآلية السابقة‪.‬‬
‫ينبني على هذا أن التلفظ بالنية باللسان ال يكفي دون مواطأة القلب‪ ،‬ولهذا ما يتلفظ بها يف‬
‫رسا فلم يقل به أحد من األئمة‬
‫العبادات‪ ،‬أما الجهر بالنية فلم يقل به أحد من المسلمين‪ ،‬وأما التلفظ ا‬
‫المتبوعين‪ ،‬وإنما قال به بعض أتباع األئمة يف مختلف المذاهب األربعة‪ ،‬ومنهم من قال مرشوع‪ ،‬ومن‬
‫قال بدعة‪ ،‬ومن قال مكروه‪ ،‬ومن قال يرشع لمن عنده وسواس‪.‬‬
‫صحيحا أو ضعي افا‪ ،‬إنما عللوا بتعليالت فقالوا‪ :‬ألنه آكد‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬
‫ا‬ ‫ولم يذكروا دلي اال‬
‫شيئا قبل التكبير‪ ،‬فهو محدث‪،‬‬
‫والصحيح أنه ال يرشع التلفظ ألنه لم ينقل عن النبي ﷺ أنه قال ا‬
‫ومن أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‪.‬‬
‫أما ما ورد يف الحج والعمرة واألضاحي‪ ،‬فليس من باب التلفظ بالنية‪ ،‬إنما التلفظ بالمنوي ال‬
‫بالنية‪ ،‬أي قول (لبيك اللهم عمرة) وغيره‪ ،‬وبعضهم قال هو مستثنى من المسألة‪.‬‬
‫فلبى بالعمرة‪،‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا اختلف اللسان والقلب‪ ،‬فالعبرة بما يف القلب‪ ،‬كما إذا أخطأ يف الحج َّ‬
‫فالعبرة بما يف القلب وهو الحج‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫* أثر النية يف األلفاظ‬
‫أي أثر النية يف المعامالت‪ ،‬فهذا ال يخلو إما أن تكون األلفاظ رصيحة أو محتملة‪ ،‬فإن كانت‬
‫رصيحة فال أثر للنية‪ ،‬وإن كانت محتملة فينظر لنيته‪ ،‬مثل لو قال المرأته (أنت طالق) فلما ُسئل قال‪:‬‬
‫أردت إغضابها‪ ،‬فهذا ال ينظر لنيته ألن اللفظ رصيح‪ ،‬أما لو قال (اذهبي ألهلك) فهذا اللفظ محتمل‬
‫فيسأل وتقبل منه‪ ،‬ألن للنية أثر يف األلفاظ المحتملة‪.‬‬
‫قد يكون‪ :‬للزيارة‪ ،‬أو أنه مغضب وأراد الطالق‪ُ ،‬‬
‫وهذه المسألة مخالفة للقاعدة‪ ،‬وسبب مخالفتها ألن هذا من باب الرضورات فإنه إن أخذنا‬
‫صح عقد عند الناس‪ ،‬ولصار لكل أحد أن يقول قصدت كذا‪ ،‬فمن باب الرضورة‬ ‫بالنيات فقط‪ ،‬لما َّ‬
‫وأيضا لو أخذنا بالمقاصد لجعلنا إبرام العقود بالنيات فقط‪ ،‬والصحيح أنه‬
‫ا‬ ‫أخذنا باللفظ الرصيح‪،‬‬
‫ال بد من قول أو فعل‪ ،‬وهذا يف العقود كلها والنذر والطالق وغيرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬لالستزادة يراجع الكتاب ص(‪ )69‬ط‪ .‬الثالثة (المسألة السادسة)‪.‬‬


‫‪13‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫* رشوط النية‬
‫بعضهم يذكرها فتزيد عنده‪ ،‬وبعضهم تقل عنده‪ ،‬والسبب أن بعضها موجودة يف مذهب دون‬
‫فصل‪.‬‬
‫مذهب‪ ،‬وبسبب أن بعضهم ُيجملها وبعضهم ُي ِّ‬
‫والرشوط هي‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتمييز‪ ،‬والعلم بالمنوي‪ ،‬واستصحاب النية‪.‬‬
‫(‪ -)1‬اإلسالم‪ :‬فالكافر ال تصح منه النية‪ ،‬ألن النية ‪-‬نية التقرب‪ -‬عبادة‪ ،‬والعبادة ال تصح‬
‫َ َ ۡ َ ٓ َ َٰ َ َ ُ ْ ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ ٓ ٗ ا ُ‬
‫نث ً‬
‫ورا} [الفرقان‪،]23:‬‬ ‫منه‪ ،‬قال ╡‪{ :‬وقدِمنا إِل ما ع ِملوا مِن عم ٖل فجعلنه هباء م‬
‫كافرا وقتها‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬لو توضأ كافر ثم أسلم‪ ،‬فإن هذا الوضوء ال يصح منه‪ ،‬ألنه كان ا‬
‫(‪ -)2‬العقل‪ً:‬فالمجنون ال تصح منه النية‪ ،‬ألنه مناط التكليف‪.‬‬
‫(‪ -)3‬التمييز‪ :‬فالصبي غير المميز ال تصح منه النية‪ ،‬والتمييز يكون ببلوغ سبع سنين‪،‬‬
‫فلذلك ال تصح عبادة من دون المميز‪.‬‬
‫صبيا يف الحج فقالت‪ :‬ألهذا حج؟‬
‫ويرد عليه‪ :‬ما جاء عن ابن عباس ☻ أن امرأة رفعت ً‬
‫فقال ﷺ‪” :‬نعم“‪.‬‬
‫فأخذ به بعض العلماء أن الحج يصح من الصبي‪ ،‬وذلك ألن وليه هو الذي ينوي عنه‪،‬‬
‫فال يرد هذا الحديث على الرشط‪.‬‬
‫ويرد كذلك‪ :‬عمد الصبي والمجنون يف الجنايات هل هو عمد أو خطأ‪ ،‬الصحيح أنه يف‬
‫حكم الخطأ‪ ،‬ألنه ال قصد صحيح لهم‪.‬‬
‫(‪ -)4‬العلمًبالمنوي‪ :‬أن يعرف حقيقة المنوي وصفته‪ ،‬فال بد أن يعلم حقيقة الوضوء والصالة‬
‫عالما بها؛ فلو تلفظ األعجمي‬
‫وصفتهما‪ ،‬وهذا يجري يف األلفاظ كذلك فال بد أن يكون ا‬
‫بلفظ الطالق بالعربية‪ ،‬فال يقع ألنه ال يعلم حقيقة هذا اللفظ‪.‬‬
‫واستثني منه غير المعلوم الذي يؤول للعلم‪ ،‬بدليل حديث علي ☺ لما قدم من اليمن‬
‫ٍّ‬
‫أن النبي ﷺ خرج للحج‪ ،‬فقال‪( :‬أحرمت بما أحرم به النبي ﷺ)‬ ‫وعلم َّ‬
‫وصحح النبي ﷺ فعله‪ .‬فقالوا‪ :‬إذا كان يؤول للعلم فيصح‪.‬‬
‫والكالم يف األمور التي تشترط فيها النية‪ ،‬أما رد الغصوب ورد الدين فال يشترط‪.‬‬
‫(‪ -)5‬استصحابًالنية‪ً:‬وهي حالتان‪:‬‬
‫(أ)‪ -‬استصحابًذكرًالنية ‪ :‬وهي أن ينوي يف أول العمل ويستحرضه إلى نهاية العمل‪،‬‬
‫وهذهًحالةًأفضلية‪ ،‬فيجاهد العبد نفسه يف أن يستحرض النية يف جميع العبادة‪.‬‬
‫(ب)‪ -‬استصحابًحكمًالنية‪ :‬ومعناه أن ينوي يف أول العمل ثم ال يأتي بما ينايف النية يف‬
‫أثناء العمل‪ ،‬وهذهًحالةًوجوب‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫ومن األمور المنافية للنية ‪-‬وهي‪ :‬الردة‪ ،‬وقطع النية‪ ،‬وقلب النية‪ ،‬والتردد وعدم‬
‫الجزم‪:-‬‬
‫‪ .1‬الردة‪ :‬فإذا ارتد بطل عمله ونيته‪.‬‬
‫‪ .2‬قطعًالنية‪ :‬وهذا ال يخلو إما أن يقطع النية بعد الفراغ من العمل أو يف أثنائه‪.‬‬
‫‪ -‬أما قطع النية بعد الفراغ من العمل فال أثر له يف العمل‪ ،‬فلو نوى قطع صالة‬
‫الظهر بعد االنتهاء منها فال أثر له‪ ،‬وهذا يسمى رفضًالعمل‪ ،‬فال أثر له ألن هذا‬
‫ليس للمكلف‪.‬‬
‫‪ -‬أما قطع النية أثناء العمل‪ ،‬فيختلف الحكم من عمل إلى عمل‪ ،‬فلو قطع‬
‫الصالة يف أثناءها بطلت‪ ،‬أما لو قطع الوضوء لم يبطل إال إذا طال الفصل‪ ،‬ولو‬
‫نوى قطع العمرة والحج فال تنقطع‪ ،‬فإنه ال بد من إتمام العمرة والحج‪ ،‬وقطع‬
‫الصوم اختلفوا فيه‪ :‬فمنهم من ألحقه بالصالة ومنهم من ألحقه بالحج‪.‬‬
‫‪ .3‬قلبًالنية‪ :‬وهو على أقسام‪:‬‬
‫أ‪ .‬قلبًفرضًإلىًفرض‪ :‬وحكمه أنه ال يصح واحد منهما‪ ،‬ألنه قطع الفرض‬
‫األول يف أثناءه‪ ،‬ولم ينو الفرض الثاني من أوله‪ ،‬مثاله‪ :‬لو دخل يف صالة‬
‫يصحا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ظهرا لم‬
‫العرص ثم نوى قلبها ا‬
‫ب‪ .‬قلبًفرضًإلىًنفل‪ :‬وهذا فيه حالتان‪:‬‬
‫‪ -‬أن ُيحكم باالنتقال‪ :‬أي الشارع يحكم به‪ ،‬وذلك يف كل فرض بان عدمه؛‬
‫وتبين له أن الوقت لم يدخل بعد‪ ،‬فتكون الصالة‬ ‫كشخص صلى الظهر َّ‬
‫التي صالها نافلة‪.‬‬
‫‪ -‬أن ينوي قلب الفريضة إلى نافلة‪ ،‬ويف هذه الحالة يصح إذا كان لمصلحة‬
‫منفردا ثم جاء جماعة فصلوا‪ ،‬فأراد الدخول معهم‪،‬‬
‫ا‬ ‫كمن دخل يف الفريضة‬
‫فقلب فريضته إلى نافلة‪ ،‬فهذا يصح‪ ،‬ألنه انتقال من أعلى إلى أدنى‪.‬‬
‫أما إن كان من باب العبث فال‪.‬‬
‫ج‪ .‬قلبًنفلًإلىًفرض‪ :‬وحكمه أنه ال تصح واحدة منهما‪ ،‬ألنه قطع النفل يف‬
‫أثناءه‪ ،‬ولم ينو الفرض من أوله‪ ،‬وألنه انتقال من أدنى إلى أعلى‪ ،‬مثاله‪ :‬من‬
‫فجرا‪.‬‬
‫دخل يف نافلة الفجر ثم قلب نيته ا‬
‫د‪ .‬قلبًنفلًراتبًإلىًنفلًراتب‪ :‬ال يصح واحد منهما‪ ،‬ألنه قطع النفل األول يف‬
‫أثناءه‪ ،‬ولم ينو النفل الثاني من أوله‪ ،‬مثاله‪ :‬من دخل يف الوتر ثم قلبها إلى‬
‫سنة الفجر‪ ،‬فإنه ال يصح‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫‪ .4‬الترددًوعدمًالجزم‪ :‬ألن النية اعتقاد جازم ومع التردد ينتفي الجزم‪ ،‬فلو تردد فإنه‬
‫ماال وقال هذا صدقة أو زكاة إن كانت قد‬‫ال تصح النية والعمل‪ ،‬مثاله‪ :‬من أخرج ا‬
‫وجبت علي‪ .‬فإنه ال تجزئه عن الزكاة(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫وهناك مسائل يغتفر فيها التردد فال تبطل مثل‪ً:‬‬
‫إذاًكانتًالنيةًللرضورة مثل‪ :‬لو فات شخص صالة يف يوم وجهل عينها يوم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ال يذكر ما هي الصالة‪ ،‬فإنه يصلي الصلوات الخمس وينوي يف كل صالة‬
‫أنها الفائتة‪.‬‬
‫غدا رمضان‬
‫أوًكانًمستندًألصل‪ ،‬كمن قال ليلة الثالثين من رمضان‪ :‬إذا كان ا‬ ‫‪-‬‬
‫فأنا صائم وإن كان من شوال فأنا مفطر‪ .‬فيصح ألنه مستند ألصل وهو بقاء‬
‫رمضان‪ ،‬بخالف لو قال ذلك ليلة الثالثين من شعبان‪.‬‬
‫أوًكانًهوًاألحوط‪ ،‬مثل لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار كسقوط‬ ‫‪-‬‬
‫طائرة أو غيره‪ ،‬ولم يمكن تمييز المسلمين من الكفار‪ ،‬فإنه يص َّلى عليهم‬
‫كلهم‪ ،‬وينوي الصالة على المسلمين‪ ،‬فتصح مع أنه غير جازم بأن هؤالء هم‬
‫المسلمين أو أولئك‪.‬‬
‫أوًألنهًفعلًماً ُأمرًبه‪ً،‬كشخص يف البرية اشتبهت عليه القبلة فاجتهد وترجح‬ ‫‪-‬‬
‫له اتجاه معين ولم يجزم‪ ،‬فصلى‪ ،‬فإنه يصح منه ألنه فعل ما ُأمر به‪ ،‬وهو‬
‫االجتهاد وتحري القبلة‪.‬‬
‫مثال شك هل أحدث أو ال‪ ،‬فتوضأ‬ ‫أوًألنهًهوًالواقعًولوًلمًيقله‪ً،‬كشخص ا‬ ‫‪-‬‬
‫ونوى إن كان أحدث فالوضوء لرفع الحدث‪ ،‬وإن كان لم يحدث فالوضوء‬
‫ويم َّثل له بمثال ليلة‬
‫للتجديد‪ ،‬فهو لم يجزم‪ ،‬فيصح ألن هذا هو الواقع‪ُ .‬‬
‫الثالثين من رمضان السابق‪.‬‬
‫تقربا هلل‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وهناك رشوط أخرى مثل اإلخالص وهذا فيما كان ا‬

‫(‪ )1‬يراجع الكتاب‪.‬‬


‫‪16‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫(‪)1‬‬
‫القواعد الفرعية‬
‫* ما عالقة القواعد الفرعية بالقواعد الكربى والكلية‬
‫القواعد الفرعية تتفرع من القواعد الكبرى ومن القواعد الكلية‪ ،‬والعالقة إما أن تكون‪:‬‬
‫‪ o‬بمعنى القاعدة الكبرى والخالف يف اللفظ والعبارات‪ ،‬أما المعنى فواحد‪.‬‬
‫نصت على ما دلت عليه القاعدة الكبرى‪ ،‬فتكون من باب ذكر‬ ‫‪ o‬أو تكون القاعدة الفرعية قد َّ‬
‫ۡ‬ ‫ا ََ َ ا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ ُ َ‬
‫لصل َٰوة ِ ٱل ُو ۡس َط َٰى} [البقرة‪.]238:‬‬ ‫الخاص بعد العام كقول اهلل ╡‪{ :‬ح َٰ ِفظوا لَع ٱلصلو َٰ ِ‬
‫ت وٱ‬
‫‪ o‬أو تكون مقيدة أو مخصصة إلطالق القاعدة أو عمومها‪.‬‬
‫‪ o‬أو تكون استثناء منها‪ ،‬قد يكون سببه الدليل أو من باب الرضورات‪.‬‬

‫(‪)2‬‬‫قاعدة‪( :‬العربة يف العقود باملقاصد واملعاين ال باأللفاظ واملباين)‬ ‫[‪ً]1‬‬


‫(العبرة) أي‪ :‬االعتداد‪.‬‬
‫مرشوع يثبت أثره يف محله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫و(العقود) جمع عقد‪ ،‬والعقد ارتباط اإليجاب بالقبول على ٍ‬
‫وجه‬
‫و(المقاصد) جمع مقصد وهو النية‪.‬‬
‫و(المعاني) أي‪ :‬الصورة الذهنية التي دل عليها القول أو الفعل‪.‬‬
‫و(األلفاظ)‪ :‬ما يتكلم به اإلنسان‪ .‬و(المباني)‪ :‬أي صورة هذا اللفظ‪.‬‬
‫والمعنىًاإلجمالي ‪ :‬أنه إذا استعمل لفظ عقد يف عقد آخر فإن المعتبر هو المقاصد والمعاني ال‬
‫األلفاظ‪.‬‬
‫■ صيغة القاعدة‬
‫هذه الصيغة ذكرها الحنفية‪ ،‬فعند الشافعية‪( :‬هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها؟)‪ ،‬ووردت‬
‫عند الحنابلة‪( :‬إذا ُوصل بألفاظ العقود ما ُيخرجها عن موضوعها فهل يفسد العقد بذلك‪ ،‬أو ُيجعل‬
‫كناي اة عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟ فيه خالف يلتفت إلى أن المغ َّلب هل هو اللفظ أو‬
‫المعنى؟)‪ ،‬فصدرت ـب(هل) إشارة للخالف‪ .‬فالمقصود أن هذه القاعدة قاعدة خالفية‪.‬‬

‫(‪ )1‬يندرج تحت قاعدة (األمور بمقاصدها) ‪ 6‬قواعد‪:‬‬


‫‪ .1‬العبرة يف العقود بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني‪ .2 .‬النية يف اليمين تخصص اللفظ العام وتعمم اللفظ الخاص‪.‬‬
‫‪ .4‬مقاصد اللفظ على نية الالفظ إال يف اليمين عند القاضي‪.‬‬ ‫‪ .3‬األيمان مبنية على األغراض ال على األلفاظ‪.‬‬
‫مظلوما‪ ،‬وعلى نية ‪ .6‬ال ثواب إال بالنية‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ .5‬اليمين على نية الحالف إن كان‬
‫ظالما‪.‬‬
‫ا‬ ‫المستحلف إن كان الحالف‬
‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )78‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪.7‬‬
‫‪17‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫■ أمثلة هذه القاعدة‬


‫تلفظ بلفظ الهبة‪،‬‬
‫شخصا قال‪( :‬خذ هذا الكتاب هب اة بعرشة رياالت)‪ .‬فهو َّ‬ ‫ا‬ ‫من األمثلة‪ :‬لو أن‬
‫والهبة‪( :‬تمليك بال عوض)‪ ،‬لكنه قال ما ُيخرج العقد من الهبة إلى البيع وهو قوله‪( :‬بعرشة رياالت)‪،‬‬
‫فالعبرة بالمعاني على القاعدة‪ ،‬وعرفنا أن مراده هو البيع بالقرينة‪.‬‬
‫نقودا فقال‪ :‬خذ هذه الساعة‬
‫شخصا وقف عند محطة الوقود ولم يجد معه ا‬
‫ا‬ ‫ومن األمثلة‪ :‬لو أن‬
‫عندك أمانة‪ .‬فهو تلفظ باألمانة لكن مراده الرهن‪.‬‬
‫أسبوعا)‪ ،‬فتلفظ بالبيع لكن لما قال‪:‬‬
‫ا‬ ‫ومن األمثلة‪ :‬لو قال شخص‪( :‬بعتك هذه السيارة‬
‫(أسبوعا) دل على أن المراد اإلجارة‪.‬‬
‫ا‬
‫ومن األمثلة‪ :‬لو قال شخص‪( :‬خذ هذا المال مضاربة والربح كله لك)‪ .‬فتلفظ بالمضاربة لكن‬
‫لما قال‪( :‬الربح كله لك) دل على أنه عقد قرض‪.‬‬
‫فالعقود تنعقد بما يدل عليها من قول أو فعل وهذا هو الراجح‪ ،‬وبعضهم يستثني بعض العقود‬
‫كالنكاح فال بد من ألفاظ معينة‪ ،‬وبعضهم يطرد القاعدة يف كل العقود‪.‬‬
‫فالمهم معرفة قصد اإلنسان‪ ،‬فإذا لم ُيعرف قصده ُأخذ بظاهر اللفظ‪ ،‬إن لم يكن هناك قرينة‬
‫لفظية أو عرفية أو حالية‪ ،‬واللفظية كما يف األمثلة السابقة‪ ،‬والعرفية ما تعارف عليه الناس دون تعاقد‪.‬‬
‫وهناك قاعدة تقول‪( :‬القصود يف العقود معتبرة) أي أن المقاصد تؤثر يف العقود‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة دلَّت على بعض ما دلت عليه القاعدة الكبرىً(‪.)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫قاعدة‪( :‬النية يف اليمني ختصص اللفظ العام وتعمم اللفظ اخلاص)‬ ‫[‪ً]2‬‬
‫يقوى به جانب العزم على الفعل أو الترك‪،‬‬ ‫عقد َّ‬
‫(اليمين) يطلق على الحلف‪ ،‬واليمين يف الرشع‪ٌ :‬‬
‫أيضا الطالق والعتق واإليالء‪.‬‬
‫واليمين هنا ال يقصد بها اليمين باهلل تعالى فقط‪ ،‬ولكن ُيقصد بها ا‬
‫فصاعدا من غير حرص‪.‬‬
‫ا‬ ‫(العام) اللفظ المتناول لشيئين‬
‫نوعا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فردا أو ا‬
‫سواء أكان ا‬
‫مسمى واحد ٌ‬ ‫(الخاص) ُيراد به هنا اللفظ الدال على ا‬
‫(التخصيص) ُيراد به قرص اللفظ العام على بعض أفراده‪.‬‬
‫أثر يف باب األيمان من جهة أن المتكلم لو تلفظ بيمي ٍن‬
‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أن نية المتكلم لها ٌ‬
‫خاصا فإن النية تخصص لفظه هذا‪ ،‬ويعامل بحكم ما نواه‪ ،‬أما عكسه وهو‪:‬‬ ‫ا‬ ‫شيئا‬
‫لفظها عام ونوى ا‬
‫تعميمًالخاصًبالنية‪ :‬فقد وقع فيه الخالف‪:‬‬

‫(‪ )1‬يراجع الكتاب‪.‬‬


‫(‪ )2‬يراجع الكتاب ص(‪ )82‬ط‪ .‬الثالثة‪ ،‬تم تلخيص القاعدة من الكتاب فليراجع احتيا اطا‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫فقال بجوازه المالكية والحنابلة وبعض الحنفية‪ً ،‬ومنع ذلك الشافعية وبعض الحنفية‪ ،‬فلفظ‬
‫القاعدة عندهم‪( :‬النية يف اليمين تخصص اللفظ العام وال تعمم الخاص)‪.‬‬
‫■ أمثلة القاعدة‬
‫القاعدة مكونة من شقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬تخصيصًالعامًبالنية‪ ،‬وهذا متفق عليه يف الجملة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تعميمًالخاصًبالنية‪ ،‬وهذا وقع فيه الخالف كما سبق بيانه‪.‬‬
‫أحدا‪ ،‬ونوى أن ال ُيك ِّلم‬
‫شخص أن ال يكلم ا‬
‫ٌ‬ ‫وسنذكر أمثلة لكل شق‪ ،‬فمثالًالشقًاألول‪ :‬لو حلف‬
‫زيدا فقط‪ ،‬فإنه ال يحنث لو ك َّلم غير زيد‪ ،‬ألن يمينه وإن كانت عامة يف لفظها إال أنه قد خصصها‬
‫ا‬
‫بالنية‪ ،‬والنية يف اليمين تخصص اللفظ العام‪.‬‬
‫شخص أن ال يرشب من ماء فالن من عطش‪ ،‬ونوى أن ال ينتفع منه‬
‫ٌ‬ ‫ومثالًالشقًالثاني‪ :‬لو حلف‬
‫بشيء‪ ،‬فبناء على قول المالكية والحنابلة وبعض الحنفية؛ فإنه يحنث إذا انتفع منه بأي شيء‪ ،‬وإن‬
‫خاصا بالرشب‪ ،‬ألن النية يف اليمين تعمم اللفظ الخاص‪.‬‬
‫ا‬ ‫كان لفظه‬
‫أما عند الشافعية وبعض الحنفية فإنه يحنث بالرشب منه من عطش خاص اة‪ ،‬وال يحنث لو انتفع‬
‫بشيء آخر كالطعام أو اللباس‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫قاعدة‪( :‬األيامن مبنية عىل األغراض ال عىل األلفاظ)‬ ‫[‪ً]3‬‬
‫(األغراض)‪ :‬أي النيات والمقاصد‪.‬‬
‫ومعنىًالقاعدةًاإلجمالي‪ :‬أن اليمين باهلل تعالى إذا اختلف لفظها عن نية الحالف فإن الحكم‬
‫مبنيا على النية إذا احتملها اللفظ‪.‬‬
‫هنا يكون ً‬
‫ٍ‬
‫بريال‪ ،‬ونيته أعم من ذلك وهي أال‬ ‫مثاله‪ :‬لو اغتاظ الوالد من ابنه فحلف أال يشتري له‬
‫شيئا‪ ،‬فقولنا أن األيمان مبنية على األغراض ال على األلفاظ فإنه يحنث إذا اشترى‬ ‫يشتري له ا‬
‫البنه بمئة ريالٍ‪ ،‬مع أنه تلفظ (بريال) فإذا اختلف اللفظ والنية ُعمل بالنية‪ ،‬هذا معنى القاعدة‬
‫عند المالكية والحنابلة‪.‬‬
‫أما عند الحنفية والشافعية فإنه ال يحنث ألنهم ينظرون إلى األلفاظ وال ينظرون إلى النيات‪.‬‬
‫ومثاله ‪ :‬لو حلف شخص ال يدخل تلك الدار‪ ،‬ويقصد أال يدخلها على وجه العموم‪ ،‬فلو‬
‫قدم اللفظ على‬
‫دخلها بطريق آخر‪ ،‬ليس مع الباب‪ ،‬من السطح أو نحوه‪ ،‬فإنه يحنث بيمينه‪ ،‬ومن َّ‬
‫النية قال أنه ال يحنث(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )86‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر باقي األمثلة يف الكتاب ص(‪ )87‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬


‫هذه القاعدة من باب ذكر الخاص بعد العام‪ ،‬فنصت على بعض ما نصت عليه القاعدة الكبرى‪،‬‬
‫عموما ويف جميع الترصفات‪ ،‬وهذه القاعدة‬
‫ا‬ ‫نصت على أن النيات معتبرة يف األلفاظ‬
‫فالقاعدة الكبرى َّ‬
‫يف األيمان‪ ،‬فهي داخلة تحت القاعدة الكبرى‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬مقاصد اللفظ عىل نية الالفظ إال يف اليمني عند القايض)‬ ‫[‪ً]4‬‬
‫هذه القاعدة تدلنا على أن المعتبر يف األلفاظ والمقاصد هو ما يقصده الحالف‪ ،‬ويستثنى من‬
‫ذلك حالة واحدة وهو‪ :‬ما إذا كانت اليمين عند القاضي‪ ،‬فالمعتبر هو نية القاضي أو كل من له حق‬
‫التحليف‪ ،‬ال نية الحالف‪ ،‬وهذا من باب الرضورة‪.‬‬
‫ودليل القاعدة‪ :‬قول النبي ﷺ‪” :‬إنماًاليمينًعلىًنيةًالمستحلف“ أي القاضي ومن يقوم‬
‫مقامه‪.‬‬
‫■ أمثلة القاعدة‬
‫هذه القاعدة متفق عليها يف المذاهب األربعة‪ ،‬ومن أمثلتها‪ :‬ما لو ح َّلف القاضي منكر الدين أنه‬
‫شيئا‪ ،‬فحلف ونوى أنه ما أخ ذ هذا اليوم‪ ،‬وكان يف الواقع قد أخذ قبل ذلك‪ ،‬فإن هذا‬ ‫ما أخذ لفالن ا‬
‫الحالف يحنث يف يمينه‪ ،‬ألنه وإن كان األصل يف اليمين أن ُتحمل على نية الحالف إال أنه هنا أمام‬
‫دل عليه لفظها‪.‬‬
‫فتحمل على ما َّ‬‫القاضي‪ُ ،‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫القاعدة أفادت أن ألفاظ اليمين الصادرة من المكلف ترتب عليها األحكام بحسب نيته‪،‬‬
‫موضع واحد تحمل ألفاظ اليمين فيه على ما دلت عليه‪ ،‬وذلك أمام القاضي ومن له‬
‫ٌ‬ ‫ويستثنى من هذا‬
‫حق التحليف‪ ،‬وذلكًلرضورةًضبطًاألحكامً‪-‬هذا هو سبب االستثناء‪ -‬وهذا ال يخرج يف جملته عما‬
‫أفادته القاعدة الكبرى‪.‬‬

‫قاعدة‪( :‬اليمني عىل نية احلالف إن كان مظلو ًما‪ ،‬وعىل نية املستحلِف إن‬ ‫[‪ً]5‬‬
‫كان احلالف ظاملًا)(‪)2‬‬

‫تتكون من شقين‪:‬‬
‫مظلوما‪ :‬فالمعتبر هو نيته‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -1‬إذا كان الحالف‬
‫ظالما‪ :‬فالمعتبر هو نية المستحلف‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -2‬وأما إذا كان الحالف‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )90‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )92‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫مثالًالشقًاألول‪ :‬شخص ُهدد أن يطلق ز وجته وأجبر على ذلك‪ ،‬وتلفظ بلفظ الطالق لكن‬
‫نوى بها طلقة قديمة أو نوى بها طالق من وثاق ‪-‬أي حل رباط‪ ، -‬فالمعتبر نيته وتنفعه‪ ،‬ألنه‬
‫مظلوم‪.‬‬
‫ومثالًالشقًالثاني‪ :‬شخص منكر للدين‪ ،‬وإنكار الدين ظلم‪ ،‬فلو توجهت اليمين عليه وهو‬
‫شيئا‪ ،‬وقصده لم يأخذ اليوم أو‬
‫شيئا فحلف أنه لم يأخذ منه ا‬
‫ظالم‪ ،‬وطلب منه الحلف أنه لم يأخذ منه ا‬
‫لم يأخذ السيارة وهو أخذ النقود‪ ،‬فالمعتبر هنا هو نية المستحلف ألن الحالف ظالم‪( ،‬وأمثلة القاعدة‬
‫مثاال لهذا الشق)‪.‬‬
‫السابقة تصلح ا‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة تفيد أن حكم اليمين المترتب عليها يختلف باختالف النية المبني على اختالف‬
‫ظالما‪ ،‬وهذا ال يخرج عما أفادته القاعدة‪.‬‬
‫ا‬ ‫مظلوما وبين أن يكون‬
‫ا‬ ‫حال الحالف بين أن يكون‬

‫قاعدة‪( :‬ال ثواب إال بالنية)‬ ‫[‪ً]6‬‬


‫هذه القاعدة تفيد أن حصول الثواب يف اآلخرة على أي عمل يعمله المكلف ُيشترط فيه حصول‬
‫نية التقرب به إلى اهلل ╡‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫أدلة القاعدة هو ما سبق يف أدلة القاعدة الكبرى (ـص‪.)8‬‬
‫■ ما تدخله القاعدة من األعامل‬
‫هذه القاعدة تشمل جميع أحوال المسلم‪ ،‬فإن المسلم ال ُيثاب على أي عم ٍل إال إذا َّأداه بنية‬
‫التقرب إلى اهلل ╡‪ ،‬ومعظم أحوال المسلم ال تخلو من األمور اآلتية‪:‬‬
‫نفال‪.‬‬
‫فرضا أو ا‬
‫‪ -1‬العبادات‪ ،‬سواء أكانت ا‬
‫‪ -2‬الواجبات التي تحصل مصلحتها بمجرد حصول صورتها‪ ،‬كر ِّد المغصوب‪ ،‬ونفقة‬
‫األقارب‪.‬‬
‫مثال‪،‬‬
‫‪ -3‬ترك المعاصي‪ ،‬إذا نوى بها التقرب إلى اهلل‪ ،‬ال أن يصوم ويترك األكل والرشب حمي اة ا‬
‫أو تكون عن هوى‪ ،‬فال بد من نية التقرب‪.‬‬
‫مثال‪.‬‬
‫‪ -4‬المعامالت‪ ،‬من بيع ورشاء ا‬
‫‪ -5‬العادات إذا احتسب‪ ،‬كإكرام الضيف ونحوه‪.‬‬
‫واسع للثواب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫باب‬
‫‪ -6‬فعل المباحات‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫‪21‬‬ ‫القاعدة الكربى األوىل‪( :‬األمور بمقاصدها)‬

‫* فوائد وخمرجات قاعدة‪( :‬األمور بمقاصدها)‬


‫سواء كانت قولية‬
‫ا‬ ‫أنها تدل على اعتبار النيات والمقاصد‪ ،‬وهي معتبرة يف الترصفات‬ ‫‪-1‬‬
‫أو فعلية‪.‬‬
‫أنها تدخل يف كثير من أبواب الفقه‪ ،‬قال بعض أهل العلم‪ :‬ال يوجد باب من أبواب الفقه‬ ‫‪-2‬‬
‫إال وتدخله هذه القاعدة‪.‬‬
‫وأنه يحتاج إليها القاضي والعالم والمتعلم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫المقاصد تعرف بالقرائن اللفظية والعرفية والحالية‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫ً**ً‬ ‫ً**‬ ‫**‬


‫القاعدة الكبرى الثانثة‪:‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫(اليقني ال يزول بالشك)‬
‫ا ل قاعد ة ا لكبر ى ا لثانية‪( :‬ا ليقين ال يزو ل با لش ك)‬

‫■ مفردات القاعدة ومعناها اإلمجايل‬


‫(اليقين) من يقن الماء يف الحوض‪ ،‬إذا استقر‪ ،‬فاليقين هو العلم وإزاحة الشك‪ ،‬وأما يف اصطالح‬
‫األصوليين‪:‬‬
‫فمن تعريفاته‪ :‬االعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع‪ .‬فقولنا (االعتقاد الجازم) أخرج الظن‪،‬‬
‫(الثابت) أخرج اعتقاد المقلد المصيب‪( ،‬المطابق للواقع) أخرج الجهل‪.‬‬
‫شيء أو عدم حصوله‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهناك تعريفات أخرى مثل‪ :‬الجزم بحصول‬
‫هذا المراد باليقين يف اللغة واالصطالح‪ ،‬لكن ًالمراد ًباليقين ًيف ًالقاعدة هنا هو‪ :‬ماًيشملً‬
‫االعتقاد ًالجازم ًوالظن ًالغالب‪ .‬فالظن الغالب يأخذ حكم اليقين‪ ،‬فلذلك يقول الفقهاء‪( :‬الظن‬
‫كالقطع يف الرشعيات)‪ ،‬والمقصود بالظن هو الظن القوي أو الغالب أو المستند إلى دليل‪.‬‬
‫ومما يدل على أن الظن يأخذ حكم اليقين‪ ،‬أن الشهود العدول إذا شهدوا عند القاضي فإنه‬
‫بناء على شهادتهم أنه‬
‫أن شهادة الشهود ظنية‪ ،‬مع ذلك يعتبر القاضي إذا حكم ا‬
‫يحكم بشهادتهم‪ ،‬مع َّ‬
‫قد حكم بعلم‪.‬‬
‫خبر اآلحاد كذلك دال لته ظنية ومع ذلك يجب األخذ بخبر اآلحاد والعمل به‪ ،‬فالمقصود أن‬
‫الرشع اعتبر الظن القوي بمثابة اليقين‪.‬‬
‫و(ال يزول) أي ال يترفع‪.‬‬
‫و(الشك) التردد والتداخل‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫ككر يًم ً‬
‫ككاًبم َ ك َّ‬
‫ككريمًعلككىًال َقنك ُ‬
‫لككَسًال َكك ُ‬
‫َ‬ ‫كككمًثيياـبك ًُ‬
‫كككه ً *** ً‬ ‫ًاألصك ي‬
‫كككالر بم يح َ‬
‫فشكككك َك ب ُتًبك ًُّ‬
‫َ‬
‫ألحدهما على اآلخر‪ .‬أو‪ :‬ما استوى طرفاه‪.‬‬ ‫ويف ًاصطالح األصوليين هو‪ :‬تجويز أمرين ال مزية ً‬
‫و(الظن)‪ :‬هو الطرف الراجح من أمرين متردد فيهما‪.‬‬
‫و(الوهم)‪ :‬هو الطرف المرجوح من أمرين متردد فيهما‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )99‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫هذه القاعدة لها مراجع متعددة‪ :‬ككتب القواعد‪ ،‬وكتب األشباه والنظائر‪ ،‬وفيها بحوث كبحث (قاعدة اليقين ال يزول بالشك)‬
‫للشيخ يعقوب الباحسين‪ ،‬وهناك أبحاث يف المجالت العلمية عن القاعدة وتطبيقات لها‪ ،‬وهناك بحوث ورسائل يف الشك‬
‫أيضا من المراجع رشوح األحاديث‪.‬‬
‫وأحكامه وما يتعلق به‪ ،‬ا‬
‫‪23‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫فترتيب مراتب اإلدراك‪ :‬االعتقاد الجازم‪ ،‬وتحته الظن الغالب أو القوي‪ ،‬وتحته الظن‪ ،‬وتحته‬
‫الشك‪ ،‬ثم الهاجس والخاطر‪.‬‬
‫أيضا الظن‪.‬‬
‫والمراد بالشك يف القاعدة أوسع من مراد األصوليين فيدخل فيه ا‬
‫المعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬أن األمر الثابت الذي ال تردد فيه‪ ،‬ال يرتفع بالتردد‪ ،‬سواء تر َّجح أحدهما‬
‫أو لم يترجح‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫هذه القاعدة دلت عليها أدلة من الكتاب والسنة ومن اإلجماع ومن العقل‪.‬‬
‫فيستدل لها باألدلة التي وردت يف النهي عن اتباع الظن‪ ،‬والظن ورد يف آيات كثيرة‪،‬‬ ‫أماًالكتاب‪ُ :‬‬
‫وهو من ألفاظ األضداد ‪-‬يعني يأتي بمعنى الشيء وبمعنى ضده‪ -‬فالظن يأتي بمعنى اليقين ويأتي‬
‫بمعنى‪ :‬الخرص والتخمين والشك‪ ،‬فاآليات التي أتت بمعنى الخرص والتخمين والشك وذمها‬
‫َا َ ٓ َ‬
‫دليال للقاعدة‪ ،‬أما إذا ورد بمعنى اليقين فليس بدليل للقاعدة‪ ،‬كقوله‪َ { :‬وأنا ظ َن انا أن‬ ‫تصلح أن تكون ا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱّلل ِف ۡٱۡل ِ َ َ ُّ ۡ‬ ‫الن ُّن ۡعج َز ا َ‬
‫ج َزهُۥ ه َر ٗبا} [الجن‪ ،]12:‬فالظن هنا بمعنى اليقين‪ ،‬لكن الظن المعتبر‬ ‫ۡرض ولن نع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َا ُ ۡ ُ ُ‬
‫َثه ۡم إَِل ظ ًّنا إِن ٱلظ ان‬ ‫دليال للقاعدة فهو الظن الذي جاء يف سياق الذم كقوله ╡‪{ :‬وما يتبِع أك‬ ‫ا‬
‫ۡ‬
‫ََل ُي ۡغن م َِن َ‬
‫ٱۡل دق َش ۡ ً‬
‫يا} [يونس‪ ،]36:‬أي‪ :‬الخرص والتخمين والشك‪ ،‬الحق أي اليقين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡٗ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ۡل د ِق شيا}‬ ‫وقوله ╡‪َ { :‬و َما ل ُهم بهِۦ م ِۡن عِلمٍٍۖ إِن يَتب ُعون إَِل ٱلظ ان ِإَون ٱلظ ان َل ُيغن م َِن ٱ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[النجم‪.]28:‬‬

‫يخيل‬
‫وأماًالسنة‪ :‬فيستدل لها بحديث عبد اهلل بن زيد ☺ قال‪ُ :‬شكي إلى النبي ﷺ الرجل َّ‬
‫إليه أنه يجد الشيء يف الصالة‪ ،‬قال‪”ً:‬الًينرصفًحتىًيسمعًصوتًاًأوًيجدًريحًا“ متفق عليه‪.‬‬
‫مرفوعا‪” :‬إذاًوجدًأحدكمًيفًبطنهًشيئًاًفأشكلًعليهًأخرجًمنهًشيءًأمًال؟ً‬
‫ا‬ ‫وعن أبي هريرة ☺‬
‫فالًيخرجنًمنًالمسجدًحتىًيسمعًصوتًاًأوًيجدًريحًا“ رواه مسلم‪.‬‬
‫وشك يف الحدث فإنه يبني على طهارته‪.‬‬‫َّ‬ ‫ففي الحديثين داللة على أن من تيقن الطهارة‬
‫وسعوا مجرى الحكم‪ ،‬فاألحاديث وإن وردت يف األحداث فإنهم وسعوا مجرى الحكم‪.‬‬ ‫والعلماء َّ‬
‫مرفوعا‪” :‬إذاًشكًأحدكمًيفًصالتهًفلمًيدرًكمًصلىًثالثاًأمً‬
‫ا‬ ‫ومنها حديث أبي سعيد الخدري‬
‫أربعا‪ً ،‬فليطرحًالشكًوليبنًعلىًماًاستيقن“‪ ،‬وهذا الحديث يدل على أن من شك يف الصالة يبني‬
‫على األقل ألنه المتيقن‪.‬‬
‫أماًاإلجماع ‪ :‬فقد أجمع العلماء على هذه القاعدة‪ ،‬وقد أشار إلى هذا القرايف حيث ذكر أنهم‬
‫جعلوا المشكوك يف حكم المعدوم‪.‬‬
‫قدم األقوى وهو اليقين‪.‬‬
‫وأماًالعقل‪ :‬فإن درجة اليقين أقوى من درجة الشك‪ ،‬فإذا تعارضا ِّ‬
‫‪24‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫■ مكانة هذه القاعدة‬


‫هذه القاعدة تتبوأ مكانة كبيرة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ومما يدل على هذا أن لها عالقة بأصول‬
‫الفقه ولها عالقة بالفقه‪ ،‬فهي قاعدة أصولية فقهية‪ ،‬فإذا ربطناها با ألدلة فهي قاعدة أصولية‪ ،‬وإذا‬
‫ربطناها بأفعال المكلفين فهي قاعدة فقهية‪.‬‬
‫وموضعها يف أصول الفقه يف دليل االستصحاب‪ ،‬وهو أحد األدلة األصولية المختلف يف‬
‫االحتجاج بها‪.‬‬
‫أما عالقتها بالفقه فتعتبر هذه القاعدة من الكليات الكبيرة يف الرشيعة‪ ،‬وقد ذكر العلماء أن‬
‫المسائل المخرجة عليها تبلغ ثالثة أرباع الفقه أو أكثر‪.‬‬
‫■ صياغة القاعدة‬
‫نصا لحديث‪ ،‬بل هي من كالم العلماء‪ ،‬وقد مرت بمراحل من الصقل‬
‫نص القاعدة ليس ً‬
‫والتحوير‪ ،‬وقد وردت عند الشافعي وعند الكرخي والدبوسي بعبارات طويلة‪ ،‬ثم صيغت بصيغة‬
‫مخترصة‪.‬‬
‫■ اعرتاضان عىل نص القاعدة‪ ،‬واجلواب عنهام‬
‫ال أنه ال يمكن اجتماع اليقين والشك يف حال واحدة ويف‬
‫االعتراضًاألول‪ :‬أن من المعلوم عق ا‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬ولكن نص القاعدة يظهر منه أنه ُيمكن اجتماعهما يف تلك الحال‪،‬‬ ‫الوقت نفسه لدى شخص‬
‫فنحن نفهم نص القاعدة أن الشخص إذا كان على يقين ثم طرأ عليه شك فإنه ال يزول اليقين بالشك‪،‬‬
‫فيكون هذا الشخص متيقن اا شاك اا يف الوقت نفسه‪ ،‬وهذا تناقض‪.‬‬
‫والجوابًعنًهذاًاالعتراض‪ :‬أن المراد بنص القاعدة هو اليقين السابق‪ ،‬فيكون معنى القاعدة‪:‬‬
‫اليقين السابق ال يزول بالشك الطارئ‪ ،‬فلم يحصل إذن اجتماع لليقين والشك‪.‬‬
‫االعتراضًالثاني‪ :‬أن من األمور المقررة أن اليقين إذا طرأ عليه شك أزال اليقين‪ ،‬بمعنى أنه لو‬
‫كان الشخص متيقن اا‪ ،‬ثم شك‪ ،‬فإنه يوصف بأنه شاك ال أنه متيقن‪ ،‬ولكن الذي ُيفهم من ظاهر نص‬
‫القاعدة أن اليقين ال يزول بالشك الطارئ‪ ،‬بل يبقى‪ ،‬وهذا تناقض‪.‬‬
‫الجوابًعنًاالعتراضًالثاني‪ :‬أن المقصود بنص القاعدة هو‪ :‬أن حكم اليقين ال يزول بالشك‪،‬‬
‫زائل بالشك‪ ،‬والباقي إنما هو حكم‬
‫وليس المقصود أن ذات اليقين ال يزول بالشك‪ ،‬بل اليقين بذاته ٌ‬
‫اليقين‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫(‪)1‬‬
‫القواعد الفرعية‬
‫يندرج تحتها جملة من القواعد‪ ،‬وقد سبق بيان العالقة بين القواعد الفرعية وبين القواعد‬
‫الكبرى (انظر ـص‪ ،)16‬فمن القواعد المتفرعة عن قاعدة (اليقين ال يزول بالشك)‪:‬‬

‫(‪)2‬‬‫قاعدة‪( :‬األصل بقاء ما كان عىل ما كان)‬ ‫[‪ً]1‬‬


‫والمراد ــبـ(األصل) هو‪ :‬القاعدة أو الغالب أو الراجح أو المستصحب‪ ،‬وهو يندرج تحت قولنا‬
‫(اليقين ال يزول بالشك)‪ ،‬وسيتكرر معنا يف القواعد التي ستأتي‪.‬‬
‫و(بقاء ما كان) أي‪ :‬األمر الذي كان يف الحالة الحارضة‪.‬‬
‫و(على ما كان) أي‪ :‬على ما كان يف الماضي‪.‬‬
‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أن ما ثبت على حال من األحوال ُيحكم ببقائه على تلك الحال حتى يثبت‬
‫(أن ما ثبت يف ٍ‬
‫زمان ُيحكم ببقائه حتى يوجد المزيل له)‪.‬‬ ‫ما يغيره‪ .‬وهناك قاعدة قريبة منها وهي‪َّ :‬‬
‫وهذه القاعدة هي دليل االستصحاب أو نوع من أنواعه‪ ،‬واالستصحاب‪ :‬استدامة إثبات ما كان‬
‫منفيا‪.‬‬
‫ثابتا ونفي ما كان ً‬
‫ا‬
‫واالستصحاب ينقسم باعتبار زمنه إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬استصحابًالماضيًللحارض‪ :‬وهذا هو المشهور‪ ،‬وأكثر األمثلة من هذا القسم‪.‬‬
‫‪ -2‬استصحاب ًالحارض ًللماضي‪ :‬وهذا القسم يسمى (االستصحاب المعكوس)‬
‫أرضا للزراعة‪ ،‬وبعد انتهاء المدة‬
‫شخصا استأجر ا‬ ‫ا‬ ‫و(استصحاب الحال) ومثاله‪ :‬لو أن‬
‫طلب صاحب المزرعة الثمن‪ ،‬فقال المستأجر إنني لم أستفد من األرض ألنها معيبة‪ ،‬فإنه‬
‫يف هذه الحالة ُينظر للحالة الحارضة فإن كانت معيبة اآلن فإنها معيبة يف أول العقد‪،‬‬
‫فتستصحب الحالة الحارضة للحالة الماضية‪.‬‬

‫(‪ )1‬يندرج تحت قاعدة (اليقين ال يزول بالشك) ‪ 14‬قاعدة‪:‬‬


‫األصل براءة الذمة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪ .1‬األصل بقاء ما كان على كان‪.‬‬
‫األصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته‪.‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪ .3‬األصل يف األمور العارضة العدم‪.‬‬
‫األصل يف األبضاع التحريم‪.‬‬ ‫‪.6‬‬ ‫‪ .5‬األصل يف األشياء اإلباحة‪.‬‬
‫ال ينسب إلى ساكت قول‪ ،‬ولكن السكوت يف معرض‬ ‫‪.8‬‬ ‫‪ .7‬األصل يف الذبائح التحريم‪.‬‬
‫الحاجة إلى البيان بيان‪.‬‬
‫ال عبرة بالظن البين خطؤه‪.‬‬ ‫‪.10‬‬ ‫‪ .9‬ال عبرة بالتوهم‪.‬‬
‫ما يثبت بيقين ال يرتفع إال بيقين‪.‬‬ ‫‪.12‬‬ ‫‪ .11‬الممتنع عادة كالممتنع حقيقة‪.‬‬
‫ال حجة مع االحتمال الناشئ عن دليل‪.‬‬ ‫‪.14‬‬ ‫‪ .13‬ال عبرة للداللة يف مقابلة الترصيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )107‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫متيقنا الطهارة ثم طرأ عليه الشك؛ أحدث أو ال‪ ،‬فاألصل الطهارة ألن األصل بقاء ما‬
‫ا‬ ‫أن من كان‬
‫َّ‬
‫كان على ما كان‪.‬‬
‫وعكسه بعكسه‪ ،‬ف من تيقن الحدث ثم شك هل تطهر أو ال‪ ،‬فإنه يحكم بحدثه‪ ،‬فاألصل بقاء ما‬
‫كان على ما كان‪.‬‬
‫شاكا يف طلوع الفجر‪ ،‬صح صومه‪ ،‬ألن األصل بقاء الليل‪ ،‬وعكسه بعكسه‪ ،‬فمن‬ ‫ومثله‪ :‬من أكل ا‬
‫شاكا غروب الشمس‪ ،‬لم يصح صومه‪ ،‬ألن األصل بقاء النهار‪ ،‬واألصل بقاء ما كان على ما كان‪.‬‬
‫أكل ا‬
‫ولو ادعى شخص على آخر بدين فأقر المدعى عليه بالدين‪ ،‬لكن ادعى الوفاء‪ ،‬فإنه ُيحكم‬
‫ببقاء الدين بذمته‪ ،‬ألنه ثبت بإقراره واألصل بقاء ما كان على ما كان‪.‬‬
‫ولو ثبت إبراء الدائن للمدين‪ ،‬ثم حصل شك يف قبوله لإلبراء‪ ،‬فإن ذمته تكون بريئة‪.‬‬
‫ولو شك شخص متزوج هل طلق زوجته أو ال‪ ،‬فإنه يحكم ببقاء النكاح ألن األصل بقاء ما كان‬
‫على ما كان‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة من العلماء من قال إنها بمعنى القاعدة الكبرى‪ ،‬ومنهم من يذكرها أنها متفرعة‬
‫عنها‪ ،‬وأنها نوع من أنواع االستصحاب وهو استصحاب الحكم حتى يثبت خالفه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫قاعدة‪( :‬األصل براءة الذمة)‬ ‫[‪ً]2‬‬
‫(األصل) المراد هنا‪ :‬المستصحب‪ ،‬ومنهم من قال القاعدة المستمرة‪ ،‬أو الراجحة أو الغالبة‪.‬‬
‫و(براءة) يعني‪ :‬خلو‪.‬‬
‫أهال لإليجاب واالستيجاب‪.‬‬ ‫و(الذمة) العهد أو نفس اإلنسان‪ ،‬والمراد وصف يصير به اإلنسان ا‬
‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أن المستصحب يف ذمة كل شخص أنها غير مشغولة بحق من الحقوق‪ ،‬فإذا‬
‫قيل بإشغالها بحق من حقوق اهلل تعالى أو بحق من حقوق اآلدميين؛ فال يثبت ذلك إال بدليل‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫يدل عليها قول النبي ﷺ‪” :‬البينةًعلىًالمدعي‪ً،‬واليمينًعلىًالمدعىًعليه“ فالنبي‬
‫واكتفي يف جانب المدعى عليه‬
‫ﷺ جعل البينة يف جانب المدعي ألنه يدعي خالف األصل‪ُ ،‬‬
‫باليمين ألنه معه األصل‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )112‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪27‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫المتولد بين الوحشي واألهلي هل فيه زكاة؟ منهم من قال ليس فيه زكاة ألن األصل براءة الذمة‪،‬‬
‫ومنهم من قال يجب لالحتياط‪ ،‬لكن الواجبات ال تثبت باالحتياط‪.‬‬
‫ولو ادعى شخص على آخر بأنه يطلبه ‪ 1000‬ريال‪ ،‬فأنكر المدعى عليه‪ ،‬وال بينة للمدعي‪،‬‬
‫فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ألن األصل براءة ذمته‪.‬‬
‫ولو ادعى شخص على آخر بأنه اعتدى عليه أو شتمه أو قذفه وال بينة للمدعي‪ ،‬وأنكر المدعى‬
‫عليه‪ ،‬فالقول قول المدعى عليه مع يمينه‪ ،‬ألن األصل براءة ذمته‪.‬‬
‫جهازا قيمته‬
‫ا‬ ‫مثال‪ -‬أتلف لي‬
‫وهكذا فيما إذا اختلف شخصان‪ ،‬فقال أحدهما إن هذا الشخص ‪ -‬ا‬
‫أتلفت الجهاز لكن قيمته ‪ 1000‬ريال‪ ،‬وال بينة عند المدعي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 1500‬ريال‪ ،‬فقال المدعى عليه صحيح‬
‫فالقول قول المدعى عليه‪ ،‬فاألصل براءة الذمة من الزيادة‪.‬‬
‫فقاعدة (اليقين ال يزول بالشك) ال ُنعملها إال عند عدم البينات فلذلك يقولون‪:‬‬
‫(االستصحاب ‪-‬وهو قاعدتنا‪ -‬آخر مدار الفتوى) أي ما يرجع لها إال عند عدم البينات‪.‬‬
‫فكذلك الوكيل والمستأجر والمودع القول قولهم ألنهم أمناء‪ ،‬فاألصل براءة ذممهم‪ ،‬وكذلك‬
‫كل أمين‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫أن براءة الذمة واستصحابها هو المتيقن وإشغالها مشكوك فيه‪ ،‬فيؤخذ بالمتيقن ويترك‬
‫المشكوك فيه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬األصل يف األمور العارضة العدم)‬ ‫[‪ً]3‬‬


‫وردت هذه القاعدة عند السيوطي بلفظ‪( :‬األصل العدم) ويرد على هذه الصياغة أن هناك أشياء‬
‫األصل فيها العدم‪ ،‬وهناك أشياء األصل فيها الوجود‪ ،‬فليس كل شيء األصل فيها العدم‪ ،‬فمقصود‬
‫السيوطي هو‪ :‬األصل يف (األمور العارضة) العدم‪.‬‬
‫ووردت يف مجلة األحكام العدلية بلفظ‪( :‬األصل يف الصفات العارضة العدم) ويرد عليه أن‬
‫األشياء العارضة ليست صفات فقط‪ ،‬فقد تكون صفات وقد تكون مستقلة كالعقود والرشوط‬
‫واإلتالفات‪ ،‬فالتعبير بلفظ (األمور) أولى فيدخل فيها الصفات وغيرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )115‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪28‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫واألمور والصفات تنقسم إلى قسمين‪:‬‬


‫‪ -1‬أمورًوصفاتًأصلية‪ :‬وهي التي تكون موجودة مع األصل‪ ،‬مثل‪ :‬الصحة‪ ،‬والسالمة‪،‬‬
‫والصغر‪ ،‬والبكارة يف المرأة‪ ،‬وهذه األصل فيها الوجود‪.‬‬
‫‪ -2‬أمور ًوصفات ًعارضة ‪ :‬وهي التي لم تكن موجودة وإنما طرأت بعد ذلك‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫المرض‪ ،‬والموت‪ ،‬واإلكراه‪ ،‬والجنون‪ ،‬والربح والسارة يف التجارة‪ ،‬وهذه األصل‬
‫فيها العدم‪.‬‬
‫وقاعدتنا تتعلق بالقسم الثاني وهي األمور العارضة التي لم تكن موجودة مع األصل‪.‬‬
‫فهذه القاعدة تدلنا على أن األمور العارضة المتيقن هو عدمها حتى يدل دليل على وجودها‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫ماء وشك هل خالطته نجاسة أو ال‪ ،‬فإنه ُيحكم بطهورية الماء‪ ،‬ألن النجاسة أمر‬ ‫لو رأى شخص ا‬
‫طارئ وعارض‪ ،‬واألصل يف األمور العارضة العدم‪.‬‬
‫ولو اختلف البائع والمشتري يف وجود عيب يف السلعة‪ ،‬وقال المشتري إنها معيبة‪ ،‬وأنكر‬
‫البائع‪ ،‬فالقول قول البائع‪ ،‬ألن األصل عدم العيب‪.‬‬
‫ولو اختلفوا يف القبض فالقول قول المشتري‪ ،‬ألن األصل عدم القبض‪.‬‬
‫وإذا اختلف المضارب ورب المال‪ ،‬وقال رب المال التجارة ربحت‪ ،‬والمضارب يقول لم أربح‬
‫شيئا‪ ،‬فالقول قول المضارب ألن األصل عدم الربح‪.‬‬
‫ا‬
‫وكذلك إذا حصل خالف يف إبرام عقد‪ ،‬أو وجود رشط أو انتفائه‪ ،‬فاألصل عدم العقد وانتفاء الرشط‪.‬‬
‫مجنونا‪ ،‬وأنكر ذلك المشتري‪ ،‬وال بينة‬
‫ا‬ ‫وكذلك لو قال الورثة إن أبانا حين باع السلعة كان‬
‫للمدعي فالقول قول المشتري‪ ،‬ألن األصل عدم الجنون‪.‬‬
‫لما بعت كنت ُمكر اها‪ ،‬وأنكر ذلك المشتري‪ ،‬فالقول قول المشتري‪ ،‬ألن‬
‫وكذلك لو قال البائع َّ‬
‫األصل عدم اإلكراه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫قاعدة‪( :‬األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته)‬ ‫[‪ً]4‬‬


‫القاعدة لها عدة صياغات‪ ،‬منها‪( :‬األصل يف كل حادث تقديره بأقرب زمن)‪.‬‬
‫وهذه القاعدة تدل على أنه إذا حصل نزاع يف أمر وكان يمكن أن يكون حدث يف الوقت القريب‬
‫فيحمل على أنه حدث يف الوقت القريب‪ ،‬ألنه المتيقن‪ ،‬أما‬
‫ويمكن أن يكون حدث يف الوقت البعيد‪ُ ،‬‬
‫البعيد فمشكوك فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )118‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪29‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫أما إذا كان هذا األمر ال يحتمل أن يكون حدث يف الوقت البعيد أو الوقت القريب‪ ،‬فإنه ال يدخل‬
‫تحت القاعدة‪ ،‬مثل العيوب الخلقية‪ ،‬لو حصل عيب خلقي يف السلعة‪ ،‬فالعيب الخلقي ال يمكن أن‬
‫يقع يف الوقت القريب‪ ،‬بل هو موجود منذ خلق اإلنسان أو الحيوان‪.‬‬
‫إذن الذي يدخل يف القاعدة‪ :‬العيب المحتمل حدوثه يف الوقت البعيد والوقت القريب‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫مسجونا يف مكان مظلم‪ ،‬وعنده ما يتوضأ منه‪ ،‬ولما انكشفت عنه‬
‫ا‬ ‫ويف العبادات‪ ،‬لو أن إنسا انا‬
‫الظلمة رأى يف هذا الماء نجاسة‪ ،‬وال يدري متى أصابت هذه النجاسة الماء‪ ،‬هل هو يف وقت قريب أو‬
‫بعيد‪ ،‬فيحمل على الوقت القريب‪ ،‬ألن هذا هو المتيقن‪.‬‬
‫لو اختلف البائع والمشتري يف العيب‪ ،‬وقال البائع حدث العيب عند المشتري‪ ،‬وقال المشتري‬
‫حدث عند البائع‪ ،‬فالقول قول البائع‪ ،‬ألن األصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته وأقرب أوقاته عند‬
‫المشتري‪.‬‬
‫احتالما‪ ،‬فشك هل حدث يف آخر نومة نامها‬
‫ا‬ ‫إنسانا وجد يف ثوبه أثر مني‪ ،‬ولم يتذكر‬
‫ا‬ ‫ومثله لو أن‬
‫أو يف نومة نامها قبل ذلك‪ ،‬فيحمل على آخر نومة نامها ألنه المتيقن‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫أن األمر الحادث الذي يحتمل وقوعه يف الوقت القريب أو البعيد‪ ،‬حمله على أنه حدث يف‬
‫الوقت القريب أمر متيقن‪ ،‬وحمله على البعيد أمر مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن ويترك المشكوك فيه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫قاعدة‪( :‬األصل يف األشياء اإلباحة)‬ ‫[‪ً]5‬‬
‫(األشياء) أي‪ :‬النافعة‪ ،‬أما الضارة فاألصل فيها التحريم‪.‬‬
‫وهذه القاعدة فيها خالف بين العلماء‪ ،‬منهم من قال‪ :‬األصل يف األشياء اإلباحة‪ ،‬ومنهم من قال‪:‬‬
‫األصل يف األشياء التحريم‪ ،‬ومنهم من قال بالتوقف‪ ،‬والراجح أن األصل يف األشياء اإلباحة‪.‬‬
‫وهذه ا لقاعدة تفيد يف األشياء المسكوت عنها التي لم يدل دليل على أنها مباحة أو محرمة‪،‬‬
‫فهذه األصل فيها اإلباحة‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫ۡرض ََج ٗ‬‫َۡ‬ ‫َ ََ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِيعا} [البقرة‪ ،]29:‬فاهلل سبحانه‬ ‫كم اما ِِف ٱۡل ِ‬ ‫يستدل لها بقوله ╡‪{ :‬ه َو ٱلَّذي خلق ل‬
‫جميعا‪ ،‬وأبلغ درجات االمتنان اإلباحة‪.‬‬ ‫ا‬ ‫وتعالى يمتن على عباده بأنه خلق لنا ما يف األرض‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )121‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪30‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫ت م َِن‬ ‫َٰ‬ ‫لط دي َ‬


‫ب‬ ‫ا‬ ‫ٱ‬‫و‬‫َ‬ ‫ۦ‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ا‬‫ب‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت أَ ۡخ َر َ‬
‫ج‬ ‫ين َة ٱ اّللِ ٱ ال ِ ٓ‬ ‫ويستدل كذلك بقوله ╡‪{ :‬قُ ۡل َم ۡن َح ار َم ز َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق} [األعراف‪]32:‬‬
‫ٱ دلر ۡ‬
‫ز‬
‫أحل اهلل تعالى‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ما‬ ‫تحريم‬ ‫نفي‬ ‫على‬ ‫داللة‬ ‫اآلية‬ ‫هذه‬ ‫ففي‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َم ۡي َت ًة أَوۡ‬ ‫َۡ َُُٓ آ َ َ ُ َ‬
‫وِح إِل ُمرما لَع طاع ِٖم يطعمهۥ إَِل أن يك‬ ‫َ‬ ‫َ ٓ ُ َ َ ا ُ َ ا ً َ ََٰ‬
‫جد ِِف ما أ ِ‬‫ُ‬ ‫ُ آ َ‬
‫وبقوله ╡‪{ :‬قل َل أ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َٗ ا ۡ ُ ً َ‬
‫ۡي ٱّلل ِ بِهِ} [األنعام‪ ،]145:‬فاهلل سبحانه‬
‫ا َۡ ا‬
‫ِغ‬ ‫ل‬ ‫ِل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫ق‬
‫َ اُ ۡ ٌ ۡ ۡ ً‬
‫ِس‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ۥ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ير‬ ‫ِزن‬
‫خ‬ ‫م‬ ‫وحا أ ۡو َ ۡ‬
‫ۡل َ‬ ‫دما مسف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٖ ِ‬
‫وتعالى ذكر المحرمات هنا على سبيل االستثناء مما يدل على أن األصل اإلباحة‪.‬‬
‫فهوًحالل‪ً،‬وماًحرمًفهوًحرام‪ً،‬وماًسكتً‬
‫ًَّ‬ ‫ماًأحلًاهللًيفًكتابهً‬
‫ًَّ‬ ‫ويستدل للقاعدة بقوله ﷺ‪” :‬‬
‫عنهًفهوًعفو“‪.‬‬
‫اهللًفرضًفرائضًفالًتضيعوها‪ً،‬وحدًحدودًاًفالًتعتدوها‪ً،‬ونهىًعنًأشياءً‬
‫َّ ً‬ ‫إنً‬
‫وقوله ﷺ‪ًَّ ” :‬‬
‫فالًتنتهكوها‪ً،‬وسكتًعنًأشياءًمنًغيرًنسيان‪ً،‬فالًتبحثواًعنها“ وغيرها من األحاديث‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫هذه القاعدة يستفاد منها فيما ُسكت عنه‪ ،‬فلذلك ذهب بعض العلماء إلى إباحة أكل لحم‬
‫الزرافة ألن األصل يف األشياء اإلباحة‪.‬‬
‫سمي ُته فاألصل فيه اإلباحة‪ ،‬والحيوان المجهول كذلك‪.‬‬
‫ويدخل يف ذلك النبات المجهول َّ‬
‫ويمكن أن يخرج على هذه القاعدة العقود والرشوط إذا لم يكن فيها ما يدل على التحريم‪،‬‬
‫فاألصل يف العقود والرشوط الجواز والصحة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫قاعدة‪( :‬األصل يف األبضاع التحريم)‬ ‫[‪ً]6‬‬


‫(األبضاع) جمع ُبضع‪ ،‬وهو الفرج‪ ،‬والمراد به يف القاعدة الكناية عن النساء واالستمتاع بهن‪.‬‬
‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أن القاعدة المستمرة يف الرشع يف أمور النساء واالستمتاع بهن هو التحريم‪،‬‬
‫فال ُيخرج عن هذه القاعدة إال بيقين اإلباحة‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -1‬لو اشتبهت امرأ ٌة محرمة على رجل بنساء قرية محصورة‪ ،‬وال يعرف عينها‪ ،‬فإنه ال يجوز له‬
‫أن يجتهد ويتحرى يف تعيين المرأة المحرمة عليه ثم النكاح من البواقي‪ ،‬ألن حرمة هؤالء‬
‫النسوة متيقنة؛ لكونها األصل‪ ،‬وقد حصل الشك هنا يف إباحتهن له‪.‬‬
‫دفعا للحرج‪.‬‬
‫كبيرا والنساء فيه كثير‪ ،‬فال بأس ا‬
‫وقال أهل العلم‪ :‬إن كان البلد ا‬
‫رجال ط َّلق إحدى نسائه بعينها‪ ،‬ثم نسيها‪ ،‬فإنه ال يجوز له أن يجتهد‪....‬‬
‫‪ -2‬لو أن ا‬
‫‪ -3‬وكذلك إن أعتق بعض ملك يمينه‪....‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )125‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪31‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫قاعدة‪( :‬ال ُينسب إىل ساكت قول‪ ،‬ولك َّن السكوت يف معرض احلاجة إىل‬ ‫[‪ً]7‬‬
‫البيان بيان)(‪)1‬‬

‫السكوت إما سكوتً‪ً -1‬منًتجبًلهًالعصمة‪ ،‬كسكوت النبي ﷺ واإلجماع السكوتي‪،‬‬


‫‪ -2‬أو سكوتًمنًالًتجبًلهًالعصمة والقاعدة تتعلق بالقسم الثاني‪.‬‬
‫والقاعدة مكونة من شقين‪:‬‬
‫الشقًاألول‪( ً:‬ال ينسب إلى ساكت قول) وهذا هو األصل يف السكوت‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن السكوت ال‬
‫ُي َّنزل منزلة القول من جهة ما يترتب على القول من أحكام وآثار‪.‬‬
‫استثناء من األصل‬
‫ا‬ ‫الشقًالثاني‪( :‬ولكن السكوت يف معرض الحاجة إلى البيان بيان) وهو يعد‬
‫فيعطى أحكامه‪ ،‬وذلك يف حال وجود الحاجة للبيان‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن السكوت قد ُي َّنزل منزلة القول ُ‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫أمثلةًللشقًاألول‪ً:‬‬
‫ساكت‪ ،‬فإن‬
‫ٌ‬ ‫ص آخر أو أتلفه‪ ،‬وصاحب المال يشاهد وهو‬ ‫شخصا باع مال شخ ٍ‬‫ا‬ ‫‪ -1‬لو أن‬
‫إذنا بالبيع أو اإلتالف‪ ،‬وذلك ألنه ال ينسب إلى ساكت قول‪.‬‬
‫سكوته هذا ال يعد ا‬
‫إذنا منها بالتزويج؛ ألنه ال‬
‫‪ -2‬إذا استؤذنت الثيب يف نكاحها‪ ،‬فسكتت‪ ،‬فإن سكوتها ال يعد ا‬
‫ينسب إلى ساكت قول‪.‬‬
‫أمثلةًللشقًالثاني‪ً:‬‬
‫نكوال أي‪ :‬امتناعاا عن‬
‫ا‬ ‫‪ -1‬إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فسكت‪ ،‬فسكوته يعد‬
‫دفعا للرضر عن المدعي‪.‬‬ ‫اليمين‪ ،‬ا‬
‫‪ -2‬لو علم الرشيك بأن رشيكه باع نصيب ه الذي يخصه من العقار‪ ،‬وسكت‪ ،‬فإن سكوته‬
‫هذا يعد إسقاطاا منه لح ِّقه يف الشفعة؛ ألن السكوت يف معرض الحاجة إلى البيان بيان‪.‬‬
‫إذنا منها بالتزويج؛ ألن الغالب‬
‫‪ -3‬إذا استؤذنت البكر يف نكاحها‪ ،‬فسكتت‪ ،‬فإن سكوتها يعد ا‬
‫من حال األبكار الحياء‪ ،‬وعدم إبداء الرغبة يف النكاح‪ ،‬فنحن يف موضع نحتاج فيه إلى‬
‫بيانا‪.‬‬
‫البيان‪ ،‬فيكون سكوتها هنا ا‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫عدم داللة السكوت على القول هو اليقين‪ ،‬أما داللة السكوت على القول فمشكوك فيها‪،‬‬
‫واليقين ال يزول بالشك‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )133‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪32‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬ال عربة بالتوهم)‬ ‫[‪ً]8‬‬


‫(ال عبرة) أي ال اعتداد‪.‬‬
‫(التوهم) هو االحتمال العقلي البعيد النادر الحصول‪.‬‬
‫مستندا ُتبنى عليه األحكام‪ ،‬فكذلك ال تؤجل‬
‫ا‬ ‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أن التوهم كما أنه ال يصلح‬
‫األحكام وال توقف بناء على التوهم‪.‬‬
‫فروع القاعدة(‪)2‬‬ ‫■‬
‫جهة بدون تح ٍر واجتهاد‪ ،‬فإن صالته غير‬ ‫‪ -1‬لو اشتبهت القبلة على شخص فصلى إلى ٍ‬
‫صحيحة‪ ،‬ألنه بنى أمر إثبات جهة القبلة على مجرد التوهم‪ ،‬والقاعدة أنه ال عبرة بالتوهم‪.‬‬
‫‪ -2‬ومثله لو توهم دخول الوقت‪ ،‬ولم يجتهد يف تحري الوقت‪ ،‬فال عبرة بتلك الصالة‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫سبق بيان مراتب اإلدراك (ـص‪ )22‬والوهم الشك‪ ،‬فإذا كان اليقين ال يزول بالشك فمن باب أولى‬
‫أن ال يزول بالوهم‪.‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫البني خطؤه)‬


‫قاعدة‪( :‬ال عربة بالظن ن‬ ‫[‪ً]9‬‬
‫(الظن) هو الطرف الراجح من أمرين متردد فيهما‪.‬‬
‫(البين خطؤه) أي الظن الواضح والظاهر أنه خطأ‪ ،‬والمراد بالخطأ يف الظن‪ :‬حصول الخطأ يف‬
‫ِّ‬
‫إدراك االحتمال الراجح بسبب الخلل يف طريق هذا اإلدراك‪.‬‬
‫بناء صحيح‪ ،‬فلو تبين بعد ذلك خطأ‬
‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أن بناء األحكام الرشعية على الظن ٌ‬
‫ويلغى ما ُبني عليه من أحكام وآثار‪.‬‬
‫رشعا‪ُ ،‬‬
‫هذا الظن‪ ،‬فإنه ال ُيعتد به ا‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫ماء‪ ،‬فتوضأ منه‪ ،‬فإن وضوءه صحيح يف الظاهر‪ ،‬لكن لو أنه تبين‬‫‪ -1‬لو ظن شخص طهارة ٍ‬
‫نجاسة هذا الماء‪ ،‬فال بد أن يعيد الوضوء بماء طاهر‪ ،‬ألنه قد بنى أمر الوضوء على ظن قد‬
‫تبين خطؤه‪ ،‬وال عبرة بالظن البين خطؤه‪.‬‬‫َّ‬
‫‪ -2‬إذا حكم القاضي بناء على شهادة شاهدين‪ ،‬ثم تبين أنهم كفار‪ ،‬فإنه ينقض الحكم ويعاد‬
‫النظر يف القضية من جديد(‪.)4‬‬

‫انظر الكتاب (ص‪ )135‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫يراجع المدخل الفقهي لمصطفى الزرقا (‪ ،)987/2‬وكتاب الممتع‪ ،‬لمزيد من األمثلة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر الكتاب (ص‪ )139‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬ ‫(‪) 3‬‬
‫لالستزادة يراجع الكتاب (ص‪ )140‬ط‪ .‬الثالثة (المسألة الثالثة)‪.‬‬ ‫(‪) 4‬‬
‫‪33‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬


‫تقدم أن األحكام الرشعية تبنى على اليقين أو الظن الغالب والقوي‪ ،‬والمقصود بالظن‪ :‬هو الظن‬
‫الصواب‪ ،‬أما الظن الخطأ فقد أفادت القاعدة الفرعية أنه ال ُيعتد به‪ ،‬ويلغى ما بني عليه من أحكام‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫[‪ ً]10‬قاعدة‪( :‬املمتنع عادة كاملمتنع حقيقة)‬


‫(الممتنع حقيقة) هو الذي ال يمكن وقوعه‪.‬‬
‫(الممتنع عادة) هو الذي ال ُيعهد وقوعه‪ ،‬وإن كان فيه احتمال عقلي بعيد‪.‬‬
‫أصال‪ ،‬وال تقبل يف (الممتنع‬
‫وحكمهما‪ :‬ال تقبل الدعوى فيهما‪ ،‬ال تقبل يف (الممتنع حقيقة) ا‬
‫عادة) للتيقن بكذب مدعيه‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫مثالًللشقًاألولً(الممتنعًحقيقة)‪ً:‬‬
‫زيدا مسا ٍو لسن الشخص أو أكبر منه‪ ،‬فإن هذه‬
‫زيدا ابنه‪ ،‬والواقع أن ا‬
‫لو ادعى شخص بأن ا‬
‫دعوى بشي ٍء ممتنع حقيقة‪.‬‬
‫الدعوى ال تقبل‪ ،‬وال ُيلتفت لها‪ ،‬ألنها ا‬
‫ومثالًالشقًالثانيً(الممتنعًعادة)‪ً:‬‬
‫أمواال عظيم اة عند شخص آخر‪ ،‬وأنه أخذها منه‬ ‫ا‬ ‫‪ -1‬لو ادعى شخص معروف بفقره‪ ،‬أن له‬
‫أمواال عظيمة‪ ،‬فإن هذه الدعوى ال‬
‫قرضا أو نحوه‪ ،‬ولم ُيعهد من هذا الفقير أنه قد أصاب ا‬‫ا‬
‫تقبل‪ ،‬وال ُيلتفت إليها‪ ،‬ألنه من الممتنع عادة‪ ،‬والممتنع عادة كالممتنع حقيقة‪.‬‬
‫كذب ذلك‪ ،‬فإنه هذه‬ ‫أمواال عظيمة‪ ،‬وظاهر حال اليتيم ُي ِّ‬
‫ا‬ ‫‪ -2‬لو ادعى ولي اليتيم أنه أنفق‬
‫أمواال عظيمة وال يظهر ذلك يف‬
‫الدعوى ال تقبل‪ ،‬ألنه من الممتنع عادة أن ينفق الشخص ا‬
‫أحوال الشخص اآلخر‪ ،‬والممتنع عادة كالممتنع حقيقة‪.‬‬
‫أمواال عظيمة للوقف‪ ،‬ولم يظهر سبب ظاهر وال‬ ‫ا‬ ‫‪ -3‬وكذلك لو ادعى ناظر وقف أنه أنفق‬
‫بينات فإن دعواه ال تقبل‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫القاعدة تفيد أن اعتبار الممتنع عادة‪ ،‬هو اعتبار بالشك‪ ،‬واليقين هو عدم اعتباره إلحا اقا له‬
‫بالممتنع حقيقة‪ ،‬وعدم اعتبار الشك‪ ،‬واألخذ بما يفيد اليقين هو ما أفادته القاعدة الكبرى‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )142‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪34‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫[‪ ً]11‬قاعدة‪( :‬ما يثبت بيقني ال يرتفع إال بيقني)‬


‫(‪)1‬‬

‫مثل مفهوم المخالفة لنص القاعدة الكبرى‪.‬‬


‫هذه القاعدة من القواعد التي ُت ِّ‬
‫جازما فإنه يحكم ببقائه‪ ،‬وال ُيحكم بتغيره إال‬
‫ا‬ ‫ثبوتا‬
‫والمعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬أن ما ثبت ا‬
‫بأمر جازم بنفي هذا الثبوت‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -1‬لو دخل المكلف يف الصالة‪ ،‬ثم شك يف فعل مأمور من مأموراتها‪ ،‬فإنه يحكم بأنه لم يفعله‪،‬‬
‫وعليه أن يأتي به إن أمكن تداركه يف محله‪ ،‬أو يأتي بالركعة التي شك أنه تركه منها إن كان‬
‫ركنا‪ ،‬ويسجد للسهو‪ ،‬ألن شغل الذمة بذلك المأمور قد ثبت بيقين‪ ،‬فال يرتفع إال بيقين‪.‬‬ ‫ا‬
‫‪ -2‬لو وجبت الزكاة على شخص بعد بلوغ النصاب ومضي الحول‪ ،‬ثم شك يف مقدار الزكاة‬
‫هل هو ‪ 200‬أو ‪300‬؟ فإنه يخرج ‪ 300‬ألنه لو دفع ‪ 200‬فإن ذمته تبقى يف شك‪ ،‬لكن إذا دفع‬
‫‪ 300‬تبرأ ذمته بيقين‪.‬‬
‫‪ -3‬لو دخل شخص يف الطواف‪ ،‬ثم شك يف أثنائه هل طاف ستة أو سبعة أشواط؟ فإنه يحكم‬
‫بأنه لم يأت بالشوط السابع‪ ،‬وعليه اإلتيان به‪ ،‬وذلك ألن األشواط السبعة قد ثبتت يف‬
‫الذمة بيقين فال ترتفع إال بيقين‪.‬‬
‫‪ -4‬لو شك رجل هل طلق زوجته أو ال؟ فإنه ُيحكم بعدم وقوع الطالق‪ ،‬ألن النكاح ثبت‬
‫بيقين فال يرتفع إال بيقين‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫أفادت القاعدة الكبرى أن اليقين ال يزول بالشك‪ ،‬وأفادت هذه القاعدة بمفهوم المخالفة وهو‪:‬‬
‫أن اليقين يزول بما هو أقوى من الشك وهو اليقين‪.‬‬

‫[‪ ً]12‬قاعدة‪( :‬ال عربة للداللة يف مقابلة الترصيح)‬


‫(‪)2‬‬

‫مثل مفهوم المخالف لنص القاعدة‪.‬‬


‫هذه القاعدة من القواعد التي ُت ِّ‬
‫وهذه القاعدة تفيد بأنه‪ :‬ال عبرة بالداللة؛ سواء داللة الحال أو العرف‪ ،‬يف مقابل الترصيح وهو‬
‫القول‪ ،‬ورشط العمل بالقاعدة‪ ( :‬أن تتعارض الداللة مع ترصيح قائم غير متأخر) فإن تأخر الترصيح‬
‫وجاء بعد تمام األمر فال عبرة به‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )144‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )146‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫عدا للرشب‪ ،‬فتناوله ليرشب فوقع وانكرس‪ ،‬فإنه‬ ‫‪ -1‬لو دخل شخص دار شخص‪ ،‬ووجد إناء م ً‬
‫ال يضمن‪ ،‬ألنه مأذون له بداللة الحال‪ ،‬لكن لو رصح له صاحب الدار بمنعه من هذا اإلناء‪،‬‬
‫َّ‬
‫فإنه يضمن لو انكرس يف يده‪ ،‬ألنه ال عبرة بداللة الحال يف مقابلة الترصيح‪.‬‬
‫‪ -2‬لو استأجر شخص سيارة جرى العرف باستعمالها يف حمل األمتعة‪ ،‬فإنه يجوز له االنتفاع‬
‫بها يف ذلك‪ ،‬ألنه مأذون له بداللة العرف‪ ،‬لكن لو أرص المؤجر بمنعه من ذلك االستعمال‪،‬‬
‫َّ‬
‫فإنه ال يجوز للمستأجر أن يستمل السيارة يف ذلك‪ ،‬ألن اإلذن باستعمالها يف ذلك جاء‬
‫بطريق داللة العرف وعارضه الترصيح‪ ،‬وال عبرة بالداللة يف مقابلة الترصيح‪.‬‬
‫‪ -3‬لو قال الزوج لزوجته ال تتصدقي بشيء من مالي‪ ،‬فإنه ال يجوز لها أن تتصدق به‪ ،‬مع أن‬
‫دل بأن للزوجة أن تتصدق باليسير من مال زوجها دون إذنه‪ ،‬لكن هنا عارض‬ ‫العرف قد َّ‬
‫هذه الداللة ترصيح الزوج‪ ،‬وال عبرة بالداللة يف مقابلة الترصيح‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫أفادت القاعدة الكبرى أن اليقين ال يزول بالشك‪ ،‬وأفادت هذه القاعدة بمفهوم المخالفة وهو‪:‬‬
‫أن اليقين يزول بما هو أقوى من ال شك وهو اليقين‪ ،‬والداللة إذا لم يعارضها ترصيح فإنها تفيد‬
‫اليقين‪ ،‬فأما إذا عارضها ترصيح بخالفها فإن هذا الترصيح يفيد اليقين كذلك‪ ،‬وهو أقوى مما تفيده‬
‫الداللة‪ ،‬فيزول ويرتفع يقين الداللة بيقين الترصيح‪.‬‬

‫[‪ ً]13‬قاعدة‪( :‬ال حجة مع االحتامل الناشئ عن دليل)‬


‫(‪)1‬‬

‫مثل مفهوم المخالف لنص القاعدة‪.‬‬


‫هذه القاعدة من القواعد التي ُت ِّ‬
‫وهذه القاعدة تفيد بأنه‪ :‬ال حجة معتبرة وال قائمة مع االحتمال المستند إلى دليل‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫أقر شخص يف مرض موته ألحد ورثته بدين‪ ،‬فإن اإلقرار يعد حج اة يف األصل‪ ،‬ولكن‬ ‫‪ -1‬لو َّ‬
‫هذه الحجة قد عارضها احتمال‪ ،‬وهو إرادة النفع لبعض الورثة‪ ،‬وهذا االحتمال مستند‬
‫إلى دلي ٍل‪ ،‬وهو أن اإلقرار حصل يف مرض الموت‪ ،‬لذلك يبطل هذا اإلقرار وال ُيعتد به‪،‬‬
‫ألنه ال حجة مع االحتمال الناشئ عن دليل‪.‬‬
‫شخصا آخر يف بيع شيء يخصه‪ ،‬فباع الوكيل ذلك الشيء لقريبه‪ ،‬فإن البيع‬
‫ا‬ ‫شخص‬
‫ٌ‬ ‫‪ -2‬لو و َّكل‬
‫احتمال‪ ،‬وهو أن يقصد‬
‫ٌ‬ ‫يعتبر حجة على إثبات الملك يف األصل‪ ،‬لكن عارض هذا األصل‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )148‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪36‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫الوكيل بذلك البيع نفع قريبه‪ ،‬وهذا االحتمال مستند إلى دليل‪ ،‬وهو وجود القرابة‪ ،‬لذلك‬
‫يبطل البيع‪ ،‬ألنه ال حجة مع االحتمال الناشئ عن دليل‪.‬‬
‫‪ -3‬كذلك عدم قبول شهادة الفروع لألصول‪ ،‬وشهادة األصول للفروع‪ ،‬وكذلك شهادة‬
‫الزوجين لبعضهم‪.‬‬
‫■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫أفادت القاعدة الكبرى أن اليقين ال يزول بالشك‪ ،‬وأفادت هذه القاعدة بمفهوم المخالفة وهو‪:‬‬
‫أن اليقين يزول بما هو أقوى من الشك وهو اليقين‪ ،‬والقاعدة أفادت أن الحجة إذا لم يعارضها احتمال‬
‫فيعمل بها‪ ،‬أما إذا عارضها احتمال مستند إلى دليل فإنه يفيد اليقين‬
‫مستند إلى دليل فهي تفيد اليقين‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وهو أقوى مما تفيده الحجة‪ ،‬فيزول ويرتفع يقين الحجة بيقين االحتمال المستند إلى دليل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫[‪ ً]14‬قاعدة‪( :‬األصل يف الذبائح التحريم)‬


‫ألن العدم األصلي يفيد الحل‪ ،‬ولكنه نشأ بعد ورود‬ ‫وهذا األصل ال يخضع إلى العدم األصلي؛ ّ‬
‫الرشع‪ ،‬واشتراط الشارع لحل الذبائح أن يذكر اسم اهلل عليها عند الذبح‪ .‬فالذكاة الرشعية هي أساس‬
‫الحل بجعل الشارع‪ ،‬والحيوانات قبل ذلك خالية من التذكية المذكورة‪ ،‬فيكون األصل فيها أنها على‬
‫الحرمة‪ ،‬حتى يقوم دليل التذكية الرشعية المحللة ألكل لحومها‪ ،‬إن كانت من األنواع المسموح‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ۡ‬ ‫ََ َۡ ُ ُ ْ ا َۡ ُ ۡ َ ۡ ُ ا َ َۡ اُ َ‬
‫بأكلها‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَل تأكلوا مِما لم يذك ِر ٱسم ٱّلل ِ عليهِ ِإَونهۥ لفِسق} [األنعام‪ .]121:‬وقد َّ‬
‫عبر‬
‫بعض العلماء عن هذا األصل بقوله‪ :‬األصل يف اللحوم التحريم‪ ،‬أو األصل يف الحيوانات الحظر‪.‬‬
‫ألن ذلك مرشوط بعدم وجود‬
‫أن األصل يف المنافع الحل‪َّ ،‬‬
‫وال تدخل الذبائح أو اللحوم يف قاعدة َّ‬
‫دليل رشعي بشأنها‪ ،‬والذبائح جاءت أحكامها مف َّصلة بنصوص الشارع‪ ،‬ولم يحللها إال برشوط‬
‫معلومة كما ذكرنا‪.‬‬
‫محرم ومبيح ُغ ِّلب التحريم‪ ،‬فلو رمى‬ ‫ومن تطبيقات هذا األصل أنه إذا اجتمع يف الذبيحة سببان ِّ‬
‫شخص صيد اا فوقع يف ماء‪ ،‬فشك الرامي يف أمر ذلك الصيد‪ :‬هل مات بالجرح أو بالماء لم يحل له‬
‫ألن األصل تحريمه‪ ،‬وقد شك يف السبب المبيح‪ ،‬وكذلك لو خالط كل ُب ُه كالب اا أخر‪ ،‬ولم يدر‬ ‫أكله‪َّ ،‬‬
‫نماًسميتًعلىً‬
‫ّ‬ ‫أصاده كلبه أو كلب غيره‪ ،‬لم يحل له أكله للسبب المذكور‪ ،‬ولقوله ﷺ‪« :‬إنكًإ‬
‫يقين التحريم بالشك‪.‬‬
‫كلبكًولمًتسمًعلىًغيره»‪ .‬فال يزول ُ‬

‫أقرها الشيخ‪.‬‬
‫(‪ُ )1‬نقل الكالم بنصه من األوراق التي َّ‬
‫‪37‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫* أقسام الشك‬
‫ينقسم الشك إلى قسمين‪:‬‬
‫■ أقسام اشك باعتبار موضوعه‬
‫وهذا النوع ينقسم إلى ثالثة أرضب‪:‬‬
‫الرضب ًاألول‪( :‬الشك الطارئ على ما أصله اإلباحة)‪ ،‬يستصحب فيه األصل وهو اإلباحة‪،‬‬
‫كمن شك يف طهارة ماء أو حيوان‪ ،‬فاألصل فيه الحل والطهارة حتى تثبت النجاسة‪.‬‬
‫الرضبًالثاني‪( :‬الشك الطارئ على ما أصله التحريم)‪ ،‬كما لو شك المرء يف لح ٍم هل هو مذكى‬
‫ا‬
‫أو ال؟ وكذا إذا شك يف المرأة هل تحل له أو ال؟ أو ٍ‬
‫مال شك فيه هل هو مباح له أو ال؟ فاألصل التحريم‬
‫حتى يثبت الحل‪.‬‬
‫الرضب ًالثالث‪( :‬الشك الطارئ على ما ال يعلم له أصل)‪ ،‬وهذا يتصور يف معاملة من يف ماله‬
‫حالل وحرام‪ ،‬واختلط فيه الحالل بالحرام‪.‬‬
‫فإن كان يعلم عين الحرام = فال يجوز له التعامل معه فيه‪.‬‬
‫وإن كان ال يعلم عين الحرام = جاز له التعامل معه فيه‪.‬‬
‫والورع اجتنابه وهو الشبهة الواردة يف الحديث‪ ،‬وكل ما كثر الحرام قويت الشبهة‪ ،‬ويف الخبر‬
‫”دعًماًيريبكًإلىًماًالًيريبك“ وحديث‪” :‬الحاللًب ّينًوالحرامً ّبينًوبينهماًأمورًمشتبهات‪ً،‬فمنًاتقىً‬
‫ي‬
‫الشبهات؛ًفقدًاستبرأًلدينهًوعرضه“‪.‬‬
‫■ أقسام الشك باعتبار وقته‬
‫وهذا النوع ينقسم إلى رضبين‪:‬‬
‫األول‪( :‬الشك يف العبادة يف أثناءها) فحكمه أن األصل عدم فعل المشكوك فيه‪ ،‬ويجب عليه أن يأتي‬
‫به‪ .‬فمثالً‪ :‬إذا شك أنه غسل يده أو ال يف الوضوء فاألصل عدم الغسل ويجب عليها غسلها‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫الثاني‪( :‬الشك يف العبادة بعد الفراغ منها) فحكمه أنه ال أثر له وال يلتفت إليه‪ .‬فمثالً‪ :‬من فرغ‬
‫من الوضوء ثم شك هل مسح رأسه أو ال؟ فالظاهر أنه مسحه وال يلتفت لهذا الشك‪.‬‬
‫سبعا بعد أن ذهب للمخيم‪ ،‬فال يتلفت لهذا الشك الذي‬
‫شك هل رمى الجمار يف الحج س ًتا أو ا‬
‫أو َّ‬
‫طرأ عليه بعد الفراغ من العمل‪ .‬وذلك ألن الظاهر أنه أتى بالعبادة على وجه الصحة؛ وذلك ألنه ما‬
‫قطعا لباب الوسواس‪.‬‬‫ش ّك يف أثنائها‪ ،‬وكذلك ا‬
‫‪38‬‬ ‫القاعدة الكربى الثانية‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬

‫* فوائد وخمرجات قاعدة‪( :‬اليقني ال يزول بالشك)‬


‫أن لها منزلة عظيمة فيحتاج لها العالم والقاضي وطالب العلم والمكلف‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أنها تنسجم مع الفطرة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أنه يخرج عليها كثير من مسائل الفقه‪ ،‬بل قيل أن ثالثة أرباع الفقه أو أكثر تخرج على هذه‬ ‫‪-3‬‬
‫القاعدة‪ ،‬والفقهاء يذكرونها يف كتبهم من الطهارة إلى اإلقرار‪.‬‬
‫أنها قاعدة أصولية فقهية‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وسدا لباب الوسواس‪.‬‬ ‫أن فيها استقرا ارا للعبادات ً‬ ‫‪-5‬‬
‫أن مصادر التلقي عند المسلم ثابتة‪ ،‬فال يأخذ المسلم أحكامه من الشكوك واألوهام‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فالقاعدة عند المسلم أن (اليقين ال يزول بالشك)‪.‬‬

‫ً**‬ ‫ً**‬ ‫**‬


‫القاعدة الكبرى الثالثة‪:‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫(املشقة جتلب التيسري)‬
‫ا لقاعد ة ا لكبر ى ا لثا لثة‪( :‬ا لمشقة تجلب ا لتي سير)‬

‫* معنى القاعدة‬
‫(المشقة) يف اللغة الصعوبة والشدة والتعب والعناء‪ ،‬ففي أصلها (الشين والقاف) تدل على‬
‫الصعوبة والشدة‪ ،‬والمراد بها يف القاعدة‪ :‬المشقة الخارجة عن المعتاد عند القيام بالتكاليف الرشعية‪.‬‬
‫(تجلب) الجلب‪ :‬سوق الشيء واإلتيان به من موضع إلى موضع‪ ،‬والمراد هنا أن المشقة تكون‬
‫اليرس وهو السهولة واللين‪ ،‬والمراد‪ :‬التسهيل والتخفيف بعم ٍل‬‫سببا يف حصول التيسير‪( .‬التيسير) من ُ‬‫ا‬
‫ال ُيجهد النفس‪ ،‬وال ُيثقل الحسم‪ ،‬بحسب ما تقتضيه أحكام الرخص‪.‬‬
‫المعنى ًاإلجمالي ًللقاعدة‪ :‬أن الصعوبة والشدة التي يجدها المكلف عند تنفيذ األحكام‬
‫سببا يف التخفيف والتيسير عنه‪.‬‬
‫الرشعية إذا كانت ‪-‬أي المشقة‪ -‬خارجة عن المعتاد فإنها تكون ا‬
‫* أقسام املشقة‬
‫المشقة تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬مشقةًالًتنفكًعنهاًالعبادةًغالبا‪ :‬مثل مشقة الوضوء بالماء البارد يف الشتاء‪ ،‬ومشقة الصوم‬
‫يف النهار الطويل يف الصيف‪ ،‬والمشقة المصاحبة يف السفر للحج‪ ،‬والمشقة المصاحبة‬
‫غالبا‪ ،‬والًأثرًلهاًيفًالتخفيف‪.‬‬
‫للجهاد‪ ،‬فهذه مشاق ال تنفك عن العبادة ا‬
‫‪ -2‬مشقةًتنفكًعنًالعبادةًغالبا‪ :‬وهذه على ثالث مراتب‪:‬‬
‫أ‪ .‬مشقةًعظيمة‪ :‬كمشقة الخوف على النفس‪ ،‬أو على عضو من األعضاء‪ ،‬أو منفعة من‬
‫قطعا‪.‬‬
‫المنافع كالسمع‪ ،‬أو الخوف على العرض أو المال‪ ،‬فهذه موجبة للتخفيف ا‬
‫ب‪ .‬مشقة ًيسيرة‪ :‬كالصداع اليسير‪ ،‬والجرح اليسير يف اإلصبع‪ ،‬فهذه ال أثر لها يف‬
‫التخفيف‪ ،‬فتحصيل مصلحة العبادة أولى من مراعاة هذه المشقة‪.‬‬
‫ج‪ .‬مشقةًواقعةًبينًهاتينًالمشقتين‪ :‬وحكمها أنه ينظر فيها فما دنا منها من المرتبة‬
‫العليا ُألحق بها‪ ،‬وما دنا منها من المرتبة الدنيا ُألحق بها‪.‬‬
‫ويقسمون المشاق إلى قسمين‪ :‬مشقةًمعتادة وهذه ال أثر لها يف‬ ‫وهناك منهج آخر يف التقسيم‪ِّ ،‬‬
‫التخفيف‪ .‬ومشقةًخارجة عن المعتاد وهذه لها أثر‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )152‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫وهذه القاعدة لها مراجع متعددة‪ :‬ككتب القواعد‪ ،‬وكتب األشباه والنظائر‪ ،‬وفيها بحوث ـك(قاعدة المشقة تجلب التيسير) لصالح‬
‫الموسى‪ ،‬ورسالة (رفع الحرج) ليعقوب الباحسين‪ ،‬ولصالح بن حميد كذلك‪ ،‬وهناك أبحاث يف المجالت العلمية عنها وعن‬
‫اليرس‪ ،‬وكتب السنة ورشوح األحاديث‪.‬‬‫أيضا كتب التفسير‪ ،‬يف اآليات التي وردت يف أن هذه الرشيعة مبنية على ُ‬
‫تطبيقات لها‪ ،‬ا‬
‫‪40‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫■ أدلة القاعدة‬
‫فأما ًمنًالكتاب‪ ،‬فهناك أدلة كثيرة‬ ‫دل عليها أدلة من الكتاب والسنة واإلجماع‪َّ ،‬‬ ‫هذه القاعدة َّ‬
‫اليرس ورفع الحرج‪ ،‬ومنها أدلة تدل على الرخص‪ ،‬وكلها‬ ‫تدل على أن أصل هذه الرشيعة مبنية على ُ‬
‫أدلة لهذه القاعدة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫س َو ََل يُ ُ ُ ُ ۡ ُ ۡ َ‬
‫ريد بِكم ٱلعس} [البقرة‪.]185:‬‬
‫ك ُم ٱ ۡليُ ۡ َ‬ ‫ُ ُ اُ ُ‬
‫ِ‬ ‫‪ -1‬قوله ╡‪{ :‬ي ِريد ٱّلل ب ِ‬
‫َ‬
‫ََ َ ََ َ ۡ ُ ۡ‬
‫ِين م ِۡن َح َر ٖج} [الحج‪( ،]78:‬حرج) هنا نكرة يف‬ ‫د‬
‫‪ -2‬وقوله ╡‪{ :‬وما جعل عليكم ِِف ٱل ِ‬
‫سياق النفي فيفيد العموم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫يد ٱ ا ُ‬
‫ّلل ِ َل ۡج َعل عل ۡيكم دم ِۡن َح َر ٖج} [المائدة‪.]6:‬‬ ‫‪ -3‬وقوله ╡‪َ { :‬ما يُر ُ‬
‫ِ‬
‫ُۡ ََ‬ ‫ا‬ ‫ُ ً‬‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪ -4‬وقوله ╡‪َ{ :‬ل يكل ِف ٱّلل نفسا إَِل وسعها} [البقرة‪.]286:‬‬
‫ُ ُ ا ُ َ ُ َ د َ َ ُ ۡ َ ُ َ ۡ َ َٰ ُ َ ٗ‬
‫ۡلنسن ضعِيفا} [النساء‪.]28:‬‬ ‫‪ -5‬وقوله ╡‪{ :‬ي ِريد ٱّلل أن ُي ِفف عنكم وخل ِق ٱ ِ‬
‫اُ َ ُ ۡ‬ ‫ۡ َ َا َ‬
‫‪ -6‬وقوله ╡‪{ :‬ٱلَٰٔـن خفف ٱّلل عنكم} [األنفال‪.]66:‬‬
‫‪ٞ‬‬ ‫اۡ َ ََ َۡۡ َ َ َ ‪ۡ ََ ََ ٞ َ َ َ َۡۡ ََ ََ ٞ‬‬
‫يض َح َرج}‬ ‫َ‬
‫َم حرج وَل لَع ٱۡلعر ِج حرج وَل لَع ٱل ِ ِ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫‪ -7‬وقوله ╡‪{ :‬ليس لَع ٱۡلع َٰ‬
‫[النور‪.]61:‬‬
‫َُ‬ ‫ُ ا ً َ ۡ َ َ َ َ َ ا ‪ ٞ‬د ۡ اَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ر فعِدة مِن أيا ٍم أخ َر} [البقرة‪.]184:‬‬ ‫َٰ‬
‫‪ -8‬وقوله ╡‪{ :‬فمن َكن مِنكم م ِريضا أو لَع سف ٖ‬
‫‪ -9‬وقوله ╡‪{ :‬فَلَ ۡم َ ُ ْ َ ٓ ٗ َ َ َ ا ُ ْ َ ٗ َ د ٗ‬
‫َتدوا ماء فتيمموا صعِيدا طيِبا} [المائدة‪.]6:‬‬ ‫ِ‬
‫اليرس‪ ،‬وأن اهلل ال يكلف اإلنسان فوق طاقته‪،‬‬
‫فهذه أدلة تدل على أن هذه الرشيعة مبنية على ُ‬
‫وأنه إذا ُوجدت مشاق طارئة فإن الشارع يخفف عن المكلف حتى يستطيع أن يأتي باألحكام‪.‬‬
‫وأماًمنًالسنة‪ ،‬فهناك أدلة كثيرة منها‪:‬‬
‫قوله ﷺ‪ُ ” :‬بعثتًبالحنيفيةًالسمحة“‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وقوله ﷺ‪ ” :‬عليكمًهدياًقاصدا‪ً،‬عليكمًهدياًقاصدا‪ً،‬عليكمًهدياًقاصدا“ً‬ ‫‪-2‬‬
‫ًاهللًحتىًتم ُّلواً“‪.‬‬
‫الًي َم ُّل ُ‬
‫طيقون‪ً،‬فواهللً َ‬
‫َ‬ ‫وقوله ﷺ‪ ”ً:‬عليكمًبماً ًُت‬ ‫‪-3‬‬
‫واًوالًتنفروا“‪.‬‬
‫ي‬ ‫وا‪ً،‬وبرش‬
‫ي‬ ‫واًوالًتعِّس‬
‫ي‬ ‫يِّس‬
‫وقوله ﷺ‪ ” :‬ي‬ ‫‪-4‬‬
‫إثما‪.‬‬
‫وما ُخ ّير النبي ﷺ بين أمرين إال اختار أيرسهما ما لم يكن ا‬ ‫‪-5‬‬
‫قائدا لغزوة ذات‬
‫ا‬ ‫ومن األدلة التطبيقية ما جاء يف حديث عمرو بن العاص ☺ وكان‬ ‫‪-6‬‬
‫السالسل ويف ليلة باردة أصابته جنابة‪ ،‬فتيمم وصلى بأصحابه الصبح‪ ،‬فلما رجعوا ذكروا‬
‫تذكرت‬
‫ُ‬ ‫ذلك للنبي ﷺ فقال‪ ” :‬ياًعمروًصليتًبأصحابكًوأنتًجنب؟“ فقال‪:‬‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َۡ ُ ُ ْٓ َ ُ َ ُ ۡ ا اَ َ َ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وَل تقتلوا أنفسكم إِن ٱّلل َكن بِكم رحِيما} [النساء‪ ،]29:‬فضحك‬
‫يئا‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ ولم يقل ش ا‬
‫‪41‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫فشجه‪ ،‬ثم إنه احتلم‪ ،‬فسأل‬


‫حجر َّ‬‫رجال ٌ‬ ‫‪ -7‬وورد يف حديث آخر أن جماعة كانوا يف سفر فأصاب ا‬
‫أصحابه هل يجدون له رخصة يف التيمم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال نجد لك رخصة‪ ،‬فاغتسل فمات‪ ،‬فلما‬
‫رجعوا ذكروا ذلك للنبي ﷺ‪ ،‬فقال‪” :‬قتلوهًقتلهمًاهلل‪ً،‬أالًسألواًإذًلمًيعلموا‪ً،‬فإنماً‬
‫شفاءًالعيًالسؤال“‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأيضا العلماء عملوا بهذه القاعدة‪،‬‬‫ا‬ ‫فالقاعدة دلت عليها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة‪،‬‬
‫وأجمعوا على أن الحرج مرفوع يف هذه الرشيعة‪.‬‬

‫* مكانة هذه القاعدة‬


‫هذه القاعدة لها مكانة كبيرة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ومما يدل على مكانتها‪ ،‬ما تقدم من األدلة‬
‫يتخر ج جميع رخص‬ ‫َّ‬ ‫الكثيرة الدالة على ذلك‪ ،‬ومنها أن العلماء ذكروا أنه على هذه القاعدة‬
‫الرشع وتخفيفاته‪ ،‬وإذا نظرنا إلى األبواب الفقهية ن ج د أن المسائل التي ترجع إلى هذه القاعدة‬
‫كثيرة‪ ،‬بل يمكن أن نقول‪ :‬إن المسائل إما أن تكون من باب العزائم‪ ،‬أو من باب الرخص‪ ،‬والتي‬
‫من باب الرخص ترجع إلى هذه القاعدة‪ ،‬ففي باب الطهارة العزيمة أن يتطهر بالماء‪ ،‬فإن لم‬
‫يستطع أو لم يجده انتقل إلى بدله وهو التيمم‪ ،‬وغيرها من المسائل يف أبواب الصالة والصيام‬
‫والحج وغيرها‪.‬‬
‫فهذه القاعدة فيها روح هذه الرشيعة‪ ،‬وسمة ظاهرة من سماها أال وهو الرحمة والتيسير والشفقة‬
‫على المكلفين‪.‬‬

‫* أسباب التخفيف‬
‫هناك أمور إذا وجدت فإن الشارع ُيخفف عن المكلف‪ ،‬ومن األسباب‪:‬‬
‫ُ ا ً َ‬
‫لَع َس َفر فَعِ اد ة ‪ ٞ‬دمِنۡ‬ ‫يضا أ ۡو َ َ َٰ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ِنك‬ ‫م‬ ‫ن‬
‫َ َ َ َ‬
‫‪ -1‬السفر‪ :‬ويدل عليه قوله ╡‪{ :‬فمن َك‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫أياا ٍم أخ َر}[البقرة‪ ، ]184:‬والرخص المتعلقة بالسفر متعددة‪ ،‬كقرص الرباعية‪ ،‬والجمع‬
‫بين الصالتين‪ ،‬والفطر للصائم‪ ،‬والمسح على الخف ثالثة أيام بلياليها‪ ،‬وصالة‬
‫النافلة على الراحلة‪.‬‬
‫‪ -2‬المرض‪ :‬وهي حالة تعتري اإلنسان تخرجه عن االعتدال الطبيعي‪ ،‬وهو من أسباب‬
‫ُ ا ً َ‬
‫يضا أ ۡو َ َ َٰ‬
‫لَع َس َفر فَ ِع ادة ‪ ٞ‬دمِنۡ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ِنك‬ ‫م‬ ‫ن‬
‫ََ َ َ‬
‫التخفيف‪ ،‬ويدل عليه قوله ╡‪{ :‬فمن َك‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َا ُ َ‬
‫أيا ٍم أخر}[البقرة‪ ،]184:‬فخفف عنه بعض األحكام‪ ،‬مثل الصالة حسب االستطاعة‪،‬‬
‫والفطر للصائم‪ ،‬وسقوط الجهاد عنه إذا كان ال يستطيع‪ ،‬والحج إن كان ال يستطيع أن‬
‫أحدا مقامه‪.‬‬
‫يثبت على الراحلة بأن يستنيب غيره ويقيم ا‬
‫‪42‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫النسيان‪ :‬وهو ذهول اإلنسان عما كان يعلمه من قبل‪ ،‬ويدل عليه قوله ╡‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ا َٓ َۡ َ ۡ َ َۡ‬ ‫َ َ َُ ۡ َٓ‬
‫س ين ا أ و أ خ ط أ ن ا } [البقرة‪ ، ]286 :‬وقد جاء يف الحديث أن‬ ‫{ َر با ن ا َل ت ؤاخِذ ن ا إ ِن ن ِ‬
‫اهلل قال‪ ” :‬قدًفعلت“ ‪ ،‬وقول النبي ﷺ‪ ” :‬رفعًعنًأمتيًالخطأًوالنسيانًوماً‬
‫معدوم ا‪ ،‬وال يجعل‬ ‫ا‬ ‫استكرهواًعليه“ ‪ ،‬وال قاعدة يف النسيان‪ :‬أنه يجعل الموجود‬
‫موجود ا‪.‬‬
‫ا‬ ‫المعدوم‬
‫منهيا عنه‬
‫معدوما) هو ما كان من باب النواهي‪ ،‬فإذا ارتكب ا‬ ‫ا‬ ‫وقولنا‪( :‬أن يجعل الموجود‬
‫طيبا أو غطى رأسه‬ ‫مس ا‬ ‫ناسيا فهو يف حكم المعدوم‪ ،‬كما لو أكل ناسيا وهو صائم‪ ،‬أو َّ‬ ‫ا‬
‫وهو محرم‪.‬‬
‫موجودا) والمقصود ما كان من باب األوامر‪ ،‬فإذا نسي‬ ‫ا‬ ‫وقولنا‪( :‬وال يجعل المعدوم‬
‫مأمورا من المأمورات فال يجعله يف حكم الموجود بل يجب عليه أن يأتي به أو ببدله إن‬ ‫ا‬
‫كان له بدل‪.‬‬
‫د‬ ‫ُ‬
‫الجهل ‪ :‬وهو عدم العلم بالشيء‪ ،‬ويدل عليه قوله ╡‪َ { :‬و َم ا ك نا ا ُم َع ِذ ب َ‬
‫ت‬‫ح ا َٰ‬
‫ني َ‬
‫ِ‬ ‫‪-4‬‬
‫ٗ‬ ‫َ َ‬
‫ن بۡ َع ث َر ُس وَل } [اإلرساء‪ ،]15:‬ولحديث المسيء يف صالته حيث أن النبي ﷺ‬
‫ًفإنكًلمًتصلً“ كررها ثالثا ا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال أحسن‬ ‫ي‬ ‫ارجعًفصل‬
‫ي‬ ‫لما رآه يصلي قال‪” :‬‬
‫غيرها‪ ،‬فعلمه النبي ﷺ ‪ ،‬ولم يأمره بإعادة الصلوات السابقة‪ ،‬مما يدل على‬
‫أن الجهل عذر‪.‬‬
‫فر ط يف التعلم‪ ،‬فال يعتبر‬ ‫عذر ا إذا لم يتمكن من العلم‪ ،‬أما إذا َّ‬‫ا‬ ‫والجهل يعتبر‬
‫شخص ا بين‬‫ا‬ ‫أن‬‫عذر ا‪ ،‬أو ك ان يف موضع ال يتصور منه الجهل‪ ،‬مثل لو َّ‬ ‫ا‬ ‫الجهل‬
‫المسلمين ويف حارضتهم‪ ،‬وادعى الجهل بأن الخمر حرام‪ ،‬فال يقبل منه‪ .‬أما لو كان‬
‫هذا االدعاء من شخص حديث العهد باإلسالم أو يف بادية ب عيدة عن الناس‪ ،‬فهذا‬
‫يقبل منه الجهل‪.‬‬
‫الع ِّسًوعمومًالبلوى‪ ً:‬والمراد به ما يشق التحرز عنه ‪ ،‬أو ما يشق االستغناء منه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫ومسائله كثيرة‪ ،‬من ذلك‪ :‬العفو عن طين الشوارع من وجوب التطهر منه خشية‬
‫وجود النجاسة يف الطين ‪ ،‬والعفو عن أثر االستجمار‪ ،‬والعفو عن الصديد الذي‬
‫يخرج م ن القروح لمشقة التحرز‪ ،‬ومنه جواز مس الصبيان للمصحف من غير‬
‫طهارة‪.‬‬
‫بتخويف يقدر الحامل على‬ ‫ٍ‬ ‫اإلكراه‪ :‬وهو حمل الغير على ما ال يريده وال يرضاه‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫قادرا على تنفيذ ما ه َّدد به‪ ،‬وأن يغلب على ظن‬ ‫إيقاعه‪ ،‬له رشوط هي‪ :‬أن يكون المكره ا‬
‫المكره أن المكره سينفذ ما ه َّدد به‪ ،‬وأن يكون اإلكراه بغير حق‪ ،‬وأن يكون اإلكراه مما‬
‫يلحق رضرا بالمكره‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬
‫َۡ‬ ‫ُ ۡ‬ ‫ا‬
‫وه و من أسباب التخفيف لقوله ╡‪ { :‬إ َِل َم ۡن أ ك رِه َ َوق ل بُ ُه ۥ ُم ۡط َم ئ ِ ُّن‬
‫ٱۡل َ‬ ‫ۡ‬
‫يم َٰ ِن } [النحل‪ ، ]106:‬وقوله ﷺ‪ ” :‬رفع ًعن ًأمتي ًالخطأ ًوالنسيان ًوماً‬ ‫بِ ِ‬
‫ب يف فمه ماء وهو صائم لم يبطل‬ ‫وص َّ‬‫استكرهواًعليه“ ‪ ،‬وعلى هذا فلو أُ كر ه رجل ُ‬
‫ب يف فمه خمر لم ُي ق م عل يه الحد‪ ،‬أو أُ كر ه على البيع أو طالق زوجته‬ ‫صومه‪ ،‬أو ُص َّ‬
‫فإنه ال يترتب عليه آثاره‪.‬‬
‫الص َغ ر ‪،‬‬ ‫‪ - 7‬النقص‪ً :‬والنقص الذي يعتري اإلنسان قد يكون سببه فق ُد العقل ‪ ،‬أو ي‬
‫فالمجنون والصغير خفف الشارع عنهم األحك ام‪ ،‬وقد يكون سببه األنوثة‬
‫فالشارع خفف عن المرأة بعض األحكام كإسقاط الصالة عنه ا أيام ال حيض‪ ،‬ولم‬
‫يوجب عليها الجمعة والجماعة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وقد يكون بسبب الرق فالعبد خفف‬
‫الشارع عنه بعض األحكام‪.‬‬
‫ا َ َ ُ َ ۡ َ ٓ ا َ ٓ َ َ ۡ َۡ‬
‫‪ -8‬الخطأ‪ :‬ويدل عليه قوله ╡‪َ { :‬ربنا َل تؤاخِذنا إِن نسِينا أ ۡو أخ َطأنا} [البقرة‪.]286:‬‬
‫‪ -9‬المطر‪.‬‬
‫ي‬
‫الك َبر‪.‬‬ ‫‪-10‬‬

‫* أنواع التخفيفات يف الرشع‬


‫التخفيفات أنواع‪:‬‬
‫تخفيفًإسقاط‪ً:‬مثل‪ :‬إسقاط الصالة عن الحائض‪ ،‬وإسقاط الجمعة والجماعة عن أهل‬ ‫‪-1‬‬
‫األعذار‪.‬‬
‫تخفيفًتنقيص‪ :‬مثل‪ :‬قرص الرباعية إلى ركعتين‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تخفيفًإلىًبدلًأخفًمنه‪ :‬مثل‪ :‬االنتقال يف الطهارة من الماء إلى التيمم‪ ،‬أو من الصيام‬ ‫‪-3‬‬
‫إلى اإلطعام‪.‬‬
‫تخفيفًتقديم‪ً:‬مثل‪ :‬الجمع بين الصالتين جمع تقديم‪ ،‬وتقديم الزكاة قبل وقتها بعام‬ ‫‪-4‬‬
‫أو عامين‪ ،‬وتقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو بيومين‪.‬‬
‫تخفيفًتأخير‪ :‬مثل‪ :‬الجمع بين الصالتين جمع تأخير‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫تخفيفًترخيص‪ :‬مثل‪ :‬األكل من الميتة عند المجاعة‪ ،‬ومثل العفو عن أثر االستجمار‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫تخفيفًتغيير‪ :‬مثل‪ :‬تغيير نظم صالة الخوف‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫تخفيفًتخيير‪ :‬مثل‪ :‬التخفيف يف كفارة اليمين بين اإلطعام والكسوة والعتق‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪44‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫(‪)1‬‬
‫القواعد الفرعية‬
‫يندرج تحتها جملة من القواعد‪ ،‬وقد سبق بيان العالقة بين القواعد الفرعية وبين القواعد‬
‫الكبرى (انظر ـص‪ ،)16‬فمن القواعد المتفرعة عن قاعدة (المشقة تجلب التيسير)‪:‬‬

‫(‪)2‬‬‫قاعدة‪( :‬إذا ضاق األمر اتسع‪ ،‬وإذا اتسع األمر ضاق)‬ ‫[‪ً]1‬‬
‫شقين‪:‬‬
‫هذه القاعدة مكونة من َّ‬
‫‪( -‬إذا ضاق األمر اتسع)‪.‬‬
‫‪( -‬وإذا اتسع األمر ضاق)‪.‬‬
‫وهذه القاعدة منهم من ينسبها لإلمام الشافعي ☼‪ ،‬وهي تدل على أنه إذا حصل لإلنسان ضيق‬
‫يوسع عليه‪ ،‬فإذا عاد الوضع وزالت المشقة‪ ،‬فإنه يعود للحكم األصلي‬‫وحرج ومشقة‪ ،‬فإن الشارع ِّ‬
‫الذي ُخ ِّفف من قبل‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫يستدلون للقاعدة بأدلة منها‪:‬‬
‫َۡ ُ ُ ْ َ ا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ۡ ِ ََۡ َ َ َۡ ُ‬
‫ۡ‬
‫ٱلصل َٰوة ِ إِن‬ ‫ج نَ ٌ‬
‫اح أن تقُص وا مِن‬ ‫ك ۡم ُ‬ ‫قوله ╡‪ِ{ :‬إَوذَا َ َ‬
‫َض ۡبتُ ۡم ِِف ٱۡلۡرض فليس علي‬
‫ُ‬ ‫ۡ ُۡۡ َ َۡ َ ُ‬ ‫ۡ ُ ۡ َ َۡ َ ُ ُ ا َ َ َ ُ ْٓ‬
‫خِف تم أن يفت ِنكم ٱَّلِين كفر وا} [النساء‪ ،]101:‬وقوله‪{ :‬إِن خِفتم أن يف تِنكم } يدل على أن‬
‫من يرضب يف األرض يباح له القرص إذا خاف‪ ،‬وقد دلَّت األدلة بعد ذلك أن القرص يجوز يف حالة‬
‫األمن‪.‬‬
‫قوما قدموا إلى المدينة زمن األضاحي‪ ،‬وكانوا يف حالة فقر‬‫ومما يدل على هذه القاعدة‪ :‬أن ا‬
‫وشدة‪ ،‬فنهى النبي ﷺ الناس أن يدخروا لحوم األضاحي فوق ثالث ‪-‬أي‪ :‬ثالثة أيام‪ -‬وذلك من‬
‫أجل التوسعة على هؤالء الفقراء‪ ،‬ولما جاء العام القادم لم يدخروا‪ ،‬وسألهم النبي ﷺ عن‬
‫السبب‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنك نهيتنا عن االدخار‪ ،‬فقال‪” :‬إنما ًنهيتكم ًمن ًأجل ًالدافة‪ً ،‬فكلوا ًوتصدقواً‬
‫وسع عليهم‪ ،‬فلما تحسنت أحوالهم عاد‬ ‫وادخروا“‪ ،‬فالنبي ﷺ لما رأى ما هم فيه من ضيق َّ‬
‫الحكم األصلي‪ ،‬وهو جواز االدخار‪.‬‬

‫(‪ )1‬يندرج تحت قاعدة (المشقة تجلب التيسير) ‪ 5‬قواعد‪:‬‬


‫‪ .2‬الرضورات تبيح المحظورات‪.‬‬ ‫‪ .1‬إذا ضاق األمر اتسع‪ ،‬وإذا اتسع األمر ضاق‪.‬‬
‫تنزل منزلة الرضورة عامة كانت أو خاصة‪.‬‬
‫‪ .4‬الحاجة َّ‬ ‫تقدر بقدرها‪.‬‬
‫‪ .3‬الرضورة َّ‬
‫‪ .5‬االضطرار ال يبطل حق الغير‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )167‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -1‬أن المرأة إذا فقدت محرمها يف السفر‪ ،‬وقد أمضت مسافة طويلة يف السفر‪ ،‬فإنه يجوز لها‬
‫أن تمضي يف سفرها هذا‪ ،‬وتو ِّلي من فيه صالح‪ ،‬وقد سئل اإلمام الشافعي ☼ عن هذا‬
‫وقال‪( :‬إذا ضاق األمر اتسع)‪.‬‬
‫سة ٖ}‪ ،‬فال يجوز لصاحب‬ ‫‪ -2‬أن المدين إذا كان معرسا فإنه ينظر إلى ميرسة‪َ { ،‬ف َن ِظ َرةٌ إ َ َٰل َم ۡي َ َ‬
‫ِ‬ ‫ا‬
‫معرسا‪ ،‬بل ينظر‪ ،‬وهذا تحت قاعدة‬ ‫ا‬ ‫الدين أن يلجئه ويالزمه‪ ،‬وال أن يطالب بسجنه ما دام‬
‫إذا ضاق األمر اتسع‪ ،‬فإذا استطاع فإنه يجب عليه الوفاء ألن األمر إذا اتسع ضاق‪.‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫منهم من قال أنها بمعنى القاعدة الكبرى‪ ،‬فالشق األول منها (إذا ضاق األمر اتسع) يفيد بأن‬
‫حصول المشقة يف أم ٍر من األمور ُيعد ا‬
‫سببا لحصول التيسير‪ ،‬وهذا ما تفيده القاعدة الكبرى‪ ،‬وعلى هذا‬
‫تكون أدلتها هو ما سبق يف القاعدة الكبرى‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬الرضورات تبيح املحظورات)‬ ‫[‪ً]2‬‬


‫(الرضورات) جمع رضورة‪ ،‬وهي الحالة التي إذا لم يستجب لها اإلنسان ل ُخشي عليه الهالك‪،‬‬
‫رخص‪( ،‬المحظورات) جمع محظور‪ ،‬وهو المنهي عنه‪.‬‬ ‫(تبيح) أي‪ُ :‬ت ِّ‬
‫والمعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬أن اإلنسان إذا وصل به الحال أن يكون يف حال رضورة ويخشى‬
‫رخص له بارتكاب المحظور‪.‬‬ ‫على نفسه الهالك‪ ،‬فإنه ُي َّ‬
‫والرضورة تكون بسبب ما يخشاه‪ :‬من هالك النفس‪ ،‬أو من الرضوريات الخمس الكبرى‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫ّلل َغ ُفور‪ ٞ‬ارح ‪ٞ‬‬ ‫د‬
‫جان ِف ِۡلثۡم فَإ ان ٱ ا َ‬ ‫ََۡ َ ََۡ َُ َ‬ ‫ۡ ُ ا‬ ‫ََ‬
‫ِيم} [المائدة‪.]3:‬‬ ‫قوله ╡‪{ :‬فم ِن ٱضطر ِِف ُممص ٍة غۡي مت ٖ ِ ٖ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ََ ُ ا‬ ‫َ َ َ َ ُ‬
‫وقوله ╡‪َ { :‬وق ۡد ف اصل لكم اما َح ار َم عل ۡيك ۡم إَِل َما ٱض ُط ِر ۡرت ۡم إ ِ ۡلهِ} [األنعام‪.]119:‬‬
‫َ‬ ‫ا َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َ ُّ ۡ‬
‫َٰ‬
‫وقوله ╡‪{ :‬إَِل من أك ِره وقلبهۥ مطمئِن ب ِٱ ِۡليم ِن} [النحل‪.]106:‬‬

‫■ رشوط إعامل القاعدة‬


‫هذه القاعدة ليست على إطالقها‪ ،‬بل الرضورة التي تبيح المحظور لها رشوط وقيود منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون الرضورة حقيقية ال وهمية‪ ،‬كمن توهم وجود العدو فليس له أن يصلي صالة‬
‫الخوف‪.‬‬
‫تقدر الرضورة بقدرها‪ ،‬فيأخذ ما يدفع رضورته‪ ،‬وال يتوسع يف ذلك‪ ،‬فمن اضطر لألكل‬
‫‪ -2‬أن َّ‬
‫من الميتة‪ ،‬أكل ما يسد رمقه‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )170‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪46‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫‪ -3‬أن من اضطر إلى إتالف مال غيره‪ ،‬فإنه يجب عليه ضمانه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تكون الرضورة أشد من المحظور‪ ،‬لذلك قالوا‪( :‬برشط أن يكون المحظور أدنى من‬
‫الرضورة)‪ ،‬أما إذا كان المحظور أشد فليس له الترخص يف ذلك‪ ،‬فليس لإلنسان أن يكفر‬
‫باهلل إذا أكره‪ ،‬بل له التلفظ به فقط وقلبه مطمئن باإليمان‪ ،‬ومثل‪ :‬قتل المعصوم‪ ،‬والزنا‪،‬‬
‫ورضب الوالدين‪ ،‬ليس ألحد أن يترخص بها‪.‬‬
‫مباحا أخذ به‪.‬‬
‫ا‬ ‫سبيال‬
‫مباحا يدفع به رضورته‪ ،‬فإن وجد ا‬
‫ا‬ ‫سبيال‬
‫‪ -5‬أن ال يجد ا‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫أن من وصل به الحال من المجاعة حتى خشي على نفسه الهالك‪ ،‬ولم يجد إال ميتة‪ ،‬فإنه‬ ‫‪-1‬‬
‫يجوز له أكلها ليدفع عن نفسه الهالك‪.‬‬
‫أن من ُأكره على الكفر فإنه يجوز له التلفظ بالكفر‪ ،‬وقلبه مطمئن باإليمان‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أنه إذا احتاج المريض لكشف عورته للعالج جاز له ذلك‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫طببها رجل‪.‬‬
‫طب ُبها‪ ،‬فيجوز أن ُي ِّ‬
‫والمرأة إذا لم تجد امرأة ُت ِّ‬ ‫‪-4‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه ال قاعدة بمعنى القاعدة الكبرى‪ ،‬فهي أفادت أن الرضورة التي هي أعلى درجات المشقة‬
‫ُيرشع عندها األخذ باأليرس‪ ،‬ولو كان ذلك باستباحة المحرم‪ ،‬وهذا ما تفيده القاعدة الكبرى‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫قاعدة‪( :‬الرضورة تقدَّ ر بقدرها)‬ ‫[‪ً]3‬‬


‫مقيدة للقاعدة السابقة‪ ،‬هذه هي العالقة بينهما‪.‬‬
‫هذه القاعدة ِّ‬
‫والمعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬أن من اضطر إلى ارتكاب محظور‪ ،‬فإنه ُي َّرخص بما يدفع رضورته‬
‫وال يتوسع بذلك وال يتجاوز‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫من اضطر لألكل من الميتة أكل ما يسد رمقه‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫من اضطر لكشف العورة للعالج فإنه يكشف بقدر الحاجة وال يتجاوز‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الطبيب إذا جاز له النظر فإنه ينظر بقدر الحاجة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫استشير يف الخطبة فإنه يجيب بقدر الحاجة وال يتوسع‪ ،‬هذا إن كان يكفيه‬ ‫الخاطب إذا ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الجواب المجمل‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )174‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪47‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫خرصا‪،‬‬
‫ا‬ ‫* يستثنى من هذه القاعدة ًمسألةًالعرايا‪ :‬وهي بيع الرطب يف رؤوس النخل بالتمر‬
‫األصل أنه ال يجوز لكن أبيحت للفقراء‪ ،‬ثم جازت لألغنياء يف األصح‪.‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة قيد لقاعدة‪( :‬الرضورات تبيح المحظورات)‪ ،‬وهي بمعنى الشق الثاني من القاعدة‬
‫[‪ ،]1‬وهو قولهم‪( :‬وإذا اتسع األمر ضاق)‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬االضطرار ال يبطل حق الغري)‬ ‫[‪ً]4‬‬


‫المعنىًاإلجماليًالقاعدة‪ :‬أن من كان يف حالة اضطرار ولم يجد إال حق الغير‪ ،‬فإنه يباح له أن‬
‫يدفع رضورته به‪ ،‬وعليه الضمان‪ .‬وهذه القاعدة عند الحنفية بهذه الصياغة‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫إنسانا يف مجاعة ولم يجد إال حيوان غيره‪ ،‬فإنه يجوز له أن يذبحه‪ ،‬وعليه ضمانه‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -1‬لو أن‬
‫لكن إن صال عليه حيوان غيره‪ ،‬ولم يمكن دفعه إال بقتله‪ ،‬فهذا فيه تفصيل ذكره ابن رجب‬
‫محتاجا لحيوان الغير‪ ،‬أو صال عليه الحيوان فقتله‪.‬‬
‫ا‬ ‫يف القواعد‪ :‬إما أن يكون اإلنسان‬
‫شيئا لغيره لينتفع به ضمنه‪ ،‬وإن كان لمرضته له فال ضمان(‪،)2‬‬
‫والحكم أنه‪ :‬من أتلف ا‬
‫محتاجا له فعليه الضمان‪.‬‬
‫ا‬ ‫دفعا لرضر الحيوان عليه فال ضمان‪ ،‬وإن قتله‬
‫أي‪ :‬إن قتله ا‬
‫‪ -2‬لو أن سفينة أرشفت على الغرق فألقى بعض من عليها أمتعة غيره بدون إذنه‪ ،‬فعلى‬
‫مثال‪،‬‬
‫القاعدة أنه يضمن‪ ،‬ألن األمتعة لم ت ُصل عليهم‪ ،‬بل اضطروا لإللقاء بسبب األمواج ا‬
‫فهؤالء ُير َّخص لهم أن يلقوا األمتعة‪ ،‬لكن عليهم الضمان‪.‬‬
‫متاعا من الطابق األعلى‪ ،‬فسقط على إنسان وكاد يرضه فلم يتمكن‬‫لكن لو ألقى شخص ا‬
‫دفعا لمرضته‪ ،‬فالمتاع‬
‫من دفعه إال بإلقائه يف البحر‪ ،‬فإن هذا ال ضمان عليه‪ ،‬فإنه دفعه ا‬
‫كالصائل عليه‪.‬‬
‫شيئا‪ ،‬لكن لو اضطر لحلق شعره بسبب القمل‪ ،‬فإنه‬‫‪ -3‬المحرم ال يجوز له أن يأخذ من شعره ا‬
‫رخص له األخذ من الشعر مع الفدية‪ ،‬أو نبت شعر يف عينه فله أن يزيله وال شيء عليه‪،‬‬ ‫ُي َّ‬
‫ألنه لم تجر العادة بذلك‪.‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة قيد لقاعدة‪( :‬الرضورات تبيح المحظورات)‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )177‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫شيئا لدفع أذاه له لم يضمنه‪ ،‬وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه)‪.‬‬
‫كالما للشيخ ابن سعدي ☼‪( :‬من أتلف ا‬
‫(‪ )2‬نقل الشيخ عبد اهلل العيسى ا‬
‫‪48‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫تنزل منزلة الرضورة عام ًة كانت أو خاصة)‬


‫(‪)1‬‬ ‫قاعدة‪( :‬احلاجة َّ‬ ‫[‪ً]5‬‬
‫سبق تعريف (الرضورة) بأنها الحالة التي إذا لم يستجب لها اإلنسان ل ُخشي عليه الهالك‪.‬‬
‫(الحاجة) هي مرتبة دون مرتبة الرضورة‪ ،‬وهي حالة إذا لم يستجب لها اإلنسان حصل له ضيق‬
‫وحرج‪ ،‬لكن ال يخشى عليه الهالك‪.‬‬
‫(عامة) هي الحاجة الشاملة لجميع األمة‪ ،‬فيما يمس مصالحهم العامة‪.‬‬
‫والزراع‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(خاصة) هي الحاجة الشاملة لطائفة معينة من الناس‪ ،‬كأهل بلد و حرفة معينة كالتجار‬
‫والمعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬أن الحاجة تأخذ حكم الرضورة إذا كانت عامة عند الناس‪ ،‬أو‬
‫خاصة عند طائفة من الناس‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -4‬لبس الحرير للرجل عند الحاجة‬ ‫‪ -1‬إباحة اإلجارة‪.‬‬
‫كالمرض‪.‬‬ ‫‪ -2‬إباحة الجعالة‪.‬‬
‫‪ -5‬تضبيب اإلناء بالفضة للحاجة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترخيص يف النظر للمخطوبة‪.‬‬
‫‪ -6‬الترخيص يف السلم مع أنه بيع معدوم لكن ُر ِّخص به للحاجة برشوط معروفة‪.‬‬
‫■ رشوط إعامل القاعدة‬
‫أن تكون الحاجة متحققة ال وهمية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن تكون الحاجة عامة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المحرم لغيره ال لذاته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المحرم المستباح بالحاجة من قبيل‬
‫َّ‬ ‫أن يكون‬ ‫‪-3‬‬
‫رصيحا يف التحريم‪.‬‬
‫ا‬ ‫خاصا‬
‫نصا ً‬ ‫أن ال يكون النهي ً‬ ‫‪-4‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫تنزل منزلة الرضورة‪ ،‬وقد تقدم بيان أن الرضورة سبب يف المشقة‬
‫هذه القاعدة تفيد أن الحاجة َّ‬
‫الجالبة للتيسير‪.‬‬
‫■ الفرق بني احلاجة والرضورة‬
‫سببا يف حكم استثنائي فإن‬
‫إذا كانت الحاجة ملحقة بالرضورة يف المنزلة بحيث يكون كل منهما ا‬
‫بينهما فرق اا من وجهين‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )180‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪49‬‬ ‫القاعدة الكربى الثالثة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬

‫الوجهًاألول ‪ :‬أن األحكام االستثنائية الثابتة بالرضورة تكون يف الغالب إباح اة لمحظو ٍر ممنوع‬
‫رصيح‪ ،‬وتكون هذه اإلباحة مؤقتة حيث تنتهي بزوال االضطرار وتتقيد بالشخص‬ ‫ٍ‬ ‫خاص‬
‫رشعي ٍّ‬ ‫بن ٍ‬
‫ص‬
‫ٍّ‬
‫المضطر‪.‬‬
‫رصيحا‪ ،‬ولكنها‬
‫ا‬ ‫خاصا‬
‫نصا ً‬ ‫غالبا ال ُتخالف ً‬
‫أما األحكام االستثنائية الثابتة بالحاجة فهي ا‬
‫ثابتا بصورة‬
‫تخالف النصوص العامة أو القواعد العامة يف الرشع‪ ،‬والحكم الثابت بها يكون يف الغالب ا‬
‫دائمة‪ ،‬ويستفيد منها المحتاج وغيره‪.‬‬
‫ال للفرد أم للجماعة‪ ،‬أما‬
‫الوجهًالثاني‪ :‬أن الرضورة ُتبيح المحظور سواء أكان االضطرار حاص ا‬
‫الحاجة فال تكون سبب اا يف التيسير إال إذا كانت حاجة عامة أو خاصة بطائفة كثيرة غير محصورة‪ ،‬فال‬
‫تكون سبب اا يف التيسير يف حق فرد أو أفراد محصورين‪.‬‬

‫* فوائد وخمرجات قاعدة‪( :‬املشقة جتلب التيسري)‬


‫يتخرج عليها الكثير من رخص الرشع‪.‬‬
‫‪ -1‬هذه القاعدة الكبرى َّ‬
‫‪ -2‬وتدل على أن الرشيعة مبنية على اليرس ورفع الحرج‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن اإلنسان إذا حال بينها وبين أداء التكاليف الرشعية بسبب من األسباب التي‬
‫وردت‪ ،‬فإن الشارع يخفف عن المكلف حتى يأتي يما ُك ِّلف به‪ ،‬وأسباب التخفيف‬
‫سبق بيانها (ـص‪.)41‬‬

‫ً**‬ ‫ً**‬ ‫**‬


‫القاعدة الكبرى الرابعة‪:‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫(ال رضر وال رضار)‬
‫ا لقاعد ة ا لكبر ى ا لرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫* معنى القاعدة‬
‫(ال) نافية للجنس‬
‫ٍ‬
‫معان أخرى‪ :‬اجتماع الشيء‪،‬‬ ‫(الرضر) أصل الكلمة (الضاد والراء والراء) هو خالف النفع‪ ،‬وله‬
‫والقوة‪ ،‬لكن المعنى الغالب هو األول‪ :‬خالف النفع‪.‬‬
‫(الرض ‪ -‬الرض)‪ :‬بالفتح هو‪ :‬المصدر‪ ،‬وبالضم‪ :‬االسم‪ ،‬وقيل هما لغتان‪ ،‬فإذا‬ ‫ومادة الكلمة َّ‬
‫َ َ َ ۡ ُ َ ُ ۡ َ ٗد َ َ ۡ‬
‫َضا َوَل نف ٗعا} [طه‪،]89:‬‬ ‫جمعت بين النفع والرض فتحت الضاد كما يف قوله ╡‪{ :‬وَل يمل ِك لهم‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ُّ َ ۡ َ ُ َ ا َ َ ۡ‬
‫َ‬
‫منفردا‪ ،‬ضممت الضاد‪ ،‬كقوله ╡‪{ :‬قالوا يـأيها ٱلع ِزيز مسنا وأهلنا ٱلّض}‬ ‫ا‬ ‫وإذا جاء الرض‬
‫[يوسف‪.]88:‬‬
‫الرض ضد النفع‪ ،‬والرض هو سوء الحال والشدة والفقر وكل نقص يدخل على الشيء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أن َّ‬
‫وهناك تعريفات أخرى‪ ،‬منها‪ :‬أن الرضر هو المفسدة التي تلحق الشيء‪ .‬وقيل‪ :‬الرضر ألم‬
‫القلب‪.‬‬
‫عرفه بأنه‪ :‬كل أذى يدخل على الشخص يف ماله المحترم‪ ،‬أو جسمه‬
‫وبعض المعارصين َّ‬
‫المعصوم‪ ،‬أو عرضه المصون‪.‬‬

‫* الفرق بني الرضر والرضار‬


‫من العلماء من قال بأنهما بمعنى واحد‪ ،‬ومنهم من قال بأن بينهما فر اقا‪ ،‬ألن زيادة المبنى زيادة‬
‫المعنى‪ ،‬وأن التأسيس أولى من التأكيد‪ ،‬وهؤالء اختلفوا فيما بينهم‪:‬‬
‫فمنهم من قال بأن الرضر هو الفعل الذي يقع من طرف واحد كالقتل‪ ،‬والرضار هو ما يقع من‬
‫طريفين كالقتال‪.‬‬
‫بئرا يف أرضه بجوار‬
‫ومنهم من قال‪ :‬الرضر أن ترض صاحبك ويحصل لك نفع‪ ،‬كما لو حفر إنسان ا‬
‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )185‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫مراجع القاعدة‪ :‬كتب القواعد‪ ،‬وك تب فيها بحوث يف عدد من المجالت العليمة مع تطبيقات متنوعة اقتصادية أو غيرها‪ ،‬ومن‬
‫مراجعها كتب السنة ورشوحها‪ ،‬عند رشح حديث ”الًرضرًوالًرضار“‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫ترض غيرك من غير أن يحصل لك‬ ‫فأدى هذا إلى انسحاب ماء بئر جاره إلى بئره‪ ،‬والرضار أن َّ‬
‫بئر جاره َّ‬
‫رضرا بالزوجة من غير نفع له‪ ،‬وهذا‬
‫مضارة بها‪ ،‬فهذا ألحق ا‬
‫َّ‬ ‫نفع‪ ،‬كما لو ط َّلق الرجل زوجته ثم راجعها‬
‫أقبح أنواع الرضر‪.‬‬
‫ومنهم من قال أن الرضر إلحاق مفسدة بالغير مطل اقا‪ ،‬والرضار هو مقابلة الرضر بالرضر على‬
‫وجه غير جائز‪.‬‬
‫محرمان يف الرشيعة‪ ،‬فال‬
‫المعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬هذه القاعدة تدل على أن الرضر والرضار َّ‬
‫معنويا‪،‬‬
‫ً‬ ‫حسيا أو‬
‫رضرا بنفسه وال بغيره‪ ،‬على وجه غير جائز‪ ،‬سواء كان الرضر ً‬
‫يجوز ألحد أن يلحق ا‬
‫عاما‪ ،‬والنفي يف القاعدة بمعنى النهي‪.‬‬
‫خاصا أو ً‬
‫ً‬

‫* أدلة القاعدة‬
‫يستدل للقاعدة من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فيستدل لها باألدلة التي فيها النهي عن المضارة والظلم واالعتداء والفساد‪،‬‬
‫أما من الكتاب ُ‬
‫منها‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ََ ُۡ ُ ُ ا َ د‬
‫َض ٗارا ِّلَ ۡع َت ُدوا} [البقرة‪ ،]231:‬فاهلل نهى الزوج عن المضارة يف‬
‫سكوهن ِ‬ ‫قوله ╡‪{ :‬وَل تم ِ‬
‫الرجعة‪.‬‬
‫َ‬
‫ومن األدلة النهي عن مضارة الوالد للوالدة ومضارة الوالدة للوالد يف الولد‪ ،‬قال ╡‪َ{ :‬ل‬
‫َ‬ ‫ُ ‪ ٞ‬ا‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫ُ َ ٓ‬
‫له ِ} [البقرة‪ ،]233:‬ومن صور مضارة الوالد للوالدة‪ :‬أن ينتزع الولد‬ ‫تضا ار َو َٰ ِ َلة ب ِ َولِها َوَل َم ۡولود َُلۥ ب ِ َو ِ‬
‫منها بقصد إدخال الحزن عليها‪ ،‬أو أن يمتنع من دفع أجرة المثل إذا طلبت ذلك‪ ،‬ومن صور مضارة‬
‫الوالدة للوالد‪ :‬أن تلقي علي ه ولده‪ ،‬وال تبقيه عندها نكاية به‪ ،‬مع حاجة الولد لها‪ ،‬أو أن تطلب أكثر‬
‫من أجرة المثل‪.‬‬
‫ََ ُ َ ٓا َ ‪ٞ َ َ ٞ‬‬
‫ِب َو َل شهِيد}‬ ‫ومن األدلة النهي عن مضارة الكاتب والشاهد‪ ،‬قال ╡‪{ :‬و َل يضار َكت‬
‫[البقرة‪ ، ]282:‬ومن صور المضارة‪ :‬أن الكاتب يمتنع عن الكتابة‪ ،‬أو يكتب خالف ما أُملي عليه‪ ،‬أو‬
‫وأيض ا ال يجوز ألحد أن يضار الكاتب والشاهد‪ ،‬كأن يجبره الحضور من‬ ‫ا‬ ‫زورا‪،‬‬
‫أن يشهد الشاهد ا‬
‫بلد بعيد‪.‬‬
‫وَص ب َها ٓ أ َ ۡو َديۡن َغ ۡ َ‬
‫ۡي‬ ‫ص ايةٖ يُ َ َٰ‬
‫ِ‬ ‫ومن األدلة النهي عن المضارة يف الوصية‪ ،‬قال ╡‪{ :‬مِن َب ۡع ِد َ‬
‫و‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ ٓ‬
‫ُمضا درٖ} [النساء‪ ،]12:‬ومن صور المضارة‪ ،‬أن يوصي لوارث بأكثر مما فرض اهلل له من غير إذن الورثة‪،‬‬
‫أو يوصي لغير الوارث بأكثر من الثلث‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫أما من السنة فدلت عليها عدة أدلة منها‪ :‬قوله ﷺ‪” :‬الًرضرًوالًرضار“ والحديث رواه‬
‫مرسال‪.‬‬
‫ا‬ ‫مالك يف الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه‬
‫ورواه أبو سعيد الخدري وجابر وابن عباس ♥‪ ،‬والحديث ُروي من طرق متعددة ُتك ِّلم فيها‪،‬‬
‫لكن بمجموعها ترتقي لدرجة الحسن‪ ،‬وتلقاه العلماء بالقبول‪.‬‬
‫وهذا الحديث يدل على نفي الرضر والرضار‪ ،‬وهو نفي بمعنى النهي‪.‬‬
‫ًأرضًاهللًبه‪ً،‬ومنًشاقً‬
‫َّ‬ ‫منًضار‬
‫َّ‬ ‫ومن األدلة حديث أبي رصمة األنصاري ☺ عن النبي ﷺ‪” :‬‬
‫شاقًاهللًعليه“‪.‬‬
‫َّ ً‬
‫ومن األدلة قوله ﷺ‪” :‬الًتضارواًيفًالحفر“ المقصود حفر البئر بجوار بئر جاره‪.‬‬
‫ومن األدلة ما ورد عن سمرة بن جندب ☺ أنه كانت له ع ُض ٌد من نخل يف حائط رجل من األنصار‬
‫قال‪ :‬ومع الرجل أهله‪ .‬وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه‪ ،‬فطلب إليه أن يبيعه‪ ،‬فأبى‬
‫فطلب إليه أن يناقله فأبى‪ ،‬فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له‪ ،‬فطلب إليه النبي ﷺ أن يبيعه فأبى‬
‫أمرا ر َّغبه فيه فأبى‪ ،‬فقال‪” :‬أنتًمضار“‪،‬‬
‫فطلب إليه أن يناقله فأبى‪ ،‬قال‪” :‬فهبهًله‪ً،‬ولكًكذاًوكذا“‪ ،‬ا‬
‫فقال رسول اهلل ﷺ لألنصاري‪” :‬اذهبًفاقلعًنخله“‪ .‬رواه أبو داود ويف سند مقال‪.‬‬
‫ويستدل للقا عدة باألدلة التي وردت يف النهي عن بعض المعامالت كالنهي عن الربا أو الغرر‬
‫ُ‬
‫أو النجش أو تلقي الركبان وتلقي الحارض للباد‪.‬‬

‫* مكانة هذه القاعدة‬


‫هذه القاعدة لها مكانة كبيرة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ومما يدل على ذلك أن هذه القاعدة لها عالقة‬
‫بأصول الفقه‪ ،‬فهي سند لمبدأ االستصالح والمصلحة المرسلة‪ ،‬ومما يدل كذلك على أهمية القاعدة‬
‫أننا إذا نظرن ا إلى الفروع المبنية عليها يف الفقه نجدها كثيرة‪ ،‬فاألحكام الرشعية تكون‪ :‬إما من باب‬
‫جلب المصالح‪ ،‬أو درء المفاسد‪.‬‬
‫فمن الفروع المبينة عليها‪ :‬خيار العيب والخيارات بأنواعها‪ ،‬والرد بالعيب‪ ،‬والحجر بأنواعه‪،‬‬
‫ورد المغصوب‪ ،‬وفسخ النكاح بالعيوب‪ ،‬ومنها مرشوعية الجهاد ودفع الصائل والبغاة‪ ،‬ومنها نصب‬
‫الحاكم وإقامة الحدود ودفع الظلم‪.‬‬

‫* صياغة القاعدة‬
‫عبر ـب(الرضر‬
‫عبر عنها ـب (الرضر يزال) كالسيوطي وابن نجيم وغيرهما‪ ،‬وبعضهم َّ‬
‫بعضهم َّ‬
‫مزال)‪ ،‬ووردت بصيغة (الرضر المزال) ولكن هذا ال ينسجم مع صياغة القاعدة‪ ،‬فإن القاعدة حكم‬
‫وهذه الصيغة ال حكم فيها‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫ووردت يف مجلة األحكام العدلية ـب(الرضر يزال) وبنفس نص الحديث‪( :‬ال رضر وال رضار)‪،‬‬
‫والمعارصون مثلهم‪.‬‬
‫نص حديث نبوي ثابت‬ ‫ولعل التعبير بلفظ (ال رضر وال رضار) هو األرجح؛ ألن كون القاعدة َّ‬
‫هذا يعطي القاعدة قوة ومكانة‪ ،‬وألن للفظ (ال رضر وال رضار) أعم من لفظ (الرضر يزال)‪ ،‬ألن األول‬
‫فيهم منه رفع الرضر بعد وقوعه‪ ،‬فيكون الثاني لفظ‬
‫يتناول دفع الرضر قبل وقوعه وبعده‪ ،‬أما الثاني ُ‬
‫لقاعدة مندرجة تحت (ال رضر وال رضار)‪.‬‬

‫* رشوط إعامل القاعدة‬


‫أن يكون الرضر بغير حق‪ ،‬أما إذا كان الرضر بحق مثل الرضر الحاصل من إقامة الحدود‬ ‫‪-1‬‬
‫فهذا ال يدخل تحت القاعدة‪.‬‬
‫فيعفى عنه‪ ،‬للعرس وعموم البلوى‪ ،‬مثل‬ ‫يسيرا ُ‬
‫فاحشا‪ ،‬أما إذا كان الرضر ا‬
‫ا‬ ‫أن يكون الرضر‬ ‫‪-2‬‬
‫الغبن اليسير والغرر اليسير يف المعامالت‪ ،‬ألن إزالته تؤدي إلى إبطال كثير من العقود‪.‬‬
‫فيدفع‪.‬‬
‫متوقعا ُ‬
‫ا‬ ‫فيرفع أو‬
‫أن يكون الرضر محق اقا ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫مخال بمصلحة مرشوعة‪ ،‬مثل أن يكون الرضر الح اقا بمسكن اإلنسان أو‬ ‫أن يكون الرضر ً‬ ‫‪-4‬‬
‫بمركوبه أو بملبسه‪ ،‬أما إذا كان الرضر الح اقا بما ليس فيه مصلحة مرشوعة فهذا ال يجب‬
‫ضمانه‪ ،‬كإتالف أواني الخمر‪ ،‬وكرس آالت اللهو والمالهي‪ ،‬وكرس الصليب‪.‬‬
‫رضا به وكان مما يتعلق بحق‬
‫أن ال يكون هناك رضا من المترضر بهذا الرضر‪ ،‬فإن كان فيه ا‬ ‫‪-5‬‬
‫اآلدمي ال بحق اهلل‪ ،‬فإنه ال يجب إزالته‪ ،‬ومثاله‪ :‬حد القذف‪ ،‬فلو أن المقذوف لم يطالب‬
‫حقه‪.‬‬
‫بحد القذف فإنه ال يقام الحد على القاذف ألنه لم يطالب بذلك‪ ،‬وألنه من ِّ‬

‫ً**‬ ‫ً**‬ ‫**‬


‫(‪)1‬‬
‫القواعد الفرعية‬
‫يندرج تحتها جملة من القواعد‪ ،‬وقد سبق بيان العالقة بين القواعد الفرعية وبين القواعد‬
‫الكبرى (انظر ـص‪ ،)16‬والقواعد المندرجة تحتها متعددة لكنها من الممكن أن تتركز يف ثالث قواعد‪:‬‬
‫(دفع الرضر قبل وقوعه ‪ -‬ورفعه بعد وقوعه ‪ -‬وعدم إزالة الرضر برضر مثله)‪ ،‬ومن القواعد المتفرعة‬
‫عن قاعدة (ال رضر وال رضار)‪:‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫قاعدة‪( :‬الرضر يدفع بقدر اإلمكان)‬ ‫[‪ً]1‬‬


‫فيدفع بقدر‬
‫واقعا ُ‬
‫هذه القاعدة تدل على وجوب دفع الرضر قبل وقوعه إن أمكن‪ ،‬وإذا كان ا‬
‫االستطاعة‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫ّلل َما ٱ ۡس َت َط ۡع ُت ۡم} [التغابن‪ ،]16:‬فالرضر يجب دفعه‪ ،‬ويدفع بحسب‬ ‫قوله ╡‪{ :‬فَٱ ات ُقوا ْ ٱ ا َ‬
‫فيدفع‪ ،‬وإال يدفع بقدر اإلمكان‪.‬‬ ‫االستطاعة‪ ،‬فإن أمكن دفعه بالكلية ُ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ۡل ۡي ِل ت ۡره ُِبون ب ِهِۦ ع ُد او ٱّللِ‬ ‫وقوله ╡‪َ { :‬وأع ُِّدوا ل ُهم اما ٱ ۡس َت َط ۡع ُتم دمِن ق اوة ٖ َومِن درِ َب ِ‬
‫اط ٱ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َوع ُد اوك ۡم} [األنفال‪ ،]60:‬وهذا دليل على دفع الرضر قبل الوقوع‪.‬‬
‫وقوله ﷺ‪” :‬منًرأىًمنكمًمنكرًاًفليغيرهًبيده‪ً،‬فإنًلمًيستطعًفبلسانه‪ً،‬فإنًلمًيستطعً‬
‫فبقلبهًوذلكًأضعفًاإليمان“ فهاذ دليل على أن المنكر رضر يجب إزالته بقدر اإلمكان‪ ،‬فإن أمكن‬
‫إزالته باليد فبها وإال باللسان فإن لم يستطع فباللسان‪.‬‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -1‬مرشوعية الجهاد‪ ،‬لدفع رضر األعداء‪ ،‬فإذا علم المسلمون أن األعداء يجهزون جيوشهم‬
‫لحرب المسلمين‪ ،‬فإنه يرشع لهم مباغتتهم للجهاد‪ ،‬قبل مهاجمة المسلمين‪ ،‬وهذا دفع‬
‫للرضر العام قبل وقوعه‪.‬‬

‫(‪ )1‬يندرج تحت قاعدة (ال رضر وال رضار) ‪ 8‬قاعدة‪:‬‬


‫الرضر يدفع بقدر اإلمكان‪.‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪ .1‬الرضر يزال‪.‬‬
‫الرضر األشد يزال بالرضر األخف‪.‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪ .3‬الرضر ال يزال بمثله‪.‬‬
‫درء المفاسد أولى من جلب المصالح‪.‬‬ ‫‪.6‬‬ ‫‪ .5‬يتحمل الرضر الخاص لدفع رضر عام‪.‬‬
‫قديما‪.‬‬
‫ا‬ ‫الرضر ال يكون‬ ‫‪.8‬‬ ‫‪ .7‬القديم يترك على قدمه‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )199‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫مرشوعية الحجر بأنواعه‪ ،‬الحجر على الصغير والسفيه لدفع الرضر عنهما‪ ،‬والحجر على‬ ‫‪-2‬‬
‫المفلس إذا طلب الغرماء ذلك وخشوا أن يترصف باألموال التي تحت يده‪ ،‬بأن يكتبها‬
‫بأسماء آخرين ونحوه‪ ،‬فإن يجوز لهم الرفع للقاضي بأن يحجر عليه‪ ،‬وهذا من دفع الرضر‬
‫الخاص‪.‬‬
‫مرشوعية الشفعة لدفع الرضر المتوقع من الرشيك‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إقامة الحدود‪ ،‬فإن معنى القاعدة منع تكرار الرضر ويف إقامة الحدود منع لذلك‪ ،‬فإن‬ ‫‪-4‬‬
‫المجرم إذا عرف أنه سيقام عليه الحد‪ ،‬فإنه ال يكرر إجرامه السابق‪ ،‬وأصحاب النفوس‬
‫الضعيفة كذلك‪ ،‬ففي إقامة الحدود دفع لرضر هؤالء‪.‬‬
‫قد يكون دفع الرضر بتخفيفه قدر اإلمكان إذا لم يمكن دفعه بالكلية؛ من ذلك إذا عفى‬ ‫‪-5‬‬
‫بعض من له حق القصاص‪ ،‬فإن القصاص يسقط‪ ،‬ألن القصاص ال يتبعض‪ ،‬والباقين‬
‫فيخفف الرضر عنهم بإثبات ح ِّقهم بالدية‪ ،‬وهذا‬ ‫حقهم ترضروا ُ‬ ‫الذين لم يعفوا عن ِّ‬
‫تخفيف للرضر بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫مرشوعية خيار الرشط‪ ،‬فهذا دفع للرضر المتوقع قبل وقوعه‪ ،‬ومثله خيار المجلس‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة تدل على وجوب دفع الرضر قبل وقوعه‪ ،‬وهذا بعض ما تفيده القاعدة الكبرى‪،‬‬
‫فالقاعدة الكبرى تفيد دفع الرضر قبل وقوعه وبعد وقوعه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫قاعدة‪( :‬الرضر يزال)‬ ‫[‪ً]2‬‬


‫سبق أن ذكرنا (ـص‪ )52‬أن بعض علماء القواعد يعبرون عن القاعدة بهذا اللفظ ويستدلون لها‬
‫بحديث‪” :‬الًرضرًوالًرضار“‪ ،‬وبعضهم جعل الحديث نص القاعدة الكبرى‪ ،‬وجعل قاعدة (الرضر‬
‫يزال) مندرجة تحتها‪.‬‬
‫ومعنىًالقاعدة‪ :‬هذه القاعدة تدل على وجوب رفع الرضر بعد وقوعه‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫يستدل لها باألدلة السابقة يف القاعدة الكبرى (ـص‪.)51‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫دا َ ُُۡ َ‬
‫ون مِن ن د َِسآئه ۡم تَ َر ُّب ُص أ ۡر َب َعةِ أ ۡش ُهر فَإن َفآءوُ‬ ‫كما يمكن أن يتسدل لها بقوله ╡‪{ :‬ل َِّلِين يؤل‬
‫ٍٖۖ ِ‬ ‫ِِ‬
‫يم} [البقرة‪ ، ]227-226:‬فالذي يولي من‬ ‫يع َعل ِ ‪ٞ‬‬
‫ّلل َس ِم ٌ‬ ‫ِإَون َع َز ُموا ْ ٱ ا‬
‫لط َل َٰ َق فَإ ان ٱ ا َ‬ ‫ۡ‬
‫*‬ ‫ّلل َغ ُف ‪ٞ‬‬
‫ور ارح ‪ٞ‬‬
‫ِيم‬ ‫فَإ ان ٱ ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حدد مدة‪ ،‬وهو التربص أربعة أشهر‪ ،‬فإن رجع وإال‬ ‫رضرا بالزوجة‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى َّ‬ ‫نسائه يلحق ا‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )196‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪56‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫ط ُلقت عليه زوجته‪ ،‬ففي اآلية دليل على إزالة الرضر الذي وقع على المرأة‪.‬‬
‫بصال أن يقرب المسجد‪ ،‬فورد يف‬
‫ثوما أو ا‬
‫ويمكن أن يستدل لها بنهي النبي ﷺ لمن أكل ا‬
‫بصال‪ ،‬فهذا من باب إزالة الرضر بسبب تأذي المسلمين‬
‫ثوما أو ا‬
‫حديث آخر أنه أمر بإخراج رجل أكل ا‬
‫بهذه الرائحة‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫مرشوعية خيار العيب‪ ،‬فلو اشترى إنسان سلعة وتبين أن بها عيب حصل عند البائع‪ ،‬فهذا‬ ‫‪-1‬‬
‫فرشع له رد السلعة بسبب العيب‪.‬‬‫رضر ُ‬
‫مثال‪.‬‬
‫ومثله خيار الغبن‪ ،‬إذا تبين أنه مغبون يف السلعة ا‬ ‫‪-2‬‬
‫موجودا‪ ،‬أو بقيمته ومثله إن كان تال افا‪.‬‬
‫ا‬ ‫وجوب رد المغصوب إن كان‬ ‫‪-3‬‬
‫ومنها إذا تد َّلت أغصان شجره على بيت جاره‪ ،‬فإن للجار أن يطالب بإزالته‪ ،‬وإذا امتنع‬ ‫‪-4‬‬
‫صاحب الشجرة فإن للجار إزالتها بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫فسخ النكاح بالعيوب‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫إقامة الحدود والقصاص‪ ،‬فإن هذا رضر يزال‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫رضرا بالكليات الخمس‪ ،‬فكل رضر يلحق بالدين أو بالنفس أو بالعقل أو‬ ‫ا‬ ‫كل ما يلحق‬ ‫‪-7‬‬
‫بالعرض أو بالمال‪ ،‬فيجب منعه وإزالته‪.‬‬
‫ففي الدين يمنع من‪ :‬نرش اإللحاد واالستهزاء بالدين‪ ،‬فهذا يجب منعه وإزالته‪.‬‬
‫ويف النفس يمنع من‪ :‬قطع الطعام والرشاب عن اإلنسان وما يلحق الرضر به‪.‬‬
‫ويف العقل يمنع من‪ :‬بيع الخمر والمخدرات والمنومات‪ ،‬وكل ما يلحق الرضر بالعقل‪،‬‬
‫ومنه بعض البرامج اإللكترونية التي تلحق الرضر بعقل اإلنسان وتسبب الرصع‪.‬‬
‫ويف العرض يمنع من‪ :‬نرش االنحالل والتفسخ‪.‬‬
‫ويف المال يمنع من‪ :‬الرسقة والغصب والنهب والرشوة وإتالف أموال الناس ومنعهم من‬
‫الترصف بها‪ ،‬أو الحيلولة دون الناس والكسب الحالل‪.‬‬
‫* فهذه القاعدة واسعة الفروع‪.‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة تدل على وجوب رفع الرضر بعد وقوعه‪ ،‬وهو بعض ما دلت عليه القاعدة الكبرى‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬الرضر ال يزال بمثله)‬ ‫[‪ً]3‬‬


‫مقيدة للقاعدة السابقة‪ ،‬فالقاعدة السابقة جاءت مطلقة‪ ،‬وهذا قيد يفيد بأن الرضر‬
‫هذه القاعدة ِّ‬
‫ال يزال برضر مثله‪ ،‬وال أشد منه من باب أولى(‪.)2‬‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫المضطر ال يجوز له أكل طعام مضط ٍر آخر مثله‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫من أكره على قتل فالن وإال ُقتل‪ ،‬فهذا ال يجوز له أن يقدم على قتل النفس المعصومة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫والفقير ال يجبر على اإلنفاق على قريبه الفقير‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫دوالبا له خمسة أبواب‪ ،‬فجاءه شخص واشترى منه‬‫ا‬ ‫مسائل تفريق الصفقة‪ ،‬فلو اشترى زيد‬ ‫‪-4‬‬
‫قديما يف الدوالب كان عند البائع‪ ،‬ففي‬
‫ا‬ ‫عيبا‬
‫بابا من األبواب‪ ،‬وبعد البيع اكتشف زيد ا‬ ‫ا‬
‫رضرا على البائع‪.‬‬
‫إحدى الروايتين عن أحمد ليس له رد الدوالب‪ ،‬ألن يف الرد ا‬
‫من ثبت له حق الشفعة ولكن طالب بتأجيل الثمن‪ ،‬فهذا ال يثبت له حق الشفعة‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مقيدة للقاعدة السابقة‪ ،‬فالرضر يزال لكن ليس برضر مثله أو أشد منه‪،‬‬
‫* فهذه القاعدة ِّ‬
‫ويمكن القول أنًإزالةًالرضرًالًيخلوًمنًأربعًحاالت‪:‬‬
‫أن يمكن إزالة الرضر بال رضر‪ ،‬مثل خيار العيب‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يترتب على إزالة الرضر حدوث رضر أخف منه‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يترتب على إزالة الرضر حدوث رضر مسا ٍو له‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يترتب على إزالة الرضر حدوث رضر أشد منه‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فالحالة األولى والثانية مرشوعتان‪ ،‬والحالة الثالثة والرابعة غير مرشوعتين‪ ،‬ومنهم من قال أن‬
‫الحالة الثالثة هي محل اجتهاد‪.‬‬

‫(‪)3‬‬‫قاعدة‪( :‬الرضر األشد يزال بالرضر األخف)‬ ‫[‪ً]4‬‬


‫الرشين) وقاعدة‪( :‬إذا تعارض مفسدتان روعي‬
‫يقرب من هذه القاعدة قاعدة‪( :‬اختيار أهون ِّ‬
‫رضرا بارتكاب أخفهما)‪ ،‬فهذه القواعد الثالث بمعنى واحد(‪.)4‬‬
‫أعظمهما ا‬

‫انظر الكتاب (ص‪ )208‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫بعض السلف يعبر عن القاعدة بقوله‪( :‬الرضر ال يزال بالرضر)‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر الكتاب (ص‪ )210‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬ ‫(‪) 3‬‬
‫واقعا‪،‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬وحاول الشيخ الزرقا التفريق بينهم‪ ،‬وقال‪ :‬قاعدة (الرضر األشد يزال بالرضر األخف) هذا فيما إذا كان الرضر ا‬ ‫(‪) 4‬‬
‫رضرا‬
‫ا‬ ‫رجح هذا باقي القاعدة‪( :‬روعي أعظمهما‬ ‫وقاعدة (إذا تعارض مفسدتان‪ )...‬هذا فيما إذا كان الرضران لم يقعا بعد‪ ،‬وي ِّ‬
‫بارتكاب أخفهما) فكأن الرضران لم يقعا بعد‪.‬‬
‫‪58‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫منطوق قاعدة (الرضر األشد يزال بالرضر األخف) هو مفهوم المخالفة للقاعدة السابقة‪.‬‬
‫فيدفع األشد ويرتكب‬
‫ومعنىًالقاعدة‪ :‬أنه إذا تقابل رضران‪ ،‬فإنه ُينظر إلى أشدهما وأخفهما‪ُ ،‬‬
‫األخف‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫يستدل لها بأدلة منها ما ورد يف قصة الخرض مع موسى ╨‪ ،‬لما خرق الخرض سفينة األيتام‪،‬‬
‫غصبا‪ ،‬وقتله للغالم‬
‫ملكا يأخذ كل سفينة صالحة ا‬
‫فهذا رضر‪ ،‬لكن فيه دفع لرضر أعظم؛ وهو أن هناك ا‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ا‬
‫ومنهما ما ورد يف حديث أنس ☺ يف األعرابي الذي بال يف المسجد‪ ،‬فقام الصحابة لنهره‪ ،‬فقال‬
‫النبي ﷺ‪” :‬دعوهًأوًالًتزرموه“ أي ال تقطعوا عليه بوله‪ ،‬فلما فرغ األعرابي دعاه النبي ﷺ‬
‫وبين له أن المسجد ال يصلح لشيء من ذلك‪.‬‬
‫َّ‬
‫أخذ العلماء من هذا الحديث فوائد منها‪ :‬دفع أعلى الرضرين بارتكاب أخفهما‪ ،‬وذلك أن يف‬
‫بوله يف المسجد رضر قد وقع‪ ،‬فمنعه يؤدي ألرضار أشد منها‪ :‬تنجيس أماكن أخرى يف المسجد‪،‬‬
‫وتنجيس بدنه وثيابه‪ ،‬وقطع بوله عليه وحرصه‪ ،‬وهذا فيه أرضار صحية‪ ،‬فأخذ منه (دفع أشد الرضرين‬
‫بارتكاب أو تحمل أخفهما)‪.‬‬
‫قاصدا العمرة‪،‬‬
‫ا‬ ‫ومن األدلة ما ورد يف صلح الحديبية‪ ،‬فالنبي ﷺ خرج من المدينة إلى مكة‬
‫فلما وصل الحديبية منعه كفار قريش من دخول مكة‪ ،‬فحصل بينهم مفاوضات طويلة انتهت بصلح‪،‬‬
‫وكان من بنوده‪ :‬رجوع النبي ﷺ للمدينة‪ ،‬وأن يعتمر من العام القادم‪ ،‬وأن تضع الحرب أوزارها‬
‫بين المسلمين وكفار قريش عرش سنين‪ ،‬ومنها أن من جاء للمسلمين من قريش فإنه ُيرد ومن جاء من‬
‫المسلمين لقريش فإنه ال ُيرد‪ ،‬فوافق النبي ﷺ على هذه الرشوط‪.‬‬
‫فأخذ العلماء من هذا الحديث‪ :‬دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أخفهما‪ ،‬فلو لم يحصل‬
‫الصلح‪ ،‬لحصل قتال وقد يؤدي ذلك إلى أن يقتل المسلم أخاه المسلم‪ ،‬فإنه قد كان يف مكة مسلمون‬
‫َ ‪ ٞ َ ۡ ُّ ٞ ٓ َ َ َ ُ ۡ ُّ ٞ‬ا‬ ‫َ َ‬
‫ت ل ۡم‬ ‫ال يعلم عنهم النبي ﷺ وأصحابه‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ول ۡوَل رِجال مؤمِنون ون ِساء مؤمِنَٰ‬
‫ۡ‬ ‫َۡ َُ ُ ۡ َ ََ ُ ُ ۡ َُ َ ُ‬
‫كم د ِم ۡن ُهم ام َع ارةُ ب َغ ۡ‬
‫وأيضا تبين بعد ذلك أن يف‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫‪25‬‬ ‫[الفتح‪:‬‬ ‫}‬ ‫م‬
‫ٖ‬ ‫ِل‬‫ع‬ ‫ۡي‬
‫ِ ِ‬ ‫تعلموهم أن تطوهم فت ِصيب‬
‫الصلح فتح عظيم للمسلمين‪ ،‬وذلك ما حصل بعد الصلح من استتاب األمن يف الجزيرة‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫أفواجا‪.‬‬
‫ا‬ ‫سببا يف دخول الناس يف دين اهلل‬ ‫إتيان الناس للمدينة ويتعرفون على الدين‪ ،‬فكان ذلك ا‬
‫ۡ‬ ‫َ ۡ ۡ َ ُ َ َ ُّ َ ۡ َ‬
‫ويستدل لها بأدلة أخرى‪ ،‬كقوله ╡‪{ :‬وٱلفِتنة أشد مِن ٱلقت ِل} [البقرة‪ ،]191:‬وقوله ╡‪:‬‬
‫ۡ‬ ‫َ ۡ َُۡ َ ۡ َُ َ َۡ‬
‫{وٱلفِتنة أكب مِن ٱلقت ِل} [البقرة‪.]217:‬‬
‫‪59‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫■ فروع القاعدة‬
‫ودفن يف أرض مملوكة بغير إذن صاحبها‪ ،‬فالحكم إما أن يأذن صاحب‬ ‫‪ -1‬لو مات إنسان ُ‬
‫األرض‪ ،‬أو يدفع له ليأذن‪ ،‬فإن أبى ُنبش القبر‪ ،‬وإن كان هذا رضر إال أنه رضر أخف من‬
‫رضر بقائه يف هذه األرض المملوكة للغير‪.‬‬
‫لكن لو دفن شخص بدون كفن‪ ،‬فإنه ال ُينبش‪ ،‬ألن نبش القبر رضر أشد من رضر دفنه‬
‫مال يسير لم ُيعلم عنه إال بعد الدفن‪.‬‬
‫بغير كفن‪ ،‬ومثله إذا سقط يف القبر ٌ‬
‫المسبلة‪ ،‬فإنه يدفن يف‬
‫َّ‬ ‫‪ -2‬ولو مات شخص واختلف الورثة يف دفنه؛ يف ملكه أو يف المقبرة‬
‫المقبرة‪ ،‬ألن يف دفنه يف ملكه رضر على الورثة‪ ،‬ومخالفة بعض الورثة الذي قالوا بدفنه يف‬
‫ملكه؛ هو رضر أخف‪.‬‬
‫‪ -3‬ولو سقط إنسان يف بئر ومات‪ ،‬ويف إخراجه تقطع ألجزاء جسده‪ ،‬فالحكم أنه إن كان أهل‬
‫البلد يحتاجون للبئر فإنه يخرج وإن َّأدى لتقطع أجزاء من جسده‪ ،‬أما إن لم تكن هناك‬
‫حاجة‪ ،‬فيكون البئر قبره ويردم البئر‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا ماتت المرأة ويف بطنها جنين ترجى حياته‪ ،‬فإنه ُيشق بطنها‪ ،‬ألن منفعة الحي أولى من‬
‫الميت‪ ،‬والشق وإن كان فيه ُمثلة إال أنه رضر أخف‪.‬‬
‫شق بطنها إلخراج الجنين‪ ،‬وإال فيخشى عليه‬ ‫ولو قال األطباء عن امرأة حامل أنه ال بد من ِّ‬
‫أو على أمه‪ ،‬مع ما يف ذلك من كشف للعورة وأرضار على المرأة‪ ،‬فإنه يجرى لها العملية‬
‫دفعا للرضر األشد‪.‬‬
‫ا‬
‫* قاعدتان قريبتان من معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫الرشين)‪ .‬وقاعدة‪( :‬إذا تعارض‬
‫يقرب من هذه القاعدة ‪-‬كما سبق‪ -‬قاعدة‪( :‬اختيار أهون ِّ‬
‫رضرا بارتكاب أخفهما)‪.‬‬ ‫مفسدتان روعي أعظمهما ا‬
‫وهذه القواعد لمن اب ُتلي ببل َّيتين‪ ،‬وأدلة هذه القواعد هي أدلة القاعدة السابقة‪.‬‬
‫ومنًفروعهما‪:‬‬
‫قائما ُيرتج عليه وال يستطيع‬
‫جالسا ليقرأ الفاتحة‪ ،‬فإنه إن صلى ا‬
‫ا‬ ‫شخص للصالة‬
‫ٌ‬ ‫‪ -1‬لو احتاج‬
‫ترك للقيام‪ ،‬لكن الفاتحة آكد‪ ،‬ألن القيام يسقط يف النافلة‬
‫جالسا ٌ‬
‫ا‬ ‫القراءة‪ ،‬ويف صالته‬
‫بخالف الفاتحة‪.‬‬
‫شخصا يف رأسه جرح‪ ،‬وإذا سجد سال الدم منه‪ ،‬وإذا لم يسجد لم يسل‪ ،‬فإنه يومئ‬ ‫ا‬ ‫‪ -2‬لو أن‬
‫إيماء‪ ،‬ألن يف سجوده رضر أشد‪.‬‬
‫ا‬
‫‪ -3‬لو كان يف يد إنسان آكله‪ ،‬وقال األطباء إذا لم يبتر هذا العضو فإن اآلكلة سترسي يف‬
‫دفعا للمفسدة األعظم‪.‬‬
‫الجسد‪ ،‬فإنه يبتر العضو ا‬
‫‪ -4‬ومن أمثلته مثال المرأة السابق‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫(‪)1‬‬
‫قاعدة‪( :‬يتحمل الرضر اخلاص لدفع رضر عام)‬ ‫[‪ً]5‬‬
‫منطوق هذه القاعدة هو مفهوم المخالفة لقاعدة‪( :‬الرضر ال يزال بمثله)‪ ،‬والفرق بينها وبين‬
‫قاعدة‪( :‬الرضر األشد يزال بالرضر األخف) أن القاعدة السابقة الرضر أشد يف نفسه‪ ،‬والرضر الثاني‬
‫خاصا‪.‬‬
‫عاما‪ ،‬واآلخر أخف من جهته ً‬ ‫أخف يف نفسه‪ ،‬أما يف هذه القاعدة فالرضر أشد من جهة كونه ً‬
‫ومعنىًالقاعدة‪ :‬أنه إذا تقابل رضران‪ ،‬أحدهما عام واآلخر خاص‪ ،‬فإنه يتحمل الرضر الخاص‬
‫ويدفع الرضر العام‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫أن المحتكر يمنع من االحتكار‪ ،‬ويجبر على بيع ما احتكره مما يحتاج إليه الناس من‬ ‫‪-1‬‬
‫دفعا للرضر على الناس‪ ،‬فيتحمل الرضر الخاص لدفع الرضر العام‪.‬‬ ‫الطعام‪ ،‬ا‬
‫دفعا للرضر‬
‫سعر عليهم ا‬ ‫لو غال التجار يف األسعار من باب الجشع‪ ،‬فيجوز للسلطان أن ُي ِّ‬ ‫‪-2‬‬
‫عن الناس‪ ،‬والتسعير يف األصل غير جائز‪.‬‬
‫دفعا للرضر عن الناس‬‫الحجر على المفتي الماجن‪ ،‬والطبيب الجاهل‪ ،‬والمكاري المفلس‪ ،‬ا‬ ‫‪-3‬‬
‫يف دينهم وأبدانهم وأموالهم‪ ،‬فالمفتي الذي يفتي بالشواذ‪ ،‬والطبيب الذي ك ُثرت أخطاءه‬
‫وترضر الناس منه‪ ،‬والمكاري الذي يأخذ أموال الناس بقصد نقل بضائعهم من بلد إلى بلد‬
‫دفعا للرضر العام على الناس‪.‬‬‫فإن كان يأخذها وال يقوم بما يجب عليه‪ ،‬فإنه يحجر عليهم ا‬
‫يدخل يف القاعدة‪ :‬نزع الملكية للصالح العام‪ ،‬ويدخل فيها لو كان لشخص جدار يخشى‬ ‫‪-4‬‬
‫وقوعه على الطريق العام‪ ،‬فإنه يجبر على نقضه لكيال يقع على الناس‪.‬‬
‫شخصا له أرض يف وسط حي سكني‪ ،‬وقال سأبني فيها محطة وقود‪ ،‬فليس له ذلك‪،‬‬ ‫ا‬ ‫لو أن‬ ‫‪-5‬‬
‫فعا للرضر العام عن الناس‪ ،‬ويتحمل الرضر الخاص به‪.‬‬‫د ا‬
‫(‪)2‬‬‫قاعدة‪( :‬القديم يرتك عىل قدمه)‬ ‫[‪ً]6‬‬
‫معنىًالقاعدة‪ :‬أن ما يقع فيه النزاع مما هو يف أيدي الناس من أعيان ومنافع ‪-‬وكان مما ال ُيدرك‬
‫أحد مبدأه‪ ،‬وهو مرشوع يف أصله‪ -‬فإنه ُيترك على حالته التي هو عليها بال زيادة وال نقص‪ ،‬وال تغيير‬
‫ٌ‬
‫دليال على أنه حق قائم بطريق مرشوع‪.‬‬
‫ويعد قد ُمه ا‬‫وال تحويل‪ُ ،‬‬
‫* وللقاعدة رشطان إذا تخلف أحدهما ال ُيحكم بالقاعدة‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال يوجد وقت النزاع يف الرضر من أدرك مبدأه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يمكن أن ُيستحق الرضر على وجه رشعي‪ ،‬أي له أصل يف الرشع‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )218‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر الكتاب (ص‪ )203‬ط‪ .‬الثالثة‪ ،‬تم تلخيص غالب القاعدة من الكتاب فليراجع احتيا اطا‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫ومجرىًتطبيقًالقاعدة‪ :‬أنه لو اختلف شخصان‪ ،‬يف أن يف مزرعة أحدهم مسيل للماء‪ ،‬والسيل‬
‫يمر من مزرعة األول إلى مزرعة اآلخر‪ ،‬ثم حصل نزاع وخالف‪ ،‬فقال األول‪ :‬سأمنع عن الثاني ماء‬
‫السيل‪ .‬ففي هذه الصورة تطبق القاعدة‪ ،‬فيترك القديم على قدمه‪ ،‬فكال المالكين ورث المزرعة عن‬
‫أجداده‪ ،‬ولم يعل م أحد مبدأ النزاع حينها‪ ،‬ويمكن أن يكون استحق الثاني مسيل الماء على وجه‬
‫عال مقابل أن يترك‬
‫أجرا أو جعل له ُج ا‬
‫رشعي‪ ،‬كأن يكون أحد المالك األوائل للمزرعة أعطى اآلخر ا‬
‫ملكا‬
‫مجرى للسيل‪ ،‬أو قد وهبه منفعة مقابلها‪ ،‬أو وهبه هب اة‪ ،‬أو يحتمل أن تكون كال المزرعتين ا‬
‫لشخص واحد‪.‬‬
‫■ دليل القاعدة‬
‫موجودا‬
‫ا‬ ‫يمكن أن ُيستدل لهذه القاعدة بدليل من المعنى وهو‪ :‬أنه لما كان هذا الشيء المنازع‬
‫من الزمن القديم على هذه الحال المشاهدة فإن األصل بقاؤه على ما كان عليه‪ ،‬خاص اة وأن الغالب‬
‫على الظن أنه ما حدث إال بوجه رشعي‪ ،‬والشي إذا وجد على ٍ‬
‫وجه رشعي فإنه ينبغي تركه على حالته‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫فال تجب إزالته‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -1‬لو كان للشخص يف داره ميزاب يصب على بيت جاره من الزمن القديم‪ ،‬وأراد الجار إزالة‬
‫قديم‪ ،‬والقديم ُيترك على قدمه‪.‬‬
‫هذا الميزاب فإنه ُيمنع من ذلك؛ ألن الميزاب ٌ‬
‫ممر يف أرض جاره يمر منه إلى بيته منه إلى بيته من الزمن القديم‪ ،‬وأراد‬
‫‪ -2‬لو كان لشخص ٌ‬
‫قديم‪ ،‬والقديم ُيترك على قدمه‪.‬‬
‫الجار إغالق هذا الممر‪ ،‬فإنه ُيمنع من ذلك؛ ألن الممر ٌ‬
‫‪ -3‬لو كان الشخص بقع ٌة يف أرض جاره ُيلقي فيها فضالته وفضالت بهائمه من الزمن القديم‪،‬‬
‫وأراد صاحب األرض منعه من ذلك فإنه ال ُيم َّكن منه؛ ألن انتفاعه بتلك البقعة قديم‪،‬‬
‫والقديم ُيترك على قدمه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫قديام)‬
‫ً‬ ‫قاعدة‪( :‬الرضر ال يكون‬ ‫[‪ً]7‬‬
‫قيدة للقاعدة السابقة‪ ،‬فالرضر إن لم ُيستحق على وجه رشعي ُنعمل فيه هذه‬
‫هذه القاعدة م ِّ‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫والمعنىًاإلجمالي‪ :‬أنه إن لم يمكن أن ُيستحق الرضر بوجه رشعي‪ ،‬وأن ُيحكم له على ما‬
‫حكما‪.‬‬
‫ا‬ ‫سبق‪ ،‬فهو كالحادث‬
‫والقدم المنفي يف القاعدة معناه‪ :‬عدم االحتجاج بقدم هذا الرضر‪ ،‬وليس المراد به عدم حصول‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )205‬ط‪ .‬الثالثة‪ ،‬تم تلخيص غالب القاعدة من الكتاب فليراجع احتيا اطا‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫التقادم يف الرضر‪.‬‬
‫■ دليل القاعدة‬
‫يمكن أن ُيستدل لها بحديث سمرة بن جندب ☺ الذي تقدم (ـص‪ ،)52‬ووجه الداللة منه‪ :‬أن‬
‫قديما‪ ،‬ولكن لما اشتمل على رض ٍر‬‫ا‬ ‫الذي يظهر أن حق سمرة يف دخول حائط األنصاري كان‬
‫باألنصاري لم يعتبر النبي ﷺ قدم هذا الرضر‪ ،‬بل سعى إلى إزالته‪ ،‬ألن هذا الرضر ليس له وجه‬
‫رشعي‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫‪ -1‬لو كان لشخص يف داره ميزاب أو مجرى أقذار ‪-‬من الزمن القديم‪ -‬يصب يف الطريق العام‬
‫المارين من الزمن القديم فإنه تجب إزالته‪ ،‬وال ُيعتد بقدمه؛ ألنه رضر‪ ،‬والرضر‬ ‫ِّ‬ ‫ويؤذي‬
‫ال يكون قديم اا‪ ،‬أي ال ُيحتج بقدمه‪.‬‬
‫‪ -2‬لو كان الشخص يف بيته نافذة ‪-‬من الزمن القديم‪ -‬تكشف بيت جاره ويتأذى منها ذلك‬
‫ال يمنع من انكشاف بيت جاره‪ ،‬وال ُيعتد بقدمها؛‬ ‫الجار‪ ،‬فإنه يجب أن يزيلها أو يضع حائ ا‬
‫ألنها رضر‪ ،‬والرضر ال يكون قديم اا‪ ،‬أي ال ُيحتج بقدمه‪.‬‬
‫بئرا يرشب منها‪،‬‬‫‪ -3‬لو كانت لشخص بالوعة لدى جاره‪ ،‬فله االنتفاع بها‪ ،‬لكن لو أن لآلخر ا‬
‫تندى وتأذى وخيف عليه السقوط‪ ،‬فال‬ ‫وتلوث هذا البئر من مياه البالوعة‪ ،‬أو أن جدراه َّ‬
‫يمكن أن يستحق ذلك بوجه رشعي‪ ،‬فيجب إزالته‪ ،‬وال ُيحتج بقدمه‪.‬‬
‫رشعا‪.‬‬
‫* إذن إلحاق الرضر بالناس ال يقر ا‬

‫* الرضر ينقسم إىل قسمني(‪:)1‬‬


‫األول‪ :‬الرضرًعام‪ ،‬وهو مثل الميزاب الذي يصب على الطريق العام‪ ،‬فهذا يجب منعه وإزالته‬
‫رشعا‪.‬‬
‫قر ا‬ ‫ألن ذلك ال يمكن أن ُي َّ‬
‫الثاني‪ :‬الرضرًخاص‪ ،‬وينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫ويطبق عليه قاعدة‪( :‬القديم يترك على‬
‫‪ -1‬رضر خاص غيرًفاحش‪ ،‬وهذا الرضر يبقى‪ُ ،‬‬
‫قدمه)‪ ،‬مثل مسيل الماء‪.‬‬
‫‪ -2‬رضر خاص فاحش‪ ،‬وهذا الرضر يجب إزالته ومنعه‪ ،‬مثل لو كان لشخص بالوعة‬
‫ولوثت بئر جاره‪.‬‬
‫َّ‬

‫قديما)‪.‬‬
‫ا‬ ‫(‪ )1‬هذه المسألة ذكرها الشيخ عبد اهلل العيسى بعد قاعدة‪( :‬القديم يترك على قدمه) وقاعدة‪ :‬قاعدة‪( :‬الرضر ال يكون‬
‫‪63‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫(‪)1‬‬‫قاعدة‪( :‬درء املفاسد أوىل من جلب املصالح)‬ ‫[‪ً]8‬‬

‫■ معنى القاعدة‬
‫( الدرء) المراد به الدفع واإلبعاد‪( ،‬أولى) أي أرجح وأحق وأقرب بالتقديم‪( ،‬جلب) المراد هو‬
‫التحصيل‪.‬‬
‫والمعنىًاإلجماليًللقاعدة‪ :‬أنه إذا اجتمع يف أم ٍر من األمور مفسدة ومصلحة‪ ،‬فإنه يجب تقديم‬
‫اإلتيان باألمر على الوجه الذي يتأدى به دفع المفسدة‪ ،‬وتجنب اإلتيان به على الوجه الذي يتأدى به‬
‫المصلحة‪.‬‬
‫■ أدلة القاعدة‬
‫ِلن ِ‬
‫اس‬ ‫ك َعن ٱ ۡ َ‬
‫ۡل ۡمر َوٱل ۡ َم ۡيس قُ ۡل فِيه َما ٓ إثۡ ‪ٞ‬م َكبۡي‪َ ٞ‬و َم َنَٰف ُع ل ا‬ ‫َۡ َُ َ َ‬
‫يستدل لها بقوله ╡‪{ :‬يسلون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب مِن ان ۡف ِعه َ‬ ‫َُُۡٓ َ ۡ‬
‫كَُ‬
‫كبيرا وهو مفسدة‪ ،‬وأن‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫إثم‬
‫ا‬ ‫الخمر‬ ‫يف‬ ‫أن‬ ‫ن‬ ‫بي‬
‫َّ‬ ‫تعالى‬ ‫فاهلل‬ ‫‪،.‬‬ ‫]‬ ‫‪219‬‬ ‫‪:‬‬‫[البقرة‬ ‫}‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِإَوثمهما أ‬
‫فيهما منافع للناس وهي مصلحة‪ ،‬إال أن مفسدتهما أعظم من مصلحتهما‪ ،‬ولما كان األمر كذلك‬
‫حرمهما اهلل تعالى من أجل دفع تلك المفاسد الغالبة‪.‬‬
‫ويستدل لها بما ورد عن أبي سعيد الخدري ☺ قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪” :‬إياكمًوالجلوسً‬
‫علىًالطرقات“ فقالوا‪ :‬ما لنا ُبد؛ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها‪ .‬قال‪” :‬فإذاًأتيتمًإلىًالمجالسً‬
‫ًوأمرً‬
‫فأعطوا ًالطريق ًحقها“ قالوا‪ :‬وما حقها؟ قال‪” :‬غض ًالبرص‪ً ،‬وكف ًاألذى‪ً ،‬ورد ًالسالم‪ٌ ،‬‬
‫جلوسا ال يحصل‬
‫ا‬ ‫أوال‬
‫ونهيًعنًالمنكر“‪ ،‬فالنبي ﷺ نهى عن الجلوس يف الطرقات ا‬ ‫بالمعروف‪ً،‬‬
‫ٌ‬
‫به أداء حق الطريق‪ ،‬لما فيه من مفسدة وتضييق واالشتغال بأحوال من يمر وغيرها من المفاسد‪ ،‬مع أنه‬
‫مقدما‬
‫يحصل بالجلوس يف الطريق مصلحة لمن عمل بحقه‪ ،‬إال أن المفسدة أغلب‪ ،‬فكان درء المفاسد ا‬
‫على جلب المصالح‪.‬‬
‫ويستدل لها بحديث عائشة ♦ لما قال لها النبي ﷺ‪” :‬لوالًأنًقومكًحديثوًعهدًبجاهليةً‬
‫‪-‬ويفًرواية‪ً:‬بكفر‪ً-‬لهدمتًالكعبةًوجعلتهاًعلىًقواعدًإبراهيمً╕“‪ ،‬فهذا فيه دليل على أن دفع‬
‫المفسدة أولى من جلب المصلحة‪.‬‬
‫■ فروع القاعدة‬
‫سترة من الرجال فإنه ُيرشع لها تأخير ال ُغسل‪ ،‬ألنه‬
‫ا‬ ‫‪ -1‬لو وجب على المرأة غسل ولم تجد‬
‫وإن كان يف المحل مصلحة إال أن يف تكشف المرأة لل ُغ ُسل أمام الرجال مفسدة أعظم‪ ،‬ودرء‬
‫المفاسد أولى من جلب المصالح‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الكتاب (ص‪ )221‬ط‪ .‬الثالثة‪ ،‬تم تلخيص غالب القاعدة من الكتاب فليراجع احتيا اطا‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫أن يف تخليل الشعر يف الوضوء والغسل للمحرم مصلحة‪ ،‬وفيه مفسدة وهي كونه مظنة‬ ‫‪-2‬‬
‫إلسقاط الشعر‪ ،‬واألخذ من الشعر محظور يف حال اإلحرام‪ ،‬وهذه المفسدة أغلب‪ ،‬لذلك‬
‫ال يرشع للمحرم تخليل شعره ؛ ألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح‪.‬‬
‫مرتفعا‪ ،‬ويحصل بهذا البناء منع الهواء والشمس عن‬
‫ا‬ ‫لو أراد شخص أن يبني يف ملكه بناء‬ ‫‪-3‬‬
‫جاره‪ ،‬فقد قال بعض أهل العلم ‪ :‬إنه ُيمنع من ذلك؛ ألن البناء وإن كان مصلحة إال أنه قد‬
‫عارضه مفسدة أرجح منه وهو منع الهواء والشمس عن الجار‪ ،‬ودرء المفاسد أولى من‬
‫جلب المصالح‪.‬‬
‫شيئا كالمطبعة والمخرطة‪ ،‬فإنه يحصل بها رضر من‬ ‫لو أراد شخص أن يحدث يف ملكه ا‬ ‫‪-4‬‬
‫خالل عملها باله ِّز أو الدق‪ ،‬وهذه مفسدة أرجح من مصلحة انتفاعه بتلك األعيان فيمنع‬
‫من إحداثها؛ ألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح‬
‫بئرا قريبة من بئر جاره‪ ،‬فذهب ماء بئر الجار‪ ،‬فإن يف بقاء هذه البئر‬ ‫لو حفر شخص ا‬ ‫‪-5‬‬
‫المحدثة مفسدة أعظم من مصلحة انتفاع صاحبها بها‪ ،‬ولذلك قال بعض أهل العلم‪ :‬إنه‬
‫يلزم أن تطم هذه البئر المحدثة؛ ألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح‪.‬‬
‫يكره للصائم المبالغة يف المضمضة واالستنشاق‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫ويحرم على الكبير االختتان إن خيف عليه الرضر‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫يحرم التسعير واالحتكار إن كان يف ذلك مفسدة على الناس أغلب من المصالح المترتبة‬ ‫‪-8‬‬
‫عليهما‪.‬‬
‫■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى‬
‫هذه القاعدة تفيد بأنه يجب أن ُيسعى يف إزالة الرضر حتى وإن قابل مصلح اة‪ ،‬ما دام أن مفسدة‬
‫العمل أعظم وأشد‪ ،‬وهذا يتفق مع عموم ما أفادته القاعدة الكبرى‪ ،‬حيث أفادت وجوب إزالة الرضر‬
‫قبل وقوعه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬‫* إضافة مهمة‬


‫ذكر شيخ اإلسالم قاعدتين جامعة‪:‬‬
‫جميعا إن أمكن‪ ،‬وإال سعى المسلم إلى‬
‫ا‬ ‫األولى‪ :‬أ َّن المصالح مع بعضها يسعى إلى تحصيلها‬
‫الدنيا منها‪ ،‬مثاله‪ :‬إن أمكنه الوقت أن يأتي بالسنة الراتبة قبل الصالة‪،‬‬
‫جلب أعلى المصالح ‪ ،‬وترك ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫ويأتي بالفريضة قبل خروج الوقت‪ ،‬فهذا حسن‪ ،‬وإال ضاق عليه الوقت وخشي فواته ففي هذه الحالة‬

‫(‪ )1‬هذه النقطة أمالها الشيخ‪ ،‬وهي من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهذه هي قاعدة‪( :‬ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما)‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫يأتي بالفريضة فقط‪.‬‬


‫ومثله إذا اجتمع عنده الصدقة والزكاة‪ ،‬فإن أمكن ماله بأن يزكي ويتصدق فإنه يسعى لذلك‪،‬‬
‫وإن لم يكفي ماله لذلك ز َّكى فقط‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إذا اجتم عت المفاسد مع بعضها‪ ،‬فهذه يسعى إلى دفعها كلها إن أمكن‪ ،‬وإال ارتكب‬
‫رضرا بارتكاب‬
‫ا‬ ‫رضرا(‪ ،)1‬وهذه مبنية على قاعدة‪( :‬إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما‬‫ا‬ ‫أخفهما‬
‫أخفهما)‪ ،‬مثاله‪ :‬لو أصيب شخص يف يده باآلكلة (الغرغرينة) ففي قطع الطبيب ليده مفسدة‪ ،‬ويف ترك‬
‫اليد مفسدة أعظم يف رسيان اآلكلة لباقي الجسد‪ ،‬ففي هذه الحالة يرتكب أخف الرضرين وهو قطع يد‬
‫المريض‪.‬‬
‫الثالث‪ً:‬إذا اجتمعت المصالح والمفاسد روعي جلب المصلحة ودفع المفسدة‪ ،‬فإن لم يتمكن‬
‫فإنه يكون على ثالث أحوال‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تكون المفسدة راجحة على المصلحة‪ ،‬فهذا يقدم درء المفاسد على جلب المصالح‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تتساوى المصلحة والمفاسد‪ ،‬فمن أهل العلم من قال‪ :‬يقدم دفع المفاسد‪ ،‬ومنهم من‬
‫قال‪ :‬يقدم جلب المصالح‪.‬‬
‫‪ .3‬أن تكون المصلحة راجحة على المفسدة‪ ،‬فهذا يقدم تحصيل المصلحة الراجحة على‬
‫المفسدة المرجوحة‪ ،‬مثاله‪ :‬الكذب إن كان للصلح‪ ،‬وكذب الزوج لزوجته‪ ،‬وبيع الوقف إذا‬
‫تعطلت مصالحه ومنافعه‪.‬‬

‫ً**‬ ‫ً**‬ ‫**‬

‫الرشين بارتكاب أخفهما)‪.‬‬


‫(‪ )1‬وهذه هي قاعدة‪( :‬يدفع رش ِّ‬
‫فهرس القواعد‬
‫مقدمةًيفًالقواعدًالفقهيةً‪1ً....................................................................................‬‬
‫القاعدةًالكبرىًاألولى‪(ً:‬األمورًبمقاصدها) ً‪8.............................................................‬‬
‫[‪ ]1‬قاعدة‪( :‬العبرة يف العقود بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني) ‪16 .......................‬‬
‫[‪ ]2‬قاعدة‪( :‬النية يف اليمين تخصص اللفظ العام وتعمم اللفظ الخاص) ‪17 ........................‬‬
‫[‪ ]3‬قاعدة‪( :‬األيمان مبنية على األغراض ال على األلفاظ) ‪18 ......................................‬‬
‫[‪ ]4‬قاعدة‪( :‬مقاصد اللفظ على نية الالفظ إال يف اليمين عند القاضي) ‪19 .........................‬‬
‫مظلوما‪ ،‬وعلى نية المستحلف إن كان الحالف‬ ‫ا‬ ‫[‪ ]5‬قاعدة‪( :‬اليمين على نية الحالف إن كان‬
‫ظالما) ‪19 .............................................................................................‬‬‫ا‬
‫[‪ً]6‬قاعدة‪( :‬ال ثواب إال بالنية) ‪20 .....................................................................‬‬
‫** ً** ً**ً‬
‫القاعدةًالكبرىًالثانية‪(ً:‬اليقينًالًيزولًبالشك) ً‪22ً ......................................................‬‬
‫[‪ ]1‬قاعدة‪( :‬األصل بقاء ما كان على ما كان) ‪25 .......................................................‬‬
‫[‪ ]2‬قاعدة‪( :‬األصل براءة الذمة) ‪26 .....................................................................‬‬
‫[‪ ]3‬قاعدة‪( :‬األصل يف األمور العارضة العدم) ‪27 .....................................................‬‬
‫[‪ ]4‬قاعدة‪( :‬األصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته) ‪28 ............................................‬‬
‫[‪ ]5‬قاعدة‪( :‬األصل يف األشياء اإلباحة) ‪29 ............................................................‬‬
‫[‪ً]6‬قاعدة‪( :‬األصل يف األبضاع التحريم) ‪30 ..........................................................‬‬
‫ولكن السكوت يف معرض الحاجة إلى البيان بيان) ‪31 ...‬‬ ‫َّ‬ ‫[‪ً]7‬قاعدة‪( :‬ال ُينسب إلى ساكت قول‪،‬‬
‫[‪ً]8‬قاعدة‪( :‬ال عبرة بالتوهم) ‪32 .......................................................................‬‬
‫البين خطؤه) ‪32 ...........................................................‬‬ ‫[‪ً]9‬قاعدة‪( :‬ال عبرة بالظن ِّ‬
‫[‪ً]10‬قاعدة‪( :‬الممتنع عادة كالممتنع حقيقة) ‪33......................................................‬‬
‫[‪ً]11‬قاعدة‪( :‬ما يثبت بيقين ال يرتفع إال بيقين) ‪34...................................................‬‬
‫[‪ً]12‬قاعدة‪( :‬ال عبرة للداللة يف مقابلة الترصيح) ‪34.................................................‬‬
‫[‪ً]13‬قاعدة‪( :‬ال حجة مع االحتمال الناشئ عن دليل) ‪35............................................‬‬
‫[‪ً]14‬قاعدة‪( :‬األصل يف الذبائح التحريم) ‪36.........................................................‬‬
‫** ً** ً**ً‬
‫‪67‬‬ ‫القاعدة الكربى الرابعة‪( :‬ال رضر وال رضار)‬

‫القاعدةًالكبرىًالثالثة‪(ً:‬المشقةًتجلبًالتيسير)ً‪39ً......................................................‬‬
‫[‪ً]1‬قاعدة‪( :‬إذا ضاق األمر اتسع‪ ،‬وإذا اتسع األمر ضاق) ‪44..........................................‬‬
‫[‪ً]2‬قاعدة‪( :‬الرضورات تبيح المحظورات)‪45........................................................‬‬
‫تقدر بقدرها)‪46.................................................................‬‬‫[‪ً]3‬قاعدة‪( :‬الرضورة َّ‬
‫[‪ً]4‬قاعدة‪( :‬االضطرار ال يبطل حق الغير) ‪47.........................................................‬‬
‫تنزل منزلة الرضورة عام اة كانت أو خاصة) ‪48.................................‬‬ ‫[‪ً]5‬قاعدة‪( :‬الحاجة َّ‬
‫** ً** ً**ً‬
‫القاعدةًالكبرىًالرابعة‪(ً:‬الًرضرًوالًرضار) ً‪50ً............................................................‬‬
‫[‪ً]1‬قاعدة‪( :‬الرضر يدفع بقدر اإلمكان) ‪54............................................................‬‬
‫[‪ً]2‬قاعدة‪( :‬الرضر يزال)‪55.............................................................................‬‬
‫[‪ً]3‬قاعدة‪( :‬الرضر ال يزال بمثله)‪57...................................................................‬‬
‫[‪ً]4‬قاعدة‪( :‬الرضر األشد يزال بالرضر األخف)‪57...................................................‬‬
‫[‪ً]5‬قاعدة‪( :‬يتحمل الرضر الخاص لدفع رضر عام) ‪60 ..............................................‬‬
‫[‪ً]6‬قاعدة‪( :‬القديم يترك على قدمه) ‪60 ...............................................................‬‬
‫قديما)‪61 .................................................................‬‬
‫ا‬ ‫[‪ً]7‬قاعدة‪( :‬الرضر ال يكون‬
‫[‪ً]8‬قاعدة‪( :‬درء المفاسد أولى من جلب المصالح)‪63...............................................‬‬

You might also like