Professional Documents
Culture Documents
القواعد الفقهية 3
القواعد الفقهية 3
ذمركة
القواعد الفقهية
اوتسملىااخلسم
لشي
ا خ:
س عيعيس ل
دبعاهللنب ىا ى
* تعريف القاعدة
لغةً( :القاف والعين والدال) تعني :االستقرار والثبات ،وتجمع على قواعد وهي بمعنى
َۡ ۡ َ
األساس ،فقواعد البيت أساسه ،ومنه قوله تعالىِ{ :إَوذ يَ ۡرف ُع إِبۡ َر َٰ ِهۧ ُم ٱلق َواع َِد} [البقرة ،]127:وتقول
العرب قواعد الهودج ،ويقولون قواعد السحاب ،وتستعمل يف األمور المعنوية مثل :قواعد اإلسالم.
ويفًاالصطالحًالعام :فالقاعدة قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها ،هذا التعريف العام
للقاعدة يف أي علم.
■ وعند الفقهاء هلم اجتاهان:
)1حكم كلي ينطبق على جميع الجزئيات لتعرف أحكامها منه.
)2حكم أكثري ال كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه.
وهذا التعريف األخير هو تعريف الحموي ومن تبعه ،ودعاهم لهذا التعريف أنهم نظروا
للقواعد ووجدوا فيها استثناءات ،فقالوا يجب تعريفها بأنها حكم أكثري ال كلي .هذا تعليلهم.
عرفها بأنها (حكم كلي) دعاه لهذا أن الشأن يف قواعد العلوم أنها كلية ،كذلك يف قواعد
وأما من َّ
الفقه ،وأجابوا على ما ذكره أصحاب االتجاه اآلخر القائلين بأنها حكم أكثري ال كلي بعدة أجوبة:
)1قالوا إن ما ذكرتموه من مسائل مستثناة هي فروع لقواعد أخرى هي أليق بها فال تكون
مستثناة.
)2وقالوا ال نس ِّلم أنها مستثناة بل هي داخلة وينطبق عليها الحكم ،لكن لم يظهر لكم وجه
دخولها فيها.
)3أنها ُاستثنيت ولم تدخل يف القاعدة لتخلف رشط أو وجود مانع.
أن القاعدة إذا ثبتت كليتها فوجود بعض االستثناءات )4جواب آخر ذكره الشاطبي وهوَّ :
ال يمنع وصف القاعدة بأنها كلية ،فال تنخرم كلية القاعدة بوجود بعض المسائل
المستثناة ،وألنه ما من قاعدة ولها استثناءات.
كل فالتعريفات متعددة وهناك من يضيف قيود فيقول (حكم كلي فقهي) فيخرج الحكم وعلى ٍّ
النحوي ونحوه.
ًعرفهاًكالشيخًيعقوبًالباحسين :بأنها قضية كلية فقهية جزئياتها قضايا كلية فقهية. ومنهمًمن َّ
2 مقدمة يف القواعد الفقهية
* مناهج التأليف
■ من جهة املضمون:
-بعضهم يكتب القواعد ويذكر معها مباحث أصولية ،مثل( :ابن السبكي يف األشباه
والنظائر -والحصني يف كتاب القواعد).
-وبعضهم يذكر معها مباحث فقهية ،مثل( :السيوطي يف األشباه والنظائر -وابن نجيم).
خالصا يف القواعد.
ا -والتأليف يف زماننا يكون
■ من جهة الرتتيب:
لم يسيروا على منهج واحد بل لهم مناهج:
منهم من رتبها حسب شمول القاعدة ،فبدأ بالقواعد الشاملة وهي الكبرى ،مثل: -
(السيوطي يف األشباه والنظائر -وابن نجيم يف األشباه والنظائر).
ومنهم من رتبها على األبواب الفقهية ،مثل( :الم َّقري -وابن الملقن -والبقوري). -
ومنهم من رتبها على حروف المعجم ،مثل( :الزركشي يف المنثور -الخادمي يف مجامع -
الحقائق -ناظر زاده يف ترتيب الآللئ).
ومنهم من نستطيع القول بأنه راعى الترتيب الفقهي كابن رجب يف القواعد. -
وهناك مؤلفات لم يظهر أنهم لرتبوها على منهج معين ،مثل( :رسالة الكرخي -ومجلة -
األحكام العدلية).
( )1
(األمور بمقاصدها)
ا لقاعد ة ا لكبر ى األو لى( :األمور بمق اصدها )
( )1انظر الكتاب (ص )63ط .الثالثة .ومراجع القاعدة متعددة :ككتب القواعد ،وكتب األشباه والنظائر ،وهناك بحوث يف الجامعات
ويف المجالت العلمية عن القاعدة وتطبيقات لها ،ويف رشوح األحاديث.
9 القاعدة الكربى األوىل( :األمور بمقاصدها)
ومنًالسنة دلَّت أحاديث كثيرة منها حديث عمر بن الخطاب ☺” :إنماًاألعمالًبالنياتً،وإنماً
لكلًامرئًماًنوىً،فمنًكانتًهجرتهًإلىًاهللًورسولهً،فهجرتهًإلىًاهللًورسولهً،ومنًكانتًهجرتهً
إلىًدنياًيصيبهاً،أوًإلىًامرأةًينكحهاً،فهجرتهًإلىًماًهاجرًإليه“ متفق عليه ،وهو أصل هذه القاعدة.
ومنها قوله ﷺ” :منًأخذًأموالًالناسًيريدًأداءهاًأدىًاهللًعنهً،ومنًأخذًيريدًإتالفهاًأتلفهً
اهلل“ رواه البخاري.
اشتد بي
وجع َّ
ومنها حديث سعد بن أبي وقاص ☺ قال :جاءني رسول اهلل ﷺ يعودني من ٍ
زمن حجة الوداع ،فقلت :بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال ،وال يرثني إال ابنة لي ،أفأتصدق بثلثي مالي؟
قال”ً :ال“ً.قلت :بالشطر؟ قال”ً :ال“ً .قلت :الثلث؟ قال”ً :فالثلثً،الثلثًكثيرً،أنًتدعًورثتكً
أغنياءًخيرًمنًأنًتذرهمًعالةًيتكففونًالناسً،ولنًتنفقًنفقةًتبتغيًبهاًوجهًاهللًإالًأجرتًعليهاً،
حتى ًاللقمة ًالتي ًترفعها ًإلى يًيف ًامرأتك“ متفق عليه ،فدل على أن أي فعل واجب أو مباح يفعله
اإلنسان يثاب عليه بحسب نيته.
واألدلة كثيرة منها لما سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة ،ويقاتل حمية ،ويقاتل
رياء ،أي ذلك يف سبيل اهلل؟ فقال رسول اهلل ﷺ”ً:منًقاتلًلتكونًكلمةًاهللًهيًالعلياًفهوًيفًسبيلً
اهلل“ًمتفق عليه ،فدل على أن النية لها أثر يف األعمال وأن الجزاء يختلف باختالف المقاصد والنيات.
* مكانة القاعدة
تتبوأ القاعدة مكانة عظيمة كبيرة عند السلف واألئمة ،ودل على ذلك؛ تعظيم السلف لحديث
عده ربع
عده :ثلث العلم ،وبعضهم َّ عمر بن الخطاب ☺ فاعتبره بعضهم نصف العلم ،وبعضهم َّ
ولكل منهم توجيه لقوله ،فمن اعتبرها نصفه كالشافعي ،فإنه قال :أن للدين ظاهر وباطن، ٍّ العلم،
وباطنه النية.
ومن قال ثلثًالعلم :فإنه نظر أن أصول الدين ترجع لثالثة أحاديث؛ هذا الحديث ،وحديث
”الحاللًبينًوالحرامًبين“ ،وحديث” :منًأحدثًيفًأمرناًهذاًماًليسًمنهًفهوًرد“ ومنهم من قال :إن
كسب العبد يقع :بقلبه ،ولسانه ،وجوارحه .ومن قال ربعًالعلم :نظر أن الدين يرجع ألربعة أحاديث،
الثالث السابقة وحديث” :إنًاهللًطيبًالًيقبلًإالًطيبا“.
ال.
ال أو مآ ا
رض حا ا ومنهم من عرفها :انبعاث القلب نحو ما يراه مواف اقا لغر ٍ
ض من جلب نفع أو دفع ُ ٍ
تقربا إلى اهلل.
باختصار :يف االصطالح القصد ،والنية يف العبادة العزم على فعل العبادة ا
■ احلكمة من مرشوعية النية
أن مما ُرشعت النية ألجله:
النية هي روح العمل و ُلبه والعمل الذي ال نية فيه كالبيت الخرب ،وذكروا َّ
تمييز العبادات عن العادات. )1
تمييز رتب العبادات بعضها عن بعض. )2
اإلخالص. )3
أما تمييز العبادات عن العادات ،فإن هناك أفعال تكون عبادة أو عادة فالنية هي التي ُتميز
بينهما ،من ذلك:
الغسل :فقد يغتسل اإلنسان ألجل النظافة وقد يكون ألجل رفع الجنابة ،فالنية هي .1
التي ُتميز بينهما.
إخراجًاألموال :قد يخرجها عادة أو صدقة ،فتميزه النية. .2
تركًاألكلًأوًالرشب :قد يترك ألنه ال يرغب بذلك ،أو لم يجد ما يأكل ،أو أمره .3
الطبيب بذلك ،وقد يمسك ألجل الصوم ،فتميز بين ذلك النية.
ذبحًالذبائح :قد يكون لرغبته باللحم وقد يذبح للهدي واألضحية ،فالنية تميز بينهم. .4
الوقف :قد يكون لإلرضار بالورثة وقد يكون صدقة هلل ،فالنية تميز بين ذلك. .5
الزواج :فقد يتزوج إلغاظة زوجته األولى ،وقد يكون للولد وتكثير اا لألمة ،فالنية .6
تميز بين ذلك.
َّأما تمييزًرتبًالعباداتًبعضهاًعنًبعض ،فألنه قد يفعل اإلنسان أفعال تتشابه بين المسنون
والواجب ،من ذلك:
الوضوء :قد يتوضأ لرفع الحدث ،وقد يتوضأ لتجديد الوضوء ،فاألول واجب .1
واآلخر مسنون ،فالنية هي التي تميز بين رتب العبادات.
الغسل :قد يكون ألجل الجنابة وقد يكون غسل الجمعة ،فاألول واجب واآلخر مسنون. .2
إخراجًالمال :قد يكون للزكاة وقد يكون للصدقة ،فاألول فرض واآلخر سنة. .3
الصالة :فمنها ما هو مفروض ومنها ما هو نفل ومنها ما هو واجب بأصل الرشع ومنها .4
ما هو واجب بالنذر ،فالنية تميز بين ذلك.
الحج :منه ما هو فرض ومنه ما هو نفل ومنه النيابة عن الغير. .5
11 القاعدة الكربى األوىل( :األمور بمقاصدها)
َّأما اإلخالصًفإنه أعظم ما ُرشعت له النية ،فهو يميز بين ما ُيعمل هلل وما ُيعمل لغيره ،وهذه من
أعظم النيات ،بسببها يدخل الناس الجنة أو النار ،وبسببها ُأرسل الرسل و ُأنزلت الكتب ،وهي التي
يؤ ِّثر فيها الرشك والرياء ،وهي التي يتكلم عنها السلف يف كتب التوحيد.
أما نية قصد الشيء فهذه هي التي يتكلم عنها الفقهاء.
* حكم النية
حكم النية يختلف يف العبادات عن حكمها يف العادات ويف التروك.
َّأما العبادات فرشط لصحتها وترتيب الثواب عليها ،كالصالة والصوم.
َّأما المعامالت ًوالعادات فليست رش اطا يف صحتها لكنها رشط لحصول الثواب ،فإذا باع
واشترى يصح العقد دون نية ،لكن إذا كان يريد الثواب فتشترط النية لوجه اهلل ،كذلك العادات
كاألكل والنوم.
كف عن النهي مع القدرة رشط لحصول الثواب إذا ََّّأما التروك فليست رش اطا يف صحتها لكن ٌ
فمنع وامتنع خو افا من اهلل ،فإنه
فالنا من الناسُ ،
شخص ا ٌ عليه ،ابتغاء مرضاة اهلل فيثاب ،كما لو اغتاب
يثاب ،أما إن امتنع ألجل الخوف أو العجز فال يثاب.
إذن فيشترط للثواب يف التروك :الكف مع القدرة ،وأن يبتغي بذلك وجه اهلل.
* وقت النية
للنية ثالث حاالت:
)1تقدم النية على العمل.
)2مقارنة النية للعمل.
)3تأخر النية عن العمل.
يسيرا ،فإن كان طويال ًفال تصح النية حتى
طويال أو ا
ا تقدما
تقدم ًالنية؛ إما أن يكون ا
فال يخلو ُّ
يسيرا.
يجددها ،أما إذا كان يسيرا فيصح العمل بها ،ولو تشاغل بكالم ما دام التقدم ا
يستثنى من التقدم الطويل؛ نية صوم الفرض فالليل كله وقت للنية.
أما مقارنةًالنيةًللعمل فاألصل أن النية تحدث عند بداية الرشوع بالعمل فتكون مقارنة له من
بدايته ويستصحبها معه أثناء العمل ،هذا هو األفضل ،وذكرنا جواز تقدم النية اليسير.
أما تأخرًالنيةًعنًالعمل ،أي أن النية تحدث يف أثناء العمل أو بعد الفراغ منه ،فحكمه أن هذا
العمل إذا كانت النية رش اطا فيه فإنه ال يصح بهذه النية.
12 القاعدة الكربى األوىل( :األمور بمقاصدها)
* حمل النية
محل النية هو القلب ،ألنه محل اإلرادات وهو محل الفقه والخشية ومحل الصالح ،وكذلك
َٰ َ ا َ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ
كن
محل الزيغ والفساد ،وهو محل العقل ومحل اإليمان ،قال ╡{ :فإِنها َل تعَم ٱۡلبصر ول ِ
لص ُدورِ} [الحج ،]46:وقال ﷺ” :إنًيفًالجسدًمضغةًإذاًصلحتًصلحً َت ۡع ََم ٱ ۡل ُقلُ ُ
وب ٱ الت ِف ٱ ُّ
ِ ِ
الجسدًكلهً،وإذاًفسدتًفسدًالجسدًكلهً،أالًوهيًالقلب“ متفق عليه .والقلب محله الصدر بدليل
اآلية السابقة.
ينبني على هذا أن التلفظ بالنية باللسان ال يكفي دون مواطأة القلب ،ولهذا ما يتلفظ بها يف
رسا فلم يقل به أحد من األئمة
العبادات ،أما الجهر بالنية فلم يقل به أحد من المسلمين ،وأما التلفظ ا
المتبوعين ،وإنما قال به بعض أتباع األئمة يف مختلف المذاهب األربعة ،ومنهم من قال مرشوع ،ومن
قال بدعة ،ومن قال مكروه ،ومن قال يرشع لمن عنده وسواس.
صحيحا أو ضعي افا ،إنما عللوا بتعليالت فقالوا :ألنه آكد ،وغير ذلك،
ا ولم يذكروا دلي اال
شيئا قبل التكبير ،فهو محدث،
والصحيح أنه ال يرشع التلفظ ألنه لم ينقل عن النبي ﷺ أنه قال ا
ومن أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
أما ما ورد يف الحج والعمرة واألضاحي ،فليس من باب التلفظ بالنية ،إنما التلفظ بالمنوي ال
بالنية ،أي قول (لبيك اللهم عمرة) وغيره ،وبعضهم قال هو مستثنى من المسألة.
فلبى بالعمرة،
مسألة :إذا اختلف اللسان والقلب ،فالعبرة بما يف القلب ،كما إذا أخطأ يف الحج َّ
فالعبرة بما يف القلب وهو الحج.
()1
* أثر النية يف األلفاظ
أي أثر النية يف المعامالت ،فهذا ال يخلو إما أن تكون األلفاظ رصيحة أو محتملة ،فإن كانت
رصيحة فال أثر للنية ،وإن كانت محتملة فينظر لنيته ،مثل لو قال المرأته (أنت طالق) فلما ُسئل قال:
أردت إغضابها ،فهذا ال ينظر لنيته ألن اللفظ رصيح ،أما لو قال (اذهبي ألهلك) فهذا اللفظ محتمل
فيسأل وتقبل منه ،ألن للنية أثر يف األلفاظ المحتملة.
قد يكون :للزيارة ،أو أنه مغضب وأراد الطالقُ ،
وهذه المسألة مخالفة للقاعدة ،وسبب مخالفتها ألن هذا من باب الرضورات فإنه إن أخذنا
صح عقد عند الناس ،ولصار لكل أحد أن يقول قصدت كذا ،فمن باب الرضورة بالنيات فقط ،لما َّ
وأيضا لو أخذنا بالمقاصد لجعلنا إبرام العقود بالنيات فقط ،والصحيح أنه
ا أخذنا باللفظ الرصيح،
ال بد من قول أو فعل ،وهذا يف العقود كلها والنذر والطالق وغيرها.
* رشوط النية
بعضهم يذكرها فتزيد عنده ،وبعضهم تقل عنده ،والسبب أن بعضها موجودة يف مذهب دون
فصل.
مذهب ،وبسبب أن بعضهم ُيجملها وبعضهم ُي ِّ
والرشوط هي :اإلسالم ،والعقل ،والتمييز ،والعلم بالمنوي ،واستصحاب النية.
( -)1اإلسالم :فالكافر ال تصح منه النية ،ألن النية -نية التقرب -عبادة ،والعبادة ال تصح
َ َ ۡ َ ٓ َ َٰ َ َ ُ ْ ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ ٓ ٗ ا ُ
نث ً
ورا} [الفرقان،]23: منه ،قال ╡{ :وقدِمنا إِل ما ع ِملوا مِن عم ٖل فجعلنه هباء م
كافرا وقتها.
مثاله :لو توضأ كافر ثم أسلم ،فإن هذا الوضوء ال يصح منه ،ألنه كان ا
( -)2العقلً:فالمجنون ال تصح منه النية ،ألنه مناط التكليف.
( -)3التمييز :فالصبي غير المميز ال تصح منه النية ،والتمييز يكون ببلوغ سبع سنين،
فلذلك ال تصح عبادة من دون المميز.
صبيا يف الحج فقالت :ألهذا حج؟
ويرد عليه :ما جاء عن ابن عباس ☻ أن امرأة رفعت ً
فقال ﷺ” :نعم“.
فأخذ به بعض العلماء أن الحج يصح من الصبي ،وذلك ألن وليه هو الذي ينوي عنه،
فال يرد هذا الحديث على الرشط.
ويرد كذلك :عمد الصبي والمجنون يف الجنايات هل هو عمد أو خطأ ،الصحيح أنه يف
حكم الخطأ ،ألنه ال قصد صحيح لهم.
( -)4العلمًبالمنوي :أن يعرف حقيقة المنوي وصفته ،فال بد أن يعلم حقيقة الوضوء والصالة
عالما بها؛ فلو تلفظ األعجمي
وصفتهما ،وهذا يجري يف األلفاظ كذلك فال بد أن يكون ا
بلفظ الطالق بالعربية ،فال يقع ألنه ال يعلم حقيقة هذا اللفظ.
واستثني منه غير المعلوم الذي يؤول للعلم ،بدليل حديث علي ☺ لما قدم من اليمن
ٍّ
أن النبي ﷺ خرج للحج ،فقال( :أحرمت بما أحرم به النبي ﷺ) وعلم َّ
وصحح النبي ﷺ فعله .فقالوا :إذا كان يؤول للعلم فيصح.
والكالم يف األمور التي تشترط فيها النية ،أما رد الغصوب ورد الدين فال يشترط.
( -)5استصحابًالنيةً:وهي حالتان:
(أ) -استصحابًذكرًالنية :وهي أن ينوي يف أول العمل ويستحرضه إلى نهاية العمل،
وهذهًحالةًأفضلية ،فيجاهد العبد نفسه يف أن يستحرض النية يف جميع العبادة.
(ب) -استصحابًحكمًالنية :ومعناه أن ينوي يف أول العمل ثم ال يأتي بما ينايف النية يف
أثناء العمل ،وهذهًحالةًوجوب.
14 القاعدة الكربى األوىل( :األمور بمقاصدها)
ومن األمور المنافية للنية -وهي :الردة ،وقطع النية ،وقلب النية ،والتردد وعدم
الجزم:-
.1الردة :فإذا ارتد بطل عمله ونيته.
.2قطعًالنية :وهذا ال يخلو إما أن يقطع النية بعد الفراغ من العمل أو يف أثنائه.
-أما قطع النية بعد الفراغ من العمل فال أثر له يف العمل ،فلو نوى قطع صالة
الظهر بعد االنتهاء منها فال أثر له ،وهذا يسمى رفضًالعمل ،فال أثر له ألن هذا
ليس للمكلف.
-أما قطع النية أثناء العمل ،فيختلف الحكم من عمل إلى عمل ،فلو قطع
الصالة يف أثناءها بطلت ،أما لو قطع الوضوء لم يبطل إال إذا طال الفصل ،ولو
نوى قطع العمرة والحج فال تنقطع ،فإنه ال بد من إتمام العمرة والحج ،وقطع
الصوم اختلفوا فيه :فمنهم من ألحقه بالصالة ومنهم من ألحقه بالحج.
.3قلبًالنية :وهو على أقسام:
أ .قلبًفرضًإلىًفرض :وحكمه أنه ال يصح واحد منهما ،ألنه قطع الفرض
األول يف أثناءه ،ولم ينو الفرض الثاني من أوله ،مثاله :لو دخل يف صالة
يصحا.
َّ ظهرا لم
العرص ثم نوى قلبها ا
ب .قلبًفرضًإلىًنفل :وهذا فيه حالتان:
-أن ُيحكم باالنتقال :أي الشارع يحكم به ،وذلك يف كل فرض بان عدمه؛
وتبين له أن الوقت لم يدخل بعد ،فتكون الصالة كشخص صلى الظهر َّ
التي صالها نافلة.
-أن ينوي قلب الفريضة إلى نافلة ،ويف هذه الحالة يصح إذا كان لمصلحة
منفردا ثم جاء جماعة فصلوا ،فأراد الدخول معهم،
ا كمن دخل يف الفريضة
فقلب فريضته إلى نافلة ،فهذا يصح ،ألنه انتقال من أعلى إلى أدنى.
أما إن كان من باب العبث فال.
ج .قلبًنفلًإلىًفرض :وحكمه أنه ال تصح واحدة منهما ،ألنه قطع النفل يف
أثناءه ،ولم ينو الفرض من أوله ،وألنه انتقال من أدنى إلى أعلى ،مثاله :من
فجرا.
دخل يف نافلة الفجر ثم قلب نيته ا
د .قلبًنفلًراتبًإلىًنفلًراتب :ال يصح واحد منهما ،ألنه قطع النفل األول يف
أثناءه ،ولم ينو النفل الثاني من أوله ،مثاله :من دخل يف الوتر ثم قلبها إلى
سنة الفجر ،فإنه ال يصح.
15 القاعدة الكربى األوىل( :األمور بمقاصدها)
.4الترددًوعدمًالجزم :ألن النية اعتقاد جازم ومع التردد ينتفي الجزم ،فلو تردد فإنه
ماال وقال هذا صدقة أو زكاة إن كانت قدال تصح النية والعمل ،مثاله :من أخرج ا
وجبت علي .فإنه ال تجزئه عن الزكاة(.)1
َّ
وهناك مسائل يغتفر فيها التردد فال تبطل مثلً:
إذاًكانتًالنيةًللرضورة مثل :لو فات شخص صالة يف يوم وجهل عينها يوم، -
ال يذكر ما هي الصالة ،فإنه يصلي الصلوات الخمس وينوي يف كل صالة
أنها الفائتة.
غدا رمضان
أوًكانًمستندًألصل ،كمن قال ليلة الثالثين من رمضان :إذا كان ا -
فأنا صائم وإن كان من شوال فأنا مفطر .فيصح ألنه مستند ألصل وهو بقاء
رمضان ،بخالف لو قال ذلك ليلة الثالثين من شعبان.
أوًكانًهوًاألحوط ،مثل لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار كسقوط -
طائرة أو غيره ،ولم يمكن تمييز المسلمين من الكفار ،فإنه يص َّلى عليهم
كلهم ،وينوي الصالة على المسلمين ،فتصح مع أنه غير جازم بأن هؤالء هم
المسلمين أو أولئك.
أوًألنهًفعلًماً ُأمرًبهً،كشخص يف البرية اشتبهت عليه القبلة فاجتهد وترجح -
له اتجاه معين ولم يجزم ،فصلى ،فإنه يصح منه ألنه فعل ما ُأمر به ،وهو
االجتهاد وتحري القبلة.
مثال شك هل أحدث أو ال ،فتوضأ أوًألنهًهوًالواقعًولوًلمًيقلهً،كشخص ا -
ونوى إن كان أحدث فالوضوء لرفع الحدث ،وإن كان لم يحدث فالوضوء
ويم َّثل له بمثال ليلة
للتجديد ،فهو لم يجزم ،فيصح ألن هذا هو الواقعُ .
الثالثين من رمضان السابق.
تقربا هلل ،وغيرها.
وهناك رشوط أخرى مثل اإلخالص وهذا فيما كان ا
()1
القواعد الفرعية
* ما عالقة القواعد الفرعية بالقواعد الكربى والكلية
القواعد الفرعية تتفرع من القواعد الكبرى ومن القواعد الكلية ،والعالقة إما أن تكون:
oبمعنى القاعدة الكبرى والخالف يف اللفظ والعبارات ،أما المعنى فواحد.
نصت على ما دلت عليه القاعدة الكبرى ،فتكون من باب ذكر oأو تكون القاعدة الفرعية قد َّ
ۡ ا ََ َ ا َ َ ْ
َ ُ َ
لصل َٰوة ِ ٱل ُو ۡس َط َٰى} [البقرة.]238: الخاص بعد العام كقول اهلل ╡{ :ح َٰ ِفظوا لَع ٱلصلو َٰ ِ
ت وٱ
oأو تكون مقيدة أو مخصصة إلطالق القاعدة أو عمومها.
oأو تكون استثناء منها ،قد يكون سببه الدليل أو من باب الرضورات.
()2
قاعدة( :النية يف اليمني ختصص اللفظ العام وتعمم اللفظ اخلاص) [ً]2
يقوى به جانب العزم على الفعل أو الترك، عقد َّ
(اليمين) يطلق على الحلف ،واليمين يف الرشعٌ :
أيضا الطالق والعتق واإليالء.
واليمين هنا ال يقصد بها اليمين باهلل تعالى فقط ،ولكن ُيقصد بها ا
فصاعدا من غير حرص.
ا (العام) اللفظ المتناول لشيئين
نوعا. ٍ
فردا أو ا
سواء أكان ا
مسمى واحد ٌ (الخاص) ُيراد به هنا اللفظ الدال على ا
(التخصيص) ُيراد به قرص اللفظ العام على بعض أفراده.
أثر يف باب األيمان من جهة أن المتكلم لو تلفظ بيمي ٍن
والمعنىًاإلجمالي :أن نية المتكلم لها ٌ
خاصا فإن النية تخصص لفظه هذا ،ويعامل بحكم ما نواه ،أما عكسه وهو: ا شيئا
لفظها عام ونوى ا
تعميمًالخاصًبالنية :فقد وقع فيه الخالف:
فقال بجوازه المالكية والحنابلة وبعض الحنفيةً ،ومنع ذلك الشافعية وبعض الحنفية ،فلفظ
القاعدة عندهم( :النية يف اليمين تخصص اللفظ العام وال تعمم الخاص).
■ أمثلة القاعدة
القاعدة مكونة من شقين:
األول :تخصيصًالعامًبالنية ،وهذا متفق عليه يف الجملة.
الثاني :تعميمًالخاصًبالنية ،وهذا وقع فيه الخالف كما سبق بيانه.
أحدا ،ونوى أن ال ُيك ِّلم
شخص أن ال يكلم ا
ٌ وسنذكر أمثلة لكل شق ،فمثالًالشقًاألول :لو حلف
زيدا فقط ،فإنه ال يحنث لو ك َّلم غير زيد ،ألن يمينه وإن كانت عامة يف لفظها إال أنه قد خصصها
ا
بالنية ،والنية يف اليمين تخصص اللفظ العام.
شخص أن ال يرشب من ماء فالن من عطش ،ونوى أن ال ينتفع منه
ٌ ومثالًالشقًالثاني :لو حلف
بشيء ،فبناء على قول المالكية والحنابلة وبعض الحنفية؛ فإنه يحنث إذا انتفع منه بأي شيء ،وإن
خاصا بالرشب ،ألن النية يف اليمين تعمم اللفظ الخاص.
ا كان لفظه
أما عند الشافعية وبعض الحنفية فإنه يحنث بالرشب منه من عطش خاص اة ،وال يحنث لو انتفع
بشيء آخر كالطعام أو اللباس.
()1
قاعدة( :األيامن مبنية عىل األغراض ال عىل األلفاظ) [ً]3
(األغراض) :أي النيات والمقاصد.
ومعنىًالقاعدةًاإلجمالي :أن اليمين باهلل تعالى إذا اختلف لفظها عن نية الحالف فإن الحكم
مبنيا على النية إذا احتملها اللفظ.
هنا يكون ً
ٍ
بريال ،ونيته أعم من ذلك وهي أال مثاله :لو اغتاظ الوالد من ابنه فحلف أال يشتري له
شيئا ،فقولنا أن األيمان مبنية على األغراض ال على األلفاظ فإنه يحنث إذا اشترى يشتري له ا
البنه بمئة ريالٍ ،مع أنه تلفظ (بريال) فإذا اختلف اللفظ والنية ُعمل بالنية ،هذا معنى القاعدة
عند المالكية والحنابلة.
أما عند الحنفية والشافعية فإنه ال يحنث ألنهم ينظرون إلى األلفاظ وال ينظرون إلى النيات.
ومثاله :لو حلف شخص ال يدخل تلك الدار ،ويقصد أال يدخلها على وجه العموم ،فلو
قدم اللفظ على
دخلها بطريق آخر ،ليس مع الباب ،من السطح أو نحوه ،فإنه يحنث بيمينه ،ومن َّ
النية قال أنه ال يحنث(.)2
()1قاعدة( :مقاصد اللفظ عىل نية الالفظ إال يف اليمني عند القايض) [ً]4
هذه القاعدة تدلنا على أن المعتبر يف األلفاظ والمقاصد هو ما يقصده الحالف ،ويستثنى من
ذلك حالة واحدة وهو :ما إذا كانت اليمين عند القاضي ،فالمعتبر هو نية القاضي أو كل من له حق
التحليف ،ال نية الحالف ،وهذا من باب الرضورة.
ودليل القاعدة :قول النبي ﷺ” :إنماًاليمينًعلىًنيةًالمستحلف“ أي القاضي ومن يقوم
مقامه.
■ أمثلة القاعدة
هذه القاعدة متفق عليها يف المذاهب األربعة ،ومن أمثلتها :ما لو ح َّلف القاضي منكر الدين أنه
شيئا ،فحلف ونوى أنه ما أخ ذ هذا اليوم ،وكان يف الواقع قد أخذ قبل ذلك ،فإن هذا ما أخذ لفالن ا
الحالف يحنث يف يمينه ،ألنه وإن كان األصل يف اليمين أن ُتحمل على نية الحالف إال أنه هنا أمام
دل عليه لفظها.
فتحمل على ما َّالقاضيُ ،
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
القاعدة أفادت أن ألفاظ اليمين الصادرة من المكلف ترتب عليها األحكام بحسب نيته،
موضع واحد تحمل ألفاظ اليمين فيه على ما دلت عليه ،وذلك أمام القاضي ومن له
ٌ ويستثنى من هذا
حق التحليف ،وذلكًلرضورةًضبطًاألحكامً-هذا هو سبب االستثناء -وهذا ال يخرج يف جملته عما
أفادته القاعدة الكبرى.
قاعدة( :اليمني عىل نية احلالف إن كان مظلو ًما ،وعىل نية املستحلِف إن [ً]5
كان احلالف ظاملًا)()2
تتكون من شقين:
مظلوما :فالمعتبر هو نيته.
ا -1إذا كان الحالف
ظالما :فالمعتبر هو نية المستحلف.
ا -2وأما إذا كان الحالف
مثالًالشقًاألول :شخص ُهدد أن يطلق ز وجته وأجبر على ذلك ،وتلفظ بلفظ الطالق لكن
نوى بها طلقة قديمة أو نوى بها طالق من وثاق -أي حل رباط ، -فالمعتبر نيته وتنفعه ،ألنه
مظلوم.
ومثالًالشقًالثاني :شخص منكر للدين ،وإنكار الدين ظلم ،فلو توجهت اليمين عليه وهو
شيئا ،وقصده لم يأخذ اليوم أو
شيئا فحلف أنه لم يأخذ منه ا
ظالم ،وطلب منه الحلف أنه لم يأخذ منه ا
لم يأخذ السيارة وهو أخذ النقود ،فالمعتبر هنا هو نية المستحلف ألن الحالف ظالم( ،وأمثلة القاعدة
مثاال لهذا الشق).
السابقة تصلح ا
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه القاعدة تفيد أن حكم اليمين المترتب عليها يختلف باختالف النية المبني على اختالف
ظالما ،وهذا ال يخرج عما أفادته القاعدة.
ا مظلوما وبين أن يكون
ا حال الحالف بين أن يكون
( )1
(اليقني ال يزول بالشك)
ا ل قاعد ة ا لكبر ى ا لثانية( :ا ليقين ال يزو ل با لش ك)
فترتيب مراتب اإلدراك :االعتقاد الجازم ،وتحته الظن الغالب أو القوي ،وتحته الظن ،وتحته
الشك ،ثم الهاجس والخاطر.
أيضا الظن.
والمراد بالشك يف القاعدة أوسع من مراد األصوليين فيدخل فيه ا
المعنىًاإلجماليًللقاعدة :أن األمر الثابت الذي ال تردد فيه ،ال يرتفع بالتردد ،سواء تر َّجح أحدهما
أو لم يترجح.
■ أدلة القاعدة
هذه القاعدة دلت عليها أدلة من الكتاب والسنة ومن اإلجماع ومن العقل.
فيستدل لها باألدلة التي وردت يف النهي عن اتباع الظن ،والظن ورد يف آيات كثيرة، أماًالكتابُ :
وهو من ألفاظ األضداد -يعني يأتي بمعنى الشيء وبمعنى ضده -فالظن يأتي بمعنى اليقين ويأتي
بمعنى :الخرص والتخمين والشك ،فاآليات التي أتت بمعنى الخرص والتخمين والشك وذمها
َا َ ٓ َ
دليال للقاعدة ،أما إذا ورد بمعنى اليقين فليس بدليل للقاعدة ،كقولهَ { :وأنا ظ َن انا أن تصلح أن تكون ا
َ َ
ٱّلل ِف ۡٱۡل ِ َ َ ُّ ۡ الن ُّن ۡعج َز ا َ
ج َزهُۥ ه َر ٗبا} [الجن ،]12:فالظن هنا بمعنى اليقين ،لكن الظن المعتبر ۡرض ولن نع ِ ِ ِ
ا ا َ ا َ َ
َ َ َا ُ ۡ ُ ُ
َثه ۡم إَِل ظ ًّنا إِن ٱلظ ان دليال للقاعدة فهو الظن الذي جاء يف سياق الذم كقوله ╡{ :وما يتبِع أك ا
ۡ
ََل ُي ۡغن م َِن َ
ٱۡل دق َش ۡ ً
يا} [يونس ،]36:أي :الخرص والتخمين والشك ،الحق أي اليقين. ِ ِ
ۡٗ َ ۡ ۡ َ ا ا ا ا َ ا ۡ َ
ۡل د ِق شيا} وقوله ╡َ { :و َما ل ُهم بهِۦ م ِۡن عِلمٍٍۖ إِن يَتب ُعون إَِل ٱلظ ان ِإَون ٱلظ ان َل ُيغن م َِن ٱ َ
ِ ِ ِ
[النجم.]28:
يخيل
وأماًالسنة :فيستدل لها بحديث عبد اهلل بن زيد ☺ قالُ :شكي إلى النبي ﷺ الرجل َّ
إليه أنه يجد الشيء يف الصالة ،قال”ً:الًينرصفًحتىًيسمعًصوتًاًأوًيجدًريحًا“ متفق عليه.
مرفوعا” :إذاًوجدًأحدكمًيفًبطنهًشيئًاًفأشكلًعليهًأخرجًمنهًشيءًأمًال؟ً
ا وعن أبي هريرة ☺
فالًيخرجنًمنًالمسجدًحتىًيسمعًصوتًاًأوًيجدًريحًا“ رواه مسلم.
وشك يف الحدث فإنه يبني على طهارته.َّ ففي الحديثين داللة على أن من تيقن الطهارة
وسعوا مجرى الحكم ،فاألحاديث وإن وردت يف األحداث فإنهم وسعوا مجرى الحكم. والعلماء َّ
مرفوعا” :إذاًشكًأحدكمًيفًصالتهًفلمًيدرًكمًصلىًثالثاًأمً
ا ومنها حديث أبي سعيد الخدري
أربعاً ،فليطرحًالشكًوليبنًعلىًماًاستيقن“ ،وهذا الحديث يدل على أن من شك يف الصالة يبني
على األقل ألنه المتيقن.
أماًاإلجماع :فقد أجمع العلماء على هذه القاعدة ،وقد أشار إلى هذا القرايف حيث ذكر أنهم
جعلوا المشكوك يف حكم المعدوم.
قدم األقوى وهو اليقين.
وأماًالعقل :فإن درجة اليقين أقوى من درجة الشك ،فإذا تعارضا ِّ
24 القاعدة الكربى الثانية( :اليقني ال يزول بالشك)
()1
القواعد الفرعية
يندرج تحتها جملة من القواعد ،وقد سبق بيان العالقة بين القواعد الفرعية وبين القواعد
الكبرى (انظر ـص ،)16فمن القواعد المتفرعة عن قاعدة (اليقين ال يزول بالشك):
■ فروع القاعدة
متيقنا الطهارة ثم طرأ عليه الشك؛ أحدث أو ال ،فاألصل الطهارة ألن األصل بقاء ما
ا أن من كان
َّ
كان على ما كان.
وعكسه بعكسه ،ف من تيقن الحدث ثم شك هل تطهر أو ال ،فإنه يحكم بحدثه ،فاألصل بقاء ما
كان على ما كان.
شاكا يف طلوع الفجر ،صح صومه ،ألن األصل بقاء الليل ،وعكسه بعكسه ،فمن ومثله :من أكل ا
شاكا غروب الشمس ،لم يصح صومه ،ألن األصل بقاء النهار ،واألصل بقاء ما كان على ما كان.
أكل ا
ولو ادعى شخص على آخر بدين فأقر المدعى عليه بالدين ،لكن ادعى الوفاء ،فإنه ُيحكم
ببقاء الدين بذمته ،ألنه ثبت بإقراره واألصل بقاء ما كان على ما كان.
ولو ثبت إبراء الدائن للمدين ،ثم حصل شك يف قبوله لإلبراء ،فإن ذمته تكون بريئة.
ولو شك شخص متزوج هل طلق زوجته أو ال ،فإنه يحكم ببقاء النكاح ألن األصل بقاء ما كان
على ما كان.
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه القاعدة من العلماء من قال إنها بمعنى القاعدة الكبرى ،ومنهم من يذكرها أنها متفرعة
عنها ،وأنها نوع من أنواع االستصحاب وهو استصحاب الحكم حتى يثبت خالفه.
()1
قاعدة( :األصل براءة الذمة) [ً]2
(األصل) المراد هنا :المستصحب ،ومنهم من قال القاعدة المستمرة ،أو الراجحة أو الغالبة.
و(براءة) يعني :خلو.
أهال لإليجاب واالستيجاب. و(الذمة) العهد أو نفس اإلنسان ،والمراد وصف يصير به اإلنسان ا
والمعنىًاإلجمالي :أن المستصحب يف ذمة كل شخص أنها غير مشغولة بحق من الحقوق ،فإذا
قيل بإشغالها بحق من حقوق اهلل تعالى أو بحق من حقوق اآلدميين؛ فال يثبت ذلك إال بدليل.
■ أدلة القاعدة
يدل عليها قول النبي ﷺ” :البينةًعلىًالمدعيً،واليمينًعلىًالمدعىًعليه“ فالنبي
واكتفي يف جانب المدعى عليه
ﷺ جعل البينة يف جانب المدعي ألنه يدعي خالف األصلُ ،
باليمين ألنه معه األصل.
■ فروع القاعدة
المتولد بين الوحشي واألهلي هل فيه زكاة؟ منهم من قال ليس فيه زكاة ألن األصل براءة الذمة،
ومنهم من قال يجب لالحتياط ،لكن الواجبات ال تثبت باالحتياط.
ولو ادعى شخص على آخر بأنه يطلبه 1000ريال ،فأنكر المدعى عليه ،وال بينة للمدعي،
فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ألن األصل براءة ذمته.
ولو ادعى شخص على آخر بأنه اعتدى عليه أو شتمه أو قذفه وال بينة للمدعي ،وأنكر المدعى
عليه ،فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ،ألن األصل براءة ذمته.
جهازا قيمته
ا مثال -أتلف لي
وهكذا فيما إذا اختلف شخصان ،فقال أحدهما إن هذا الشخص -ا
أتلفت الجهاز لكن قيمته 1000ريال ،وال بينة عند المدعي،
ُ 1500ريال ،فقال المدعى عليه صحيح
فالقول قول المدعى عليه ،فاألصل براءة الذمة من الزيادة.
فقاعدة (اليقين ال يزول بالشك) ال ُنعملها إال عند عدم البينات فلذلك يقولون:
(االستصحاب -وهو قاعدتنا -آخر مدار الفتوى) أي ما يرجع لها إال عند عدم البينات.
فكذلك الوكيل والمستأجر والمودع القول قولهم ألنهم أمناء ،فاألصل براءة ذممهم ،وكذلك
كل أمين.
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
أن براءة الذمة واستصحابها هو المتيقن وإشغالها مشكوك فيه ،فيؤخذ بالمتيقن ويترك
المشكوك فيه.
أما إذا كان هذا األمر ال يحتمل أن يكون حدث يف الوقت البعيد أو الوقت القريب ،فإنه ال يدخل
تحت القاعدة ،مثل العيوب الخلقية ،لو حصل عيب خلقي يف السلعة ،فالعيب الخلقي ال يمكن أن
يقع يف الوقت القريب ،بل هو موجود منذ خلق اإلنسان أو الحيوان.
إذن الذي يدخل يف القاعدة :العيب المحتمل حدوثه يف الوقت البعيد والوقت القريب.
■ فروع القاعدة
مسجونا يف مكان مظلم ،وعنده ما يتوضأ منه ،ولما انكشفت عنه
ا ويف العبادات ،لو أن إنسا انا
الظلمة رأى يف هذا الماء نجاسة ،وال يدري متى أصابت هذه النجاسة الماء ،هل هو يف وقت قريب أو
بعيد ،فيحمل على الوقت القريب ،ألن هذا هو المتيقن.
لو اختلف البائع والمشتري يف العيب ،وقال البائع حدث العيب عند المشتري ،وقال المشتري
حدث عند البائع ،فالقول قول البائع ،ألن األصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته وأقرب أوقاته عند
المشتري.
احتالما ،فشك هل حدث يف آخر نومة نامها
ا إنسانا وجد يف ثوبه أثر مني ،ولم يتذكر
ا ومثله لو أن
أو يف نومة نامها قبل ذلك ،فيحمل على آخر نومة نامها ألنه المتيقن.
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
أن األمر الحادث الذي يحتمل وقوعه يف الوقت القريب أو البعيد ،حمله على أنه حدث يف
الوقت القريب أمر متيقن ،وحمله على البعيد أمر مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن ويترك المشكوك فيه.
()1
قاعدة( :األصل يف األشياء اإلباحة) [ً]5
(األشياء) أي :النافعة ،أما الضارة فاألصل فيها التحريم.
وهذه القاعدة فيها خالف بين العلماء ،منهم من قال :األصل يف األشياء اإلباحة ،ومنهم من قال:
األصل يف األشياء التحريم ،ومنهم من قال بالتوقف ،والراجح أن األصل يف األشياء اإلباحة.
وهذه ا لقاعدة تفيد يف األشياء المسكوت عنها التي لم يدل دليل على أنها مباحة أو محرمة،
فهذه األصل فيها اإلباحة.
■ أدلة القاعدة
ۡرض ََج َٗۡ َ ََ َ ُ ُ
ِيعا} [البقرة ،]29:فاهلل سبحانه كم اما ِِف ٱۡل ِ يستدل لها بقوله ╡{ :ه َو ٱلَّذي خلق ل
جميعا ،وأبلغ درجات االمتنان اإلباحة. ا وتعالى يمتن على عباده بأنه خلق لنا ما يف األرض
قاعدة( :ال ُينسب إىل ساكت قول ،ولك َّن السكوت يف معرض احلاجة إىل [ً]7
البيان بيان)()1
■ فروع القاعدة
عدا للرشب ،فتناوله ليرشب فوقع وانكرس ،فإنه -1لو دخل شخص دار شخص ،ووجد إناء م ً
ال يضمن ،ألنه مأذون له بداللة الحال ،لكن لو رصح له صاحب الدار بمنعه من هذا اإلناء،
َّ
فإنه يضمن لو انكرس يف يده ،ألنه ال عبرة بداللة الحال يف مقابلة الترصيح.
-2لو استأجر شخص سيارة جرى العرف باستعمالها يف حمل األمتعة ،فإنه يجوز له االنتفاع
بها يف ذلك ،ألنه مأذون له بداللة العرف ،لكن لو أرص المؤجر بمنعه من ذلك االستعمال،
َّ
فإنه ال يجوز للمستأجر أن يستمل السيارة يف ذلك ،ألن اإلذن باستعمالها يف ذلك جاء
بطريق داللة العرف وعارضه الترصيح ،وال عبرة بالداللة يف مقابلة الترصيح.
-3لو قال الزوج لزوجته ال تتصدقي بشيء من مالي ،فإنه ال يجوز لها أن تتصدق به ،مع أن
دل بأن للزوجة أن تتصدق باليسير من مال زوجها دون إذنه ،لكن هنا عارض العرف قد َّ
هذه الداللة ترصيح الزوج ،وال عبرة بالداللة يف مقابلة الترصيح.
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
أفادت القاعدة الكبرى أن اليقين ال يزول بالشك ،وأفادت هذه القاعدة بمفهوم المخالفة وهو:
أن اليقين يزول بما هو أقوى من ال شك وهو اليقين ،والداللة إذا لم يعارضها ترصيح فإنها تفيد
اليقين ،فأما إذا عارضها ترصيح بخالفها فإن هذا الترصيح يفيد اليقين كذلك ،وهو أقوى مما تفيده
الداللة ،فيزول ويرتفع يقين الداللة بيقين الترصيح.
الوكيل بذلك البيع نفع قريبه ،وهذا االحتمال مستند إلى دليل ،وهو وجود القرابة ،لذلك
يبطل البيع ،ألنه ال حجة مع االحتمال الناشئ عن دليل.
-3كذلك عدم قبول شهادة الفروع لألصول ،وشهادة األصول للفروع ،وكذلك شهادة
الزوجين لبعضهم.
■ عالقة هذه القاعدة بالقاعدة الكربى
أفادت القاعدة الكبرى أن اليقين ال يزول بالشك ،وأفادت هذه القاعدة بمفهوم المخالفة وهو:
أن اليقين يزول بما هو أقوى من الشك وهو اليقين ،والقاعدة أفادت أن الحجة إذا لم يعارضها احتمال
فيعمل بها ،أما إذا عارضها احتمال مستند إلى دليل فإنه يفيد اليقين
مستند إلى دليل فهي تفيد اليقينُ ،
ٍ
حينئذ ،وهو أقوى مما تفيده الحجة ،فيزول ويرتفع يقين الحجة بيقين االحتمال المستند إلى دليل.
أقرها الشيخ.
(ُ )1نقل الكالم بنصه من األوراق التي َّ
37 القاعدة الكربى الثانية( :اليقني ال يزول بالشك)
* أقسام الشك
ينقسم الشك إلى قسمين:
■ أقسام اشك باعتبار موضوعه
وهذا النوع ينقسم إلى ثالثة أرضب:
الرضب ًاألول( :الشك الطارئ على ما أصله اإلباحة) ،يستصحب فيه األصل وهو اإلباحة،
كمن شك يف طهارة ماء أو حيوان ،فاألصل فيه الحل والطهارة حتى تثبت النجاسة.
الرضبًالثاني( :الشك الطارئ على ما أصله التحريم) ،كما لو شك المرء يف لح ٍم هل هو مذكى
ا
أو ال؟ وكذا إذا شك يف المرأة هل تحل له أو ال؟ أو ٍ
مال شك فيه هل هو مباح له أو ال؟ فاألصل التحريم
حتى يثبت الحل.
الرضب ًالثالث( :الشك الطارئ على ما ال يعلم له أصل) ،وهذا يتصور يف معاملة من يف ماله
حالل وحرام ،واختلط فيه الحالل بالحرام.
فإن كان يعلم عين الحرام = فال يجوز له التعامل معه فيه.
وإن كان ال يعلم عين الحرام = جاز له التعامل معه فيه.
والورع اجتنابه وهو الشبهة الواردة يف الحديث ،وكل ما كثر الحرام قويت الشبهة ،ويف الخبر
”دعًماًيريبكًإلىًماًالًيريبك“ وحديث” :الحاللًب ّينًوالحرامً ّبينًوبينهماًأمورًمشتبهاتً،فمنًاتقىً
ي
الشبهات؛ًفقدًاستبرأًلدينهًوعرضه“.
■ أقسام الشك باعتبار وقته
وهذا النوع ينقسم إلى رضبين:
األول( :الشك يف العبادة يف أثناءها) فحكمه أن األصل عدم فعل المشكوك فيه ،ويجب عليه أن يأتي
به .فمثالً :إذا شك أنه غسل يده أو ال يف الوضوء فاألصل عدم الغسل ويجب عليها غسلها ،ونحو ذلك.
الثاني( :الشك يف العبادة بعد الفراغ منها) فحكمه أنه ال أثر له وال يلتفت إليه .فمثالً :من فرغ
من الوضوء ثم شك هل مسح رأسه أو ال؟ فالظاهر أنه مسحه وال يلتفت لهذا الشك.
سبعا بعد أن ذهب للمخيم ،فال يتلفت لهذا الشك الذي
شك هل رمى الجمار يف الحج س ًتا أو ا
أو َّ
طرأ عليه بعد الفراغ من العمل .وذلك ألن الظاهر أنه أتى بالعبادة على وجه الصحة؛ وذلك ألنه ما
قطعا لباب الوسواس.ش ّك يف أثنائها ،وكذلك ا
38 القاعدة الكربى الثانية( :اليقني ال يزول بالشك)
( )1
(املشقة جتلب التيسري)
ا لقاعد ة ا لكبر ى ا لثا لثة( :ا لمشقة تجلب ا لتي سير)
* معنى القاعدة
(المشقة) يف اللغة الصعوبة والشدة والتعب والعناء ،ففي أصلها (الشين والقاف) تدل على
الصعوبة والشدة ،والمراد بها يف القاعدة :المشقة الخارجة عن المعتاد عند القيام بالتكاليف الرشعية.
(تجلب) الجلب :سوق الشيء واإلتيان به من موضع إلى موضع ،والمراد هنا أن المشقة تكون
اليرس وهو السهولة واللين ،والمراد :التسهيل والتخفيف بعم ٍلسببا يف حصول التيسير( .التيسير) من ُا
ال ُيجهد النفس ،وال ُيثقل الحسم ،بحسب ما تقتضيه أحكام الرخص.
المعنى ًاإلجمالي ًللقاعدة :أن الصعوبة والشدة التي يجدها المكلف عند تنفيذ األحكام
سببا يف التخفيف والتيسير عنه.
الرشعية إذا كانت -أي المشقة -خارجة عن المعتاد فإنها تكون ا
* أقسام املشقة
المشقة تنقسم إلى قسمين:
-1مشقةًالًتنفكًعنهاًالعبادةًغالبا :مثل مشقة الوضوء بالماء البارد يف الشتاء ،ومشقة الصوم
يف النهار الطويل يف الصيف ،والمشقة المصاحبة يف السفر للحج ،والمشقة المصاحبة
غالبا ،والًأثرًلهاًيفًالتخفيف.
للجهاد ،فهذه مشاق ال تنفك عن العبادة ا
-2مشقةًتنفكًعنًالعبادةًغالبا :وهذه على ثالث مراتب:
أ .مشقةًعظيمة :كمشقة الخوف على النفس ،أو على عضو من األعضاء ،أو منفعة من
قطعا.
المنافع كالسمع ،أو الخوف على العرض أو المال ،فهذه موجبة للتخفيف ا
ب .مشقة ًيسيرة :كالصداع اليسير ،والجرح اليسير يف اإلصبع ،فهذه ال أثر لها يف
التخفيف ،فتحصيل مصلحة العبادة أولى من مراعاة هذه المشقة.
ج .مشقةًواقعةًبينًهاتينًالمشقتين :وحكمها أنه ينظر فيها فما دنا منها من المرتبة
العليا ُألحق بها ،وما دنا منها من المرتبة الدنيا ُألحق بها.
ويقسمون المشاق إلى قسمين :مشقةًمعتادة وهذه ال أثر لها يف وهناك منهج آخر يف التقسيمِّ ،
التخفيف .ومشقةًخارجة عن المعتاد وهذه لها أثر.
■ أدلة القاعدة
فأما ًمنًالكتاب ،فهناك أدلة كثيرة دل عليها أدلة من الكتاب والسنة واإلجماعَّ ، هذه القاعدة َّ
اليرس ورفع الحرج ،ومنها أدلة تدل على الرخص ،وكلها تدل على أن أصل هذه الرشيعة مبنية على ُ
أدلة لهذه القاعدة ،ومنها:
س َو ََل يُ ُ ُ ُ ۡ ُ ۡ َ
ريد بِكم ٱلعس} [البقرة.]185:
ك ُم ٱ ۡليُ ۡ َ ُ ُ اُ ُ
ِ -1قوله ╡{ :ي ِريد ٱّلل ب ِ
َ
ََ َ ََ َ ۡ ُ ۡ
ِين م ِۡن َح َر ٖج} [الحج( ،]78:حرج) هنا نكرة يف د
-2وقوله ╡{ :وما جعل عليكم ِِف ٱل ِ
سياق النفي فيفيد العموم.
ُ َ َ َ يد ٱ ا ُ
ّلل ِ َل ۡج َعل عل ۡيكم دم ِۡن َح َر ٖج} [المائدة.]6: -3وقوله ╡َ { :ما يُر ُ
ِ
ُۡ ََ ا ُ ًۡ َ ا ُ د َ َ ُ
-4وقوله ╡َ{ :ل يكل ِف ٱّلل نفسا إَِل وسعها} [البقرة.]286:
ُ ُ ا ُ َ ُ َ د َ َ ُ ۡ َ ُ َ ۡ َ َٰ ُ َ ٗ
ۡلنسن ضعِيفا} [النساء.]28: -5وقوله ╡{ :ي ِريد ٱّلل أن ُي ِفف عنكم وخل ِق ٱ ِ
اُ َ ُ ۡ ۡ َ َا َ
-6وقوله ╡{ :ٱلَٰٔـن خفف ٱّلل عنكم} [األنفال.]66:
ٞ اۡ َ ََ َۡۡ َ َ َ ۡ ََ ََ ٞ َ َ َ َۡۡ ََ ََ ٞ
يض َح َرج} َ
َم حرج وَل لَع ٱۡلعر ِج حرج وَل لَع ٱل ِ ِ
ر م -7وقوله ╡{ :ليس لَع ٱۡلع َٰ
[النور.]61:
َُ ُ ا ً َ ۡ َ َ َ َ َ ا ٞد ۡ اَ َ َ ََ
ر فعِدة مِن أيا ٍم أخ َر} [البقرة.]184: َٰ
-8وقوله ╡{ :فمن َكن مِنكم م ِريضا أو لَع سف ٖ
-9وقوله ╡{ :فَلَ ۡم َ ُ ْ َ ٓ ٗ َ َ َ ا ُ ْ َ ٗ َ د ٗ
َتدوا ماء فتيمموا صعِيدا طيِبا} [المائدة.]6: ِ
اليرس ،وأن اهلل ال يكلف اإلنسان فوق طاقته،
فهذه أدلة تدل على أن هذه الرشيعة مبنية على ُ
وأنه إذا ُوجدت مشاق طارئة فإن الشارع يخفف عن المكلف حتى يستطيع أن يأتي باألحكام.
وأماًمنًالسنة ،فهناك أدلة كثيرة منها:
قوله ﷺُ ” :بعثتًبالحنيفيةًالسمحة“. -1
وقوله ﷺ ” :عليكمًهدياًقاصداً،عليكمًهدياًقاصداً،عليكمًهدياًقاصدا“ً -2
ًاهللًحتىًتم ُّلواً“.
الًي َم ُّل ُ
طيقونً،فواهللً َ
َ وقوله ﷺ ”ً:عليكمًبماً ًُت -3
واًوالًتنفروا“.
ي واً،وبرش
ي واًوالًتعِّس
ي يِّس
وقوله ﷺ ” :ي -4
إثما.
وما ُخ ّير النبي ﷺ بين أمرين إال اختار أيرسهما ما لم يكن ا -5
قائدا لغزوة ذات
ا ومن األدلة التطبيقية ما جاء يف حديث عمرو بن العاص ☺ وكان -6
السالسل ويف ليلة باردة أصابته جنابة ،فتيمم وصلى بأصحابه الصبح ،فلما رجعوا ذكروا
تذكرت
ُ ذلك للنبي ﷺ فقال ” :ياًعمروًصليتًبأصحابكًوأنتًجنب؟“ فقال:
ٗ َ ۡ ُ َ َ َۡ ُ ُ ْٓ َ ُ َ ُ ۡ ا اَ َ َ
قوله تعالى{ :وَل تقتلوا أنفسكم إِن ٱّلل َكن بِكم رحِيما} [النساء ،]29:فضحك
يئا.
رسول اهلل ﷺ ولم يقل ش ا
41 القاعدة الكربى الثالثة( :املشقة جتلب التيسري)
* أسباب التخفيف
هناك أمور إذا وجدت فإن الشارع ُيخفف عن المكلف ،ومن األسباب:
ُ ا ً َ
لَع َس َفر فَعِ اد ة ٞدمِنۡ يضا أ ۡو َ َ َٰ ر م م ِنك م ن
َ َ َ َ
-1السفر :ويدل عليه قوله ╡{ :فمن َك
ٖ ِ
َ ُ َ
أياا ٍم أخ َر}[البقرة ، ]184:والرخص المتعلقة بالسفر متعددة ،كقرص الرباعية ،والجمع
بين الصالتين ،والفطر للصائم ،والمسح على الخف ثالثة أيام بلياليها ،وصالة
النافلة على الراحلة.
-2المرض :وهي حالة تعتري اإلنسان تخرجه عن االعتدال الطبيعي ،وهو من أسباب
ُ ا ً َ
يضا أ ۡو َ َ َٰ
لَع َس َفر فَ ِع ادة ٞدمِنۡ ر م م ِنك م ن
ََ َ َ
التخفيف ،ويدل عليه قوله ╡{ :فمن َك
ٖ ِ
َ َا ُ َ
أيا ٍم أخر}[البقرة ،]184:فخفف عنه بعض األحكام ،مثل الصالة حسب االستطاعة،
والفطر للصائم ،وسقوط الجهاد عنه إذا كان ال يستطيع ،والحج إن كان ال يستطيع أن
أحدا مقامه.
يثبت على الراحلة بأن يستنيب غيره ويقيم ا
42 القاعدة الكربى الثالثة( :املشقة جتلب التيسري)
النسيان :وهو ذهول اإلنسان عما كان يعلمه من قبل ،ويدل عليه قوله ╡: -3
ا َٓ َۡ َ ۡ َ َۡ َ َ َُ ۡ َٓ
س ين ا أ و أ خ ط أ ن ا } [البقرة ، ]286 :وقد جاء يف الحديث أن { َر با ن ا َل ت ؤاخِذ ن ا إ ِن ن ِ
اهلل قال ” :قدًفعلت“ ،وقول النبي ﷺ ” :رفعًعنًأمتيًالخطأًوالنسيانًوماً
معدوم ا ،وال يجعل ا استكرهواًعليه“ ،وال قاعدة يف النسيان :أنه يجعل الموجود
موجود ا.
ا المعدوم
منهيا عنه
معدوما) هو ما كان من باب النواهي ،فإذا ارتكب ا ا وقولنا( :أن يجعل الموجود
طيبا أو غطى رأسه مس ا ناسيا فهو يف حكم المعدوم ،كما لو أكل ناسيا وهو صائم ،أو َّ ا
وهو محرم.
موجودا) والمقصود ما كان من باب األوامر ،فإذا نسي ا وقولنا( :وال يجعل المعدوم
مأمورا من المأمورات فال يجعله يف حكم الموجود بل يجب عليه أن يأتي به أو ببدله إن ا
كان له بدل.
د ُ
الجهل :وهو عدم العلم بالشيء ،ويدل عليه قوله ╡َ { :و َم ا ك نا ا ُم َع ِذ ب َ
تح ا َٰ
ني َ
ِ -4
ٗ َ َ
ن بۡ َع ث َر ُس وَل } [اإلرساء ،]15:ولحديث المسيء يف صالته حيث أن النبي ﷺ
ًفإنكًلمًتصلً“ كررها ثالثا ا ،ثم قال :ال أحسن ي ارجعًفصل
ي لما رآه يصلي قال” :
غيرها ،فعلمه النبي ﷺ ،ولم يأمره بإعادة الصلوات السابقة ،مما يدل على
أن الجهل عذر.
فر ط يف التعلم ،فال يعتبر عذر ا إذا لم يتمكن من العلم ،أما إذا َّا والجهل يعتبر
شخص ا بينا أنعذر ا ،أو ك ان يف موضع ال يتصور منه الجهل ،مثل لو َّ ا الجهل
المسلمين ويف حارضتهم ،وادعى الجهل بأن الخمر حرام ،فال يقبل منه .أما لو كان
هذا االدعاء من شخص حديث العهد باإلسالم أو يف بادية ب عيدة عن الناس ،فهذا
يقبل منه الجهل.
الع ِّسًوعمومًالبلوى ً:والمراد به ما يشق التحرز عنه ،أو ما يشق االستغناء منه، ُ -5
ومسائله كثيرة ،من ذلك :العفو عن طين الشوارع من وجوب التطهر منه خشية
وجود النجاسة يف الطين ،والعفو عن أثر االستجمار ،والعفو عن الصديد الذي
يخرج م ن القروح لمشقة التحرز ،ومنه جواز مس الصبيان للمصحف من غير
طهارة.
بتخويف يقدر الحامل على ٍ اإلكراه :وهو حمل الغير على ما ال يريده وال يرضاه، -6
قادرا على تنفيذ ما ه َّدد به ،وأن يغلب على ظن إيقاعه ،له رشوط هي :أن يكون المكره ا
المكره أن المكره سينفذ ما ه َّدد به ،وأن يكون اإلكراه بغير حق ،وأن يكون اإلكراه مما
يلحق رضرا بالمكره.
43 القاعدة الكربى الثالثة( :املشقة جتلب التيسري)
َۡ ُ ۡ ا
وه و من أسباب التخفيف لقوله ╡ { :إ َِل َم ۡن أ ك رِه َ َوق ل بُ ُه ۥ ُم ۡط َم ئ ِ ُّن
ٱۡل َ ۡ
يم َٰ ِن } [النحل ، ]106:وقوله ﷺ ” :رفع ًعن ًأمتي ًالخطأ ًوالنسيان ًوماً بِ ِ
ب يف فمه ماء وهو صائم لم يبطل وص َّاستكرهواًعليه“ ،وعلى هذا فلو أُ كر ه رجل ُ
ب يف فمه خمر لم ُي ق م عل يه الحد ،أو أُ كر ه على البيع أو طالق زوجته صومه ،أو ُص َّ
فإنه ال يترتب عليه آثاره.
الص َغ ر ، - 7النقصً :والنقص الذي يعتري اإلنسان قد يكون سببه فق ُد العقل ،أو ي
فالمجنون والصغير خفف الشارع عنهم األحك ام ،وقد يكون سببه األنوثة
فالشارع خفف عن المرأة بعض األحكام كإسقاط الصالة عنه ا أيام ال حيض ،ولم
يوجب عليها الجمعة والجماعة ،والجهاد ،وقد يكون بسبب الرق فالعبد خفف
الشارع عنه بعض األحكام.
ا َ َ ُ َ ۡ َ ٓ ا َ ٓ َ َ ۡ َۡ
-8الخطأ :ويدل عليه قوله ╡َ { :ربنا َل تؤاخِذنا إِن نسِينا أ ۡو أخ َطأنا} [البقرة.]286:
-9المطر.
ي
الك َبر. -10
()1
القواعد الفرعية
يندرج تحتها جملة من القواعد ،وقد سبق بيان العالقة بين القواعد الفرعية وبين القواعد
الكبرى (انظر ـص ،)16فمن القواعد المتفرعة عن قاعدة (المشقة تجلب التيسير):
()2قاعدة( :إذا ضاق األمر اتسع ،وإذا اتسع األمر ضاق) [ً]1
شقين:
هذه القاعدة مكونة من َّ
( -إذا ضاق األمر اتسع).
( -وإذا اتسع األمر ضاق).
وهذه القاعدة منهم من ينسبها لإلمام الشافعي ☼ ،وهي تدل على أنه إذا حصل لإلنسان ضيق
يوسع عليه ،فإذا عاد الوضع وزالت المشقة ،فإنه يعود للحكم األصليوحرج ومشقة ،فإن الشارع ِّ
الذي ُخ ِّفف من قبل.
■ أدلة القاعدة
يستدلون للقاعدة بأدلة منها:
َۡ ُ ُ ْ َ ا َ َ َ
ۡ ِ ََۡ َ َ َۡ ُ
ۡ
ٱلصل َٰوة ِ إِن ج نَ ٌ
اح أن تقُص وا مِن ك ۡم ُ قوله ╡ِ{ :إَوذَا َ َ
َض ۡبتُ ۡم ِِف ٱۡلۡرض فليس علي
ُ ۡ ُۡۡ َ َۡ َ ُ ۡ ُ ۡ َ َۡ َ ُ ُ ا َ َ َ ُ ْٓ
خِف تم أن يفت ِنكم ٱَّلِين كفر وا} [النساء ،]101:وقوله{ :إِن خِفتم أن يف تِنكم } يدل على أن
من يرضب يف األرض يباح له القرص إذا خاف ،وقد دلَّت األدلة بعد ذلك أن القرص يجوز يف حالة
األمن.
قوما قدموا إلى المدينة زمن األضاحي ،وكانوا يف حالة فقرومما يدل على هذه القاعدة :أن ا
وشدة ،فنهى النبي ﷺ الناس أن يدخروا لحوم األضاحي فوق ثالث -أي :ثالثة أيام -وذلك من
أجل التوسعة على هؤالء الفقراء ،ولما جاء العام القادم لم يدخروا ،وسألهم النبي ﷺ عن
السبب ،فقالوا :إنك نهيتنا عن االدخار ،فقال” :إنما ًنهيتكم ًمن ًأجل ًالدافةً ،فكلوا ًوتصدقواً
وسع عليهم ،فلما تحسنت أحوالهم عاد وادخروا“ ،فالنبي ﷺ لما رأى ما هم فيه من ضيق َّ
الحكم األصلي ،وهو جواز االدخار.
■ فروع القاعدة
-1أن المرأة إذا فقدت محرمها يف السفر ،وقد أمضت مسافة طويلة يف السفر ،فإنه يجوز لها
أن تمضي يف سفرها هذا ،وتو ِّلي من فيه صالح ،وقد سئل اإلمام الشافعي ☼ عن هذا
وقال( :إذا ضاق األمر اتسع).
سة ٖ} ،فال يجوز لصاحب -2أن المدين إذا كان معرسا فإنه ينظر إلى ميرسةَ { ،ف َن ِظ َرةٌ إ َ َٰل َم ۡي َ َ
ِ ا
معرسا ،بل ينظر ،وهذا تحت قاعدة ا الدين أن يلجئه ويالزمه ،وال أن يطالب بسجنه ما دام
إذا ضاق األمر اتسع ،فإذا استطاع فإنه يجب عليه الوفاء ألن األمر إذا اتسع ضاق.
■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى
منهم من قال أنها بمعنى القاعدة الكبرى ،فالشق األول منها (إذا ضاق األمر اتسع) يفيد بأن
حصول المشقة يف أم ٍر من األمور ُيعد ا
سببا لحصول التيسير ،وهذا ما تفيده القاعدة الكبرى ،وعلى هذا
تكون أدلتها هو ما سبق يف القاعدة الكبرى.
-3أن من اضطر إلى إتالف مال غيره ،فإنه يجب عليه ضمانه.
-4أن تكون الرضورة أشد من المحظور ،لذلك قالوا( :برشط أن يكون المحظور أدنى من
الرضورة) ،أما إذا كان المحظور أشد فليس له الترخص يف ذلك ،فليس لإلنسان أن يكفر
باهلل إذا أكره ،بل له التلفظ به فقط وقلبه مطمئن باإليمان ،ومثل :قتل المعصوم ،والزنا،
ورضب الوالدين ،ليس ألحد أن يترخص بها.
مباحا أخذ به.
ا سبيال
مباحا يدفع به رضورته ،فإن وجد ا
ا سبيال
-5أن ال يجد ا
■ فروع القاعدة
أن من وصل به الحال من المجاعة حتى خشي على نفسه الهالك ،ولم يجد إال ميتة ،فإنه -1
يجوز له أكلها ليدفع عن نفسه الهالك.
أن من ُأكره على الكفر فإنه يجوز له التلفظ بالكفر ،وقلبه مطمئن باإليمان. -2
أنه إذا احتاج المريض لكشف عورته للعالج جاز له ذلك. -3
طببها رجل.
طب ُبها ،فيجوز أن ُي ِّ
والمرأة إذا لم تجد امرأة ُت ِّ -4
■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه ال قاعدة بمعنى القاعدة الكبرى ،فهي أفادت أن الرضورة التي هي أعلى درجات المشقة
ُيرشع عندها األخذ باأليرس ،ولو كان ذلك باستباحة المحرم ،وهذا ما تفيده القاعدة الكبرى.
خرصا،
ا * يستثنى من هذه القاعدة ًمسألةًالعرايا :وهي بيع الرطب يف رؤوس النخل بالتمر
األصل أنه ال يجوز لكن أبيحت للفقراء ،ثم جازت لألغنياء يف األصح.
■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه القاعدة قيد لقاعدة( :الرضورات تبيح المحظورات) ،وهي بمعنى الشق الثاني من القاعدة
[ ،]1وهو قولهم( :وإذا اتسع األمر ضاق).
الوجهًاألول :أن األحكام االستثنائية الثابتة بالرضورة تكون يف الغالب إباح اة لمحظو ٍر ممنوع
رصيح ،وتكون هذه اإلباحة مؤقتة حيث تنتهي بزوال االضطرار وتتقيد بالشخص ٍ خاص
رشعي ٍّ بن ٍ
ص
ٍّ
المضطر.
رصيحا ،ولكنها
ا خاصا
نصا ً غالبا ال ُتخالف ً
أما األحكام االستثنائية الثابتة بالحاجة فهي ا
ثابتا بصورة
تخالف النصوص العامة أو القواعد العامة يف الرشع ،والحكم الثابت بها يكون يف الغالب ا
دائمة ،ويستفيد منها المحتاج وغيره.
ال للفرد أم للجماعة ،أما
الوجهًالثاني :أن الرضورة ُتبيح المحظور سواء أكان االضطرار حاص ا
الحاجة فال تكون سبب اا يف التيسير إال إذا كانت حاجة عامة أو خاصة بطائفة كثيرة غير محصورة ،فال
تكون سبب اا يف التيسير يف حق فرد أو أفراد محصورين.
( )1
(ال رضر وال رضار)
ا لقاعد ة ا لكبر ى ا لرابعة( :ال رضر وال رضار)
* معنى القاعدة
(ال) نافية للجنس
ٍ
معان أخرى :اجتماع الشيء، (الرضر) أصل الكلمة (الضاد والراء والراء) هو خالف النفع ،وله
والقوة ،لكن المعنى الغالب هو األول :خالف النفع.
(الرض -الرض) :بالفتح هو :المصدر ،وبالضم :االسم ،وقيل هما لغتان ،فإذا ومادة الكلمة َّ
َ َ َ ۡ ُ َ ُ ۡ َ ٗد َ َ ۡ
َضا َوَل نف ٗعا} [طه،]89: جمعت بين النفع والرض فتحت الضاد كما يف قوله ╡{ :وَل يمل ِك لهم
ُّ ُّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُّ َ ۡ َ ُ َ ا َ َ ۡ
َ
منفردا ،ضممت الضاد ،كقوله ╡{ :قالوا يـأيها ٱلع ِزيز مسنا وأهلنا ٱلّض} ا وإذا جاء الرض
[يوسف.]88:
الرض ضد النفع ،والرض هو سوء الحال والشدة والفقر وكل نقص يدخل على الشيء.
وقيل :أن َّ
وهناك تعريفات أخرى ،منها :أن الرضر هو المفسدة التي تلحق الشيء .وقيل :الرضر ألم
القلب.
عرفه بأنه :كل أذى يدخل على الشخص يف ماله المحترم ،أو جسمه
وبعض المعارصين َّ
المعصوم ،أو عرضه المصون.
ترض غيرك من غير أن يحصل لك فأدى هذا إلى انسحاب ماء بئر جاره إلى بئره ،والرضار أن َّ
بئر جاره َّ
رضرا بالزوجة من غير نفع له ،وهذا
مضارة بها ،فهذا ألحق ا
َّ نفع ،كما لو ط َّلق الرجل زوجته ثم راجعها
أقبح أنواع الرضر.
ومنهم من قال أن الرضر إلحاق مفسدة بالغير مطل اقا ،والرضار هو مقابلة الرضر بالرضر على
وجه غير جائز.
محرمان يف الرشيعة ،فال
المعنىًاإلجماليًللقاعدة :هذه القاعدة تدل على أن الرضر والرضار َّ
معنويا،
ً حسيا أو
رضرا بنفسه وال بغيره ،على وجه غير جائز ،سواء كان الرضر ً
يجوز ألحد أن يلحق ا
عاما ،والنفي يف القاعدة بمعنى النهي.
خاصا أو ً
ً
* أدلة القاعدة
يستدل للقاعدة من الكتاب والسنة.
فيستدل لها باألدلة التي فيها النهي عن المضارة والظلم واالعتداء والفساد،
أما من الكتاب ُ
منها:
ْ ََ ُۡ ُ ُ ا َ د
َض ٗارا ِّلَ ۡع َت ُدوا} [البقرة ،]231:فاهلل نهى الزوج عن المضارة يف
سكوهن ِ قوله ╡{ :وَل تم ِ
الرجعة.
َ
ومن األدلة النهي عن مضارة الوالد للوالدة ومضارة الوالدة للوالد يف الولد ،قال ╡َ{ :ل
َ ُ ٞا ُ َ َ َ ُ َ ٓ
له ِ} [البقرة ،]233:ومن صور مضارة الوالد للوالدة :أن ينتزع الولد تضا ار َو َٰ ِ َلة ب ِ َولِها َوَل َم ۡولود َُلۥ ب ِ َو ِ
منها بقصد إدخال الحزن عليها ،أو أن يمتنع من دفع أجرة المثل إذا طلبت ذلك ،ومن صور مضارة
الوالدة للوالد :أن تلقي علي ه ولده ،وال تبقيه عندها نكاية به ،مع حاجة الولد لها ،أو أن تطلب أكثر
من أجرة المثل.
ََ ُ َ ٓا َ ٞ َ َ ٞ
ِب َو َل شهِيد} ومن األدلة النهي عن مضارة الكاتب والشاهد ،قال ╡{ :و َل يضار َكت
[البقرة ، ]282:ومن صور المضارة :أن الكاتب يمتنع عن الكتابة ،أو يكتب خالف ما أُملي عليه ،أو
وأيض ا ال يجوز ألحد أن يضار الكاتب والشاهد ،كأن يجبره الحضور من ا زورا،
أن يشهد الشاهد ا
بلد بعيد.
وَص ب َها ٓ أ َ ۡو َديۡن َغ ۡ َ
ۡي ص ايةٖ يُ َ َٰ
ِ ومن األدلة النهي عن المضارة يف الوصية ،قال ╡{ :مِن َب ۡع ِد َ
و
ٍ ِ
َ ٓ
ُمضا درٖ} [النساء ،]12:ومن صور المضارة ،أن يوصي لوارث بأكثر مما فرض اهلل له من غير إذن الورثة،
أو يوصي لغير الوارث بأكثر من الثلث.
52 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
أما من السنة فدلت عليها عدة أدلة منها :قوله ﷺ” :الًرضرًوالًرضار“ والحديث رواه
مرسال.
ا مالك يف الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه
ورواه أبو سعيد الخدري وجابر وابن عباس ♥ ،والحديث ُروي من طرق متعددة ُتك ِّلم فيها،
لكن بمجموعها ترتقي لدرجة الحسن ،وتلقاه العلماء بالقبول.
وهذا الحديث يدل على نفي الرضر والرضار ،وهو نفي بمعنى النهي.
ًأرضًاهللًبهً،ومنًشاقً
َّ منًضار
َّ ومن األدلة حديث أبي رصمة األنصاري ☺ عن النبي ﷺ” :
شاقًاهللًعليه“.
َّ ً
ومن األدلة قوله ﷺ” :الًتضارواًيفًالحفر“ المقصود حفر البئر بجوار بئر جاره.
ومن األدلة ما ورد عن سمرة بن جندب ☺ أنه كانت له ع ُض ٌد من نخل يف حائط رجل من األنصار
قال :ومع الرجل أهله .وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه ،فطلب إليه أن يبيعه ،فأبى
فطلب إليه أن يناقله فأبى ،فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له ،فطلب إليه النبي ﷺ أن يبيعه فأبى
أمرا ر َّغبه فيه فأبى ،فقال” :أنتًمضار“،
فطلب إليه أن يناقله فأبى ،قال” :فهبهًلهً،ولكًكذاًوكذا“ ،ا
فقال رسول اهلل ﷺ لألنصاري” :اذهبًفاقلعًنخله“ .رواه أبو داود ويف سند مقال.
ويستدل للقا عدة باألدلة التي وردت يف النهي عن بعض المعامالت كالنهي عن الربا أو الغرر
ُ
أو النجش أو تلقي الركبان وتلقي الحارض للباد.
* صياغة القاعدة
عبر ـب(الرضر
عبر عنها ـب (الرضر يزال) كالسيوطي وابن نجيم وغيرهما ،وبعضهم َّ
بعضهم َّ
مزال) ،ووردت بصيغة (الرضر المزال) ولكن هذا ال ينسجم مع صياغة القاعدة ،فإن القاعدة حكم
وهذه الصيغة ال حكم فيها.
53 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
ووردت يف مجلة األحكام العدلية ـب(الرضر يزال) وبنفس نص الحديث( :ال رضر وال رضار)،
والمعارصون مثلهم.
نص حديث نبوي ثابت ولعل التعبير بلفظ (ال رضر وال رضار) هو األرجح؛ ألن كون القاعدة َّ
هذا يعطي القاعدة قوة ومكانة ،وألن للفظ (ال رضر وال رضار) أعم من لفظ (الرضر يزال) ،ألن األول
فيهم منه رفع الرضر بعد وقوعه ،فيكون الثاني لفظ
يتناول دفع الرضر قبل وقوعه وبعده ،أما الثاني ُ
لقاعدة مندرجة تحت (ال رضر وال رضار).
■ فروع القاعدة
-1مرشوعية الجهاد ،لدفع رضر األعداء ،فإذا علم المسلمون أن األعداء يجهزون جيوشهم
لحرب المسلمين ،فإنه يرشع لهم مباغتتهم للجهاد ،قبل مهاجمة المسلمين ،وهذا دفع
للرضر العام قبل وقوعه.
مرشوعية الحجر بأنواعه ،الحجر على الصغير والسفيه لدفع الرضر عنهما ،والحجر على -2
المفلس إذا طلب الغرماء ذلك وخشوا أن يترصف باألموال التي تحت يده ،بأن يكتبها
بأسماء آخرين ونحوه ،فإن يجوز لهم الرفع للقاضي بأن يحجر عليه ،وهذا من دفع الرضر
الخاص.
مرشوعية الشفعة لدفع الرضر المتوقع من الرشيك. -3
إقامة الحدود ،فإن معنى القاعدة منع تكرار الرضر ويف إقامة الحدود منع لذلك ،فإن -4
المجرم إذا عرف أنه سيقام عليه الحد ،فإنه ال يكرر إجرامه السابق ،وأصحاب النفوس
الضعيفة كذلك ،ففي إقامة الحدود دفع لرضر هؤالء.
قد يكون دفع الرضر بتخفيفه قدر اإلمكان إذا لم يمكن دفعه بالكلية؛ من ذلك إذا عفى -5
بعض من له حق القصاص ،فإن القصاص يسقط ،ألن القصاص ال يتبعض ،والباقين
فيخفف الرضر عنهم بإثبات ح ِّقهم بالدية ،وهذا حقهم ترضروا ُ الذين لم يعفوا عن ِّ
تخفيف للرضر بقدر اإلمكان.
مرشوعية خيار الرشط ،فهذا دفع للرضر المتوقع قبل وقوعه ،ومثله خيار المجلس. -6
■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه القاعدة تدل على وجوب دفع الرضر قبل وقوعه ،وهذا بعض ما تفيده القاعدة الكبرى،
فالقاعدة الكبرى تفيد دفع الرضر قبل وقوعه وبعد وقوعه.
ط ُلقت عليه زوجته ،ففي اآلية دليل على إزالة الرضر الذي وقع على المرأة.
بصال أن يقرب المسجد ،فورد يف
ثوما أو ا
ويمكن أن يستدل لها بنهي النبي ﷺ لمن أكل ا
بصال ،فهذا من باب إزالة الرضر بسبب تأذي المسلمين
ثوما أو ا
حديث آخر أنه أمر بإخراج رجل أكل ا
بهذه الرائحة.
■ فروع القاعدة
مرشوعية خيار العيب ،فلو اشترى إنسان سلعة وتبين أن بها عيب حصل عند البائع ،فهذا -1
فرشع له رد السلعة بسبب العيب.رضر ُ
مثال.
ومثله خيار الغبن ،إذا تبين أنه مغبون يف السلعة ا -2
موجودا ،أو بقيمته ومثله إن كان تال افا.
ا وجوب رد المغصوب إن كان -3
ومنها إذا تد َّلت أغصان شجره على بيت جاره ،فإن للجار أن يطالب بإزالته ،وإذا امتنع -4
صاحب الشجرة فإن للجار إزالتها بقدر اإلمكان.
فسخ النكاح بالعيوب. -5
إقامة الحدود والقصاص ،فإن هذا رضر يزال. -6
رضرا بالكليات الخمس ،فكل رضر يلحق بالدين أو بالنفس أو بالعقل أو ا كل ما يلحق -7
بالعرض أو بالمال ،فيجب منعه وإزالته.
ففي الدين يمنع من :نرش اإللحاد واالستهزاء بالدين ،فهذا يجب منعه وإزالته.
ويف النفس يمنع من :قطع الطعام والرشاب عن اإلنسان وما يلحق الرضر به.
ويف العقل يمنع من :بيع الخمر والمخدرات والمنومات ،وكل ما يلحق الرضر بالعقل،
ومنه بعض البرامج اإللكترونية التي تلحق الرضر بعقل اإلنسان وتسبب الرصع.
ويف العرض يمنع من :نرش االنحالل والتفسخ.
ويف المال يمنع من :الرسقة والغصب والنهب والرشوة وإتالف أموال الناس ومنعهم من
الترصف بها ،أو الحيلولة دون الناس والكسب الحالل.
* فهذه القاعدة واسعة الفروع.
■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه القاعدة تدل على وجوب رفع الرضر بعد وقوعه ،وهو بعض ما دلت عليه القاعدة الكبرى.
57 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
■ فروع القاعدة
المضطر ال يجوز له أكل طعام مضط ٍر آخر مثله. -1
من أكره على قتل فالن وإال ُقتل ،فهذا ال يجوز له أن يقدم على قتل النفس المعصومة. -2
والفقير ال يجبر على اإلنفاق على قريبه الفقير. -3
دوالبا له خمسة أبواب ،فجاءه شخص واشترى منها مسائل تفريق الصفقة ،فلو اشترى زيد -4
قديما يف الدوالب كان عند البائع ،ففي
ا عيبا
بابا من األبواب ،وبعد البيع اكتشف زيد ا ا
رضرا على البائع.
إحدى الروايتين عن أحمد ليس له رد الدوالب ،ألن يف الرد ا
من ثبت له حق الشفعة ولكن طالب بتأجيل الثمن ،فهذا ال يثبت له حق الشفعة. -5
مقيدة للقاعدة السابقة ،فالرضر يزال لكن ليس برضر مثله أو أشد منه،
* فهذه القاعدة ِّ
ويمكن القول أنًإزالةًالرضرًالًيخلوًمنًأربعًحاالت:
أن يمكن إزالة الرضر بال رضر ،مثل خيار العيب. -1
أن يترتب على إزالة الرضر حدوث رضر أخف منه. -2
أن يترتب على إزالة الرضر حدوث رضر مسا ٍو له. -3
أن يترتب على إزالة الرضر حدوث رضر أشد منه. -4
فالحالة األولى والثانية مرشوعتان ،والحالة الثالثة والرابعة غير مرشوعتين ،ومنهم من قال أن
الحالة الثالثة هي محل اجتهاد.
منطوق قاعدة (الرضر األشد يزال بالرضر األخف) هو مفهوم المخالفة للقاعدة السابقة.
فيدفع األشد ويرتكب
ومعنىًالقاعدة :أنه إذا تقابل رضران ،فإنه ُينظر إلى أشدهما وأخفهماُ ،
األخف.
■ أدلة القاعدة
يستدل لها بأدلة منها ما ورد يف قصة الخرض مع موسى ╨ ،لما خرق الخرض سفينة األيتام،
غصبا ،وقتله للغالم
ملكا يأخذ كل سفينة صالحة ا
فهذا رضر ،لكن فيه دفع لرضر أعظم؛ وهو أن هناك ا
أيضا.
ا
ومنهما ما ورد يف حديث أنس ☺ يف األعرابي الذي بال يف المسجد ،فقام الصحابة لنهره ،فقال
النبي ﷺ” :دعوهًأوًالًتزرموه“ أي ال تقطعوا عليه بوله ،فلما فرغ األعرابي دعاه النبي ﷺ
وبين له أن المسجد ال يصلح لشيء من ذلك.
َّ
أخذ العلماء من هذا الحديث فوائد منها :دفع أعلى الرضرين بارتكاب أخفهما ،وذلك أن يف
بوله يف المسجد رضر قد وقع ،فمنعه يؤدي ألرضار أشد منها :تنجيس أماكن أخرى يف المسجد،
وتنجيس بدنه وثيابه ،وقطع بوله عليه وحرصه ،وهذا فيه أرضار صحية ،فأخذ منه (دفع أشد الرضرين
بارتكاب أو تحمل أخفهما).
قاصدا العمرة،
ا ومن األدلة ما ورد يف صلح الحديبية ،فالنبي ﷺ خرج من المدينة إلى مكة
فلما وصل الحديبية منعه كفار قريش من دخول مكة ،فحصل بينهم مفاوضات طويلة انتهت بصلح،
وكان من بنوده :رجوع النبي ﷺ للمدينة ،وأن يعتمر من العام القادم ،وأن تضع الحرب أوزارها
بين المسلمين وكفار قريش عرش سنين ،ومنها أن من جاء للمسلمين من قريش فإنه ُيرد ومن جاء من
المسلمين لقريش فإنه ال ُيرد ،فوافق النبي ﷺ على هذه الرشوط.
فأخذ العلماء من هذا الحديث :دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أخفهما ،فلو لم يحصل
الصلح ،لحصل قتال وقد يؤدي ذلك إلى أن يقتل المسلم أخاه المسلم ،فإنه قد كان يف مكة مسلمون
َ ٞ َ ۡ ُّ ٞ ٓ َ َ َ ُ ۡ ُّ ٞا َ َ
ت ل ۡم ال يعلم عنهم النبي ﷺ وأصحابه ،قال تعالىَ { :ول ۡوَل رِجال مؤمِنون ون ِساء مؤمِنَٰ
ۡ َۡ َُ ُ ۡ َ ََ ُ ُ ۡ َُ َ ُ
كم د ِم ۡن ُهم ام َع ارةُ ب َغ ۡ
وأيضا تبين بعد ذلك أن يف ا ، ] 25 [الفتح: } م
ٖ ِلع ۡي
ِ ِ تعلموهم أن تطوهم فت ِصيب
الصلح فتح عظيم للمسلمين ،وذلك ما حصل بعد الصلح من استتاب األمن يف الجزيرة ،مما أدى إلى
أفواجا.
ا سببا يف دخول الناس يف دين اهلل إتيان الناس للمدينة ويتعرفون على الدين ،فكان ذلك ا
ۡ َ ۡ ۡ َ ُ َ َ ُّ َ ۡ َ
ويستدل لها بأدلة أخرى ،كقوله ╡{ :وٱلفِتنة أشد مِن ٱلقت ِل} [البقرة ،]191:وقوله ╡:
ۡ َ ۡ َُۡ َ ۡ َُ َ َۡ
{وٱلفِتنة أكب مِن ٱلقت ِل} [البقرة.]217:
59 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
■ فروع القاعدة
ودفن يف أرض مملوكة بغير إذن صاحبها ،فالحكم إما أن يأذن صاحب -1لو مات إنسان ُ
األرض ،أو يدفع له ليأذن ،فإن أبى ُنبش القبر ،وإن كان هذا رضر إال أنه رضر أخف من
رضر بقائه يف هذه األرض المملوكة للغير.
لكن لو دفن شخص بدون كفن ،فإنه ال ُينبش ،ألن نبش القبر رضر أشد من رضر دفنه
مال يسير لم ُيعلم عنه إال بعد الدفن.
بغير كفن ،ومثله إذا سقط يف القبر ٌ
المسبلة ،فإنه يدفن يف
َّ -2ولو مات شخص واختلف الورثة يف دفنه؛ يف ملكه أو يف المقبرة
المقبرة ،ألن يف دفنه يف ملكه رضر على الورثة ،ومخالفة بعض الورثة الذي قالوا بدفنه يف
ملكه؛ هو رضر أخف.
-3ولو سقط إنسان يف بئر ومات ،ويف إخراجه تقطع ألجزاء جسده ،فالحكم أنه إن كان أهل
البلد يحتاجون للبئر فإنه يخرج وإن َّأدى لتقطع أجزاء من جسده ،أما إن لم تكن هناك
حاجة ،فيكون البئر قبره ويردم البئر.
-4إذا ماتت المرأة ويف بطنها جنين ترجى حياته ،فإنه ُيشق بطنها ،ألن منفعة الحي أولى من
الميت ،والشق وإن كان فيه ُمثلة إال أنه رضر أخف.
شق بطنها إلخراج الجنين ،وإال فيخشى عليه ولو قال األطباء عن امرأة حامل أنه ال بد من ِّ
أو على أمه ،مع ما يف ذلك من كشف للعورة وأرضار على المرأة ،فإنه يجرى لها العملية
دفعا للرضر األشد.
ا
* قاعدتان قريبتان من معنى هذه القاعدة:
الرشين) .وقاعدة( :إذا تعارض
يقرب من هذه القاعدة -كما سبق -قاعدة( :اختيار أهون ِّ
رضرا بارتكاب أخفهما). مفسدتان روعي أعظمهما ا
وهذه القواعد لمن اب ُتلي ببل َّيتين ،وأدلة هذه القواعد هي أدلة القاعدة السابقة.
ومنًفروعهما:
قائما ُيرتج عليه وال يستطيع
جالسا ليقرأ الفاتحة ،فإنه إن صلى ا
ا شخص للصالة
ٌ -1لو احتاج
ترك للقيام ،لكن الفاتحة آكد ،ألن القيام يسقط يف النافلة
جالسا ٌ
ا القراءة ،ويف صالته
بخالف الفاتحة.
شخصا يف رأسه جرح ،وإذا سجد سال الدم منه ،وإذا لم يسجد لم يسل ،فإنه يومئ ا -2لو أن
إيماء ،ألن يف سجوده رضر أشد.
ا
-3لو كان يف يد إنسان آكله ،وقال األطباء إذا لم يبتر هذا العضو فإن اآلكلة سترسي يف
دفعا للمفسدة األعظم.
الجسد ،فإنه يبتر العضو ا
-4ومن أمثلته مثال المرأة السابق.
60 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
()1
قاعدة( :يتحمل الرضر اخلاص لدفع رضر عام) [ً]5
منطوق هذه القاعدة هو مفهوم المخالفة لقاعدة( :الرضر ال يزال بمثله) ،والفرق بينها وبين
قاعدة( :الرضر األشد يزال بالرضر األخف) أن القاعدة السابقة الرضر أشد يف نفسه ،والرضر الثاني
خاصا.
عاما ،واآلخر أخف من جهته ً أخف يف نفسه ،أما يف هذه القاعدة فالرضر أشد من جهة كونه ً
ومعنىًالقاعدة :أنه إذا تقابل رضران ،أحدهما عام واآلخر خاص ،فإنه يتحمل الرضر الخاص
ويدفع الرضر العام.
■ فروع القاعدة
أن المحتكر يمنع من االحتكار ،ويجبر على بيع ما احتكره مما يحتاج إليه الناس من -1
دفعا للرضر على الناس ،فيتحمل الرضر الخاص لدفع الرضر العام. الطعام ،ا
دفعا للرضر
سعر عليهم ا لو غال التجار يف األسعار من باب الجشع ،فيجوز للسلطان أن ُي ِّ -2
عن الناس ،والتسعير يف األصل غير جائز.
دفعا للرضر عن الناسالحجر على المفتي الماجن ،والطبيب الجاهل ،والمكاري المفلس ،ا -3
يف دينهم وأبدانهم وأموالهم ،فالمفتي الذي يفتي بالشواذ ،والطبيب الذي ك ُثرت أخطاءه
وترضر الناس منه ،والمكاري الذي يأخذ أموال الناس بقصد نقل بضائعهم من بلد إلى بلد
دفعا للرضر العام على الناس.فإن كان يأخذها وال يقوم بما يجب عليه ،فإنه يحجر عليهم ا
يدخل يف القاعدة :نزع الملكية للصالح العام ،ويدخل فيها لو كان لشخص جدار يخشى -4
وقوعه على الطريق العام ،فإنه يجبر على نقضه لكيال يقع على الناس.
شخصا له أرض يف وسط حي سكني ،وقال سأبني فيها محطة وقود ،فليس له ذلك، ا لو أن -5
فعا للرضر العام عن الناس ،ويتحمل الرضر الخاص به.د ا
()2قاعدة( :القديم يرتك عىل قدمه) [ً]6
معنىًالقاعدة :أن ما يقع فيه النزاع مما هو يف أيدي الناس من أعيان ومنافع -وكان مما ال ُيدرك
أحد مبدأه ،وهو مرشوع يف أصله -فإنه ُيترك على حالته التي هو عليها بال زيادة وال نقص ،وال تغيير
ٌ
دليال على أنه حق قائم بطريق مرشوع.
ويعد قد ُمه اوال تحويلُ ،
* وللقاعدة رشطان إذا تخلف أحدهما ال ُيحكم بالقاعدة ،وهما:
-1أن ال يوجد وقت النزاع يف الرضر من أدرك مبدأه.
-2أن يمكن أن ُيستحق الرضر على وجه رشعي ،أي له أصل يف الرشع.
ومجرىًتطبيقًالقاعدة :أنه لو اختلف شخصان ،يف أن يف مزرعة أحدهم مسيل للماء ،والسيل
يمر من مزرعة األول إلى مزرعة اآلخر ،ثم حصل نزاع وخالف ،فقال األول :سأمنع عن الثاني ماء
السيل .ففي هذه الصورة تطبق القاعدة ،فيترك القديم على قدمه ،فكال المالكين ورث المزرعة عن
أجداده ،ولم يعل م أحد مبدأ النزاع حينها ،ويمكن أن يكون استحق الثاني مسيل الماء على وجه
عال مقابل أن يترك
أجرا أو جعل له ُج ا
رشعي ،كأن يكون أحد المالك األوائل للمزرعة أعطى اآلخر ا
ملكا
مجرى للسيل ،أو قد وهبه منفعة مقابلها ،أو وهبه هب اة ،أو يحتمل أن تكون كال المزرعتين ا
لشخص واحد.
■ دليل القاعدة
موجودا
ا يمكن أن ُيستدل لهذه القاعدة بدليل من المعنى وهو :أنه لما كان هذا الشيء المنازع
من الزمن القديم على هذه الحال المشاهدة فإن األصل بقاؤه على ما كان عليه ،خاص اة وأن الغالب
على الظن أنه ما حدث إال بوجه رشعي ،والشي إذا وجد على ٍ
وجه رشعي فإنه ينبغي تركه على حالته
ٍّ ٍّ
فال تجب إزالته.
■ فروع القاعدة
-1لو كان للشخص يف داره ميزاب يصب على بيت جاره من الزمن القديم ،وأراد الجار إزالة
قديم ،والقديم ُيترك على قدمه.
هذا الميزاب فإنه ُيمنع من ذلك؛ ألن الميزاب ٌ
ممر يف أرض جاره يمر منه إلى بيته منه إلى بيته من الزمن القديم ،وأراد
-2لو كان لشخص ٌ
قديم ،والقديم ُيترك على قدمه.
الجار إغالق هذا الممر ،فإنه ُيمنع من ذلك؛ ألن الممر ٌ
-3لو كان الشخص بقع ٌة يف أرض جاره ُيلقي فيها فضالته وفضالت بهائمه من الزمن القديم،
وأراد صاحب األرض منعه من ذلك فإنه ال ُيم َّكن منه؛ ألن انتفاعه بتلك البقعة قديم،
والقديم ُيترك على قدمه.
()1قديام)
ً قاعدة( :الرضر ال يكون [ً]7
قيدة للقاعدة السابقة ،فالرضر إن لم ُيستحق على وجه رشعي ُنعمل فيه هذه
هذه القاعدة م ِّ
القاعدة.
والمعنىًاإلجمالي :أنه إن لم يمكن أن ُيستحق الرضر بوجه رشعي ،وأن ُيحكم له على ما
حكما.
ا سبق ،فهو كالحادث
والقدم المنفي يف القاعدة معناه :عدم االحتجاج بقدم هذا الرضر ،وليس المراد به عدم حصول
( )1انظر الكتاب (ص )205ط .الثالثة ،تم تلخيص غالب القاعدة من الكتاب فليراجع احتيا اطا.
62 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
التقادم يف الرضر.
■ دليل القاعدة
يمكن أن ُيستدل لها بحديث سمرة بن جندب ☺ الذي تقدم (ـص ،)52ووجه الداللة منه :أن
قديما ،ولكن لما اشتمل على رض ٍرا الذي يظهر أن حق سمرة يف دخول حائط األنصاري كان
باألنصاري لم يعتبر النبي ﷺ قدم هذا الرضر ،بل سعى إلى إزالته ،ألن هذا الرضر ليس له وجه
رشعي.
■ فروع القاعدة
-1لو كان لشخص يف داره ميزاب أو مجرى أقذار -من الزمن القديم -يصب يف الطريق العام
المارين من الزمن القديم فإنه تجب إزالته ،وال ُيعتد بقدمه؛ ألنه رضر ،والرضر ِّ ويؤذي
ال يكون قديم اا ،أي ال ُيحتج بقدمه.
-2لو كان الشخص يف بيته نافذة -من الزمن القديم -تكشف بيت جاره ويتأذى منها ذلك
ال يمنع من انكشاف بيت جاره ،وال ُيعتد بقدمها؛ الجار ،فإنه يجب أن يزيلها أو يضع حائ ا
ألنها رضر ،والرضر ال يكون قديم اا ،أي ال ُيحتج بقدمه.
بئرا يرشب منها، -3لو كانت لشخص بالوعة لدى جاره ،فله االنتفاع بها ،لكن لو أن لآلخر ا
تندى وتأذى وخيف عليه السقوط ،فال وتلوث هذا البئر من مياه البالوعة ،أو أن جدراه َّ
يمكن أن يستحق ذلك بوجه رشعي ،فيجب إزالته ،وال ُيحتج بقدمه.
رشعا.
* إذن إلحاق الرضر بالناس ال يقر ا
قديما).
ا ( )1هذه المسألة ذكرها الشيخ عبد اهلل العيسى بعد قاعدة( :القديم يترك على قدمه) وقاعدة :قاعدة( :الرضر ال يكون
63 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
■ معنى القاعدة
( الدرء) المراد به الدفع واإلبعاد( ،أولى) أي أرجح وأحق وأقرب بالتقديم( ،جلب) المراد هو
التحصيل.
والمعنىًاإلجماليًللقاعدة :أنه إذا اجتمع يف أم ٍر من األمور مفسدة ومصلحة ،فإنه يجب تقديم
اإلتيان باألمر على الوجه الذي يتأدى به دفع المفسدة ،وتجنب اإلتيان به على الوجه الذي يتأدى به
المصلحة.
■ أدلة القاعدة
ِلن ِ
اس ك َعن ٱ ۡ َ
ۡل ۡمر َوٱل ۡ َم ۡيس قُ ۡل فِيه َما ٓ إثۡ ٞم َكبۡيَ ٞو َم َنَٰف ُع ل ا َۡ َُ َ َ
يستدل لها بقوله ╡{ :يسلون
ِ ِ ِ ِ ٍِۖ ِ ِ ِ
ب مِن ان ۡف ِعه َ َُُۡٓ َ ۡ
كَُ
كبيرا وهو مفسدة ،وأن ا ا إثم
ا الخمر يف أن ن بي
َّ تعالى فاهلل ،. ] 219 :[البقرة } ام ِ ِإَوثمهما أ
فيهما منافع للناس وهي مصلحة ،إال أن مفسدتهما أعظم من مصلحتهما ،ولما كان األمر كذلك
حرمهما اهلل تعالى من أجل دفع تلك المفاسد الغالبة.
ويستدل لها بما ورد عن أبي سعيد الخدري ☺ قال :قال النبي ﷺ” :إياكمًوالجلوسً
علىًالطرقات“ فقالوا :ما لنا ُبد؛ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها .قال” :فإذاًأتيتمًإلىًالمجالسً
ًوأمرً
فأعطوا ًالطريق ًحقها“ قالوا :وما حقها؟ قال” :غض ًالبرصً ،وكف ًاألذىً ،ورد ًالسالمٌ ،
جلوسا ال يحصل
ا أوال
ونهيًعنًالمنكر“ ،فالنبي ﷺ نهى عن الجلوس يف الطرقات ا بالمعروفً،
ٌ
به أداء حق الطريق ،لما فيه من مفسدة وتضييق واالشتغال بأحوال من يمر وغيرها من المفاسد ،مع أنه
مقدما
يحصل بالجلوس يف الطريق مصلحة لمن عمل بحقه ،إال أن المفسدة أغلب ،فكان درء المفاسد ا
على جلب المصالح.
ويستدل لها بحديث عائشة ♦ لما قال لها النبي ﷺ” :لوالًأنًقومكًحديثوًعهدًبجاهليةً
-ويفًروايةً:بكفرً-لهدمتًالكعبةًوجعلتهاًعلىًقواعدًإبراهيمً╕“ ،فهذا فيه دليل على أن دفع
المفسدة أولى من جلب المصلحة.
■ فروع القاعدة
سترة من الرجال فإنه ُيرشع لها تأخير ال ُغسل ،ألنه
ا -1لو وجب على المرأة غسل ولم تجد
وإن كان يف المحل مصلحة إال أن يف تكشف المرأة لل ُغ ُسل أمام الرجال مفسدة أعظم ،ودرء
المفاسد أولى من جلب المصالح.
( )1انظر الكتاب (ص )221ط .الثالثة ،تم تلخيص غالب القاعدة من الكتاب فليراجع احتيا اطا.
64 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
أن يف تخليل الشعر يف الوضوء والغسل للمحرم مصلحة ،وفيه مفسدة وهي كونه مظنة -2
إلسقاط الشعر ،واألخذ من الشعر محظور يف حال اإلحرام ،وهذه المفسدة أغلب ،لذلك
ال يرشع للمحرم تخليل شعره ؛ ألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
مرتفعا ،ويحصل بهذا البناء منع الهواء والشمس عن
ا لو أراد شخص أن يبني يف ملكه بناء -3
جاره ،فقد قال بعض أهل العلم :إنه ُيمنع من ذلك؛ ألن البناء وإن كان مصلحة إال أنه قد
عارضه مفسدة أرجح منه وهو منع الهواء والشمس عن الجار ،ودرء المفاسد أولى من
جلب المصالح.
شيئا كالمطبعة والمخرطة ،فإنه يحصل بها رضر من لو أراد شخص أن يحدث يف ملكه ا -4
خالل عملها باله ِّز أو الدق ،وهذه مفسدة أرجح من مصلحة انتفاعه بتلك األعيان فيمنع
من إحداثها؛ ألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح
بئرا قريبة من بئر جاره ،فذهب ماء بئر الجار ،فإن يف بقاء هذه البئر لو حفر شخص ا -5
المحدثة مفسدة أعظم من مصلحة انتفاع صاحبها بها ،ولذلك قال بعض أهل العلم :إنه
يلزم أن تطم هذه البئر المحدثة؛ ألن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
يكره للصائم المبالغة يف المضمضة واالستنشاق. -6
ويحرم على الكبير االختتان إن خيف عليه الرضر. -7
يحرم التسعير واالحتكار إن كان يف ذلك مفسدة على الناس أغلب من المصالح المترتبة -8
عليهما.
■ عالقة القاعدة بالقاعدة الكربى
هذه القاعدة تفيد بأنه يجب أن ُيسعى يف إزالة الرضر حتى وإن قابل مصلح اة ،ما دام أن مفسدة
العمل أعظم وأشد ،وهذا يتفق مع عموم ما أفادته القاعدة الكبرى ،حيث أفادت وجوب إزالة الرضر
قبل وقوعه.
ويأتي بالفريضة قبل خروج الوقت ،فهذا حسن ،وإال ضاق عليه الوقت وخشي فواته ففي هذه الحالة
( )1هذه النقطة أمالها الشيخ ،وهي من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية.
( )2وهذه هي قاعدة( :ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما).
65 القاعدة الكربى الرابعة( :ال رضر وال رضار)
القاعدةًالكبرىًالثالثة(ً:المشقةًتجلبًالتيسير)ً39ً......................................................
[ً]1قاعدة( :إذا ضاق األمر اتسع ،وإذا اتسع األمر ضاق) 44..........................................
[ً]2قاعدة( :الرضورات تبيح المحظورات)45........................................................
تقدر بقدرها)46.................................................................[ً]3قاعدة( :الرضورة َّ
[ً]4قاعدة( :االضطرار ال يبطل حق الغير) 47.........................................................
تنزل منزلة الرضورة عام اة كانت أو خاصة) 48................................. [ً]5قاعدة( :الحاجة َّ
** ً** ً**ً
القاعدةًالكبرىًالرابعة(ً:الًرضرًوالًرضار) ً50ً............................................................
[ً]1قاعدة( :الرضر يدفع بقدر اإلمكان) 54............................................................
[ً]2قاعدة( :الرضر يزال)55.............................................................................
[ً]3قاعدة( :الرضر ال يزال بمثله)57...................................................................
[ً]4قاعدة( :الرضر األشد يزال بالرضر األخف)57...................................................
[ً]5قاعدة( :يتحمل الرضر الخاص لدفع رضر عام) 60 ..............................................
[ً]6قاعدة( :القديم يترك على قدمه) 60 ...............................................................
قديما)61 .................................................................
ا [ً]7قاعدة( :الرضر ال يكون
[ً]8قاعدة( :درء المفاسد أولى من جلب المصالح)63...............................................