You are on page 1of 103

1

mK
1
2
mK
2
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل املبعوث رمحة للعاملني سيدنا‬
‫حممد وعىل آله وأصحابه والتابعني أمجعني‪ ،‬وبعد‪.‬‬
‫فتعد منظومة (جوهرة التوحيد) للشيخ برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم بن‬
‫حسن اللقاين املتوىف ‪1041‬هـ جامعة ملسائل علم التوحيد‪ ،‬وقد كثرت الرشوح‬
‫عليها‪ ،‬وأول من رشحها هو الشيخ اللقاين نفسه‪ ،‬ومن بعده ابنه الشيخ‬
‫عبد السالم اللقاين املتوىف سنة ‪1078‬هـ‪.‬‬
‫ومن أنفع هذه الرشوح رشح الشيخ إبراهيم بن حممد بن أمحد البيجوري‬
‫الشافعي سنة ‪1277‬هـ املسمى (حتفة املريد)‪ ،‬وهي ثمرة من ثمرات املذهب‬
‫األشعري؛ مذهب أهل السنة واجلامعة الذي تلقته األمة بالقبول‪ ،‬وكتب اهلل‬
‫مقررا عىل طالب‬
‫ً‬ ‫له البقاء والذيوع واالنتشار‪ .‬لذا كان من املناسب أن يكون‬
‫املرحلة الثانوية األزهرية‪.‬‬
‫ويعد هذا هو اجلزء األول من كتاب (تيسري رشح البيجوري عىل جوهرة‬
‫التوحيد) املقرر عىل طالب الصف األول الثانوي‪ ،‬ويتناول هذا الكتاب من‬
‫املوضوعات‪ :‬مبادئ علم التوحيد‪ ،‬والتعريف بالتكليف واملكلف‪ ،‬وأقسام‬
‫احلكم العقيل‪ ،‬والتقليد‪ ،‬والنظر ومسالكه‪ ،‬واإليامن واإلسالم‪ ،‬والصفات اإلهلية‪.‬‬
‫وقد استهدف الكتاب تقريب وتيسري هذه املوضوعات إىل أذهان الطالب‬
‫بأسلوب مبسط‪ ،‬يتواءم مع الواقع املعارص‪ ،‬رغب ًة يف إعداد جيل قادر عىل التفكري‬
‫واالبتكار والنقد‪ ،‬ومواجهة حتديات الواقع بحلول مناسبة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪3‬‬
‫وقد اهتمت اللجنة التي قامت عىل إخراج هذا الكتاب بعدة منطلقات‬
‫أساسية يف إعداده نجملها فيام ييل‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬حتديد أهداف عامة للكتاب تسهم يف توضيح الرؤيا فيام يتعلق بنوعية‬
‫املحتوى الذي حيتاجه الطالب‪ ،‬واختبار خرباته التعليمية من معارف‬
‫ومهارات وطرق تفكري ‪...‬‬
‫ ـ ‪2‬االهتامم باملرحلة العمرية التي يمر هبا الطالب‪ ،‬وهي مرحلة تتطلب فهم‬
‫املجردات بأسلوب مبسط‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬االهتامم باللغة املستخدمة يف الكتاب‪ ،‬حيث روعي يف الصياغة تيسري‬
‫ما غمض من عبارات الكتاب‪ ،‬من خالل اختيار مجل بسيطة ومفردات‬
‫يف متناول الطالب‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬استبعاد ما ال صلة له بعلم التوحيد من تفريعات تيسريًا عىل الطالب مما له‬
‫عالقة بالعلوم األخرى كالفقه وعلوم اللغة وغريها‪.‬‬
‫ ـ ‪5‬استبعاد أبيات املنظومة التي ال تناسب الطالب الذين أعدت هلم هذه‬
‫الطبعة‪.‬‬
‫ ـ ‪6‬إضافة عنوان لكل مبحث وعناوين أخرى فرعية تعني عىل فهم املادة‬
‫العلمية‪ ،‬وتسهم يف إثراء خربات الطالب‪ ،‬وزيادة رغبتهم يف التعلم‪.‬‬
‫ ـ ‪7‬االهتامم بالتقويم بمعنى إتباع كل درس بعدة اختبارات متنوعة ـ مقالية‬
‫وموضوعية ـ من شأهنا قياس ما حصله الطالب من معارف ومعلومات‬
‫وتعمل عىل زيادة فاعلية حتصيل املعلومات لدهيم‪ ،‬عىل اعتبار أن التقويم‬
‫له دور مهم يف ذلك‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪4‬‬
‫ ـ ‪8‬استبعاد اهلوامش وما تضمنته من رشوحات‪.‬‬
‫ونرى أن هذه خطوة أولية سوف تتبع بخطوات أخرى تستهدف تيسري‬
‫حمتوى املادة ومسايرهتا لروح العرص الذي يعيشه الطالب‪.‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ويف النهاية نسأل اهلل العيل القدير أن جيعل عملنا‬
‫وأن يفيد منه طالب العلم‪ .‬إنه نعم املجيب‪.‬‬
‫لجنة المناهج باألزهر الشريف‬

‫***‬

‫‪5‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪5‬‬
‫أهداف الدراسة يف الصف األول‬
‫يتوقع من الطالب بعد دراسة هذا المقرر تحقيق ما يلي‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬يوضح املقصود بعلم التوحيد‪ ،‬وموضوعه‪ ،‬وفضله‪ ،‬ونسبته‪ ،‬وواضعه‪،‬‬
‫واسمه‪ ،‬وحكمه‪ ،‬ومسائله‪.‬‬
‫موضحا حكم من مل تبلغه الدعوة‬
‫ً‬ ‫ ـ ‪2‬يذكر تعريف التكليف‪ ،‬ورشوطه‪،‬‬
‫يف عرصنا احلارض‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬يتعرف عىل بعض األحكام االعتقادية املتعلقة بالتكليف‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬يوضح املقصود بمعرفة ال َّله تعاىل‪ ،‬وحكمها‪ ،‬ودليلها‪ ،‬وطريق وجوهبا‪.‬‬
‫وموضحا أحكام‬
‫ً‬ ‫ ـ ‪5‬يذكر تعريف احلكم‪ ،‬مميزًا بني احلكم العقيل والرشعي‪،‬‬
‫احلكم العقيل‪.‬‬
‫ ـ ‪6‬يوضح معنى التقليد‪ ،‬مم ّيزًا بني حكم إيامن املق ِّلد‪ ،‬وحكم إيامن العوام‪.‬‬
‫ ـ ‪7‬يوضح آراء العلامء يف أول ما جيب عىل املكلف‪.‬‬
‫موضحا طرقه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ ـ ‪8‬حيدد املقصود بالنظر يف اللغة واالصطالح‪،‬‬
‫موضحا بعض األحكام املتعلقة‬
‫ً‬ ‫ ـ ‪9‬يتعرف عىل معنى اإلسالم واإليامن‪،‬‬
‫هبام‪ ،‬موف ًقا بني أقوال أهل العلم يف زيادة اإليامن ونقصانه‪ ،‬ومبينًا املوقف‬
‫الصحيح من املسلك التكفريي الذي انترش يف واقعنا املعارص‪.‬‬
‫ًّ‬
‫مستدل‬ ‫موضحا املقصود بكل صفة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ ـ‪10‬يصنف الصفات الواجبة هلل تعاىل‪،‬‬
‫بالنقل والعقل عىل إثباهتا هلل تعاىل‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪6‬‬
‫موضحا للنصوص املومهة‬
‫ً‬ ‫ ـ‪11‬يفرق بني التأويل والتشبيه والتعطيل‪،‬‬
‫للتشبيه‪.‬‬
‫منزها إياه عن احلدوث‪.‬‬
‫ ـ‪12‬يعتقد قدم القرآن الكريم‪ً ،‬‬
‫ ـ‪ُ 13‬ي َع ِّظ ُم اهلل تعاىل باعتقاد ما جيب له وما جيوز يف حقه وما يستحيل عليه‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ ـ‪14‬يرجو رؤية اهلل تعاىل؛ زيادة يف ثواب اهلل تعاىل ورضوانه‪.‬‬

‫***‬

‫‪7‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪7‬‬
‫مقدمة اجلوهرة وشرحها‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬

‫ُث ــم س ــام اللَِّ م ــع صالَتِ ـ ِ‬


‫ـه‬ ‫ـــى ِصالتِ ِ‬
‫ـــه‬ ‫َ‬
‫احل ْمـــدُ لَِّ َع َ‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫***‬

‫يد‬‫و َقدْ َخ َل الدِّ ين ع ِن التَّو ِح ِ‬ ‫ـد‬‫ـى َنبِ ــي ج ــاء بِالتَّو ِحي ـ ِ‬
‫َع ـ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫***‬ ‫ٍّ َ َ ْ‬
‫ـــه و ِح ْزبِ ِ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـل ربـ ِ‬ ‫اقـ ِ‬‫ِ‬ ‫َُ ِ‬
‫ـــه‬ ‫َوآلـــه َو ْصحبِ َ‬ ‫***‬ ‫ـه‬ ‫ـب ل ُر ْسـ ِ َ ِّ‬
‫م َّمــد ا ْل َع ْ‬
‫***‬
‫تعلم التوحيد‪:‬‬ ‫حكم ُ‬

‫َـــاج لِل َّت ْبيِـــن‬


‫يت ُ‬ ‫َـــم َ ْ‬
‫مت ٌّ‬ ‫ين *** ُ َ‬ ‫ـم َبأ ْص ِل الدِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َب ْعـدُ ‪َ :‬فا ْلع ْل ُ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لك ْن م َن ال َّت ْط ِويِل َك َّلت ْال َم ْم *** َف َص َار فيـه اال ْخت َص ُ‬
‫ـار ُم ْل َت َز ْم‬
‫هـــذ ِه ُأرجـــو َز ٌة َل َّقبتُهـــا *** جوهـر َة التَّو ِح ِ‬
‫يد َقـدْ َه َّذ ْبت َُها‬ ‫و ِ‬
‫ْ َ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ـواب َط ِام ًعا‬ ‫ـول نَافِ ًعــا *** ِ َبــا ُم ِريــدً ا ِف ال َّثـ ِ‬
‫َواهللَ َأر ُجــو ِف ا ْل َق ُبـ ِ‬
‫ْ‬
‫اقتداء بالقرآن‬
‫ً‬ ‫يف افتتاحية مقدمته بني البسملة واحلمدلة‬ ‫مجع الناظم‬
‫وعمل بقول رسول اهلل ﷺ؛ حيث‬ ‫ً‬ ‫الكريم؛ حيث اف َتتَح بالبسملة واحلمدلة‪،‬‬
‫بال ال ُي ْبدَ أ فيه بسم اهلل الرمحن‬ ‫جاء يف احلديث عن رسول اهلل ﷺ‪« :‬كل أمر ذي ٍ‬
‫بال ال ُيبدأ فيه باحلمد هلل أقطع»‪.‬‬ ‫أمر ذي ٍ‬ ‫«كل ٍ‬‫الرحيم فهو أقطع»(((‪ ،‬وقوله ﷺ‪ُّ :‬‬
‫أي ناقص وقليل الربكة(((‪.‬‬
‫((( رواه الرهاوي يف األربعني عن أيب هريرة‪.‬‬
‫((( رواه ابن ماجه‪ ،‬والبيهقي عن أيب هريرة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪8‬‬
‫فحمدً ا هلل عىل نعمه التي هي ِص ٌ‬
‫الت وصل هبا ـ تعاىل ـ عباده‪ ،‬وصالة‬
‫وسالما عىل نبيه الذي جاء بدين التوحيد يف جاهلية خال فيها دين الناس من‬
‫ً‬
‫دين التوحيد‪ ،‬فأرشد اخللق للدين احلق‪ ،‬ونرص الدين بكل ما ُأويت من وسائل‪،‬‬
‫صلوات اهلل وسالمه عىل نبينا العاقب الذي جاء عقب األنبياء والرسل وآخرهم‪،‬‬
‫فال نبي بعده وال رسول وعىل آله وصحبه وحزبه‪ :‬ﱹﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﱸ(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة املجادلة ‪ .‬اآلية‪.22 :‬‬


‫‪9‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪9‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(((‬
‫املبادئ العشرة لعلم التوحيد‬
‫ ـ ‪1‬التعريف بعلم التوحيد‪:‬‬
‫ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫للتوحيد ثالثة‬
‫أحدها لغوي‪ :‬وهو العلم بأن اليشء واحد‪.‬‬
‫وثانيها رشعي‪ :‬وهو إفراد املعبود بالعبادة‪ ،‬مع اعتقاد وحدانيته‪ ،‬والتصديق‬
‫وأفعال‪ ،‬فليس هناك ذات تشبه ذاته‪ ،‬وال صفة تشبه صفاته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬
‫وصفات‬ ‫هبا ذاتًا‬
‫وال فعل يشبه أفعاله‪ ،‬أو هو إثبات ذات غري مش َّبهة للذوات‪ ،‬وال مع َّطلة عن‬
‫الصفات‪.‬‬
‫املدون أي‪ :‬تطبيق القواعد العامة لعلم‬
‫وثالثها اصطالحي‪ :‬بمعنى العلم َّ‬
‫التوحيد وهو‪ :‬علم ُيقتدر معه عىل إثبات العقائد الدينية املكتسبة من أدلتها‬
‫حث فيه عن ذات اهلل‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وذات رسله‪ ،‬وعن أحوال‬ ‫اليقينية‪ ،‬أو هو علم ُي ْب ُ‬
‫املمكنات والسمعيات‪ ،‬وليس املقصود بالبحث عن ذات اهلل معرفة حقيقتها‪،‬‬
‫فإن هذا مما تتقارص عنه اهلمم فال يعرف اهلل إال اهلل‪ ،‬وإنام املقصود معرفة ما جيب‬
‫له ـ سبحانه من صفات اجلالل والكامل ـ وما جيوز من األفعال وما يستحيل عليه‬
‫من كل ما ال يليق به‪ ،‬والبحث عن الصفات من حيث إثباهتا باألدلة اليقين َّية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ومعان‪ ،‬ومعرفة ما يتعلق منها وما ال يتعلق‪.‬‬ ‫وتقسيمها إىل نفس َّية‪ ،‬وسلب ّية‪،‬‬

‫احل ــدُّ واملوض ــوع ث ــم الثم ــرة‬ ‫***‬ ‫((( إن مبــادي كل فــن عــرة‬
‫واالسماالستمدادحكمالشارع‬ ‫***‬ ‫وفضلــه ونســبة والواضــع‬
‫ومن درى اجلميع حاز الرشفا‬ ‫***‬ ‫مسائل والبعض بالبعض اكتقى‬
‫‪10‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪10‬‬
‫أما البحث عن الرسل‪ ،‬فمن حيث ما جيب هلم‪ ،‬وما جيوز‪ ،‬وما يستحيل‬
‫عليهم‪ ،‬وعن حكم الرسالة‪ ،‬وإثباهتا باملعجزة‪ ،‬والبحث عن املمكنات‪ ،‬من‬
‫موج ِدها‪.‬‬
‫حيث إثبات ِ‬
‫والبحث عن السمعيات‪ ،‬من حيث اعتقاد وجودها‪ ،‬ووقوعها كام أخرب‬
‫بذلك املعصوم ﷺ‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬موضوع علم التوحيد‪:‬‬
‫بحث فيه عام جيب هلل من صفات اجلالل والكامل‪ ،‬وما يستحيل عليه من كل‬
‫ُي َ‬
‫ما ال يليق به‪ ،‬وما جيوز من األفعال‪ ،‬وعام جيب للرسل واألنبياء‪ ،‬وما يستحيل‬
‫عليهم‪ ،‬وما جيوز يف حقهم‪ ،‬وما يتصل بذلك من اإليامن بالكتب ا ُملنزَّلة‪ ،‬واملالئكة‬
‫األطهار‪ ،‬ويوم البعث واجلزاء والقضاء والقدر‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬ثمرته‪:‬‬
‫معرفة اهلل بالرباهني القطعية‪ ،‬والفوز بالسعادة األبدية‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬فضله‪:‬‬
‫هو أرشف العلوم؛ ألنه متعلق بذاته ـ تعاىل ـ ‪ ،‬وذات رسله‪ ،‬وما يتبع ذلك من‬
‫أركان اإليامن‪ ،‬ورشف اليشء برشف موضوعه‪.‬‬
‫ ـ ‪5‬نسبته‪:‬‬
‫هو بالنسبة للعلوم الرشعية أصل هلا‪ ،‬وهي فروع ولوازم بالنسبة له‪.‬‬
‫ ـ ‪6‬واضعه‪:‬‬
‫ينسب وضع هذا العلم من حيث تدوين مسائله‪ ،‬واالستدالل عليها بإقامة‬
‫احلجج ودفع الشبه إىل الشيخني اجلليلني‪ :‬أيب احلسن األشعري(((‪ ،‬وأيب منصور‬
‫((( أبو احلسن األشعري ولد بالبرصة ‪260‬هـ ‪ ،‬تويف يف بغداد ‪324‬هـ وهو من نسل الصحايب اجلليل أيب‬
‫موسى األشعري‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪11‬‬
‫املاتريدي(((؛ ألهنام أشهر من أ ّلف فيه‪ ،‬ور َّد عىل املنحرفني بالنقل والعقل عىل‬
‫مذهب أهل السنة واجلامعة‪.‬‬
‫أما إن أريد بالتوحيد العقيدة‪ ،‬فقد جاء هبا الرسل يف مجيع الرشائع‪ ،‬من آدم إىل‬
‫تتغي إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ ،‬وهي عقيدة باقية ال َّ‬ ‫خامتهم نبينا حممد‬
‫ ـ ‪7‬اسمه‪:‬‬
‫يطلق عىل هذا العلم عدَّ ة أسامء‪ :‬أشهرها علم التوحيد؛ ألن مبحث الوحدانية‬
‫أهم مباحثه وأشهرها‪.‬‬
‫أيضا علم الكالم؛ ألن املتقدِّ مني كانوا يبدؤون مباحثه بقوهلم‪ :‬الكالم‬
‫ويسمى ً‬
‫يف كذا‪ ،‬أو ألنه كثر الكالم يف صفة الكالم الواجبة هلل تعاىل‪.‬‬
‫وله أسامء أخرى‪ ،‬منها علم أصول الدين‪ ،‬وعلم العقيدة‪ ،‬والفقه األكرب‪.‬‬
‫ ـ ‪8‬استمداده‪:‬‬
‫أدلته مستمدة من األدلة النقلية ـ القرآن الكريم والسنة النبوية ـ واألدلة‬
‫العقلية‪ ،‬ا ُملعت َِمدَ ة عىل القواعد املنطقية‪.‬‬
‫شرعا‪:‬‬
‫ ـ ‪9‬حكمه ً‬
‫جيب رش ًعا ـ وجو ًبا عين ًّيا ـ عىل كل مك َّلف من ذكر أو أنثى أن يعرف مسائل‬
‫هذا العلم‪ ،‬ولو بطريق اإلمجال‪.‬‬
‫وأما معرفة مسائل هذا العلم باألدلة التفصيلية فهي فرض كفاية إذا قام هبا‬
‫البعض سقط الطلب عن الباقني‪.‬‬

‫((( هو أبو منصور املاتريدي‪ ،‬ولد يف عهد اخلليفة العبايس املتوكل‪ ،‬وت ُُو ِّف ‪333‬هـ‪ ،‬وهو من ماتريد إحدى‬
‫بالد ما وراء النهر (أوزباكستان وكازا خستان حال ًيا)‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪12‬‬
‫والدليل اإلمجايل أي‪ :‬يف اجلملة ـ هو الذي يعجز من يستدل به عن ذكر‬
‫تفاصيله‪ ،‬واجلواب عن ُّ‬
‫الش َبه املوجهة إليه‪ ،‬وأما الدليل التفصييل فهو الذي‬
‫املوجهة إليه‪ .‬مثال ذلك إذا قيل لك‪ :‬ما‬
‫َّ‬ ‫الشبه‬ ‫َّ‬
‫وحل ُّ‬ ‫يستطيع صاحبه تقريره‪،‬‬
‫الدليل عىل وجود اهلل تعاىل؟ فقلت‪َ :‬‬
‫العال‪ ،‬ومل تعرف جهة الداللة‪ ،‬فهو دليل‬
‫إمجايل‪ ،‬وكذلك إذا عرفت جهة الداللة‪ ،‬ومل تقدر عىل ِّ‬
‫حل ُّ‬
‫الش َبه الواردة عليه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حادث وقدرت بعد ذلك عىل إقامة‬ ‫أما إذا عرفت جهة الداللة فقلت‪َ :‬‬
‫العال‬
‫دليل احلدوث؛ ور ِّد ُّ‬
‫الش َبه الواردة عليه‪ ،‬فهذا دليل تفصييل‪.‬‬
‫ ـ‪10‬مسائله‪:‬‬
‫قضاياه التي تبحث عن الواجبات‪ ،‬واجلائزات‪ ،‬واملستحيالت‪ ،‬وتُعترب هذه‬
‫مبادئ ومقدمات للعلم‪.‬‬

‫***‬

‫‪13‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪13‬‬
‫َّ‬
‫واملكلف‬ ‫‪2‬ـ التكليف‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫‪...............‬‬ ‫فك ُُّل َم ْن ُك ِّل َ‬
‫ف رش ًعا َو َج َبا‬
‫ذكرا كان‬
‫جتب معرفة اهلل ـ تعاىل ـ عىل كل فرد من املكلفني من اإلنس واجلن‪ً ،‬‬
‫وجبِلوا عىل املعرفة والطاعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أو أنثى‪ ،‬دون املالئكة عىل املشهور؛ ألهنم ُخلقوا ُ‬
‫تعريف التكليف‪:‬‬
‫التكليف‪ :‬طلب ما فيه كُلف ٌة ومش َّق ٌة‪ ،‬أو هو إلزام ما فيه كُلف ٌة ومش ّقة‪.‬‬
‫واألحكام التكليفية مخسة‪ :‬اإلجياب‪ ،‬والندب‪ ،‬والتحريم‪ ،‬والكراهة‪،‬‬
‫واإلباحة‪.‬‬
‫فعىل القول بأن التكليف طلب ما فيه كُل َفة‪ ،‬فهو يشملها ما عدا اإلباحة‪،‬‬
‫وعىل القول إنه إلزام‪ ،‬فال يشمل إال الواجب واملحرم‪.‬‬
‫إلزاما‪ ،‬فال بدَّ أن يكون املك َّلف ً‬
‫قابل هلذا التكليف‬ ‫وملا كان التكليف طل ًبا أو ً‬
‫قادرا عليه؛ وإال سقط التكليف‪.‬‬
‫مستعدًّ ا له‪ً ،‬‬
‫َّ‬
‫المكلف‪:‬‬ ‫تعريف‬
‫واس‪ ،‬الذي بلغته الدعوة‪.‬‬ ‫هو البالغ العاقل‪ ،‬سليم َ‬
‫احل ِّ‬
‫شروط التكليف‪:‬‬
‫ذكر الشارح أربعة رشوط للتكليف وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ البلوغ‪2 .‬ـ العقل‪3 .‬ـ بلوغ الدعوة‪4 .‬ـ سالمة احلواس‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪14‬‬
‫محترزات الشروط‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬وخرج برشط البلوغ‪ :‬الصبي‪ ،‬فليس مكل ًفا‪ ،‬فمن مات قبل البلوغ فهو‬
‫كفر وال غريه‪ ،‬وذلك‬ ‫ناجٍ ‪ ،‬ولو كان من أوالد الكفار‪ ،‬وال يعاقب عىل ٍ‬
‫«رفِ َع ال َق َل ُم عن ثالث ‪ ..‬والصبي حتى يبلغ»(((‪ .‬خال ًفا للحنفية‬
‫لقوله ﷺ‪ُ :‬‬
‫فقد قالوا‪ :‬بتكليف الصبي العاقل‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬وخرج برشط العقل املجنون‪ ،‬فليس بمكلف‪ ،‬ومثله السكران غري‬
‫تعمد ُشب املسكر‪ ،‬وهو عامل بحاله‪،‬‬
‫املتعدي‪ ،‬فإن تعدَّ ى بسكره‪ ،‬كأن َّ‬
‫واستمر‬
‫َّ‬ ‫فهو مك َّلف كالعاقل‪ ،‬لكن ّ‬
‫حمل ذلك إن بلغ جمنونًا أو سكرانًا‪،‬‬
‫عاقل ثم ُج َّن أو سكِر متعد ًيا ثم‬
‫عىل ذلك حتى مات‪ ،‬بخالف ما لو بلغ ً‬
‫مات‪ ،‬فهو عىل ما كان عليه قبل ذلك‪.‬‬
‫معز ٍل عن‬
‫ ـ ‪3‬وخرج بمن بلغته الدعوة‪ ،‬من مل تبلغه‪ ،‬وذلك بأن نشأ يف ِ‬
‫مكان ٍ‬
‫بعيد مل تصل الدعوة إليه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الناس‪ ،‬ومل يتَّصل بأحد‪ ،‬أو كان يف‬
‫أو بلغته الدعوة بلو ًغا َّ‬
‫مشو ًها‪ ،‬كعوا ِّم األجانب الذين مل يعرفوا عن‬
‫نقل غري صحيح‪ ،‬وهم‬ ‫اإلسالم إال ما نقله هلم رؤساؤهم الدينيون ً‬
‫األصح‪ ،‬خال ًفا ملن قال بأنه‬
‫ِّ‬ ‫يف غري دار اإلسالم‪ ،‬فليس بمك َّلف عىل‬
‫مكلف؛ لوجود العقل الكايف يف وجوب املعرفة عندهم‪ ،‬وإن مل تبلغه‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫ف الذي ُأ ْر ِس َل إليه‪.‬‬
‫وال بد من بلوغ دعوة الرسول للم َك َّل ِ‬
‫ُ‬

‫((( أخرجه ابن ماجه بسند صحيح‪.‬‬


‫‪15‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪15‬‬
‫التعريف بأهل الفترة وحكمهم‪:‬‬
‫رسل إليهم‪،‬‬‫أهل الفرتة‪ ،‬وهم من كانوا بني أزمنة الرسل‪ ،‬أو يف زمن رسول مل ُي َ‬
‫وحكمهم أنهم ناجون‪ ،‬وهذا هو الصحيح عىل مذهب أهل السنة؛ لورود األدلة‬
‫النقل َّية الرصحية عىل ذلك‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱸ(((‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف هذا مع أن النبي ﷺ أخرب بأن مجاعة من أهل الفرتة يف النار‪،‬‬
‫كامرئ القيس‪ ،‬وحاتم الطائي‪ ،‬وبعض آباء الصحابة‪ ،‬فإن بعض الصحابة سأل‬
‫النبي ﷺ وهو خيطب فقال‪ :‬أين أيب؟‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬يف النار»(((‪.‬‬
‫أجيب‪ :‬بأن األحاديث الواردة يف هذا أحاديث آحاد (((‪ ،‬وهي ال تعارض‬
‫القطعي‪ ،‬وهو قوله تعاىل ‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱸ(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫خيتص به يعلمه اهلل‬
‫صح تعذيبه منهم؛ ألمر ّ‬
‫كام أنه جيوز أن يكون تعذيب من َّ‬
‫تعاىل‪ ،‬ورسوله ﷺ‪.‬‬
‫حكم أبوي النبي ﷺ‪:‬‬
‫إذا كان أهل الفرتة ناجني‪ ،‬فإن أبوي النبي ﷺ ناجيان؛ لكوهنام من أهل الفرتة‪،‬‬
‫عيب‪ ،‬وال‬
‫رجس‪ ،‬وال ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كفر‪ ،‬وال‬
‫بل مجيع آبائه وأمهاته ﷺ ناجون‪ ،‬مل يدخلهم ٌ‬
‫يشء مما كان عليه اجلاهلية؛ ألد َّلة نقل َّية كقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞﱸ(((‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وقوله ﷺ‪« :‬مل أزل أتنقل من األصالب الطاهرات إىل األرحام الزاكيات»(((‪،‬‬
‫وغري ذلك من األحاديث البالغة مبلغ التواتر(((‪.‬‬
‫((( سورة اإلرساء ‪ .‬اآلية‪.15 :‬‬
‫((( أخرجه مسلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫((( خرب اآلحاد‪ :‬هو ما رواه راو واحد‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬ومل يصل إىل حد التواتر‪.‬‬
‫((( سورة اإلرساء ‪ .‬اآلية‪.15 :‬‬
‫((( سورة الشعراء ‪ .‬اآلية‪.219 :‬‬
‫((( أخرجه النبهاين يف األنوار املحمدية‪.‬‬
‫((( هو ما رواه مجع عن مجع‪ ،‬حييل العقل تواطؤهم عىل الكذب‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪16‬‬
‫حكم من لم تبلغه الدعوة في وقتنا الحاضر‪:‬‬
‫يرسي حكم أهل الفرتة عىل من مل تبلغه الدعوة يف وقتنا احلارض؛ الشرتاكهم‬
‫معهم يف عدم وصول الدعوة إليهم‪ ،‬ومع ذلك فإن مسئولية عدم تبليغهم تقع‬
‫كل حسب قدرته وعلمه وطاقته‪.‬‬ ‫عىل كل مسلم قادر‪ٍّ ،‬‬
‫حواسه التي متكِّنه من العلم بدعوة‬
‫َّ‬ ‫ ـ ‪4‬وخرج برشط سالمة احلواس من َف َقدَ‬
‫أصم وليست هناك وسيلة يعلم‬ ‫الرسول ﷺ‪ ،‬فلو خلق اهلل إنسانًا أعمى َّ‬
‫هبا لسقط عنه وجوب النظر والتكاليف‪.‬‬
‫والخالصة‪:‬‬
‫أن املعرفة جتب عىل كل مكلف‪.‬‬
‫واملكلف هو البالغ العاقل سليم احلواس الذي بلغته الدعوة‪ ،‬فاملعرفة ال‬
‫جتب عىل الصبي‪ ،‬ولكن جيب عىل وليه تعليمه العقيدة ومبادئ الدين حسب‬
‫سليم العقيدة‪ ،‬ولتحفظه العقيدة من الزيغ إذا‬ ‫َ‬ ‫مسلم واع ًيا‬
‫ً‬ ‫قوة فهمه؛ لينشأ‬
‫بلغ‪ ،‬وال جتب املعرفة عىل املجنون‪ ،‬وال عىل فاقد السمع والبرص م ًعا؛ ألنه ال‬
‫طريق ملعرفته فإذا وجدت طريقة للمعرفة وجبت عليه‪ ،‬كام ال جتب املعرفة عىل‬
‫من مات قبل بعثة الرسول ﷺ‪ ،‬يعني من مات يف فرتة ليس فيها رسول مبعوث‬
‫أو يوجد رسول ولكنه مرسل إىل قوم دون آخرين‪.‬‬
‫ِ‬
‫رسل‬ ‫فا ُمل َ‬
‫رس ُل إليهم هم املكلفون املسئولون إذا بلغتهم دعوة ُر ُسلهم‪ ،‬ومن مل ُي َ‬
‫رسل إليهم رسول ومل تبلغهم‬ ‫إليهم رسول يعتربون معذورين‪ ،‬وكذلك من ُأ ِ‬
‫دعوته‪ ،‬والدليل عىل ذلك قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱸ(((‪.‬‬

‫***‬
‫((( سورة اإلرساء ‪ .‬اآلية‪.15 :‬‬
‫‪17‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪17‬‬
‫‪3‬ـ ما جيب على املكلف وأقسام احلكم العقلي‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ف ما قـد َو َج َبا‬ ‫عليـه أن َي ْع ِ‬
‫ـر َ‬ ‫***‬ ‫ف رش ًعـا َو َج َبا‬ ‫من ُك ِّل َ‬
‫فـكل ْ‬‫ُّ‬
‫فاســت َِمعا‬ ‫ِِ‬
‫ــل ذا ُلر ْســله ْ‬
‫ِ‬
‫وم ْث َ‬ ‫***‬ ‫هلل واجلائــــ َز وا ُملمتَن ِ َعـــــا‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫المعرفة لغة‬
‫املعرفة يف اللغة‪ :‬اإلدراك والعلم‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬املعرفة والعلم‪ ،‬معنامها واحد ـ أي‪ :‬مرتادفان ـ وهي‪:‬‬
‫اإلدراك اجلازم املطابق للواقع الناشئ عن دليل‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫جنس يف التعريف‪ ،‬يشمل اجلازم وغري اجلازم‪.‬‬
‫اإلدراك‪ٌ :‬‬
‫الطرف الراجح ـ ‪،‬‬
‫الظن‪ ،‬ـ وهو‪ :‬إدراك َ‬
‫ُّ‬ ‫اجلازم‪ :‬قيد يف التعريف‪ ،‬خيرج به‬
‫ُّ‬
‫الشك‪ ،‬ـ وهو‪:‬‬ ‫الطرف املرجوح ـ ‪ ،‬وخيرج به‬
‫وخيرج به الوهم‪ ،‬ـ وهو‪ :‬إدراك َ‬
‫استواء الطرفني‪.‬‬
‫املطابق للواقع‪ :‬خيرج به غري املطابق‪ ،‬وكجزم ا ُمل ِ‬
‫لحد بعدم وجود اهلل‪.‬‬
‫عن دليل‪ :‬خيرج به التقليد؛ ألنه ليس ناشئًا عن دليل؛ بل ناشئ عن األخذ‬
‫بقول الغري عىل ما سيأيت‪.‬‬
‫حكم معرفة َّ‬
‫الل‪:‬‬
‫أوجب اهلل ـ سبحانه ـ عىل كل فرد من أفراد املك َّلفني معرفته سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪18‬‬
‫واملقصود باملعرفة هنا‪ :‬معرفة صفات اهلل ـ تعاىل ـ ‪ ،‬من حيث ما جيب‪ ،‬وما‬
‫‪ ،‬وليس املقصود معرفة‬ ‫جيوز‪ ،‬وما يستحيل يف حقه ـ تعاىل ـ ‪ ،‬وكذا الرسل‬
‫ذاته ـ تعاىل ـ ؛ ألن ذلك أمر ال سبيل إليه؛ إذ ال يعرف ذاته و ُكنْ َه حقيقته إال هو‪،‬‬
‫ويف احلديث‪« :‬تفكَّروا يف اخللق‪ ،‬وال تَفكِّروا يف اخلالق‪ ،‬فإنه ال حتيط به الفكرة»(((‪،‬‬
‫اك‪ ،‬والبحث يف الذات إرشاك‪ ،‬سبحانه‪:‬‬ ‫فال يعرف اهلل إال اهلل‪ ،‬وتَر ُك اإلدر ِ‬
‫اك إِ ْد َر ٌ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ﱹ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﱸ(((‪.‬‬
‫واملراد إ ًذا بمعرفة اهلل تعاىل‪ ،‬معرفة صفاته وأسامئه وسائر أحكام األلوهية ال‬
‫معرفة ذاته وكنه حقيقته‪.‬‬
‫الدليل على وجوب معرفة َّ‬
‫الل‪:‬‬
‫قوله سبحانه‪ :‬ﱹﰊ ﰋﰌﰍﰎﰏ ﱸ(((‪ ،‬وإمجاع األمة عىل وجوب اإليامن‪،‬‬
‫ودعوة املخالفني إىل اإليامن‪ ،‬وعىل وجوب الفروع‪ ،‬كالصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬وما ال‬
‫يتم الواجب إال به‪ ،‬فهو واجب‪.‬‬
‫ّ‬
‫رأي العلماء في طريق وجوب المعرفة‪:‬‬
‫ذهب األشاعرة إىل أن معرفة اهلل واجبة بالرشع‪ ،‬وكذلك سائر األحكام؛‬
‫إذ ال حكم قبل ورود الرشع ال يف األصول‪ ،‬وال يف الفروع‪ ،‬فعند أهل السنة‬
‫حسنه الرشع‪ ،‬والقبيح ما ق ّبحه الرشع‪.‬‬ ‫َ‬
‫احل َس ُن‪ :‬ما ّ‬
‫وذهبت املعتزلة إىل أن األحكام كلها ثبتت بالعقل‪ ،‬وأما الرشع فإنام جاء‬
‫بناء عىل مذهبهم يف التحسني والتقبيح‬
‫مقر ًرا ومؤكِّدً ا ملا أثبته العقل‪ ،‬وهذا ً‬
‫ِّ‬
‫العقليني‪ ،‬فعندهم أن احلسن هو‪ :‬ما رآه العقل حسنًا‪ ،‬والقبيح هو‪ :‬ما رآه العقل‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة والبيهقي‪.‬‬
‫((( سورة األنعام ‪ .‬اآلية‪.103 :‬‬
‫((( سورة حممد ‪ .‬اآلية‪.19 :‬‬
‫‪19‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪19‬‬
‫قبيحا‪ ،‬وعندهم‪ ،‬أنه إذا أدرك العقل حسن ٍ‬
‫يشء حكم بوجوبه‪ ،‬ووجب أن جييء‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ً‬
‫الرشع فيه مطاب ًقا ملا حكم به العقل‪.‬‬
‫ُ‬
‫وذهب املاتريدي‪ ،‬ومن شايعه إىل أن معرفة اهلل تعاىل يدرك وجوهبا العقل‪،‬‬
‫أمرا‬ ‫ً‬
‫استقالل لكونه ً‬ ‫لكن عىل معنى أنه لو مل يرد الرشع ألدرك العقل ذلك‬
‫واضحا‪ ،‬ومل يبنوا ذلك عىل التحسني العقيل‪ ،‬كام فعل املعتزلة‪ ،‬فاملذاهب‬
‫ً‬
‫يف مسألة املعرفة ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬مذهب األشاعرة‪ ،‬وحاصله أن مجيع األحكام‪ ،‬ومنها معرفة اهلل تعاىل‬
‫إنام ثبتت ـ وجبت ـ بالرشع‪ ،‬ويك َّلف هبا العقالء أي برشط العقل‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬مذهب املاتريدي‪ ،‬وحاصله أن معرفة اهلل وحدها‪ ،‬ثبتت بالعقل‬
‫املستقيم اخلايل من اهلوى والتقليد وعدم اعتبار العقل ً‬
‫سبيل ملعرفة اهلل يكون‬
‫ً‬
‫إمهال له ولوظيفته التي هي النظر والتفكري‪ ،‬أما سائر األحكام‪ ،‬فال تثبت‬
‫إال بالرشع‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬مذهب املعتزلة‪ :‬وحاصله أن األحكام كلها ـ ومنها معرفة اهلل تعاىل‬
‫ثبتت بالعقل‪ ،‬وجاء الرشع مبينًا ومؤكدً ا ملا أثبته العقل‪.‬‬
‫بيان الحكم وأقسامه‪:‬‬
‫ملا كان املكلف مطال ًبا بمعرفة ما جيب وما جيوز وما يستحيل عليه سبحانه‬
‫ي ُس ُن أن نبني معنى احلكم وأقسامه‪.‬‬
‫وتعاىل َ ْ‬
‫ناجح‪ ،‬قضي ٌة‬
‫ٌ‬ ‫أمر ٍ‬
‫ألمر‪ ،‬أو نف ُيه عنه‪ ،‬فقولنا‪ :‬حممدٌ‬ ‫تعريف احلكم‪ :‬هو إثبات ٍ‬
‫موجب ٌة‪ ،‬أثبتنا فيها األمر الثاين‪ ،‬وهو النجاح‪ ،‬لألمر األول‪ ،‬وهو حممد‪ ،‬وقولنا‪:‬‬
‫النجاح عن حممد‪.‬‬
‫َ‬ ‫حممد ليس بناجح‪ ،‬قضية سالبة‪ ،‬أي نفت‬

‫‪20‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪20‬‬
‫وينقسم إىل ثالثة أقسام عقيل‪ ،‬ورشعي‪ ،‬وعادي‪.‬‬
‫ألمر‪ ،‬أو نفيه عنه‪ ،‬دون تو ُّق ٍ‬
‫ف عىل جتربة‪،‬‬ ‫أمر ٍ‬‫إثبات ٍ‬
‫ُ‬ ‫فاحلكم العقيل‪ :‬هو‬
‫ُ‬
‫أو حكم الشارع‪.‬‬
‫كقولنا‪ُّ :‬‬
‫الكل أكرب من اجلزء‪.‬‬
‫أمر ٍ‬
‫ألمر‪ ،‬أو نف ُيه عنه‪ ،‬استنا ًدا إىل القرآن الكريم‪،‬‬ ‫إثبات ٍ‬
‫ُ‬ ‫واحلكم الرشعي‪ :‬هو‬
‫والسنة املطهرة‪.‬‬
‫واجب عىل كل مسلم مستطيع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حج البيت احلرام‬
‫كقولنا‪ُّ :‬‬
‫أمر ٍ‬
‫ألمر‪ ،‬أو نف ُيه عنه‪ ،‬استنا ًدا إىل العادة والتجربة‪.‬‬ ‫واحلكم العادي‪ :‬هو إثبات ٍ‬

‫يقوي البدن و ُين َِّميه‪.‬‬


‫كقولنا‪ :‬يقطع السكني اللحم‪ ،‬وقولنا‪ :‬الغذاء اجل ِّيد ِّ‬
‫واحلكم العادي له اتصال وثيق بالكونيات‪ ،‬وسنن اهلل فيها‪ ،‬وما جيريه البرش‬
‫عليها من التجارب‪ ،‬وما يستفاد منها بالتكرار‪.‬‬
‫والذي ُيمنا يف دراسة علم العقيدة‪ ،‬هو احلكم العقيل وأقسامه‪ ،‬ويتوقف‬
‫عليه الكثري من مسائله‪ ،‬فوجود اهلل ـ تعاىل ـ واجب ً‬
‫عقل‪ ،‬وإرسال الرسل جائ ٌز‬
‫مستحيل ً‬
‫عقل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫عقل‪ ،‬ورشيك للباري‬
‫تعريف الحكم العقلي وأقسامه‪:‬‬
‫أمر ٍ‬
‫ألمر‪ ،‬أو نف ُيه عنه‪ ،‬بواسطة العقل‪.‬‬ ‫احلكم العقيل هو‪ :‬إثبات ٍ‬

‫وأقسامه ثالثة‪:‬‬
‫‪3‬ـ مستحيل‪.‬‬ ‫‪2‬ـ جائز‪ .‬‬ ‫ ‬
‫‪1‬ـ واجب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪21‬‬
‫ ـ ‪1‬الواجب‪ :‬هو األمر الثابت الذي ال يتصور العقل انتفاءه‪ ،‬وهو قسامن‪:‬‬
‫ )أ(رضوري بدهي‪ :‬يدركه كل إنسان بغري نظر مثل صغر الولد يف السن‬
‫عن أبيه‪ ،‬وكون الواحد أقل من االثنني‪.‬‬
‫ )ب(نظري‪ :‬ما يصل اإلنسان إليه بعد النظر والتفكري وحيتاج إىل دليل‪،‬‬
‫مثل احلكم عىل العامل باحلدوث بعد العدم‪.‬‬
‫املمكن‪ :‬وهو الذي يقبل الثبوت تارة والعدم تارة أخرى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ ـ ‪2‬اجلائز‪ :‬ويسمى‬
‫وهو قسامن‪:‬‬
‫ )أ(رضوري‪ :‬كاحلركة‪ ،‬أو السكون للجسم‪.‬‬
‫ )ب(نظري‪ :‬كجواز تعذيب املطيع‪ ،‬وكجواز إثابة العايص‪.‬‬
‫ )‪(3‬املستحيل‪ :‬وهو ما ال يتصور يف العقل وجوده‪ ،‬وهو قسامن‪:‬‬
‫ )أ(رضوري‪ :‬كخُ ُل ِّو اجلسم عن احلركة والسكون‪ ،‬واالبن أكرب من أبيه‪.‬‬
‫ )ب(نظري‪ :‬مثاله رشيك للباري‪.‬‬
‫أحكاما عقلية‪ :‬أهنا الزمة ملا ُحكِ َم‬
‫ً‬ ‫ومعنى كون الوجوب واالستحالة واجلواز‬
‫له هبا ال تقبل التخلف عنه وال االنفكاك‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫ويالحظ أننا نسبنا الوجوب واالستحالة واجلواز إىل العقل‪ ،‬فالعقل اإلنساين‬
‫إ ًذا هو الذي يبحث‪ ،‬وهو الذي حيكم‪ ،‬وعىل أساس حكمه تبنى النتائج ـ فال‬
‫جمال هنا يف إثبات العقيدة للتقليد‪ ،‬وال للوراثة‪ ،‬وال للعادات وال لألهواء‪،‬‬
‫ِ‬
‫العقل السلي ِم احلر‪.‬‬ ‫املجال ُ‬
‫جمال‬ ‫ُ‬ ‫وال للشهوات‪ ،‬إنام‬

‫‪22‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪22‬‬
‫وسوف نجد يف مسريتنا مع هذا العلم أننا نستدل بآيات من كتاب اهلل تعاىل‪،‬‬
‫فال يقال وال جيوز ألحد أن يقول‪ :‬كيف تستدلون بكتاب اهلل عىل قضايا قررتم‬
‫أن العقل هو َ‬
‫احلكَم فيها؛ ألننا نقول‪ :‬إننا نستدل بكتاب اهلل تعاىل فيام يعرضه‬
‫علينا من آيات ُت ِّرك عقولنا وتفتح هلا جماالت البحث واملناقشة واملحاورة‪،‬‬
‫ثم نرتك احلكم عىل النتائج لعقولنا‪ ،‬فكتاب اهلل لنا هو النور الذي ُي َش ُّع فندرك‬
‫دليل عىل أنه يسلك هذا‬ ‫به السبل ونعرف جوانب الطريق ومعامله‪ ،‬ويكفيك ً‬
‫السبيل بالنسبة للنائني عنه‪ ،‬قوله تعاىل لرسوله ﷺ‪ :‬ﱹ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﱸ(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة الكهف ‪ .‬اآلية‪.29 :‬‬


‫‪23‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪23‬‬
‫املناقشة‬
‫ ‪1:‬سللتوحيد ثالثة معان‪ ،‬اذكرها‪.‬‬
‫ ‪2:‬سملن ينسب َو ْض ُع علم التوحيد؟‪.‬‬
‫ ‪3:‬سما معنى التكليف؟ وما األحكام التكليفية؟‪.‬‬
‫ ‪4:‬سللتكليف أربعة رشوط‪ ،‬فام هي؟‪.‬‬
‫ ‪5:‬سأوجب اهلل سبحانه عىل كل مكلف معرفته‪ ،‬فام املقصود باملعرفة؟ وما‬
‫الدليل عىل وجوهبا؟‪.‬‬
‫ ‪6:‬ساختلفت الفرق يف طريقة وجوب املعرفة‪ ،‬وضح ذلك‪.‬‬
‫ ‪7:‬سأكمل ما ييل‪:‬‬
‫ )أ(احلكم هو‪................... :‬‬
‫ )ب(ينقسم احلكم إىل‪........... ، ........... ، ........... :‬‬
‫ )ج(الواجب هو ‪...................‬‬
‫ )د(اجلائز هو ‪...................‬‬
‫ )ـه(املستحيل هو ‪...................‬‬

‫***‬

‫‪24‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪24‬‬
‫‪4‬ـ التقليد وحكم إميان املقلد‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ِ‬ ‫ـــل ِمـــن ت‬
‫َرديـــد‬ ‫ي ُ‬ ‫إيامنُـــه مل َ ْ‬ ‫إِ ْذ ك ُُّل مــن َق َّلــدَ يف التوحيـ ِ‬
‫ـد‬
‫***‬ ‫َ ْ‬
‫وبعضهـم ح َّق َق فيه ْ‬
‫الكشـ َفا‬ ‫ُ‬ ‫***‬ ‫يكِي ُ‬
‫اخللفا‬ ‫بعض القو ِم َ ْ‬ ‫َف ِفيه ُ‬
‫ـر‬ ‫كفــى وإال مل َيـز َْل يف َّ‬ ‫ـول ِ‬ ‫ـزم بقـ ِ‬ ‫فقــال‪ :‬إن َيـ ِ‬
‫الضـ ْ‬ ‫***‬ ‫الغري‬
‫تعريف التقليد‪:‬‬
‫جازما بال دليل‪ ،‬كاعتقادك وجوب القدرة هلل‬
‫ً‬ ‫هو اعتقاد قول الغري اعتقا ًدا‬
‫بناء عىل قول الغري من غري أن تعرف الدليل‪ ،‬فإذا عرفت الدليل الذي استند إليه‬
‫ً‬
‫صاحب القول الذي أخذت به مل تكن مقلدً ا‪.‬‬
‫حكم إيمان المقلِّد‪:‬‬
‫اختلف العلامء يف صحة إيامن املق ِّلد‪ ،‬عىل أقوال‪:‬‬
‫صحة تقليد املق ِّلد‪،‬‬
‫َّ‬ ‫القول األول‪ :‬عدم االكتفاء بالتقليد‪ ،‬بمعنى عدم‬
‫ْج ًيا لصاحبه يف اآلخرة‪ ،‬وجرى عىل هذا السنويس‬ ‫وال يعترب هذا اإليامن ُمن ِ‬
‫يف كتابه «رشح الكربى»‪ ،‬والتحقيق أنه رجع عن هذا القول‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬االكتفاء بالتقليد مع كون املقلد عاص ًيا مطل ًقا؛ أي‪ :‬سواء‬
‫ِ‬
‫أوجدت يف املق ِّلد أهلية النظر الفعيل أم مل توجد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عاص إن كان عنده أهلية النظر واالستدالل؛ ألنه‬ ‫القول الثالث‪ :‬أنه مؤمن‬
‫ٍ‬
‫عاص؛‬ ‫ترك ما يقدر عليه‪ ،‬وإن مل تكن فيه أهلية النظر واالستدالل فهو مؤمن غري‬

‫‪25‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪25‬‬
‫ألنه ترك شيئًا هو عاجز عن حتصيله‪ ،‬وال يك ِّلف اهلل ً‬
‫نفسا إال وسعها‪ ،‬وهذا هو‬
‫القول الراجح‪.‬‬
‫املبني عىل وجوب املعرفة بالدليل‬
‫والصحيح من هذه األقوال هو القول الثالث ُّ‬
‫أخذا من قوله سبحانه‪ :‬ﱹ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﱸ(((‪،‬‬ ‫عند االستطاعة‪ً ،‬‬
‫اإليامن دون أن ُيطالبهم بالدليل‪ ،‬وعندما سئل عن‬
‫َ‬ ‫وألن النبي ﷺ َقبِل من الناس‬
‫اإليامن يف حديث جربيل املشهور قال‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته ‪ ...‬إلخ»(((‪ .‬دون‬
‫يتعرض للدليل‪ ،‬ومن مل تكن عنده املقدرة عىل النظر واالستدالل تسقط عنه‬
‫أن َّ‬
‫املطالبة هبام كام تسقط املطالبة باحلج عن غري املستطيع‪.‬‬
‫حكم إيمان العوام‪:‬‬
‫وعىل ذلك فإيامن العوام صحيح‪ ،‬وهم مؤمنون عارفون برهبم‪ ،‬وغاية األمر‬
‫أهنم عاجزون عن التعبري عنه وعن تفصيله وهو ال يرض‪ ،‬ألن النبي ﷺ َقبِ َل‬
‫طر َتم ُجبِلت عىل توحيد اهلل ـ سبحانه‬‫ِ‬
‫إيامن الناس دون مطالبتهم بالدليل؛ ألن ف َ‬
‫ـ واعتقاد ِقدَ ِمه‪ ،‬وحدوث ما سواه‪ ،‬وهذه هي الفطرة التي ذكرها اهلل تعاىل‬
‫يف قوله‪ :‬ﱹ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﱸ(((‪ ،‬وأشار إليها ﷺ بقوله‪« :‬كل‬
‫مولود يولد عىل الفطرة»(((‪ ،‬وقد أمجع املتكلمون ـ كام حكاه اآلمدي((( ـ عىل‬
‫صحة إيامن املق ِّلد‪.‬‬

‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.286 :‬‬


‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( سورة الروم ‪ .‬اآلية‪.30 :‬‬
‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( هو سيف الدين اآلمدي من أعالم مذهب األشاعرة ت ‪631‬هـ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪26‬‬
‫كَّلف‬
‫‪5‬ـ أول ما جيب على املُ َ‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫معرفـ ٌة وفيه ُخ ٌ‬
‫لـف ُمنْتَص ْ‬ ‫***‬ ‫ـب‬‫أول ممــا َيِـ ْ‬
‫ـأن ً‬ ‫واجـ ِ‬
‫ـز ْم بـ َّ‬
‫للعـ َ‬ ‫فانظــر إىل َن ْف ِســك ثــم ِ‬
‫انتق ِل‬
‫الســفيل‬ ‫ـالِ ال ُع ْلـ ِّ‬
‫ـوي ثــم ُّ‬ ‫***‬ ‫ْ‬
‫ـن بــه قــام دليـ ُ‬
‫ـل ال َعــدَ ِم‬ ‫جتــدْ بــه صنعــا بديــع ِ‬
‫احل َك ِم‬
‫لكـ ْ‬ ‫***‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬
‫عليــه قطعــا يســتحيل ِ‬
‫القدَ ُم‬ ‫ُّ‬
‫وكل مــا جــاز عليــه ال َعــدَ ُم‬
‫ً‬ ‫***‬

‫من الكالم عن املق ِّلد‪ ،‬وهل يكفي التقليد يف عقائد التوحيد‪،‬‬ ‫ملا فرغ‬
‫ذاكرا خالف العلامء يف ذلك عىل النحو‬
‫رشع يف بيان أول واجب عىل املكلف ً‬
‫اآليت‪:‬‬
‫كَّلف‪:‬‬
‫الم َ‬
‫آراء العلماء في أوّل واجب على ُ‬
‫للعلامء يف ّأول الواجبات عىل املك ّلف خالف طويل‪ ،‬وسنحاول أن نجمله يف‬
‫عبارة واضحة فنقول‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬ذهب إمام أهل السنة «أبو احلسن األشعري» إىل أن أول يشء جيب عىل‬
‫املكلف هو «معرفة اهلل تعاىل»‪ ،‬وهذا ما َج َرى عليه املصنِّف‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬ذهب األستاذ «أبو إسحاق اإلسفراييني»((( إىل أن أول يشء جيب عىل‬
‫املكلف هو «النظر املوصل إىل معرفة اهلل تعاىل» وينسب هذا القول إىل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫األشعري ً‬
‫((( هو إبراهيم بن حممد بن إبراهيم أبو إسحاق اإلسفراييني من أئمة الفقه واألصول توىف سنة ‪ 418‬هـ‬
‫‪ .‬انظر‪ :‬وفيات األعيان ‪.4/1‬‬
‫‪27‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪27‬‬
‫ ـ ‪3‬ذهب القايض «أبو بكر الباقالين»((( إىل أن أول يشء جيب عىل املكلف‬
‫هو «املقدمة األوىل من الدليل املوصل ملعرفة اهلل تعاىل»‪ ،‬وبيان ذلك‬
‫(العال حادث‪ ،‬وكل حادث ال بد له من حمدث)‪ ،‬دليل عىل‬ ‫َ‬ ‫أن قولنا‪:‬‬
‫وجود اهلل تعاىل‪ ،‬وصورة الدليل كاملة هي النظر‪ ،‬وقولنا‪« :‬العامل حادث»‬
‫وحده هو املقدمة األوىل من ُم َقدِّ َمت َْي هذا النظر‪ ،‬وهذه املقدمة األوىل هي‬
‫أول يشء جيب عىل املكلف معرفته‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬وذهب إمام احلرمني إىل أن ّأول يشء جيب عىل املكلف هو القصد إىل‬
‫النظر‪ ،‬واملراد تفريغ القلب عن الشواغل التي تشغله‪ ،‬أو ترصفه عن‬
‫النظر واالستدالل‪.‬‬
‫وهناك أقوال أخرى أعرضنا عن ذكرها؛ ألن ما ذكرناه يغني عنها‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اخلالف يف هذه األقوال لفظي؛ ألن من قال‪ :‬إن أول واجب هو املعرفة‬
‫إنام قصد أن أول الواجبات من املقاصد االعتقادية هو املعرفة‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن أول‬
‫الواجبات هو النظر أو القصد إليه إنام عنى أن ما ذكر أول الواجبات من حيث‬
‫إنه يتوقف عليه الواجب األول من املقاصد االعتقادية‪.‬‬
‫واألصح من هذه اآلراء هو أن أول واجب عىل املكلف من حيث املقصد‬
‫«املعرفة» وأول واجب من حيث الوسيلة القريبة «النظر»‪ ،‬وأول واجب‬
‫من حيث الوسيلة البعيدة «القصد إىل النظر»‪.‬‬

‫***‬

‫((( هو‪ :‬حممد بن الطيب بن حممد أبو جعفر‪ ،‬من كبار علامء أهل السنة ولد سنة ‪ 338‬هـ وتوىف سنة ‪ 403‬هـ‬
‫انظر‪ :‬وفيات األعيان ‪.481/1‬‬
‫‪28‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪28‬‬
‫‪6‬ـ النظر ومسالكه‬
‫بحاسة البرص والفكر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫النظر لغة‪ :‬اإلبصار‪ ،‬أي‪ :‬إدراك اليشء‬
‫واصطالحا‪ :‬ترتيب أمرين معلومني؛ ليتوصل برتتيبهام إىل علم جمهول‪،‬‬
‫ً‬
‫موصل للعلم وهو حدوث العامل‬ ‫ِ‬
‫متغي حادث‪ ،‬فإنه ِّ‬
‫متغي‪ ،‬وكل ِّ‬
‫كقولنا العامل ِّ‬
‫املجهول قبل ذلك الرتتيب‪.‬‬
‫مسالك النظر‪:‬‬
‫بدأ املصنف بذكر وجوب التفكر يف أحوال ذات اإلنسان وذلك ألمور‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬أهنا أقرب األشياء إليه قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﱸ((( ‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬من عرف نفسه فقد عرف ربه أي‪ :‬من تفكّر يف بدائعها توصل إىل معرفة‬
‫صانعها‪ ،‬وقيل‪ :‬من عرف نفسه باحلدوث والفقر‪ ،‬عرف ربه بالقدم والغنى‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﱸ(((‪.‬‬
‫وقد أمرنا اهلل ـ تعاىل ـ بالنظر يف أنفسنا والتأمل يف أحواهلا‪ ،‬فاملتأمل يف أحوال‬
‫نفسه‪ ،‬وما اشتملت عليه من سمع‪ ،‬وبرص‪ ،‬وكالم‪ ،‬وطول‪ ،‬وعرض‪ ،‬وعمق‪،‬‬
‫ورضا‪ ،‬وغضب‪ ،‬وعلم‪ ،‬وجهل‪ ،‬وإيامن‪ ،‬وكفر‪ ،‬ولذة‪ ،‬وأمل‪ ،‬وغري ذلك مما ال‬
‫متغية من عدم إىل وجود وبالعكس‪ ،‬مما يدل عىل حدوثها‪ ،‬وأن‬
‫ُيىص‪ ،‬يرى أهنا ِّ‬
‫حكيم مد ِّب ًرا وهو اهلل سبحانه قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮕ ﮖ ﮗ‬‫ً‬ ‫هلا حمد ًثا وخال ًقا‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﱸ(((‪.‬‬
‫((( سورة الذاريات ‪ .‬اآلية‪.21 :‬‬
‫((( سورة فاطر ‪ .‬اآلية‪.15 :‬‬
‫((( سورة املؤمنون ‪ .‬اآليتان‪.13،12 :‬‬
‫‪29‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪29‬‬
‫ْن العلوي والسفلي‪:‬‬ ‫التفكر في أحوال العاَل َمي ِ‬
‫ثم بعد النظر يف أحوال النفس انتقل للنظر يف أحوال العامل املنسوب إىل جهة‬
‫العلو‪ ،‬واملراد به‪( :‬ما ارتفع من الفلكيات من ساموات‪ ،‬وكواكب‪ ،‬وعرش‪،‬‬
‫ٍ‬
‫خالق‬ ‫تدل عىل وجود‬‫وغريها)‪ ،‬فإذا نظرت فيها فإنك ستجد آيات باهرات ّ‬
‫قادر مدب ٍر ٍ‬
‫مريد‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﱸ(((‪.‬‬ ‫ٍ ِّ‬
‫السفىل‪،‬‬
‫ثم بعد النظر يف العامل العلوي انتقل للنظر يف العامل املنسوب للجهة ُّ‬
‫كاهلواء والسحاب‪ ،‬واألرض‪ ،‬وما فيها من املعادن والبحار والنبات‪ ،‬وغري‬
‫كل منها مشمول بجهات خمصوصة‪ ،‬وأمكنة معينة‪ ،‬ونجد بعضه‬ ‫ذلك‪ ،‬جتد أن ًّ‬
‫متحركًا وبعضه ساكنًا‪ ،‬وبعضه نوران ًّيا‪ ،‬وبعضه ُظلامن ًّيا‪ِ ،‬مَّا يدل عىل وجوب‬
‫الصانع اخلالق وصفاته‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﱸ(((‪.‬‬
‫تغي‪ ،‬ويف العامل كذلك يسمى دليل‬
‫فاعلم أن ما َو َجدْ َت يف نفسك من ُّ‬
‫احلدوث‪ ،‬وهو دليل احلاجة إىل صان ٍع خالق حكي ٍم مت ٍ‬
‫َّصف بالصفات‪ ،‬وحاصله‬
‫«العال حادث‪ ،‬وكل حادث ال بد له من صانع حكيم متَّصف بالصفات‬‫َ‬ ‫أن تقول‪:‬‬
‫وهو اهلل تعاىل»‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭴﭵﭶﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﱸ(((‪.‬‬
‫((( سورة اجلاثية ‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬
‫((( سورة الرعد ‪ .‬اآلية‪.4 :‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.164 :‬‬
‫‪30‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪30‬‬
‫‪7‬ـ اإلميان واإلسالم‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫لـف بالت ِ‬ ‫ُطـق ِ‬
‫فيـه ُ‬ ‫اإليــان بالتصدَّ ِ‬
‫َّحقيق‬ ‫اخل ُ‬ ‫والن ُ‬ ‫***‬ ‫يــق‬ ‫ُ‬ ‫و ُفــرِّ َ‬
‫َش ْط ٌر واالسال َم ْ َ‬
‫اش َح َّن بال َع َم ْل‬ ‫***‬ ‫بل‬ ‫ـل‪َ :‬ش ٌط كال َع َم ْل وق ْيل‪ْ :‬‬ ‫َف ِق ْي َ‬
‫ِ‬
‫فــادر والــزكا ُة‬ ‫كــذا الصيــا ُم‬ ‫***‬ ‫والصـــا ُة‬
‫احلـــج َّ‬
‫ُّ‬ ‫ِم َث ُ‬
‫ـــال هـــذا‬
‫ِ‬
‫اإلنســـان‬ ‫بـــا ت َِزيـــدُ طاعـــ ُة‬ ‫***‬ ‫ِ‬
‫اإليـــان‬ ‫حـــت ز َيـــاد ُة‬
‫ْ‬ ‫َو ُر ِّج‬
‫ـذا َقــدْ ن ُِقال‬
‫ـف ّكـ َ‬‫ـل‪ :‬ال ُخ ْلـ َ‬‫َو ِق ْيـ َ‬ ‫***‬ ‫بنقصهـــا َو ِق ْي َ‬
‫ـــل‪ :‬ال‬ ‫و َن ْقصـــه ِ‬
‫ُ ُ‬
‫تعريف اإليمان‪:‬‬
‫اإليامن لغة‪ :‬التصديق‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﱸ(((‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مصدِّ ق‪.‬‬
‫ورش ًعا‪ :‬هو تصديق النبي ﷺ يف كل ما جاء به و ُعلِ َم من الدين بالرضورة‬
‫ً‬
‫وتفصيل يف التفصييل‪.‬‬ ‫ً‬
‫إمجال يف اإلمجايل‪،‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫املراد بتصديق النبي‪ :‬اإلذعان ملا جاء به والقبول له‪ ،‬وليس املراد وقوع نسبة‬
‫الصدق إليه يف القلب من غري إذعان وقبول له حتى يلزم احلكم بإيامن كثري‬
‫من الكفار الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوته ﷺ‪ ،‬ومصداق ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱸ(((‪.‬‬
‫((( سورة يوسف ‪ .‬اآلية‪.17 :‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.146 :‬‬
‫‪31‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪31‬‬
‫واملراد بام ُعلم من الدين بالرضورة‪ :‬أي‪ُ :‬علِم من أد َّلة الدين‪ ،‬واشت ُِهر بني‬
‫الناس‪ ،‬فأصبح لشهرته كالرضوري الذي ال ُيتاج يف معرفته إىل نظر واستدالل‪،‬‬
‫بحيث يعلمه اجلميع عىل سبيل اجلزم من غري قبول للتشكيك‪ ،‬كوجوب الصالة‪،‬‬
‫وحتريم اخلمر‪.‬‬
‫ً‬
‫إمجال‪ ،‬كاإليامن باألنبياء واملالئكة‬ ‫ويكفي اإلمجال فيام يعترب التكليف به‬
‫والكتب‪.‬‬
‫تفصيل‪ ،‬كاإليامن بمن ُذكِ ُروا‬
‫ً‬ ‫وال بد من التفصيل فيام يعترب التكليف به‬
‫بأسامئهم من األنبياء واملالئكة‪ .‬وما سبق هو معنى قوله‪( :‬و ُف ِّ َ‬
‫س اإليامن‬
‫بالتصديق)‪.‬‬
‫حكم النطق بالشهادتين‪:‬‬
‫اختلف العلامء يف حكم النطق بالشهادتني هل هو رشط إلجراء األحكام‬
‫الدنيوية؟ أو جزء من اإليامن؟ وقبل ذكر هذه األقوال نحدِّ د َّ‬
‫حمل النزاع‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬ال يطالب بالنطق بالشهادتني غري املتمكِّن من ذلك‪ ،‬كاألخرس‪،‬‬
‫ومن فاجأه املوت قبل النطق من غري تراخٍ ‪ ،‬وال خالف يف إيامهنام‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أوالد املسلمني مؤمنون قط ًعا وجتري عليهم األحكام الدنيوية‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬يطالب بالنطق بالشهادتني املتمكِّن من ذلك والقادر عليه‪ ،‬بأن يقول‪:‬‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن حممدا رسول اهلل‪.‬‬
‫مسلم‪ ،‬فهل النطق‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وحمل اخلالف فيمن أراد الدخول يف اإلسالم ومل يكن‬
‫يف ح ّقه رشط أو جزء؟ اختلف العلامء عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪32‬‬
‫أن النطق بالشهادتني خارج عن حقيقة اإليامن‪،‬‬ ‫ ـ ‪1‬ذهب مجهور العلامء إىل‪َّ :‬‬
‫فهو رشط إلجراء أحكام املؤمنني عليه من التوارث‪ ،‬والتناكح‪ ،‬والصالة‬
‫خلفه‪ ،‬والدفن يف مقابر املسلمني‪ ،‬وغري ذلك؛ ألن التصديق القلبي وإن‬
‫خفي‪ ،‬فال بدّ له من عالمة ظاهرة ّ‬
‫تدل عليه‪.‬‬ ‫كان إيامنًا إال أنه باطن ّ‬
‫ٍ‬
‫لرفض منه‪ ،‬بل‬ ‫يقر بلسانه ال ٍ‬
‫لعذر َم َن َعه وال‬ ‫وبناء عىل ذلك‪ :‬فمن صدَّ ق بقلبه ومل ْ‬
‫اتفق له ذلك‪ ،‬فهو مؤمن عند اهلل تعاىل غري مؤمن يف األحكام الدنيوية‪ ،‬أما املعذور‬
‫إذا قامت قرينة عىل إسالمه بغري النطق كاإلشارة فهو مؤمن يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ومن أقر بلسانه ومل يصدّ ق بقلبه كاملنافق فهو مؤمن يف الدنيا عند أهل السنة‪،‬‬
‫ويكَم بكونه مؤمنًا يف األحكام الدنيوية ما مل ي ّطلع عىل‬
‫غري مؤمن عند اهلل تعاىل‪ُ ،‬‬
‫وإل َج َرت عليه أحكام الكفر‪.‬‬‫بعالمة‪ ،‬كسجود لصنمٍ‪ّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫كفره‬
‫يقر بلسانه‬ ‫ٌ‬
‫رشط يف صحة اإليامن‪ ،‬فمن مل ّ‬ ‫ ـ ‪2‬ذهب بعض العلامء إىل‪ :‬أنه‬
‫فإيامنه غري صحيح‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬ذهب اإلمام «أبو حنيفة وبعض األشاعرة» إىل‪ :‬أن اإلقرار بالشهادتني‬
‫وإقرارا‪ ،‬فمن‬
‫ً‬ ‫ليس رش ًطا بل هو جزء من اإليامن‪ ،‬فيكون اإليامن تصدي ًقا‬
‫مرة وال أكثر من مرة مع القدرة عىل‬ ‫صدَّ ق بقلبه ومل يتَّفق له يف عمره‪ ،‬ال َّ‬
‫ذلك ال يكون مؤمنًا ال عند الناس‪ ،‬وال عند اهلل تعاىل‪ٌّ ،‬‬
‫وكل من القولني‬
‫ٌ‬
‫ضعيف‪.‬‬ ‫األخريين‬
‫والراجح هو القول األول لورود األدلة عىل ذلك‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱸ(((‪ .‬أي‪ :‬أثبته يف قلوهبم‪ ،‬وقوله ﷺ يف دعائه‪:‬‬
‫«اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي عىل دينك»(((‪.‬‬
‫((( سورة املجادلة ‪ .‬اآلية‪.22 :‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه والرتمذي يف كتاب الدعوات‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪33‬‬
‫وذلك معنى قول الناظم‪:‬‬
‫ـق فيــه ُ‬
‫اخللـ ُ‬
‫ـف بالتَّحقيق‬ ‫والنُّطـ ُ‬ ‫***‬ ‫‪..............................‬‬
‫‪..............................‬‬ ‫***‬ ‫وقيل‪َ :‬ب ْل‬
‫ـل َ‬ ‫ـل َش ٌط كالعمـ ْ‬
‫فقيـ َ‬
‫عالقة اإليمان بالعمل‪:‬‬
‫السنَّة» إىل أن العمل رشط كامل يف اإليامن‪ ،‬فمن أتى بالعمل فقد‬
‫ذهب «أهل ُّ‬
‫فوت عىل نفسه الكامل إذا مل يكن مع‬
‫حصل الكامل‪ ،‬ومن تركه فهو مؤمن‪ ،‬لكنه ّ‬
‫َّ‬
‫ذلك استحالل‪ ،‬أو عناد للشارع‪ ،‬أو ٌّ‬
‫شك يف مرشوعيته‪ ،‬وإال فهو كافر فيام ُعلم‬
‫من الدين بالرضورة‪.‬‬
‫وذهبت «املعتزلة» إىل أن العمل ركن من اإليامن؛ ألهنم يقولون‪ :‬إن اإليامن‬
‫عمل ونطق واعتقاد‪ ،‬فمن ترك العمل فليس بمؤمن؛ لفقد جزء من اإليامن‬
‫وهو العمل‪ ،‬وال كافر؛ لوجود التصديق‪ ،‬فهو عندهم يف «منزلة بني املنزلتني»‪،‬‬
‫وي َّلد يف النار‪ ،‬و ُي َع َّذب َّ‬
‫بأقل من‬ ‫ويسمى فاس ًقا وهي منزلة بني اإليامن والكفر‪َ ُ ،‬‬
‫عذاب الكافر‪.‬‬
‫مكون من األجزاء‬
‫وأغلب «اخلوارج»‪ :‬يرون كام يرى املعتزلة أن اإليامن َّ‬
‫الثالثة‪« :‬التصديق‪ ،‬واإلقرار‪ ،‬والعمل»‪ ،‬ولكن اخلوارج جيعلوهنا يف مرتبة‬
‫واحدة‪ ،‬فمن ترك العمل حكموا عليه بالكفر‪ ،‬كفر اعتقاد أو كفر نعمة‪ ،‬واخللود‬
‫يف النار‪.‬‬
‫الرأي المختار‪:‬‬
‫املختار من هذه اآلراء هو‪ :‬أن العمل رشط كامل؛ ألن اإليامن يف اللغة‬
‫خاص‪ ،‬وال دليل عىل نقله للمعاين الثالثة‬
‫التصديق‪ ،‬فيستعمل رش ًعا يف تصديق ٍّ‬
‫كام زعم املعتزلة واخلوارج‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪34‬‬
‫أدلة أهل السنة‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬د َّلت النصوص عىل ثبوت اإليامن قبل األوامر والنواهي‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﱸ(((‪ ،‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﱸ(((‪ ،‬فخاطبهم بوصف اإليامن قبل‬
‫تكليفهم باألمر والنهي‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬عطف العمل عىل اإليامن‪ ،‬والعطف يقتيض املغايرة‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﱸ(((‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬اإليامن واملعايص قد جيتمعان‪ ،‬كقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱸ(((‪ ،‬وقوله سبحانه‪ :‬ﱹ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﱸ(((‪.‬‬
‫قديم وحدي ًثا حول اإليامن وعالقته بالعمل‪ ،‬فهل إذا ُو ِجد‬
‫وقد ثار النزاع ً‬
‫اإليامن البد أن يستتبع العمل برشائع اإلسالم‪ ،‬وأن ترك العمل بام رشع اهلل يؤدي‬
‫إىل فقد اإليامن والدخول يف الكفر؟ أو أن اإليامن يشء والعمل يشء آخر؟‬
‫اإليامن‪ :‬هو التصديق القلبي بكل ما جاء به النبي ﷺ وعلم من الدين‬
‫فمن صدَّ ق بقلبه بكل ما جاء به النبي ﷺ فهو مؤمن‪ ،‬وهبذا اليصح‬ ‫بالرضورة َ‬
‫معلوما‬
‫ً‬ ‫احلكم عىل فرد أو أفراد أو جمتمع بالكفر َّإل إذا جهر بالكفر أو أنكر‬
‫من الدين بالرضورة‪.‬‬
‫((( سورة احلج ‪ .‬اآلية‪.77 :‬‬
‫((( سورة احلجرات ‪ .‬اآلية‪.11 :‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.25 :‬‬
‫((( سورة احلجرات ‪ .‬اآلية‪.2 :‬‬
‫((( سورة احلجرات ‪ .‬اآلية‪.9 :‬‬
‫‪35‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪35‬‬
‫وما دام الفرد أو األفراد يؤمنون باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وما‬
‫فيه من أمور البعث واحلساب ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وما داموا يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن حممدً ا رسول اهلل‪ ،‬و ُي ِق ُّرون بفرضية‬
‫الصالة والزكاة والصيام واحلج‪ ،‬وال حيلون ما حرم اهلل ورسوله‪ ،‬وال حيرمون ما‬
‫أحله اهلل ورسوله ما داموا كذلك‪ ،‬فهم مؤمنون ناجون عند اهلل تعاىل وهم مسلمون‪.‬‬
‫وأما من أنكر شيئًا جيب اإليامن به أو اإلقرار به فهو كافر‪ ،‬وأما الطاعات‬
‫من الصالة والصيام والزكاة واحلج وعمل اخلريات‪ ،‬فمن أداها فقد استكمل‬
‫وأقر‪ ،‬ومن فرط يف يشء منها عاقبه اهلل بمقدار ما َّفرط‪.‬‬
‫اإليامن ما دام قد صدَّ ق َّ‬
‫ومن ارتكب املنهيات مثل رشب اخلمر والرسقة والزنى‪ ،‬فإنه ينال جزاء‬
‫ما اقرتف من الذنوب واخلطايا يف نار جهنم‪ ،‬ثم بعد ذلك خيرج من النار ويدخل‬
‫اجلنة بإيامنه‪ ،‬وقد قال ﷺ‪« :‬من قال‪ :‬ال إله َّإل اهلل دخل اجلنة» فلام َّ‬
‫ألح أبو ذر‬
‫يف السؤال ثالث مرات فقال‪ :‬وإن زنى وإن رسق؟ فقال ﷺ‪« :‬وإن زنى وإن‬
‫رسق رغم أنف أيب ذر»‪.‬‬
‫وهبذا يظهر لنا خطأ تكفري جمتمعنا املعارص وتكفري أفراده إذ إن النصوص‬
‫معلوما‬
‫ً‬ ‫الدينية رصحية يف أنه اليصح احلكم بالكفر إال عىل من رصح به أو أنكر‬
‫من الدين بالرضورة‪ ،‬وأن الذي حيكم بالكفر هو مؤسسة القضاء بعد التشاور‬
‫معي‪.‬‬
‫مع أهل االختصاص والجيوز لشخص أن حيكم بالكفر عىل شخص ّ‬
‫وليس معنى نقدنا لدعوى التكفري هذه أننا نقر ترك الطاعات واقرتاف‬
‫الذنوب وارتكاب اخلطايا‪ ،‬وإنام نحن نرى أن من ترك طاعة وهو غري جاحد‬
‫هبا فإنه سينال عقابه عند اهلل يف اآلخرة‪ ،‬وال يصح أن نطلق عليه الكفر أو نصفه‬
‫أو نحكم عليه بالكفر‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪36‬‬
‫ونرجو لكل فرد من أفراد هذه األمة أن هيديه اهلل سواء السبيل‪ ،‬وأن يبرصه‬
‫بأمور دينه‪.‬‬
‫تعريف اإلسالم‪:‬‬
‫اإلسالم لغة‪ :‬مطلق االمتثال واالنقياد‪.‬‬
‫ورش ًعا‪ :‬االمتثال واالنقياد ملا جاء به النبي ﷺ مما ُعلِ َم من الدين بالرضورة‬
‫من األعامل الظاهرة‪.‬‬
‫وعىل هذا فاإليامن واإلسالم متغايران‪ ،‬وإن تالزما رش ًعا‪.‬‬
‫وذهب بعض العلامء‪ :‬إىل أن اإليامن واإلسالم معنامها واحد؛ ألن اإلسالم‬
‫معناه اإلذعان الباطني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﱸ(((‪.‬‬
‫واحلق‪ :‬أن اإليامن واإلسالم إذا افرتقا اجتمعا وإذا اجتمعا افرتقا‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫ُّ‬
‫إذا اجتمع اللفظان يف موضع واحد يف القرآن والسنة افرتق معنامها‪ ،‬فيختص‬
‫اإلسالم باألعامل الظاهرة مثل الصالة وغريها‪ ،‬وخيتص اإليامن بالتصديق القلبي‬
‫اجلازم أو االعتقادات الباطنة‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﱸ(((‪ ،‬وكما في حديث اإلسالم واإليمان أما إذا ذكر‬
‫مسلم‪،‬‬
‫أحدمها منفر ًدا فإنه يدل عىل اآلخر فيكون كل مسلم مؤمنـًا وكل مؤمن ً‬
‫كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﱸ(((‪ .‬فيشمل اإلسالم‪ :‬اإليامن‪.‬‬
‫وكام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣ ﱸ((( فيشمل اإليامن‪ :‬اإلسالم‪.‬‬
‫((( سورة الزمر ‪ .‬اآلية‪.22 :‬‬
‫((( سورة األحزاب ‪ .‬اآلية‪.35 :‬‬
‫((( سورة آل عمران ‪ .‬اآلية‪.19 :‬‬
‫((( سورة آل عمران ‪ .‬اآلية‪.193 :‬‬
‫‪37‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪37‬‬
‫أركان اإلسالم‪:‬‬
‫أركان اإلسالم مخسة‪ ،‬ترك ا ُمل َصنِّف أحدها‪ ،‬وهو النطق بالشهادتني؛ لتقدُّ م‬
‫بيانه‪ ،‬واألربعة الباقية هي‪« :‬إقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬واحلج»‪.‬‬
‫ختصص علم الفقه ألحكام هذه األركان مع بقية أحكام املعامالت‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫وقد أشار الناظم إىل ذلك بقوله‪:‬‬
‫كـــذا الصيـــا ُم فـــ ْا ِ‬
‫در والـــزكا ُة‬ ‫***‬ ‫والصـــا ُة‬
‫احلـــج َّ‬
‫ُّ‬ ‫ِم َث ُ‬
‫ـــال هـــذا‬
‫زيادة اإليمان ونقصانه‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ِ‬
‫اإلنســـان‬ ‫بـــا تزيـــدُ طاعـــ ُة‬ ‫***‬ ‫ِ‬
‫اإليـــان‬ ‫حـــت ز َيـــاد ُة‬
‫ْ‬ ‫رج‬
‫ُو ِّ‬
‫ـذا َقــدْ ن ُِقال‬
‫ـف كـ َ‬ ‫َو ِق ْيـ َ‬
‫ـل‪ :‬ال ُخ ْلـ َ‬ ‫***‬ ‫بنقصهـــا َو ِق ْي َ‬
‫ـــل‪ :‬ال‬ ‫و َن ْقصـــه ِ‬
‫ُ ُ‬
‫اختلف العلماء في زيادة اإليمان ونقصانه إلى ثالثة آراء‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬ذهب مجهور العلامء إىل أن اإليامن يزيد بالطاعة وينقص باملعصية‪.‬‬
‫وقد استدلوا عىل ذلك بأدلة عقلية ونقلية‪.‬‬
‫الدليل العقلي‪:‬‬
‫أنه لو مل تتفاوت حقيقة اإليامن بالزيادة والنقص لكان إيامن آحاد األمة بل‬
‫املنهمكني يف الفسق واملعايص مساو ًيا إليامن األنبياء واملالئكة‪ ،‬والالزم ـ وهو‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫املساواة ـ باطل‪ ،‬فيكون عدم التفاوت بالزيادة والنقص ً‬
‫باطل ً‬
‫الدليل النقلي‪:‬‬
‫وردت نصوص كثرية تدل عىل زيادة اإليامن ونقصانه منها‪:‬‬
‫‪38‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪38‬‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ(((‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﱸ(((‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱸ(((‪.‬‬
‫ملا سأله‪ :‬اإليامن يزيد وينقص؟ قال‪« :‬نعم يزيد‬ ‫وقوله ﷺ البن عمر‬
‫حتى يدخل صاحبه اجلنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار»(((‪.‬‬
‫وقوله ﷺ‪« :‬لو وزن إيامن أيب بكر بإيامن هذه األمة لرجح به»(((‪.‬‬
‫هذه النصوص د ّلت عىل زيادة اإليامن‪َ ،‬وك ُُّل ما يقبل الزيادة يقبل النقص‪.‬‬
‫الرأي الثاني‪:‬‬
‫ذهب بعض العلامء كاإلمام «أيب حنيفة»‪ :‬إىل أن اإليامن ال يزيد والينقص؛‬
‫َصور فيه‬
‫ألن اإليامن اسم للتصديق البالغ هناية اجلزم واإلذعان‪ ،‬وهذا ال ُيت َّ‬
‫زيادة وال نقصان؛ ألن نقصان التصديق يفقده معناه‪ ،‬والزيادة يف األعامل ال يف‬
‫وتأول هؤالء اآليات الدا ّلة عىل زيادة اإليامن بقوهلم‪ :‬إنام هي‬
‫التصديق نفسه‪َّ ،‬‬
‫يف حق املؤمن به؛ ألن الصحابة كانوا آمنوا بام أنزل عليه ﷺ‪ ،‬وكانت الرشيعة‬
‫غري تامة‪ ،‬وكانت األحكام تنزل شيئًا فشيئًا‪ ،‬فكانوا يؤمنون بكل ما يتجدَّ د‪،‬‬
‫وتأولوا األحاديث الواردة بأن الزيادة والنقص يرجع ٌّ‬
‫كل منهام إىل األعامل‬ ‫َّ‬
‫ال التصديق‪.‬‬

‫((( سورة األنفال ‪ .‬اآلية‪.2 :‬‬


‫((( سورة الفتح ‪ .‬اآلية‪.4 :‬‬
‫((( سورة التوبة ‪ .‬اآلية‪.124 :‬‬
‫((( أخرجه الثعلبي يف تفسريه‪.‬‬
‫((( أخرجه البيهقي يف ُشعب اإليامن‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪39‬‬
‫الرأي الثالث‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬ذهب إمام احلرمني اجلويني‪.‬‬
‫حقيقي بني القائلني‬
‫ٌّ‬ ‫ ـ ‪2‬والفخر الرازي وغريمها‪ :‬إىل أنه ليس هناك خالف‬
‫لفظي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالزيادة والنقصان‪ ،‬والقائلني بعدمهام‪ ،‬بل هو خالف‬
‫ووجه كون اخلالف لفظ ًّيا‪ :‬أن القول وإنه يزيد وينقص حممول عىل ما به‬
‫كامل اإليامن وهو األعامل‪ ،‬والقول إنه ال يزيد وال ينقص حممول عىل أصله وهو‬
‫الباطني القلبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التصديق‬
‫القلبي يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح األدلة‬
‫ّ‬ ‫واألصح‪ :‬أن التصديق‬
‫ّ‬
‫وعدمهام؛ وهلذا كان إيامن الصدِّ ِ‬
‫يقني أقوى من إيامن غريهم بحيث ال تعرتيه‬ ‫ِّ‬
‫ُّ‬
‫الش َبه‪.‬‬
‫وقد تضافرت األدلة عىل حت ّقق الزيادة والنقصان يف نفس التصديق‪ ،‬ويبدو‬
‫هذا التفاوت من‬
‫ثالثة أوجه‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬من ناحية األدلة؛ فالتصديق الناشئ عن دليل واحد ال يكون يف منزلة‬
‫التصديق الناشئ عن أدلة متعددة‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬التصديق الناشئ عن أدلة إمجالية غري الناشئ عن أدلة تفصيلية ُأزيلت‬
‫فيها ُّ‬
‫الش َبه واالعرتاضات‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬التصديق الذي تنتج عنه ثمرة‪ ،‬ويرتتب عليه العمل‪ ،‬أقوى وأثبت‬
‫من التصديق النظري دون نتائج‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪40‬‬
‫أقسام المصدقين‪:‬‬
‫عقل؛ فال يلزم من ذلك أن يكون‬ ‫إذا كان التصديق يقبل الزيادة والنقص ً‬
‫إيامن كل فرد ً‬
‫قابل للزيادة والنقص يف الواقع‪ ،‬ونفس األمر؛ ألنه قد قامت األدلة‬
‫عىل أن املصدقني ـ من هذه الناحية ـ ثالثة أقسام‪:‬‬
‫يتدرجون يف مدارج‬
‫فهم َّ‬ ‫ ـ ‪1‬قسم يزيد إيامنه وال ينقص وهم «األنبياء»‬
‫الرقي‪ ،‬وهم معصومون من اخلطأ‪ ،‬والتدرج يف الكامل ال يتوقف‪.‬‬
‫فاإليامن بعد املشاهدة أكمل منه قبلها‪ ،‬ويشري إىل هذا قول اهلل تعاىل عىل لسان‬
‫لت‬
‫حص ُ‬‫يقول‪ :‬لقد َّ‬ ‫«إبراهيم» ‪ :‬ﱹ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﱸ(((‪ ،‬وكأنه‬
‫ِ‬
‫املشاهد‪ .‬فلم يكن قوله شكًّا‬ ‫ِ‬
‫العارف‪ :‬وأريد أن أتر َّقى حتى ُأ َح ِّصل إيامن‬ ‫إيامن‬
‫ّ‬
‫بالشك من إبراهيم» فمعناه‬ ‫يف هذا الشأن‪« :‬نحن أحق‬ ‫وال تر ُّد ًدا‪ ،‬أما قوله‬
‫لتطرق إلينا من باب أوىل؛ ألن إبراهيم من العارفني‬ ‫الشك إبراهيم َّ‬ ‫ّ‬ ‫أنه لو َِلق‬
‫يعب بذلك عن حال األمة ال عن حاله ﷺ‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬إنه‬
‫املصدِّ قني‪ ،‬والرسول ِّ‬
‫‪.‬‬ ‫إظهارا ملنزلة إبراهيم اخلليل‬
‫ً‬ ‫ُي َع ِّب عن حاله فيكون ذلك تواض ًعا منه ﷺ‬
‫ ـ ‪2‬قسم ال يزيد إيامنه وال ينقص‪ ،‬وهم «املالئكة»‪ ،‬فإيامهنم ناشئ عن‬
‫فطرهتم‪ ،‬وليس يف قدرهتم النظر والتفكري وحتصيل األدلة‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬قسم يزيد إيامنه وينقص‪ ،‬وهم بقية العباد من اإلنس‪ ،‬واجلن القادرين‬
‫عىل النظر واالستدالل‪ ،‬أو االندفاع وراء اهلوى والشيطان‪.‬‬
‫وجممل ما سبق‪ :‬أن اإليامن هو التصديق فقط‪ ،‬وأن العمل رشط كامل‪ ،‬وأن‬
‫النطق بالشهادتني رشط يف إجراء األحكام الدنيوية‪ ،‬وأن اإليامن يزيد وينقص‬
‫وهذا هو الراجح عند أهل السنة‪.‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.260 :‬‬
‫‪41‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪41‬‬
‫املناقشة‬
‫‪:‬‬ ‫ ‪1:‬سقال الناظم‬
‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ديـــد‬‫ـــن ت َْر‬
‫خيـــل م ْ‬ ‫إيامنـــ ُه َل ْ‬ ‫***‬ ‫إِ ْذ ك ُُّل َم ْ‬
‫ـــن َق َّلـــدَ يف التوحيـــد‬

‫موضحا معنى التقليد‪ ،‬وحكم إيامن املقلد باهلل‬


‫ً‬ ‫رشحا‬
‫ً‬ ‫ارشح البيت السابق‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫ ‪2:‬سقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﱸ تدعو اآلية السابقة إىل التفكر‬


‫يف ذات اإلنسان وأحواله‪ ،‬فلامذا؟ وهل يتفكر اإلنسان يف غري نفسه؟‬

‫ ‪3:‬سيقال‪ :‬اإليامن واإلسالم إذا اجتمعا افرتقا‪ ،‬وإذا افرتقا اجتمعا‪ .‬كيف‬
‫يكون ذلك؟‬

‫ ‪4:‬سهل يشرتط لصحة اإليامن أن ينطق املكلف بالشهادتني؟‬

‫ ‪5:‬سقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﱸ‪ .‬يف ضوء اآلية‬


‫السابقة وضح مفهوم اإليامن لغ ًة ورش ًعا وهل العمل جزء من حقيقة‬
‫اإليامن؟ وملاذا؟ د ِّلل عىل ما تقول‪.‬‬

‫ ‪6:‬سإيامنك باهلل قد يزيد وقد ينقص‪.‬‬

‫هل توافق عىل هذه املقولة؟‪ ،‬دعم إجابتك بذكر آراء أهل العلم يف زيادة‬
‫اإليامن ونقصانه‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪42‬‬
‫ ‪7:‬سضع عالمة (√) أمام العبارة الصحيحة وعالمة (×) أمام العبارة اخلاطئة‬
‫فيام ييل‪:‬‬
‫( )‬ ‫( أ ) علم التوحيد أحد فروع الرشيعة‪ .‬‬
‫(ب) األحكام التكليفية الوجوب والندب والتحريم والكراهة واإلباحة ( )‬
‫( )‬ ‫(جـ) يستحب معرفة اهلل تعاىل عىل كل مكلف‪ .‬‬
‫ ‪8:‬ساكتب املصطلح العلمي للمفاهيم التالية‪:‬‬
‫ )أ(إفراد املعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدانيته‪.‬‬
‫ )ب(البالغ العاقل الذي بلغته الدعوة سليم احلواس‪.‬‬
‫ )ج(االمتثال واالنقياد ملا جاء به النبي ﷺ مما علم من الدين بالرضورة‬
‫من األعامل الظاهرة‪.‬‬

‫***‬

‫‪43‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ - 8‬الصفات اإلهلية‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ِ‬
‫ـاء ال ُي َش ـ ُ‬
‫ـاب بال َع ــدَ ْم‬ ‫ـب لــه الوجــو ُد والقــدَ ْم *** ك ــذا بق ـ ً‬
‫فواجـ ٌ‬
‫قدَّ م املصنف الكالم يف اإلهليات بوجه عام؛ ألهنا متع ِّلقة باهلل سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫وما يتع َّلق به َّ‬
‫جل شأنه مقدَّ م عىل كل ما عداه‪ ،‬وإنام بدأ من هذه املباحث بالواجب‬
‫له ثم بالكالم عىل الوجود؛ ألن الوجود كاألصل لكل ما عداه‪ ،‬وما عداه كالفرع‬
‫له‪ ،‬أال ترى أن احلكم بوجوب الواجبات له سبحانه وتعاىل ال يتعقل إال بعد‬
‫احلكم بوجوب الوجود له؟‪.‬‬
‫فيجب هلل تعاىل إمجاال كل كامل يليق بذاته‪ ،‬وكامالت اهلل ال هناية هلا‪ ،‬وجيب‬
‫عىل املكلف أن يعرف من هذه الكامالت «سبع صفات» عىل التفصيل تسمى‬
‫«صفات املعاين»‪ ،‬وأن يعرف «الصفة النفسية»‪ ،‬وهي الوجود وأن يعرف‬
‫«الصفات السلبية»‪ ،‬أو «التنزهيية» وهي مخس‪ :‬القدم والبقاء واملخالفة للحوادث‬
‫والقيام بالنفس والوحدانية‪.‬‬
‫طرق إثبات الصفات‪:‬‬
‫إثبات كل صفة من هذه الصفات إما أن يكون طريقه العقل‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫طريقه النقل أي الرشع‪.‬‬
‫فإذا كانت الصفات مما يتو َّقف عليه اخللق واإلجياد فال بد من إثباهتا عن‬
‫طريق الدليل العقيل‪ ،‬ويأيت الدليل النقيل مؤيدً ا‪ ،‬وهذه الصفات تسع صفات‬

‫‪44‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪44‬‬
‫وهي‪ :‬الوجود‪ ،‬والقدم‪ ،‬والبقاء‪ ،‬واملخالفة للحوادث‪ ،‬والقيام بالنفس‪ ،‬واحلياة‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والقدرة‪.‬‬
‫النقيل مثبتًا‪ ،‬والدليل‬
‫ّ‬ ‫أما الصفات التي ال يتو َّقف عليها اإلجياد فيكون الدليل‬
‫العقيل مؤكِّدً ا وهي صفات السمع‪ ،‬والبرص‪ ،‬والكالم‪.‬‬
‫أما الوحدانية فقد اختُلف يف طريق ثبوهتا‪ :‬هل تثبت ابتداء بالعقل أو بالنقل؟‬
‫والصحيح أن االعتامد يف ثبوهتا عىل العقل‪ ،‬والقرآن الكريم خاطب العقل‬
‫يف إثبات الوحدانية‪ ،‬وإبطال الرشك‪.‬‬
‫***‬

‫‪45‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪45‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬الصفة النفسية‬
‫وجود اهلل عز وجل‬
‫الوجود صفة يتصف هبا املوجود‪ ،‬وهي عند الشيخ األشعري مشرتك لفظي‪،‬‬
‫ف َعدُّ الوجود عنده صفة من باب التسامح‪ ،‬وعند مجهور املتكلمني الوجود‬
‫ليس صفة زائدة عىل الذات يف اخلارج‪ ،‬لكنها أمر اعتباري‪ ،‬فليس يف عدّ ه صفة‬
‫تسامح‪ ،‬فقد عدُّ وا السلوب صفات ِ‬
‫كالقدم والبقاء‪ ،‬والوجود بمعنى الثبوت‬ ‫ُّ‬
‫والتحقق والشيئية‪.‬‬
‫واملوجود إما أن يكون وجوده لذاته‪ ،‬أي‪ :‬ليس لع َّلة خارجية ـ أي سبب ـ‬
‫أ َّثرت فيه‪ ،‬وهذا املوجود هو اهلل تعاىل فقط‪ ،‬وإما أن يكون وجوده لغريه أي‪:‬‬
‫ليس ذات ًّيا‪ ،‬فله ع َّلة خارج َّية أ َّثرت فيه وذلك املؤ ِّثر هو اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الدليل على وجود اهلل تعالى‪:‬‬
‫الدليل عىل وجود اهلل تعاىل هو األساس الذي ُيبنى عليه إثبات الصفات‬
‫األخرى‪ ،‬فال يمكن إثبات الواجبات‪ ،‬ونفي املستحيالت‪ ،‬والقول بإمكان‬
‫اجلائزات بدون إثبات أنه تعاىل موجود واجب الوجود‪.‬‬
‫ومعنى أنه تعاىل واجب الوجود أنه تعاىل ال جيوز عليه العدم‪ ،‬فال يقبل العدم‬
‫ال ً‬
‫أزل وال أبدً ا‪ ،‬ال يف املايض‪ ،‬وال يف احلارض‪ ،‬وال يف املستقبل‪.‬‬
‫َوك ُُّل حقيقة علمية ال بد أن تستند يف هناية األمر إىل حقيقة رضورية ال حتتاج‬
‫إىل برهان‪ ،‬وإال َل َظ َّل الربهان يف سلسلة ال تنقيض‪ ،‬فال يزول اجلهل‪ ،‬وال حيل‬
‫العلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حم َّله‬
‫‪46‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪46‬‬
‫وقد أمجع العلامء عىل أن وجود يشء من املمكنات دون أسباب تقتيض وجوده‬
‫باطل بالبداهة‪ ،‬فكون اليشء جار ًيا عىل ن ََسق معني‪ ،‬ثم يتغري عن نسقه‪ ،‬ويتحول‬
‫حمول إطال ًقا من األمور واضحة البطالن‪.‬‬ ‫مغي‪ ،‬أو ّ‬
‫عنه بدون وجود أي ِّ‬
‫مر بك أن مجيع األحكام املفروضة يف العقل ال خترج عن أحد أوصاف‬
‫وقد ّ‬
‫ثالثة‪ :‬الوجوب‪ ،‬االستحالة‪ ،‬اإلمكان‪.‬‬
‫وهذا الكون الذي نراه يف مجلته‪ ،‬إنام هو من نوع املمكن‪ ،‬أي‪ :‬أن العقل جيزم‬
‫أن من املمكن أن توجد أسباب‬
‫بأنه ال يرتتب أي حمال عىل فرض انعدامه‪ ،‬ويرى ّ‬
‫تعدمه من أصله دون أن يستلزم ذلك ً‬
‫حمال ال يقبله العقل‪ ،‬وكل ما هذا شأنه‬
‫فال بد له من مؤثر خارجي ُي َر ِّجح فيه أحد جانبي اإلمكان عىل اجلانب اآلخر‪،‬‬
‫فالعامل ال بد له من مؤثر خارجي عنه‪ ،‬وقوة عظمى أوجدته وهي قوة اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫إبطال القول بالصدفة والطبيعة‪:‬‬
‫وبناء عىل ما سبق يتبني لك بطالن القول إن العامل ُو ِجدَ هكذا بدون حاجة إىل‬
‫ُموجد‪ ،‬أو ُوجد بطريق الصدفة املحضة‪ ،‬فبطالن ذلك واضح للعيان ال حيتاج‬
‫إىل إقامة برهان‪.‬‬
‫كام يتضح فساد رأي من يقول إن العامل مستمر بحكم التوالد الذايت‪ ،‬الذي‬
‫ال ّأول له؛ ألنه يستلزم التسلسل‪ ،‬وقد علم العقالء أن التسلسل حمال‪.‬‬
‫ومعنى التسلسل‪ :‬فرض أن املخلوقات كلها متوالدة عن بعضها إىل ما‬
‫ال هناية‪ ،‬بحيث يكون كل واحد منها متوق ًفا عىل ما قبله إىل غري هناية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪47‬‬
‫فالقول بالتوالد الذايت باطل بالرضورة‪ ،‬إذ إن سلسلة املخلوقات املمكنة‬
‫مهام طالت‪ ،‬فإن استمرار طوهلا ال خيرجها ـ عىل كل حال ـ عن كوهنا ممكنة‪،‬‬
‫مرجح‪.‬‬
‫واملمكنات ال بد لرجحان أحد طريف اإلمكان فيها من ِّ‬
‫إبطال التسلسل‪:‬‬
‫باحلس واملشاهدة؛ ذلك أننا نعلم بأن هناك خملوقات‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫منقوض‬ ‫كام أن التسلسل‬
‫قد انقرضت‪ ،‬فلو تسلسلت املوجودات إىل ما ال هناية له بحيث تكون كل واحدة‬
‫منها معلولة ملا قبلها‪ِ ،‬‬
‫وع َّلة ملا بعدها ملا انقرضت تلك املوجودات‪ ،‬وذلك باطل‬
‫باملشاهدة‪.‬‬
‫معنى َّ‬
‫الدور‪:‬‬
‫الدور‪ :‬أن يتو َّقف اليشء يف وجوده املطلق عىل يشء آخر‪ ،‬إال أن هذا اليشء‬
‫متو ِّقف يف ذلك الوجود ويف نفس الوقت عىل ذلك اليشء األول‪ ،‬فمن املحال‬
‫إ ًذا أن يوجد هذا اليشء أو ذاك‪.‬‬
‫عيل‬
‫عيل‪ ،‬ووجود ّ‬
‫مثال عىل ذلك‪ :‬وجود حممد متوقف عىل وجود ّ‬ ‫ولنرضب ً‬
‫متأخر وهذا‬
‫ومتأخر ال َّ‬
‫ِّ‬ ‫متوقف عىل وجود حممد‪ٌّ ،‬‬
‫فكل منهام متقدِّ م ال متقدَّ م‪،‬‬
‫دورا بمرتبة واحدة‪.‬‬
‫ور ً‬‫تناقض‪ ،‬ويسمى هذا الدَّ ُ‬
‫أقر بحدوث َ‬
‫العال‪ ،‬وا َّدعى أنه وجد بتأثري نفسه‪ :‬ما‬ ‫وحاصل الكالم‪ :‬نقول ملن َّ‬
‫أول نواة أو ذرة من ذرات العامل سبقت غريها يف الوجود؟ ومهام كان هذا اليشء‬
‫فإنا نقول‪ :‬فام هى العلة التي أوجدته وأهنضته من ظلامت الاليشء فوضعته يف‬
‫أول مدارج الوجود؟‪ ،‬فلام أجاب بقوله بالتفاعل الذايت‪ ،‬الذي يعني أنه هو العلة‬
‫املؤثرة أي‪ :‬السبب يف إجياد ذاته؛ أي‪ :‬أنه حينام كان يف ظلامت العدم املطلق‪ ،‬كان‬

‫‪48‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪48‬‬
‫خارجا‪ ،‬ثم وجد هكذا وظهر يف ساحة الوجود‪ ،‬فأصبح علة‬
‫ً‬ ‫متوقفا عىل أن يولد‬
‫إلجياد نفسه‪ ،‬وال خيفى عليك أن هذا هو الدور يف أوضح أشكاله‪.‬‬
‫وإذا بطل مجيع ما سبق‪ ،‬فقد ثبت وجود اهلل تعاىل بالدليل اليقيني القائم عىل‬
‫االستقراء العلمي‪ ،‬فإنك تدرك أنه ما من جمموعة تركيبية معينة تتناسق يف سبيل‬
‫حتقيق غاية ت َّطرد يف حتقيقها‪ ،‬إال من وراء هذه املجموعة ُمدَ ِّب ٌر‪.‬‬
‫فلو نظرت إىل هذا الكون العجيب وتراكيبه الدقيقة‪ ،‬ورأيت كل ذلك يندفع‬
‫إىل حتقيق غاية معينة ضمن ظروف معينة ورشوط دقيقة‪ ،‬علمت بالدليل القطعي‬
‫مدبرا هلا يدفعها يف طريق غاياهتا هذه‪.‬‬
‫أن من ورائها ً‬
‫وهكذا فقد علمت أن مطلب األلوهية تضافرت عليه الفلسفات والنبوات‪،‬‬
‫وأن األدلة الربهانية ماثلة يف األنفس واآلفاق‪ ،‬وأن بواعثه النفسية مركوزة‬
‫يف العقول‪ ،‬ويف الوجدانات‪ ،‬غري أن الناس ليسوا عىل درجة سواء يف رسعة‬
‫التصديق والتسليم هبذه األدلة‪ ،‬وال يف تيقظ انتباههم بكل هذه الوسائل‪.‬‬

‫***‬

‫‪49‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪49‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الصفات السلبية‬
‫الصفات السلبية‪ :‬هي التي تفيد سلب ونفي ِّ‬
‫كل معنى ال يليق باهلل تعاىل أي‪:‬‬
‫أهنا تنفي عنه صفات النقص‪ ،‬وهي غري منحرصة يف صفات حمددة‪ ،‬وذلك كنفي‬
‫ً‬
‫تفصيل؛ ألن هذه‬ ‫الولد والزوجة واملعني‪ ،‬وإنام وجب علينا معرفة مخسة منها‬
‫والبقاء‪ ،‬واملخالف ُة للحوادث‪،‬‬ ‫الصفات اخلمس أصول للتنزهيات وهي‪ِ :‬‬
‫القدَ ُم‪،‬‬
‫ُ‬
‫والقيا ُم بالنفس‪ ،‬والوحداني ُة‪.‬‬
‫الق َدم‬
‫صفة ِ‬
‫ ـ ‪1‬معنى القدم‪:‬‬
‫ِ‬
‫القدَ ُم معناه‪ :‬عدم بداية وجود اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬أو هو‪ :‬عدم افتتاح الوجود‪.‬‬
‫أو تسمى صفة األولية موافقة لقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯴ ﯵ ﱸ ‪ ،‬وضد القدم احلدوث‪،‬‬
‫وهو الوجود املسبوق بالعدم‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬اعلم أن القدم على ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬القدم الذايت‪ :‬وهو عدم افتتاح الوجود وهو الثابت هلل تعاىل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬القدم الزماين‪ :‬وهو مستحيل يف حقه تعاىل‪ ،‬ويفرس بأنه طول مدة‬
‫وجود اليشء‪ ،‬فإن قلت‪ :‬عرجون قديم‪ ،‬ضالل قديم‪ ،‬بناء قديم‪ ،‬فاملعنى الذي‬
‫تدل عليه العبارة‪ :‬أنه قد طال عليه الزمان منذ ُو ِجدَ ‪ ،‬وذلك ال ينايف أنه حادث‬
‫بمعنى كون وجوده مسبو ًقا بالعدم ومن هذا قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﱸ(((‪ ،‬وقوله تباركت أسامؤه‪ :‬ﱹ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﱸ(((‪.‬‬
‫((( سورة يس ‪ .‬اآلية‪.39 :‬‬
‫((( سورة يوسف ‪ .‬اآلية‪.95 :‬‬
‫‪50‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪50‬‬
‫أيضا حمال عىل اهلل تعاىل‪ ،‬و ُي َف َّس بأنه سبق اليشء‬
‫الثالث‪ :‬القدم اإلضايف‪ ،‬وهو ً‬
‫يف الوجود ليشء آخر‪ ،‬وذلك كقدم األب بالنسبة لالبن‪.‬‬
‫الق َدم َّلل تعالى‪:‬‬
‫الدليل العقلي على إثبات ِصفة ِ‬
‫قديم لكان حاد ًثا؛ إذ ال واسطة بني القديم واحلادث‪ ،‬ولو‬
‫أنه لو مل يكن ً‬
‫كان حاد ًثا الحتاج إىل حمدث‪ ،‬ولو احتاج إىل حمدث الحتاج حمدثه إىل حمدث؛‬
‫لتشاهبهام يف احلاجة‪ ،‬فيلزم الدور‪ ،‬أو التسلسل‪ ،‬وكل منهام حمال‪ ،‬فام أ َّدى إليه‬
‫وهو احتياجه إىل حمدث حمال‪ ،‬فام أ ّدى إليه وهو كونه حاد ًثا حمال‪ ،‬فام أ ّدى إليه‬
‫قديم حمال‪ ،‬وإذا استحال كونه حاد ًثا‪ ،‬وجب أن يكون ً‬
‫قديم‪،‬‬ ‫وهو عدم كونه ً‬
‫وهو املطلوب‪.‬‬
‫قديم لكان حاد ًثا‪ ،‬ولو كان حاد ًثا لكان جائز‬
‫ويمكن أن يقال إنه لو مل يكن ً‬
‫الوجود‪ ،‬مع أنه قد ثبت أنه تعاىل واجب الوجود‪ ،‬فبطل ما خيالف وجوب‬
‫الوجود وهو (احلدوث)‪ ،‬وثبت أنه قديم‪.‬‬
‫ودليله النقلي‪:‬‬
‫ف ِ‬
‫نفسه ـ تعاىل ـ باألول دليل عىل‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ(((‪َ ،‬ف َو ْص ُ‬
‫صفة القدم‪ ،‬ووصف نفسه باآلخر دليل عىل صفة البقاء بعد فناء كل يشء من‬
‫غري هناية لوجوده‪.‬‬
‫الفرق بين القديم واألزلي‪:‬‬
‫األزيل‪ :‬ما ال أول له سواء كان وجوديا أو عدم ًّيا‪ ،‬أما القديم فله ثالثة‬
‫َّ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫معان‪:‬‬

‫((( سورة احلديد ‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬


‫‪51‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪51‬‬
‫املعنى األول‪ :‬هو ما ال أول له‪ ،‬فيكون مراد ًفا لألزيل‪ ،‬فيطلق كل من اللفظني‬
‫عىل اهلل بمعنى أنه ال أول له‪.‬‬
‫املعنى الثاين‪ :‬هو الوجود الذي ال أول لوجوده‪ ،‬فيخرج به املعدوم فال يسمى‬
‫قديم‪ ،‬وإنام يسمى أزل ًّيا فيطلق عىل اهلل وصفاته هبذا املعنى‪.‬‬
‫ً‬
‫قارصا‬
‫ً‬ ‫املعنى الثالث‪ :‬القديم هو القائم بنفسه الذي ال أول له فيكون إطالقه‬
‫عىل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫***‬

‫‪52‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪52‬‬
‫صفة البقاء‬
‫البقاء معناه‪ :‬عدم آخرية الوجود‪ .‬فنعتقد أن اهلل ٍ‬
‫باق ال انتهاء لوجوده‪ .‬وضد‬
‫أخذا من قوله‪ :‬ﱹ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ(((‪.‬‬ ‫البقاء‪ :‬الفناء‪ ،‬وتسمى صفة اآلخرية ً‬
‫ودليل بقائه تعالى‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬الدليل العقلي‪:‬‬
‫القدَ مِ‪ ،‬كيف وقد ثبت ِقدَ ُمه؟‬
‫ ـ ‪1‬أنه لو جاز عليه العدم الستحال عليه ِ‬
‫واتفق العقالء عىل أن ما ثبت قدمه استحال عدمه‪ ،‬وإذا استحال العدم‬
‫ثبت البقاء‪ ،‬وتقدم هذا يف كالم املصنف‪:‬‬
‫يســتحيل ِ‬
‫القــدَ ُم‬ ‫ُ‬ ‫عليــه قط ًعــا‬ ‫***‬ ‫وك ُّل مــا جــا َز عليــه العــد ُم‬
‫ ـ ‪2‬ويمكن أن يقال‪ :‬إنّه ـ تعاىل ـ لو مل يكن باق ًيا‪ ،‬لكان فان ًيا‪ ،‬ولو كان فان ًيا‪،‬‬
‫ملا كان واجب الوجود‪ ،‬وقد ثبت أنه ـ تعاىل ـ واجب الوجود‪ ،‬فبطل ما‬
‫أ ّدى إليه من كونه ـ تعاىل ـ يفنى‪ ،‬وثبت أنه ـ تعاىل ـ ال يفنى‪.‬‬
‫اعتض عىل قاعدة‪« :‬كل ما ثبت ِقدمه‪ ،‬استحال عدمه» بأن عدم‬ ‫فإن ُ‬
‫قديم‪ ،‬وقد انقطع بوجودها فيام ال يزال‪ .‬فام ثبت قدمه‪،‬‬
‫املخلوقات يف األزل كان ً‬
‫مل يستحل عدمه؟‬
‫ُأجيب‪ :‬بأن هذه القاعدة خاصة بالقديم الوجودي‪ ،‬وليس بالقديم العدمي‬
‫املمكن الوجود‪.‬‬

‫((( سورة احلديد ‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬


‫‪53‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪53‬‬
‫فإن قيل‪ :‬أي فرق بني عدمنا‪ ،‬وعدم املستحيل‪ ،‬كرشيك الباري‪ ،‬فإن كال‬
‫منهام واجب يف األزل؟‬
‫قلنا‪ :‬وجوب عدمنا مقيد باألزل‪ .‬فهو ممكن فيام ال يزال‪ ،‬وأما عدم املستحيل‬
‫فواجب عىل اإلطالق ‪.‬‬
‫فاألقسام أربعة‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬اهلل تعاىل ال أول له وال آخر‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬عدمنا يف األزل ال أول له‪ ،‬وله آخر‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬املخلوقات هلا أول وآخر‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬نعيم اجلنة وعذاب النار له أول وال آخر له رش ًعا‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الدليل النقلي‪:‬‬
‫ودليله النقيل‪ :‬وصف اهلل ـ تعاىل ـ بالقدم والبقاء يف القرآن يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱸ(((‪ ،‬فاملراد باألول‪ :‬القديم‪،‬‬
‫أيضا يف وصفه ـ تعاىل ـ بالبقاء قوله تعاىل‪:‬‬
‫واملراد باآلخر الباقي‪ ،‬ومما ورد ً‬
‫ﱹ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﱸ((( وجه ربك أي‪ :‬ذاته‬
‫املقدسة‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة احلديد ‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬


‫((( سورة الرمحن ‪ .‬اآليتان‪.27،26 :‬‬
‫‪54‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪54‬‬
‫صفة املخالفة للحوادث‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫برهـــان هـــذا ِ‬
‫القـــدَ ُم‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫خمالـــف‬ ‫***‬ ‫وأنـــه ملـــا َين ُ‬
‫َـــال ال َعـــدَ ُم‬
‫املخالفة للحوادث معناها‪ :‬عدم مماثلته جل جالله هلا يف ذاته أو صفاته‬
‫ِ‬
‫جزئي كام‬
‫ّ‬ ‫أو أفعاله؛ فهو سبحانه وتعاىل ليس بجرم‪ ،‬وال َع َرض‪ ،‬وال ك ِّ ّ‬
‫ُل‪ ،‬وال‬
‫أيضا من خمتلف الصفات‪،‬‬
‫مر بيانه‪ ،‬ولذلك فهو ُمنَ َّز ٌه عام تستلزمه هذه الصفات ً‬
‫َّ‬
‫واألحوال‪ ،‬والعوارض اجلزئية التي تعرتي اإلنسان‪ ،‬وغريه من الكائنات‬
‫األخرى‪ ،‬كالنوم‪ ،‬والغفلة‪ ،‬واجلوع‪ ،‬والعطش‪ ،‬واحلاجة‪ ،‬والعوارض النفسية‬
‫واجلسمية وما إىل ذلك‪.‬‬
‫وقد ثبت برهان هذه الصفة هلل تعاىل بكل من دلييل العقل والنقل‪.‬‬
‫أما دليل العقل‪ :‬وهو أن احلدوث حمال أي‪ :‬ال جيوز يف حق اهلل تعاىل‪ ،‬وإال‬
‫الحتاجت ذاته تعاىل إىل حمدث‪ ،‬فيدور األمر أو يتسلسل‪ ،‬وكالمها باطل‪ ،‬وإذن‬
‫فليس عز وجل ً‬
‫مماثل للحوادث‪ ،‬وإال كان حاد ًثا‪ ،‬وهو باطل؛ ألنه ثبت أنه قديم‬
‫وباق‪ ،‬وإذن فهو ليس ً‬
‫مماثل للحوادث بل خمالفـًا هلا‪.‬‬
‫وأما دليل النقل فقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱸ(((‪،‬‬
‫وإدخال كاف التشبيه عىل لفظ املثل مبالغة يف نفي الشبيه واملِثل هلل تعاىل‪ ،‬ومثله‬
‫قوله جل جالله‪ :‬ﱹ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﱸ(((‪ .‬والكفؤ واملامثل واحد‪.‬‬

‫((( سورة الشورى ‪ .‬اآلية‪.11 :‬‬


‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪55‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪55‬‬
‫صفة القيام بالنفس‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫منزهـــــا أوصا ُفــــه َســــن ِ َّي ْه‬
‫ً‬ ‫***‬ ‫قيامـــه بالنَّ ْفـــس َو ْحدَ ان َّيـــ ْه‬
‫ُ‬
‫واألص ِدقــا‬ ‫ْ‬
‫ووالـ ٍ‬
‫ـد كــذا الولــدْ‬ ‫***‬ ‫رشيـك مطل ًقا‬ ‫ٍ‬ ‫عن ضدٍّ أو ِش ٍ‬
‫ـبه‬
‫واملراد بالنفس هنا‪« :‬الذات»‪ ،‬فإهنا تُطلق عىل الذات كام هنا‪ ،‬وتطلق عىل‬
‫«الدم»‪ ،‬كام يف قوهلم‪ :‬ما ليس له نفس سائلة ال ينجس املاء‪ ،‬وعىل «التكرب»‪ ،‬كام‬
‫يف قوهلم‪ :‬فالن ذو نفس‪ ،‬وعىل «العقوبة»‪ ،‬قيل‪ :‬منه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵﯶ ﱸ(((‪ ،‬أي‪ :‬عقوبته‪ ،‬واحلق أنه جيوز إطالق النفس عىل ذات اهلل ـ تعاىل ـ‬
‫من غري مشاكلة كام يدل له قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﱸ(((‪،‬‬
‫خال ًفا ملن زعم أهنا ال تطلق عليه ـ تعاىل ـ إال مشاكلة كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﱸ(((‪.‬‬
‫معنى قيامه ـ تعالى ـ بنفسه‪:‬‬
‫غري ُمفتقر إىل ُموجد ـ أي ُمؤ ِّثر أو خمصص ـ يوجده‪ ،‬وال إىل ٍّ‬
‫حمل‬ ‫أنه تعاىل ُ‬
‫ـ أي ذات أو مكان ـ يقوم به‪ ،‬فقد كان تعاىل قبل وجود أي يشء وقبل وجود‬
‫الزمان واملكان‪.‬‬

‫((( سورة آل عمران ‪ .‬اآلية‪.28 :‬‬


‫((( سورة األنعام ‪ .‬اآلية‪.54 :‬‬
‫((( سورة املائدة ‪ .‬اآلية‪.116 :‬‬
‫‪56‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪56‬‬
‫الدليل على ثبوت هذه الصفة هلل تعالى‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬الدليل العقلي‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬أنه تعاىل لو احتاج إىل ُم ِ‬
‫وجد أو ُمصص لكان حاد ًثا‪ ،‬ودار األمر‬
‫أو تسلسل‪ ،‬ومها باطالن‪ .‬وقد سبق وجوب وجوده وقدمه وبقاؤه‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬أنه لو احتاج إىل املحل لكان صفة‪ ،‬ولو كان صفة ملا اتصف بصفات‬
‫املعاين‪ ،‬وهي واجبة له ـ تعاىل ـ؛ لألدلة الدالة عىل ذلك‪.‬‬
‫و ُيعلم من ذلك‪:‬‬
‫واملخصص م ًعا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املحل‬ ‫ٍ‬
‫مستغن عن‬ ‫ ـ ‪1‬أنه ـ تعاىل ـ‬
‫املخصص وقائمة بذاته ـ تعاىل ـ‬
‫ِّ‬ ‫ ـ ‪2‬وأما صفاته ـ تعاىل ـ فهي مستغنية عن‬
‫وال ُي َع َّب فيها باالحتياج إىل الذات ملا فيه من اإلهيام‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬وأما ذوات احلوادث‪ :‬فهي حمتاجة إىل خمصص ومستغنية عن ذات تقوم‬
‫هبا‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬وأما صفات احلوادث‪ :‬فهي حمتاجة إىل خمصص وإىل ذات تقوم هبا‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الدليل النقلي‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﱸ(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.255 :‬‬


‫‪57‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪57‬‬
‫صفة الوحدانية‬
‫مشتق منها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفن؛ ولذلك ُس ِّمي باسم‬
‫مبحث الوحدانية أرشف مباحث هذا ِّ‬
‫فقيل‪« :‬علم التوحيد»‪ ،‬ولعظم العناية به كثر تقريره والثناء عيل اهلل من خالله‬
‫يف اآليات القرآنية‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱹﯽ ﯾﯿﰀ ﰁ ﰂﰃﰄ ﰅ ﰆﱸ(((‪،‬‬
‫ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱸ(((‪ ،‬إىل غري ذلك من اآليات‪.‬‬
‫وحدانية اهلل تعاىل تعني‪ :‬عدم التعدد يف ذاته وصفاته وأفعاله‪.‬‬
‫ونفي التعدد يف الذات‪ ،‬يشمل‪ :‬نفي الكثرة يف ذاته‪ ،‬أي نفي الرتكيب‪ ،‬فذاته‬
‫ليست مركبة من أجزاء‪ ،‬كام يشمل‪ :‬نفي تعدد الذات الواجبة الوجود لذاهتا فال‬
‫توجد ذات تشبه ذاته سبحانه فال ندَّ وال نظري له تعاىل يف ذاته‪.‬‬
‫فوحدة الذات إذن تعني‪ :‬نفي الك َِّم املتصل واملنفصل‪.‬‬
‫وأما عدم التعدد يف الصفات فرياد به‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬نفي الكثرة يف الصفة من نوع واحد؛ فال يكون له تعاىل ً‬
‫مثل قدرتان‬
‫أو إرادتان أو أكثر‪ ،‬بل له ـ تعاىل ـ قدرة واحدة عىل كل يشء وإرادة‬
‫واحدة يفعل هبا ما يريد‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬ونفي أن يكون هلل تعاىل نظري يف صفة من صفاته‪.‬‬
‫وأما عدم التعدد يف األفعال فيقصد به نفي أن يكون لغري اهلل تعاىل فعل وخلق‬
‫ليشء يشبه فعله‪ ،‬فهو سبحانه اخلالق وحده وال خالق سواه ﱹ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﱸ((( فعدم التعدد يف األفعال يعني وحدة اخلالق وال يعني‬
‫نفي الكثرة يف أفعاله تعاىل‪ ،‬فأفعاله تعاىل كثرية من خلق ورزق‪.‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.163 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬
‫((( سورة األنعام ‪ .‬اآلية‪.102 :‬‬
‫‪58‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪58‬‬
‫الكمو ُم الخمسة‪:‬‬
‫واحلاصل أن الوحدانية الشاملة لوحدانية الذات‪ ،‬ووحدانية الصفات‪،‬‬
‫كموما مخسة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ووحدانية األفعال تنفي‬
‫تعريف الك َِّم‪ :‬هو ما يقبل االنقسام‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬كم متصل مثل اجلسم‪،‬‬
‫وكم منفصل مثل األعداد‪ ،‬والكموم اخلمسة هي‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬الك َُّم املنفصل يف الذات‪ :‬وهو تعد ُّدها بحيث يكون هناك إل ٌه ٍ‬
‫ثان فأكثر‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬الك َُّم املتصل يف الذات‪ :‬وهو تركُّبها من أجزاء‪ ،‬أو أعضاء‪.‬‬
‫الكمن منفيان بوحدة الذات‪.‬‬
‫وهذان َّ‬
‫ ـ ‪3‬الك َُّم املنفصل يف الصفات‪ :‬وهو أن يكون لغري اهلل ـ تعاىل ـ صفة تشبه‬
‫وجد هبا وي ِ‬
‫عدم هبا كقدرته‬ ‫صفته ـ تعاىل ـ كأن يكون لغريه ـ تعاىل ـ قدرة ُي ِ‬
‫ُ‬
‫ـ تعاىل ـ‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬الك َُّم املتصل يف الصفات‪ :‬وهو التعدد يف صفاته ـ تعاىل ـ من جنس واحد‬
‫كقدرتني فأكثر‪.‬‬
‫الكمن منفيان بوحدانية الصفات‪.‬‬
‫وهذان ّ‬
‫ ـ ‪5‬الك َُّم املنفصل يف األفعال‪ :‬وهو أن يكون لغري اهلل ـ تعاىل ـ فعل من‬
‫نسب له الفعل عىل وجه‬ ‫األفعال عىل وجه اإلجياد‪ ،‬واملخلوق إنام ُي َ‬
‫منفي بوحدانية األفعال‪.‬‬
‫الكم ٌّ‬
‫الكسب واالختيار‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الكم املنفصل فيكون‬
‫فنفي الكم املتّصل يكون يف الذات‪ ،‬والصفات‪ ،‬أما نفي ّ‬
‫يف الذات‪ ،‬والصفات‪ ،‬واألفعال‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪59‬‬
‫األدلة على اتصافه ‪ -‬تعالى ‪ -‬بالوحدانية‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬عدم التعدد يف الذات‪ :‬أنه لو تعدد اإلله؛ كأن يكون هناك‬
‫إهلان ملا وجد يشء من العامل‪ ،‬لكن عدم وجود يشء من العامل باطل؛ ألنه موجود‬
‫باملشاهدة‪ ،‬فام أ ّدى إليه وهو التعدُّ د باطل‪ ،‬وإذا بطل التعدُّ د ثبتت الوحدانية‪،‬‬
‫وهو املطلوب‪.‬‬
‫وإنام لزم من التعدُّ د عدم وجود يشء من العامل؛ ألهنام إما أن يتفقا‪ ،‬وإما أن‬
‫خيتلفا‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬فإن اتفقا‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬فليس بجائز أن يوجداه م ًعا عىل االستقالل ٍّ‬
‫لكل منهام؛ لئال يلزم اجتامع‬
‫مؤ ِّثرين عىل أثر واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫حتصيل‬ ‫ ـ ‪2‬وليس بجائز أن ُيوجده أحدمها ثم ُيوجده اآلخر؛ لئال يلزم‬
‫احلاصل‪ ،‬وحتصيل احلاصل حمال‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬وليس بجائز أن يوجده أحدمها دون اآلخر؛ للزوم عجز من مل ينفذ مراده‬
‫واآلخر مثله؛ النعقاد املامثلة بينهام‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬وإن اختلفا بأن أراد أحدمها وجود يشء وأراد اآلخر عدمه‪ .‬فاالحتامالت‬
‫العقلية ثالثة‪ ،‬وكلها باطلة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬أن ينفذ مرادمها م ًعا‪ :‬وهو حمال ألنه اجتامع للنقيضني‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬أال ينفذ مرادمها م ًعا‪ :‬وهو حمال ألنه رفع للنقيضني‪ ،‬ويلزم عجزمها‪،‬‬
‫والعجز عىل اإلله حمال‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬أن ينفذ مراد أحدمها دون اآلخر‪ :‬فمن مل ينفذ مراده عاجز والثاين مثله ألن‬
‫فرض اإلهلني التساوى ىف كل صفات األلوهية‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪60‬‬
‫وقد ذكر املوىل سبحانه وتعاىل هذا الدليل يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﱸ (((‪ ،‬أي‪ :‬لو كان يف الساموات واألرض جنس اآلهلة غري اهلل مل‬
‫توجدا‪ ،‬لكن عدم وجودمها باطل؛ ملشاهدة وجودمها‪ ،‬فبطل ما أ َّدى إليه‪ ،‬وهو‬
‫وجود جنس اآلهلة غري اهلل ـ تعاىل ـ‪ ،‬وثبت أن اهلل ـ تعاىل ـ واحد وهو املطلوب‪،‬‬
‫غري اهلل‪.‬‬
‫فليس املحال اجلمع فقط‪ ،‬بل املحال جنس اآلهلة ُ‬
‫واآلية تبني أن وحدة النظام يف الكون تستلزم أن يكون ُمد ِّبر الكون هو اهلل‬
‫وحده وأن تعدد اآلهلة يستلزم فساد السموات واألرض‪ ،‬وهذا التالزم بني املقدَّ م‬
‫والتايل تالزم عقيل‪ ،‬ومن َث َّم فإن اآلية الكريمة تكون حجة قطعية تفيد اليقني‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬عدم الرتكب يف الذات‪ :‬اهلل واحد يف ذاته‪ ،‬فليست ذاته ـ تعاىل‬
‫حمتاجا إىل‬
‫ً‬ ‫ـ مركَّبة من أجزاء؛ ألهنا لو كانت مركَّبة من أجزاء لكان اهلل ـ تعاىل ـ‬
‫لتتكون منها ذاته‪ ،‬واالحتياج نقص‪ ،‬والنقص عىل اهلل ـ تعاىل ـ مستحيل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أجزائه‬
‫الدليل الثالث‪ :‬وهو من األدلة النقلية‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﱸ (((‪ ،‬ﱹ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﱸ (((‪ ،‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱸ(((‪ ،‬واآليات يف هذا املعنى كثرية‪.‬‬
‫تنزهه ـ تعالى ـ عن الضد‪:‬‬
‫والضدان مها‪ :‬األمران الوجوديان اللذان بينهام غاية االختالف ال جيتمعان‪،‬‬
‫فلو ُف ِرض أن هلل ـ تعاىل ـ ضدّ ا يف ذاته‪ ،‬أو صفاته لوجب ارتفاع ذاته‪ ،‬أو صفاته‬
‫ارتفا ًعا مطل ًقا إن ثبت الضدّ ً‬
‫دائم‪ ،‬أو ارتفا ًعا مق َّيدً ا بحالة وجود الضد إن مل يثبت‬
‫دائم؛ ألنه متى ثبت أحد الضدين ارتفع اآلخر‪ ،‬والفرض أنه واجب الوجود‪،‬‬ ‫ً‬
‫قديم‪ ،‬وكذا صفاته‪.‬‬
‫((( سورة األنبياء ‪ .‬اآلية‪.22 :‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.163 :‬‬
‫((( سورة احلرش ‪ .‬اآلية‪.22 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪61‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪61‬‬
‫َت َنُّز ُهه ـ تعالى ـ عن الشبيه‪:‬‬
‫والشبيه‪ :‬هو املساوي يف أغلب الوجوه‪.‬‬
‫والنظري‪ :‬هو املساوي ولو يف بعض الوجوه‪.‬‬
‫واملثيل‪ :‬هو املساوي يف مجيع الوجوه‪.‬‬
‫لكن املراد بالشبيه هنا‪ :‬مطلق املشابه‪ ،‬فيشمل ًّ‬
‫كل منهام‪ ،‬فليس له ـ تعاىل ـ‬
‫مشابِه يف ذاته‪ ،‬وال يف صفاته‪ ،‬وال يف أفعاله؛ لوجوب خمالفته ـ تعاىل ـ للممكنات‬
‫ً‬
‫وأفعال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وصفات‬ ‫ذاتًا‬
‫َت َنُّز ُهه ـ تعالى ـ عن الشريك‪:‬‬
‫ليس هلل ـ تعاىل ـ رشيك يف ذاته وال يف صفاته وال يف أفعاله‪.‬‬
‫َت َنز ُُّهه ـ تعاىل ـ عن الوالد‪:‬‬
‫اهلل ـ تعاىل ـ منزه عن والد‪ ،‬أب أو أم لصدق (الوالد) عليهام‪ ،‬فاهلل تعاىل ليس‬
‫ً‬
‫منفصل عن غريه‪.‬‬
‫َت َنُّز ُهه ـ تعالى ـ عن الولد‪:‬‬
‫الولد كالوالد يف وجوب تنزه اهلل ـ تعاىل ـ عنه‪ ،‬فليس هلل ـ تعاىل ـ ولد ال ابن‪ ،‬وال‬
‫بنت‪ ،‬وليس عيسى ولدً ا هلل‪ ،‬بل خلقه اهلل ـ تعاىل ـ بال أب‪ ،‬كام خلق آدم‬
‫أغرب‪ ،‬خ َلقه من تراب بال ٍ‬
‫أب‪ ،‬وال أ ٍّم‪ ،‬فليس غريه ـ‬ ‫بال أب‪ ،‬بل آدم‬
‫ً‬
‫منفصل عنه‪.‬‬ ‫تعاىل ـ‬
‫َت َنُّز ُهه ـ تعالى ـ عن الصديق واألعداء‪:‬‬
‫وهو ـ تعاىل ـ منزَّه عن األصدقاء‪ ،‬فمحال أن يكون هلل ـ تعاىل ـ صديق عىل‬
‫الوجه املعتاد من أن ًّ‬
‫كل يعاون اآلخر وينفعه‪ ،‬فال ينايف أن يكون هلل ـ تعاىل ـ‬

‫‪62‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪62‬‬
‫صديق بمعنى املخلص يف عبادته ـ تعاىل ـ ‪ ،‬لكن ال جيوز أن يطلق لفظ صديق‬
‫اهلل ـ تعاىل ـ ؛ ألنه مل َي ِر ْد‪ ،‬كام أنه يوهم املعنى املحال‪.‬‬
‫وكام يستحيل عىل اهلل ـ تعاىل ـ األصدقاء يستحيل عليه األعداء عىل الوجه‬
‫عدو بمعنى‬ ‫املعتاد من أن ًّ‬
‫كل يؤذي اآلخر ويرضه‪ ،‬فال ينايف أن يكون هلل ـ تعاىل ـ ٌّ‬
‫املخالف ألمره كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﱸ(((‪.‬‬
‫واألصل القاطع يف ذلك املؤكِّد للدليل العقيل قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﱸ(((‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱸ(((‪ ،‬إىل آخر‬
‫السورة التي تسمى سورة اإلخالص‪.‬‬
‫وسبب نزوهلا أن املرشكني سألوا رسول اهلل ﷺ عن ربه فقالوا‪ :‬صف لنا‬
‫ربك أمن ذهب أم من فضة؟‪ ،‬وقد نفت السورة أنواع الكفر الثامنية‪.‬‬
‫فقوله‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱸ(((‪ ،‬نفى الكثرة‪ ،‬والعدد‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱹﭖ ﭗ ﱸ(((‪ ،‬وهو الذي ُيقصد يف احلوائج‪ ،‬نفى القلة‪،‬‬
‫والنقص‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱹﭙ ﭚ ﭛ ﭜﱸ((( نفى العلة واملعلولية‪ :‬أي‪ :‬أن يكون تعاىل‬
‫علة لغريه‪ ،‬وأن يكون معلوال لغريه‪ ،‬بأن يكون غريه علة له‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱹﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﱸ(((‪ ،‬نفى الشبيه‪ ،‬والنظري‪.‬‬

‫((( سورة فصلت ‪ .‬اآلية‪.19 :‬‬


‫((( سورة الشورى ‪ .‬اآلية‪.11 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.2 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬
‫((( سورة اإلخالص ‪ .‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪63‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪63‬‬
‫املناقشة‬
‫ ‪1:‬سهلل عز وجل صفة نفسية واحدة فام هي؟‪ ،‬وما معناها؟‪ ،‬وما الدليل‬
‫عليها؟‬

‫ ‪2:‬سكيف تستخدم التسلسل والدور إلثبات وجود اهلل تعاىل؟‬

‫ ‪3:‬سهلل صفات سلبية كثرية‪ ،‬فام معنى كون الصفة سلبية؟ وما عددها‬
‫ً‬
‫تفصيل؟‬

‫ ‪4:‬سعالم تستدل باآليات التالية‪:‬‬

‫ )أ( ﱹ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱸ‪.‬‬

‫ )ب( ﱹ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱸ‪.‬‬

‫ )ج( ﱹ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﱸ‪.‬‬

‫ )د( ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱸ‪.‬‬

‫ )ـه( ﱹ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﱸ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأفعال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وصفات‬ ‫ ‪5:‬ساستدل بالعقل عىل أن اهلل خمالف للحوادث ذاتًا‬
‫ ‪6:‬س َع ِّرف الصفات التالية‪ ،‬واذكر ً‬
‫دليل عىل كل منها‪:‬‬

‫القدم ـ البقاء ـ املخالفة للحوادث ـ الوحدانية ـ القيام بالنفس‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪64‬‬
‫ ‪7:‬سضع عالمة (√) أمام العبارة الصحيحة وعالمة (×) أمام العبارة اخلاطئة‬
‫فيام ييل‪:‬‬
‫( )‬ ‫ )أ(األزيل ما ال أول له سواء أكان وجود ًّيا أم عدم ًّيا‪ .‬‬
‫( )‬ ‫ )ب(أحكام العقل االستحباب واحلرمة والكراهة‪ .‬‬
‫ )ج(التسلسل يعني أن املخلوقات كلها متوالدة عن بعضها إىل ما ال‬
‫( )‬ ‫هناية‪ .‬‬
‫( )‬ ‫ )د(وحدانية اهلل تعاىل تصف عدم التعدد يف ذاته‪ .‬‬
‫ ‪8:‬سختري اإلجابة الصحيحة بوضع عالمة (√) أمامها‪:‬‬
‫ )أ(تثبت الصفات الواجبة هلل تعاىل بـ‬
‫ـ النقل والعقل م ًعا‪.‬‬ ‫ ‬
‫ـ النقل فقط‪.‬‬ ‫ـ العقل فقط‪ .‬‬
‫ )ب(تكمن أنواع القدم يف‪:‬‬
‫ـ القدم املكاين‪.‬‬ ‫ ‬
‫ـ القدم الزماين‪.‬‬
‫ـ مجيع ما سبق‬ ‫ ‬
‫ـ القدم اإلضايف‪.‬‬
‫ )ج(من الصفات السلبية‪:‬‬
‫ـ السمع‪.‬‬ ‫ـ القدم‪ .‬‬ ‫ ‬
‫ـ الوجود‪.‬‬
‫ )د(وحدانية اهلل تعاىل تعني عدم التعدد يف‪:‬‬
‫ـ صفاته‪.‬‬ ‫ ‬
‫ـ يف ذاته‪.‬‬
‫ـ مجيع ما سبق‪.‬‬ ‫ ‬
‫ـ أفعاله‪.‬‬

‫***‬
‫‪65‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪65‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬صفات املعاني‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ِ‬
‫ـت‬ ‫أمـ ًـرا وع ْلـ ًـا ِّ‬
‫والر َضــا كــا ثبـ ْ‬ ‫***‬ ‫ـــــرت‬
‫ْ‬ ‫َو ُقــــدْ َر ٌة إراد ٌة و َغا َي‬
‫واطرح ِ‬
‫الر َيب‬ ‫َ‬ ‫فا ْت َبع َسبيل احلق‬ ‫***‬ ‫وعلمـــه وال يقـــال ُم ْكتَســـب‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫تعريف المعاني لغة‬
‫واملعاين مجع معنى‪ ،‬وهو لغة‪ :‬ما قابل الذات‪ ،‬فيشمل النفس ّية والسلب ّية‪،‬‬
‫قادرا‬
‫حكم‪ ،‬ككونه ـ تعاىل ـ ً‬ ‫واصطالحا‪ :‬كل صفة قائمة بموصوف موجبة له ً‬
‫ً‬
‫فإنه الزم للقدرة‪.‬‬
‫وصفات املعاين هي‪ :‬الصفات الكاملية الواجبة هلل ـ تعاىل ـ ‪ ،‬وكامالت اهلل‬
‫ـ تعاىل ـ ال هناية هلا‪ ،‬وجيب عىل املكلف أن يعرف منها سبع صفات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫القدرة‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والعلم‪ ،‬واحلياة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبرص‪ ،‬والكالم‪.‬‬
‫ً‬
‫تفصيل‬ ‫وانحصار صفات املعاين يف السبع هو بالنظر إىل ما قام الدليل عليه‬
‫مع قطع النظر عن صفات وقع فيها اخلالف‪ ،‬ومل يقم الدليل عىل أهنا صفات‬
‫زائدة عىل هذه السبع‪ ،‬كاإلدراك والتكوين‪.‬‬
‫صفة القدرة‬
‫واصطالحا‪ :‬صفة أزلية‬
‫ً‬ ‫القوة واالستطاعة‪ ،‬وضدها العجز‪،‬‬ ‫القدرة لغة‪َّ :‬‬
‫قائمة بذاته ـ تعاىل ـ يتأتَّى هبا إجياد كل ممكن وإعدامه عىل ِوفق اإلرادة والعلم‪.‬‬
‫وبالقدرة يـتأتى اإلجياد واإلعدام للمخلوقات‪ ،‬و ُقدمت القدرة يف ِّ‬
‫الذكر عىل‬
‫غريها من صفات املعاين لظهور أثرها الواضح يف إجياد املخلوقات‪.‬‬
‫الصلوحي‬
‫ّ‬ ‫وقوله‪( :‬يتأتى هبا إجياد كل ممكن وإعدامه)‪ ،‬إشارة إىل تع ُّلقها‬
‫القديم‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪66‬‬
‫تعلقات القدرة‪:‬‬
‫سمى التعلق الصلوحي القديم‪ ،‬وثالثة يسمى‬
‫للقدرة سبع تعلقات‪ ،‬واحد ُي َّ‬
‫كل منها تعلق القبضة‪ ،‬وثالثة كل منها يسمى التعلق التنجيزي احلادث‪.‬‬
‫أما األول فهو صالحيتها يف األزل لإلجياد واإلعدام فيام ال يزال‪.‬‬
‫وأما تعلقات القبضة الثالثة فهي‪ :‬أن تتع َّلق بِ َعدَ ِمنا فيام ال يزال قبل وجودنا‪،‬‬
‫وباستمرار الوجود بعد العدم‪ ،‬وباستمرار العدم بعد الوجود‪ ،‬بمعنى أن املمكن‬
‫يف قبضة القدرة‪ ،‬فإن شاء اهلل أبقاه عىل عدمه‪ ،‬أو عىل وجوده‪ ،‬وإن شاء أوجده‪،‬‬
‫أو أعدمه‪.‬‬
‫وأما التعلقات التنجيزية احلادثة فهي‪ :‬تعلقها بإجيادنا بالفعل بعد العدم‬
‫السابق‪ ،‬وتعلقها بإعدامنا بالفعل بعد الوجود‪ ،‬وتعلقها بإجيادنا حني البعث‪.‬‬
‫والقدرة ال تتعلق بكل من الواجب واملستحيل؛ ألهنا إن تعلقت بالواجب‬
‫فال يصح أن تعدمه؛ ألنه ال يقبل العدم‪ ،‬وال يصح أن توجده؛ ألنه يلزم منه‬
‫حتصيل احلاصل‪ ،‬وإن تع َّلقت باملستحيل فعىل العكس من ذلك؛ ألهنا لو تعلقت‬
‫ً‬
‫حتصيل للحاصل‪.‬‬ ‫به إلجياده كان قل ًبا للحقائق ولو تعلقت به؛ إلعدامه كان‬
‫خصصه اهلل ـ تعاىل ـ‬
‫َّ‬ ‫والقدرة ت ِ‬
‫ُوجد عىل ِوفق ختصيص اإلرادة‪ ،‬أي‪ :‬أن ما‬
‫بإرادته أبرزه بقدرته‪ ،‬فتع ُّلق اإلرادة؛ لكونه أزل ًّيا سابق عىل تع ُّلق القدرة؛ لكونه‬
‫تنجيز ًّيا حاد ًثا‪ ،‬فالرتتيب يف فهم التع ُّلقني ال بني الصفتني؛ وإال كان املتأخر‬
‫حاد ًثا‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪67‬‬
‫دليل صفة القدرة‪:‬‬
‫دليلها العقيل‪ :‬اهلل ـ تعاىل ـ صانع قديم له مصنوع حادث‪ ،‬وكل من كان‬
‫كذلك جتب له القدرة‪ ،‬فاهلل ـ تعاىل ـ جتب له القدرة‪.‬‬
‫قادرا لكان عاجزًا‪ ،‬ولو كان عاجزًا ملا‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬لو مل يكن اهلل ـ تعاىل ـ ً‬
‫استطاع إجياد هذا العامل هبذا النظام البديع‪ ،‬لكنه ـ تعاىل ـ أوجد هذا العامل‪ ،‬فثبت‬
‫أنه قادر‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬ﱹ ﰌ ﰍ‬
‫ودليلها النقيل‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﱸ(((‪ ،‬وقال ً‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﱸ(((‪ ،‬واآليات‬
‫يف هذا املعنى كثرية جدًّ ا‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة املائدة ‪ .‬اآلية‪.120 :‬‬


‫((( سورة فاطر ‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬
‫‪68‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪68‬‬
‫صفة اإلرادة‬
‫اإلرادة لغة‪ :‬مطلق القصد‪ ،‬ويرادفها املشيئة‪.‬‬
‫ختصص املمكن ببعض‬
‫واصطالحا‪ :‬صفة قديمة زائدة عىل الذات قائمة به ِّ‬
‫ً‬
‫ما جيوز عليه‪.‬‬
‫والممكنات المتقابالت ستة منظومة في قول بعضهم‪:‬‬
‫الصفات‬
‫ُ‬ ‫وجو ُدنا والعد ُم‬ ‫***‬ ‫املتقابـــات‬
‫ُ‬ ‫املمكنـــات‬
‫ُ‬
‫الثقات‬
‫ُ‬ ‫كـذا املقادير روى‬ ‫***‬ ‫أزمنــ ٌة أمكنــ ٌة جهــات‬
‫ومعنى كوهنا متقابالت‪ :‬أهنا متنافيات إذا ثبت أحدها انتفى ما قابله‪،‬‬
‫بعضا‪،‬‬
‫فالوجود يقابل العدم وبالعكس‪ ،‬فهام قسم أول‪ ،‬وبعض الصفات يقابل ً‬
‫مثل يقابل كونه أسود‪ ،‬وهذا قسم ٍ‬
‫ثان‪ ،‬وبعض األزمنة يقابل‬ ‫فكون اليشء أبيض ً‬
‫بعضا‪ ،‬فكونه يف زمن الطوفان ً‬
‫مثل يقابل كونه يف زمن سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬
‫بعضا‪ ،‬فكونه يف مكان كذا كمرص يقابل كونه‬
‫قسم ثالث‪ ،‬وبعض األمكنة يقابل ً‬
‫بعضا‪ ،‬فكونه يف‬
‫يف مكان غريه كالشام‪ ،‬وهذا قسم رابع‪ ،‬وبعض اجلهات يقابل ً‬
‫جهة املرشق يقابل كونه يف جهة املغرب‪ ،‬وهذا قسم خامس‪ ،‬وبعض املقادير‬
‫قصريا‪ ،‬وهذا قسم سادس‪ .‬فاإلرادة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طويل يقابل كونه‬ ‫بعضا‪ ،‬فكونه‬
‫يقابل ً‬
‫ختصص هذه املتقابالت بام هي عليه‪.‬‬
‫الكرامية؛ حيث قالوا‪ :‬إهنا صفة حادثة قائمة بالذات‪.‬‬
‫ويف قولنا‪ :‬قديمة ر ٌّد عىل َّ‬
‫«ضار» من املعتزلة‪ ،‬حيث قال‪ :‬إهنا نفس‬ ‫ويف قولنا‪ :‬زائدة عىل الذات رد عىل ِ‬
‫ٌّ‬
‫الذات‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪69‬‬
‫ويف قولنا‪ :‬قائمة به ر ٌّد عىل ُ‬
‫«اجل َّبائي» من املعتزلة حيث قال‪ :‬إهنا صفة حادثة‬
‫النجار»؛ حيث قال‪ :‬إهنا صفة سلبية‪،‬‬
‫أيضا عىل «أبى احلسني َّ‬ ‫ٍّ‬
‫بمحل‪ ،‬وفيه ر ٌّد ً‬ ‫ال‬
‫أمرا‬
‫مكر ًها‪ ،‬والصفة السلبية ال قيام هلا لكوهنا ً‬
‫وفسها بعدم كونه ساه ًيا أو َ‬
‫َّ‬
‫عدم ًّيا‪.‬‬
‫وذهب «الكعبي ومعتزلة بغداد» إىل أن إرادته ـ تعاىل ـ لفعل غريه‪ :‬أمره به‪،‬‬
‫ولفعله‪ :‬علمه به‪ .‬وذهب بعضهم‪ :‬إىل أهنا الرضا‪.‬‬
‫ويف قولنا‪َ ُ :‬ت ِّصص املمكن‪ ،‬إشارة للتع ُّلق التنجيزي القديم‪ ،‬وهو ختصيص‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أزل ً‬‫اهلل ـ تعاىل ـ اليشء ً‬
‫وخرج باملمكن الواجب‪ ،‬واملستحيل‪ ،‬فال تتع ّلق هبام اإلرادة كالقدرة‪ ،‬وشمل‬
‫املمكن اخلري والرش‪ ،‬خال ًفا «للمعتزلة» القائلني إن إرادة اهلل ـ تعاىل ـ ال تتع َّلق‬
‫بالرشور والقبائح‪.‬‬
‫هل يجوز أن ينسب إلى اهلل ـ تعالى ـ فعل الشر؟‬
‫اختلف العلامء يف جواز نسبة فعل الرشور والقبائح إليه ـ تعاىل ـ ‪ ،‬والراجح‬
‫جواز ذلك يف مقام التعليم ال يف غريه‪.‬‬

‫***‬

‫‪70‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪70‬‬
‫الفرق بني األمر واإلرادة‬
‫األمر‪ :‬طلب الفعل‪.‬‬
‫اإلرادة ختالف وتباين األمر‪ ،‬فهي ليست عينَه وال مستلزمة له‪ ،‬وبناء عىل‬
‫ذلك‪:‬‬
‫أمرا ويأمر به‪ ،‬كإيامن من علم اهلل منهم اإليامن‪ ،‬فإنه ـ تعاىل‬
‫ ـ ‪1‬فقد يريد اهلل ً‬
‫ـ أراده منهم وأمرهم به‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬وقد ال يريد وال يأمر‪ ،‬كالكفر من هؤالء‪ ،‬فإنه ـ تعاىل ـ مل يرده منهم‪ ،‬ومل‬
‫يأمرهم به‪.‬‬
‫ ـ ‪3‬وقد يريد وال يأمر‪ ،‬كالكفر الواقع ممن علم اهلل ـ تعاىل ـ عدم إيامهنم‪،‬‬
‫وكاملعايص‪ ،‬فإنه أراد ذلك‪ ،‬ومل يأمر به‪.‬‬
‫ ـ ‪4‬وقد يأمر وال يريد‪ ،‬كإيامن الكافرين فإنه أمرهم به‪ ،‬ومل يرده منهم‪.‬‬
‫مغايرة اإلرادة للعلم والرضا‪:‬‬
‫أيضا ختالف العلم‪ ،‬بمعنى أهنا ليست عني العلم‪ ،‬وال مستلزمة له‬ ‫واإلرادة ً‬
‫لتع ُّلق العلم بالواجب واملستحيل واجلائز‪ ،‬وال تتع َّلق اإلرادة إال باجلائز فقط‪.‬‬
‫الغرض من ذكر مخالفة اإلرادة للعلم‪:‬‬
‫الغرض من ذلك الر ُّد عىل َمن زعم من املعتزلة أن إرادته ـ تعاىل ـ لفعله علمه‬
‫به‪ ،‬فر َّد بمغايرة اإلرادة لألمر وللعلم‪.‬‬
‫وكذلك تُغايِر اإلرادة الرضا‪ ،‬فرضاه ـ تعاىل ـ غري إرادته‪ ،‬فرضاه ـ تعاىل ـ‬
‫هو‪ :‬قبول اليشء واإلثابة عليه‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪71‬‬
‫الغرض من ذكر مخالفة اإلرادة للرضا‪:‬‬
‫فس اإلرادة بالرضا‪ ،‬فإن اإلرادة قد تتع َّلق بام ال‬
‫الغرض منه الر ُّد عىل من َّ‬
‫يرىض به اهلل ـ تعاىل ـ ‪ ،‬كالكفر الواقع من الكفار فإنه ـ تعاىل ـ أراده وال يرىض به‪.‬‬
‫األدلة على وجوب صفة اإلرادة هلل تعالى‪:‬‬
‫دليلها العقيل‪ :‬اهلل صانع العامل باالختيار‪ ،‬وكل من كان كذلك جتب له اإلرادة‬
‫فاهلل ـ تعاىل ـ جتب له اإلرادة‪.‬‬
‫وجود التنوع واالختالف يف الكون يدل عىل أن خالقه مريد خمتار ككون هذا‬
‫قصريا‪ ،‬وهذا صحيحـًا‪ ،‬وهذا مريضـًا‪ ،‬وهذا أبيضـًا‪ ،‬وذاك أسود‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طويل‪ ،‬وهذا‬
‫‪...‬إلخ‪.‬‬
‫مكرها للزم وجود‬
‫ً‬ ‫خمتارا لكان ُمك َْر ًها‪ ،‬ولو كان‬
‫ويمكن أن نقول‪ :‬لو مل يكن ً‬
‫كرهه‪ ،‬فيكون عاجزًا‪ ،‬كيف وقد ثبت أنه واجب الوجود؟‪ ،‬فانتفى كل ما‬ ‫من ُي ِ‬
‫قادر‪ ،‬ال يعجزه يشء‪.‬‬
‫عداه‪ ،‬وثبت أنه ـ تعاىل ـ ٌ‬
‫كل عىل إطالق القول إنه ـ تعاىل ـ مريد‪ ،‬وشاع ذلك‬‫وأيضا فقد اتفق ٌّ‬
‫ً‬
‫‪ ،‬وال يفهم من قولنا‪ :‬مريدٌ بحسب اللغة‬ ‫يف كالمه ـ تعاىل ـ وكالم أنبيائه‬
‫ذات ثبتت هلا اإلرادة‪ ،‬إذ ال ُيعقل مريد بال إرادة‪ ،‬وإن نازع يف ذلك املعتزلة‪.‬‬
‫إال ٌ‬
‫الدليل النقلي على صفة اإلرادة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯷ ﯸ ﯹﱸ(((‪ ،‬ﱹ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﱸ(((‪ ،‬ﱹﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱸ(((‪.‬‬
‫((( سورة هود ‪ .‬اآلية‪.107 :‬‬
‫((( سورة القصص ‪ .‬اآلية‪.68 :‬‬
‫((( سورة آل عمران ‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬
‫‪72‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪72‬‬
‫صفة العلم‬
‫العلم لغة‪ :‬اليقني‪.‬‬
‫واصطالحا هو‪ :‬صفة قديمة قائمة بذاته تعاىل‪ ،‬تنكشف هبا املعلومات‬
‫ً‬
‫انكشا ًفا ًّ‬
‫تاما مل يسبقه خفاء‪ ،‬سواء أكانت هذه املعلومات واجبة أم مستحيلة أم‬
‫ممكنة‪ ،‬فاهلل يعلم كل يشء عىل ما هو عليه يف الواقع‪.‬‬
‫تعلقات العلم‪ :‬ذهب مجهرة العلامء إىل تعلق العلم بجميع األشياء تعل ًقا‬
‫قديم‪ ،‬فيعلم اهلل سبحانه وتعاىل األشياء ً‬
‫أزل عىل ما هي عليه‪ ،‬وكوهنا‬ ‫تنجيز ًيا ً‬
‫وجدت يف املايض‪ ،‬أو موجودة يف احلال‪ ،‬أو توجد يف املستقبل‪ ،‬أطوار يف‬
‫املعلومات ال توجب تغريا يف َتع ُّل ِق ِ‬
‫العلمِ‪ ،‬وليس له تعلق صلوحي‪ ،‬وال تنجيزي‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يعلم ليس بعاملٍ‪ ،‬والتنجيزي احلادث‬
‫ألن َ‬‫الصالح ْ‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫حادث‪ّ ،‬‬
‫وإل لزم اجلهل؛ ّ‬
‫يستلزم سبق اجلهل‪ ،‬وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫وجعل بعضهم له ثالثة تعلقات‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬تنجيزي قديم بالنسبة لذات اهلل وصفاته‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬وصلوحي قديم بالنسبة لغريه تعاىل قبل وجوده‪ ،‬فإن العلم صالح؛ ألن‬
‫يتعلق بوجوده‪ ،‬ومل يتعلق بوجوده بالفعل؛ ألن علم وجود اليشء قبل‬
‫تنجيزي قديم‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫وجوده جهل‪ ،‬نعم علمه بأنه سيكون‬
‫ألن‬
‫ألن الصالح ْ‬
‫األولني‪ :‬لو كان له تعلق صلوحي لزم اجلهل؛ ّ‬‫وأما قول َّ‬
‫يعلم ليس بعامل‪ ،‬فجوابه‪ :‬أن ثبوت الوجود لِز ٍ‬
‫َيد بالفعل ال يصلح أن يكون‬
‫معلوما‬
‫ً‬ ‫معلوما قبل وجوده بالفعل‪ ،‬وعدم تعلق العلم بيشء ال يصلح أن يكون‬
‫ً‬
‫ً‬
‫جهل‪ ،‬كام أن عدم تعلق القدرة بيشء ال يعد عجزًا‪.‬‬ ‫ال يعدّ‬

‫‪73‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪73‬‬
‫ ـ ‪3‬وتع ُّلق تنجيزي حادث‪ ،‬بالنسبة لغريه تعاىل بعد وجوده بالفعل‪.‬‬
‫لكن احلق‪ :‬أنه ليس له إال تعلق تنجيزي قديم‪ ،‬فيعلم املوىل األشياء ً‬
‫أزل‬
‫ً‬
‫وتفصيل‪ ،‬ويعلم الكليات واجلزئيات‪.‬‬ ‫ً‬
‫إمجال‬
‫ً‬
‫تفصيل‪،‬‬ ‫ويعلم سبحانه ما ال هناية له ككامالته‪ ،‬وأنفاس أهل اجلنة‪ ،‬فيعلمها‬
‫ويعلم أنه ال هناية هلام‪ ،‬وتوقف التفصيل عىل التناهي إنام هو بحسب عقولنا‪،‬‬
‫علم‪.‬‬
‫ودخل يف ذلك علمه‪ ،‬فيعلم بعلمه أن له ـ تعاىل ـ ً‬
‫ضروريا وال ًّ‬
‫نظريا وال بديهيًّا‪:‬‬ ‫ًّ‬ ‫علم اهلل تعالى ليس مكتس ًبا وال‬
‫وعلم اهلل تعاىل ليس مكتس ًبا الستحالته يف حقه تعاىل؛ ألن الكسبي عر ًفا‬
‫يقتيض أسبقية اجلهل‪ :‬وهو العلم احلاصل عن النظر واالستدالل‪ ،‬فإذا أقمت‬
‫العال بأن قلت‪َ :‬‬
‫العال متغري‪ ،‬وكل متغري حادث‪ ،‬ينتج‪ :‬العامل‬ ‫دليل عىل حدوث َ‬ ‫ً‬
‫حادث‪ ،‬فالعلم بحدوث العامل حاصل عن نظر واستدالل‪ ،‬فهو كسبي‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫الكسبي هو ما تعلقت به القدرة احلادثة‪.‬‬
‫وما ورد مما يوهم اكتساب علمه تعاىل كقوله ّ‬
‫جل من قائل‪ :‬ﱹ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﱸ(((‪ ،‬مؤول عىل أن املراد واهلل أعلم ليظهر هلم متعلق علمنا‪.‬‬
‫واعلم أنه كام ال ُيقال‪ :‬علمه مكتسب‪ ،‬ال يقال‪ :‬علمه رضوري وال نظري‬
‫وال بدهيي‪.‬‬
‫أما الرضوري‪ :‬فهو وإن كان يطلق عىل ما ال يتوقف عىل نظر واستدالل‪،‬‬
‫أيضا عىل ما قارنته الرضورة‪ ،‬فيمتنع أن‬
‫وهو صحيح يف حقه تعاىل‪ ،‬لكن يطلق ً‬
‫يقال‪ :‬علمه رضوري خو ًفا من توهم هذا املعنى‪.‬‬
‫وأما النظري‪ :‬فهو ما توقف عىل النظر واالستدالل‪ ،‬فهو مرادف للكسبي عىل‬
‫تعريفه األول‪ ،‬فيمتنع أن يقال‪ :‬علمه نظري الستلزامه احلدوث‪.‬‬
‫((( سورة الكهف ‪ .‬اآلية‪.12 :‬‬
‫‪74‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪74‬‬
‫وأما البدهيي‪ :‬فهو وإن كان يطلق عىل ما ال يتوقف عىل نظر واستدالل فيكون‬
‫أيضا عىل العلم احلاصل للنفس بغتة‪.‬‬ ‫مراد ًفا للرضوري عىل ِ‬
‫أحد معنييه‪ ،‬لكن يطلق ً‬
‫األدلة على صفة العلم‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الدليل العقلي‪:‬‬
‫اهلل تعاىل هو الذي أبدع هذا الكون‪ ،‬وأقامه عىل سنن ونظم ال ختتل‪ ،‬وال‬
‫تضطرب‪ ،‬وهو الذي يمسك الساموات واألرض‪ ،‬ومجيع النجوم والكواكب‪،‬‬
‫حتى ال يصدم بعضها بعضا‪ ،‬أو خيتل بعضها عن مداره املقدر له وهو الذي‬
‫ُي َي ِّس كل ذرة ويرعى كل نسمة ويدبر أمر خلقه ويرصف كل شأن بحكمته‪،‬‬
‫ويستحيل أن حيصل ذلك كله من اهلل َّإل بعلم مطلق شامل‪.‬‬
‫حمكم بالقصد واالختيار‪ ،‬وكل من كان‬
‫دليلها العقيل‪ :‬اهلل فعل فعال متقنًا ً‬
‫كذلك جيب له العلم‪ ،‬فاهلل جيب له العلم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن هذا الدليل إنام يفيد علمه باجلائزات فقط‪ ،‬فام الدليل عىل علمه‬
‫بالواجبات واملستحيالت؟‬
‫أجيب‪ :‬بأن دليل ذلك دليل عدم افتقاره للمخصص؛ ألنه لو مل يعلم‬
‫حمتاجا ملن يكمله‪ ،‬فيلزم أن يكون حاد ًثا فيفتقر‬
‫ً‬ ‫بالواجبات واملستحيالت لكان‬
‫للمخصص‪ ،‬وقد تقدم دليل عدم افتقاره للمخصص‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الدليل النقلي‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﱸ(((‪ ،‬ﱹﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘﱸ(((‪ ،‬ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﱸ(((‪.‬‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.255 :‬‬
‫((( سورة النساء ‪ .‬اآلية‪.166 :‬‬
‫((( سورة هود ‪ .‬اآلية‪.14 :‬‬
‫‪75‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪75‬‬
‫صفة احلياة‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ِ‬
‫ُث َّم ال َب َص بِذي َأتَانَا َّ‬
‫الس ْم ُع‬ ‫***‬ ‫ـم ُع‬ ‫َح َيا ُت ُه ك ََذا الكَال ُم َّ‬
‫الس ْ‬
‫احلياة لغة‪ :‬ضد املوت‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬صفة وجودي ٌة أزلي ٌة قائمة بذاته تعاىل تصحح اتصاف اهلل تعاىل‬
‫ً‬
‫بالعلم والقدرة واإلرادة‪ ،‬وقد عرف الشيخ السنويس احلياة بتعريف يشمل‬
‫احلياة القديمة واحلادثة حيث قال‪« :‬هي صفة تصحح ملن قامت به اإلدراك» أي‬
‫ُصحح ملن قامت به‪ ،‬وال يرضه اجلمع بني حقيقتني خمتلفتني بالقدم واحلدوث؛‬
‫ِّ‬ ‫ت‬
‫ألنه تعريف بالرسم‪ ،‬ال تعريف باحلد‪.‬‬
‫فعرف احلياة القديمة بقوله‪:‬‬
‫وعرف بعضهم كال منهام بتعريف خيصه‪َّ .‬‬
‫صفة أزلية تقتيض صحة العلم أي‪ :‬تقتيض صحة االتصاف به‪ ،‬وكام تقتيض‬
‫صحة االتصاف بالعلم تقتيض صحة االتصاف بغريه من الصفات الواجبة‪،‬‬
‫ألن العلم واجب‬
‫وذكر لفظة (صحة)؛ ألن احلياة ال تستلزم العلم بالفعل‪َّ ،‬‬
‫يف حقه تعاىل للدليل السابق‪ ،‬وأما يف حقنا فقد ينتفي العلم مع وجود احلياة كام‬
‫يف املجنون فإنه حي مع انتفاء العلم عنه‪.‬‬
‫وعرف احلياة احلادثة بقوله‪ :‬هي كيفية يلزمها قبول احلس واحلركة اإلرادية‬
‫أي‪َ :‬ع َر ٌض يلزمه قبول اإلحساس وقبول احلركة اإلرادية‪ ،‬بخالف احلركة‬
‫حمركِ ِه‪ ،‬وحياة اهلل لذاته ليست بروح‪،‬‬
‫االضطرارية؛ كحركة احلجر بحركة ِّ‬
‫وحياتنا ليست لذاتنا بل بسبب روح‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪76‬‬
‫األدلة على صفة الحياة‪:‬‬
‫دليلها العقيل‪ :‬اهلل يتصف بالقدرة واإلرادة والعلم‪ ،‬وكل من كان كذلك جتب‬
‫له احلياة فاهلل جتب له احلياة‪.‬‬
‫ويمكن أن نقول‪ :‬لو مل يكن ح ًّيا لكان ميتًا‪ ،‬ولو كان ميتًا ما اتصف بالقدرة‬
‫واإلرادة والعلم‪ ،‬وقد ثبت اتصافه هبا فهو حي‪.‬‬
‫ودليلها النقيل‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﱸ(((‪ ،‬ﱹ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﱸ(((‪.‬‬
‫أمرا زائدً ا عىل‬ ‫وصفة احلياة ال تتعلق بيشء ً‬
‫أصل‪ ،‬وذلك؛ ألهنا ال تستلزم ً‬
‫أمرا زائدً ا عىل القيام بمحلها‪ ،‬أال ترى‬
‫القيام بمحلها‪ ،‬والصفة التي تتعلق تستلزم ً‬
‫أمرا يعلم به‪ ،‬وكذا القدرة واإلرادة ونحومها‪.‬‬
‫أن العلم بعد قيامه بمحله يطلب ً‬
‫***‬

‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.255 :‬‬


‫((( سورة طه ‪ .‬اآلية‪.111 :‬‬
‫‪77‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪77‬‬
‫صفة الكالم‬
‫معنى الكالم بالنسبة هلل ـ تعالى ـ‪:‬‬
‫اختلف أهل امللل يف املراد بكالمه تعاىل؛ فقال أهل السنة‪ :‬كالمه تعاىل صفة‬
‫أزلية قائمة بذاته تعاىل ليست بحرف وال صوت‪ ،‬وال تشبه كالم الناس يف يشء‪،‬‬
‫مثلها يف ذلك مثل مجيع صفات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقالت احلشوية وطائفة سموا أنفسهم باحلنابلة‪ :‬كالمه تعاىل هو احلروف‬
‫واألصوات املتوالية املرتتبة‪ ،‬ويزعمون أهنا قديمة‪.‬‬
‫وقالت املعتزلة‪ :‬كالمه ـ تعاىل ـ هو احلروف واألصوات احلادثة‪ ،‬وهي غري‬
‫متكلم عندهم‪ :‬أنه خالق للكالم يف بعض األجسام‬ ‫ً‬ ‫قائمة بذاته‪ ،‬فمعني كونه‬
‫لزعمهم أن الكالم ال يكون إال بحروف وأصوات‪ ،‬وهو مردود بأن الكالم‬
‫النفيس ثابت لغة كام يف قول األخطل‪:‬‬
‫دليل‬ ‫ِ‬
‫الفؤاد ً‬ ‫اللسان عىل‬
‫ُ‬ ‫ـؤاد وإنام *** ُج ِعل‬
‫إن الــكالم لفــي الفـ ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫وكالمه تعاىل صفة واحدة ال تعدد فيها‪ ،‬لكن هلا أقسام اعتبارية‪.‬‬
‫فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصالة ً‬
‫مثل‪ :‬أمر‪.‬ومن حيث تعلقه بطلب ترك‬
‫الزنا ً‬
‫مثل‪ :‬هني‪.‬‬
‫ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا ً‬
‫مثل‪ :‬خرب‪ .‬ومن حيث تعلقه بأن‬
‫الطائع يدخل اجلنة‪ :‬وعد‪.‬‬
‫ومن حيث تعلقه بأن العايص يدخل النار‪ :‬وعيد‪ ،‬إىل غري ذلك بالنسبة لغري‬
‫األمر والنهي تعلق تنجيزي قديم‪ ،‬وأما بالنسبة لألمر والنهي‪ ،‬فإن لم يشترط‬

‫‪78‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪78‬‬
‫فيهما وجود المأمور والمنهي فكذلك كان التعلق فيهام صلوح ًّيا قبل وجود‬
‫املأمور واملنهي‪ ،‬وتنجيز ًيا حاد ًثا بعد وجودمها‪.‬‬
‫واعلم أن كالم اهلل يطلق عىل الكالم النفيس القديم‪ ،‬بمعنى أنه صفة قائمة‬
‫بذاته تعاىل‪ ،‬وعىل الكالم اللفظي بمعنى أنه خلقه‪ ،‬وليس ألحد يف أصل تركيبه‬
‫كسب‪ ،‬وعىل هذا املعنى حيمل قول السيدة عائشة‪ :‬ما بني دفتي املصحف كالم‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وكل من أنكر أن ما بني دفتي املصحف كالم اهلل فقد كفر‪ ،‬إال أن يريد أنه‬
‫أيضا؛ لكن جمازًا عىل األرجح‪.‬‬
‫ليس هو الصفة القائمة بذاته ً‬
‫وقال السنويس وغريه من املتقدمني‪ :‬إن األلفاظ التي نقرؤها تدل عىل الكالم‬
‫القديم‪ ،‬وهذا خالف التحقيق؛ ألن بعض مدلوله قديم كام يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﱸ(((‪ ،‬وبعض مدلوله حادث كام يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱸ(((‪.‬‬
‫الدليل على صفة الكالم‪:‬‬
‫ ـ ‪1‬الدليل النقيل‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﱸ(((‪ ،‬ﱹ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﱸ(((‪.‬‬
‫ ـ ‪2‬الدليل العقيل‪ :‬أن الكالم صفة كامل‪ ،‬وكل كامل جيب له تعاىل وانتفاء‬
‫الكالم نقص والنقص مستحيل عليه تعاىل‪.‬‬

‫***‬
‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.255 :‬‬
‫((( سورة القصص ‪ .‬اآلية‪.76 :‬‬
‫((( سورة النساء ‪ .‬اآلية‪.164 :‬‬
‫((( سورة الكهف ‪ .‬اآلية‪.109 :‬‬
‫‪79‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪79‬‬
‫صفة السمع‬
‫السمع يطلق يف احلوادث عىل‪ :‬القوة املودعة يف ِصامخ األذن لتدرك هبا‬
‫األصوات عادة‪.‬‬
‫ويف حق اهلل ـ تعاىل ـ‪ :‬هو صفة أزلية قائمة بذاته تعاىل تتعلق باملوجودات‪:‬‬
‫األصوات وغريها كالذوات‪ ،‬تنكشف هبا مجيع املوجودات انكشا ًفا ً‬
‫تاما يغاير‬
‫االنكشاف بصفتي العلم والبرص وهذه طريقة السنويس يف تعريف السمع‪.‬‬
‫وذهب البعض إىل أن صفة السمع تتعلق باملسموعات فقط‪ ،‬وهذا الكالم إن‬
‫ُحِل عىل املسموعات يف حقنا وهي األصوات فيكون خمال ًفا لطريقة السنويس‬
‫ومن تبعه‪ ،‬وإن محل عىل املسموعات يف حقه ـ تعاىل ـ وهي املوجودات األصوات‬
‫وغريها‪ ،‬فيكون مواف ًقا لطريقة السنويس ومن تبعه‪ ،‬وهي الصواب‪.‬‬
‫األدلة على صفة السمع‪:‬‬
‫دليلها العقيل‪ :‬لو مل يتصف اهلل تعاىل بصفة السمع التصف بضدها وهو‬
‫الص َمم‪ ،‬وهو نقص‪ ،‬والنقص عىل اهلل ـ تعاىل ـ مستحيل‪.‬‬
‫َّ‬
‫أيضا‪:‬‬
‫دليلها النقيل‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﱸ(((‪ ،‬وقال ً‬
‫ﱹ ﮖ ﮗ ﮘ ﱸ(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة طه ‪ .‬اآلية‪.46 :‬‬


‫((( سورة البقرة ‪ .‬اآلية‪.137 :‬‬
‫‪80‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪80‬‬
‫صفة البصر‬
‫تعريف البصر‪:‬‬
‫بالنسبة للحادث‪ :‬هو قو ٌة مودع ٌة يف حدقة العني لتدرك هبا األضواء واأللوان‬
‫واألشكال‪.‬‬
‫ويف حق اهلل سبحانه‪ :‬هو صفة أزلية قائمة بذاته تعاىل تنكشف هبا له مجيع‬
‫تاما يغاير االنكشاف بصفتي العلم والسمع‪.‬‬ ‫املوجودات انكشا ًفا ًّ‬
‫وجيب عىل املكلف‪ :‬أن يعتقد أن االنكشاف بصفتي السمع والبرص خمالف‬
‫لالنكشاف بصفة العلم‪ ،‬فهو ال يفيد زيادة انكشاف كام هو احلال عند احلوادث‪،‬‬
‫بل مجيع صفاته تامة كاملة فيستحيل عليه تعاىل اخلفاء والزيادة والنقصان‪.‬‬
‫األدلة على صفة البصر‪:‬‬
‫دليلها العقلي‪:‬‬
‫لو مل يتصف اهلل تعاىل بصفة «البرص» التصف بضدها وهو «العمى»‪،‬‬
‫واالتصاف بالعمى نقص‪ ،‬والنقص عىل اهلل ـ تعاىل ـ مستحيل‪.‬‬
‫دليلها النقلي‪:‬‬
‫أيضا‪ :‬ﱹ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﱸ(((‪ ،‬وقال ً‬
‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﱸ(((‪.‬‬
‫قسم راب ًعا للصفات وهي الصفات املعنوية وهي‬ ‫تنبيه‪ :‬ذكر بعض العلامء ً‬
‫متكلم‪ ،‬وإثباهتا حمل خالف‬ ‫ً‬ ‫بصريا‪،‬‬
‫ً‬ ‫كونه تعاىل‪ :‬ح ًّيا‪ ،‬عا ًملا‪ً ،‬‬
‫قادرا‪ ،‬مريدً ا‪ ،‬سمي ًعا‪،‬‬
‫بني العلامء؛ ألن املعاين تستلزم املعنوية عند البعض‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ويف هذا يقول الناظم‬
‫ـم ٌع َب ِص ٌري َما َي َشـا ُي ِريدُ‬
‫ـادر م ِريــدٌ *** س ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـم َقـ ٌ َ‬
‫ِ‬
‫ـي َعليـ ٌ‬‫َحـ ٌّ‬
‫***‬
‫((( سورة العلق ‪ .‬اآلية‪.14 :‬‬
‫((( سورة احلج ‪ .‬اآلية‪.75 :‬‬
‫‪81‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪81‬‬
‫املناقشة‬
‫واصطالحا‪ ،‬واذكر الدليل العقيل عليها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ ‪1:‬سعرف القدرة لغ ًة‬
‫واصطالحا بإجياز‪ ،‬القدرة‪ ،‬اإلرادة‪ ،‬العلم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ ‪2:‬سعرف الصفات التالية لغ ًة‬
‫احلياة‪.‬‬
‫ ‪3:‬سهات الدليل العقيل عىل وجوب الصفات التالية هلل‪ .‬السمع‪ ،‬البرص‪،‬‬
‫القدرة‪ ،‬اإلرادة‪.‬‬
‫ ‪4:‬سعالم يستدل باآليات التالية‪:‬‬
‫ )أ( ﱹ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﱸ‪.‬‬
‫ )ب( ﱹ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﱸ‪.‬‬
‫ )ج( ﱹ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﱸ‪.‬‬
‫ )د( ﱹ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﱸ‪.‬‬
‫ )ـه( ﱹ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﱸ‪.‬‬
‫ )و( ﱹ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﱸ‪.‬‬
‫ )ز( علم اهلل عز وجل ليس مكتس ًبا وال رضور ًّيا وال نظر ًّيا وال بدهي ًّيا‪.‬‬
‫ارشح ذلك‪.‬‬
‫ ‪5:‬سضع عالمة (√) أمام العبارة الصحيحة وعالمة (×) أمام العبارة اخلاطئة‬
‫فيام ييل‪:‬‬
‫( )‬ ‫ )أ(من صفات املعاين القدرة واإلرادة والعلم‪ .‬‬
‫( )‬ ‫ )ب(صفة العلم تتعلق بجميع األشياء تعل ًقا تنجيز ًّيا ً‬
‫قديم‪ .‬‬
‫ )ج(الكالم صفة أزلية قائمة بذاته تعاىل ليست بحرف وال صوت‪) ( .‬‬
‫ )د(االنكشاف بصفتي السمع والبرص يامثل االنكشاف بصفة العلم‪.‬‬
‫( )‬ ‫ ‬
‫***‬
‫‪82‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪82‬‬
‫‪ -9‬أمساؤه وصفاته تعاىل قدمية توقيفية‬
‫‪:‬‬ ‫قال الناظم‬
‫َــذا ِص َف ُ ِ ِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يمــ ْه‬ ‫ــات َذاتــه َقد َ‬ ‫يمـــ ْه‬ ‫ـــاؤُ ُه ال َعظ َ‬
‫***‬ ‫َوعنْدَ نَـــا أ ْس َ‬
‫الس ْم ِع َّي ْه‬ ‫ِ‬
‫اح َفظ َّ‬‫ات َف ْ‬ ‫ك ََذا ِّ‬
‫الص َف ُ‬ ‫و ُا ْختِ ــر َأ َّن اس ــاه ت ِ‬
‫َوقيف َّيــ َّه ***‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫جيب عىل اإلنسان أن يعتقد أن أسامءه العظيمة قديمة‪ ،‬وكذا صفات ذاته‪،‬‬
‫عندنا معارش أهل احلق‪ ،‬خال ًفا للمعتزلة يف قوهلم‪ :‬إن أسامءه ـ تعاىل ـ حادثة‪،‬‬
‫وإهنا من وضع اخللق‪.‬‬
‫جيب أن تعلم أن ك ًُّل من االسم والصفة إما أن يشتمل عىل كامل حمض ال‬
‫يشوبه نقص وال تشبيه‪ ،‬وإما أن يدل عىل كامل مع شائبة تشبيه‪ ،‬فإن كان كل‬
‫من االسم والصفة يدل عىل كامل مشوب بنوع تشبيه فقد أمجع العلامء عىل أنه‬
‫ال جيوز أن ُيط َلق عىل اهلل ـ تعاىل ـ واحد منهام بغري إذن‪ ،‬فإن ورد اإلذن أطلقناه‬
‫ونفينا عنه ما خالطه من شائبة تشبيه‪ ،‬وإن كان كل من االسم والصفة يدل عىل‬
‫الكامل املحض فأهل السنة عىل أنه ال جيوز أن يطلق عىل اهلل واحد منهام إال بإذن‬
‫خاص‪.‬‬
‫وذهبت املعتزلة إىل جواز إثبات ما كان متص ًفا بمعناه ومل يوهم ً‬
‫نقصا‪ ،‬وإن مل‬
‫يرد به توقيف من الشارع‪ ،‬ومال إليه القايض أبو بكر الباقالين‪ ،‬وتوقف فيه إمام‬
‫احلرمني‪.‬‬
‫وفصل الغزايل فقال‪ :‬جيوز إطالق الصفة‪ ،‬وهي ما دل عىل معنى زائد عىل‬
‫الذات‪ ،‬ومنع إطالق االسم وهو ما دل عىل نفس الذات‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪83‬‬
‫واحلاصل أن علامء اإلسالم اتفقوا عىل جواز إطالق األسامء والصفات عىل‬
‫الباري عز وجل إذا ورد هبا إذن من الشارع مطل ًقا‪ ،‬وعىل امتناع إطالق واحد‬
‫أيضا عىل عدم جواز إطالق واحد منهام إذا‬
‫منها إذا ورد املنع من إطالقه‪ ،‬واتفقوا ً‬
‫كان يدل عىل كامل مشوب بام ال جيوز عليه ـ تعاىل ـ ومل يرد به اإلذن‪.‬‬
‫وحمل اختالفهم مسألة واحدة‪ :‬وهي فيام مل يرد عن الشارع نص باإلطالق‪،‬‬
‫أو باملنع منه وكان االسم‪ ،‬أو الصفة يدل عىل كامل حمض‪.‬‬
‫وهم بحسب وضع اللغة وجيب‬ ‫ومما ورد اإلذن بإطالقه عليه تعاىل وهو ُم ٌ‬
‫وه ُم‪ :‬الصبور‪ ،‬الشكور‪ ،‬احلليم‪ ،‬فإن الصبور يوهم وصول‬‫تأويله بمعنى ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫مشقة له ـ تعاىل ـ بحسب أصل وضع اللغة؛ ألن «الصرب» يف اللغة معناه حبس‬
‫النفس عىل املشاق‪ ،‬فيؤول عىل معنى الذي ال يعجل بعقوبة من عصاه‪ ،‬والشكور‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُيوه ُم وصول إحسان إليه؛ ألن معنى الشكر الثناء عىل ا ُملحسن‪َّ ،‬‬
‫فيفس بأنه الذي‬
‫جيازي عىل قليل الطاعات بكثري الدرجات ويعطي بسبب العمل يف الدنيا وهي‬
‫نعم يف اآلخرة غري حمدودة‪ ،‬واحلليم يوهم وصول األذى إليه ـ تعاىل ـ‪،‬‬
‫أيام معدودة ً‬
‫فيفس يف حقه تعاىل بالذي ال ُي َع ِّجل بعقوبة من‬
‫وهو سبحانه ال يصل إليه أذى‪َّ ،‬‬
‫عصاه فريجع ملعنى الصبور‪.‬‬

‫***‬

‫‪84‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪84‬‬
‫‪10‬ـ النصوص املوهمة للتشبيه‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬

‫َأ ِّو ْل ـ ُه َأ ْو َفـ ِّ‬


‫ـو ْض َو ُر ْم َتن ِْز َهيــا‬ ‫***‬ ‫ـص َأ ْو َهـ َ‬
‫ـم الت َّْش ـبِ َيها‬ ‫َوك ُُّل َنـ ٍّ‬
‫وردت يف القرآن الكريم والسنة النبوية بعض الصفات التي يوهم ظاهرها‬
‫ٍ‬
‫بصفة من صفات املخلوقني مثل‪ :‬اليد‬ ‫التجسيم والتشبيه‪ ،‬واتصاف اهلل تعاىل‬
‫واملجيء واالستواء والنزول والوجه وغري ذلك من الصفات التي دل عليها‬
‫القرآن الكريم يف آيات أو دلت عليها السنة املطهرة‪.‬‬
‫جيب قبل اخلوض يف رشح هذا املوضوع بيان املراد من النص‪ ،‬ومن التشبيه‪،‬‬
‫واملراد من التفويض‪ ،‬واملراد بالسلف‪ ،‬واملراد باخللف‪ ،‬ثم بيان ما اتفق عليه‬
‫الفريقان‪ ،‬وما انفرد به أحدمها‪.‬‬
‫أما النص‪ :‬فاملراد به يف هذا املوضع ما قابل اإلمجاع والقياس وهو منحرص‬
‫ظاهرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حيا أم‬
‫سواء أكان رص ً‬
‫ً‬ ‫يف الدليل من الكتاب والسنة‪،‬‬
‫واملراد من التشبيه يف هذا املوضع‪ :‬املشاهبة للحوادث‪.‬‬
‫واملراد من التأويل هنا‪ :‬محل اللفظ عىل خالف ظاهره‪ ،‬مع بيان املعنى املراد‬
‫فيكون املطلوب من املكلف أمرين‪ :‬أحدمها‪ :‬أن حيكم بأن اللفظ مرصوف عن‬
‫يؤول اللفظ ً‬
‫تأويل تفصيل ًّيا‪ ،‬بأن يكون فيه بيان املعنى الذي‬ ‫ظاهره‪ ،‬وثانيهام‪ :‬أن ّ‬
‫يظن أنه املقصود من اللفظ‪.‬‬
‫واملراد من التفويض‪ :‬رصف اللفظ عن ظاهره مع عدم التعرض لبيان املعنى‬
‫املراد منه‪ ،‬بل يرتك ويفوض علمه إىل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بأن يقول‪ :‬اهلل أعلم بمراده‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪85‬‬
‫واملراد من السلف‪ :‬هم من كانوا من أهل العلم قبل هناية القرن الثالث‬
‫اهلجري وهم الصحابة والتابعون واألئمة األربعة وكبار علامء مذاهبهم‪.‬‬
‫واملراد باخللف‪ :‬من كان من العلامء بعد هناية القرن الثالث اهلجري‪.‬‬
‫واعلم أن السلف واخللف متفقون عىل التأويل اإلمجايل‪ ،‬وهو رصف النص‬
‫املوهم للتشبيه عن ظاهره بسبب أن ظاهره بحسب معناه اللغوي املعروف‬
‫املشاهد حمال عليه ـ تعاىل ـ لكنهم خمتلفون فيام وراء ذلك من التعرض لذكر‬
‫املعنى املراد من النص‪ ،‬فالسلف ال يتعرضون لبيانه‪ ،‬واخللف يتعرضون لبيانه‪.‬‬
‫وطريقة اخللف أعلم وأحكم‪ ،‬ملا فيها من مزيد اإليضاح والرد عىل اخلصوم‪،‬‬
‫وهي األرجح‪ ،‬ولذلك قدمها املصنف‪ ،‬وطريقة السلف أسلم ملا فيها من السالمة‬
‫من تعيني معنى قد يكون غري مراد له تعاىل‪.‬‬
‫تأويل الصفات الموهمة للتشبيه‪:‬‬
‫منهج املثبتني والنافني للتأويل يف النصوص املومهة للتشبيه‪:‬‬
‫تاما عن أن يشابه أحدا من خملوقاته‪ ،‬ثم‬
‫كانوا ينزهون اهلل تنزهيا ًّ‬ ‫السلف‬
‫يفوضون إىل اهلل تعاىل علم املعنى املراد من اآليات التي جاءت فيها ألفاظ مسندة‬
‫إىل اهلل تعاىل‪ ،‬والتي قد يوهم ظاهرها التجسيم والتشبيه‪ ،‬فهم آمنوا بام جاء يف‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬وأثبتوا هلل ما أثبته لنفسه مع تنزهيه تعاىل عن املعاين الظاهرة‪،‬‬
‫وكانوا يقولون كام قال اإلمام الشافعي‪( :‬آمنت بام جاء عن اهلل عىل مراد اهلل‪ ،‬وبام‬
‫جاء عن رسول اهلل عىل مراد رسول اهلل ﷺ)‪.‬‬
‫هذا هو فهم السلف للنصوص التي توهم التجسيم والتشبيه‪ ،‬آمنوا هبا‬
‫وأمروها كام وردت‪ ،‬واكتفوا بتالوهتا‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪86‬‬
‫وهذا هو معنى التفويض عند السلف كام فهمه األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬الذي‬
‫ينتهي إىل إثبات النصوص مع تفويض املعنى املتبادر منها إىل اهلل تعاىل‪ ،‬لكن‬
‫هذا الفهم ال يرىض به ابن تيمية وابن قيم اجلوزية وأتباعهام‪ ،‬إذ إهنم يرون‬
‫أن هذا جتهيل للصحابة والتابعني ومن تبعهم‪ ،‬ويرون أن الصحابة كانوا يعلمون‬
‫معنى هذه األلفاظ‪ ،‬ويعلمون املراد منها‪ ،‬لكنهم يفوضون يف الكيفية‪ ،‬ال تفويض‬
‫املعنى‪ ،‬وهبذا يرى ابن تيمية أن النصوص املومهة للتجسيم والتشبيه ليست‬
‫من املتشابه بل هي من ا ُملحكَم املعلوم املعنى‪ ،‬فاالستواء واليد والعني واجلنب‬
‫والوجه إلخ‪ ..‬صفات هلا معان ثابتة ومعلومة‪ ،‬والبد من إجرائها عىل ظاهرها‬
‫وبمعناها املتبادر منها‪ ،‬لكن يقول بعد إثباهتا بال كيف‪ ،‬والبد من وصف اهلل‬
‫تعاىل هبا كام وصف نفسه هبا‪ ،‬وتفويض كيفيتها إىل اهلل تعاىل‪ .‬وهو هبذا يرفض‬
‫التأويل بمعنى رصف اللفظ عن ظاهره رفضا مطلقا حتى وإن لزمه التجسيم‪.‬‬
‫وهذا املنهج من ابن تيمية غري صحيح ألن تفويض السلف للنصوص التي قد‬
‫يفهمون معانيها البرشية‪،‬‬ ‫توهم التجسيم والتشبيه ليس جتهيال هلم‪ ،‬بل هم‬
‫لكنهم تورعوا عن وصف الذات اإلهلية هبا وإسنادها إليه تأد ًبا معه‪ .‬فأولوها‬
‫ً‬
‫تأويل إمجال ًّيا‪ ،‬ومل حيددوا معنى معينًا بل فوضوا املعنى املراد منها هلل تعاىل‪.‬‬
‫وإثبات ابن تيمية للنصوص املومهة للتشبيه يرتتب عليه إلزامات كثرية‪،‬‬
‫مؤداها أنه يلزمه التجسيم والتشبيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إن السلف يفوضون يف الكيف ليس صحيحا‪ ،‬ألنه يلزم من هذا القول‬
‫إثبات الكيف‪ ،‬وهو من مقولة األعراض‪ ،‬واألعراض حادثة‪ ،‬وهي ال تقوم إال‬
‫باألجسام احلادثة‪ ،‬وهذا يقتيض أن تكون الذات اإلهلية جسام من األجسام‬
‫كبريا‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫احلادثة‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك ً‬
‫‪87‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪87‬‬
‫ثم إن إثباته للمعنى الظاهر وقوله بال كيف يوقعه يف التناقض‪ ،‬ذلك أن إثبات‬
‫املعنى املتبادر من النصوص املومهة يعني التكييف‪ ،‬أي تشبيهه تعاىل بصورة ما‪،‬‬
‫وكلمة بال كيف تناقضه‪ ،‬فكأنه قال كيف وال كيف‪ ،‬وهذه اإللزامات ال تلزم‬
‫وأمروها دون بحث‬
‫السلف بحال من األحوال‪ ،‬إذ إهنم قرأوا النصوص املومهة‪ُّ ،‬‬
‫يف معناها‪ ،‬وال تلزم األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬إذ إهنم رصفوا هذه النصوص عن‬
‫ظاهرها‪ ،‬فكان هدفهم األول هو التنزيه بواسطة العقل يف فهم النصوص املومهة‬
‫للتجسيم والتشبيه‪.‬‬
‫واألشاعرة واملاتريدية‪ ،‬يأخذون بمنهج السلف «التفويض» ولكنهم يزيدون‬
‫عليه تعيني املعنى املراد إذا دعت الرضورة لذلك‪ ،‬بمعنى أنه إذا وجد تشبيه‬
‫فالبد من التأويل‪ ،‬فكأن التشبيه داء والتأويل دواءه‪ ،‬فهم ينزهون اهلل عز وجل‬
‫‪ ،‬وهم‬ ‫عن التجسيم والتشبيه‪ ،‬وهم يعتربون أنفسهم امتدادا ملذهب السلف‬
‫‪.‬‬ ‫ما أخذوا بالتأويل إال لظهور التشبيه يف البيئة اإلسالمية بعد عرص السلف‬
‫واحلاصل أنه إذا ورد يف القرآن‪ ،‬أو السنة ما يشعر بإثبات اجلهة‪ ،‬أوپاجلسمية‪،‬‬
‫أو الصورة‪ ،‬أو اجلوارح‪ ،‬فقد اتفق أهل احلق من األشاعرة واملاتريدية وغريهم‬
‫ما عدا ا ُملجسمة واملشبهة عىل تأويل ذلك لوجوب تنزهيه ـ تعاىل ـ عام دل عليه‬
‫ما ذكر بحسب ظاهره‪.‬‬
‫فمام يوهم اجلهة قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﱸ((( فالسلف يقولون‪:‬‬
‫فوقية ال نعلمها‪ ،‬واخللف يقولون‪ :‬املراد بالفوقية التعايل يف العظمة‪ ،‬فاملعنى‬
‫خيافون أي‪ :‬املالئكة رهبم من أجل تعاليه يف العظمة أي‪ :‬ارتفاعه فيها‪.‬‬

‫((( سورة النحل ‪ .‬اآلية‪.50 :‬‬


‫‪88‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪88‬‬
‫ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱸ((( فالسلف يقولون‪ :‬استواء ال‬
‫نعلمه‪ ،‬واخللف يقولون‪ :‬املراد به االستيالء وامللك كام قال الشاعر‪:‬‬
‫ـر سـي ِ‬
‫ف َو َد ٍم ُم ْه َر ِاق‬ ‫ِ‬ ‫لى ا ْل ِع َر ِاق‬
‫ـن َغـ ْ ِ َ ْ‬
‫مـ ْ‬ ‫***‬ ‫َقدْ ْاسـت ََوى بِ ْ ً‬
‫ش َع َ‬
‫وسأل رجل اإلمام مالكًا عن هذه اآلية فأطرق رأسه مل ًّيا ثم قال‪ :‬االستواء‬
‫غري جمهول‪ ،‬والكيف غري معقول‪ ،‬واإليامن به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وما‬
‫ضال‪ ،‬فأمر به ُفأ ِ‬
‫خرج‪.‬‬ ‫أظنك إال ً‬
‫وسأل الزخمرشي الغزايل فأجابه بقوله‪ :‬إذا استحال أن تعرف نفسك بكيفية‬
‫أو َأ ْين ِ َّية‪ ،‬فكيف يليق بعبوديتك أن تصفه ـ تعاىل ـ بأين‪ ،‬أو كيف وهو مقدس‬
‫عن ذلك؟‬
‫ومما يوهم اجلسمية قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯩ ﯪ ﱸ(((‪ ،‬وحديث الصحيحني‪:‬‬
‫«ينزل ر ُّبنا كل ليلة إىل سامء الدنيا‪ ،‬حني يبقى ثلث الليل األخري‪ ،‬ويقول‪ :‬من‬
‫يدعوين‪ ،‬فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرين‪ ،‬فأغفر له»‪ .‬فالسلف‬
‫يقولون‪ :‬جميء ونزول ال نعلمهام‪ ،‬واخللف يقولون‪ :‬املراد‪ :‬وجاء عذاب ربك‪،‬‬
‫أو أمر ربك الشامل للعذاب‪ ،‬واملراد‪ :‬ينزل ملك ربنا‪ ،‬فيقول عن اهلل ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ومما يوهم الصورة ما رواه أمحد والشيخان أن ً‬
‫رجل رضب عبده‪ ،‬فنهاه النبي ﷺ‪،‬‬
‫وقال‪« :‬إن اهلل تعاىل خلق آدم عىل صورته»((( فالسلف يقولون صورة ال نعلمها‪،‬‬
‫واخللف يقولون‪ :‬املراد بالصورة الصفة من سمع وبرص وعلم وحياة‪ ،‬فهو عىل‬
‫صفته يف اجلملة‪ ،‬وإن كانت صفته تعاىل قديمة وصفة اإلنسان حادثة‪ ،‬وهذا بناء‬

‫((( سورة طه ‪ .‬اآلية‪.5 :‬‬


‫((( سورة الفجر ‪ .‬اآلية‪.22 :‬‬
‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪89‬‬
‫عىل أن الضمري يف صورته عائدٌ عىل اهلل ـ تعاىل ـ ‪ ،‬وبعضهم جعل الضمري عائدا‬
‫عىل األخ املرصح به يف الطريق التي رواها مسلم بلفظ «فإذا قاتل أحدكم أخاه‬
‫فليجتنب الوجه‪ ،‬فإن اهلل خلق آدم عىل صورته»((( أي‪ :‬وإذا كان كذلك فينبغي‬
‫احرتامه باتقاء الوجه‪.‬‬
‫(((‬
‫ومما يوهم اجلوارح قوله تعاىل‪ :‬ﱹﮄﮅﮆﱸ(((‪ ،‬وﱹﭗﭘﭙﭚﭛﱸ‬
‫وحديث‪« :‬إن قلوب بني آدم كلها كقلب واحد بني إصبعني من أصابع‬
‫الرمحن»((( فالسلف يقولون‪ :‬هلل وجه ويد وأصابع ال نعلمها‪ ،‬واخللف يقولون‪:‬‬
‫املراد من الوجه‪ :‬الذات‪ ،‬وباليد‪ :‬القدرة‪ ،‬واملراد من قوله‪( :‬بني إصبعني من‬
‫أصابع الرمحن) بني صفتني من صفاته‪ ،‬وهاتان الصفتان‪ :‬القدرة واإلرادة‪.‬‬

‫***‬
‫املناقشة‬
‫‪:‬‬ ‫ ‪1:‬سقال الناظم‬
‫‪...........................‬‬ ‫***‬ ‫واخت ــر أن اس ــاه توفيقي ــة‬
‫رشحا موجزًا‪.‬‬
‫ارشح البيت السابق ً‬
‫ ‪2:‬سسلك العلامء يف فهم النصوص املومهة للتشبيه مسالك شتى‪ .‬وضح‬
‫مذاهب العلامء يف ذلك‪.‬‬
‫ ‪3:‬سما الفرق بني التأويل والتشبيه؟ وأي املنهجني أوىل بالقبول؟‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬


‫((( سورة الرمحن ‪ .‬اآلية‪.27 :‬‬
‫((( سورة الفتح ‪ .‬اآلية‪.2 :‬‬
‫((( أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪90‬‬
‫‪11‬ـ تنزيه القرآن الكريم عن احلدوث‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫واح َذ ِر انْتِ َق َام ُه‬ ‫ِ‬ ‫َع ِن ُ‬
‫احلـدُ وث ْ‬ ‫***‬ ‫َالمــه‬
‫ي‪ :‬ك َ‬ ‫ــر ِ‬
‫آن َأ ْ‬
‫ِ‬
‫َونَــزِّه ال ُق ْ‬
‫جيب عىل املكلف تنزيه القرآن عن احلدوث؛ خال ًفا للمعتزلة القائلني بحدوث‬
‫زعم منهم أن من لوازمه احلروف واألصوات‪ ،‬وذلك مستحيل عليه ـ‬
‫الكالم‪ً ،‬‬
‫تعاىل ـ ‪ ،‬فكالم اهلل تعاىل عندهم خملوق؛ ألن اهلل خلقه يف بعض األجسام‪.‬‬
‫ومذهب أهل السنة أن القرآن بمعنى الكالم النفيس‪ :‬أي‪ :‬الصفة القديمة‬
‫القائمة بذاته تعاىل التي ليست بحرف وال صوت‪ ،‬ليس بمخلوق وأما القرآن‬
‫بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو خملوق‪ ،‬لكن يمتنع أن يقال‪ :‬القرآن خملوق ويراد‬
‫به اللفظ الذي نقرؤه إال يف مقام التعليم؛ ألنه ربام أوهم أن القرآن خملوق‪ ،‬ولذلك‬
‫امتنعت األئمة من القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫محنة القول بخلق القرآن الكريم‬
‫فارا‬
‫وقد وقع يف ذلك امتحان كبري لعدد كبري من علامء السنة‪ .‬فخرج البخاري ًّ‬
‫وقال‪ :‬اللهم اقبضني إليك غري مفتون‪ ،‬فامت بعد أربعة أيام‪ .‬وسجن عيسى بن‬
‫دينار عرشين سنة‪ ،‬وسئل الشعبي فقال‪ :‬أما التوراة واإلنجيل والزبور والفرقان‬
‫أيضا‬
‫فهذه األربعة حادثة‪ ،‬وأشار إىل أصابعه‪ ،‬فكانت سبب نجاته‪ ،‬واشتهرت ً‬
‫عن اإلمام الشافعي‪ ،‬وحبس اإلمام أمحد ورضب بالسياط حتى غيش عليه‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪91‬‬
‫تعريف القرآن الكريم‪:‬‬
‫هو اللفظ املنزل عىل نبينا حممد ﷺ املتعبد بتالوته املتحدى بأقرص سورة‬
‫منه‪ ،‬واملحقق أن املنزل اللفظ واملعنى؛ ألن اهلل كتبه ً‬
‫أول يف اللوح املحفوظ‪ ،‬ثم‬
‫أنزله يف صحائف إىل سامء الدنيا يف حمل يقال له‪( :‬بيت العزة) يف ليلة القدر‪ ،‬كام‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﱸ(((‪ .‬ثم أنزله عىل النبي ﷺ مفر ًقا بحسب‬
‫الوقائع‪.‬‬
‫ويف النهاية كل ظاهر من الكتاب والسنة َّ‬
‫دل عىل حدوث القرآن فهو حممول‬
‫عىل اللفظ املقروء ال عىل الكالم النفيس‪ ،‬لكن يمتنع أن يقال‪ :‬القرآن خملوق إال‬
‫يف مقام التعليم كام سبق‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة القدر ‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬


‫‪92‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪92‬‬
‫‪12‬ـ املستحيل يف حقه تعاىل‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫اجله ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل ِضدُّ ِذي الص َف ِ‬ ‫ويست ِ‬
‫ات‬ ‫ـو ِن ِف ِ َ‬
‫ِف َح ِّقــه كَا ْل َكـ ْ‬ ‫***‬ ‫ات‬ ‫ِّ‬ ‫َح ُ‬ ‫ََْ‬
‫ثبت أن اهلل ـ تعاىل ـ متصف بصفات الكامل ً‬
‫إمجال‪ ،‬فيلزم عن ذلك أن يكون‬
‫ً‬
‫مستحيل عليه تعاىل‪.‬‬ ‫منزها عن صفات النقص ً‬
‫إمجال‪ ،‬فيكون كل نقص‬ ‫ً‬
‫وبطريق التفصيل‪ :‬فقد وجب هلل ـ تعاىل ـ صفات هي أمهات صفات الكامل‪،‬‬
‫وقد ثبت ذلك باألدلة القاطعة‪ ،‬فيستحيل عليه ـ تعاىل ـ أضدادها؛ ألن الضدين‬
‫ال جيتمعان‪.‬‬
‫فيستحيل عليه تعاىل‪ :‬العدم وهو ضد الوجود‪ ،‬واحلدوث وهو ضد القدم‪،‬‬
‫وحلوق العدم وهو الفناء وهو ضد البقاء‪.‬‬
‫الكالم عن المماثلة ونفيها عنه تعالى‪:‬‬
‫واملامثلة للحوادث وهي ضد املخالفة للحوادث‪ ،‬واملامثلة مصورة بأن يكون‬
‫جسم‪ ،‬أو غري مركب ويسمى حينئذ‬
‫ً‬ ‫ِج ْر ًما سواء كان مرك ًبا و ُيسمى حينئذ‬
‫جوهرا فر ًدا‪ ،‬لكن ا ُمل َجسمة ال يكفرون إال إن قالوا‪ :‬هو جسم كاألجسام‪،‬‬
‫ً‬
‫أو بأن يكون ً‬
‫عرضا يقوم باجلسم‪ ،‬أو يكون يف جهة للجسم‪ ،‬فليس فوق العرش‪،‬‬
‫وال حتته‪ ،‬وال عن يمينه‪ ،‬وال عن شامله‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أو هلل جهة‪ ،‬فليس له فوق‬
‫وال حتت‪ ،‬وال يمني وال شامل‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أو حيل يف املكان‪ ،‬فاحللول هو املراد‬
‫بالتقييد يف عبارة من عرب به‪ ،‬واملراد باملكان‪ :‬الفراغ املوهوم عىل رأي املتكلمني‪،‬‬
‫وا ُمل َح َّقق عىل رأي احلكامء‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪93‬‬
‫وكذلك تكون املامثلة بأن تتصف ذاته العلية باحلوادث كالقدرة احلادثة‬
‫واإلرادة احلادثة‪ ،‬واحلركة أو السكون‪ ،‬والبياض أو السواد‪ ،‬أوبنحو ذلك‪،‬‬
‫أو يتصف بالصغر بمعنى قلة األجزاء‪ ،‬أو بالكرب بمعنى كثرة األجزاء‪ ،‬فليس‬
‫كبريا بمعنى كثري األجزاء وهذا ال ينايف أنه تعاىل‬
‫صغريا بمعنى قليل األجزاء وال ً‬
‫ً‬
‫كبري يف املرتبة والرشف‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮎ ﮏ ﱸ(((‪.‬‬
‫أو يتصف باألغراض يف األفعال‪ ،‬أو األحكام فليس فعله كإجياد زيد‬
‫لغرض من األغراض‪ ،‬أي‪ :‬مصلحة تبعثه عىل ذلك الفعل‪ ،‬فال ينايف أنه حلكمة‪،‬‬
‫وإال لكان عب ًثا وهو مستحيل يف حقه ـ تعاىل ـ ‪ ،‬وليس حكمه كإجياب الصالة‬
‫علينا لغرض من األغراض‪ ،‬أي‪ :‬مصلحة تبعثه عىل ذلك احلكم‪ ،‬فال ينايف أنه‬
‫حلكمة كام علمت‪ ،‬فصور املامثلة عرشة‪.‬‬
‫قائم بنفسه بأن يكون صفة يقوم بمحل‪،‬‬ ‫أيضا أال يكون ً‬‫ويستحيل عليه ً‬
‫أو حيتاج إىل خمصص‪ ،‬وهذا ضد القيام بالنفس‪ .‬وأن ال يكون واحدً ا بأن يكون‬
‫مرك ًبا يف ذاته‪ ،‬أو يكون له مماثل يف ذاته‪ ،‬أو يكون يف صفاته تعدد من نوع واحد‬
‫كقدرتني وإرادتني وهكذا‪ .‬أو يكون ألحد صفة كصفته ـ تعاىل ـ ‪ ،‬أو يكون معه‬
‫يف الوجود مؤثر يف فعل من األفعال‪ ،‬وهذا كله ضد الوحدانية‪.‬‬
‫وأن يكون عاجزًا عن ممكن ما‪ ،‬وهذا ضد القدرة‪.‬‬
‫وجد شيئًا من العامل مع كراهته لوجوده‪ ،‬أويعدم شيئًا مع كراهته‬ ‫وأن ُي ِ‬
‫لعدمه‪ :‬أي‪ :‬عدم إرادته له‪ ،‬أو مع الذهول أو الغفلة‪ ،‬فالذهول‪ :‬ذهاب اليشء من‬
‫احلافظة وا ُملدركة‪ ،‬أو من أحدمها‪ ،‬واألول نسيان والثاين سهو‪ .‬وأما الغفلة فهي‬
‫((( سورة الرعد ‪ .‬اآلية‪.9 :‬‬
‫‪94‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪94‬‬
‫السهو‪ ،‬أو مع التعليل بأن يكون الباري علة تنشأ عنه اخلالئق من غري اختيار وال‬
‫توقف عىل وجود رشط وانتفاء مانع‪ ،‬كحركة اخلاتم فإهنا نشأت عند القائلني‬
‫بالتعليل عن حركة اإلصبع‪ ،‬فعندهم حركة اإلصبع علة يف حركة اخلاتم‪.‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬اخلالق حلركة اإلصبع وحلركة اخلاتم هو اهلل تعاىل من غري تأثري‬
‫حلركة اإلصبع يف حركة اخلاتم‪ .‬أو مع الطبع بأن يكون الباري طبيعة تنشأ عنه‬
‫اخلالئق من غري اختيار مع التوقف عىل وجود الرشوط وانتفاء املوانع‪ ،‬كالنار‬
‫فإهنا تؤثر بطبعها عندهم يف اإلحراق مع وجود رشط املامسة وانتفاء مانع البلل‪.‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬املؤثر يف اإلحراق هو اهلل ـ تعاىل ـ ‪ ،‬وال تأثري للنار ً‬
‫أصل‪ ،‬وهذا‬
‫كله ضد اإلرادة‪.‬‬
‫أيضا اجلهل وما يف معناه كالظن والشك والوهم والنوم‪ ،‬وهذا‬
‫ويستحيل ً‬
‫ضد العلم‪ ،‬واملوت وهو ضد احلياة‪ ،‬والبكم النفيس وهو ضد الكالم‪ ،‬والعمى‬
‫وهو ضد البرص‪ ،‬وكونه عاجزًا ‪ ...‬إىل آخرها عىل القول باألحوال‪.‬‬
‫ككونه تعاىل يف جهة من اجلهات الست؛ وهذا مثال من أمثلة املامثلة للحوادث‪.‬‬
‫ويقاس عليه باقي أمثلة املامثلة بل باقي صور املستحيل‪.‬‬
‫حكم معتقد الجهة‪:‬‬
‫ومعتقد اجلهة ال يكفر كام قاله العز بن عبد السالم‪ ،‬وق َّيده النووي‪ :‬بكونه من‬
‫س فهم نفيها‪.‬‬ ‫ج َرة بِ ُع ْ ِ‬
‫العامة‪ ،‬وابن أبى َ ْ‬
‫العلو مل يكفر؛ ألن جهة العلو فيها رشف‬
‫وفصل بعضهم فقال‪ :‬إن اعتقد جهة ّ‬ ‫َّ‬
‫الس ْف ِل كفر؛ ألن جهة السفل خسة ودناءة‪.‬‬
‫ورفعة يف اجلملة‪ ،‬وإن اعتقد جهة ُّ‬

‫‪95‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪95‬‬
‫‪13‬ـ اجلائز يف حقه تعاىل‬
‫‪:‬‬ ‫َق َال النَّاظِ ُم‬
‫ـه ا ْل ِغنَى‬
‫إِجيــادا اعدَ امــا كَرز ِْقـ ِ‬
‫َ ً ْ ً َ‬ ‫***‬
‫وجائِــ ٌز ِف ح ِّق ـ ِ‬
‫ـه َم ــا َأ ْم َكنَ ــا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اجلائز‪ :‬هو املمكن لذاته‪ ،‬أي‪ :‬الذي َت ْقبل ذاته الوجود والعدم‪ ،‬فال يكون‬
‫ً‬
‫مستحيل لذاته؛ فاألمران بالنسبة إليه عىل السواء‪ ،‬والقدرة‬ ‫واج ًبا لذاته وال يكون‬
‫إعداما‪ ،‬فهي ُتنَ ِّف ُذ ما خصصته اإلرادة‪ .‬وقد‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫ممكن‪ ،‬إما إجيا ًدا‪ ،‬وإما‬ ‫تتع َّلق بكل‬
‫م َّثل املصنف بحالة اإلجياد برزقه تعاىل العبد الغني‪ ،‬وحلالة اإلعدام برتكه رزقه‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﱸ(((‪ ،‬وقال ً‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱸ(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( سورة القصص ‪ .‬اآلية‪.68 :‬‬


‫((( سورة آل عمران ‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬
‫‪96‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪96‬‬
‫املناقشة‬
‫ ‪1:‬سثبت هلل تعاىل صفات الكامل وقامت األدلة القاطعة عىل ذلك واستحال‬
‫عليه أضدادها‪ِّ ،‬‬
‫وضح ذلك‪.‬‬
‫ ‪2:‬سارشح البيت التايل مع التمثيل‪:‬‬
‫ـه ا ْل ِغنَى‬
‫ـه م ــا َأم َكنَ ــا *** إِجيــادا اعدَ امــا كَرز ِْقـ ِ‬
‫َ ً ْ ً َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َجائــ ٌز ِف َح ِّق ـ َ ْ‬
‫ ‪3:‬سضع عالمة (√) أمام العبارة الصحيحة وعالمة (×) أمام العبارة اخلاطئة‬
‫فيام ييل‪:‬‬
‫)‬ ‫ )أ(تكون املامثلة للحوادث بأن تتصف ذاته العلية باحلوادث‪( .‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫ )ب(يكفر معتقد اجلهة كام قال العز بن عبد السالم‪.‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫إعداما‪.‬‬
‫ً‬ ‫ )ج(القدرة تتعلق بكل ممكن إما إجيا ًدا أو‬

‫***‬

‫‪97‬‬
‫‪mK‬‬
‫‪97‬‬
98
mK
98
‫قائمة املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة ‪. ...................................................‬‬
‫‪6‬‬ ‫أهداف الدراسة يف الصف األول‪ ...........................‬‬
‫‪8‬‬ ‫مقدمة اجلوهرة ورشحها ‪ ..................................‬‬
‫‪10‬‬ ‫(‪ )1‬املبادئ العرشة لعلم التوحيد ‪ ..........................‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪1‬ـ التعريف بعلم التوحيد‪ ................................ :‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪2‬ـ موضوع علم التوحيد‪ .................................:‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪3‬ـ ثمرته‪ .................................................:‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪4‬ـ فضله‪ ................................................ :‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪5‬ـ نسبته‪ .................................................:‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪6‬ـ واضعه‪ ............................................... :‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪7‬ـ اسمه‪ .................................................:‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪8‬ـ استمداده‪ ............................................. :‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪9‬ـ حكمه رش ًعا‪ ..........................................:‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪10‬ـ مسائله‪ ..............................................:‬‬
‫‪14‬‬ ‫‪2‬ـ التكليف واملك َّلف ‪ .....................................‬‬
‫‪14‬‬ ‫تعريف التكليف‪ ......................................... :‬‬
‫‪14‬‬ ‫تعريف املك َّلف‪ .......................................... :‬‬
‫‪14‬‬ ‫رشوط التكليف‪ ..........................................:‬‬
‫‪16‬‬ ‫التعريف بأهل الفرتة وحكمهم‪ ........................... :‬‬
‫‪16‬‬ ‫حكم أبوي النبي ﷺ‪ .....................................:‬‬
‫‪17‬‬ ‫حكم من مل تبلغه الدعوة يف وقتنا احلارض‪ .................. :‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪3‬ـ ما جيب عىل املكلف وأقسام احلكم العقيل ‪ ...............‬‬

‫‪mK‬‬
‫‪99‬‬
‫تابع قائمة املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪18‬‬ ‫واصطالحا‪. ...................................:‬‬ ‫ً‬ ‫املعرفة لغة‬
‫‪18‬‬ ‫رشح التعريف‪ ........................................... :‬‬
‫‪18‬‬ ‫حكم معرفة اهلل‪ .......................................... :‬‬
‫‪19‬‬ ‫الدليل عىل وجوب معرفة اهلل‪ ............................. :‬‬
‫‪19‬‬ ‫رأي العلامء يف طريق وجوب املعرفة‪ ...................... :‬‬
‫‪20‬‬ ‫بيان احلكم وأقسامه‪ ...................................... :‬‬
‫‪21‬‬ ‫تعريف احلكم العقيل وأقسامه‪ ............................ :‬‬
‫‪22‬‬ ‫تنبيه‪ ..................................................... :‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪4‬ـ التقليد وحكم إيامن املقلد ‪ ..............................‬‬
‫‪25‬‬ ‫تعريف التقليد‪ ........................................... :‬‬
‫‪25‬‬ ‫حكم إيامن املق ِّلد‪ ......................................... :‬‬
‫‪26‬‬ ‫حكم إيامن العوام‪ ........................................ :‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪5‬ـ أول ما جيب عىل ا ُمل َك َّلف ‪ ...............................‬‬
‫‪27‬‬ ‫آراء العلامء يف ّأول واجب عىل ا ُمل َك َّلف‪ .................... :‬‬
‫‪29‬‬ ‫‪6‬ـ النظر ومسالكه ‪ ........................................‬‬
‫‪29‬‬ ‫مسالك النظر‪ ............................................ :‬‬
‫‪30‬‬ ‫التفكر يف أحوال العا َلني العلوي والسفيل‪ ................. :‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪7‬ـ اإليامن واإلسالم ‪ .......................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫تعريف اإليامن‪ ........................................... :‬‬
‫‪31‬‬ ‫رشح التعريف‪ ........................................... :‬‬
‫‪32‬‬ ‫حكم النطق بالشهادتني‪ .................................. :‬‬
‫‪34‬‬ ‫عالقة اإليامن بالعمل‪ ..................................... :‬‬
‫‪34‬‬ ‫الرأي املختار‪ ............................................ :‬‬
‫‪35‬‬ ‫أدلة أهل السنة‪ ........................................... :‬‬

‫‪mK‬‬
‫‪100‬‬
‫تابع قائمة املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪37‬‬ ‫تعريف اإلسالم‪. ......................................... :‬‬
‫‪38‬‬ ‫أركان اإلسالم‪ ........................................... :‬‬
‫‪38‬‬ ‫زيادة اإليامن ونقصانه‪ .................................... :‬‬
‫‪38‬‬ ‫اختلف العلامء يف زيادة اإليامن ونقصانه إىل ثالثة آراء‪ ...... :‬‬
‫‪41‬‬ ‫أقسام املصدقني‪ .......................................... :‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪8‬ـ الصفات اإلهلية ‪ ........................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫طرق إثبات الصفات‪ .....................................:‬‬
‫‪46‬‬ ‫أول‪ :‬الصفة النفسية وجود اللَّ عز وجل‪ ....................‬‬ ‫ً‬
‫‪46‬‬ ‫الدليل عىل وجود اللَّ تعاىل‪ ............................... :‬‬
‫‪47‬‬ ‫إبطال القول بالصدفة والطبيعة‪ ........................... :‬‬
‫‪48‬‬ ‫إبطال التسلسل‪ .......................................... :‬‬
‫‪48‬‬ ‫معنى الدَّ ور‪ .............................................. :‬‬
‫‪50‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬الصفات السلبية‪ .....................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫القدَ م‪ ................................................‬‬ ‫صفة ِ‬
‫‪50‬‬ ‫‪1‬ـ معنى القدم‪ ........................................... :‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪2‬ـ اعلم أن القدم عىل ثالثة أنواع‪ ......................... :‬‬
‫‪51‬‬ ‫القدَ م هلل تعاىل‪ ...............:‬‬‫الدليل العقيل عىل إثبات ِصفة ِ‬
‫‪51‬‬ ‫ودليله النقيل‪ ............................................. :‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفرق بني القديم واألزيل‪ ................................. :‬‬
‫‪53‬‬ ‫صفة البقاء‪ ................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫صفة املخالفة للحوادث ‪ ...................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫صفة القيام بالنفس‪ ........................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫معنى قيامه ـ تعاىل ـ بنفسه‪ ................................ :‬‬
‫‪57‬‬ ‫الدليل عىل ثبوت هذه الصفة هلل تعاىل‪ ..................... :‬‬

‫‪mK‬‬
‫‪101‬‬
‫تابع قائمة املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪58‬‬ ‫صفة الوحدانية ‪. ..........................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫الكمو ُم اخلمسة‪ .......................................... :‬‬
‫‪60‬‬ ‫األدلة عىل اتصافه ـ تعاىل ـ بالوحدانية‪ .....................:‬‬
‫‪61‬‬ ‫تنزهه ـ تعاىل ـ عن الضد‪ ................................. :‬‬
‫‪62‬‬ ‫َتنَز ُُّهه ـ تعاىل ـ عن الشبيه‪ .................................:‬‬
‫‪62‬‬ ‫َتنَز ُُّهه ـ تعاىل ـ عن الرشيك‪ ...............................:‬‬
‫‪62‬‬ ‫َتنَز ُُّهه ـ تعاىل ـ عن الولد‪ ..................................:‬‬
‫‪62‬‬ ‫َتنَز ُُّهه ـ تعاىل ـ عن الصديق واألعداء‪ ..................... :‬‬
‫‪66‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬صفات املعاين ‪ .......................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫واصطالحا‪ ............................ :‬‬‫ً‬ ‫تعريف املعاين لغة‬
‫‪66‬‬ ‫صفة القدرة‪ ...............................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫تعلقات القدرة‪ ...........................................:‬‬
‫‪68‬‬ ‫دليل صفة القدرة‪ ........................................ :‬‬
‫‪69‬‬ ‫صفة اإلرادة ‪ ..............................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫هل جيوز أن ينسب إىل اللَّ ـ تعاىل ـ فعل الرش؟‪ ..............‬‬
‫‪71‬‬ ‫الفرق بني األمر واإلرادة‪ ...................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫مغايرة اإلرادة للعلم والرضا‪ ..............................:‬‬
‫‪71‬‬ ‫الغرض من ذكر خمالفة اإلرادة للعلم‪ ......................:‬‬
‫‪72‬‬ ‫الغرض من ذكر خمالفة اإلرادة للرضا‪ ..................... :‬‬
‫‪72‬‬ ‫الدليل النقيل عىل صفة اإلرادة‪ ............................ :‬‬
‫‪73‬‬ ‫صفة العلم‪ ................................................‬‬
‫‪74‬‬ ‫علم اللَّ تعاىل ليس مكتس ًبا وال رضور ًّيا وال نظر ًّيا وال بدهي ًّيا‪ :‬‬
‫‪75‬‬ ‫األدلة عىل صفة العلم‪ .................................... :‬‬

‫‪mK‬‬
‫‪102‬‬
‫تابع قائمة املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪76‬‬ ‫صفة احلياة‪. ...............................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫األدلة عىل صفة احلياة‪ .................................... :‬‬
‫‪78‬‬ ‫صفة الكالم‪ ...............................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫معنى الكالم بالنسبة هلل ـ تعاىل ـ‪ ...........................:‬‬
‫‪79‬‬ ‫الدليل عىل صفة الكالم‪ .................................. :‬‬
‫‪80‬‬ ‫صفة السمع ‪ ..............................................‬‬
‫‪80‬‬ ‫األدلة عىل صفة السمع‪ ................................... :‬‬
‫‪81‬‬ ‫صفة البرص ‪ ...............................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫تعريف البرص‪ ............................................:‬‬
‫‪81‬‬ ‫األدلة عىل صفة البرص‪ ....................................:‬‬
‫‪81‬‬ ‫دليلها العقيل‪ ............................................. :‬‬
‫‪81‬‬ ‫دليلها النقيل‪ ............................................. :‬‬
‫‪83‬‬ ‫‪9‬ـ أسامؤه وصفاته تعاىل قديمة توقيفية‪ .....................‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪10‬ـ النصوص املومهة للتشبيه ‪ .............................‬‬
‫‪86‬‬ ‫تأويل الصفات املومهة للتشبيه‪ ............................ :‬‬
‫‪91‬‬ ‫‪11‬ـ تنزيه القرآن الكريم عن احلدوث‪ ......................‬‬
‫‪91‬‬ ‫حمنة القول بخلق القرآن الكريم‪ ............................‬‬
‫‪92‬‬ ‫تعريف القرآن الكريم‪ .................................... :‬‬
‫‪93‬‬ ‫‪12‬ـ املستحيل يف حقه تعاىل ‪ ...............................‬‬
‫‪93‬‬ ‫الكالم عن املامثلة ونفيها عنه تعاىل‪ ........................ :‬‬
‫‪95‬‬ ‫حكم معتقد اجلهة‪ ........................................:‬‬
‫‪96‬‬ ‫‪13‬ـ اجلائز يف حقه تعاىل ‪ ...................................‬‬

‫‪mK‬‬
‫‪103‬‬

You might also like