Professional Documents
Culture Documents
تقدمة
الحمد هلل الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره عىل الدين
كله ولو كره املرشكون ،والصالة والسالم عىل من دعا إىل ربه عىل
نور وبصرية من ربه ،وعىل آله وصحبه مصابيح الدجى ،وعىل معلمي
الناس الخري ،السائرين عىل هديه وطريقته ،وبعد:
فقد باتت خدمة الدعاة يف ميادين عملهم من األوليات ،بسبب كرثة
الواجبات ،و ِعظَم الحاجات و ِق ِّل األوقات املتاحة للبناء واإلعداد،
أمام العاملني يف ميادين الدعوة والتعليم والرتبية.
ولذا جاءت فكرة تقريب بعض أهم املوضوعات الرتبوية التي يكرث
طرقها ،من خالل إيراد عنارص رئيسة يف كل واحد منها؛ كمفاتيح ُم ِعينة
تسهم يف إثراء املوضوعات ،مع ترك فسحة أكرب أمام املعلم والداعي
والخطيب يف اختيار األسلوب األمثل للطرح والتناول أمام الرشائح
الدعوية التي يخاطبها ،وهي املختلفة يف املدارك والحاجات؛ ليقوم
برتسيخ املفاهيم والبناء واإلصالح ،بادئاً باألهم ،طارحاً املوضوع
باللغة األنسبُ ،معتنياً بذكر األمثلة من واقع الناسُ ،م ِ
بدعاً يف اإللقاء،
ُمج ِّددا ً يف أساليب العرض واإلقناع.
متثلت هذه الطريقة يف تقديم موضوعات يشتمل كل منها عىل:
تصوير موجز لفكرة املوضوع ،ثم عنارص مقرتحة ،ثم أبرز النصوص
من :اآليات القرآنية ،واألحاديث النبوية ،واألمثلة التطبيقية ،واألقوال
املأثورة - ،مع محاولة توضيح وجه االستشهاد حني ال يكون ظاهرا ً
من النص ،-وأخريا ً :بعض املراجع امل ُ ِعينة يف إعداد املوضوع.
3
آملني من هللا تعاىل بأن يبارك يف هذا العمل ،وبأن تضيف هذه
الطريقة جهدا ً ملهامً للداعية حال تجهيزه للامدة التي سيلقيها ،وأن
يكون فيها معونة لنقل اإللقاء من مرحلة اإلفادة فحسب ،إىل مرحلة
التأثري الذي يش ُّد السامع ويُش ِّوقه ويربطه ،ويحرك ذهنه ليفكر فيام
سمع محاوالً تطبيقه ،مستفيدا ً من األمثلة الواقعية والوسائل العملية
التي ينبغي للداعية أن يركز عليها ...ويشء من ذلك رمبا لن يتحقق
ما مل يأخذ املوضوع من الداعية حقه من التفكري املعمق ،والوقت
الكايف يف اإلعداد والتحضري.
راجني من هللا تعاىل ،أن يتقبل هذا الجهد العاثر ،ويجعل منه زادا ً
ُمسهالً للتعامل مع األساليب املتنوعة واملناسبات الدعوية املتعددة.
وختاماً :يا ربنا اللطيف الرحيم ،يا ربنا القريب املجيب ،بفضل
وجودك نسألك بأن تبارك هذا الجهد املتواضع ،وأن تجود عىل الجميع
بالقبول والجزاء الحسن ،إنك أهل الثناء والعطاء واملجد.
وهللا الهادي،،
4
إشارات وتنبيهات
في إعداد الموضوعات
نجاح اإللقاء والتدريس والخطابة والوعظ متوقف عىل جملة
أمور ،منها:
)(1االستعانة باهلل تعاىل ،والتوكل عليه ،فهذا هو أساس التوفيق
والتسديد.
)(2الخطابة والتدريس ف َّنانِ من الفنون الدعوية املهمة ،لهام أصول
وقواعد ينبغي للداعية الجاد أن يحرص عىل إتقانها ،كام يحسن
مراجعة الكتب التي اعتنت بتأصيلها وبيان وسائلها.
)(3ينبغي استفادة الداعية م َّمن سبقوه من إخوانه الدعاة ،ليستثمر
تجاربهم يف تنمية قدراته وملكاته.
)(4الحرص عىل مراعاة املناسبة وظرف املستمع؛ باختيار املوضوع
األنسب ،والحديث يف املدة التي ال تثقل عىل السامع.
)(5الحرص عىل اإلفادة من املراجع امل ُ ِعينة املذكورة يف كل موضوع،
-والتي اقتُ ِ
ص فيها عىل ما يُظَ ُّن توفره لدى الداعية أو قريباً منه
من املراجع الجامعة ،-إضافة إىل العناية بالنظر يف تفسري اآليات
ورشوح األحاديث كـ(فتح الباري) مثالً .وهذا النظر يف املراجع
مفيد لل ُملقي يف تصور املوضوع وفهمه جيدا ً ،ويف القدرة عىل
توضيح اإلشكاالت واإلجابة عىل التساؤالت.
5
)(6اإلملام بفكرة املوضوع بشكل جيد ،وكثري من السامعني قد
ينفض عن بعض الخطباء واملدرسني؛ ألنه يراهم ال يتقنون ما
يقدمون .وقناعة السامع باملتحدث من أقوى أبواب التأثري التي
ال يخفى.
)(7التفكري يف عنارصه ،والتعديل فيها حسب الحاجة ،وتدوينها
بوضوح ،وكثري من املتحدثني الذين ال يدونون العنارص
يقعون يف التكرار وتشتت األفكار ،مام يتعب ذهن السامع
ويقلل استفادته.
)(8تدبر النصوص ،والتأمل يف اآلثار واألمثلة لربطها بالعنارص دون
تكلف.
)(9التفكري الطويل يف مقدمة مؤثرة للموضوع ،تلفت االنتباه
وتحرك الذهن .وليك تكون كذلك فاملستحسن أن تكون قصة
من واقع الناس أو مام ذكر يف األمثلة ،أو سؤاالً مثريا ً ،أو غري
ذلك مام يهم الناس ،مام كان النبي يوليه عناية يف
تعليمه وخطبه ووعظه .ودون رعاية هذا األمر فإن عقل السامع
-يف كثري من األحيان -إن مل ينرصف يف بداية املوضوع فإن
تركيزه يقل؛ لضعف حامس صاحبه.
)(10االهتامم الشديد بإعانة الناس عىل العمل والتطبيق ملا سمعوه؛ إذ
هو الهدف الرئيس من العلم والتعلم والتعليم والدعوة والرتبية.
ويكون ذلك بالعناية باقرتاح الطرق والوسائل العملية املناسبة
-مام ورد يف العنرص األخري من كل موضوع وغري ذلك ،-مع
6
الرتكيز عىل أهمها ورشحه وتوضحيه وبيان كيفية تطبيقه؛ لئال
تقل الفائدة إذا مل يعرف الناس كيفية تطبيق ما علموه.
)(11التفكري الجيد يف طريقة العرض املناسبة للدرس أو الخطبة ،مع
الحرص عىل التسلسل املوضوعي للحديث ،الذي ينقل املتلقي
مع املتحدث خطوة خطوة ،فإذا ما شعر امللقي مبلل السامع أو
رشوده ،أو حصل ما يشتت االنتباه ..ذكر قصة أو سؤاالً أو طرح
الفكرة مرة أخرى بأسلوب آخر ..وهكذا ،وهذا مهم جدا ً.
)(12تلخيص املوضوع يف كلامت مخترصة ُم َع َّد ٌة -أو مكتوبة -
مسبقاً حال التحضري.
)(13التفكري يف خامتة مؤثرة ترسخ يف الذهن ،من سؤال أو قصة
أو خرب أو فكرة عملية ...فإن أكرث ما يتذكره السامع هو أول
الكالم وآخره؛ ألن الكالم يُنيس بعضه بعضاً ،وبخاصة إذا طال.
)(14محاولة ربط املوضوعات املتقاربة ببعضها ،ليكون يف ذلك عون
عىل فهم جيد لها .وتحقيق هذا كفيل بتذكري الناس مبا علموه من
قبل ،كام أن من شأنه تسهيل العمل والتطبيق عليهم.
)(15من املفيد جدا ً االستامع إىل ملحوظات السامعني وآرائهم،
وخاصة املتميزين منهم؛ ألن ذلك أدعى ملعالجة األخطاء
والسلبيات وتطوير األداء وتحسني اإللقاء.
7
التقوى
التقوى هي :أن تجعل بينك وبني عذاب هللا وقاية ،بفعل أوامره
واجتناب نواهيه.
فهي أساس الدين كله مبراتبه ودرجاته ،ومقياس التفاضل بني الناس
يف الدنيا واآلخرة ،وعنوان القرب من هللا سبحانه والكرامة عنده،
ورشط النجاة من سخطه وناره ،ودخول جنته.
ولذا كانت التقوى وصية هللا لألولني واآلخرين.
عناصر مقترحة:
)(1العاقل يسعى إىل الوقاية من عذاب هللا الذي ال يطقيه أحد.
)(2حقيقة التقوى.
)(3فضائل التقوى.
)(4مثراتها يف الدنيا واآلخرة.
)(5صفات املتقني.
)(6طرق تحصيل التقوى« :معرفة هللا حقاً ،تعلم ما يجب من
الرشيعة ،فعل الطاعات ،ترك املعايص ،مجاهدة النفس
ومحاسبتها ،مجالسة الصالحني والتعاون معهم عىل الخري.»...
هدايات قرآنية:
ََ َُ ُ
وتنَّ َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َّ ُ ْ َّ َ َ َّ ُ َ
)(7قال تعاىل﴿ :يأيها ٱلِين ءامنوا ٱتقوا ٱلل حق تقاتِهِۦ ول تم
َّ َ َ ُ ُّ ۡ ُ َ
إِل وأنتم مسل ِمون . ﴾102
(((
8
ْ َ ُ َّ ۡ َ ٰ َ َّ ُ ي َّ ﴿وتَ َز َّو ُدوا ْ فَإ َّن َخ ۡ َ )(8وقال َ :
يأو ِل ون ٰٓ ِ ق ٱت و ۖى و ق ٱتل ِ د اٱلز ِ
ب .(((﴾197 ٰ بۡٱلَ ۡل َ
ُ ِ
ُ َ ۡ
ِين أوتوا ٱلك َِتٰ َ ْ ُ َّ
﴿ولق ۡد َو َّص ۡي َنا ٱل َ َ َ
ب مِن ق ۡبل ِك ۡم )(9وقال سبحانهَ :
َّ َ (((
َّ ُ ۡ َ َّ ُ ْ
ِإَوياكم أ ِن ٱتقوا ٱللۚ﴾ .
ۡ ۡ َ َّ َّ َ َ ۡ
ٱلل ي َعل ُلۥ م َر ٗجا َ ٢و َي ۡر ُزق ُه م ِۡن ﴿و َمن َي َّت ِق )(10وقال تعاىلَ :
يتَس ُ َۡ ُ َ َۡ
ِب﴾(((. ۚ حيث ل
َ
ي َعل َّ ُلۥ م ِۡن أ ۡمره ِۦ ي ُ ۡ ٗ َ َ َ َّ َّ َ َ ۡ
سا .(((﴾4 ِ )(11وقال تعاىل﴿ :ومن يت ِق ٱلل
َ َ َّ َ ﴿و َمن َي َّتق َّ َ
ٱلل يُكفِ ۡر ع ۡن ُه َس ّي ِٔاتِهِۦ َو ُي ۡع ِظ ۡم ُل ٓۥ ِ
)(12وقال َ :
َ ۡ ً
أجرا . ﴾5
(((
ُ َ َ َ
نثكم ّمِن َذكر َوأ َ ٰ َ ٰٓ ُّ َ َّ ُ َّ َ ۡ َ ٰ ُ
)(13وقال سبحانه﴿ :يأيها ٱنلاس إِنا خلقن
ٖ
َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ ٰ ُ ۡ ُ ُ ٗ َ َ َ ٓ َ َ َ َ ُ ۚ ٓ ْ َّ َ ۡ َ َ ُ
وجعلنكم شعوبا وقبائِل لِ عارفوا إِن أكرمكم عِند ٱللِ
َ
ۡ َ ٰ ُ ۡ (((
أتقىك ۚم﴾ .
َ َ َ ُ ۡ ْ َ ُ ْ ََ
بوا َوت َّتقوا َو َيأتوكم ّمِن ف ۡورِه ِۡم هٰذا
ُ ل إن تَ ۡص ُ
ِ )(14وقال تعاىل﴿ :ب ٰٓ ۚ ِ
كةِ ُم َس ّوم َ ُ ۡ ۡ ُ ۡ َ ُّ ُ َ ۡ َ َ َ ٰ ّ َ ۡ َ َ ٰٓ َ
ِني .(((﴾125 ِ يمدِدكم ربكم ِبمسةِ ءال ٖف مِن ٱلملئ ِ
ص ۡد ٍق َۡ َ َ َ َّ َّ ۡ ُ َّ َ
ت َون َه ٖر ِ ٥٤ف مقع ِد ِ )(15وقال سبحانه﴿ :إِن ٱلمتقِني ِف جنٰ ٖ
ۡ
ِيك ُّمق َتدِر ِۢ .(((﴾٥٥ َ َ
عِند مل ٖ
البقرة.197 : (((
النساء.131 : (( (
الطالق.3-2 : (( (
الطالق.4 : (( (
الطالق.5 : (( (
الحجرات.13 : (( (
آل عمران.125 : (( (
القمر.55-54 : (( (
9
َّ ۡ َ ۡ َّ َ ُ َ ُّ ْ ُ ُ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ۡ
ش ِق )(16وقال ﴿ :ليس ٱل ِب أن تولوا وجوهكم ق ِبل ٱلم
َ ۡ َ َ ٰٓ ِ َ َّ ۡ ك َّن ٱل ۡ َّ ََ َ َۡ ۡ
ب َم ۡن َء َام َن بِٱللِ َوٱلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِر وٱلملئِكةِ ِ ِ ٰ ل و ب وٱل ۡم ِ ِ
ر غ
ۡ َ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ
م ب َوٱلَ َتٰ َ ٰ ع ُح ّبِهِۦ ذوِي ٱلق ۡر ٰ ي َو َءات ٱل َمال ٰ َوٱلك َِتٰب َوٱنلَّب ّ ۧ َ
ِِ ِ
ٱلصلَ ٰوةَام َّ ٱلرقَاب َوأَقَ َ َ
ٱلسائل ِني َوف ّ ٓ ٱلسبيل َو َّ ِني َو ۡٱب َن َّ سك َ ٰ َ َۡ َ
وٱلم
ِ ِ ِْ ِ ِ ۡ ِ َ َ
ٱلصٰب َ َّ َ َ ُ ُ َ َ ۡ ۡ َ َ َ ُ َ َّ ََ
ين ِف و ۡء ۡات ٱلزك ٰوة وٱلموفون ۡ ب ِ ۡعه ِد ُهِم إِذا َّعٰهد ۖوا و ْ ُِ
ِ
َ َ ُ ْ َ ٰٓ َ ٱلضا ٓ ِء َوح َ ٱلَأ َسا ٓ ِء َو َّ َّ
ِين َص َدق ۖوا َوأ ْو ٰٓلئِك ك ٱل َ س أول ِئ ِني ٱلَأ ِۗ
ُ ۡ ُ َ
ه ُم ٱل ُم َّتقون .(((﴾177
ٱس َت َط ۡع ُت ۡم﴾(((. ٱلل َما ۡ ٱت ُقوا ْ َّ َ َ َّ
)﴿(17ف
قبسات نبوية:
هللا
)(1عن أيب ذر قال :قال يل رسول هللا (( :ات َّقِ َ
اس بخلقٍحها ،وخالِقِ ال َّن َ السيِّئ َة الحسن َة مت ُكنت ،وأتبعِ َّ َ حيثُام
حسنٍ ))(((.
)(2عن أيب هريرة قالُ :سئل رسول هللا عن أكرث
خلُقِ ))(((.ح ْس ُن ال ُ ما يُدخل الناس الجنة ،قال(( :تَ ْق َوى ِ
هللا و ُ
)(3عن ابن مسعود عن النبي أنه كان يقول:
((الل ُه َّم إِ ِّن أَ ْسأَل َُك الْ ُه َدى َوالتُّقَىَ ،والْ َعف َ
َاف َوالْ ِغ َنى))(((.
)(4عن رفاعة أنه خرج مع النبي فرأى الناس
جارِ)) فاستجابوا لرسول ش التُّ َّ
يتبايعون فقال(( :يَا َم ْع َ َ
البقرة.177 : (((
التغابن.16 : (( (
الرتمذي ،2053 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.97 : (( (
الرتمذي ،2004 :وحسنه األلباين يف صحيح الرتمذي.194 : (( (
مسلم.2721 : (((
10
جا َر يُ ْب َعثُو َن يَ ْو َم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ،فقال(( :إِ َّن التُّ َّ
ص َد َق))(((. جارا ً ،إِالَّ َم ْن اتَّقَى َ
هللاَ ،وبَ َّرَ ،و َ ال ِقيَا َم ِة فُ َّ
)(5عن أيب هريرة أن رسول هللا قال(( :إِ َّن َ
هللا قَ ْد
ِالبَا ِء إِنَّ َا ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن تَ ِق ٌّي أَ ْو
خ َر َها ب ْ جا ِهلِ َّي ِة َوفَ ْ
ك ْم ُع ِّب َّي َة الْ َ
ب َع ْن ُ أَ ْذ َه َ
اب))(((. اس كُلُّ ُه ْم بَ ُنو آ َد َم َوآ َد ُم ِم ْن تُ َر ٍ ج ٌر شَ ِق ٌّي ال َّن ُ فَا ِ
((ل
)(6عن عطية السعدي قال :قال رسول هللا َ :
حذَرا ً لِ َم س ِب ِه َ ع َما َل بَأْ َ حتَّى ي َد َ ني َيَ ْبلُ ُغ الْ َع ْب ُد أَ ْن يَكُو َن ِم َن املتَّق َ
بأس))(((. ِب ِه ٌ
أمثلة تطبيقية:
)(1عن عقبة بن عامر قال :أهدي إىل النبي ف ُّروج
حرير ،فلبسه فصىل فيه ،ثم انرصف فنزعه نزعاً شديدا ً كالكاره
ني)) الف ُّروج :قباء مشقوق(((. له وقال(( :ال يَ ْن َبغي هذا لِلْ ُمتَّق َ
)(2جاء سائل إىل عدي بن حاتم فسأله نفقة يف مثن خادم -أو يف بعض
مثن خادم ،-فقال :ليس عندي ما أعطيك ،إال ِد ْرعي و ِم ْغفَري
فأكتب إىل أهيل أن يُعطوكهام ،فلم يرض ،فغضب عدي فقال ،أما
وهللا ال أعطيك شيئاً ،ثم إن الرجل ريض ،فقال :أما وهللا لوال أين
حل ََف َع َل َيِنيٍ ،ث ُ َّم
سمعت رسول هللا يقولَ (( :م ْن َ
11
ت التَّ ْق َوى)) ما حنثت مييني((( .ما حنثت هلل ِم ْن َها ،فَلْ َيأْ ِ
َرأَى أَتْقَى ِ
مييني :أي ما جعلتها ذات حنث؛ بل جئت بارا ً بها وفياً مبوجبها..
)(3عن سهل بن الحنظلية قال :مر رسول هللا
هللا ِف َه ِذ ِه الْبَ َهائِ ِم
ببعري قد لحق ظهره ببطنه فقال(( :اتَّقُوا َ
حة))(((.صالِ َ صالِ َ
حة ،وكُلوها َ ج َم ِة ،فَا ْركَ ُبو َها َالْ ُم ْع َ
أقوال مضيئة:
)(1سأل رجل أبا هريرة « :ما التقوى؟ قال :هل أخذت طريقاً
ذا شوك؟ قال :نعم ،قال :فكيف صنعت؟ قال :إذا رأيت الشوك
عدلت عنه أو جاوزته أو قرصت عنه ،قال :ذاك التقوى(((.
َُ ﴿ٱت ُقوا ْ َّ َ
ٱلل َح َّق تقاتِهِۦ﴾(((« :أن
َّ
)(2قال ابن مسعود يف قوله تعاىل:
يطاع فال يعىص ،ويذكر فال ينىس ،وأن يشكر فال يكفر»(((.
)(3قال طلق بن حبيب« :التقوى :العمل بطاعة هللا ،عىل نور من
هللا؛ رجاء رحمة هللا ،والتقوى ترك معايص هللا ،عىل نور من هللا،
مخافة عذاب هللا»(((.
)(4قال عمر بن عبد العزيز« :ليس تقوى هللا بصيام النهار وال بقيام
الليل والتخليط فيام بني ذلك ،ولكن تقوى هللا ترك ما حرم
12
هللا ،وأداء ما افرتض هللا ،فمن رزق بعد ذلك خريا ً فهو خري
إىل خري»(((.
)(5قال ميمون بن مهران« :املتقي أشد محبة لنفسه من الرشيك
الشحيح لرشيكه»(((.
)(6كتب عمر بن عبد العزيز إىل رجل« :أوصيك بتقوى هللا
التي ال يقبل غريها ،وال يرحم إال أهلها ،وال يثيب إال عليها ،فإن
الواعظني بها كثري ،والعاملني بها قليل ،وجعلنا هللا وإياك من
املتقني»(((.
)(7ذكر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس ،قال« :كيف يكون
تقياً من ال يدري ما يتقي؟!» ثم قال معروف« :إذا كنت ال
تحسن تتقي أكلت الربا ،وإذا كنت ال تحسن تتقي لقيتك امرأة
ومل تغض برصك ،وإذا كنت ال تحسن تتقي وضعت سيفك عىل
عاتقك »...ثم قال معروف« :ومجليس هذا لعله كان ينبغي لنا
أن نتقيه.(((»...
)(8قال ابن املعتز:
خل الذنــوب صغــريها وكبريهـــا فهـــو التـقى ِّ
كامش فوق أرض الشــوك يحــذر ما يرى ٍ واصنع
إن الجبـال مـن الحــىص ال تحقـــر َّن صغـــــرية
13
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3بهجة قلوب األبرار ،للسعدي.
14
اإلحسان
اإلحسان :اإلتقان ،وأداء اليشء عىل أفضل وجه ،مع السعي الدائم
للرقي ألكمل األحوال.
وهو درجة يف الدين رفيعة ،ويتضمن أمرين:
)(1اإلحسان يف عبادة هللا تعاىل بكامل املراقبة واإلخالص له ،والذي
يدفع العبد إىل السعي إلتقان عبادته وتكميلها عىل أتم الوجوه،
متابعة للنبي .
)(2اإلحسان إىل الخلق ،بإتقان معاملتهم وبالتفضل عليهم ،بال ِم َّنة
وال أذى ،مع ترك مقابلة تقصريهم مبثله.
عناصر مقترحة:
)(1اإلحسان مطلب العقالء أهل ال ِج ِّد.
)(2منزلة اإلحسان من الدين.
)(3مجاالت اإلحسان.
)(4ارتباط اإلحسان باملراقبة.
)(5درجات اإلحسان.
)(6اإلحسان يف معاملة الخلق.
)(7مناذج من إحسان املحسنني.
)(8جزاء اإلحسان (والية هللا ونرصته ،معيته وحفظه وتأييده.)..
)(9اإلتقان يف شؤون املعيشة مطلب رشعي حضاري.
15
)(10كيف نكون من املحسنني؟ (العلم الرشعي ،استشعار مراقبة
هللا ،علو الهمة والعزمية ،املجاهدة والتدرج يف تعويد النفس،
املحاسبة وكرثة التوبة واالستغفار ،الترضع واإللحاح عىل هللا،
الرتكيز عىل العمل واإلنتاج ،اكتساب املهارات.)...
هدايات قرآنية:
مسِنٞ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ٗ ّ َّ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ َ ُ َّ َ ُ َ ُ ۡ
)(1قال تعاىل﴿ :ومن أحسن دِينا مِمن أسلم وجههۥ ِلِ وهو
َ َّ َ َ َّ َ ۡ َ ٰ َ َ ٗ
اۗ﴾(((. ِيف وٱتبع مِلة إِبرهِيم حن
َٓ َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ ۡ َٰ
ٱلحس ِن ِإَويتا ِٕي ذِي وقال تعاىل﴿ :إِن ٱلل يأمر بِٱلعد ِل و ِ )(2
َ ُ ۡ
ب﴾(((.ٱلق ۡر ٰ
َ ۡ
ٱل َو ٰ ِ َليۡن إ ِ ۡح َ ٰ
س ٗناۖ﴾(((. ِ )(3وقال تعاىل﴿ :وب ِ
سن َ ۡ ۡ َ َّ
)(4وقال تعاىلِ﴿ :إَون َّ َ
ني .(((﴾69 ٱلل ل َم َع ٱل ُمح ِ ِ
ُ ۡ َ ٰ َ َ َ ((( ٞ
ّ َّ َ َ ۡ َ ُ ْ ۡ
)(5وقال تعاىل﴿ :ل ِلِين أحسنوا ٱلسن وزِيادة ۖ﴾ .
ه
َّ َ
ٱلس ّي َئ ُة ۚ ٱدفع بِٱلت ِ َ
ۡ ۡ ٱل َس َن ُة َو َل َّ﴿و َل ت َ ۡس َتوي ۡ َ )(6وقال تعاىلَ :
ِ ََ ِ ِ
ٞ َ ۡ َ ُ َ َ َّ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ َ ٰ َ َ ٌّ َ ُ َّ ٞ
أحسن فإِذا ٱلِي بينك وبينهۥ عدوة كأنهۥ و ِل حِيم . ﴾24
(((
قبسات نبوية:
)(1حديث أيب هريرة يف قصة مجيء جربيل إىل النبي
،وسؤاله عن اإلسالم واإلميان واإلحسان ،وفيه قال:
النساء.125 : (( (
النحل.90 : (((
اإلرساء.23 : (((
العنكبوت.69 : (((
يونس.26 : (( (
فصلت.34 : (((
16
ك ْن ت َ َرا ُه هللا كَأَن ََّك ت َ َرا ُه ،فَ ِإ ْن لَ ْم تَ ُ ما اإلحسان؟ قال(( :أَ ْن تَ ْع ُب َد َ
فَ ِإنَّ ُه يَ َر َاك))(((.
هللا
)(2عن عائشة قالت :قال رسول هللا (( :إ َّن َ
ب إذا ع ِم َل أح ُدك ْم عمالً أ ْن يُت ِق َن ُه))((( .وهذا عام يف تعاىل يُ ِح ُّ
شؤون الدين والدنيا.
ُولَ (( :ما ِم َن رسول هللا يق ُ سمعت ُ ُ )(3عن ُعثامن قال:
خشُ و َع َها ح ِس ُن ُوضُ و َء َها َو ُ كتُوبَ ٌة فَ ُي ْ ص َل ٌة َم ْ ضهُ َ ح ُُ ا ْمرِئٍ ُم ْسلِ ٍم تَ ْ
ري ًة
ت كَ ِب َ ُوب َما لَ ْم يُ ْؤ ِ َت كَفَّا َر ًة لِ َم قَ ْبلَ َها ِم َن ال ُّذن ِ َو ُركُو َع َها ،إِ َّل كَان ْ
َو َذلِ َك ال َّد ْه َر كُلَّ ُه))(((.
رسول هللا )(4عن ش ّداد بن أوس قال :ثنتان حفظتُ ُهام عن ُ
ح ِس ُنوا ش ٍء ،فَ ِإذَا قَتَلْتُ ْم فَأَ ْح َسا َن َع َل ك ُِّل َ ْ ب الْ ِ ْ هللا كَتَ َقال(( :إِ َّن َ
ح ُدكُ ْم شَ ْف َرتَ ُه ،فَل ُْي ِْح ح ِس ُنوا ال َّذبْ َحَ ،ولْ ُي ِح َّد أَ َ حتُ ْم فَأَ ْالْ ِقتْلَ َةَ ،وإِذَا َذبَ ْ
حتَ ُه))(((. َذبِي َ
)(5عن عبد هللا بن عمرو قال :قال رسول هللا :
ج َّن َة ،فَلْتَأْتِ ِه َم ِن َّيتُ ُهخ َل الْ َح َعنِ ال َّنارَِ ،ويُ ْد َ ح َز َ ب أَ ْن يُ َز ْ ح َّ ((فَ َم ْن أَ َ
ب أَ ْن اس ال َِّذي يُ ِح ُّ ت إِ َل ال َّن ِ ال ِخرَِ ،ولْ َيأْ ِ َو ُه َو يُ ْؤ ِم ُن بِا ِ
هلل َوالْ َي ْو ِم ْ
يُ ْؤ َت إِلَ ْي ِه))((( أي :يعاملهم كام يحب أن يعاملوه.
17
أمثلة تطبيقية:
ُ َّ َ ٰ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ ُ ُ ۢ ّ َ َّ ُ َ ۡ َ َ ُ
ون أمهتِكم ل تعلمون )(1قوله تعاىل﴿ :وٱلل أخرجكم َ ِمن بط َ ِ
ُ َۡ ُ َ َّ ۡ ۡ َ ۡ َ َ ٗۡ ٔ َ َ َ َ َ ُ
ٱلس ۡم َع َوٱلبۡص ٰ َر َوٱلف ٔ َِدةَ ل َعلك ۡم تشك ُرون ك ُم َّ شيا وجعل ل
(((﴾78فهذا من إحسان الخالق سبحانه وتفضله.
َ ُ ُّ ْ ۡ َ َ َّ َ ُ ۡ َ ٓ
ت ٱللِ ل ت ُصوها ۗ﴾(((. )(2قوله تعاىلِ﴿ :إَون تعدوا ن ِعم
)(3خطب عروة بن الزبري إىل ابن عمر ابنته وهام يف الطواف ،فلم
يجبه ،ثم لقيه بعد ذلك ،فاعتذر إليه ،وقال« :كنا يف الطواف
نتخايل هللا بني أعيننا» ،ثم ز َّوجه((( .فهذه املراقبة وترك
الكالم يف الطواف من إحسان العبادة وإتقانها.
)(4ما كان يفعله مع أهل الصفة ،وقد قال مرةَ (( :م ْن
ب ِبث ََلث َ ٍةَ ،و َم ْن كَا َن ِع ْندَهُ طَ َعا ُم ي فَلْ َي ْذ َه ْكَا َن ِع ْندَهُ طَ َعا ُم اث ْ َن ْ ِ
س ،ب َِسا ِد ٍس -أو كام قال ))-وإن أبا بكر خا ِم ٍ ب ِب َأَ ْربَ َع ٍة فَلْيَ ْذ َه ْ
جاء بثالثة ،وانطلق النبي بعرشة.(((..
)(5ما فعله بأوالد جعفر بن أيب طالب ملا قتل يف مؤتة فكان يعطف
عليهم ويقول(( :أنا ولِ ُّي ُهم يف الدنيا واآلخر ِة))(((.
بي املدينة أتا ُه امل ُهاج ُرون )(6عن أنس قال :مل ّا قدم ال ّن ُّ
رسول هللا ما رأينا قوماً أبذل من كثري وال أحسن فقالُوا :يا ُ
18
ُمواسا ًة من قليل من قوم نزلنا بني أظ ُهرهم ،لقد كفونا امل ُؤنة
وأرشكُونا يف املهنإ ،حتّى لقد خفنا أن يذهبُوا باألجر كُلّه ،فقال
هللا لَ ُه ْم َوأَث ْ َن ْيتُ ْم َعلَ ْي ِه ْم))(((.
((لَ ،ما َد َع ْوت ُ ُم َ بي َ : ال ّن ُّ
)(7عن عائشة قالت :جاءتني امرأ ٌة معها ابنتان تسألُني ،فلم
تجد عندي غري مترة واحدة فأعطيتُها ،فقسمتها بني ابنتيها؛ ث ُ ّم
بي فح ّدثتُ ُه فقالَ (( :م ْن قامت فخرجت ،فدخل ال ّن ُّ
ح َس َن إِلَ ْي ِه َّن ،كُ َّن لَ ُه ِس ْتا ً ِم َن ال َّنارِ))(((. ات شَ ْيئاً ،فَأَ ْ
بُ ِل ِم ْن َه ِذ ِه ال َب َن ِ
رسول هللا قال: )(8عن عبد هللا بن ُعمر أ ّن ُ
َت ِفي َها ال َّنا َر،خل ْ َت ،فَ َد َ حتَّى َمات ْ ج َنتْ َها َ ت ا ْم َرأَ ٌة ِف ِه َّر ٍة َس َ (( ُع ِّذبَ ِ
حبَ َستْ َهاَ ،والَ ِه َي تَ َركَتْ َها تَأْك ُُل ِم ْن الَ ِه َي أَطْ َع َمتْ َها َوالَ َس َقتْ َها ،إِ ْذ َ
ض))((( فعذبت برتكها اإلحسان. اش األَ ْر ِ خشَ ِ َ
أقوال مضيئة:
)(1قال السعدي« :واعلم أن اإلحسان املأمور به نوعان:
أحدهام :واجب ،وهو اإلنصاف والقيام مبا يجب عليك للخلق
بحسب ما توجه عليك من الحقوق.
الثاين :إحسان مستحب ،وهو ما زاد عىل ذلك من بذل نفع بدين
أو مايل أو علمي ،أو توجيه لخري ديني ،أو مصلحة دنيوية .فكل
معروف صدقة ،وكل ما أدخل الرسور عىل الخلق صدقة وإحسان،
(( ( الرتمذي ،2487 :وأبو داود ،4812 :وصححه األلباين يف صحيح مشكاة املصابيح:
.2960
((( البخاري ،5995 :مسلم.2629 :
((( البخاري ،3482 :مسلم.2242 :
19
وكل ما أزال عنهم ما يكرهون ،ودفع عنهم ما ال يرتضون من قليل
أو كثري فهو صدقة وإحسان.
وملا ذكر النبي قصة البغي التي سقت الكلب الشديد
العطش بخفيها من البرئ ،وأن هللا شكر لها وغفر لها ،قالوا لرسول
كل ٍ
كبد ح َّرى أج ٌر)). :إن لنا يف البهائم أجرا ً؟ قال(( :يف ِّ
فاإلحسان :هو بذل جميع املنافع من أي نوع كان ،ألي مخلوق
يكون.
املحسن إليهم ،وحقهم ومقامهم ،وبحسب اإلحسان، َ ولكن يتفاوت
وعظم موقعه ،وعظيم نفعه ،وبحسب إميان املحسن وإخالصه،
والسبب الداعي إىل ذلك.
أجل أنواع اإلحسان :اإلحسان إىل من أساء إليك بقول أو فعل، ومن ِّ
َّ َ َ َ َّ
َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ َٰ َ ٞ
ه أ ۡح َس ُن فإِذا ٱلِي بينك وبينهۥ عدوة ﴿ٱد َف ۡع بِٱلت ِ َ
ۡ
قال تعاىل:
ِ
ٞ َ َ َّ ُ َ ٌّ َ
كأنهۥ و ِل حِيم . » ﴾34
((( (((
20
مراجع ُم ِعينة:
)(1مدارج السالكني ،البن القيم.
)(2جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(3بهجة قلوب األبرار ،للسعدي.
21
المراقبة
هي :الشعور باطالع هللا تعاىل عىل قلب العبد وعمله يف كل
حال وآنٍ .
ومصدرها :اإلميان بكامل علم هللا سبحانه وإحاطته وسمعه وبرصه
بالذرة السوداء عىل الصخرة الصامء يف الليلة الظلامء ،فقوة املراقبة من
قوة اإلميان ،وضعفها من ضعفه.
ومثرتها :القيام بأمر هللا تعاىل بإتقان ،وهي مرتبة اإلحسان أعىل
مراتب التدين ،وأهلها أقرب الخلق إىل الباري .
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :كامل علم هللا وسمعه وبرصه وقدرته.
)(2معنى املراقبة.
)(3دوام املراقبة طريق اإلحسان.
)(4طرق تنمية املراقبة (تقوية اإلميان :بالتعرف عىل أسامء هللا
وصفاته ،والنظر يف خلقه وملكوته ،واستشعار وجود املالئكة
يف الخلوة ،وتذكر الحساب والجزاء.)..
)(5املراقبة والخلوة (أقوى ما تكون املراقبة حينام تكون يف الخلوة،
كام أن الخلوة مظنة املعصية عند ضعف اإلميان).
)(6املراقبة واألثر الرتبوي (تقوية مراقبة هللا قبل رقابة البرش:
هي الحل).
22
)(7أثر املراقبة يف النجاح واإلنتاج (رقابة البرش :تكلفة باهظة
وأثر محدود).
)(8نتائج ضعف املراقبة.
)(9الحياء خلق ال يناقض املراقبة ،وهللا أحق من يستحيا منه.
هدايات قرآنية:
ََ َۡ َّ َّ َ َ َ ۡ
ۡرض ول شءِ ٞف ٱل ِ ف َعلَ ۡيهِ َ ۡ يَٰ )(1وقال سبحانه﴿ :إِن ٱلل ل
َّ َ ٓ
َ َ . (((
ِ﴾ ء ِف ٱلسما
َ ۡ َ ُ ُ َ ۡ
ٱلل َيعل ُم َما ِ ٓ َّ َّ ْ
﴿وٱعل ُم ٓوا أن َ َ ۡ
ف أنفسِك ۡم فٱحذ ُروهُۚ﴾(((. َ
)(2وقال تعاىلَ :
َ ُ َ
ٱلل ب ِ َما ت ۡع َملون ك ۡم أ ۡي َن َما ُك ُ
نت ۡم َو َّ ُ ََُ َ َ ُ
)(3وقال ﴿ :وهو مع
ۚ
بَ ِصري.(((﴾4 ٞ
َ َ ُّ َ ِني َت ُق ُ ك ح َ ََ ٰ َ َّ
وم َ 218وتقل َبك ِف )(4قال تعاىل﴿ :ٱلِي يرى
. (((
﴾219 ٱلسجد َ
ِين ِ َّ ٰ
ُ ُ ُّ َ ۡ َ ُ َ ٓ ََ ۡ َ ۡ ُ َ َ ُۡ
ي وما ت ِف ٱلصدور . ﴾19
(((
)(5وقال سبحانه﴿ :يعلم خائِنة ٱلع ِ
قبسات نبوية:
)(1حديث عمر يف قصة مجيء جربيل إىل النبي
ح َسانِ ، ب ِن َعنِ ْ ِ
ال ْ خ ِْ وفيه :أن جربيل قال للنبي (( :فَأَ ْ
هللا كَأَن ََّك تَ َرا ُه ،فَ ِإ ْن لَ ْم تَ ُ
ك ْن ت َ َرا ُه فَ ِإنَّ ُه يَ َر َاك.((()).. ق ََال«:أَ ْن تَ ْع ُب َد َ
آل عمران.5 : (( (
البقرة.235 : (((
الحديد.4 : (((
الشعراء.219-218 : (( (
غافر.19 : (( (
مسلم.8 : (((
23
)(2عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا ِ (( :إ َّن
ك ْن يَ ْنظُ ُر إِ َل ص َو ِركُ ْمَ ،ولَ ِ ج َسا ِدكُ ْمَ ،و َل إِ َل ُ هللا لَ يَ ْنظُ ُر إِ َل أَ ْ َ
ك ْم»(((. قُلُو ِب ُ
)(3عن أيب ذر ومعاذ بن جبل عن رسول هللا قال:
اس خالِقِ ال َّن َ ح َها َو َ ح َس َن َة تَ ْ ُ ت َوأَتْ ِبعِ َّ
الس ِّيئَ َة الْ َ ح ْيث َُم كُ ْن َ هللا َ
((ات َّقِ َ
ح َسنٍ »(((. خلُقٍ َ ِب ُ
)(4عن ابن عباس قال :كنت خلف النبي يوماً
َظ حف ِ ح َفظ َْك ا ْ هللا يَ ْ
َظ َ حف ِ ت :ا ْ فقال(( :يَا غ َُل ُم إِ ِّن أُ َعلِّ ُم َك كَلِ َم ٍ
جا َه َك ((())..،أي :احفظ أمر هللا بفعله ،ونهيه برتكه، هللا تَ ِجدْهُ تُ َ َ
يف رسك وعالنيتك.
((س ْب َع ٌة يُ ِظلُّ ُه ُم )(5عن أيب هريرة عن النبي قالَ :
اب نَشَ أَ ِف ال ِف ِظلِّ ِه يَ ْو َم الَ ِظ َّل إِ َّل ِظلُّ ُه :إِ َما ٌم َع ْد ٌلَ ،وشَ ٌّ هللا تَ َع َ
ُ
هللا،حابَّا ِف ِ جالَنِ تَ َ ج ٌل قَلْ ُب ُه ُم َعل ٌَّق ِف امل ََساج ِِدَ ،و َر ُ هللاَ ،و َر ُِع َبا َد ِة ِ
ب َو َج َم ٍل ا ْجتَ َم َعا َعلَيْ ِه َوتَ َف َّرقَا َعلَيْ ِهَ ،و َر ُج ٌل َد َعتْ ُه ا ْم َرأَ ٌة َذاتُ َم ْن ِص ٍ
حتَّى الَ ت َ ْعلَ َم خفَا َها َ ِص َدقَ ٍة فَأَ ْ هللاَ ،و َر ُج ٌل ت ََص َّد َق ب َ
اف َ خ ُ َالِ :إ ِّن أَ َفَق َ
تَ ع ْي َنا ُه»(((. خالِياً ،فَفَاضَ ْ ج ٌل َذكَ َر َ
هللا َ ِش َملُ ُه َما تُ ْن ِف ُق َيِي ُن ُهَ ،و َر ُ
)(6عن ثوبان عن النبي أنه قال(( :ألَ ْعلَم َّن أقواماً
ات أمثا ِل جبال تِها َم َة بِيضاً، ِم ْن أ َّمتي يأتو َن يو َم ال ِقيا َم ِة ِب َ
ح َس َن ٍ
ك ْن ص َو ِركُ ْم َوأَ ْم َوالِ ُ
ك ْمَ ،ولَ ِ مسلم .2564 :ويف الرواية األخرى(( :إِ َّن َهللا لَ يَ ْنظُ ُر إِ َ
ل ُ (((
ك ْم َوأَ ْع َملِ ُ
ك ْم)). يَ ْنظُ ُر إِ َل قُلُو ِب ُ
الرتمذي ،1988 :وقال حديث حسن. (( (
الرتمذي ،2518 :وقال :حديث حسن صحيح. (( (
البخاري.1357 : (((
24
فيج َعلُها هللا َ هبا ًء َم ْنثورا ً هبا ًء)) ،قال ثوبان :يا رسول هللا
صفهم لنا ،جلِّهم لنا؛ أن ال نكون منهم ونحن ال نعلم ،قال(( :أ َما
جلْ َدتِكم ،ويأخذون ِمن الل ْيلِ كام تأخذونَ، خوانكم ،و ِم ْن ِ إنَّهم إ ْ
خلَ ْوا بِ حارِم هللا انْتَهكُوها))(((.
ولك َّنهم قو ٌم إذا َ
أمثلة تطبيقية:
)(1نبي هللا يوسف ملا راودته امرأة العزيز ،وهي ذات سلطان
ومنعة ،وهددته وتوعدته ،وهو شاب غريب ،وقد هيأت لألمر
كل أسبابه ،فهرب منها ،ثم توعدته بالسجن ،فاختاره عىل أن
يعص هللا؛ مراقبة له تعاىل!
)(2عن عبد هللا بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال« :بينا أنا
مع عمر بن الخطاب وهو يعس املدينة إذا أعيا واتكأ عىل جانب
جدار يف جوف الليل ،وإذا امرأة تقول البنتها :يا ابنتاه قومي إىل
ذلك اللنب فامذقيه باملاء ،فقالت لها :يا أمتاه وما علمت ما كان
من عزمة أمري املؤمنني اليوم ،قالت :وما كان من عزمته يا بنية؟،
قالت :إنه أمر منادياً فنادى أال يشاب اللنب باملاء ،فقالت لها :يا
بنية قومي إىل اللنب فامذقيه باملاء فإنك مبوضع ال يراك عمر وال
منادي عمر ،فقالت الصبية ألمها :يا أمتاه ما كنت ألطيعه يف املأل
وأعصيه يف الخالء ،وعمر يسمع كل ذلك ،فقال :يا أسلم علِّم
الباب واعرف املوضع ،ثم مىض يف عسسه حتى أصبح فلام أصبح
قال :يا أسلم امض إىل املوضع فانظر من القائلة ومن املقول لها،
25
وهل لهم من بعل ،فأتيت املوضع فنظرت ،فإذا الجارية أيم
ال بعل لها ،وإذا تيك أمها وإذ ليس لها رجل ،فأتيت عمر بن
الخطاب فأخربته ،فدعا عمر ولده فجمعهم فقال :من يحتاج إىل
امرأة ز َّوجته ،ولو كان بأبيكم حركة إىل النساء ما سبقه منكم
أحد إىل هذه املرأة ،فقال عبد هللا :يل زوجة ،وقال عبد الرحمن:
يل زوجة ،وقال عاصم :يا أبتاه ال زوجة يل فزوجني ،فبعث إىل
الجارية فزوجها من عاصم ،فولدت لعاصم بنتاً ،وولدت البنت
عمر بن عبد العزيز .كذلك نسبه العلامء»(((.
ع فقال :يا )(3عن زيد بن أسلم قال« :م ّر عبد هللا بن عمر برا ٍ
راعي الغنم هل من جوزة؟ قال الراعي :ليس ههنا ربُّها ،فقال
له ابن عمر :تقول له إنه أكلها الذئب؟ قال فرفع الراعي رأسه
إىل السامء ثم قال :فأين هللا! قال ابن عمر :فأنا وهللا أحق أن
أقول أين هللا ،فاشرتى ابن عمر الراعي واشرتى الغنم ،فأعتقه
وأعطاه الغنم»(((.
)(4نصح العز بن عبد السالم السلطان أيوب وهو يف أبهته واستعراضه
قائالً« :يا أيوب ما حجتك عند هللا إذا قال لك أمل أبوئ لك ملك
مرص ثم تبيح الخمور؟ فقال :هل جرى هذا؟ فقال :نعم ،الحانة
الفالنية يباع فيها الخمور وغريها من املنكرات ،وأنت تتقلب
يف نعمة هذه اململكة -يناديه كذلك بأعىل صوته والعساكر
واقفون - فقال :يا سيدي هذا أنا ما عملته ،هذا من زمان أيب،
فقال :أنت من الذين يقولون :إنا وجدنا آباءنا عىل أمة؟ فرسم
(( ( صفة الصفوة.204-203/2 :
(( ( شعب اإلميان للبيهقي.8614 :
26
السلطان بإبطال تلك الحانة ،فسئل العز عن جرأته ،فقال :يا بني
رأيته يف تلك العظمة ،فأردت أن أهينه ،لئال تكرب نفسه فتؤذيه،
فقال السائل :يا سيدي أما خفته؟ فقال :وهللا يا بني استحرضت
هيبة هللا تعاىل فصار السلطان قدامي كالقط»(((.
)(5راود بعضهم أعرابية ،وقال لها :ما يرانا إال الكواكب! قالت :أين
مكوكِ ُبها(((؟
)(6رأى محمد بن املنكدر رجالً واقفاً مع امرأة يكلمها ،فقال« :إن
هللا يراكام ،سرتنا هللا وإياكام»(((.
أقوال مضيئة:
)(1قال حاتم األصم« :تعاهد نفسك يف ثالث :إذا عملت فاذكر نظر
هللا إليك ،وإذا تكلمت فاذكر سمع هللا منك ،وإذا سكت فاذكر
علم هللا فيك»(((.
)(2قال املحاسبي« :أرسع األشياء عظة للقلب وانكسارا ً له :ذكر
اطالع هللا بالتعظيم له»(((.
)(3قال أبو عثامن« :قال يل أبو حفص :إذا جلست للناس فكن واعظاً
لنفسك وقلبك ،وال يغرنك اجتامعهم عليك ،فإنهم يراقبون
ظاهرك ،وهللا رقيب عىل باطنك»(((.
طبقات الشافعية الكربى :ج.212/8 (((
جامع العلوم والحكم.336/1 : (( (
جامع العلوم والحكم .336/1 (( (
نزهة الفضالء.848 : (((
الحلية.86/10 : (( (
اإلحياء.397/4 : (( (
27
)(4عن الجنيد قال :سمعت أبا عبد هللا الحارث املحاسبي يقول :وسئل
عن املراقبة هلل ،وعن املراقبة لربه ،فقال« :إن املراقبة تكون عىل
ثالث خالل -عىل قدر عقل العاقلني ومعرفتهم بربهم يفرتقون يف
ذلك ،-فإحدى الثالث :الخوف من هللا ،والخلة الثانية :الحياء
من هللا ،والخلة الثالثة :الحب هلل .فأما الخائف فمراقب بشد ِة
حذ ٍر من هللا تعاىل وغلبة فزع ،وأما املتسحي من هللا فمراقب
بشدة وانكسار وغلبة إخبات ،وأما املحب فمراقب بشدة رسور
وغلبة نشاط وسخاء نفس مع إشفاق»(((.
)(5قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فال تقل
خلـوت ولكـن قـل علي رقيب
بن هللا يغفـل سـاعة وال تحس َّ
وال أن مـا تخفيـه عنـه يغيـب
أمل تـر أن اليـوم أرسع ذاهـب
وأن غـدا ً للناظريـن قريـب
مراجع ُم ِعينة:
)(1مدارج السالكني ،البن القيم.
)(2مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(3دليل الفالحني ،ملحمد بن عالن الصديقي.
28
مجاهدة النفس
مجاهدة النفس :بذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة ،مع الصرب
وتح ُّمل املشقة يف إلزام النفس بطاعة هللا تعاىل ،ومنعها من معصيته،
وتح ُّملها أقداره املؤملة.
وعمدتها :مخالفة هوى النفس؛ إذ ال تتحقق العبودية والنجاة
إال بذلك.
عناصر مقترحة:
)(1يف املجاهدة :تحقيق العبودية.
)(1معنى املجاهدة.
)(2ركن مجاهدة النفس :مخالفة هواها.
)(3الصرب :رشط املجاهدة( .الصرب عىل الطاعة ،وعن املعصية ،وعىل
املصائب).
)(4االنتصار عىل النفس رضوري لالنتصار عىل العدو.
)(5فوائد املجاهدة (تحقيق العبودية هلل ،املنافسة واملسارعة يف
الخريات ،العزة والرفعة ،القدرة عىل مجاهدة العدو.)..
)(6كيف نجاهد أنفسنا؟ (ترغيب النفس وترهيبها ،إلزامها
بالواجبات مهام كانت شاقة وعدم السامح لها برتكها بأي حال،
الصرب ،التدرج بها ،استغالل نشاطها والرتفق عند النفور.)...
29
هدايات قرآنية:
َ َّ َ َ ٰ َ ُ ْ َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ ُ ُ َ َ َّ َّ َ َ
ٱلل ل َم َع )(1قال تعاىل﴿ :وٱلِين جهدوا فِينا لهدِينهم سبلنا ۚ ِإَون
ني .(((﴾69 سن َ حٱل ۡ ُم ۡ
ِ ِ
َ َ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ َ ٰ َ ُ َ َ ٰ ُ َ َ َ َّ ُ َّ ُ َ َ ٰ ۡ
)(2وقال تعاىل﴿ :أفرءيت م ِن ٱتذ إِلههۥ هوىه وأضله ٱلل ع عِل ٖم
ِش َوة ف َمن َي ۡهدِيهِ
َٰ ٗ َ
صه ِۦ غ ع بَ َ ع َس ۡمعِهِۦ َوقَ ۡلبِهِۦ َو َج َع َل َ َ ٰ َو َخ َت َم َ َ ٰ
ِ
َّ َ َ َ َ َ َّ ُ َ
ِم ۢن َب ۡع ِد ٱللِۚ أفل تذكرون . ﴾23واملتبع هواه مل يجاهد
(((
قبسات نبوية:
)(5عن فضالة بن عبيد ،قال سمعت رسول هللا يقول:
جا ِه ُد َم ْن َ
جا َه َد نَف َْس ُه هلل -أو قالِ :ف هللا .((()) - ((الْ ُم َ
العنكبوت.69 : (((
الجاثية.23 : (( (
الشمس.10-7 : (((
الكهف.28 : (( (
أحمد ،27725 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.6679 : (( (
30
)(6عن أنس بن مالك قال :قال رسول هللا :
ات))((( وترك َّت ال َّنا ُر بِالشَّ َه َو ِ حف ِ ج َّن ُة بِالْ َمكَار ِِهَ ،و ُ َّت الْ َحف ِ (( ُ
مكاره النفوس هو املجاهدة ،وضدها :اتباع الهوى والشهوة.
حو ك ْم َع َل َما َ ْي ُ )(7عن أيب هريرة إن رسول هللا قال(( :أَلَ أَ ُدلُّ ُ
ات؟)) ،قالوا :بىل يا رسول هللا، ج ِ خطَايَاَ ،ويَ ْرفَ ُع ِب ِه ال َّد َر َ هللا ِب ِه الْ َ
ُ
خطَا إِ َل الْ َم َساج ِِد، غ الْ ُوضُ و ِء َع َل الْ َمكَار ِِهَ ،وك َْثَ ُة الْ ُ قال(( :إِ ْسبَا ُ
ك ُم ال ِّربَاطُ))((( ففضلت هذه الص َل ِة ،فَ َذلِ ُالص َل ِة بَ ْع َد َّ َوانْ ِتظَا ُر َّ
األعامل بأمور ،منها :مجاهدة النفس وتصبريها عىل الطاعات.
)(8عن أيب بن كعب قال :كان رجل ال أعلم رجالً أبعد من
املسجد منه ،وكان ال تخطئه صالة ،قال :فقيل له -أو قلت
له :- لو اشرتيت حامرا ً تركبه يف الظلامء ويف الرمضاء ،قال :ما
يرسين أن منزيل إىل جنب املسجد ،إين أريد أن يكتب يل ممشاي
إىل املسجد ورجوعي إذا رجعت إىل أهيل ،فقال رسول هللا
هللا ل ََك َذلِ َك كُلَّ ُه))((( ،فحاز هذا األجر ج َم َع ُ (( :قَ ْد َ
مبجاهدته لنفسه عىل تحمل امليش يف الحر والظلمة.
)(9عن سهل بن سعد عن رسول هللا قالَ (( :م ْن
ج َّن َة))((( وال جلَ ْي ِه أَضْ َم ْن لَ ُه ال َي ِر ْ ح َي ْي ِه َو َما بَ ْ َي لَ ْيَضْ َم ْن ِل َما بَ ْ َ
ضامن لهام بال مجاهدة.
31
أمثلة تطبيقية:
)(1عن املغرية بن شعبة أن النبي صىل حتى
انتفخت قدماه فقيل له :أتُكل َُّف هذا ،وقد غفر هللا لك ما تقدم
(((
من ذنبك وما تأخر؟! فقال(( :أَفَالَ أَكُو ُن َعبْدا ً شَ كُورا ً))
وتكلُّف اليشء :مجاهدة النفس عليه.
)(2عن عائشة قالت« :كان رسول هللا إذا دخل
العرش :أحيا الليل ،وأيقظ أهله ،وجد وشد املئزر»(((.
)(3كان مالك بن دينار يطوف يف السوق فإذا رأى اليشء يشتهيه ،قال
لنفسه« :اصربي فوهللا ما أمنعك إال من كرامتك عيل»(((.
أقوال مضيئة:
)(1قال عيل بن أيب طالب« :أول ما تنكرون من جهادكم أنفسكم»(((،
أي :أنه يقل االهتامم به فيصري مستنكرا ً.
)(2سأل أحدهم عبد هللا بن عمر عن الجهاد ،فقال له« :ابدأ
بنفسك فجاهدها ،وابدأ بنفسك فاْغ ُزها»(((.
)(3قال ابن املبارك« :فقوله (( :إن النرص مع الصرب))
يشمل النرص يف الجهادين :جهاد العدو الظاهر ،وجهاد العدو
الباطن ،فمن صرب فيهام نُرص وظفر بعدوه ،ومن مل يصرب
البخاري ،412 :مسلم.2819 : (((
البخاري ،2024 :مسلم.1174 : (((
فيض القدير.63/6 : (( (
جامع العلوم والحكم.196/1 : (( (
جامع العلوم والحكم.196/1 : (( (
32
فيهام وجزع قُهر وصار أسريا ً لعدوه أو قتيالً له»((( والعدو
الباطن :النفس.
)(4قال يحيى بن معاذ الرازي« :أعداء اإلنسان ثالثة :دنياه ،وشيطانه،
ونفسه ،فاحرتس من الدنيا بالزهد فيها ،ومن الشيطان مبخالفته،
ومن النفس برتك الشهوات» وال تُرتك الشهوات دون مجاهدة.
)(5قال عمر بن عبد العزيز« :ال تكن ممن يتبع الحق إذا وافق
هواه ،ويخالفه إذا خالف هواه ،فإذا ً أنت ال تثاب عىل ما وافقته
من الحق ،وتعاقب عىل ما تركته منه؛ ألنك إمنا اتبعت هواك يف
املوضعني»(((.
)(6قال الشاطبي« :املقصد الرشعي من وضع الرشيعة :إخراج
املكلف من داعية هواه حتى يكون عبدا ً هلل اختيارا ً ،كام هو
عب ٌد هلل اضطرارا ً»(((.
)(7قال ابن بطال« :جهاد املرء نفسه هو الجهاد األكمل ،قال تعاىل:
ٰ َ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ َ َّ َ ۡ َ َ َ َ َ َ ّ َ َ َ
﴿وأما من خاف مقام ربِهِۦ ونه ٱنلفس ع ِن ٱلهوى، ﴾40
(((
33
مراجع ُم ِعينة:
)(1مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(2دليل الفالحني ،البن عالن.
)(3معامل يف السلوك وتزكية النفوس ،د .عبد العزيز العبد اللطيف.
34
محاسبة النفس
يسعى الشيطان إلغواء ابن آدم ،ونفسه تأمره بالسوء ،وهو مع
ذلك كثري النسيان ،رسيع الغفلة ..مع أنه غري ضامن للنجاة ،مام جعل
ماسة إىل مراجعة النفس والنظر يف العمل لتصحيح الخطأ، الحاجة ّ
واالزدياد من الخري؛ استدراكاً للعمر واستعدادا ً للموت.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
مجازى به وحده.
ً .أاملرء مسئول عن عمله
.برسعة الغفلة وخطورتها عىل العبد.
)(2معنى املحاسبة.
)(3أركان املحاسبة.
)(4مواطن املحاسبة (قبل العمل ،بعده ،بعد املعصية ،بني وقت وآخر،
الخلوة.)..
)(5دوام املحاسبة الجادة الرصيحة :أساس للنجاة.
)(6ملاذا نحتاج املحاسبة؟ (قرص العمر ،بغتة املوت ،رسعة الغفلة،
نسيان الذنوب.)..
)(7فوائد املحاسبة (استدراك الخطأ ،زيادة الطاعات ،تهوين
الحساب.)..
)(8موانع املحاسبة (الغفلة ،العجب بالعمل ،الجهل ،االنشغال.)..
35
)(9كيف نحاسب أنفسنا؟ (الخلوة بالنفس بعيدا ً عن الناس بني حني
وآخر ملحاسبتها ،تذكر األعامل ومراجعة النفس بشكل متكرر
دائم وإن كان يومياً كان أحسن ،وأحسن منه عند كل فعل أو
قول ،طول النظر والتأمل ،ورمبا احتاج اإلنسان سؤاالً ومناقش ًة
مع بعض إخوانه ،وقد يحتاج الكتابة حيناً.)..
هدايات قرآنية:
س ماَّ َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َّ ُ ْ َّ َ َ ۡ َ ُ
نظ ۡر َن ۡف ٞ )(1قال تعاىل﴿ :يأيها ٱلِين ءامنوا ٱتقوا ٱلل ول
َ ُ َ
ري ۢ ب ِ َما ت ۡع َملون .(((﴾18ٱلل َخب ُ َ َّ َ ۡ َ َ َّ ُ ْ َّ َ
ٱلل إ َّن َّ َ
ِ قدمت ل ِغدٖۖ وٱتقوا ۚ ِ
َّ َّ َّ َ َّ َ ۡ ْ َ َ َّ ُ ۡ َ ٰٓ ٞ
طئِف ّم َِن ٱلش ۡي َطٰ ِن )(2وقال سبحانه﴿ :إِن ٱلِين ٱتقوا إِذا مسهم
َ َ َّ ُ ْ َ َ ُ ُّ ۡ ُ َ
صون .(((﴾201 تذكروا فإِذا هم مب ِ
ْ ُ
َ ْ َ َّ ۡ ََ ٓ ُۡ
ِ﴾2ول أقس ُِم بِانلَّف ِس ﴿ول أقس ُِم بِٱنلَّف ِس ٱلل َّو َامة )(3وقال تعاىل:
َّ
الل َّو َامةِ .(((﴾3
)(4فالنظر فيام قدم املرء ،والتذكر ،واللوم :كلها من محاسبة النفس.
قبسات نبوية:
)(1عن حنظلة األُسيدي قال :لقيني أبو بكر فقال :كيف أنت
يا حنظلة؟ قال :قلت :نافق حنظلة ،قال :سبحان هللا! ما تقول؟
قال :قلت :نكون عند رسول هللا يذكرنا بالنار والجنة
حتى كأنَّا رأي عني ،فإذا خرجنا من عند رسول هللا
36
عافسنا األزواج واألوالد والضيعات فنسينا كثريا ً ،قال أبو بكر:
فوهللا إنا لنلقى مثل هذا ،فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا
عىل رسول هللا .قلت :نافق حنظلة يا رسول هللا،
فقال رسول هللا :وما ذاك؟ قلت :يا رسول هللا نكون
عندك تذكرنا النار والجنة حتى كأنَّا رأي عني ،فإذا خرجنا من
عندك عافسنا األزواج واألوالد والضيعات نسينا كثريا ً ،فقال
ْس ِب َي ِد ِه إِ ْن لَ ْو تَ ُدو ُمو َن َع َل رسول هللا َ (( :وال َِّذي نَف ِ
ك ُة َع َل فُ ُر ِش ُ
ك ْم ك ُم الْ َم َلئِ َ حتْ ُ َما تَكُونُو َن ِع ْن ِديَ ،و ِف ال ِّذكْرِ ،ل َ
َصافَ َ
ات .((())- ح ْنظَلَ ُة َسا َع ًة َو َسا َع ًة � -ث َ َلثَ َ م َّر ٍ
ك ْن يَا َ َو ِف طُ ُر ِق ُ
ك ْمَ ،ولَ ِ
أمثلة تطبيقية:
)(1جاء رجل يشكو إىل عمر -وهو مشغول -فقال :أترتكون الخليفة
حني يكون فارغاً حتى إذا شغل بأمر املسلمني أتيتموه؟ ورضبه
بالدرة ،فانرصف الرجل حزيناً ،فتذكر عمر أنه ظلمه فدعا
به وأعطاه الدرة ،وقال له :ارضبني كام رضبتك ،فأىب الرجل
وقال :تركت حقي هلل ولك ،فقال عمر« :إما أن ترتكه هلل فقط،
وإما أن تأخذ حقك» فقال الرجل :تركته هلل ،فانرصف عمر إىل
منزله فصىل ركعتني ثم جلس يقول لنفسه« :يا ابن الخطاب:
كنت وضيعاً فرفعك هللا ،وضاالً فهداك هللا ،وضعيفاً فأعزك هللا،
وجعلك خليفة فأىت رجل يستعني بك عىل دفع الظلم فظلمته؟!
ما تقول لربك إذا أتيته؟ وظل يحاسب نفسه ،حتى أشفق
الناس عليه»(((.
((( مسلم.2750 :
(( ( انظر :تاريخ دمشق البن عساكر.292/44 :
37
)(2قال إبراهيم التيمي« :مثلت نفيس يف الجنة آكل من مثارها ،وأرشب
من أنهارها ،وأعانق أبكارها ،ثم مثلت نفيس يف النار آكل من
زقومها ،وأرشب من صديدها ،وأعالج سالسلها وأغاللها ،فقلت
لنفيس :أي نفيس ،أي يشء تريدين؟ قالت :أريد أن أرد إىل الدنيا
فاعمل صالحاً ،قلت :فأنت يف األمنية ،فاعميل»(((.
أقوال مضيئة:
)(1قال عمر بن الخطاب « :حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا،
وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ،فإنه أهون عليكم يف الحساب
غدا ً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ،وتزينوا للعرض األكرب ﴿يَ ۡو َمئ ِ ٖذ
ُ َ ٞ ُ ۡ َ ُ َ َ َۡ
تَٰ
ف مِنك ۡم خاف َِية .(((»(((﴾18 تعرضون ل
)(2قال عبيد هللا بن أيب جعفر« :إذا كان املرء يحدث يف املجلس،
فأعجبه الحديث فليمسك ،وإذا كان ساكتاً فأعجبه السكوت
فليتحدث»(((.
)(3قال الحسن« :رحم هللا عبدا ً وقف عند ه َّمه ،فإن كان هلل مىض،
وإن كان لغريه تأخر»(((.
)(4قال ابن القيم« :قال صاحب املنازل :املحاسبة لها ثالثة أركان:
أحدها :أن تقايس بني نعمته وجنايتك ،يعني :تقايس بني ما من
هللا وما ِم ْنك ،فحينئذ يظهر لك التفاوت ،وتعلم أنه ليس إال عفوه
محاسبة النفس البن أيب الدنيا.34 : (((
الحاقة.18 : (((
محاسبة النفس البن أيب الدنيا.22 : (((
السري.10/6 : (( (
إغاثة اللهفان البن القيم.81/1 : (( (
38
ورحمته ،أو الهالك والعطب ،وبهذه املقايسة تعلم حقيقة النفس
وصفاتها ،وعظمة جالل الربوبية وتفرد الرب بالكامل واإلفضال،
وأن كل نعمة منه فضل ،وكل نقمة منه عدل.
ثم تقايس بني الحسنات والسيئات فتعلم بهذه املقايسة أيهام أكرث
وأرجح قدرا ً وصفة.
وثاين هذه األركان :أن متيز ما للحق عليك من وجوب العبودية
والتزام الطاعة واجتناب املعصية ،وبني ما لك وما عليك ،فالذي لك
هو املباح الرشعي ،فعليك حق ولك حق ،فأ ِّد ما عليك يؤتك ما لك.
الثالث :أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك ،وكل معصية
عيت بها أخاك فهي إليك؛ ألن رضاء العبد بطاعته دليل عىل حسن َّ
ظنه بنفسه وجهله بحقوق العبودية ،وعدم عمله مبا يستحق الرب
ويليق أن يعامل به»(((.
)(5قال الغزايل « :محاسبة النفس نوعان :نوع قبل العمل،
ونوع بعده:
فأما األول :فهو أن يقف عند أول همه وإرادته ،وال يبادر بالعمل
حتى يتبني له رجحانه عىل تركه ...وقال :إذا تحركت النفس لعمل
من األعامل وه َّم به العبد ،وقف أوالً ونظر :هل ذلك العمل مقدور
له ،أو غري مقدور وال مستطاع؟ فإن مل يكن مقدورا ً مل يقدم عليه.
وإن كان مقدورا ً وقف وقفة أخرى ،ونظر :هل فعله خري له من
تركه أو تركه خري له من فعله؟ فإن كان الثاين تركه ومل يقدم عليه.
39
وإن كان األول وقف وقفة ثالثة ،ونظر :هل الباعث عليه إرادة
وجه هللا وثوابه ،أو إرادة الجاه والثناء واملال من املخلوق؟
فإن كان الثاين مل يقدم عليه -وإن أفىض به إىل املطلوب؛ لئال تعتاد
ويخف عليها العمل لغري هللا ،فبقدر ما يخف عليهاَّ النفس الرشك،
ذلك يثقل عليها العمل هلل تعاىل ،حتى يصري أثقل يشء عليها .-
وإن كان األول وقف وقفة أخرى ونظر :هل هو معان عليه ،وله
أعوان يساعدونه وينرصونه -إذا كان العمل محتاجاً إىل ذلك -أم
ال؟ فإن مل يكن له أعوان أمسك عنه -كام أمسك النبي
عن الجهاد مبكة حتى صار له شوكة وأنصار ،-وإن وجده معاناً عليه
فليقدم عليه فإنه منصور ،وال يف ُّوت النجاح إال من فوت خصلة من
هذه الخصال ،وإال فمع اجتامعها ال يفوت النجاح.
النوع الثاين :وهو محاسبة النفس بعد العمل ،وهو ثالثة أنواع:
أحدها :محاسبتها عىل طاعة قرصت فيها من حق هللا تعاىل ،فلم
توقعها عىل الوجه الذي ينبغي .وحق هللا يف الطاعة ستة أمور وهي:
اإلخالص يف العمل ،والنصيحة هلل فيه ،ومتابعة الرسول ،
وحصول املراقبة فيه ،وشهود م ّنة هللا عليه ،وشهود تقصريه فيه بعد
ذلك كله.
الثاين :أن يحاسب نفسه عىل كل عمل كان تركه خريا ً له من فعله.
الثالث :أن يحاسب نفسه عىل أمر مباح أو معتاد :مل فعله؟ وهل
أراد به هللا والدار واآلخرة ،فيكون رابحاً أو أراد به الدنيا وعاجلها
فيخرس ذلك الربح ويفوته الظفر به»(((.
((( إحياء علوم الدين 395-394/4 :بترصف.
40
مراجع ُم ِعينة:
)(1مدارج السالكني ،البن القيم.
)(2مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
41
االبتالء
هو االختبار واالمتحان والفتنة .وهللا تعاىل إمنا خلق الجن واإلنس
ليبتليهم ويختربهم ،فيتبني املؤمن من الكافر .وأغلب الخلق يف غفلة
عن هذا ،ومنهم من يستشعر االبتالء حال الفنت التي هي أشد االبتالء،
ىل حال الصحة واملرض ،والغنى والفقر، وقليل من يفطن أنه مبت ً
والزواج وعدمه ،والولد والعقم ،والعلم والجهل ،والذكاء والغباء،
والقوة والضعف....
فالعبد يعيش يف ابتالء دائم يف سائر أوقاته وأحواله من رضاء أو
رساء ،أو طاعة أو معصية.
واملطلوب منه :أن يصرب يف الرضاء ،ويشكر يف الرساء ،ويجتهد
يف الطاعات ويحمد هللا عندها ويستمر عليها ويزيد فيها ،ويجتنب
املعايص ،ويسارع إىل التوبة منها تركاً وندماً وعزماً عىل عدم العود
إليها ،مع الحرص عىل استبدالها بطاعة.
عناصر مقترحة:
)(1خلق هللا الخلق ليبتليهم أيهم أحسن عمالً.
)(2حقيقة االبتالء.
)(3االبتالء بالرضاء واملصائب.
)(4االبتالء بالنعم.
)(5االبتالء بالطاعات.
42
)(6حكمة االبتالء باملعايص.
.أإصالح عالقة العبد بربه (بالتوبة واالستغفار واللجوء إىل
هللا والتواضع له والخوف منه وطلب عفوه؛ لريجع بعد
املعصية خريا ً منه قبلها).
.بإصالح عالقة العبد بنفسه (ليعرف ضعفه وعجزه ويندم
ويبيك ويزول عنه العجب والغرور).
.جإصالح عالقة العبد باآلخرين (ليطلب منهم املسامحة
والعفو ويتواضع لهم دون تكرب).
)(7الناس حال االبتالءات.
)(8نتائج االبتالء (تحقيق العبودية هلل ،توبة العصاة ،كشف املنافقني،
َمحق الكافرين ،إظهار املؤمنني ،رفعة درجاتهم ،متكينهم يف
األرض ،إكرام املؤمنني وإهانة الكافرين يف اآلخرة).
)(9كيف ننجح حال االبتالء؟
هدايات قرآنية:
َ َ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ُّ ُ َ َّ
ك ۡم أ ۡح َسنُ ٱلي ٰوة ِلَبل َوكم أي
﴿ٱلِي خلق ٱلموت و َ )(1قال تعاىل:
ُ َ َٗ ََُ َۡ ُ َُۡ
عمل ۚ وهو ٱلع ِزيز ٱلغفور . ﴾2
(((
43
ت ُك ٓوا ْ أَن َي ُقول ُ ٓوا ْ َء َامناَّ اس أَن ُي ۡ َ ِب ٱنلَّ ُ )(3وقال تعاىل﴿ :ال ٓ ٓم ١أَ َحس َ
ِين مِن َق ۡبلِه ۡمۖ فَلَ َي ۡعلَ َم َّن َّ ُ
ٱلل ون َ ٢ولَ َق ۡد َف َت َّنا َّٱل َ َ ُ ۡ َ َُُۡ َ
وهم ل يفتن
ِ
َ ٰ َ ۡ َّ َ َ ۡ َ َ َ ْ َّ َ َ َ ُ
ٱلِين صدقوا َولعلمن ٱل َك ِذبِني . ﴾٣
(((
44
َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ْ ۡ َ َّ َ َ َ َّ َ ۡ ُ َّ َ ُ
)(10وقال تعاىل﴿ :أم حسِبتم أن تدخل ۡوا ٱلنة ولما يأت ِكم مثل
ۡ ُ ْ َ ۡ ُ َّ َّ ۡ ُ ُ ۡ َ َ ٓ ُ َ َّ َّ ٓ َّ َ َ َ ۡ ْ
ت ٱلضا ُء َو ُزل ِزلوا َح َّ ٰ و ءا س أ ٱل م ه ت س م ۖم ِك ل ب ق ِنم ٱلِين خلوا
ۡ َ َّ َ َّ ٓ َ َ َ ْ
َ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ٰ ۡ ُ َّ َّ ُ
ص ٱللِ ص ٱللِۗ أل إِن ن يقول ٱلرسول وٱلِين ءامنوا معهۥ مت ن
. (((
﴾214 قَر ٞ
يب ِ
ِك ۡم َولَتَ ۡس َم ُع َّن مِنَ ُ َ ُ ۡ َ ُ َّ ٓ َ ۡ َ ٰ ُ ۡ َ َ ُ
َ َ )(11وقال ُ﴿ :لبلون ِف أمول ِكم وأنفس
ري ۚا
َ ٗ
شك ٓوا أذى كث ِ ٗ ْ ُ ۡ
ِين أ َ ِك ۡم َوم َِن َّٱل َ
َۡ ُ
ل ب ق ِن
م ب َّٱل َ
ِين أوتُوا ْ ۡٱلك َِتٰ َ
ُ َ ۡ ُ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َّ َ َ ۡ َ ۡ ۡ ُ
ِإَون تص ِبوا وتتقوا فإِن ذٰل ِك مِن عز ِم ٱلمورِ . ﴾186
(((
قبسات نبوية:
جباً ِلَ ْم ِر الْ ُم ْؤ ِمنِ ،
ول هللا َ (( :ع َ رس ُ صهيب قال :قال ُ )(1عن ُ
سا ُء
صابَتْ ُه َ َّ ح ٍد إِلَّ لِلْ ُم ْؤ ِمنِ ،إِ ْن أَ ََاك ِلَ َ
سذ َ يَ ،ولَ ْي َ خ ٌْإِ َّن أَ ْم َرهُ كُلَّ ُه َ
خ ْيا ً لَ ُه))(((. ب فَكَا َن َ ص ََ ضا ُءَ ، خ ْيا ً لَ ُهَ ،وإِ ْن أَ َ
صابَتْ ُه َ َّ ك َر ،فَكَا َن َ شَ َ
)(1عن أنس بن مالك عن رسول هللا أنه قال(( :إِ َّن ِعظَ َم
ب قَ ْوماً ابْتَ َل ُه ْم فَ َم ْن ح َّ هللا إِذَا أَ َ ج َزا ِء َم َع ِعظ َِم الْ َب َل ِء َوإِ َّن َ ال ْ َ
خطُ))(((. الس َط فَلَ ُه َّض فَلَ ُه ال ِّرضَ ا َو َم ْن َس ِخ َ َر ِ َ
أمثلة تطبيقية:
أ .االبتالء بالرض واملصائب أمثلته كثرية منها:
بي و ُهو دخلت عىل ال َّن ِّ
ُ دري قال:
خ ّ )(1عن أيب سعيد ال ُ
يدي فوق
َّ فوضعت يدي عليه ،فوجدتُ ح َّرهُ بني ُ يُ ُ
وعك،
البقرة.214 : (((
آل عمران.186 : (( (
مسلم.2999 : (((
الرتمذي ،2396 :ابن ماجة ،4031 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.211 : (( (
45
رسول هللا ما أش ّدها عليك! قال(( :إنَّا كذلِ َك ُلت :يا ُ اللِّحاف ،فق ُ
أيرسول هللا ُّ ُلت :يا ُ ج ُر)) ،ق ُ يض َّع ُف لَنا البال ُء ،ويض َّع ُف لَنا األ ْ
رسول هللا ث ُ ّم من؟ ُلت :يا ُ ال ّناس أش ُّد بال ًء؟ قال(( :األنبيا ُء)) ،ق ُ
الصالِحونَ ،إن كا َن أح ُد ُهم ل ُيبتَىل بالفَق ِر حتَّى ما يج ُد قال(( :ث ُ َّم َّ
ح بالبال ِء كام إل ال َعباء َة يَحويها ،وإن كا َن أح ُد ُهم ليف َر ُ أح ُد ُهم َّ
ح أح ُدكُم بال َّرخا ِء))(((. يف َر ُ
رسول هللا سمعت ُ ُ )(2عن أُ ّم سلمة أنّها قالت:
َّ
هللا﴿ :إِنا ُول َما أَ َم َرهُ ُ ُولَ (( :ما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم ت ُِصي ُب ُه ُم ِصي َب ٌة ،فَ َيق ُ يق ُ
َّ َّ ۡ َ ٰ ُ َ َ ٓ
خلِ ْف ِ
ل ف ُم ِصي َب ِتيَ ،وأَ ْ ن ِ ج ْر ِ جعون﴾((( ،الل ُه َّم أْ ُ ِلِ ِإَونا إِلهِ ر ِ
فلم مات أبُو خ ْيا ً ِم ْن َها)) ،قالتّ : هللا لَ ُه َ
خل ََف ُ خ ْيا ً ِم ْن َها ،إِ َّل أَ ْ َ
ري من أيب سلمة؛ أ ّو ُل بيت هاجر إىل أي امل ُسلمني خ ٌ ُلتُّ : سلمة ق ُ
رسول هللا هللا يل ُ إن قُلتُها؛ فأخلف ُ رسول هللا ؟! ث ُ ّم ّ ُ
ول هللا حاطب بن رس ُ يل ُ ،قالت :أرسل إ َّ
ُلت :إ ّن يل بنتاً وأنا غ ُيو ٌر ،فقال(( :أَ َّما أيب بلتعة يخطُ ُبني ل ُه ،فق ُ
َي ِة))(((. ب بِالْغ ْ َ هللا أَ ْن يَ ْذ َه َهللا أَ ْن يُ ْغ ِن َي َها َع ْن َهاَ ،وأَ ْد ُعو َ
ابْ َنتُ َها فَ َن ْد ُعو َ
ب .من أمثلة االبتالء بالنعم والخري:
ۡٞ َّ َ َ
)(1إحضار عرش بلقيس لسليامن ﴿ :قال ٱلِي ع َ
ِندهُۥ عِلم
ك فَلَماَّ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َّ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ ّ َ ۡ َٰ ََ۠ َ َ
ب أنا ءاتِيك بِهِۦ قبل أن يرتد إِلك طرف ۚ مِن ٱلكِت ِ
ك ُر أَمۡ َ ۡ َ ّ َۡ َُ ٓ ََ ۡ ُ َ َ ُ ُ ۡ َ ًّ َ ُ َ َ َٰ َ
رءاه مستقِرا عِندهۥ قال هذا مِن فض ِل ر ِب ِلبلو ِن ءأش
نٞ َ
ك َف َر فَإ ِ َّن َرب غ ّ
ّ َ َ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ۡ ُ ُ َ ۡ
ِ ِ سهِۖۦ ومن أكفر ۖ ومن شكر فإِنما يشكر لِ ف ِ
(( ( أحمد ،11483 :ابن ماجه ،2024 :وصححه األلباين يف صحيح ابن ماجه.3250 :
((( البقرة.156 :
((( مسلم.918 :
46
ُ ّ َ ْ ً ْ َ َ َ َ ََ َكر ٞ
يم﴾40فل َّما َرآهُ ُم ْس َتقِ ّرا عِن َدهُ قال هذا م ِْن فض ِل َر ِب ِلَبْل َو ِن ِ
َ َ ْ َ ََ َ َ ْ ُ ُ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ ْ
سهِ ومن كفر ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإِنما يشكر لِ ف ِ
يم .(((﴾40 ن َكر ٌ فَإ ِ َّن َر ّب َغ ٌّ
ِ ِ ِ
)(2قصة األقرع واألبرص واألعمى الذين عافاهم هللا من
عاهاتهم ،وأعطاهم ماالً ،ثم اختربهم بإنفاق يشء منه ،فجحد
األقرع واألبرص ،وشكر األعمى ،فريض هللا عنه ،وسخط
عىل صاحبيه(((.
ج .من أمثلة االبتالء باملعايص:
َ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ
ي َـٔاد ُم ابتالء آدم باألكل من الشجرة ،قال تعاىل﴿ :وقلنا
ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ َّ َ َ ُ َ ۡ َ َ َ ً َ ۡ ُ ۡ ُ َ َ َ
ٱسكن أنت وزوجك ٱلنة وك مِنها رغدا حيث شِئتما ول
ٱلش ۡي َطٰنُ َّ ني 35فَأَ َزل َّ ُهماَ ٱلظٰلِم َ
ِ
َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ
تق َر َبا هٰ ِذه ِ ٱلشجرة فتكونا مِن
َ َۡ
َ ُ ّٞ ك ۡم لِ َ ۡ ََُۡ ۡ ُ ْ َۡ ُ ُ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ ُ َ َّ َ َ
ۖ و د ع ض ٍ ع ض ع ب وا طِ ب ٱه ا ن ل قو عنها فأخرجهما مِما كن ۖ
ِ ه ِي ف ا
كنْ َ ُ َْ َ َ ُ ْ ُ ُ ۡ َ َ َّ ٌ َ َ َ ٞ َۡ كۡ ََ ُ
ِني﴾36وقلنا ياآدم اس ح لٰ ِ إ ع ٰ ت مو ر ق ت س م ِ
ۡرض ٱل فِ م ول
ٖ
َ ْ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َّ َ َ ُ َ ْ َ َ َ ً َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ
أنت وزوجك النة وك مِنها رغدا حيث شِئتما ول تقربا ه ِذه ِ
خ َر َج ُهماَ َ َ َ َّ ُ َ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ الظالِم َ َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ
ني 35فأزلهما الشيطان عنها فأ ِ الشجرة فتكونا مِن
ْ َْ ُ َ ْ ُ ُ ُْ ْ َ َ
م َِّما كنا فِيهِ َوقل َنا اهب ِ ُطوا َبعضك ْم لِ َ ْع ٍض َع ُد ٌّو َولك ْم ِف الر ِض
ُ ْ َ َ ٌّ َ َ َ ٌ َ
ِني .(((﴾36 ٍ ح ل مستقر ومتاع إ ِ
47
د .من أمثلة االبتالء بالطاعات:
ََ َ َۡ ُ َ
أمر إبراهيم بذبح ولده اختبارا ً له﴿ :ونٰدينٰه أن
َّ سن َ ۡ ۡ َ ٰٓ ۡ َ ٰ ُ َ ۡ َ َّ ۡ َ ُّ ٓ َّ َ َ َ َ ۡ
ني 105إِن ٱلر ۡءيَا ۚ إِنا كذٰل ِك ن ِزي ٱل ُمح ِ ِ يإِبرهِيم 104قد صدقت
ل ُؤا ْ ٱل ۡ ُمب ُ َٰ َ َُ َ َۡ َ
ني.(((﴾106 ِ ٰٓ هذا لهو ٱل
أقوال مضيئة:
)(1قال عبد الرحمن بن عوف « :ابتلينا بالرضاء فصربنا،
وابتلينا بالرساء فلم نصرب»(((.
)(2سأل رجل الشافعي فقال« :يا أبا عبد هللا أميا أفضل للرجل :أن
ميكَّن أو يُبتىل؟ فقال الشافعي :ال ميكن حتى يبتىل»(((!
)(3قال بعض السلف« :البالء يصرب عليه املؤمن والكافر ،وال يصرب
عىل العافية إال الصديقون»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1طريق الهجرتني ،البن القيم.
)(2جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(3يف ظالل القرآن ،لسيد قطب (يف كالمه عىل اآليات الواردة يف
املوضوع).
48
االستغفار
االستغفار :طلب املغفرة من هللا .واملغفرة :سرت الذنوب وترك
املعاقبة عليها.
وطلب املغفرة :يكون برتك الذنب ،والندم عليه ،والتصميم عىل
عدم العودة إليه ،واإلكثار من االستغفار.
وليس يستغني عن هذا أحد من الناس؛ ألن كل بني آدم خطّاء،
وخري الخطائني التوابون.
عناصر مقترحة:
)(1كل بني آدم خطاء.
)(2حقيقة االستغفار (إقالع وندم وتصحيح).
)(3بواعث االستغفار:
)(4معرفة هللا تعاىل (نعمه ،مغفرته ،شدة عذابه).
)(5معرفة آثار الذنوب.
)(6فضائل االستغفار.
)(7مثرات االستغفار.
)(8أحوال الصالحني مع االستغفار.
)(9األسباب األخرى ملغفرة الذنوب (كرثة الطاعات ومنها :إسباغ
الوضوء ،وامليش إىل املساجد ،وانتظار الصلوات ،والصرب عىل
املصائب.)..
49
)(10سيد االستغفار.
)(11كيف نكرث من االستغفار؟ (حفظ أدعيته وفهم معانيها،
استغالل أوقاته التي يرشع فيها ،املداومة عىل االستغفار مائة
مرة يومياً.)..،
)(12أوقات االستغفار (بعد املصيبة ،يف الركوع والسجود ،بعد
الصالة ،يف األسحار ،يف الصباح واملساء.)..،
هدايات قرآنية:
َ َ َّ َ َ ُ َّ ُ َّ ۡ َ ٓ َ ّٓ ََ َُۡ
)(1وقال تعاىل﴿ :نبِئ عِبادِي أ ِن أنا ٱلغفور ٱلرحِيم 49وأن عذ ِاب
ُ َۡ َ ُ َۡ
ُ
ه َو ٱلعذاب ٱل ِلم . ﴾50
(((
ٱللََّ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ ٓ ً َ ۡ َ ۡ ۡ َ ۡ َ ُ ُ َّ َ ۡ َ ۡ
)(2قال سبحانه﴿ :ومن يعمل سوءا أو يظل ِم نفسهۥ ثم يستغفِ ِر
ِيما .(((﴾110 ورا َّرح ٗ ٱلل َغ ُف ٗ
َي ِد َّ َ
َ ِ
ۡ َ َ َ َ َُّ ّ
ٱلل ِلُ َعذ َِب ُه ۡم َوأ َ َّ َ
﴿و َما كن ُ َ )(3وقال َ :
نت فِي ِه ۚم وما كن ٱلل
َ ۡ ُ ّ
ُم َعذ َِب ُه ۡم َوه ۡم ي َ ۡس َتغفِ ُرون .(((﴾33
َ َّ َ َ َ َ ُ ْ َ ٰ َ ً َ ۡ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ َ ُ ۡ َ َ ُ ْ
حشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا )(4وقال تعاىل﴿ :وٱلِين إِذا فعلوا ف ِ
َّ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ ُ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُّ ُ َ َّ َّ ُ َ َ ۡ ُ ُّ ْ
صوا ٱلل فٱستغفروا ِلنوب ِ ِهم ومن يغفِر ٱذلنوب إِل ٱلل ولم ي ِ
ّ ُ ْ َ ٰٓ َ َ َ ٓ ُ ُ َّ ۡ َ ٞ َ َٰ َ َ َ ُ ْ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ
ع ما فعلوا وهم يعلمون 135أولئِك جزاؤهم مغفِرة مِن
َ
ِيها ۚ َون ِۡع َم أ ۡجرُ تت ِ َها ۡٱلَنۡ َه ٰ ُر َخ ٰ ِل َ
ِين ف َ َۡ
ت ت ِري مِن
َّ ّ ۡ َ َ َّ ٰ ۡ َ ٞ
رب ِ ِهم وجن
ِني .(((﴾136 ۡٱل َعٰمل َ
ِ
إبراهيم.50-49 : (((
النساء.110 : (( (
األنفال.33 : (((
آل عمران.136 -135 : (( (
50
َ ۡ َ َۡ َ ُ ْ َ ٗ ّ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ
ِ ار ح س ٱل ِ ب و 17 ون )(5وقال ﴿ :كنوا قل ِيل مِن ٱل ِل ما يهجع
َ ۡ ُ
ه ۡم ي َ ۡس َتغ ِف ُرون .(((﴾17
ك ۡم إنَّ ُهۥ َك َن َغ َّف ٗ َ ُ ۡ ُ ۡ َ ۡ ُ ْ َ َّ ُ
ارا 10 ِ )(6وقال سبحانه﴿ :فقلت ٱستغفِروا رب
َ َُۡ ۡ ُ َّ ٓ َ َ ُ
كم بأ ۡم َوٰل َو َبن َ
ني ِ ٖ ِ ٱلس َما َء عل ۡيكم ّم ِۡد َر ٗارا ١١ويمدِد يُ ۡرس ِِل
ٗ ٰ َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ َّ ٰ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ ۡ
ت ويجعل لكم أنهرا . ﴾١٢
(((
ويجعل لكم جن ٖ
َ ۡ ۡ َ ُ ُ َ َ َّ َ ۡ ۡ ََ َ َّ َ ٓ
ِين َجا ُءو ِم ۢن بع ِدهِم يقولون ربنا ٱغ ِفر لا )(7وقال تعاىل﴿ :وٱل
ٗ
ت َع ۡل ف قُلُوب َنا غ ِّل ّل َِّلِينَ َٰ َ َ َۡ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َّ َ َ َ ُ َ
ِ ِ و ِ ِلخون ِنا ٱلِين سبقونا ب ِ ِ
ٱليم ِن ول
وف َّرح ٌ َ َ ُ ْ َ َّ َ ٓ َّ َ َ ُ ٞ
ِيم .(((﴾10 ءامنوا ربنا إِنك رء
قبسات نبوية:
)(1عن أيب هريرة قال سمعت النبي قال(( :إ َّن
ت- ب أ ْذنَ ْب ُ َب َذنْباً َ -
فقالَ :ر ِّ أصاب َذنْباً -و ُر َّبا َ
قال أ ْذن َ َ َع ْبدا ً
فقال َربُّ ُه :أ َعلِ َم َع ْب ِدي أ َّن له َربّاً
ت -فا ْغ ِف ْر ِلَ ، أص ْب ُ و ُر َّبا َ
قالَ :
هللا ث ُ َّم ْب ويَأْ ُ
خ ُذ ب ِه؟ َغ َف ْرتُ لِ َع ْب ِدي ،ث ُ َّم َمكَثَ ما شا َء ُ يَ ْغ ِف ُر ال َّذن َ
خ َر،
ت-آ َ أص ْب ُ
ت -أ ْو َ ب أ ْذنَ ْب ُ َب َذنْباًَ ،
فقالَ :ر ِّ أصاب َذنْباً ،أ ْو أ ْذن َ
َ
ْب ويَأْ ُ
خ ُذ ب ِه؟ فقال :أ َع ِل َم َع ْب ِدي أ َّن له َربّاً يَ ْغ ِف ُر ال َّذن َ
فا ْغ ِف ْرهُ ؟ َ
قال: َب َذنْباً ،و ُر َّبا َ َغ َف ْرتُ لِ َع ْب ِدي ،ث ُ َّم َمكَثَ ما شا َء ُ
هللا ،ث ُ َّم أ ْذن َ
خ َر ،فا ْغ ِف ْرهُ
ت-آ َ ت -أ ْو َ
قال أ ْذنَ ْب ُ أص ْب ُب َ قالَ :
قالَ :ر ِّ أصاب َذنْباًَ ،
َ
ْب ويَأْ ُ
خ ُذ ب ِه؟ َغ َف ْرتُ فقال :أ َعلِ َم َع ْب ِدي أ َّن له َربّاً يَ ْغ ِف ُر ال َّذن َ
ِلَ ،
(( ( الذاريات.8-17 :
((( نوح.12 -10 :
(( ( الحرش.10 :
51
لِ َع ْب ِدي ث َالثاً ،فَلْ َي ْع َم ْل ما شا َء .((()).أي :مادام أنه كلام غلبته نفسه
فوقع يف ذنب ندم عليه وتاب منه واستغفر .وليس املقصود أن
يفتح له أبواب املعايص فليعمل ما شاء!
)(2عن أيب هريرة أن رسول هللا قال(( :يَ ْنز ُِل
ني يَ ْبقَى �ثُلُثُ اللَّ ْيلِ الس َم ِء ال ُّدنْ َيا ِح َ
َربُّ َنا ك َُّل لَ ْيلَ ٍة إىل َّ
ِيب له؟ َمن يَ ْسأَلُ ِني فَأُ ْع ِط َي ُه؟ َمن فأستَج َ ون ْيقولَ :من يَ ْد ُع ِ ِ
اآلخ ُر ُ
يَ ْستَ ْغ ِف ُر ِن فأ ْغ ِف َر له؟))(((.
)(3عن أنس بن مالك قال سمعت رسول هللا
ج ْوت َني
هللا :يا اب َن آ َد َم ،إنَّك ما َد َع ْوتَني ور َ يقول(( :قال ُ
َت ذُنوبُك غ َف ْرتُ لك عىل ما كان فيك وال أُبايل ،يا اب َن آ َد َم ،لو بَلَغ ْ
السام ِء ث َّم استَغ َف ْرتَني َغ َف ْرتُ لك وال أُبايل ،يا اب َن آ َد َم ،إنَّك
َعنا َن َّ
رش ُك يب شَ يئاً، خطايا ث َّم لَقيتَني ال تُ ِ ِ
األرض َ لو أَت َ ْيتَني بق ِ
ُراب
لَ َتَ ْيتُك بقُرابِها َمغفرةً))(((.
((س ِّي ُد ِ
ال ْس ِتغْفا ِر )(4عن شداد بن أوس عن النبي َ :
خلَ ْقتَ ِني وأنا َع ْب ُد َك ،وأنا
ْتَ ، ْت َر ِّب ال إلَ َه َّ
إل أن َ أ ْن تَق َ
ُول :الل ُه َّم أن َ
ت، ص َن ْع ُش ما َ بك ِمن َ ِّ ت ،أ ُعو ُذ َ عل َع ْه ِد َك و َو ْع ِد َك ما ْ
استَطَ ْع ُ َ
ل ،وأَبُو ُء َ
لك ب َذنْبِي فا ْغ ِف ْر ِل ،فإنَّه ال يَ ْغ ِف ُر لك ب ِن ْع َم ِت َك َع َ َّ
أبُو ُء َ
قال(( :و َمن قالَها ِم َن ال َّنها ِر ُمو ِقناً بها ،فَامتَ
ْت)) َ ال ُّذن َ
ُوب إلَّ أن َ
52
ج َّن ِة ،و َمن قالَها ِم َن اللَّ ْيلِ س ،فَهو ِمن أ ْهلِ ال َ ِمن يَو ِم ِه قَ ْب َل أ ْن ُ ْي ِ َ
ج َّن ِة))(((. صب َِح ،فَهو ِمن أ ْهلِ ال َ وهو ُمو ِق ٌن بها ،فَامتَ قَبْ َل أ ْن يُ ْ
جلٍ )(5عن عيل أن رسول هللا قال(( :ما ِمن َر ُ
هللا إالَّ َغ َف َر يستَغ ِف ُر َ َ
ص ِّل ث َّم ب ذَنباً ث َّم يقو ُم فيَتَطَه ُر ث َّم يُ َ َ يُذنِ ُ
نف َس ُه ۡم َذ َك ُروا ْ َّ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َٰ َ ً ۡ َ َ ُ ٓ ْ ُ َّ
ٱلل حشة أو ظلموا أ هللا ل ُه﴿ :وٱلِين إِذا فعلوا ف ِ ُ
َ َ ْ َ َّ َّ ُ ُّ ۡ ۡ ََ َ ُ ُ ْ َ ۡ َ ۡ َ
ع َما صوا ٰ ٱلل َول ۡم يُ ِ ُّ
وب إل ُ َ
فٱستغف ُروا ِلنوب ِ ِهم ومن يغفِ ُر ٱذلن ِ
َ َ َ ُ ْ ُ
ف َعلوا َوه ۡم َي ۡعل ُمون (((﴾135إىل آخ ِر اآلي ِة))(((.
)(6عن ابن عباس قال :قال رسول هللا َ (( :من لَ ِز َم
كل َه ٍّم فَ َرجاً، كل ِضيقٍ َمخ َرجاً ،و ِمن ِّ هللا له ِمن ِّ االس ِتغفا َر ،ج َع َل ُ
ب))(((. و َر َزقَه ِمن حيث ال يَحتَ ِس ُ
قال: جالً َ )(7عن جندب أن رسول هللا حدث :أ َّن َر ُ
ل قالَ (( :من ذا الذي يَتَأَ َّل َع َ َّ َعال َ هللا ت َهللا لِفُالنٍ ،وإ َّن َ هللا ال يَ ْغ ِف ُر ُ و ِ
ْت َ ع َمل ََك))(((. حبَط ُ فإن ق ْد َغ َف ْرتُ لِفُالنٍ ،وأَ ْ أ ْن ال أ ْغ ِف َر لِفُالنٍ ِّ ،
أمثلة تطبيقية:
)(1عن عائشة قالت :كان رسول هللا يكرث أن
ح ْم ِد َك الل ُه َّم
حان ََك الل ُه َّم َربَّ َنا و ِب َ
((س ْب َ
يقول يف ركوعه وسجودُ :
ا ْغ ِف ْر يل)) يتأ َّول القرآن(((.
53
)(2عن أيب هريرة قال :سمعت رسول هللا
ْث ِمنوم أك َ َ هللا وأَت ُ
ُوب إلَ ْي ِه يف ال َي ِ إن لَ َ ْستَ ْغ ِف ُر َ يقول(( :و ِ
هللا ِّ
َس ْب ِع َ
ني َ م َّرةً))(((.
)(3عن ابن عمر قال :إن كنا لنع ُّد لرسول هللا يف
عل؛ إن ََّك َ
أنت ُب َ َّ ((رب اغ ِف ْر يل وت ِّْ املجلس الواحد مائة مرة:
اب ال َّرحي ُم))(((. التَّ َّو ُ
)(4عن ابن عمر قال :كنت جالسا ً عند النبي
فسمعته استغفر مائة مرة ،ثم يقول(( :الله َّم اغف ْر يل وارح ْمني
تواب غفو ٌر .((())- ٌ التواب الرحي ُم -أو إنك ُ يل إنك أنت وتب ع َّ
ْ
)(5عن عائشة قالت :ما كان رسول هللا يقوم من
ْت،
إل أن َ رب و ب ِ
ِحمد َك ،ال إل َه َّ ((سبحان ََك الل ُه َّم ِّ مجلس إال قالُ :
إليك)) وقال(( :ال يَقولُ ُه َّن أح ٌد حيْثُ يَقو ُم من ُوب َ أستغ ِف ُر َك و أت ُ ْ
س))(((. جلِ ِإل ُغ ِف َر ل ُه ،ما كان ِم ْن ُه يف ذلِ َك امل ْ مجلِ ِس ِه َّ
)(6عن أيب أيوب األنصاري قال« :قدمنا الشام فوجدنا
مراحيض بُنيت ِق َبل القبلة ،فننحرف عنها ونستغفر هللا تعاىل»(((.
أقوال مضيئة:
)(1يروى عن لقامن أنه قال البنه« :يابني عود لسانك اللهم اغفر يل
فإن هلل ساعات ال يرد فيها سائالً»(((.
البخاري.85/11 : (((
أبو داود ،1516 :وصححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود.1342 : (( (
أحمد ،5331 :وصححه أحمد شاكر. (( (
الحاكم ،1827 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.4867 : (( (
البخاري ،394 :مسلم.264 : (((
جامع العلوم والحكم.394/1 : (( (
54
)(2قال أبو موىس « :كان لنا أمانان ،ذهب أحدهام -وهو
كون الرسول فينا ،-وبقي االستغفار معنا ،فإذا
ذهب هلكنا»(((.
)(3قال الحسن« :أكرثوا من االستغفار يف بيوتكم وعىل موائدكم
ويف طرقكم ويف أسواقكم ويف مجالسكم وأينام كنتم ،فإنكم ما
تدرون متى تنزل املغفرة»(((.
)(4قال الفضيل « :استغفار بال إقالع توبة الكذابني»(((.
)(5عن رابعة العدوية« :استغفارنا يحتاج إىل استغفار كثري»(((.
)(6قال قتادة« :إن هذا القرآن يدلكم عىل دائكم ودوائكم ،فأما
داؤكم فالذنوب ،وأما دواؤكم فاالستغفار»(((.
)(7سئل سهل عن االستغفار الذي يكفر الذنوب ،فقال« :أول
االستغفار :االستجابة ،ثم اإلنابة ،ثم التوبة .فاالستجابة أعامل
الجوارح ،واإلنابة أعامل القلوب ،والتوبة إقباله عىل مواله ،بأن
يرتك الذنب ،ثم يستغفر هللا من تقصريه الذي هو فيه»(((.
)(8قال ابن الجوزي« :إن إبليس قال :أهلكت بني آدم بالذنوب،
وأهلكوين باالستغفار وبـ (ال إله إال هللا).(((»..
55
)(9قال ابن رجب« :االستغفار التام املوجب للمغفرة هو ما قارن
عدم اإلرصار ،كام مدح هللا تعاىل أهله ووعدهم باملغفرة»(((.
)(10قال بعض العارفني« :من مل يكن مثرة استغفاره تصحيح توبته
فهو كاذب يف استغفاره»(((.
)(11وقال بعضهم« :إمنا مع َّول املذنبني :البكاء واالستغفار ،فمن
أهمته ذنوبه أكرث لها من االستغفار»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2األذكار ،للنووي.
)(3مدارج السالكني ،البن القيم.
56
البكاء من خشية اهلل
دموع العني دليل عىل ما يف القلب من رقة ومحبة أو رجاء أو خوف
أو حزن أو فرح.
والبكاء الصادق من خشية هللا أمارة عىل رقة القلب ومحبته
ضب العبد بعقوبةهلل وخوفه منه ورجائه له .وتلك نعمة كربى ،إذ ما ُ ِ
أشد من قسوة قلبه وغفلته عن ذكر هللا سبحانه .وأبعد القلوب عن هللا
القلب القايس.
عناصر مقترحة:
)(1حياة القلب ورقَّته مطلب الصالحني.
)(2عالقة القلب بالجوارح (االرتباط والتالزم بني الظاهر والباطن).
)(3أنواع البكاء.
)(4بواعث البكاء (معرفة هللا ،محبته ،رجاؤه ،خوفه.)...
)(5مواضع البكاء من خشية هللا (الصالة ،تالوة القرآن ،تذكر املوت
واآلخرة ،الخلوة بالنفس ،وقوع الذنب واملعصية ،رؤية العصاة
وأهل البالء.)...
)(6دالالت انقطاع البكاء (الغفلة ،قسوة القلب.)..
)(7البكاءون من خشية هللا :خرية الناس.
)(8مثرات البكاء.
)(9خطورة الرياء.
57
)(10كيف نبيك (تصحيح اإلميان وإصالح القلب من أمراضه ،التفكر
يف النعم والتقصري والدار اآلخرة ،زيارة القبور ،تدبر القرآن،
الخشوع يف الصالة ،النظر يف سري الصالحني وتأمل الفرق بني
حالنا وحالهم ،التبايك ومحاولة البكاء والتدرب عليه.)..
هدايات قرآنية:
َ َ ُ ْ َ ٓ ُ َ َ َّ ُ َ َ ٰٓ َ ۡ ُ َ ُ ۡ َ ُ
نزل إِل ٱلرسو ِل ترى أعينهم ت ِفيض )(1وقال ِ﴿ :إَوذا ُس ْ ِمعوا ما ۡأ ِ
ۡ َ ٓ ُ
َ َ ُ َ
ٱل ّ ِقۖ َيقولون َر َّب َنا َء َام َّنا فٱك ُت ۡب َنا َم َع ٱدل ۡمعِ م َِّما َع َرفوا مِن م َِن َّ
. (((
﴾83 ٱلشهد َ
ِين ِ َّ ٰ
َ ۧ ّ َّ َ ّ ۡ ُ ْ َ َ َّ َ َ ۡ َ َ َّ ُ َ َ
)(2وقال سبحانه﴿ :أو ٰٓلئِك ٱلِين أنعم ٱلل علي ِهم مِن ٱنلب ِ ِي مِن
َ وح َومِن ُذ ّر َّيةِ إبۡ َرٰه َ ُ ُ ّ َّ َ َ َ َ َّ ۡ َ َ ۡ
ِإَوس َرٰٓءِيل ِيم ۡ
ِ ِ حل َنا َم َع ن ٖ ذرِيةِ ءادم ومِمن
َ َ َ ُ َ ٓ
ٱلرِنَٰمۡح ْۤاوُّرَخ ت َّ َ
ل عل ۡيه ۡم َءاي ٰ ُ
ِ َوم َِّم ۡن َه َد ۡي َنا َوٱجتب ۡينا ۚ إِذا تت ٰ
ۡ َ َ َ ۡ
. (((
﴾58 ا ك ّٗ
ي ِ ۤاٗدَّجُس َو ُ
ب
ٗ َ َ ُّ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ َ ُ ُ ۡ ُ ُ
خرون ل ِلذقان يبكون ويزيدهم خشوع . ﴾109 )(3قال تعاىل﴿ :وي ِ
َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ َ ِ ٗ َ ۡ َ ۡ ُ ِْ َ ٗ َ َ ٓ َ ۢ َ َ ُ ْ
(((
58
رسول هللا يق ُ
ُول: سمعت ُ
ُ )(2عن ابن عباس قال:
ني باتت ني بكت من خشي ِة ِ
هللا ،وع ٌ (( َعينانِ ال مت ََّسهام ال َّنا ُر :ع ٌ
تحرس يف سبيل ِ
هللا))(((. ُ
رس ُ
ول هللا يوماً )(3عن العرباض بن سارية قال« :وعظنا ُ
بعد صالة الغداة موعظ ًة بليغ ًة ذرفت منها ال ُع ُيو ُن ووجلت منها
ُوب.(((»...
ال ُقل ُ
أمثلة تطبيقية:
59
)(3قال ابن القيم« :وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إىل أن
َ َ بلغ قوله ﴿ :إ َّن َع َذ َ
اب َر ّبِك ل َوٰق ِٞع﴾((( فبىك واشتد بكاؤه حتى ِ
مرض وعادوه .وقال البنه وهو يف املوت :ويحك ضع خدي عىل
األرض عساه أن يرحمني ،ثم قال :ويل أمي إن مل يغفر هللا يل
-ثالثاً -ثم قىض.
وكان مير باآلية يف ورده بالليل فتخيفه فيبقى يف البيت أياماً يعاد
يحسبونه مريضاً .وكان يف وجهه خطان أسودان من البكاء.
مص هللا بك االمصار ،وفتح بك الفتوح ،وفعل وقال له ابن عباسّ :
وفعل ،فقال :وددت أين أنجو ال أجر وال وزر.
وهذا عثامن بن عفان كان إذا وقف عىل القرب يبيك حتى تبل لحيته
وقال :لو أنني بني الجنة والنار ال أدري إىل أيتهام يؤمر يب ،الخرتت
أن أكون رمادا ً قبل أن أعلم إىل أيتهام أصري»(((.
)(4عن ابن شوذب قال« :ملا حرضت أبا هريرة الوفاة بىك ،فقيل له:
طما يبكيك؟ فقال :بُ ْعد املفازة ،وقلة الزاد ،وعقبة كؤود ،امله ِب ُ
منها إىل الجنة أو النار»(((.
)(5عن القاسم بن محمد قال« :كنا نسافر مع ابن املبارك ،فكثريا ً
ما كان يخطر ببايل فأقول يف نفيس :بأي يشء فضل هذا الرجل
علينا حتى اشتهر يف الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصيل إنا لنصيل،
ولنئ كان يصوم إنا لنصوم ،وإن كان يغزو فإنا نغزو ،وإن كان
60
يحج إنا لنحج؟ قال :فكنا يف بعض مسرينا يف طريق الشام ليلة
نتعىش يف بيت إذ طفئ الرساج ،فقام بعضنا فأخذ الرساج وخرج
يستصبح فمكث هنيهة ثم جاء بالرساج ،فنظرت إىل وجه ابن
املبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع ،فقلت يف نفيس :بهذه
الخشية فضل هذا الرجل علينا ،ولعله حني فقد الرساج فصار
إىل الظلمة ذكر القيامة»(((.
أقوال مضيئة:
)(1عن عبد األعىل التيمي قال« :من أويت من العلم ما ال يُبكيه لخليق
أال يكون أويت علامً ينفع ،ألن هللا نعت العلامء فقال﴿ :إ َّن َّٱل َ
ِين ِ
َۡ ٓ َ َُۡ َ ُ ْ ۡ ۡ
ل َعل ۡي ِه ۡم َۤنوُّرِخَي ِۤناَقۡذَأۡلِل ۤاٗدَّجُس ١٠٧أوتُوا ٱل ِعل َم مِن قبلِهِۦ إِذا يت ٰ
َ َ ُّ َ َ َ َ ۡ ُ ََّ ََۡ ُ ٗ َّٓ ُ ُ َ ۡ َ
خرون َو َيقولون ُسبحٰ َن َربِنا إِن كن وعد ربِنا لمفعول ١٠٨وي ِ
ٗ ََۡۡ َۡ ُ َ ََ ُ ُ ۡ ُ ُ
ان يبكون وي ِزيدهم خشوع۩ . ﴾١٠٩
((((((
ل ِلذق ِ
)(2قال بعض السلف« :ابكوا من خشية هللا ،فإن مل تبكوا فتباكوا»(((.
)(3قال ابن القيم« :والبكاء أنواع :أحدها :بكاء الرحمة والرقة.
والثاين :بكاء الخوف والخشية .والثالث :بكاء املحبة والشوق.
والرابع :بكاء الفرح والرسور .والخامس :بكاء الجزع من
ورود املؤمل وعدم احتامله .والسادس :بكاء الحزن .والفرق
بينه وبني بكاء الخوف :أن بكاء الحزن يكون عىل ما مىض من
صفة الصفوة.145/4 : (( (
اإلرساء.109-107 : (((
الزهد البن املبارك.40 : (( (
زاد املعاد.184 / 1 : (( (
61
حصول مكروه ،أو فوات محبوب ،وبكاء الخوف يكون ملا
يتوقع يف املستقبل من ذلك .والفرق بني بكاء الرسور والفرح
وبكاء الحزن :أن دمعة الرسور باردة والقلب فرحان ،ودمعة
الحزن حارة والقلب حزين ،ولهذا يقال ملا يفرح به :هو قرة
عني وأقر هللا به عينه ،وملا يحزن :هو سخينة العني وأسخن هللا
عينه به .والسابع :بكاء الخور والضعف .والثامن :بكاء النفاق:
وهو أن تدمع العني والقلب قاس ،فيظهر صاحبه الخشوع،
وهو من أقىس الناس قلباً .والتاسع :البكاء املستعار واملستأجر
عليه كبكاء النائحة باألجرة ،فإنها كام قال عمر بن الخطاب:
تبيع عربتها وتبيك شجو غريها .والعارش :بكاء املوافقة وهو
أن يرى الرجل الناس يبكون ألمر ورد عليهم فيبيك معهم ،وال
يدري ألي يشء يبكون ،ولكن يراهم يبكون فيبيك ...وما كان
منه مستدعى متكلفاً فهو التبايك ،وهو نوعان محمود ومذموم،
فاملحمود :أن يستجلب لرقة القلب ولخشية هللا ،ال للرياء
والسمعة .واملذموم :أن يجتلب ألجل الخلق .وقد قال عمر بن
الخطاب للنبي - وقد رآه يبيك هو وأبو بكر يف شأن
أسارى بدر :-أخربين ما يبكيك يا رسول هللا ،فإن وجدت بكاء
بكيت ،وإن مل أجد تباكيت لبكائكام؟ ومل ينكر عليه»(((.
62
مراجع ُم ِعينة:
)(1رشح مسلم ،للنووي.
)(2فتح الباري ،البن حجر.
)(3دليل الفالحني ،البن عالن.
63
المحبة
املحبة محرك القلب والدافع للعمل يف خدمة املحبوب الذي سكن
حبَّة القلب (سويداءه ومركزه) فالزمها وثبت فيها. َ
وتاج املحبة :محبة هللا تعاىل ذي الفضل واإلحسان عىل خلقه.
ومن محبته :محبة ما يحبه سبحانه كرسله وعباده املؤمنني،
ومحبة دينه ورشيعته .فصارت املحبة ركن العبادة األعظم.
ودليل وجودها :السعي يف إرضاء هللا تعاىل ،فمن قدم طاعة أحد
عىل طاعة هللا فقد اتخذه ن ّدا ً ورشيكاً هلل سبحانه.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :ال يخلو عبد من محبة وبغض ،فإما أن يقدم محبة هللا
سبحانه أو العكس!
)(2حقيقة املحبة.
)(3محبة هللا ركن العبودية (العبادة هي متام الحب ،مع متام الذل
بالخوف والرجاء).
)(4محبة ما يحبه هللا :جزء من محبة هللا (محبة الرسل ،املؤمنني،
الدين.)...
)(5لوازم املحبة.
)(6عالمات محبة هللا.
)(7مثراتها.
)(8األسباب الجالبة لها.
64
)(9من قدم طاعة برش عىل طاعة هللا فقد جعله ندا ً هلل!
)(10كل محبة تعارض محبة هللا تنقلب عداوة يف الدنيا أو اآلخرة.
هدايات قرآنية:
ون ُهمۡ َّ َ َ ٗ ُ ُّ َ ُ َ َ َّ ُ )(1قال تعاىلَ :
ون ٱللِ أندادا يِب خذ مِن د ِ اس من يت ِ ﴿وم َِن ٱنلَّ ِ
َ ُ ّ َّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ َ ُّ ُ ّٗ ّ َّ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ
ب ٱللِۖ وٱلِين ءامنوا أشد حبا ِلِۗ ولو يرى ٱلِين ظلموا كح ِ
ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َّ ۡ ُ َّ َ َّ َ ٗ َ َ َّ َّ َ َ ُ ۡ َ َ
اب إِذ يرون ٱلعذاب أن ٱلقوة ِلِ جِيعا وأن ٱلل شدِيد ٱلعذ ِ
.(((﴾165
ٱللُ ُ ۡ ۡ ُ ُ َّ ُ ُ ُ ۡ ُ ُّ َ َّ َ َ َّ ُۡ
ون يبِبكم ِ ع ِ ب ٱت ف ٱلل ون ِب ت م نت ك ن ِ إ ل )(2قال تعاىل﴿ :ق
ٱلل غفورَّ ٞرح ٞ ُ َ ك ۡم َو َّ ُ ََۡ ۡ َ ُ ۡ ُ َ ُ ُ
ِيم .(((﴾31 ويغفِر لكم ذنوب َ ۚ
ُ َ
ِين َء َام ُنوا َمن يَ ۡرت َّد مِنك ۡم َعن دِينِهِۦ
ْ ﴿يأ ُّي َها َّٱل َ )(3وقال سبحانهٰٓ َ :
َ َ َ َۡ
ِني أَعِز ٍةَّ ع ٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ َّ ُ َ ۡ ُ ُّ ُ ۡ َ ُ ُّ َ ُ ٓ َ َّ َ َ
حبونهۥ أذِل ٍة فس ۡوف يأ ِت ٱلل بِقو ٖم يِبهم وي ِ
َّ َ َ َ َ ُ َ َ ۡ َ َ َ ٓ َ ََ ۡ َٰ َ ُ َٰ ُ َ
يل ٱللِ ول يافون لومة لئ ِ ٖ ۚم ع ٱلكفِ ِرين يج ِهدون ِف سب ِ ِ
ِيم ،(((﴾54فذكر ٱلل َوٰس ٌِع َعل ٌ ٱللِ يُ ۡؤتِيهِ َمن ي َ َشا ٓ ُء َو َّ ُ َ ٰ َ َ ۡ ُ َّ
ذل ِك فضل
ۚ
ملحبته تعاىل أربع عالمات.
ۡ ٓ ّ اس ُح ُّ َّ َ
ني ٱلن َساءِ َوٱلَن َ
ِ ت م َِن ِ ب ٱلش َهو ٰ ِ ﴿ز ّي ِ َن ل َِّلن ِ )(4وقال سبحانهُ :
ٱل ۡيل ٱل ۡ ُم َس َّومةَِ ٱذل َهب َو ۡٱلف َّضةِ َو ۡ َ َ َّ
ِن م ِ ةرَ نط َ َُۡ
ق م ٱل ري ط ٰ نَو ۡٱل َق َ
ِ ِ ِ
ِندهُۥ ُح ۡسنُ
ِ
ٱلل ع َ ٱدل ۡن َياۖ َو َّ ُ ٱل َي ٰوة ِ ُّ ث َذٰل َِك َم َتٰ ُع ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َِ ۡ
وٱلنع ٰ ِم وٱلر ِۗ
ٔ ۡ ََ
اب .(((﴾14 ٱل ِ م
البقرة.165 : (((
آل عمران.31 : (( (
املائدة.54 : (((
آل عمران.14 : (( (
65
قبسات نبوية:
)(1عن أنس بن مالك قال :قال النبي (( :ال يَ ِج ُد
هلل ،وحتَّى أ ْن إل ِ ب امل َ ْر َء ال يُ ِح ُّب ُه َّ
حال َو َة اإلميانِ حتَّى يُ ِح َّ ح ٌد َ
أ َ
ك ْف ِر بَ ْع َد إ ْذ أنْ َق َذهُج َع إىل ال ُ ب إلَ ْي ِه ِمن أ ْن يَ ْر ِ يُ ْقذ َ
َف يف ال َّنا ِر أ َ
ح ُّ
مم ِسوا ُهام))(((. ب إلَ ْي ِه َّ هللا و َرسولُ ُه أ َ
ح َّ هللا ،وحتَّى يَكو َن ُ ُ
)(2عن أنس عن النبي قال(( :لَ يُ ْؤ ِم ُن أ َ
ح ُدكُ ْم ،حتَّى
ب لِ َنف ِْس ِه))(((.ألخي ِه ما يُ ِح ُّ
ب ِ يُ ِح َّ
خلُو َن
ول هللا (( :ال تَ ْد ُ رس ُ )(3عن أيب ُهريرة قال :قال ُ
عل ج َّن َة حتَّى تُ ْؤ ِم ُنوا ،وال تُ ْؤ ِم ُنوا حتَّى ت َحابُّوا ،أ َو َل أ ُدلُّ ُ
ك ْم َ ال َ
ك ْم))(((. يش ٍء إذا فَ َعلْتُ ُمو ُه تَحابَ ْبتُ ْم؟ أفْشُ وا َّ
السال َم ب ْي َن ُ
ُ
يقول هللا
ول هللا (( :إ َّن َ رس ُ
)(4عن أيب ُهريرة قال :قال ُ
الل ،اليو َم أُ ِظلُّ ُه ْم يف ِظ ِّل يَو َم ال
ج ِ يَو َم ال ِقيا َم ِة :أيْ َن املُتَحابُّو َن ب َ
إل ِظ ِّل))(((.
ِظ َّل َّ
أحب
َّ )(5عن أيب أمامة قال :قال رسول هللا َ (( :م ْن
هلل ،فق َِد ْ
استك َم َل اإلميانَ))(((. هلل ،وأَ ْعطى ِ
هلل ،وم َن َع ِ َض ِ ِ
هلل ،وأبغ َ
66
أمثلة تطبيقية:
جال سأل النبي عن الساعة فقال: )(1عن أنس أن ر ُ
متى الساع ُة؟ قال(( :و َماذَا أ ْع َددْتَ لَ َها؟)) قال :ال يشء؛ إال أين
ت))، حبَبْ َ
ْت مع َمن أ ْ ورسول ُه ،فقال(( :أن َ أُحب هللا ُ
أنس« :فام فرحنا بيشء فرحنا بقول النبي :أنت قال ٌ
أنس« :فأنا أُحب النبي وأبا مع من أحببت» ،قال ٌ
حبي إيا ُهم ،وإن مل أعمل جو أن أكُون مع ُهم ب ُ بكر و ُعمر ،وأر ُ
مبثل أعاملهم»((( وهذا الفضل ملن سعى إىل اللحاق ،لكن نقص
عمله عن درجة أصحابه شيئاً ،فيكرمه هللا ويجود عليه ،بربكة
عمل قلبه وصدقه وشدة حرصه عىل بلوغ درجتهم.
جالً زا َر أخاً )(2عن أيب ُهريرة عن النبي (( :أ َّن َر ُ
ج ِت ِه َملَكاً ،فقال له :أين هللا عىل َمد َر َ
فأرص َد ُ
َ له يف قَري ٍة أُخرى،
هللا يف قَري ِة كذا وكذا .قال :هل له ب؟ قال :أزو ُر أخاً يل يف ِ ت َذ َه ُ
فإن
هللا .قالِّ : عليك ِمن نِعم ٍة تَ ُربُّها؟ قال :ال ،ولك َّنني أح َببتُ ُه يف َِ
هللا قد أح َّب َك كام أح َببتَ ُه في ِه))(((. رسول ِ
هللا َ
إليك؛ إ َّن َ ُ
جال كان عند النبي ،فمر )(3عن أنس بن مالك أن ر ُ
رسول هللا إين ألُحب هذا ،فقال ل ُه النبي ج ٌل فقال :يا ُ به ر ُ
(( :أَ ْعلمتَه؟)) قال :ال ،قال(( :أَ ْعلِ ْمه)) ،قال :فلحق ُه
فقال :إين أُحبك يف هللا ،فقال :أحبك الذي أحببتني ل ُه(((.
((( البخاري ،6171 :مسلم.2639 :
((( مسلم.2567 :
(( ( أبو داود ،5125 :وصححه األلباين يف صحيح أيب داود.4276 :
67
)(4قال ابن عباس « :إين ألم ُّر عىل اآلية من كتاب هللا فأو ُّد
أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم»((( ،وهذا من شدة محبته
الخري للناس!
)(5كان عقبة الغالم إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه املطلعني
يل ماء أو مترات أفطر عليها؛ ليكون عىل أمره وأعامله« :أخرج إ َّ
لك أجر مثل أجري»(((.
)«(6كان محمد بن واسع يبيع حامرا ً له ،فقال له رجل :أترضاه يل؟
قال :لو رضيته مل أب ْعه! -وهذه إشارة منه إىل أنه ال يرىض ألخيه
إال ما يرىض لنفسه .(((»-
أقوال مضيئة:
)(1قال يحيى بن معاذ« :ليس بصادق من ادعى محبة هللا ومل يحفظ
حدوده»(((.
)(2قال ابن القيم« :كل محب يأخذه اللوم عن محبوبه فليس مبحب
عىل الحقيقة»(((.
)(3قال ابن تيمية« :إنك إذا أحببت الشخص هلل كان هللا هو املحبوب
لذاته ،فكلام تصورته يف قلبك تصورت محبوب الحق ،فأحببته
فازداد حبك هلل ،كام إذا ذكرت النبي واألنبياء قبله
واملرسلني وأصحابهم الصالحني وتصورتهم يف قلبك فإن ذلك
جامع العلوم والحكم البن رجب.25/1 : (((
جامع العلوم والحكم.25/1 : (( (
جامع العلوم والحكم.245/1 : (( (
جامع العلوم والحكم.32/2 : (( (
مدارج السالكني.22 / 3 : (( (
68
يجذب قلبك إىل محبة هللا املنعم عليهم وبهم ،إذا كنت تحبهم هلل
فاملحبوب هلل يجذب إىل محبة هللا ،واملحب هلل إذا أحب شخصاً
هلل فإن هللا هو محبوبه ،فهو يحب أن يجذبه إىل هللا تعاىل ،وكل
من املحب هلل واملحبوب هلل يجذب إىل هللا»(((.
)(4قال ابن القيم« :فصل يف األسباب الجالبة للمحبة واملوجبة لها،
وهي عرشة:
أحدها :قراءة القرآن بالتدبر والتفهم ملعانيه ،وما أريد به ،كتدبر
الكتاب الذي يحفظه العبد ويرشحه ليتفهم مراد صاحبه منه.
الثاين :التقرب إىل هللا بالنوافل بعد الفرائض ،فإنها توصله إىل درجة
املحبوبية بعد املحبة.
الثالث :دوام ذكره عىل كل حال باللسان والقلب والعمل والحال،
فنصيبه من املحبة عىل قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع :إيثار محابِّه عىل محابك عند غلبات الهوى ،والتسنم إىل
محابه ،وإن صعب املرتقى.
الخامس :مطالعة القلب ألسامئه وصفاته ،ومشاهدتها ومعرفتها
وتقلبه يف رياض هذه املعرفة ومباديها ،فمن عرف هللا بأسامئه
وصفاته وأفعاله أحبه ال محالة ،ولهذا كانت املعطلة والفرعونية
والجهمية قطاع الطريق عىل القلوب بينها وبني الوصول إىل
املحبوب.
السادس :مشاهدة بره وإحسانه وآالئه ونعمه الباطنة والظاهرة،
فإنها داعية إىل محبته.
69
السابع وهو من أعجبها :انكسار القلب بكليته بني يدي هللا تعاىل،
وليس يف التعبري عن هذا املعنى غري األسامء والعبارات.
الثامن :الخلوة به وقت النزول اإللهي ملناجاته وتالوة كالمه،
والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بني يديه ،ثم ختم ذلك
باالستغفار والتوبة.
التاسع :مجالسة املحبني الصادقني ،والتقاط أطايب مثرات كالمهم
كام ينتقى أطايب الثمر .وال تتكلم إال إذا ترجحت مصلحة الكالم،
وعلمت أن فيه مزيدا ً لحالك ومنفعة لغريك.
العارش :مباعدة كل سبب يحول بني القلب وبني هللا .(((»
)(5وقال أيضاً« :قال بعض السلف :ادعى قوم محبة هللا فأنزل
ُۡ ُ ٱلل فَٱتَّب ُ ُ ُ ۡ ُ ُّ َ
ون َّ َ ُۡ
ون يب ِ ۡبك ُمع
ِ ِ هللا آية املحنة﴿ :قل إِن كنتم تِب
ٱلل َغ ُفورَّ ٞرح ٞ َّ ُ َ َ ۡ ۡ َ ُ ۡ ُ ُ َ ُ
ك ۡم َو َّ ُ
ِيم ،(((﴾31وقال: ٱلل ويغ ِفر لكم ذنوب ۚ
ك ُم َّ ُُۡ ۡ ُ
ٱلل﴾ إشارة إىل دليل املحبة ومثرتها وفائدتها ،فدليلها ﴿يبِب
وعالمتها :اتباع الرسول ،وفائدتها ومثرتها :محبة املرسل لكم،
فام مل تحصل املتابعة فليست محبتكم له حاصلة ،ومحبته لكم
منفية»(((.
)(6وقال أيضاً« :كل محب يأخذه اللوم عىل محبوبه فليس مبحب
عىل الحقيقة»((( .فمن يحب هللا ال مينعه لوم الناس له من التزام
أمر هللا تعاىل.
70
)(7وقال أيضا« :فلو بطلت مسألة املحبة لبطلت جميع مقامات
اإلميان واإلحسان ،ولتعطلت منازل السري إىل هللا ،فإنها روح كل
مقام ومنزلة وعمل ،فإذا خال منها فهو ميت ال روح فيه .ونسبتها
إىل األعامل كنسبة اإلخالص إليها ،بل هي حقيقة اإلخالص ،بل
هي نفس اإلسالم ،فإنه االستسالم بالذل والحب والطاعة هلل،
فمن ال محبة له ال إسالم له البتة ،بل هي حقيقة شهادة أن ال إله
إال هللا ،فإن اإلله هو الذي يألهه العباد حباً وذالً وخوفاً ورجا ًء
وتعظيامً وطاعة له ،مبعنى مألوه ،وهو الذي تألهه القلوب أي
تحبه وتذل له»(((.
خلق لفعل خاص ،به كامله )(8وقال أيضاً« :كل عضو من أعضاء البدن ُ
يف حصول ذلك الفعل منه .ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذي
خلق له حتى ال يصدر منه ،أو يصدر مع نوع من االضطراب.
فمرض اليد أن يتعذر عليها البطش ،ومرض العني أن يتعذر عليها
النظر والرؤية ،ومرض اللسان أن يتعذر عليه النطق ،ومرض
البدن أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها ،ومرض
القلب أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة هللا ومحبته والشوق
إىل لقائه واإلنابة إليه ،وإيثار ذلك عىل كل شهوة ،فلو عرف
العبد كل يشء ومل يعرف ربه فكأنه مل يعرف شيئاً ،ولو نال
كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ومل يظفر مبحبة
هللا والشوق إليه واألنس به فكأنه مل يظفر بلذة وال نعيم وال
71
قرة عني ،بل إذا كان القلب خالياً عن ذلك عادت تلك الحظوظ
واللذات عذاباً له وال بد ،فيصري معذباً بنفس ما كن منعامً به من
جهتني :من جهة حرسة فوته وأنه حيل بينه وبينه مع شدة تعلق
روحه به ،ومن جهة فوت ما هو خري له وأنفع وأدوم حيث مل
يحصل له ،فاملحبوب الحاصل فات .واملحبوب األعظم مل يظفر
به ،وكل من عرف هللا أحبه وأخلص العبادة له -وال بد -ومل
يؤثر عليه شيئاً من املحبوبات ،فمن آثر عليه شيئاً من املحبوبات
فقلبه مريض ،كام أن املعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته
عىل الطيب سقطت عنها شهوة الطيب وتعوضت مبحبة غريه،
وقد ميرض القلب ويشتد مرضه وال يعرف به صاحبه الشتغاله
وانرصافه عن معرفة صحته وأسبابها ،بل قد ميوت وصاحبه ال
يشعر مبوته ،وعالمة ذلك :أنه ال تؤمله جراحات القبائح ،وال
يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة ،فإن القلب إذا كان فيه
حياة تأمل بورود القبيح عليه ،وتأمل بجهله بالحق بحسب حياته،
وما لجرح مبيت إيالم»(((.
)(9قال الشاعر:
تعصي اإللـه وأنـت تزعـم حبه
هـذا لعمـري يف القيـاس شـني ُع
لـو كان حبـك صادقـاً ألطعتـه
إن املحـب ملـن يحـب مطيـ ُع
72
مراجع ُم ِعينة:
)(1مدارج السالكني ،البن القيم.
)(2حقوق النبي بني اإلجالل واإلخالل ،إصدار املنتدى
اإلسالمي.
)(3محبة الرسول بني االتباع واالبتداع ،لعبد الرؤوف محمد عثامن.
73
الوالء والبراء
أنشأ هللا تعاىل بني عباده املؤمنني أوثق رابطة يف الدنيا ،فآخى بينهم
عىل أساس اإلميان ،وسامهم (حزب هللا) ،وألزمهم القيام بحق هذه
العالقة من املحبة والوالء والتناحر والتعاون.
كام جعل الكفرة (حزب الشيطان) ،وأمر املؤمنني بالرباءة منهم
ومن دينهم ،وببغضهم ومعاداتهم ونرصة املؤمنني عليهم .وذلك ال ينفي
العدل واإلحسان معهم ،دون محبتهم ومواالتهم التي تناقض اإلميان.
وال وحدة للمؤمنني وال قوة وال نرصة دون هذا األساس العظيم ،ال
غريه من روابطه الجاهلية -القبلية أو الوطنية أو القومية أو اللغة أو
اللون -التي يهيمن عليها الوالء والرباء ،وال تظهر وتقوى إال بضعفه!
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :الدين أعظم رابطة.
)(2حقيقة الوالء والرباء.
)(3منـزلة الوالء والرباء من اإلميان.
)(4منازل الناس يف الوالء والرباء.
)(5مظاهر مواالة املؤمنني /كيف ننمي الوالء؟ (محبتهم ،القيام
بحقوقهم ،نرصتهم ،إكرامهم ،الدعاء لهم ،نصحهم.)..
)(6مظاهر معاداة الكافرين /كيف نحقق الرباء؟ (بغضهم ،كره
أعاملهم ،ترك مشاركتهم يف مناسبتهم ،ترك التشبه بهم.)..،
74
)(7العدل مع الكفرة واإلحسان مع غري الحربيني منهم ال ينايف الرباءة
منهم.
)(8مناذج واقعية من تحقيق الوالء والرباء.
)(9مثرات الوالء والرباء.
)(10الوالءات الجاهلية تناقض اإلميان.
هدايات قرآنية:
ۡ َ ُ َ ُۡ ۡ ُ َ َ ُۡ ۡ َ ُ َۡ ُ ُ ۡ َۡ َٓ
ض﴾ .
(((
َ )(1قال تعاىل﴿ :وٱلمؤمِنون وٱلمؤمِنٰت بعضهم أو ِلاء بع ٖ ۚ
ْ
ج ٰ َه ُدوا بِأ ۡم َوٰل ِ ِه ۡم اج ُروا ْ َو َ ِين َء َام ُنوا ْ َو َه َ )(2وقال تعاىل﴿ :إ َّن َّٱل َ
ِ
ك َب ۡع ُضه ۡمُ َّ َ َّ َ َ َ ْ َّ َ َ ُ ٓ ْ ُ ْ َ ٰٓ َ َ ۡ ََ ُ
س ِهم ِف سبِيل ٱللِ وٱلِين ءاووا ونصوا أولئ ِ َوأنف ِ
َ َّ ِ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ّ َ ٰ ََ أ ۡو ِلَا ٓ ُء َب ۡ
جروا ما لكم مِن وليت ِ ِهم ِ ا ه ي م ل و وا ن ام ء ِينٱل و ض
ٖ ۚ ع
َ َ َ ۡ ُُ ّ ۡ َ َ ُ ُۡ ّ َ ۡ َ َّ ُ َ ُ ْ
ِين فعليكم ِإَون ٱستنصوكم ِف ٱدل ِ جر ۚوا ِ ت يها ِ مِن ش ٍء ح ٰ
َ ُ َ ِيثٰ ٞق َو َّ ُ َّ ۡ ُ َّ َ َ ٰ َ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ ّ َ
ٱلل ب ِ َما ت ۡع َملون ۗ ٱنلص إِل ع قوِۢم بينكم وبينهم م
َۡ َ ُ َ ُ ُ َّ ۡ َ ُ َ ٓ َ ۡ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ ٞ
ض إِل تفعلوه تكن ب ِصري َ 72وٱلِين كفروا بعضهم أو ِلاء بع ٍ ۚ
َ َ ٞ ۡ ٞ
ۡرض َوف َساد كبِري.(((﴾73 ٞ ف ِۡت َنة ِف ٱل ِ
ود َوٱنلَّ َص ٰ َرىٰٓ َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ ُ ْ ۡ َ ُ َ
خذوا ٱله )(3قال تعاىل﴿ :يأيها ٱلِين ءامنوا ل تت ِ
َ َ َ َ َ َّ ُ ّ ُ ۡ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ َّ ۡ َ ُ َۡ ََٓ َۡ ُ ُ ۡ َۡ َٓ
ض ومن يتولهم مِنكم فإِنهۥ مِنهمۗ إِن أو ِلاء ۘ بعضهم أو ِلاء بع ٖ ۚ
ٱلظٰلِم َ ۡ َ ۡ َ َّ َّ َ َ
ني .(((﴾51 ِ ٱلل ل َي ۡهدِي ٱلقوم
َ ۡ ُ َّ َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ َ
)(4وقال سبحانه﴿ :يأيها ٱلِين ءامنوا من يرتد مِنكم عن دِينِهِۦ
َ َ َ َۡ
ِني أَعِز ٍةَّ ع ٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ َّ ُ َ ۡ ُ ُّ ُ ۡ َ ُ ُّ َ ُ ٓ َ َّ َ َ
حبونهۥ أذِل ٍة فس ۡوف يأ ِت ٱلل بِقو ٖم يِبهم وي ِ
((( التوبة.71 :
((( األنفال.73-72 :
((( املائدة.51 :
75
َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ ٓ َ َ ََ ۡ َٰ َ ُ َٰ ُ َ
يل ٱللِ َول يافون ل ۡو َمة لئ ِ ٖ ۚم ذٰل ِك ون ف َ
ع ٱلكفِ ِرين يج ِهد ِ ِ ِ
ب س
ٱللك ُم َّ ُ َّ َ َ ُّ ُ
ِيم 54إِنما و ِل ٱلل َوٰس ٌِع َعل ٌ ٱللِ يُ ۡؤتِيهِ َمن ي َ َشا ٓ ُء َو َّ ُ َ ۡ ُ َّ
فضل
ۚ
ٱلزك ٰوةَ َ َ ُ ُ َ َّ ٰ َ َ ُ ۡ ُ َ َ َّ ْ َّ ُ
ون َّ ِين َء َام ُنوا ٱلِين يقِيمون ٱلصلوة ويؤت ولۥ َوٱل َ َو َر ُس ُ
َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ ُ
َوه ۡم َرٰك ُِعون ٥٥ومن يتول ٱلل ورسولۥ وٱلِين ءامنوا فإِن
خ ُذوا ْ َّٱلِينَ ِين َء َام ُنوا ْ َل َتتَّ َ َ َ ُّ َ َّ ۡ َ َّ ُ ُ ۡ َ ٰ ُ َ
ِ يأيها ٱل ون ٰٓ ٥٦ حِزب ٱللِ هم ٱلغل ِب
ِكمۡ َۡ ُ َ َ ُ ْ ۡ َ ُ َّ َ ّ ٗ َّ َ ُ ْ َ ُ ۡ ُ ُ ٗ َ َ
ٰ
ٱتذوا دِينكم هزوا ولعِبا مِن ٱلِين أوتوا ٱلكِتب مِن قبل
َ َ َُۡۡ َ َ ُ ُ ُّ ۡ َ َ ۡ ُ َّ َ َ ۡ َ ٓ َ َ َّ ُ ْ َّ
وٱلكفار أو ِلاء ۚ وٱتقوا ٱلل إِن كنتم مؤ ِمن ِني ِ 57إَوذا ناديتم إِل
َّ َ ٰ َّ َ ُ َ ُ ُ ٗ َ َ ٗ َ ٰ َ َ َّ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ َّ ٞ
ٱلصلوة ِ ٱتذوها هزوا ولعِبا ۚ ذل ِك بِأنهم قوم ل يعقِلون . ﴾٥٨
(((
وك ۡم ف ّ َّ َ ۡ َ ٰ ُ ُ َّ ُ َ َّ َ َ ۡ ُ َ ٰ ُ ُ
ِين ِ ٱدل ِ )(5وقال تعاىل﴿ :ل ينهىكم ٱلل ع ِن ٱلِين لم يقتِل
َ ٰ ُ ۡ َ َ َ ُّ ُ ۡ َ ُ ۡ ُ ٓ ْ َ ۡ ۡ َّ َّ ُ َ ُۡ
ٱللَ َول ۡم ي ِر ُجوكم ّمِن دِي ِركم أن تبوهم وتقسِطوا إِل ِه ۚم إِن
َّ َ َ ۡ َ ٰ ُ ُ َّ ُ َ َّ َ َ ُ ُ ُ ُّ ۡ ۡ
ِين ق ٰ َتلوك ۡم ِف ني ٨إِنما ينهىكم ٱلل ع ِن ٱل سط َ
يِب ٱل ُمق ِ ِ
ك ۡم أَن تَ َول َّ ۡو ُهمۡ ُ
ج َ ّ َ َ ۡ َ ُ ُ ّ َ ٰ ُ ۡ َ َ ٰ َ ُ ْ َ َ ٰٓ ۡ
ۚ ِين وأخرج ُوكم مِن دِي ِركم وظهروا ع إِخرا ِ ٱدل ِ
َ َ ُ َّ َ َ َّ
َو َمن َي َت َول ُه ۡم فأ ْو ٰٓلئِك ه ُم ٱلظٰل ُِمون .(((﴾٩
ِيم َو َّٱلِينَ ف إبۡ َرٰه َ ٓ َۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ ُۡ ٌَ َ َ َ ٞ
)(6وقال سبحانه﴿ :قد كنت لكم أسوة حسنة ِ ِ
ُ ُ ۡ َ َّ َ ۡ ُ ُ َ َ َ ُ ٓ ۡ َ ُ ْ َ ۡ ۡ َّ ُ َ ُ ْ
ون َ ِ د ِنم ون د بع ت ا ِم م و م ِنك م معهۥ إِذ قالوا ل ِقو ِم ِهم إِنا برَٰٓءؤا
ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ َٰ َ ُ َ ۡ َ ۡ َ ٓ ُ َ ً ََ َ َّ
ٱللِ كف ۡرنا بِكم وبدا بيننا وبينكم ٱلعدوة وٱلغضاء أبدا
َ َّ ٰ ُ ۡ ُ ْ َّ َ ۡ َ ُ ٓ َّ َ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ َّ َ َ
حت تؤمِنوا بِٱللِ وحدهۥ إِل قول إِبرهِيم ِلبِيهِ لستغفِرن لك
ۡ َ َ َ ٓ َ ۡ ُ َ َ َ َّ
وما أمل ِك لك مِن ٱللِ مِن شءٖۖ﴾ .
(((
76
ني بأَ َّن ل َ ُه ۡم َع َذابا ً أَ ِلما ً َّ 138ٱلِينَ )(7قال تعاىل﴿ :ب َ ّش ٱل ۡ ُم َنٰفق َ
ِِ
َ ِ َ ِ ِ
َ ُ ُ َ ۡ
ين أ ۡو ِلَا ٓ َء مِن ُدون ٱل ُم ۡؤ ِمن َ َ َّ ُ َ ۡ َ
ِنده ُم ِنيۚ أيَ ۡب َتغون ع ِ
ك ٰ ِفر َ
خذون ٱل ۡ ِ يت ِ
ۡٱلع َّزةَ فَإ َّن ٱلع َّزةَ ِ َّلِ َج ٗ
ِيعا﴾(((. ِ ِ ِ
قبسات نبوية:
َض أحب ِ
هلل ،وأبغ َ َّ )(1عن أيب أمامة أن النبي قالَ (( :م ْن
هلل ،فق َِد ْ
استك َم َل اإلميانَ))(((. هلل ،وأَ ْعطى ِ
هلل ،وم َن َع ِ ِ
)(2عن ابن عباس قال :قال رسول هللا أليب ذر(( :أي
ُع َرى اإلميانِ – أظنه قال – ُ
أوثق؟)) قال :هللا ورسوله أعلم ،قال:
غض يف ِ
هللا))(((. ب يف ِ
هللا وال ُب ُ ح ُّ هللا وامل ُعادا ُة يف ِ
هللا وال ً ((املواال ُة يف ِ
)(3عن أنس بن مالك قال :قال النبي (( :ال يَ ِج ُد
هلل ،وحتَّى أ ْن إل ِ ب امل َ ْر َء ال يُ ِح ُّب ُه َّ
حال َو َة اإلميانِ حتَّى يُ ِح َّ ح ٌد َ
أ َ
ك ْف ِر بَ ْع َد إ ْذ أنْ َق َذهُج َع إىل ال ُ ب إلَيْ ِه ِمن أ ْن يَ ْر ِ يُ ْقذ َ
َف يف ال َّنا ِر أ َ
ح ُّ
مم ِسوا ُهام))(((.
ب إلَ ْي ِه َّ هللا و َرسولُ ُه أ َ
ح َّ هللا ،وحتَّى يَكو َن ُ
ُ
سمعت النبي جهارا ً غري ُ )(4عن عمرو بن العاص قال:
وصالِ ُح
هللا َ آل ِأب فُالنٍ لَ ْي ُسوا بأَ ْولِ َي ِ
ائ ،إنَّ ا ولِ ِّي َي ُ ُول(( :إ َّن َ
رس يق ُ
بصلَ ِت َها(((. ك ْن له ْم َر ِح ٌم أبُلُّ َها ببَ َل َها)) يَ ْع ِني ِ
أصلُ َها ِ امل ُ ْؤ ِم ِن َ
ني ،ولَ ِ
77
ُش َك
)(5عن سمرة عن النبي قال(( :من جام َع امل ْ ِ
ك َن م َع ُه فإنَّ ُه مثلُ ُه))(((.
وس َ
َ
ول هللا (( :أنا رس ُ )(6عن جرير بن عبد هللا قال :قال ُ
رسول ني)) ،قالُوا :يا ُ
رشك َ كل ُمسلِ ٍم يُقي ُم ب َ
ني أظ ُه ِر امل ُ ِ بَرِي ٌء ِمن ِّ
هللا ،مل؟ قال(( :ال تراءى نارا ُهام))(((.
)(7عن نوفل بن معاوية أن النبي قال لنوفل(( :إذا أخذتَ
ْ ُ ۡ َ ٰٓ َ ُّ َ ۡ َ ٰ ُ َ
َمضج َع َك من الليلِ فاقْرأ﴿ :قل يأيها ٱلكفِرون ﴾1ث َّم نَ ْم
(((
أمثلة تطبيقية:
ول هللا رس ُ )(1عن عائشة زوج النبي أنها قالت :خرج ُ
ج ٌل قد كان قبل بدر فلام كان بح َّرة الوبرة أدرك ُه ر ُ
رسول هللا أصحاب ُُ يُذك ُر من ُه ُجرأ ٌة ونجدةٌ؛ ففرح
جئت
ُ لرسول هللا : حني رأو ُه ،فلام أدرك ُه قال ُ
ول هللا (( :ت ُ ْؤ ِم ُن رس ُ ألتبعك وأُصيب معك ،قال ل ُه ُ
ش ٍك))، ج ْع ،فَلَ ْن أَ ْستَ ِع َ
ني مبُ ْ ِ هلل َو َرسولِ ِه؟)) ،قال :ال ،قال(( :فَا ْر ِ با ِ
ج ُل ،فقال ل ُه كام قالت :ث ُم مىض حتى إذا كُنا بالشجرة أدرك ُه الر ُ
قال أول مرة ،فقال ل ُه النبي كام قال أول مرة ،قال:
ش ٍك)) ،قال :ث ُم رجع فأدرك ُه بالبيداء، ج ْع ،فَلَ ْن أَ ْستَ ِع َ
ني ُمب ْ ِ ((فَا ْر ِ
أبو داود ،2787 :وصححه األلباين يف صحيح أيب داود.2420 : (( (
أبُو دا ُود ،2645 :والرتمذي ،1604 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.1461 : (( (
الكافرون.1 : (( (
أبو داود ،5055 :والرتمذي ،3403 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.292 : (( (
78
هلل َو َرسولِ ِه؟)) قال :نعم، فقال ل ُه كام قال أول مرة(( :ت ُ ْؤ ِم ُن با ِ
ول هللا (( :فَانْطَلِ ْق))(((. رس ُ
فقال ل ُه ُ
)(2وروي عن سعد أنه قال« :كنت بارا ً بأمي فأسلمت ،فقالت :لتد َع َّن
عي يب ،ويقال :يا قاتل دينك ،أو ال آكل وال أرشب حتى أموت فتُ َّ
أمه ،وبقيت يوماً ويوماً فقلت :يا أماه لو كانت لك مائة نفس
فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا؛ فإن شئت فكيل وإن
اك ج ٰ َه َد َ
شئت فال تأكيل ،فلام رأت ذلك أكلت» ونزلتِ ﴿ :إَون َ
ُ ۡ
ش َك ِب ﴾((( اآلية(((.
ل ِت ِ
)(3عن أيب موىس قال« :قلت لعمر إن يل كاتباً نرصانياً قال:
َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ
﴿يأيها ٱلِين ءامنوا ل مال ََك ،قاتلك هللا؟ أما سمعت هللا يقولٰٓ :
ۡ َ ُ َ َّ ُ ْ ۡ َ ُ َ َ َّ َ ٰ َ ٰٓ َ ۡ َ ٓ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ٓ
ض﴾ أال (((
خذوا ٱلهود وٱنلصرى أو ِلاء ۘ بعضهم أو ِلاء بع ٖ ۚ تت ِ
اتخذت حنيفاً ...قال :قلت :يا أمري املؤمنني يل كتابته وله دينه!
قال :ال أكرمهم إذ أهانهم هللا ،وال أعزهم إذ أذلهم هللا ،وال أدنيهم
إذ أقصاهم هللا»(((.
ب ما كان من أمر أبيه -ملا قال: )(4ملا بلغ عبد هللا بن عبد هللا بن أُ ّ ٍ
ليخرجن األعز منها األذل -أىت رسول هللا فقال :يا
رسول هللا إنه بلغني أنك تريد قتل عبدهللا بن أيب ملا بلغك عنه؛
فإن كنت فاعالً فمرين به فأنا أحمل إليك رأسه ،فوهللا لقد علمت
مسلم.1817 : (((
العنكبوت.8 : (((
تفسري القرطبي :ج 13 :ص.341 : (((
املائدة.51 : (((
اقتضاء الرصاط املستقيم.50 : (((
79
الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني ،وإين أخىش أن تأمر
به غريي فيقتله ،فال تدعني نفيس أن أنظر إىل قاتل عبد هللا بن
أيب مييش يف الناس ،فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار ،فقال
رسول هللا (( :بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي
معنا))(((.
)(5روي أن أبا عبيدة قتل أباه يوم أحد -وقيل يوم بدر ،-كان
أبوه يتصدى له ،وهو يحيد عنه ،فلام أكرث عليه قصده وقتله،
ٓ ُّ َ َ َّ ۡ ۡ َّ َ َ
ت ُد ق ۡو ٗما يُؤم ُِنون بِٱللِ َوٱلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِر يُ َوادون فأنزل هللا قوله﴿ :ل ِ
ۡ َ َ ُ ٓ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ َ ٱلل َو َر ُس َ ُ
َم ۡن َحا ٓ َّد َّ َ
ولۥ َول ۡو كن ٓوا َءابَا َءه ۡم أ ۡو أ ۡب َنا َءه ۡم أ ۡو إِخ َوٰن ُه ۡم
ُ ُ َ َّ ۡ َ َ ََ
ُ ُُ َ َ َۡ َ ََُ ۡ َُْ َ َ
وح ٱليمن وأيدهم بِر ٖ ٰ أو عشِ ريته ۚم أو ٰٓلئِك كتب ِف قلوب ِ ِهم َ ِ
ض ِين ف َ
ِيها ۚ َر ِ َ تت ِ َها ۡٱلنۡ َه ٰ ُر َخ ٰ ِل ََۡ
ت ت ِري مِن
ّ ۡ ُ َ ُ ۡ ُ ُ ۡ َ َّ ٰ َ ۡ
مِنهۖ ويدخِلهم جن ٖ
َّ ُ َّ َ ٓ ََّ َ َ ُ ُ ْ َ َّ ُ َ
ٱلل ع ۡن ُه ۡم َو َرضوا ع ۡن ُ ۚه أ ْو ٰٓلئِك ح ِۡز ُب ٱللِۚ أل إِن ح ِۡز َب ٱللِ ه ُم
َ ۡ ۡ
ٱل ُمفل ُِحون .(((ƞ(((﴾22
أقوال مضيئة:
)(1عن ابن عمر قال« :من بنى بأرض املرشكني فصنع نريوزهم
حرش معهمومهرجانهم ،وتشبه بهم حتى ميوت -وهو كذلك ُ -
يوم القيامة»(((.
80
)(2قال عبد الرحمن بن حسن« :فتبني أن معنى الإله إال هللا توحيد
هللا بإخالص العبادة له ،والرباءة من كل ما سواه ،وذكر هللا
سبحانه أن هذه الرباءة وهذه املواالة هي شهادة أن ال إله إال
هللا»(((.
)(3قال د .عبد العزيز العبد اللطيف« :الناس يف ميزان الوالء والرباء
عىل ثالثة أصناف :فأهل اإلميان والصالح يجب علينا أن نحبهم
ونواليهم .وأهل الكفر والنفاق يجب بغضهم والرباءة منهم ،وأما
أصحاب الشائبتني ممن خلطوا عمالً صالحاً وآخر سيئاً ،فالواجب
أن نحبهم ونواليهم ملا معهم من إميان وتقوى وصالح ،ويف الوقت
معاص وفجور .وذلك ٍ نفسه نبغضهم ونعاديهم ملا تلبسوا به من
ألن الوالء والرباء من اإلميان ،واإلميان عند أهل السنة ليس شيئاً
واحدا ًال يقبل التبعيض والتجزئة ،فهو يتبعض ألنه شعب متعددة
كام جاء يف حديث الصحيحني يف شعب اإلميان(( :اإلميان بضع
وستون شعبة أعالها قول ال إله إال هللا وأدناها إماطة األذى عن
الطريق)) ،واألحاديث يف ذلك كثرية معلومة ،فإذا تقرر أن
اإلميان شعب متعددة ويقبل التجزئة ،فإنه ميكن اجتامع إميان
وكفر -غري ناقل عن امللة -يف الشخص الواحد ،ودليله قوله
َ ُۡ ۡ َ ۡ ُ ْ َ ٓ ََ
ِني ٱق َت َتلوا (((﴾ ..فأثبت هللا ان مِن ٱلمؤ ِمن تعاىلِ﴿ :إَون طائِفت ِ
تعاىل لهم وصف اإلميان ،مع أنهم متقاتلون ،وقتال املسلم كفر
وق ،و ِقتالُ ُه كُ ْف ٌر)) ،ويف
باب امل ُْسلِ ِم ف ُُس ٌ كام يف الحديثِ :
((س ُ
((( فتح املجيد.79 :
(( ( الحجرات.9 :
81
ج ُعوا بَ ْع ِدي كُفَّارا ً،
الحديث اآلخر يقول (( :ال تَ ْر ِ
ض)) ،فدل ذلك عىل اجتامع اإلميان َاب بَ ْع ٍ
ك ْم ِرق َ
ب بَ ْعضُ ُ
ض ُ
يَ ْ ِ
والكفر -األصغر -يف الشخص الواحد»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2اقتضاء الرصاط املستقيم ،البن تيمية.
)(3الوالء والرباء ،ملحمد سعيد القحطاين.
)(4الوالء والرباء ،لصالح الفوزان.
82
تعظيم الحرمات
الحرمات :هي حدود هللا تعاىل وحرماته وشعائره.
واملراد بها :رشع هللا تعاىل -أي :أوامره ونواهيه ،-وما ارتبط به من
مكان أو زمان أو أشخاص أو غري ذلك.
وتعظيمها يكون بإجاللها بالقلب ومحبتها ،وتكميل العبودية فيها
عملياً.
عناصر مقترحة:
)(1منزلة أعامل القلوب من الدين.
)(2التعريف بالحرمات.
)(3درجات الحرمات.
)(4معنى التعظيم.
)(5درجات التعظيم.
)(6بواعث التعظيم (معرفة هللا ،محبته ومحبة رشعه ،تعظيمه
تعاىل.)...
)(7دالالت التعظيم (التقوى ،حسن الفهم ،الرغبة يف الخري.)...
)(8مثرات التعظيم (الرفعة يف الدارين ،تأييد هللا ونرصته.)...
)(9موانع التعظيم (ضعف املراقبة ،نقص املحبة ،قلة الخوف ،تعظيم
النفس ،قلة الحياء.)...
)(10من أخبار املتقني يف تعظيم الحرمات.
83
)(11وسائل تحقيق التعظيم (إحياء معرفة هللا وعظمته يف القلب،
التفكر يف مخلوقاته ونعمه ،الخشوع يف العبادة ،التأدب يف
العبادة وما يتصل بها من زمان أو مكان أو صفة ،تقدير العلامء
والدعاة والصالحني ،تجنب املزاح فيام يتصل بيشء من ذلك)..
هدايات قرآنية:
ِند َر ّبِهِۗۦ ٱللِ َف ُه َو َخ ۡيُ َّ ٞلۥ ع َ َّ َ َ َ َّ ُ َ
ت )(1قال تعاىل﴿ :ذٰل ِك ۖ َومن ُيع ِظ ۡم ح ُرم ٰ ِ
َ ۡ ّ َ ُ َّ ۡ َ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َّ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ْ
ٱلرجس ل عليكمۖ فٱجتنِبوا ِ وأحِلت لكم ٱلنعٰم إِل ما يت ٰ
ي ُم ۡشك ِنيَ ٱلزور ُ ٣٠ح َن َفا ٓ َء ِ َّلِ َغ ۡ َ ٱج َتن ِ ُبوا ْ قَ ۡو َل ُّ م َِن ۡٱلَ ۡو َثٰن َو ۡ
ِ ِ ِ
ي أَوۡ ٱلط ۡ ُ ٱلس َمآءِ َف َت ۡخ َط ُف ُه َّ ك َأ َّن َما َخ َّر م َِن َّ َ َ ُ ۡ ۡ َّ َ َ
شك بِٱللِ ف بِهِۚۦ ومن ي ِ
َّ يق ٣١ذٰل َِك ۖ َو َمن ُي َع ّ ِظ ۡم َش َ َٰٓ َ َ َت ۡهوي بهِ ّ
عئ ِ َر ٱللِ ح ٖ يح ِف مك ٖن َس ِ ٱلر ُ
ِ ِ ِ
ُ ُ ۡ َ ۡ َ َ َّ َ
وب .(((﴾٣٢ فإِنها مِن تقوى ٱلقل ِ
َ َ َ ُ َّ َ ۡ َ
﴿وت ِلك ُح ُدود ٱللِ يُبَ ّي ِ ُن َها ل ِق ۡو ٖم َي ۡعل ُمون .(((﴾230 )(2وقال سبحانه:
ي َّ ُ َ
وهاۗ كذٰل َِك يُبَ ّ ُ َ َُ َ ۡ َ َ َ ُ َّ َ ۡ
ٱلل ِ )(3وقال ﴿ :ت ِلك ُح ُدود ٱللِ فل تقرب
ُ َ َ َّ َ
اس ل َعل ُه ۡم َي َّتقون .(((﴾187 َءايٰتِهِۦ ل َِّلن ِ
َ َ ُ َّ َ َ َ ۡ َ
)(4وقال تعاىل﴿ :ت ِلك ُح ُدود ٱللِ فل ت ۡع َت ُدوها ۚ َو َمن َي َت َع َّد ُح ُدود
َّ َ ُ ْ َ ٰٓ َ ُ ُ َّ ٰ ُ َ
ٱللِ فأولئِك هم ٱلظل ِمون . ﴾229
(((
َّ َ َ َ ُ َ ُ ُ ۡ ُۡ ُ َّ ۡ َ
)(5وقال تعاىل﴿ :ت ِلك ُح ُدود ٱللِۚ َو َمن يُ ِطعِ ٱلل ورسولۥ يدخِله
ِيها ۚ َو َذٰل َِك ۡٱل َف ۡو ُز ۡٱل َع ِظيمُ ِين ف َ تت ِ َها ۡٱلَنۡ َه ٰ ُر َخ ٰ ِل َ َۡ
ت ت ِري مِن
َ َّ ٰ َ ۡ
جن ٖ
الحج.32-30 : (((
البقرة.230 : (((
البقرة.187 : (((
البقرة.229 : (((
84
ۡ َ ً َ َ ٱلل َو َر ُس َ ُ
ولۥ َو َي َت َع َّد ُح ُدودهُۥ يُ ۡدخِل ُه نارا خ ٰ ِ ٗلا َ 13و َمن َي ۡع ِص َّ َ
اب ُّمه ٞ ِيها َو َ ُلۥ َع َذ ٞ
ف َ
ني .(((﴾١٤ ِ
قبسات نبوية:
)(1عن ابن مسعود قال :قال رسول هللا (( :إ َّن
إل وقَ ْد َعلِ َم أنه َس َيطَّلِ ُع َها ِم ْن ُ
ك ْم ُمطَّلِ ٌع ح ْر َم ًة َّ
ح ِّر ْم ُهللا مل يُ ََ
اش أ ِو ُت ال َف َر ِج ِزكُ ْم أن تَ َهافَتُوا يف النا ِر كتَ َهاف ِ ح ْ أل وإين ِ
آخ ٌذ ِب ُ َ
ُّباب))(((.
الذ ِ
)(2عن بريدة قال :قال رسول هللا (( :قَتْ ُل املؤ ِمنِ
هللا من َز َوا ِل الدنْيا»(((. أ ْعظَ ُم عند ِ
)(3عن ثوبان عن النبي أنه قال(( :ألَ ْعلَم َّن أقواماً
ات أمثا ِل جبال تِها َم َة بِيضاً، ح َس َن ٍِم ْن أ َّمتي يأتو َن يو َم ال ِقيا َم ِة ِب َ
فيج َعلُها هللا َ هبا ًء َم ْنثورا ً هبا ًء)) ،قال ثوبان :يا رسول هللا
صفهم لنا ،جلِّهم لنا؛ أن ال نكون منهم ونحن ال نعلم ،قال(( :أ َما
جلْ َدتِكم ،ويأخذون ِمن الل ْيلِ كام تأخذونَ، خوانكم ،و ِم ْن ِ إنَّهم إ ْ
خلَ ْوا بِ حارِم هللا انْتَهكُوها))(((. ولك َّنهم قو ٌم إذا َ
هللا يَغَا ُر،
)(4عن أيب هريرة عن النبي قال(( :إ َّن َ
هللا أَ ْن يَأْ ِتَ امل ُ ْؤ ِم ُن ما َ
ح َّر َم عليه))(((. وإ َّن امل ُ ْؤ ِم َن يَغَا ُرَ ،وغ ْ َ
َي ُة ِ
النساء.14-13 : (( (
أحمد ،3696 :وصحح إسناده أحمد شاكر.63/5 : (( (
النسايئ ،3990 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.4316 : (((
ابن ماجه ،4235 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.5028 : (((
البخاري ،5223 :مسلم.2761 : (((
85
)(5عن جابر وأيب طلحة قاال :قال رسول هللا :
هك فيه سلم يخذ ُُل امرأً مسلامً يف موضعٍ ت ُنتَ ُ((ما من امرئٍ ُم ٍ
بهللا يف موطنٍ يُ ِح ُّرضه إلَّ خذله ُ َص فيه من ِع ِ حرمتُه ،ويُنتق ُ
قص فيه ينص مسلامً يف موضعٍ يُنتَ ُسلم ُ ُ فيه نُرصتَه وما من امرئٍ ُم ٍ
حب هللا يف موطنٍ يُ ُّإل نرصه ُ حرم ِته َّرضه ،ويُنت َه ُك فيه من ُمن ِع ِ
فيه نُرصتَه))(((.
أمثلة تطبيقية:
)(1عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن املرأة التي رسقت يف
عهد النبي يف غزوة الفتح ،فقالوا :من يكلم فيها
رسول هللا ؟ فقالوا :ومن يجرتئ عليه إال أسامة بن
زيد حب رسول هللا ؟ فأيت بها رسول هللا ،
فكلمه فيها أسامة بن زيد ،فتلَّون وجه رسول هللا
هللا؟)) فقال أسامة :استغفر يل ح ُدو ِد ِ فقال(( :أَتَشْ َف ُع يف َ
ح ٍّد ِمن ُ
يا رسول هللا (((...فغضب النبي كان بسبب طلب
ح ُرماته.
التنازل عن ح ٍّد من حدود هللا .وحدوده من ُ
)(2عن عائشة قالت« :وهللا ما انتقم لنفسه يف يشء يؤىت إليه
قط ،حتى تنتهك حرمات هللا فينتقم هلل»(((.
(( ( أحمد ،15933 :وأبو داود ،4884 :واللفظ له ،وحسنه األلباين يف صحيح الجامع:
.5690
((( البخاري ،3733 :ومسلم ،1688 :واللفظ له.
((( البخاري ،6786 :ومسلم.2327 :
86
أقوال مضيئة:
)(1قال ابن القيم« :روح العبادة هو اإلجالل واملحبة ،فإذا تخىل
أحدهام عن اآلخر فسدت»((( واإلجالل :التعظيم.
وقال أيضاً« :وأي دينٍ ،وأي خريٍ ،فيمن يرى محارم هللا تنتهك،
وحدوده تُضاع ،ودينه يُرتك ،وسنة رسول هللا يرغب
عنها ،وهو بارد القلب ،ساكت اللسان ،شيطان أخرس؟! -كام أن
املتكلم بالباطل شيطان ناطق ،-وهل بلية الدين إال من هؤالء الذين
إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فال مباالة مبا جرى عىل الدين؟
وخيارهم :املتحزن املتلمظ ،ولو نوزع يف بعض ما فيه غضاضة
عليه يف جاهه أو ماله بذل وتبذل ،وجد واجتهد ،واستعمل مراتب
اإلنكار الثالثة بحسب وسعه ،وهؤالء -مع سقوطهم من عني هللا
ومقت هللا لهم -قد بلوا يف الدنيا بأعظم بلية تكون وهم ال يشعرون،
وهو موت القلوب؛ فإن القلب كلام كانت حياته أتم كان غضبه هلل
ورسوله أقوى ،وانتصاره للدين أكمل»(((.
)(2قال بعض السلف« :ما انتهك املرء من أخيه أعظم من أن يساعده
عىل معصية ثم يهونها عليه»(((.
)(3قال ابن الجوزي :بقدر إجالل العبد له يجله وبقدر تعظيمه
قدره واحرتامه يعظم قدر العبد وحرمته ،وكم من رجل أنفق
عمره يف العلم حتى كربت سنه ،ثم تعدى حدود هللا فهان عند
((( املدارج.495/2 :
((( إعالم املوقعني.121/2 :
((( إحياء علوم الدين.33/4 :
87
الخلق ،ومل يلتفوا إليه مع غزارة علمه وقوة مجاهدته .وأما من
راقب هللا يف صبوته فقد يكون قارص الباع بالنسبة للصنف
األول ،ومع ذلك عظَّم هللا قدره يف القلوب حتى علقته النفوس،
ووصفته مبا يزيد عىل مافيه من الخري(((..
)(4قال ابن القيم :تعظيم الحرمات عىل درجات ثالث:
الدرجة األوىل :تعظيم األمر والنهي...
خص الذي مينع وهناك أمور تنايف تعظيم األمر والنهي :أحدها :الرت ُّ
صاحبه عن كامل االمتثال .الثاين :الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود
األمر والنهي ،فاألول تفريط والثاين إفراط.
ومن األمور التي تؤدي إىل عدم تعظيم األمر والنهي :تأويل األمر
والنهي بعلة تعود عليهام باإلبطال ،كام تأول بعضهم تحريم الخمر
بأنه معلل بإيقاع العداوة والبغضاء والتعرض للفساد ،فإذا أمن من
املخدور جاز رشبه!
الدرجة الثانية :تعظيم الحكم الكوين القدري بأال يطلب له عوجاً،
أو يرى فيه عوجاً ،بل يراه كله مستقيامً؛ ألنه صادر عن عني الحكمة
فال عوج فيه ،ومن كامل التعظيم أن ال يرىض العبد بعوض يطلبه
بعمله وإن طلب ثواب هللا وجزاء عمله.
الدرجة الثالثة :تعظيم الحق سبحانه وهو أن ال يجعل دونه سبباً
وال يرى عليه حقاً ،أو ينازع له اختيارا ً ..فيتيقن املسلم من أن الذي
يوصله إىل هللا هو هللا ،وال يتوصل إىل رضاه إال به ...ويعني هذا
88
أن ال ينازع املسلم اختيار هللا بل يرىض مبا اختاره له ،فإن ذلك من
تعظيم هللا ،ومن تعظيم حرمات هللا(((..
مراجع ُم ِعينة:
)(1مدارج السالكني ،البن القيم.
)(2دليل الفالحني ،البن عالن.
89
التوكل
هو اعتامد القلب عىل هللا يف جلب املنافع ودفع املضار ،من
أمور الدنيا واآلخرة ،مع بذل األسباب دون االعتامد عليها.
ومصدر التوكل :يقني املؤمن مبلك هللا تعاىل لهذا الكون ،وكامل
علمه وإحاطته وقدرته ،وعظمة تدبريه وترصيفه ألمر خلقه ،وحسن
اختياره لعبده.
ومن هنا كان التوكل زاد املؤمن ،ورس قوته وثباته؛ إذ أوكل أمره
إىل خالقه.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
.أهللا سبحانه مدبر األمر كله...
.باإلنسان مخلوق للعمل ،وهللا يتوىل النتائج.
)(2منزلة التوكل من اإلميان.
)(3حقيقة التوكل.
)(4مجاالت التوكل (يف أمور الدين ،الرزق ،الحامية ،النرص.)..
)(5أحوال الناس يف التوكل:
.أمن الناس من عطل األسباب.
.بمنهم من اعتمد عليها دون مسببها سبحانه.
.جمنهم من استعان باألسباب عىل املعايص.
90
.دمنهم من جمع بني فعل السبب واالعتامد عىل املسبب تعاىل،
وهم املتوكلون حقيقة.
)(6بواعث التوكل( :معرفة الخالق ،تجريد التوحيد وقوة اإلميان،
الثقة باهلل ،فهم اإلنسان لغاية خلقه ورسالته يف الحياة ،معرفته
لنفسه وإدراكه لضعفه وعجزه.)..
)(7مثار التوكل.
)(8أمور تضعف التوكل( :الجزع والهلع ،اإللحاف يف سؤال الناس،
أكل الحرام.)..
)(9التوكل عىل غري هللا .
)(10كيف نحقق التوكل؟ (تقوية اإلميان والتعلق باهلل تعاىل ،النظر
يف ملكوته وآثار قدرته ،فعل األسباب املمكنة وعدم إشغال
القلب بها ،العناية بالدعاء والترضع يف تحقيق املطالب ،الثقة
يف أن هللا تكفل بأرزاق عباده وكفايتهم ،وأنه يقدر لعباده الخري،
وأن الدعاء إذا تحققت رشوطه وانتفت موانعه ال يضيع يف الدنيا
واآلخرة ،الصرب عىل أقدار هللا واالطمئنان لها والرضا بها.)..
هدايات قرآنية:
نتم ُّم ۡؤ ِمن َ َ َ َ َّ
ٱللِ َف َت َو َّكُ ٓوا ْ إن ُك ُ
ِني .(((﴾23 ِ )(1قال تعاىل﴿ :وع
ۡ ۡ
ك َع َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ ۡ َّ
ني .(((﴾79 ٱل ّ ِق ٱل ُمب )(2وقال تعاىل﴿ :فتوك ع ٱلل إن
ِ
َ ُ ۡ َ ُ ۡ َۡ ِ َ َّ َ ۡ ُ ِۖ َّ ِ َ َ َ ۡ َ
ِإَولهِ يرجع ٱلم ُر
ۡرض ۡ ت وٱل ِ )(3وقال تعاىل﴿ :و ِلِ غيب ٱلسمٰو ٰ ِ
َ َّ ۡ َ َ ُ ُّ َ ۡ
ك ُهۥ فٱع ُب ۡدهُ َوت َوك عل ۡي ۚهِ﴾(((.
((( املائدة.23 :
(( ( النمل.79 :
((( هود.123 :
91
ني .(((﴾5 اك ن َ ۡس َتع ُاك َن ۡع ُب ُد ِإَويَّ َ )(4وقال تعاىل﴿ :إيَّ َ
ِ ِ
ُ ۡ َ َ َّ َ َ ۡ َّ َ َ
﴿ومن َيت َوك ع ٱللِ ف ُه َو حس ُبه ۚ ٓۥ﴾(((. )(5ويقول َ :
ٱلل ُيِبُّ ٱللِ إ َّن َّ َ َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ َّ ۡ َ َ َّ
ۚ ِ )(6وقال سبحانه﴿ :فإِذا عزمت فتوك ع
ِني.(((﴾159ٱل ۡ ُم َت َو ّ ِك َ
َّ َ َ َ َ
ِين قال ل ُه ُم )(7وقال عن أصحاب نبيه -رضوان هللا عليهم﴿ :-ٱل
َّ ُ َّ َّ َ َ ۡ َ َ ُ ْ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ ٗ َ َ ُ ْ
ٱنلاس إِن ٱنلاس قد جعوا لكم فٱخشوهم فزادهم إِيمٰنا وقالوا
ۡ ُ َح ۡسبُ َنا َّ ُ
ٱلل َون ِۡع َم ٱل َوك ِيل.(((﴾173
ع َر ّب ِ ِه ۡمِين َء َام ُنوا ْ َو َ َ ٰ
ع َّٱل َ َّ ُ َ ۡ َ َ ُ ُ ۡ َ ٌ َ َ
)(8وقال﴿ :إِنهۥ ليس لۥ سلطٰن
َّ ُ َ
َي َت َوكون.(((﴾99
قبسات نبوية:
)(1يف حديث السبعني ألفاً الذين يدخلون الجنة بغري حساب،
َيونَ،
ول يَتَط َّ ُ وصفهم بأنهم(( :ال َِّذي َن ال يَ ْس َ ْ
تقُونََ ،
وعل َربِّ ِه ْم يَتَ َوكَّلُونَ))(((.
كتَ ُوونََ ،
ول يَ ْ
َ
)(2عن عمر بن الخطاب قال :قال رسول هللا :
حق تَوكُّلِه ،ل َر َزقَكم كام يَرز ُُق هللا َّ ((لو أنَّكم تَتوكَّلو َن عىل ِ
َروح بِطاناً))(((.ري ،تَغدو ِخامصاً ،وت ُ الطَّ َ
الفاتحة.5 : (( (
الطالق.3 : (( (
آل عمران.159 : (( (
آل عمران.173 : (( (
النحل.99 : (((
البخاري ،5752 :مسلم.220 : (((
الرتمذي ،2344 :وابن ماجه ،4164 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.5254 : (( (
92
)(3عن أنس قال :قال رسول هللا (( :إذا خرج
هللا ،ال َ
حول وال قُ َّو َة َّلت عىل ِ هللا ،توك ُ الرجل من بي ِته فقال ِ :
بسم ِ ُ
حى ُفيت و ُو ِق َ
يت .فيتن َّ يت وك َ فيقال له :حس ُب َك ،قد ُه ِد َ
ُ إال با ِ
هلل،
له الشيطانُ ،فيقول له شيطا ٌن آخ ُر :كيف لك برجلٍ قد ُه ِد َي
وكُ ِف َي و ُو ِق َي؟))(((.
)(4عن ابن عباس قال« :حسبنا هللا ونعم الوكيل ،قالها
إبراهيم حني ألقي يف النار ،وقالها محمد
حني قالوا له :إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ،فزادهم إمياناً
وقالوا حسبنا هللا ونعم الوكيل»(((.
)(5عن أنس بن مالك قال :قال رجل :يا رسول هللا ،أَعقلُها
وأتوكل أو أُطْلِقُها وأتوكل؟ قال(( :ا ْع ِقلْ َها وتَ َوك َّْل))(((.
أمثلة تطبيقية:
)(1عن جابر قال :كنا مع رسول هللا بذات الرقاع،
فإذا أتينا عىل شجرة ظليلة تركناها لرسول هللا ،فجاء
رجل من املرشكني وسيف رسول هللا معلق بالشجرة ،فاخرتطه
فقال :تخافني؟ قال(( :ال)) ،قال :فمن مينعك مني؟ قال(( :هللا))(((.
)(2عن أيب بكر قال :قلت للنبي وأنا يف الغار :لو
أن أحدهم نظر تحت قدميه ألبرصنا؛ فقال(( :ما ظَ ُّن َك يا أبَا بَ ْ
ك ٍر
هللا ث َالِثُ ُه َم))(((.
ي ُ باث ْ َن ْ ِ
أبو داود ،5095 :والرتمذي ،2426 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.499 : (( (
البخاري.4563 : (((
الرتمذي ،2517 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.1068 : (( (
البخاري ،4137 :مسلم.840 : (((
البخاري ،3653 :مسلم .2381 (((
93
)(3قال ابن القيم يف وصف توكله « :وقد ظَا َهر بني
درعني يوم أحد ،ومل يحرض الصف قط عرياناً ...وكان ي َّدخر
ألهله قوت سنة ،وهو سيد املتوكلني ،وكان إذا سافر يف جهاد
أو حج أو عمرة حمل الزاد واملزاد وجميع أصحابه هم أولو
التوكل حقاً»(((.
)(4عن ابن عباس قال« :كان أهل اليمن يحجون وال
يتزودون ،ويقولون :نحن املتوكلون ،فإذا قدموا مكة سألوا
ٱتل ۡق َو ٰ
ىۖ﴾(((.(((翿 ٱلزادِ َّ
ي َّالناس ،فأنزل هللاَ ﴿ :وتَ َز َّو ُدوا ْ فَإ َّن َخ ۡ َ
ِ
أقوال مضيئة:
)(1قال اإلمام أحمد« :صدق التوكل عىل هللا أن يتوكل عىل هللا
وال يكون يف قلبه أحد من اآلدميني يطمع أن يجيئه بيشء ،فإذا
كان كذلك كان هللا يرزقه ،وكان متوكالً»(((.
)(2قيل لحاتم األصم :عىل ما بنيت أمرك يف التوكل؟ قال« :عىل
خصال أربعة :علمت أن رزقي ال يأكله غريي فاطأمنت به
نفيس ،وعلمت أن عميل ال يعمله غريي فأنا مشغول به ،وعلمت
أن املوت يأيت بغتة فأنا أبادره ،وعلمت أين ال أخلو من عني هللا
مستحي منه»(((.
ٍ فأنا
94
)(3قال ابن القيم« :التوكل نصف الدين .والنصف الثاين :اإلنابة،
فإن الدين استعانة وعبادة ،فالتوكل هو االستعانة ،واإلنابة
هي العبادة»(((.
)(4وقال أيضاً« :التوكل من أعزم األسباب التي يحصل بها املطلوب،
ويندفع بها املكروه ،فمن أنكر األسباب مل يستقم معه التوكل،
ولكن من متام التوكل عدم الركون إىل األسباب وقطع عالقة
القلب بها ،فيكون حال قلبه قيامه باهلل ال بها (أي :األسباب)
وحال بدنه قيامه بها .فاألسباب محل حكمة هللا وأمره ونهيه،
والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره ،فال تقوم عبودية
األسباب إال عىل ساق التوكل ،وال يقوم ساق التوكل إال عىل
قدم العبودية»(((.
)(5قال الشيخ سلامن بن عبد هللا « :التوكل عىل غري هللا قسامن:
أحدهام :التوكل يف األمور التي ال يقدر عليها إال هللا ،كالذين
يتوكلون عىل األموات والطواغيت يف رجاء مطالبهم من النرص
والحفظ والرزق والشفاعة ،فهذا رشك أكرب ،فإن هذه األمور
ونحوها ال يقدر عليها إال هللا .
الثاين :التوكل يف األسباب الظاهرة العادية ،كمن يتوكل عىل أمري
أو سلطان ،فيام جعله هللا بيده من الرزق أو دفع األذى ونحو ذلك،
فهذا رشك خفي.
والوكالة الجائزة هي :توكل اإلنسان يف فعل مقدور عليه ،ولكن
ليس له أن يتوكل عليه وإن وكله ،بل يتوكل عىل هللا ويعتمد عليه يف
تيسري ما وكله فيه»(((.
(( ( مدارج السالكني.118/2 :
(( ( مدارج السالكني.125/2 :
(( ( تيسري العزيز الحميد.439 :
95
مراجع ُم ِعينة:
)(1مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(2مدارج السالكني ،البن القيم.
)(3جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
96
الشكر
تتواىل نعم هللا سبحانه عىل عباده ،يف إيجادهم ،وإمدادهم بالنعم،
وحفظهم .وأعظم النعم :الهداية إىل الرصاط املستقيم ،وتاجها :دخول
الجنة والنجاة من النار.
والخلق مفطورون عىل حب من أحسن إليهم ،غري أن ضعف اإلميان
يجعل العبد يدين لبعض الخلق بالفضل أكرث من شكره لخالقه .ودليل
ذلك :تقديم طاعة الخلق عىل طاعة هللا ،والتقصري يف امتثال أمره
واجتناب نهيه.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
.أسعة فضل هللا ونعمه.
.بالنعمة والرساء ابتالء وامتحان ،كالنقمة والرضاء.
)(2املؤمن بني الشكر والصرب.
)(3حقيقة الشكر.
)(4أركان الشكر.
)(5أحوال الشاكرين.
)(6ال يطيق العبد الوفاء بنعم هللا تعاىل عليه.
)(7عاقبة الشكر.
)(8مرشوعية سجود الشكر حني تجدد النعم واندفاع النقم.
97
)(9كفران النعمة.
)(10عاقبة الكافرين بأنعم هللا تعاىل.
)(11كيف نكون من الشاكرين؟ (استشعار النعم واإلحساس بها،
نسبتها إىل املنعم الحقيقي سبحانه ،التحدث بها شكرا ً ال فخرا ً،
االستعانة بها يف طاعته ،االزدياد من الطاعات عند زيادة النعم،
السجود عند حدوث نعمة أو زوال نقمة ،االجتهاد يف طاعة هللا
دوماً فنعمه ظاهرة مع كل نَفَس ويف كل لحظة.)..
هدايات قرآنية:
ََ َ ۡ ُُ ٓ َۡ ُۡ ُ ۡ َ ۡ ُُ ْ
ون أذكركم وٱشكروا ِل ول )(1قال تعاىل﴿ :فٱذكر ِ
ون.(((﴾152 َ ۡ ُُ
تكفر ِ
َ ٞ ۡ ُ ْ َ َ َ ُ ۡ
)(2وقال سبحانه﴿ :ٱع َمل ٓوا َءال د ُاوۥد شك ٗر ۚا َوقل ِيل ّم ِۡن ع َِباد َِي
ك ُ َّ ُ
ور.(((﴾13 ٱلش
ۡ ۡ ُ َ َ ُ َ ُ
َ ۡ َ ّ َۡ َ ٓ ۡ َ َ َ َ
ن َءأشك ُر أم أكف ُر ۖ )(3وقال ﴿ :قال هٰذا مِن فض ِل ر ِب ِلبلو ِ
ك َف َر فَإ َّن َر ّب َغ ّ ٞ
َ سهِۦ َو َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ۡ ُ ُ َ ۡ
ن ِ ِ ِ ن م ۖ ِ ف ومن شكر فإِنما يشكر لِ
يم.(((﴾40َكر ٞ
ِ
َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َّ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ ُّ ُ ۡ َ
)(4قال تعاىلِ﴿ :إَوذ تأذن ربكم لئِن شكرتم لزِيدنكمۖ ولئِن
َ َ ُ َّ َ َ َ ٞ
كف ۡرت ۡم إِن َعذ ِاب لشدِيد.(((﴾7
98
ٗ ٗ
ت َءام َِنة ُّم ۡ َط َمئ ِ َّنةٱلل َم َث ٗل قَ ۡر َي ٗة َكنَ ۡ
ض َب َّ ُ﴿و َ َ
)(5وقال سبحانهَ :
ٱللِ فَأ َذ ٰ َقهاَ َ ۡ َ ۡ ُ َ َ َ ٗ ّ ُ ّ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ َّ
ك مك ٖن فكفرت بِأنع ِم يأتِيها رِزقها ۡ رغدا م ِۡن ِ
َ ْ ُ َ َّ ُ
ٱل ۡو ِف ب ِ َما كنوا يَ ۡص َن ُعون.(((﴾112وع َو َ اس ُ
ٱل ِ ٱلل لِ َ َ
قبسات نبوية:
جباً )(1عن صهيب قال :قال رسول هللا َ (( :ع َ
ح ٍد إلَّ لِلْ ُم ْؤ ِمنِ ،ذاك ألَ َ
وليس َ
َ ي،خ ٌْألَ ْم ِر امل ُ ْؤ ِمنِ ،إ َّن أ ْم َرهُ كُلَّ ُه َ
ب
ص ََ ضا ُءَ ، خ ْيا ً له ،وإ ْن أصابَتْ ُه َ َّ ك َر ،فَكا َن َ سا ُء شَ َ إ ْن أصابَتْ ُه َ َّ
خ ْيا ً له))(((. فَكا َن َ
)(2عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا (( :الطَّاع ُم
الصابرِ))(((. ائم َّ الص ِالشَّ اك ُر مبنزل ِة َّ
)(3عن عبد هللا بن غنام البيايض قال :قال رسول هللا
ني يُصب ُِح :الل ُه َّم ما أص َب َح يب من نِعم ٍة، َ (( :من قال ح َ
ولكلك الحم ُدَ ، لكَ ، يك َ ش َ ح َد َك ال َ فمنك َو ْ خل ِق َكَ ، بأحد من َ ٍ أو
ني ُ ْييس ،فقد مثل ذلك ح َ الشك ُر ،فقد أ َّدى شُ ك َر يو ِمه ،و َمن قال َ
أ َّدى شُ ك َر ليل ِته))(((.
وصيكَ )(4عن معاذ بن جبل أن رسول هللا قال(( :أُ
َقول :الل ُه َّم أ ِع ِّني عىل صال ٍة أ ْن ت َ كل َ يا ُمعاذُ ،ال تَ َد َع َّن يف ُدبُ ِر ِّ
حسنِ ِعبادتِ َك))(((. ِذكر َِك وشُ كر َِك و ُ
99
((ل
)(5عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا َ :
اس))(((.
ك ُر ال َّن َ
هللا َمن ال يَش ُ
ك ُر َ
يَش ُ
أمثلة تطبيقية:
)(1عن املغرية بن شعبة قال :إن كان النبي ليقوم
-أو ليصيل ،-حتى ترم قدماه -أو ساقاه -فيقال له ،فيقول:
((أَفَال أَكُو ُن َع ْبدا ً شَ كُورا ً؟))(((.
)(2عن أيب بكرة نفيع بن الحارث قال :كان رسول هللا
ش به خر ساجدا ً إذا جاءه أمر رسور أو بُ ِّ
شكرا ً هلل(((.
)(3قال ابن عيينة« :مطرت مكة مطرا ً تهدمت منه البيوت ،فأعتق
ابن رواد جاريته شكرا ً هلل ،إذ عافاه هللا من ذلك»(((.
)(4قال أبو الجلد جيالن بن فروة قال :قال موىس « :إلهي
كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك ال يجازي
بها عميل كله ،قال :فأوحى هللا تعاىل إليه :يا موىس اآلن
شكرتني»((( أي :باعرتافك بإنعامي وقيامك بالعمل الصالح ،مع
اعرتافك بالعجز عن املكافأة.
أحمد ،7959 :أبو داود ،4811 :الرتمذي ،1954 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع: (( (
.7719
البخاري،6471 :مسلم.2819 : (((
أبو داود ،2774 :وابن ماجه ،1394 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.4701 : (( (
الحلية.191/8 : (( (
الحلية.56/6 : (( (
100
)(5وقد حىك هللا علينا قصة سبأ وما كانوا عليه من النعيم ورغد
العيش ،ثم ما حل بهم من العذاب وتبدل النعم ،وذلك حينام بدلوا
ان تكنه ۡم َءايَةَ ۖ ٞج َّن َ
ِ
َ ۡ َ
س م ف إ نعمة هللا كفرا ً فقال﴿ :لَ َق ۡد َك َن ل َِس َ
ب
ِ ِ ٖ ِ
ّ ۡ َ ّ ُ ۡ َ ۡ ُ ُ ْ َُ ََۡ ٞ َّ َ ٞ ُُ ْ
ني َوش َِما ٖلۖ كوا مِن رِز ِق ربِكم وٱشكروا ل ۚۥ بلة طيِبة ٖ َعن يَ ِم
ۡ َ ۡ َ ََ ۡ ُ ْ ََ ۡ َُ
َو َر ٌّب غفور 15ٞفأع َرضوا فأ ۡر َسل َنا َعل ۡي ِه ۡم َس ۡيل ٱل َع ِر ِم َو َب َّدل َنٰ ُهم
ۡ َ شء ّۡ َ َّ َ ۡ ۡ َ َّ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ َ ۡ َ َ ۡ َ َ
ِيل16 ل ق ر ِد
س ِن م ي ذوات أكل خ ٖط وأثل و ٖ ِبنتي ِهم جنت ِ
َ ٰ َ َ َ ۡ َ ُ َ َ َ ُ ٍْ َ َ ۡ ُ َ ٰ ٖ ٓ َّ ۡ َ ُ َ ٖ َ َ َٖ َۡ
ذل ِك جزينٰهم بِما كفر ۖوا وهل نج ِزي إِل ٱلكفور 17وجعلنا
ِيها ِيها قُ ٗرى َظٰه َر ٗة َوقَ َّد ۡرنَا ف َ ي ۡٱل ُق َرى َّٱلت َب ٰ َر ۡك َنا ف َ بَ ۡي َن ُه ۡم َو َب ۡ َ
ِ ِ
ي ِنيَ 18ف َقالُوا ْ َر َّب َنا َبٰع ۡد َب ۡ َ ال َو َأيَّاما ً َءا ِمن َ َ َ َّ ۡ َ ُ ْ َ َ
ٱلسي ۖ سِريوا ف
ِ َ ِيها ِ ل
َّ ُ ۡ َ ۡ نف َس ُه ۡم فَ َ َۡ َ َ ََ َُٓ ُ
َ ْ
ج َعل َنٰ ُه ۡم أ َحادِيث َو َم َّزق َنٰ ُه ۡم ك ُم َم َّز ٍ ۚق أسفارِنا وظلموا أ
َ ُ ُّ ّ َٰ َ َ َّ
ِك َص َّبارٖ شكورٖ.(((﴾19 ِ ل ت
ٖ ٰ ٓأَلي ِك لذ ف ِ ن إِ
أقوال مضيئة:
)(1قال عيل بن أيب طالب « :إن النعمة موصولة بالشكر،
والشكر يتعلق باملزيد ،وهام مقرونان يف قرن ،فلن ينقطع املزيد
من هللا حتى ينقطع الشكر من العبد»(((.
)(2قال ابن القيم« :والشكر مبني عىل خمس قواعد :خضوع
الشاكر للمشكور ،وحبه له ،واعرتافه بنعمته ،وثناؤه عليه بها،
وأال يستعملها فيام يكره ،فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه
عليها ،فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة»(((.
((( سبأ.19-15 :
((( عدة الصابرين.98 :
(( ( مدارج السالكني.244/2 :
101
)(3قال ابن القيم« :قال بعض السلف :البالء يصرب عليه املؤمن
والكافر ،وال يصرب عىل العافية إال الصديقون .وقال عبد الرحمن
بن عوف ابتلينا بالرضاء فصربنا ،وابتلينا بالرساء فلم
نصرب ،ولذلك حذر هللا عباده من فتنة املال واألزواج واألوالد،
وإمنا كان الصرب عىل فتنة الرساء أعظم؛ ألنه مقرون بالقدرة،
والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه عىل الصرب عند حضوره»(((.
)(4قال الراغب األصفهاين« :الشكر عىل ثالثة أرضب :شكر القلب
وهو تصور النعمة ،وشكر اللسان وهو الثناء عىل املنعم ،وشكر
سائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه .وقوله
ۡ ُ ْ َ َ َ ُ ۡ
تعاىل﴿ :ٱع َمل ٓوا َءال د ُاوۥد شك ٗر ۚا﴾((( معناه :اعملوا ما تعملونه
شكرا ً هلل ...ومل يقل :اشكروا؛ لينبه عىل التزام األنواع الثالثة
من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح ،وقوله سبحانه:
ك إ َ َّل ٱل ۡ َم ِص ُ َ َٰ َ ۡ َ ۡ ُ َ
﴿و َس َن ۡج ِزي
ريَ ،(((﴾14
ِ يلِ ِو لو ل
ِ
كۡ
ر ٱش ن
﴿أ ِ
َ ۡ ُ َ َّ َ ۡ ُ َ ۡ َّ
سهِۖۦ﴾(((، ﴿و َمن يشك ۡر فإِن َما يشك ُر ل ِف ِ ينَ ،(((﴾145ٱلشكِر َ
ِ ٰ
ُ َ َ ُ َّ َ َ ۡ ّ ٞ
﴿وقل ِيل مِن عِبادِي ٱلشكور ﴾13فيه تنبيه أن توفية شكر
(((
هللا صعب ،ولذلك مل ينث بالشكر من أوليائه إال عىل اثنني قال
102
َّ ُ َ َ َ ۡ ٗ ُ َ ٗ ّ َۡ
يف إبراهيم ﴿شاكِرا ِلنع ِمهِ﴾ وقال يف نوح﴿ :إِنهۥ كن عبدا
(((
ك َٗ ُ
ورا.(((»(((﴾3 ش
)(5قال سيد قطب« :والخلق مهام بالغوا يف الشكر قارصون عن
الوفاء ،فكيف إذا قرصوا وغفلوا عن الشكر من األساس؟!»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1عدة الصابرين وذخرية الشاكرين ،البن القيم.
)(2مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(3اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
103
الورع
الورع هو :ترك ما يُخىش رضره يف اآلخرة .فمن أراد الورع فليرتك
ما يخاف من اإلثم يف فعله ،وليفعل ما يخاف اإلثم يف تركه .وهذا
حاجز للعبد دون اإلثم ،وأمان له من أبواب املعصية.
وهو مرتبة مقدمة عىل الزهد الذي هو :ترك ما ال ينفع يف اآلخرة.
فمن مل يرتك ما يُخىش رضره مل يرتك ما ال ينفعه من باب أوىل.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :العقل يؤثر السالمة.
)(2تعريف الورع.
)(3منزلته من الدين.
)(4أثره يف سالمة دين املرء وراحة نفسه.
)(5أخبار الصالحني مع الورع.
)(6ما يعني عىل الورع( :الخوف من هللا ،الحرص عىل السالمة،
الرغبة يف اآلخرة.)...
)(7ضوابط وتنبيهات( :تجنب إلزام الناس باالحتياط ما دام لهم يف
الرشع فسحة ،الحذر من ترك الرخص الرشعية.)..
)(8الورع قبل الزهد.
)(9سبل تحقيق الورع( :تعميق هم اآلخرة يف القلب ،تعلم ما ال يسع
املسلم جهله ،سؤال أهل العلم عام أشكل بدقة وتجرد ،إلزام
104
النفس برتك الشبهات واألمور املشكلة التي ال يتضح حكمها،
األخذ بالرخص الرشعية الثابتة وتجنب تتبع الرخص وزالت
أهل العلم.)..
هدايات قرآنية:
َ َ ۡ َ ُ َ ُ َ ّ ٗ َ ُ َ َ َّ
ٱللِ َع ِظ ٞ
يم (((﴾15فهناك )(1قال تعاىل﴿ :وتسبونهۥ هيِنا وهو عِند
أمور يظنها العبد صغرية ال إثم فيها وهي عظيمة عند هللا ،وذلك
الظن ال يفيد شيئاً ،وهذا موجب للورع.
َ ۡ َّ َ َّ َ َ ۡ
)(2وقال سبحانه﴿ :إِن ربك لِٱل ِمرصادِ ﴾14يُحيص ويجازي ال
(((
قبسات نبوية:
)(1عن وابصة بن معبد قال :أتيت رسول هللا
الب؟)) قلت :نعم ،فقال(( :استَف ِ
ْت تسأل عن ِ ِّ ُ ((جئت
َ فقال:
القلب ،واإلث ُم ما
ُ النفس ،واطأم َّن إليه
ُ قلبَكُّ ِ ،
الب ما اطأمنَّت إليه
الناس وأفتَ ْوك))(((.
ُ القلب ،وتر َّدد يف الصد ِر وإن أفتاكِ حاك يف
)(2عن عطية بن عروة السعدي قال :قال رسول هللا
ع ما ال(( :ال يبل ُغ العب ُد أن يكو َن من املتَّقني حتَّى يد َ
بأس به حذرا ً ملا به ٌ
بأس))(((. َ
النور.15 : (((
الفجر.14 : (((
أحمد ،17545 :وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب.1734 : (( (
الرتمذي ،2451 :وحسنه محقق جامع األصول.682/4 : (( (
105
)(3عن حذيفة بن اليامن قال :قال رسول هللا :
ع))(((. ري ِدي ِنكم الو َر ُ ري ِمن فَضْ لِ العباد ِة ،وخ ُ لم خ ٌ ((فَضْ ُل ال ِع ِ
)(4عن النعامن بن بشري قال :سمعت رسول هللا
ي ،وبيْ َن ُهام ُمشْ تَبِهاتٌ حرا َم بَ ِّ ٌي ،وإ َّن ال َ ح َ
الل بَ ِّ ٌ يقول(( :إ َّن ال َ
بأَ لِ ِدي ِن ِه،استَ ْ َ
هات ْ اس ،فَ َمنِ اتَّقَى الشُّ ُب ِ ري ِم َن ال َّن ِ ال يَ ْعلَ ُم ُه َّن كَ ِث ٌ
رام ،كال َّرا ِعي يَ ْر َعى ح ِ هات وقَ َع يف ال َ و ِع ْر ِض ِه ،و َمن وقَ َع يف الشُّ ُب ِ
ك ِح ًمى ،أال وش ُك أ ْن يَ ْرتَ َع ِفي ِه ،أال وإ َّن لِك ُِّل َملِ ٍ الح َمى ،يُ ِ ح ْو َل ِ َ
ت، ح ْ صلَ َ ج َس ِد ُمضْ َغ ًة ،إذا َ هللا َمحا ِر ُم ُه ،أال وإ َّن يف ال َ وإ َّن ِح َمى ِ
ج َس ُد كُلُّ ُه ،أال وهي ج َس ُد كُلُّ ُه ،وإذا ف ََسدَتْ ،ف ََس َد ال َ صل ََح ال َ َ
ْب))(((. ال َقل ُ
أمثلة تطبيقية:
)(1عن أنس أن النبي وجد مترة يف الطريق ،فقال:
الص َدقَ ِة َلَكَلْتُ َها))(((.
اف أ ْن تَكُو َن ِم َن َّ
خ ُ ((لَ ْو َل ِّ
أن أ َ
)(2عن عائشة قالت« :كان أليب بكر الصديق غالم
يخرج له الخراج ،وكان أبو بكر يأكل من خراجه ،فجاء يوماً
بيشء فأكل منه أبو بكر ،فقال له الغالم :أتدري ما هذا؟ فقال
أبو بكر :وما هو؟ قال :كنت تكهنت إلنسان يف الجاهلية ،وما
حس ُن الكهانة إال أين خدعته ،فلقيني ،فأعطاين بذلك هذا الذي أُ ِ
أكلت منه ،فأدخل أبو بكر يده فقاء كل يشء يف بطنه»(((.
106
)(3أرسل عمر بن عبد العزيز غالمه يشوي بكبكبة من لحم فعجل
بها ،فقال :أرسعت بها؟ قال :شويتها يف نار املطبخ -وكان
للمسلمني مطبخ يغديهم ويعشيهم -فقال لغالمه :كلها يا بني،
فإنك رزقتها ومل أرزقها(((.
أقوال مضيئة:
)(1عن أنس قال« :إنكم لتعملون أعامالً هي أدق يف
أعينكم من الشعر ،إ ْن كنا لنعدها عىل عهد النبي
من املوبقات»(((.
)(2قال الحسن البرصي « :أفضل العلم :الورع والتوكل»(((.
)(3قال البخاري« :أرجو أن ألقى هللا وال يحاسبني أين اغتبت أحدا ً»،
قال الذهبي« :وهذا وهللا غاية الورع»(((.
)(4ذكر الراغب األصفهاين أن الورع ثالث مراتب -1 :واجب
وهو :اإلحجام عن املحارم وذلك للناس كافة -2 .مندوب وهو:
الوقوف عن الشبهات ،وذلك لألواسط -3 .فضيلة وهو :الكف
عن كثري من املباحات واالقتصار عىل أقل الرضورات ،وذلك
للنبيني والصديقني والشهداء والصالحني(((..
107
)(5قال ابن تيمية« :الواجبات واملستحبات ال يصلح فيها
زهد وال ورع ،وأما املحرمات واملكروهات فيصلح فيها
الزهد والورع»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1مدارج السالكني ،البن القيم.
)(2جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(3مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
108
الزهد
الزهد من األحوال القلبية التي ترفع صاحبها عند هللا تعاىل.
ويعني :انقطاع القلب عن التعلق بالدنيا والطمع فيام يف يد أهلها؛
ثقة فيام عند هللا تعاىل من فضل ،بحيث يعظم الرجاء فيام عنده،
والفرح مبا يقرب إىل اآلخرة ،دون متاع الدنيا ،وإن اشتغل به وملَكَه،
فهو يف يده ال يف قلبه ،وإمنا يشتغل به عبادة هلل واستجابة ألمره.
والتقلل من متاع الدنيا اشتغاالً بعلم أو دعوة أو عبادة وطلباً للثواب:
درجة يف الزهد.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
.أمنزلة الدنيا يف قلوب املؤمنني كمنزلتها عند خالقهم
وخالقها (ال تعدل جناح بعوضة).
.بالغاية من خلق الدنيا والناس.
)(2حقيقة الزهد.
)(3مراتب الزهد.
)(4دوافع الزهد (قوة اإلميان ،شدة الرغبة يف اآلخرة ،معرفة حقيقة
الدنيا.)..
)(5مثار الزهد (ترك املعايص ،محبة هللا ،راحة القلب.)..
)(6عواقب التعلق بالدنيا.
)(7ترك املعايص أول درجة يف الزهد.
109
)(8ال قوام للدين دون عامرة األرض (حسياً ومعنوياً).
)(9تطبيقات الزهد (الثقة يف رزق هللا حني تنقطع األسباب ،الفرح
بأجر املصيبة أكرث من الحزن عىل ما فات من الدنيا ،بناء العالقات
عىل أساس محبة هللا ال محبة الدنيا.)..
هدايات قرآنية:
ك إ َ ٰل َما َم َّت ۡع َنا بهِۦٓ أَ ۡز َو ٰ ٗجا ّم ِۡن ُهمۡ َ َ َ ُ َّ َّ َ ۡ َ ۡ َ
)(1قال تعاىل﴿ :ول تمدن عيني
َ ِ ِ
ك َخ ۡيَ ٞوأ ۡب َ ٰ َ ۡ َّ َ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ٰ ُّ ۡ
ق.(((﴾131 ٱدلن َيا لِ َفت ِ َن ُه ۡم فِي ۚهِ ورِزق ر ِب زهرة ٱليوة ِ
َ َ ۡ َ ﴿من ك َن يُر ُ َ
يد َح ۡرث ٱٓأۡلخ َِرة ِ ن ِزد ُلۥ ِف َح ۡرثِهِۖۦ ِ
)(2وقال سبحانهَ :
َ َ َ َ َ ُ ُ َ ۡ َ ُّ ۡ ُ ۡ
ٱدلن َيا نؤتِهِۦ م ِۡن َها َو َما ُلۥ ِف ٱٓأۡلخ َِرة ِ مِن ومن كن ي ِريد حرث
َّ
يب.(((﴾20 ٍ ن ِص
ِكمۡ ُ ََ ٓ َ ُ َۡ َ ُّ َ َ ََٓ
ۡرض ول ِف أنفس )(3وقال ﴿ :ما أصاب مِن م ِصيبةٖ ِف ٱل ِ
ّ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ َ ٓ َّ َ ٰ َ َ َ َّ َ َ ۡ َ ّ ٞ َ َّ
ب مِن قب ِل أن نبأها ۚ إِن ذل ِك ع ٱللِ يسِري 22ل ِكيل ٰ ِت ك فِ ل إِ
َ ۡ َ ۡ ْ َ َ ٰ َ ٖ َ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ُ ْ َ ٓ َ َ ٰ ُ ۡ َ َّ ُ َ ُ ُّ ُ َّ
تأسوا ع ما فاتكم ول تفرحوا بِما ءاتىكمۗ وٱلل ل يِب ك
َُۡ َ ُ
ور.(((﴾23 متا ٖل ف ٍ
خ
قبسات نبوية:
)(1عن سهل بن سعد الساعدي قال :قال رسول هللا
ناح بَ ُعوضَ ٍة ،ما
ج َ َت الدنيا تَ ْع ِد ُل عن َد ِ
هللا َ (( :لَ ْو كَان ِ
شبَ َة ما ٍء))(((.
َسقَى كافرا ً ِم ْنها َ ْ
طه.131 : (( (
الشورى.20 : (((
الحديد.23-22 : (((
الرتمذي ،2320 :وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة.940 : (( (
110
)(2عن سهل بن سعد الساعدي قال :أىت النبي
رجل فقال :يا رسول هللا دلني عىل عمل إذا أنا عملته أحبني هللا،
وأحبني الناس ،فقال رسول هللا (( :از َهد يف ال ُّدنيا
وك))(((. اس يحبُّ َ هللا وازهد فيام يف أيدي ال َّن ِ يحبَّ َك ُ
)(3عن عبد َهللا بن الشخري قال :أتيت النبي وهو
ُ ۡ َ ٰ ُ ُ َّ َ ُ
ل، ا م ،
َ َ ِ َ ِل ا م : م د
َ آ ن
ُ اب ُ
((يقول قال: (((
﴾1 ر يقرأ﴿ :ألهىكم ٱتلكث
ت ت ،أَ ْو لَب ِْس َ هل ل ََك ،يا ابْ َن آ َد َم ِمن َمالِ َك إلَّ ما أَكَل َ
ْت فأفْ َن ْي َ قالَ :و ْ َ
ت))(((. ْت فأ ْمضَ يْ َ ت ،أَ ْو ت ََص َّدق َ فأبْلَيْ َ
)(4عن ابن عمر أخذ رسول هللا مبنكبي فقال:
َريب ،أو عا ِب ُر َسبيلٍ )) وكان ابن عمر ((كُ ْن يف ال ُّدنيا كأنَّك غ ٌ
يقول« :إذا أمسيت فال تنتظر الصباح ،وإذا أصبحت فال
تنتظر املساء ،وخذ من صحتك ملرضك ،ومن حياتك ملوتك»(((.
)(5عن عمرو بن عوف األنصاري أن رسول هللا
بعث أبا عبيدة ابن الجراح إىل البحرين يأيت بجزيتها ،وكان
رسول هللا هو صالح أهل البحرين ،وأ َّمر عليهم
العالء الحرضمي ،فقدم أبو عبيدة مبال البحرين فسمعت األنصار
بقدومه ،فوافقت صالة الصبح مع رسول هللا ،فلام
انرصف تعرضوا له فتبسم رسول هللا حني رآهم وقال:
جا َء بيش ٍء)) ،قالوا :أجل وم ِأب ُع َب ْي َدةَ ،وأنَّ ُه َ ك ْم َس ِم ْعتُ ْم ب ُق ُد ِ
((أظُ ُّن ُ
سكُ ْم ،فَ َو ِ
هللا ما ال َف ْق َر شوا وأَ ِّملُوا ما يَ ُ ُّ يا رسول هللا ،قال(( :فأبْ ِ ُ
ابن ماجه ،4102 :وصححه األلباين يف صحيح لجامع.922 : (((
التكاثر.1 : (((
مسلم.2958 : (((
البخار ي.6416 : (( (
111
ط َعلَ ْي ُ
ك ُم ال ُّدنْ َيا ،كام ش علَ ْيكُم أ ْن ت ُ ْب َس َ خ َ ك ْن أ ْ ش علَ ْيكُم ،ولَ ِ خ َ
أ ْ
ك ْم ،فَتَ َناف َُسو َها كام ت َ َناف َُسو َها ،وتُلْهي ُ
ك ْم عل َمن كا َن قَ ْبلَ ُ َت َ بُ ِسط ْ
كام ألْ َهتْ ُه ْم))(((.
وش ُك )(6عن ثوبان قال :قال رسول هللا (( :يُ ِ
قصع ِتها)) ،فقال األم ُم أن تَدا َعى عليكم ،كام ت َدا َعى األكَل ُة إىل ْ
ري ،ولك َّنكم يومئذ كث ٌٍ قائل :ومن قلة نحن يومئذ؟ قال(( :بل أنتم
هللا من صدو ِر عد ِّوكم املهاب َة منكم، السيلِ ،ولين ِز َع َّن ُ غُثا ٌء كغُثا ُء َّ
هللا يف قلوبِكم الو ْه َن)) ،فقال قائل :يا رسول هللا وما وليقذفَ َّن ُ ِ
ِ
املوت))(((. ((حب ال ُّدنيا وكراهي ُة ُّ الوهن؟ قال:
أمثلة تطبيقية:
)(1خطب النعامن بن بشري قال« :ذكر عمر ما أصاب الناس
من الدنيا فقال :لقد رأيت رسول هللا يظل اليوم يلتوي ما يجد
دقالً ميأل به بطنه»((( الدقل :التمر الرديء.
)(2عن عائشة قالت« :إن كنا آل محمد لنمكث
شهرا ً ما نستوقد بنار ،إن هو إال التمر واملاء»(((.
)(3عن الحسن قال« :خطب عمر بن الخطاب وهو خليفة
وعليه إزار فيه ثنتي عرش رقعة»(((.
112
)(4قال سلمة بن عبد امللك« :دخلت عىل عمر بن عبد العزيز
أعوده يف مرضه فإذا عليه قميص وسخ ،فقلت لفاطمة :يا فاطمة
اغسيل قميص أمري املؤمنني ،قالت :نفعل إن شاء هللا ،ثم عدت
فإذا القميص عىل حاله ،فقلت :يا فاطمة أمل أمركم أن تغسلوا
قميص أمري املؤمنني فإن الناس يعودونه ،قالت :وهللا ماله
قميص غريه»(((.
)(5قال الحسن« :لقيت أقواماً كانوا فيام أحل هللا لهم أزهد منكم
فيام حرم هللا عليكم .ولقد لقيت أقواماً كانوا من حسناتهم
أشفق أن ال تقبل منهم من سيئاتكم .ولقد صحبت أقواماً كان
أحدهم يأكل عىل األرض وينام عىل األرض»(((.
)(6قال الفضيل البن املبارك :أنت تأمرنا بالزهد والتقلل وال ُبلْغة،
ونراك تأيت بالبضائع! كيف ذا؟ قال :يا أبا عيل ،إمنا أفعل ذا ألصون
وجهي ،وأكرم عريض ،وأستعني به عىل طاعة ريب .قال :يا ابن
املبارك ما أحسن ذا إن ت َّم ذا(((..
أقوال مضيئة:
)(1عن الحسن قال« :ليس الزهد يف الدنيا بتحريم الحالل،
وإضاعة املال ،ولكن أن تكون مبا يف يد هللا أوثق منك مبا يف
يدك ،وأن تكون يف ثواب املصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها
لو مل تصبك»(((.
الحلية.258/5 : (( (
صفة الصفوة.227/3 : (( (
سري أعالم النبالء.387/8 : (((
بصائر ذوي التمييز.140/3 : (( (
113
)(2قال ابن القيم :الزهد أقسام :زهد يف الحرام وهو :فرض
عني .وزهد يف الشبهات وهو :بحسب مراتب الشبهة ،فإن قويت
التحق بالواجب ،وإن ضعفت كان مستحباً .وزهد يف الفضول،
وزهد فيام ال يعني من الكالم والنظر والسؤال واللقاء وغريه،
وزهد يف الناس ،وزهد يف النفس حني تهون عليه نفسه يف هللا.
وزهد جامع ذلك كله وهو :الزهد فيام سوى ما عند هللا ،ويف كل
ما يشغلك عن هللا ،وأفضل الزهد :إخفاء الزهد ،وأصعبه :الزهد
يف الحظوظ(((..
)(3ذكر ابن رجب ثالثة أشياء تعني عىل الزهد فقال« :أحدها :علم
َ َ
العبد أن الدنيا ظل زائل ،وخيال زائر ،فهي كام قال تعاىل﴿ :ك َمث ِل
َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َّ َ ُ َ َ َ ٰ ُ ُ ۡ َ ّٗ ُ َّ َ ُ ُ
ث أعجب ٱلكفار نباتهۥ ثم ي ِهيج فتىه مصفرا ثم يكون غي ٍ
ُ ۡ ََ
﴿متٰ ُع ٱلغ ُرورِ (((﴾20ونهى عن االغرتار بها، ُح َطٰ ٗماۖ ﴾ وسامها
وأخربنا عن سوء عاقبة املغرتين ،وحذرنا مثل مصارعهم وذم من
ريض بها واطأمن بها.
الثاين :علمه أن وراءها دارا ً أعظم منها قدرا ً وأجل خطرا ً ،وهي
دار البقاء ،فالزهد فيها لكامل الرغبة فيام هو أعظم منها.
الثالث :معرفته وإميانه الحق بأن زهده فيها ال مينعه شيئاً كتب له
منها ،وأن حرصه عليها ال يجلب له ما مل يُقْض له منها ،فمتى تيقن
ذلك ثلج له صدره ،وعلم أن مضمونه منها سيأيت»(((.
114
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(3مدارج السالكني ،البن القيم.
)(4اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
115
حسن الخلق
وصف يجمع الصفات الحسنة واألخالق الكرمية ،كالصرب والعفة
والشجاعة والعدل -وهذه أركان حسن الخلق ،-وكالصدق والحياء
واألمانة وطيب الكالم ،وتجنب البخل والحسد والعجلة.
وهو عنوان استقامة العالقات مع الناس وسالمتها ،ميلك القلوب،
ويدفع العداوات ،ويخترص املسافات ،ويسهم يف حل املشكالت.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :اإلميان اعتقاد وقول وعمل.
)(2حسن الخلق من اإلميان.
)(3معنى حسن الخلق.
)(4فضائل حسن الخلق.
)(5مناذج من األخالق الحسنة.
)(6حسن الخلق يأرس القلوب (وسوؤه ينفرها).
)(7أوىل الناس باملعاملة الحسنة (أقربهم :الوالدان ،الزوجة ،األوالد،
األقارب ،اإلخوة يف هللا.)..
)(8طرق اكتساب الخلق الحسن.
.أمعرفة األخالق الحسنة وفضلها وطرق تحصيلها.
.بالنظر يف سرية النبي وصحبه وسلف األمة
والصالحني.
116
.جالتدرب والتعود (العفة بالتعفف ،وغنى النفس باالستغناء،
والحلم بالتحلم ،والصرب بالتصرب.)..
هدايات قرآنية:
ل ُخلُق َ ٰ َّ َ َ َ َ
يم.(((﴾4 ٍ ِ ٖظ ع )(1قال تعاىلِ﴿ :إَونك لع
َُ ُ ْ
اس ُح ۡس ٗنا﴾(((. ﴿وقولوا ل َِّلن ِ )(2وسبحانه:
َ َُ ۡ َ َۡ ُ َ َ ّ ً َّ )(3وقال سبحانه﴿ :فَب َما َر ۡ َ
حةٖ ّم َِن ٱللِ لِ ت لهمۖ ولو كنت فظا ۡ ۡ َ ِ
َ ۡ َ ۡ ْ ُّ َ َ َ َ
ب لنفضوا مِن حول ِك ۖ﴾(((. غل ِيظ ٱل ِ
ل ق
َّ َ ُ
َّ ّ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ
هٱدف ۡع بِٱلت ِ َ
ِ ٱل َس َنة َول َٱلسيِئة ۚ ﴿ول ت ۡس َتوي َ
ِ
)(4وقال َ :
ٞ َ ۡ َ ُ َ َ َّ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ َ ٰ َ َ ٌّ َ ُ َّ َ ٞ
أحسن فإِذا ٱلِي بينك وبينهۥ عدوة كأنهۥ و ِل حِيم. ﴾34
(((
قبسات نبوية:
)(1عن أيب ذر قال :قال رسول هللا (( :ات َّقِ
اس حها ،وخالقِ ال َّن َ الس ِّيئ َة الحسن َة مت ُ
كنت ،وأتبعِ َّ َ حيثُام
هللا َ
َ
بخُلقٍ حسنٍ ))(((.
)(2عن حذيفة بن اليامن قال :قال رسول هللا :
ْت يف بعبد ِمن ِعبا ِد ِه آتا ُه ُ
هللا ماالً ،فقال ل ُه :ماذا َع ِمل َ هللا ٍ((أَ َت ُ
َ َ ۡ ُ ُ َ َّ َ َ ٗ َ
رب، ال ُّدنيا؟ قال﴿ :ول يكتمون ٱلل حدِيثا (((﴾ 42قال :يا ِّ
فكنت
ُ جوازُ،خلُقي ال َاس ،وكان ِمن ُ فكنت أُبا ِي ُع ال َّن َ
ُ آتَ ْيتَني ماالً
117
بذلك ح ُّق َ هللا تعاىل :أنا أَ َ س .فقال ُ ُوس ،وأُ ِ
نظ ُر امل ُ ْع ِ َ س عىل امل ِ ِ أُيَ ِّ ُ
منك ،ت َجا َوزوا عن عبدي))(((. َ
)(3عن أيب الدرداء قال سمعت النبي يقول(( :ما
ب صاح َِ خلُقِ ،وإ َّن ح ْسنِ ال ُ
ْقل من ُ من يش ٍء يُوضَ ُع يف املِيزانِ أث ُ
وم والصال ِة))(((. الص ِ
ب َّ ِ
صاح ِ حسنِ الخلُقِ ل َيبلُ ُغ ب ِه د َرج َة ُ
ِ ُّ
((الب )(4عن النواس بن سمعان عن النبي قال:
ت أَ ْن يَطَّلِ َع ص ْدر َِكَ ،وكَ ِر ْه َاك يف َ ح َإلث ْ ُم ما َ خلُقِ َ ،وا ِ ح ْس ُن ال ُ ُ
اس))(((. عليه ال َّن ُ
)(5عن أيب ذر الغفاري قال :قال رسول هللا (( :ال
ج ٍه طَلْقٍ ))(((. َعروف شيئاً ،ولو أ ْن تَلْقَى َ
أخاك ب َو ْ ِ ح ِق َر َّن ِم َن امل تَ ْ
)(6عن ابن عمر قال :قال رسول هللا ...(( :و َم ْن
ك ْم معروفاً فَكَا ِفئُو ُه ،فإ ْن ملْ تج ُدوا ما تكا ِفئونَ ُه ،فا ْد ُعوا ص َن َع إلي ُ َ
ك ْم ق ْد كافَأْتُ ُو ُه))(((. ل ُه حتى تَ َر ْوا أنَّ ُ
)(7عن جابر أن رسول هللا قال(( :إ َّن من
يل وأقربكم م ِّني مجلساً يو َم القيام ِة أحاس َنكُم أخالقاً أحبِّكم إ َّ
الثثارو َن يل وأبع َدكم م ِّني مجلساً يو َم القيام ِة َّ وإ َّن أبغضَ كم إ َّ
واملتش ِّدقو َن واملتفَيهِقون)) ،قالوا :يا رسول هللا ،قد علمنا
((املتكبونَ))(((.
ِّ الرثثارون واملتشدقون ،فام املتفيهقون؟ قال:
118
أمثلة تطبيقية:
)(1سئلت عائشة عن خلق رسول هللا فقالت:
«كان خلقه القرآن»((( أي :يتخلق بأخالق القرآن ،فيفعل ما يأمر
به ،ويرتك ما ينهى عنه.
)(2وصف خديجة للنبي بعدما أفزعه هول الوحي أول
مرة ،حني قالت« :كال ،وهللا ال يخزيك هللا أبدا ً ،إنك لتصل
الرحم ،وتحمل الكل ،وتكسب املعدوم ،وتقري الضيف ،وتعني
عىل نوائب الحق»(((..
)(3عن عائشة قالت« :ما رضب رسول هللا شيئاً
قط بيده ،وال امرأة وال خادماً ،إال أن يجاهد يف سبيل هللا ،وما
نيل منه يشء قط فينتقم من صاحبه إال أن ينتهك يشء من محارم
هللا فينتقم هلل .(((»
)(4عن أنس قال« :خدمت النبي عرش سنني فام
أف قط ،وما قال ليشء صنعته مل صنعته ،وال ليشء تركته قال يل ٍّ
مل تركته»(((.
)(5عن أنس قال« :كانت األمة من إماء أهل املدينة لتأخذ
بيد رسول هللا فتنطلق به حيث شاءت»(((.
)(6عن أنس قال« :كنت أميش مع النبي وعليه
أحمد ،24629 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.4811 : (( (
البخاري ،4954 :مسلم.160 : (((
مسلم.2328 : (((
البخاري ،6038 :مسلم 2330 :واللفظ له. (((
البخاري.6072 : (((
119
برد نجراين غليظ الحاشية ،فأدركه أعرايب فجذبه جذبة شديدة،
حتى نظرت إىل صفحة عاتق النبي قد أثرت به
حاشية الرداء من شدة جذبته ،ثم قالُ :م ْر يل من مال هللا الذي
فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء»(((.
ُّ عندك،
أقوال مضيئة:
)(1عن الحسن قال« :حسن الخلق :بسط الوجه ،وبذل الندى،
وكف األذى»(((.
)(2قال ابن القيم« :جمع النبي بني تقوى هللا وحسن
الخلق؛ ألن تقوى هللا تصلح ما بني العبد وبني ربه ،وحسن
الخلق يصلح ما بينه وبني الخلق ،فتقوى هللا توجب له محبة
هللا ،وحسن الخلق يدعو الناس إىل محبته»(((.
)(3قال الغزايل« :جمع بعضهم عالمات حسن الخلق فقال :هو أن
يكون كثري الحياء ،قليل األذى ،كثري الصالح ،صدوق اللسان،
قليل الكالم ،كثري العمل ،قليل الزلل ،قليل الفضول ،برا ً وصوالً
وقورا ً صبورا ً شكورا ً رضياً حليامً رفيقاً عفيفاً شفيقاً ،ال لعاناً وال
سباباً ،وال مناماً وال مغتاباً ،وال عجوالً ،وال حقودا ً ،وال بخيالً،
وال حسودا ً ،بشاشاً هشاشاً ،يحب يف هللا ،ويبغض يف هللا ،ويرىض
يف هللا ،ويغضب يف هللا ،فهذا هو حسن الخلق»(((.
120
)(4قال املاوردي« :إذا حسنت أخالق اإلنسان كرث مصادقوه ،وقل
معادوه ،فتسهلت عليه األمور الصعاب ،والنت له القلوب
الغضاب»(((.
)(5قال الغزايل« :أمهات األخالق وأصولها أربعة :الحكمة والشجاعة
والعفة والعدل»(((.
)(6قال ابن القيم« :وحسن الخلق يقوم عىل أربعة أركان ال يتصور
قيام ساقه إال عليها :الصرب والعفة والشجاعة والعدل.
فالصرب يحمله عىل االحتامل وكظم الغيظ وكف األذى والحلم
واألناة والرفق وعدم الطيش والعجلة.
والعفة تحمله عىل اجتناب الرذائل ،والقبائح من القول والفعل،
وتحمله عىل الحياء وهو رأس كل خري ،ومتنعه من الفحشاء والبخل
والكذب والغيبة والنميمة.
والشجاعة تحمله عىل عزة النفس وإيثار معايل األخالق والشيم،
وعىل البذل والندى -الذي هو شجاعة النفس وقوتها عىل إخراج
املحبوب ومفارقته ،-وتحمله عىل كظم الغيظ والحلم -فإنه
بقوة نفسه وشجاعتها ميسك عنائها ويكبحها بلجامها عن النزع
والبطش ،-كام قال« :ليس الشديد بالرصعة ،وإمنا الشديد الذي
ميلك نفسه عند الغضب» ،وهو حقيقة الشجاعة وهي َملَكة يقتدر
بها العبد عىل قهر خصمه.
والعدل يحمله عىل اعتدال أخالقه وتوسطه فيها بني طريف اإلفراط
والتفريط ،فيحمله عىل خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بني
((( أدب الدنيا والدين.236 :
(( ( اإلحياء.54/3 :
121
الذل والقحة ،وعىل خلق الشجاعة الذي هو توسط بني الجنب
والتهور ،وعىل خلق الحلم الذي هو توسط بني الغضب واملهانة
وسقوط النفس ،ومنشأ جميع األخالق الفاضلة من هذه األربعة»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1مخترص الشامئل املحمدية ،للرتمذي.
)(2مدارج السالكني ،البن القيم.
)(3أدب الدنيا والدين ،للاموردي.
)(4اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(5الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
122
بر الوالدين
هو القيام بحقوقهام واإلحسان إليهام بطيب املعاملة قوالً وفعالً،
وبإكرام صديقهام بعد موتهام .وضده :العقوق ،وهو تضييع الحقوق
واإلساءة ،ولو بنظرة أو جزء كلمة!
ويكفي أن هللا أمر بربهام بعد األمر بتوحيده ،وأوجب إحسان
معاملتهام ،ولو أمرا بالرشك واملعصية -مع نهيه تعاىل عن طاعتهام يف
ذلك؛ إذ ال طاعة ملخلوق يف معصية الخالق .-
عناصر مقترحة:
)(1عظم حق الوالدين.
)(2معنى بر الوالدين.
)(3فضائل برهام.
)(4صور وأمثلة للرب.
)(5مظاهر منافية للرب.
)(6كفر الوالدين أو فسقهام ال يسقط حقهام يف الرب.
)(7الرب مستمر بعد املوت.
)(8أمور معينة عىل الرب( :تصور معاناتهام وشدة حبهام وحرصهام،
معرفة حقهام ،تلمس رغباتهام بشكل غري مبارش.)..
)(9من طرق الرب( :معرفة ما يحبانه ومحاولة فعله ،معرفة ما
يكرهانه والحرص عىل تجنبه ،التلطف غاية اللطف يف نصحهام
123
وتوجيههام ورعايتهام ،ضبط النفس والتحلم وتجنب الغضب
أمامهام مهام كان السبب.)..
هدايات قرآنية:
ۡ َ َ َ ٗۡ َ ۡ َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ۡ ُ ْ
ٰ
شكوا بِهِۦ شياۖ وبِٱلو ِلي ِن ٔ )(1قال هللا ۞﴿ :وٱعبدوا ٱلل ول ت ِ
س ٗنا﴾(((. إ ِ ۡح َ ٰ
ج ٰ َه َد َ نس َن ب َو ٰ ِ َليۡهِ ُح ۡس ٗناۖ ِإَون َ ٰ َ َ َّ ۡ َ ۡ َ
اك ِ ٱل )(2وقال ﴿ :ووصينا ِ
ٓ َ ُ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ
ش َك ِب َما ل ۡي َس لك بِهِۦ عِل ٞم فل ت ِط ۡع ُه َما﴾(((. ِ ل ِت
َ ۡ ُ ُ ٓ ْ ٓ َّ ُ َ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ٰ ً َّ َّ َ
سنا ۚ ض َر ُّبك أل تعبدوا إِل إِياه وبِٱلو ٰ ِلي ِن إِح
َ ﴿۞وقَ َ ٰ
َ )(3قال تعاىل:
َ َ ۡ َ َ َ َ ُ ُ َ ٓ َ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ ٓ ُ ّ َُ
إ ِ َّما َي ۡبلغ َّن عِندك ٱلكِب أحدهما أو ِكهما فل تقل لهما أ ٖف
َ ۡ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُّ ّ
اح ٱذل ِل يما 23وٱخفِض لهما جن َو َل َت ۡن َه ۡر ُه َما َوقُل ل َّ ُه َما قَ ۡو ٗل َكر ٗ
ِ
ٗ
ان ص ِغريا.(((﴾24 َ ح ُه َما َك َما َرب َ
ي َّ َ َّ ۡ َ َ ُ َّ ّ ۡ َ ۡ
ب ٱر
ُ ِ مِن ٱلرحةِ وقل ر ِ
َ
َ ٰ َ َ ٰ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُّ ُ َ ۡ ً َ ٰ ۡ ۡ َ َ َّ ۡ َ
ع َوه ٖن ٱلنسن بِو ِليهِ حلته أمهۥ وهنا )(4وقال تعاىل﴿ :ووصين َا ِ
ك إ َ َّل ٱل ۡ َم ِص ُ َ َ َۡ َ ۡ ُۡ َ َۡ َوف َِصٰلُ ُ
ريِ 14إَون ي أ ِن ٱشكر ِل ول ِو ٰ ِلي ِ ِ م ع ف ِ ۥ ه
ك بهِۦ ع ِۡل ٞم فَ َل تُ ِط ۡع ُهماَۖ َ َۡ َ َ َ َ َ ٰ َ َ َ َ َ ٰٓ َ ُ ۡ
جهداك ع أن تشك ب ما ليس ل ِ
ُّ ۡ َ ِ َ ۡ ِ ُ ٗ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َ َ َّ ُ َّ ََّ
َو َصاح ِۡب ُه َما ِف ٱدلنيا معروفاۖ وٱتبِع سبِيل من أناب إِل ۚ ثم إِل
َ ۡ ُ ُ ۡ ََُّ ُ ُ َ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ
جعكم فأنبِئكم بِما كنتم تعملون. ﴾15
(((
مر ِ
ُ َ ً
سنا ۖ َ َ ۡ
حل ۡت ُه أ ُّم ُهۥ نس َن ب ِ َو ٰ ِ َليۡهِ إ ِ ۡح َ ٰ ٱل َ ٰ َ َ َّ ۡ َ
)(5وقال سبحانه﴿ :ووصينا ِ
ُ ۡ ٗ َ َ َ َ ۡ ُ ُ ۡ ٗ َ َ ۡ ُ ُ َ َ ٰ ُ ُ َ َ ٰ ُ َ َ ۡ ً َ َّ ٰٓ َ َ َ
ت إِذا بَلغ كرها ووضعته كرهاۖ وحلهۥ وف ِصلهۥ ثلثون شه ۚرا ح
النساء.36 : (( (
العنكبوت.8 : (((
اإلرساء.24-23 : (((
لقامن.15-14 : (( (
124
ك َّٱل ِتٓ َ ُ َّ ُ َ َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ ٗ َ َ َ ّ َ ۡ ۡ ٓ َ ۡ َ ۡ ُ َ ۡ َ َ َ
ب أوزِع ِن أن أشكر ن ِعمت أ َشدهۥ وبلغ أربعِني سنة ق َال َر ِ
َ َ َ ۡ ۡ َ َ
ع َو ٰ ِ َل َّي َوأن أع َمل صٰل ِٗحا ت ۡرضى ٰ ُه َوأ ۡصل ِۡح ِل ِف ع َو َ َ ٰ
ت َ َ َّ أ ۡن َع ۡم َ
َ ُ ْ َ ٰٓ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ ۡ ُ ّ َّ ٓ ّ ُ ۡ ُ َ ۡ َ ّ
ِإَون م َِن ٱل ُم ۡسل ِ ِمني 15أولئِك ٱلِين نتقبل ذرِي ِتۖ َإ ِ ِن تبت إِلك ِ
َ َّۡ َ
ف أ ۡص َ َ
او ُز َعن َس ّي ٔاتِه ۡ َع ۡن ُه ۡم أ ۡح َس َن َما َعملُوا ْ َو َن َت َ
ج َ
ب ٱلنةِۖ ِ ٰ ح ٓ ِ م ِ ِ ِ
َ َ ْ ُ َ َّ ۡ َ ّ
ٱلص ۡد ِق ٱلِي كنوا يُوع ُدون.(((﴾16 َوعد ِ
قبسات نبوية:
)(1عن عبد هللا بن مسعود قال سألت النبي :أي العمل
عل وقْ ِتها)) ،قال :ثم أي؟ قال(( :ث ُ َّم ((الصال ُة َ
َّ أحب إىل هللا؟ قال:
ب ُّر الوالِ َديْنِ )) ،قال :ثم أي؟ قال(( :الجِها ُد يف َسبيلِ ِ
هللا))(((.
)(2عن عبد هللا بن عمرو قال :جاء رجل إىل النبي
ح ٌّي والِ َد َاك؟)) قال :نعم ،قال: فاستأذنه يف الجهاد ،فقال(( :أ َ
جا ِه ْد))(((. ((فَ ِفيهِام فَ َ
)(3عن عبد هللا بن عمر أن رجالً من األعراب لقيه بطريق مكة
فسلم عليه عبد هللا ،وحمله عىل حامر كان يركبه ،وأعطاه عامم ًة
كانت عىل رأسه ،فقال ابن دينار :فقلنا له :أصلحك هللا؛ إنهم
األعراب وإنهم يرضون باليسري ،فقال عبد هللا :إن أبا هذا كان
ُو َّدا ً لعمر بن الخطاب ،وإين سمعت رسول هللا يقول:
الب ِصلَ ُة ال َول َِد أَ ْه َل ُو ِّد أَبِي ِه))(((.
((إ َّن أَبَ َّر ِ ِّ
األحقاف.16-15 : (((
البخاري ،5970 :ومسلم.85 : (((
البخاري ،3004 :مسلم.2549 : (((
مسلم.2552 : (((
125
)(4عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا َ (( :ر ِغ َم أنْ ُف ُه ،ث ُ َّم
َر ِغ َم أنْ ُف ُه ،ث ُ َّم َر ِغ َم أنْ ُف ُه)) ،قيل :من يا رسول هللا؟ قالَ (( :من أ ْد َر َك
ج َّن َة))(((. خلِ ال َ ح َد ُهام ،أ ْو كِلَ ْيهِام ،ث ُ َّم لَ ْم يَ ْد ُ
ك َبِ ،أ َ والِ َديْ ِه ِع ْن َد ال ِ
)(5عن أسامء بنت أيب بكر قالت :قدمت عيل أمي وهي مرشك ٌة
يف عهد قريش إذ عاهدهم ،فاستفتيت رسول هللا
يل أمي وهي راغب ٌة ،أفأصل أمي؟ فقلت :يا رسول هللا قدمت ع َّ
ك))(((. قال(( :نع ْمِ ،ص ِل أ َّم ِ
أمثلة تطبيقية:
)(1عن أيب هريرة قال :كنت أدعو أمي إىل اإلسالم وهي
مرشكة فدعوتها يوماً فأسمعتني يف رسول هللا ما أكره ،فأتيت
رسول هللا وأنا أبيك ،قلت :يا رسول هللا ،إين كنت
أدعو أمي إىل اإلسالم فتأىب عيل ،فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك
ما أكره ،فادع هللا أن يهدي أم أيب هريرة ،فقال رسول هللا
(( :الل ُه َّم ا ْه ِد أُ َّم أَ ِب ُه َريْ َرةَ)) فخرجت مستبرشا ً
بدعوة نبي هللا ...الحديث ،وذكر فيه أنها أسلمت(((.
وأعظم إحسان إىل الوالدين :دعوتهام إىل الخري.
)(2قال أبو موىس األشعري شهد ابن عمر رجالً ميانياً
يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول:
126
ريهـــــا امل ُذلَّـل
إين لهـــــا بع ُ
إن أُذ ِعـ َرت ركابُهما مل أُذ َعـ ْر
ثم قال :يا ابن عمر؛ أتراين جزيتها؟ قال« :ال ،وال بزفرة واحدة»(((.
)(3قال ابن محمد بن عمر بن حرب حدثنا بعض أصحابنا عن ابن
عون« :أنه نادته أمه فأجابها ،فَ َعال صوتها فأعتق رقبتني»(((.
)(4عن حفصة بنت سريين قالت« :كان محمد [بن سريين] إذا دخل
عىل أمه مل يكلمها بلسانه كله تخشعاً لها»(((.
)(5عن ابن املبارك قال« :قال محمد بن املنكدر :بات عمر -يعني
جل أمي ،وما أحب أن ليلتي بليلته»(((. وبت أغمز ِر ْ
أخاه -يصيلُ ،
أقوال مضيئة:
)(1سئل الحسن البرصي :ما بر الوالدين؟ قال« :أن تبذل لهام ما
ملكت ،وأن تطيعهام فيام أمراك به؛ إال أن يكون معصية»(((.
)(2قال ابن محريز« :من مىش بني يدي أبيه فقد عقه ،إال أن مييش
فيميط له األذى عن طريقه ،ومن دعا أباه باسمه أو كنيته فقد
عقه ،إال أن يقول :يا أبت»(((.
127
مراجع ُم ِعينة:
)(1بر الوالدين ،أليب بكر الطرطويش.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(4دليل الفالحني ،البن عالن.
128
األخوة اإليمانية
األخوة عالقة متينة قامئة عىل أساس اإلميان باهلل تعاىل ،فاملؤمنون
يجمعهم إميانهم باهلل ،ويقيم بينهم أقوى رابطة وأرشفها عىل وجه
األرض.
واألخوة املحمودة يف الكتاب والسنة هي أخوة اإلميان.
عناصر مقترحة:
)(1مدخل.
)(2حقيقة األخوة.
)(3فضائل األخوة.
)(4مقاصد األخوة (التعاون ،القوة ،الوالء والنرصة.)..،
)(5حقوق األخوة.
)(6آداب األخوة.
)(7آفات املؤاخاة.
)(8الروابط غري اإلميانية (واقعها ،عاقبتها).
)(9كيف نحقق التآخي يف هللا؟ (فهم روح العالقة بني املؤمنني
واعتبار القيام بحقها عبادة ،تقوية اإلميان الذي تقوى به األخوة،
التعاون واألعامل املشرتكة القامئة عىل أساس النصح والوضوح
والتسامح واالحتامل والصفح وأداء الحقوق.)..
129
هدايات قرآنية:
َّ َ ۡ ُ ۡ ُ َ ۡ َ ْ ُ َّ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ْ ُ ۡ َ َ ٞ
)(1قال تعاىل﴿ :إِنما ٱلمؤمِنون إِخوة فأصل ِحوا بي أخويك ۚم وٱتقوا
َّ َ َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ َ ُ َ
حون.(((﴾10 ٱلل لعلكم تر
َّ َ ٗ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ ۡ ُ ُ ْ ْ َ ۡ
﴿وٱع َت ِص ُموا ِبَ ۡب ِل ٱللِ جِيعا ول تفرق ۚوا وٱذكروا )(2وقال :
ُ َ َ
ۡ َ َ َّ َ َ ۡ ُ ۡ ۡ ُ ُ ۡ ۡ َ ٓ ٗ َ َّ َ َ ۡ َ ُ ُ
ي قلوبِك ۡم ن ِعمت ٱللِ عليكم إِذ كنتم أعداء فألف ب
َّ َ ّ ۡ َ ٓ ۡ َٰٗ َ ُ ُ ۡ َ َٰ َ َ ُ ۡ ُ ۡ َ ۡ ََ
َ
فأَصبحتم بِن ِعمتِهِۦ إِخونا وكنتم ع شفا حفرة ٖ مِن ٱنلارِ
َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ّ ۡ َ َ َ ٰ َ ُ َ ّ ُ َّ ُ َ ُ
ٱلل لك ۡم َءايٰتِهِۦ ل َعلك ۡم فأنقذكم مِنهاۗ كذل ِك يب ِي
َ َ
ت ۡه َت ُدون.(((﴾103
َۡ َ َ َ َ َّ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ
ۡرض )(3وقال سبحانه﴿ :وألف بي قلوب ِ ِه ۚم لو أنفقت ما ِف ٱل ِ
َ ٗ َّ ٓ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ َ َّ َّ َ َ
ٱلل أ َّل َف بَ ۡي َن ُه ۡ ۚم إنَّ ُهۥ َعزيزٌ كن جِيعا ما ألفت بي قلوب ِ ِهم ول ٰ ِ
ِ ِ
ِيم.(((﴾63 َحك ٞ
كمۡ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ َ َ ُ ْ َّ َ ٰ َ َ ۡ َ ٰ ُ ُ
)(4وقال تعاىل﴿ :فإِن تابوا وأقاموا ٱلصلوة وءاتوا ٱلزكوة فإِخون
َ َ َٰ َ َُ ّ ُ
ت ل ِق ۡو ٖم َي ۡعل ُمون.(((﴾11 ِين َونف ِصل ٱٓأۡلي ِ ِف ٱدل ِ ۗ
ّ
ٱغفِ ۡر َلاَ ۢ َ ۡ ۡ َ ُ ُ َ َ َّ َ ۡ ُ َ َّ َ َ ٓ
)(5وقال تعاىل﴿ :وٱلِين جاءو ِمن بع ِدهِم يقولون ربنا
َّ ّ ّ ٗ
ت َع ۡل ف قُلُوب َنا غِل ل ِل َ َ ِ ۡ َ ٰ َ َّ َ َ َ ُ َ ۡ َ ٰ َ َ َ ۡ
ِين ِ ِ ٱليم ِن ول و ِلخون ِنا ٱلِين سبقونا ب ِ ِ
وف َّرح ٌ َ َ ُ ْ َ َّ َ ٓ َّ َ َ ُ ٞ
ِيم.(((﴾10 ءامنوا ربنا إِنك رء
130
َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ۡ َ ُ ْ َ ٗ ّ َ َّ ّ َّ
)(6قال تعاىل﴿ :يأيها ٱلِين ءامنوا ٱجتنِبوا كثِريا مِن ٱلظ ِن إِن
كم َب ۡعضا ًۚ َأ ُيِبُّ َ ۡ َ َّ ّ ۡ ُ ُ ۡ َّ َ ۡ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ ٞ
بعض ٱلظ ِن إِثمۖ و ل تسسوا ول يغتب بعض
َّ َ َّ ْ َ ۡ ٗ َ َ ۡ ُ ُ ُ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ۡ َ َۡ ُ َ َ َ َ
لم أخِيهِ ميتا فك ِرهتموهۚ وٱتقوا ٱللۚ إِن أحدكم أن يأكل ۡ
َّ َ َ َّ ٞ
اب َّرح ٞ
ِيم.(((﴾12 ٱلل تو
قبسات نبوية:
131
بي : )(5عن املقدام بن معدي كرب قال :قال ال ّن ّ
ربهُ أنَّ ُه يحبُّ ُه))(((. جل أخا ُه فليخ ْ أحب ال َّر َُّ ((إذا
ح ِق َر َّن ِم َن بي (( :ال تَ ْ )(6عن أيب ذ ٍّر قال :قال يل ال ّن ّ
ج ٍه طَلْقٍ ))(((. َعروف شيئاً ،ولو أ ْن تَلْقَى َ
أخاك ب َو ْ ِ امل
((تبس ُمك يف وج ِه ُّ )(7عن أيب ذ ٍّر قال :قال رسول هللا :
ك ِر صدق ٌة، باملعروف ونهيُك عن املن َ ِ أخيك صدق ٌة لك ،وأم ُرك
رصك لل َّرجلِ أرض الضَّ الل ِة لك صدق ٌة ،وب ُ جل يف ِ وإرشا ُدك ال َّر َ
ج َر والشَّ وك َة وال َعظْ َم ح َرص لك صدق ٌة ،وإماطتُك ال َ ال َّردي ِء الب ِ
عن الطَّريقِ لك صدق ٌة ،وإفراغُك ِمن َدلوِك يف َدلْ ِو أخيك
لك صدق ٌة))(((.
)(8عن صفوان -وهو ابن عبد هللا بن صفوان وكانت تحته ال َّدرداء-
قال :قدمت الشَّ ام فأتيت أبا ال ّدرداء يف منزله فلم أجده ووجدت
الحج العام؟ فقلت :نعم ،قالت :فادع ّ أ ّم ال ّدرداء ،فقالت :أتريد
بي كان يقولَ (( :د ْع َو ُة امل َ ْر ِء هللا لنا بخريٍ؛ فإ ّن ال ّن ّ
جابَ ٌةِ ،ع ْن َد َرأْ ِس ِه َمل ٌَك ُم َوك ٌَّل كُلَّام ب ُم ْستَ َ امل ُْسلِ ِم ألَ ِخي ِه بظَ ْه ِر ال َغ ْي ِ
ني َول ََك مبِثْلٍ ))(((. قال ا َلمل َُك امل ُ َوك َُّل ب ِه :آ ِم َ
خ ْيٍَ ، َد َعا ألَ ِخي ِه ب َ
تحاس ُدوا، َ )(9عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا (( :ال
جشُ وا ،وال تباغَضُ وا وال تدابَ ُروا ،وال ي ِب ْع بعضُ ك ْم عىل بيعِ وال تنا َ
خو املسلِ ِم ،ال يَظلِ ُم ُه وال هللا إخواناً ،املسلِ ُم أ ُ بعض ،وكُونُوا عبا َد ِ ٍ
ب ِحس ِ يَخ ُذلُ ُه ،وال يَح ِق ُرهُ ،التَّقْوى ه ُهنا – وأشا َر إىل ص ْدر ِِه – ب ْ
أبو داود ،5124 :وصححه األلباين يف صحيح السنن.4273 : (( (
مسلم.2626 : (((
الرتمذي ،1956 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.2908 : (( (
مسلم.2733 : (((
132
كل املسلِ ِم عىل املسلِ ِم
الش أ ْن يَح ِق َر أخا ُه املسلِ َمُّ ،
ا ْمرِئٍ من َّ ِّ
حرا ٌم ،د ُم ُه ،ومالُ ُه ،و ِعرضُ ُه))(((.
األنصاري أ ّن رسول هللا (( :ال يَ ِح ُّل ّ )(10عن أيب أيّوب
َالث لَيا ٍل ،يَلْتَ ِقيانِ ف ُي ْعر ُ
ِض هذا ج َر أخا ُه فَ ْو َق ث ِ لِ ُم ْس ِل ٍم أ ْن يَ ْه ُ
الم))(((. ي ُهام الذي يَبْ َدأُ َّ
بالس ِ خ ُْ
ِض هذا ،و َ ويُ ْعر ُ
أمثلة تطبيقية:
جالً زا َر أخاً بي (( :أ َّن َر ُ )(1عن أيب هريرة عن ال ّن ّ
أتج ِت ِهَ ،ملَكاً فَل ََّم َ
عل َم ْد َر َ
هللا لهَ ،
ص َد ُ له يف قَ ْريَ ٍة أُ ْ
خ َرى ،فأ ْر َ
هل
قالْ : هذه ال َق ْريَ ِةَ ، قال :أُرِي ُد أخاً يل يف ِ
قال :أيْ َن تُرِي ُد؟ َ عليهَ ،
قال: ح َب ْبتُ ُه يف ِ
هللا َ ، أن أ ْ
ري ِّ
قال :ال ،غ َ لك عليه ِمن نِ ْع َم ٍة تَ ُربُّها؟ َ َ
حبَبْتَ ُه ِفي ِه))(((.
حبَّ َك كام أ ْ سول ِ
هللا إلَيْ َك ،بأ َّن َ
هللا ق ْد أ َ فإن َر ُ
ِّ
)(2عن أنس قال :قدم عبد ال َّرحمن بن عوف املدينة ،فآخى
األنصاري ،فعرض
ِّ بي بينه وبني سعد بن ال َّربيع
ال ّن ّ
عليه أن يناصفه أهله وماله ،فقال عبد ال َّرحمن :بارك هللا لك يف
السوق(((.
أهلك ومالك ،دلَّني عىل ُّ
)(3عن أيب إدريس الخوالين قال :دخلت مسجد دمشق الشام،
فإذا أنا بفتى براق الثنايا ،وإذا الناس حوله إذا اختلفوا يف يشء
133
أسندوه إليه وصدروا عن رأيه ،فسألت عنه فقيل :هذا معاذ بن
جرت فوجدت قد سبقني بالهجري -وقال جبل ،فلام كان الغد ه َّ
إسحاق :بالتهجري ،-ووجدته يصيل ،فانتظرته حتى إذا قىض
صالته جئته من قبل وجهه ،فسلمت عليه فقلت له :وهللا إين
ألحبك هلل ،فقال :آهلل؟ فقلت :آهلل ،فقال :آهلل؟ فقلت :آهلل،
فأخذ بحبوة ردايئ فجبذين إليه وقال :أبرش ،فإين سمعت رسول
ني
ت مح َّبتي لل ُمتَحابِّ َج َب ْ
هللا يقول :قال هللا (( :و َ
يف))(((. يف ،واملُتَبا ِذل َ
ني َّ يف ،وامل ُتزا ِوري َن َّ يف ،وامل ُتجالِس َ
ني َّ َّ
أقوال مضيئة:
)(1قال عمر بن الخطاب« :يُصفِّي لك ود أخيك ثالث :أن تبدأه
بالسالم ،وأن تدعوه بأحب األسامء إليه ،وأن توسع له يف املجلس.
وكفى باملرء عيباً :أن يجد عىل الناس فيام يأيت ،أو يبدو لهم منه
ما يخفي عليه من نفسه ،وأن يؤذيه يف املجلس مبا ال يعنيه»(((.
خ اإلخوان عىل قدر التقوى ،وال تجعل حديثك )(2وقال أيضاً« :آ ِ
بذلة إال عند من يشتهيه ،وال تضع حاجتك إال عند من يحب
قضاءها ،وال تغبط األحياء إال مبا تغبط األموات ،وشاور يف
أمرك الذين يخشون هللا .(((»
)(3قال عيل بن أيب طالب« :من مل يحمل أخاه عىل حسن النية مل
134
يحمده عىل حسن الصنعة»(((.
ختَ ِن ِه -زوج أخته « :-يا مغرية انظر
)(4عن مالك بن دينار أنه قال ل َ
كل أخ لك وصاحب لك وصديق لك ال تستفيد يف دينك منه
خريا فانبذ عنك صحبته ،فإمنا ذلك لك عدو .يا مغرية ،الناس
أشكال :الحامم مع الحامم ،والغراب مع الغراب ،والصعو مع
الصعو ،وكل مع شكله»(((.
)(5قال حمدون القصار« :إذا زل أخ من إخوانك فاطلب له تسعني
عذرا ً ،فإن مل يقبل ذلك فأنت املعيب»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(2أدب الدنيا والدين ،للاموردي.
)(3دليل الفالحني ،البن عالن.
135
النصيحة
هي اإلرشاد والتوجيه إىل ما فيه املصلحة ودفع املفسدة ،بالدعوة
إىل الطاعة وترك املعصية ،محبة للخري وإخالصاً ملودة املنصوح،
وقياماً بأمر هللا تعاىل.
حل محلّها التنقص
والنصيحة قوام املجتمع املسلم ،فإذا ضعفت ّ
والغيبة واللمز والنميمة وفساد ذات البني...
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
املؤمن مرآة أخيه (ال غنى للمسلم عن كونه ناصحاً أو منصوحاً؛
لكونه قد ال يكتشف خطأ نفسه ،وقد تضعف نفسه عن اتباع الحق
فيحتاج إىل تسديد إخوانه ومعونتهم له عىل الحق.)..
)(2معنى النصيحة.
)(3وجوب النصيحة يف الدين.
)(4معنى حديث« :الدين النصيحة».
)(5فضل النصيحة.
)(6آداب النصيحة.
)(7فوائد النصيحة.
)(8االعتدال يف النصح (بني اإلهامل والتكرار واإللحاح
املزعج للمنصوح).
136
)(9أسباب التقصري يف النصيحة (ضعف خشية هللا ،الجنب ،الجهل،
خوف رد النصيحة.)..
)(10آثار إهامل النصح.
)(11إساءة الناصح ال توجب رد النصيحة (وجوب قبول الحق من
كل من جاء به).
)(12خطوات عملية يف تحقيق النصح( :محبة الخري للمسلمني
والحرص عىل تحسني أحوالهم دامئاً ،ترك تتبع العورات ،التأكد
من وقوع الخطأ وتجنب االتهام والتضخيم ،التامس العذر،
االكتفاء باإلشارة والنصيحة غري املبارشة إذا كانت كافية،
التلطف والهدوء والتذكري باملحبة له والخوف عليه ،املصارحة
عىل انفراد ،إعانة املنصوح بإعطائه الثقة يف قدرته عىل التغيري،
تقديم املخارج والبدائل ،تشجيعه عىل الخطوات العملية والثناء
عليه إذا بدأ لئال تضعف نفسه ،تجنب الكالم مع اآلخرين يف
خطئه إال مبقدار ما يدعم النصيحة ،الصرب والتحمل.)..
هدايات قرآنية:
َّ َّ َ َ َ ُ ْ ۡ َّ ۡ َ ٰ َ َ ُ ﴿و ۡٱل َع ۡ
)(1قال تعاىلَ :
س 2إِل ٱلِين ءامنوا ٍْ خ ف ِ ل ن نس ٱل
ِ ن ِ إ 1 ص
ِ
ب.(((﴾3 ٱلص ۡ
اص ۡوا ب َّ ٱل ّق َوتَ َو َاص ۡوا ْ ب ۡ َ
ٱلصٰل َِحٰت َوتَ َو َ
ِ
َ َ ُ ْ َّ
وع ِملوا
ِ ِ ِ َّ ِ
َّ ۡ ْ ْ
َ َ َُ َََ َ ۡ َّ َ َ َ ُ
ب
)(2وقال سبحانه﴿ :ثم كن مِن ٱلِين ءامنوا وتواصوا بِٱلص ِ
حةِ.(((﴾17 اص ۡوا ْ بٱل ۡ َم ۡر َ َ
َوتَ َو َ
ِ
137
ۡ َ ۡ َ ۡ َ ُ ّ ُ ۡ ُ َّ َ َ ُ ۡ َ ٞ
(((
ي﴾
)(3وقال تعاىل﴿ :ولكن مِنكم أمة يدعون إِل ٱل ِ
والنصيحة دعوة إىل الخري.
قبسات نبوية:
)(1عن متيم الداري قال :قال رسول هللا (( :ال ِّدي ُن
كتا ِب ِه ولِ َرسولِ ِه وألَ ِئَّ ِة امل ُْسلِ ِم َ
ني هلل ولِ ِ
ح ُة)) قلنا :ملن؟ قالِ (( : ال َّن ِصي َ
وعا َّم ِت ِه ْم))(((.
)(2عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا (( :امل ُؤم ُن
كف عليه ضَ ي َعتَه ،ويَحوطُه ِمرآ ُة املُؤمنِ ،وامل ُؤم ُن أخو املُؤمنِ ،يَ ُّ
من ورائِ ِه))((( فهو إمنا يعلم عيب نفسه بإعالم أخيه ،وهذا
هو النصيحة .كاملرآة يرى املرء الخلل فيها واضحاً فيزيله
فتبقى نظيفة.
)(3عن جرير بن عبد هللا قال« :بايعت النبي
عىل إقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،والنصح لكل مسلم»(((.
)(4وذكر النبي من حق املسلم عىل أخيه املسلم فقال:
غاب أو شَ ِه َد))((( ،ويف حديث نحوه(( :وإذا َ ((وينص ُح لَ ُه إذا
َ
ْص ْح له))((( .استنصحك أي :طلب منك النصيحة. ح َك فان َ ص َ استَ ْن َ
ْ
وحينئذ يتأكد األمر بالنصيحة.
آل عمران.104 : (( (
مسلم.55 : (((
أبو داود ،4918 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.6656 : (( (
البخاري ،524 :مسلم.56 : (((
الرتمذي ،2737 :األلباين يف صحيح الجامع.5188 : (( (
مسلم.2162 : (((
138
)(5عن معقل بن يسار قال :قال رسول هللا :
ح ٍةَّ ،
إل لَ ْم يَ ِج ْد هللا َر ِع َّي ًة ،فَلَ ْم يَ ُ
حطْها ب َن ِصي َ تعا ُه ُ ((ما ِمن َع ْب ٍد ْ
اس َ ْ
ج َّن ِة))(((. رائِ َ
ح َة ال َ
أمثلة تطبيقية:
كمۡ َََ۠ َ ُ
هللا ورسوله فهم خري ُمثال يف نصح أقوامهم﴿ :وأنا ل َ )(1أنبياء
ۡ
َ َ ۡ ََ ُ َ ۡ ۡ َّ ۡ َ
ت َو َما ُ
اص ٌح أمِني﴿ ،(((﴾68إِن أرِيد إِل ِٱلصلٰح ما ٱستطع ۚ
ٌ ن ِ
َ َّ ََ َ ۡ ُ َ ُ ۡ ََ َّ
كن ل ِتُ ُّبون ِ ٰ لو م ك ل ت ح ص ن ﴿و ، (((
ِ﴾
َّ
ٱلل ِيق إ ِ ِ
ب ل تَ ۡوف ِ ٓ
ٱلنٰصح َ َّ
ني.(((﴾79 ِ ِ
)(2جاء خباب بن األرت -ويف يده خاتم من ذهب -يكلم عبد هللا
بن مسعود فكلمه ،ثم قال عبد هللا :أمل يأن لهذا الخاتم
أن يُطرح؟ فنزعه ورمى به ،وقال :وهللا ال تراه عيل أبدا ً(((.
)(3أعطى معاوية حامرا ً من الغنيمة للمقداد ،فقال له العرباض
بن سارية :ما كان لك أن تأخذه ،وال له أن يعطيك ،كأين
بك يف ا لنار تحمله ،فرده(((.
)(4عن جعفر بن برقان ،قال :قال يل ميمون بن مهران :يا جعفر ،قل
يل يف وجهي ما أكره ،فإن الرجل ال ينصح أخاه حتى يقول له يف
وجهه ما يكره(((.
البخاري ،7150 :مسلم.1665 : (((
األعراف.68 : (( (
هود.88 : (((
األعراف.79 : (( (
السري ،47/1 :فتح الباري.267/10 : (( (
السري.421/3 : (( (
السري.75/5 : (( (
139
أقوال مضيئة:
رس
يل عيويب يف ٍّ )(1قال مسعر بن كدام « :رحم هللا من أهدى إ َّ
بيني وبينه ،فإن النصيحة يف املأل تقريع»(((.
)(2قال بكر بن عبد هللا املزين -يف يوم الجمعة « :-لو قيل يل :خذ
بيد خري أهل املسجد ،لقلت :دلوين عىل أنصحهم لعامتهم ،فإذا
قيل :هذا ،أخذت بيده»(((.
)(3قال معمر بن راشد« :كان يقال :أنصح الناس لك من خاف
هللا فيك»(((.
)(4قال اآلجري« :اليكون ناصحاً هلل تعاىل ولرسوله وألمئة املسلمني
وعامتهم إال من بدأ بالنصيحة لنفسه ،واجتهد يف طلب العلم
والفقه ليعرف به ما يجب عليه ،ويعلم عداوة الشيطان له وكيف
الحذر منه ،ويعلم قبيح ما متيل إليه النفس حتى يخالفها بعلم»(((.
)(5قال ابن رجب« :الواجب عىل املسلم أن يحب ظهور الحق
ومعرفة املسلمني له سواء كان ذلك يف موافقته و مخالفته ،وهذا
من النصيحة هلل ولكتابه ولرسوله ودينه وأمئة املسلمني وعامتهم،
وذلك هو الدين كام أخرب النبي .(((»
)(6وقال أيضاً« :إن الناصح ليس له غرض يف إشاعة عيوب من ينصح
له ،وإمنا غرضه إزالة املفسدة التي وقع فيها ،ولذلك فإنه ينبغي
140
أن تكون رسا ً فيام بني اآلمر واملأمور ،وأما اإلشاعة وإظهار
العيوب فهو مام حرمه هللا ورسوله ومن حب إشاعة الفاحشة
يف املؤمنني»(((.
)(7قال الشافعي:
تع َّهـ ْدين بنصحـك يف انفـرادي
وجنبنـي النصيحـة يف الجامعـ ْة
فـإن النصـح بين النـاس نـوع
مـن التوبيـخ ال أرىض اسـتامع ْه
وعصيـت قـويل
َ فـإن خالفتنـي
ط طاع ْةفلا تغضـب إذا مل ت ُعـ َ
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(3اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
141
أداء األمانة
األمانة :كل ما كُلِّف به العبد وأُمر بحفظه وأدائه.
وأعظم األمانات :أمانة التكليف برشيعة هللا تعاىل .ومنها :أمانات
املناصب والوظائف واألموال واألرسار.
وأداء األمانة يكون بحفظها ومراعاتها عىل الوجه املطلوب الذي
يحصل به األمن والطأمنينة.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :كرامة اإلنسان عن البهائم بتحمل األمانات والقيام بها.
)(2معنى األمانة.
)(3مجاالت األمانة( :التزام رشع هللا ،األهل واألوالد ،العمل،
األموال ،املجالس واألرسار.)..
)(4منـزلة األمانة( :ارتباط أداء األمانة باإلميان باهلل ومراقبته).
)(5فضل حفظ األمانة.
)(6مخاطر تضييع األمانات.
)(7الخيانة ال تربر الخيانة.
)(8كيف نرعى األمانات؟ (معرفة خطرها ،تذكر أنه حق مشرتك
فلكل إنسان أماناته عند اآلخرين ،منع الصغار من التعدي عىل
حقوق غريهم ،ترك تحمل ما يعجز عن حفظه واالعتذار من
صاحبه ،استحالل أصحاب األمانات التي فرط فيها.)..
142
هدايات قرآنية:
َ َۡ َ َ َّ َّ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َ َ
ۡرض ت وٱل ِ ٰ ٰ
سبحانه﴿َ :إِنا عرضنا َ ٱلمانة ع ٱلسمو ِ )(1وقال
َ ٰ َّ ۡ َ ۡ ۡ ۡ
يمل َن َها َوأش َفق َن م ِۡن َها َو َ َ ۡ َ َ َ
ٱل َبال فأ َب ۡ َ َ ۡ
نس ُنۖ إِن ُهۥ ٱل
ِ ا حل َ
ه ِ ن أ ي و ِ ِ
ٗ َك َن َظلُ ٗ
وما َج ُهول.(((﴾72
َ َّ َ ُ ۡ َ َ ٰ َ ٰ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ٰ ُ َ
)(2وقال سبحانه﴿ :وٱلِين هم ِلمنت ِ ِهم وعه ِدهِم رعون. ﴾8
(((
َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُ ٓ ْ
﴿يأيها ٱلِين ءامنوا ل تونوا ٱلل وٱلرسول وتونوا )(3وقال ٰٓ :
َََٰٰ ُ ۡ ََ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ
ون. ﴾27
(((
ۡ أمنتِكم وأنتم تعلم
َ
ٰٓ ۡ َ َ َ َ ۡ ْ ُ َ ُّ َ َّ َّ َ ُ ُ
ل أهل َِها﴾(((. ت إِ ٱلل يَأم ُرك ۡم أن تؤدوا ٱلمٰنٰ ِ )(4قال تعاىل۞﴿ :إِن
قبسات نبوية:
)(1عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا (( :امل ُسلِ ُم
عل الناس َ
ُ َمن َسلِ َم امل ُسلِمو َن ِمن لسانِ ِه ويَ ِد ِه ،وامل ُؤ ِم ُن َمن أ ِم َن ُه
ِدمائِهِم وأموالِهِم))(((.
)(2عن أنس قال :قلام خطبنا رسول هللا إال قال:
((ال إميا َن لِ َمن ال أمان َة له ،وال ِدي َن لِ َمن ال َعه َد له))(((.
)(3عن أيب ُهريرة قال :قال النبي (( :أ ِّد األمان َة إىل َمنِ
خ ْن َمن خان ََك))(((.نك ،وال ت َ ُ ائتَ َم َ
143
ول هللا (( :إ َّن رس ُ خدري قال :قال ُ )(4عن أيب سعيد ال ُ
ْض إىل ا ْم َرأَتِ ِه، ج َل يُف ِ ِمن أَ ْعظ َِم األ َمانَ ِة ِع ْن َد ِ
هللا يَو َم ال ِقيَا َم ِة ،ال َّر ُ
س َها))(((. ْض إِلَ ْي ِه ،ث ُ َّم يَ ْن ُ ُ
ش ِ َّ َوتُف ِ
)(5عن أيب ُهريرة قال« :ينام النبي يف مجلس يُحدثُ
ول هللا رس ُالقوم جاء ُه أعرايب فقال :متى الساع ُة؟ فمىض ُ
بعض القوم :سمع ما قال فكره ما قال، يُحدثُ ،فقال ُ
وقال بعضُ ُهم :بل مل يسمع ،حتى إذا قىض حديث ُه قال(( :أيْ َن -
رسول هللا ،قال(( :فَ ِإذَا السا َع ِة؟)) قال :ها أنا يا ُ السائِ ُل َعنِ َّ أُ َرا ُه َّ -
السا َع َة)) ،قال :كيف إضاعتُها؟ قال(( :إذَا ت األ َمانَ ُة فَانْتَ ِظ ِر َّ ضُ ِّي َع ِ
السا َع َة))(((. ُو ِّس َد األ ْم ُر إىل غريِ أ ْهلِ ِه فَانْتَ ِظ ِر َّ
)(6عن أيب ُهريرة عن النبي قال(( :آيَ ُة امل ُ َنا ِفقِ �ث َ َلثٌ :إذَا
خانَ))(((. خل ََف ،وإذَا اؤْتُ ِ َن َ َب ،وإذَا و َع َد أ ْ ح َّدثَ كَذ َ َ
)(7عن معقل بن يسار سمعت رسول هللا يقول:
غاش هللا َر ِعيَّ ًةَ ،يُوتُ يَو َم َيُوتُ وهو ٌّ ((ما ِمن َعبْ ٍد يَ ْس َتْ ِعي ِه ُ
ج َّن َة))(((. هللا عليه ال َ ح َّر َم ُ إل َ لِ َر ِع َّي ِت ِهَّ ،
أمثلة تطبيقية:
خدري أن الرسول قسم ماالً )(1يف حديث أيب سعيد ال ُ
جل :كُنا نح ُن أحق بهذا من ه ُؤالء،
بني بعض املسلمني فقال ر ُ
مسلم.1437 : (((
البخاري.59 : (((
البخاري ،33 :مسلم.59 : (((
البخاري ،7150 :مسلم142 :واللفظ له. (((
144
ون؟ َوأَنَا أَ ِم ُ
ني قال :فبلغ ذلك النبي فقال(( :أَ َل تَأْ َم ُن ِ
ص َباحاً َو َم َسا ًء.((())... الس َم ِء َ
ب َّ خ َُ الس َم ِء ،يَأْتِي ِني َ
َمن يف َّ
)(2عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن املرأة املخزومية التي
رسقت فقالوا :ومن يكلم فيها رسول هللا ؟ فقالوا:
ومن يجرتئ عليه إال أسامة بن زيد حب رسول هللا ،
ح ٍّدفكلمه أسامة ،فقال رسول هللا (( :أَتَشْ َف ُع يف َ
هللا)) ،ثم قام فخطب ثم قال(( :إنَّ ا أَ ْهل ََك ال َِّذي َن ِمن ح ُدو ِد ِ ِمن ُ
س َق ِفيه ِِم يف تَ َركُو ُه ،وإذَا َ َ س َق ِفيه ِِم َّ ِ
الش ُ قَ ْبلِ ُ
ك ْم أنَّ ُه ْم كَانُوا إذَا َ َ
ْس بيَ ِد ِه ،لو أ َّن ف ِ
َاط َم َة وإن َوال َِّذي نَف ِ
ح َّدِّ ، يف أَقَا ُموا عليه ال َ الضَّ ِع ُ
ت يَ َد َها))((( وهذه أمانة حفظ اإلمام َت لَ َقطَ ْع ُ
سق ْ ح َّم ٍد َ َت ُم َ ب ْن َ
لحدود هللا بإقامتها.
يل رسول هللا وأنا ألعب )(3عن أنس قال« :أىت ع َّ
مع الغلامن ،قال :فسلم علينا فبعثني إىل حاجة فأبطأت عىل أمي،
فلام جئت قالت :ما حبسك؟ قلت :بعثني رسول
لحاجة ،قالت :ما حاجته؟ قلت :إنها رس ،قالت :ال تحدث َ َّن برس
رسول هللا أحدا ً ،قال أنس :وهللا لو حدثت به أحدا ً
لحدثتك به يا ثابت»(((.
)(4عن قيس العجيل عن أبيه قال :ملا قدم بسيف كرسى عىل عمر
ومنطقته ،قال« :إن قوماً أدوا هذا لذوو أمانة» فقال عيل
« :إنك عففت فعفت الرعية»(((.
البخاري ،4351 :مسلم.1064 : (((
البخاري ،3475 :مسلم.1688 : (((
مسلم.2482 : (((
تاريخ األمم وامللوك البن جرير.466/2 : (((
145
)(5مر عيل بن أيب طالب يف املسجد فرأى واعظاً يعظ الناس،
فقال له :أتعرف أحكام القرآن وناسخه ومنسوخه؟ فقال :ال،
فقال عيل :هلكت وأهلكت ،ثم منعه من التحدث إىل العامة؛
لئال يفسد عليهم دينهم بجهله ،رعاية ألمانة العلم.
أقوال مضيئة:
)(1قال الكفوي« :األمانة :كل ما افرتض هللا عىل العبادة فهو أمانة،
كالصالة والزكاة وأداء الدين .وأوكدها :الودائع ،وأوكد الودائع:
كتم األرسار»(((.
)(2نقل ابن الجوزي عن بعض املفرسين« :أن األمانة يف القرآن عىل
ثالثة أوجه:
َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ
﴿يأيها ٱلِين ءامنوا ل تونوا أحدها :الفرائض ،ومنه قوله تعاىلٰٓ :
ُ ۡ ((( ٰ َ ٰ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُ ٓ ْ َ َ
ٱلل وٱلرسول وتونوا أمنتِكم﴾ .
َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َ ُ َ ُّ ْ
الثانية :الوديعة ،ومنه قوله تعاىل۞﴿ :إِن ٱلل يأمركم أن تؤدوا
َ ۡ َ َ ٰ َ ٰ َ ٰٓ َ ۡ
ت إِل أهل ِها﴾ .
(((
ٱلمن ِ
ۡ
ۡ َۡ َ ۡ َ َ الثالثة :العفة ،ومنه قوله تعاىل﴿ :إ َّن َخ ۡ َ
ت ٱلقوِ ُّيي َم ِن ٱستـٔجر ِ
ُ َۡ
ٱلمِني. » ﴾26
((( (((
146
)(3قال سيد قطب« :واألمانات كثرية يف عنق الفرد ويف عنق
الجامعة ،ويف أولها أمانة الفطرة ،وقد فطرها هللا مستقيمة
متناسقة مع ناموس الوجود الذي هي منه وإليه ،شاهدة بوجود
الخالق ووحدانيته ،..واملؤمنون يرعون تلك األمانة الكربى
فال يدعون فطرتهم تنحرف عن استقامتها ،فتظل قامئة بأمانتها
شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته ،ثم تأيت سائر األمانات تبعاً
لتلك األمانة الكربى»(((.
)(4قال الحسن « :إن من الخيانة أن تحدث برس أخيك».
)(5قال الغزايل« :وهو حرام إن كان فيه إرضار ،ولؤم إن مل يكن
فيه إرضار»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3األخالق اإلسالمية ،لعبد الرحمن امليداين.
147
الحلم
الحلم صفة تجمع ترك الغضب ،وقوة تحمل األذى ،وترك االنتقام،
ك َّمل من
والعفو عن املخطئ ،ومقابلة إساءته باإلحسان .وهي صفة ال ُ
الناس من األنبياء والعلامء والصالحني.
وقد تكون طبيعة يف املرء ،وقد يكتسبها بالتعود عليها ،وإن مل
يكن حليامً .وتع ُّوده ذلك عبادة؛ ألن هللا تعاىل حليم يحب الحلم.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :هللا تعاىل حليم يحب الحلم.
)(2معنى الحلم.
)(3فضل الحلم.
)(4فوائد الحلم (حسن الترصف والتدبري ،قلة الندم ،اإلحسان إىل
الناس وكسب مودتهم.)...
)(5الغضب عند رؤية املعصية :ال يناقض الحلم.
)(6الوسائل املعينة عىل الحلم (طلب العلم الرشعي ،التحلم والتعود،
مجانبة الغاضبني ،العفو واملسامحة ،اإلحسان إىل الخلق ،الدعاء
للمخطئ بالهداية وللظامل بأن يهديه هللا لريد الحق لصاحبه.)..
هدايات قرآنية:
ٱح َذ ُروهُ
ِك ۡم فَ ۡ
ُ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َ َّ َّ َ َ ۡ َ ُ َ ٓ َ ُ
ۚ س نف )(1قال تعاىل﴿ :وٱعلموا أن ٱلل يعلم ما ِف أ
ٞ َ ٌ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َ َّ َّ َ َ ُ
وٱعلموا أن ٱلل غفور حل ِيم. ﴾235
(((
148
ِيب.(((﴾75 ِيم أَ َّوٰه ُّ ٞمن ٞ لل ٌ ِيم َ َ )(2قال تعاىل﴿ :إ َّن إبۡ َرٰه َ
ِ ِ
َ َُّ َّ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ
اس وٱلل )(3قال هللا تعاىل﴿ :وٱلك ٰ ِظ ِمني ٱلغيظ وٱلعافِني ع ِن ٱنل ِ ۗ
سن َ ُي ُّ ۡ ۡ
ني.(((﴾134 ِب ٱل ُمح ِ ِ
َ ََ ۡ ۡ ۡ ُ َۡۡ َ َُۡ ۡ ۡ ُ
)(4وقال سبحانه﴿ :خ ِذ ٱلعفو وأمر بِٱلعر ِف وأع ِرض ع ِن
ِني.(((﴾199 ۡٱل َ
جٰهل َ
ِ
َّ َ
ٱلس ّي َئة ۚ ٱدف ۡع بِٱلت ِ َۡ ُ َّ َ َ َ َ َُ ۡ ۡ َ َ َ َ
ه ِ )َ (5وقال تعاىل﴿ :ول تستوِي ٱلسنة ول َ ِ
ك َو َب ۡي َن ُهۥ َع َد ٰ َوة َ ٞكأنَّ ُهۥ َو ٌّل َح ٞ ََۡ َ ۡ َ ُ َ َ َّ
ِيمَ 34و َما ِ ن ي ب ِي ٱل أحسن فإِذا
َ ّ َ ُ َّ ٓ َ
بوا َو َما يُل َّقى ٰ َ ْ ِين َص َ ُ يُلَ َّقى ٰ َها ٓ إ َّل ٱل َ
َّ
يم.(((﴾35 ُ ٖ ظ
ِ ع ظ ٍ ح و ذ ل ِ إ ا ه ِ
ُ ۡ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ
﴿ول َمن صب َوغف َر إِن ذٰل ِك ل ِم ۡن ع ۡز ِم ٱلمورِ.(((﴾43 )(6وقال َ :
والصرب والعفو ،واإلعراض عن الجاهلني ،ودفع السيئة بالحسنة:
من صفات أهل الحلم.
قبسات نبوية:
)(1عن ابن عباس قال :قال رسول هللا لألشج -أشج عبد
الحل ُم واألَناةُ))(((.
هللاِ :
صلتي يُح ُّب ُهام ُ
خ ِْ القيس (( :-إ َّن فيك َ
)(2عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي
هللا يو َم القيام ِة
قال(( :من كظ َم غيظاً َوه َو يستطي ُع أن ينفذَه دعا ُه ُ
149
أي الحو ِر شا َء))((( .وكظم يخيه يف ِّ
رءوس الخالئقِ حتَّى ِّ َ ِ عل َ
الغيظ :تحلُّم ومجاهدة للنفس عىل الحلم حتى تعتاده.
)(3عن ابن عمر قال :قال رسول هللا (( :ما من َجرع ٍة
غيظ كظ َمها عب ٌد ابتغا َء وج ِه جرع ِة ٍ هللا من َ أعظ ُم أجرا ً عند ِ
ِ
هللا))(((.
)(4عن أيب هريرة أن رجالً قال للنبي :أوصني،
ب))((( .وال يكون ب)) فردد مرارا ً قال(( :ال تَغْضَ ْ قال(( :ال تَغْضَ ْ
الحلم مع الغضب أبدا ً.
الص َع َة
)(5عن عبد هللا قال :قال رسول هللا (( :ما تَ ُع ُّدون ُّ َ
فيكم؟)) ،قالوا :الذي ال يرصعه الرجال ،قال(( :ال ،ولكنه الذي
الغضب))(((.
ِ نفسه عندَ ْيلِ ُك َ
صدق ٌة )(6عن أيب هريرة أن رسول هللا قال(( :ما نقَصت َ
إل إل ع ّزا ً ،وما تواض َع أح ٌد ِ
هلل َّ هللا رجالً بعف ٍو َِّمن ما ٍل ،وما زا َد ُ
هللا))((( .والعفو صفة الحلامء. رف َع ُه ُ
خ ِّي رسول هللا )(7عن عائشة أنها قالت« :ما ُ
بني أمرين إال أخذ أيرسهام ما مل يكن إمثاً ،فإن كان إمثاً كان أبعد
الناس منه ،وما انتقم رسول هللا لنفسه إال أن تنتهك
حرمة هللا؛ فينتقم هلل بها»(((.
150
)(8عن أنس بن مالك قال :قال رسول هللا (( :األنا ُة
جل ُة من الشَّ يطانِ ))(((. من ِ
هللا ،وال َع َ
أمثلة تطبيقية:
)(1عن عبد هللا بن مسعود قال« :كأين أنظر إىل النبي
يحيك نبياً من األنبياء رضبه قومه فأدموه وهو ميسح
الدم عن وجهه ،ويقول :اللهم اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون»(((.
)(2عن أيب هريرة قال :قام أعرايب فبال يف املسجد؛ فتناوله
عل بَ ْولِ ِه الناس ،فقال لهم النبي َ (( :د ُعو ُه و َهرِيقُوا َ
سي َن ،ولَ ْم ت ُ ْب َعثُوا جالً ِمن َما ٍء ،أ ْو َذنُوباً ِمن َما ٍء ،فإنَّ ا بُ ِعثْتُ ْم ُم َي ِّ ِ َس ْ
سي َن))(((. ُم َع ِّ ِ
)(3عن أيب هريرة قدم طفيل بن عمرو الدويس وأصحابه عىل
النبي فقالوا :يا رسول هللا إن دوساً عصت وأبت،
فادع هللا عليها ،فقيل :هلكت دوس ،قال(( :الل ُه َّم ا ْه ِد َد ْوساً
ت ب ِه ْم))(((. وأْ ِ
)(4عن عائشة أنها قالت للنبي :هل أىت عليك
يت، ك ما لَ ِق ُ يت ِمن قَ ْو ِم ِ يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال(( :ل َق ْد لَ ِق ُ
عل ابْنِ ْس َ ت نَف ِ يت منه ْم يَو َم ال َع َق َب ِة ،إ ْذ َع َرضْ ُ وكا َن أشَ َّد ما لَ ِق ُ
ْت وأنا عبد كُال ٍل ،فَلَ ْم يُ ِج ْب ِني إىل ما أ َردْتُ ،فانْطَلَق ُ يل بنِ ِ عبد يالِ َ ِ
الرتمذي ،2012 :وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.3011 : (( (
البخاري ،3218 :مسلم.3347 : (((
البخاري.213 : (((
البخاري ،2720 :ومسلم.4586 : (((
151
ت ب فَ َرفَ ْع ُ إل وأنا ب َق ْرنِ الثَّعالِ ِ أستَ ِف ْق َّ جهِي ،فَلَ ْم ْ عل و ْ َم ْه ُمو ٌم َ
ِيل، بسحابَ ٍة ق ْد أظَلَّتْ ِني ،فَ َنظَ ْرتُ فإذا فيها ج ِْب ُ َرأْ ِس ،فإذا أنا َ
هللا ق ْد َس ِم َع قَ ْو َل قَ ْو ِم َك ل ََك ،وما َر ُّدوا َعلَ ْي َك، فقال :إ َّن َ َنادان َ ف ِ
َنادان َمل َُك
ت فيهم ،ف ِ وق ْد بَ َعثَ إلَ ْي َك َمل ََك الجِبا ِل لِتَأْ ُم َرهُ مبا ِشئْ َ
ت ،إ ْن ذلك ِفيام ِشئْ َ فقالَ ، ح َّم ُدَ ، قال :يا ُم َ ل ،ث ُ َّم َالجِبا ِل ف ََسلَّ َم َع َ َّ
خشَ بَ ْيِ؟)) ،فقال النبي : ت أ ْن أُطْب َِق عليه ُم األ ْ ِشئْ َ
حدَهُ ،ال أصال ِب ِه ْم َمن يَ ْع ُب ُد َ
هللا و ْ هللا ِمن ْ ِج ُ خر َ جو أ ْن يُ ْ ((بَ ْل أ ْر ُ
ش ُك به شيئاً))(((. يُ ْ ِ
)(5عن أيب هريرة أن رجالً قال :يا رسول هللا إن يل قرابة
أصلهم ويقطعوين ،وأحسن إليهم ويسيئون إيل ،وأحلم عنهم
ْت ،فَكَأنَّ ا ت كام قُل َ َئ كُ ْن َ ويجهلون عيل ،قال (( :ل ِ ْ
عل ت َ ري عليهم ما ُد ْم َ معك ِم َن ِ
هللا ظَ ِه ٌ ت ُِس ُّف ُه ُم الم ََّل َو َل يَ َز ُال َ
ذلك))(((. َ
)(6عن ابن عباس قال« :قدم عيينة بن حصن بن حذيفة
فنزل عىل ابن أخيه الحر بن قيس ،وكان من النفر الذين يدنيهم
عمر ،وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهوالً كانوا
أو شباناً ،فقال عيينة البن أخيه :يا ابن أخي هل لك وجه عند
هذا األمري فاستأذن يل عليه ،قال :سأستأذن لك عليه ،قال ابن
عباس :فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر ،فلام دخل عليه قال:
هي يا ابن الخطاب ،فوهللا ما تعطينا الجزل ،وال تحكم بيننا
((( البخاري ،2992 :مسلم.3352 :
((( رواه مسلم.2558 :
152
بالعدل! فغضب عمر حتى ه َّم أن يوقع به ،فقال له الحر :يا أمري
ۡ
﴿خ ِذ ۡٱل َع ۡف َو َوأ ُمرۡ
ُ
املؤمنني إن هللا تعاىل قال لنبيه :
َ ٰ َ ُۡۡ ََ ۡ ۡ َ ۡ
بِٱلعر ِف وأع ِرض ع ِن ٱلج ِهل ِني ﴾199وإن هذا من الجاهلني،
(((
وهللا ما جاوزها عمر حني تالها عليه ،وكان وقَّافاً عند كتاب
هللا»(((.
)(7سب رجل عبد هللا بن عباس فقال ابن عباس ملواله
عكرمة « :يا عكرمة ،هل للرجل حاجة فنقضيها؟»
فنكَّس الرجل رأسه ،واستحيى مام رأى من حلمه عليه»(((.
)(8وقال رجل ملعاوية كالماً شديدا ً ،فقيل :لو عاقبته؟! فقال:
«إين أستحيي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي»(((.
أقوال مضيئة:
)(1قال ذو النون« :ثالثة من أعالم الحلم :قلة الغضب عند مخالفة
الرأي ،واالحتامل عن الورى إخباتا للرب ،ونسيان إساءة امليسء
عفوا عنه واتساعاً عليه»(((.
)(2قال معاوية « :عليكم بالحلم واالحتامل حتى متكنكم
الفرصة ،فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح واإلفضال»(((.
153
)(3عن عامر الشعبي قال« :زين العلم حلم أهله»(((.
)(4قال لقامن الحكيم« :ثالثة ال يعرفون إال عند ثالثة :ال يعرف
الحليم إال عند الغضب ،وال الشجاع إال عند الحرب ،وال األخ
إال عند الحاجة إليه»(((.
)(5قال عيل « : إن أول ما ُع َّوض الحليم من حلمه :أن الناس
كلهم أعوانه عىل الجاهل»(((.
)(6قال معاوية« :ال يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله،
وصربه شهوته ،وال يبلغ ذلك إال بقوة العلم»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1أدب الدنيا والدين ،للاموردي.
)(2الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(3دليل الفالحني ،البن عالن.
154
اإليثار
هو تقديم الغري عىل النفس ،بأن يعطيه شيئاً رغم حاجته إليه هو؛
رغبة فيام عند هللا تعاىل من األجر الباقي .فهو فوق مرتبة السخاء
والجود والكرم.
واإليثار دليل محبة هللا تعاىل ،وعظم الرغبة يف اآلخرة ،وتقدميها
عىل الدنيا الفانية .وهذا برهان العقل وحسن التدبري.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
.أقيمة الدنيا واآلخرة( :الدنيا مثل حجر يفنى ،واآلخرة مثل
ذهب يبقى ،فلو كانت اآلخرة مثل حجر يبقى آلثرها
العاقل؛ ألنها أنفع له.)..
.بمن زيادة اإلميان باهلل :محبة الخري للمؤمنني والسعي يف
إيصاله إليهم بكل وسيلة.
)(2معنى اإليثار.
)(3علو مرتبة اإليثار (مرتبة اإليثار فوق السخاء والجود ،مع كونه
غري واجب).
)(4فضل اإليثار.
)(5بواعث اإليثار( :محبة العبد هلل ،رجاؤه ،الثقة وحسن الظن به،
معرفة حقيقة الدارين.)...
155
)(6فوائد اإليثار( :محبة هللا للعبد ،األلفة والرتاحم بني املؤمنني،
استجالب رحمة هللا.)...
)(7صور من اإليثار (قدمياً وحديثاً).
)(8الطريق إىل اإليثار( :تذكر أن ما ينفقه املرء هلل هو الباقي،
التعرف عىل حاجات الناس ،التعود عىل الصدقة ،البذل مام
يحب ،اإليثار ولو مرة واحدة ،تعويد النفس عىل تأجيل رغباتها
وترك مشتهياتها.)..
هدايات قرآنية:
َ ((( ٞ َ َ ُ ۡ ُ َ َ َ ٰٓ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ
س ِهم ولو كن ب ِ ِهم خصاصة﴾ . )(1قال تعاىل﴿ :ويؤث ِرون ع أنف ِ
ع ُح ّبهِۦ م ِۡسك ٗ
ِينا َو َيت ِ ٗ َ َ َ ُ ۡ ُ َ َّ َ َ
يما وقال سبحانه﴿ :ويطعِمون ٱلطعام ٰ ِ )َ َ (2
ً
وأسِريا.(((﴾8
ٱدل ۡن َياَ 16وٱٓأۡلخ َِرةُ َخ ۡيٞ ون ۡ َ
ٱل َي ٰوةَ ُّ َۡ ُۡ ُ َ
وقال ﴿ :بل تؤث ِر
َ ۡ )َ َ (3
ق.(((﴾17وأب ٰٓ
قبسات نبوية:
)(1عن أيب موىس قال :قال رسول هللا (( :إ َّن
ني إذا أ ْر َملُوا يف ال َغ ْز ِو ،أ ْو ق ََّل طَعا ُم ِعيالِ ِه ْم بامل َِدي َن ِة األشْ َع ِريِّ َ
واح ٍد ،ث ُ َّم اقْتَ َس ُمو ُه ب ْي َن ُه ْم يف إنا ٍء
ب ِ ج َم ُعوا ما كا َن ِع ْن َد ُه ْم يف ث َ ْو ٍ َ
واح ٍد َّ
بالس ِويَّ ِة ،فَ ُه ْم ِم ِّني وأنا منه ْم))(((. ِ
156
)(2عن عائشة أنها قالت :جاءتني مسكينة تحمل ابنتني لها
فأطعمتها ثالث مترات ،فأعطت كل منها مترة ،ورفعت إىل فيها
مترة لتأكلها ،فاستطعمتها ابنتاها ،فشقت التمرة التي كانت تريد
أن تأكلها بينهام ،فأعجبني شأنها ،فذكرت التي صنعت لرسول
ج َّن َة ،أَ ْو
ب لَ َها ب َها ال َ هللا ق ْد أَ ْو َ
ج َ هللا ،فقال(( :إ َّن َ
أَ ْعتَ َق َها ب َها ِم َن ال َّنارِ))(((.
أمثلة تطبيقية:
)(1عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إىل رسول
بربدة منسوجة ،فقالت :نسجتها بيدي ألكسوكها ،فأخذها النبي
محتاجاً إليها ،فخرج إلينا وإنها فزاره ،فقال فالن:
اكسنيها ما أحسنها! فقال(( :نَ َع ْم)) ،فجلس النبي
يف املجلس ،ثم رجع فطواها ،ثم أرسل بها إليه ،فقال له القوم:
ما أحسنت! لبسها النبي محتاجاً إليها ،ثم سألته،
وعلمت أنه ال يرد سائالً ،فقال :إين وهللا ما سألته أللبسها ،إمنا
سألته لتكون كفني ،قال سهل :فكانت كفنه(((.
)(2عن أيب هريرة قال :جاء رجل إىل النبي فقال:
إين مجهود ،فأرسل إىل بعض نسائه ،فقالت :والذي بعثك بالحق
ما عندي إال ماء ،ثم أرسل إىل أخرى ،فقالت مثل ذلك ،حتى قلن
كلهن مثل ذلك :ال والذي بعثك بالحق ما عندي إال ماء .فقال
157
يف هذا اللَّ ْيلَ َة؟)) ،فقال رجل من النبي َ (( :من يُ ِض ُ
األنصار :أنا يا رسول هللا ،فانطلق به إىل رحله ،فقال المرأته:
أكرمي ضيف رسول .ويف رواية قال المرأته :هل
عندك يشء؟ فقالت :ال ،إال قوت صبياين .قال :علليهم بيشء
وإذا أرادوا العشاء ،فنوميهم ،وإذا دخل ضيفنا ،فأطفيء الرساج،
وأريه أنا نأكل .فقعدوا وأكل الضيف ،وباتا طاويني ،فلام أصبح
ِب، غدا عىل النبي فقال(( :ضَ ِح َك َ ُ
هللا اللَّ ْيلَ َة ،أ ْو َعج َ
َ َ َ َ ُ ۡ ُ َ َ َ ٰٓ ُ
س ِه ۡم َول ۡو كن ب ِ ِه ۡم ع أنف ِ ِمن فَ َعالِكُام)) ،فأنزل هللا﴿ :ويؤث ِرون
َ ۡ ۡ َُ َ َ ُ َ ُ َۡ َ َ َ ٞ
سهِۦ فأ ْو ٰٓلئِك ه ُم ٱل ُمفل ُِحون.((((((﴾9 اصة ۚ َو َمن يُوق ش َّح نف ِ خص
)(3عن أنس بن مالك قال« :قدم عبد الرحمن بن عوف
فآخى النبي بينه وبني سعد الربيع األنصاري ،وعند
األنصاري امرأتان ،فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله.(((»...
)(4عن أنس قال :دعا رسول هللا األنصار إىل
أن يقطع لهم البحرين ،فقالوا :ال إال أن تقطع إلخواننا من
بوا حتَّى تَلْ َق ْو ِن ،فإنَّه
َاص ِ ُ
املهاجرين مثلها ،قال(( :إ َّما َل ،ف ْ
ك ْم بَ ْع ِدي أث َ َرةٌ))(((.
َس ُي ِصي ُب ُ
)(5عن سهل بن سعد أن رسول هللا أيت برشاب
فرشب منه وعن ميينه غالم ،وعن يساره األشياخ ،فقال للغالم:
158
((أتَأْ َذ ُن يل أ ْن أُ ْع ِط َي َه ُؤ َل ِء؟)) ،فقال الغالم :ال وهللا يا رسول
هللا ،ال أوثر بنصيبي منك أحد ،قال :فتلَّه رسول هللا
يف يده((( .فقد كانت رغبته يف التربك بأثر النبي ،ال
بحصته من الرشاب.
)(6قال مجاهد« :كان باملدينة أهل بيت ذوو حاجة عندهم رأس
شاة فأصابوا شيئاً ،فقالوا :لو بعثنا بهذا الرأس إىل من هو أحوج
إليه منا ،قال :فبعثوا به ،فلم يزل يدور باملدينة حتى رجع إىل
أصحابه الذين خرج من عندهم!»(((.
أقوال مضيئة:
)(1قال الحسن« :لقد رأيت أقواماً كانت الدنيا أهون عىل أحدهم
من الرتاب تحت قدميه ،ولقد رأيت أقواماً مييس أحدهم وما
يجد عنده إال قوتاً فيقول :ال أجعل هذا كله يف بطني ،ألجعلن
بعضه هلل فيتصدق ببعض وإن كان هو أحوج ممن يتصدق
به عليه»(((.
رض بالدنيا ،ومن أراد
)(2قال ابن مسعود « :من أراد اآلخرة أ َّ
رضوا بالفاين للباقي»(((.
رض باآلخرة ،يا قوم فأ ُّ
الدنيا أ َّ
)(3قال الغزايل« :اإليثار أعىل درجات السخاء»(((.
159
)(4ذكر ابن القيم أن اإليثار عىل ثالث درجات:
الدرجة األوىل :أن تؤثر الخلق عىل نفسك فيام ال يحرم عليك ديناً،
وال يقطع عليك طريقاً ،وال يفسد عليك وقتاً ،يعني :أن تقدمهم عىل
نفسك يف مصالحهم مثل أن تطعمهم وتجوع ،وتكسوهم وتعرى،
وتسقيهم وتظأم بحيث ال يؤدي ذلك إىل ارتكاب إتالف ال يجوز
يف الدين.
وكل سبب يعود عليك بصالح قلبك ووقتك وحالك مع هللا فال تؤثر
به أحدا ،فإن آثرت به فإمنا تؤثر الشيطان عىل هللا وأنت ال تعلم.
الدرجة الثانية :إيثار رىض هللا عىل رىض غريه ،وإن عظمت فيه املحن،
وثقلت فيه املؤن ،وضعف عنه الطَ ْول والبدن .وإيثار رىض هللا
عىل غريه هو :أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته ولو أغضب الخلق...
وقد جرت سنة هللا التي ال تبديل لها :أن من آثر مرضاة الخلق عىل
مرضاته أن يسخط عليه من آثر رضاه ،ويخذله من جهته ويجعل
محنته عىل يديه ،فيعود حامده ذا ّماً ومن آثر مرضاته ساخطاً ،فال
عىل مقصوده منهم حصل ،وال إىل ثواب مرضاة ربه وصل ،وهذا
أعجز الخلق وأحمقهم .قال الشافعي :رضا الناس غاية ال
تدرك .فعليك مبا فيه صالح نفسك فالزمه ،ومعلوم أنه ال صالح
للنفس إال بإيثار رىض ربها وموالها عىل غريه.
الدرجة الثالثة :أن تنسب إيثارك إىل هللا دون نفسك وأنه هو الذي
تفرد باإليثار ،ال أنت ،فكأنك سلمت اإليثار إليه ،فإذا آثرت غريك
بيشء فإن الذي آثره هو الحق ال أنت ،فهو املؤثر عىل الحقيقة؛ إذ
هو املعطي حقيقة(((..
160
)(5وقال أيضاً يف األسباب التي تعني عىل اإليثار:
تعظيم الحقوق :فإن عظمت الحقوق عنده قام بواجبها ورعاها حق
رعايتها واستعظم إضاعتها ،وعلم أنه إن مل يبلغ درجة اإليثار مل
يؤدها كام ينبغي فيجعل إيثاره احتياطاً ألدائها.
الثاين :مقت الشح ،فإنه إذا مقته وأبغضه التزم باإليثار ،فإنه يرى أن
ال خالص له من هذا املقت البغيض إال باإليثار.
الثالث :الرغبة يف مكارم األخالق ،وبحسب رغبته فيها يكون
إيثاره؛ ألن اإليثار أفضل درجات مكارم األخالق(((..
مراجع ُم ِعينة:
)(1طريق الهجرتني ،البن القيم.
)(2مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(3مدارج السالكني ،البن القيم.
)(4دليل الفالحني ،البن عالن.
161
اتباع الهوى
الهوى يف األصل :ميل النفس ،وملا كانت النفس أمارة بالسوء كان
الغالب ميلها إىل خالف الحق ،إال ما رحم ريب.
ومن هنا كان هوى النفس مضادا ً للهدى والرشيعة التي جاءت
لتجنيب العباد أهواءهم ،وكان اتباع الهوى مناقضاً للعبودية وتحقيق
إسالم الوجه هلل رب العاملني؛ إذ إنه يصري التباعه إلهاً من دون هللا تعاىل!
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :خلق اإلنسان التباع الهدى ومخالفة الهوى.
)(2معنى اتباع الهوى.
)(3سهولة اتباع الهوى (افعل ما تشتهيه نفسك!).
)(4ذم اتباع الهوى يف نصوص الوحيني.
)(5مظاهر اتباع الهوى( :ضعف اتباع الحق ،صعوبة االعرتاف
بالخطأ ،التح ُّيل عىل أحكام الرشيعة ،البغي والعدوان عىل
املخالف ،تتبع السقطات والزالت ،املبالغة يف املدح والذم ،كرثة
الجدل ،قلة االستشهاد بالنصوص.)..
)(6خطره يف الدنيا واآلخرة( :الضالل عن الحق ،اتباع الشهوات،
سيطرة الشيطان ،الخالف والتفرق.)..
)(7الهوى وأثره يف الخالف والتفرق( :ال تتم الوحدة واالجتامع إال
مبخالفة الهوى؛ ألن األهواء متعارضة).
162
)(8عالج اتباع الهوى( :مجاهدة النفس يف معرفة الحق واتباعه،
مخالفة ما تشتهيه النفس ،تعويدها عىل ترك بعض رغباتها،
ترك الشبهات ،تجنب الحيل عىل األحكام الرشعية وترك تتبع
الرخص.)..
هدايات قرآنية:
َّ َّ ۡ َ َ َ َّ َ ُ ۢ ُّ ٓ َّ َ َ َ َ ّ ٓ َّ َ ّ
)(1قال تعاىل﴿ :إِن ٱنلفس لمارة بِٱلسوءِ إِل ما رحِم ر ِب ۚ إِن ر ِب
ِيم.(((﴾53 َغ ُفورَّ ٞرح ٞ
نف ُس َولَ َقدۡ َ َّ ُ َ َّ َّ َّ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ
وقال سبحانه﴿ :إِن ۡ يتبِعون إِل ٱلظن وما تهوى ٱل ۖ ٓ
)(2
ى.(((﴾23 َجا َء ُهم ّمِن َّر ّب ِه ُم ٱل ُه َد ٰٓ
ك ُهوَ َ ۡ ۡ َّ َ َّ َ ِ َّ َ ٗ َّ ُ ُّ َ َ ۡ َ ٓ
ي عِل ٍ ۚم إِن ربضلون بِأهوائ ِ ِهم بِغ ِ )َ (3قال تعاىلِ﴿ :إَون كثِريا ل ِ
ِين.(((﴾119 أ ۡعلَ ُم بٱل ۡ ُم ۡع َتد َ
ِ
َّ َ َ َ ٰ َ ُ َ َ ٰ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ۡ َ َ َ
)(4وقال سبحانه﴿ :أرءيت م ِن ٱتذ إِلههۥ هوىه أفأنت تكون
ً ََ
عل ۡيهِ َوك ِيال.(((﴾43
عٰ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ٰ ُ َ َ َ َّ ُ َّ ُ َ َ َ َ ۡ َ َ ََ
ٰ
)(5وقال ﴿ :أفرءيت م ِن ٱتذ إِلههۥ هوىه وأضله ٱلل
َ ٰ َ ٗ ََ
صه ِۦ غِشوة فمن ع بَ َع َس ۡمعِهِۦ َوقَ ۡلبِهِۦ َو َج َع َل َ َ ٰ ع ِۡل ٖم َو َخ َت َم َ َ ٰ
ِ
ۢ َ ۡ َّ َ َ َ َ َ َّ ُ َ
َي ۡهدِيهِ ِمن بع ِد ٱللِۚ أفل تذكرون. ﴾23
(((
163
َ ْ ٱلل ل َ ُه ۡم َع َذ ٞ
اب َشد ُ َّ ون َعن َ َّ َ َ ُّ َ
ِيد ۢ ب ِ َما ن ُسوا يَ ۡو َم يل ِ ِ ِ ب س ضل ٱلِين ي ِ
ۡ
ٱل َ
. (((
﴾26 اب
ِ ِس
َ َ َّ َ ۡ َ َ ۡ َ ٓ َ ُ ّ َ ۡ َ َ ٓ َ َ َ ۡ ۡ
)(7وقال تعاىل﴿ :ولئ ِ ِن ٱتبعت أهواءهم ِم ۢن بع ِد ما جاءك مِن ٱلعِل ِم
َّ َ ٗ َّ َ َّ
ٱلظٰلِم َ
ني.(((﴾145 ِ إِنك إِذا ل ِمن
قبسات نبوية:
مم أخىش عليكم )(1عن أيب برزة عن النبي قال(( :إ َّن َّ
ت ال َهوى))(((. وات الغ َِّي يف بُطونِكم وفُروجِكم ،و ُم ِض َّل ِ شَ َه ِ
)(2عن ابن عمر قال :قال رسول هللا (( :ثالثٌ ُمهلِكاتٌ
وثالثٌ ُمنجياتٌ وثالثٌ كفَّاراتٌ وثالثٌ درجاتٌ فأ َّما امل ُهلِكاتُ
بنفسه وأ َّما املُنجياتُ ِ وإعجاب املر ِء
ُ ع وه ًوى متَّب ٌع فشُ ٌّح مطا ٌ
الغضب وال ِّرضا والقص ُد يف الفق ِر وال ِغنى وخشي ُة ِ
هللا ِ فالعدل يف ُ
الصال ِة الصال ِة بع َد َّ الس والعالني ِة وأ َّما الكفَّاراتُ فانتظا ُر َّ يف ِّ ِّ
ِ
الجامعات وأ َّما األقدام إىل
ِ ونقل
ُ اتالس َب ِ غ ال ُوضو ِء يف َّ وإسبا ُ
اس والصال ُة باللَّيلِ وال َّن ُ َّ الم
الس ِ
َّعام وإفشا ُء َّ الدَّرجاتُ فإطعا ُم الط ِ
نيا ٌم))(((.
((كل ابنِ آد َم ُّ )(3عن أيب هريرة أن رسول هللا قال:
س، ي زِناها ال َّنظَ ُر ،وال َي ُد زِناها اللَّ ْم ُ صاب ِم َن ال ِّزنا ال َمحالَ َة ،فَال َع ْ ُ أَ َ
ج))(((. ك ِّذبُ ُه ال َف ْر ُ ص ِّد ُق َذلِك أ ْو يُ َ
ح ِّدثُ ،ويُ َ ْس تَ ْه َوى وتُ َ وال َّنف ُ
164
)(4عن معاوية بن أيب سفيان أن رسول هللا قال...(( :
ج يف أُ َّمتي أقوا ٌم تَجارى بهم تلك األهوا ُء كام يَتَجارى
وإنَّه س َيخ ُر ُ
إل
فص ٌل َّ ِ
بصاحبِه -ال يَ ْبقى منه ِع ٌ
رق وال َم ِ ِ
لصاحبِه -أو َب
كل ُ
ال َ
خلَه))(((.
د َ
أقوال مضيئة:
)(1قال عمر بن عبد العزيز« :ال تكن ممن يتبع الحق إذا وافق
هواه ،ويخالفه إذا خالف هواه ،فإذا ً أنت ال تثاب عىل ما وافقته
من الحق ،وتعاقب عىل ما تركته منه؛ ألنك إمنا اتبعت هواك يف
املوضعني»(((.
)(2عن الشعبي قال« :إمنا سمي الهوى ألنه يهوي بصاحبه»(((.
)(3قال ابن مسعود ...« :من جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا ً
(((
بغيضاً ،ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وإن كان حبيباً قريباً»
وبهذا ينجو املرء من الهوى.
)(4قال الشاطبي« :املقصد الرشعي من وضع الرشيعة :إخراج
املكلف من داعية هواه ،حتى يكون عبدا ً هلل اختيارا ً ،كام هو
عبد هلل اضطرارا ً»(((.
165
)(5قال الشافعي« :ما كابرين أحد عىل الحق ودافع إال سقط من
عيني ،وال قبله إال ِه ْبتُه واعتقدت مودته»((( واملكابرة عىل الحق
من الهوى.
)(6قال حاتم األصم« :أفرح إذا أصاب من ناظرين ،وأحزن إذا
أخطأ»((( وهذه مخالفة الهوى؛ ألن النفس تهوى هزمية الخصم
وخطأه.
)(7قال شيخ اإلسالم« :واتباع األهواء يف الديانات أعظم من اتباع
األهواء يف الشهوات ،فإن األول حال الذين كفروا من أهل
َ َّ ۡ َ ۡ َ ُ ْ َ َ
يبوا لك ج
تعاىل﴿ :فإِن لم يست ِ الكتاب واملرشكني ،كام قال
ي ون أَ ۡه َوا ٓ َء ُه ۡم َو َم ۡن أ َض ُّل م َِّمن َّٱت َب َع َه َوى ٰ ُه ب َغ ۡ
َ َ ۡ َ ۡ َ َّ َ َ َّ ُ َ
فٱعلم أنما يتبِع
ِ ِ ِ ۚ
ٱلظٰلِم َ َ ۡ َ َّ ۡ َ ٱللِ إ َّن َّ َ
ُ ٗ ّ َ َّ
ني (((﴾50ولهذا ِ ٱلل ل َي ۡهدِي ٱلقوم هدى مِن ۚ ِ
كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلامء والعباد
يجعل من أهل األهواء ،كام كان السلف يسمونهم أهل األهواء،
وذلك أن كل من مل يتبع العلم فقد اتبع هواه ،والعلم بالدين ال
يكون إال بدين هللا الذي بعث به رسوله»(((.
)(8قال ابن تيمية « :صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ،فال
يستحرض ما هلل ورسوله يف األمر وال يطلبه أصالً ،وال يرىض
لرىض هللا ورسوله ،وال يغضب لغضب هللا ورسوله ،بل يرىض إذا
حصل ما يرضاه بهواه ،ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه،
166
فليس قصده أن يكون الدين كله هلل ،وأن تكون كلمة هللا هي
العليا ،بل قصده الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ،ليعظم هو
ويثنى عليه ،أو لغرض من الدنيا ،فلم يكن هلل غضبه ،ومل يكن
مجاهدا ً يف سبيل هللا ،بل إن أصحاب الهوى يغضبون عىل من
خالفهم وإن كان مجتهدا ً معذورا ً ال يغضب هللا عليه ،ويرضون
عمن يوافقهم ،وإن كان جاهالً يسء القصد ليس له علم وال
حسن قصد ،فيقيض هذا أن يحمدوا من مل يحمده هللا ورسوله،
ويذموا من مل يذمه هللا ورسوله ،وتصري مواالتهم ومعاداتهم
عىل أهواء أنفسهم ال عىل دين هللا ورسوله»(((.
)(9قال املاوردي« :فرق ما بني الهوى والشهوة :أن الهوى مختص
باآلراء واالعتقادات ،والشهوة مختصة بنيل املستلذات ،فصارت
الشهوة من نتائج الهوى ،والهوى أصل وهو أعم»(((.
)(10قال ابن الجوزي :يعالج بالعزم القوي يف هجران ما يؤذي،
والتدرج فيام ال يؤمن أذاه ،وهذا يفتقر إىل صرب ومجاهدة،
ويهون ذلك عىل املبتىل أمور سبعة هي:
التفكر يف أن اإلنسان مل يخلق للهوى؛ وإمنا للنظر يف العواقب
والعمل لآلجل...
التفكر يف عواقب الهوى ،فكم فوت من فضيلة ،وكم قد أوقع
يف رذيلة ،وكم من زلة أوجبت انكسار جاه وقبح ِذكْ ٍر مع إثم ،غري
أن صاحب الهوى ال يرى إال الهوى.
167
تصور العاقل النقضاء غرضه من هواه ،ثم يتصور مدى األذى
الذي يحصل له عقب اللذة ،فإنه حينئذ سريى أن ما حصل له من
األذى يربو عىل الهوى أضعافاً مضاعفة.
تصور عاقبة ذلك يف حق غريه ،فعندئذ سريى ما يعلم به عيب
نفسه ،إن هو وقف يف ذلك املقام وارتكس يف هذه اآلثام.
التفكر يف حقيقة ما يناله باتباعه هو من اللذات والشهوات،
فإن العقل سيخربه أنه ليس بيشء ،وإمنا عني الهوى عمياء.
التدبر ملا يحصل له من عز الغلبة إن ملك نفسه ،وذل القهر إن
غلبته ،فام من أحد غلب هواه إال أحس بقوة العز ،وما من أحد
غلبه هواه إال وخز يف نفسه ذل القهر.
التفكر يف فائدة مخالفة الهوى من اكتساب الذكر الجميل يف
الدنيا ،وسالمة النفس والعرض واألجر يف اآلخرة ،ثم يعكس
فيتفكر لو وافق هواه يف حصول عكس ذلك عىل األبد ،من كان
يكون يوسف لو نال تلك اللذة؟ فلام تركها وصرب عنها مبجاهدة
ساعة ،صار من قد عرفت(((..
)(11قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب عىل
ينفطم
ِ حب الرضـاع وإن تفطمـه
168
مراجع ُم ِعينة:
)(1روضة املحبني ،البن القيم.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3أدب الدنيا والدين ،للاموردي.
)(4جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
169
الظلم
الظلم :وضع اليشء يف غري موضعه ،وتجاوز الحد الرشعي فيه
بزيادة أو نقص أو تغيري زمانه أو مكانه.
وهو درجات أعظمها الرشك ،ومن الظلم :سائر الذنوب واملعايص،
ومن أخطره :ظلم العباد بالتعدي عىل حقوقهم الرشعية يف دينهم أو
أبدانهم أو أعراضهم أو عقولهم أو أموالهم ،وهذا إن مل يتحلل منه
الظامل حوسب عليه بالحسنات والسيئات يف اآلخرة.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :حرم هللا الظلم عىل نفسه ،وجعله بني العباد محرماً.
)(2تعريف الظلم.
)(3أنواع الظلم.
.أظلم العبد نفسه وهو نوعان -1 :بالرشك -2 .باملعايص.
.بظلم العباد بعضهم بعضاً.
)(4جزاء الظلم (سلب الخريات ،استجابة دعاء املظلوم ،نقص
الحسنات ،ورمبا :زيادة السيئات ،العذاب األليم يف الدنيا
واآلخرة ،فضحه أمام الناس.)..،
)(5الواجب الرشعي تجاه الظلم بني العباد (إعانة املظلوم ،األخذ
عىل يد الظامل ومنعه من الظلم.)..
)(6كيفية التخلص من مظامل العباد (رد املظلمة ،االستحالل.)...
170
)(7ترصف املظلوم (جواز الجهر باملظلمة ،الدعاء للمظلوم وعليه،
احتساب األجر.)...
هدايات قرآنية:
َ َ َ َ ۡ ُ َ ُ َّ ُ َّ َ ُ ۡ
اس بِظل ِم ِهم َّما ت َر َك َعل ۡي َها مِن )(1وقال تعاىل﴿ :ولو يؤاخِذ ٱلل ٱنل
ّ ُ َ ّ ُ ُ ۡ َ ٰٓ َ َ ُّ َ ٗ ٰ َ َّ َ َ
كن يؤخِرهم إِل أج ٖل مسم﴾ .
(((
دٓاب ٖة و ِ
ل
َ َّ ُ ۡ ُ َ ْ َ َ ْ َ ََ َّ َّ
ٱلل ِلَغ ِف َر ل ُه ۡم ِين كف ُروا َوظل ُموا ل ۡم يَك ِن )(2قال تعاىل﴿ :إِن ٱل
ً َّ َ َ َ َ َّ َ َ ٰ َ َ ٓ َ َ ٗ َ َ َ َ
َول ِلَ ۡهد َِي ُه ۡم َط ِريقا 168إِل ط ِريق جهنم خ ِلِين فِيها أبداۚ وكن
ٱللِ يَس ٗ َ ٰ َ َ َ َّ
ِريا.(((﴾169 ذل ِك ع
ّ
ٱللِ كذ ِٗبا ِلُض َّل ٱنلَّ ََ َ
َ َ ۡ ۡ ُ َّ ۡ َ َ ٰ َ َّ َ َ
اس ِ )(3وقال تعاىل﴿ :فمن أظلم مِم ِن ٱفتى ع
ني.(((﴾144 ٱلظٰلِم َ ۡ َ ۡ َ َّ
م و ق ٱل ِي د ٱلل َل َي ۡ
ه َ َ ۡ ۡ َّ َّ
ي عِل ٍ ۚم إِن
َ
ِ
ْ َّ ۡ بِغ ِ
َ َ ُ َ َّ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ّ َ ّ َ َ ُ
ت )ُ (4وقال تعاىل﴿ :فبِظل ٖم مِن ٱلِين هادوا حرمنا علي ِهم طيِبٰ ٍ
ريا.(((﴾160 ٱللِ َكث ِ ٗ َّ
يل ب ت ل َ ُه ۡم َوب َص ّ ِده ِۡم َعن َ
س أح َِّل ۡ
ِ ِ ِ
ك لَه ُمُ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ َ ۡ ُ ٓ ْ َ ٰ َ ُ ُ ۡ ُ ْ َ ٰٓ َ
وقال تعاىل﴿ :ٱلِين ءامنوا ولم يلبِسوا إِيمنهم بِظل ٍم أولئ ِ َ ۡ
)(5
َ ُ
ٱل ۡم ُن َوهم ُّم ۡه َت ُدون.(((﴾82
َ َّ َ َ َ َ ُ ْ َ ٰ َ ً َ ۡ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ َ ُ ۡ َ َ ُ ْ
حشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا )(6وقال تعاىل﴿ :وٱلِين إِذا فعلوا ف ِ
َّ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ ُ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُّ ُ َ َّ َّ ُ َ َ ۡ ُ ُّ ْ
صوا ٱلل فٱستغفروا ِلنوب ِ ِهم ومن يغفِر ٱذلنوب إِل ٱلل ولم ي ِ
َ َ َ َٰ َ ُ ْ ُ
ع َما ف َعلوا َوه ۡم َي ۡعل ُمون.(((﴾135
النحل.61 : (((
النساء.169 -168 : (( (
األنعام.144 : (((
النساء.160 : (( (
األنعام.82 : (((
آل عمران.135 : (( (
171
َّ َۡ
ٱلس ٓوءِ م َِن ٱلق ۡو ِل إِل َمن ٱلل ۡ َ
ٱل ۡه َر ب ُّ َّ
﴿۞ل ُي ُّ
ِب َّ ُ )(7وقال سبحانه:
ِ
ً ً ُظل َِم َو َك َن َّ ُ
ٱلل َس ِميعا َعل ِيما.(((﴾148 ۚ
قبسات نبوية:
)(1عن أيب ذر عن النبي فيام يرويه عن ربه
ْس، عل نَف ِت الظُّلْ َم َ ح َّر ْم ُ
إن َ أنه قال(( :يا ِع َبا ِدي ِّ
ح َّرماً ،فال تَظَالَ ُموا.((())... ك ْم ُم َ ج َعلْتُ ُه ب ْي َن ُ
َو َ
)(2عن جابر بن عبد هللا أ َّن رسول هللا قال(( :اتَّقُوا
الظُّلْ َم ،فإ َّن الظُّلْ َم ظُلُامتٌ يَو َم ال ِقيا َم ِة))(((.
هللا
)(3عن أيب موىس قال :قال رسول هللا (( :إ َّن َ َ
ََ َ َ ۡ ُ
﴿وكذٰل ِك أخذ خ َذهُ لَ ْم يُ ْفلِتْ ُه)) .قال :ث ّم قرأ لَ ُي ْم ِل لِلظّاَلِ ِم حتَّى إذا أ َ
َ َ
ه َظٰل َِم ٌة ۚ إ َّن أ ۡخ َذهُ ٓۥ أ ِل ٞم َشد ٌ ى َ َّ َ َٓ َ َ ُۡ
ِيد.((((((﴾102 ِ َ ِ و ٰ رَ قربِك إِذا أخذ ٱل
َّ َ َ َ ُ ْ
)(4عن عبد هللا بن مسعود قال :مل َّا نزلت﴿ :ٱلِين ءامنوا
يم ٰ َن ُهم بِظل ٍم﴾((( قلنا :يا رسول هللا أيُّنا ال يظلم
ُ ۡ َول َ ۡم يَ ۡلب ُس ٓوا ْ إ َ
ِ ِ
َۡ َۡ ُ ْٓ َ َ ُ ُ ۡ
((ليس كام تَقُولونَ﴿ ،لم يلبِسوا إِيمٰنهم بِظل ٍم﴾: َ نفسه؟ قال:
َ
ِ ِ ِ َ ٰ ُ َ َّ ُ ۡ ۡ َّ
شك بِٱللِۖ برشك ،أَ َولَ ْم ت َْس َم ُعوا إىل قَ ْو ِل لُق َْم َن لبْنه﴿ :يبن ل ت ِ ٍ
ۡ
ٱلش َك لَ ُظل ٌم َع ِظ ٞ إ َّن ّ ِ ۡ
يم .((())(((﴾23 ِ
النساء.148 : (( (
مسلم.2577 : (((
مسلم.2578 : (((
هود.102 : (((
البخاري ،4686 :مسلم.2583 : (((
األنعام.82 : (((
لقامن.13 : (( (
البخاري ،3429 :مسلم.124 : (((
172
الص َّديق أنّه قال لرسول هللا : )(5عن أيب بك ٍر ِّ
تإن ظَلَ ْم ُ علِّمني دعا ًء أدعو به يف صاليت ،قال(( :ق ُْل :الل ُه َّم ِّ
ْت ،فَا ْغ ِف ْر يل َم ْغ ِف َر ًة ِمنُوب إلَّ أن َ ول يَ ْغ ِف ُر ال ُّذن َ
ْس ظُلْامً كَ ِثريا ًَ ،نَف ِ
ْت ال َغفُو ُر ال َّر ِحي ُم))(((.
ح ْم ِني ،إن ََّك أن َ ِع ِ
ند َك ،وا ْر َ
)(6عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا َ (( :من
حلَّلْ ُه منه اليَو َم، ألخي ِه ِمن ِع ْر ِض ِه أَ ْو يش ٍء ،فَلْيَتَ َ َت له َمظْلَ َم ٌة ِ كَان ْ
صالِ ٌح أُ ِخ َذ منه قَ ْب َل أَ ْن ال يَكو َن ِدي َنا ٌر َو َل ِد ْر َه ٌم ،إ ْن كا َن له َع َم ٌل َ
ص ِ
اح ِب ِه ات َح َس َناتٌ أُ ِخ َذ ِمن َس ِّيئَ ِ ك ْن له َ ب َق ْد ِر َمظْلَ َم ِت ِه ،وإ ْن لَ ْم تَ ُ
ح ِم َل عليه))(((. فَ ُ
اك خ َْص أَ َ
أنس قال :قال رسول هللا (( :ان ُ ْ )(7عن ٍ
ظَالِامً أَ ْو َمظْلُوماً)) ،قالوا :يا رسول هللا هذا ننرصه مظلوماً فكيف
خ ُذ فَ ْو َق يَ َديْ ِه))(((. ننرصه ظاملاً؟ قال(( :تَأْ ُ
ٍ
دعوات بي قال(( :ثالثُ )(8عن أيب هريرة أ َّن ال َّن َّ
الوالد ،ودعو ُة املسافرِ ،ودعو ُة ِ شك فيه َّن :دعو ُة مستجاباتٌ ال َّ
املظلوم))(((.
ِ
أمثلة تطبيقية:
ٍ
أويس ا َّدعت عىل سعيد عن هشام بن عروة ،عن أبيه :أ َّن أروى بنت
زيد أنَّه أخذ شيئاً من أرضها ،فخاصمته إىل مروان بن الحكم،بن ٍ
البخاري ،834 :مسلم.2705 : (((
البخاري.2449 : (((
البخاري ،2444 :مسلم.2584 : (((
أبو داود ،1536 :والرتمذي ،3448 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.3033 : (( (
173
فقال سعي ٌد :أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول
هللا ؟ قال :وما سمعت من رسول هللا ؟ قال:
سمعت رسول هللا يقولَ (( :من أَ َ
خ َذ ِش ْبا ً ِم َن األ ْر ِ
ض ظُلْامً،
ني)) ،فقال له مروان :ال أسألك ب ِّين ًة بعد هذا ،فقال: طُ ِّوقَ ُه إىل َس ْبعِ أَ َر ِض َ
الله َّم إن كانت كاذب ًة فع ِّم برصها واقتلها يف أرضها ،قال :فام ماتت
حتَّى ذهب برصها ،ث َّم بينا هي متيش يف أرضها إذ وقعت يف حفر ٍة
فامتت(((..
أقوال مضيئة:
)(1قال شيخ اإلسالم ابن تيمية« :إن الناس مل يتنازعوا يف أن عاقبة
الظلم وخيمة وعاقبة العدل كرمية ،ولهذا يروى :هللا ينرص
الدولة العادلة وإن كانت كافرة ،وال ينرص الدولة الظاملة وإن
كانت مؤمنة»(((.
)(2يقول الشيخ محمد بن يحيى الزبيدي« :املظلوم إذا شكا إىل هللا
فيحب هللا ّ تعاىل اقتىض عدل هللا اإليقاع بظامله،
أن يجهر املظلوم بالشّ كوى ،ليكون املق ّدر واإليقاع بالظّامل
مبسوط العذر عند الخلق ،وزاجرا ً ألمثاله عن أمثال فاعله ،وإنّ ا
ملك ّلل ،فال اعرتاض ميهل الظّامل من جهة أ ّن الخلقٌ ...
خر اإليقاع عليه ،فلوال هذه الحالة ملا كنت أطمع للظّامل أن يؤ ّ
به طرفة عنيٍ»(((.
174
)(3قال ابن الجوزي« :الظُّلم يشتمل عىل معصيتني :أخذ مال الغري
ب باملخالفة ،واملعصية فيه أش ّد من غريها؛حق ،ومبارزة ال ّر ّ
بغري ّ
ألنّه ال يقع غالباً إلّ بالضّ عيف الّذي ال يقدر عىل االنتصار .وإنّ ا
ينشأ الظّلم عن ظلمة القلب؛ ألنّه لو استنار بنور الهدى العترب،
فإذا سعى املتّقون بنورهم الّذي حصل لهم بسبب التّقوى اكتنفت
ظلامت الظّلم الظّامل حيث ال يغني عنه ظلمه شيئاً»(((.
)(4قال ابن القيم« :اإلنسان خلق يف األصل ظلوما جهوال ،وال ينفك
عن الجهل والظلم إال بأن يعلمه هللا ما ينفعه ويلهمه رشده ،فمن
أراد به خريا علمه ما ينفعه فخرج به من الجهل ،ونفعه مبا علمه
فخرج به عن الظلم ،ومن مل يرد به خريا أبقاه عىل أصل الخلقة.
فأصل كل خري هو العلم والعدل ،وأصل كل رش هو الجهل
والظلم»(((.
)(5وقال أيضا« :والظلم عند هللا يوم القيامة له دواوين ثالثة :ديوان
ال يغفر هللا منه شيئا وهو الرشك به ،فإن هللا ال يغفر أن يرشك
به ،وديوان ال يرتك هللا منه شيئاً وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً،
فإن هللا تعاىل يستوفيه كله ،وديوان ال يعبأ هللا به وهو ظلم العبد
نفسه بينه وبني ربه ،فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأرسعها
محوا ً ،فإنه ميحى بالتوبة واالستغفار ،والحسنات املاحية
واملصائب املكفرة ونحو ذلك ،بخالف ديوان الرشك فإنه ال
ميحى إال بالتوحيد ،وديوان املظامل ال ميحى إال بالخروج منها
إىل أربابها واستحاللهم منها»(((.
(( ( فتح الباري .121/5
((( إغاثة اللهفان 137-136/2 :بترصف.
((( الوابل الصيب.33 :
175
مراجع ُم ِعينة:
)(1طريق الهجرتني ،البن القيم.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
176
النفاق
النفاق :أن يظهر املرء خالف ما يبطنه.
والنفاق نوعان:
)(1اعتقادي ،يخرج صاحبه من اإلسالم ،ويخلده يف النار ،وهو:
إظهار اإلسالم وإبطان الكفر .واملنافقون أشد رضرا ً عىل املسلمني
من اليهود والنصارى.
)(2عميل ،يقع فيه بعض املسلمني باالتصاف ببعض أخالق املنافقني.
عناصر مقترحة:
)(1حقيقة النفاق.
)(2أنواع النفاق.
)(3تاريخ النفاق واملنافقني.
)(4أسباب ظهور النفاق وكرثته.
)(5مكائد املنافقني (من القرآن والسنة والواقع).
)(6األمثلة املرضوبة للمنافقني يف القرآن الكريم.
)(7صفات املنافقني.
)(8مخاطر النفاق.
)(9النفاق العميل (األصغر).
)(10سبيل النجاة من النفاق( :الخوف من النفاق ،إخالص النية
هلل ،إصالح القلب والرسيرة ،العناية بأعامل الرس وإخفاء
177
العمل الصالح ،سؤال هللا الهداية بصدق واإللحاح عليه،
العمل بالعلم.)...
)(11حول مواجهة كيد املنافقني( :االستعانة باهلل ،الثقة بنرصه،
االنضباط الرشعي ،تجنب ردات األفعال ،العناية بتحقيق اإلميان
علامً وعمالً ،فضح أخالق املنافقني وصفاتهم وأفعالهم من القرآن
والسنة والتاريخ ،تخصص بعض املسلمني يف مواجهتهم.)...
هدايات قرآنية:
َ َ ٓ َ ۡ َ ُ َ َ ُ ْ َ ۡ َ ُ َّ َ َ ُ ُ َّ
)(1قال تعاىل﴿ :إِذا جا َءك ٱل ُمنٰفِقون قالوا نشهد إِنك ل َرسول ٱللِۗ
َ َّ ُ َ ۡ َ ُ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َ َّ ُ َ ۡ َ ُ َّ ۡ ُ َ ٰ َ َ َ ٰ ُ َ
وٱلل يع َلم إِنك لرسولۥ وٱلل يشهد إِن ٱلمنفِقِني لكذِبون1
َّ َّ ُ ۡ َ ٓ َ َ َ ُ ْ ٱتَ ُذ ٓوا ْ أيۡ َم ٰ َن ُه ۡم ُج َّن ٗة فَ َص ُّدوا ْ َعن َ َّ
يل ٱللِۚ إِنهم ساء ما كنوا ب س
ع قُلُوبهمۡ َ َ َ َّ ُ ۡ َ َ ُ ْ ُ َّ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ُ َ َ َٰ ََُۡ َ
ع ِ بط ف وا ر ف ك م ث وا ن ام ء م ه نأ ِ ب ِك لٰ ذ 2 ون يعمل
َ ُ ِ ُِ ْ ك أ ۡج َس ُ َ َ َُۡ ۡ ُۡ ُ َ َ َ َ َ ۡ َ َ
ام ُه ۡمۖ ِإَون يقولوا جبون َِ۞ 3إَوذا رأيتهم تع ِ ف ُه ۡم ل َيفق ُه
َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ ۡ َ َّ ُ ۡ ُ ُ َّ ُ َ ُ َ ۡ َ ٞ َ َّ َ ُّ ٞ
ح ٍة َعل ۡي ِه ۡ ۚم ك َص ۡي َ تسمع ل ِقول ِ ِهمۖ كأنهم خشب مسندة ۖ يسبون
ِيل لَه ۡمُ َ َ ُ ُ ۡ َ ُ ُّ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ ٰ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َّ ٰ ُ ۡ َ ُ َ
هم ٱلعدو فٱحذره ۚم قتلهم ٱللۖ أن يؤفكونِ َ 4إَوذا ق
َ
وس ُه ۡم َو َرأ َ ۡي َت ُه ۡم يَ ُص ُّدون ٱللِ ل َ َّو ۡوا ْ ُر ُء َ َ َ َ ۡ ْ َ ۡ َ ۡ ۡ َ ُ ۡ َ ُ ُ َّ
تعالوا يستغفِر لكم رسول
ۡ َ َ َ َ َ
ونَ 5س َوا ٓ ٌء َعل ۡيه ۡم أ ۡس َتغف ۡر َ
َ ۡ َ ُ ُّ ۡ َ ۡ ُ َ
ت ل ُه ۡم أ ۡم ل ۡم ت ۡس َتغفِ ۡر َِ وهم مستك ِب
ُُ سق َ َ ۡ َ َ ۡ ۡ َّ َّ َ ل َ ُه ۡم لَن َي ۡغفِ َر ُ
َّ
ني 6هم ٱلل ل َيهدِي ٱلق ۡوم ٱلفٰ ِ ِ ٱلل ل ُه ۡم إن َ
ِ ۚ
َّ َ َّ َ َ ُّ ْ
ت ينفض ۗوا ِند َر ُسو ِل ٱللِ ح ٰ ع َم ۡن ع َ ون َل تُنفِ ُقوا ْ َ َ ٰ َّ َ َ ُ ُ َ
ٱلِين يقول
َۡ َ َ ۡ
ۡرض َولٰك َّن ٱل ُم َنٰفق َ َ َ ۡ َو ِ َّلِ َخ َزآئ ُن َّ َ َ
ني ل َيف َق ُهون7 َ ِِ ِ ت َوٱل ِ ٱلسمٰو ٰ ِ ِ
َ ُ ُ َ َ َّ َ ۡ َ ٓ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ َّ ۡ َ ُّ ۡ َ ۡ َ َّ َ َّ
يقولون لئِن رجعنا إِل ٱلمدِينةِ لخ ِرجن ٱلعز مِنها ٱلذل ۚ و ِلِ
َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ٰ َّ ۡ ُ َ ٰ َ َ َ ۡ َ ُ َ ۡ
كن ٱلمنفِقِني ل يعلمون. ﴾8
(((
ولِۦ ول ِلمؤ ِمن ِني ول ِ ٱلعِ َّزةُ َول َِر ُس ِ
178
ُ َّ َ َ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ ْ َ ٰ َ ٓ َ َ َ َّ ُ َ
)(2وقال تعاىلِ﴿ :إَوذا قِيل لهم تعالوا إِل ما أنزل ٱلل ِإَول ٱلرسو ِل
َ َ ۡ َ ۡ ُ َ ٰ َ َ ُ ُّ َ َ َ ُ ُ ٗ
رأيت ٱلمنفِقِني يصدون عنك صدودا. ﴾61
(((
َ َّ ۡ ُ َ ٰ َ ُ َ ٰ ُ َ َّ َ ُ َ ُ
ٱلل َوه َو خٰدِع ُه ۡم ِإَوذا )(3وقال سبحانه﴿ :إِن ٱلمنفِقِني يخدِعون
ون َّ َ َ ُ ٓ ْ َ َّ َ ٰ َ ُ ْ ُ َ َ ٰ ُ َ ٓ ُ َ َّ َ َ َ َ ۡ ُ ُ َ
ٱلل قاموا إِل ٱلصلوة ِ قاموا كسال يراءون ٱنلاس ول يذكر
ُّ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ ٰ َ َ ٓ َ ٰ َ ٰٓ ُ َ ٓ َ َ ٓ َ ٰ َ ٰٓ ُ َ ٓ َّ َ ٗ
إِل قل ِيل 142مذبذبِني بي ذل ِك ل إِل هؤلءِ ول إِل هؤلء ِۚ
ٗ َّ ُ َ َ َ َ ََ ُ ۡ
ت َد ُلۥ َسبِيل.(((﴾143 ومن يضل ِِل ٱلل فلن ِ
ٞ
ِين ِف قلوب ِ ِهم َّم َرض َّما
ُُ ون َو َّٱل َ ۡ َ ُ ُ ُۡ َٰ ُ َ
)(4وقال ِ﴿ :إَوذ يقول ٱلمنفِق
َ
ۡ َ َ َّ ٓ َ َ ۡ ٰٓ َ ۡ ُ ۡ ّ ٞ ٗ َ َ َ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ ٓ َّ ُ
وعدنا ٱلل ورسولۥ إِل غروراِ 12إَوذ قالت طائِفة مِنهم يأهل ُ
َ ۡ َ َ ُ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ ُ ْ َ َ ۡ َۡ ٔ ُ َ َ ُ ُ َّ َّ ُ ُ ۡ ّ ٞ
ب َيقولون ِ جع ۚوا ويستذِن ف ِريق مِنهم ٱنل ثب ل مقام لكم فٱر ِ ي ِ
َ َّ ُ ُ َ َّ ُ ُ َ
وت َنا َع ۡو َرة َ ٞو َما ِ َ
يدون إِل ف َِر ٗاراَ 13ول ۡو ه ب ِ َع ۡو َر ٍةۖ إِن ي ِر إِن بي
ُ َ ۡ َ َ ۡ ّ ۡ َ ۡ َ َ ُ َّ ُ ُ ْ ۡ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ
دخِلت علي ِهم مِن أقطارِها ثم سئِلوا ٱلفِتنة ٓأَلتوها وما تلبثوا
ٱل ۡو ُف َر َأ ۡي َت ُهمۡ ك ۡم فَإ َذا َجا ٓ َء ۡ َ َ َّ ً َ َ ۡ ُ ٗ َ َ ٓ َّ
بِها إِل يسِرياَ ...14أشِحة علي ۖ ِ
َ ُ ُ َ َ ۡ َ َ ُ ُ ۡ ُ ُ ُ ۡ َ َّ ُ ۡ َ ٰ َ ۡ َ َ ۡ َ َ
ۡ َ
ت فإِذا ينظرون إِلك تدور أعينهم كٱلِي يغش عليهِ مِن ٱلمو ِ ۖ
َ َ َّ ً َ َ ۡ َ ۡ ُ ْ َ ٰٓ َ َ َ َ َ َۡ ۡ ُ َ َ ُ ُ َ ۡ
ي ۚ أولئِك ف سلقوكم ب ِ َألسِن ٍة حِدا ٍد أشِحة ع ٱل ِ ذهب ٱلو
َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ۡ ُ ۡ ُ ْ َ ۡ َ َ َّ ُ ۡ َ
ِريا19 ٱللِ يَس ٗ ٱلل أع َمٰل ُه ۡ ۚم َوكن ذٰل ِك ع لم يؤمِنوا فأحبط
َ
اب يَ َو ُّدوا ْ ل َ ۡو أ َّنهمُ ت ٱل ۡح َز َُ ۡ ۡ َ َۡ َ ُ َ َۡ ۡ َ َ َۡ َۡ َُ ْ
يسبون ٱلحزاب لم يذهب ۖوا ِإَون يأ ِ
ِيكم ماَّ ُ ْ َ َۡٔ ُ َ َ ۡ َ َ ٓ ُ ۡ َ ۡ ُ
َ َ َ َۡۡ َ ُ َ
اب يسلون عن أۢنبائِكمۖ ولو كنوا ف بادون ِف ٱلعر ِ
َ َ ُ ٓ ْ َّ َ ٗ
قٰتلوا إِل قل ِيل . ﴾20
(((
179
ون ِل ۡخ َوٰنِه ُم َّٱلِينَ َ َ ۡ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ َ
)(5وقال تعاىل۞﴿ :ألم تر إل ٱلِين نافقوا يقول
َ َ ُ ْ ۡ َ ۡ ۡ َ ِ َ ۡ ُ ۡ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ َ َِّ َ َ ِ ُ ۡ َ َ
ب لئِن أخ ِرجتم لخرجن معكم ول ِ كفروا مِن أه ِل ٱلكِتٰ
ٱلل ي َ ۡش َهدُ ُ ۡ ُ ۡ َ َ ُ َ َّ ُ
ك ۡم َو َّ ُ ُ ۡ َ َ ً ََٗ نُ ِط ُ
يع فِيكم أحدا أب ُدا ِإَون قوت ِلتم لنصن
َ ُ ُ َْ َ ْ َ َۡ ۡ َ َ َّ َ َ
إِن ُه ۡم لكٰذِبُون 11لئ ِ ۡن أخ ِر ُجوا ل يَ ُر ُجون َم َع ُه ۡم َولئِن قوت ِلوا ل
َ ُ ُ َ ُ ۡ َ َ َّ َ ُ ُ ۡ َ ُ َ ُّ َّ ۡ ۡ َ ٰ َ ُ َّ َ ُ َ ُ َ
(((
نصون﴾12 ينصونهم ولئِن نصوهم لولن ٱلدبر ثم ل ي
ََّ ٌ ُ
ِين ِف قلوب ِ ِهم َّم َرض غر
ُ ون َو َّٱل َ
ۡ َ ُ ُ ُۡ َٰ ُ َ
)(6وقال تعاىل﴿ :إِذ يقول ٱلمنفِق
ٞ َ ٌ َ َ َّ َّ َ َ ٰٓ ُ َ ٓ ِ ُ ُ ۡ َ َ َ َ َ َّ ۡ َ َ َّ
هؤلء دِينهمۗ ومن يتوك ع ٱللِ فإِن ٱلل ع ِزيز حكِيم. ﴾49
(((
قبسات نبوية:
)(1عن ابن ُعمر عن النبي قالَ (( :مث َُل
وإل
هذه َم َّر ًة َ ري إىل ِ ي ت َ ِع ُ امل ُنا ِفقِ ،كَ َمثَلِ الشَّ ا ِة العائِ َر ِة ْ َ
بي ال َغ َن َم ْ ِ
ِ
هذه َ م َّرةً))(((.
رسول خدري أن رجاالً من امل ُنافقني عىل عهد ُ )(2عن أيب سعيد ال ُ
ول هللا إىل الغزو رس ُ هللا كان إذا خرج ُ
رسول هللا ، حوا مبقعدهم خالف ُ تخلفُوا عن ُه وفر ُ
ول هللا اعتذ ُروا إليه وحلفُوا ،وأحبوا أن رس ُفإذا قدم ُ
َ َ ۡ َ َ َّ َّ َ َ ۡ َ ُ َ َ ٓ
َيُحم ُدوا مبا مل َ يفعلُوا ،فنزلت﴿ :ل تسب ٱلِين يفرحون بِما
َُۡ ُ ْ َ َۡ َۡ َ ُ ْ ََ َۡ
ت َسبَ َّن ُهم ب َم َف َ َ ْ َّ ُ ُّ َ
ازة ٖ ّم َِن ِ ل ف وا ل ع ف ي م ل ام ب
َ ِوادم ي ن أ ون حب
أتوا وي ِ
اب أ ِل ٞم (((﴾188اآلية»(((. ۡٱل َع َذاب َول ُه ۡم َعذ ٌ
َ َ
ِۖ
180
ص َل ٌة ((ليس ََ )(3عن أيب ُهريرة قال :قال النبي :
ج ِر وال ِعشَ ا ِء ،ولو يَ ْعلَ ُمو َن ما ِفيهِام ني ِم َن ال َف ْ عل امل ُ َنا ِف ِق َ أثْق ََل َ
ت أ ْن آ ُم َر امل ُ َؤ ِّذنَ ،ف ُي ِقي َم ،ث ُ َّم آ ُم َر ح ْبوا ً ،ل َق ْد َه َم ْم ُ َلَت َ ْو ُهام ولو َ
ج خ ُر ُ عل َمن ال يَ ْ ح ِّر َق َ خ َذ شُ َعالً ِمن نَارٍ ،فَأُ َ اس ،ث ُ َّم آ ُ جالً يَ ُؤ ُّم ال َّن َ َر ُ
الص َل ِة بَ ْع ُد))(((. إىل َّ
)(4عن أيب ُموىس عن النبي قال(( :امل ُ ْؤ ِم ُن الذي يَ ْق َرأُ
ب، حها طَ ِّي ٌ ب ورِي ُ ج ِة ،طَ ْع ُمها طَ ِّي ٌ ال ُق ْرآ َن ويَ ْع َم ُل ب ِه :كاألُتْ ُر َّ
ب وامل ُ ْؤ ِم ُن الذي ال يَ ْق َرأُ ال ُق ْرآنَ ،ويَ ْع َم ُل ب ِه :كالتَّ ْم َر ِة طَ ْع ُمها طَيِّ ٌ
حها ِيح لَها ،و َمث َُل امل ُنا ِفقِ الذي يَ ْق َرأُ ال ُق ْرآنَ :كال َّريْحانَ ِة رِي ُ وال ر َ
ح ْنظَلَ ِة، ب وطَ ْع ُمها ُم ٌّر ،و َمث َُل امل ُنا ِفقِ الذي ال يَ ْق َرأُ ال ُق ْرآنَ :كال َ طَ ِّي ٌ
حها ُم ٌّر))(((. خبِيثٌ -ورِي ُ طَ ْع ُمها ُم ٌّر -أ ْو َ
نتحامل ،فجاء ُ )(5عن أيب مس ُعود قال« :ملا أُمرنا بالصدقة كُنا
أبُو عقيل بنصف صاع ،وجاء إنسا ٌن بأكرث من ُه ،فقال امل ُنافقُون:
إن هللا لغني عن صدقة هذا ،وما فعل هذا اآلخ ُر إال رئا ًء ،فنزلت:
ِينت َو َّٱل َ َّ َ َ ۡ ۡ َ َ
ِين يَل ِم ُزون ٱل ُم َّط ّوِعِني م َِن ٱل ُمؤ ِمن ِني ِف ٱلصدق ٰ ِ
َ ۡ َّ َ ۡ
﴿ٱل
َ ۡ
ٱلل مِن ُه ۡم َول ُهمۡ َّ
خ َر ُ َ ۡ ُ ۡ َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ ۡ ُ َّ َ ُ َ َ
يد َون إِل جهدهم فيسخرون مِنهم س ِ ل ِ
اب أ ِل ٌم (((﴾79اآلية»(((. َع َذ ٌ
رسول هللا قال« :إن )(6عن ُعمر بن الخطاب أن ُ
أخاف عىل أُمتي كُل ُمنافق عليم اللسان»(((. ُ أخوف ما
181
)(7عن عبد هللا بن عمرو أن النبي قال(( :أَ ْربَ ٌع َمن كُ َّن
َت فيه صلَ ٌة منه َّن كَان ْخ ْ
َت فيه َ خالِصاً ،و َمن كَان ْ فيه كا َن ُم َنا ِفقاً َ
َب، ح َّدثَ كَذ َ صلَ ٌة ِم َن ال ِّنفَاقِ حتَّى يَ َد َع َها :إذَا اؤْتُ ِ َن َ
خانَ ،وإذَا َ خ ْ
َ
ج َر))(((. اص َم فَ َ
خ َ وإذَا َعا َه َد َغ َد َر ،وإذَا َ
أمثلة تطبيقية:
ٌ
إكاف )(1عن أُسام ُة ب ُن زيد أن النبي ركب حامرا ً عليه
تحت ُه قطيف ٌة فدكي ٌة ،وأردف وراء ُه أُسامة بن زيد ،و ُهو ي ُعو ُد
سعد بن ُعبادة يف بني الحارث بن الخزرج وذلك قبل وقعة بدر،
ط من امل ُسلمني وامل ُرشكني عبدة حتى مر يف مجلس فيه أخال ٌ
األوثان والي ُهود ،وفيهم عب ُد هللا ب ُن أُيب بنِ سلُول ،ويف املجلس
عب ُد هللا ب ُن رواحة ،فلام غشيت املجلس عجاج ُة الدابة خمر
ربوا علينا ،فسلم عليهم عب ُد هللا ب ُن أُيب أنف ُه بردائه ث ُم قال :ال ت ُغ ُ
النبي ،ث ُم وقف فنزل فدعا ُهم إىل هللا وقرأ عليهم
القُرآن ،فقال عب ُد هللا ب ُن أُيب ب ُن سلُول :أيها املر ُء ال أحسن من هذا
ُول حقا ،فال تُؤذنا يف مجالسنا وارجع إىل رحلك، إن كان ما تق ُ
فاقصص عليه .قال عب ُد هللا ب ُن رواحة :اغشنا يف ُ فمن جاءك منا
مجالسنا فإنا نُحب ذلك ،فاستب امل ُسل ُمون وامل ُرشكُون والي ُهو ُد،
حتى هموا أن يتواث ُبوا ،فلم يزل النبي يُخفضُ ُهم ،ث ُم
ركب دابت ُه حتى دخل عىل سعد بن ُعبادة فقال :أي سع ُد أمل
حباب؟ -يري ُد عبد هللا بن أُيب -قال كذا تسمع إىل ما قال أبُو ُ
((( البخاري ،34 :ومسلم.58 :
182
واصفح ،فوهللا لقد أعطاك رسول هللا ْ اعف عن ُه يا ُ
وكذا ،قالُ :
جو ُه أهل هذه البحرة عىل أن يُت ِّو ُ هللا الذي أعطاك ،ولقد اصطلح ُ ُ
ش َق هللا ذلك بالحق الذي أعطاك َ َ ف ُيعص ُبون ُه بالعصابة ،فلام رد ُ
بذلك ،فذلك فَ َعل به ما رأيت ،فعفا عن ُه النبي .(((»
)(2قال رسول هللا للجد بن قيس -أخي بني سلمة -ملا
أراد الخروج إىل تبوك(( :يا ج ُّد هل لك يف جالد بني األصفر،
تتخد منهم رساري ووصفاء)) ،فقال الجد :قد عرف قومي أين
مغرم بالنساء ،وإين أخىش إن رأيت بني األصفر أال أصرب عنهن
فال تفتني وا ْذن يل يف القعود وأعينك مبايل ،فأعرض عنه رسول هللا
﴿وم ِۡن ُهم وقال(( :قد أذنت لك)) فنزلت هذه اآليةَ :
ۡ ۡ َ َ َ ُ ْ َّ
ِإَون َج َه َّنمَ َّ َ ُ ُ ۡ َ ّ َ َ َ ۡ ّ َ َ
من يقول ٱئذن ِل ول تفت ِ ِ ٓ
ن ۚ أل ِف ٱلفِتنةِ سقط ۗوا
ۡ َ
كٰفِر َ ح َ لَ ُ
ين .(((ƞ(((﴾49 ِ ٱلِ ب ُۢةيط ِ م
)(3قصة مسجد الرضار .وخالصتها :أن أبا عامر الراهب -الذي سامه
الرسول بـ(الفاسق) وكان قد تنرص يف الجاهلية -ترك املدينة بعد
هجرة الرسول إليها وانحاز إىل املرشكني يف مكة،
وقدم معهم إىل حرب املسلمني يف غزوة أحد ،ثم ذهب إىل هرقل
ملك الروم يستنرصه عىل محمد وصحبه ،فوعده
ومناه ،وأقام عنده وكتب إىل جامعة من قومه من األنصار من
أهل النفاق والريب يعدهم ومينيهم؛ أنه سيقدم بجيش يقاتل به
183
الرسول ويغلبه ،وأمرهم أن يتخذوا له معقالً يقدم
عليهم فيه من يقدم من عنده إليصال كتبه ،ويكون مرصدا ً له إذا
قدم عليهم بعد ذلك .فبنى املتآمرون مسجدا مجاورا ملسجد قباء
قبل أن يذهب الرسول إىل تبوك ،وجاءوا إىل الرسول
فسألوه أن يأيت إليهم فيصيل يف مسجدهم ،وذكروا
أنهم بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة والحاجة يف الليلة املطرية،
فعصمه هللا من الصالة فيه ،وقال لهم :إين عىل جناح سفر ولو
قد قدمنا -إن شاء هللا -ألتيناكم فصلينا لكم فيه .وملا قفل النبي
راجعاً من تبوك إىل املدينة ومل يبق بينه وبني املدينة
إال يوم أو بعض يوم ،نزل جربيل بخرب مسجد الرضار
وما أُعد له هذا املسجد .فدعا الرسول صحابيني من
أصحابه وقال لهام :انطلقا إىل هذا املسجد الظامل أهله فاهدماه
وحرقاه .ففعال ما أمر به الرسول وماتت املكيدة
يف مهدها(((..
أقوال مضيئة:
خ ُل عىل ُسلطاننا فنق ُ
ُول ل ُهم ناس البن ُعمر « :إنا ند ُ )(1قال أُ ٌ
خالف ما نتكل ُم إذا خرجنا من عندهم ،قال :كُنا ن ُعدها نفاقاً»(((.
)(2عن عبد هللا بن مسعود قال« :من رس ُه أن يلقى هللا غدا ً
ُمسلامً فليُحافظ عىل ه ُؤالء الصلوات حيثُ يُنادى بهن؛ فإن هللا
184
رشع لنبيكُم ُ سنن ال ُهدى ،وإن ُهن من ُسنن ال ُهدى،
ُتخلف يف بيته
ولو أنكُم صليتُم يف بُيُوتكُم كام يُصيل هذا امل ُ
جل لرتكتُم ُسنة نبيكُم ،ولو تركتُم ُسنة نبيكُم لضللتُم ،وما من ر ُ
يتطه ُر ف ُيحس ُن الط ُهور ث ُم يعم ُد إىل مسجد من هذه املساجد
هللا ل ُه بكُل خطوة يخطُوها حسن ًة ،ويرف ُع ُه بها درج ًة إال كتب ُ
نافق
يتخلف عنها إال ُم ٌُ حط عن ُه بها سيئ ًة ،ولقد رأيتُنا وماوي ُ
جلني حتى ج ُل يُؤىت به يُهادى بني الر ُ معلُو ُم النفاق ،ولقد كان الر ُ
يُقام يف الصف»(((.
)(3قال ابن رجب« :وهو يف الرشع ينقسم إىل قسمني ،أحدهام:
وهو أن يظهر اإلنسان اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله
واليوم اآلخر ،ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ،وهذا هو
النفاق الذي كان عىل عهد رسول هللا ،ونزل القرآن
بذم أهله وتكفريهم ،وأخرب أن أهله يف الدرك األسفل من النار.
والثاين :النفاق األصغر وهو نفاق العمل ،وهو أن يظهر اإلنسان
عالنية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك ،وأصول هذا النفاق يرجع
إىل الخصال املذكورة يف هذه األحاديث»(((.
)(4وقال أيضا« :ومن أعظم خصال النفاق العميل أن يعمل اإلنسان
عمال ويظهر أنه قصد به الخري وإمنا عمله ليتوصل به إىل غرض
له سييء ،فيتم له ذلك ويتوصل بهذه الخديعة إىل غرضه ،ويفرح
مبكره وخداعه وحمد الناس له عىل ما أظهره ،ويتوصل به إىل
((( مسلم.654 :
(( ( جامع العلوم والحكم.431-430/1 :
185
غرضه السييء الذي أبطنه ،وهذا قد حكاه هللا يف القرآن عن
املنافقني واليهود ،فحىك عن املنافقني أنهم اتخذوا مسجدا ً رضارا ً
وكفرا ً وتفريقاً بني املؤمنني وإرصادا ً ملن حارب هللا ورسوله
ٱلل ي َ ۡش َه ُد إ َّن ُهمۡ
ن َو َّ ُ ٱل ۡس َ
ُ َ َ َ ۡ ُ َّ ۡ َ َ ۡ َ ٓ َّ ۡ
ِ ۖ ٰ من قبل﴿ ،ولحل ِفن إِن أردنا إِل
َ َ َ ََّ َّ َ ۡ ۡ َ َ َ َ
ين َيف َر ُحون لكٰذِبُون ،(((﴾107وأنزل يف اليهود﴿ :ل تسب ِ
ٱل
ت َسبَ َّن ُهم ب َم َفازةَ َ ٓ َ َ ْ َّ ُ ُّ َ َ ُ ۡ َ ُ ْ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ َ َ َ ۡ
ٖ ِ حبون أن يمدوا بِما لم يفعلوا فل بِما أتوا وي ِ
َ ّم َِن ۡٱل َع َذاب َول ُه ۡم َعذ ٌ
َ َ
اب أ ِل ٞم .(((»(((﴾188 ِۖ
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3مدارج السالكني ،البن القيم.
186
االستهزاء
هو الهزء والسخرية احتقارا ً وتنقصاً ،أو تندرا ً أو تفكهاً.
وهو نوعان:
)(1االستهزاء بالحق وأهله ،وهذا كفر.
)(2االستهزاء بالناس عموماً ،وهذا محرم من كبائر الذنوب .وهو
دليل الكرب والخيالء ،واحتقار الناس وتنقصهم.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
َُ ٞ َ ٞ َ َ َّ
.أالدين جد ،ال هزل ﴿إِن ُهۥ لق ۡول ف ۡصل َ 13و َما هو
ۡ َ ۡ
بِٱلهز ِل. ﴾14
(((
187
)(6دوافع املستهزئني.
)(7دالالت االستهزاء( :الكرب ،االعرتاض عىل رشع هللا وخلقه.)..
)(8آثار االستهزاء (تقليل الخري وإضعاف أهله ،تكثري الرش وتقوية
أهله.)..،
)(9ملاذا كفر املستهزئون بالصحابة ؟
)(10عاقبة املستهزئني.
)(11النجاة من االستهزاء( :تعظيم هللا ورشعه ،الحذر من املزاح مبا
يتصل بالرشيعة ،تقدير أهل العلم والصالح ،تجنب مجالسة
الهازلني.)..
هدايات قرآنية:
َّ َ ُ ْ ُ ّ َ َ ۡ ً ََ ۡ َ َ َۡ
َّ َ
ول إِل كنوا )(1وقال سبحانه﴿ :يٰحسة ع ٱلعِبادِ ۚ ما يأتِي ِهم مِن رس ٍ
َ
بِهِۦ ي َ ۡس َت ۡه ِز ُءون.(((﴾30
اق ب َّٱل َ
ِين
ۡ ُۡ َ ُُ ّ َۡ َ َ َ َ
ح ف ِك ل بق ِن
م ل سر ب ئ ز ه ت ٱس د
ِ
َََ
ق )(2وقال ﴿ :ول
ِ ِ ِ ٖ
َ ْ ُ َ ْ ۡ
خ ُروا مِن ُهم َّما كنوا بِهِۦ ي َ ۡس َت ۡه ِز ُءون.(((﴾41 َس ِ
َّ َّ َ َ ۡ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َّ َ َ َ ُ ْ
)(3قال سبحانه﴿ :إِن ٱلِين أجرموا كنوا مِن ٱلِين ءامنوا
َ َ َُ ْٓ َ َ ۡ ُ َ َُ ْ َ ۡ َ ُ َ
ل أهل ِ ِهم ٱنقلبوا ون 29المطففني ِ 30إَوذا ٱنقلبوا إ ِ ٰٓ يضحك
ََ ٓ ُۡ ُ ْ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ُ ٓ ْ َّ َ ٰٓ ُ َ ٓ َ َ ُّ َ كه َ َ
نيِ 31إَوذا رأوهم قالوا إِن هؤلءِ لضٓالون 32وما أرسِلوا ف ِِ
حٰفظ َ َ ََ
ني.(((﴾33 عل ۡي ِه ۡم ِ ِ
188
ٰ َ َ ۡ َ َّ َ َ َ ۡ ُ ۡ ۡ َ ٰ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ
ت ب أن إِذا س ِمعتم ءاي ِ )(4وقال ﴿ :وقد نزل عليكم ِف ٱلكِت ِ
َّ ُ ۡ َ ُ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َ َ ُ ۡ َ َّ َ ُ ُ ْ
ت يوضوا ٱللِ يكفر بِها ويستهزأ بِها فل تقعدوا معهم ح ٰ
نيٱلل َجام ُِع ٱل ۡ ُم َنٰفق َ ك ۡم إ ٗذا ّم ِۡثلُ ُه ۡم إ َّن َّ َ َ ۡ ٓ َّ ُ
يه ِۦ إِن َ
ِِ ۗ ِ ِ ِيث غ ِ
ِف حد ٍ
َ ً َ ۡ َ
ين ِف َج َه َّن َم جِيعا.(((﴾140 كٰفِر َ
ِ وٱل
َ
َ ۡ َ ُ ُ َ ٰ ُ َ ُ َ َّ َ ۡ ۡ ُ َ َ ُ ٞ َ َ ۡ
ورة تن ّب ِ ُئ ُهم ب ِ َما ِف )(5قال تعاىل﴿ :يذر ٱلمنفِقون أن تنل علي ِهم س
ۡ َ َ َۡ َ َ ُ ُ ۡ ُ ۡ َ ۡ ُ ٓ ْ َّ َّ َ ُ ۡ ٞ
ٱلل م ِرج َّما تذ ُرونَ 64ولئِن َسألَ ُه ۡم قلوب ِ ِه ۚم ق ِل ٱسته ِزءوا إِن
ولِۦ ُك ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ ُ َّ َ ُ ُ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ
نت ۡم ب قل أبِٱللِ َو َءايٰتِهِۦ َو َر ُس ِ لقولن إِنما كنا نوض ونلع ۚ
َّ ُ َۡ َۡ ُ َ َ ََۡ ُ ْ َۡ َ َُۡ َۡ َ َ ُ
يمٰن ِك ۡ ۚم إِن ن ۡعف تسته ِزءون 65ل تعتذِروا قد كف َرتم بعد إ ِ
مرم َ َّ ُ ۡ َ ُ ْ ُ ۡ َ َ ٓ َ ّ ُ ۡ َُ ّ ۡ َ ٓ َ
ِني.(((﴾66 َّ ِ وا ن ك م ه ن أعن طائِف ٖة مِنكم نعذِب طائ ِ ِ
ب َۢة ف
َ َۡ ُ َ
ِين ي َعلون َم َع ِين 95ٱل ك ٱل ۡ ُم ۡس َت ۡهزء َ َّ َ َ ۡ َ ٰ َ
)(6وقال ﴿ :إِنا كفين
ِ
َ َ َّ َ ً َ َ َ
ٱللِ إِلٰها َءاخ َر ۚ ف َس ۡوف َي ۡعل ُمون.(((﴾96
خ ۡر قَ ۡومّ ٞمِن قَ ۡو ٍم َع َسٰٓ َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ َ
)(7وقال سبحانه﴿ :يأيها ٱلِين ءامنوا ل يس
ك َّن َخ ۡياٗ َ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ۡٗ ّ ۡ ُ ۡ ََ َ ٓ ٓ َّ ّ ٞ
ٰٓ
أن يكونوا خيا مِنهم ول ن ِساء مِن ن ِسا ٍء عس أن ي
ۡ ّ ۡ ُ َّ َ َ َ ۡ ُ ٓ ْ َ ُ َ ُ ۡ َ َ َ َ َ ُ ْ ۡ َ ۡ َ
ٱل ۡس ُم ب بِئ َس ِ ٰ
مِنهنۖ ول تل ِمزوا أنفسكم ول تن ُابزوا بِٱلل ِ ۖ
ق
ۡ ُ ُ ُ َ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ َّ ۡ َ ُ ۡ َ ْ َ ٰٓ َ ُ ُ َّ ٰ ُ َ
ٱليم ِ ۚن ومن لم يتب فأولئِك هم ٱلظل ِمون. ﴾11
(((
ٱلفسوق بعد ِ
قبسات نبوية:
)(1عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا ...(( :
ح ِق ُرهُ التَّ ْق َوى خو امل ُْسلِ ِم ،ال يَظْلِ ُم ُه وال يَ ْ
خ ُذلُ ُه ،وال يَ ْ امل ُْسلِ ُم أ ُ
النساء.140 : (( (
التوبة.66 -64 : (((
الحجر.96-95 : (((
الحجرات.11 : (( (
189
ب ا ْمرِئٍ ِم َن َّ ِّ
الش أ ْن ح ْس ِات ب َ ص ْدر ِِه ث َالثَ َم َّر ٍري إىل َ ها ُهنا ويُ ِش ُ
حرا ٌمَ ،د ُم ُه ،ومالُ ُه، عل امل ُْسلِ ِم َح ِق َر أخا ُه امل ُْسلِ َم ،ك ُُّل امل ُْسلِ ِم َ يَ ْ
و ِع ْرضُ ُه))(((.
)(2عن أيب جبرية بن الضحاك قال :فينا نزلت هذه اآلية يف بني سلمة:
يم ٰ ِن﴾ وق َب ۡع َد ۡٱل َ
ۡ ُ ُۡ ُ ُ
س ف ٱل م س ٱلِ س ﴿و َل َت َنابَ ُزوا ْ ب ۡٱلَ ۡل َقٰب ب ۡئ َ
َ
ِۖ ِ ِ
(((
ِ
قال«:قدم علينا رسول هللا وليس منا رجل إال وله
اسامن أو ثالثة ،فجعل النبي يقول(( :يا فالن))،
فيقولون :مه يا رسول هللا إنه يغضب من هذا االسم ،فنزلت هذه
ٰ ََ ََ َُ ْ ۡ ََۡ
ب﴾»(((. اآلية﴿ :ول تنابزوا بِٱلل ِ ۖ
ق
أمثلة تطبيقية:
)(1عن عبد هللا بن عمر قال :قال رجل يف غزوة تبوك يف مجلس:
«مارأيت مثل قرائنا هؤالء ،أرغب بطوناً ،وال أكذب ألسنا ،وال
أجنب عند اللقاء ،فقال رجل يف املسجد :كذبت ،ولكنك منافق،
ألخربن رسول هللا ،فبلغ ذلك رسول هللا ،
ونزل القرآن ،فقال عبد هللا بن عمرو :أنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة
رسول هللا تنكبه الحجارة وهو يقول :يا رسول هللا
ََ
﴿ولئِن إمنا كنا نخوض ونلعب ،ورسول هللا يقول:
َ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ُ ُ َّ َّ َ ُ َّ َ ُ ُ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ َّ َ َ َٰ
ب قل أبِٱللِ وءايتِهِۦ
سألهم لقولن إِنما كنا نوض ونلع ۚ
190
ََ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ
نت ۡم ت ۡس َت ۡه ِز ُءون 65ل ت ۡع َتذ ُِروا ق ۡد كف ۡرتم َب ۡع َد ولِۦ ك َو َر ُس ِ
َ ُ
يمٰن ِك ۡم﴾((( اآليات»(((. إِ
رسول هللا )(2عن ابن عباس قال« :كان قو ٌم يسألُون ُ
ج ُل ُول الر ُج ُل :من أيب؟ ويق ُ ُول الر ُ استهزا ًء ،فيق ُ
َّ َ
يأ ُّي َها ٱل َ
ِين هللا فيهم هذه اآليةٰٓ َ ﴿ :
ناقتي ،فأنزل ُ تضل ناقتُ ُه :أين
ُ َ ۡ ُ َ ُ َ
َْ ََ ُ َ ۡ ٓ
ْ
َء َام ُنوا ل ت ۡ ٔسلوا ع ۡن أش َيا َء إِن ت ۡب َد لك ۡم ت ُسؤك ۡم (((﴾ ....حتى
فرغ من اآلية كُلها»(((.
ول هللا (( :ملا كان ليل ُة رس ُ )(3عن ابن عباس قال :قال ُ
وعرفت أن الناس ُ فظعت بأمري ُ وأصبحت مبكة،
ُ أُرسي يب
ُمكذيب)) ،فقعد ُمعتزالً حزيناً ،قال :فمر ع ُدو هللا أبُو جهل،
فجاء حتى جلس إليه ،فقال ل ُه كامل ُستهزئ :هل كان من يشء؟
ول هللا (( :نعم)) :قال :ما ُهو؟ قال(( :إن ُه رس ُ فقال ُ
أُرسي يب الليلة)) ،قال :إىل أين؟ ،قال(( :إىل بيت املقدس)) ،قال:
ث ُم أصبحت بني ظهرانينا؟ قال(( :نعم)) ،قال :فلم يُر أن ُه يُكذبُ ُه
مخافة أن يجحد ُه الحديث إذا دعا قوم ُه إليه ،قال :أرأيت إن
ول هللا : دعوتُ قومك تُحدث ُ ُهم ما حدثتني؟ فقال ُ
رس ُ
نعم ،فقال :هيا معرش بني كعب بن لُؤي ،قال :فانتفضت إليه
جلسوا إليهام ،قال :حدث قومك مبا ُ املجالس وجا ُءوا حتى ُ
191
ول هللا (( :إين أُرسي يب الليلة))، رس ُ
حدثتني ،فقال ُ
ُلت(( :إىل بيت املقدس)) ،قالُوا :ث ُم أصبحت بني قالُوا :إىل أين؟ ق ُ
ظهرانينا؟ قال :نعم ،قال :فمن بني ُمصفق ،ومن بني واضع يد ُه
عىل رأسه ُمتعجباً للكذب زعم ،قالُوا :وهل تستطي ُع أن تنعت لنا
املسجد؟ -ويف القوم من قد سافر إىل ذلك البلد ورأى املسجد
أنعت
ُ زلت
أنعت فام ُُ ((فذهبت
ُ ول هللا : رس ُ ،-فقال ُ
بعض النعت)) ،قال(( :فجيء باملسجد وأنا أنظُ ُر حتى التبس عيل ُ
حتى ُوضع ُدون دار عقال -أو ُعقيل ،-فنعت ُه وأنا أنظُ ُر إليه))،
نعت مل أحفظ ُه)) ،قال :فقال القو ُم :أما قال ((:وكان مع هذا ٌ
النعت فوهللا لقد أصاب»(((.
ُ
أقول مضيئة:
ٰ ُ ۡ َ َّ َ َ َ
)(1قال شيخ اإلسالم ابن تيمية عند قوله تعاىل ﴿ :قل أبِٱللِ وءايتِهِۦ
َ ُ ُ َ
نت ۡم ت ۡس َت ۡه ِز ُءون « :(((﴾65تدل عىل أن االستهزاء َو َر ُس ِ
ولِۦ ك
باهلل كف ٌر ،وبالرسول كف ٌر من جهة االستهزاء باهلل وحده كف ٌر
بالرضورة ،فلم يكن ذكر اآليات والرسول رشطاً؛ فعلم أن
االستهزاء بالرسول كف ٌر وإال مل يكن لذكره فائدةٌ ،وكذلك
اآليات .وأيضاً فاالستهزاء بهذه األمور متالز ٌم .والضالون
مستخفون بتوحيد هللا تعاىل يعظمون دعاء غريه من األموات،
وإذا أمروا بالتوحيد ونهوا عن الرشك استخفوا به؛ كام قال
192
َ َّ ُ َ َ َّ ُ ُ ً َ ۡ َ ََ
خذونك إِل هزوا﴾ اآلية ،فاستهزءوا
(((
تعاىلِ﴿ :إَوذا رأوك إِن يت ِ
بالرسول ملا نهاهم عن الرشك .وما زال املرشكون
يسبون األنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضالل والجنون إذا
دعوهم إىل التوحيد؛ ملا يف أنفسهم من عظيم الرشك .وهكذا
تجد من فيه شب ٌه منهم إذا رأى من يدعو إىل التوحيد استهزأ
بذلك؛ ملا عنده من الرشك ....وهؤالء إذا قصد أحدهم القرب
الذي يعظمه يبيك عنده ويخشع ويترضع ما ال يحصل له مثله
يف الجمعة والصلوات الخمس وقيام الليل! ،فهل هذا إال من حال
املرشكني ال املوحدين!»(((.
)(2قال سليامن بن عبد هللا« :فمن استهزأ باهلل ،أو بكتابه ،أو برسوله،
أو بدينه كفر ،ولو هازالً مل يقصد حقيقة االستهزاء إجامعاً»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(2دليل الفالحني ،البن عالن.
193
الحسد
هو متني زوال النعمة عن املحسود ،سواء متنى الحاسد أن تحصل له
النعمة أم ال.
والحسد يف الحقيقة :اعرتاض عىل قدر هللا وقسمته بني خلقه ،قبل
أن يكون رضرا ً عىل املحسود.
ولنئ كان البخل من أكرث األخالق ذماً يف الرشع والعقل ..فإن
الحسد أشنع منه؛ ألن الحاسد يريد منع ما ال يُنقصه أصالً!
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :الرضا بقسمة هللا بني خلقه :من اإلميان بالقدر.
)(2مفهوم الحسد.
)(3السعي يف إزالة النعمة عن املحسود بغي وعدوان وزيادة إثم.
)(4الفرق بني الحسد والعني (اإلصابة بالعني سببها :شدة إعجاب مع
غفلة عن الدعاء بالربكة ،وكالهام يرض باملسلم.)...
)(5أسباب الحسد (البغضاء والكراهية ،حب الرياسة والجاه
والدنيا ،خبث النفس وشحها عىل عباد هللا ،الخوف من ضياع
الفرص.)..،
)(6مخاطر الحسد (عىل الفرد ،وعىل املجتمعات).
)(7عالج الحسد( :النظر يف النعم التي عندك ،القناعة والرضا بقسمة
هللا تعاىل ،اليقني بأن هللا إذا حرم عبده من الدنيا فقد أراد به
194
خريا ً؛ ألن الشكر شديد واملحاسبة عسرية ،تذكر أن أهل النعم
مل يحصلوها إال بالتعب ،النظر يف حال من هم أشد فقرا ً ،معرفة
أن النعمة الباقية نعمة الدين ،النظر يف سرية النبي
والصالحني.)..
)(8الحسد املحمود( :متني حصول النعمة الدينية ،دون متني زوالها
عن صاحبها).
هدايات قرآنية:
َ ۡ َ َ ٰ ُّ ۡ َ َۡ َ
ٱدلن َيا ۚ َو َرف ۡع َنا ﴿ن ُن ق َس ۡم َنا بَ ۡي َن ُهم َّم ِعيش َت ُه ۡم ِف ٱليوة ِ )(1قال تعاىل:
ۡ ٗ ٗ ُ َ َ َ ٰ ّ َ َّ َ َب ۡع َض ُه ۡم فَ ۡو َق َب ۡ
خذ َب ۡعض ُهم َب ۡعضا ُسخ ِر ّياۗ ت ِلت ِ ٖ ج ر د ض ٖ ع
َ ۡ َ َ َ َو َر ۡ َ
ت َر ّبِك خ ۡيّ ٞم َِّما ي َم ُعون.(((﴾32 ح ُ
ُ َ ۡ َ ۡ ُ ُ َ َّ َ َ َ ٰ َ ٓ َ َ ٰ ُ ُ َّ
)(2وقال سبحانه﴿ :أم يسدون ٱنلاس ع ما ءاتىهم ٱلل مِن
َ ۡ ۡ َ ِيم ۡٱلك َِتٰ َفَ ۡضلِهِۦ َف َق ۡد َءاتَ ۡي َنا ٓ َء َال إبۡ َرٰه َ
ب َوٱل ِك َمة َو َءات ۡي َنٰ ُهم ِ ۖ
يما.(((﴾54 ُّم ۡلاك ً َع ِظ ٗ
ۡ َ ۢ ّ َ َّ َ ُ َ ُّ ُ َ ۡ َ ٰ َ ۡ ۡ َ ۡ ّ ٞ
ب لو يردونكم ِمن بع ِد )(3قال تعاىل﴿ :ود كثِري مِن أه ِل ٱل َكِت ِ
ّ َ ۡ َ َ َ َّ َ َ ُ ٗ ّ َ ُ ُ َّ ً
ي ل ُه ُم س ِهم ِم ۢن بع ِد ما تب إِيمٰن ِك ۡم كفارا َح َسدا م ِۡن عِن ِد أنف ِ
ۡ َ ُّ َ ۡ ُ ْ َ ۡ َ ُ ْ َ َّ َ ۡ َ َّ ُ َ ۡ ٓ َّ َّ َ َ َ ٰ ُ ّ
ك ت يأ ِت ٱلل بِأم ِرهِۗۦ إِن ٱلل ع ِ ٱلق ۖ فٱعفوا وٱصفحوا ح ٰ
ِير.(((﴾109 شءٖ قَد ٞ َ ۡ
195
ٱلل َل قُ َّوةَ ك قُ ۡل َ
ت َما َشا ٓ َء َّ ُ َ َ ۡ َ ٓ ۡ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ
)(4وقال ﴿ :ولول إِذ دخلت جنت
َ َ ٗ َ َ َ ۠ َ َ َّ َّ َّ
إِل بِٱللِۚ إِن ت َر ِن أنا أقل مِنك َمال َو َو ٗلا.(((﴾39
َ ﴿ومِن َ ّ
ش َحاس ٍِد إِذا َح َس َد.(((﴾5 ِ
)(5وقال َ :
قبسات نبوية:
((دب
َّ )(1عن الزبري بن العوام أن النبي قال:
أقول هي الحالِق ُة ،ال ُ األمم قبلَكُم :الحس ُد والبغضا ُءَ ، ِ إليكُم دا ُء
خلوا تحلق ال ِّدي َن ،والَّذي نفيس ِ
بيد ِه ال تد ُ ُ كن َحلق الشَّ ع َر ولَ ِ ت ُ
ت الج َّن َة حتَّى تؤ ِمنوا ،وال تؤ ِمنوا حتَّى تحابُّوا ،أفال أنبِّئُكُم مبا يثبِّ ُ
السال َم بي َنكُم))(((. ذاكُم لَكُم؟ أَفشوا َّ
)(2عن ضمرة بن ثعلبة قال :قال رسول هللا (( :الَ
اس ُدوا)). ح َ ي َما لَ ْم يَتَ َخ ٍْ اس ِب َيَ َز ُال ال َّن ُ
)(3عن عبد هللا عمرو عن رسول هللا أنه قال(( :إذا
أي قَ ْو ٍم أنتُ ْم؟)) قال عبد الرحمن بن ت علَ ْيكُم فار ُِس وال ُّرو ُمُّ ، ح ْفُ ِت َ
ري
عوف :نقول كام أمرنا هللا .قال رسول هللا (( :أ ْو غ َ
حاس ُدونَ ،ث ُ َّم تَتَدابَ ُرونَ ،ث ُ َّم تَتَباغَضُ ونَ ،أ ْو
ذلك ،تَتَناف َُسونَ ،ث ُ َّم تَتَ َ َ
ج َعلُو َن بَ ْعضَ ُه ْم جرِي َن ،فَتَ ْ ذلك ،ث ُ َّم تَ ْنطَلِقُو َن يف َمساكِ ِ
ني امل ُها ِ ح َو َ نَ ْ
ض))(((. ِقاب بَ ْع ٍ
عل ر ِ َ
الكهف.39 : (( (
الفلق.5 : (((
الرتمذي 2510 :واللفظ له .وقال محقق جامع األصول ( :)626/3له شواهد وهو بها (( (
حسن.
مسلم.2962 : (((
196
)(4عن عبد هللا بن مسعود قال :قال رسول هللا :
ك ِت ِه يف
عل َهلَ َ ط َ هللا َماالً ف َُسلِّ َ
ج ٌل آتَا ُه ُ إل يف اث ْ َنتَ ْيَِ :ر ُ
ح َس َد َّ
((ل َ َ
ْض ب َها ويُ َعلِّ ُم َها))(((. ك َم َة فَهو يَق ِ هللا ِ
الح ْ ج ٌل آتَا ُه ُ ح ِّق ،و َر ُ ال َ
أمثلة تطبيقية:
)(1حسد إبليس آلدم وقد حىك هللا القصة يف مواضع من القرآن
الكريم ،وكان حسد إبليس آلدم وزوجه ظاهرا ً يف
القصة.
)(2عن أيب أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال« :رأى عامر بن ربيعة
سهل بن حنيف يغتسل ،فقال :ما رأيت كاليوم وال جلد مخبأة،
فلُبط سهل ،فأيت رسول هللا فقيل :يا رسول هللا هل
لك يف سهل بن حنيف ،وهللا ما يرفع رأسه ،فقال(( :هل تَتَّهِمو َن
لَه أحدا ً؟)) ،قالوا :نتهم عامر بن ربيعة ،قال :فدعا رسول هللا
عامرا ً فتغَّيظ عليه ،وقالَ (( :عال َم يَقتُ ُل أَح ُدكم
كت! اغتَ ِسل لَه)) .فغسل عامر وجهه ويديه أَخاه؟! أَال بَ َّر َ
ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره يف قدح ،ثم
صب عليه ،فراح سهل مع الناس ،ليس به بأس»(((.
حسن جِلد صحايب آخر وهذه إصابة بالعني وقعت من صحايب رأى ُ
فأعجبه ،ومل يدع له بالربكة فأصابه ،وهو ال يقصد رضره .واإلصابة
بالعني نوع من الحسد.
197
أقوال مضيئة:
وقل )(1قال أبو الدرداء« :ما أكرث عبد ِذكْر املوت إال َّ
قل فرحه ًّ
حسده»(((.
هللا به يف السامء ،يعني
)(2قال بعض السلف« :الحسد أول ذنب ُعيص ُ
حسد إبليس آلدم وأول ذنب عيص هللا به يف األرض.
-يعني حسد ابن آدم ألخيه حتى قتله.(((»-
)(3قال املاوردي« :الحسد يعالج بأمور هي له حسم إن صادفها عزم،
فمنها :اتباع الدين يف اجتنابه ،والرجوع إىل هللا يف آدابه،
فيقهر نفسه عىل مذموم خلقها وينقلها عن لئيم طبعها ،وإن
كان نقل الطباع عرسا ً ،لكن بالرياضة والتدريج يسهل منها ما
استصعب ويحبب منها ما أتعب.
ومنها :العقل الذي يستقبح به من نتائج الحسد ماال يرضيه،
ويستنكف من هجنه مساويه ،فيذلل نفسه أنف ًة ،ويطهرها حمية،
فتذعن لرشدها ،وتجيب إىل صالحها ،وهذا إمنا يصح لدى النفس
األبية ،والهمة العلية ،وإن كان ذو الهمة يجل عن دناءة الحسد.
ومنها :أن يستدفع رضره ،ويتوقع أثره ،ويعلم أن مكانته يف نفسه
أبلغ ،ومن الحسد أبعد ،فيستعمل الحزم يف دفع ما كره وأكره ،ليكون
أطيب نفساً وأهنأ عيشاً.
198
ومنها :أن يرىض بالقضاء ،ويستسلم للمقدور وال يرى أن يغالب قضاء
هللا فريجع مغلوباً ،وال أن يعارضه يف أمره فريد محروماً مسلوباً»(((.
)(4قال ابن جحر« :الحسد :متني الشخص زوال النعمة عن مستحق
لها ،أعم من أن يسعى يف ذلك أوال ،فإن سعى كان باغياً ،وإن مل
يسع يف ذلك وال أظهر وال تسبب يف تأكيد أسباب الكراهة التي
نهي املسلم عنها يف حق املسلم ..نُظر :فإن كان املانع له من ذلك
العجز بحيث لو متكن لفعل فهذا مأزور ،وإن كان املانع له من
ذلك التقوى فقد يعذر؛ ألنه ال يستطيع دفع الخواطر النفسانية
فيكفيه يف مجاهدتها أن ال يعمل بها وال يعزم عىل العمل بها»(((.
)(5قال ابن جحر« :الحسد :متني زوال النعمة عن املنعم عليه،
وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه .والحق أنه أعم ،وسببه:
أن الطباع مجبولة عىل حب الرتفع عىل الجنس ،فإذا رأى لغريه ما
ليس له أحب أن يزول ذلك عنه لريتفع عليه ،أو مطلقا ليساويه.
وصاحبه مذموم إذا عمل مبقتىض ذلك من تصميم أو قول أو فعل.
وينبغي ملن خطر له ذلك أن يكرهه كام يكره ما وضع يف طبعه
من حب املنهيات .واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر
أو محمود يستعني بها عىل معايص هللا تعاىل .فهذا حكم الحسد
بحسب حقيقته .وأما الحسد املذكور يف الحديث فهو الغبطة
وأطلق الحسد عليها مجازا ً ،وهي :أن يتمنى أن يكون له مثل ما
لغريه من غري أن يزول عنه ،والحرص عىل هذا يسمى منافسة،
((( أدب الدنيا والدين ،262 :وما بعدها.
(( ( فتح الباري.482/ 10 :
199
َ ۡ َۡ َ َ
فإن كان يف الطاعة فهو محمود ،ومنه﴿ :فل َيت َناف ِس ٱل ُم َت َنٰفِ ُسون
،(((﴾26وإن كان يف املعصية فهو مذموم ،ومنه(( :وال ت َنافَسوا))،
وإن كان يف الجائزات فهو مباح»(((.
)(6قال الشاعر:
يـا حـاســدا ً يل على نعمتـي
أتــدري عىل مـن أسـأت األدب
أســأت على هللا يف حـكمــه
تـرض يل مـا وهــب َ ألنـك مل
فأخــزاك ريب بـأن زادنــي
وســ َّد عليـك وجـوه الطلـب
)(7وقال آخر:
اصبر على كيـد الحســود
فــإن صبــرك قـاتـلــه
فـالنــار تأكــل بعضهــا
إن لــم تــجد مــا تأكلــه
مراجع ُم ِعينة:
)(1جامع العلوم والحكم ،البن رجب.
)(2أدب الدنيا والدين ،للاموردي.
)(3مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
((( املطففني.26 :
(( ( فتح الباري.167-166/ 1 :
200
الكذب
الكذب :ضد الصدق .وهو ذكر غري ما يعلم يف نفسه ،أو يف الواقع.
وهو من أقبح األخالق ،ويكفي أنه طريق النفاق ،وصفة املنافقني،
وحيلة الجبناء!
عناصر مقترحة:
)(1معنى الكذب.
)(2أشكال الكذب (بالقول ،والفعل).
)(3شناعة الكذب (يف الرشيعة ،والعقل والفطرة ،وعند أهل الجاهلية
والبهائم).
)(4حكمة التشديد يف الزجر عن الكذب.
)(5عالقة الكذب باألخالق السيئة (الجنب ،الغش ،الخداع،
البهتان.)..،
)(6عالقته بالنفاق.
)(7مجاالت الكذب (الكذب عىل هللا ،عىل نبيه ،عىل
الخلق ،عىل النفس -خداعاً لها ،-الكذب يف الشهادة ،يف املزاح،
يف الرؤيا.)،
)(8آثار الكذب (عىل الفرد ،واملجتمع).
)(9سبيل الخالص من الكذب (تجنب الكذبة األوىل ،التعود عىل
الصدق وتح ّريه ،التقليل من التورية ،تربية األطفال عىل الصدق
201
وترك معاقبتهم عنده ،مكافأتهم عىل صدقهم حتى يألفوه ،تجنب
الغلظة معهم التي تدفعهم إىل الكذب.)..،
)(10املعاريض (التورية) :مخرج من الكذب.
)(11متى يجوز الكذب؟
هدايات قرآنية:
ۡ َ َ َ ََ َۡ ُ
﴿ول تقف َما ل ۡي َس لك بِهِۦ عِل ٌم﴾(((. )(1قال تعاىل:
َّ َ َ ً َ َ
َ َ ۡ ۡ ُ َّ ۡ َ َ ٰ َ َّ َ َ
ى ع ٱللِ كذِبا أ ۡو كذ َب )(2وقال سبحانه﴿ :فمن أظلم مِم ِن ٱفت
َ َ
ب ِٔايٰتِهِۚۦٓ﴾(((.
َ َ َ ُ ُ ْ َ َ ُ َۡ َُ ُ ُ ۡ َ َ َٰ َ
)(3وقال ﴿ :ول تقولوا ل ِما ت ِصف ألسِنتكم ٱلكذِب هذا
َ َ ٰ َ ُ َ ۡ َ َ َّ َّ َ َ ۡ َّ َ َ ْ ُ َ ۡ َ ّ ٞ َ َ َ ٰ َ َ ٞ
تون ِب إِن ٱلِين يفحلل وهذا حرام ِلفتوا ع ٱللِ ٱلكذ ۚ
َ َ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ
ِب ل ُيفل ُِحون.(((﴾116 ع ٱللِ ٱلكذ
ۡ
ََۡ ُ َ ََٓ َ ۡ َۡ َ ُ ْ َ َ ٓ َ َّ
)(4وقال تعاىل﴿ :ل ۡول َجا ُءو َعل ۡيهِ بِأربعةِ شهداء ۚ فإِذ لم يأتوا
َ َّ ُ ُ ۡ َ ٰ ُ َ ُّ َ َ ٓ ِ َ ُ ْ َ ٰٓ َ
بِٱلشهداء فأولئِك عِند ٱللِ هم ٱلكذِبون. ﴾13
(((
قبسات نبوية:
)(1عن ابن مسعود قال :قال رسول هللا (( :إ َّن
ج َلهدي إىل الجن ِة ،وإ َّن الر ُ الب يَ ِالب ،وإ َّن ِ َّ
هدي إىل ِ ِّ الص ْد َق يَ ِ
ِّ
هدي إىل ب يَ ِ هللا ِص ِّديقا ،وإ َّن الك َِذ َ
ب عند ِ ص ُد ُق ،حتى يُكتَ َ لَيْ ْ
اإلرساء.36 : (((
األعراف.37 : (( (
النحل.116 : (((
النور.13 : (((
202
ب حتى ج َل ل ِ
َيكذ ُ هدي إىل النارِ ،وإ َّن الر ُ جو َر يَ ِ جورِ ،وإ َّن ال ُف ُ ال ُف ُ
ب عند ِ
هللا كَذَّاباً))(((. يُكتَ َ
)(2عن الحسن بن عيل قال :حفظت من رسول هللا
دقالص َ َ (( :دع ما يري ُب َك إىل ما ال يري ُب َك ،فإ َّن ِّ
الكذب رِيب ٌة))(((.
َ طأمنين ٌة وإ َّن
اإلش ُاكْب الكَبائِرِْ : )(3عن أيب بكرة قال (( :أَك َ ُ
ُوق الوالِ َديْنِ ،وشَ ها َد ُة ال ُّزورِ ،وشَ ها َد ُة ال ُّزورِ)) ثالثاً، هلل ،و ُعق ُ با ِ
أو ((قَ ْو ُل ال ُّزورِ)) ،فام زال يكررها ،حتى قلت :ليته سكت(((.
والزور :الكذب.
)(4عن عبد هللا بن عمرو قال :جاء أعرايب إىل النبي
((اإلش ُاك
ْ فقال :يا رسول هللا ،ما الكبائر ،قال:
ُوق الوالِ َديْنِ )) ،قال :ثم ماذا؟ هلل)) ،قال :ثم ماذا؟ قال(( :ث ُ َّم ُعق ُ با ِ
وس)) قلت :وما اليمني الغموس؟ قال(( :الذي ني ال َغ ُم ُقال(( :ال َي ِم ُ
ب))((( وسميت غموساً مال ا ْمرِئٍ ُم ْسلِ ٍم ،هو فيها كا ِذ ٌ يَ ْقتَ ِط ُع َ
ألنها تغمس صاحبها يف اإلثم.
)(5وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص أن النبي
َت فيه خالِصاً ،و َمن كَان ْ قال(( :أَ ْربَ ٌع َمن كُ َّن فيه كا َن ُم َنا ِفقاً َ
صلَ ٌة ِم َن ال ِّنفَاقِ حتَّى يَ َد َع َها :إذَا اؤْتُ ِ َنخ َْت فيه َ صلَ ٌة منه َّن كَان ْ خ ْ َ
ج َر))(((. اص َم فَ َ
خ َ
َب ،وإذَا َعا َه َد َغ َد َر ،وإذَا َ ح َّدثَ كَذ َ خانَ ،وإذَا َ َ
203
)(6عن املغرية بن شعبة قال :سمعت رسول هللا
ل ح ٍدَ ،من كَذ َ
َب َع َ َّ عل أَ َ ب َ ليس كَك َِذ ٍ ل َ يقول(( :إ َّن ك َِذباً َع َ َّ
ُمتَ َع ِّمدا ً ،فَلْ َيتَ َب َّوأْ َم ْق َعدَهُ ِم َن ال َّنارِ))(((.
)(7عن حكيم بن حزام قال :قال رسول هللا :
ص َدقا و بَ َّينا بُورِك لهام يف ((الب ِّيعانِ بالخيا ِر ما مل يتف َّرقا ،فإ ْن َ
َت بَرك ُة بي ِعهِام))(((. بي ِعهِام ،وإ ْن كَتَام وكَذَبا ُم ِحق ْ
)(8عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا (( :كَفَى
ح ِّدثَ بك ُِّل ما َس ِم َع))(((. بامل َ ْر ِء ك َِذباً أ ْن يُ َ
)(9عن معاوية بن صربة قال :سمعت رسول هللا
ب يث لِيُضْ ِح َك ِب ِه الق ْو َم فيَك َِذ ُبالحد ِِ ح ِّدثُ((ويل لِل َِّذي يُ َ ٌ يقول:
ويل لَ ُه))(((. ويل لَ ُه ٌ ٌ
)(10عن ابن عباس قال« :من تحلَّم بحلم مل يره كُلِّف أن
يعقد بني شعرتني ،ولن يفعل (((»..فمن أجل كذبه وزعمه أنه
رأى يف املنام ما مل يره يكلف بذلك -مع عجزه عنه ،-تعذيباً له.
)(11عن أسامء بنت يزيد قالت :قال رسول هللا :
ليض َيها، جل امرأتَ ُه ُ ثالث :يح ِّدثُ ال َّر ُ ٍ ْكذب إالَّ يف ُ يحل ال ((الَ ُّ
اس))(((. ني ال َّن ِ
صلح ب َ
ْكذب ل ُي َ ُ الحرب ،وال ِ ْكذب يف ُ وال
204
)(12عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا (( :لَ ْم
ي يف ات ،ثِ ْنتَ ْ ِ
ط إِ َّل �ث َ َلثَ كَ َذبَ ٍالنبي قَ ُّ يَك ِْذ ْ
ب إِبْ َرا ِهي ُم ّ ُّ
ُ َ َ َ ۡ
يم َ ،(((﴾89وقَ ْولُ ُه﴿ :بَل ف َعل ُهۥ كب ِ ُريه ۡم هللا ،قَولُ ُه﴿ :إن َسقِ ٞ
ِِ َات ِ ْ ذ ِ
َ
َهٰذا﴾(((َ ،و َو ِ
اح َد ٌة يف شَ أْنِ َسا َرةَ))(((.
أمثلة تطبيقية:
)(1ما جاء يف قصة أيب سفيان ملا سأله هرقل عن صدقه -أي النبي
:- هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
قال أبو سفيان :ال ...،ثم قال هرقل« :وسألتك هل كنتم تتهمونه
بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن ال ،فقد أعرف أنه
مل يكن ليذر الكذب عىل الناس ويكذب عىل هللا ...يقول أبو
سفيان :فوهللا لوال الحياء من أن يأثروا عيل الكذب لكذبت
عنه»((( .فلم يكذب مع أنه كان حينئذ عىل الكفر!
)(2عن سعيد بن زيد أن أروى خاصمته يف بعض داره فقال :دعوها
وإياها فإين سمعت رسول هللا يقولَ (( :من أَ َ
خ َذ
ح ِّق ِه ،طُ ِّوقَ ُه يف َس ْبعِ أَ َر ِض َ
ني يَو َم ال ِق َيا َم ِة))، ض بغريِ َ ِش ْبا ً ِم َن األ ْر ِ
اللهم إن كانت كاذبة فأعم برصها ،واجعل قربها يف دارها ،قال:
فرأيتها عمياء تتلمس الجدر :تقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد،
فبينام هي متيش يف الدار مرت عىل برئ يف الدار فوقعت فيها،
فكانت قربها»(((.
الصافات.89 : (( (
األنبياء.63 : (((
البخاري ،3358 :ومسلم ،2371 :واللفظ له. (((
البخاري.7 : (((
مسلم.1610 : (((
205
)(3قال ابن القيم« :ولقد أخرب بعض العارفني أنه شاهد منهن -أي
النمل -يوماً عجيباً ،قال :رأيت منلة جاءت إىل شق جرادة
فزاولته فلم تطق حمله من األرض ،فذهبت غري بعيد ثم جاءت
ت ذلك الشق من األرض ،فلام معها جامعة من النمل ،قال :فرف ْع ُ
وصلت النملة برفقتها إىل مكانه دارت حوله ،و ُد ْر َن معها ،فلم
يجدن شيئاً فرجعن ،فوض ْعتُه ،ثم جاءت فصادفَتْه فزاولته فلم
تطق رفعه ،فذهبت غري بعيد ،ثم جاءت بهن فرفعتُه فدرن حول
مكانه فلم يجدن شيئاً ،فذهبت فوضعته فعادت فجاءت بهن
فرفعتُه ،فدرن حول املكان ،فلام مل يرين شيئاً تحلقن حلقة
وجعلن تلك النملة يف وسطها ،ثم تحاملن عليها فقطعنها عضوا ً
عضوا ً ،وأنا أنظر»((( فهذا النمل قتل النملة؛ لظنه أنها تكذب.
أقوال مضيئة:
)(1قال عبد الرحمن بن مهدي« :ما خصلة تكون يف املؤمن بعد
الكفر باهلل أشد من الكذب ،وهو أشد النفاق»(((.
)(2قال ابن تيمية« :الصدق أساس الحسنات وجامعها ،والكذب
أساس السيئات ونظامها»(((.
)(3ذكر ابن تيمية أن منزلة الصدق وقبح الكذب يظهران من وجوه:
أحدها :أن اإلنسان يتميز بالعقل والنطق ،فإذا كذب يف نطقه صار
206
أسوأ حاالً من البهيمة .ولهذا قيل :ال مروءة لكذوب ،وال راحة
لحسود ،وال إخاء مللوك ،وال سؤدد لبخيل ،فإن املروءة مصدر املرء
كام أن اإلنسانية مصدر اإلنسان.
الثاين :أن الصفة املميزة بني النبي واملتنبئ هو الصدق والكذب.
الثالث :أن الصفة الفارقة بني املؤمن واملنافق هي الصدق ،فإن أساس
النفاق الذي بني عليه :الكذب .وعىل كل خلق يطبع املؤمن ليس
الخيانة والكذب.
الرابع :أن الصدق هو أصل الرب والكذب أصل الفجور.
الخامس :أن الصادق تنزل عليه املالئكة والكاذب تنزل عليه
َ ۡ ُ َ ّ ُ ُ ۡ َ َ ٰ َ َ َ َّ ُ َّ
ٱلش َيٰط ُ
ني221 ِ الشياطني كام قال تعاىل﴿ :هل أنبِئكم ع من تنل
ُ ۡ ُ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ ٰ ُ َ َ َ َّ ُ َ َ ُ ّ َ َّ َ
تنل ٰ
ِيم 222يلقون ٱلسمع وأكثهم كذِبون. ﴾223
(((
ك أف ٍ
اك أث ٖ ع ِ
السادس :أن الفارق بني الصديقني والشهداء والصالحني وبني املتشبه
بهم -من املرائني واملسمعني واملبلسني -هو الصدق والكذب.
السابع :أنه مقرون باإلخالص الذي هو أصل الدين يف الكتاب
ٱلزورِ30 ٱج َتن ِ ُبوا ْ قَ ۡو َل ُّ
﴿و ۡ
وكالم العلامء واملشايخ ،قال هللا تعاىلَ :
ِني بِهِۚۦ﴾((( ،وقال (( :أال أُن ِّبئُكم ُح َن َفا ٓ َء ِ َّلِ َغ ۡ َ
ي ُم ۡشك َ
ِ
وعقوق الوال َديْن)) وكان متكئاً فجلس ُ اإلرشاك با ِ
هلل ُ رب الكبائرِ؟ بأك ِ
فقال(( :أال وقَ ْو ُل ال ُّزورِ ،وشَ ها َد ُة ال ُّزورِ)) فام زال يكررها حتى قلنا
ليته سكت.
207
الثامن :أنه ركن الشهادة وركن اإلقرار -الذي هو شهادة املرء عىل
نفسه -وركن األحاديث واألخبار التي بها يقوم اإلسالم؛ بل هي ركن
النبوة والرسالة التي هي واسطة بني هللا وبني خلقه وركن الفتيا التي
هي إخبار املفتي بحكم هللا .وركن املعامالت التي تتضمن أخبار
كل واحد من املتعاملني لآلخر مبا يف سلعته ،وركن الرؤيا التي قيل
فيها :أصدقهم رؤيا أصدقهم كالماً ،والتي يؤمتن فيها الرجل عىل ما
رأى(((..
)(4قال الشيخ امليداين« :وكام يكون الصدق والكذب يف األقوال،
يكونان يف األفعال ،فقد يفعل اإلنسان فعالً يوهم به حدوث
يشء مل يحدث ،أو يعرب به عن وجود يشء غري موجود ،وذلك
عىل سبيل املخادعة بالفعل مثلام تكون املخادعة بالقول ،ورمبا
يكون الكذب يف األفعال أشد خطرا ً وأقوى تأثريا ً من الكذب يف
األقوال ،ومن أمثلة ذلك ما حكاه هللا لنا من أقوال وأفعال إخوة
يوسف إذ جاءوا أباهم عشاء يبكون بكاءا ً كاذباً ،وقالوا
وس َف ع َ
ِند َم َتٰعناَ ُ ُ َ َ َ َ َ ٓ َّ َ َ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ َ َ ۡ
ِ ﴿يأبانا إِنا ذهبنا نستبِق وتركنا ي -كذباً ٰٓ :-
ُ ََ َ َُ ّ ۡ
فأكله ٱذلِئبۖ ﴾17وجاءوا عىل قميصه بدم كذب ،فجمعوا (((
208
مراجع ُم ِعينة:
)(1أدب الدنيا والدين ،للاموردي.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
209
الغيبة
الغيبة هي :ذكر املسلم مبا يكره يف حال غيابه ،سواء تحدث به
أمامه أم ال.
وهي طريقة العاجزين عن السرت ،والجبناء عن املصارحة ..يصدهم
بها الشيطان عن النصح والتوجيه.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد:
.أشدة حرمة املسلم وعرضه عند هللا تعاىل.
.بإشاعة الخري ومحبة املؤمنني مقصد رشعي ،والغيبة
تعارضه؛ ألنها تشيع الرش واألخطاء وكراهية املسلمني.
)(2معنى الغيبة.
)(3الفرق بني الغيبة واإلفك والبهتان.
)(4حكم الغيبة (كبرية تحتاج توبة).
)(5عواقب الغيبة (عىل صاحبها وعىل املجتمع).
)(6حيل املغتابني (قوالب الغيبة).
)(7هكذا كان سلف األمة.
)(8املوقف من الغيبة:
.أموقف املتكلم والسامع( :مراقبة هللا وخوفه ،محبة السرت
عىل املسلم ،تذكر أن من ينرش عيوب الناس تنترش عيوبه،
210
تذكر الصورة الشنيعة املذكورة يف القرآن ،تجنب الحديث
يف الناس إال للرضورة ،اإلقالل من الكالم ،ترك املجالس
غري النافعة ،النصيحة للمغتاب وإشعاره بخطئه ،مغادرة
املجلس.)..
.بموقف املغتاب [املتكلَّم فيه]( :الصرب واحتساب األجر
فهذه فرصته ،إسكات النامم الذي ينقل له الكالم،
واملسامحة والعفو ،أو املصارحة للمتكلم وتذكريه باهلل
تعاىل ،عدم الكالم يف املتكلم بالغيبة ،الدعاء.)..
هدايات قرآنية:
ٞ ﴿ما يَ ۡلفِ ُظ مِن قَ ۡول إ َّل َ َليۡهِ َرق ٌ
ِيب َعتِيد.(((﴾18 )(1قال تعاىلَّ :
ِ ٍ
َ َ َ ۡ َ َّ ۡ ُ ُ َ ۡ ً َ ُ ُّ َ َ ُ ُ
كمۡ )(2وقال سبحانه﴿ :ول يغتب بعضكم بعضا ۚ أيِب أحد
َ ۡ ٗ َ َ ۡ ُ ُ ُ َ َّ ُ ْ َّ َ َّ َّ َ تَ َّوابٞ َ َۡ ُ َ َ َ َ
لم أخِيهِ ميتا فك ِرهتموهۚ وٱتقوا ٱللۚ إِن ٱلل أن يأكل ۡ
َّرح ٞ
ِيم.(((﴾12
قبسات نبوية:
)(1عن أيب هريرة أن رسول هللا قال(( :أَت َ ْد ُرو َن
َ
أخاك مبا ما ال ِغي َب ُة؟)) ،قالوا :هللا ورسوله أعلم .قالِ (( :ذكْ ُر َك
ك َرهُ )) ،قيل :أفرأيت إن كان يف أخي ما أقول؟ قال(( :إ ْن كا َن يَ ْ
ُول ،فَق َِد ا ْغتَ ْبتَ ُه ،وإ ْن لَ ْم يَ ُ
ك ْن فيه ف َق ْد بَ َهتَّ ُه))(((. فيه ما تَق ُ
(( ( ق.18 :
(( ( الحجرات.12 :
((( مسلم.2579 :
211
)(2عن أيب هريرة أن رسول هللا قال(( :ك ُُّل امل ُْسلِ ِم
حرا ٌمَ ،د ُم ُه ،ومالُ ُه ،و ِع ْرضُ ُه))(((.
عل امل ُْسلِ ِم َ
َ
)(3عن أيب برزة األسلمي قال :قال رسول هللا :
خلِ اإلميا ُن قل َب ُه ،ال تغتابوا عش َمن آ َمن بلسانِ ِه ومل يد ُ ((يا َم َ َ
ني ،وال تتَّبِعوا َع ْوراتِهم؛ فإنَّه َمن ات َّ َبع َع ْوراتِهم يتَّ ِبعِ ُ
هللا امل ُسلِ ِم َ
ح ُه يف بي ِت ِه))(((.
هللا َع ْورت َ ُه يفضَ ْ
َع ْورتَ ُه ،و َمن يتَّ ِبعِ ُ
ِج يب )(4عن أنس قال :قال رسول هللا ((:ل ََّم ُعر َ
وص ُدو َر ُهم، جو َه ُهم ُخ ِمشون ُو ُ َم َر ْرتُ بق ْو ٍم لهم أظْفا ٌر من ن ٍ
ُحاس يَ ْ
حو َمِربيل؟ قال :هؤال ِء الذين يَأْكُلُون لُ ُ ُلتَ :من هؤال ِء يا ج ُ فق ُ
الناسَ ،ويَقَعون يف أ ْع ِ
راضهِم))(((. ِ
أمثلة تطبيقية:
)(1عن عائشة قالت :قلت للنبي حسبك من
صفية كذا وكذا - .قال بعض الرواة :تعني قصرية ،-فقال(( :لقد
جتْ ُه)) قالت :وحكيت له ت مبا ِء البح ِر لَ َم َز َ ج ْ قُل ِ
ْت كلم ًة لو ُم ِز َ
ت إنساناً وإن ِل كذا وكذا))(((. ك ْي ُ
ح َ
ب أين َ إنساناً فقال(( :ما أُ ِح ُّ
)(2قال ابن وهب« :نذرت أين كلام اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً،
فأجهدين فكنت أغتاب وأصوم ،فنويت أين كلام اغتبت إنساناً
أن أتصدق بدرهم ،فمن حب الدراهم تركت الغيبة»(((.
مسلم.2564 : (((
أبو داود ،4880 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.7984 : (( (
أبو داود ،4878 :وصححه األلباين يف صحيح الجامع.5213 : (( (
أبو داود ،4875 :الرتمذي ،2504 :وقال :حديث حسن صحيح. (( (
السري.228/9 : (( (
212
)(3قال البخاري« :أرجو أن ألقى هللا وال يحاسبني أين اغتبت
أحدا ً»(((.
)(4وقال أيضاً« :ما اغتبت أحدا ً قط منذ أن علمت أن الغيبة ترض
أهلها»(((.
أقوال مضيئة:
213
)(4قال ابن تيمية« :وهذان النوعان يجوز فيهام الغيبة بال نزاع بني
العلامء .أحدهام :أن يكون الرجل مظهرا ً للفجور ،مثل الظلم
والفواحش والبدع املخالفة للسنة ،فإذا أظهر املنكر وجب
اإلنكار عليه بحسب القدرة ،كام قال النبي َ (( :من
َرأَى ِمنكُم ُم ْنكَرا ً فَلْ ُيغ ِّ ْ
َيهُ ب َي ِد ِه ،فإ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع فَ ِبلِسانِ ِه ،فإ ْن لَ ْم
وذلك أضْ َع ُف اإلميانِ )) رواه مسل ٌم ...فمن أظهر َ يَ ْستَ ِط ْع فَ ِب َقلْ ِب ِه،
املنكر وجب عليه اإلنكار ،وأن يهجر ويذم عىل ذلك .فهذا
معنى قولهم( :من ألقى جلباب الحياء فال غيبة له) .بخالف
من كان مسترتا ً بذنبه مستخفياً فإن هذا يسرت عليه؛ لكن ينصح
رسا ً ويهجره من عرف حاله حتى يتوب ،ويذكر أمره عىل وجه
النصيحة .النوع الثاين :أن يستشار الرجل يف مناكحته ومعاملته
أو استشهاده ويعلم أنه ال يصلح لذلك؛ فينصحه مستشاره ببيان
حاله؛ كام ثبت يف الصحيح :أن النبي قالت له فاطمة
بنت قيس :قد خطبني أبو جهم ومعاوية؛ فقال لها(( :أَ َّما أَبُو
مال)) لوك ال َ فص ْع ٌ اب لِل ِّن َسا ِء ،وأ َّما معاوي ُة ُ ض ٌ ج ٌل َ َّ ج ْه ٍم فَ َر ُ َ
فبني النبي حال الخاطبني للمرأة .فهذا حج ٌة لقول
الحسن( :أترغبون عن ذكر الفاجر؟! اذكروه مبا فيه يحذره
الناس) فإن النصح يف الدين أعظم من النصح يف الدنيا ،فإذا
كان النبي نصح املرأة يف دنياها فالنصيحة يف الدين
أعظم .وإذا كان الرجل يرتك الصلوات ويرتكب املنكرات وقد
عارشه من يخاف أن يفسد دينه ،بني أمره له لتتقى معارشته .وإذا
كان مبتدعاً يدعو إىل عقائد تخالف الكتاب والسنة أو يسلك
214
طريقاً يخالف الكتاب والسنة ويخاف أن يضل الرجل الناس
بذلك ،بني أمره للناس ليتقوا ضالله ويعلموا حاله .وهذا كله
يجب أن يكون عىل وجه النصح وابتغاء وجه هللا تعاىل ،ال لهوى
الشخص مع اإلنسان :مثل أن يكون بينهام عداو ٌة دنيوي ٌة أو
ع عىل الرئاسة ،فيتكلم مبساوئه مظهرا ً تباغض أو تناز ٌ
ٌ تحاس ٌد أو
للنصح وقصده يف الباطن الغض من الشخص واستيفاؤه منه فهذا
ات ،وإنَّ ا لِك ُِّل ا ْمرِئٍ ماامل بال ِّن ّي ِ
من عمل الشيطان ،و((إنَّ ا األ ْع ُ
نَ َوى)) بل يكون الناصح قصده أن هللا يصلح ذلك الشخص وأن
يكفي املسلمني رضره يف دينهم ودنياهم ويسلك يف هذا املقصود
أيرس الطرق التي متكنه»(((..
)(5وقال أيضاً ...« :ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال املؤمن،
فكلام كان أعظم إمياناً كان اغتيابه أشد .ومن جنس الغيبة الهمز
واللمز؛ فإن كالهام فيه عيب الناس والطعن عليهم ،كام يف
الغيبة؛ لكن الهمز هو الطعن بشدة وعنف؛ بخالف اللمز فإنه
ۡ
﴿وم ِۡن ُهم َّمن يَل ِم ُز َك
قد يخلو من الشدة والعنف ،كام قال تعاىلَ :
َ َ َّ َ َ
﴿ول ت﴾((( أي :يعيبك ويطعن عليك ،وقال تعاىل: ِف ٱلص َدق ٰ ِ
َ
﴿ه َّ ُ ۡ ((( َۡ ُ ْٓ ُ
نف َ
ٖ از م وقال: ً، ا بعض بعضكم يلمز ال أي: ﴾ م ك س تل ِمزوا أ
ُّ َ ُ ُّ ٞ ّ َّم َّشآء ب َ
﴿و ۡيل ل ِِك ه َم َزة ٖ ل َم َز ٍة.(((»(((﴾1 يم ،(((﴾11وقال: م ن
ِۢ ِ ِ ٖ
الفتاوى.220/28 : (( (
التوبة.58 : (((
الحجرات.11 : (( (
القلم.11 : (( (
الهمزة.1 : (( (
الفتاوى.225/28 : (( (
215
)(6وقال - يف بيان حال املغتابني « :-فمن الناس من يغتاب
موافق ًة لجلسائه وأصحابه وعشائره؛ مع علمه أن املغتاب بري ٌء
مام يقولون ،أو فيه بعض ما يقولون؛ لكن يرى أنه لو أنكر
عليهم قطع املجلس واستثقله أهل املجلس ونفروا عنه ،فريى
موافقتهم من حسن املعارشة وطيب املصاحبة ،وقد يغضبون
فيغضب لغضبهم فيخوض معهم.
ومنهم من يخرج الغيبة يف قوالب شتى .تار ًة يف قالب ديانة وصالح
فيقول :ليس يل عاد ًة أن أذكر أحدا ً إال بخري ،وال أحب الغيبة وال
رجلٌ ني أو
الكذب؛ وإمنا أخربكم بأحواله ،ويقول :وهللا إنه مسك ٌ
جي ٌد؛ ولكن فيه كيت وكيت ،ورمبا يقول :دعونا منه هللا يغفر لنا وله،
وإمنا قصده استنقاصه وهض ٌم لجانبه.
ويخرجون الغيبة يف قوالب صالح وديانة ،يخادعون هللا بذلك كام
يخادعون مخلوقاً ،وقد رأينا منهم ألواناً كثري ًة من هذا وأشباهه.
ومنهم من يرفع غريه ريا ًء فريفع نفسه فيقول :لو دعوت البارحة يف
صاليت لفالن؛ ملا بلغني عنه كيت وكيت لريفع نفسه ويضعه عند من
يعتقده .أو يقول :فال ٌن بليد الذهن قليل الفهم ،وقصده مدح نفسه
وإثبات معرفته وأنه أفضل منه.
ومنهم من يحمله الحسد عىل الغيبة فيجمع بني أمرين قبيحني:
الغيبة والحسد .وإذا أثنى عىل شخص أزال ذلك عنه مبا استطاع
من تنقصه يف قالب دين وصالح ،أو يف قالب حسد وفجور وقدح
ليسقط ذلك عنه .ومنهم من يخرج الغيبة يف قالب متسخر ولعب
216
ليضحك غريه باستهزائه ومحاكاته واستصغار املستهزأ به .ومنهم
من يخرج الغيبة يف قالب التعجب فيقول :تعجبت من فالن كيف
ال يفعل كيت وكيت ،ومن فالن كيف وقع منه كيت وكيت وكيف
فعل كيت وكيت ،فيخرج اسمه يف معرض تعجبه .ومنهم من يخرج
ني فال ٌن غمني ما جرى له وما تم له ،فيظن االغتامم فيقول :مسك ٌ
من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف ،وقلبه منط ٍو عىل التشفي به ،ولو
قدر لزاد عىل ما به ورمبا يذكره عند أعدائه ليشتفوا به .وهذا وغريه
من أعظم أمراض القلوب واملخادعات هلل ولخلقه .ومنهم من يظهر
الغيبة يف قالب غضب وإنكار منكر فيظهر يف هذا الباب أشياء من
زخارف القول وقصده غري ما أظهر .وهللا املستعان»(((.
مراجع ُم ِعينة:
)(1الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(2اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(3مخترص منهاج القاصدين ،البن قدامة.
)(4األذكار ،للنووي.
)(5رفع الريبة عام يجوز وما ال يجوز من الغيبة ،الشوكاين.
217
النميمة
النميمة :نقل كالم بعض الناس لبعض ،بقصد اإلفساد بينهم ،وإيقاع
العداوة والبغضاء.
وتدل عىل ضعف ت َّدين النامم ،حني ريض أوالً أن يُتحدث أمامه مبا
يكرهه أخوه ،كام تدل عىل قلة أمانته حيث مل يحفظ ما استؤمن عليه
من كالم ،وعىل سوء تدبريه وقلة تفكريه يف العواقب بإحداثه الفنت بني
الناس.
عناصر مقترحة:
)(1متهيد :لإلنسان أذنان ولسان واحد ليسمع أكرث مام يتكلم ((كَفَى
ح ِّدثَ ِّ
بكل ما سم َع)). بِامل َ ْر ِء إِثْ اً أ ْن يُ َ
)(2معنى النميمة.
)(3دوافع النامم( :الفراغ ،طلب الوجاهة واملنزلة عند الناس.)..
)(4آثار النميمة.
)(5دالالت النميمة( :ضعف ديانة ،وقلة أمانة ،وسوء تدبري.)..
)(6التخلص من النميمة.
)(7املوقف من النامم.
)(8تحذير :من نـ َّم إليك ن َّم عليك.
)(9الرتكيز عىل نظر هللا إىل القلب والعمل ،وترك املباالة بتقويم
عامة الناس ونظرتهم( .وهذا ال ينايف االستفادة من آراء العقالء
وتقوميهم من أجل محاسبة النفس وتصحيح العمل).
218
)(10لتجنب النميمة( :ترك االستامع للغيبة ،الحذر من تتبع عورات
الناس ،تذكر عقوبة النامم.)..،
)(11املوقف من النامم( :إسكاته عن الكالم مبارشة؛ ألن ترك سامع
منيمته خري عند هللا ،العفو عن املتكلم ،الحذر من اتخاذ موقف
بناء عىل الكالم؛ ألنه يحتمل الكذب والتغيري والتأويل ،التثبت
من خرب الفاسق النامم ،مصارحة املتكلم ملعرفة سبب كالمه
وبرهانه ولتحذيره من النامم.)..
هدايات قرآنية:
يم (((﴾11فذمه هللا تعاىل ملشيه بني َ َّ َّ َّ ٓ َ
)(1قال تعاىل﴿ :همازٖ مشاء ِۢ بِن ِم ٖ
الناس بالنميمة.
ٞ َ َّ ۡ
﴿ما يَل ِف ُظ مِن قَ ۡول إل َليۡهِ َرق ٌ
ِيب َعتِيد.(((﴾18 ٍ ِ
)(2وقال سبحانهَّ :
قبسات نبوية:
)(1عن حذيفة قال :قال رسول هللا (( :ال يدخل
الجنة منام))(((.
)(2عن ابن عباس أن رسول هللا مر بقربين فقال:
شح ُد ُهام فَكا َن َ ْي ِ
((إنَّ ُهام لَ ُي َعذَّبانِ وما يُ َعذَّبانِ يف كَ ِبريٍ ،أ َّما أ َ
بال َّن ِمي َم ِة ،وأَ َّما اآل َ
خ ُر فَكا َن ال يَ ْستَ ِتُ ِمن بَ ْولِ ِه))(((.
219
)(3عن ابن مسعود أن النبي قال(( :أَال أُنَ ِّبئُ ُ
ك ْم ما
اس))((( والعضْ ه :السحر -يف ال َعضْ ُه؟ هي ال َّن ِمي َم ُة ،القالَ ُة ْ َ
بي ال َّن ِ
لغة قريش.-
)(4عن أيب هريرة قال :قال النبي (( :تَ ِج ُد ِمن َ ِّ
ش
ج َه ْيِ ،الذي يَأْيت َه ُؤال ِء ب َو ْ
ج ٍه، اس يَو َم ال ِقيا َم ِة ِع ْن َد ِ
هللا ذا ال َو ْ ال َّن ِ
ج ٍه))((( .وهذا هو حال النامم فهو أذن لطائفتني يظهر و َه ُؤال ِء ب َو ْ
لكل واحدة أنه منها مخالف لضدها ،ففعله هذا كذب وخداع
ومداهنة وتحيل لالطالع عىل األرسار.
أمثلة تطبيقية:
)(1دخل رجل عىل عمر بن عبد العزيز فذكر له عن رجل شيئاً،
فقال له عمر :إن شئت نظرنا يف أمرك ،فإن كنت كاذباً فأنت من
ْ َ ٓ َ ُ ۡ َ ُۢ َ َ
ِق بِن َبإ ٖ ف َتبَ َّي ُن ٓوا﴾((( ،وإن كنت
أهل هذه اآلية ﴿إِن جاءكم فاس
َ ٓ َ َّ َّ َّ
يم (((﴾11وإنصادقاً فأنت من أهل هذه اآلية﴿ :همازٖ مشاء ِۢ بِن ِم ٖ
شئت عفونا عنك؟ فقال :العفو يا أمري املؤمنني ،ال أعود
إليه أبدا ً(((.
)(2كان رجل له غالم فباعه ،وقال للمشرتي« :إين أبرأ إليك من فعله،
قال :وما هي؟ قال :النميمة ،قال :أنت بريء منه ،ما أصدقه عىل
220
يشء .فام لبث إال يسريا ً حتى أىت مواله فقال :إن امرأتك ٌّ
بغي،
وهي تريد أن تقتلك ،قال :وكيف علمت ذلك؟ قال :علمت
ذلك ،فتناو ْم لها .ثم أىت امرأته فقال لها :إن زوجك يريد أن
يتزوج غريك ،فهل لك أن أرقيك رقية يرجع حب الزوج إليك،
قالت :نعم ،وأعطيك كذا وكذا ،فقال لها :ائتيني بثالث شعرات
من تحت حنكه ،فأخذت املوىس لتأتيه بثالث شعرات من تحت
حنكه ،فلام دنت منه قام الزوج فقتلها ،ثم جاء أولياء املرأة
فقتلوا الزوج»(((.
أقوال مضيئة:
)(1قال الذهبي« :كل من حملت إليه منيمة ،وقيل له :قال فيك فالن
كذا وكذا لزمه ستة أحوال:
األول :أال يصدقه؛ ألنه منام فاسق وهو مردود الخرب.
الثاين :أنه ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله.
الثالث :أنه يبغضه يف هللا فإنه بغيض عند هللا ،والبغض يف هللا
واجب.
َ ْ ۡ
ريا ّم َِن
﴿ٱج َتن ِ ُبوا كث ِ ٗ الرابع :أال يظن يف املنقول عنه السوء ،لقوله:
َّ ۡ َ َّ َّ
ٱلظ ِّن إِن َب ۡعض ٱلظ ِّن إِث ٞمۖ﴾(((.
الخامس :أال يحمله ما حىك له عىل التجسس والبحث عن تحقق
ْ َ َ َ
﴿و ل تَ َّس ُسوا﴾(((. ذلك مصداقاً لقوله تعاىل:
(( ( التدوين يف أخبار قزوين.332/3 :
(( ( الحجرات.12 :
(( ( الحجرات.12 :
221
السادس :أال يرىض لنفسه ما نهى النامم عنه فال يحيك منيمته»(((.
)(2قال ابن حجر الهيثمي« :تعالج النميمة مبا تعالج به الغيبة .وهو
إما إجاميل :بأن يعلم النامم أنه قد تعرض بها لسخط هللا تعاىل
وعقوبته وأنها تحبط حسناته ،وبأن يتدبر املرء يف عيوبه ويجتهد
يف التطهر منها ،وأن يعلم أن تأذي غريه بالغيبة أو بالنميمة كتأذيه
بها ،فكيف يرىض لغريه ما يتأذى به؟
وأما التفصييل :فيتخلص يف النظر يف بواعثها فتقطعها من األصل؛ إذ
عالج العلة إمنا يكون بقطع سببها ،وأال يعتقد املرء يف أخيه سوءا ً،
وأن يبادر إىل التوبة برشوطها»(((.
)(3قال الجرجاين« :النامم :هو الذي يتحدث مع القوم فينم عليهم
فيكشف ما يُكره كشفه سواء كرهه املنقول عنه ،أو املنقول
إليه ،أو الثالث -أي النامم -وسواء أكان الكشف بالعبارة أو
باإلشارة أو بغريهام»(((.
)(4قال الشاعر:
فإن النم يحبط كل أجــر تنح عن النميمة واجتنبها
َّ
ويكشف للخالئق كل سـر يثري أخو النميمة كل رش
(((
وليس النـ ُّم من أفعال حـر امً
ويقتل نفسه وسواه ظل
222
مراجع ُم ِعينة:
)(1الزواجر ،البن حجر الهيتمي.
)(2مخترص منهاج القصدين ،البن قدامة.
)(3اآلداب الرشعية ،البن مفلح.
)(4األذكار ،للنووي.
223
مراجع هامة
224
فهرس
الصفحة املوضوع م
3 تقدمة
5 إشارات وتنبيهات يف إعداد املوضوعات
8 التقوى 1
15 اإلحسان 2
22 املراقبة 3
29 مجاهدة النفس 4
35 محاسبة النفس 5
42 االبتالء 6
49 االستغفار 7
57 البكاء من خشية هللا تعاىل 8
64 املحبة 9
74 الوالء والرباء 10
83 تعظيم الحرمات 11
90 التوكل 12
97 الشكر 13
104 الورع 14
109 الزهد 15
225
الصفحة املوضوع م
116 حسن الخلق 16
123 بر الوالدين 17
129 األخوة اإلميانية 18
136 النصيحة 19
142 أداء األمانة 20
148 الحلم 21
155 اإليثار 22
162 اتباع الهوى 23
170 الظلم 24
177 النفاق 25
187 االستهزاء 26
194 الحسد 27
201 الكذب 28
210 الغيبة 29
218 النميمة 30
224 مراجع هامة
225 فهرس
226