You are on page 1of 1041

‫بــصــائــر‬

‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫بصـــائر‬
‫أكرب مشروع فكري يف نقد اإلحلاد‬
‫وبيان بعض أدلة صحة اإلسالم‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬طـلـعـت هـيـثـم‬

‫الجزء األول‬

‫‪3‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪4‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫اجلزء األول‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪5‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪6‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫مقدمة املؤلف‬
‫‪‬‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد ْ‬
‫أن ال‬ ‫مض َّل له و َمن ُيضلِ ْل فال‬ ‫ِ‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صلوات اهللِ‬ ‫أن محمدً ا عبدُ ه ورسو ُله‬ ‫اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد َّ‬
‫ُ‬ ‫إله إال ُ‬
‫وسالمه عليه وعلى جميع األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى صحابته وآل بيته‪ ،‬و َمن‬
‫أح َّبهم إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد؛‬
‫مشروع‪ :‬نقد اإللحاد وإثبات اإلسالم!‬
‫ينقسم هذا المشروع إلى ثالثة أجزاء‪:‬‬
‫الجزء األول‪ :‬يتناول هذا الكتاب تفنيدً ا آلراء الملحدين يف الكون ونشأة‬
‫الحياة‪ ،‬و َن ْقد أشهر الشبهات التي يطرحوهنا يف آية ظهور الكون‪ ،‬وآية ظهور‬
‫الكائنات الحية‪ ،‬مع تركيز أكرب على براهين وآيات وجود الخالق سبحانه‪.‬‬
‫أما الجزء الثاين‪ :‬يتناول الكتاب إن شاء اهلل تفنيدً ا آلراء الملحدين يف الدين‪،‬‬
‫وبيانًا لبعض براهين صحة اإلسالم ودالئل صدق الرسول ﷺ‪ ،‬وحقائق ما‬
‫يعلمه أهل الكتاب عن النبي القادم‪.‬‬
‫أما الجزء الثالث من المشروع‪ :‬فهو لنقد أشهر افرتاءات الملحدين على‬
‫اإلسالم والشريعة‪ ،‬وبيان طرق التعامل مع الشبهات والوساوس الع َقدية‪.‬‬
‫تأصيال لنقد‬
‫ً‬ ‫حاولت يف هذا المشروع‪ :‬بناء معرفة‪ ،‬وليس عرض معلومات؛‬
‫ُ‬
‫شبهات‪ ،‬وليس تفكيك كل شبهة مستقلة عن األخرى؛ بناء يقين‪ ،‬وليس مجرد تلقين‪.‬‬
‫كتبت من عند نفسي عدم الخطأ أو الزلل‪.‬‬
‫وال أ َّدعي يف شيء مما ُ‬

‫‪7‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وال أ َّدعي يف هذا المشروع بأكملِه إال خطو ًة واحد ًة ضعيف ًة هزيل ًة على‬
‫مهد بآالف الحجج والدالئل والرباهين‪.‬‬‫طريق كيلومرتي هائل‪ُ ،‬م َّ‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‬
‫[الكهف‪.]901 :‬‬
‫قدَّ مت الطرح يف هذا المشروع بنظام سؤال وجواب؛ ليكون أ ْدعى لالنتباه‬
‫والرتكيز والتذكُّر وسهولة استحضار المعلومة‪.‬‬
‫أحتج هبا‪ ،‬وليس‬
‫ُّ‬ ‫صورا مباشر ًة من المراجع التي‬
‫ً‬ ‫كما استخدمت يف الغالب‬
‫مجرد روابط للمراجع‪ ،‬حتى يكون أدعى للتح ُّقق من صحة المعلومة وتوثيق‬
‫الخرب أمام عيني القارئ!‬
‫أجرا؛ إنه نِ ْعم الجواد الكريم‪.‬‬
‫راج ًيا من اهلل أن ينفع هبذا العمل‪ ،‬وأن يكتب لنا به ً‬
‫خيرا‪.‬‬
‫وال تنسوين من صالح الدعاء‪ ،‬جزاكم اهلل ً‬

‫د‪ .‬هيثم طلعت‬


‫‪Haithamsrour14@gmail.com‬‬
‫‪https://www.facebook.com/haitham.srour41‬‬

‫‪8‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪ ‬واآلنَ لنبدأ على بركة اهلل‪:‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪ -1‬ملاذا هذا املرشوع‪ ،‬ومن يه الفئة المستهدفة منه؟‬

‫هذا المشروع هو للتأسيس وضبط المعرفة‪ ،‬فالفروع يف الغالب ال تنشئ‬


‫َمنهجًا‪ ،‬ال بد من التأسيس لمنهج‪ ،‬المنهج هو الذي َيعصم و ُينشئ الفروع‪.‬‬
‫تحري‬
‫الم ّ‬ ‫ُ‬
‫الباحث عن الحق‪ ،‬يسرتشد به ُ‬ ‫المنهج هو الذي يسرتشد به‬
‫قمت بالرد على عشر ُش ُبهات ستلتبس الشبهة الحادية‬
‫للحجج والرباهين؛ فلو ُ‬
‫منهجا يف الرد‪ْ ،‬‬
‫إذن ال بد من التأسيس‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫عشرة على المتشكك؛ ألنه ال يملك‬
‫تتكون َم َلكة ذاتية لدى الشاب‪ ،‬وحتى يعرف‬
‫َّ‬ ‫بد من التأصيل لمنهج حتى‬
‫المح َكم‪ ،‬ويعرف أين يبحث يف بطون‬
‫المتشكك كيف ُيحيل المتشابه إلى ُ‬
‫ٍ‬
‫معينة!‬ ‫ٍ‬
‫شبهة‬ ‫الكتب لتفنيد‬
‫وهبذا يستضيء َمن يريد أن ُيو َّفق للخير والحق؛ ملحدً ا كان أو متشك ًكا‪.‬‬
‫ؤهل للرد على الشبهات‬
‫أيضا الهدف من المشروع أن يكون عندنا شباب ُم َّ‬
‫ً‬
‫وتفنيدها يف كل مدينة وقرية وشارع‪ ،‬شباب مسلم لديه دراية بنقد أشهر‬
‫الشبهات‪ ،‬ومعرفة بطريقة تفكيك دعاوى اإللحاد والعلمانية والمادية‪ ،‬واطالع‬
‫على َعوار وخلل هذه الكفريات‪ :‬خلل اإللحاد والفلسفات المادية؛ و َفهم‬
‫لرباهين صحة اإلسالم ويقينيات اإليمان‪.‬‬
‫فاألمة اإلسالمية اليوم تواجه حر ًبا عالم َّية‪ ،‬حر ًبا ال تخفى على ُمتابع‪ ،‬وهذا‬
‫َقدَ ر أتباع النبوات عرب التاريخ‪ ،‬حيث تتكاتف مِلل الكفر بشتى مدارسها ومللها‬
‫ولدس السموم والشبهات‪ ،‬وتجنيد أصحاب‬ ‫ِّ‬ ‫ونِحلها لحرب أتباع األنبياء‪،‬‬
‫األهواء لتزيين الكفر‪ ،‬مرة بالشهوة‪ ،‬ومرة بالشبهة‪ ،‬ومرة بالسالح واالحتالل!‬
‫هذا َد ْيدهنم عرب العصور‪ ،‬فمشروعهم معروف‪ ،‬وكأهنم يتواصون به دو ًما‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [الذاريات‪.]35 :‬‬


‫حصن أنفسنا وأبناءنا ونتزكى إيمان ًّيا ً‬
‫أوال بأول‪ ،‬سيبتلعنا طوفان هذه‬ ‫فلو لم ُن ِّ‬
‫الحرب!‬
‫أضف إلى هذه الحرب أننا نعيش اليوم ظاهرة إلحاد َّية فِعل َّية يف العالم‪،‬‬ ‫ِ‬

‫لموجة إلحاد َّي ٍة‪ ،‬موجة‬


‫ٍ‬ ‫أيضا‬
‫عالمنا اإلسالمي ً‬
‫ُ‬ ‫ويتعرض‬
‫َّ‬ ‫فنسبة اإللحاد تزداد‪،‬‬
‫يقودها لصوص اآلخرة الذين يريدون أن يسلبوا آخرة الناس‪ ،‬و ُيضيعوا عليهم‬
‫حياهتم األبدية‪ ،‬وهنا واجب المسلم أن ُيت ِقن كيف يواجه هذه الموجة وهؤالء‬
‫اللصوص‪ ،‬وكيف ينتفع عند ربه من هذه الموجة‪ ،‬فهذه الموجة اإللحاد َّية نِعمة‬
‫كبيرة من اهلل ل ِ َمن انتفع هبا وسأل ربه أن يكون تحت راية نبيه ﷺ‪ ،‬مداف ًعا عن‬
‫دين اهلل‪ ،‬داع ًيا للحق؛ فيتعلم كيف يدعو إلى اهلل‪ ،‬ويتعلم ما يعزز يقينه‪ ،‬ويتعلم‬
‫الش ُبهات والشكوك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصيرة أصحاب ُّ‬ ‫إشكاالت اإللحاد‪ ،‬ثم يدعو إلى اهلل على‬
‫يات المسلم ُة يف دول‬ ‫تعر ًضا لهذه الموجة هي األق ِّل ُ‬
‫وبما أن أكثر الفئات ُّ‬
‫العالم‪ ،‬فأتمنَّى توجيه محتوى هذا المشروع إلى اللغات األخرى لينتفع به‬
‫الناطقون بتلك اللغات من المسلمين وغيرهم‪.‬‬
‫فالعالم اليوم يحتاجنا أكثر بكثير جدًّ ا مما نحن نحتاج إليه!‬
‫نعم!‬
‫العالم يعيش موجة عبثية وعدمية غير مسبوقة‪ ،‬فقد مات معنى اإلنسان‬
‫وظهر الالإنسان‪ ...‬وهذا نتاج اإللحاد المتوقع!‬
‫والعاقل من استعان باهلل وشمر عن ساعد ِ‬
‫الجد ليدعو إلى ربه‪ ،‬و ُيبلغ الناس‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫رسالة اهلل‪﴿ ،‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [فصلت‪.]55 :‬‬

‫‪10‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ُ‬
‫‪ -2‬يف ابلداية‪ :‬ما هو أقرص طريق تلحصيل ايلقني للمسلم والمتشكك؟‬

‫أقصر طريق هو ِورد يومي من القرآن تقرؤه بتد ُّبر‪ ،‬ولو نصف حزب يوم ًّيا‪.‬‬
‫يكون لك ورد تدبر يوميا تحافظ عليه‪ ،‬تقرأ ِ‬
‫آيات هذا ِ‬
‫الورد بتد ُّبر وتأ ُّمل وتف ُّكر‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ُّ‬
‫المعينة على التدبر هو‪ :‬التفسير الميسر‪ ،‬وهو تفسير‬ ‫ومن أفضل الكتب ُ‬
‫موجز جميل!‬
‫تقرأ اآلية من القرآن الكريم‪ ،‬ثم تقرأ تفسيرها‪ ،‬وهكذا إلى أن ينتهي ِ‬
‫الورد‪ ،‬ويف‬
‫العام التالي تنتقل لتفسير آخر مثل المختصر يف التفسير‪ ،‬ثم تفسير الشيخ السعدي‬
‫‪ ‬وهكذا‪...‬‬

‫وهذا الطريق طريق تد ُّبر القرآن والمداومة عليه‪ ،‬له أسراره اإليمانية‬
‫جمل لكل شبهة‪ ،‬وبه تحصل ُطمأنينة النفس‪ ،‬وفيه ُرقية‬ ‫الخاصة‪ ،‬وفيه جواب ُم َ‬
‫َّ‬

‫‪11‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫من الشيطان والوسواس!‬


‫ٍ‬
‫ووقفات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بمعجزات‬ ‫كتاب ربه خرج منه‬
‫واإلنسان كلما تد َّبر َ‬
‫عدو لرسول اهلل ﷺ أراد اغتياله‪ ،‬فما أن سمع آيات القرآن حتى‬
‫بل وكم من ٍّ‬
‫انفطر قلبه وظهر اإليمان يف عينيه!‬
‫هذا يف حال الكافر المحارب الكاره لإلسالم‪ ،‬فكيف بصاحب ُّ‬
‫الش ُبهات‬
‫الذي يريد الحق‪ ،‬فكيف بالمسلم؟!‬
‫فللقرآن معارج إيمانية عجيبة‪ ،‬تستبشر به النفوس‪ ،‬وتنشرح له الصدور‪ ،‬وعادة‬
‫(‪)1‬‬‫النفوس مع القرآن أهنا إذا أخذت حظها منه عادت له مرتاع ًة ُتريد المزيد!‬
‫طوالت وكتب‬
‫الم َّ‬
‫فالقرآن هو أقصر طريق لتحصيل اليقين‪ ،‬والذين قرأوا ُ‬
‫الفالسفة بح ًثا عن اليقين اعرتفوا يف آخر أعمارهم أن أيسر وأفضل طريق لليقين‬
‫كان طريق القرآن!‬
‫طوالت‬
‫والم َّ‬
‫انظر ماذا قال الرازي ‪ ‬بعد رحلة طويلة مع كتب الفالسفة ُ‬
‫الكالمية‪:‬‬
‫والمناهج الفلسفية‪ ،‬فما رأي ُتها‬
‫َ‬ ‫تأملت الطرق الكالمية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال ‪" :‬لقد‬
‫غليال‪ ،‬ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن‪...‬‬
‫عليال‪ ،‬وال تروي ً‬
‫تشفي ً‬
‫عرف مثل معرفتي"(‪.)2‬‬
‫جرب مثل تجربتي َ‬
‫ثم قال‪ :‬و َمن َّ‬
‫وقال َ‬
‫الشهرستاين ‪:‬‬
‫وسدددتطر ط دددت بدددتع معدددِ كلِّعدددال‬ ‫لقدددد يفدددك ا معدددِ كلِّعا دددد ع دددا َ‬
‫ععدددَ ََ َـدددددع أو ـددددااعا سدددع ددددددا (‪)3‬‬ ‫عدددددددد َأا ــ وكاعدددددددددددا ددددددددددد‬
‫حائددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددط‬
‫(‪ )1‬راجع كتاب‪ :‬الطريق إلى القرآن‪ ،‬إبراهيم السكران‪ ،‬متاح على الشبكة العنكبوتية‪.‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬م‪ 19‬ص‪.309‬‬
‫(‪ )3‬هناية اإلقدام يف علم الكالم‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪12‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫يني ‪" :‬لقد قرأت خمسين أل ًفا يف خمسين‬ ‫الج َو ُّ‬


‫وقال أبو المعالي ُ‬
‫ضت يف الذي هن َْوين عنه‪ ،‬وها أنا ذا أعود إلى‬ ‫ضم ُ‬
‫وخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أل ًفا‪،‬‬
‫وركبت البحر الخ َّ‬
‫ُ‬
‫الحق بالحق"!‬
‫كلهم اعرتفوا أن طريق القرآن هو أمثل وأسهل وأيسر وأقصر طرق تحصيل اليقين‪.‬‬
‫أحد بحسب علمه وثقافته وبساطته وعمقه؛ هو كالم‬‫فالقرآن كالم اهلل لكل ٍ‬

‫اهلل لكل أطياف البشر!‬


‫وإلى جانب تد ُّبر كتاب اهلل أدعوكم إلى قراءة أعظم الكالم‪ ،‬وأحسن القول‬
‫بعد كالم اهلل سبحانه‪ ،‬وهو كالم نبيه ﷺ‪ُ ،‬أوصي بقراءة خمسة أحاديث من‬
‫رياض الصالحين يوم ًّيا‪ ،‬بشرح بسيط جميل مثل شرح ابن عثيمين ‪.‬‬
‫ورياض الصالحين كتاب تزكية إيمانية‪ ،‬وما أحوجنا ِ‬
‫لمثل ذلك!‬ ‫َ‬
‫فلتبدأ مشروع تحصيلك لليقين من اليوم‪ ،‬فما من حياتك خير إال ما كان‬
‫ٌ‬
‫فباطل وهبا ٌء ال قيمة له‪ ،‬وكما قال اإلمام ابن القيم ‪" :‬إذا‬ ‫فيها هلل‪ ،‬وغير ذلك‬
‫كان العبد وهو يف الصالة ليس له من صالته إال ما ع َقل منها‪ ،‬فليس له من عمره إال‬
‫ما كان فيه باهلل وهلل"(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬ما هو اإلحلاد‪ ،‬وما يه تقسيمات أتباعه؟‬

‫الم ْيل(‪.)2‬‬
‫اإللحاد يف اللغة يعني‪َ :‬‬
‫قال اهلل تعالى ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ﴾ [النحل‪.]905 :‬‬
‫ُيلحدون إليه‪ ،‬يعني‪ :‬يميلون إليه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجواب الكايف‪ ،‬ص‪.980‬‬


‫(‪ )2‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة " َل َحدَ "‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اصطالحا فهو‪ :‬إنكار الخالق والغيب والن َُّّبوات والبعث والحساب‪.‬‬


‫ً‬ ‫أما اإللحاد‬
‫واإللحاد فِ َرق كثيرة‪ ،‬ومذاهب متنوعة فهناك‪:‬‬
‫الملحد‪ :‬وهو الذي ُينكِر وجود الغيبيات التي تقول هبا األديان‪.‬‬
‫الربوبي‪ :‬وهو الشخص الذي يؤمن بوجود ٍ‬
‫خالق لهذا العالم لكنه يكفر‬ ‫وهناك ُّ ُّ‬
‫باألديان‪.‬‬
‫وهناك الالأدري‪ :‬وهو الشخص الذي ال يستطيع أن يجزم بصحة وجود‬
‫الخالق‪ ،‬وال يستطيع أن يجزم بعدم وجوده‪ ،‬فهو شخص متوقف!‬
‫وهناك الالاكرتاثي‪ :‬وهو الشخص الذي ال ُيبالي بالقضية الدينية‪ ،‬وقضية‬
‫وجود الخالق‪.‬‬
‫وكل أتباع هذه التقسيمات يمكن أن نطلق عليهم‪ :‬الالدينيين‪ ،‬فالملحد‬
‫والربوبي والالأدري والالاكرتاثي كلهم الدينيون‪.‬‬
‫يهتم باإلنسان فحسب‪ ،‬وقد يكون الهيوماينُّ‬
‫وهناك الشخص الهيوماين‪ :‬شخص ُّ‬
‫غير ملحد‪.‬‬
‫هذه أشهر تقسيمات المذاهب اإللحادية المعاصرة‪.‬‬
‫وهنا مالحظة هامة‪:‬‬
‫يوجد َف ْرق بين التعريف اللغوي لإللحاد‪ ،‬والتعريف االصطالحي!‬
‫الم ْيل‪ ،‬وبالتالي يدخل تحت هذا التعريف‪:‬‬
‫اللغوي لإللحاد هو‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫فالتعريف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغيرهم!‬ ‫أصحاب الف َرق الضا َّلة ُ‬
‫كالمع ِّطلة‬
‫لذلك ورود كلمة ملحد يف كتب المتقدمين ال تعني المفهوم االصطالحي‬
‫المعاصر لإللحاد‪ ،‬والذي يعني إنكار الخالق والن َُّّبوات‪ ،‬لكنها تعني نو ًعا من‬
‫االنحراف يف باب من أبواب العقيدة كباب‪ :‬األسماء والصفات‪.‬‬
‫لذلك من قال‪ :‬إن ابن سينا أو أ ًّيا من فالسفة المسلمين كان ملحدً ا‪ ،‬وينسبه‬

‫‪14‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫لإللحاد بمعناه االصطالحي المعاصر فقد أخطأ؛ ألنه ليس أحد من هؤالء كان‬
‫ملحدً ا بالتعريف االصطالحي المعاصر لإللحاد‪ ،‬وإنما كان لبعضهم خلل يف‬
‫بعض القضايا ال َع َقدية‪.‬‬

‫‪ -4‬مىت بدأ اإلحلاد؟‬

‫ال ُتوجد بداية معروفة لإللحاد‪ ،‬وليس هناك إلحا ٌد بمعناه االصطالحي‬
‫المعاصر‪ ،‬والذي يعني إنكار الخالق قبل القرن الثامن عشر الميالدي‪.‬‬
‫وباستثناء بعض ما ُنسب إلى دياجوراس ‪ Diagoras of Melos‬فإن تاريخ‬
‫األمم كان ُمطبِ ًقا على اإليمان بالخالق(‪.)1‬‬
‫ولم يثبت إنكار الخالق عند أحد من الناس يف الغرب أو الشرق حتى القرن‬
‫الثامن عشر الميالدي!‬
‫نعم ُنسبت بعض األقوال لهذا أو ذاك لكن لم يثبت شيء من ذلك!‬
‫يقول المؤرخ الشهير ويل دورانت يف موسوعته قصة الحضارة‪" :‬وال يزال‬
‫سليما"(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫تعم البشر جمي ًعا اعتقا ًدا‬
‫االعتقاد القديم بأن الدين ظاهرة ُّ‬
‫وقال الشهرستاين‪" :‬أما تعطيل الخالق العالم القادر الحكيم فلست أراها‬
‫ٍ‬
‫ألحد‪ ..‬وال أعرف عليها صاحب مقالة"(‪.)3‬‬ ‫مقالة‬
‫المطبِق على اإليمان‬‫فاإللحاد ظاهرة ُطفيلية بالنسبة لتاريخ الجنس البشري ُ‬
‫كزعن ِ َفة‬
‫بالخالق‪ ،‬أو كما يقول الدكتور عبد اهلل الشهري‪" :‬اإللحاد لم يظهر إال ِ‬
‫سمك القرش وسط بحر الدين الهادر"(‪.)4‬‬
‫)‪)1( Diagoras of Melos (104 B.C.‬‬
‫(‪ )2‬ويل ديورانت‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬م‪ 9‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬هناية اإلقدام‪ ،‬ص‪.915‬‬
‫(‪ )4‬ثالث رسائل يف اإللحاد والعلم واإليمان‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل الشهري‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -5‬كيف بدأ اإلحلاد؟‬

‫بداية اإللحاد كانت مع القرن الثامن عشر الميالدي‪ ،‬حين ظهرت موجة‬
‫لتأويل النصوص الدينية يف أوروبا على يد ُدعاة التنوير والعلمانيين‪.‬‬
‫تأويال‬
‫ً‬ ‫وهذا أخطر مداخل اإللحاد على اإلطالق‪ :‬تأويل النص الديني‬
‫إلحادي!‬
‫ٌّ‬ ‫فاسدً ا ُيخرجه عن معناه‪ ،‬هذا أخطر مدخل‬
‫ألن تأويل النص الديني بما يخرجه عن معناه س ُيؤدي إلى التشكيك يف قيمة‬
‫النص‪ ،‬ومصداقية المعنى‪ ،‬وسيجعل ما يطرأ على ذهنك من فهم النص بال وثوقية!‬
‫فانتشر اإللحاد يف الغرب‪ ،‬حين فقد الناس الثقة بالنص الديني!!‬
‫وهذا بالمناسبة ما يحاول ُدعاة ما ُيسمى بالتنوير يف بالدنا تطبيقه اليوم مع‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫يحاولون اللعب بالنصوص الشرعية حتى يوهنوا قيمتها يف النفس‪ ،‬ويخرجوها‬
‫عن معناها!‬
‫مثال ذلك‪ :‬أنت تقول‪ :‬الخمر حرام باإلجماع!‬
‫والملحد يقول‪ :‬الخمر حالل‪...‬‬
‫فهنا يأيت التنويري ويقول لك‪ :‬سأقوم بتأويل النص الديني حتى أجعل‬
‫ً‬
‫حالال!‬ ‫الخمر‬
‫ٍ‬
‫شديد‪ ،‬وهو أكرب مدخل لإللحاد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بإيجاز‬ ‫هذا مشروع التنوير يف بالدنا‬
‫وكانت هذه بداية اإللحاد يف أوروبا‪.‬‬
‫لكن حتى القرن الثامن عشر الميالدي لم يكن اإللحاد الذي هو إنكار الخالق قد‬
‫ظهر بعدُ !‬
‫التمرد على الدين‪ ،‬وأشهر شخصية معادية للدين يف ذاك‬
‫ُّ‬ ‫فقط ظهر نوع من‬

‫‪16‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫الوقت‪ ،‬هو الفيلسوف الفرنسي فولتير(‪.)1‬‬


‫التمرد على الدين يف ذاك الوقت لم يكن ملحدً ا‬
‫ُّ‬ ‫وفولتير كغيره من ُدعاة‬
‫االصطالحي المعروف اليوم‪ ،‬وإنما فقط رافض لمسيحية الكنيسة؛‬
‫َّ‬ ‫اإللحاد‬
‫ولذلك لم يمانع فولتير من شرح األخالق يف إطار الدين لخدمه‪ ،‬وكان يقول‬
‫كلمته الشهيرة‪" :‬لو لم يكن هناك إله لخانتني زوجتي وسرقني خادمي"‪.‬‬
‫واألعجب أنه قام يف أواخر حياته ببناء كنيسة بال ُقرب من قصره نقش على‬
‫مدخلها‪" :‬يا رب‪ ،‬اذ ُك ْر عبدك فولتير"(‪.)2‬‬
‫خصصة لإلله وحده على هذه األرض‪ ،‬أما‬
‫الم َّ‬
‫وا َّدعى أهنا الكنيسة الوحيدة ُ‬
‫خصصة للقديسين‪ ،‬وكان يرسل خدمه إلى الكنيسة‬
‫الكنائس األخرى فهي ُم َّ‬
‫بانتظام ويدفع أجور تعليم أبنائهم قواعدَ الديانة‪.‬‬
‫فنحن حتى هذه اللحظة لم نرصد اإللحاد بمعناه المعاصر‪.‬‬
‫ويدخل القرن التاسع عشر ليبدأ يف هذا القرن تحديدً ا التنظير الفعلي لإللحاد‪،‬‬
‫وتتأسس األفكار التي سينبني عليها اإللحاد‪:‬‬
‫َّ‬
‫فيظهر التنظير االقتصادي لإللحاد عند كارل ماركس(‪.)3‬‬
‫حيث اعترب ماركس أن االقتصاد هو البنية التحتية الوحيدة‪ ،‬أما الدين‬
‫فسيختفي يف المجتمع الشيوعي يف مرحلة تالية‪.‬‬
‫التطور على يد تشارلز داروين‪ ،‬والتي زعم‬
‫ُّ‬ ‫ويف ذاك الوقت ظهرت نظرية‬
‫تطورت من بعضها البعض(‪.)4‬‬
‫فيها أن الكائنات الحية َّ‬
‫(‪ )1‬فولتير (‪9778‬م)‪.‬‬
‫(‪ )2‬قصة الحضارة‪ ،‬ويل ديورانت‪ ،‬المجلد ‪ 58‬صفحة ‪.192‬‬
‫(‪ )3‬كارل ماركس (‪9885‬م)‪.‬‬
‫(‪ )4‬تشارلز داروين (‪9881‬م)‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبعد تشارلز داروين ظهر باحث فرنسي يف علم االجتماع ُيدعى إيميل‬
‫دوركايم‪)1(:‬‬

‫تفسيرا لسبب اعتناق الدين‪ ،‬فاعترب أن الدين نشأ‬


‫ً‬ ‫حاول دوركايم أن يضع‬
‫نتيجة المجتمع والجماعة‪ ،‬حيث تشرتك العشائر يف لقب واحد فيما ُيعرف‬
‫بالطوطم ‪ ،Totem‬وهذا الطوطم يف الغالب يكون لق ًبا حيوان ًّيا‪ ،‬ومن هنا نشأ‬
‫الدين عند دوركايم‪.‬‬
‫من المعلوم عند علماء االجتماع اليوم أن تخ ُّيالت دوركايم أصبحت هبا ًء‬
‫منثورا‪ ،‬فهناك ُأمم كاملة وحضارات‪ ،‬بل وقارات ال تعرف شي ًئا عن الطوطم‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫يوجد عندهم نظام األلقاب الحيوانية‪ ،‬ومع ذلك توجد عند هؤالء جمي ًعا‪ :‬عقيدة‬
‫اإليمان باهلل األعلى بصورة واضحة(‪.)2‬‬
‫مؤخرا أن فكرة الطوطم يف القبائل القديمة هي فكرة‬
‫ً‬ ‫والعجيب أنه قد تب َّين‬
‫عرف القبائل بأنساهبا‪،‬‬
‫اقتصادية وليست فكر ًة دينية‪ ،‬فالطوطم شعار قومي ورمز ُي ِّ‬
‫هو شيء أشبه بال َع َلم الخاص بالدول اليوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬إيميل دوركايم (‪9197‬م)‪.‬‬


‫‪)2( Andrew Lang (4641) the making of religion.‬‬

‫‪18‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫فمما هو معلوم أن الدين‬


‫أما فكرة أن الدين أنشأه المجتمع‪ ،‬فهذه فكرة سخيفة‪َّ ،‬‬
‫يف األصل ظاهرة فردية‪ ،‬هو َعالقة بين اإلنسان وربه‪...‬‬
‫ثم كيف ُينشئ العقل الجمعي الدين؟‬
‫هل سمع أحد بديانة تظهر ثم يقبلها المجتمع مباشرةً؟‬
‫أم أن العكس هو الحاصل دو ًما؟‬
‫فالموقف المعتاد المتكرر هو‪ :‬المناهضة للديانة الجديدة‪ ،‬والمقاومة‬
‫ومتكررا؟‬
‫ً‬ ‫أصال تاريخ ًّيا ُمشاهدً ا‬
‫العنيفة لداعيها! أليس هذا ً‬
‫ثم إن هذا االفرتاض السخيف عند دوركايم ال يجيب عن السؤال‬
‫الجوهري‪ :‬مِن أين جاءت فكرة اإلله األكرب فاطر السماوات واألرض‪ ،‬وعلى‬
‫ِغرار أي جماعة أو مجتمع ُطبعت هذه الصورة؟ وكيف قامت الدعوات لها عرب‬
‫(‪)1‬‬ ‫كل التاريخ وكل الجغرافيا‪ ،‬عرب كل الزمان وعرب تاريخ كل األنبياء؟‬
‫لألسف خياالت دوركايم ظلت لعقود ُت َّ‬
‫درس يف جامعات أوروبا باعتبارها‬
‫حقائق تاريخية‪.‬‬
‫كبير يف تدليس المعرفة عند األوروبيين‬
‫دور ٌ‬‫وبالمناسبة دوركايم كان له ٌ‬
‫عندما كان يطرح حفالت القبائل البدائية بما فيها من عربدة وارتكاب‬
‫حرمات كمظهر تد ُّيني عندهم‪ ،‬فقد ثبت أن هذه الحفالت كانت تمر ًدا على‬
‫للم َّ‬
‫ُ‬
‫هيكل الحياة االجتماعية والدينية للقبيلة وليس العكس‪ ،‬وأصبحت اآلن هذه‬
‫الحقيقة من أشهر تدليسات دوركايم!‬
‫فالنظم القبلية يف كل المجتمعات تقوم على الفصل التام بين الجنسين؛ لقد‬
‫مظهرا دين ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫التمرد على الدين والحفالت الماجنة‬
‫جعل دوركايم بأسلوب غريب ُّ‬

‫(‪ )1‬الدين‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد اهلل دراز‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الكثير‬
‫ُ‬ ‫تسربت على أيدي داروين وماركس ودوركايم‬ ‫ْ‬
‫إذن ُخالصة ما سبق‪َّ :‬‬
‫من المعلومات المغلوطة إلى العقل األوروبي‪ ،‬فظهر الشك واإللحاد‪.‬‬
‫كانت البداية مع هؤالء‪ ،‬وسوف تكون النهاية مع أشباههم!‬
‫مشروعا واق ًعا على األرض‪،‬‬
‫ً‬ ‫ومع دخول القرن العشرين أصبح اإللحاد‬
‫وتبنَّى التنظير االقتصادي لكارل ماركس ُد َول بأكملها!‬
‫فظهرت الشيوعية يف كثير من دول شرق أوروبا وروسيا والصين وفيتنام‬
‫وكوريا وكوبا وغيرها‪ ،‬وظهر التنظير البيولوجي لتشارلز داروين يف ألمانيا النازية‪،‬‬
‫ونشأت الحرب العالمية الثانية بنا ًء على مفهوم البقاء لألصلح وإبادة األعراق‬
‫المنح َّطة كما ُي ُّ‬
‫سموهنا‪.‬‬ ‫الضعيفة‪ ،‬حيث ظهر مفهوم إبادة الـ ‪ Subman‬أي‪ :‬األعراق ُ‬

‫لقد فشلت التنظيرات اإللحادية يف البقاء‪ ،‬فاهنارت النازية بعد أن كشفت‬


‫عن الوجه القبيح للعنصرية‪ ،‬واختفاء معنى اإلنسان يف اإللحاد‪ ،‬واهنارت‬
‫الماركسية وتف َّكك االتحاد السوفيتي‪ ،‬وظهر عجز اإللحاد التام عن تحليل‬
‫ظاهرة اإلنسان!‬
‫فسر َو ْف ًقا لهذه التنظيرات الفاسدة‪.‬‬
‫فاإلنسان ال يمكن أن ُي َّ‬

‫‪20‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ٍ‬
‫جديد تما ًما‪ ،‬فقد ا َّتشح‬ ‫بزي‬
‫ومع دخول القرن الحادي والعشرين ظهر اإللحاد ٍّ‬
‫زورا بالعلم و َت َّ‬
‫سمى بـ"اإللحاد العلمي"‪ ،‬وبدأ ُيقدم نفسه مرة أخرى معتمدً ا هذه‬ ‫ً‬
‫المرة على افرتاضات وتخمينات جديدة ال ُّ‬
‫تقل سطحي ًة عن االفرتاضات القديمة‪،‬‬
‫وال تقل خطور ًة على اإلنسان عنها!‬
‫لكن مشكلة هذا النوع الجديد أنه يستخدم عصا العلم ل ُيغري أنصاف‬
‫المثقفين والجيل الصاعد به!‬
‫مشروع هذا الكتاب الذي بين يديك اآلن هو يف‪ :‬كشف حقيقة اإللحاد‬
‫الجديد‪ ،‬والنظر فيما تل َّبس به من دعاوى ِعلمية!‬

‫‪ -6‬كيف بدأت الطبيعة؟ كيف بدأ الكون؟‬

‫هذا أول سؤال عقلي يمكن طرحه حين ننظر حولنا!‬


‫واإللحاد الجديد كالقديم تما ًما يجيب عن هذا السؤال بتقرير قدرة الطبيعة على‬
‫الخلق واإليجاد‪.‬‬
‫والخ ْلق‪ ،‬فقد نسبوا‬
‫فالطبيعة عندهم هي المسؤولة عن اإليجاد والتقدير والعناية َ‬
‫لها كل شيء‪.‬‬
‫الطبيعة عندهم هي‪ :‬كل شيء؛ وال شيء غير الطبيعة كما يقول الالأدري‬
‫كارل ساغان ‪.)1(Carl Sagan‬‬
‫فالطبيعة عند الملحد هي المعنى األوحد يف الوجود‪ ،‬حتى إن توماس‬
‫يحب أن‬
‫ُّ‬ ‫هكسلي رفيق داروين وجرو داورين ‪ Darwin Bulldog‬كما كان‬
‫ُيسمى‪ ،‬كان ُيطلق على الطبيعة لقب‪ :‬السيدة الطبيعة ‪.Dame Nature‬‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=4-OdJmAefOY‬‬
‫من ‪2141‬‬
‫إلى ‪2141‬‬

‫‪21‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫حجما هو الطبيعة عند المالحدة!‬


‫ً‬ ‫فأكرب َو َثن ا ُّتخذ من دون اهلل‬
‫حجما يف تاريخ الكفر البشري‪.‬‬
‫ً‬ ‫الطبيعة هي أكرب األوثان‬
‫الخ ْلق‬
‫فاإللحاد يف حقيقته هو وثنيَّة‪ ،‬حيث ينسب للطبيعة المادية القدرة على َ‬
‫واإليجاد والتدبير!‬
‫ولذلك ريتشارد دوكينز الملحد الشهير ُيسمي الطبيعة بـ‪" :‬صانع الساعات‬
‫األعمى ‪."The Blind Watchmaker‬‬

‫فالطبيعة تصنع وتخلق عندهم!‬


‫وهذه الصورة الوثن َّية لإللحاد تجعله يندرج تحت الوثنيات التي ظهرت عرب‬
‫التاريخ!‬
‫السفسطة‪ ،‬وبينما هو على‬
‫يقول الدكتور حسام حامد‪" :‬الملحد ارتقى جبل َّ‬
‫َو ْشك أن يقهر أعلى قمة من قمم السفسطة‪ ،‬وإذ تعرتضه آخر صخرة‪ ،‬وما إن‬

‫‪22‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫يصعد‪ ،‬إذا به يجد جماعة من الوثنيين كانوا يجلسون قبله يف نفس المكان هناك‬
‫منذ قرون"(‪.)1‬‬
‫فما إن يصعد الملحد أعلى جبل اإللحاد‪ ،‬ويف لحظة ارتقائه أعلى ٍ‬
‫قمة من‬
‫قممه‪ ،‬إذا به يكتشف وثن َّية إلحاده‪.‬‬
‫فاإللحاد يؤمن بقدرة الطبيعة وحتمية الطبيعة‪ ،‬كما ُيؤمن الوثني تما ًما‬
‫الح َجر التي يعبدها مع اهلل!‬
‫بقدرات قطعة َ‬
‫هذه هي النظرة اإللحاد َّية للطبيعة‪ ،‬وهي مسؤولية الطبيعة عن‪ :‬إيجاد كل شيء!‬
‫لكنَّنا يف القرن العشرين قد اكتشفنا حقيقة علم َّية مدهشة‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن‪ :‬الطبيعة‬
‫لها بداية‪ ،‬وأهنا غير مكتفية بذاهتا!‬
‫المس َّلمات اليوم َّ‬
‫أن‪ :‬هذا الكون ظهر من الالزمان‬ ‫فقد أصبح من ُ‬
‫والالمكان؛ فجأ ًة ظهرت الطبيعة!‬
‫فالطبيعة ليست أزل َّية‪ ،‬واليوم هناك إجماع بين علماء الفيزياء أن الكون له بداية‪.‬‬
‫لحظة ما ظهرت مادة الكون‪ ،‬وظهر الزمان والمكان بعد أن لم يكن‬ ‫ٍ‬ ‫ففي‬
‫هناك ال مكان وال زمان‪ ،‬هذا إجماع علمي!‬

‫(‪ )1‬اإللحاد وثوقية التوهم وخواء العدم‪ ،‬د‪ .‬حسام الدين حامد‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬ص‪ .990‬بتصرف‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الو ْرطة الكربى أمام اإللحاد!‬


‫وهنا تظهر َ‬
‫وبحدود حرجة غاية‬
‫فالكون أتى فجأ ًة بمنتهى الضبط وبثوابت فيزيائية مبهرة‪ُ ،‬‬
‫يف الدقة!‬
‫فضال عن أن ي ِ‬
‫وجد غيره‪.‬‬ ‫وهبذا فمن البديهي أن الكون ليس له دور يف إيجاد نفسه ً‬
‫ُ‬
‫وبالتالي ال يبقى إال البديل الثالث‪ ،‬وهو أن لهذا الكون خال ًقا!‬
‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ﴾ [الطور‪.]53-53 :‬‬
‫كان الكتشاف ظهور الكون فجأ ًة وبثوابت غاية يف الضبط‪ ،‬كان الكتشاف‬
‫قع شديدٌ على نفوس الملحدين‪.‬‬
‫هذا األمر َو ٌ‬
‫يقول الالأدري ديفيد بيرلنسكي ‪" :David Berlinski‬ينزعج الفيزيائيون‬
‫بشدَّ ة من حقيقة أن للكون بداية؛ ألن هذا أمر له لوازم دينية"(‪.)1‬‬
‫ونفس الكالم ُيؤكده ستيفن هوكينج يف كتابه الشهير تاريخ موجز للزمن‬
‫حيث يقول‪" :‬الذين ال ُيح ّبذون حقيقة بداية الزمن وبداية الكون‪ ،‬هم ال‬
‫ُيحبذون ذلك؛ ألن لهذا األمر ُبعدً ا دين ًّيا"(‪.)2‬‬
‫أما الفيزيائي الملحد آرثر إدنجتون ‪ Arthur Eddington‬فيعرتف اعرتا ًفا‬
‫قاس ًيا فيقول‪" :‬إن فكرة أن للكون بداية هذه الفكرة بغيضة بالنسبة لي‪ ،‬فكرة‬
‫كريهة تزعجني"(‪.)3‬‬
‫‪)1( David Berlinski: The devil's Delusion, Atheism and its Scientific Pretensions, p. 69.‬‬
‫(‪ )2‬ستيفن هوكينج‪ ،‬تاريخ موجز للزمان ص‪.11‬‬
‫إلهـا‪ ،‬محمد أمين ُخالل‪.‬‬ ‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬العلم ليس ً‬
‫‪)3( the notion of a beginning of the present order of Nature. is repugnant to me.‬‬
‫‪Arthur Eddington, The End of the World: From the Standpoint of Mathematical Physics in‬‬
‫‪Nature, p. 150. Nature 419, 119-152.‬‬

‫‪24‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫فبداية الكون هي حقيق ٌة مزعجة لكل ملحد؛ لكن لألسف واقع الحال أن‬
‫بعض الملحدين غير الدارسين للعلوم ال يعرفون هذه اإلشكاالت؛ ولذلك ربما‬
‫أصال‪،‬‬
‫يسخر بعضهم من إلزام أن الكون له بداية؛ ألنه ال يفهم أبعاد هذا اإللزام ً‬
‫وبالتالي ال يشعر بأي إزعاج!‬

‫‪ -7‬لكن ما املانع أن تكون هناك قوانني قبل ظهور كوننا‪ ،‬وهذه القوانني اكن‬
‫هلا دور يف إجياد كوننا؟‬

‫الر ْجم بالغيب ﴿ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ‬


‫يف البداية‪ :‬هذا من باب َّ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [سبأ‪.]35 :‬‬
‫فنتيج ًة لكفرهم ُي ُّ‬
‫ضطرون للرجم بالغيب بال برهان وال ب ِّينة!‬
‫ثان ًيا‪ :‬فكرة أن هناك قوانين فيزيائية قبل كوننا‪ ،‬هذه الفكرة علم ًّيا سخيفة؛‬
‫ألنه ال يوجد كلمة "قبل" قبل ظهور كوننا‪ ،‬فهذه الكلمة "قبل" هي كلمة مرتبطة‬
‫بالزمن‪ ،‬والكون كما قلنا أتى من الالزمن‪ ،‬وبالتالي ال وجود لكلمة "قبل" يف‬
‫العالم المادي الطبيعي‪.‬‬
‫ثم هل بافرتاض الملحد َّ‬
‫أن هناك قواني َن قبل عالمنا يكون هبذا قد أجاب عن‬
‫سؤال‪ :‬من أين أتى الكون؟‬
‫سيبقى السؤال‪ :‬ما مصدر هذه القوانين؟‬
‫َمن الذي قنَّنها؟‬
‫َمن الذي أعطاها عملها؟‬
‫ما مصدر قانون الجاذبية الذي افرتضه بعض المالحدة ساب ًقا لكوننا‪ ،‬ما مصدر‬
‫هذا القانون؟‬
‫َمن الذي قنَّنه؟‬
‫ثم إن قانون الجاذبية هو توصيف رياضي لحدث معين‪ ،‬وليس هو ذات الحدث‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وللتبسيط‪ :‬قانون الجاذبية يشرح سبب سقوط األجسام وحركة األجسام‪،‬‬


‫لكن ال يفسر لي مِن أين أتت األجسام‪ ،‬وباألحرى هو لم ي ِ‬
‫وجد هذه األجسام!‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حركتها إذا سقطت‬
‫فقانون الجاذبية لن ُينتج كرة بلياردو‪ ،‬وإنما هو فقط يصف َ‬
‫على األرض‪.‬‬
‫مستقال؛ وإنما هو‪ :‬وصف‬
‫ًّ‬ ‫فقانون الجاذبية ليس كينونة مستقلة‪ ،‬ليس شي ًئا‬
‫لحدث طبيعي!‬
‫لخ ْلق كرة‬
‫لكن يأيت المالحدة ليفرتضوا أن وجود قانون الجاذبية يكفي َ‬
‫البلياردو‪ ،‬وعصا البلياردو‪ ،‬والعب البلياردو؛ هذه سخافة غريبة لتربير الخرافة!‬
‫أيضا بنفس القياس نقول َّ‬
‫إن‪ :‬قوانين االحرتاق الداخلي يف موتور السيارة لن‬ ‫ً‬
‫تخ ُل َق موتور سيارة‪.‬‬
‫لخ ْلق‪ :‬الموتور‪،‬‬
‫فهل من العقل افرتاض أن قوانين االحرتاق الداخلي تكفي َ‬
‫وشرارة االحرتاق‪ ،‬وال َبنزين‪ ،‬والسائق‪ ،‬والطريق؟‬
‫ٍ‬
‫إشكاالت حقيقية‬ ‫ما أصبح ُيفكر المالحدة هبذه الطريقة إال ألهنم يواجهون‬
‫مزعجة لن يخرجوا منها إال هبذه ال َف ْرضيات الغريبة‪.‬‬

‫‪ -8‬لكن ربما يف املستقبل نعرف كيف ظهر الكون؟‬

‫التوسل بالمستقبل‪ ،‬وهو أكرب مغالطة يقع فيها الملحد!‬


‫ُّ‬ ‫هذا ُيسمى بـ‪:‬‬
‫فلسان حال الملحد‪ :‬سأكفر على أمل أن َيظهر يف المستقبل ما يدعم ُكفري‪.‬‬
‫سأكفر من أجل ُح َّجة قد تظهر يف مستقب ٍل لن أكون فيه!‬
‫وهكذا حال مالحدة ذاك المستقبل سيقعون يف نفس المغالطة!‬
‫ولن تجد َمن يتف َّكه ويتندَّ ر بكل هؤالء مثل المستقبل!‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬

‫‪26‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الشورى‪.]93 :‬‬
‫ٍ‬
‫روض لمنع تفسير‬ ‫ٍ‬
‫تخمينات و ُف‬ ‫ٍ‬
‫شيء االحتكام إلى‬ ‫ليس من العقل يف‬
‫الظاهرة يف إطارها الداللي على الخالق‪.‬‬
‫توهمات لمنع تفسير ظهور‬ ‫ٍ‬
‫أو بمعنًى آخر‪ :‬ليس من العقل يف شيء االحتكام إلى ُّ‬
‫الكون الذي أتى هبذا الضبط يف إطاره الداللي على الم ِ‬
‫وجد الذي أتقن كل شيء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إن هذا التعطيل هو تعطيل لوظيفة العقل!‬ ‫َّ‬
‫وإذا ُكنَّا عند هذه المرحلة‪ ،‬ومع هذه المعطيات الساطعة نعاند اإليمان‬
‫ٍ‬
‫مرحلة ُنس ِّلم له؟‬ ‫بالخالق‪ ،‬فعند أي‬
‫﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ﴾ [الملك‪.]90 :‬‬
‫واآلن أ ُّيها القارئ! احتكِ ْم إلى عقلِك‪:‬‬
‫وبثوابت فيزيائية مبهرة بحيث لو َّ‬
‫اختل ثابت‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫لحظة بمنتهى الضبط‪،‬‬ ‫كون جاء يف‬
‫واحد منها بجزء من مليارات مليارات األجزاء لما ظهر‪ ،‬أليست هذه المقدمة ُتثبِت‬
‫وأولى من الغرائب التي نسمعها من الملحدين؟‬
‫أحق ْ‬
‫الديني بالخالق ُّ‬ ‫َّ‬
‫أن‪ :‬اإليمان‬
‫َّ‬
‫ح ِّك ْم عقلك!‬
‫ال يمكن لشيء منضبط هبذا الضبط كالثوابت الفيزيائية التي بدأ هبا كوننا أن تأيت‬
‫بالصدفة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫للصدفة هبذا اإلهبار!‬
‫ال َعالقة ُّ‬

‫‪ -9‬ما املانع أن تكون هناك أكوان كثرية‪ ،‬وكوننا أىت بني هذه األكوان بالصدفة؟‬

‫فرضية األكوان المتعددة كما َيعرف كل فيزيائي على ظهر األرض‪ ،‬هي‬
‫مجرد تخمين بال دليل مِن رصد أو بحث‪.‬‬
‫‪Multiverse‬‬ ‫يقول عالم الفيزياء جون بولكنجهون‪" :‬األكوان المتعددة‬

‫‪27‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ميتافيزيقي‪ ،‬وال يوجد سبب‬


‫ٌّ‬ ‫تصور‬
‫ُّ‬ ‫ليست فيزياء‪ ،‬بل هي يف أحسن األحوال‬
‫علمي واحد يدعو لإليمان بمجموعة من األكوان المتعددة‪ ،‬ال يوجد دليل‬
‫علمي يجعلني ُأصدِّ ق هبذه الفكرة"(‪.)1‬‬
‫أما الفيزيائي الالمع راسل ستانرد ‪ Russell Stannard‬فيقول‪" :‬ال توجد‬
‫حتَّى معادلة فيزيائية واحدة تدعم فرضية األكوان المتعددة"‪.‬‬

‫جرد تخمينات وخياالت غير ُم َبرهنة‪،‬‬


‫ففرضية األكوان المتعددة هي ُم َّ‬
‫أمر ُمربِك وغريب‪ ،‬كما يقول فيلسوف العلوم ريتشارد‬
‫واالنتصار لهذه التخمينات ٌ‬
‫داويد ‪.Richard Dawid‬‬

‫‪)1( John Polkinghorne, One World, P.10‬‬


‫إلهـا‪ ،‬محمد أمين ُخالل‪ ،‬مركز يقين‪.‬‬ ‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬العلم ليس ً‬

‫‪28‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫وحتى على افرتاض وجود أكوان متعددة‪ ،‬ستبقى هذه األكوان المتعددة‬
‫ُمنعزلة سبب ًّيا‪ ،‬أي َّ‬
‫أن‪ :‬كل كون منعزل عن اآلخر سبب ًّيا‪.‬‬
‫مستقال تما ًما‪ ،‬وبالتالي فكل كون هو عبارة‬
‫ًّ‬ ‫ظه َر‬ ‫وهذا معناه َّ‬
‫أن‪ :‬كل كون قد َ‬
‫عن واقعة مستقلة ‪ Independent Event‬أي‪ :‬واقعة ال َعالقة لها بسابقتها‪.‬‬
‫الخاصة المستقلة به‪ ،‬وال ُيفسر ظهور‬ ‫ٍ‬
‫كون قوانينه‬ ‫وهبذه الصورة فلكل‬
‫َّ‬
‫ظهور البعض اآلخر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بعضها‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫إشكاال أعمق‪ ،‬وهو أنَّه‪ :‬سيصبح لكل كون تصميمه الخاص‪،‬‬ ‫وهذا سيطرح‬
‫وبالتالي فالملحد لم يعد أمامه كون بثوابت فيزيائية مدهشة‪ ،‬بل جملة أكوان‬
‫لك ٍل منها عملية إبداع‪ ،‬ولك ٍل منها قوانين َّ‬
‫خاصة وإال ما ظهر!‬
‫وربما بعض ثوابت هذه األكوان تفوق يف دهشتها وعظمتها اإلتقان الذي‬
‫نشهده يف كوننا برتيليونات تريليونات المرات؛ إهنا إلزامات أكرب على اإللحاد‪.‬‬
‫إذن األكوان المتعددة لم َت ُح َّل مشكلة الضبط الدقيق‪ ،‬بل طرحت مشكلة الضبط‬
‫ْ‬
‫على أبعاد أخرى ربما ال يجرؤ العقل البشري على استيعاهبا يف األمد المنظور‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثم السؤال الجوهري‪ :‬مِن أين أتت هذه األكوان؟‬


‫األكوان المتعددة على افرتاض وجودها هي ليست أزل َّية‪ ،‬بل لها بداية!‬
‫وبما أن لها بداية فال بد أن هناك ُمس ِّب ًبا لوجودها!‬
‫وبالتالي فأنت لم ُت ْ‬
‫جب عن شيء بتقديم فرضية األكوان المتعددة‪.‬‬
‫أ َّما مسألة َّ‬
‫أن األكوان المتعددة لها بداية‪ ،‬فهذا أمر معروف كما يقول أحد‬
‫أشهر داعمي فرضية األكوان المتعددة اليوم‪ ،‬وهو الفيزيائي آالن جوث ‪Alan Guth‬‬

‫حيث يقرر أن هذه األكوان المتعددة على افرتاض وجودها ستبقى لها بداية‬
‫محددة ‪.It would still be somewhere an ultimate beginning‬‬
‫ٍ‬
‫مكان ما لكل هذه األكوان‪ ،‬ستبقى هناك بداية هنائ َّية‬ ‫ستبقى هناك بداية يف‬
‫للجميع(‪.)1‬‬
‫قائما‪.‬‬ ‫ً‬
‫سؤاال ً‬ ‫وبالتالي سيبقى سؤال‪ :‬مِن أين أتت هذه األكوان‬
‫استشكاال منطق ًّيا بسي ًطا يف موضوع األكوان المتعددة ُيبين عدم‬
‫ً‬ ‫ثم َّ‬
‫إن هناك‬
‫جدوى االحتجاج هبا من طرف الملحد وهو‪:‬‬
‫هل عندما أسألك‪ :‬من أين أتى هذا الغالم الصغير الجميل؟ فتقول هذا‬
‫قبيحا! هل أنت هبذا أجبت؟‬
‫الغالم له إخوة كثيرون غيره‪ ،‬ربما بعضهم يكون ً‬
‫من أين أتى هذا الكون األنيق؟‬
‫ستقول‪ :‬هناك أكوان أخرى كثيرة!‬
‫إجابة سخيفة على سؤال عقلي ومنطقي!‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=NUI6Dq1WTxg‬‬
‫من ‪50:11‬‬
‫إلى ‪50:33‬‬
‫تمت استفادة رابط الفيديو من كتاب براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬مركز تكوين‪ ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪30‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫حاولت أن ُتغرق السمكة بكل‬


‫َ‬ ‫يقول كريستيان دوف ‪" :Christian Dove‬لو‬
‫محيطات العالم فستبقى تثبت وجودها‪ ،‬ستبقى حية"(‪.)1‬‬
‫السمكة ستبقى تتنفس؛ ألن السمكة ببساطة ال تغرق بالماء حتى ولو‬
‫وضعتَها داخل كل محيطات العالم‪.‬‬
‫فأنت لم تفعل شي ًئا بافرتاض وجود أكوان متعددة‪ ،‬أنت هبذه الحيلة ‪ -‬حيلة‬
‫هترب من إلزامات الضبط الدقيق‪ ،‬وال إلزامات وجود‬
‫األكوان المتعددة‪ -‬لم ُ‬
‫كوننا وال غيرها من اإللزامات‪ ،‬ما زالت هذه اإللزامات حي ًة تتنفس‪ ،‬ولو‬
‫أغرقتها بمليارات األكوان!‬
‫بل إن كل كون جديد سيزيد اإللزامات تعقيدً ا‪.‬‬
‫شرعا من وجود أكوان أخرى‪ ،‬فاهلل‬
‫وبالمناسبة‪ :‬ليس هناك ما يمنع عق ًال وال ً‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫‪ ‬هو ُّ‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [الفاتحة‪.]1 :‬‬
‫مبني‬ ‫فهذا أمر ال مشكلة فيه شر ًعا‪ ،‬لكن التدليس ْ‬
‫يتم افرتاض أن كل كون ٌّ‬
‫أن َّ‬
‫فصلنا؛ فكل كون‬
‫على اآلخر‪ ،‬مع أن كل كون مستقل سبب ًّيا عن اآلخر كما َّ‬
‫منعزل عن اآلخر‪ ،‬وكل كون له ثوابته الخاصة‪ ،‬وليس مبن ًّيا على غيره‪ ،‬وبالتالي‬
‫للصدفة أو االحتمالية‪.‬‬
‫ال مكان ُّ‬

‫‪ -11‬ما املانع أن يكون الكون أىت بمحض الصدفة؟‬

‫القول بالصدفة يف بداية الكون هو جهل بأصول االحتماالت؛ ألن الصدفة‬


‫لها شرطان ال ينف َّك ِ‬
‫ان عنها‪ ،‬وهما‪ :‬الزمان والمكان‪.‬‬
‫فالصدفة تشرتط‪ :‬زمانًا تقوم فيه بإحداث أثرها‪.‬‬
‫‪)1( De Duve, Life Evolving, P.166‬‬

‫‪31‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وتشرتط‪ :‬وجو ًدا ماد ًّيا مكان ًّيا تقوم عليه ل ُينتج مفعولها‪.‬‬
‫والكون أتى من الالزمان والالمكان‪ ،‬وبالتالي من الالصدفة!‬
‫َّ‬
‫‪ -11‬هل مفهوم السببية هل وجود حلظة ظهور الكون؟‬

‫يف اإلسالم نحن نؤمن بق ُّيوم َّية اهلل؛ فاهلل ق ُّيوم السماوات واألرض‪ :‬به تقوم‬
‫السماوات واألرض‪.‬‬
‫اسم اهلل األعظم عند كثير من أهل العلم‪.‬‬
‫ولذلك كان اسم "الحي القيوم" هو ُ‬
‫تعمقنا يف النظر إلى كوننا وجدنا أن الكون ما كان له‬
‫لكن العجيب أننا عندما َّ‬
‫وجد ثم يستقر ويستمر‪ ،‬وما كان للدالة الموجية أن ُتظهر نم ًطا معينًا للوجود‬ ‫أن ُي َ‬
‫بمرجح؛ إال بق ُّيوم َّي ٍة!‬
‫إال ُ‬
‫والدالة الموجية هي‪ :‬احتماالت خصائص أي جسيم صغير‪ ،‬خصائص‬
‫الجسيم مثل‪ :‬مكان الجسيم!‬
‫ربما يكون مكان الجسيم اآلن هنا أو هنا أو هناك‪ ،‬ال تعرف‪.‬‬

‫الدالة الموجية تضع احتماالت كثيرة جدًّ ا لمكان الجسيم‪ ،‬لكن ال تقطع له‬
‫بمكان ُمحدَّ د‪ ،‬ولن تستطيع أن تقطع!‬

‫‪32‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫فطب ًقا لميكانيك الكم‪ ،‬وميكانيك الكم هو علم دراسة ُ‬


‫الج َسيمات األصغر‬
‫حجما من الذرة‪ ،‬وهو علم صحيح تما ًما‪.‬‬
‫ً‬

‫طب ًقا لميكانيك الكم‪ ،‬فأنت يستحيل علم ًّيا أن تعرف مكان ُجسيم واحد بعد‬
‫ٍ‬
‫ثانية من اآلن‪ ،‬بل يستحيل أن تعرف مكانه وسرعته اآلن‪ ،‬هذا محال و َمن قال إنه‬
‫يعرف مكانه اآلن‪ ،‬فهو ال يعرف شي ًئا عن ميكانيك الكم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد هذا ُم ٌ‬
‫حال يف ميكانيك‬ ‫واحد يف ٍ‬
‫وقت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لجسيم‬ ‫ِ‬
‫خاصيتين‬ ‫فأنت لن تعرف‬
‫سمى يف علم ميكانيك الكم بمبدأ الريبة أو مبدأ الاليقين‪.‬‬
‫الكم‪ ،‬وهذا ما ُي َّ‬
‫ومبدأ الاليقين ينص على أنَّه‪ :‬يستحيل تحديد مكان وسرعة جسيم يف ٍ‬
‫وقت‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫واحد؛ يستحيل تحديد خاصيتين يف نفس الوقت‪.‬‬‫ٍ‬

‫لكن قد يقول قائل‪ :‬ربما هذا نتيجة قصور اآلالت أو قصور المعرفة البشرية؟‬
‫أيضا ال يفهم ميكانيك الكم جيدً ا‪.‬‬
‫و َمن قال هبذا فهو ً‬
‫فمبدأ الاليقين هو قانون صار ٌم من قوانين الطبيعة‪ ،‬ال يرتبط بأي شك ٍل من‬
‫األشكال ببعض القصور الموجود يف أجهزتنا‪ ،‬أو بقدراتنا على الرصد‪ ،‬بل هو‬
‫قانون كوينٌّ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫قاصر تما ًما ال يتح َّكم بنفسه‪ ،‬وال‬


‫ٌ‬ ‫وبنا ًء على ما سبق‪ :‬فالكون بكل ما فيه‬
‫ٍ‬
‫واحدة!‬ ‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫فضال أن نعرف نحن ما سيؤول إليه بعد‬
‫يمكن أن يعرف هو‪ً ،‬‬
‫فحرف ًّيا لن تعرف ولن يعرف العالم ماذا سيحصل يف الكون بعد لحظة‬
‫واحدة من اآلن؛ وهذا مبدأ كوينٌّ!‬
‫قائم يف كل‬
‫كم ٌّي ٌ‬
‫فاهنيار السماوات‪ ،‬وتشقق األفالك هو احتمال كوانتي ِّ‬
‫لحظة‪ ،‬ويف أي لحظة!‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ﴾‬
‫[فاطر‪.]29:‬‬
‫وكما يقول ستيفن هوكينج يف كتابه األخير التصميم العظيم‪" :‬من الممكن‬
‫يتحول القمر يف بعض العصور إلى قطعة جبن؛ يف أية لحظة يمكن أن يحصل‬
‫َّ‬ ‫أن‬
‫هذا األمر‪ ،‬لكنه ليس كذلك اآلن‪ ...‬ثم يضحك هوكينج ويقول‪ :‬وهذا ربما‬
‫غضب الفئران"‪.‬‬‫ي ِ‬
‫ُ‬

‫‪34‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ويقول ستيفن هوكينج يف نفس الصفحة‪" :‬البعض يتخ َّيل أن هذا خيال‬
‫ِعلمي‪ ،‬لكنه ليس كذلك"!‬

‫أي شيء يمكن أن يقع يف أية لحظة!‬


‫ُّ‬
‫عما أتحدث!‬ ‫والذي يفهم ميكانيك الكم جيدً ا سيفهم َّ‬
‫قائم؛‬
‫أمر ٌ‬ ‫فالدهشة ليست يف انقالب الكون إلى أي تو ُّقع يف أ َّية لحظة؛ ألن هذا ٌ‬
‫ومستقر و ُمن َّظم!‬ ‫شيء من ذلك‪ ،‬بل هو ثابت‬ ‫ٍ‬ ‫األكثر دهشة َّ‬
‫أن الكون ال يحصل له أي‬
‫ٌّ‬
‫فثبات الكون واستقراره بكل ما فيه من ُجسيمات هو أحد أوجه ق ُّيوم َّية اهلل‬
‫تفسد السماوات واألرض يف لحظة‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫سبحانه‪ ،‬وبدون اهلل ُ‬
‫ﯥﯦ﴾ [األنبياء‪.]11 :‬‬
‫فالكون كله بكل ُجسيم فيه مفتقر إلى اهلل منذ لحظة ظهوره‪ ،‬ويف كل لحظة‪.‬‬
‫ِ‬
‫يقوالن لنا إنه‪ :‬ال بد من ُمرجح يف كل‬ ‫ْ‬
‫إذن الدالة الموجية وميكانيك الكم‬
‫لحظة لكل ُجسيم‪ ،‬ال بد من ق ُّيوم وإال الهنار كل شيء!‬
‫ال بد من مرجح لظهور الكون‪ ،‬ال بد من مرجح الستمرار الكون‪ ،‬ال بد من‬
‫مرجح الستقرار الكون وثباته!‬

‫‪35‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫جوهري لحظة ظهور الكون‪ ،‬والق ُّيوم َّية حقيقة لكل َمن نظر وتد َّبر!‬
‫ٌّ‬ ‫فالسبب َّية أمر‬
‫َّ‬ ‫ا‬
‫‪ -12‬لكن هل فعل السببية غري موجودة يف اعلم مياكنيك الكم؟‬

‫السبب َّية هي بديهة يف ميكانيك الكم‪.‬‬


‫السبب َّية هي سبب ونتيجة‪.‬‬
‫والسبب َّية تعني َّ‬
‫أن‪ :‬الحدث "أ" يؤدي إلى الحدث "ب"‪.‬‬
‫اعتماد الحدث "ب" على الحدث "أ" هذه هي السبب َّية‪ ،‬وهي جوهر العلم‪،‬‬
‫وجوهر ميكانيك الكم‪ ،‬وجوهر أي رصد وجودي على اإلطالق‪ ،‬فالسبب َّية‬
‫موجودة يف ميكانيك الكم بال شك!‬
‫وال يمكن أن ُيبنى علم بدون سبب َّية!‬
‫وإنكار السبب َّية هو إنكار لكل العلوم التجريبية!‬
‫لكن ما هي مشكلة ميكانيك الكم؟‬
‫سمى بـ‪ :‬الحتمية‪.‬‬
‫مشكلة ميكانيك الكم هي مع شيء ُي َّ‬
‫ما هي الحتمية؟‬
‫الحتمية هي‪ :‬اإلطار الزمني لألحداث!‬
‫ترتيب األحداث يف اإلطار الزمني هذا اسمه‪" :‬الحتمية"‪.‬‬
‫مشكلة ميكانيك الكم هي مع الحتمية‪ ،‬وليس مع السبب َّية‪.‬‬
‫ألن الزمن يف ميكانيك الكم غير واضح‪ ،‬اإلطار الزمني لألحداث يف‬
‫ميكانيك الكم غير ظاهر للعلماء‪ ،‬وهناك كتب كاملة وتفسيرات مختلفة للزمن‬
‫داخل ميكانيك الكم‪.‬‬
‫ف َفهم الزمن هو من أعقد األمور يف ميكانيك الكم‪.‬‬
‫فهنا بعض العلماء يقولون َّ‬
‫إن‪ :‬الحتمية ال وجود لها يف ميكانيك الكم!‬

‫‪36‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫وإن كانت هناك أبحاث كثيرة ُتؤكد أنه حتى الحتمية ثابتة وصحيحة ً‬
‫أيضا يف‬
‫مؤخرا‬
‫ً‬ ‫ميكانيك الكم‪ ،‬كما يف تفسير بوهم ‪ ،Bohmian interpretation‬وظهرت‬
‫أوراق ِعلمية تدعم بالفعل تفسير بوهم‪ ،‬لكن بغض النظر عن كل ذلك‪ ،‬فالسبب َّية‬
‫هي بديهة يف ميكانيك الكم‪.‬‬
‫ومن العلماء الذين كتبوا يف ضرورة السبب َّية يف ميكانيك الكم‪ ،‬العالِم ماكس‬
‫بورن ‪ ،Max Born‬وهو أحد أكرب علماء ميكانيك الكم‪ ،‬والحائز على نوبل يف‬
‫ميكانيك الكم‪.‬‬
‫قام ماكس بورن بتأليف كتاب‪:‬‬
‫‪NATURAL PHILOSOPHY OF CAUSE AND CHANCE.‬‬

‫كامال بعنوان‪" :‬السبب َّية والحتم َّية"‪.‬‬


‫فصال ً‬
‫وكتَب يف هذا الكتاب ً‬
‫يف هذا الفصل أوضح ماكس بورن‪ :‬الفرق بين السبب َّية والحتم َّية‪َّ ،‬‬
‫وأن‬
‫الحتمية هي إطار زمني لألحداث‪ ،‬بينما السبب َّية هي تر ُّتب الحدث "ب" على‬
‫الحدث "أ" ثم قال‪:‬‬
‫الظن بأن الفيزياء تخلت عن السبب َّية هو قول ٍ‬
‫عار تما ًما من الصحة!‬

‫‪37‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪Physics has given up causality is entirely unfounded.‬‬


‫فالسبب َّية هي سبب ونتيجة‪ ،‬وميكانيك الكم تسري عليه السبب َّية كما تسري على‬
‫كل العلوم‪.‬‬
‫‪Causality postulates that there are laws by which the occurrence of‬‬
‫‪an entity B of a certain class depends on the occurrence of an entity A‬‬
‫‪of another class, where the word 'entity' means any physical object,‬‬
‫‪phenomenon, situation, or event. A is called the cause, B the effect.‬‬
‫ثم قال كلمته الها َّمة‪ :‬السبب َّية هي ُمس َّلمة يف ميكانيك الكم‪.‬‬
‫‪We derive Quantum Theory from purely informational principles.‬‬
‫(‪Five elementary axioms—causality.)1‬‬
‫فهذه حقائق مستقرة‪ ،‬لكن لألسف هناك َمن يلعب بعقول بعض شبابنا باسم العلم!‬
‫وال أدري لماذا ُيشكك الملحد يف السبب َّية؟‬
‫لماذا يحاول أن يفرتض سقوط السبب َّية يف ميكانيك الكم؟‬
‫تخ َّيل أنَّه يريد أن يسقط ُبرهانًا عقل ًّيا عمال ًقا كالسبب َّية؟‬
‫هل تعرف لماذا يحاول الملحد أن يفعل ذلك؟‬
‫الجواب ربما ببساطة‪ :‬ألن البناء العقلي السليم ضد اإللحاد!‬
‫البديهيات العقلية كالسبب َّية ضد اإللحاد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -13‬هناك جسيمات خترج باستمرار من الفراغ الكوانيت أو الفراغ الكمويم‪ ،‬هل‬
‫هذا يعين ظهور املادة من اليشء؟‬

‫هذه الفرضية‪ :‬فرضية خروج ُجسيمات باستمرار من الفراغ الكوانتي‪ ،‬كانت‬


‫ُتعدُّ من أشهر تدليسات المالحدة يف مطلع األلفينات‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلحاالت ً‬
‫نقال عن‪ :‬اخرتاق عقل‪ ،‬د‪ .‬أحمد إبراهيم‪ ،‬مركز دالئل‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫كانوا يقولون‪ :‬هناك ُجسيمات تظهر من الشيء!‬


‫لكن ما لم يقولوه لنا هو َّ‬
‫أن‪ :‬الالشيء يف مصطلح الفيزياء هو "شيء حقيقي‬
‫له وجود" وليس الشي ًئا‪ ،‬ليس هو العدم!‬
‫فالالشيء يف الفيزياء ُيسمى بـ‪ :‬الفراغ الكمومي أو الفراغ الكوانتي‪.‬‬
‫اصطالحي‪ ،‬وال يعني العدم!‬
‫ٌّ‬ ‫وهو فراغ‬
‫فهو فراغ موجود يف إطار الزمان والمكان والما َّدة والطاقة‪ ،‬ويف هذا الفراغ‬
‫قدر من الطاقة يستحيل التخلص منه‪.‬‬
‫تحوالت لهذه الطاقة إلى ُجسيمات افرتاضية‪ ،‬ثم تختفي‬
‫فما يحصل هو ُّ‬
‫الجسيمات سري ًعا!‬
‫هذا كل ما يف األمر!‬
‫فالفراغ الكوانتي ال يؤدي لظهور جسيمات من العدم!‬
‫وإنما من مجاالت طاقة وزمان ومكان‪.‬‬
‫وبما َّ‬
‫أن الكون باتفاق الفيزيائيين جاء من الالزمان والالمكان؛ فبالتالي‪ :‬ما‬
‫َعالقة هذه الظاهرة بنشأة الكون؟‬
‫الجسيمات االفرتاضية التي تخرج من الفراغ الكوانتي‪ ،‬ال‬
‫والغريب أن هذه ُ‬
‫قيمة حقيقية لها؛ لذلك هي ُت َّ‬
‫سمى ‪ Virtual particles‬جسيمات افرتاضية‪ ،‬وال‬
‫تتحول إلى ُجسيمات حقيقية‪.‬‬
‫َّ‬
‫أصال‪ ،‬وإنما‬
‫ً‬ ‫تتحول إلى مادة‪ ،‬وليست بمادة‬
‫َّ‬ ‫هي جسيمات افرتاضية ال‬
‫تختفي ذات ًّيا فور ظهورها‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تتحول إلى مادة إال بتفاعلها مع ما َّدة وطاقة‪.‬‬


‫ولن َّ‬
‫الجسيمات االفرتاضية أنت‬ ‫ْ‬
‫إذن يف ميكانيك الكم حتى تحصل على هذه ُ‬
‫تحتاج إلى‪:‬‬
‫‪ -9‬مكان‪.‬‬
‫‪ -1‬زمان‪.‬‬
‫‪ -5‬حد أدنى من الطاقة )‪.Zero-point energy (ZPE‬‬
‫أصال‪ ،‬وإنما تختفي فور‬
‫ويف األخير هذه ُجسيمات افرتاضية ليست بمادة ً‬
‫ظهورها!‬
‫والتساؤل هنا‪ :‬لماذا يندفع الملحد خلف هذه األُطروحات‪ ،‬ويبني عليها‬
‫سراب أوهامه؟‬
‫أمورا غير منطق َّية وال واقع َّية؟‬
‫لماذا يفرتض ً‬
‫الجواب ببساطة‪ :‬ألن اإللحاد ال ينتصر إال ِ‬
‫باللعب على َو َتر السحر والخرافة!‬
‫الدين هو أحد االنتصارات الكربى للعقل!‬

‫‪40‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫الدين أكرب انتصار للعقل‪.‬‬


‫أما اإللحاد فال يملك إال االفرتاضات البائسة‪ ،‬والتي قد تكون ُبرهانًا على‬
‫معاناته!‬

‫‪ -14‬ما يه دالئل وجود اخلالق؟‬

‫دالئل وجود الخالق سبحانه كثيرة ال ُتحصى‪ ،‬و َمن ذا الذي ُيحصي خل َقه‬
‫وجوده وكمالِه؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫براهين‬ ‫ونعمه وجو َده‪ ،‬وما ال حصر له من‬
‫َ‬
‫ويقدم لنا القرآن الكريم ثالث مراتب من األدلة الكربى على وجود الخالق‬
‫سبحانه‪ ،‬ومراتب أخرى استئناسية كثيرة‪.‬‬
‫نحتج بالقرآن على ملحد ال يؤمن به؟‬
‫ُّ‬ ‫وهنا قد يسأل سائل ويقول‪ :‬كيف‬
‫والجواب‪ :‬نحن ُنقدم األدلة العقل َّية التي يطرحها القرآن الكريم يف إثبات‬
‫وجود الخالق‪ ،‬وهذه األدلة تستوي ُحجتها يف نظر المؤمن بالقرآن وغير المؤمن‬
‫به؛ ألهنا أدلة عقلية!‬
‫أما األدلة الثالثة الكربى التي ُيقدمها القرآن الكريم فهي‪:‬‬
‫الدليل األول وهو‪ :‬دليل اإليجاد‪:‬‬
‫كل شيء محدَ ث‪ ،‬أي‪ :‬وجد بعد أن لم يكن موجودا‪ ،‬ال بد له مِن م ِ‬
‫حدث أي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫موجد‪.‬‬
‫والكون ك ُّله بكل ما فيه من ما َّدة وقوانين وأفالك‪ُ ،‬محدَ ث بال خالف بين علماء‬
‫األرض‪.‬‬
‫الكون ُو ِجد بعد أن لم يكن موجو ًدا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والشيء المحدَ ث الذي ُوجد فيه برهان آكد على الم ِ‬


‫وجد! هذه بديهة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يستوي يف التسليم لها كل البشر‪.‬‬
‫يقول ستيفن هوكينج يف كتابه الشهير تاريخ موجز للزمن‪" :‬وجود بداية‬
‫للكون هذا األمر له لوازم دينية"(‪.)1‬‬
‫ويقول الفيزيائي فرانك تبلر ‪" :Frank Tipler‬لقد بدأت حيايت المهنية‬
‫أتصور حتى يف أحالمي أن حدوث قوانين الفيزياء ستدفعني إلى‬
‫َّ‬ ‫كملحد‪ ،‬لم‬
‫اإليمان بالخالق"(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫الموجد‪.‬‬ ‫فكل شيء ُوجد فيه برهان على‬

‫(‪ )1‬ستيفن هوكينج‪ ،‬تاريخ موجز للزمان‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪)2( Frank Tipler, the Physics of immortality, p.ix.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪( 235‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫لذرة هي براهين‬
‫ذرة وكل ُج َسيم يف الكون‪ ،‬وكل نشاط َّ‬
‫وبالتالي فكل َّ‬
‫بعضها فوق بعض على وجود الخالق‪.‬‬
‫الجسيمات؛ هذا الكون بكل ما فيه من‬
‫الذرات وهذه ُ‬
‫فهذا الوجود وهذه َّ‬
‫مادة هو كون َع َرضي ُمحدَ ث ليس أزل ًّيا‪.‬‬
‫الكون بكل قوانينه ونواميسه غير م ٍ‬
‫كتف بذاته‪ ،‬وإذا استقرت هذه البديهيات‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الموجد‪ ،‬وسيتربهن لك بأن لهذا الكون‬ ‫ِ‬
‫العلم َّية يف ذهنك فسينصرف عق ُلك إلى‬
‫خال ًقا ال َمحالة‪.‬‬
‫فهذا ُيسمى بـ‪" :‬برهان اإليجاد" وما أكثر آيات القرآن الكريم التي تلفت‬
‫أنظارنا إلى هذا الربهان‪ ،‬وتدف ُعنا دف ًعا للتفكر فيه والتأمل‪.‬‬
‫اقرأ قو َله تعالى‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [يونس‪.]909 :‬‬
‫واقرأ قوله سبحانه‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ﴾ [األعراف‪.]983 :‬‬
‫عقلي وبرهنة‬ ‫دليل‬ ‫فيه‬ ‫؛‬ ‫دَ‬ ‫ج‬ ‫فكل شيء ُخلِق‪ ،‬كل شيء ُأ ِ‬
‫حدث‪ ،‬كل شيء ُو ِ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫الموجد!‬ ‫مباشرة على‬
‫الدليل الثاين وهو‪ :‬دليل اإلتقان‪:‬‬
‫تم رصده‪-‬‬
‫كل شيء يف الوجود على اإلطالق من الكواركات ‪-‬أصغر ُج َسيم َّ‬
‫إلى أكرب األجرام‪ ،‬كل شيء يف الكون يحمل درجة من درجات التعقيد الوظيفي‪.‬‬
‫التعقيد الوظيفي أي‪ُ :‬يؤدي وظيفة متخصصة و ُمهمة ُمحدَّ دة‪ ،‬يحمل درجة‬
‫من اإلتقان‪.‬‬
‫وهذا اإلتقان‪ ،‬هذا التعقيد الوظيفي‪ ،‬هو مرتبة زائدة على مجرد الوجود‪.‬‬
‫فالوجود مرتبة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والتعقيد الوظيفي ‪-‬اإلتقان‪ -‬مرتبة زائدة على مجرد الوجود‪.‬‬


‫صمم بشك ٍل معين ليؤدي وظيفة محددة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ولو نظرت من حولك فكل شيء حولك ُم َّ‬
‫الذرة ستجد أن الكوارك ‪-‬أصغر ُجسيم على‬ ‫ولو نظرت يف أعمق أعماق َّ‬
‫صم ٌم بشكل معين ألداء مهمة ُمحدَّ دة‪.‬‬
‫تم رصده‪ُ -‬م َّ‬
‫اإلطالق َّ‬

‫فالذرة والفوتون والقوانين الفيزيائية والطاقة‪ ،‬كل شيء له وظيفة ويؤدي‬


‫َّ‬
‫ُمهمة‪ ،‬حتى العناصر المش َّعة لها دورها الحيوي يف تما ُيز طبقات األرض!‬
‫كذلك الروابط بين الذرات‪ :‬الروابط الكيميائية األ ُّيون َّية والتساهمية التي‬
‫أن الذرة تقبل هذا التعاقد‪،‬‬ ‫الذرات لتكوين الجزيئات‪ ،‬وكيف َّ‬ ‫تجري بين َّ‬
‫وترفض تعاقدً ا آخر؟ فتقبل ذر ُة الصوديوم التعاقدَ مع ذرة الكلور لتكوين ملح‬
‫المكونة للسيراميك التعاقد مع الذرات يف خاليا‬
‫ِّ‬ ‫الذرات‬
‫الطعام‪ ،‬بينما ترفض َّ‬
‫جلدك!‬
‫هذه الصور المدهشة من التعاقد ورفض التعاقد تؤدي إلى كل األشكال‬
‫والتنويعات المبهرة المحيطة بنا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫تسخيرا لعم ٍل ُمحدَّ ٍد!‬


‫ً‬ ‫كل ما حولك يحمل تعقيدً ا وظيف ًّيا‪ ،‬كل ما حولك يحمل‬
‫هذا التعقيد والتسخير واإلتقان هو ُبرهان َخ ْلق وإبداع‪.‬‬
‫لذلك الملحد الشهير أستاذ ميكانيك الكم بجامعة أوكسفورد ديفيد دوتش‬
‫أي إنسان أنه لم‬
‫يستهزئ من الحال التي وصل إليها المالحدة فيقول‪" :‬إذا زعم ُّ‬
‫يدس‬
‫يتفاجأ من اإلتقان والدقة يف هذا الكون وقوانين هذا الكون‪ ،‬فهو ببساطة ُّ‬
‫رأسه يف الرمل؛ المفاجآت كثيرة وغير ُمتوقعة"‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فاإلتقان يف الكون يفاجئ العلماء‪.‬‬


‫وما أك َث َر اآليات التي تحدثت عن دليل اإلتقان يف القرآن الكريم‪:‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ﴾ [النمل‪.]88 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ﴾ [السجدة‪.]7 :‬‬
‫عز مِن قائل‪﴿ :‬ﮟ ﮠﮡﮢﮣ ﮤ ﮥﮦﮧ ﮨﮩﮪ ﮫ﴾‬ ‫وقال َّ‬
‫[األعلى‪.]5-9 :‬‬
‫كثيرة هي اآليات التي ُتؤكد هذا الربهان العقلي السامق‪ :‬برهان اإلتقان!‬
‫كثيرا من المالحدة مِ َّمن ُيجهزون‬
‫لكن لألسف هذا اإلتقان ال يبهر ً‬
‫للسفسطة حتى قبل أن يتأملوا الربهان الذي يحمله هذا اإلتقان!‬
‫يدسون اؤوس ا كلطمال"!‬ ‫ولذلِ قد أحسع ييفتد ومش حتع وصيف بأ ‪ُّ " :‬‬

‫وأنا أدعوك لتتأمل اإلتقان يف زهرة األوركيد ‪ Orchid‬التي تتخذ صورة‬


‫ً‬
‫محاوال تلقيحها فتلتصق ح َّبات‬ ‫ُتطابق تما ًما صورة ُأنثى النحل‪ ،‬فيأيت َذكَر النحل‬
‫ُغبار الطلع يف رأسه‪ ،‬ويقوم بالعملية نفسها يف أوركيد أخرى‪ ،‬فيقوم بالتلقيح‬
‫المثالي لزهرة األوركيد دون أن يدري‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫واألعجب من ذلك أن زهرة األوركيد ‪ُ Orchid‬تفرز نفس الرائحة الخاصة‬


‫ب ُأنثى النحل فيرمون ‪ُ Pheromone‬أنثى النحل‪ ،‬وليس شكلها فقط‪.‬‬
‫تنس أهنا كائن ال يعي من‬
‫تأمل يف هذه الزهرة العجيبة زهرة األوركيد‪ ،‬وال َ‬
‫أمره شي ًئا‪ ،‬وال ُيد ِّبر من أمره شي ًئا‪.‬‬
‫توازن بيئي‬
‫ومع هذه الخاصية المعجزة للتلقيح عند األوركيد‪ ،‬فهي تعيش يف ُ‬
‫مثالي مع غيرها من الكائنات‪ ،‬فال تطغى عليها بحيث تنتشر يف األرض على حساب‬
‫ودع عجيب الصنع يف كل شيء‪.‬‬ ‫الخلق‪ ،‬وم ِ‬
‫غيرها من النباتات؛ فسبحان فاطر َ‬
‫ُ‬
‫وحتى تشارلز داروين نفسه اعرتف قبل عام من وفاته أن ما تقوم به زهرة‬
‫األوركيد يعصف بعقله؛ نعم!‬
‫(‪)1‬‬ ‫يعصف بالأدريته‪ ،‬ويعصف بكفره!‬
‫لك َّن بعض الملحدين المعاصرين لألسف ال ُيعصفون‪ ،‬وال يتأثرون هبذه‬
‫األمور وال هبذه الرباهين‪ ،‬فهم يعيشون حالة من السفسطة الجاهزة!‬
‫‪)1( "Well, that often comes over me with overwhelming force; but at other times," and he‬‬
‫‪shook his head vaguely, adding, "it seems to go away." (Argyll 4115, 111).‬‬

‫‪47‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ب براهين اإلتقان لو تد َّبروها!‬


‫أعج َ‬
‫فما َ‬
‫المصور‬ ‫ٍ‬
‫بتجرد للحق‪ ،‬س ُيسلم بالخالق البارئ ُ‬
‫و َمن نظر يف براهين اإلتقان ُّ‬
‫الهادي العليم الحكيم القدير!‬
‫فاذهب‬
‫ْ‬ ‫أوجه براهين اإلتقان اإللهي‪،‬‬
‫ترصد بنفسك أحد ُ‬ ‫وإذا أردت أن ُ‬
‫الهرمونات يف أجسادنا!‬
‫ألحد معامل التحاليل الطبية‪ ،‬وانظر إلى معايير ضبط ُ‬
‫هرون النمو ‪ Growth hormone‬على سبيل المثال‪ ،‬انظر يف تركيزه يف الدم‪:‬‬
‫"‪ 3‬نانو جرام"‪.‬‬

‫قسم على‬ ‫وبمعادلة رياض َّية بسيطة‪ ،‬تجد َّ‬


‫أن جرا ًما واحدً ا من هذا الهرمون ُم َّ‬ ‫ُ‬
‫ثالثة آالف إنسان‪ ،‬انظر لمقدار الدقة المبهرة‪.‬‬
‫ولو ازدادت نسبة هذا الهرمون بمقدار ُيقاس بأجزاء من المائة مليون من‬
‫الجرام؛ فإن هذا قد يؤدي إلى مرض العملقة‪ ،‬ولو ق َّلت بأجزاء من المائة مليون‬

‫‪48‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫التقزم‪.‬‬
‫من الجرام قد تؤدي إلى مرض ُّ‬

‫تقزم‪ ،‬نتيجة زيادة أو نقص‬


‫تغ ُّيرات كاملة يف بنية الهيكل العظمي‪َ :‬ع ْملقة أو ُّ‬
‫هبذا القدر البسيط والمدهش من هرمون النمو‪.‬‬

‫أما لو نظرت يف هرمون األدرينالين‪ ،‬ذاك الهرمون العجيب الذي تشعر‬


‫ُّ‬
‫ويضخ‬ ‫بتأثيره لحظة الخوف‪ ،‬ولحظة الخطر‪ ،‬ف ُيسرع دقات ضربات القلب‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الدم إلى العضالت‪ ،‬ويزيد من ُق َّوة انتباهك‪ ،‬هذا الهرمون لو نظرت فيه لوجدت‬
‫أنه ُمقدَّ ر بضبط مبهر يف دمك‪.‬‬

‫فإن حجم ملعقة واحدة منه تقري ًبا ُتوزع على عشرات‬
‫وبمعادلة رياض َّية بسيطة‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫اآلالف من البشر!‬
‫تخ َّيل ِدقة أن ملعقة واحدة ُتوزع على عشرات اآلالف من البشر!‬
‫دقة وإتقان من أعجب ما ترى‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [القمر‪.]21 :‬‬

‫‪50‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫الدليل الثالث وهو‪ :‬دليل الرعاية "الرعاية لإلنسان"‪:‬‬


‫لو نظرت إلى الحدود الحرجة التي ُتشكل وظائفك البيولوجية‪ِ ،‬‬
‫ودقة‬
‫ُهرموناتِك‪ ،‬والفندق الذي تعيش فيه‪ ،‬فندق النعم والخيرات‪ :‬أرض ُتنبت‬
‫طعامك‪ ،‬وسماء ُتمطر رزقك ﴿ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡ﴾ [عبس‪ ،]13-12 :‬فندق متكامل من حولك‪ ،‬والفطرة التي بداخلك‬
‫أخطأت أو‬
‫َ‬ ‫مستمرا لضميرك بحيث لو‬
‫ًّ‬ ‫وخزا‬
‫ً‬ ‫والتي تضبط قِيمك‪ ،‬و ُتعطيك‬
‫ظلمت تشعر بضرورة إصالح نفسك‪ ،‬والن َُّّبوات التي أتتك‪ :‬أولئك األنبياء الذين‬
‫َ‬
‫جاؤوا ليضبطوا لك معرفتك وعملك‪ ،‬وما ال يمكن حصره من النعم؛ عند النظر‬
‫يف كل هذا تستوعب معنى دليل الرعاية‪.‬‬
‫فليس هناك إتقان فحسب‪ ،‬بل هناك رعاية وتسخير من أجلك أيها اإلنسان؛‬
‫ما حولك ُم َّ‬
‫سخ ٌر لك‪.‬‬
‫يحيط بك ُّ‬
‫يدل على أنك ُمدلل‪ ،‬كما يقول عالم الفلك األمريكي‬ ‫ُ‬ ‫فبنية كل ما‬
‫جون أوكِيف(‪.)1‬‬
‫فنحن محاطون بالرعاية اإللهية!‬
‫وما الجوائز والكشوف الكربى إال كشوف ألوجه الرعاية يف الكون‪ ،‬ثم ينال‬
‫العلماء جوائز على هذه الكشوف‪.‬‬
‫فما أكثرها من نِ َعم‪ :‬نِ َعم الهداية بالفطرة والنبوات‪ ،‬ونعم الرزق الدنيوي‪.‬‬
‫﴿ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [الشعراء‪.]71-78 :‬‬
‫رصدت مزيد أوجه تسخير من أجلك!‬
‫َ‬ ‫نظرت يف الكون من حولك‪،‬‬
‫َ‬ ‫وكلما‬
‫ويف كتابه "قدَ ر الطبيعة" يسرد عالم الوراثة الالأدري مايكل دنتون‪ ،‬يسرد‬
‫‪)1( Fred Heeren, Show me God, p.114.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص ‪.233‬‬

‫‪51‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫آالف الرباهين ِ‬
‫العلم َّية على هذا التسخير‪ ،‬وعلى هذه المعايير التي انضبط هبا ما‬
‫حولك لك‪.‬‬
‫مشكورا برتجمته ونشره‪.‬‬
‫ً‬ ‫الكتاب ُمبهر يف هذا الباب وقد قام مركز براهين‬

‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾‬
‫[لقمان‪.]10 :‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان من نفسه‪ ،‬لك ْن لألسف‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫نِ َعم ال ُتحصى يعرفها كل‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الحج‪!]8 :‬‬

‫‪52‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ٌّ‬
‫‪ -15‬لكن ملاذا ال تكون هناك حضارة عظيمة أو أي يشء مادي هو املسؤول‬
‫عن إجياد كوننا بهذا اإلبهار؟‬

‫أيضا‬
‫هذا سؤال متكرر وبالمناسبة الذي يعرف جواب هذا السؤال سيعرف ً‬
‫جواب شبهة‪َ :‬من َخ َلق الخالق؟‬
‫أيضا ُ‬
‫لشبهة‪َ :‬من خلق الخالق؟‬ ‫فجواب هذا السؤال هو جواب ً‬
‫وهذا السؤال أجاب عنه علماء اإلسالم قبل أكثر من ألف عام!‬
‫قال علماؤنا‪ :‬التسلسل يف الفاعلين ُيؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع األفعال(‪.)1‬‬
‫أي وجود أكثر من خالق‪ ،‬مثل‪ :‬حضارة عظيمة أوجدتنا‪ ،‬أو‬
‫التسلسل يف الفاعلين‪ْ :‬‬
‫شيء مادي أوجدنا‪ ،‬أو خالق أوجده خالق آخر والخالق اآلخر أوجده آخر وهكذا‪...‬‬
‫هذه الحضارة‪ ،‬هذا الشيء المادي‪ ،‬هذا الخالق المخلوق‪ :‬هؤالء جمي ًعا‬
‫سيحتاجون لشيء آخر أوجدهم‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫بالتسلسل يف‬ ‫سمى‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫والذي أوجدهم سيحتاج لموجد ثالث وهكذا! هذا ُي َّ‬
‫الخالقين أو التسلسل يف الفاعلين‪.‬‬
‫لموج ٍد وهكذا‪...‬‬
‫ِ‬ ‫وجد وكل م ِ‬
‫وجد يحتاج‬ ‫ُ‬
‫لكل موجود م ِ‬
‫ُ‬
‫عقال!‬
‫حال ً‬‫هذا التسلسل الذي يفرتضه الملحد ُم ٌ‬
‫لماذا؟‬
‫انتبِ ْه!‬
‫أي شيء؛ ألن كل شيء يرت َّتب‬ ‫ٍ‬
‫موجود له م ِ‬ ‫ألنه لو أن َّ‬
‫وجد فلن يوجد ُّ‬ ‫ُ‬ ‫كل‬
‫ٍ‬
‫ثالث وهكذا‪ ،‬هبذه‬ ‫ِ‬
‫لموجد‬ ‫ٍ‬
‫شيء يسبقه‪ ،‬والذي يسبقه يحتاج‬ ‫وجوده على‬
‫الصورة لن يوجد أي شيء ال خالقون وال مخلوقات؛ ألن الكل غير م ٍ‬
‫كتف‬ ‫ُ‬
‫(‪ )1‬ظاهرة نقد الدين يف الفلسفة الحديثة‪ ،‬د‪ .‬سلطان العميري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بذاته‪ ،‬الكل مفتقر!‬


‫فال بد أن تقف السلسلة عند م ِ‬
‫وجد َّأول خالق أزلي‪ ،‬وإال لما ُوجد أي شيء!‬ ‫ُ‬
‫وحتى نستوعب هذه القاعدة أكثر سنضرب عليها المثال الشهير مثال‪ :‬الجندي‬
‫والرصاصة‪.‬‬
‫لو أن جند ًّيا ينتظر األمر من القائد بإطالق رصاصة‪ ،‬والقائد ينتظر األمر من‬
‫ٍ‬
‫قائد آخر وهكذا إلى ما ال هناية فلن تخرج الرصاصة أبدً ا‪.‬‬
‫فلو أن كل حضارة يتوقف وجودها على حضارة أخرى سبقتْها‪ ،‬فلن تظهر هذه‬
‫الحضارة وال التي أوجدهتا وال التي سبقتهم‪ ،‬لن يظهر أي شيء ألن الكل مفتقر!‬
‫فالتسلسل يف الفاعلين يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع أفعال‪.‬‬
‫التسلسل يف الخالقين يؤدي إلى عدم وجود مخلوقات‪...‬‬
‫وبما أنه هناك مخلوقات‪ْ ،‬‬
‫إذن بالضرورة العقلية هناك خالق َّأول واجب‬
‫وجود؛ واجب وجود أي‪ :‬ال يستمدُّ وجوده من غيره سبحانه!‬
‫أن لكل خالق خال ًقا آخر‬
‫وبالتالي فجواب سؤال َمن خلق الخالق؟ هو‪ :‬لو َّ‬
‫وهكذا‪ ،‬لما ظهر أي خالق‪ ،‬ولما ظهرت أ َّية مخلوقات‪.‬‬
‫وبنا ًء على ما سبق فإذا ُسئِل ملحد عن‪ :‬ما مصدر هذا الكون فأجاب بـ‪:‬‬
‫افرتاض حضارة عظيمة أوجدتنا أو شيء مادي أوجدنا أو خالق مخلوق؛ َّ‬
‫فإن‬
‫هذه االفرتاضات من الملحد س ُتوقِع يف التسلسل المحال ً‬
‫عقال‪.‬‬
‫أيضا هذه االفرتاضات ليست جوا ًبا عن السؤال! ألن السؤال التالي من‬
‫ً‬
‫الطرف المؤمن سيكون كاآليت‪ :‬و َمن الذي خلق تلك الحضارة؟ َمن الذي خلق‬
‫ذاك الشيء المادي؟‬
‫فالملحد لم ُيقدم جوا ًبا هبذه االفرتاضات‪.‬‬
‫دليال أو برهانًا أو مستندً ا‬
‫ثم هل يملك صاحب هذه االفرتاضات‪ ،‬هل يملك ً‬

‫‪54‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫رجما بالغيب؟‬
‫مثال؟ أم أن األمر ال يعدو أن يكون ً‬
‫أو خربًا من تلك الحضارة ً‬
‫وأنا أتساءل‪ :‬كيف لصاحب افرتاض هبذه السطحية أن َيعيب على الجواب الديني؟‬
‫الجواب الديني أكثر منطقية وتناس ًقا مع نفسه‪ ،‬وال يقع يف التسلسل المحال‬
‫مباشرا‪ ،‬يمتلك النص الديني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دعما نقل ًّيا‬
‫عقال‪ ،‬ثم إن الجواب الديني يمتلك ً‬ ‫ً‬
‫ويمتلك برهان األنبياء الذين أ َت ْوا وأخربوا هبذا الجواب‪ ،‬وهؤالء األنبياء ُأ ِّيدوا‬
‫بالمعجزات والدالئل لتوكيد صحة هذا الجواب!‬
‫دعما نقل ًّيا ُمو َّث ًقا وهو متسق مع ذاته‪.‬‬
‫فالجواب الديني يمتلك ً‬
‫ِ‬
‫المعارض‪ ،‬حيث لم ترتك لنا تلك‬ ‫أيضا الجواب الديني يمتلك مستند عدم‬ ‫ً‬
‫الكائنات هذه الدعوى العريضة التي ُتثبت قيامها بذلك‪ ،‬فليس هناك معارض‬
‫عقلي وال نقلي وال علمي لوجود الخالق سبحانه‪.‬‬
‫أيضا الجواب الديني متفق مع ما انتهى إليه ِ‬
‫العلم من عدم وجود أ َّية مادة أو‬ ‫ً‬
‫زمن قبل كوننا‪ ،‬بل المادة والزمن أتيا إلى الوجود لحظة ظهور الكون‪ ،‬وبالتالي‬
‫فكيف يكون هناك شيء مادي أوجد كوننا إذا كان الكون أتى من الالمادة؟‬
‫صور ما ُمنتهى هذه االفرتاضات التي يضعها المالحدة‪ :‬حضارة‬
‫جلست أت َّ‬
‫أخرى‪ ،‬خالق مخلوق‪ ،‬شيء مادي!‬
‫ما ُمنتهى كل هذا؟‬
‫وجدت أن ما يفعله المالحدة بالضبط هو‪ :‬أهنم يضعون يف‬
‫ُ‬ ‫وبعد تفكير‬
‫الطريق إلى إثبات الخالق ‪-‬يعني هم سينتهون إلى إثبات الخالق وإال لوقعوا يف‬
‫ٍ‬
‫افرتاضات متهافتة ال يجد العقالء‬ ‫التسلسل الالهنائي‪ -‬يضعون يف هذا الطريق‬
‫أصال!‬ ‫من القرائن ما يوحي ‪-‬ولو من ٍ‬
‫بعيد‪ -‬بوجودها ً‬
‫فهذه االفرتاضات ليست جوا ًبا يف حد ذاته‪ ،‬وإنما هي إرجاء المط َلب‬
‫المعريف‪ ،‬إرجاء إثبات الخالق خطوة للوراء ال أكثر‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫لخطوة واحدة دون دليل على هذا التأجيل أو هذه الخطوة!‬ ‫يؤجلون إثبات الخالق‬
‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾‬
‫[األنعام‪.]928 :‬‬
‫تخرصون‪ :‬تضعون االفرتاضات من خيالكم ال أكثر!‬
‫ُ‬
‫والعجيب أن الملحد يفرح هبذه االفرتاضات جدًّ ا‪ ،‬يفرح هبذا التأجيل‬
‫حال ذك ًّيا؛ ألنه ببساطة يكره ويشمئ ُّز من القول الديني‬
‫إلثبات الخالق ويراه ًّ‬
‫غما عنه وإال لوقع يف التسلسل‪.‬‬
‫بوجود الخالق‪ ،‬مع أنه سيثبته بعد قليل ُر ً‬
‫وهذا يؤكد أن مشكلة هؤالء نفس َّية ال علم َّية وال عقل َّية‪...‬‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [الزمر‪.]23 :‬‬
‫إن التسليم هلل بالخلق واألمر هو هناية قصة المصير اإلنساين‪ ،‬سوا ًء شئنا أم‬
‫المثيرة للقضية اإلنسانية ال ُكربى‪.‬‬
‫أبينا‪ ،‬إن هذا التسليم هو االستجابة ُ‬
‫حرماته‪ ،‬وإنما من شيء‬
‫إن اإلسالم لم يأخذ اسمه من قوانينه وال نظامه وال ُم َّ‬
‫يشمل هذا كله ويسمو عليه ‪ -‬من حقيقة التسليم هلل‪ -‬إنه استسالم هلل‪ ،‬إنه اإلسالم!‬
‫(‪)1‬‬

‫نسأل اهلل أن يرزقنا االستسال َم له سبحانه يف األمر والنهي‪.‬‬


‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ -16‬كيف تقولون إن الطاقة ظهرت مع ظهور الكون يف حني أن هناك ما يعرف‬
‫بالقانون األول لدلينامياك احلرارية‪ ،‬أو ما ي ُ َّ‬
‫سَّم بقانون حفظ الطاقة؟‬

‫تعريف قانون حفظ الطاقة كالتالي‪ :‬يف أي نظام معزول‪ :‬الطاقة ال َتفنى وال‬
‫ُتستحدَ ث من العدم‪.‬‬
‫وبالتالي فالسؤال الذي يطرحه بعضهم‪ :‬مِن أين أتت هذه الطاقة التي‬
‫(‪ )1‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪ ،‬علي عزت بيجوفيتش‪ ،‬مؤسسة بافاريا للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ظهرت مع ظهور الكون؟‬


‫وجواب هذا السؤال كالتالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬هذا قانون يتع َّلق فقط بعمل الكون‪ ،‬يتع َّلق بنظام سريان الطاقة داخل‬
‫ً‬
‫(‪)1‬‬ ‫نظام معزول ال بأصل الكون!‬
‫ألس َت تزعم أيها الملحد َّ‬
‫أن مجموع طاقة الكون يساوى الصفر؟‬ ‫ثان ًيا‪ْ :‬‬
‫مجموع الطاقة السالبة والطاقة الموجبة يساوي‪ :‬الصفر!‬
‫ْ‬
‫إذن لم يتم خرق قانون حفظ الطاقة بأية صورة من الصور؛ ألن مجموع‬
‫أصال يساوي الصفر‪.‬‬
‫الطاقة ً‬
‫ولهذا يعرتف الفيزيائي الملحد الشهير شون كارول ‪َّ Sean Carroll‬‬
‫بأن‪:‬‬
‫يتم خرقه لحظة ظهور الكون فيقول‪" :‬يف بداية الكون‬
‫قانون حفظ الطاقة لم َّ‬
‫يف أول لحظة للكون لم يتم خرق قانون حفظ الطاقة؛ ألن الطاقة تساوي‬
‫الصفر"(‪.)2‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬من المعلوم تما ًما أن القانون الثاين للديناميكا الحرارية يقرر أن للكون‬
‫بداية‪ ،‬فهذا القانون ُح َّجة على بداية الكون‪.‬‬
‫وطب ًقا لهذا القانون َّ‬
‫فإن‪ :‬الكون يكتسب إنرتوب ًّيا ‪ Entropy‬مع الوقت‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يكتسب عشوائية أو فوضى‪.‬‬
‫فأي تغير‬
‫حتما ستزداد مع الوقت‪ُّ ،‬‬ ‫ويستحيل أن تقل اإلنرتوبيا‪ ،‬بل هي ً‬
‫يحدث يف تحوالت الطاقة ال بد وأن يصحبه ازدياد يف مقدار اإلنرتوبيا الخاصة به‪.‬‬

‫(‪ )1‬براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬الطبعة األولى ص‪.293‬‬
‫‪)2( https://www.youtube.com/watch?v=TGs1C40FR41‬‬
‫من ‪ 00111‬إلى ‪00116‬‬

‫‪57‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وللتَّبسيط‪ :‬لو أحضرنا كو ًبا من الماء الساخن‪ ،‬فإن الطاقة ستنتقل من هذا‬
‫الكوب إلى الغرفة مع الوقت حتى تتساوى حرارة الكوب مع حرارة الغرفة‪،‬‬
‫ويستحيل أن يحصل العكس‪ ،‬يستحيل أن تزداد حرارة الكوب على حساب‬
‫حرارة الغرفة‪ ،‬بل دو ًما ستنتقل الحرارة من األعلى طاقة حرارية لألقل طاقة‬
‫حرارية حتى تتساوى حرارة الجميع‪.‬‬

‫لذلك الكون تزداد إنرتوبيته مع الزمن حتى يصل للموت الحراري‬

‫‪58‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪ ،Thermal death‬حين يصبح عند أعلى درجة من اإلنرتوبيا‪.‬‬


‫وهنا نأيت للشاهد من هذا الكالم‪ :‬لو كانت الطاقة أزل َّية ستكون هناك‬
‫إنرتوبيا الهنائية‪ ،‬ستكون هناك عشوائية الهنائية بدأ هبا الكون!‬
‫لو كانت الطاقة أزل َّية ُلولِد الكون ميتًا!‬
‫لكن العكس تما ًما هو الحاصل‪ :‬فالكون كما هو معلوم بدأ بالحد األدنى على‬
‫اإلطالق من اإلنرتوبيا‪.‬‬
‫وكما يقول الملحد الفيزيائي شون كارول‪" :‬طب ًقا للقانون الثاين للديناميكا‬
‫الحرارية‪ ،‬فإن اإلنرتوبيا تزداد وهذه قضية مهمة؛ ألنه يف بداية ظهور الكون‬
‫كانت اإلنرتوبيا قليلة جدًّ ا جدًّ ا جدًّ ا‪ ،‬ال أحد يعرف لماذا بدأ الكون هبذا الحد‬
‫مميزا‬
‫األدنى من اإلنرتوبيا‪ ،‬هذا سؤال مفتوح يف علم الكونيات؛ لماذا بدأ الكون ً‬
‫(‪)1‬‬ ‫ومنظما جدًّ ا؟"‬
‫ً‬ ‫جدًّ ا‬
‫فالكون بدأ بالحد األدنى من اإلنرتوبيا‪ْ ،‬‬
‫إذن فالطاقة ليست أزل َّية وإال‬
‫ألصبحت اإلنرتوبيا أزلية‪.‬‬
‫مميزا‬
‫قائال‪ :‬لماذا بدأ الكون ً‬
‫وهذا األمر هو الذي دفع شون كارول ليتعجب ً‬
‫ومنظما جدًّ ا؟‬
‫ً‬ ‫جدًّ ا‬
‫هذا تساؤل واحد من أشهر الملحدين الفيزيائيين يف العالم!‬
‫أن‪ :‬الكون غير مميز وغير‬‫لكن لألسف كثير من المالحدة مازالوا يرون َّ‬
‫ُمنظم‪ ،‬وأن الطاقة أزل َّية‪ ،‬وال أدري من أي عصر تأيت مقوالهتم هذه!‬
‫أن شون كارول كملحد حاول أن يتجاوز‬ ‫ومن باب اإلنصاف أو ُّد أن أقول َّ‬
‫هذه الورطة ‪-‬ورطة الحد األدنى من اإلنرتوبيا‪ -‬حاول أن يتجاوزها بافرتاض‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=TGs1C40FR41‬‬
‫من ‪00116‬‬
‫إلى ‪4144‬‬

‫‪59‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فصلنا فيها الجواب يف‬


‫األكوان المتعددة‪ ،‬وهذه المسألة مسألة األكوان المتعددة َّ‬
‫الصفحات السابقة!‬

‫‪ -17‬لكن بعض امللحدة يضعون فرضيات كثرية للحظة ظهور الكون يف‬
‫حماولة إلثبات أزيلة الطاقة؟‬

‫كل هذه ال َف َرضيات والتخمينات ُ‬


‫غير صحيحة علم ًّيا‪ ،‬وتعجب حين تستمتع‬
‫لفيزيائي ملحد بحجم ألكسندر فلنكلن ‪ Alexander Vilenkin‬وهو يعرتف‬
‫قائال‪" :‬ال يوجد نَموذج واحد ُم ٍ‬
‫رض لكون بال بداية"(‪.)1‬‬ ‫ً‬
‫ال يوجد نموذج واحد صحيح أو فرضية واحدة صحيحة يمكن الربهنة‬
‫عليها يف إثبات أزلية الطاقة‪.‬‬
‫وبعد أن عدَّ د ألكسندر فلنكلن النماذج وال َف َرضيات التي يض ُعها العلماء‬
‫قائال‪" :‬سأخربكم بتعليقي‪ :‬إن النتيجة التي‬ ‫ٍ‬
‫بحسرة ً‬ ‫لتجاوز بداية الكون‪ ،‬اعرتف‬
‫وصلت إليها أنه ال يوجد نموذج من هذه النماذج صالح للعمل‪ ،‬ال يوجد‬
‫ُ‬
‫نموذج من هذه النماذج يستطيع تجنُّب أن لهذا الكون بداية"(‪.)2‬‬
‫كل النماذج التي تحاول تجاوز بداية الكون لتثبت أزل َّية الطاقة كلها نماذج‬
‫فاشلة ال تعمل!‬
‫ثم بدأ فلنكن يف شرح فشل هذه النماذج!‬
‫هذا اعرتاف عزيز من ملحد فيزيائي حاول جاهدً ا عرب سنين أن يتجاوز أن‬
‫قر بالفشل والخيبة!‬
‫للكون بداية‪ ،‬لكنه يف األخير ُي ُّ‬

‫(‪ )1‬براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.297‬‬


‫‪)2( https://www.youtube.com/watch?v=NXCQelhKJ9A‬‬
‫من ‪1114‬‬
‫إلى ‪2125‬‬

‫‪60‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫فكل ما انتهى إليه العلم يف كل النماذج الصحيحة العملية أن الكون له بداية!‬

‫ثم يأيت ملحد ليقول لك‪ :‬هناك احتمال َّية ِعلم َّية أن الكون يسبقه كذا او كذا‬
‫أو أننا نستطيع تجاوز بداية الكون بكذا أو بكذا!‬
‫السفسطات والفرضيات‬
‫يحاولون باستمرار أن ُيوهنوا قوة الربهان ببعض َّ‬
‫مهما ثبت خطؤها وعدم جدواها‪.‬‬
‫كان وما زال وسيبقى اإللحاد سفسطة للبديهيات ببعض االفرتاضات‬
‫والتخ ُّيالت‪ ،‬بينما يبقى الدين هو التسليم بإلزامات هذه البديهيات!‬

‫‪ -18‬إذا اكن اهلل قد خلق الكون‪ ،‬فلماذا لك هذه الكواكب وانلجوم‪ ،‬ملاذا الكون‬
‫بهذه الضخامة؟‬

‫هذه ُّ‬
‫الشبهة تعتمد على مغالطة‪" :‬أنسنة اإلله"‪ :‬حيث يجعل الملحد اإلله إنسانًا‪.‬‬
‫وبما َّ‬
‫أن اإلنسان بطبيعته ُيعاين من نقص يف الموارد‪ ،‬فبالتالي المفرتض أن‬

‫‪61‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُينفق اإلنسان بأقل قدر متاح من أجل تحقيق أفضل نتيجة‪.‬‬


‫عما يفرتون؛ ولذلك يتساءلون‪:‬‬
‫يتصورون أن اإلله كاإلنسان تعالى اهلل َّ‬
‫َّ‬ ‫فهم‬
‫لماذا الكون هبذا الحجم الضخم؟‬
‫أن اهلل خلق مليارات مليارات األكوان مثل كوننا هل هذا‬ ‫و ُنجيبهم‪ :‬لو َّ‬
‫ُي ِنقص من خزائنه شي ًئا؟‬
‫فاهلل يخلق ما يشاء‪ ،‬وال ينقص ذلك من خزائنه شي ًئا؛ ويف َخ ِ‬
‫لقه تد َّبر عظيم‬
‫قدرته وعجيب حكمته!‬
‫لكن السؤال اآلن‪ :‬هل لهذه الكواكب والنجوم الكثيرة فائدة لنا؟‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نحن لسنا وحدنا يف الكون‪ ،‬قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫ً‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ﴾ [الشورى‪.]11 :‬‬
‫علما بالعدم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ثان ًيا‪ :‬عدم معرفتنا بفائدة شيء ما ال يعني أنه بال فائدة‪ ،‬فعد ُم العلم ليس ً‬
‫ثال ًثا‪ :‬نحن نعلم أن المعادن التي ال تقوم حياتنا إال هبا‪ ،‬هذه المعادن لم تنشأ‬
‫إال يف قلب مستعرات عمالقة أو أفران نجمية ضخمة‪.‬‬
‫فالمعادن ك ُّلها التي نحتاج إليها‪ ،‬كالحديد الذي ينقل األوكسجين إلى‬
‫رئتيك‪ ،‬المعادن التي هبا قِوام معيشتِك‪ ،‬هذه المعادن ما نشأت إال داخل أفران‬
‫النجوم العمالقة البعيدة جدًّ ا عنا‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫مؤخرا َّ‬
‫أن‪ :‬القصور الذايت أو ال َعطالة ‪ Inertia‬التي نحيا يف‬ ‫ً‬ ‫راب ًعا‪ :‬تب َّين لنا‬
‫نعيمها هي نتاج كتلة الكون ككل‪.‬‬
‫ما معنى‪ :‬القصور الذايت؟‬
‫يحصل؟‬
‫لو أنك تركب سيارة وفجأ ًة السيارة توقفت‪ ،‬ما الذي ُ‬
‫تندفع لألمام! أليس كذلك؟‬
‫هذه هي العطالة أو القصور الذايت‪.‬‬
‫لو كان القصور الذايت يف عالمنا َّ‬
‫أقل مما هو عليه اآلن الستطاعت أبسط‬
‫نسمة هواء أن تحرك الصخور‪ ،‬ويف عالم كهذا نكون معرضين باستمرار لقصف‬
‫كل أنواع األشياء!‬
‫ولو كانت العطالة أكرب مما هي عليه اآلن لما استطعنا حتى تحريك أصابعنا(‪.)1‬‬
‫وتتوقف قوة القصور الذايت أو ال َعطالة على الكتلة‪.‬‬

‫‪)1( Nature's Destiny: How the Laws of Biology Reveal Purpose in the Universe, Michael‬‬
‫‪Denton.‬‬

‫‪63‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫جرة درب التبانة‪ ،‬المجرة التي‬


‫واألمر الذي أدهش الفيزيائيين أن كتلة َم َّ‬
‫تحتوي على مجموعتنا الشمسية‪ ،‬ال تشارك يف ضبط العطالة إال بنسبة ‪0.9‬‬
‫بالمليون‪ ،‬بينما كتلة األرض ال تضبط العطالة إال بنسبة ‪ 0.009‬بالمليون‪.‬‬

‫فالعطالة المثالية التي نحيا على ثمارها‪ ،‬والتي من خاللها نمارس كل‬
‫أنشطتنا‪ ،‬هي نتاج مجموع طاقة الكون ككل‪.‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‬
‫[ص‪.]17 :‬‬
‫توسع العلم‪ ،‬ظهرت عجائب الحكمة ودقائق الخلق!‬
‫وكلما َّ‬

‫‪ -19‬كيف نكون حنن البرش حبجمنا هذا الصغري يف مركز هذا الكون العملق؟‬

‫افرتاضا متهافتًا فيقول‪ :‬بما أن الكون‬


‫ً‬ ‫والجواب كالتالي‪ :‬الملحد يضع‬
‫مبني على مقدمة‪ :‬بما‬
‫مركزا يف هذا الكون‪ ،‬هذا االفرتاض ٌّ‬
‫ً‬ ‫ضخم‪ ،‬فاإلنسان ليس‬
‫أن هذه المزارع شاسعة وصاح ُبها حجمه صغير جدًّ ا بالنسبة لها ْ‬
‫إذن‪ :‬هو ليس‬
‫بصاحبِها!‬

‫‪64‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ليس األمر بالحجم إطال ًقا‪.‬‬


‫التفاضل بين أعظم‬
‫ُ‬ ‫واألخالق التي بال حجم مادي هي المعيار األكرب يف‬
‫الناس وأحقر الناس‪.‬‬
‫وإنقاذ طفل واحد أولى من جبال األرض‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫معيارا!‬
‫ً‬ ‫فقضية األحجام ليست‬
‫أن عندنا َملِ ًكا وهذا الملك أوصى البنه‬
‫ودعونا نضرب هذا المثال‪ :‬لو َّ‬
‫معرتض‬
‫ٌ‬ ‫ببعض الوصايا والنصائح‪ ،‬وكَتب له يف ذلك كتا ًبا‪ ،‬هل يمكن أن يأيت‬
‫ويقول‪ :‬كيف لملك يملك ماليين األفدنة واألراضي الشاسعة التي ال حصر‬
‫يهتم بابنه الذي ال يبلغ حجمه ووزنه واحد على مليون مما يملك هذا‬
‫لها‪ ،‬كيف ُّ‬
‫الملك من األراضي واألفدنة؟ وهلل المثل األعلى‪.‬‬
‫أصال؟‬
‫هل هذا اعرتاض معقول ً‬
‫فالقضية ليست بالحجم وال بالوزن‪.‬‬
‫ثم أليس هذا الكون بدأ من ُنقطة أصغر من رأس الدبوس بمليارات المرات‬
‫كما يقرر كل فيزيائي اليوم؟‬

‫‪65‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نسبي‪.‬‬ ‫ْ‬
‫إذن الحجم ٌّ‬
‫فاستغراب ضخامة الحجم أو ضآلته أو طول عمر الكون أو قصره هي‬
‫يتصورون أن اإلله إنسانًا‪ ،‬وبما َّ‬
‫أن اإلنسان من‬ ‫َّ‬ ‫محاوالت ألنسنة اإلله‪ ،‬حيث‬
‫المفرتض أن ُيقدِّ ر األشياء بحسب إنفاقه عليها‪ ،‬وبما أن الكون عمالق جدًّ ا‪،‬‬
‫فالمفرتض أن يكون مركز هذا الكون شيء ضخم الحجم جدًّ ا‪ ،‬حتى يوازي‬
‫النفقات التي ُأنفقت على كون هبذا الحجم!‬
‫اهلل ما يشاء بالكيف الذي يشاء؟‬
‫ما الذي يضيركم أيها المالحدة من أن يخلق ُ‬
‫لماذا المحاوالت المتكررة ألنسنة اإلله؟‬
‫مركزا لهذا الكون؟‬
‫لكن هل نحن بالفعل ً‬
‫نعم أنت أيها اإلنسان‪ :‬مركز هذا الكون بالتكليف اإللهي‪ ،‬والتكليف اإللهي‬
‫هو الدِّ ين‪ ،‬هو األمانة التي حملها اإلنسان‪ ،‬هو هذا االختبار األعظم الذي نحن فيه!‬
‫مركزا لهذا الكون‪ ،‬فال بحجمك وال بقوتك‬
‫ً‬ ‫فقط بالتكليف اإللهي ُتصبح‬
‫مركزا لهذا الكون‪ ،‬وإنما من خالل التكليف اإللهي‬
‫ً‬ ‫وال بقدراتك تصبح‬
‫مركزا يف هذا الكون!‬
‫أصبحت ً‬
‫حجما‪،‬‬
‫ً‬ ‫والتكليف ال َعالقة له بالحجم؛ إذ ال يلزم أن يكون التكليف لألكرب‬
‫المنطقي أن يكون التكليف للكائن الذي يدرك معنى التكليف‪ ،‬والقادر على‬
‫ُّ‬ ‫بل‬
‫فعل الخير وترك الشر‪ ،‬الكائن القادر على اإليمان والكفر!‬
‫وكلنا يعلم أنه ُمك َّلف‪ ،‬سوا ًء شئنا أم أبينا!‬
‫الملحد والمؤمن الكل يعلم أنه ُمك َّلف ويشعر بالتكليف اإللهي‪ ،‬ويعاين َو ْخز‬
‫الشر‪،‬‬ ‫الضمير األخالقي‪ ،‬ويعرف َّ‬
‫أن بداخله‪ :‬افعل وال تفعل‪ ،‬افعل الخير وال تفعل َّ‬
‫كلنا يعلم من واقع نفسه أنه ُمطا َلب!‬
‫فنحن يف مركز هذا الكون تكليف ًّيا!‬

‫‪66‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫أيضا نحن يف مركز هذا الكون إدراك ًّيا ومعرف ًّيا‪ ،‬فنحن ندرك ونعي ونعقل‬
‫ً‬
‫ونعرف حقيقة وجودنا‪ ،‬وحقيقة الكون من حولنا‪ ،‬ونفهم معنى وجودنا جيدً ا؛‬
‫أيضا نحن يف مركز هذا الكون قيم ًة ومعنًى‪ ،‬فطفل صغير أولى من كل جبال‬
‫ً‬
‫المكلفون‬
‫المطالبون المآخذون ُ‬
‫العالم‪ ،‬ونحن يف مركز هذا الكون دين ًّيا‪ ،‬فنحن ُ‬
‫المحاسبون!‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بعناية‪ ،‬نحن الكائن المدرك لإلتقان‪،‬‬ ‫الم ِ‬
‫درك لروعة اإلعداد‬ ‫ونحن الكائن ُ‬
‫نحن الكائن القادر على تنفيذ ما ُكلف به أو الكفر بالتكليف‪ ،‬نحن نَقدر تما ًما‬
‫على االختيار‪ ،‬نحن نَقدر حقيق ًة على اإليمان والكفر‪.‬‬
‫فنحن يف مركز هذا الكون‪ ،‬سوا ًء شئنا أم أبينا!‬
‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األحزاب‪.]71 :‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -21‬يقول بعض امللحدة‪ :‬األرض من الطبييع أن يكون بها إتقان‪ ،‬فهناك‬
‫كواكب كثرية ليست فيها حياة‪ .‬فوجود كوكب بهذا اإلتقان اكألرض هو أمر‬
‫طبييع بالنسبة لعدد الكواكب الكبري؛ أليس كذلك؟‬

‫الجواب كالتالي‪ :‬ما َعالقة وجود كواكب كثيرة بنقد دليل اإلتقان؟‬
‫القضية ليست موا َّد َّأولية‪.‬‬
‫ليس بما أنني يف غابة مليئة بكافة ُ‬
‫الخضر والثمار والحيوانات‪ ،‬ليس معنى‬
‫شهي؛ فالقضية‬
‫ٍّ‬ ‫ذلك أن يظهر أمامي فجأ ًة يف وسط الغابة إناء طعام مطبوخ‬
‫ليست موا َّد َّأولية!‬

‫‪67‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا ليس معنى توا ُفر الرمال يف صحاري العالم‪ ،‬ليس معناه أبدً ا أنني من‬
‫ً‬
‫الر ْقمية والشرائح اإللكرتونية التي ُتصنع من الرمال‪،‬‬
‫الطبيعي أن أجد المعالجات َّ‬
‫حولي يف كل مكان يف الصحراء!‬

‫فالقضية ليست موا َّد أولية؛ القضية ُصنع وإتقان ‪.Know how‬‬
‫ليس مجرد وجود مجموعة كواكب تكون كافية ألن يظهر بينها كوكب هبذا‬
‫اإلتقان كاألرض‪.‬‬
‫وصنع ﴿ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ﴾ [النمل‪.]88 :‬‬
‫القضية إتقان وخلق ُ‬

‫‪68‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫فوجود كواكب أخرى كثيرة ال يربر إطال ًقا وجود حياة على كوكب األرض‪.‬‬
‫تشفيرا جين ًّيا بداخلك يضبط كل وظائفك‬
‫ً‬ ‫وجود كواكب أخرى ال يربر‬
‫ٍ‬
‫بضبط ٍ‬
‫مبهر قبل أن توجد أنت بنفسك!‬ ‫وأعضائك وهرموناتِك‬
‫والتشفير الجيني هو‪ :‬جينات تحمل معلومات داخل كل خلية من خالياك‬
‫وخاليا كل كائن حي!‬
‫والجين هو‪ :‬شريط طويل جدًّ ا مكتوب عليه بنظام الشفرة أو بنظام الرتميز‬
‫مكتوب عليه خصائص ومعلومات كل عضو من أعضاء جسدك‪.‬‬

‫فمثال حتى ينشأ الكبد يف الجنين ال بد أن يتواجد عدد ُمع َّين من الجينات‪،‬‬
‫ً‬
‫يتم فك هذه الشفرة فيظهر كبدك!‬
‫تكون الكبد‪ ،‬ثم ُّ‬
‫ُيكتب عليهم بنظام الشفرة كيفية ُّ‬
‫كل عضو من أعضائك‪ ،‬وكل إنزيم‪ ،‬وكل هرمون كلها ُتش َّفر داخل الجينات‬
‫الخاصة بك‪.‬‬
‫ويوجد يف كل خلية من خالياك ‪ 50‬ألف جين تشفر لكل وظائفك‪.‬‬
‫فالحياة معلومة وليست بما َّدة‪ ،‬والنظم البيولوجية يف جميع الكائنات الحية‬
‫ظما ماد َّية‪.‬‬
‫هي نظم معلوماتية وليست ُن ً‬

‫‪69‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نعم! الحياة معلومة وليست مجرد ما َّدة‪ ،‬وعدد الحروف التي ُكتبت هبا‬
‫ِ‬
‫جسدك!‬ ‫جينا ُتك هي أربعة مليارات حرف داخل كل خلية من خاليا‬
‫يتم تربيره بأن هناك كواكب أخرى كثيرة؟‬
‫هل هذا اإلعجاز ُّ‬
‫المبدَ عة بإتقان‬
‫المشكلة أن الملحد يتعامل مع الكائنات الحية‪ ،‬ومع النظم ٌ‬
‫من حوله‪ ،‬يتعامل معها كما يتعامل مع لعبة البازل جيم ‪ ،Puzzle game‬حيث‬
‫المبدَ عة‪ُ ،‬يفككها ثم يقوم بإعادة تجميعها‬
‫يفكك الملحد مكونات الحياة والنظم ُ‬
‫من أماكن مختلفة‪.‬‬

‫ُيفكك المطلوب ثم يعيد تجميعه!‬


‫طريقة تفكير الملحد غريبة جدًّ ا‪.‬‬
‫هل وجود غابات كثيفة يربر ظهور صينية طعام ُمعدَّ ة بعناية؟‬
‫هل وجود كواكب كثيرة ُيربر ظهور أربعة مليارات حرف داخل كل خلية‬
‫من خالياك بمنتهى الضبط تشفر لوظائف جسدك‪ ،‬بحيث لو َّ‬
‫اختل حرف واحد‬
‫منها ربما حصلت مشكلة كبيرة؟‬

‫‪70‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫حقيقي‪ ،‬يؤكد الخلق اإللهي والعلم والقدرة‪،‬‬


‫ٌّ‬ ‫ُبرهان اإلتقان هو ُبرهان عقلي‬
‫وال يمكن تجاوزه هبذه الخياالت اإللحادية‪.‬‬
‫إ ن الحاجة إلى ضرورة تربير هذا اإلتقان‪ ،‬وهذا التشفير‪ ،‬وهذه الحياة‪ ،‬وهذا‬
‫الكون‪ ،‬وهذه النظم المعلوماتية‪ ،‬ضرورة تربير كل هذا بإثبات الخالق‪ ،‬هي‬
‫ماسة‪.‬‬
‫حاجة عقلية َّ‬
‫جهازا ُمعقدً ا‬
‫ً‬ ‫فلو صعدنا أنا وأحد الملحدين على أحد الكواكب واكتشفنا‬
‫مبهر‪ ،‬وحتى لو لم نفهم وظيفته بعدُ ‪ ،‬هل يمكن إنكار الصانع لهذا‬ ‫ٍ‬
‫بضبط ٍ‬ ‫يعمل‬
‫الجهاز لمجرد ضخامة حجم الكوكب الذي نحن عليه؟‬
‫فروض الملحدين غريبة ح ًّقا!‬
‫ِ‬
‫بالموجد القادر‪.‬‬ ‫البداهة العقلية تدفعنا أنا والملحد حين نرى هذا الجهاز للقول‬
‫المطا َلب بالدليل‬ ‫ِ‬
‫الموجد هو ُ‬ ‫والذي ينكر هذه البداهة العقلية الذي ُينكر ُ‬
‫المثبِت!‬
‫وليس ُ‬
‫المطالب بالدليل‬
‫الملحد يف هذا الكون المبهر‪ ،‬يف هذا الكون األنيق هو ُ‬
‫وليس المؤمن!‬
‫المثبت للخالق يتفق مع البداهة العقلية‪ ،‬أما المنكر للخالق فهو معاند لهذه‬
‫ُ‬
‫البداهة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أتعجب ممن يحاول أن ُيسفسط ُبرهان اإلتقان يف الكون هبذه‬


‫َّ‬ ‫وأنا صراحة‬
‫الفروض الغريبة‪.‬‬
‫إن ِقوام العلم التجريبي الحديث على رصد برهان اإلتقان يف الكون ويف‬
‫الحياة‪ ،‬ثم يحصد العلماء الجوائز على ما رصدوه من إتقان!‬
‫واآلن دعوين أحكي لكم ُطرفة غريبة ُتبين مدى معاندة الملحد ظاهر ًّيا‬
‫لربهان اإلتقان‪ ،‬يف الوقت الذي ُيسلم فيه لهذا الربهان داخل ًّيا‪:‬‬
‫ذات مرة كتب الملحد الالأدري كارل ساغان‪ ،‬رواية اسمها "كونتاكت"‪،‬‬
‫يحكي فيها عن كيف َّ‬
‫أن العلماء يبحثون عن ذكاء خارج األرض‪.‬‬

‫األولية قادمة من‬‫ويف الرواية اكتشف العلما ُء سلسلة طويلة من األرقام َّ‬
‫الفضاء الخارجي؛ وألن هذا التسلسل األولي يفيد قيمة رياضية ُمحدَّ دة‪ ،‬قيمة‬
‫دليال عقل ًّيا كاف ًيا ليقطع هؤالء العلماء يف‬ ‫ُّ‬
‫تدل على نوع من الضبط‪ ،‬فكان هذا ً‬

‫‪72‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫الرواية بأن هذه الرسالة قادمة من حضارة أخرى تحاول التواصل معنا!‬
‫‪Search for Extraterrestrial‬‬ ‫كل دراسات البحث عن ذكاء خارج األرض‬
‫‪ Intelligence‬ستكتفي تما ًما برصد إشارة مثل هذه لتثبت وجود حضارة أخرى‬
‫تحاول التواصل معنا!‬
‫شهير‪ ،‬لكن عقله‬
‫ٌ‬ ‫الأدري‬
‫ٌّ‬ ‫الطرفة هنا أن كارل ساغان كاتب هذه الرواية هو‬
‫ُيس ِّلم بحقيقة أن التعقيد والنظام يف رسالة صغيرة هو دليل على برهان اإليجاد‬
‫واإلتقان!‬
‫جرد سلسلة من أرقام َّأولية ستقطع بوجود حضارة عمالقة؛ فكيف َتنسب‬
‫ُم َّ‬
‫أيها الملحد‪ ،‬كيف تنسب أربعة مليارات حرف داخل كل خلية من خاليا‬
‫جسدك‪ ،‬والتي لو َّ‬
‫اختل حرف واحد منها لربما حصلت كارثة‪ ،‬كيف تنسب كل‬
‫هذا اإلتقان إلى هذه المراوغات التي تفرتضها؟‬
‫ٍ‬
‫شيء االحتكام إلى خياالت وسفسطات وتخمينات لمنع‬ ‫ليس من العقل يف‬
‫تفسير الظاهرة يف إطارها الداللي على الخالق‪ ،‬هذا محض تح ُّكم ال أكثر‪،‬‬
‫وتعطيل لوظيفة العقل!‬
‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾‬
‫[يونس‪.]909 :‬‬
‫بالتمرد على برهان‬
‫ُّ‬ ‫ثم دعوين أتساءل‪ :‬بأي دليل من خارجنا نحن مطالبون‬
‫اإلتقان الذي نستشعره؟‬
‫بالتمرد على ما وقع تحت نظرنا وعقلنا‬
‫ُّ‬ ‫بأي دليل من خارجنا نحن ُمطالبون‬
‫ورصدنا؟‬
‫الحواس‬
‫ُّ‬ ‫اآلن الموقف انقلب‪ :‬نحن الذين ُنلزم الملحد بالتسليم بما ترصده‬
‫دائما إلى‬
‫من إتقان‪ ،‬وهو يرفض ويعاند الرصد النظري والحسي‪ ،‬مع أنه يدعو ً‬

‫‪73‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫االستدالل بالرؤية المادية!‬


‫مستقرة يف هذا الكون‪ ،‬ويف نظم الكائنات الحية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اإلتقان هو‪ :‬حقيقة‬
‫ؤسس على أمل أن الكون به إتقان‪ ،‬العلم مؤسس على َّ‬
‫أن‬ ‫والعلم نفسه ُم َّ‬
‫العالم عقالين ‪-‬مستو َعب عقل ًّيا‪ -‬ولو لم ُيس ِّلم العلم هبذه الحقيقة‪ ،‬فهذا يعني‬
‫أصال‪ ،‬ولن تكون هناك معادلة رياضية صحيحة سارية يمكن‬
‫أنه ال مكان للعلم ً‬
‫تت ُّبعها والتثبت منها والثقة هبا!‬
‫ؤسس على أن الكون ال بد أن يكون متقنًا وال بد أن يكون فيه ضبط‬
‫فالعلم ُم َّ‬
‫وإبداع!‬
‫ولذلك فالعلم التجريبي َوضع ما ُيعرف بمبدأ "الوتيرة الواحدة"‬
‫‪ Uniformitarianism‬والذي يؤكد َّ‬
‫أن قوانين الطبيعة ثابتة عرب الزمان وعرب‬
‫المكان‪ ،‬وهذه القوانين يمكن قياسها والثقة بالقياس‪.‬‬

‫فالعا َلم به ضبط دقيق‪ ،‬سوا ًء رصدناه أو لم نرصده‪ ،‬والعلم ُيس ِّلم هبذه‬
‫الحقيقة حتى قبل البحث والكشف!‬
‫إنه ﴿ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ﴾ [النمل‪.]88 :‬‬
‫سبحانه هو‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ﴾ [السجدة‪.]7 :‬‬

‫‪74‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪ -21‬كيف بدأت املعلومة؟‬


‫كيف بدأت الشفرة اجلينية؟‬
‫ُ‬
‫كيف دونت املعلومات املكتوبة ىلع الرشيط اجليين داخل لك خلية من خليا‬
‫لك اكئن يح ىلع وجه األرض؟‬

‫دونة عليه بحروف رباعية التشفير‬


‫يف البداية الشريط الجيني هو شريط ُم َّ‬
‫خصائص الكائن الحي‪ ،‬وما يحتاج إليه وطريقة تشكيل األعضاء‪ ،‬وطريقة عمل‬
‫ُ‬
‫الهرمونات واإلنزيمات‪ ،‬والشكل العام للكائن الحي‪ ،‬وكل ما يحتاج إليه وظيف ًّيا‪.‬‬
‫ُ‬
‫فاآلن السؤال‪ :‬كيف ظهرت المعلومات يف هذا الشريط الجيني؟‬
‫كيف ُشفرت المعلومات بنظام تشفير ُرباعي؟‬

‫ال يوجد كائن حي يف تاريخ األرض بدون تشفير ُرباعي ُمس َبق لكل خصائصه‪.‬‬
‫فكيف ظهر هذا النظام المعلومايت المدهش؟‬
‫هذه تساؤالت عقلية ومنطقية!!‬
‫يقول عالم الرياضيات األمريكي نوربرت فينر ‪" :Norbert Wiener‬المعلومة‬

‫‪75‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هي معلومة؛ المعلومة ليست ماد ًة وال طاقة"‪ ،‬فالسؤال العقلي الذي يطرح نفسه‬
‫هنا‪ :‬كيف ظهرت فجأ ًة المعلومة؟‬
‫الم َّ‬
‫سخر لحمل المعلومات والموجود داخل نَواة كل خلية‬ ‫الشريط الجيني ُ‬
‫من خالياك يحمل بداخله أربعة مليارات معلومة كما قلنا قبل ذلك!‬

‫أربعة مليارات حرف ُمدونة‪ ،‬و ُمش َّفر هبا وظائفك ُ‬


‫وهرموناتك وإنزيماتك‬
‫وأعضاؤك‪.‬‬
‫ظهور المعلومات هبذا الشكل من أكثر األمور التي أربكت العلم الحديث‪.‬‬
‫لقد اكتشف العلم أن العالم ك َّله معلومات!‬
‫يقول عالم الفيزياء الالأدري الشهير بول دافيس ‪" :Paul Davies‬العلماء‬
‫يعرتفون خلف األبواب المغلقة أهنم يف حيرة‪ ،‬حيرة من نظام الحياة المعلومايت‬
‫المبهر‪ ،‬هم يشعرون بالقلق من هذا الموضوع؛ ألن هذا الموضوع سيفتح الباب‬

‫‪76‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫للمتدينين‪ ،‬فنظام الحياة المعلومايت يعني الخلق"(‪.)1‬‬


‫هذا كالم الالأدري بول دافيس‪ ،‬والمشكلة الثانية يف هذا الموضوع ‪-‬والكالم‬
‫موصول لبول دافيس‪ -‬أن العلماء لو اعرتفوا بالجهل ‪-‬الجهل بتفسير مصدر النظام‬
‫المعلومايت َوف ًقا للرؤية المادية‪َّ -‬‬
‫فإن هذا سيرفع عنهم الدعم المالي"(‪.)2‬‬
‫فالنظام المعلومايت المبهر‪ ،‬وكيف ظهر فجأ ًة هبذه الصورة هو ورطة لكل مادي!‬
‫وبينما كان لزلي أورجل ‪ Leslie Orgel‬وهو أحد أبرز علماء نشأة الحياة‪،‬‬
‫بينما كان يتحدث يو ًما عن هذه الورطة يف إحدى محاضراته ع َّقب ً‬
‫قائال‪" :‬أرجو‬
‫بالخ ْلق اإللهي المباشر بين الجمهور"(‪.)3‬‬
‫َّأال يكون هناك مؤمن َ‬
‫فمن ال يشعر من ُدعاة المادية بورطة كيف ظهرت المعلومة فهو إنسان‬ ‫َ‬
‫ُمغ َّيب؛ ُمغ َّيب بإرادته حتى َينسى اللوازم الدينية لظهور المعلومات فجأة‪.‬‬
‫خاصة من غير البيولوجيين ما زالوا يتعاملون مع‬
‫الغريب أن بعض الملحدين َّ‬
‫هذه الورطات المتتابعة بعقلية القرن التاسع عشر‪ ،‬فما أن ُتطلع الملحد العربي على‬
‫إهبار النظام المعلومايت الذي يوجد داخل كل كائن حي‪ ،‬والذي ظهر فجأة مع‬
‫قائال لك‪ :‬لكن هناك خاليا بدائية وخاليا ُمع َّقدة!‬
‫ظهور الحياة حتى ُيوق َفك سري ًعا ً‬
‫وهذه الخرافة تقسيم الخاليا إلى‪ :‬خاليا بدائية وخاليا ُمع َّقدة‪ ،‬هي خرافة قديمة‪.‬‬
‫فكل الخاليا ُمع َّقدة ومبهرة‪ ،‬وال توجد خلية بال نظام معلومايت(‪.)4‬‬
‫إهبارا‬
‫بل كلما نظرنا يف التعقيد الموجود داخل خلية كائن وحيد الخلية نكتشف ً‬
‫‪)1( Paul Davies, the Fifth Miracle, P.49-41.‬‬
‫براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.380‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪)3( Leslie Orgel, the RNA World and the Origin of Life, lecture, ISSOL 1001.‬‬
‫براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.382‬‬
‫‪)4( Jacques Monod, Chance and Necessity, P.421‬‬

‫‪77‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ود َّق ًة ال ُّ‬


‫تقل بأي حال عن الدقة الموجودة يف خاليا أي كائن حي متعدد الخاليا‪.‬‬
‫فاألجهزة والماكينات المبهرة توجد داخل الخلية يف أي كائن‪ ،‬سوا ًء كان‬
‫وحيد الخلية أو متعدد الخاليا‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫وهذه العضية التي توجد يف الصورة أمامك ً‬
‫هي عضية ُت َّ‬
‫سمى الكاينيسن ‪.Kinesin‬‬

‫وهي واحدة من آالف الماكينات المبهرة داخل الخلية الحية‪ ،‬هذا‬


‫ِ‬
‫خصصة له لينقل‬ ‫الكاينيسن له ِر ْجالن ويدان حقيقيتان‪ ،‬ويسير على طرق ُم َّ‬
‫المكونات لخارج الخلية‪ ،‬و يحمل أضعاف وزنِه ويف حال أنه تع َّثر يف الطريق أو‬
‫وجد طري ًقا غير ممهدةً‪ ،‬فإنه يطلب كاينيسين آخر ليساعده‪.‬‬
‫هذه ماكينة واحدة من آالف الماكينات التي توجد داخل الخلية‪ ،‬وخمسون‬
‫خلية ال تمأل النقطة التي نكتبها يف آخر السطر"‪.‬‬
‫ثم ماذا عن ماكينة السوط البكتيري ‪Flagellum‬؟‬
‫ماكينة السوط البكتيري هي إحدى ماكينات الخلية البكتيرية وحيدة الخلية‬
‫تتكون ماكينة السوط‬
‫‪-‬الخلية البكتيرية التي يظن المالحدة أهنا خلية بدائية‪َّ -‬‬
‫البكتيري من مِائتي بروتين‪ ،‬إذا جاء أحد هذه الربوتينات مكان اآلخر أو اختفى‬

‫‪78‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫أحدُ ها‪ ،‬فلن تظهر ماكينة السوط البكتيري بالكلية!‬


‫المحرك لهذا السوط هو واحد من مائة ألف من البوصة‪.‬‬
‫حجم الموتور ُ‬
‫ويتحرك السوط البكتيري بمعدل عشرة آالف حركة يف الدقيقة‪ ،‬وهو قادر‬
‫على عكس اتجاه حركته يف جزء من أربعين ألف ٍ‬
‫جزء من الثانية‪.‬‬

‫وقد قام الرياضيون بحساب احتمال نشأة هذا السوط بالصدفة‪ ،‬فوجدوا أن‬
‫االحتمالية تصل إلى ‪ 90‬أس ألف ومائة وسبعين ‪.9970 90‬‬
‫ذرة ‪.80 90‬‬
‫ذرات الكون كله ال تتجاوز ‪ 90‬أس ثمانين َّ‬
‫مع أن عدد َّ‬

‫‪79‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ً‬
‫أشكاال أبسط من‬ ‫أمام هذه المعجزة حاول ُدعاة المادية افرتاض أن هناك‬
‫‪Type‬‬ ‫إن هناك ماكينة قريبة من السوط البكتيري ُت َّ‬
‫سمى‬ ‫السوط البكتيري‪ ،‬فقالوا‪َّ :‬‬
‫تطور الـ‪ Type III secretion system‬ظهر السوط‬
‫‪ III secretion system‬وعندما َّ‬
‫البكتيري‪ ،‬وكأين هبم وهم يحاولون تفسير نظام مبهر بنظام مبهر آخر‪.‬‬

‫الـ‪Type III secretion systems‬‬ ‫مؤخرا َّ‬


‫أن هذا‬ ‫ً‬ ‫العجيب يف األمر أنه تب َّين‬
‫متأخر يف الظهور عن السوط البكتيري‪ ،‬فقد ظهر السوط البكتيري ً‬
‫أوال ثم ظهر‬
‫بعده الـ ‪.)1( TYPE 5 secretory system‬‬
‫فالبكتيريا أقدم الكائنات الحية بينما ‪ Type III secretion system‬موجود يف‬
‫الكائنات متعددة الخاليا فكيف ُينسب وجود األقدم إلى األحدث؟‬

‫‪)1( Sophie S. Abby and Eduardo P. C. Rocha, an Evolutionary Analysis of the Type III‬‬
‫‪secretion system, 1041‬‬
‫براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.391‬‬

‫‪80‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫جاوزها بالرتقيع اإللحادي لكل ماكينة‬


‫ُ‬ ‫السوط البكتيري معجزة ال يمكنها َت‬
‫مبهرة يف النظم الخلوية الحية‪.‬‬
‫أن‪ :‬هناك خاليا بدائية‬‫وحتى نأيت على هذه الفرضية من جذورها ‪-‬فرضية َّ‬
‫ِ‬
‫سمى بـ‪ :‬الحد‬‫وخاليا معقدة‪-‬؛ دعونا ُنوضح مسألة علم َّية يف علم األحياء ُت َّ‬
‫األدنى من الجينات ‪.The Minimal Gene Set‬‬
‫ما معنى الحد األدنى من الجينات؟‬
‫الحد األدنى من الجينات هو‪ :‬القدر األدنى من الجينات الذي ال يحيا كائن‬
‫حي بدونِه!‬
‫لن يكون هناك كائن حي لو َّقل عدد الجينات عن الحد األدنى بمقدار ٍ‬
‫جين‬
‫واحد‪.‬‬
‫والجين هو جزء من الشريط الجيني الذي تحدثنا عنه ساب ًقا‪.‬‬
‫فالجين هو شريط معلومايت يحتوي على عدد كبير من الشفرات ُتشفر‬
‫المعلومات‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهناك حدٌّ أدنى من الجينات الزم للحياة بحيث‪ :‬تشفر مجموعة من هذه‬
‫الجينات للطاقة ‪-‬ألنه ال حياة للكائن الحي بدون طاقة‪ ،-‬ومجموعة أخرى‬
‫ُتشفر للغذاء‪ ،‬وجينات أخرى تشفر للتكاثر‪ ،‬وغيرها تشفر للوظائف األساسية‬
‫للحياة‪ ،‬وهكذا!‬
‫لكن يا ُترى ما هو عدد الجينات التي تمثل الحد األدنى‪ ،‬والذي ال يكون‬
‫هناك كائن حي بعدد أقل منها؟‬
‫وقرروا أنه بين‬
‫قام العلماء بحساب الحد األدنى من الجينات الالزم للحياة‪َّ ،‬‬
‫ماِئتين وخمسة وستين إلى ثالثمائة وخمسين جينًا‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫توصلت مؤسسة كريج فنرت ‪ Craig Venter‬إلى َّ‬


‫أن الحد األدنى من‬ ‫وقد َّ‬
‫الجينات ال يكون َّ‬
‫أقل من ثالثمائة واثنين وثمانين جينًا(‪.)1‬‬
‫وهناك أبحاث ِعلم َّية كثيرة جرت يف هذا الباب‪ ،‬وخالصتها َّ‬
‫أن‪ :‬الحد‬
‫األدنى من الجينات سيرتاوح بين مائتين وأربعة وأربعين إلى قرابة األلف‬
‫وستمائة ٍ‬
‫جين‪.‬‬ ‫ِ‬

‫جرد نظام مادي‪ ،‬فنحن بحاجة إلى ْ‬


‫أن‬ ‫لو كان األمر ماد ًة فحسب‪ ،‬والعالم ُم َّ‬
‫نبدأ من الصفر جين‪ ،‬إذا أردنا المرور من الهيدروجين إلى اإلنسان!‬

‫‪)1( J. Craig Venter Institute (JCVI) conducted a study to find all the essential genes of M.‬‬
‫‪genitalium through global transposon mutagenesis. As a result they found that 211 out of‬‬
‫‪111 protein coding genes were essential.‬‬

‫‪83‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫سمى صفر جين‪ ،‬أو واحد جين‪ ،‬أو‬


‫لكن العلم يخربنا أنَّه ال يوجد شيء ُي َّ‬
‫حتى مائة جين‪ ،‬العلم يقول‪ :‬إنَّنا بحاجة إلى مجموعة عمالقة من المعلومات‬
‫كحد أدنى‪ ،‬وإال لما ظهر الكائن الحي من البداية‪.‬‬

‫بدائي‪ ،‬بل كل منظومة بدأت بإهبار مستقل!‬


‫ٌّ‬ ‫فليس هناك يف الطبيعة شيء‬
‫وسيبقى اإلهبار يف النظام المعلومايت الذي ُيشفر للكائنات قبل أن تظهر‪ ،‬سيبقى‬
‫هذا اإلهبار دو ًما َح َجر عثرة يف وجه اإللحاد‪َ ،‬ح َجر عثرة يف وجه ُمنكري الخلق‬
‫اإللهي!‬

‫‪ -22‬كيف بدأت احلياة؟ كيف ظهرت احلياة؟‬

‫هذا السؤال من أصعب األسئلة يف العلم التجريبي الحديث على اإلطالق!‬


‫ُيقرر واحد من أكرب علماء األحياء‪ ،‬وهو عالم متخصص يف أبحاث بداية‬
‫الحياة‪ُ ،‬يدعى‪ :‬ستيورات كوفمان‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫أن‪" :‬أي شخص ُيخربك أنه يعرف علم ًّيا كيف بدأت الحياة على‬ ‫يقرر َّ‬
‫األرض فهو إما‪ :‬أحمق أو مخادع"(‪.)1‬‬
‫وعلى موقع الساينتيفك أمريكان العلمي العالمي‪ ،‬وتحت مقال بعنوان‪:‬‬
‫بالخ ْلق اإللهي المباشر أن العلماء الماديين ليس‬
‫"بسست!!! ال تخرب المؤمنين َ‬
‫لديهم أدنى فكرة عن كيف نشأت الحياة على األرض‪.‬‬

‫الكاتب تحت هذا المقال كل فرضيات المالحدة يف هذا الباب‪ ،‬و ُيبين‬
‫ُ‬ ‫يسرد‬
‫سخاف َتها!‬
‫فقضية كيف بدأت الحياة‪ ،‬قضية ال يمكن تفسيرها َوف ًقا للرؤية المادية‪.‬‬
‫‪)1( Stuart Kauffman, the Search for Laws of Self-Organization and Complexity, Oxford‬‬
‫‪University Press, 24‬‬
‫براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.389‬‬

‫‪85‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يحتج علينا ملحد ويقول‪ :‬لكن ألستم هبذا تستخدمون مغالطة إله‬
‫ُّ‬ ‫لكن هنا قد‬
‫الفجوات!‬
‫كلما َق ُصر العلم عن شيء قلتم‪ْ :‬‬
‫إذن اهلل هو الذي أوجده!‬
‫نحتج بما نعلم وليس بما نجهل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والجواب‪ :‬هذا خطأ شديد؛ فنحن‬
‫نحتج بالنظم المعلوماتية المعقدة الموجودة داخل كل كائن حي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫والمعلومة ليست مادة‪ ،‬المعلومة نتاج َخ ْلق وصنع وعلم وقدرة وإحاطة‪.‬‬
‫نحتج بنظام التشفير الرباعي الذي ُدونت من خالله كل المعلومات التي‬
‫ُّ‬
‫يحتاجها الكائن بمنتهى الضبط قبل أن يظهر!‬
‫دونة بنظام تشفيري داخل كل خلية من خالياك؛‬
‫أربعة مليارات معلومة ُم َّ‬
‫إذن بالبديهة العقلية هذه المعلومات ال بد لها من ِ‬
‫موجد!‬ ‫ْ‬
‫تتحول إلى لحم ودم‬
‫َّ‬ ‫فكيف هبذه المعلومات وهي ُمشفرة‪ ،‬ثم كيف هبا وهي‬
‫وهرمونات ووظائف غاية يف الضبط؟‬
‫وأعضاء ُ‬
‫فهذا احتجاج بما نعلم‪ ،‬وهو احتجاج تقوده البديهة العقلية‪ ،‬والذي ينكر‬
‫ُمؤ َّدى هذه البديهة هو المطالب بتقديم الدليل ولسنا نحن!‬
‫المركبات‬‫أيضا بأننا بكل علومنا وجامعاتنا أصبحنا ُنوقن أن ُ‬
‫نحتج ً‬
‫ُّ‬ ‫نحن‬
‫الكيميائية مهما تع َّقدت لن ُتتنج حياة‪ ،‬فكيف ننسب الحياة لبيئة األرض األولى‪،‬‬
‫ونحن لم نستطع إيجادها بكل قدراتنا ِ‬
‫العلمية؟(‪)1‬‬
‫َّ‬
‫كيف لهذه الجامعات والمعامل العمالقة والعقول المبهرة كيف لها جمي ًعا‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=zskbSuG1lco‬‬
‫من ‪2:95‬‬
‫إلى ‪2:18‬‬
‫ما لن نرصده أبدً ا أبدً ا‬
‫تكوين خلية حية من مركبات كيميائية غير حية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫صر الملحد على أن‬ ‫َأال تعرف كيف تنتج ولو صورة ُم َّ‬
‫بسطة من الحياة‪ ،‬ثم ُي ُّ‬
‫الحياة نشأت بالصدفة يف بيئة األرض العشوائية األولى؟‬
‫اآلن‪َ :‬من الذي ُيجيب بالفجوات المعرفية نحن أم الذين ألحدوا؟‬
‫الذي ال يعرف كيف نشأت الحياة‪ ،‬وال كيف نشأة المعلومة‪ ،‬وال كيف‬
‫ظهرت نظم الكائنات الحية‪ ،‬وال كيف ظهر الكون نفسه‪ ،‬ثم ينسب كل ما يجهله‬
‫جهال‪ ،‬هو المتبع للفراغات ولسنا نحن!‬
‫للطبيعة األكثر منه ً‬
‫إنه ُيسلم عقله لفجوات معرفية ال حصر لها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ماض ينسب له هذه المعجزات‪ ،‬وفجوات مستقبلية‪.‬‬ ‫ُيسلم نفسه لفجوات‬
‫فجوات مستقبلية حين يقول‪ :‬ربما يف المستقبل نعرف كيف حصلت هذه‬
‫المعجزات ‪!Future Gaps‬‬
‫الملحد يعيش يف عالم معريف مليء بالفجوات!‬
‫نحتج بما رصدناه من نظم معلوماتية‪ ،‬نحتج‬
‫ُّ‬ ‫نحتج بما نعلم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫بينما نحن‬
‫بالحقائق والنتائج التي أفادها العقل بالنظر والبحث‪.‬‬
‫وهكذا تبين َّ‬
‫أن المؤمن ُيسلم بالدليل‪ ،‬بينما الملحد ُيسلم بالوهم واألمل‬
‫والتخمينات البعيدة‪ ،‬فالملحد يقوم برتحيل مشكالته إلى حيث نكون غير‬
‫موجودين!‬
‫﴿ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [سبأ‪.]35 :‬‬
‫يضعون أ َّية افرتاضات مستقبلية تناقض ما تحت أيديهم‪ ،‬بينما المؤمن ُيسلم‬
‫بالرباهين والدالئل التي تحت يده‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن الذي ُينكر إلزام التصميم والمعلوماتية المحيطة بنا يف داللتها على‬
‫المطا َلب بتقديم الدليل ولسنا نحن!‬
‫الخ ْلق واإلتقان هو ُ‬
‫َ‬

‫‪87‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُ َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُّ‬


‫‪ -23‬هل حيق للملحد استخدام حجة املستقبل؛ حجة اإليمان بأن املستقبل قد‬
‫خيربنا كيف نشأت هذه انلظم املعلوماتية وكيف ظهرت احلياة؟‬

‫الرجم بالغيب باستخدام المستقبل ال يكون إال يف الممكن العقلي‬


‫‪ ،Contingent Existence‬أي الشيء الذي من الممكن عقل ًّيا أن يحدث!‬
‫ونشأة الحياة على األرض ذات ًّيا محال عقلي؛ ألهنا لو كانت ممكنًا عقل ًّيا‬
‫الستطاع البشر إيجادها يف كل لحظة‪ ،‬ويف كل مكان بأقل جهد‪ ،‬أما كون البشر‬
‫بكل علومهم ومكائنهم وقدراهتم وعقولهم وجامعاهتم ال يستطيعون أن ِ‬
‫يوجدوا‬
‫ولو أبسط صورة منها‪ ،‬فاألمر ال يخضع إطال ًقا للممكن العقلي‪.‬‬
‫فالذي يقول‪ :‬أنا سأكفر على أمل أن أجد يف المستقبل ُحج ًة لكفري‪ ،‬سأكفر‬
‫عقال!‬
‫دليال على كفري يو ًما ما‪ ،‬فهذا من أضل الناس ً‬
‫على أمل أن أجد ً‬
‫ومن العجيب والذي يدعو الملحد إلى أن يعيد التفكير يف إلحاده ح ًّقا هو‬
‫العلم َّية العمالقة‪ ،‬المؤسسات التي تؤمن بالمادية‪ ،‬وليس‬ ‫أن‪ :‬المؤسسات ِ‬‫َّ‬
‫مؤخرا جوائز مالية ضخمة لمن يستطيع أن يجيب‬
‫ً‬ ‫المؤسسات الدينية وضعت‬
‫عن سؤال‪ :‬كيف نشأت الحياة‪ ،‬وآخرها جائزة بخمسة ماليين دوالر‪ ،‬هذه‬
‫الجائزة ُوضعت يف جامعة أريزونا‪ ،‬وكانت الجائزة لمن َيعرف‪ :‬كيف ُتش َّفر‬
‫المعلومة داخل الشريط الجيني!‬

‫‪88‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫عقلي يف بيئة األرض العشوائية حتى يحيل إليها الملحد‬


‫ٌّ‬ ‫فهل هذا ممكن‬
‫كفره؟‬
‫أي إنسان بتصميم جزء من شريط‬
‫مبلغ مالي هبذا الحجم مقابل أن يقوم ُّ‬
‫جيني‪ ،‬ولو أبسط من الشريط الجيني يف البكتيريا بماليين المرات(‪.)1‬‬
‫ثم ُي ِّصـر الملحد على أن الحياة من الممكن أن تظهر بالصدفة يف بيئة األرض‬
‫العشوائية!‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [الحج‪]75 :‬‬
‫اهلل ‪ ‬يف الحديث ال ُقدسي الصحيح المتفق عليه‪َ " :‬و َم ْن َأ ْظ َل ُم‬
‫وقال ُ‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=PmNGZgHH4Jg‬‬
‫من ‪ 7:21‬إلى ‪8:01‬‬
‫ما نحاول القيام به هو تشكيل شكل من أشكال الحياة يكون أصغر بماليين المرات من بكتيريا صغيرة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َخ ْل ِقي‪َ ،‬ف ْل َي ْخ ُل ُقوا َذ َّر ًة ْأو ل ِ َي ْخ ُل ُقوا َح َّب ًة ْأو َش ِع َير ًة"(‪.)1‬‬
‫ب َي ْخ ُل ُق ك َ‬ ‫ِ‬
‫م َّم ْن َذ َه َ‬
‫والذرة‪ :‬هي صغار النمل‪.‬‬
‫َّ‬
‫اخلق نملة صغيرة‪ ،‬أو حتى الشريط الجيني لح َّبة قمح!‬
‫والصنع والقدرة والمعامل العمالقة‬
‫ُّ‬ ‫أيها اإلنسان! معك العقل والتصميم‬
‫المع َّقدة‪ ،‬ومع ذلك لم ُتنتج شي ًئا!‬
‫والكيمياء ُ‬
‫لم ُتنتج نملة صغيرة‪ ،‬بل وال حتى أصغر من البكتيريا بماليين المرات‪.‬‬
‫صما َء جرداء تنتج لنا البكتيريا واإلنسان؟‬
‫أرضا َّ‬
‫فهل من الممكن العقلي أن ً‬
‫ما لكم كيف تحكمون؟‬
‫بل والغريب َّ‬
‫أن‪ :‬العلماء اجتمعوا مر ًة أخرى قبل شهور قليلة‪ ،‬وتحديدً ا يف‬
‫آخر شهر مايو من العام ‪ 1091‬ميالدية‪ ،‬يف الجمعية الملكية للعلوم بلندن‪.‬‬

‫لكن يا ُترى من أجل ماذا؟‬


‫من أجل مضاعفة قيمة الجائزة لتصل قيمتها إلى عشرة ماليين دوالر!‬
‫عشرة ماليين دوالر ليس كتحدٍّ إليجاد حياة‪ ،‬بل فقط لمجرد تصنيع شريط‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري ح‪ ،7331:‬ومسلم ح‪.1999:‬‬

‫‪90‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫جيني يشفر المعلومات(‪.)1‬‬


‫« َف ْل َي ْخ ُل ُقوا َذ َّر ًة ْأو ل ِ َي ْخ ُل ُقوا َح َّب ًة ْأو َش ِع َير ًة»!‬
‫يتحدون البشر هبذا التحدي مقابل عشرة ماليين‬
‫العلماء بأنفسهم هم اليوم َمن َ‬
‫دوالر!‬
‫المرتاصة التي ظهرت فجأ ًة بمنتهى الضبط يف‬
‫َّ‬ ‫فما بالك بماليين الشفرات‬
‫أبسط الكائنات الحية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة؟‬ ‫أيهما أقرب للعقل‪ ،‬ولما تحت أيدينا من ٍ‬
‫علم‬
‫التصور اإللحادي أم الخلق اإللهي؟‬
‫ُّ‬
‫دع عقلك يعمل‪ ،‬ولو على حساب هواك!‬
‫ْ‬

‫‪ -24‬لكن ما زال ابلعض يعتقد أن العلم استطاع إجياد حياة كما يف جتربة‬
‫كريج فنرت ‪ Craig Venter‬اليت أجراها قبل سنوات؟‬
‫طب ًقا لتجربة كريج فنرت ِ‬
‫العلم َّية(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫فإن ما فعله فنرت تحديدً ا هو أنَّه‪ :‬أحضر خلية ميكوبالزما حية‪ ،‬والميكوبالزما‬
‫هي‪ :‬كائن وحيد الخل َّية من أصغر الكائنات الحية على اإلطالق‪ ،‬أحضر ميكوبالزما‬

‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?time_continue=16&v=rJSCBeLD05M‬‬
‫من ‪91:21‬‬
‫إلى ‪95:03‬‬
‫صباح الخير‪ ،‬أشكركم إنه لمن الشرف لي أن أكون هنا يف الجمعية الملكية‬
‫نحن هنا سنقوم بمضاعفة قيمة الجائزة وهذه أول خطوة هامة أقوم هبا منذ قدومي ألوروبا‪..‬‬
‫(‪ )2‬ورقة كريج فنرت العلمية ‪:1090‬‬
‫‪https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/10111660‬‬
‫ورقة كريج فنرت العلمية ‪:1093‬‬
‫‪http://science.sciencemag.org/content/sci/25464110/aad4152.full.pdf‬‬

‫‪91‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بالغشاء الخاص هبا‪ ،‬وبإنزيمات الخلية‪ ،‬وعضيات الخلية‪ ،‬ومجموعة كاملة من‬
‫المصنَّعة إلى‬
‫الجينات داخل نواة الخلية‪ ،‬ثم قام بإدخال مجموعة من القواعد ُ‬
‫داخل الخلية‪ ،‬فقامت خلية الميكوبالزما بتكثير هذه القواعد‪ ،‬أي‪ :‬قامت بعمل‬
‫أكثر من نسخة من هذه القواعد‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن ما قام به كريج فنرت هو مشروع عمل داخل خلية حية!‬
‫خلية بغشاء الخلية بإنزيمات الخلية بمجموعة كاملة من الجينات داخل الخلية‪.‬‬
‫يقول الحائز على جائز نوبل يف علم األحياء بول نيرس ‪" :Paul Nurse‬عمل‬
‫فنرت إنجاز كبير لكنَّه لم يخلق حياة صناعية"‪.‬‬

‫أما جيم كولينز ‪ Jim Collins‬أستاذ الهندسة البيولوجية يف جامعة بوسطن‬


‫أن بعض الناس تخ َّيلوا أننا استطعنا َخ ْلق حياة‪ ،‬هذا ال‬
‫فيقول‪" :‬ما ُيزعجني هو َّ‬
‫يمثل َخ ْلق حياة"‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫واألغرب مما سبق أن كريج فنرت بنفسه قال‪" :‬إننا لم نخلق حياة من الصفر‬
‫‪."We didn’t create life from scratch‬‬

‫يبق على االعتقاد بأن العلم أوجد حياة سوى بعض الملحدين غير الدارسين‬
‫لم َ‬
‫للبيولوجيا‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن فالحياة ليست ممكنًا عقل ًّيا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والحياة لم تنشأ من مادة غير حية رغم كل جهود جامعات ومعامل العالم؛ هذا‬
‫لم يحصل!‬
‫وبالتالي‪ :‬فالحزمة المعلوماتية التي ظهرت فجأ ًة بنظام تشفير رباعي يف الشريط‬
‫الجيني ليست ممكنًا عقل ًّيا‪ ،‬وظهورك أنت أيها اإلنسان‪ ،‬ليس ممكنًا عقل ًّيا!‬
‫لو تف َّكر الملحد يف هذه الحقائق بصدق‪ ،‬فلن يرقد له َج ْفن!‬

‫‪ -25‬لكن ماذا عن مرشوع ريتشارد دوكيزن ‪ Richard Dawkins‬عندما‬


‫حاول تفسري ظهور الشفرة اجلينية بالصدفة؟‬

‫حاول الملحد الشهير ريتشارد دوكينز بصحبة برنامج لمربمج ُيدعى‬


‫ريتشارد هارديسن ‪ Richard Hardison‬حاول أن يتجاوز معضلة التشفير الجيني‬
‫ب ُلعبة مضحكة فقال‪ :‬سنقوم بإدخال حروف إحدى ُ‬
‫الجمل يف برنامج ريتشارد‬
‫هارديسن‪ ،‬وسننظر كم يستغرق الربنامج إلنشاء هذه الجملة!‬
‫وبالتالي بنفس القياس سنتوقع الوقت الذي يستغرقه ظهور جزء من النظام‬
‫المعلومايت الذي يحمله أحد الجينات‪.‬‬
‫وفكرة برنامج ريتشارد هارديسن بإيجاز هي َّ‬
‫أن‪ :‬الربنامج يقوم بعرض‬
‫الحروف عشوائ ًّيا للبحث عن الحرف الصحيح المطلوب‪ ،‬فإذا وصل للحرف‬
‫الصحيح المطلوب فإنه سيحتفظ به ثم يبدأ رحلة بحث جديدة عن الحرف‬
‫الصحيح التالي‪ ،‬وهكذا حتى تكتمل الجملة(‪.)1‬‬

‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=AXxCsHGIxww‬‬

‫‪94‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫لكن يا ُترى! كم عدد المغالطات التي ارتكبها ريتشارد دوكينز يف هذا المثال؟‬
‫تم االحتفاظ بحرف خاطئ؟‬
‫لم يقل لنا دوكينز فلتة العقالء‪ :‬ماذا سيحدث لو َّ‬
‫أليس من الطبيعي أن يتوقف الربنامج عن العمل‪ ،‬وليس أن يبدأ يف البحث‬
‫عن الحرف الصحيح مر ًة أخرى؟‬
‫أيضا‪ :‬ما هي اآللية التي س ُتعيد الحروف وتنتقي بينها؟‬
‫لم يقل لنا ً‬
‫ثم المشكلة األكرب‪ :‬ما معنى تش ُّكل عشرة حروف يف كائن لم يظهر بعد؟‬
‫أصال!‬
‫ال معنى لوجود هذه الحروف وال قيمة وظيفية لها ليتم االحتفاظ هبا ً‬
‫تتحول الحروف إلى حياة؟‬
‫ثم كيف َّ‬
‫واألهم مما سبق‪ :‬برنامج الكمبيوتر يحتاج لقدرة وعلم وتصميم وإرادة‬
‫ُّ‬ ‫ثم‬
‫وصنع وضبط ومعايرة دقيقة‪ ،‬فلماذا اشرتط دوكينز ذلك يف تجربته‪ ،‬ورفض أن ينسبه‬
‫للخالق يف بيئة األرض األولى؟‬

‫‪95‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثم كيف عرف الكائن الذي لم يظهر بعدُ ‪ ،‬كيف عرف بحاجته إلى هذه‬
‫األحرف بعينها؟‬
‫بل واألغرب أنَّه سيحتفظ بالصحيح ويرتك الخطأ‪ ،‬مع َّ‬
‫أن الكائن لم يوجد بعدُ !‬
‫ريتشارد دوكينز هبذه التجربة التي فيها يقوم الربنامج بفحص الحروف‬
‫وقرر ضرورة‬
‫واختيار المطلوب هو هبذه التجربة تجاوز فكرة العشوائية‪َّ ،‬‬
‫المس َبق‪ ،‬فالقضية ِعلم وقدرة وإرادة ُمس َبقة‪ ،‬وليست عشواء أو‬
‫التصميم ُ‬
‫العقالنية‪.‬‬
‫التطور بال أي دور إنشائي؟‬
‫ُّ‬ ‫ثم أليس من المفرتض أن يكون‬
‫فكيف يحذف الربنامج الحروف الخطأ‪ ،‬ويبني على الجمع السابق‬
‫للحروف الصحيحة؟‬
‫هذا الفعل ال يوجد يف الطبيعة؛ ألن كل واقعة يف عالم االحتماالت يف الطبيعة‬
‫هي واقعة مستق َّلة ‪.Independent Event‬‬
‫هي واقعة ال َعالقة لها بسابقتها!‬
‫فحرف خطأ يعني انتهى الموضوع وتو َّقف العمل!‬
‫فروضا‬
‫ً‬ ‫محاولة ريتشارد دواكينز تجعلك تقطع أن ُدعاة النظرية يضعون‬
‫ٍ‬
‫وتخمينات ال َعالقة لها بأرض الواقع وال بحقيقة ما يحصل يف الطبيعة!‬
‫فريتشارد دوكينز يطلب هدفا ُمحد ًدا منذ البداية يسعى الربنامج إليه‪ ،‬ويف كل‬
‫مرة يقوم الكمبيوتر بمقارنة النتائج وفحصها لالحتفاظ بالحروف المربمجة لديه‬
‫َّ‬
‫واستبعاد الباقي‪ ،‬إنه تدبير وعناية ورعاية خاصة وإرادة وحكمة وقصد!‬
‫الخ ْلق(‪.)1‬‬
‫وهذا غاية ما ُيحدثكم عنه المؤمن يف قضية َ‬

‫(‪ )1‬لست ملحدً ا‪ ...‬لماذا؟ كريم فرحات‪ ،‬مكتبة هنضة مصر‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ا‬ ‫ا َّ‬ ‫ا ُ َّ‬


‫وصورا أقل تعقيدا من األنظمة‬ ‫صورا معقدة‬ ‫‪ -26‬لكن أال حتمل الطبيعة‬
‫احلياتية املختلفة‪ ،‬اكلعني ىلع سبيل املثال؟‬

‫التطوري‪ ،‬والذي ُيبين أننا أمام نظرية تعتمد‬


‫ُّ‬ ‫هذا االعرتاض هو ُل ُّ‬
‫ب اإلشكال‬
‫المربهن!‬
‫بالكلية على الطرح الفلسفي وليس الطرح العلمي ُ‬
‫الحساسة للضوء؟‬
‫َّ‬ ‫فاإلعجاز ليس فقط يف العين‪ ،‬اإلعجاز يف الخلية‬

‫تحسست هذه الخاليا للضوء؟‬


‫لماذا َّ‬
‫التحسس للضوء إلى نبضات كهربية؟‬
‫ُّ‬ ‫يتحول‬
‫وكيف َّ‬
‫تتحول النبضة الكهربية إلى وعي ورؤية لما أمامك؟‬
‫وكيف َّ‬

‫‪97‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫القضية منقوصة من البدء!‬


‫تطورا!‬
‫ً‬ ‫الجواب ال يكون بافرتاض َّ‬
‫أن‪ :‬هناك عيونًا أقل‬
‫التطوري‬
‫ُّ‬ ‫التطور أشبه تما ًما بجواب نفس‬
‫ُّ‬ ‫هذا الطرح الفلسفي من ُدعاة نظرية‬
‫عندما نسأله‪ :‬هل تستطيع الطبيعة أن ُتنشئ صينية كنافة طازجة ُ‬
‫بالجبن؟‬

‫قائال‪ :‬الموضوع بسيط‪ ،‬بسيط جدًّ ا‪.‬‬


‫التطوري ً‬
‫ُّ‬ ‫س ُيجيبك‬
‫القمح موجود يف الطبيعة‪ ،‬وسقوط النيازك قد يتس َّبب يف طحن القمح يف أحد‬
‫يتحول الدقيق إلى عجين!‬
‫ليتحول إلى دقيق‪ ،‬ومع قليل من المطر َّ‬
‫َّ‬ ‫األزمنة السحيقة؛‬
‫وعلى طرف أحد صخور األفران الربكانية سيصبح لدينا مكان رائع للطهي السريع!‬
‫أما طعم الكنافة اللذيذ؛ فهناك حل بسيط‪ :‬قصب السكر موجود يف كل مكان‬
‫إلضافة مذاق الكنافة‪ ،‬وينابيع الماء الساخن كثيرة إلذابة قصب السكر‪.‬‬
‫الجبن فظهوره سهل‪ :‬فما أكثر األبقار ونقاط اللبن التي تنزل من ضرعها‬
‫أما ُ‬
‫بعد رضاعة أوالدها‪...‬‬
‫إلى هنا تستوعب تما ًما سخافة الطرح‪ ،‬بل وقد تشعر بالملل والسذاجة‪.‬‬
‫حساسة للضوء‪ ،‬أو‬ ‫فالقضية ليست يف توا ُفر الموا ِّد َّ‬
‫األولية والتي هي‪ :‬خل َّية َّ‬

‫‪98‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫تطورا!‬
‫ً‬ ‫عين ُمق َّعرة‪ ،‬أو عيون أقل‬
‫بالجبن!‬
‫القضية يف المعرفة ‪ the Know How‬التي تنتج صينية الكنافة ُ‬
‫القضية منقوصة من ال َبدء!‬
‫أنت لو انتظرت لماليين األعوام لن تتش َّكل صينية كنافة واحدة؛ ألن القضية‬
‫معرفة ‪ Know How‬وليست موا َّد أولية‪.‬‬
‫أن وجود المواد األولية ٍ‬
‫كاف هذا افرتاض فلسفي‪ ،‬لكنه ال يصلح‬ ‫افرتاض َّ‬
‫كمع ًطى علمي معترب!‬
‫ُ‬
‫المع َّقد‬
‫التطوري أنه ُيفكك يف عقله أجزاء النظام البيولوجي ُ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫كل ما يفعله‬
‫الذي أمامه‪ُ ،‬يفكك األجزاء المكونة للعين يف عقله‪ ،‬ثم يقوم بإعادة تجميع هذه‬
‫األجزاء من أماكن مختلفة من الطبيعة‪.‬‬
‫كأننا نلعب لعبة البازل ‪.Puzzle Game‬‬
‫ف ِّكك ِّ‬
‫وجمع!‬

‫الخيال ِخ ْصب‪.‬‬
‫وموهبة توليد الحكايا قد يمتلكها البعض‪.‬‬
‫الجزيئي داخل الخلية كل التفاصيل مهمة‪ ،‬وخلل يف‬
‫لكن على المستوى ُ‬

‫‪99‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫حرف واحد داخل شريطك الجيني قد ُيفسد نظا ًما بأكملِه!‬


‫فما بالك بنظام مبهر كالعين؟‬
‫دقة العين البشرية ُتوازي خمسمائة وستة وسبعين ميجا بيكسل‪.‬‬
‫وتحتوي العين على أنقى عدسة يف العالم‪.‬‬
‫وحجم المستقبل الضوئي يف الشبكية ال تتجاوز مساحته نصف الملليمرت المربع!‬
‫وخ ْلق إلهي مبهر(‪.)1‬‬
‫إنَّه إعجاز َ‬

‫(‪ )1‬أوصي باالستماع لهذه الحلقة‪:‬‬


‫اسأل وال تخف | الحلقة ‪ | 98‬الصدفة… هل يمكنها خلق العين؟ !ج‪ |.9‬الدكتور مهاب السعيد‬
‫على هذا الرابط‪https://www.youtube.com/watch?v=a9GE1AQYVDs :‬‬

‫‪100‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫تحصل الرؤية؟‬
‫وحتى تعرف كيف ُ‬
‫حتى تعرف مدى تعقيد هذا النظام المبهر‪ ،‬والذي ال يمكن تفسيره بطريقة‬
‫التفكيك الخرايف الدارويني‪ ،‬حتى تعرف إهبار هذا النظام؛ انتبه معي لهذا الشرح‪:‬‬
‫عندما تسقط فوتونات الضوء على شبكية عينِك‪ ،‬فإهنا ُتحفز بروتينًا ُيدعى‬
‫الرودوبسين ‪- Rhodopsin‬الرودوبسين يوجد داخل خاليا شبكية العين‪ -‬بعد‬
‫‪GDP‬‬ ‫تحفيز الرودودبسين فإنه يلتصق بربوتين آخر ف ُيطلقا م ًعا جزيئة اسمها‬
‫ِ‬
‫يصبحان‬ ‫دال منها جزيئة ‪ ،GTP‬وبعد اكتساب هذه الجزيئة فإهنما‬ ‫ِ‬
‫ويكتسبان ب ً‬
‫أكثر قوة‪ ،‬وبالتالي يكون بإمكاهنما اآلن فصل جزيئة ُتدعي ‪.Cgmp‬‬
‫بعد انفصال هذه الجزيئة تدخل جزيئات الصوديوم ذات الشحنة الموجبة‬
‫إلى داخل الخلية‪ ،‬وبدخولها يحدث خلل يف توازن الشحنات عرب غشاء الخلية‪،‬‬
‫تيارا كهرب ًّيا ينتقل عرب العصب البصري إلى الدماغ‪.‬‬
‫هذا الخلل هو الذي ُيولد ً‬
‫الكهربي لدماغك تحصل معجزة ‪-‬تبهرين كلما تف َّكرت‬
‫ُّ‬ ‫عندما يصل التيار‬
‫َ‬
‫دماغك يقوم بتفسير تر ُّدد هذا التيار الكهربي الذي وصل إليه‬ ‫فيها‪ -‬وهي َّ‬
‫أن‬
‫متكامال ُمسب ًقا ُيحول التيار الكهربي الذي‬
‫ً‬ ‫قاموسا‬
‫ً‬ ‫على أنه رؤية! وكأنه يمتلك‬
‫وصل إليه إلى رؤية لما أمامك!‬
‫ُم ُخك يقبع داخل صندوق مظلم والذي هو الجمجمة؛ وال يصل ِّ‬
‫لمخك إال‬
‫فسر المخ هذا التيار على أنه رؤية؟‬
‫تيارات كهربية‪ ،‬فكيف َّ‬
‫كيف أعطاك الرؤية؟‬
‫كيف ُيميز بين عشرة ماليين درجة لونية مختلفة بأبعادها المختلفة؟‬
‫كل هذا اإلعجاز يف منظومة اإلبصار يحصل يف لحظة واحدة بمجرد أن تفتح‬
‫عينيك وتنظر!‬
‫وبعد دورة اإلبصار هذه التي بدأت بربوتين الرودوبسين‪ ،‬فإن هذا الربوتين‬

‫‪101‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ال بد أن يعود سري ًعا ليشارك بعد أقل من لحظة يف دورة إبصار جديدة‪.‬‬
‫الشفرة المطلوبة لتكوين بروتين الرودوبسين توجد داخل الشريط الجيني‬
‫يف كل خلية من خالياك‪ ،‬وشفرة اإلنزيمات المطلوبة لتفكيك بروتين‬
‫أيضا داخل الشريط الجيني‪ ،‬كذلك‬
‫الرودوبسين بعد عملية اإلبصار توجد ً‬
‫الشبكية وعدسة العين والرموش والحاجب وعظام الجمجمة والمخ كل‬
‫األعضاء توجد شفرهتا داخل الشريط الجيني‪.‬‬
‫ذرات الكون ال تكفي لتشكيل شفرة بروتين رودوبسين واحدة بالصدفة(‪.)1‬‬
‫كل َّ‬
‫فضال عن إدراك معنى‬
‫فضال عن المخ‪ً ،‬‬
‫فضال عن تكوين شبكية العين‪ً ،‬‬
‫هذا ً‬
‫فضال عن ظهورك أنت أيها اإلنسان!‬
‫الرؤية داخل صندوق المخ المظلم‪ً ،‬‬
‫﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾‬
‫[لقمان‪.]99 :‬‬
‫ا‬
‫تطورا للعني خلل ابلحث يف األحافري؟‬ ‫‪ -27‬لكن هل حنن رصدنا‬

‫دائما بعكس ما يتوقع ويتمنى ُدعاة النظرية‪.‬‬


‫علم األحافير يأيت ً‬
‫المع َّقدة ظهرت مع بداية عصر الكامربي‪ ،‬أي مع‬
‫ثبت أحفور ًّيا أن العين ُ‬
‫بداية ظهور ُشعب الكائنات الحية‪.‬‬
‫المع َّقدة ظهرت فجأةً‪.‬‬
‫فالعين ُ‬

‫(‪ )1‬إن احتمالية ظهور إنزيم بسيط هي‪ 10 :‬أس ‪.900‬‬


‫بينما عدد ذرات الكون هي‪ 90 :‬أس ‪.80‬‬
‫‪Richard Dawkins, Climbing Mount Improbable, P.95‬‬
‫براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.331‬‬

‫‪102‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫مفصال لظهور ُجزيء وظيفي‬


‫ً‬ ‫َموذجا واحدً ا‬
‫ً‬ ‫التطور ال يمتلكون ن‬
‫ُّ‬ ‫ُدعاة نظرية‬
‫فضال عن نموذج مفصل لظهور أي عضو كالعين‬
‫ً‬ ‫بالتطور‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫واحد داخل الخلية‬
‫على اإلطالق‪.‬‬
‫ال يمتلكون إال التخ ُّيل الظاهري‪ ،‬ثم يأيت البحث األحفوري بعكس التوقعات!‬

‫‪ -28‬هل هناك اعلم من الـ‪ RNA‬قبل ظهور الـ‪ ،DNA‬هل هذا الالكم صحيح؟‬

‫الـ‪ DNA‬هو الشريط الجيني الذي ُيشفر المعلومات بالتشفير الرباعي كما تحدثنا‬
‫قبل ذلك!‬
‫أيضا نظام تشفير رباعي يوجد يف داخل خالياك‪ ،‬حيث‬
‫وكذلك الـ‪ RNA‬هو ً‬
‫يشفر لمنظومات وظيفية ُمتخصصة‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فكل خلية من خالياك فيها عوالم من الـ‪ RNA‬وهي التي تقوم بوظيفة تصنيع‬
‫الربوتين داخل الخلية‪ ،‬فافرتاض عالم الـ ‪ RNA‬لتفسير ظهور عالم الـ‪ DNA‬هو‬
‫تفسيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫سمي هذا‬
‫كمن يضيف أنظمة ُمعقدة إلى أنظمة معقدة‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫عالم الـ ‪ RNA‬هو عالم تشفير معلومايت‪.‬‬
‫أ َّما فرضية عالم الـ ‪ RNA‬قبل عالم الـ‪ DNA‬فهي فرضية خاطئة تما ًما؛ ألن‬
‫الـ ‪ RNA‬بطبيعته ضعيف‪ ،‬وال يظهر إال داخل خل َّية ح َّية حتى يكون حافظة مؤقتة‬
‫للمعلومات‪.‬‬
‫فالـ ‪ RNA‬يتحطم تلقائ ًّيا‪.‬‬
‫ولذلك يعترب العلماء َّ‬
‫أن‪" :‬فرضية عالم الـ ‪ RNA‬قبل عالم الـ‪ DNA‬هي‬
‫الفرضية األسوأ‪ ،‬فالـ ‪ RNA‬هش جدًّ ا‪ ،‬وهو فقط يعمل كحافظة مؤقتة‬
‫للمعلومات؛ ولذلك ال يمكن للـ‪ RNA‬أن يسبق الخلية‪ ،‬وبالتالي فمن السخف‬
‫اعتباره كنقطة بداية للحياة"(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫‪ -29‬هل االنتخاب الطبييع نظرية عِلمية‪ ،‬أم هو ختمني فلسيف؟‬

‫يف سبعينيات القرن الماضي أعلن واحد من أشهر فالسفة العلم يف القرن‬
‫العشرين على اإلطالق وهو الالأدري كارل بوبر َّ‬
‫أن‪:‬‬

‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=zskbSuG1lco‬‬
‫من ‪51:27‬‬
‫إلى ‪55:10‬‬

‫‪104‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫التطور هي نظرية ميتافيزيقية‪ ،‬هي مجرد قفزة إيمانية وليست بعلم"(‪.)1‬‬


‫ُّ‬ ‫"نظرية‬
‫وقتها ثارت ثائرة ُدعاة النظرية‪ ،‬وحاولوا أن ُيربهنوا له أن النظرية يمكن أن‬
‫تخضع لالختبار‪.‬‬
‫لكنه وقبل وفاته بعامين فقط اعرتف للساينتيفك أمريكان أنه ما زال غير‬
‫ٍ‬
‫راض عن النظرية‪ ،‬ما زال غير ُمقتن ٍع هبا‪.‬‬

‫وقد عرضت الساينتيفك أمريكان اعرتافات بوبر وغيره من الباحثين تحت‬


‫مقال بعنوان‪ :‬داروين المشكوك فيه‪ ،‬لماذا مجموعة من العلماء الالدينيين‬
‫التطور؟‬
‫ُّ‬ ‫يشكون يف نظرية‬

‫‪)1( I have come to the conclusion that Darwinism is not a testable scientific theory, but a‬‬
‫‪metaphysical research programme.‬‬
‫‪Karl Popper, "Darwinism as a Metaphysical Research Programme" Methodology and‬‬
‫‪Science, p.402-446.‬‬

‫‪105‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وقد أكَّد بوبر موقفه من النظرية‪ ،‬ومن االنتخاب الطبيعي بالتفصيل يف آخر‬
‫ٍ‬
‫واحد وهو كتاب ‪ ،Evolutionary Epistemology‬وقد‬ ‫كتاب كتبه قبل وفاته بعا ٍم‬
‫التطور عرب تاريخها(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫أورد بوبر يف هذه الكتاب اعرتافات كبار علماء نظرية‬
‫‪C. H.‬‬ ‫فنقل عن أحد عظام الداروينية ‪-‬على حد تعبيره‪ -‬وهو كارل وادنجتون‬
‫‪ Waddington‬قوله َّ‬
‫أن‪" :‬االنتخاب الطبيعي ليس أكثر من طوطولوجيا ‪."Tautology‬‬
‫وطوطولوجيا تعني‪ :‬تكرارية؛ أي مجرد حشو كالم‪ ،‬فاالنتخاب الطبيعي‬
‫التطور غير منضبط بأدلة‪ ،‬وليس قضي ًة ِعلم َّية‪ ،‬وإنما هو‬
‫ُّ‬ ‫الذي هو قوام نظرية‬
‫َت ْكرار كالم‪ ،‬كالذي ُيفسر الماء بعد الجهد بالماء!‬
‫الطبيعي تكرار كالم؟‬
‫ُّ‬ ‫لكن لماذا االنتخاب‬
‫ألن أي كائن حي ستفرتض أنه تم انتخابه طبيع ًّيا‪ ،‬لمجرد أنه ظل ح ًّيا!‬
‫مجرد حشو كالم‪.‬‬
‫فما مربر قولنا‪ :‬إن ما جرى كان انتخا ًبا؟‬
‫لماذا ال يكون شيء آخر أبقى على هذا الكائن؟‬
‫أي كائن سيبقى سنقول‪ :‬إنه تم انتخابه؟‬
‫إهنا فروض تخمينية وليست رصدً ا علم ًّيا!‬
‫يكمل بوبر ويقول‪ :‬نفس كالم وادنجتون يوجد لدى داروينيين ِعظام من‬
‫أمثال‪ :‬رونالد َ‬
‫فيشر ‪ Ronald Fisher‬مؤسس الداروينية الحديثة‪ ،‬حيث يقرر‬
‫أيضا َّ‬
‫أن االنتخاب الطبيعي طوطولوجيا‪.‬‬ ‫فيشر ً‬
‫أيضا جون هالدان ‪ J.B.S. Haldane‬عالم الوراثة وشريك فيشر يف تأسيس‬
‫ً‬
‫الداروينية الحديثة يعرتف َّ‬
‫أن‪ :‬االنتخاب الطبيعي طوطولوجيا‪.‬‬

‫‪)1( Evolutionary Epistemology, Rationality, and the Sociology of Knowledge,‬‬ ‫‪with‬‬


‫‪Contributions by Sir Karl Popper .‬‬

‫‪106‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ونفس األمر يؤكد عليه جورج جايلورد سيمبسون ‪George Gaylord Simpson‬‬
‫عالم الحفريات األمريكي‪ ،‬والذي عمل ألكثر من ثالثين عا ًما يف إدارة متحف‬
‫التاريخ الطبيعي يف أمريكا‪.‬‬
‫أن‪ :‬االنتخاب الطبيعي طوطولوجيا‪ ،‬والكالم لكارل‬ ‫كل هؤالء يقررون َّ‬
‫بوبر‪ ،‬فمفهوم االنتخاب الطبيعي ليس مفهو ًما ِعلم ًّيا‪.‬‬
‫والعجيب أنه بعد أعوام من كالم بوبر‪ ،‬وداخل معامل جامعة ميشغان‬
‫قررها بوبر إلى واقع عملي‪ ،‬حيث تمت محاولة إجراء‬
‫تحولت النتيجة التي َّ‬
‫التطور‪ ،‬فقام الباحثون بمحاكاة بحيث تمضي مليون سنة على بعض‬
‫ُّ‬ ‫نظرية‬
‫البكتيريا بالتحفيز المتتابع‪ ،‬فماذا كانت النتيجة؟‬
‫فضال عن‬
‫ً‬ ‫تريليونات البكتيريا ظهرت لكن بروتينًا واحدً ا جديدً ا لم يظهر‬
‫انتقال نوع لنو ٍع آخر!‬
‫هذه هي نتيجة االنتخاب الطبيعي‪.‬‬
‫االنتخاب الطبيعي لم يعمل!‬
‫(‪)1‬‬ ‫التطور لم يعمل!‬
‫ُّ‬
‫الغريب أن داروين بنفسه كان يستشعر أن هناك مشكلة يف نظريته!‬
‫ففي عام ‪9831‬م أرسل عالم النبات جوزيف هوكر ‪ Joseph Hooker‬رسالة‬
‫إلى داروين قال فيها‪:‬‬
‫مثال يف شكل مناقير الطيور أو االختالف بين أشكال‬
‫التنوع ً‬
‫تظن أن ُّ‬
‫هل ُّ‬
‫الكائنات الحية ضمن النوع الواحد مصدره انتخاب طبيعي؟‬

‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=_rebE4J-Ozk‬‬
‫من ‪3:10‬‬
‫إلى ‪7:53‬‬

‫‪107‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ال إطال ًقا!‬


‫تنو ًعا وراث ًّيا يف األجداد‪ ،‬هناك اختالفات داخل النوع‬ ‫األمر ببساطة َّ‬
‫أن هناك ُّ‬
‫الواحد‪ ،‬هذه االختالفات تتيح هذه األشكال المتعددة ضمن النوع الواحد‪.‬‬

‫تم رصده‬ ‫سبحان اهلل! وكأن هوكر يتك َّلم عن َ‬


‫الحوض الجيني للنوع الذي َّ‬ ‫َ‬
‫بعد حوالي مائة عام من هذا الكالم‪.‬‬
‫ً‬
‫أشكاال مختلفة ضمن إطار النوع من أنواع‬ ‫الحوض الجيني الذي‪ُ :‬يتيح‬‫َ‬
‫الكائنات الحية‪.‬‬
‫قائال‪" :‬الجزء الذي أدهشني فعل ًّيا يف خطابك‪،‬‬‫المهم أن داروين ر َّد عليه ً‬
‫ذكرت فيه أن كل اختالف نراه يمكن أن‬
‫َ‬ ‫رأسا على َع ِقب هو الذي‬ ‫ِ‬
‫وقلب كياين ً‬
‫يكون قد حدث دون أي انتخاب‪ ،‬وإين كنت ومازلت أتفق معك تما ًما يف ذلك‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جديدة"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫زاوية‬ ‫طت بالموضوع إحاطة تامة‪ ،‬ورأيتَه من‬‫ولكنَّك أح َ‬

‫‪108‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫التطور الذين ما زالوا يجادلون لتأكيد قوة نظريتهم هم أشبه‬


‫ُّ‬ ‫ُدعاة نظرية‬
‫بمجموعة من المنقبين عن كَنز من الذهب يبحثون ليل هنار يف طبقات األرض‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫ويكسرون أطنان الصخور الطينية والرملية والرسوبية‪ ،‬مع َّ‬ ‫ِ‬
‫ويحفرون‬ ‫المختلفة‪،‬‬
‫قبوا مكتو ًبا عليه‪" :‬الكنز يوجد هنا"!‬
‫هناك ً‬
‫المتقن أمام أعينِكم‪ ،‬لكنهم يتجاهلون هذا القبو؛ ألهنم‬
‫الصنع اإللهي ُ‬
‫أن‪ :‬منجم الذهب ال بد أن يكون تحت األرض!‬‫ينطلقون من مقدمة َّ‬
‫والتنوع يف الكائنات‬
‫ُّ‬ ‫التطور ينطلقون من مقدمة َّ‬
‫أن‪ :‬تفسير الحياة‬ ‫ُّ‬ ‫فدُ عاة‬
‫الحية ال بد أن يكون تفسيرا ماديا؛ لذلك هم ما زالوا ِ‬
‫يحفرون‪ ،‬مع أن دالئل‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫التطور ال تعمل‪ ،‬االنتخاب‬
‫ُّ‬ ‫المتقن أمامهم يف كل لحظة؛ ونظرية‬
‫الخلق اإللهي ُ‬
‫الطبيعي ال يعمل؛ لكن يتجاهلون!! وما زالوا يحفرون!!!‬
‫لتطور يف كل‬
‫محاولة إغماض العين عن القبو الذي أمامهم مع فشل نظرية ا ُّ‬
‫ضرر شديدٌ على العلم‪ ،‬وتأخير لفروع كبيرة من‬
‫ٌ‬ ‫اختبار وتجربة ومعمل‪ ،‬هذا‬

‫‪109‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫العلم‪ ،‬وتضييع لمنافع كان ْأولى أن نستخدمها يف مناحٍ أخرى!‬


‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ؤديان إىل تطور كبري؟‬
‫ِ‬ ‫واتلطور الصغري هل ي‬ ‫‪ -31‬لكن هل الطفرات‬

‫الح َيل اللغوية‪ ،‬حيث يلعبون‬‫يستخدم دعاة نظرية التطور دائما ُلعبة ِ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫بالمصطلحات‪ ،‬ومن أشهر هذه المصطلحات التي يلعبون هبا مصطلح‪" :‬التك ُّيف‬
‫ُ‬
‫الحوض الجيني للنَوع"‪.‬‬
‫يف إطار َ‬
‫صغيرا!‬
‫ً‬ ‫تطورا‬
‫ً‬ ‫التك ُّيف ُيسميه ُدعاة النظرية‪:‬‬
‫لكن ما هو التك ُّيف؟‬
‫التنوع ضمن إطار نوع الكائن الحي!‬
‫التك ُّيف هو‪ُّ :‬‬
‫تنوع ضمن‬
‫مثال هناك‪ :‬األبيض واألسود والطويل والقصير؛ هذا ُّ‬
‫ففي البشر ً‬
‫الحوض الجيني لنفس النوع‪.‬‬
‫ً‬
‫أشكاال مختلفة‪.‬‬ ‫فالحوض الجيني للنوع ُيتيح‬
‫وحتى نفهم طبيعة الحوض الجيني جيدً ا دعونا نضرب هذا المثال‪:‬‬
‫وز ْيت وبيض‪.‬‬
‫وسكر َ‬
‫داخل المطبخ يوجد‪ :‬دقيق ُ‬

‫‪110‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫نستطيع بمكونات هذا المطبخ أن نصنع صينية كيك أو حتى صينية فطير بالسكر!‬
‫الصنفين م ًعا‪.‬‬
‫الحوض الجيني للمطبخ يتيح ِّ‬

‫التنوع ضمن الحوض الجيني للنوع‪.‬‬


‫هذا هو ُّ‬
‫فالحوض الجيني يتيح تشكيالت وتنويعات مختلفة‪...‬‬
‫تنوع مناقير العصافير‪،‬‬
‫وعندما زار داروين ُج ُزر الجاالباجوس‪ ،‬وشاهد ُّ‬
‫أن المناقير تختلف بحسب طبيعة الغذاء‪ ،‬فلو َّ‬
‫أن األكل كان قري ًبا من‬ ‫وجد َّ‬
‫صغيرا‪ ،‬بينما لو كان األكل بعيدً ا داخل األرض‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫األرض سيصبح المنقار‬
‫المنقار سيكون أطول‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تطور!‬ ‫ظ َّن داروين َّ‬


‫أن ما يحصل أمامه هو ُّ‬
‫لم يكن داروين يف ذاك الوقت يعرف طبيعة الحوض الجيني للنوع‪ ،‬لم يكن‬
‫يعرف أن هذا تك ُّيف طبيعي ضمن إطار النوع الواحد!‬
‫لم يدرك داروين هذه الحقيقة؛ ألن تركيب الحوض الجيني لم ُيفهم إال بعد‬
‫ٍ‬
‫قرن كام ٍل من كتاب أصل األنواع‪.‬‬
‫تنوع وتك ُّيف ضمن إطار‬
‫تطو ًرا‪ ،‬وإنما ُّ‬
‫فما كان يحدث أمام داروين لم يكن ُّ‬
‫الحوض الجيني لنفس النوع‪.‬‬
‫ً‬
‫أشكاال مختلفة من‬ ‫فالشريط الجيني أو الشريط الوراثي لهذه العصافير يتيح‬
‫المناقير‪ ،‬فهناك يف الشريط الجيني لهذه العصافير شفرة لربوتين ُيدعى )‪(Bmp2‬‬
‫‪.Bone morphogenetic protein 2‬‬
‫الجين الخاص هبذا الربوتين يف المرحلة الجنينية ُيشفر لكل األنواع من أشكال‬
‫المناقير‪ ،‬وبحسب نشاطِه فيما بعد يعطي بروتينًا مم ِّي ًزا لمنقار محدد‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫أن الجين‬
‫نفسه ُيشفر لكل أشكال المناقير‪ ،‬فكل هذه التنويعات للمناقير التي شاهدها‬ ‫َ‬
‫اتضح أهنا تنتمي لنفس الحوض الجيني؛ تنتمي لنفس النَوع!‬
‫َ‬ ‫داروين‪،‬‬
‫الحوض الجيني‪ ،‬وال الجينات‪ ،‬وال التشفير‪ ،‬وال شيء‬
‫داروين لم يكن يفهم معنى َ‬
‫مما أقوله اآلن‪.‬‬
‫داروين كان يعتمد على رؤية سطحية بدائية‪ ،‬استنبط من خاللها نظريته!‬
‫فاعت َبر أن التك ُّيفات داخل نفس مكونات الحوض الجيني داخل نفس المطبخ‬
‫تطورا!‬
‫اعتربها ً‬
‫ولألسف ما زال أتباع النظرية ُيروجون لنفس أسطورتِ ِه ف ُيسمون التك ُّيف‬
‫تحول‬
‫صغيرا‪ ،‬يف إيحاء إلى احتمالية ُّ‬
‫ً‬ ‫تطو ًرا‬
‫ضمن إطار النوع الواحد يسمونه ُّ‬
‫تطور كبير أي‪ :‬إلى ظهور نو ٍع جديد!‬
‫التطور الصغير إلى ُّ‬
‫ُّ‬

‫‪112‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫مع َّ‬
‫أن الجميع يعلم اليوم أن كل هذه التك ُّيفات هي‪ :‬تنويعات ضمن إطار‬
‫الحوض الجيني لنفس النوع‪.‬‬
‫أي انتواع؛ لم‬
‫واألغرب من ذلك أنَّنا باعرتافهم‪ :‬لم نرصد حتى الساعة َّ‬
‫ٍ‬
‫ظهور ألنوا ٍع جديدة!‬ ‫نرصد أي‬
‫مؤخرا ترجمه مركز براهين‪ ،‬الكتيب بعنوان‪" :‬االنتواع‬
‫ً‬ ‫وهناك كتيب صدر‬
‫الخادع" ير ُّد على كل التخمينات يف كل الحاالت التي ظنوا أهنا حاالت ظهور‬
‫التطور‪ ،‬وب َّين الكتاب أهنا تك ُّيفات ضمن إطار النوع الواحد!‬
‫ألنواع جديدة ب ُّ‬

‫بالتطور!‬
‫ُّ‬ ‫الحوض الجيني للنَوع‪ ،‬وال َعالقة لها‬
‫دائما داخل َ‬
‫فالتك ُّيفات تكون ً‬

‫‪113‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ً‬
‫أشكاال مختلفةً‪ :‬فالحوض الجيني يتيح‬ ‫وهذا الحوض الجيني كما قلنا يتيح‬
‫للبكتيريا آكلة النايلون أن تكتسب خاصية أكل النايلون متى توفر النايلون لها!‬
‫والحوض الجيني يتيح مقاومة البكتيريا للمضاد الحيوي متى تعاطى المريض‬
‫مضا ًّدا حيو ًّيا!‬
‫ٍ‬
‫مختلفة‪ ،‬حيث ربما‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بصور‬ ‫وإن كانت مقاومة البكتيريا للمضاد الحيوي تجري‬
‫يتعرف عليها المضاد الحيوي!‬
‫تفقد البكتيريا جز ًءا من الشريط الجيني الخاص هبا‪ ،‬فال َّ‬
‫وأشهر مثال على ذلك ُط َفيل الماالريا حين قاوم عقار ال ُكلوروكوين‪ ،‬وبعد‬
‫أن توقف األطباء عن وصف هذا العقار اختفت السالالت الضعيفة من طفيل‬
‫الماالريا التي فقدت جز ًءا من الشريط الجيني الخاص هبا‪ ،‬وعادت السالالت‬
‫األصلية للظهور مجد ًدا‪.‬‬

‫فما حصل أثناء مقاومة المضاد الحيوي كان انتكاس ًة ‪ Devolution‬وليس‬


‫تطو ًرا‪. Evolution‬‬
‫ُّ‬

‫‪114‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ُّ‬ ‫َْ‬
‫اتلطور جائزة نوبل يف الكيمياء للعام ‪2118‬؟‬ ‫‪ -31‬لكن ألم حتصد نظرية‬

‫بالفعل التجربة التي حازت على جائزة نوبل يف الكيمياء للعام الماضي‬
‫التطور‬
‫ُّ‬ ‫التطور يف معمل" حيث قام العلماء بتقليد نظرية‬
‫ُّ‬ ‫كانت بعنوان‪" :‬نظرية‬
‫داخل معمل؛ فكيف حصل هذا وماذا كانت النتيجة؟‬

‫قام العلماء الذين فازوا بالجائزة بعمل طفرات يف ِشفرة الشريط الجيني لبعض‬
‫اإلنزيمات داخل البكتيريا تحت ضغط شديد بسرعة شديدة‪ ،‬فأصبحت الطفرات‬
‫ٍ‬
‫شهور قليلة(‪.)1‬‬ ‫التي تحتاج لمليار عام حتى تظهر‪ ،‬تم ضغطها لتحدث يف‬
‫التطور لمدة باليين األعوام؟‬
‫ُّ‬ ‫فماذا كانت نتيجة تطبيق نظرية‬
‫النتيجة كانت مدهشة!‬
‫فمع كل هذا الضغط التطفيري لم ينتقل نوع من الميكروبات إلى نو ٍع آخر‪.‬‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=4ecpiWFOCvU‬‬
‫من ‪ 1:07‬إلى ‪1:10‬‬
‫ما فعلوه هو أهنم قاموا بتسريع التطور‪ ،‬فما يستغرق فعل ًّيا باليين األعوام تم إجراؤه يف أسابيع قليلة أو عام واحد‪.‬‬
‫وهذا كان جز ًءا من تصريح سارة لنس ‪ Sara Linse‬عضو لجنة نوبل للكيمياء‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لم يظهر بروتين واحد جديد وظيفي‪ ،‬ولم يظهر إنزيم واحد جديد‪ ،‬فقط كل‬
‫ما حصل هو أن بعض اإلنزيمات أصبحت أكثر كفاء ًة يف إطار نفس النوع‪.‬‬
‫وهذا كالم الموقع الرسمي لنوبل‪" :‬إنزيم السبتليزين ‪َّ subtilisin‬‬
‫ظل كما هو يف‬
‫الجيل األول والجيل الثاين والجيل الثالث نفس اإلنزيم‪ ،‬داخل نفس الميكروب‪ ،‬داخل‬
‫نفس النوع‪ ،‬داخل نفس العائلة‪ ،‬لكن فقط مجرد متغيرات ضمن إطار اإلنزيم نفسه‪.‬‬

‫كل ما رصدناه متغيرات ضمن اإلنزيم الواحد‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫والعجيب أن هذا اإلنزيم الذي بدا أنه أصلح وأكفأ تب َّين أن الطفرات‬
‫المتكررة جعلته بالنسبة للكائن الحي أضعف‪ ،‬وعمره أقصر مقارن ًة باإلنزيم‬
‫الطبيعي الذي لم يتطفر‪ ،‬فهو فقط أصلح وأكفأ الستخدامنا نحن له يف الوقود‬
‫وفقيرا(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫الجملة بالنسبة للكائن الحي فاإلنزيم أصبح ًّ‬
‫هشا‬ ‫مثال‪ ،‬أما يف ُ‬
‫الحيوي ً‬
‫التطور بعد باليين االعوام لم تفعل أي شيء!‬
‫ُّ‬ ‫فنظرية‬
‫ِ‬
‫وماسمو‬ ‫ِ‬
‫ولذلك يقول الداروين َّيان الملحدَ ان جيري فودور ‪Jerry Fodor‬‬
‫بالماريني ‪ ،Massimo Piattelli-Palmarini‬يف كتاهبما‪" :‬األمر الذي أخطأ فيه‬
‫داروين ‪ "What Darwin Got Wrong‬يقوالن َّ‬
‫إن‪" :‬النظرية معيبة؛ ‪ -‬نظرية‬
‫التطور معيبة ثم قاال‪...-‬هذا ليس كتا ًبا عن اهلل‪ ،‬وال عن التصميم الذكي‪ ،‬وال‬‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ملحدان ‪ -‬لقد‬ ‫شيء من ذلك‪ - .‬كالهما‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫متورط يف‬ ‫عن الخلق‪ ،‬ليس أ ًّيا منا‬
‫ارتأينا أنه من المستحسن أن نوضح هذا منذ البداية؛ ألن رأينا األساسي فيما‬
‫سيأيت يقضي بأن هناك خط ًأ ما‪ ،‬وربما خطأ لدرجة قاتلة يف النظرية(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الم َّ‬
‫جردة‪ ،‬كم يا ترى حنتاج من الوقت تلثبيت‬ ‫‪ -32‬لكن بنظرية االحتماالت‬
‫جيل واحد؟‬
‫طفرتني نافعتني يف ٍ‬
‫يف دراسة عجيبة ُنشرت يف مجلة ‪ Genetics‬الدولية للدفاع عن نظرية‬
‫التطور‪ ،‬ثبت أننا لتثبيت طفرتين نافعتين يف جيل واحد نحتاج يف الحشرات‬
‫ُّ‬
‫الصغيرة لزمن يصل إلى بضعة ماليين من السنين‪ ،‬بينما نحتاج يف اإلنسان إلى‬
‫أكثر من مائة مليون عام‪.‬‬
‫‪)1( Modified enzymes are poor, weak things compared to natural enzymes, even with the‬‬
‫‪best of protein engineers’ efforts.‬‬
‫‪Dr. Douglas Axe‬‬
‫‪)2( Fodor, J. & Piattelli Palmarini, M., What Darwin Got Wrong, p. 45‬‬
‫(من مقدمة كتاب تصميم الحياة‪ ،‬دار الكاتب‪ ،‬ص‪.)90‬‬

‫‪117‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مائة مليون عام من أجل تثبيت طفرتين اثنتين نافعتين‪.‬‬


‫التطور‪ ،‬والرد على‬
‫ُّ‬ ‫هذا يف دراسة أجريت يف األصل للدفاع عن نظرية‬
‫ُمنتقديها والمشككين فيها!‬

‫أكثر من مائة مليون عام لطفرتين اثنتين‪.‬‬


‫وبما أنَّه بين اإلنسان والسلف المشرتك المزعوم ‪-‬القرد اإلفريقي‬
‫الجنوبي‪ -‬أكثر من ستين مليون طفرة‪.‬‬
‫فنحن نحتاج إلى أضعاف أضعاف عمر الكون لظهور نوع واحد جديد!‬

‫‪118‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫التطور خطأ و ُمحال!‬


‫ُّ‬ ‫العلم ببساطة يقول لك‪:‬‬
‫التطور ال يعمل‪.‬‬
‫ُّ‬
‫التطورية لين مارجلِس ‪ Lynn Margulis‬ودورين ساغان‬ ‫ُّ‬ ‫ولذا عالما األحياء‬
‫ٍ‬
‫مباشر على‬ ‫نستطع اقتفا َء دلي ٍل‬
‫ْ‬ ‫‪ Dorion Sagan‬اعرتفا يف تقرير علمي‪" :‬أننا لم‬
‫ظهور األنواع الجديدة‪ ،‬سوا ًء كان يف ُج ُزر الجاالباجوس البعيدة أو يف أقفاص‬
‫مختربات خرباء ذبابة الفاكهة أو يف الرسوبات المتكدسة"(‪.)1‬‬
‫التطور مفقو ًدا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الحاسم على‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الدليل‬ ‫ال يزال‬
‫فكل ما رصداه كان مجرد تغ ُّيرات ضمن النوع الواحد‪.‬‬
‫الم َفل َفل ‪ Peppered moths‬خالل فرتة الثورة الصناعية لم‬ ‫ِ‬
‫فزياد ُة نسبة ال ُعث ُ‬
‫نفسه‪ ،‬وعلوم الهندسة الوراثية‬‫يكن أكثر من مجرد تنو ٍع لوين ضمن نوع العث ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫أبقارا وفير َة اللحم‪ ،‬و ُذ َر ًة أغنى بالربوتين؛ لكن الماشي َة ظ َّلت ماشية‬
‫و َّفرت لنا ً‬
‫والذ َرة ظلت ذرة والعث ظل ع ًّثا‪.‬‬‫ُّ‬
‫التنوع يف كثير من الكائنات الحية ألقصى حد‪ ،‬ولم ي ُعدْ باإلمكان‬
‫تم استنفاد ُّ‬
‫ِ‬
‫المزيد من التغ ُّي ِر فيها‪ ،‬ومع ذلك لم يظهر نوع جديد على اإلطالق(‪.)2‬‬ ‫حصول‬
‫ولذلك ُتقرر مجلة علم األحياء النمائي ‪Developmental Biology‬‬
‫مقال لها اشرتك فيه مجموعة من علماء األحياء َّ‬
‫أن‪" :‬التغ ُّيرات يف‬ ‫ٍ‬ ‫التطورية يف‬
‫ُّ‬
‫مجاالت الهندسة الوراثية قد تؤدي إلى التك ُّيف مع البيئة‪ ،‬لكن هذا ال يعني ظهور‬
‫األصلح‪ ،‬ويبدو أن أصل األنواع ‪-‬مشكلة داروين‪ -‬تبقى مشكل ًة غير محلولة"(‪.)3‬‬
‫‪)1( Lynn Margulis and Dorion Sagan, Acquiring Genomes: A Theory of the Origins of‬‬
‫‪Species, p.21.‬‬
‫(تصميم الحياة‪ ،‬د‪ .‬ويليام ديمبسكي ود‪ .‬جوناثان ويلز‪ ،‬ترجمة د‪ .‬مؤمن الحسن وآخرين‪ ،‬دار الكاتب ص‪.)931‬‬
‫(‪ )2‬تصميم الحياة‪ ،‬د‪ .‬ويليام ديمبسكي ود‪ .‬جوناثان ويلز‪ ،‬ترجمة د‪ .‬مؤمن الحسن وآخرين‪ ،‬دار الكاتب‪.‬‬
‫‪)3( Scott F. Gilbert, John M. Opitz, Rudolf A. Raff, Resynthesizing Evolutionary and‬‬
‫‪Developmental Biology, Developmental Biology Magazine, Vol492, P.259-291.‬‬

‫‪119‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أمال يكافح بقوة ضد البيانات التجريبية والرصدية‪.‬‬


‫التطور وستبقى ً‬
‫كانت نظرية ُّ‬
‫التطور بأهنا نظرية‪ ،‬هذا يف حد ذاته ُمشكِل‪ ،‬فهي لم‬
‫ُّ‬ ‫لذلك توصيف نظرية‬
‫َت ْر َق بعدُ لتوصف بأهنا نظرية‪.‬‬
‫وهذا كالم الحائز على نوبل إرنست تشاين ‪ Ernst Chain‬حين قال‪" :‬من‬
‫التطور أهنا نظرية ‪.)1("It can hardly be called a theory‬‬
‫ُّ‬ ‫العسير وصف نظرية‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اتلطور إن الشمبانزي حيتوي ىلع ثمانية وأربعني‬ ‫‪ -33‬يقول داعة نظرية‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ستة وأربعني كروموسوما‪ ،‬إذن ال بد أن هناك‬
‫كروموسوما‪ ،‬واإلنسان حيتوي ىلع ٍ‬
‫ا‬
‫اتلحاما جرى بني كروموسومني يف اإلنسان‪ ،‬وهذا ما رصدوه حبسب ختمينهم يف‬
‫كروموسوم رقم اثنني يف اإلنسان‪ ،‬فهل هذا اتلخمني صحيح؟‬

‫هذه واحدة من أكرب الدالئل التي ُيروج لها ُدعاة النظرية بكثافة‪.‬‬
‫قليال!‬
‫لكن لنهدأ ً‬
‫هل هذا ِعلم أم فلسفة؟‬
‫تطو َر هو‬ ‫العلم التجريبي عندما يستمع لدعوى مثل هذه َّ‬
‫أن‪ :‬اإلنسان َّ‬
‫والشمبانزي من سلف مشرتك‪ ،‬سيقول‪ :‬هذه دعوى يلزمها رصد!‬
‫تصورا معينًا يف ذهنك أن اإلنسان والشمبانزي من‬
‫ً‬ ‫التطوري تضع‬
‫ُّ‬ ‫أنت أيها‬
‫التصور!‬
‫ُّ‬ ‫سلف مشرتك‪ ،‬ثم تقوم بتوجيه البحث نحو هذا‬
‫المغالطات المنطقية الشهيرة‪،‬‬
‫هذه مصادرة على المطلوب؛ وهي إحدى ُ‬
‫فهذه الدعوى فلسفة وليست بعلم!‬

‫‪)1( It can hardly be called a theory‬‬


‫‪R. W. Clark: the Life of Ernst Chain, P.419‬‬
‫براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص ‪353‬‬

‫‪120‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ألننا بنفس هذا األسلوب نستطيع أن نزعم َّ‬


‫أن اإلنسان والبطاطا من سلف‬
‫مشرتك واحد؛ ألن نبات البطاطا يحتوي على ثمانية وأربعين كروسو ًما بالضبط‬
‫مثل الشمبانزي‪ ،‬فلماذا الشمبانزي وليس البطاطا‪ ،‬إذا كانت المسألة عدد‬
‫كروموسومات!؟‬
‫ثم َّ‬
‫إن هناك نو ًعا من أسماك الزينة يدعى سمك جوبي ‪ Guppy‬يحتوي على‬
‫نفس عدد الكروموسومات يف اإلنسان‪ ،‬ستة وأربعين كروموسو ًما كاإلنسان‬
‫بالضبط‪ ،‬فلماذا الشمبانزي وليس جوبي؟‬
‫تصور معين يف‬
‫الموضوع مصادرة على المطلوب‪ ،‬وتوجيه المعطيات نحو ُّ‬
‫التطور!‬
‫ُّ‬ ‫ذهن داعية نظرية‬
‫علما‪ ،‬ركزوا معي يف هذا االفرتاض‪:‬‬
‫وحتى نتأكد أننا أمام فلسفة وليس ً‬
‫سنفرتض َّ‬
‫أن اإلنسان األول كان يمتلك ثمانية وأربعين كروموسو ًما هو‬
‫وأبناؤه‪ ،‬وفجأ ًة أتى أحد األحفاد وحدث لهذا الحفيد اندماج بين كروموسومين‪،‬‬
‫ثم جاءت الذرية البشرية المعاصرة من هذا الحفيد صاحب الستة وأربعين‬
‫ثمة خطأ يف هذا السيناريو؟‬‫كروموسو ًما‪ ،‬هل َّ‬
‫التطور أو خطأ هذا السيناريو؟‬ ‫ِ‬
‫هل تستطيع علم ًّيا أن تثبت صحة سيناريو ُدعاة ُّ‬
‫بل إن هذا السيناريو أقرب فلسف ًّيا؛ ألنه ُيقلل عدد الفروض‪ ،‬وبالتالي فهو‬
‫أصح ِعلم ًّيا طب ًقا لما ُيعرف بنصل أوكام ‪.Occam's razor‬‬
‫فالموضوع فروض عقل َّية وتخمينات‪.‬‬
‫واآلن ننتقل للشق الثاين من جواب هذه الدعوى‪:‬‬
‫هل بالفعل حدث اندماج يف الكروموسوم الثاين لإلنسان؟‬
‫هذا الكالم كان ُيطرح قبل مشروع الجينوم البشري ‪The Human Genome Project‬‬

‫أي قبل عام ألفين وثالثة‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لكن بعد العام ألفين وثالثة استطعنا جيدً ا قراءة ِشفرة الجينوم البشري‪،‬‬
‫و َعرفنا بالضبط تتابعات الحروف يف الكروموسوم الثاين يف اإلنسان‪.‬‬
‫ومما نعرفه اآلن‪ ،‬ومما يعرفه كل باحث يف الشفرات الجينية أنه يف هناية كل‬
‫كروموسوم يوجد تتابع معين من الحروف هبذه الصورة‪ :‬تاء تاء ألف جيم جيم‬
‫جيم تاء تاء ألف جيم جيم جيم أو ‪ TTAGGG TTAGGG TTAGGG‬آالف‬
‫المرات هبذا التتابع‪ ،‬وهذا التتابع له خاصية عجيبة وهي الحفاظ على‬
‫الكروموسوم من التلف!‬

‫لو حصل التحام بين كروموسومين‪ ،‬فالمفرتض َّ‬


‫أن منطقة االلتحام تكون‬
‫ممتلئة بضعف هذا التتابع تاء تاء ألف جيم جيم جيم؛ ألهنا منطقة هناية‬
‫كروموسومين أليس كذلك؟‬
‫أجريت دراسات على هذه ِ‬
‫المنطقة التي ُزعم أنه حصل فيها التحام‪ ،‬وتب َّين‬
‫أهنا مِنطقة مزدحمة بالجينات الوظيفية‪ ،‬أي‪ :‬جينات تشفر لربوتينات متخصصة‪،‬‬
‫تالحم‪ ،‬جرت هذه الدراسة يف بحث يدعم النظرية!‬
‫وليست مجرد منطقة ُ‬

‫‪122‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫فالدراسات التي تدافع عن هذه الفرضية‪ ،‬فرضية‪ :‬التحام الكروموسومين هي‬


‫بنفسها تعرتف َّ‬
‫أن‪ :‬منطقة االلتحام المزعومة ال يوجد هبا التتابع الكايف من‪ :‬تاء تاء‬
‫ألف جيم جيم جيم(‪.)1‬‬
‫نقطة أخيرة يف نقض هذه الدعوى‪ :‬يوجد وسط كل كروموسوم مِنطقة‬
‫سمى "السنرتومير"‪ ،‬وبالتالي فالمفرتض َّ‬
‫أن الكروموسوم الثاين يف اإلنسان به‬ ‫ُت َّ‬
‫اثنان من السنرتوميرات‪.‬‬
‫‪)1( Daniel Fairbanks, Relics of Eden: The Powerful Evidence of Evolution in Human DNA‬‬
‫‪(Amherst, NY: Prometheus, 1009.‬‬

‫‪123‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وكالعادة حاولوا أن يشيروا إلى تتا ُبع معين باعتباره بقايا سنرتومير قديم‪ ،‬لكننا‬
‫اكتشفنا َّ‬
‫أن هذا المكان المزعوم ليس به الـ‪ Alphoid DNA‬المميز للسنرتومير‪.‬‬
‫أن تتابع حروف السنرتومير يف الشمبانزي‬ ‫بل إنَّه يف دراسة أخرى تب َّين َّ‬
‫والغوريال ال يوجد هذا التتابع يف أي مِنطقة يف الكروموسوم الثاين يف اإلنسان‪،‬‬
‫وهذا ينسف هذه الدعوى من جذورها!‬
‫ينسف دعوى التحام الكروموسومين!‬

‫‪124‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫تطورا سري ًعا جدًّ ا حصل‬


‫ً‬ ‫وحتى يخرجوا من هذه الورطة افرتضوا َّ‬
‫أن‪ :‬هناك‬
‫أ َّدى الختفاء أي أثر للسنرتومير القديم!‬

‫السنرتومير القديم اختفى فجأ ًة دون أي أثر!‬


‫دائما حينما ُيفتقد ال ُبرهان يظهر السحر!‬
‫ً‬
‫َّ‬
‫‪ -34‬يقول ُداعة انلظرية‪ :‬إننا اكتشفنا أن‪ :‬فرع العصب احلائر ‪Recurrent‬‬
‫ا‬
‫‪ Laryngeal Nerve‬خيرج من املخ‪ ،‬وبدال من ادلخول مبارشة إىل احلنجرة‪ ،‬فإنه‬
‫ا‬
‫يزنل لألسفل‪ ،‬ويدور حول األوريط‪ ،‬ثم يصعد مرة أخرى لألىلع‪ ،‬وهذه اللفة‬
‫ا‬
‫ديلل ىلع أننا كنا أسمااك‪ ،‬فما صحة هذه ادلعوى؟‬

‫دائما لحجم الدعوى وقارنْها بحجم الدليل عليها‪ ،‬وستعرف الفرق‬


‫انظر ً‬

‫‪125‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بسهولة بين صاحب الحق والمهرج!‬

‫الخرافية َّ‬
‫أن‪ :‬هناك عص ًبا حنجر ًّيا يدخل‬ ‫أول معلومة للرد على هذه الفكرة ُ‬
‫سمى ‪ْ Superior Laryngeal Nerve‬‬
‫إذن لفة العصب‬ ‫من المخ مباشر ًة للحنجرة ُي َّ‬
‫الحائر ‪ Recurrent Laryngeal Nerve‬ستكون لهدف‪ ،‬ستكون لتحقيق مهمة‬
‫عرفنا هذا الهدف أو لم نعرفه!‬
‫محددة‪ ،‬سوا ًء َ‬
‫تتم هذه اللفة ستحصل مشكلة‪.‬‬
‫فلو لم َّ‬
‫تم تشخيص حالة مرضية بسبب عدم حصول هذه اللفة‪ ،‬حيث يدخل‬
‫وبالفعل َّ‬
‫‪Recurrent Laryngeal Nerve‬‬ ‫يف هذه الحالة المرضية يدخل العصب الحائر‬
‫‪Non-‬‬ ‫مباشرة إلى الحنجرة دون هذه اللفة‪ ،‬وهذه الحالة المرضية ُت َّ‬
‫سمى‬
‫يتصور ُدعاة‬
‫َّ‬ ‫‪"recurrent laryngeal nerve‬العصب غير الملتف" وهي الشكل الذي‬

‫‪126‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫التطور أنه النموذج األفضل!‬


‫نظرية ُّ‬
‫الغريب أنَّه تب َّين َّ‬
‫أن هذه حالة مرضية‪ ،‬وليست حالة طبيعية!‬
‫فنتيج ًة لعدم نزول العصب الحائر ‪ Recurrent Laryngeal Nerve‬للدوران‬
‫ُّ‬
‫تضخم يف بعض الشرايين الخارجة‬ ‫حول األورطي‪ ،‬فإن المريض س ُيصاب بـ‪:‬‬
‫من األورطي‪ ،‬ومشاكل يف البلع والتن ُّفس‪.‬‬

‫فالمعلومة التي أصبحت من بديهيات الطب الحديث أن فرع العصب الحائر‬


‫وقت نزوله لاللتفاف حول األورطي‪ ،‬فإنه يقوم بتغذية المريء والقصبة الهوائية‬
‫والقلب ‪.)1(Deep cardiac plexus‬‬
‫ومؤخرا تم اكتشاف فوائد لهذه اللفة للعصب الحائر يف المرحلة‬
‫ً‬ ‫بل‬
‫الجنينية!‬

‫‪)1( The recurrent laryngeal nerves gives cardiac branches to the deep cardiac plexus, and‬‬
‫‪branches to the trachea, esophagus and the inferior constrictor muscles.‬‬

‫‪127‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -35‬يقول داعة انلظرية‪ :‬إن شفرة فريوس النسخ العكيس ‪ Retrovirus‬توجد‬
‫ا‬
‫يف نفس املاكن تقريبا يف جينوم اإلنسان والشمبانزي‪ ،‬وباتلايل السلف املشرتك‬
‫ا ُ‬
‫حتما أصيب بهذا الفريوس ونقله لألحفاد‪ :‬اإلنسان والشمبانزي؛ فما حقيقة‬
‫هذه الفرضية؟‬

‫الجواب َّ‬
‫أن‪ :‬هذه الشفرة المزعومة لفيروس نسخ عكسي داخل الشريط الجيني‬
‫لتسلسل وظيفي‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بفيروس مرضي‪ ،‬بل هي شفرة‬ ‫تب َّين أهنا شفرة وظيفية‪ ،‬وليست‬
‫يؤدي مهمة حيوية يف الخلية‪.‬‬
‫فهذه الشفرة تساعد الجين ‪ P35‬يف عمليات تنظيمية للجينوم‪ ،‬وهذا الجين‬
‫لو حصل خلل يف وظيفته‪ ،‬فإنه قد يؤدي لإلصابة بالسرطان ‪-‬عافانا اهلل وإياكم‪.‬‬

‫فن ِ ْصف إصابات السرطان سب ُبها المباشر‪ :‬خلل يف الجين ‪.P35‬‬


‫فما ُيزعم أهنا شفرات لفيروس النسخ العكسي هي شفرات وظيفية‪ ،‬وليست‬
‫فيروسا مرض ًّيا!‬
‫ً‬
‫هي شفرات تسلك كجينات طبيعية تما ًما‪ ،‬وتؤدي وظيفتها باقتدار‪ ،‬فهي‬
‫ليست إصابة‪ ،‬وال يتعامل معها الجينوم كإصابة مرضية!‬
‫ولو كانت إصابة مرضية‪ ،‬فمن المعلوم يف علم الوبائيات ‪-‬وهو مجال‬

‫‪128‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫أن الخلية عندما ُتصاب بفيروس فإهنا تموت‪ ،‬فيما ُيعرف بالموت‬ ‫عملي‪َّ -‬‬
‫فضال عن أن تكون‬
‫ً‬ ‫فضال عن ْ‬
‫أن تظل ح َّيةً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المربمج للخلية ‪ ،Apoptosis‬هذا‬
‫هذه الخلية هي النطفة التي ينشأ منها الجنين‪ ،‬والتي يف العادة تكون من أنقى‬
‫وأصلح الخاليا على اإلطالق‪.‬‬
‫لكن قد يسأل سائل ويقول‪ :‬كيف توجد نفس الشفرة يف نفس المكان؟‬
‫يف عالم الكائنات الحية نجد شفرات مشاهبة لشفرات فيروس النسخ‬
‫التطور بأنفسهم يعرتفون أهنا‬
‫ُّ‬ ‫لكائنات ح َّي ٍة‪ُ ،‬دعاة‬
‫ٍ‬ ‫العكسي يف نفس المكان‬
‫سلكت طر ًقا ُّ‬
‫تطورية مختلفة!‬
‫ِ‬
‫طريقين‬ ‫ِ‬
‫كائنان‬ ‫إذن السؤال سيعود على نفس ُدعاة النظرية‪ :‬كيف يسلك‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫مختلفين‪ ،‬ثم توجد هبما نفس الشفرة يف نفس المكان؟‬ ‫تطو ِ‬
‫ريين‬ ‫ُّ‬
‫والمجرتات كاألغنام‪.‬‬
‫مثال يف آكالت اللحوم كالثعالب‪ُ ،‬‬
‫وهذا ما نراه ً‬
‫كال منهما سلك طري ًقا تطورية مختلف ًة تما ًما‪.‬‬ ‫مع َّ‬
‫أن ًّ‬

‫‪129‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫(‪)1‬‬ ‫ونجد نفس األمر عند قردة البابون ِ‬


‫والقطط يف نفس المكان بالضبط!‬
‫أن هذا أمر طبيعي‪ ،‬أن توجد شفرتان يف نفس المكان‪ ،‬وال‬ ‫فإما أن تقبل َّ‬
‫ِ‬
‫تطور كائن من آخر‪ ،‬وإما أن ُتوجد لنا ً‬
‫مربرا لهذه المطابقة بين‬ ‫َعالقة لهذا بإثبات ُّ‬
‫شفرتين يف نفس المكان لكائنين غير مرتبطين تطور ًّيا!‬
‫بل واألعجب من كل ما سبق‪ :‬أنَّنا لو استخدمنا هذه الدعوى‪ ،‬دعوى َّ‬
‫أن‬
‫شفرة فيروس النسخ العكسي يف نفس المكان لكائنين مختلفين ٌ‬
‫دليل على‬
‫دليال‬
‫التطور‪ ،‬لو استخدمنا نفس هذه الدعوى بنفس هذه الصورة‪ ،‬فإهنا ستكون ً‬
‫ُّ‬
‫على خطأ النظرية‪.‬‬
‫دعونا نشرح كيف ذلك؟ وركزوا جيدً ا‪:‬‬
‫اكتشف العلماء شفرة فيروس نسخ عكسي موجودة يف الشمبانزي‬
‫والغوريال والقردة اإلفريقية وقردة العالم القديم‪ ،‬وال توجد هذه الشفرة يف‬
‫اإلنسان؛ إهنا شفرة الـ ‪.PTERV9‬‬
‫التطور‪ ،‬فإن السلف المشرتك لإلنسان والشمبانزي انفصل‬
‫ُّ‬ ‫طب ًقا ألدبيات‬
‫عن الغوريال قبل انفصال اإلنسان والشمبانزي‪ ،‬وبالتالي فلو ُوجدت شفرة‬
‫حتما وال بد‬ ‫فيروس نسخ عكسي يف الغوريال والشمبانزي يف نفس المكان‪ْ ،‬‬
‫إذن ً‬
‫التطور وهم!‬
‫ُّ‬ ‫أن توجد يف اإلنسان‪ ،‬وإال فشجرة‬
‫السلف المشرتك لإلنسان والشمبانزي انفصل عن الغوريال قبل انفصال‬
‫اإلنسان والشمبانزي! هذا كالم ُدعاة النظرية‪.‬‬
‫فلو ُوجدت شفرة فيروس نسخ عكسي يف الغوريال والشمبانزي يف نفس‬
‫التطور غير صحيحة!‬
‫ُّ‬ ‫حتما وال بد أن توجد يف اإلنسان‪ ،‬وإال فشجرة‬ ‫المكان‪ْ ،‬‬
‫إذن ً‬
‫فعال!‬ ‫والعجيب َّ‬
‫أن هذا ما حدث ً‬
‫‪)1( Robin A Weiss, "The discovery of endogenous retroviruses", Retrovirology, 1004; 2: 49.‬‬

‫‪130‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيث إنَّه طب ًقا لدراسة علم َّية نشرهتا مجلة الساينس دايلي العلم َّية ‪Science Daily‬‬
‫توجد شفرة فيروس النسخ العكسي من نوع ‪ PTERV9‬يف الغوريال والشمبانزي‪،‬‬
‫التطوريين!‬
‫ُّ‬ ‫التطور ككل بنفس أدوات احتجاج‬
‫ُّ‬ ‫وال توجد يف اإلنسان‪ ،‬وهذا ُيسقط‬

‫التطور على‬
‫ُّ‬ ‫بالمناسبة هذه األسئلة الثالثة السابقة هي أشهر دالئل نظرية‬
‫اإلطالق!‬
‫التطور هو تخمين‬
‫ُّ‬ ‫التطور َّ‬
‫أن‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫والنتيجة التي نصل إليها بعد تفنيد أشهر أدلة‬
‫فلسفي وافرتاضات عقلية ال أكثر!‬
‫فدائما ما ُي ِ‬
‫حرجان هذه النظرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المدقق‪،‬‬
‫أما العلم والبحث ُ‬
‫اإليمان بالنظرية سهل؛ ألنه المربر البديهي للمادية‪ ،‬لكن أن تؤمن شيء وأن‬
‫تثبت إيمانك شي ٌء آخر تما ًما‪.‬‬

‫‪ -36‬ما حقيقة األعضاء األثرية أو األعضاء الضامرة يف جسم اإلنسان؟‬

‫األعضاء األثرية أو األعضاء الضامرة كانت واحدة من أشهر أدلة النظرية‬


‫قديما‪ ،‬فقبل أكثر من مائة عام من اآلن كانت هناك قائمة طويلة من األعضاء‬
‫ً‬
‫عضوا‪ ،‬وكلما كان العلم‬
‫ً‬ ‫تطور‪ ،‬حوالي مائة وثمانين‬
‫األثرية التي تخ َّيلوا أهنا بقايا ُّ‬

‫‪131‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يتوسع ونكتشف فوائد لهذه األعضاء‪ ،‬فإ َّن العدد ُّ‬


‫يقل يف القائمة‪ ،‬واليوم نحن‬
‫عضوا بال فائدة!‬
‫ً‬ ‫تقري ًبا ال نعرف‬

‫وهبذا تصبح دعوى النظرية ُح َّج ًة عليها‪ ،‬إذ لو كانت النظرية صحيحة‪،‬‬
‫فالمفرتض أن األعضاء الضامرة كثيرة جدًّ ا‪ ،‬ومع الوقت نرصد أعضا ًء جديدة‬
‫بال فائدة‪ ،‬لكن العكس هو الذي حصل!‬
‫والغريب أهنم كانوا يشيرون إلى أعضاء نعرف اليوم أننا ال يمكن أن نستغني‬
‫تطور!‬
‫عنها‪ ،‬لكن لقلة العلم يف ذاك الوقت‪ ،‬كانوا يشيرون لها باعتبارها بقايا ُّ‬
‫توازن‬
‫مثال على ذلك‪ :‬كانوا يشيرون إلى الغدة الجار درقية والمسؤولة عن ُ‬
‫طور(‪.)1‬‬
‫الكالسيوم يف الدم‪ ،‬كانوا يشيرون إليها باعتبارها بقايا ت ُّ‬
‫عالجا تعويض ًّيا‬
‫ً‬ ‫إفرازها‪َّ ،‬‬
‫فإن اإلنسان يحتاج‬ ‫ُ‬ ‫الغدة الجار درقية التي لو َّ‬
‫قل‬
‫مدى الحياة‪ ،‬وإال قد ُيصاب بمشاكل خطيرة يف العظام واألعصاب‪ ،‬كانوا يعتربوهنا‬
‫تطور!‬
‫بقايا ُّ‬
‫‪)1( R. Wiedersheim, The Structure of Man: An Index to His Past History (London:‬‬
‫‪Macmillan and Co., 4165).‬‬

‫‪132‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫بل واألعجب أهنم كانوا يتخ َّيلون َّ‬


‫أن الغدة النخامية التي هي مركز الهرمونات‬
‫تطور‪.‬‬
‫يف الجسم أهنا بقايا ُّ‬
‫حجمها ال يتجاوز‬
‫ُ‬ ‫الغدة النخامية التي هي من عجائب الخلق اإللهي‪ ،‬والتي‬
‫حبة الفاصوليا ووز ُنها حوالي نصف جرام‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تطور‪ ،‬لكن نكتشف بمرور‬


‫ونظرا لهذا الحجم الصغير‪ ،‬فقد ظنوا أهنا بقايا ُّ‬
‫ً‬
‫السنوات َّ‬
‫أن هذه الغدة الصغيرة تفرز مجموعة ُهرمونات غاية يف الخطورة‬
‫واألهمية‪ ،‬مثل‪ :‬هرمون النمو‪ ،‬والذي لو ازدادت نسبته بمقدار ُيقاس بأجزاء من‬
‫المائة مليون من الجرام‪ ،‬فإنه يؤدي إلى مرض ال َع ْملقة‪ ،‬ولو َّ‬
‫قل بأجزاء من المائة‬
‫التقزم‪.‬‬
‫مليون من الجرام‪ ،‬فإنه يؤدي إلى مرض ُّ‬

‫تغ ُّيرات كاملة يف بِنية الهيكل العظمي عملقة أو ُّ‬


‫تقزم نتيج ًة لزيادة أو قلة هبذا‬
‫القدر البسيط‪ ،‬والمدهش من هرمون النمو الذي تفرزه هذه الغدة‪ ،‬وهذه النقطة‬
‫ذكرناها ساب ًقا‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫أيضا هذه الغدة الصغيرة الغدة النخامية ُتفرز مجموعة معجزة من الهرمونات‬
‫ً‬
‫بجانب هرمون النمو‪ ،‬فهي ُتفرز هرمونات لضبط ضغط الدم‪ ،‬وهرمونات تشغيل‬
‫الغدة الدرقية‪ ،‬وهرمونات التبويض‪ ،‬وهرمونات البلوغ‪ ،‬وهرمونات إفراز اللبن‪،‬‬
‫قائمة طويلة من الهرمونات المعجزة من هذه الغدة الصغيرة‪.‬‬
‫تطور لصغر حجمها!‬ ‫أن هذه الغدة المعجزة بقايا ُّ‬ ‫كان ُدعاة النظرية يتخ َّيلون َّ‬
‫أن الغدة الدَّ ْمعية التي ُتفرز الدموع بقايا‬
‫أيضا ُدعاة النظرية كانوا يعتربون َّ‬ ‫ً‬
‫تطور؛ ألهنم لم يكونوا يعرفون بعدُ خصائص وأهمية الدموع لعين اإلنسان(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫وهذه صورة غالف الكتاب الذي تحدَّ ث عن هذه الغدد المعجزة باعتبارها‬
‫تطور!‬
‫بقايا ُّ‬
‫هذا الكتاب وصمة عار يف جبين النظرية!!‬

‫‪)1( R. Wiedersheim, The Structure of Man: An Index to His Past History (London:‬‬
‫‪Macmillan and Co., 4165).‬‬

‫‪135‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫التطور قبل قرن‬


‫ُّ‬ ‫وقعت تحت يد جراح يؤمن بنظرية‬
‫َ‬ ‫تخ َّي ْل أيها اإلنسان! لو‬
‫من الزمان؟‬
‫همالت‬ ‫كم من األعضاء كان سيس ُلب من جسدك‪ ،‬و ُيلقيها يف سلة ُ‬
‫الم َ‬
‫تطور ال فائدة منها!؟‬ ‫باعتبار َّ‬
‫أن هذه األعضاء بقايا ُّ‬
‫ضي قرن من الزمان هل تو َّقفت الخرافة؟‬
‫لكن بعد ُم ِّ‬
‫العجيب ‪-‬بل أقول والمقزز‪ -‬أن هذا الطرح لم يتوقف حتى الساعة؛ ألن‬
‫التطور!‬
‫ُّ‬ ‫فحتما هناك عدد ال بأس به من بقايا‬
‫ً‬ ‫صحيحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫التطور لو كان‬
‫ُّ‬
‫تطور يف اإلنسان!‬
‫لذلك هم ُيروجون لضرورة وجود بقايا ُّ‬
‫ولألسف هنا تتحكم األيديولوجيا يف العلم!‬
‫وجهة‪ ،‬بينما يصبح العلم‬ ‫ِ‬
‫الم ِّ‬
‫المسيطرة وهي ُ‬ ‫هنا تصير األيديولوجيا هي ُ‬
‫وج َه ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫وج َه ِ‬
‫ين ال ُم ِّ‬ ‫والبحث العلمي تاب َع ِ‬
‫ين ُم َّ‬
‫قليال من األعضاء‪ -‬باعتباره بقايا‬
‫لعدد ‪-‬وإن كان ً‬ ‫ٍ‬ ‫لألسف ما زالوا ُيروجون‬
‫تطور‪ ،‬ومن بين هذه األعضاء‪ :‬الزائدة الدودية‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫يدرسه طلبة الطب يف جامعة عين‬
‫كنت أقرأ بالصدفة يف كتاب الجراحة الذي ُ‬
‫شمس‪ ،‬فوقعت عيني على هذه الفقرة‪.)1(Appendix is the tonsil of GIT :‬‬
‫الزائدة الدودية بالنسبة للجهاز الهضمي كاللوزتين بالنسبة للجهاز التنفسي‪،‬‬
‫الزائدة الدودية نظام مناعي للجهاز الهضمي كما َّ‬
‫أن اللوزتين نظام مناعي‬
‫للجهاز التنفسي!‬
‫يدرسه طلبة الطب يف مدرجات الجامعات‪ ،‬وهذا على العكس تما ًما‬
‫هذا ما ُ‬
‫التطور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مما ُيقال يف كتب شرح نظرية‬
‫التطور يف كتبهم شي ٌء آخر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫روج له ُدعاة‬
‫العلم شيء وما ُي ِّ‬
‫‪)1( Surgical anatomy Dr.Elmatary MD Ain shams University p.419.‬‬

‫‪136‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫وطب ًقا لمجلة ساينس دايلي ‪ِ Science Daily‬‬


‫العلم َّية َّ‬
‫فإن‪ :‬الزائدة الدودية‬
‫الخفي يف منظومة مناعة الجهاز الهضمي؛ ولذلك َمن يقوم بإجراء‬
‫ُّ‬ ‫هي البطل‬
‫عملية الزائدة الدودية يكون ُعرضة أكثر من غيره لإلسهال!‬

‫‪Scientific‬‬ ‫بل والزائدة الدودية قد ُتنقذ حياتك‪ ،‬وهذا عنوان لمقال آخر للـ‬
‫‪.American‬‬

‫‪137‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َّ‬
‫إن رضس العقل بقايا ُّ‬
‫تطور؛ فهل هذا صحيح؟‬ ‫‪ -37‬لكنهم مازالوا يقولون‬

‫ماسة‬ ‫ضرس العقل يف األنظمة الغذائية التي تتطلب مض ًغا ً‬


‫كبيرا هو حاجة َّ‬
‫فعل ًّيا‪ ،‬فهو ضروري لمزيد مساعدة يف طحن الطعام!‬
‫فمن يحتاج لمضغ أكثر كأغلب دول العالم هو بحاجة فعل َّية لضرس العقل(‪.)1‬‬
‫وعدم استخدام ضرس العقل هو نتيجة االعتماد على األكالت السريعة‬
‫الـ‪ Junk food‬أما الذي يأكل بنظام غذائي متوازن صحيح غني بالخضراوات‪،‬‬
‫كالبيئات التي تعتمد على اإلكثار من المضغ‪ ،‬ففي هذه البيئات ُيعترب ضرس‬
‫العقل حاجة طبيعية(‪.)2‬‬
‫ثم بعيدً ا عن كل هذا!‬
‫ُّ‬
‫وتحل محلها أسنان‬ ‫تف َّك ْر أيها اإلنسان يف أسنانِك اللبنية التي تسقط ذات ًّيا‪،‬‬
‫مقبل عليها‪َ ،‬أال ُّ‬
‫يدل هذا على الخلق‬ ‫قوية تناسب المرحلة العمرية التي أنت ٌ‬
‫المتقن لكل ما تحتاج له بحسب مرحلتك العمرية؟‬
‫اإللهي ُ‬
‫وبعد ظهور األسنان القوية الدائمة يظهر ضرس العقل يف مرحلة تالية ليضم‬
‫األسنان‪ ،‬ويغلق الفراغات بين الضروس‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شيء فائدة‪ ،‬حتى ولو خفيت عليك يف‬ ‫الخ ْلق تجعلك تعلم أن لكل‬
‫فحكمة َ‬
‫لحظتك الراهنة!‬

‫(‪ )1‬الحقيقة والخيال يف نظرية التطور‪ ،‬د‪ .‬حسن نصرت‪.‬‬


‫‪)2( Weston A. Price "Nutrition and Physical Degeneration: A Comparison of Primitive and‬‬
‫"‪Modern Diets and Their Effects‬‬
‫ً‬
‫نقال عن (الباحثون المسلمون)‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ -38‬وماذا عن ال ِفقرات العصعصية املسؤولة عن ربط بعض العضلت‬
‫واألربطة واألوتار يف منطقة َ‬
‫احلوض‪ ،‬واملسؤولة عن دعم محل وزن اإلنسان‬
‫ا‬
‫خاصة وهو جالس؟‬
‫الغريب يف هذا المثال أهنم أصبحوا يعرفون جيدً ا فوائد هذه ِ‬
‫الف ْقرات‪ ،‬لكنَّهم‬
‫تطور؛ لماذا‪ :‬ألن هذه الفقرات يف تخ ُّيلهم هي بقايا ذيل!‬
‫ُيصرون على أهنا بقايا ُّ‬
‫حساسة ينسبون لها‬
‫هم يتخيلون ثم ينسبون لفقرات تقوم بوظائف َّ‬
‫خياالهتم!‬
‫عجيب أمر هؤالء!‬
‫هل ُوجد إنسان ببقايا ذيل يف تاريخ البشر حتى يضعوا هذه االفرتاضات؟‬
‫سيجيبك ُدعاة النظرية‪ :‬نعم! هناك أطفال يولدون بزوائد َل ْحم َّية يف أسفل الظهر!‬
‫والرد ببساطة َّ‬
‫أن‪ :‬هذا كذب صريح على العلم التشريحي لألعضاء‪.‬‬
‫ألن الزوائد اللحمية تظهر يف أي مكان بالجسم‪ ،‬والفرق بين الزوائد اللحمية‬
‫وبين الذيل تشريح ًّيا فرق جوهري‪ ،‬فالذيل يحتوي على فقرات أو غضاريف‪ ،‬وهذا‬
‫ما ُيميز الذيل كما تقول الـ‪ The New England Journal of Medicine,‬هو‬
‫ذيال(‪.)1‬‬
‫الفقرات‪ ،‬أما بدون الفقرات فال يكون ً‬
‫والسؤال اآلن‪ :‬هل تم اكتشاف زائدة لحمية واحدة أسفل الظهر هبا فقرات يف‬
‫تاريخ البشر؟‬
‫ُتجيب الـ ‪ Journal of Neurosurgery‬مِج َّلة جراحة األعصاب‪ ،‬وهي واحدة‬
‫من أكرب المجالت الطبية عن هذا السؤال قائلةً‪" :‬ال توجد زائدة لحمية واحدة‬
‫‪)1( There is no zoological precedent for a vertebral tail without caudal vertebrae‬‬
‫‪Fred Ledley, "Evolution and the Human Tail," The New England Journal of Medicine,‬‬ ‫‪204‬‬
‫‪(10): 4141-4145 (May 10, 4611).‬‬

‫‪139‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يف البشر هبا فِ ْقرات أو غضاريف أو أي شيء من هذا القبيل"(‪.)1‬‬


‫ُ‬
‫فخرافة بقايا الذيل يف اإلنسان لم يعد لها وجود يف كتب العلم!‬
‫ُ‬
‫‪ -39‬لكن هل بالفعل هناك جزء من الرشيط اجليين بل وظيفة‪ ،‬يطلقون عليه‬
‫الـ‪ DNA‬اخلردة يف اإلنسان ‪Junk DNA‬؟‬

‫كانوا يظنون أن هناك جز ًءا من الشريط الجيني بال وظيفة بالفعل يف اإلنسان‪،‬‬
‫وأطلقوا عليه لقب‪ DNA :‬خردة‪.‬‬
‫مؤخرا أن الـ‪ DNA‬الخردة هو مايسرتو‬
‫ً‬ ‫العجيب والمدهش أنه ثبت‬
‫الجينوم‪ ،‬هو مدير عمل الجينوم‪.‬‬
‫هو المنظم ألعقد العمليات الحيوية يف الجينوم‪.‬‬
‫بل ووصفته مِج َّلة الـ ‪ Scientific American‬بـ‪ :‬منبع الكنوز الخفية!‬

‫‪)1( Even such so-called "tails" aren’t anything like those found in tailed mammals. That is‬‬
‫‪for the simple reason that "true tails" in humans entirely lack vertebrae — or any kind of‬‬
‫‪bone, cartilage, notochord, or spinal cord Roberto Spiegelmann, Edgardo Schinder,‬‬
‫‪Mordejai Mintz, and Alexander Blakstein, "The human tail: a benign stigma," Journal of‬‬
‫)‪Neurosurgery, 42: 144-141 (4615‬‬
‫ً‬
‫نقال عن (الباحثون المسلمون)‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫وتأسس ِعلم عمالق على الـ ‪ ،Junk DNA‬وهو علم الـ‪ Epigenetics‬لدراسة‬
‫َّ‬
‫خصائص وعمل الـ‪.Junk DNA‬‬
‫ٍ‬
‫شيء كان ُيعتقد يو ًما ما أنَّه خردة!‬ ‫تأسس على‬ ‫ِ‬
‫علم كامل َّ‬
‫‪ -41‬لكن هل بُصيلت شعر اإلنسان بقايا ُّ‬
‫تطور؟‬

‫مثال َّ‬
‫بأن‬ ‫ُبصيالت الشعر هي أداة لإلحساس؛ وهي خط إنذار أول ُتخربك ً‬
‫ضارة‪.‬‬
‫هناك حشر ًة َّ‬
‫أيضا للشعر قيمة جمالية ال تخفى‪.‬‬‫ً‬
‫هذه أمور يعرفها البشر بطبيعتِهم!‬
‫مؤخرا منذ حوالي أربع سنوات تقري ًبا َّ‬
‫أن ُبصيالت‬ ‫ً‬ ‫لكن الغريب أنَّه تب َّين‬
‫الشعر تبني الطبقة السطحية للجلد‪ ،‬حيث تقوم بعمل إعادة تجديد للطبقة‬
‫الخارجية ِ‬
‫للجلد ‪ ،Re-epithelialization‬وإال الحتجنا ترقي ًعا للجلد مع كل‬
‫ُجرحٍ بسيط‪.‬‬
‫ويف دراسة ِعلم َّية جميلة توكيدً ا على هذا الكالم‪ ،‬أجريت يف العام ألفين‬
‫تم فيها زرع ُبصيالت شعر‬
‫وخمسة عشر على أربع عشرة حالة هبا جروح َّ‬
‫لدراسة دورها يف التئام الجروح‪ ،‬تب َّين من خالل الدراسة أن بصيالت الشعر كان‬
‫لها دور رئيس يف بناء الطبقة السطحية للجلد يف كل الحاالت‪ ،‬بل وحصل‬
‫التعايف التام للجميع بعد زرع ُبصيالت الشعر!‬

‫‪141‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وتنتهي الدراسة إلى أن بصيالت الشعر بالفعل لها أهمية ثبتت ِعلم ًّيا يف‬
‫عملية التئام الجروح(‪.)1‬‬
‫هذه بصيالت الشعر التي ُظ َّن يو ًما ما أهنا بقايا ُّ‬
‫تطور‪.‬‬
‫ُ َ ْ‬
‫‪ -41‬وماذا عن القشعريرة؟‬

‫أساسا باالنفعاالت النفس َّية والمعنو َّية‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ‬


‫ً‬ ‫ال ُق َش ْعريرة مرتبطة‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [الزمر‪.]15 :‬‬
‫مؤخرا أن ال ُق َش ْعريرة مسؤولة عن إخراج المادة‬
‫ً‬ ‫أيضا أنه ثبت‬
‫لكن الغريب ً‬
‫الجلد‪.‬‬ ‫الدُّ هنية من الغدد الدهنية المنتشرة على ِ‬

‫‪)1( Therefore, the present study demonstrated the ability of hair follicle units to promote‬‬
‫‪chronic cutaneous wound healing.‬‬

‫‪142‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪ -42‬وماذا عن اجلفن اثلالث يف اإلنسان؟‬

‫الجفن الثالث لنظافة العين ولرطوبتها‪.‬‬


‫احلوض يف احليتان‪ ،‬هل يه بقايا ُّ‬
‫تطور؟‬ ‫‪ -43‬وماذا عن العظام يف مِنطقة َ‬
‫ِ‬
‫للتطور هبذه الدعوى!‬
‫ُّ‬ ‫امتألت المواقع الداعية‬

‫سنوات قليلة أن العظام يف مِنطقة الحوض يف الحيتان هي‬


‫ٍ‬ ‫لكن نكتشف منذ‬
‫دورا رئيس ًّيا يف‬
‫أن لها ً‬‫التي تمسك عضالت العضو التناسلي يف الحوت‪ ،‬أي َّ‬
‫التكاثر!‬
‫ٍ‬
‫مقال لها‪" :‬العظام التي‬ ‫تقول مجلة الساينس دايلي ‪ Science Daily‬يف‬
‫تطور تب َّين أهنا هامة لعملية التكاثر"(‪.)1‬‬
‫تخ َّيلنا أهنا بقايا ُّ‬

‫‪)1( The bones that we used to believe were vestigial turn out to be important to‬‬
‫‪reproduction.‬‬

‫‪143‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫خاصة ستقوم هبا‪.‬‬


‫كل األعضاء هي ُمسبقة التجهيز لوظائف َّ‬
‫الخ ْلق وكمال التقدير ودقيق الحكمة‪،‬‬
‫كل األعضاء تخضع لمنظومة تدبير َ‬
‫عرفنا فائدة هذه األعضاء والحكمة منها أو لم نعرف بعدُ !‬
‫سوا ًء َ‬
‫ذرة يف الكون بال فائدة‪﴿ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ﴾ [النمل‪.]88 :‬‬
‫ال توجد َّ‬
‫لكن أكثر الناس ال يؤمنون!‬
‫تطور أو إرث‬ ‫ٍ‬
‫عضو من أعضاء اإلنسان‪ ،‬باعتباره بقايا ُّ‬ ‫لم أقرأ يف حيايت عن‬
‫تطوري يف أي كتاب طبي على اإلطالق‪.‬‬
‫ُّ‬
‫علما‪.‬‬
‫التطور أصبح أيديولوج ًّيا وليس ً‬
‫ُّ‬ ‫لألسف‬

‫‪144‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫ُُ‬
‫كتب أويص بها‬

‫لمن يريدون التصدي للموجة اإللحادية‬ ‫هذه مجموعة ُك ُتب أوصي هبا َ‬
‫والدعوة إلى اهلل على بصيرة وحكمة وعلم يف نقد اإللحاد‪:‬‬
‫‪ -9‬التفسير الميسر‪ :‬من أعجب وأيسر التفاسير‪.‬‬
‫أوصي أن تقرأ كل يو ٍم ِور ًدا من القرآن الكريم‪ ،‬وليكن نصف حزب‪ ،‬تقرأ‬
‫(‪)1‬‬ ‫اآلي َة ثم تقرأ تفسيرها وهكذا؛ ستنفتح لك أبواب الحكمة إن شاء اهلل!‬

‫(‪ )1‬موقع المصحف اإللكرتوين بجامعة الملك سعود‪ ،‬وبه التفسير الميسر‪:‬‬
‫‪http://quran.ksu.edu.sa/index.php‬‬

‫‪145‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫السنَّة النبوية للشيخ صالح الشامي‪ :‬وهذا الكتاب من كنوز‬


‫‪ -1‬معالم ُّ‬
‫وجواهر كتب المعاصرين‪ ،‬حيث َجمع فيه الشيخ صالح الشامي جميع‬
‫المكرر‪ ،‬ووضع طريقة جديدة للتبويب‬
‫األحاديث النبوية الصحيحة مع حذف ُ‬
‫تتفق مع متطلبات العصر!‬

‫ُأوصي بقراءة عشرة أحاديث يوم ًّيا من هذه الموسوعة!‬

‫‪146‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪ -5‬كتاب اخرتاق عقل للدكتور أحمد إبراهيم‪ :‬وأنا أوصي هبذا الكتاب بشدة‬
‫يف القضايا المتعلقة بالفيزياء واإللحاد؛ ألن الكتاب يناقش هذه القضايا باحرتافية‬
‫ِعلم َّية وتدقيق وتوثيق‪ ،‬وفيه ً‬
‫أيضا ردود على شبهات إلحادية أخرى مختلفة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬كتاب اخرتاق عقل‪:‬‬


‫‪http://www.mediafire.com/file/a5lmwvr12tm05ns/%D18A98D18AE%D18AA%D18B4‬‬
‫‪%D18A98D6811+%D18B68D68118D6811.pdf‬‬

‫‪147‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -2‬النبأ العظيم للدكتور عبد اهلل دراز‪ :‬كتاب فيه من فتوح براهين إثبات أن‬
‫القرآن كالم اهلل الشيء الكثير(‪.)1‬‬

‫‪)1( http://www.mediafire.com/file/21x4jpw116woiqb/ar_elnaba_Al2azeem.pdf/file‬‬

‫‪148‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫‪ -3‬براهين وجود اهلل للدكتور سامي عامري‪ :‬من أجمل وأكثر الكتب د َّق ًة‬
‫وتوس ًعا يف سرد األدلة على وجود اهلل سبحانه(‪.)1‬‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬كتاب براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.aricr.org/ar/?p=912‬‬

‫‪149‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ويف األخري‬
‫أذكركم ونفسي وكل طالب علم وكل باحث عن الحق وكل داعية إلى اهلل؛‬
‫أذكركم بتجديد نية اإلخالص هلل سبحانه‪ ،‬فربكات اإلخالص عظيمة واهلل‪.‬‬
‫بمن َصدق!‬ ‫إذ ليست العرب ُة بمن سبق‪ ،‬إنما العرب ُة َ‬
‫واإلخالص هو َمناط قبول العمل؛ « َجا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ َف َق َال‪َ :‬أ َر َأ ْي َت‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬ال َش ْي َء َل ُه‪،‬‬ ‫الذك َْر‪َ ،‬ما َل ُه؟ َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫َر ُج ًال َغ َزا َي ْلت َِم ُس ْاألَ ْج َر َو ِّ‬
‫اهلل َال َي ْق َب ُل مِ َن‬ ‫ول َله رس ُ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ول اهلل‪َ :‬ال َش ْي َء َل ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬إِ َّن َ‬ ‫ث َم َّرات‪َ ،‬ي ُق ُ ُ َ ُ‬ ‫َف َأ َعا َد َها َث َال َ‬
‫َان َل ُه َخال ِ ًصا‪َ ،‬وا ْب ُت ِغ َي بِ ِه َو ْج ُه ُه»(‪.)1‬‬
‫ا ْل َع َم ِل إِ َّال َما ك َ‬
‫والمخلصون الذين لم ت ُغ َّرهم ُل َعاعة الدنيا هم َّأول َمن يدخل الجنة يوم‬
‫ون َأ َّو َل َم ْن َيدْ ُخ ُل ا ْل َجنَّ َة مِ ْن َخ ْل ِق اهللِ؟‬ ‫القيامة؛ قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ه ْل َتدْ ُر َ‬
‫لم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ َّو ُل َم ْن َيدْ ُخ ُل ا ْل َجنَّ َة مِ ْن َخ ْل ِق اهللِ ا ْل ُف َق َرا ُء‬ ‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع ُ‬
‫َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫ور‪َ ،‬و ُي َّت َقى بِ ِه ُم ا ْل َم ِ‬ ‫اجر َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وت َأ َحدُ ُه ْم‬ ‫كار ُه‪َ ،‬و َي ُم ُ‬ ‫ون‪ ،‬ا َّلذي َن ُت َسدُّ بِ ِه ُم ال ُّث ُغ ُ‬ ‫َوا ْل ُم َه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع َل َها َق َضا ًء»(‪.)2‬‬ ‫اج ُت ُه في َصدْ ِره‪َ ،‬ال َي ْستَط ُ‬ ‫َو َح َ‬
‫واإلخالص والتقوى يتبعهما العطاء‪ ،‬قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [طه‪.]991 :‬‬
‫﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الطالق‪.]1 :‬‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [الطالق‪.]2 :‬‬
‫فهذه قاعدة متكررة بوتيرة ثابتة يف القرآن الكريم‪ :‬االتباع يتبعه العطاء!‬
‫واعلم أن مِفتاح النصر على الملحدين هو باإلخالص والتقوى والصرب!‬

‫(‪ )1‬صحيح النسائي‪ ،‬ح‪.5920:‬‬


‫(‪ )2‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬ح‪ ،993013:‬حكم المحدث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة‬

‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ‬


‫ﮄ﴾ [السجدة‪.]12 :‬‬
‫بالصرب عن معصية اهلل‪ ،‬والصرب على الطاعة‪ ،‬والصرب على الدعوة إلى اهلل‬
‫الراسخ وال ُّطمأنينة باهلل وبنصره سبحانه!‬
‫َ‬ ‫العلم‬
‫َ‬ ‫فيتضم ُن‬
‫َّ‬ ‫سبحانه‪ ،‬أما اليقين‬
‫قلوب العباد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فبالصرب واليقين ُتنال اإلمامة يف الدين‪ ،‬ويفتحِ اهلل لك‬
‫استغف ْر ثانية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دت للمعصية‬ ‫وع َ‬ ‫ضعفت ُ‬ ‫َ‬ ‫فاستغف ْر‪،‬‬‫ِ‬ ‫وأذنبت‬
‫َ‬ ‫ضعفت‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫وهكذا؛ وإ َّياك أن َت َم َّل‪ ،‬وأكثِ ْر من قول‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله إال اهلل‪،‬‬
‫واهلل أكرب‪ ،‬فهو أحب الكالم إلى اهلل‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬أحب ا ْل َك َال ِم إِ َلى اهللِ‬
‫َ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫َتعا َلى َأربع‪ :‬سبح َ ِ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و َال َي ُض ُّر َك‬ ‫ان اهلل‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ ل َّله‪َ ،‬و َال إِ َل َه إِ َّال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و ُ‬ ‫ٌَْ ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫بِأ ِّي ِه َّن َبدَ ْأ َت»(‪.)1‬‬
‫أيضا عن النبي ﷺ(‪.)2‬‬ ‫فهذا الذكر ُيساقِط ذنوب العبد كما ورد ً‬
‫اف ا ْل َعدُ َّو َأ ْن‬ ‫ال َأ ْن ُين ِْف َق ُه‪َ ،‬و َخ َ‬
‫بل وقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬م ْن َض َّن بِا ْلم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ان اهللِ‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ ل ِ َّل ِه‪َ ،‬و َال‬
‫اب ال َّل ْي َل َأ ْن ُي َكابِدَ ُه‪َ ،‬ف ْل ُي ْكثِ ْر مِ ْن َق ْو ِل‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫ِ‬
‫ُي َجاهدَ ُه‪َ ،‬و َه َ‬
‫اهلل َأ ْك َب ُر(‪.)3‬‬ ‫إِ َل َه إِ َّال ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و ُ‬
‫بادر بتطهير ِ‬
‫نفسك ً‬
‫أوال بأول‪ ،‬وعليك أن تعلم أنه ال يظهر ملحد إال‬ ‫ِ‬
‫فدائما ْ‬‫ً‬
‫ٍ‬
‫بمعصية منا‪.‬‬
‫عافانا اهلل وإياكم وأصلح اهلل الملحدين لما فيه الخير والصالح لهم‪ .‬آمين‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1957:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.9309:‬‬
‫(‪ )3‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.281‬‬

‫‪151‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪152‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫اجلزء الثاين‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪153‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪154‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪ ‬واآل َن لنبدأ على بركة اهلل‪:‬‬

‫الباب األول‬

‫ين؟‬
‫الد ُ‬
‫كيف ظهر ِّ‬

‫‪155‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪156‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪ -1‬كيف ظهر ادلين؟‬

‫أن‪ :‬نشأة الدين كانت عرب نظرة اإلنسان‬ ‫َيفرتض المالحدة والماد ُّيون َّ‬
‫البدائي يف صفحة الكون‪ ،‬وخوفِ ِه من بعض الظواهر الكونية(‪.)1‬‬
‫اإللحادي فيه أربعة إشكاالت‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫وهذا الطرح‬
‫كإلشكال كألول‪ :‬كيف يكون النظر يف الكون أو الخوف من بعض ظواهره‬
‫سب ًبا يف إيقاظ الشعور الديني العميق عند جميع ْاألُمم؟‬
‫وطقوس ُه والتزاما ُت ُه؟‬
‫ُ‬ ‫مراسيم ُه‬
‫ُ‬ ‫فما عالقة حدوث ظاهرة كونية بنشأة ٍ‬
‫دين له‬
‫إن استمرار أ َّية ظاهرة كونية على ن ََس ٍق واحد يجع ُلها ً‬
‫أمرا‬ ‫كإلشكال كلثاين‪َّ :‬‬
‫يحتاج إلى تعليلٍ‪ ،‬وبالتالي لن تكون داف ًعا ألية ر َّدة‬
‫ُ‬ ‫مألو ًفا‪ ،‬ال َيلفت النظر‪ ،‬وال‬
‫فعل ميتافيزيقية!‬
‫باعث نشأة الدين هو الخوف البدائي إطال ًقا‪ ،‬بل‬
‫ُ‬ ‫كإلشكال كلثالث‪ :‬لم يكن‬
‫باعث نشأة الدين يف كل الحضارات هو روح العظمة والقوة واالستعالء‪.‬‬
‫الجبن أو الخوف بداي ًة ألي دين!‬
‫فلم يكن االستسالم أو ُ‬
‫التصور اإللحادي َأال وهو‪ :‬لو‬
‫ُّ‬ ‫أيضا إشكال آخر كبير ُيب ِّين خطأ هذا‬
‫وهناك ً‬
‫هدف الطقوس هو اسرتحام‬ ‫ُ‬ ‫شاهد الكونية‪ ،‬وكان‬ ‫مبعث الدين هو الم ِ‬ ‫ُ‬ ‫كان‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫التدين بعدما ظهر أهنا محاوالت عابثة‪ ،‬فالظواهر‬ ‫الطبيعة؛ َل َما استمر الناس على‬
‫(‪)2‬‬ ‫تتكرر بنفس الوتيرة وبنفس االطراد!‬
‫الكونية َّ‬
‫وبما أن الدين لم ينقطع يو ًما‪ ،‬ولم ينفصل عن الجماعة اإلنسانية عرب كل‬
‫ٌ‬
‫مستقل تما ًما عن هذا التحليل االختزالي القاصر‬ ‫أن يكون له منش ًأ‬
‫تاريخها‪ ،‬فال بد ْ‬

‫(‪ )1‬األشكال األولية للحياة الدينية‪ ،‬دوركهايم‪9191 ،‬م‪.‬‬


‫(‪ )2‬الدين‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد اهلل دراز‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الذي يطرحه المالحدة!‬


‫َّ‬
‫أن‪ :‬الطوطم اكن هل ٌ‬ ‫َّ‬
‫دور يف نشأة ادلين؟‬ ‫‪ -2‬لكن بعض امللحدة يديع‬

‫بالفعل هذا هو الطرح الثاين الذي ُيقدمه المالحدة يف نشأة الدين‪ ،‬فيقررون‬
‫َّ‬
‫أن الجماعات البشرية القديمة أنشأت ما ُيعرف بالطوطم ‪ ،Totem‬حيث تشرتك‬
‫ٍ‬
‫واحد ُيعرف بالطوطم‪.‬‬ ‫العشائر يف ٍ‬
‫لقب‬ ‫ُ‬
‫وهذا الطوطم يف الغالب يكون لق ًبا حيوان ًّيا ُتنشئه القبيلة أو المجتمع‪ ،‬ومن‬
‫التصور عالم االجتماع‬
‫ُّ‬ ‫هنا يبدأ الدين يف الظهور‪ ،‬ومِن أشهر المنتصرين لهذا‬
‫الفرنسي الشهير‪ :‬إيميل دوركايم!‬
‫التصور‪ ،‬فقد‬
‫ُّ‬ ‫لكن يف الواقع علماء االجتماع اليوم صاروا يسخرون من هذا‬
‫ْ‬
‫مما كامل ًة‬‫أن هناك ُأ ً‬
‫تب َّين بالبحث التاريخي األنثروبولوجي ‪َّ Anthropology‬‬
‫تعرف شي ًئا عن الطوطم‪ ،‬وليس عندهم نظام األلقاب‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وقارات ال‬ ‫ٍ‬
‫وحضارات بل‬
‫الحيوانية‪ ،‬ومع ذلك توجد عند هؤالء جمي ًعا عقيدة اإليمان باهلل األعلى بصورة‬
‫واضحة(‪.)1‬‬
‫أن علما َء آخرين أثبتوا َّ‬
‫أن فكرة الطوطم يف القبائل‬ ‫بل واألعجب من ذلك َّ‬
‫أصال وإنما هي فكرة اقتصادية‪ ،‬فالطوطم لم يكن‬
‫القديمة لم تكن فكرة دينية ً‬
‫عرف‬
‫جرد شعار قومي ُي ِّ‬
‫رمزا دين ًّيا‪ ،‬ولم تكن له عالقة بديانة القبيلة‪ ،‬وإنما هو ُم َّ‬
‫ً‬
‫القبائل بأنسابِها‪ ،‬فهو شي ٌء أشبه بال َع َلم الخاص بالدول اليوم‪.‬‬

‫‪)1( Andrew Lang (4641) the making of religion.‬‬

‫‪158‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫صواة كلطو‬
‫ٍ‬
‫خياالت دوركايم بشأن كيفية ظهور الدين ظ َّلت لعقود ُت َّ‬
‫درس يف‬ ‫ُ‬ ‫لألسف‬
‫جامعات أوروبا باعتبارها حقائق تاريخية‪.‬‬
‫كبير يف تدليس المعرفة عند األوروبيين‪،‬‬‫دور ٌ‬
‫وبالمناسبة دوركايم كان له ٌ‬
‫ٍ‬
‫عربدة وارتكاب‬ ‫خاص ًة عندما كان يطرح حفالت القبائل البدائية بما فيها من‬
‫حرمات كمظهر تد ُّيني عندهم‪ ،‬فقد ث َبت َّ‬
‫أن هذه الحفالت كانت تمر ًدا على‬ ‫للم َّ‬
‫ُ‬
‫هيكل الحياة االجتماعية والدينية للقبيلة وليس العكس‪ ،‬وأصبحت هذه الحقيقة‬
‫(‪)1‬‬ ‫اآلن من أشهر تدليسات دوركايم!‬
‫فالنُّ ُظم ال َق َبلية يف كل المجتمعات تقوم على الفصل التام بين الجنسين؛ لقد‬
‫مظهرا دين ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫التمرد على الدين والحفالت الماجنة‬ ‫ٍ‬
‫غريب ُّ‬ ‫ٍ‬
‫بأسلوب‬ ‫جعل دوركايم‬

‫‪ -3‬مِن أين جاءت فكرة اإلهل األكرب فاطر السماوات واألرض؟‬

‫هذا السؤال من أكرب اإلشكاالت التي تواجه اإللحاد اليوم!‬


‫فاإليمان باإلله فاطر السماوات واألرض‪ ،‬وانتشار هذا اإليمان يف كل‬

‫(‪ )1‬الدين‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد اهلل دراز‪ ،‬ص‪.933‬‬

‫‪159‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثقافات العالم ع ْبر كل العصور‪ ،‬هذا األمر ال يمكن تحليله ماد ًّيا!‬
‫فمن أين جاءت فكرة اإلله األكرب فاطر السماوات واألرض‪ ،‬وعلى ِغرار‬ ‫ِ‬

‫أي جماعة أو مجتمع ُطبعت هذه الصورة؟‬


‫وكيف قامت الدعوات لها عرب كل التاريخ‪ ،‬وكل الجغرافيا‪ ،‬وعرب كل‬
‫الزمان‪ ،‬وعرب تاريخ كل األنبياء؟‬
‫فالجميع د َع ْوا لإليمان باهلل الواحد الخالق؟(‪.)1‬‬
‫نظر َت إلى الديانات عرب التاريخ ستجد أهنا تنتهي يف األخير لإليمان‬
‫وإذا ْ‬
‫ُ‬
‫إغراق هذا الديانات يف الوثنية سوف تكتشف فيها بقايا‬ ‫باهلل الواحد‪ ،‬فمهما كان‬
‫التوحيد‪ ...‬توحيد اهلل ‪ ‬شاخص ًة أمامك ال َمحالة‪.‬‬
‫ويأيت الشرك وتعدُّ د اآللهة كمرحلة تالية!‬
‫ُّ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ -4‬إذن هل اتلوحيد سابق ىلع اتلعدد؟‬

‫نعم!‬
‫فتعدُّ د اآللهة ال يظهر إال يف مرحلة تالية بعد التوحيد النقي‪ ،‬وهذا األمر‬
‫صرح به علماء األنثروبولوجيا ‪ Anthropology‬الباحثون يف تاريخ األديان‪ ،‬مثل‬
‫َّ‬
‫منْيير وليامز ‪ M. Monier Williams‬حين قال‪" :‬التوحيد ُمتقدم على كل صور‬
‫الشرك التي ظهرت الح ًقا"(‪.)2‬‬
‫وطب ًقا لجماعة آخرين من الباحثين يف دورية اإلنسان البدائي ‪Primitive Man‬‬
‫فإن‪" :‬تاريخ الدين هو عبارة عن تح ُّلل أو انحراف من صورة مبكرة خالصة‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪.‬‬


‫&‪)2( McCabe, J. the Growth of Religion: A Study of its Origin and Development, Watts‬‬
‫‪Co. London, p.464‬‬
‫ً‬
‫نقال عن ثالث رسائل يف اإللحاد والعلم واإليمان‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل الشهري‪ ،‬مركز براهين‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ونق َّية من التوحيد"(‪.)1‬‬


‫فهذه حقيقة أركيولوجية أنثروبولوجية‪ ...‬التوحيد سابق على التعدُّ د؛ أو‬
‫ٍ‬
‫بصورة أخرى‪ :‬الدين النقي كان ً‬
‫أوال‪.‬‬
‫وقد أجرى عالم األنثروبولوجيا وي ْله ْلم شمت ‪ Wilhelm Schimdt‬أبحا ًثا مكثف ًة‬
‫خالق ِ‬
‫مهيم ٍن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد ٍ‬ ‫أن الجميع يعتقد ٍ‬
‫بإله‬ ‫على األقزام والقبائل البدائية وتب َّين له َّ‬
‫تطور اإلنسان‬
‫وقد نشر شمت نتائج أبحاثه يف كتابه‪ :‬مكانة األقزام يف تاريخ ُّ‬
‫‪.Position of Pygmy People in the History of Human Development‬‬
‫توصل إليها عالم األنثروبولوجيا االسكتلندي آندرو‬
‫وهي نفس النتيجة التي َّ‬
‫توصل إلى أن الدين األول هو دين التوحيد السماوي‪،‬‬
‫النج ‪ Andrew Lang‬فقد َّ‬
‫واستند يف ذلك إلى دراسات عن قبائل وسط إفريقيا مثل الزولو والبوشمان‬
‫وبعض قبائل األمريكتين وأسرتاليا(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫أن الفيلسوف األلماين الكبير ِ‬
‫فريدريك شلنْج ‪F. W. Schelling‬‬ ‫ومن العجيب َّ‬
‫قد أوضح يف كتابه‪" :‬فلسفة الميثولوجيا ‪َّ " Philosophy of Mythology‬‬
‫أن‪ :‬التوحيد‬
‫هو عقيدة البشرية األولى قاطبةً‪ ،‬والتعدد يأيت يف مرحلة تالية نتيج ًة لفساد‬
‫األتباع(‪.)3‬‬
‫وقد وافق إدوين جيمس ‪ E. O. James‬أستاذ األنثروبولوجيا والديانات‬
‫وقرر أن اإليمان باإلله‬
‫المقارنة الربيطاين هذا الطرح من النج وشمت وشلنج‪َّ ،‬‬
‫الواحد األحد هو األصل عند اإلنسان البدائي‪ ،‬وهذه هي العقيدة التي ما زالت‬
‫عليها القبائل البدائية التي تعيش على جمع الثمار حتى يومنا هذا مثل قبائل‬

‫‪)1( J. M. C., the Origin and Early History of Religion, Primitive Man, Vol. 1, P.15.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن ثالث رسائل يف اإللحاد والعلم واإليمان‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل الشهري‪ ،‬مركز براهين‪.‬‬
‫‪)2( Andrew Lang (4641) the making of religion.‬‬
‫‪)3( F. W. Schelling ,Philosophy of Mythology‬‬

‫‪161‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ Aboriginal‬يف أسرتاليا واألقزام يف إفريقيا(‪.)1‬‬


‫فعقيدة اإليمان باهلل الواحد فاطر السماوات واألرض تراها عرب كل العصور‪.‬‬
‫وهنا سيظل السؤال‪ :‬مِن أين جاء هذا اإليمان‪ ،‬ما مصدره؟‬
‫وكيف قامت له الدَّ َعوات عرب كل التاريخ‪ ،‬وكل الجغرافيا؟‬
‫فمن منظور إلحادي مادي ُمنْكِر لوحي األنبياء‪ ،‬يبقى هذا السؤال معضل ًة حقيقيةً!‬

‫‪ -5‬لكن ماذا عن ادليانات املعارصة اكهلندوسية واملسيحية والزرادشتية‬


‫ا‬
‫وغريها؛ هل يه أيضا يف أصلِها توحيدية؟‬

‫نعم!‬
‫فالهندوسية والتي هي من أكثر الديانات ِشركًا اليوم تنتهي يف األخير إلى‬
‫إيمان توحيدي قديم‪ ،‬وهذا ما ذكره التقرير المرفوع إلى الحكومة الربيطانية يف‬
‫أن‪" :‬النتيجة العا َّمة التي انتهت إليها اللجنة من البحث هي َّ‬
‫أن كثرة‬ ‫الهند‪ ،‬وفيه َّ‬
‫الهنود الغالبة تعتقد عقيدة راسخة يف كائن واحد أعلى"(‪.)2‬‬
‫عرف بالسادهو الهندوسي ‪ Sadhu‬ذاك الرجل‬
‫ويف الهندوسية اليوم هناك ما ُي َ‬
‫الذي يلبس مالبس زعفرانية‪ ،‬ويرتك أهله ليعيش متوحدً ا؛ هذا السادهو لن يصل‬
‫إلى هذه المرحلة إال بعد التخ ِّلي عن كل الشركيات واآللهة األرضية‪ ،‬واإليمان‬
‫بخالق واحد أول!‬

‫‪)1( E. O. James, Prehistoric religion: A study in prehistoric Archeology, p. z 04.‬‬


‫(‪ )2‬قصة الحضارة‪ ،‬ول ديورانت‪ ،‬مجلد ‪ 5‬ص‪.101‬‬

‫‪162‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫أيضا يف أصلها ديانة توحيدية‪ ،‬ولم تظهر مصطلحات األقانيم‬


‫والمسيحية ً‬
‫والتثليث إال بعد رفع المسيح ‪ ‬بزمن‪.‬‬
‫وبدخول عقيدة التثليث إلى المسيحية ظهرت إحدى ِ‬
‫الم َحن الكربى يف هذه‬
‫المقدَّ س هو كتاب توحيدي صارخ‪.‬‬
‫الديانة‪ ،‬فالكتاب ُ‬
‫واإليمان باهلل الواحد هو أعظم وصايا الكتاب المقدس على اإلطالق!‬
‫رب واحدٌ "‪.‬‬
‫الرب إلهنا ٌّ‬
‫فكما ورد على لسان موسى ‪ ‬يف سفر التثنية‪ُّ " :‬‬

‫‪163‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بل ورد على لسان المسيح ‪ ‬يف إنجيل مرقس الذي بين أيدي‬
‫المسيحيين حتى اليوم نفس قول موسى ‪ ،‬حيث قال المسيح‪ :‬إن َّ‬
‫أول‬
‫رب واحدٌ ‪.‬‬
‫الرب إلهنا ٌّ‬
‫كل الوصايا هي‪ :‬اسمع يا إسرائيل‪ُّ ،‬‬

‫المقدَّ س على اإلطالق‪.‬‬


‫فهذه أعظم وأهم وصايا الكتاب ُ‬
‫وهنا ظهرت إشكالية ومِحنة التعارض بين التوحيد يف الكتاب المقدس‪،‬‬
‫وبين هذا اإليمان بالتثليث الذي ظهر بعد رفع المسيح بزمن‪.‬‬
‫وطب ًقا لدائرة المعارف الربيطانية فـ‪" :‬المسيح ُّيون األوائل كانوا ضد التثليث؛‬
‫ألن التثليث ال َعالقة له بالتوحيد اإللهي الذي ُتعلمه الكتب المقدسة"(‪.)1‬‬
‫وأمام هذه اإلشكالية الكربى قالوا‪ :‬التثليث هو توحيدٌ ‪ ،‬واألقانيم الثالثة هي‬
‫ٍ‬
‫منطق بشري‪.‬‬ ‫اهلل الواحد؛ فخالفوا بذلك العقل َّ‬
‫وكل‬
‫فكل أقنوم طب ًقا لإليمان المسيحي هو إله كامل‪ ،‬فكيف تكون األقانيم‬
‫إلها واحدً ا؟‬
‫الثالثة ً‬
‫والشاهد من هذا َّ‬
‫أن أصل المسيحية هو توحيدي تما ًما‪.‬‬
‫ولو ذهبنا للزرادشتية نجد نفس األمر فالزرادشتية يف أصلها ديانة توحيدية‪،‬‬
‫بإلهين ِ‬
‫اثنين؛ فاإلله الواحد الخالق‬ ‫ِ‬ ‫لكنَّها أصبحت اليوم مثنوية‪ .‬مثنوية أي‪ :‬تؤمن‬
‫التصور الشركي المثنوي ظهر‬
‫ُّ‬ ‫صغيرا نسبوا له خ ْلق الشر‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬ ‫إلها‬
‫جعلوا معه ً‬
‫(‪ )1‬دائرة المعارف الربيطانية‪ ،‬الجزء الثالث ص‪.352‬‬

‫‪164‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫متأخرة(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫مرحلة‬ ‫يف‬

‫فكل الديانات يف أصلها كانت على التوحيد النقي‪.‬‬


‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ﴾ [سورة األنبياء‪.]13 :‬‬
‫وحتى مشركو العرب‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾‬
‫[سورة الزمر‪.]58 :‬‬
‫﴿ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ [سورة الزخرف‪.]87 :‬‬
‫فالكل يؤمن َّ‬
‫بأن التوحيد هو األصل يف كل الديانات‪.‬‬
‫ُّ‬
‫فكل البشر ع ْبر كل التاريخ‪ ،‬يف كل الديانات كانوا على ال إله إال اهلل!‬
‫بل دعونا ننظر لهذا التصريح شديد اللهجة من المسيح ‪ ‬بنفي‬
‫األلوهية عن نفسه‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل واحدٌ وليس آخر سواه‪.‬‬
‫وهذا التصريح يوجد يف اإلنجيل الذي بين أيدي المسيحيين حتى الساعة‪.‬‬
‫يقول المسيح ‪" :‬إِ ْن ُكن ُْت َأ ْش َهدُ لِنَ ْف ِسي َف َش َها َدتِي َل ْي َس ْت َح ًّقا‪ .‬ا َّل ِذي‬
‫آخ ُر َو َأنَا َأ ْع َل ُم َأ َّن َش َها َد َت ُه ا َّلتِي َي ْش َهدُ َها لِي ِه َي َح ٌّق"(‪.)2‬‬
‫َي ْش َهدُ لِي ُه َو َ‬

‫‪)1( Haug, Martin (4111), Essays on the Sacred Language, Writings and Religion of the‬‬
‫‪Parsis.‬‬
‫(‪ )2‬إنجيل يوحنا‪ ،‬اإلصحاح ‪ 3‬العدد ‪.51‬‬

‫‪165‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫واآلن ركِّزوا يف قول المسيح‪" :‬ا َّل ِذي َي ْش َهدُ لِي ُه َو َ‬


‫آخ ُر"!‬
‫إ َذ ْن اهلل هو آخر غير المسيح!‬
‫وبالتالي المسيح ليس هو اهلل!‬
‫آخ ُر ِس َوا ُه"(‪.)1‬‬ ‫ويأيتالنص المدهش يف إنجيل مرقس إصحاح ‪" :91‬اهللو ِ‬
‫احدٌ َو َل ْي َس َ‬ ‫َُ‬ ‫ُّ‬
‫اهلل واحد وليس آخر سواه!‬
‫إ َذ ْن عندما قال المسيح عن اهلل‪" :‬ا َّل ِذي َي ْش َهدُ لِي ُه َو َ‬
‫آخ ُر" فهو هبذا ينفي عن‬
‫نفسه أ َّية صورة من صور األلوهية‪.‬‬
‫ين يف إنجيل يوحنا وإنجيل مرقس تكون النتيجة َّ‬
‫أن‪:‬‬ ‫النص ِ‬
‫فبالجمع بين َّ‬
‫المسيح ليس هو اهلل!‬
‫فهذا هو دين التوحيد الذي جاء به ُّ‬
‫كل األنبياء!‬
‫البشر األصنا َم واآللهة البشرية والوثنيات‬
‫ُ‬ ‫لكن لألسف مع الوقت يتخذ‬
‫والشركيات ُقربى إلى اهلل‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ﴾ [سورة الزمر‪.]5:‬‬
‫الناس األصنا َم والمعبودات األرضية وسائط‬
‫فالدين يظهر توحيد ًّيا‪ ،‬ثم يتخذ ُ‬
‫هلل ‪!‬‬

‫(‪ )1‬إنجيل مرقس‪ ،‬اإلصحاح ‪ 91‬العدد ‪.51‬‬

‫‪166‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫َا ُ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬


‫لعاقل أن يتخذ صنما أو َوثنا قرىب إىل اهلل‪ ،‬ثم يعبده ويرتك‬
‫ٍ‬ ‫‪ -6‬لكن كيف‬
‫عبادة اهلل‪ ،‬كيف حيصل هذا؟‬

‫األصنام واألوثان لم تكن ُتعبد لذاهتا يف أ َّية ديانة!‬


‫بل هي كانت مجرد وسائط هلل!‬
‫ولذلك يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬ومن ظ َّن يف ُع َّباد األصنام‬
‫أنَّهم كانوا يعتقدون أهنا تخلق العا َلم‪ ،‬أو أهنا ُت ِنزل المطر‪ ،‬أو أهنا ُتنبِت النبات‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬
‫جاهل هبم‪ ،‬بل كان قصد ُعباد األوثان ألوثاهنم‬ ‫تخ ُل ُق الحيوان أو غير ذلك‪ ،‬فهو‬
‫من جنس قصد المشركين بالقبور"(‪.)1‬‬
‫فاتخاذ األصنام كان من باب تعظيمها وجعلها وسي ًطا هلل‪ ،‬لكنهم يعلمون َّ‬
‫أن‬
‫اهلل وحده هو الخالق الرازق‪.‬‬
‫والتدخل يف األقدار‪ ،‬لكنهم يعرفون َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫نوعا من التقدير‬
‫نعم قد ينسبون لها ً‬
‫هناك خال ًقا واحدً ا سبحانه!‬
‫الج َّهال للقبور‬
‫يتقرب ُ‬
‫فاألصنام كانت من باب الواسطة هلل بجهلهم‪ ،‬كما َّ‬
‫يرزقهم الولد‪،‬‬‫أن ُ‬‫أن يشفيهم‪ ،‬أو ْ‬
‫ويجعلوهنا وسائط هلل‪ ،‬ويدْ عون صاحب القرب ْ‬
‫ويذبحون لصاحب القرب‪.‬‬
‫فهذا كان حال ُعباد األصنام ع ْبر العصور‪ ،‬فقد كانت األصنام يف األصل‬
‫الناس قربي هلل وواسطة له‪.‬‬
‫لرجال صالحين اتخذها ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أسما ًء‬
‫ونزع هذه الشركيات‪.‬‬
‫فغاية دعوة كل األنبياء هي إعادة الناس للتوحيد النقي‪ْ ،‬‬
‫وما كانت هذه الشركيات أكثر من واسطة هلل‪.‬‬
‫ولذلك لم ُينكر ُكفار قريش "اهلل سبحانه" وإنما أنكروا التخلي عن أصنامِهم‬

‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪ ،‬م‪ 9‬ص‪.531‬‬

‫‪167‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وشرك َّياهتم‪.‬‬
‫ولذلك من المعلوم َّ‬
‫أن أصل دعوة األنبياء هي يف توحيد األلوهية‪ ،‬أي يف‪:‬‬
‫بالخ ْلق"‪ ،‬فكل البشر‬ ‫إفراد اهلل بالعبادة" ال يف توحيد الربوبية‪ ،‬أي‪ِ " :‬‬
‫إفراد اهلل َ‬ ‫" ِ‬

‫بفطرهتم وببقايا النُّ ُبوات لديهم على توحيد الربوبية‪.‬‬


‫فالكل يؤمن باهلل الواحد‪ ...‬لكن أتى األنبياء لتنقية جناب التوحيد من الشركيات‪.‬‬

‫‪ -7‬كم عدد ادليانات اليت ما زالت ىلع اتلوحيد انليق ايلوم ىلع األرض؟‬

‫لم ي ْب َق على إفراد اهلل بالعبادة‪ ...‬لم ي ْب َق على التوحيد النقي على وجه‬
‫األرض اليوم سوى اإلسالم!‬
‫فاإلسالم هو الدين التوحيدي األوحد اليوم على األرض‪.‬‬
‫فكل المنتسبين للديانات خال اإلسالم لهم من الشرك نصيب َّ‬
‫قل أو ك ُث َر!‬
‫ولذلك فالدعوة لإلسالم هي من أ ْيسر ما يكون؛ ألهنا دين الفطرة‪ ،‬وال‬
‫عقلية؛ فالكل مفطور على االنكسار للباري‪ ،‬والخضوع‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لمقدمات‬ ‫تحتاج معها‬
‫له‪ ،‬والتسليم بكمال العبودية له َّ‬
‫جل وتقدَّ س سبحانه‪ ،‬و ُمهمة الداعي لإلسالم‬
‫نظرت وتب َّينت صدق الرسول ﷺ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أن يستثير تلك الفطرة‪ ،‬ويدفعها للنظر‪ ،‬فإذا‬
‫فهذا يكفي للتسليم بصحة اإلسالم‪.‬‬
‫فالدين فطرة إنسانية‪ ،‬والدين هو الذي سار إلى اإلنسان‪ ،‬وهو الذي َنزل‬
‫إليه‪ ،‬ولم يصعد هو إليه‪.‬‬
‫فالناس لم يعرفوا رهبم بافرتاض العقل البدائي‪ ،‬وإنما بنور الوحي!(‪.)1‬‬
‫رحلة ٍ‬
‫تالية!‬ ‫أتت الشركيات يف م ٍ‬ ‫لذلك بدأت كل الديانات بداية توحيدية نقية‪ ،‬ثم ِ‬
‫َّ‬
‫فالوحي لجميع األنبياء يف أصل التوحيد واحدٌ !‬

‫(‪ )1‬الدين‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد اهلل دراز‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [سورة النساء‪.]935 :‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫والعلم اتلجرييب واحلس والفلسفة إلشباع املعرفة‬ ‫‪ -8‬لكن أال يكيف العقل‬
‫اإلنسانية دون احلاجة لدلين؟‬

‫فيال‬
‫ليتفحصوا ً‬
‫َّ‬ ‫هناك ُأسطورة تحكي َّ‬
‫أن ست ًة من ال ُعميان يف الهند ذهبوا‬
‫بحسب ما تحت يده؛ مستخد ًما‬ ‫ضخما‪ ،‬وكل أ ْعمى كان ُمطا َل ًبا بوصف الفيل ْ‬
‫ً‬
‫العقل‪ ،‬والتجربة العملية‪ ،‬والحس‪ ،‬والفلسفة‪.‬‬
‫لمس ناب الفيل قال باجتهاده العقلي وخربته‪ :‬هذا ُرمح!‬
‫فالذي َ‬
‫والذي لمس أنف الفيل قال باجتهاده العقلي وخربته‪ :‬هذه أفعى ضخمة!‬
‫والذي لمس ِر ْجل الفيل قال باجتهاده العقلي وخربتِه‪ :‬هذه شجرة!‬
‫والذي لمس َب ْطن الفيل قال‪ :‬هذا ِجدار!‬

‫‪169‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فهذه طبيعة المعرفة البشرية القاصرة!‬


‫ال ُعميان الستة استخدموا العقل والتجربة العملية والحس والفلسفة‪.‬‬
‫فجاءت النتيج ُة قاصر ًة بقصور العقل والتجربة العملية والحس والفلسفة!‬
‫فكلهم أخطأوا يف وصف ما تحت أيديهم‪.‬‬
‫ف نحن هؤالء العميان الستة بأهنم جمي ًعا على خطأ؟‬ ‫لكن كيف ِ‬
‫نص ُ‬
‫ألننا ببساطة نرى المشهد من الخارج!‬
‫فنحن ننظر للجميع‪ :‬للفيل وللعميان نظر ًة شاملةً‪ ...‬نرى الصورة من الخارج!‬
‫الفرق بين اجتهاد العميان الستة وبين النظرة الصحيحة الشاملة‪ ،‬هذا بالضبط‬
‫كالفرق بين العقل والتجربة العملية والحس والفلسفة وبين الوحي اإللهي‪.‬‬
‫ْ‬
‫فالعقل والتجربة العملية والحس والفلسفة ُيقدمون معرفة قد تكون نافعة‬
‫ومفيدة‪ ،‬لكنها قاصرة بقصور ُقدُ راتِك وحدود إمكاناتِك‪ ،‬بينما الوحي على العكس‬
‫ِ‬
‫خارجه‪ ،‬فيعطيك أحكا ًما كليةً‪...‬‬ ‫من ذلك تما ًما؛ الوحي يح ُك ُم على المشهد من‬
‫أحكا ًما شموليةً؛ فالوحي ُيخبِ ُرك بغاية وجودك‪ ،‬وبمعنى وجودك‪ ،‬وبما وراء وجودك!‬
‫بينما العقل والتجربة العملية والحس والفلسفة لن يستطيعوا مجتمعين‬
‫التقدُّ م لجواب سؤال وجودي واحد من هذه األسئلة!‬
‫لن ُيقدموا جوا ًبا لسؤال الغاية‪ ...‬غاية وجودك‪ ،‬ولن يقدموا جوا ًبا لسؤال‬
‫المعنى وسؤال القيمة!‬
‫ٍ‬
‫بجواب‬ ‫ولو حاول العقل أو التجربة العملية أو الحس أو الفلسفة أن يتقدموا‬
‫كثيرا عن ال ُعميان الستة!‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬فلن يختلفوا ً‬
‫فالعقل والتجربة العملية والحس والفلسفة ُيجيدون تقديم أجوبة دنيوية رائعة‬
‫قاصرة مثل‪ :‬أفضل طعام‪ ،‬وأفضل شراب‪ ،‬وأفضل طريقة للسفر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دنيوية‬ ‫ٍ‬
‫لحاجات‬
‫وأفضل حل لمعادلة رياضية‪ ،‬وأفضل تخمين علمي لظاهرة كمومية‪ ...‬يقدمون‬

‫‪170‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫أجوب ًة جميل ًة لهذه األسئلة وهذا ُمنتهاهم‪ ...‬يقدمون جواب الح ِّيز الدنيوي الضيق‬
‫المادي المحيط بنا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫‪ -9‬لكن نلفرتض أن أحد هذه ابلدائل األربعة‪ :‬العقل واتلجربة العملية واحلس‬
‫ًّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َّ‬
‫والفلسفة؛ أجاب عن اغية احلياة أو معىن الوجود أو حلل قيمة إنسانية حتليل ماديا؟‬
‫ٍ‬
‫شيء من‬ ‫أن العقل أو التجربة أو ِ‬
‫الحس أو الفلسفة أجابوا عن‬ ‫لو افرتضنا َّ‬
‫ذلك‪ ،‬فنحن جمي ًعا سنسخر من الجواب!‬
‫نعم هذه هي الحقيقة!‬
‫فال العقل‪ ،‬وال التجربة‪ ،‬وال الحس‪ ،‬وال الفلسفة يستطيعون تقديم تعريف‬
‫صحيح لألخالق أو المنفعة أو المضرة أو ِ‬
‫الق َيم الجمالية‪ ،‬أو الصواب أو الخطأ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫رموزا لمعاين‬
‫ً‬ ‫ذرة تحمل معنًى قيم ًّيا‪ ،‬وال توجد معادلة رياضية تضع‬
‫فال توجد َّ‬
‫األمانة أو الخيانة‪ ،‬وال يحصل تبا ُدل أيونات على جدران خاليا مخك العصبية‬
‫لمعاين ال ُّطهر‪ ،‬وأيونات ثانية لمعاين الع َّفة‪ ،‬وأيونات ثالثة لمعاين النجاسة والفسق!‬
‫ٍ‬
‫ومعان ال يمكن تحليلها عقل ًّيا أو تجريب ًّيا أو حس ًّيا أو فلسف ًّيا!‬ ‫فهذه مفاهيم ِ‬
‫وق َيم‬
‫شرودنجر ‪ Schrödinger‬الحائز على نوبل يف فيزياء الكم‪ ،‬يقول‪" :‬لو‬ ‫َ‬ ‫يقول‬
‫أن ُيحلل المعاين األخالقية أو الجمالية‪ ،‬فإننا سنستمع‬ ‫حاول العلم التجريبي ْ‬
‫إليه لنضحك‪ ،‬ال لنأخذ كالمه على محمل الجد"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫لنطاق رصده!‬ ‫سيلز ُم الصمت التام ُتجاه هذه األمور التي ال تخضع‬
‫فالعلم َ‬
‫‪)1( I am very astonished that the scientific picture of the real world around me is deficient,‬‬
‫‪it is ghastly silent about all and sundry that is really near to our heart, that really matters to‬‬
‫‪us. It cannot tell us a word about red and blue, bitter and sweet, physical pain and physical‬‬
‫‪delight; it knows nothing of beautiful and ugly, good or bad, God and eternity. Science‬‬
‫‪sometimes pretends to answer questions in these domains, but the answers are very often so‬‬
‫‪silly that we are not inclined to take them seriously.‬‬
‫‪Nature and the Greeks, Schrödinger‬‬

‫‪171‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فمعاين الصدق والكذب‪ ،‬والصواب والخطأ‪ ،‬والقيمة الجمالية‪ ،‬والمعاين‬


‫فضال عن العالم الغيبي؛ هذه المعاين ال تقع يف إطار العالم المادي‬
‫ً‬ ‫التكليفية‪،‬‬
‫الذري حتى ُنخضعها للعلم التجريبي‪ ،‬أو الحسي‪ ،‬أو التخمين العقلي‪ ،‬أو الفلسفي‪،‬‬
‫فال ُتستنار المعرفة يف هذه الجوانب كلها إال بنور الوحي اإللهي!‬
‫ا‬
‫‪ -11‬لكن العقل يقرر املبادئ األخلقية حىت بعيدا عن ادلين؛ أليس كذلك؟‬

‫المبادئ األخالقية ُمستمدَّ ة من الفطرة المتفقة مع التكليف الديني‪ ،‬وليست‬


‫مستمدَّ ة من النشاط الدماغي!‬
‫فالنشاط الدماغي هو عبارة عن تبادل أيونات على جدران خاليا عصبية‪.‬‬
‫ُّ‬
‫والمخ ال يحتوي على أكثر من تبادل أيونات ونواقل عصبية!‬
‫فالمبادئ األخالقية هي نتاج فطرة متفقة مع دين‪ ،‬وليست نتاج نشاط دماغي!‬
‫ونظر لنفسه نظر ًة مادي ًة مجردةً؛‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان الفطرةَ‪ ،‬وعاندَ الدين‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫تجاهل‬ ‫لذلك لو‬
‫تحليال ماد ًّيا‪ ،‬فلن يرصد ساعتها أكثر من‪ :‬ذرات‪ ،‬وتبادل‬
‫ً‬ ‫وح َّلل نشاطه الدماغي‬
‫أيونات‪ ،‬وشحنات كهربية‪ ،‬ويف هذا اإلطار ما أيسر أن ُيعقلن أية إبادة شمولية!‬
‫وهتلر قام بعقلنة‪ :‬وجوب إبادة األعراق البشرية األدنى‪.‬‬
‫وتمت بالفعل إبادة مئات اآلالف من البشر على يد العقلنة النازية المادية‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن تقرأ عن مشروع أكتزون يت فيا ‪ Aktion T1‬والذي ُأبيد‬ ‫ويكفيك ببساطة ْ‬
‫تمت إبادهتم يقفون يف‬
‫فيه ثلث مليون إنسان على يد النازي؛ ألن هؤالء الذين َّ‬
‫وجه االنتخاب الطبيعي والبقاء لألصلح!‬

‫‪172‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫واإللحاد حتى الساعة ُيعقلن قتل األجنة!‬


‫ف ُيجيز إجهاض األجنَّة دون أدنى ْ‬
‫وخز للضمير‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ويقوم اإللحاد بعقلنة إجهاض األجنَّة بتحليل مادي عقالين محايد تما ًما‪ ،‬ف ُيقرر‬
‫أن األجنة تمثل مراحل حيوانية مختلفة ‪- Ontogeny recapitulates Phylogeny‬‬ ‫َّ‬
‫وهذه خرافة علمية بالمناسبة لكن اإللحاد يتبناها‪ ،-‬فإذا كانت األجنَّة هبذه‬
‫الصوة فما المانع من قتلها؟‬
‫وبنفس هذه القياسات يمكن ماد ًّيا وإلحاد ًّيا عقلنة إبادة الجنس البشري‬
‫بنفس درجة إبادة مستعمرة باكتيرية!‬
‫وعاندت الدين‪ ،‬لن يقف يف وجه تدميرك لألرض‬
‫َ‬ ‫تجاهلت الفطرة‪،‬‬
‫َ‬ ‫فطالما‬
‫وما عليها شي ٌء!‬
‫فلن تستطيع التأسيس عقل ًّيا أو علم ًّيا أو حس ًّيا أو فلسف ًّيا ألية قيمة أخالقية‬

‫‪174‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫أو ألي معنًى غائي‪.‬‬


‫فتحليل النشاط الدماغي لن ُيفرز تعري ًفا للخير وال للشر‪ ،‬فال ُيمكن أن‬
‫ُتستمدَّ المبادئ األخالقية من غير الفطرة المتفقة مع الدين!‬
‫يعرتف الملحد ريتشارد داوكينز هبذه الحقيقة الصعبة فيقول‪" :‬من الصعب‬
‫ٍ‬
‫أرضية أخرى غير الدين"(‪.)1‬‬ ‫جدًّ ا الدفاع عن القيم األخالقية المطلقة على‬
‫فالنشاط الدماغي والعلم التجريبي والحس والفلسفة‪ ،‬هذه البدائل األربعة‬
‫بدائل قاصرة ال تجيب عن سؤال وجودي أو معنًى غائي أو أية قيمة إنسانية‪.‬‬
‫هذه البدائل تتيح فقط معارف قاصرة إلنتاج مدركات قاصرة لعالج‬
‫مشكالت قاصرة كـ‪ :‬األكل والسفر والدواء وسبل الراحة‪.‬‬
‫دائما يؤكد َّ‬
‫أن القيم اإلنسانية‬ ‫هذا ما لدى البدائل األربعة‪ ،‬لذلك فالدين ً‬
‫الكلية ومعاين‪ :‬الغاية والعلة والمعنى والغيب؛ هذه القيم والمعاين ال تنضبط‬
‫بأي من هذه البدائل األربعة‪ ،‬وإنما تنضبط فقط بنور الوحي‪ُ ...‬تض َبط‬
‫إطال ًقا ٍّ‬
‫فقط بالرسالة اإللهية التي ب َّثها األنبياء‪.‬‬
‫و َمن اغرتَّ هبذه البدائل األربعة وحدها يهلِك!‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾‬
‫[سورة غافر‪.]85:‬‬
‫قاصر يف جواب أي محتوى كلي وجودي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فالمحتوى العلمي المادي‬

‫‪ -11‬لكن هل هذا تقليل من قيمة العلوم اتلجريبية؟‬

‫اهلل ‪ ‬منحنا العلم المادي التجريبي القاصر إلجابة حاجات قاصرة كـ‪:‬‬

‫‪)1( It is pretty hard to defend absolute morals on grounds other than religious ones‬‬
‫‪the god Delusion, p.121.‬‬

‫‪175‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫األكل واالخرتاع ونقل المعلومات والتواصل وحل المعادالت الرياضية‪ ،‬لكنَّه‬


‫سبحانه منحنا الوحي والكتب السماوية والرساالت لجواب األسئلة الكلية‪.‬‬
‫فال بد أن نعرف حجم العلوم المادية بجانب الوحي اإللهي!‬
‫وأن نعلم َّ‬
‫أن كل َمن تجاهل الجواب اإللهي‪ ...‬الوحي اإللهي‪ ...‬هذه الرسالة‬ ‫ْ‬
‫اإللهية‪ ،‬فإنه سيصبح أعمى مثل ال ُعميان الستة ال َمحالة؛ مهما تس َّلح بكل العلوم‬
‫المادية التجريبية!‬
‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ﴾ [سورة الرعد‪.]91 :‬‬
‫فال سبيل لمعرفة معاين التكليف والقيم اإلنسانية وغاية الوجود إال من‬
‫طريق الوحي والنُّ ُبوة!‬
‫ـال كبع متِّتة ‪" :‬لوال الرسالة لم ِ‬
‫يهتد العقل إلى تفاصيل النافع‬
‫أشر ً‬
‫حاال منها"(‪.)1‬‬ ‫والضار‪ ،‬ولوال الرسال ُة لكان البشر بمنزلة األنعام بل َّ‬
‫فالرسالة اإللهية ضرورية لمعرفة القيمة والغاية ومعنى الوجود ومعرفة الشريعة!‬
‫نتحول إلى‪:‬‬
‫َّ‬ ‫وبدون الرسالة اإللهية‬
‫أشباح بال معنًى‪ ،‬كما يقول الالأدري‬
‫الشهير كارل ساغان ‪ Carl Sagan‬حين‬
‫قال‪" :‬ال فرق بين اإلنسان ماد ًّيا وبين قطعة‬
‫َح َجر"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪ ،‬مجلد‪ 91‬ص‪.900‬‬


‫‪)2( Human is essentially the same laws and constants are required to make a rock.‬‬
‫‪Carl Sagan Pale Blue Dot: A Vision of the Human Future in Space,‬‬

‫‪176‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫ذرات تتالطم ال أكثر!‬ ‫نتحول إلى‬
‫فبدون الوحي اإللهي َّ‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [سورة النور‪.]20 :‬‬
‫ٍ‬
‫وفلسفة‪ ،‬فإنَّه لن‬ ‫مادي‬ ‫متسلحا بكل ٍ‬
‫علم‬ ‫نسي غاية وجوده مهما كان‬
‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فمن َ‬
‫َ‬
‫الح َشرات‪ ،‬كما يقول الملحد الوجودي سارتر‪ ،‬فقد‬
‫يتجاوز مرحلة الحجر أو َ‬
‫قال ضمن ًّيا‪" :‬اإلنسان َو ْفق نظرة مادية ليس أكثر من حشرة"(‪.)1‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ﴾ [سورة البقرة‪.]950 :‬‬
‫فمن يرغب عن الدين ُيسفه نفسه‪.‬‬
‫َمن ينسى اهلل ينسى نفسه‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ﴾ [سورة الحشر‪.]91 :‬‬
‫ٌ‬
‫معلون ما فيها‪،‬‬ ‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬الدنيا كلها ملعونة‪،‬‬
‫إال ما أشرقت عليه شمس الرسالة‪ ،‬فحاجة اإلنسان إلى الرسالة أعظم وأشدُّ من‬
‫حاجته لكل شيء‪ ،‬وال بقاء ألهل األرض إال ببقاء آثار الرساالت‪ ،‬فإذا ُدرست‬
‫آثار الرسل من األرض قامت القيامة"(‪.)2‬‬
‫فكل ٍ‬
‫خير يف األرض هو من بقايا النُّ ُبوات(‪.)3‬‬

‫‪ -12‬وإذا اختفت انلبوات فكيف يكون حال األرض؟‬

‫أمرت به النبوات‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫كل خراب يف األرض هو من العمل بخالف ما‬
‫كل عقول وتجارب وفلسفات العالم أن تؤسس‬ ‫فصلت‪ :‬لن تستطيع ُّ‬
‫فكما َّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬أو يف بيان غاية وجودية واحدة؛‬ ‫ٍ‬
‫إنسانية‬ ‫نور يف جواب ٍ‬
‫قيمة‬ ‫ٍ‬
‫لومضة من ٍ‬
‫فالنور هبة إلهية تقرتن باإليمان‪.‬‬

‫‪)1( Jean Paul Sartre, Nausea (novel).‬‬


‫(‪ )2‬مجموع الفتاوى‪ ،‬مجلد‪ 91‬ص‪.909‬‬
‫(‪ )3‬الصارم المسلول‪ ،‬ص‪.130-121‬‬

‫‪177‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ولن تستطيع كل محاكم العالم‪ ،‬ولن تستطيع كل دساتير العالم أن تك َبح‬


‫عقلي أو مادي أو تجريبي!‬ ‫ٍ‬
‫أساس‬ ‫ٍ‬
‫واحدة على‬ ‫ٍ‬
‫جريمة‬ ‫جماح‬
‫ٍّ‬
‫وإال فما المانع اإللحادي المادي من إبادة البشر؟‬
‫كما قلنا مِن قبل‪ :‬ال مانع!‬
‫ما المانع المادي الدارويني من إدخال األ ْعراق البشرية األدنى أقفاص حيوانات؟‬
‫ال مانع!‬
‫وما ُأغلقت أقفاص حيوانات البشر يف أوروبا‪ ،‬وهذه الصورة كمثال‪:‬‬

‫فحدائق حيوان البشر كانت منتشر ًة يف العواصم األوروبية حتى منتصف‬


‫القرن الماضي بال ٍ‬
‫حياء!‬

‫‪178‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫تحليال‬
‫ً‬ ‫كانت حدائق حيوان البشر هذه تطبي ًقا عمل ًّيا للنظرة المادية للبشر‪...‬‬
‫للتطور واالنتخاب لألصلح!‬
‫ُّ‬ ‫موافِ ًقا‬
‫ما ُأغلقت أقفاص حيوانات البشر يف أوروبا‪ ،‬وما ُأدينت النازية‪ ،‬وما ُأغلقت‬
‫معسكرات إبادة األ ْعراق البشرية األدنى إال ببقايا النُّ ُبوات يف الغرب‪.‬‬

‫فلم ُتو َقف محارق النازية إال ببقايا النبوات!‬


‫لم يوقف التمييز بين البشر بنا ًء على لون البشرة أو حجم األنف إال ببقايا النبوات!‬

‫‪179‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ولم تغلق ُغ َرف الغاز يف أوشفيتز ‪ Auschwitz‬إال بعد أن التمس الناس بقايا‬
‫فِطرهم‪ ...‬فبدون الفطرة سيفتقد الناس ألية نقطة مرجعية لألخالق‪.‬‬
‫إذا اعتمدنا على النظرة اإللحادية للبشر‪ ،‬لن يكون هناك فرق بين المحرقة‬
‫النازية وحفلة شواء!‬
‫ولن يزدد البشر عن أن يكونوا ُحثالة كيميائية ‪ Chemical Scum‬على حد‬
‫وصف الفيزيائي ستيفن هاوكنج(‪.)1‬‬
‫فالنُّ ُبوة هي الوسيلة الوحيدة الصحيحة للمعرفة باإلنسان وباهلل‪.‬‬
‫دهرا من عمره يف الشك يقول‪" :‬اهلل وحده‬
‫يقول نجيب محفوظ الذي قضى ً‬
‫هو الذي ُيعطي القيم معناها‪ ،‬اهلل وحده هو الذي يعطي الوجود معناه‪ ،‬بدونه ال‬
‫معنى للوجود‪ ...‬ال معنى للقيم‪ ،‬وبديله هو العبث‪ ...‬الالمعنى"(‪.)2‬‬
‫‪)1( From an interview with Ken Campbell on Reality on the Rocks: Beyond Our Ken, 4665‬‬
‫(‪ )2‬وطني مصر‪ ،‬نجيب محفوظ‪ ،‬ص‪ ،35‬دار الشروق‪.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬لست ملحدً ا لماذا؟ كريم فرحات‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫افتقارا ذات ًّيا ضرور ًّيا إلى اهلل!‬


‫ً‬ ‫افتقارا ذات ًّيا إلى الدين‪ ...‬مفتقر‬
‫ً‬ ‫مفتقر‬
‫ٌ‬ ‫فاإلنسان‬
‫مطلوب يف الوجود‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منكر للعلم اإللهي الذي ب ّثه األنبياء منكر ألعظم‬ ‫وكل ٍ‬

‫ا‬
‫‪ -13‬لكن‪ :‬أليس العقل مناطا للتلكيف؟‬

‫العقلي هو أحد أبواب االستدالل على وجود الخالق‪،‬‬ ‫ُ‬


‫االستدالل‬ ‫أليس‬
‫ُّ‬
‫وعلى صحة النبوات‪ ،‬وعلى صدق النبي؟‬
‫فكيف نبخس من قيمة العقل؟‬
‫هذا السؤال يحمل خل ًطا بين البديهيات العقلية والقدرات العقلية‪ ...‬يحمل‬
‫خل ًطا بين األوليات العقلية وبين العمليات العقلية!‬
‫فالبديهيات العقلية أو المبادئ الضرورية العقلية كـ‪ :‬عدم التناقض والسبب َّية؛‬
‫هذه البديهيات العقلية ُمستمدَّ ة من الفطرة‪ ،‬فكما اس ُت ِمدت المبادئ األخالقية‬
‫من الفطرة‪ ،‬كذلك اس ُتمدت البديهيات العقلية منها؛ وهذه البديهيات العقلية‬
‫األولية على إثبات وجود الخالق‪ ،‬وعلى صحة‬
‫هي بال شك أحد االستدالالت َّ‬
‫الدين وصدق الرساالت‪.‬‬
‫فهذه البديهيات العقلية ال خالف يف َّأوليتِها‪.‬‬
‫أما العمليات العقلية القاصرة‪.‬‬
‫كـ‪ :‬التحسين والتقبيح العقلي النسبي‪ ،‬والمالحظة العقلية‪ ،‬والتحليالت‬
‫والتخمينات العقلية‪ ،‬والمكتسبات العقلية‪ ...‬هذه العمليات العقلية القاصرة ال‬
‫التورط يف الخطأ‪ ،‬بل وال تمنع من صناعة الخرافة واألسطورة والوهم‬
‫تمنع من ُّ‬
‫والهالوس و َقبول كل ذلك‪.‬‬
‫يتم تحصيله بالنظر والخربة والحس والتجربة‪،‬‬
‫فالمكتسبات العقلية هي ما ُّ‬
‫ُ‬
‫التورط يف الخرافات‪ ،‬وقبل سبعين عا ًما لم تمنع‬
‫ُّ‬ ‫هذه المكتسبات ال تمنع من‬

‫‪181‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫من قبول النازية‪ ،‬واليوم هي ال تمنع من قبول إبادة األجنة‪ ،‬ولن تمنع من أية‬
‫جريمة أو هلوسة؛ فالمكتسبات العقلية قاصرة بقصور الطبيعة البشرية‪.‬‬
‫ولن تنجو النفس اإلنسانية بغير االنكسار للوحي اإللهي والخضوع هلل‬
‫الباري سبحانه ولشرعه!‬
‫تجاهل اإلنسان الدين والفطرة واألوليات العقلية‪ ،‬واحتكم فقط إلى‬
‫َ‬ ‫وطالما‬
‫هذه المكتسبات العقلية‪ ،‬فلن يستطيع ساعتها أن ينجو‪ ،‬بل لن يملك مان ًعا من‬
‫عقلنة أية جريمة!‬
‫﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [سورة العلق‪.]7-3 :‬‬
‫فإذا استغنى اإلنسان عن الفطرة والدين‪ ،‬لن يقف يف وجه طغيانه شي ٌء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -14‬لكن ما أهمية َّ‬
‫األويلات العقلية املستمدة من الفطرة؟‬

‫األوليات العقلية تحمل الربهنة الضرورية على وجود الخالق كـ‪ُ :‬برهان السببية‪.‬‬
‫وهي تربهن على صحة الرسالة‪ ،‬وعلى صدق النبي‪ ،‬ف ُتثبت بصورة قطعية‬
‫صحة النبوة‪.‬‬
‫فاألوليات العقلية كاللوح الراصد للنور‪ ،‬لكنها ال ُتو ِّلد ً‬
‫نورا ذات ًّيا‪...‬‬
‫األوليات العقلية كاللوح الراصد للنور متى س َطع عليها‪.‬‬
‫األوليات العقلية لتثبت صحة هذا النور!‬
‫سطع نور الرسالة ونور النبوة جاءت َّ‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫ٍ‬
‫إنسان هي لوح يدور يف السماء يبحث عن أ َّية‬ ‫فاألوليات العقلية عند كل‬
‫َو ْمضة من نور النبوة!‬
‫ظه َر نور النبوة‪ ،‬فلن يكون أمام اإلنسان إال التسليم أو المعاندة والمعارضة!‬
‫وإذا َ‬
‫خير‬
‫فـ‪ :‬رحمة اهلل الكربى لإلنس والجن هي الفطرة والنُّ ُبوة‪ ،‬وكل ما فيهما ٌ‬
‫مما يجمعون بكل البدائل األربعة‪.‬‬
‫فالدين حتمية إنسانية‪ ،‬ومطلب فِ ْطري‪ ،‬وحقيقة أول َّية‪ ،‬وهو أصل المعرفة‪،‬‬

‫‪182‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وأصل العلم بمعنى األخالق‪ ،‬ولماذا يجب أن نكون على أخالق؟ ولماذا نشعر‬
‫بوخز الضمير األخالقي؟ ولماذا نشعر بضرورة افعل وال تفعل؟‪ ...‬افع ِل الخير‬
‫وال تفع ِل الشر‪ ،‬ولماذا نشعر باالفتقار للخالق‪.‬‬
‫الدين هو جواب كل هذه األسئلة‪ ،‬وجواب أسئلة الغاية والعلة وما وراء الموت‪.‬‬
‫الدين وحده هو القادر على تحليل ظاهرة اإلنسان‪.‬‬
‫الدين هو العلم الحقيقي األعظم الذي ال غنًى لإلنسان عنه‪.‬‬
‫وكما قال ابن القيم ‪" :‬لوال النُّ ُبوات لم يكن يف العالم علم نافع البتَّة"(‪.)1‬‬
‫أن يكون اهلل تعالى قد أرسل ُر ُسله‪ ،‬وأنزل كتبه لم ُيقدِّ ر‬ ‫و َمن أنكر من الربوبيين ْ‬
‫حق قدْ ره‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾ [سورة األنعام‪.]19 :‬‬ ‫اهلل َ‬
‫َ‬
‫أن أرسل إليهم ُر ُس َله‪ ،‬وأنزل عليهم كت َبه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فمن كمال رحمة اهلل بخلقه ْ‬
‫صح ا َّدعاؤها لما‬
‫أن وجودنا بال تكليف‪ ،‬ولو َّ‬ ‫مشكلة الربوبية أنَّها تدَّ عي َّ‬
‫اض ُطررنا لبحث جواب عن أسئلة الغاية والمعنى والقيمة واألخالق‪.‬‬
‫أصال شي ًئا من هذه األسئلة!‬
‫ولما استوعبنا ً‬
‫اهلل األنبيا َء وأنزل الكتب!‬
‫ولما بعث ُ‬
‫من خالل الكتب السماوية‪ ،‬ومن خالل األنبياء فقط نعرف الجواب‪ ...‬ومن‬
‫محورا يف هذا الوجود؛‬
‫ً‬ ‫مركزا يف هذا العالم‪ ،‬ويصبح‬
‫خالل الدين يصبح اإلنسان ً‬
‫بينما بدون الدين يفقد اإلنسان ُهويته‪ ،‬ويفقد معنى وجوده‪ ،‬ويفقد ذا َته‪ ،‬ويكفر‬
‫وح َشرات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بفطرته‪ ،‬ويتحول لحجر َ‬
‫﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [الروم‪.]50 :‬‬
‫تحت راية الدين فقط تعرف أنك إنسان!‬

‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.998‬‬

‫‪183‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالدين ليس تر ًفا فكر ًّيا‪ ،‬بل هو ضرورة فطرية وجدانية‪.‬‬


‫والشعور باالفتقار هلل خاص ًة يف أوقات الهلع الشديد هو طبيعة النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫لحدون يف الخنادق‪.‬‬ ‫وكما يقول قادة المعارك‪ :‬وقت المعركة ال يوجد م ِ‬
‫ُ‬

‫ففي الخنادق الكل يعو ُد لإليمان!‬


‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ﴾ [سورة العنكبوت‪.]33 :‬‬
‫فاإلحالة إلى الدين‪ ...‬اإلحالة إلى الرساالت السماوية؛ مربر هذه اإلحالة‬
‫هو ظاهرة "اإلنسان"‪.‬‬
‫ِ‬
‫فسر ماد ًّيا‪.‬‬ ‫وصبِ َغ ُمك َّل ًفا‪ ،‬ولم ُيطبع ولم ُيصبغ ل ُي َّ‬
‫فاإلنسان ُطبع ُ‬
‫أي تحليل إلحادي لإلنسان!‬ ‫ِ‬
‫لذلك فشل وسيفشل ُّ‬
‫ولن ُينتج التحليل اإللحادي لإلنسان إال المحرقة النازية وحدائق حيوان البشر!‬
‫فباإللحاد يتسمم معنى اإلنسان‪ ،‬ويتسمم الوجود من حول ِ ِه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫‪ -15‬لكن‪ :‬كيف نعرف ادلين احلق‪ ...‬كيف نعرف ِصدق الرسول؟‬

‫ً‬
‫رسوال من عند اهلل‪ ...‬ما ب ِّينات صدقه؟‬ ‫لماذا يكون محمد بن عبد اهلل ﷺ‬
‫مِن ب ِّينات صدق الرسول‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون صا ـا‪:‬‬
‫وهذا شرط بديهي‪.‬‬
‫والنبي محمد بن عبد اهلل ﷺ اش ُتهر بين الناس بالصدق‪ ،‬بل ولم ُيعهد عليه‬

‫‪184‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫واحدة على تعدُّ د مواقفه‪ ،‬وكثرة أخباره‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وقعة‬ ‫كذب قط‪ ،‬ولم ُيتَّهم أنه َ‬
‫كذب يف‬ ‫ٌ‬
‫وهذا باعرتاف أشد الناس له عداوةً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫بكذب ولو ٍ‬
‫لمرة‬ ‫ٍ‬ ‫فلم ُير َم‬
‫ور َد يف البخاري َّ‬
‫أن كبار كفار قريش قالوا له يف أول دعوته‪" :‬ما جربنا عليك‬ ‫َ‬
‫إال صد ًقا"‪.‬‬

‫النبي صاد ًقا‪.‬‬ ‫ْ‬


‫فهذه هي الب ِّينة األولى‪ :‬أن يكون ُّ‬
‫وهذه الب ِّينة وحدها تكفي يف إثبات صحة النبوة!‬
‫نبي؛ فمن الطبيعي أن يكون‬
‫ف ُمدَّ عي النبوة إما أن يكون‪ :‬أصدق الناس؛ ألنه ٌّ‬
‫أصدق الناس‪ ،‬وإما أن يكون َ‬
‫أكذ َب الناس؛ ألنه يفرتي كذ ًبا يف أعظم األمور شأنًا‪.‬‬
‫وال يختلط أصدق الناس بأكذب الناس إال على أجهل الناس؛ وهذا كالم‬

‫‪185‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.‬‬


‫فمدَّ عي النبوة‬
‫يقول ‪" :‬ليست المعجزة هي الشرط األوحد للنبوة‪ُ ،‬‬
‫إ َّما ْ‬
‫أن يكون أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين‪ ،‬وال ُيلبس هذا هبذا إال على‬
‫أجهل الجاهلين"(‪.)1‬‬
‫والم َّ‬
‫بشرين‬ ‫وقد أسلم السابقون األولون أمثال أبي بكر الصديق وخديجة ُ‬
‫وكثير من الناس يعلم‬
‫ٌ‬ ‫قبل انشقاق القمر‪ ،‬واإلخبار بالغيب‪ ،‬والتحدي بالقرآن‪،‬‬
‫صدق المخرب بال ٍ‬
‫آية البتَّة‪ ...‬وموسى بن عمران لما جاء إلى مصر وقال لهم‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫َ ُ‬
‫النبي ﷺ لما َذك ََر‬
‫اهلل أرسلني‪َ ،‬علموا صدقه قبل أن ُيظهر لهم اآليات‪ ،‬وكذلك ُّ‬
‫حاله لخديجة‪ ،‬وذهبت به إلى ورقة بن نَوفل‪ ،‬قال هذا هو الناموس الذي ُأيت‬
‫لما أخربهم بما‬
‫علما ضرور ًّيا َّ‬
‫موسى‪ ،‬وكذلك النجاشي وأبو بكر علموا صدقه ً‬
‫جاء به‪ ،‬وما يعرفون من صدقه وأمانته(‪.)2‬‬
‫عجز ال ُكفار عن إظهار ك َِذ ٍبة واحدة يف حياة النبي ﷺ‪ ،‬بل ويعرتفون‬
‫فإذا َ‬
‫جربنا عليك كذ ًبا"‪.‬‬
‫جربوا عليه الكذب أبدً ا "ما َّ‬
‫أنَّهم ما َّ‬

‫عقال ً‬
‫ونقال‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ص‪ ،375‬وبمعناه يف نفس المصدر ص‪.598‬‬ ‫(‪ )1‬ثبوت النبوات ً‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫عجزوا عن ذلك‪ ،‬فيلزمهم ْ‬


‫أن ينظروا يف خرب نبوته‪ ،‬وليس اإلسراع يف تكذيبه!‬ ‫إذا َ‬
‫ولذلك اشتدَّ لوم القرآن الكريم على كفار قريش؛ ألهنم من المفرتض أهنم‬
‫يعلمون حاله قبل بعثته‪ ،‬وأنَّه الصادق واألمين‪ ،‬قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [سورة المؤمنون‪.]31 :‬‬
‫كلبتنة كلثا تة ععَ صدق كلطسول‪:‬‬
‫أن يأيت بما أتى به األنبياء مِن قبله؛ مما هو موافق للفطرة كالتوحيد ‪-‬توحيد‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫فاإلنسان بفطرته لو نظر إلى الكون لن يستوعب له إال خال ًقا واحدً ا‪ ،‬ولن تقفز‬
‫التصورات الشركية‪ ،‬وكل‬
‫ُّ‬ ‫إلى ذهنه أ َّية صورة من صور اآللهة األرضية الوثنية أو‬
‫فص ْلنا من ُ‬
‫قبل‪.‬‬ ‫الشرائع يف كل تاريخ األرض بدأت توحيدية تؤمن باهلل الواحد‪ ،‬كما َّ‬
‫فالتوحيد قضية فطرية وهو خطاب كل األنبياء‪.‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [سورة‬
‫األنبياء‪.]13:‬‬
‫فكل األنبياء أ َت ْوا هبذا التوحيد الفطري‪ ،‬ولم يكن النبي ﷺ بِ ً‬
‫دعا من الرسل‬ ‫ُّ‬
‫يأيت بما يخالف هذه العقيدة التوحيدية النقية‪.‬‬
‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [سورة األحقاف‪.]1 :‬‬
‫بل دعا لنفس التوحيد النقي الذي جاء له كل األنبياء‪.‬‬
‫فكل األنبياء أ َت ْوا بالتوحيد‪ ،‬ولم َ‬
‫يبق على هذا التوحيد اليوم سوى اإلسالم‪،‬‬
‫فهو دين اهلل الوحيد الباقي على األرض‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ﴾ [سورة آل عمران‪.]83 :‬‬
‫إ َذ ْن الب ِّينة الثانية على صدق الرسول ْ‬
‫أن يأيت بما يوافق الفطرة من التوحيد النقي‪.‬‬
‫أيضا بما يوافق الفطرة من المبادئ األخالقية الضرورية‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وأن يأيت ً‬

‫‪187‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫جعفر بن أبي‬ ‫ُ‬ ‫صاحب المثل األوىف يف هذا‪ ،‬وقد أوضح‬ ‫َ‬ ‫والنبي ﷺ كان‬
‫كمال األخالق التي أتى هبا النبي ﷺ يف حواره مع النجاشي حين‬ ‫طالب ﭬ َ‬
‫مختصرا ما جاء به اإلسالم من كماالت الفطرة‪" :‬أ ُّيها الملِ ُك‪ُ ،‬كنَّا‬ ‫ً‬ ‫قال للنجاشي‬
‫ٍ‬
‫الفواحش‪ ،‬ونَق َط ُع‬ ‫َ‬ ‫أهل جاهل َّية‪ ،‬نَع ُبدُ األصنا َم‪ ،‬ونَأ ُك ُل َ‬
‫الم ْيتةَ‪ ،‬ونَأيت‬ ‫َقو ًما َ‬
‫ذلك حتَّى َب َعث‬ ‫عيف‪ ،‬فكنَّا على َ‬ ‫الض َ‬ ‫وار‪َ ،‬يأ ُك ُل ال َق ُّ‬
‫وي منَّا َّ‬ ‫ِ‬
‫األرحا َم‪ ،‬و ُنسي ُء الج َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسوال منَّا ن ِ‬
‫نوحدَ ه‬ ‫ف نس َبه وصدْ َقه‪ ،‬وأمانتَه و َعفا َفه‪ ،‬فدَ عانا إلى اهلل ل ِّ‬ ‫َعر ُ‬ ‫ً‬ ‫اهلل إلينا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألوثان‪ ،‬و َأ َم َرنا‬ ‫ِ‬
‫الحجارة‬ ‫وآباؤنا مِن ُدونِه مِ َن‬
‫ُ‬ ‫ونَع ُبدَ ه ونَخ َل َع ما كنَّا نَع ُبدُ نح ُن‬
‫والكف ِ‬ ‫الج ِ‬‫وحس ِن ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عن‬ ‫ِّ‬ ‫وار‪،‬‬ ‫حم‪ْ ُ ،‬‬ ‫بصدْ ق الحديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وص َلة َّ‬
‫ف‬ ‫وقذ ِ‬
‫اليتيم‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ور‪ ،‬وأ ْك ِل ِ‬
‫مال‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫وقول ُّ‬ ‫ِ‬
‫واحش‪،‬‬ ‫ماء‪ ،‬ونَهانا ِ‬
‫عن ال َف‬ ‫المحار ِم والدِّ ِ‬
‫َ‬
‫والز ِ‬
‫كاة‬ ‫الة َّ‬ ‫شر ُك به شي ًئا‪ ،‬و َأمرنا بالص ِ‬ ‫وحدَ ه ال ُن ِ‬ ‫المح ِ‬
‫صنة‪ ،‬و َأ َم َرنا ْ‬
‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫اهلل ْ‬‫أن َنع ُبدَ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫والصيامِ‪ ...‬إلى آخر الحديث"(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫فقد أتى اإلسال ُم بما يوافق الفطرة من كمال التوحيد ومبادئ القيم األخالقية!‬
‫ٍ‬
‫واحد يحمل ُم ً‬
‫حاال‬ ‫شرعي‬
‫ٍّ‬ ‫كلبتنة كلثالثة ععَ صدق كلنبت‪َّ :‬أال يأيت النبي ٍّ‬
‫بنص‬
‫عقل ًّيا واحدً ا‪.‬‬
‫فال تكون يف نصوص الشرع ُمحاالت عقلية‪ ،‬هذا أمر طبيعي؛ إذ لو كان هذا‬
‫الشرع وح ًيا من اهلل فلن يكون فيه محال عقلي واحد‪.‬‬
‫وقد قال عز مِن قائل مؤكدً ا هذه القضية العقلية‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [سورة النساء‪.]81 :‬‬
‫نص شرعي وبين‬
‫تعارض بين ٍّ‬
‫ٌ‬ ‫اختالف أو‬
‫ٌ‬ ‫فيستحيل أن يوجد يف الدين الحق‬
‫ٍ‬
‫بديهة عقلية!‬
‫فالدين الحق ال يأيت أبدً ا بمحاالت العقول‪.‬‬
‫(‪ )1‬مسند أحمد ح‪ ،9720 :‬بسند صحيح‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫لكن الدين الحق قد يأيت بمحارات العقول‪.‬‬


‫نعم يستحيل أن يأيت الدين بالمحاالت؛ لكن قد يأيت بالمتشاهبات‪ ،‬وهذا من‬
‫التكليف‪ :‬حتى يتبع ُ‬
‫أهل الهوى والذين يريدون الكفر هذا المتشابه؛ بينما َيثبت‬
‫أهل الحق على اليقين؛ لِما يف الدين من براهين ومحكمات على صحة الرسالة!‬
‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ﴾‬
‫[سورة آل عمران‪.]7 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ﴾ [سورة البقرة‪.]13 :‬‬
‫عز مِن قائل‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫وقال َّ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﴾‬
‫[سورة الحج‪.]35-31 :‬‬

‫﴿ﮑ ﮒ﴾ [سورة الحج‪ ]31 :‬تعني‪ :‬إذا قرأ ُّ‬


‫النبي ما أنزل اهلل عليه‪ ،‬قام الشيطان‬
‫بإلقاء الوساوس والشبهات يف قراءته‪.‬‬
‫فمن الطبيعي أن يكون هناك متشاب ٌه حتى يكون هناك إيمان و ُكفر‪ ،‬والمؤمن‬
‫ُيحيل هذا المتشابه إلى المحكمات‪.‬‬
‫والمحكمات هي‪ :‬القطعيات‪.‬‬
‫فالمؤمن يحيل المتشابه إلى المحكم!‬
‫مثال على ذلك يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [سورة البقرة‪.]31 :‬‬

‫‪189‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هذا النص متشابه!‬


‫خوف عليهم‬
‫ٌ‬ ‫صالحا ال‬
‫ً‬ ‫فاليهود والنصارى والصابئون لو آمنوا باهلل وعملوا‬
‫وال هم يحزنون‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪ :‬بعد بعثة محمد ﷺ هل يلز ُمهم اإليمان بنبوته أم يكفيهم‬
‫اإليمان بأنبيائهم؟‬
‫اآلية هنا لم توضح هذا األمر!‬
‫فهذا متشابه!‬
‫والمسلم هنا يقوم َبر ِّد هذا المتشابه إلى المحكم!‬
‫المحكم يف هذا األمر؟‬
‫ما هو ُ‬
‫المحكم قوله تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ﴾ [سورة آل عمران‪.]83 :‬‬
‫إ َذ ْن أح ْلنا المتشابه الذي لم نفهمه يف اآلية األولى إلى المحكم يف اآلية الثانية؛‬
‫والتي تقطع هبا بأنَّه بعد بعثة محمد ﷺ لن ُيقبل إيمان بشر إذا لم يؤمن بنُ ُب َّوته ﷺ!‬
‫فهنا نستوعب المتشابه بمجرد َر ِّد ِه إلى المحكم!‬
‫والمحكم وهو قول اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫مثال آخر على المتشابه ُ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [سورة الكهف‪.]83 :‬‬
‫هذه اآلية يف غروب الشمس ال تكون إال يف عين الرائي‪ ،‬وليس أنَّها تسقط‬
‫داخل عين وقت الغروب!‬
‫لماذا؟‬
‫أن الشمس تجري يف ٍ‬
‫فلك ال تتوقف!‬ ‫المحكم يخربنا َّ‬
‫ألن ُ‬
‫﴿ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾ [سورة األنبياء‪.]55 :‬‬
‫إ َذ ْن بإحالة المتشابه إلى المحكم نستوعب المعنى الصحيح للمتشابه‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وتختفي ُجل الشبهات ذات ًّيا‪.‬‬


‫المحكم‪ ...‬بينما الذي يريد الزيغ يتبع هذا‬
‫فالمسلم يحيل المتشابه إلى ُ‬
‫المحكم ليبقى على زيغه‪.‬‬
‫المتشابه‪ ،‬ويتجاهل ُ‬
‫إ َذ ْن فالدين الحق‪ ،‬والرسالة الصحيحة تأيت بالمتشابه‪ ...‬تأيت بمحارات‬
‫نصا شرع ًّيا‬
‫العقول‪ ،‬لكن ال تأيت أبدً ا بمحاالت العقول‪ ...‬يستحيل أن تجد ًّ‬
‫واحدً ا يخالف بديه ًة عقلي ًة أو علمي ًة واحدة‪.‬‬
‫أما كلبتنة كلطكبعة ععَ صحة كلديع وصدق كلنبت‪:‬‬
‫وهي ب ِّينة إضافية‪ ،‬لكنها لو حصلت لكانت قطع َّية على صحة الدين‪ ،‬وصدق‬
‫النبي‪َ ،‬أال وهي‪ :‬حصول المعجزات على يد النبي وبِشارات األنبياء به قبل بعثته‪.‬‬
‫وقد وقعت على يد النبي محمد ﷺ أكثر من ألف معجزة صحيحة ثابتة‪،‬‬
‫ُ‬
‫أصدق الناس وأزكاهم‬ ‫قريب‪ ،‬والذين نقلوها هم‬ ‫ِ‬
‫المعجزات‬ ‫والعهد هبذه‬
‫ٌ‬
‫أخال ًقا‪ ،‬وكانوا ال يجيزون الكذب عليه يف أبسط األشياء‪ ،‬فهم يعلمون َّ‬
‫أن َمن‬
‫كذب عليه متعمدً ا ف ْليتبوأ مقعده من النار‪.‬‬

‫وبعض معجزاتِه شهدها مئات الصحابة‪ ،‬فهي معجزات بلغت حدَّ التواتر‪.‬‬
‫ُ‬
‫كبير من الناس خربًا من األخبار‪ ،‬بحيث تحيل‬
‫والتواتر يعني‪ :‬أن ينقل عد ٌد ٌ‬
‫العادة تواطؤهم على الكذب‪.‬‬
‫فالتواتر يفيد العلم اليقيني القطعي!‬

‫‪191‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهناك بالفعل معجزات كثيرة نقلها عدد كبير من الصحابة إلى مئات وآالف‬
‫التابعين‪.‬‬
‫لشخصين ِ‬
‫اثنين يف‬ ‫ِ‬ ‫مثل أحاديث تكثير الطعام القليل؛ بحيث َّ‬
‫أن طعا ًما يكفي‬
‫النبي ﷺ بالربكة ف َيطعم منه الجيش كله‪.‬‬
‫غزوة الخندق يدعو فيه ُّ‬
‫وأحاديث تكثير الطعام أوردها البخاري يف خمسة مواضع من صحيحه‪،‬‬
‫لعظمة هذه المعجزة ولكوهنا متواتر ًة فقد رآها المئات ب ُأ ِّم أعينهم(‪.)1‬‬
‫النبي ﷺ ر َّبه‪ ،‬و ُيجاب يف الحال‬ ‫ً‬
‫وهناك مائة وخمسون حديثا يدعو فيهم ُّ‬
‫والناس يشهدون(‪.)2‬‬
‫وقد تحدَّ ى ﷺ َ‬
‫أهل الدنيا بالقرآن الكريم‪ ،‬فلم يجدوا إال السيف ل ُيسكتوه به‪.‬‬
‫فالمعجزات واآليات والب ِّينات التي أتى هبا ﷺ كثيرة‪ ،‬والبشارات به يف‬
‫كتب أهل الكتاب عجيبة‪ ،‬وسوف نتناول بعض هذه المعجزات‪ ،‬وبعض هذه‬
‫البشارات بالتفصيل يف ثنايا الصفحات القادمة‪.‬‬
‫أما كلبتنة كلخامسة مع بتنار صدق كلنبت‪:‬‬
‫النبي ُمؤ َّيدً ا مِن ِقبل اهلل ‪.‬‬
‫أن يكون ُّ‬
‫وال يلزم هنا التأييدُ الدنيوي المادي بالفتوح واالنتصارات‪ ،‬لكن المقصود‬
‫أن تنتصر ُح َّجة النبي وتنتصر براهين صحة رسالتِه‪.‬‬
‫والنبي ﷺ يف باب التأييد بالحجة والربهان لم ِ‬
‫يأت كافر واحد على كثرة الكفار‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫شرعي‬ ‫نص‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫بتناقض واحد يف ٍّ‬ ‫ورغبتهم يف استئصال شأفة اإلسالم‪ ،‬لم يأتوا‬
‫الحجة والربهان‪ ،‬حاز تأييدَ النصر‬ ‫النبي ﷺ إلى جانب تأييد ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وحاز‬
‫(‪ )1‬البخاري )‪ ،(9197‬البخاري )‪ ،(1398‬البخاري )‪ ،(5378‬البخاري )‪ ،(2909‬البخاري )‪.(3231‬‬
‫(‪ )2‬جمع هذه األحاديث سعيد بن عبد القادر باشنفر‪ ،‬يف كتابه دالئل النبوة‪ ،‬والكتاب من إصدارات دار‬
‫ابن حزم‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫والتمكين بالفتوح‪ ،‬وقد أخرب اهلل ‪ ‬بنصر نبيه‪ ،‬وأخرب بسيادة دينه وانتشاره‪،‬‬
‫ديانات العرب قائمة‪ ،‬وملو ُك ُهم على جزيرة العرب‬
‫ُ‬ ‫يف الوقت الذي كانت فيه‬
‫مستولية‪ ،‬وكانت ممالك الهند وكسرى والقسطنطينية مما ال يح ُلم العرب أن‬
‫فضال عن أن تنتشر كلمتهم فيها‪ ،‬وكانوا يعتربون انتصاره من قبيل هدم‬ ‫ً‬ ‫يروها‬
‫ٍ‬
‫بريشة تطير(‪.)1‬‬ ‫الجبال ُّ‬
‫الش ِّم الرواسي‬
‫أتم الشريعة‪ ،‬وأكمل الرسالة‪،‬‬
‫يم ْت حتى َّ‬
‫فانتصر ﷺ‪ ،‬وظهرت دعوته ولم ُ‬
‫ونزل قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮆ﴾ [سورة المائدة‪.]5 :‬‬
‫ونزلت سورة النصر‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾‬
‫[ سورة النصر‪.]5-9 :‬‬
‫ويف هذه السورة إشعار بأنه قد فرغ من مهمته يف الدنيا‪.‬‬
‫النبي ﷺ للناس‪" :‬ـن عبدك ختطه كهلل بتع أن‬
‫وبعد نزول هذه السورة قال ُّ‬
‫يؤمته مع ز طة كلد تا ما شاء‪ ،‬وبتع ما عنده‪ ،‬اختاا ما عنده"(‪.)2‬‬
‫النبي ﷺ؛ فبكى!‬
‫المخ َّير هو ُّ‬
‫فعلم أبو بكر أن ُ‬
‫مال‬ ‫ٍ‬
‫واحد ‪-‬يوم األحد‪ ،-‬تصدَّ ق بكل ما عنده من ٍ‬ ‫وقبل وفاة النبي ﷺ بيو ٍم‬
‫وكانوا سبعة دنانير‪ ،‬ووهب المسلمين سالحه‪ ،‬وكانت در ُع ُه مرهون ًة عند يهودي‬
‫ٍ‬
‫بشيء فبكت‪ ،‬ثم‬ ‫فسارها‬ ‫بثالثين صا ًعا من شعير‪.‬ودعا ﷺ فاطم َة ‪:‬‬
‫َّ‬
‫فضحكت‪ ،‬قال لها يف األولى‪ :‬أنه يموت يف مرضه هذا فبكت‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫سارها‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫(‪ )1‬رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ‪ ،‬د‪ .‬ثامر بن ناصر‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ح‪.5102 :‬‬

‫‪193‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫فضحكت(‪.)1‬‬ ‫أول أهله ُلحو ًقا به‬
‫وقال لها يف الثانية‪ :‬أهنا ُ‬
‫وقد حدث ما أخرب به ﷺ‪ ،‬حيث مات يف مرضه هذا وكانت فاطمة ُ‬
‫أول أهله‬
‫لحو ًقا به‪.‬‬
‫االحتضار بالحبيب ﷺ بعد هذه الكلمات‪ ،‬جعل ُيدخل يديه يف‬
‫ُ‬ ‫وعندما بدأ‬
‫وجهه‪ ،‬ويقول‪ :‬ال إله إال اهلل إن للموت لسكرات‪ ،‬ثم رفع‬
‫َ‬ ‫الماء‪ ،‬ويمسح هبما‬
‫يديه أو إصبعه وتحركت شفتاه‪ ،‬فأصغت إليه عائشة فسمعته يقول‪" :‬مع كلذيع‬
‫كغيفط لت‬ ‫مع كلنبتتع وكلصديقتع وكلش دكء وكلصالحتع‪ ،‬كلع‬ ‫أ ع كهلل ععت‬
‫كلط تق كألععَ"(‪.)2‬‬ ‫وكاحِّنت وألحقنت بالط تق كألععَ‪ ،‬كلع‬
‫وكرر الكلمة األخيرة ثال ًثا‪ ،‬وفاضت روحه‪ ،‬ولحق بالرفيق األعلى‪.‬‬
‫َّ‬
‫فقد مات ﷺ بعد أن ُأيد ُ‬
‫بالحجة والربهان والنصر والتمكين!‬
‫إن التسليم لصدق هذا النبي وصحة رسالته وتأييد اهلل له‪ ،‬واهلل هو رشاد‬
‫العقل‪ ،‬وتمام الحكمة‪ ،‬وكمال النظر‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.1230 :‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري ح‪.2235 :‬‬

‫‪194‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الباب الثاين‬

‫ِّي‬ ‫رسـول أ ُ‬
‫األميـ ن‬ ‫ُ‬

‫‪195‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪196‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫حد بالبشارات للنيب ﷺ يف كتب السابقني؟‬
‫‪ -16‬كيف حنتج ىلع مل ِ‬

‫المقدَّ سة‪،‬‬
‫إذا كانت هناك بشارة صحيحة بالنبي محمد ﷺ يف كتب السابقين ُ‬
‫بنبي قبل‬ ‫فهذا دليل على إثبات صدقه‪ ،‬وهذا الدليل ُم ٍ‬
‫لزم للجميع؛ إذ كيف ُي َّ‬
‫بشر ٍّ‬
‫مقدسة ٍ‬
‫ألمة أخرى؟‬ ‫ٍ‬ ‫مجيئه يف ٍ‬
‫كتب‬
‫صحت هذه البشارات والنبوءات فهي ُبرهان فعلي على أنه نبي حق‪.‬‬
‫فلو َّ‬
‫فهذا استدالل على صحة اإلسالم من خارجه!‬
‫النبوة يف أصلها حق‪...‬‬
‫أن َّ‬ ‫أيضا دليل على َّ‬
‫صحت هذه البشارات‪ ،‬فهي ً‬
‫ولو َّ‬
‫بشر به األنبياء يقع كما هو!‬ ‫صحيح؛ حيث َّ‬
‫أن ما ُي ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫مفهوم النبوة مفهو ٌم‬
‫آيات كثير ًة على صحة إلزام هذا االستدالل‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكريم‬ ‫وقد أورد‬
‫االستدالل بالنبوءات على صحة نبوة محمد ﷺ يف الكتب المقدسة السابقة؛‬
‫عقال!‬ ‫فهذا استدالل ُم ِ‬
‫لزم ً‬
‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛ﴾ [يونس‪.]12 :‬‬
‫اسأل أهل الكتاب ستجد عندهم خربُ نبوتِك‪ ،‬وصدق الشرع الذي أتيت به‪.‬‬
‫عز مِن قائل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫وقال َّ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [سورة الرعد‪.]25 :‬‬
‫فالذين عندهم علم الكتاب يعرفونه جيدً ا‪ ...‬يعرفونه معرف ًة تا َّمة‪.‬‬
‫بل يعرفونه معرف ًة يقينيةً؛ لكثرة البِشارات بقدومه‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾ [سورة البقرة‪.]923 :‬‬
‫﴿ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ﴾ [سورة األعراف‪.]937 :‬‬

‫‪197‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فاستخدام باب البشارات يف االستدالل على صحة اإلسالم‪ ،‬وعلى صدق النبي‬
‫عظيم طالما تغافلنا عنه‪ ،‬ولم ُنعطِ ِه ح َّقه من وجهة نظري!‬
‫ٍ‬ ‫ﷺ هو استخدا ٌم ٍ‬
‫لباب‬
‫وهذا الباب‪ ...‬باب البِشارات ملز ٌم كما قلت لكل أحد‪ ،‬وهو آية على َمن يريد‬
‫أن يتأكَّد من نبوته‪﴿ :‬ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ﴾ [سورة الشعراء‪.]917 :‬‬
‫نبي!‬
‫بمحمد ﷺ هي آية واضحة على أنَّه ٌّ‬
‫فمعرفة علماء بني إسرائيل ُ‬
‫‪ -17‬لكن ْ‬
‫ألم يقع اتلحريف يف اتلوراة واإلجنيل‪ ،‬فكيف نستخدمهما يف باب البِشارات؟‬

‫المس َّلمات َّ‬


‫أن التحريف لم يقع يف كل التوراة واإلنجيل‪ ،‬وإنما يف أجزاء منهما‪.‬‬ ‫من ُ‬
‫القرآن الكريم َ‬
‫أهل الكتاب إلى ُك ُتبهم يف أكثر من واقعة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ولذلك حاك ََم‬
‫فقال تعالى‪﴿ :‬ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ﴾ [سورة آل عمران‪.]15 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ﴾ [سورة المائدة‪.]27 :‬‬
‫والنبي ﷺ حاك ََم َ‬
‫أهل التوراة يف واقعة الزنا الشهيرة إلى توراهتم؛ فقال ﷺ‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ما تجدون يف التوراة على َمن َزنى إذا ُأحصن؟‬

‫‪198‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫َ‬
‫الحديث عن بني إسرائيل‪ ،‬فقال‪" :‬حدثوك عع بنت‬ ‫بل وقد أجاز لنا ﷺ‬
‫ـسطكئتل وـ حطج"(‪.)1‬‬
‫الكثير‪ ،‬ويكفي ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫الحق‬ ‫وهذه كلها دالئل على َّ‬
‫أن ُك ُتب أهل الكتاب تحمل َّ‬
‫القرآن الكريم يف أكثر من موضع َقبول منهج االستدالل بباب البشارات‬
‫ُ‬ ‫ُيثبِت‬
‫عند أهل الكتاب!‬
‫الكثير من البشارات على َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وحتى الساعة ما زال يف نصوص كتبهم الشي ُء‬
‫نبي آخر الزمان‪.‬‬
‫محمد بن عبد اهلل ﷺ هو ُّ‬
‫ْ‬
‫‪ -18‬هل لك ب ِذكر أمثلة ىلع ذلك؟‬

‫مثال يف سفر التثنية‪ ،‬وهو خامس أسفار التوراة‪ ،‬ورد قول الرب لموسى‪:‬‬ ‫ورد ً‬
‫ط إِ ْخ َوتِ ِه ْم مِ ْث َل َك‪.‬‬
‫َق َال لِي الرب‪ُ :‬أ ِقيم َلهم َنبِيا مِن وس ِ‬
‫ُ ُ ْ ًّ ْ َ َ‬ ‫َ َّ ُّ‬

‫نبي مثلك يا موسى من وسط إخوة‬


‫قال الرب لموسى يف هذا النص‪ :‬سيأيت ٌّ‬
‫بني إسرائيل!‬
‫لكن َمن هم إخوة بني إسرائيل؟‬
‫إخوة بني إسرائيل هم أبناء إسماعيل؛ فإسماعيل أخو إسحاق‪ ،‬وإسرائيل بن‬
‫إسحاق‪ ،‬فأبناء إسماعيل هم إخوة أبناء إسرائيل‪.‬‬
‫وهذا ما ُتقرره التوراة نفسها‪ ...‬تقول التوراة عن إسماعيل‪َ :‬و َأ َما َم َج ِمي ِع‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود ح‪.5339:‬‬

‫‪199‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إِ ْخ َوتِ ِه َي ْس ُك ُن‪.‬‬

‫نبي من بني‬ ‫سيأيت‬ ‫َّه‬


‫ن‬ ‫أ‬ ‫التثنية‬ ‫فر‬‫س‬‫بشر اهلل موسى يف هذا النص من ِ‬
‫إ َذ ْن ُي ِّ‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬
‫إسماعيل‪ ،‬وهذه نبوءة ال عالقة لها بالمسيح عيسى ‪‬؛ ألن المسيح لم‬
‫يكن من وسط إخوة بني إسرائيل بل هو منهم‪.‬‬
‫المسيح كان من بني إسرائيل‪ ،‬وتحديدً ا مِن سبط يهوذا بن إسرائيل‪.‬‬
‫النبي الذي أتى من وسط إخوة بني إسرائيل‪ ،‬أي‪ :‬من نسل إسماعيل‬
‫بينما ُّ‬
‫النبي محمد ﷺ‪.‬‬
‫هو فقط ُّ‬
‫ولو لم تتحقق هذه النبوءة يف محمد ﷺ‪ ،‬فهي لم تتحقق حتى اآلن!‬
‫ط إِ ْخ َوتِ ِه ْم مِ ْث َل َك‪.‬‬
‫ُأقِيم َلهم َنبِيا مِن وس ِ‬
‫ُ ُ ْ ًّ ْ َ َ‬
‫والنبي محمد ﷺ مثل موسى ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جديدة!‬ ‫ٍ‬
‫بشريعة‬ ‫فكالهما أتى بشريعة جديدة‪ ،‬بينما المسيح لم ِ‬
‫يأت‬
‫بل َّ‬
‫إن المسيح ‪ ‬كان يرفض أن ُينظر له على أنَّه أتى بشريعة جديدة‪،‬‬
‫لدرجة أنَّه رفض حتى تقسيم الميراث!‬
‫ان‪ ،‬من َأ َقامنِي َع َلي ُكما َق ِ‬
‫اض ًيا َأ ْو ُم َق ِّس ًما؟‬ ‫ْ َ‬ ‫فقال‪َ :‬يا إِن َْس ُ َ ْ َ‬

‫جاهدَ ال ُكفار والوثنيين؛‬


‫أيضا موسى ومحمد عليهما الصالة والسالم‪ ،‬كالهما َ‬
‫ً‬
‫بينما المسيح ‪ُ ‬بعث إلى بني إسرائيل!‬

‫‪200‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ِ‬
‫أضف إلى ذلك َّ‬
‫أن موسى ومحمدً ا عليهما الصالة والسالم‪ ،‬كالهما ُولد‬
‫وتزوج وأنجب ومات مو ًتا طبيع ًّيا‪ ،‬أ َّما المسيح فوالدته والد ًة‬
‫َّ‬ ‫والد ًة طبيعيةً‪،‬‬
‫ورفع للسماء ‪!‬‬ ‫يتزو ْج‪ُ ،‬‬ ‫خاصةً؛ فقد ُولد بغير ٍ‬
‫أب‪ ،‬ولم َّ‬ ‫َّ‬
‫ومن دالئل التشابه الشديد بين موسى ومحمد عليهما الصالة والسالم أن‬
‫كرا يف القرآن الكريم‪ ،‬وما ُذكر هبذا التكرار إال لتشا ُبه السيرة‬ ‫ِ‬
‫موسى أكثر األنبياء ذ ً‬
‫تعرض لها النبي ﷺ‪ ،‬فيأيت ِذكر قصة‬ ‫تعرض لها بتلك التي َّ‬ ‫والمواقف التي َّ‬
‫والعربة والربط على القلوب!‬ ‫والعظة وأخذ الدرس ِ‬ ‫موسى للتنبيه ِ‬

‫يتعرض لها النبي ﷺ‬ ‫الصعاب التي َّ‬ ‫دائما َقصص موسى حاضرة يف ِّ‬ ‫وكانت ً‬
‫ي َبأ َث َط مع ذك‬
‫وسَ‪ ،‬ل َقد هأوَ َ‬
‫والصحابة حتى كان النبي ﷺ يقول‪َ " :‬اح َ كهلله هم َ‬
‫َ َص َب َط"(‪.)1‬‬
‫فكما ُحورب موسى ُحورب محمدٌ ﷺ‪ ،‬وكما ُأخرج موسى من بلده ُأخرج‬
‫محمدٌ ﷺ‪ ،‬وكما جاهد موسى جاهد النبي محمدٌ ﷺ‪ ،‬وكما انتصر موسى‬
‫انتصر محمدٌ ﷺ‪.‬‬
‫فالنبي الذي مثل موسى ومن نسل إخوة بني إسرائيل‪ ،‬هو وحده محمد ﷺ!‬
‫نبي يف بني إسرائيل مثل موسى ‪!‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫بل إن الكتاب المقدس ُيق ُّر أنَّه لم يقم ٌّ‬

‫النص‪َ :‬و َأ ْج َع ُل ك ََالمِي فِي‬


‫وعندما نعود لتكملة النص يف سفر التثنية‪ ،‬يقول ُّ‬
‫يه بِ ِه‪.‬‬
‫وص ِ‬
‫َف ِم ِه‪َ ،‬في َك ِّلمهم بِ ُك ِّل ما ُأ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُُ ْ‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ح‪ ،3031:‬مسلم ح‪.9031:‬‬

‫‪201‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َأ ْج َع ُل ك ََالمِي فِي َف ِم ِه‪ :‬كالم اهلل مباشر ًة يف فم النبي ﷺ؛ ألنَّه ُأ ِّم ٌّي ال يقرأ وال‬
‫يكتب‪ ،‬فيكون كالم اهلل يف فمه ال يف ألواحٍ ‪ ،‬وال بكتاب ينزل مر ًة واحد ًة من السماء!‬
‫سيتنزل وينطق به هذا النبي القادم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫إلهي‬
‫وحي ٌّ‬
‫بل هو ْ‬
‫ولذلك ننظر ألسلوب القرآن الكريم‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔ﴾ [سورة اإلخالص‪.]9 :‬‬
‫﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [سورة العلق‪.]9 :‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ [سورة الكافرون‪.]9 :‬‬
‫فكالم اهلل يف فمه ﷺ مباشرةً!‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أنبياء كذبة كثريين ظهروا يف بلد العرب بعد ظهور انليب ﷺ؛‬ ‫‪ -19‬لكن هناك‬
‫فرق بينهم وبني انليب الصادق؟‬ ‫فكيف نُ ِّ‬

‫النص يف نفس السفر‪ ...‬سفر التثنية‪ُ ،‬يجيب عن هذا السؤال!‬ ‫ُّ‬


‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصادق من النبي الكاذب!‬ ‫النبي‬
‫ظاهران نعرف من خاللهما َّ‬ ‫ففي هذا النص فر َقان َ‬
‫وص ِه َأ ْن َي َت َك َّل َم‬
‫يقول النص‪ :‬و َأما النَّبِي ا َّل ِذي ي ْط ِغي‪َ ،‬في َت َك َّلم بِاس ِمي ك ََالما َلم ُأ ِ‬
‫ً ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ َ َّ‬
‫وت ذل ِ َك النَّبِ ُّي‪.‬‬
‫بِ ِه‪َ ،‬ف َي ُم ُ‬

‫‪202‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫النبي‪.‬‬ ‫النبي الذي يفرتي على اهلل‪ ،‬ويتكلم بما لم ُيوحِ به ُ‬


‫اهلل إليه يموت ذلك ُّ‬ ‫ُّ‬
‫النبي الكاذب يهلك قبل إتمام رسالته!‬
‫وهذا بالمناسبة هو نفس التفريق القرآين بين النبي الصادق والنبي الكاذب‪ ،‬ففي‬
‫أول بِعثة النبي ﷺ أوحى اهلل إليه‪﴿ :‬ﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [سورة الحاقة‪.]23-22 :‬‬
‫سورة الحاقة وهي سورة مكية ُتقرر َّ‬
‫أن النبي الكاذب سيهلك قبل إتمامه للرسالة!‬
‫فماذا حصل؟‬
‫تمت الرسالة‪ ،‬ونزل قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭻ‬ ‫لم ِ‬
‫النبي ﷺ إال بعد أن َّ‬
‫يمت ُّ‬ ‫ُ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ﴾ [سورة المائدة‪.]5 :‬‬
‫تمت‪ ،‬والشريعة ك َُملت‪ ،‬ومات ﷺ بعد نزول هذه اآلية بأيامٍ‪.‬‬
‫فالرسالة َّ‬
‫تتم رسالته!‬‫هذا هو الفرق األول بين النبي الصادق والنبي الكاذب‪ ...‬النبي الصادق ُّ‬
‫نفس النص يف سفر التثنية‪:‬‬ ‫هناك ٌ ٍ‬
‫فرق ثان بين النبي الصادق والنبي الكاذب يذكره ُ‬
‫النص‪:‬‬
‫يقول ُّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َن ْع ِر ُ‬ ‫َوإِ ْن ُق ْل َت فِي َق ْلبِ َك‪َ :‬ك ْي َ‬


‫ف ا ْل َك َال َم ا َّلذي َل ْم َي َت َك َّل ْم بِه َّ‬
‫الر ُّب؟ َف َما َت َك َّل َم‬
‫ث َو َل ْم َي ِص ْر‪ :‬تن َّبأ ونبوءته لم تتحقق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اس ِم َّ‬
‫الر ِّب َو َل ْم َي ْحدُ ْ‬ ‫بِه النَّبِ ُّي بِ ْ‬
‫ان َت َك َّل َم بِ ِه النَّبِ ُّي‪ :‬نبي كاذب‬ ‫َفهو ا ْل َك َالم ا َّل ِذي َلم ي َت َك َّلم بِ ِه الرب‪ ،‬ب ْل بِ ُط ْغي ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ ُّ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬

‫‪203‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ف مِنْ ُه‪.‬‬
‫َف َال َت َخ ْ‬
‫التفريق الثاين سهل جدًّ ا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأمور ولم تحصل‪ ،‬فهو نبي كاذب!‬ ‫اهلل ‪ ‬يخربنا َّ‬
‫أن َمن قال أنا نبي‪ ،‬وتن َّبأ‬
‫واآلن باهلل عليكم؟‬
‫هل يستطيع أحدكم أن ُيحصي ما تن َّبأ به النبي محمد ﷺ‪ ،‬ووقع كما تن َّبأ؟‬
‫نبي من األنبياء؛ سوا ًء يف العهد القديم أو الجديد أخرب بعدد‬
‫هل يوجد ٌّ‬
‫النبوءات التي أخرب هبا النبي ﷺ ووقعت كما أخرب؟‬
‫بل لو جمعنا جميع النبوءات التي تن َّبأ هبا المسيح ‪ ،‬وأضفنا إليها‬
‫جميع النبوءات التي تن َّبأ هبا موسى ‪ ،‬وأض ْفنا إليهما جميع النبوءات‬
‫التي تن َّبأ هبا جميع أنبياء العهد القديم؛ فهذه النبوءات يف مجموعها أقل عد ًدا من‬
‫النبوءات التي أخرب هبا النبي ﷺ وتح َّققت كما هي!‬
‫َّ‬
‫‪ -21‬مثل ماذا هذه انلبوءات اليت تنبأ بها انليب ﷺ ووقعت كما أخرب؟‬

‫سير ُّد رسوله ﷺ بعد أن خرج من مكة‬ ‫‪ -9‬أخرب القرآن الكريم َّ‬
‫أن اهلل ‪ُ ‬‬
‫إلى المدينة‪ ...‬سوف يرده مر ًة أخرى إلى مكة‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘﭙ﴾ [سورة القصص‪.]83 :‬‬
‫تم كما أخرب‪.‬‬
‫ومعاد الرجل بلده؛ ألنه ينصرف ثم يعود‪ ،‬وقد َّ‬
‫القرآن الكريم َّ‬
‫أن النبي ﷺ سيدخل المسجد الحرام وصحابته‬ ‫ُ‬ ‫‪ -1‬وأخرب‬
‫محلقين رؤوسهم و ُمقصرين بعد ْ‬
‫أن منعهم المشركون من دخوله‪﴿ :‬ﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ﴾ [سورة الفتح‪ ،]17 :‬وقد تم كما تن َّبأ‪.‬‬
‫فتح‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫‪ -5‬وأخربه أنَّه بعد دخول المسجد الحرام سيكون هنا ٌ‬
‫ﯬﯭﯮ﴾ [سورة الفتح‪ ،]17 :‬وقد َّ‬
‫تم فتح خيرب بعد دخول المسجد الحرام‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫قريشا‪﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [سورة‬


‫‪ -2‬وأخربه أنه سوف ُيغني ً‬
‫التوبة‪ ،]18 :‬وقد تم‪.‬‬
‫‪ -3‬وأخرب َّ‬
‫أن أبا لهب سوف يموت على الكفر‪ ،‬وقد تم‪.‬‬
‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [سورة المسد‪.]5-9 :‬‬
‫مع َّ‬
‫أن أبا لهب ظل ح ًّيا بعد نزول هذه السورة ألكثر من أحد عشر عا ًما‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لم ُيسلم طوال هذه المدة!‬
‫نبوءات كثيرة أخرب هبا القرآن الكريم ووقعت كما هي!‬
‫‪ -3‬وأخرب القرآن الكريم َّ‬
‫أن الوليد بن المغيرة‪ ...‬وهو أبو خالد بن الوليد‪،‬‬
‫سوف يموت على الكفر‪﴿ :‬ﭶ ﭷ﴾ [سورة المدثر‪ ،]13 :‬وقد كان‪.‬‬
‫خاص ًة وأنه تأثر‬
‫َّ‬ ‫والسؤال هنا‪ :‬ما المانع ْ‬
‫أن ُيسلم الوليد كما أسلم ابنه‪...‬‬
‫بالقرآن جدًّ ا؟‬
‫ٍ‬
‫لحظة؟‬ ‫أمرا وار ًدا يف أ َّية‬
‫فهذا كان ً‬

‫القرآن نبوءة َّ‬


‫أن الوليد بن المغيرة لن ُيسلم‪ ،‬وسيموت‬ ‫ُ‬ ‫ومع ذلك يضع‬
‫كافرا‪ ،‬وتتح َّقق النبوءة بحرفها!‬
‫ً‬
‫بل وأخرب القرآن َّ‬
‫أن الوليد بن المغيرة ُرزق ببنين ُكثر‪ ،‬وهو يطمع يف الزيادة‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كال‪ ...‬لن يرزق ببنين آخرين؛ وقد تم‪.‬‬


‫لكن َّ‬
‫﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ﴾ [سورة المدثر‪.]93-91 :‬‬
‫كال لن ُيرزق بآخرين‪ ،‬فوقع كما أخرب القرآن الكريم!‬
‫فهو يتمنَّى الزيادة‪ ،‬لكن َّ‬
‫َهزم ال ُفرس يف بضع سنين مع أن هذا‬ ‫أن الروم ست ِ‬
‫‪ -7‬وتن َّبأ القرآن الكريم َّ‬
‫مستحيال بحساب موازين القوى يف تلك الفرتة‪ ،‬وقد تم‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫﴿ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ﴾ [سورة الروم‪.]3-1 :‬‬
‫فهذا و ْعد من اهلل‪ ،‬وقد وقع كما َوعَدَ سبحانه!‬
‫‪ -8‬وتن َّبأ القرآن الكريم َّ‬
‫أن اليهود لن يتمن َُّوا الموت حين تحدَّ اهم النبي ﷺ‬
‫ْ‬
‫أن يقولوا فقط هذه الكلمة "نحن نتمنى الموت" فلم يجرؤوا على قولها‪﴿ :‬ﮤ‬
‫ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [سورة الجمعة‪.]7-3 :‬‬
‫فما تمن َُّوا الموت أبدً ا؛ ألهنم يعلمون أهنم لو تمنَّوه أمام النبي لماتوا من‬
‫ساعتهم‪ ،‬فما تمنَّوه مع المطالبة واإللزام!‬
‫حتى قال بعض العلماء‪" :‬ال يتمنون ذلك مع خ َّفته وسهولته ومع علمه ﷺ‬
‫ب!‬
‫بشدة حرصهم على تكذيبه وفضيحته؛ ت َع َّج َ‬
‫ولم يقل هذا من عندي‪ ،‬بل قال‪ :‬هذا من عند ربي وإلهي ِ‬
‫وإلهكم‪ ،‬وهذا‬
‫مقام ال ُيبديه النبي ﷺ إال مع اليقين‪.‬‬
‫الموت‬
‫َ‬ ‫وقد تح َّيرت المالحدة وأعداء رسول اهلل ﷺ لماذا لم يتم َّن اليهو ُد‬

‫‪206‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫زمن رسول اهلل ﷺ ف ُيكذبوه بذلك فيسرتيحون و ُيريحون"‪.‬‬


‫ووقعت كما أخرب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكريم‪،‬‬ ‫نبوءات ال حصر لها أخرب هبا‬
‫والنبي ﷺ تن َّبأ بقتل ُأم َّية بن خلف‪ ،‬والحديث يف البخاري و ُقتل ُأم َّية بن خلف‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪-1‬‬

‫بأن ُأ َّم َح َرا ٍم بن َْت مِ ْل َح َ‬


‫ان ستكون من ُغزاة البحر‪ ،‬والحديث‬ ‫‪ -90‬وتن َّبأ ﷺ َّ‬
‫يف صحيح مسلم(‪.)1‬‬
‫وقد وقع كما تن َّبأ!‬
‫ِ‬
‫عظيمتين من‬ ‫ِ‬
‫فئتين‬ ‫بأن الحسن بن علي س ُيصلح اهلل به بين‬‫‪ -99‬وتن َّبأ َّ‬
‫المسلمين‪ ،‬والحديث يف البخاري(‪.)2‬‬
‫وسمي العا ُم الذي أصلح اهلل به بين المسلمين على يد‬
‫ووقع كما تن َّبأ ﷺ ُ‬
‫الحسن بن علي‪ُ ،‬سمي بـ‪ :‬عام الجماعة‪.‬‬
‫صغيرا؟‬
‫ً‬ ‫تخ َّي ْل لو مات الحسن بن علي ً‬
‫طفال‬
‫عم ًارا ستقتله الفئ ُة الباغية‪ ،‬والحديث يف البخاري(‪.)3‬‬ ‫‪ -91‬وتن َّبأ ﷺ َّ‬
‫أن َّ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.9191 :‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري ح‪.1702 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري ح‪.227:‬‬

‫‪207‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ووقع كما تن َّبأ ﷺ‪.‬‬


‫بأن ُع َمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير لن يموتوا على ُف ُرشهم‬
‫‪ -95‬وتن َّبأ َّ‬
‫الناس‪ ،‬وإنما سيموتون شهداء ووقع كما تن َّبأ ﷺ‪.‬‬
‫كما يموت ُ‬

‫فماتوا شهدا َء!‬


‫‪ -92‬وأخرب ﷺ برسالة حاطب بن أبي بلتعة‪ ،‬والحديث يف البخاري‪ ،‬ووجد‬
‫الصحاب ُة ما أخرب به ﷺ بصورته!‬

‫‪ -93‬وأخرب ﷺ بمقتل القادة الثالثة يف غزوة مؤتة‪.‬‬


‫‪ -93‬وأخرب بمقتل ِكسرى يف اليوم الذي مات فيه‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪ -97‬وأخرب بموت النجاشي يف اليوم الذي مات فيه‪ ،‬وص َّلى عليه صالة الغائب‪.‬‬
‫كثيرة حصلت بعده‪ ،‬وكلها وردت بأسانيد على أعلى درجات الصحة!‬ ‫بأحداث ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وتن َّبأ‬
‫ذكرت طر ًفا منها‪ ،‬وما زالت النبوءات التي أخرب‬
‫ُ‬ ‫مئات النبوءات التي فقط‬
‫هبا ﷺ تتح َّقق حتى الساعة‪.‬‬
‫إ َذ ْن النبي الصادق يتن َّبأ ويقع ما يتن َّبأ به‪ ،‬بينما النبي الكاذب يتن َّبأ وال يقع ما‬
‫يتن َّبأ به‪ ،‬بل يخذله اهلل!‬

‫‪ -21‬هل هناك نصوص أخرى بالبشارات يف اتلوراة؟‬

‫النصوص كثيرة‪ ...‬نعود للتوراة وتحديدً ا لسفر التثنية‪:‬‬


‫ُ‬
‫ٌ‬
‫فصول قليل ٌة بعد البشارة بالنبي الذي سيخرج من وسط إخوة بني‬ ‫ال تمضي‬
‫بنص آخر يحدد نزول نور الرسالة على فاران التي‬
‫إسرائيل مثل موسى‪ ،‬لنُفاجأ ٍّ‬
‫سكنها إسماعيل ‪!‬‬
‫الر ُّب مِ ْن ِسينَا َء‪َ ،‬و َأ ْش َر َق َل ُه ْم مِ ْن َس ِع َير‪َ ،‬و َتألْألَ مِ ْن َج َب ِل‬ ‫النص‪َ :‬جا َء َّ‬
‫يقول ُّ‬
‫س‪َ ،‬و َع ْن َي ِمين ِ ِه ن َُار َش ِري َع ٍة َل ُه ْم‪.‬‬ ‫ان‪ ،‬و َأ َتى مِن ِربو ِ‬
‫ات ا ْل ُقدْ ِ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َف َار َ َ‬

‫الر ُّب مِ ْن ِسينَا َء‪ :‬هذه شريعة موسى ‪ ‬التي تل َّقاها يف سيناء!‬
‫َجا َء َّ‬
‫َو َتألْألَ مِ ْن َج َب ِل َف َار َ‬
‫ان‪ :‬جبل فاران هو المكان الذي سكنه إسماعيل ‪،‬‬
‫وهذا ما ُتقرره التوراة بنفسها‪،‬‬
‫ِ‬
‫فنقرأ من سفر التكوين اإلصحاح الحادي والعشرين‪َ :‬ف َسم َع ُ‬
‫اهلل َص ْو َت‬
‫اج ُر؟ َال َت َخافِي؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َماء‪َ ،‬و َق َال َل َها‪َ :‬ما َلك َيا َه َ‬ ‫ا ْل ُغ َالمِ‪َ ،‬ونَا َدى َم َال ُك اهلل َه َ‬
‫اج َر م َن َّ‬

‫‪209‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ت ا ْل ُغ َال ِم َح ْي ُث ُه َو‪.‬‬‫ألَ َّن اهلل َقدْ س ِمع لِصو ِ‬


‫َ َ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُقومِي ْ ِ ِ‬
‫احملي ا ْل ُغ َال َم‪َ ،‬و ُشدِّ ي َيدَ ك بِه؛ ألَنِّي َس َأ ْج َع ُل ُه ُأ َّم ًة َعظ َ‬
‫يمةً‪.‬‬
‫ت ا ْل ُغ َال َم‪.‬‬‫ت ا ْل ِقرب َة ماء وس َق ِ‬ ‫أل ِ‬ ‫و َفتَح اهلل َعينَيها‪َ ،‬ف َأبصر ْت بِ ْئر م ٍ‬
‫اء َف َذ َه َب ْت َو َم َ َ‬
‫َْ َ ً َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َْ ْ َ َ‬
‫س‪.‬‬ ‫َان َين ُْمو َرامِي َق ْو ٍ‬ ‫اهلل َم َع ا ْل ُغ َال ِم َف َكبِ َر‪َ ،‬و َس َك َن فِي ا ْل َب ِّر َّي ِة‪َ ،‬وك َ‬ ‫َان ُ‬‫َوك َ‬
‫َ‬
‫ض مِ ْص َر‪.‬‬ ‫ان‪َ ،‬و َأ َخ َذ ْت َل ُه ُأ ُّم ُه َز ْو َج ًة مِ ْن َأ ْر ِ‬ ‫َو َس َك َن فِي َب ِّر َّي ِة َف َار َ‬

‫ِ‬ ‫قال الرب لهاجر ْ ِ ِ‬


‫احملي ا ْل ُغ َال َم‪ :‬وهو إسماعيل ‪َ ‬س َأ ْج َع ُل ُه ُأ َّم ًة َعظ َ‬
‫يمةً‪.‬‬
‫اء‪ :‬وهو بئر زمزم!‬ ‫َف َأبصر ْت بِ ْئر م ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫س‪ :‬تذكرون حديث النبي ﷺ يف البخاري‪" :‬كا هموك َبنت‬ ‫َان َين ُْمو َرامِي َق ْو ٍ‬
‫َوك َ‬
‫َ‬
‫ان َاكمتا"(‪.)1‬‬‫َ‬ ‫تل إن أ َبا ه‬ ‫ـس َِّاع َ‬
‫فكيف عرف النبي ﷺ َّ‬
‫أن جدَّ ه األكرب كان رام ًيا؟‬
‫وبشرت التوراة أنَّه سيأيت نور‬ ‫أن إسماعيل سكن يف بر َّي ِة فاران‪َّ ،‬‬ ‫الشاهد َّ‬
‫عظيم من فاران‪ ،‬وهو نور الشريعة!‬

‫بالمناسبة نفس هذا النص‪ :‬الربط بين شريعة موسى ومحمد صلى اهلل عليهما‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.5307:‬‬

‫‪210‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وسلم بمكان بعثتهما موجود يف القرآن الكريم؛ قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [سورة التين‪.]5-9 :‬‬
‫اهلل بالرسالة التي جاءت يف طور سينين ‪-‬طور َسيناء‪ -‬وهي رسالة‬
‫أقسم ُ‬
‫موسى‪ ،‬والرسالة التي جاءت مر ًة أخرى يف هذا البلد األمين وهي رسالة محمد‬
‫عليهما الصالة والسالم‪.‬‬
‫ان أكثر من مرة ع ْبر أسفار التوراة!‬ ‫تكرر خرب نزول نور الشريعة يف َب ِّر َّي ِة َف َار َ‬ ‫وقد َّ‬
‫وس مِ ْن‬
‫ان‪َ ،‬وا ْل ُقدُّ ُ‬
‫يم َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل َجا َء م ْن ت َ‬ ‫ففي سفر َح َب ُّقوق النبي‪ ،‬نجد هذا النص‪ُ :‬‬
‫ان ِس َال ْه‪.‬‬‫َج َب ِل َف َار َ‬
‫يح ِه‪.‬‬
‫ات‪ ،‬واألَر ُض ام َتألَ ْت مِن َتسبِ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ج َال ُله َغ َّطى السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫استِت َُار ُقدْ َرتِ ِه‪.‬‬ ‫اع‪َ ،‬و ُهن َ‬
‫َاك ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ان كَالنُّور‪َ ،‬ل ُه م ْن َيده ُش َع ٌ‬‫َان َل َم َع ٌ‬
‫َوك َ‬
‫ت ا ْل ُح َّمى‪.‬‬ ‫ُقدَّ امه َذ َهب ا ْلوب ُأ‪ ،‬و ِعنْدَ ِرج َلي ِه َخرج ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َُ‬

‫يح ِه‪ :‬امتالء األرض بالتسابيح‪ ،‬وصوت األذان!‬


‫واألَر ُض ام َتألَ ْت مِن َتسبِ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وصف قرآين وتورايت ً‬ ‫َان َل َم َع ٌ‬
‫ان كَالنُّور‪ :‬وصف النبوة بالنور هو ْ‬ ‫َوك َ‬
‫﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [سورة النساء‪.]972 :‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اع‪ :‬شعاع الشريعة‪.‬‬ ‫َل ُه م ْن َيده ُش َع ٌ‬
‫ت ا ْل ُح َّمى‪ :‬وهذا ما حصل حين دخل‬‫ُقدَّ امه َذ َهب ا ْلوب ُأ‪ ،‬و ِعنْدَ ِرج َلي ِه َخرج ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َُ‬
‫الجحفة‪ ،‬وذهب‬
‫النبي ﷺ المدينةَ‪ ،‬فخرجت ُحمى المدينة من أمامه إلى ُ‬
‫ُّ‬

‫‪211‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الوبأ‪ ...‬والحديث يف البخاري(‪.)1‬‬

‫ُ‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حيث‬ ‫نور الرسالة من الموضع الذي سكنه‬
‫لقد أشرق ُ‬
‫أنار ببعثة النبي محمد ﷺ!‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ -22‬لكن هل حتدثت اتلوراة عن نسل إسماعيل اذلين سكنوا مكة؟‬

‫طب ًقا للتوراة‪ ،‬فإن إسماعيل ‪ ‬كان له أبناء ُكثر‪ ،‬ومنهم شخص ُيدعى قيدار‪.‬‬
‫وقيدار هو االبن الثاين إلسماعيل‪.‬‬
‫اع َيل بِ َأسمائِ ِهم حسب موال ِ ِ‬
‫يد ِه ْم ‪:‬‬ ‫هذ ِه َأسماء بنِي إِسم ِ‬ ‫تقول التوراة‪ :‬و ِ‬
‫ْ َ ْ َ َ َ ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اع َيل‪َ ،‬وقِيدَ ُار‪.‬‬
‫وت بِ ْكر إِسم ِ‬
‫َن َبا ُي ُ ُ ْ َ‬

‫وقيدار هذا عاش يف مكة‪ ،‬وتر َّبى فيها!‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.9881:‬‬

‫‪212‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫تنظيما؛ فهي قبيلة عربية كبيرة‬


‫ً‬ ‫وقبيلة قيدار كانت ُت َعدُّ من أكثر القبائل العربية‬
‫من نسل إسماعيل ‪.‬‬

‫النسابة‪ ،‬فإن قيدار هو جدُّ عدنان؛ وعدنان بال خالف هو جدُّ‬ ‫وكما َي ِ‬
‫عرف َّ‬
‫النبي محمد ﷺ‪ ،‬ولم يزل أبناء قيدار بمكة يتناسلون فهم أجداد قريش‪.‬‬

‫إ َذ ْن قيدار بن إسماعيل‪ ،‬ومن نسل قيدار جاء عدنان‪ ،‬وعدنان هو جدُّ النبي ﷺ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ -23‬لكن هل حتدثت اتلوراة عن نسل قيدار‪ ،‬وعن مبعث انليب حممد ﷺ يف‬
‫ديار قيدار؟‬

‫ٍ‬
‫عظيم‬ ‫ٍ‬
‫بشخص‬ ‫وبشرت‬
‫َّ‬ ‫العجيب أن التوراة بالفعل تحدَّ ثت عن نسل قيدار‪،‬‬
‫سيخرج من ديار قيدار‪ ،‬وهذا الشخص سيحارب الوثنيين‪ ،‬وسيرفع كلمة التوحيد‬
‫تتم شريعته و ُيسمع تمجيد اهلل‪...‬‬
‫يموت هذا الشخص حتى َّ‬
‫َ‬ ‫يف ديار قيدار‪ ،‬ولن‬

‫‪213‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُيسمع األذان يف جبال قيدار‪ :‬أي يف جبال مكة‪ ،‬وجبال سالع بيثرب‪.‬‬
‫النص من أخطر وأعجب نصوص‬ ‫سنبدأ يف قراءة ما قالته التورا ُة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ٍ‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وهذا النص ورد تحديدً ا يف سفر َإش ْع َياء‬ ‫البشارات يف التوراة بالنبي‬
‫النبي اإلصحاح الثاين واألربعين‪.‬‬
‫النص‪:‬‬
‫يقول ُّ‬

‫ُه َو َذا َع ْب ِدي ا َّل ِذي َأ ْع ُضدُ ُه‪ :‬هو ذا عبدي الذي أؤيده‪ ...‬سيأيت عبد اهلل الذي‬
‫سيؤيده اهلل!‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْخت َِاري ا َّلذي ُس َّر ْت بِه َن ْفسي‪ُ :‬‬
‫المصطفى المختار‪َ ،‬من سيكون هذا الشخص؟‬
‫الم َّ‬
‫بشر به يف هذا‬ ‫وهذه الكلمة "مختاري" تنفي تما ًما أن يكون الشخص ُ‬
‫اإلصحاح هو المسيح ‪ ،‬كما يدَّ عي النصارى‪ ،‬فالمسيح طب ًقا لمعتقدهم‬
‫مختارا؟‬
‫ً‬ ‫مولود منذ أبد الدهور فهو االبن منذ األزل؛ فكيف يكون‬
‫وحي َع َل ْي ِه َف ُي ْخ ِر ُج ا ْل َح َّق ل ِ ْألُ َم ِم‪ :‬يخرج َّ‬
‫الحق لألمم‪ ،‬أي‪ :‬ستكون‬ ‫و َضع ُت ر ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫شريعته للناس كا َّفة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن األنبياء كانوا ُيبعثون إلى أقوامهم خاصةً‪ ،‬والمسيح ‪‬‬

‫‪214‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫أيضا ُأرسل إلى بني إسرائيل؛ ولذلك لما جاءته المرأة الكنعانية‪ ،‬وهي ليست من‬ ‫ً‬
‫الضا َّل ِة‪.‬‬
‫ت إِ ْس َر ِائ َيل َّ‬
‫اف بي ِ‬
‫ِ ِ‬
‫بني إسرائيل‪ ،‬قال لها المسيح‪َ :‬ل ْم ُأ ْر َس ْل إِ َّال إِ َلى خ َر َ ْ‬

‫يزع ُم النصارى أن دعوة المسيح صارت بعد ذلك عالم َّية – بعد‬
‫لكن قد ُ‬
‫المختار الذي ستكون‬ ‫الص ْلب المزعوم‪ -‬لكن َّ‬
‫النص هنا يتحدَّ ث عن المصطفى ُ‬ ‫َّ‬
‫رسالته من البداية لجميع األمم‪.‬‬
‫الحق لجميع األمم من أول دعوته هو محمدٌ ﷺ‪:‬‬
‫خرج َّ‬ ‫والوحيد الذي أتى ل ُي ِ‬
‫عثك ـلَ كلناس ا ة"‪.‬‬
‫كلنبت هيب َعث ـلَ ـومه خاصة‪ ،‬و هب ه‬
‫ان ُّ‬ ‫"و َ‬

‫فهو مبعوث للعالمين‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾‬


‫[سورة األعراف‪.]938 :‬‬

‫‪215‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نص َإش ْع َياء‪:‬‬ ‫ِ‬


‫ُنكمل َّ‬
‫يح َو َال َي ْر َف ُع َو َال ُي ْس ِم ُع فِي َّ‬
‫الش ِ‬
‫ار ِع َص ْو َت ُه‪ :‬وهذا حال النبي ﷺ‪" :‬كان‬ ‫ِ‬
‫َال َيص ُ‬
‫كثير الصمت كما ورد يف حديث جابر"(‪.)1‬‬
‫ار ِع َص ْو َت ُه‪ ،‬بينما المسيح‬ ‫فكان ﷺ هادئًا ال يصيح‪َ ،‬و َال ُي ْس ِم ُع فِي َّ‬
‫الش ِ‬
‫صراخا َش ِديدً ا‪.‬‬‫ً‬ ‫لما ُحكم عليه بالصلب‪ ،‬صرخ‬ ‫‪ُ ‬نقل عنه يف اإلنجيل أنه َّ‬
‫ات هللِ ا ْل َق ِ‬
‫اد ِر َأ ْن ُي َخ ِّل َص ُه مِ َن‬ ‫ات و َت َضر َع ٍ‬
‫يد‪ ،‬ودمو ِع َط َلب ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫إِ ْذ َقدَّ َم بِ ُص َراخٍ َشد َ ُ ُ‬
‫ت‪َ ،‬و ُس ِم َع َل ُه مِ ْن َأ ْج ِل َت ْق َوا ُه‪.‬‬
‫ا ْلمو ِ‬
‫َْ‬

‫اهلل ‪َ ‬س ِمع للمسيح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وانتبهوا لكلمة‪َ " :‬و ُسم َع َل ُه م ْن َأ ْج ِل َت ْق َوا ُه" ُ‬
‫بالص ْلب‪ ،‬فهل ُصلب بعد أن أجاب اهلل دعاءه؟‬ ‫وأجاب دعاءه بعد أن ُحكم عليه َّ‬
‫وعنا!‬ ‫موض َ‬ ‫كل هذا ليس ُ‬‫على ٍّ‬
‫ار ِع َص ْو َت ُه‪ :‬هذا ُّ‬
‫النص ال ينطبق أبدً ا‬ ‫النص ال يصيح‪َ ،‬و َال ُي ْس ِم ُع فِي َّ‬
‫الش ِ‬ ‫إ َذ ْن ُّ‬
‫كثيرا ما ينهر الفريسيين‬
‫أيضا أن المسيح كان ً‬
‫على المسيح ‪ ،‬ومن المعلوم ً‬
‫ويصيح يف المفسدين‪.‬‬
‫بيت أبي‬ ‫وذات يو ٍم صن ََع سو ًطا َ‬
‫وطر َد الجميع من الهيكل‪ ،‬وقال‪ :‬ال تجعلوا َ‬
‫بيت ت ٍ‬
‫جارة‪.‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬صحيح الجامع ح‪.2811 :‬‬

‫‪216‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نعود لسفر َإش ْع َياء‪:‬‬


‫ف‪َ ،‬و َفتِي َل ًة َخامِدَ ًة َال ُي ْط ِف ُئ‪ :‬أي ُمتبع للشريعة يف كل‬
‫وض ًة َال َي ْق ِص ُ‬
‫َق َص َب ًة َم ْر ُض َ‬
‫وصغيرة‪ ،‬فهو ال يفعل شي ًئا ولو بسي ًطا من تلقاء نفسه‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كبيرة‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [سورة النجم‪.]2-5 :‬‬
‫تم الشريعة‪،‬‬ ‫َال َيكِ ُّل َو َال َينْ َك ِس ُر َحتَّى َي َض َع ا ْل َح َّق فِي األَ ْر ِ‬
‫ض‪ :‬يعني حتى ُي َّ‬
‫يتم الشريعة؛ والنبي محمدٌ ﷺ لم‬ ‫يكل وال ينكسر‪ ،‬بل سيبقى ح ًّيا حتى َّ‬ ‫فهو ال ُّ‬
‫أتم الشريعة ونزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫يم ْت حتى َّ‬
‫ُ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ﴾ [سورة المائدة‪.]5 :‬‬
‫تم الشريعة‪:‬‬
‫والحظ كلمة "ال ينكسر"‪ ،‬أي‪ :‬أنه معصوم من القتل حتى ُي َّ‬
‫﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ﴾ [سورة المائدة‪.]37 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الج ُزر والجزيرة العربية الكل ينتظر شريعته!‬ ‫َو َتنْتَظ ُر ا ْل َج َزائ ُر َش ِري َع َت ُه‪ :‬أهل ُ‬
‫ج َها‪،‬‬‫ض َو َنتَائِ ِ‬ ‫َاشر َها‪ ،‬ب ِ‬
‫اس ُط األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهلل الرب‪َ ،‬خال ِ ُق السم ِ‬
‫ه َك َذا َي ُق ُ ُ َّ ُّ‬
‫َ‬ ‫اوات َون ُ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫الش ْع ِ‬‫ُم ْعطِي َّ‬
‫روحا وهو الوحي‪:‬‬ ‫وحا‪ :‬يعطي الناس ً‬ ‫ب َع َل ْي َها ن ََس َمةً‪َ ،‬و َّ‬
‫الساكني َن ف َيها ُر ً‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ﴾ [سورة الشورى‪.]31 :‬‬
‫ب َقدْ َد َع ْو ُت َك بِا ْلبِ ِّر‪َ ،‬ف ُأ ْم ِس ُك بِ َي ِد َك َو َأ ْح َف ُظ َك‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫َأنَا َّ‬
‫الر َّ‬
‫ﮍﮎ﴾ [سورة المائدة‪.]37 :‬‬
‫ورا ل ِ ْألُ َم ِم‪ :‬شريعته نور لألمم‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫َو َأ ْج َع ُل َك َع ْهدً ا ل ِ َّ‬
‫لش ْع ِ‬
‫ب َو ُن ً‬
‫ﯪ﴾ [سورة النساء‪.]972 :‬‬
‫ورا ل ِ ْألُ َم ِم‪ ،‬أي‪ :‬لجميع الناس‪﴿ :‬ﮥﮦﮧﮨﮩ﴾ [سورة سبأ‪.]18 :‬‬ ‫َو ُن ً‬
‫شخص غيره ﷺ؟‬ ‫ٍ‬ ‫هل هذه البشارة تنطبق على‬
‫الس ْج ِن ا ْل َجال ِ ِسي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ ،‬م ْن َب ْيت ِّ‬ ‫ون ا ْل ُع ْم ِي‪ ،‬ل ِ ُت ْخ ِر َج مِ َن ا ْل َح ْب ِ‬
‫س ا ْل َم ْأ ُس ِ‬
‫ور َ‬ ‫ل ِ َت ْفت ََح ُع ُي َ‬
‫الناس من النار‪:‬‬ ‫َ‬ ‫اهلل به‬
‫اهلل به عيونًا ُعم ًيا وآذانًا ُص ًما‪ُ ...‬ينجي ُ‬ ‫يفتح ُ‬ ‫فِي ال ُّظ ْل َم ِة‪ِ :‬‬

‫‪217‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ﴾ [سورة آل عمران‪.]905 :‬‬


‫بالمناسبة هناك نقطة طريفة يف هذا اإلصحاح من سفر َإش ْع َياء‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن أهل‬
‫أن هذا اإلصحاح ُيشير بصورة واضحة للنبي‬ ‫الكتاب منذ زمن النبي ﷺ ينتبهون إلى َّ‬
‫وف يف‬ ‫بن العاص ﭬ‪" :‬واهللِ إنَّه َل َم ْو ُص ٌ‬ ‫عمرو ِ‬ ‫ِ‬ ‫بن‬
‫محمد ﷺ؛ ولذلك نقل عبدُ اهلل ُ‬
‫األس َو ِاق‪َ ،‬‬ ‫وال َس َّخ ٍ‬ ‫وال َغلِ ٍ‬ ‫ليس ب َف ٍّظ َ‬ ‫ِ‬ ‫التَّور ِاة ببع ِ ِ ِ ِ‬
‫وال‬ ‫اب يف ْ‬ ‫يظ‪َ ،‬‬ ‫ض ص َفته يف ال ُق ْرآن َ‬ ‫َْ َْ‬
‫يدْ َفع بالسي َئ ِة السي َئةَ‪ ،‬و َلكِن يع ُفو وي ْغ ِفر‪ ،‬و َلن ي ْقبِ َضه اهلل حتَّى ي ِقيم به ِ‬
‫الم َّل َة ال َع ْو َجا َء‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ُ َّ ِّ َّ ِّ‬
‫أع ُينًا ُع ْم ًيا‪ ،‬وآ َذانًا ُص ًّما‪ ،‬و ُق ُلو ًبا ُغ ْل ًفا"‪.‬‬ ‫ب َأ ْن يقولوا‪ :‬ال إ َل َه َّإال ُ‬
‫اهلل‪ ،‬و َي ْف َت ُح هبَا ْ‬

‫الصفات يف هذا الحديث بنفس هذه األلفاظ موجود ٌة يف هذا اإلصحاح‪:‬‬


‫ُ‬ ‫هذه‬

‫‪218‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نعود لنص َإش ْع َياء‪:‬‬


‫يحي ل ِ ْلمنْحو َت ِ‬
‫آلخر‪ ،‬و َال َتسبِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا ِ‬
‫ات‪َ :‬من‬ ‫َ ُ‬ ‫اسمي‪َ ،‬و َم ْجدي َال ُأ ْعطيه َ َ َ ْ‬ ‫َأنَا َّ‬
‫الر ُّب َ ْ‬
‫هو النبي الذي أتى ل ُعباد المنحوتات‪ُ ...‬عباد األوثان؟‬
‫المسيح ‪ ‬أتى ل ُعباد األوثان أم لليهود؟‬
‫ُ‬ ‫هل‬
‫النبي محمدٌ ﷺ‪.‬‬
‫الذي أتى ل ُعباد المنحوتات هو ُّ‬
‫فهو الذي دعا ُعباد األوثان للتوحيد‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾‬
‫[سورة الحج‪.]50:‬‬
‫ات َقدْ َأ َت ْت‪َ ،‬وا ْل َح ِدي َث ُ‬
‫ات َأنَا ُم ْخبِ ٌر بِ َها‪َ .‬ق ْب َل َأ ْن َتنْ ُب َت ُأ ْعلِ ُم ُك ْم‬ ‫ُه َو َذا األَ َّول ِ َّي ُ‬
‫سيحصل‪.‬‬‫ُ‬ ‫بِ َها‪ :‬يعني ها أنا ُأخربكم بالذي‬
‫َغنُّوا ل ِ َّلر ِّب ُأ ْغن ِ َي ًة َج ِديدَ ةً‪ :‬أغنية جديدة‪ ...‬تجويدً ا جديدً ا‪ ...‬تجويد القرآن!‬
‫هذه الصوت الجديد على أهل األرض‪ ...‬صوت تجويد القرآن‪ ،‬وما فيه من‬
‫ُغنَّة وتجويد وتغ ٍّن‪ ،‬وكما ورد يف الحديث‪ :‬ليس منَّا َمن لم يتغ َّن بالقرآن‪.‬‬

‫ض‪ :‬هذا التسبيح الجديد سيظهر يف كل مكان!‬ ‫يح ُه مِ ْن َأ ْق َصى األَ ْر ِ‬ ‫َت ْسبِ َ‬
‫ون فِي ا ْل َب ْح ِر َومِ ْل ُؤ ُه َوا ْل َج َزائِ ُر َو ُس َّكا ُن َها‪.‬‬
‫َأ ُّي َها ا ْل ُمن َْح ِد ُر َ‬
‫لِت َْر َف ِع ا ْل َب ِّر َّي ُة َو ُمدُ ُن َها َص ْو َت َها‪ :‬صوت األذان الذي س ُيرفع يف كل مكان على يد‬
‫هذا النبي القادم!‬

‫‪219‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لِت َْر َف ِع ا ْل َب ِّر َّي ُة َو ُمدُ ُن َها َص ْو َت َها‪ .‬الدِّ َي ُار ا َّلتِي َس َكن ََها قِيدَ ُار‪ :‬وهنا لنا أن نتو َّقف‬
‫وقفة انبهار!‬
‫الديار التي سكنها قيدار‪ :‬قيدار تحدَّ ْثنا عنه قبل قليل‪ ،‬وقلنا إنَّه ابن إسماعيل‬
‫وجدُّ عدنان‪ ،‬فن َْسل قيدار بمكة!‬
‫قيدار هي ديار قريش؛ وديار قريش لم ترتفع فيها إال تسبيحات‬
‫والديار التي سكنها ُ‬
‫اإلسالم‪ ،‬ولم ُيرفع فيها صوت إال صوت األذان التي ظهر بظهور نبي اإلسالم‪.‬‬
‫نبي قبل محمد ﷺ‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ٍ‬
‫فقوم قريش ما أتاهم ٌّ‬
‫ﮃ﴾ [سورة يس‪.]3 :‬‬
‫وقال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [سورة سبأ‪.]22 :‬‬
‫عل فيها صوت التسابيح الجديدة‪،‬‬‫قيدار‪ ،‬ولم َي ُ‬
‫نبي منذ سكنها ُ‬ ‫فمكة لم يدخلها ٌّ‬
‫وصوت األذان اهلل أكرب اهلل أكرب اهلل أكرب اهلل أكرب‪ ،‬إال بمبعث نبي اإلسالم‪ ...‬النبي‬
‫الذي هدم المنحوتات‪ ،‬ورفع صوت التسابيح واألذان!‬
‫فهل تنطبق هذه النبوءة على غيره ﷺ بأقل قدْ ر من التع ُّقل؟‬
‫النص يف إشعياء‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُنكمل َّ‬
‫ان َسال ِ َع‪ :‬أين يقع سالع؟‬
‫ل ِ َتت ََرن َّْم ُس َّك ُ‬
‫معروف بالمدينة المنورة‪ ،‬وهو معروف هبا حتى اليوم‪ ،‬يب ُعدُ‬‫ٌ‬ ‫جبل سالع ٌ‬
‫جبل‬
‫خمس ِمائة مرت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عند المسجد النبوي بحوالي‬

‫ان َسال ِ َع‪ :‬لو و َقفت على جبل سالع اليوم ستستمع بنفسك ألذان‬
‫ل ِ َتت ََرن َّْم ُس َّك ُ‬

‫‪220‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫المسجد النبوي‪ ...‬سرتى بعينيك هذه النبوءة وقد تحققت‪ ،‬فقد ُسمع صوت‬
‫التسابيح‪ ...‬صوت األذان على جبل سالع!‬

‫ٍ‬
‫لنبوءة أخرب اهلل هبا‬ ‫َّ‬
‫إن األذان الذي تسمعه عند جبل سالع اليوم هو تحقيق‬
‫بني إسرائيل قبل حوالي ثالثة آالف عا ٍم على يد النبي إشعياء!‬
‫جرت عنده أحداث غزوة الخندق‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وهذا الجبل ُ‬
‫جبل سالع بالمناسبة هو الذي‬
‫ريحا عظيم ًة أهلكت جيوشهم‪.‬‬
‫حين اجتمعت الجيوش لغزو المدينة المنورة‪ ،‬فأرسل اهلل ً‬

‫‪221‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾ﴾ [سورة األحزاب‪.]1 :‬‬
‫وعلى سفح جبل سالع حتى الساعة توجد المساجد السبعة التي بناها‬
‫الصحاب ُة أثناء حفر الخندق؛ لتكون مواقع مراقبة أثناء الغزوة!‬
‫النص يف إشعياء‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُنكمل َّ‬
‫مِن ر ُؤ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫الهتاف من رؤوس الجبال‪،‬‬ ‫وس ا ْلج َبال ل َي ْهت ُفوا ل ُي ْع ُطوا َّ‬
‫الر َّب َم ْجدً ا‪ُ :‬‬ ‫ْ ُ‬
‫تشتهر به ُأ َّمة محمد ﷺ مثل‪ :‬جبال الصفا والمروة‪ ،‬وجبل عرفات‪ ،‬وجبل الرحمة‪.‬‬
‫يح ِه فِي ا ْل َج َزائِ ِر‪ُ :‬يبلغون رسالة رهبم إلى بالد األرض‪.‬‬ ‫وي ْخبِروا بِتَسبِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َُ ُ‬
‫النبي محمدً ا ﷺ‬
‫وتفصيال من هذا النص على أن َّ‬ ‫ً‬ ‫أي دلي ٍل أكثر تحديدً ا‬
‫مكتوب عندهم يف التوراة؟‬
‫ٌ‬
‫ْ‬
‫لكن ما ُّ‬
‫رس انتقال انلبوة عن بين إرسائيل لألمة اإلسلمية؟‬ ‫‪-24‬‬

‫كانت بنو إسرائيل من خير األمم‪ ،‬وكان فيهم أنبيا ُء ُكثر‪ ،‬وفيهم صالحون‪،‬‬
‫وأئمة‪ ،‬و ُع َّباد هلل؛ ولذلك قال ر ُّبنا سبحانه عنهم‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫َّ‬
‫ﮢ ﮣﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ﴾ [سورة الدخان‪.]51-50 :‬‬
‫كثير‪ ،‬اختارهم اهلل بعلمه على العالمين‪.‬‬‫صالح ٌ‬‫ٌ‬ ‫فقد كانوا أ َّم ًة فيهم‬
‫لكن نتيج ًة الرتباطهم بالوثنيين وتع ُّل ِق كثيرين منهم بالدنيا بدأ يظهر فيهم‬
‫النبي َإش ْع َياء بخراب‬
‫والشركيات‪ ،‬والوثنيات‪ ،‬ومن أجل ذلك تن َّبأ ُّ‬
‫ُ‬ ‫الفسا ُد‪ ،‬والتربُّج‪،‬‬
‫ِ‬
‫وفساد نسائهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وفسادهم‬ ‫أورشليم‪ ...‬خراب الهيكل؛ بسبب ذنوب بني إسرائيل‬
‫الرب َّ‬
‫أن بني إسرائيل قد‬ ‫ُّ‬ ‫ففي أول سفر َإش ْع َياء ويف أول إصحاحاته ُيخبِر‬
‫فسدوا وظهرت فيهم المعاصي والفواحش‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫احبِ ِه‪َ ،‬أ َّما‬


‫فص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر ْؤيا إِ َشعياء الرب ي َت َك َّلم‪ :‬ال َّثور يع ِر ُ ِ‬
‫ف َقان َي ُه‪َ ،‬وا ْلح َم ُار م ْع َل َ َ‬ ‫ُْ َْ‬ ‫ْ َ َ َّ َّ َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫أن الثور يعرف الشخص‬ ‫ف‪َ .‬ش ْعبِي َال َي ْف َه ُم‪ :‬ومعنى الكالم َّ‬ ‫إِ ْس َر ِائ ُيل َف َال َي ْع ِر ُ‬
‫الذي يرعاه و ُيطعمه‪ ،‬بينما شعب إسرائيل ال يعرف خالقه ورازقه!‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫اعلِي َّ‬ ‫اإل ْث ِم‪ ،‬نَس ِل َف ِ‬‫ب ال َّث ِقي ِل ِ‬ ‫َو ْي ٌل ل ِ ْألُ َّم ِة ا ْل َخاطِ َئ ِة‪َّ ،‬‬
‫ين!‬ ‫الش ِّر‪َ ،‬أ ْو َالد ُم ْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫الش ْع ِ‬
‫وس إِ ْس َرائِ َيل‪ ،‬بِ َال ُد ُك ْم َخ ِر َبةٌ‪ُ .‬مدُ ُن ُك ْم ُم ْح َر َق ٌة بِالن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫است ََها ُنوا بِ ُقدُّ ِ‬
‫الر َّب‪ْ ،‬‬ ‫َت َر ُكوا َّ‬
‫َأ ْر ُض ُك ْم َت ْأ ُك ُل َها ُغ َر َبا ُء ُقدَّ ا َم ُك ْم‪ :‬وهذا فيه وعيد شديد على لسان نبيهم؛ نتيج ًة‬
‫وتخر ُب على أيدي األعداء‪.‬‬
‫َ‬ ‫لطغياهنم‪ ،‬فسوف هتلك بالدهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫قائال‪:‬‬
‫وحي الرب ً‬ ‫ُيكمل َإش ْع َياء ْ‬

‫حين َتبس ُط َ ِ‬ ‫ِ‬


‫ون َأ ْيد َي ُك ْم َأ ْس ُت ُر َع ْين ََّي َعنْ ُك ْم‪َ ،‬وإِ ْن َك َّث ْر ُت ُم َّ‬
‫الص َال َة َال َأ ْس َم ُع‪.‬‬ ‫َف َ ْ ُ‬
‫الش َّر‪َ ،‬ول ِ َذل ِ َك‬
‫اسدَ ةً‪َ ،‬و َبنُو إِ ْس َرائِ َيل َأ ْك َث ُروا َّ‬
‫ون َأصبح ْت َف ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْيدي ُك ْم َمآل َن ٌة َد ًما‪ :‬ص ْه َي ُ ْ َ َ‬
‫ِ‬

‫يب لِدُ َع ِائ ِه ْم!‬ ‫َلم ي ُع ِد اهلل يست ِ‬


‫َج ُ‬ ‫َُْ‬ ‫ْ َ‬

‫‪223‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اِ ْغت َِس ُلوا‪َ .‬تنَ َّق ْوا‪ .‬ا ْع ِز ُلوا َش َّر َأ ْف َعال ِ ُك ْم مِ ْن َأ َما ِم َع ْين ََّي‪ُ .‬ك ُّفوا َع ْن فِ ْع ِل َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫يم‪َ .‬حا ُموا َع ِن‬‫َت َع َّل ُموا َف ْع َل ا ْل َخ ْي ِر‪ .‬ا ْط ُل ُبوا ا ْل َح َّق‪ .‬ان ِْص ُفوا ا ْل َم ْظ ُلو َم‪ .‬ا ْق ُضوا ل ِ ْل َيتِ ِ‬
‫األَ ْر َم َل ِة‪ :‬كلها وصايا بالعودة للعمل الصالح‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مائالت‬ ‫َاق‪ :‬يعني يمشين‬ ‫ات األَ ْعن ِ‬‫َات ِصهيو َن يت ََشام ْخن‪ ،‬ويم ِشين ممدُ ود ِ‬ ‫بن ِ‬
‫َْْ َ َ َ ََْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ميالت‪.‬‬ ‫ُم‬
‫ات فِي م ْشيِ ِهن‪ ،‬وي َخ ْش ِ‬
‫خ ْش َن بِ َأ ْر ُجلِ ِه َّن‪ :‬يعني‬ ‫ات بِعيونِ ِهن‪ ،‬و َخاطِر ٍ‬ ‫و َغامِ َز ٍ‬
‫َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َّ َ‬ ‫َ‬
‫بأرجله َّن ليفت َّن الرجال‪.‬‬
‫ويضر ْبن ُ‬
‫لقد انتشر الفساد يف الرجال‪ ،‬والخالعة يف النساء‪.‬‬
‫فكانت النتيج ُة الطبيعي ُة َّ‬
‫أن موعد خراب أورشليم قد اقرتب!‬

‫ب ُمت ََم ِّر ٌد‪َ ،‬أ ْو َال ٌد ك ََذ َبةٌ‪َ ،‬أ ْو َال ٌد َل ْم َي ْس َم ُعوا َش ِري َع َة َّ‬
‫الر ِّب‪.‬‬ ‫ألَ َّن ُه َش ْع ٌ‬

‫‪224‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ويهرب رجا ُلها!‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهتلك أورشليم‬ ‫ُيكسرون و ُيسحقون‪،‬‬
‫وبالفعل َخ ِربت أورشليم‪ُ ،‬‬
‫وهدِّ مت صهيون!‬
‫وحاول اليهو ُد بعد ذلك بنا َءها‪ ،‬لكنها لم تعد لسابق مجدها مر ًة أخرى أبدً ا!‬
‫الناس َّ‬
‫أن مجد‬ ‫ُ‬ ‫وبعد قرون طويلة‪ ،‬وبعد ظهور المسيح ‪ ‬ظ َّن‬
‫المخ ِّلص‪ ،‬وسوف تعود صهيون مر ًة أخرى‪،‬‬
‫أورشليم سيعود على يد المسيح ُ‬
‫ويرتفع مجد الهيكل اليهودي كما كان!‬
‫لكن تحصل المفاجأة الكربى!‬
‫المسيح لم ْ‬
‫يفعل شي ًئا من ذلك‪ ،‬بل هو َّ‬
‫بشر بخراب أورشليم والهيكل‪،‬‬
‫حتى إنَّه لن يبقى يف أورشليم حجر على حجر‪.‬‬

‫يذ ِه‪َ :‬يا ُم َع ِّل ُم‪ ،‬ا ْن ُظ ْر! َما‬


‫احدٌ مِن َت َالمِ ِ‬
‫ْ‬
‫ارج مِن ا ْلهي َكلِ‪َ ،‬ق َال َله و ِ‬
‫ُ َ‬ ‫يما ُه َو َخ ِ ٌ َ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َوف َ‬
‫هذ ِه‬
‫هذ ِه األَبنِي ُة أبنية أورشليم! َف َأجاب يسوع و َق َال َله‪َ :‬أ َتنْ ُظر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َُ ُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫حجار ُة! و ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫هذه ا ْل َ َ َ‬
‫يمةَ؟ َال ُيت َْر ُك َح َج ٌر َع َلى َح َج ٍر َال ُينْ َق ُض‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األَ ْبن َي َة ا ْل َعظ َ‬
‫تمض أعوام قليلة حتى َخ ِر َب الهيكل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسيح للسماء لم‬ ‫وبالفعل بعد رفع‬
‫وخ ِر َبت أورشليم!‬
‫الخراب األخير َ‬
‫حصل هذا الخراب الشهير يف عام ‪ 70‬ميالدية على يد الرومان‪ ،‬وحتى‬
‫تذكيرا هبذا الخراب الذي لم ُيب َن بعده‬ ‫ٍ‬
‫عزاء سنوي ًة‬ ‫طقوس‬ ‫الساعة يقيم اليهو ُد‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الهيكل أبدً ا‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أصال!‬ ‫ُ‬
‫الهيكل‪ ،‬ولم ُيب َن حتى الساعة‪ ،‬بل لم َي ُعدْ َيعرف له اليهو ُد مكانًا ً‬ ‫لقد َخ ِر َب‬
‫وهذا دليل عملي وعقلي لبني إسرائيل على ن َْسخ الشريعة‪ ...‬على ن َْسخ الرسالة!‬
‫أمر ُه!‬
‫فالهيكل انتهى ُ‬

‫‪226‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫إذا ُهدم الهيكل رمز العبادة اليهودية‪ ،‬وأصل المرجعية الدينية اليهودية‪ ،‬ولم ُيعرف‬
‫ٍ‬
‫بشريعة أخرى!‬ ‫حتى مكانه إلى اآلن‪ ،‬فهذا دليل على أن الشريعة اليهودية س ُتنسخ‬
‫أمة أخرى تعمل بأثمار الشريعة اإللهية التي‬ ‫وأن الرسالة قد تنتقل إلى ٍ‬ ‫َّ‬
‫أهملها اليهود!‬
‫إصحاحا من نبوءة َإش ْع َياء بخراب الهيكل‪ ،‬يبدأ‬ ‫ً‬ ‫العجيب أنَّه بعد أربعين‬
‫َإش ْع َياء يف البشارة بظهور أورشليم جديدة‪ ...‬ظهور ِص ْه َيون جديدة‪.‬‬
‫صهيون تعني‪ :‬بيت الرب اآلمن المنيع‪.‬‬
‫بصهيون جديدة‪ ،‬ليست ِ‬
‫كص ْه َيون القديمة التي ك ُث َر فيها الفساد‬ ‫ِ‬
‫بشر َإش ْع َياء ْ َ‬‫َّ‬
‫وال ُكفر والتربُّج‪ ،‬وإنما ِص ْه َيون جديدة!‬
‫ببيت للرب يف بالد العرب!!!‬‫بشر ٍ‬ ‫لقد َّ‬
‫َّ َ َ‬
‫ببيت للرب يف بلد العرب؟‬
‫ٍ‬ ‫‪ -25‬كيف برش إشعياء‬
‫َن َعم‪ ،‬بيت للرب يف بالد العرب ُتساق إليه ِكباش وأغنام ِ‬
‫وجمال مكة كأضاحٍ‬ ‫ْ‬
‫ل ُتذبح يف موسم الحج!‬
‫س ُيضيء نور هذا البيت يف وسط أبناء إسماعيل؛ ليمحو اهلل به الظلمة التي‬
‫غشيت العالم‪ ،‬وس ُتجبى إليه ثمرات ك ِل شيء‪ ،‬وسيبقى َبه ًّيا إلى األبد‪َ ،‬‬
‫وفر ًحا‬
‫لكل األجيال!‬
‫يشك إنسان م ِ‬
‫نصف ا َّطلع‬ ‫وهذه البشارات يف التوراة حتى الساعة‪ ،‬والتي ال ُّ‬
‫ُ‬
‫عليها َّ‬
‫أن المقصود هو بيت اهلل الحرام يف مكة المكرمة‪.‬‬
‫بشارات يعرفها كل َمن درس التوراة‪ ،‬لك َّن أحبارهم يكتمون الحق!‬
‫ٌ‬ ‫فهي‬
‫يسيرا‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫أما عوا ُّمهم فجهل ٌة ال يعرفون من كتاهبم إال شي ًئا ً‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [سورة البقرة‪.]78 :‬‬

‫‪227‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫واآلن لننظر يف هذه البشارات العجيبة!‬

‫تن َّبأ َإش ْع َياء ُّ‬


‫النبي بخراب الهيكل بعد فساد بني إسرائيل كما قلنا!‬
‫خرج الحق لألمم؛ والذي سيرفع صوت‬ ‫بشر بقدوم النبي الذي س ُي ِ‬ ‫ثم َّ‬
‫التسابيح واألذان يف ديار قيدار وسالع‪ ،‬أي‪ :‬يف مكة والمدينة‪.‬‬

‫بشر َإش ْع َياء ببيت الرب‬


‫وبعد هذه البشارة التي ناقشناها بالتفصيل قبل قليل؛ َّ‬
‫الجديد الذي سيكون يف ديار قيدار!‬

‫يقول َإشع َياء ُّ‬


‫النبي‪:‬‬

‫الر ِّب َأ ْش َر َق َع َل ْي ِك‪ :‬أشرق على‬ ‫ُقومِي استَن ِ ِيري؛ ألَ َّنه َقدْ جاء ُن ِ‬
‫ورك‪َ ،‬و َم ْجدُ َّ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أ َّية بلدة؟ سنرى!‬

‫‪228‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ألَ َّن ُه َها ِه َي ال ُّظ ْل َم ُة ُت َغ ِّطي األَ ْر َض‪ :‬ظلمة الكفر تغطي األرض!‬
‫ك ُي َرى َفت َِس ُير‬ ‫ك َفي ْش ِر ُق الرب‪ ،‬ومجدُ ه َع َلي ِ‬
‫َّ ُّ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َّظ َال ُم الدَّ ام ُس ْاألُ َم َم‪َ .‬أ َّما َع َل ْي ُ‬
‫وك فِي ِضي ِ‬
‫اء إِ ْش َر ِاق ِك‪.‬‬ ‫ور ِك‪َ ،‬وا ْل ُم ُل ُ‬
‫ْاألُ َم ُم فِي ُن ِ‬
‫َ‬
‫ك َث ْر َو ُة ا ْل َب ْح ِر‪،‬‬ ‫ك ويت َِّسع؛ ألَ َّنه َتتَحو ُل إِ َلي ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫حينَئذ َتنْ ُظ ِري َن َو ُتن ِيري َن َو َي ْخ ُف ُق َق ْل ُب َ َ ُ‬
‫ك ِغنَى ْاألُ َم ِم‪ُ :‬تجبى إليه ثمرات األمم‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾‬ ‫وي ْأتِي إِ َلي ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫[سورة القصص‪.]37 :‬‬
‫ُ‬ ‫جم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوافل‬ ‫بيت الرب‬
‫ال‪ :‬تنتشر يف هذا البلد الذي سيكون فيه ُ‬ ‫ُت َغ ِّطيك َك ْث َر ُة ا ْل َ‬
‫الجمال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ان َو ِعي َف َة ُك ُّل َها َت ْأتِي مِ ْن َش َبا‪َ ،‬ت ْح ِم ُل َذ َه ًبا َو ُل َبانًا‪ :‬مديان وعيفة يف‬
‫ان مِدْ َي َ‬ ‫ُب ْك َر ُ‬
‫مملكة األنباط القديمة ببالد الشام‪ ،‬وهي رحلة الصيف!‬
‫أما شبا فهي اليمن‪ ،‬وهي رحلة الشتاء‪.‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [سورة قريش‪.]1-9 :‬‬
‫ُ‬
‫قوافل قريش يف الصيف تأيت من بالد الشام‪ ،‬وقوافل الشتاء تأيت من‬ ‫فكانت‬
‫بالد اليمن‪ ،‬تحمل البضائع ألهل قريش!‬
‫ُك ُّل َغن َِم ِقيدَ َار َت ْجت َِم ُع إِ َل ْي ِك‪ :‬هذه الفقرة العجيبة ال ُيمكن أن ُيقصد هبا إال‬
‫بيت اهلل الحرام يف الحرم المكي!‬
‫هذ ِه‬
‫إليك‪ :‬قيدار كما قلنا هو ابن إسماعيل الثاين‪ :‬و ِ‬
‫َ‬
‫كل غنم قيدار تجتمع ِ‬

‫اع َيل‪َ ،‬وقِيدَ ُار‪.‬‬


‫وت بِ ْكر إِسم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْس َما ُء َبني إِ ْس َماع َيل ‪َ :‬ن َبا ُي ُ ُ ْ َ‬

‫‪229‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫قيدار عاش يف مكة وتر َّبى فيها‪ ،‬وهو كما قلنا جدُّ عدنان‪ ،‬وعدنان جدُّ النبي ﷺ‪،‬‬
‫ولم يزل أبناء قيدار بمكة يتناسلون‪ ،‬فأبناء قيدار هم أبناء قريش‪.‬‬
‫إليك‪ :‬أغنام قيدار ُتساق ِ‬
‫إليك ل ُتذبح!‬ ‫كل غنم قيدار تجتمع ِ‬
‫فهل ُذبحت أغنام مكة ٍ‬
‫لبيت سوى البيت الحرام؟‬
‫أضاحي قيدار لم ُتقدَّ م على مذبح كنيسة المسيح‪ ،‬وال على مذبح أورشليم‪...‬‬
‫هيكل اليهود‪ ،‬ع ْبر كل تاريخ العرب‪.‬‬
‫لم ُتسق أغنام قيـدار إال إلى الحرم المكي!‬
‫وت َت ْخ ِد ُم ِك‪ :‬وكذلك لم ُتسق كباش َن َبا ُي َ‬
‫ـوت إال إلى الحرم المكي!‬ ‫ِ‬
‫وك َب ُ‬
‫اش َن َبا ُي َ‬
‫ونبايوت هو االبن البِ ْكر إلسماعيل ‪:‬‬

‫فهذه نبوء ٌة عن بيت الرب يف بالد العرب‪ ،‬نبوءة واضحة كالشمس عن البيت‬
‫الحرام بمكة!‬
‫وت َت ْخ ِد ُم ِك‪َ .‬ت ْص َعـدُ َم ْق ُبو َل ًة َع َلى‬ ‫ُك ُّل َغن َِم قِيدَ َار َت ْجت َِم ُع إِ َل ْي ِك‪ .‬كِ َب ُ‬
‫ـاش َن َبا ُي َ‬
‫تذبح هد ًيا يف الحج!‬ ‫ـحي‪ُ :‬‬ ‫م ْذب ِ‬
‫َ َ‬
‫ـت َج َمالِي‪ :‬تزيين البيت الحرام وكسـوته‪.‬‬ ‫َو ُأ َز ِّي ُن َب ْي َ‬

‫‪230‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫النص‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُنكمل َّ‬

‫عجيب؛‬
‫ٌ‬ ‫نص‬ ‫ِ‬
‫اب‪َ ،‬وكَا ْل َح َما ِم إِ َلى ُب ُيوت َها‪ :‬هذا ٌّ‬ ‫ون ك ََس َح ٍ‬ ‫هؤ َال ِء ال َّطائِ ُر َ‬‫َم ْن ُ‬
‫انظـروا لمشهد الطـائرات التي تأيت لمكة يف وقت الحج!‬
‫كسحاب إلى البيت الحرام!‬ ‫ٍ‬ ‫فهم بالفعل طائرون‬
‫يك مِن ب ِع ٍ‬
‫يد‪ :‬يأتون‬ ‫يش فِي األَو ِل‪ ،‬ل ِ َت ْأتِي بِبن ِ ِ‬ ‫إِ َّن ا ْل َج َزائِ َر َتنْتَظِ ُرنِي‪َ ،‬و ُس ُف َن َت ْر ِش َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫من كل مكان‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [سورة الحج‪.]17 :‬‬
‫يد َوفِ َّض ُت ُه ْم َو َذ َه ُب ُه ْم َم َع ُه ْم‪ :‬هل تأيت هذه البالد اليوم‬ ‫يك مِن ب ِع ٍ‬
‫ْ َ‬
‫ل ِ َت ْأتِي بِبن ِ ِ‬
‫َ َ‬
‫للحج‪ ،‬وهبذه الصورة يف طائرات‪ ،‬وعلى سفن‪ ،‬ومن كل مكان‪ ،‬ومعهم األموال‪،‬‬
‫لبيت على وجه األرض‬ ‫ويذبحون األضاحي العربية‪ ،‬هل تحصل هذه الصورة ٍ‬

‫اليوم سوى للبيت الحرام بمكة؟‬


‫ٍ‬
‫لبيت على وجه األرض‬ ‫أكرر سؤالي ألهم َّيته‪ :‬هل تحصل هذه الصورة‬
‫اليوم سوى للبيت الحرام بمكة؟‬
‫ون َأ ْس َو َار ِك‪ :‬شارك يف بناء أسوار الحرم ُأ َمم وشعوب كثيرة‬ ‫َو َبنُو ا ْل َغ ِر ِ‬
‫يب َي ْبنُ َ‬
‫عرب الزمن‪.‬‬
‫الملِك َي ُشرف بتسميته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُم ُلو ُك ُه ْم َي ْخد ُمونَك‪ :‬الملوك ُخدَّ ام الحرم؛ حتى صار َ‬

‫‪231‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫خادم الحرمين‪.‬‬
‫وهذه الصورة واهلل ال تنطبق يف األرض اليوم إال على المسجد الحرام!‬
‫ك‪َ ،‬وبِ ِر ْض َوانِي َر ِح ْم ُت ِك‪ :‬انظروا لل َف ْرق بين الحرم قبل‬
‫ألَنِّي بِ َغ َضبِي َضرب ُت ِ‬
‫َْ‬
‫تطهيره على يد النبي ﷺ‪ ،‬وبعد أن ُط ِّهر من األوثان وصار برضوان اهلل ورحمته‬
‫مكان الحج ألمم األرض‪.‬‬
‫ك َدائِ ًما ن ََه ًارا َو َل ْي ًال َال ُت ْغ َل ُق‪ :‬أبواب الحرم مفتوحة ليل هنار‪.‬‬ ‫و َتنْ َفتِح َأبواب ِ‬
‫ُ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك بِ ِغنَى ْاألُ َم ِم‪َ ،‬و ُت َقا َد ُم ُلو ُك ُه ْم‪ِ :‬جيء للحرم بكنوز كسرى وقيصر‪،‬‬ ‫لِي ْؤ َتى إِ َلي ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ممالك األرض!‬ ‫ُ‬ ‫و ُفتحت ِألُ َّمة المسلمين‬
‫ألَ َّن ْاألُ َّم َة َوا ْل َم ْم َل َك َة ا َّلتِي َال َت ْخ ِد ُم ِك َتبِيدُ ‪َ ،‬و َخ َرا ًبا ُت ْخ َر ُب ْاألُ َم ُم‪َ :‬من يحاول‬
‫يهلك‪﴿ ،‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ُ‬ ‫االقرتاب من الحرم‬
‫ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [سورة الحج‪.]13 :‬‬
‫هل يوجد مكان على األرض تنطبق عليه هذه البشارات هبذا التفصيل‬
‫المدهش سوى الحرم المكي؟‬
‫الهيكل اليهودي أو صهيون القديمة َخ ِرب بالكامل يف عام ‪ 70‬ميالدية‪ ،‬وال‬
‫ُيعرف له مكان حتى الساعة!‬
‫مذابح الكنائس ال ُتقدم عليها ذبائح ً‬
‫أصال‪.‬‬
‫أضاحي بالد العرب "قيدار ونبايوت" لم ُتقدَّ م لبيت من البيوت سوى‬
‫للحرم المكي!‬
‫فهذه بشارة واضحة جل َّية ببكة المباركة التي أزال اهلل هبا ظلمات الكفر؛‬
‫وأضاءت األرض بنورها!‬

‫‪232‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪ -26‬لكن بعض انلصارى يقولون إن البشارات ببيت الرب اجلديد يه بشارات‬


‫ببيت سماوي؟‬

‫كم الدهشة والحيرة التي انتابت َ‬


‫أهل الكتاب بعد رفع المسيح ‪!‬‬ ‫ال أحكي َّ‬
‫فاتحا‪ ،‬ويعيد مجد أورشليم‪ ،‬لكن يأيت‬
‫المسيح ً‬
‫ُ‬ ‫فهم كانوا يتوقعون ْ‬
‫أن يأيت‬
‫المسيح ويتن َّبأ بخراب الهيكل ودمار صهيون‪ ،‬ثم ُيرفع من بينهم‪ ،‬هذا أمر‬
‫أوقعهم يف حيرة!‬
‫هذه الحيرة أ َّدت بأهل الكتاب إلى تحريف فهم نصوص البشارات ببيت‬
‫الرب الجديد‪ ،‬فقالوا َّ‬
‫إن المقصود ببيت الرب الجديد هو هيكل سماوي‪،‬‬
‫وأورشليم الجديدة هي أورشليم سماوية وليست أورشليم أرضية!‬

‫و َأنَا يوحنَّا ر َأي ُت ا ْلم ِدينَ َة ا ْلم َقدَّ س َة ُأور َشلِيم ا ْلج ِديدَ َة ن َِاز َل ًة مِن السم ِ‬
‫اء‪ :‬ياللعجب!‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ْ‬
‫فجأ ًة أصبحت أورشليم سماو َّية وليست أرض َّية‪.‬‬
‫وال ندري كيف ُتساق أضاحي بالد العرب ألورشليم السماوية؟‬
‫الهدْ ي الذي س ُيهدى لبيت الرب الجديد من كباش وأغنام أبناء إسماعيل‬
‫َ‬
‫صار سماو ًّيا‪ ...‬كيف؟‬
‫البيت الذي ستأتيه السفن‪ ،‬ويأتيه الناس من كل فجٍ عميق أصبح سماو ًّيا‪ ...‬كيف؟‬
‫تعمد للبشارات هو دليل على َّ‬
‫أن هناك مشكلة حقيقية ال‬ ‫الم َّ‬
‫هذا التحريف ُ‬
‫يريدون االعرتاف هبا!‬
‫َّ‬
‫أن بيت الرب الجديد باختصار لم يعد الهيكل اليهودي‪ ،‬وإنما أصبح البيت‬
‫الحرام بمكة!‬

‫‪233‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٌ‬
‫‪ -27‬لكن هل يوجد يف اإلجنيل ديلل ىلع انتقال الرسالة بسبب فساد بين‬
‫إرسائيل؟‬

‫الكرامين!‬
‫بمثل َّ‬
‫المسيح َم ًثال عجي ًبا وهو المثل الشهير َ‬
‫ُ‬ ‫يف إنجيل متَّى يضرب‬
‫يقول المسيح ‪ ‬فيما ُروي عنه يف اإلنجيل الذي بين أيدي النصارى‬
‫حتى الساعة يقول‪:‬‬

‫ت َغ َر َس ك َْر ًما‪َ ،‬و َأ َحا َط ُه بِ ِس َياجٍ ‪َ ،‬و َح َف َر‬


‫ان رب بي ٍ‬
‫َان إِن َْس ٌ َ ُّ َ ْ‬‫آخ َر‪ :‬ك َ‬ ‫اِ ْس َم ُعوا َم َث ًال َ‬
‫مثال عن اهلل ‪‬‬ ‫يه َم ْع َص َرةً‪َ ،‬و َبنَى ُب ْر ًجا‪َ ،‬و َس َّل َم ُه إِ َلى ك ََّرامِي َن َو َسا َف َر‪ :‬يضرب ً‬
‫فِ ِ‬

‫أنَّه أعطى بني إسرائيل األرض والخيرات ليعملوا فيها ويطيعوا اهلل‪.‬‬
‫ار َأ ْر َس َل َعبِيدَ ُه إِ َلى ا ْل َك َّرامِي َن ل ِ َي ْأ ُخ َذ َأ ْث َم َار ُه‪.‬‬
‫َو َل َّما َق ُر َب َو ْق ُت األَ ْث َم ِ‬
‫ون َعبِيدَ ُه َو َج َلدُ وا َب ْع ًضا َو َق َت ُلوا َب ْع ًضا َو َر َج ُموا َب ْع ًضا‪ :‬بنو‬
‫َف َأ َخ َذ ا ْل َك َّرا ُم َ‬
‫بدال من أداء ما ُكلفوا به أفسدوا يف األرض وطغوا‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫إسرائيل ً‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ﴾ [سورة البقرة‪.]83 :‬‬
‫ِ‬
‫إفسادهم يف األرض؟‬ ‫فماذا ستكون عقوبة‬
‫ُنكمل م ًعا لنرى الجواب‪...‬‬

‫‪234‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫كمل بينما كان المسيح ُيلقي عليهم هذا المثال كان كهن ُة‬ ‫لكن قبل أن ُن ِ‬
‫أن المسيح ِ‬
‫يقصدهم هم‪َ ...‬و َل َّما‬ ‫اليهود جالسين‪ ،‬يسمعون الكالم‪ ،‬ويعرفون َّ‬
‫ون َأ ْم َثا َل ُه‪َ ،‬ع َر ُفوا َأ َّن ُه َت َك َّل َم َع َل ْي ِه ْم‪.‬‬ ‫س ِمع ر َؤساء ا ْل َكهن َِة وا ْل َفر ِ‬
‫يس ُّي َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ َ ِّ‬

‫واآلن لننظر جواب سؤال‪ :‬ما عقوبة إفساد بني إسرائيل يف األرض؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكرامون الذين‬
‫َّ‬ ‫ب ا ْل َك ْرمِ‪َ ،‬ما َذا َي ْف َع ُل بِ ُأو َلئ َك ا ْل َك َّرام َ‬
‫ين‪:‬‬ ‫َمتَى َجا َء َصاح ُ‬
‫بدال من أن ُيصلحوا‬ ‫أفسدوا ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقا ُلوا َل ُه‪ُ :‬أولئ َك األَ ْرد َيا ُء ُي ْهلِ ُك ُه ْم َه َالكًا َرد ًّيا‪َ ،‬و ُي َس ِّل ُم ا ْل َك ْر َم إِ َلى ك ََّرام َ‬
‫ين‬
‫األرض‬‫َ‬ ‫آخ ِري َن ُي ْع ُطو َن ُه األَ ْث َم َار فِي َأ ْو َقاتِ َها‪ :‬انتبهوا! ُيس ِّلم ال َك ْر َم‪ُ ...‬يس ِّلم‬ ‫َ‬
‫ألمة أخرى!‬ ‫لغيرهم‪ ...‬يس ِّلم الرسالة والشريعة ٍ‬
‫ُ‬
‫ب‪:‬‬ ‫ف َق َال المسيح ‪ ‬تأكيدً ا على كالمِهم‪َ :‬أ َما َق َر ْأ ُت ْم َق ُّط فِي ا ْل ُك ُت ِ‬
‫او َي ِة؟‬
‫الز ِ‬
‫ون ُه َو َقدْ َص َار َر ْأ َس َّ‬ ‫َّاؤ َ‬ ‫ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي َر َف َض ُه ا ْل َبن ُ‬
‫ون ُه َو َقدْ َص َار‬ ‫قائال‪ :‬ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي َر َف َض ُه ا ْل َبن ُ‬
‫َّاؤ َ‬ ‫أكَّد المسيح على قولهم ً‬
‫او َي ِة!‬
‫الز ِ‬
‫َر ْأ َس َّ‬
‫فيا ُترى َمن هو هذا الحجر الذي رفضه البنَّاؤون؟‬
‫الحجر الذي قد صار رأس الزاوية!‬
‫الشخص الذي سيظهر من ٍ‬
‫أمة أخرى‪ ،‬والذي سيرفضه بنو إسرائيل‪ ،‬وسيكون‬
‫رأس الزاوية؟‬

‫‪235‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫محمد ﷺ؛ الحديث‬ ‫ف ِّكروا يف هذا الشخص مستحضري َن حديث النبي‬
‫المتفق على صحته يف البخاري ومسلم‪:‬‬

‫ِ ِ‬
‫إِ َّن َم َثلِي و َم َث َل األ ْنبِياء من َق ْبلِي‪ ،‬ك ََم َث ِل َر ُج ٍل َبنَى َب ْيتًا ْ‬
‫فأح َسنَ ُه و َأ ْج َم َل ُه‪َّ ،‬إال‬
‫زاو َي ٍة‪ :‬موضع لبنة من زاوية‪ ...‬موضع حجر من زاوية‪ ...‬الحجر‬ ‫َم ْو ِض َع َلبِن ٍَة مِن ِ‬
‫او َي ِة!‬
‫الز ِ‬
‫الذي قد َص َار َر ْأ َس َّ‬
‫ويقولون‪َ :‬ه ّال و ِضع ْت ِ‬
‫هذه ال َّلبِنَ ُة؟‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ون له‪،‬‬ ‫ون به‪ ،‬و َي ْع َج ُب َ‬ ‫َّاس َي ُطو ُف َ‬ ‫َف َج َع َل الن ُ‬
‫قال‪ :‬فأنا ال َّلبِنَ ُة‪ ،‬أي‪ :‬أنا ا ْل َح َج ُر!‬ ‫َ‬
‫َف َأنَا ال َّلبِنَ ُة‪َ ،‬و َأنَا َخا َت ُم النب ِّيي َن‪ :‬ﷺ‪.‬‬
‫او َي ِة!‬
‫الز ِ‬‫ون ُه َو َقدْ َص َار َر ْأ َس َّ‬ ‫ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي َر َف َض ُه ا ْل َبن ُ‬
‫َّاؤ َ‬
‫ُ‬
‫‪ -28‬لكن ملاذا ال يكون املقصود باحلجر يف هذه البشارة يف اإلجنيل املسيح‬
‫‪ ‬نفسه؟‬

‫المسيح ليس من خارج بني إسرائيل‪ ،‬بل هو من َق ْلب بني إسرائيل‪ ،‬فهو من سبط‬
‫يهوذا بن إسرائيل‪ ،‬بينما النبوءة تتحدَّ ث عن انتقال ال َكرم ٍ‬
‫ألمة أخرى تعمل بأثماره!‬ ‫ْ‬

‫‪236‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫أمة أخرى تعمل بأثمار الشريعة التي خالفها بنو إسرائيل!‬


‫الضا َّل ِة‪:‬‬
‫ت إِ ْس َر ِائ َيل َّ‬
‫اف بي ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فالمسيح لم يأت إال إلى خ َر َ ْ‬

‫آخر غيره تما ًما‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫شخص َ‬ ‫أيضا المسيح يتحدَّ ث يف البشارة عن‬
‫ً‬
‫يقول المسيح ‪ ‬يف البشارة‪:‬‬
‫الر ِّب ك َ‬ ‫الز ِ ِ ِ ِ‬ ‫ون ُه َو َقدْ َص َار َر ْأ َس َّ‬ ‫ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي َر َف َض ُه ا ْل َبن ُ‬
‫َّاؤ َ‬
‫َان‬ ‫او َية م ْن ق َب ِل َّ‬
‫يب فِي َأ ْع ُينِنَا‪ :‬عجيب يف أعيننا!‬ ‫هذا َو ُه َو َع ِج ٌ‬ ‫َ‬
‫عجيب يف عين بني إسرائيل‪ ،‬ويف عين المسيح!‬
‫أمة أخرى‪ ،‬وهو غير المسيح ‪‬؛‬ ‫إ َذ ْن المتنبأ به هو شخص آخر من ٍ‬
‫ُ َّ‬
‫ولذلك هو عجيب يف عين المسيح نفسه‪ ،‬فلو كان المسيح هو المقصود بالبشارة‬
‫يب فِي َأ ْع ُينِنَا!‬
‫ج ٌ‬‫يب فِي َأ ْع ُينِكم‪ ،‬لكنه قال‪َ :‬و ُه َو َع ِ‬
‫ج ٌ‬‫لقال‪َ :‬و ُه َو َع ِ‬
‫النبي القادم عجيب يف أعينهم؟ ألن النبي محمد ﷺ سيظهر بين‬
‫لكن‪ :‬لماذا ُّ‬
‫قو ٍم أميين ليس فيهم كتاب وال أنبياء وال حضارة‪ ،‬ومع ذلك س ُيقيم اهلل به من‬
‫ممالك األرض‪ ،‬وسوف َتنشر هذه األمة الوثنية ساب ًقا‬
‫ُ‬ ‫الهباء أم ًة عظيم ًة ُتفتح لها‬
‫التوحيد يف جنبات األرض‪ ،‬وهذا ما لم يفعله اليهود عرب تاريخهم على ما كان‬
‫فيهم من أنبياء وتوحيد!‬
‫يب فِي َأ ْع ُينِنَا‬‫هذا َو ُه َو َع ِج ٌ‬
‫َان َ‬
‫الر ِّب ك َ‬ ‫ِ ِ‬
‫م ْن ق َب ِل َّ‬
‫وت اهللِ ُين َْز ُع مِنْ ُك ْم‪َ ،‬و ُي ْع َطى ِألُ َّم ٍة َت ْع َم ُل َأ ْث َم َار ُه‪:‬‬ ‫لِذل ِ َك َأ ُق ُ‬
‫ول َل ُك ْم‪ :‬إِ َّن َم َل ُك َ‬
‫ملكوت اهلل وهو‪ :‬الوحي والرسالة والشريعة واألرض وبيت الرب‪ ...‬س ُينزعون‬

‫‪237‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫ألمة أخرى تعمل بأثمار الشريعة التي أفسدها بنو‬ ‫من بني إسرائيل وينتقلون‬
‫إسرائيل‪﴿ :‬ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ﴾‬
‫[سورة األنبياء‪.]903 :‬‬
‫هذا ا ْل َح َج ِر َيت ََر َّض ُض‪َ ،‬و َم ْن َس َق َط ُه َو َع َل ْي ِه َي ْس َح ُق ُه‪ :‬من سقط‬
‫َو َم ْن َس َق َط َع َلى َ‬
‫النبي‬
‫على هذا الحجر يعني َمن حارب هذا النبي القادم فإنه ينكسر‪ ،‬ومن حاربه ُّ‬
‫بنبي مجاهد!‬
‫فإنه سيسحقه‪ ،‬وهذه بشارة ٍّ‬
‫وهذا الكالم ال ينطبق أبدً ا على المسيح ‪ ‬بأ َّية صورة من الصور‪،‬‬
‫فالمسيح لم يجاهدْ بالسيف بل أتى يف دولة رومانية‪ ،‬وحين قال له اليهود هل‬
‫نعطي الجزية لقيصر أم ال؟‬
‫قال لهم‪ :‬أعطوا ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل‪.‬‬

‫الح َجر الذي رفضه‬


‫فالم ُبشر به هو نبي عظيم من خارج بني إسرائيل‪ ،‬وهو َ‬
‫بنو إسرائيل!‬
‫ب ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي‬
‫لكن يف هذه البشارة يقول المسيح‪َ " :‬أ َما َق َر ْأ ُت ْم َق ُّط فِي ا ْل ُك ُت ِ‬
‫ب"؟‬ ‫ون"‪ ،‬فما معنى‪َ " :‬أ َما َق َر ْأ ُت ْم َق ُّط فِي ا ْل ُك ُت ِ‬ ‫َر َف َض ُه ا ْل َبن ُ‬
‫َّاؤ َ‬
‫أن‪ :‬هذه بشارة موجودة عندهم‬ ‫ب" تعني َّ‬ ‫هذه الكلمة‪َ " :‬أ َما َق َر ْأ ُت ْم َق ُّط فِي ا ْل ُك ُت ِ‬
‫يف كتبهم‪ ،‬وهم يعرفوهنا جيدً ا من قبل أن ُيولد المسيح‪ ،‬فالتوراة أخربت بني‬
‫أن الرسالة ستنتقل ٍ‬
‫ألمة أخرى‪ ،‬ورأى أحدُ أنبيائهم‬ ‫ون َّ‬‫إسرائيل قبل المسيح ب ُقر ٍ‬
‫ُ‬

‫‪238‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫النبي دانيال يف منامه هذا الحجر الذي سيهدم اهلل به ممالك األرض الكافرة!‬
‫وهو ُّ‬
‫فالمسيح ُيذكِّرهم يف هذا النص هبذه البشارة يف ُك ُتبهم؛ لذلك قال لهم‪َ " :‬أ َما‬
‫ب"‪.‬‬‫َق َر ْأ ُت ْم َق ُّط فِي ا ْل ُك ُت ِ‬
‫فهم يعرفون أن نب ًّيا سيأيت من خارج بني إسرائيل و َيلزمهم اتباعه!‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ﴾ [سورة األعراف‪.]938 :‬‬
‫َ‬
‫سيهدم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫اهلل به‬ ‫احلجر اذلي‬ ‫انليب دانيال يف منامه ذلك‬ ‫‪ -29‬لكن كيف رأى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ممالك األرض الوثنية‪ ،‬وكيف ف ِهم هذه البشارة؟‬

‫نفسها أخرب هبا المسيح تالميذه‬


‫بشر هبا دانيال‪ ،‬والتي هي ُ‬ ‫هذه البشارة التي َّ‬
‫بعد قرون من وفاة دنيال ُمذك ًِّرا إياهم هبا‪ُ ،‬ت َعدُّ من أهم بشارات العهد القديم عن‬
‫قدوم النبي محمد ﷺ‪ ،‬وعن قدوم األمة اإلسالمية‪ ،‬حتى قال قسيس إرميا‬
‫ٍ‬
‫نبوءة عن ال َبعثة‬ ‫وأوضح‬ ‫أروع‬ ‫السابق عبد األحد داود عن هذه البشارة‪" :‬لعلها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الر ُسل"(‪.)1‬‬
‫النبوية ألعظم البشر وخاتم ُّ‬
‫لقد رأى دانيال يف منامه ممالك األرض العظيمة‪ ...‬رآها بالتفصيل‪ ،‬ثم ظهر‬
‫ُ‬
‫دانيال األم َة العظيم َة‬ ‫الحجر الذي س َيهدم اهلل به هذه الممالك الكافرة‪ ،‬ورأى‬
‫الموحدة التي ستأيت يف منتصف القرن السابع الميالدي ( حوالي ‪ 320‬م‪ ).‬و ُتفتح‬
‫هذه الممالك‪ ...‬ومنتصف القرن السابع الميالدي هو تحديدً ا زمن الخالفة‬
‫الراشدة‪ ،‬تخ َّي ْل يتحدث دانيال عن هذه البشارة قبل حصولها بأكثر من ألف عام!‬
‫وكآلن لنبدأ ا شطح بشااة ك تال‪:‬‬
‫القدس مدين ًة عظيم ًة حكمها أنبيا ُء اهلل الكرام كداود وسليمان‪ ،‬وساد‬
‫ُ‬ ‫كانت‬

‫(‪ )1‬محمد ﷺ كما ورد يف كتاب اليهود والنصارى‪ ،‬عبد األحد داود‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ص‪.87‬‬

‫‪239‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫النقي؛ لكن بعد زمن طويل بدأت تنتشر الوثنيات يف بني إسرائيل‬
‫ُّ‬ ‫فيها التوحيد‬
‫اهلل أنبياءه أنه س ُيبدل نعمته على بني إسرائيل‬
‫وبدأ يظهر فيهم الفساد فأخرب ُ‬
‫وسوف تسبيهم األمم؛ وبالفعل يف القرن الخامس قبل الميالد حصل ما ُيعرف‬
‫وخ ْذن ََّص َر‪.‬‬
‫تم سبي بني إسرائيل إلى بابل على يد َن ُب َ‬
‫بـ‪" :‬السبي البابلي" حيث َّ‬

‫عظيم من أعظم أنبياء أهل الكتاب‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫نبي‬
‫ويف مدينة بابل‪ ...‬مدينة السبي كان هناك ٌّ‬
‫النبي دانيال ‪ ،‬وهذا النبي وردت بعض األحاديث بشأنه يف سندها‬‫ُيدعى ُّ‬
‫نظر؛ منها ما روي عن النبي ﷺ أنه قال‪" :‬مع ل ععَ ك ٍ‬
‫تال بشطوه بالجنة"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬

‫‪240‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نظر‪ ،‬لكن الذي حدث بالفعل أنَّه عندما فتح الصحاب ُة‬
‫والحديث يف سنده ٌ‬
‫ٍ‬
‫سرير لم يتغ َّي ْر منه‬ ‫عظيما على‬
‫ً‬ ‫رجال‬ ‫مدينة ُتستَر وجدوا يف بيت مال ُ‬
‫الهر ُمزان ً‬
‫النبي دانيال‪،‬‬
‫شيء مع أنَّه قد مات منذ أكثر من ألف عام‪ ،‬فسألوا عنه وعلموا أنَّه ُّ‬
‫ِ‬
‫بسرير هذا النبي العظيم ف ُيم َطرون!‬ ‫وكان أهل ُتستَر إذا ُحبس عنهم المطر َبرزوا‬
‫أرسل الصحاب ُة إلى عمر بن الخطاب ﭬ بشأن هذا النبي ماذا يفعلون معه؟‬
‫تفر َقةً‪ ،‬فلما كان باللي ِل دفنوه يف أحدها حتى ال‬
‫عشر قربًا ُم ِّ‬
‫َ‬ ‫فحفروا ثالث َة‬
‫َيهتدي له الناس‪ ،‬و ُيفتنون به‪ ،‬ويتع َّلقون به من دون اهلل ‪.‬‬
‫نبوءات بشأن ما‬
‫ٌ‬ ‫وكان الصحابة قد وجدوا عند رأس هذا النبي كتا ًبا فيه‬
‫سيأيت من األيام‪ ،‬أخذ الصحابة الكتاب وأرسلوه ل ُع َم َر بن الخطاب ﭬ‪.‬‬

‫فر ٌ‬
‫كامل من أسفار التوراة‬ ‫ِ‬
‫كتاب النبوءات هذا الذي وجدوه عند رأسه هو س ٌ‬
‫المقدَّ س‬
‫ما زال موجو ًدا بين أيدي اليهود والنصارى حتى الساعة ضمن الكتاب ُ‬
‫وهو المعروف بـ"سفر دانيال"!‬
‫ومن عجيب أمر الدنيا َّ‬
‫أن هذا السفر يتن َّبأ بزمن عمر بن الخطاب ﭬ‪...‬‬
‫يتن َّبأ بفتح اهلل على يد األمة اإلسالمية لممالك األرض‪ ،‬وربما دعا دنيال ر َّبه أن‬

‫‪241‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تتولى هذه األمة دفنه يف ذاك الزمن!‬


‫واآلن سنبدأ يف سرد بشارة هذا السفر العجيبة‪:‬‬
‫وخ ْذن ََّص َر ملك بابل‪ ،‬وكانت مملكة‬
‫سفر دانيال برؤيا غريبة رآها الملك َن ُب َ‬
‫يبتدئ ُ‬
‫ُ‬
‫بابل يف ذاك الوقت بمثابة أمريكا العالم القديم‪ ،‬وقد رأى هذا الملك تلك الرؤيا‪ ،‬وقد‬
‫تفسيرا ولم يفهم معناها‪،‬‬
‫ً‬ ‫سيطرت على عقله وأفقد ْت ُه النوم؛ إذ لم يعرف لهذه الرؤيا‬
‫فأرسل إلى الحكماء من األمم المختلفة‪ ،‬وأرسل إلى شيوخ اليهود‪ ،‬وأرسل إلى‬
‫وخ ْذن ََّص َر اشرتط على‬
‫لكن الملك َن ُب َ‬
‫العرافين والسحرة؛ ليفسروا له هذه الرؤيا‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫أن المفسر صادق يف تفسيره‪.‬‬ ‫أوال‪ ،‬ثم يفسرها له حتى يتأكَّد َّ‬
‫المفسر أن يخربه بالرؤيا ً‬
‫ِ‬
‫المفسر ماذا رأى الملك يف منامه‪ ،‬ثم يبدأ يف تفسير الرؤيا له!‬ ‫فالمطلوب ْ‬
‫أن يعرف‬
‫وهبذا الشرط العجيب لم يتقدَّ ْم أحد من كل الحضور لتفسير الرؤيا‪ ،‬ولم‬
‫يجرؤ أحد على الكالم!‬
‫وخ ْذن ََّص َر‬ ‫َ‬
‫دانيال باعتباره أحد األشخاص الذين أحضرهم َن ُب َ‬ ‫النبي‬
‫وهنا طلب َّ‬
‫ليفسروا له الرؤيا‪ ،‬طلب بعض الوقت‪ ،‬فبدأ يصلي ويدعو اهلل ‪ ،‬ثم عاد‬
‫للملك وقال‪ :‬أنا أخربك بالرؤيا التي أنت رأيتَها‪:‬‬

‫‪242‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الس ُّر ا َّل ِذي َط َل َب ُه ا ْل َملِ ُك َال َت ْق ِد ُر ا ْل ُح َك َما ُء‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب َدانِ ُ‬
‫يال ُقدَّ ا َم ا ْل َملك َو َق َال‪ِّ :‬‬ ‫َأ َج َ‬
‫ون َع َلى َأ ْن يبينُوه ل ِ ْلملِ ِ‬ ‫وس‪َ ،‬و َال ا ْل ُمن َِّج ُم َ‬
‫ك‪ :‬ال أحد‬ ‫ُ َ ِّ ُ َ‬ ‫الس َح َر ُة‪َ ،‬و َال ا ْل َم ُج ُ‬
‫َو َال َّ‬
‫اهلل أوحى لي‬
‫رأيت يف منامك‪ ،‬لكن َ‬ ‫يعرف رؤياك؛ َّ‬
‫ألن هذا غيب‪ ،‬ال نعرف ماذا َ‬
‫رأيت أيها الملك!‬
‫بما َ‬
‫ون فِي األَ َّيا ِم‬ ‫ف ا ْل َملِ َك َن ُب َ‬
‫وخ ْذن ََّص َر َما َي ُك ُ‬ ‫ف األَ ْس َر ِار‪َ ،‬و َقدْ َع َّر َ‬ ‫فاهلل ك ِ‬
‫َاش ُ‬
‫األَ ِخ َير ِة‪ :‬هذه الرؤيا التي أنت رأيتها هي نبوءة بقادم األيام‪.‬‬
‫فقال دانيال للملك‪:‬‬
‫أنت ُح ْل ُم َك هكذا‪ :‬ها هي الرؤيا التي أنت رأيتها‪...‬‬
‫ب‪َ ،‬صدْ ُر ُه‬ ‫ال مِ ْن َذ َه ٍ‬ ‫هذا التِّم َث ِ‬
‫ْ‬ ‫يما‪ .‬ر ْأ ُس َ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأنت رأيت يف منامك ت ْم َث ًاال َعظ ً‬
‫يد‪َ .‬قدَ َما ُه َب ْع ُض ُه َما مِ ْن‬
‫اس‪ ،‬سا َقاه مِن ح ِد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوذ َرا َعا ُه م ْن ف َّضة‪َ .‬ب ْطنُ ُه َو َف ْخ َذا ُه م ْن ُن َح ٍ َ ُ ْ َ‬
‫يد‪ ،‬وا ْلبع ُض مِن َخ َز ٍ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ِ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َحد َ َ ْ‬
‫دانيال ويقول‪:‬‬‫ُ‬ ‫ي ِ‬
‫كمل‬ ‫ُ‬

‫ُكن َْت َتنْ ُظ ُر أيها الملك وفجأ ًة ُقطِ َع َح َج ٌر بِ َغ ْي ِر َيدَ ْي ِن‪ :‬انتبهوا " ُقطِ َع َح َج ٌر بِ َغ ْي ِر‬
‫َيدَ ْي ِن" هذا هو الحجر الذي تحدَّ ث عنه المسيح ‪ ‬يف البشارة السابقة‪،‬‬
‫والتي فيها أخربهم َّ‬
‫أن اليهود يعرفون هذه البشارة جيدً ا‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُقطِ َع َح َج ٌر بِ َغ ْي ِر َيدَ ْي ِن‪ :‬أي من ِق َبل اهلل ظهر‪ ،‬وليس‬


‫من عند البشر‪.‬‬
‫يد و َخ َز ٍ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫َف َض َر َب الت ِّْم َث َال َع َلى َقدَ َم ْيه ال َّل َت ْي ِن م ْن َحد َ‬
‫َف َس َح َق ُه َما‪ :‬هذا الحجر س ُيحطم هذا التمثال العظيم‪.‬‬
‫اس َوا ْل ِف َّض ُة‬
‫ف َوالن َُّح ُ‬ ‫َفان َْس َح َق ِحين َِئ ٍذ ا ْل َح ِديدُ َوا ْل َخ َز ُ‬
‫ب َم ًعا‪َ ،‬أ َّما ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي َض َر َب الت ِّْم َث َال َف َص َار‬ ‫الذ َه ُ‬ ‫َو َّ‬
‫َج َب ًال َكبِ ًيرا‪َ ،‬و َمألَ األَ ْر َض ُك َّل َها‪ :‬الحجر الذي د َّمر هذا‬
‫األرض‪ ،‬وانتشرت رسالة اإلسالم‬
‫َ‬ ‫التمثال مأل األرض‪ ...‬مألت األم ُة اإلسالمي ُة‬
‫يف أصقاع المعمورة وما زالت تنتشر‪.‬‬
‫هذا ُهو ا ْلح ْلم‪َ .‬فنُ ْخبِر بِ َتعبِ ِير ِه ُقدَّ ام ا ْلملِ ِ‬
‫ك‪ :‬هنا انتهى ُحلم الملك‪ ،‬وسيبدأ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫الحلم‪.‬‬
‫دانيال يف تفسير هذا ُ‬
‫سيبدأ دانيال يف تأويل هذه الرؤيا‪ ،‬وهذه الرؤيا هي نبوءة بأرب ِع ممالك‬
‫ستظهر‪ ،‬ثم يأيت الحجر الذي سيسحق هذه الممالك األربع!‬
‫الر ْأ ُس مِ ْن َذ َه ٍ‬
‫ب‪ :‬إ َذ ْن أول مملكة يف هذه‬ ‫يقول دانيال‪ :‬أن َْت َأ ُّي َها ا ْل َملِ ُك َ‬
‫هذا َّ‬
‫النبوءة هي مملكة الملك نبوخذ نصر ملك بابل‪ ،‬وهي رأس الذهب يف الرؤيا‬
‫التي رآها الملك‪.‬‬
‫َو َب ْعدَ َك َت ُقو ُم َم ْم َل َك ٌة ُأ ْخ َرى َأ ْص َغ ُر مِن َْك‪ :‬بعد مملكة بابل ستظهر مملكة‬
‫أصغر منها‪ ،‬ثم تظهر بعدهما‪:‬‬
‫َم ْم َل َك ٌة َثال ِ َث ٌة ُأ ْخ َرى مِ ْن ُن َح ٍ‬
‫اس َف َتت ََس َّل ُط َع َلى ُك ِّل األَ ْر ِ‬
‫ض‪.‬‬
‫ون ُمنْ َق ِس َمةً‪ ،‬بعضها‬
‫يد‪ ،‬لكنها َت ُك ُ‬ ‫ثم تظهر مم َل َك ٌة رابِع ٌة ص ْلب ٌة كَا ْلح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يد قو َّية‪ ،‬وبعضها كالخزف‬ ‫كا ْلح ِد ِ‬
‫َ‬
‫فماذا سيحصل بعد هذه الممالك األربع؟‬

‫‪244‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫قائال‪:‬‬
‫يخرب دانيال الملك ً‬

‫بعد هذه األيام‪ ...‬بعد ظهور هذه الممالك األربع‪:‬‬


‫ات َم ْم َل َك ًة َل ْن َتنْ َق ِر َض َأ َبدً ا‪ُ :‬أمة من قِبل اهلل!‬
‫ي ِقيم إِله السماو ِ‬
‫ُ ُ ُ َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫أنفسهم‬ ‫عدو مِن سوى‬ ‫آخ َر‪ :‬ال يتس َّلط عليها‬ ‫ب َ‬ ‫َو َملِ ُك َها َال ُيت َْر ُك ل ِ َش ْع ٍ‬
‫ٌّ‬
‫ستبيح َب ْي َضتَهم!‬
‫َ‬ ‫ف َي‬
‫هذ ِه ا ْل َم َمال ِ ِك‪ُ :‬أ َّمة ستظهر وتقهر كل هذه اإلمرباطوريات‬ ‫و َتسح ُق و ُت ْفنِي ُك َّل ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫التمثال العظيم‪.‬‬‫َ‬ ‫األربع‪ ...‬ستحطم هذا‬
‫شرعها إلى قيام الساعة!‬ ‫َو ِه َي َت ْث ُب ُت إِ َلى األَ َب ِد‪ :‬سيبقى ُ‬
‫حجرا من ِقبل اهلل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ألَن ََّك َر َأ ْي َت َأ َّن ُه َقدْ ُقطِ َع َح َج ٌر مِ ْن َج َبل َال بِ َيدَ ْي ِن‪ :‬يعني‬
‫فمن َيقوى على هذه األمة؟‬ ‫بصنع بشر‪َ ،‬‬ ‫وليس ُ‬
‫ب‪ :‬سحق هذه اإلمرباطوريات‬ ‫ف َوا ْل ِف َّض َة َو َّ‬
‫الذ َه َ‬ ‫اس َوا ْل َ‬
‫خ َز َ‬ ‫ِ‬
‫َف َس َح َق ا ْل َحديدَ َوالن َُّح َ‬
‫األربع‪.‬‬
‫يال‪َ ،‬و َس َّل َط ُه‬‫وخ ْذن ََّص َر هذا الكالم َخ َّر َع َلى َو ْج ِه ِه َو َس َجدَ لِدَ انِ َ‬ ‫سمع َن ُب َ‬ ‫بعد أن ِ‬

‫وخ ْذن ََّص َر‬ ‫اء َبابِ َل‪ :‬لقد تي َّقن َن ُب َ‬ ‫َع َلى ُك ِّل ِو َالي ِة بابِ َل‪ ،‬وجع َله ر ِئيسا َع َلى ج ِمي ِع ح َكم ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ً‬ ‫َ َ‬
‫وخ ْذن ََّص َر‬ ‫َّ‬
‫أن هذا هو تفسير الرؤيا‪ ،‬فدانيال أخربه بما رأى بالضبط‪ ،‬فلم يتمالك َن ُب َ‬
‫جائزا قبل اإلسالم‪.‬‬
‫فخر على وجهه ساجدًّ ا له‪ ،‬وكان هذا ً‬ ‫نفسه َّ‬
‫والعجيب َّ‬
‫أن هذه الرؤيا حصلت بحرفها!!!‬

‫‪245‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أربع إمرباطوريات عمالقة حكمت األرض‪ ،‬وبعدها ظهر‬ ‫ُ‬ ‫لقد ظهرت‬
‫اإلسالم‪ ،‬وانتصر اإلسالم على هذه اإلمرباطوريات األربع وأعادت التوحيد!‬
‫َّ َّ‬ ‫ا‬
‫‪ -31‬لكن تبىق رؤيا هذا امللك اغمضة حتتاج تلفاصيل أكرث؛ حىت نتأكد أن‬
‫انتشاره يف األرض‪ ...‬أليس كذلك؟‬
‫ِ‬ ‫املقصود بها يف انلهاية هو اتلبشري بظهور اإلسلم و‬

‫النبي دانيال ‪ ‬بعد‬ ‫َّ‬


‫ستحصل مفاجأ ٌة تجيب عن هذا السؤال‪ ،‬وهي أن َّ‬
‫وخ ْذن ََّص َر‬
‫وخ ْذن ََّص َر سيرى هو بنفسه نفس الرؤيا التي رآها َن ُب َ‬ ‫ٍ‬
‫سنوات من رؤيا َن ُب َ‬
‫ومالمح أوضح‪ ،‬وهذه الرؤيا ستفسرها له المالئكة؛ حتى‬
‫َ‬ ‫لكن بتفاصيل َّ‬
‫أدق‪،‬‬
‫نتأكَّد َّ‬
‫أن المقصود بالفعل هو البشارة بظهور اإلسالم‪ ،‬والنبي محمد ﷺ‪.‬‬
‫النبي العظيم الذي سيأيت‬
‫سيرى دانيال يف رؤياه الممالك األربع‪ ،‬وسيرى ُّ‬
‫َ‬
‫زمان َبعثة هذا النبي بالضبط؛ فدعونا نقرأ رؤيا‬ ‫ُ‬
‫دانيال‬ ‫وتسود أمته‪ ،‬بل وسيعرف‬
‫دانيال ‪ ‬التي رآها بنفسه‪:‬‬

‫يم ٍة تصعد من البحر‪ :‬األمم األربع‪.‬‬ ‫ِ‬


‫يال ُح ْل ًما؛ َأ ْر َب َع َة وحوش َعظ َ‬ ‫َر َأى َدانِ ُ‬
‫َاحا ن َْس ٍر‪ .‬والثاين َشبِي ٌه بِالدُّ ِّب‪َ ،‬وفِي َف ِم ِه َث َال َث ُة َأ ْض ُلعٍ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األَ َّو ُل كَاألَ َسد َو َل ُه َجن َ‬
‫َان ل ِ ْل َو ْح ِ‬
‫ش َأ ْر َب َع ُة‬ ‫والثالث مِ ْث ُل الن َِّم ِر َو َل ُه َع َلى َظ ْه ِر ِه َأ ْر َب َع ُة َأ ْجن ِ َح ِة َطائِ ٍر‪َ .‬وك َ‬
‫ُ‬
‫وس‪َ ،‬و ُأ ْعطِ َي ُس ْل َطانًا‪ :‬المملكة الثالثة لها أربع ُة رؤوس انتبهوا‪.‬‬ ‫ُر ُؤ ٍ‬
‫بعد ذلك ماذا رأى؟‬

‫‪246‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الرابعٍ‪ :‬المملكة الرابعة‪.‬‬ ‫الو ْحش َّ‬ ‫رأى‪َ :‬‬


‫فهو َهائِ ٌل َو َق ِو ٌّي َو َش ِديدٌ ِجدًّ ا‪ :‬مملكة باطشة قوية وللمملكة‪:‬‬
‫ون‪ :‬هذه مملكة لها عشرة قرون‪ ...‬أي عشرة ملوك‪ ،‬تنطح هبذه القرون!‬ ‫َع َشر ُة ُقر ٍ‬
‫َ ُ‬
‫آخ َر َص ِغ ٍير َط َل َع َب ْين ََها‪ :‬إ َذ ْن أصبح لدينا أحد‬ ‫ون‪َ ،‬وإِ َذا بِ َق ْر ٍن َ‬ ‫ُكن ُْت م َت َأم ًال بِا ْل ُقر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ظهر قد َسق َطت من‬ ‫ِ‬
‫عشر قرنًا‪ ...‬أحد عشر َمل ًكا‪ .‬القرن الحادي عشر هذا الذي َ‬
‫حوله ثالث ُة قرون؛ وهذا القرن الحادي عشر سيكون أفسد هذه القرون؛ ألنه‬
‫سينشر الكفر‪ ،‬و ُيحرف الدين‪ ،‬ويتكلم بِ َع َظائِ َم‪.‬‬
‫َأ َّما َباقِي الوحوش الثالثة السابقة‪ :‬الممالك الثالث ُن ِز َع َعن ُْه ْم ُس ْل َطا ُن ُه ْم‪،‬‬
‫ان وو ْق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َولكِ ْن ُأ ْع ُطوا ُط َ‬
‫دوال صغيرةً‪ ،‬ولم‬ ‫ت‪ :‬حيث أصبحوا ً‬ ‫ول َح َياة إِ َلى َز َم َ َ‬
‫ٍ‬
‫إمرباطوريات‪.‬‬ ‫يعودوا‬
‫وبعد هذه الممالك األربع ماذا رأى دانيال؟‬

‫‪247‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وفجأةً‪ ،‬ومع سحب السماء يظهر ابن إِنْس ٍ‬


‫ان‪ :‬الحجر الذي سيأيت يف آخر الزمان‪.‬‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫َأ َتى َو َجا َء إِ َلى ا ْل َق ِد ِ‬
‫يم األَ َّيامِ‪َ ،‬ف َق َّر ُبو ُه ُقدَّ ا َم ُه‪ :‬وهذه بشارة واضحة باإلسراء‬
‫عرج هبذا النبي القادم‪ ،‬ويصعد إلى السماء!‬ ‫والمعراج؛ حيث س ُي َ‬
‫وب َو ْاألُ َم ِم َواألَ ْل ِسن َِة‪:‬‬ ‫َف ُأ ْعطِ َي ُس ْل َطانًا َو َم ْجدً ا َو َم َل ُكو ًتا؛ ل ِ َت َت َع َّبدَ َل ُه ُك ُّل ُّ‬
‫الش ُع ِ‬
‫األمم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ونبوةً؛ فهو سيكون نب ًّيا مجاهدً ا تخضع له‬ ‫حكما وتشري ًعا َّ‬ ‫ً‬ ‫ُأعطي‬
‫ول‪َ ،‬و َم َل ُكو ُت ُه َما َال َينْ َق ِر ُض‪ :‬ستبقى ُأ َّم ُت ُه‬ ‫ان َأ َب ِد ٌّي َما َل ْن َي ُز َ‬ ‫ُس ْل َطا ُن ُه ُس ْل َط ٌ‬
‫وتشري ُع ُه إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫يفهمها‪ ،‬فاقرتب من أحد‬
‫ْ‬ ‫تعجب من هذه الرؤيا ولم‬
‫دانيال ‪َّ ‬‬
‫المالئكة راج ًيا منه أن ُيفسر له ما يرى!‬

‫ض‪.‬‬ ‫يم ُة ِهي َأ ْر َب ُع ممالك تقوم َع َلى األَ ْر ِ‬ ‫هؤ َال ِء ا ْلوحوش ا ْلعظِ‬
‫فقال له الم َل ُك‪ُ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يسو ا ْل َعلِي الذين س َي ْأ ُخ ُذ َ‬
‫ون ا ْل َم ْم َل َكةَ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫وبعد هذه الممالك األربع سيظهر قدِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َي ْمتَلِ ُك َ‬
‫الحكم والتشريع‬ ‫ين‪ :‬سيكون فيهم ُ‬ ‫ون ا ْل َم ْم َل َك َة إِ َلى األَ َبد َوإِ َلى َأ َبد اآلبِد َ‬
‫من ِق َبل اهلل إلى قيام الساعة‪ ...‬سيكونون ُأ َّم ًة مجاهدةً!‬
‫الراب ِع تلك األمة الشرسة التي لها عشرة قرون‪:‬‬
‫وهنا دانيال استوقفه الوحش َّ‬
‫عشرة ملوك!‬
‫واستوقفه ذاك القرن الحادي عشر الذي سيتكلم بالكفر؛ أراد دانيال ْ‬
‫أن‬
‫تظه َر األمة‬
‫يفه َم َمن يكونون هؤالء؟ وهذه نقطة جوهرية يف رؤيا دانيال؛ ألنه لن َ‬
‫َ‬
‫العظيمة‪ ...‬قِديسو العلي‪ ،‬الذين سيعيدون التوحيد إال بعد ظهور هذا الملك‬
‫الحادي عشر محارب الموحدين!‬

‫‪248‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فما هي صفات هذا القرن الحادي عشر؟‬

‫هذا القرن الحادي عشر الذي له َف ٌم ُم َت َك ِّل ٌم بِ َع َظ ِائ َم‪َ ،‬و َمنْ َظ ُر ُه َأ َشدُّ مِ ْن ُر َف َقائِ ِه‪.‬‬ ‫َو َ‬
‫ارب ا ْل ِقدِّ ِ‬
‫يسي َن َف َغ َل َب ُه ْم‪ :‬هذه صفاته‪ُ ...‬يحارب الصالحين الموحدين‪.‬‬ ‫ُي َح ِ ُ‬
‫يم األَ َّيامِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدين‪.‬حتَّى َجا َء ا ْل َقد ُ‬ ‫َ‬ ‫وينشر عظائم‪ :‬أي تحريفات عظيمة يف‬
‫يس ِي ا ْل َعلِ ِّي‪ :‬أعطى التشريع واألرض لألمة المؤمنة الموحدة‪.‬‬ ‫و ُأ ْعطِي الدِّ ين ل ِ ِقدِّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون ا ْل َم ْم َل َكةَ‪ :‬هزموا مملكة هذا القرن الحادي عشر؛ فقد فتح‬ ‫ِ‬
‫يس َ‬‫َفا ْم َت َل َك ا ْلقدِّ ُ‬
‫اهلل لهم األرض‪.‬‬
‫ُ‬
‫إ َذ ْن سيأيت عشرة ملوك "القرون العشرة" من المملكة الرابعة‪ ،‬ويقوم بعدهم‬
‫وسيهلك أمامه ثالثة ملوك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الملك الحادي عشر‪،‬‬
‫وهذا القرن الحادي عشر س َي َت َك َّل ُم بِ َك َال ٍم ِضدَّ ا ْل َعلِ ِّي‪ ،‬وس ُيحرف الدين‪.‬‬
‫لكن كم يا ُترى سيبقى فساده يف األرض إلى أن يظهر قديسو العلي؟‬
‫نرتك دانيال ‪ُ ‬يجي ُبنا عن هذا السؤال‪:‬‬

‫ون ل ِ َي ِد ِه‪ُ :‬يس ِّلمون لسلطانه‪.‬‬


‫َو ُي َس َّل ُم َ‬
‫ان و َأ ْزمِن ٍَة ونِص ِ‬
‫ف َزم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ان‪ :‬أي ستظل إمرباطوريته مسيطر ًة على األرض‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫إِ َلى َز َم َ‬

‫‪249‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫ونصف زمان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وأزمنة‬ ‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫إلى‬
‫أي‪ :‬إلى قرن وقرنين ونصف قرن‪ ،‬أي‪ :‬حوالي ثالثمائة وخمسين عا ًما‪.‬‬
‫ألن الزمان بحسب الكتاب المقدس يعادل مائة عام(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫آخر األمم‪ِ ...‬قدِّ ِ‬
‫يسو ا ْل َعلِ ِّي‪ ،‬الذين ستبقى‬ ‫ِ‬
‫بعد ثالثمائة وخمسين عا ًما ستأيت ُ‬
‫شريع ُتهم إلى قيام الساعة‪ ،‬ويملكون الممالك‪ ،‬بل ويملكون مملكة هذا الملك‬
‫الحادي عشر نفسها‪.‬‬

‫هذه كانت هناية النبوءة العجيبة من دانيال ‪!‬‬


‫فماذا حصل يف تاريخ األمم بعد هذه النبوءة؟‬
‫العجيب َّ‬
‫أن كل ما يف هذه النبوءة حصل وبنفس الصورة يف تلك الرؤيا!‬

‫‪ -31‬قبل أن تقوم بتزنيل األحداث يف نبوءة دانيال ىلع الواقع؛ كيف نتأكد أن‬
‫ِسفر دانيال مكتوب قبل اإلسلم؟‬

‫أمر ال خالف عليه‬


‫مكتوب قبل اإلسالم بحوالي ألف عامٍ‪ ،‬هذا ٌ‬
‫ٌ‬ ‫سفر دانيال‬
‫بين المؤرخين‪ ،‬وسفر دانيال هو ضمن الرتجمة السبعينية؛ والرتجم ُة السبعيني ُة‬
‫باالتفاق كانت قبل الميالد بثالثة قرون كاملة‪.‬‬
‫وحين تناول يوسيفوس المؤرخ الشهير يف القرن الثاين الميالدي‪ ،‬أي‪ :‬قبل‬

‫(‪ )1‬الزمان هو لفظ كتابي يعادل‪ :‬مائة عام‪ ،‬انظر‪ :‬سفر رؤيا إبراهيم –وهو من األسفار األبوكريفا‪-‬‬
‫اإلصحاح ‪ 18‬عدد ‪.3‬‬

‫‪250‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫اإلسالم بأربعة قرون كاملة حين تناول نبوءة دانيال ذكر الممالك األربع‪ ،‬وقال‬
‫َّ‬
‫إن الحجر الذي سيضرب الممالك األربع لم يظهر بعدُ (‪.)1‬‬
‫فالناس كانوا ينتظرون كيف ستتح َّقق نبوءة دانيال‪.‬‬
‫وكانوا يتساءلون‪َ :‬من هي ْاألُ َّمة التي ستعيد التوحيد‪ ،‬وتحارب األمم الكافرة؟‬
‫وكآلن بدأ ا منزيل بوءة ك تال ععَ كألحدكث كلتاايختة‪:‬‬
‫ظهر دانيال يف مملكة بابل؛ إ َذ ْن أول مملكة وأول َو ْحش رآه النبي دانيال‬
‫المجنَّح بأجنحة ن َْسر‪.‬‬
‫كانت المملكة البابلية الكلدانية‪ ،‬وهي األسد ُ‬
‫المجنَّح كان ر ْم َز المملكة البابلية الكِلدانية‪ ،‬وتوجد‬
‫وهذا الرمز األسد ُ‬
‫صور ُه على معابدها حتى اليوم‪.‬‬
‫ُ‬

‫وبعد هذا الوحش‪ ...‬بعد هذه المملكة البابلية الكلدانية‪ ،‬ظهرت المملكة‬

‫‪)1( Flavius Josephus, Jewish Antiquities, P.121‬‬


‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬يجدونه مكتو ًبا عندهم‪ ،‬ص‪.930‬‬

‫‪251‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأسس واحد ًة من أكرب‬


‫الفارسي على بابل‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫الفارسية حين استولى كورش‬
‫إمرباطوريات العالم القديم‪ :‬اإلمرباطورية الفارسية‪.‬‬

‫ٍ‬
‫كبيرة‬ ‫ٍ‬
‫ألجزاء‬ ‫واألضالع الثالثة يف الرؤيا هي امتالك اإلمرباطورية الفارسية‬
‫أعلم‪.‬‬
‫من مشارق األرض ومغارهبا يف القارات الثالثة واهلل ُ‬
‫أما المملكة الثالثة يف نبوءة دانيال‪ ،‬فهي مملكة اإلسكندر األكرب التي ظهرت بعد‬
‫مملكة فارس‪ ،‬وقد ُرمز لها يف النبوءة برمز النمر ذي األجنحة والرؤوس األربعة‪.‬‬

‫صفة النمر لسرعة انتشار مملكة اإلسكندر يف األرض‪.‬‬


‫بج ًال بالفعل يف الثقافة اليونانية‪ ...‬ثقافة اإلسكندر األكرب‪ ،‬وكان‬
‫والنمر كان ُم َّ‬

‫‪252‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫اإلسكندر األكرب يرتدي يف المعارك الكربى خوذ ًة بوجه نمر‪.‬‬


‫والرؤوس األربعة يف رؤيا دانيال‪ :‬ترمز النقسام المملكة بعد وفاة اإلسكندر‬
‫األكرب إلى أربع ممالك‪.‬‬

‫أما الوحش الرابع‪ ...‬الوحش الضخم يف رؤيا دانيال فهو المملكة الرومانية‪...‬‬
‫تلك اإلمرباطورية الرومانية الج َّبارة‪.‬‬
‫ب منها‬
‫والقرون العشرة التي ظهرت من هذا الوحش يف النبوءة‪ ،‬والتي تع َّج َ‬
‫النبي دانيال ‪ ،‬فهي نبوءة بعشرة أباطرة رومان سوف َيضطهدون‬ ‫ُّ‬
‫النصارى الموحدين؛ وهذا بالضبط ما حصل يف القرون الثالثة األولى بعد رفع‬
‫المسيح ‪.‬‬
‫ولذلك ُتسمى االضطهادات التي حصلت على يد هؤالء األباطرة الرومان‪...‬‬
‫تسمى باالضطهادات العشرة يف تاريخ المسيحية‪.‬‬
‫فهم عشرة أباطرة رومان اضطهدوا النصارى الموحدين وحاربوهم وقاتلوهم‪:‬‬

‫‪253‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبعد هؤالء األباطرة العشرة الذين بطشوا بالمؤمنين َظهر القرن الحادي‬
‫عشر‪ ...‬اإلمرباطور الحادي عشر‪ ...‬أخطر أباطرة الدولة الرومانية‪ ،‬وهذا‬
‫اإلمرباطور ستنهار أما َم ُه ثالث ُة قرون‪ :‬أي س ُيقاتل ثالثة ملوك أقوياء ويهزمهم‬
‫الحكم‪ ،‬وسوف يروج للكفر " َك َال ٍم ِضدَّ ا ْل َعلِ ِّي"!‬
‫ُ‬ ‫ويستقر إلمرباطوريته‬

‫‪254‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فمن هو يا ُترى هذا القرن؟‬


‫من المعلوم تاريخ ًّيا أنَّه بعد األباطرة العشرة الرومان المشهورين باضطهاد‬
‫النصارى الموحدين‪ ،‬ظهر اإلمرباطور قسطنطين‪ ...‬قسطنطين الكبير!‬
‫(‪)1‬‬ ‫إ َذ ْن القرن الحادي عشر هو قسطنطين الكبير!‬
‫وهذا اإلمرباطور بالفعل قد تغ َّلب على منافسيه الثالثة –القرون الثالثة‪-‬‬
‫كما هو معلوم تاريخ ًّيا‪.‬‬
‫هؤالء المنافسون الثالثة هم‪:‬‬
‫ْيوس ‪Maxentius‬‬
‫ِ‬
‫اإلمرباطور ماكسنت ُ‬
‫ِ‬
‫واإلمرباطور ماكسيمينُوس الثاين ‪Maximinus II‬‬

‫واإلمرباطور ِلي ُ‬
‫سينيوس ‪Licinius‬‬

‫واستقر له الحكم!‬
‫َّ‬ ‫كلهم قهرهم قسطنطين الكبير‪،‬‬
‫لكن كيف ينطق هذا القرن "قسطنطين الكبير" بالكفر والعظائم‪ ،‬كما ورد يف‬
‫رؤيا دانيال؟‬

‫(‪ )1‬محمد ﷺ كما ورد يف كتاب اليهود والنصارى‪ ،‬عبد األحد داود‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ص‪.87‬‬

‫‪255‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َو َي َت َك َّل ُم بِ َك َال ٍم ِضدَّ ا ْل َعلِ ِّي‪ :‬يتكلم بكالم ُكفر‪.‬‬


‫يسي ا ْل َعلِ ِّي‪ :‬يحارب المؤمنين الموحدين ويضطهدهم‪.‬‬ ‫ويبلِي ِقدِّ ِ‬
‫َ ُْ‬
‫السنَّةَ‪ :‬س ُيغير األيام المقدسة‪.‬‬ ‫َو َي ُظ ُّن َأ َّن ُه ُي َغ ِّي ُر األَ ْو َق َ‬
‫ات َو ُّ‬
‫ان و َأ ْزمِن ٍَة ونِص ِ‬
‫ٍ‬ ‫ويس َّلم َ ِ ِ ِ‬
‫ف َز َمان‪ :‬سيبقى ُطغيان إمرباطوريته‬ ‫َ ْ‬ ‫ون ل َيده إِ َلى َز َم َ‬ ‫ََُ ُ‬
‫يف األرض ثالثة قرون ونصف القرن‪.‬‬
‫اإلمرباطور قسطنطين الكبير حتى يوصم بكل هذه الصفات البشعة؟‬
‫ُ‬ ‫فماذا فعل‬
‫العجيب أ َّن قسطنطين الكبير بالفعل هو أخطر شخص َّية يف تاريخ المسيحية تقري ًبا!‬
‫فقد دعا هذا اإلمرباطور إلى أخطر مجمع يف تاريخ اإلنسانية‪ ...‬دعا إلى‬
‫مجمع نيقية!‬
‫ٍ‬
‫وخمسة وعشرين‪ ،‬ويف هذا المجمع تم‬ ‫وهذا األمر كان يف عام ثالثمائة‬
‫إفساد التوحيد!‬

‫وألزم قسطنطين‬
‫المسيح ‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫تم إفساد التوحيد النقي الذي أتى به‬
‫َّ‬

‫‪256‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫األمم بتأليه المسيح‪ ،‬وبدأ قسطنطين رحلة اضطهاد للمسيحيين الموحدين‪ ،‬وحارب‬
‫قديسي العلي‪.‬‬
‫يحص ْل منذ آدم ‪ ،‬وحتى عصر قسطنطين؛ لم يحصل ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ربما لم‬
‫يتم تحدي التوحيد‪ ...‬توحيد اهلل كما حصل يف عهد قسطنطين(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫أيضا هو الذي غ َّير األوقات‪ ،‬كما يف الرؤيا بالضبط‪ ،‬فهو الذي‬
‫وقسطنطين ً‬
‫َّ‬
‫أحل تقديس يوم األحد مكان يوم السبت‪.‬‬
‫منهجا لإلمرباطورية الرومانية منذ عهد قسطنطين؛‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫وظل اضطها ُد الموحدين‬
‫ظل قرابة ثالثة قرون ونصف القرن‪.‬‬
‫فماذا حصل بالضبط بعد ثالثة قرون ونصف من ظهور قسطنطين؟‬
‫ثالث ُة قرون ونصف بالتوقيت القمري ‪-‬التوقيت القمري؛ ألن الشهور يف‬
‫شهور قمرية ‪ -‬بالتوقيت القمري ثالثة قرون ونصف‬ ‫ٌ‬ ‫اليهودية كما يف اإلسالم‬
‫تعدل حوالي ثالثِمائة وبضع وثالثين عا ًما‪.‬‬
‫الحكم؛‬
‫َ‬ ‫نضيف لها ثالثمائة وستة‪ ،‬وهو العام الذي تو َّلى فيه قسطنطي ُن‬
‫حيث تولى الحكم عام ثالثمائة وستة ميالدية‪.‬‬
‫ونتيجة المجموع هي تقري ًبا‪ :‬ستمائة وأربعين ميالدية!‬
‫فماذا حصل يف هذا التوقيت بالضبط؟‬
‫ِ‬
‫مجد األمة اإلسالمية‪ ،‬ودخول المسلمين القدس‪،‬‬ ‫عصر‬ ‫هذا التوقيت هو‬
‫ُ‬
‫وعودة نشر التوحيد إلى أمم األرض‪.‬‬
‫لقد انتصر التوحيدُ ‪-‬ألول مرة‪ -‬منذ عهد قسطنطين‪ ،‬وامتلكت األمة اإلسالمية‬
‫ممالك األرض!‬

‫(‪ )1‬محمد ﷺ كما ورد يف كتاب اليهود والنصارى‪ ،‬عبد األحد داود‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪257‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ويف هذا نزل قول اهلل ‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬


‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ‬
‫ﰙﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﴾ [سورة الصف‪.]92 :‬‬
‫﴿ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ﴾ [سورة الصف‪ :]92 :‬ظهروا ببعثة‬
‫محمد ﷺ(‪.)1‬‬
‫فببعثة محمد ﷺ عاد التوحيد الذي جاء به المسيح‪ ،‬عاد وانتشر يف األمم‬
‫مر ًة أخرى!‬
‫المقدَّ سة يف فلسطين‬
‫وألول مرة منذ عهد النبي دانيال تعود األرض ُ‬
‫القدس تنتقل من‬
‫ُ‬ ‫حكما وتشري ًعا و ُمل ًكا‪ ،‬لقد ظ َّلت‬
‫ً‬ ‫للتوحيد‪ ...‬توحيد اهلل ‪‬‬
‫حكم مملكة وثنية إلى أخرى؛ من بابل للفرس لإلسكندر للرومان حتى عام‬
‫ستمائة وبضع وثالثين ميالدية؛ ليدخل المسلمون القدس ألول مرة يف زمن‬
‫عمر بن الخطاب ﭬ‪.‬‬
‫ألول مرة يف التاريخ منذ عهد دانيال‪ ،‬يسود المؤمنون ويحكمون األرض‬
‫المقدسة؛ و ُيع َطوا ممالك األرض كما تن َّبأ دانيال النبي!‬
‫وتحرر الناس من بطش اإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬فمن شاء عاد للتوحيد!‬
‫َّ‬
‫تخ َّي ْل ذاك الوقت الذي رأى فيه دانيال هذه الرؤيا‪ ،‬وهو يف السبي مع اليهود‬
‫عظيما سيظهر بعد أكثر من ألف عام؛ ليفتح اهلل على يده‬
‫ً‬ ‫يف بابل‪ ،‬ويرى َّ‬
‫أن خليف ًة‬
‫القدس أرض األنبياء ويعيد إليها التوحيد‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل ويمتلك مملكة‬
‫بابل نفسها التي كان فيها دانيال النبي مسب ًّيا!‬
‫ربما من أجل ذلك دعا دانيال ربه َّأال ُيدفن إال يف هذا الزمن الذي يعود فيه‬
‫(‪ )1‬التفسير الميسر‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫التوحيد لألرض المقدسة‪ ،‬وتتحقق فيه رؤياه العجيبة‪ ،‬ف ُيدفن دانيال يف زمن عمر بن‬
‫الخطاب ﭬ بعد أكثر من ألف عا ٍم من وفاته!‬
‫ولم يتن َّبأ دانيال هبذا فحسب!‬
‫بل تن َّبأ َّ‬
‫أن المسلمين سيمتلكون أرض قسطنطين نفسها‪ ...‬القسطنطينية‪...‬‬
‫عاصمة ُملك قسطنطين الكبير‪ ،‬والتي ُسميت باسمه القسطنطينية‪ ...‬وهي‪:‬‬
‫عاصمة اإلمرباطورية الرومانية الشرقية‪ ...‬اإلمرباطورية البيزنطية!‬
‫أن مملكة هذا القرن الحادي عشر س ُتعطى لقديسي العلي!‬ ‫لقد تن َّبأ دانيال َّ‬
‫وبالفعل أصبحت القسطنطينية بلدً ا إسالم ًّيا!‬
‫لقد ملِك المسلمون المملكة‪ ...‬مملكة اإلمرباطور الحادي عشر‪ ...‬القرن‬
‫النبي ‪:‬‬
‫الحادي عشر‪ ،‬كما تن َّبأ دانيال ُّ‬

‫ون ا ْل َم ْم َل َك َة إِ َلى األَ َب ِد َوإِ َلى َأ َب ِد‬


‫ون ا ْل َم ْم َل َكةَ‪َ ،‬و َي ْمتَلِ ُك َ‬
‫يسو ا ْل َعلِي ف َي ْأ ُخ ُذ َ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫دِّ‬‫أما ِ‬
‫ق‬
‫اآلبِ ِدي َن!‬
‫لقد أخذوها واهلل!‬
‫لقد ُأعطيت لقديسي العلي‪ ،‬وقد َّ‬
‫بشر النبي محمد ﷺ بفتح القسطنطينية؛‬
‫مغفور لهم‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫جيش يغزوها بأهنم‬ ‫َّ‬
‫وبشر أول‬

‫‪259‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لقد امتلكوا المملكة‪ ...‬مملكة القسطنطينية؛ ليس هذا فحسب‪ ،‬بل لم َي ُعدْ‬
‫مسلما‪ ،‬ولم تعد تطالب هبا‬ ‫ً‬ ‫أصال؛ لقد صارت القسطنطينية بلدً ا‬ ‫أحدٌ يطالب هبا ً‬
‫ون ا ْل َم ْم َل َك َة إِ َلى األَ َب ِد َوإِ َلى َأ َب ِد اآلبِ ِدي َن!‬
‫أمة من أمم األرض؛ َو َي ْمتَلِ ُك َ‬
‫فه ْم سيمتلكوها إلى األبد‪ ...‬إلى قيام الساعة!‬
‫ُ‬
‫لقد امتلك المسلمون الممالك األربع التي رآها دانيال يف رؤياه؛ وسيطرت‬
‫واحد على ممالك األرض؛ لقد ُفتحت ُ‬
‫بابل‬ ‫ٍ‬ ‫األمة اإلسالمية‪ ،‬ويف خالل جي ٍل‬
‫بالعراق‪ ،‬وبالد فارس والشام ومصر‪ ،‬وامتدَّ اإلسالم من الصين شر ًقا إلى‬
‫األندلس غر ًبا‪ ،‬ولم يستطِ ْع وحش واحد من الوحوش األربعة أن يقف يف وجه‬
‫األمة اإلسالمية الموحدة!‬
‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄﮅﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ﴾ [سورة النور‪.]33 :‬‬
‫متفق على صحته‪" :‬وب ْينَما أنا نائِ ٌم ِ‬
‫البار َحةَ؛ إ ْذ‬ ‫النبي ﷺ والحديث ٌ‬ ‫يقول ُّ‬
‫ب‬ ‫ض حتَّى ُو ِض َع ْت يف َي ِدي‪َ ،‬‬
‫قال أبو ُه َر ْي َرةَ‪َ :‬ف َذ َه َ‬
‫ِ‬
‫بمفاتيحِ َخزائ ِن ْ‬
‫األر ِ‬ ‫ِ‬
‫يت َ‬‫ُأتِ ُ‬
‫سول اهللِ ﷺ و َأ ْن ُت ْم َتنْت َِق ُلونَها"(‪.)1‬‬
‫َر ُ‬
‫َتنْت َِق ُلونَها‪ :‬أي تستخرجون ما فيها‪.‬‬
‫فتوح ُأ َّمتِ ِه وسياد َة دين ِ ِه‪َّ ،‬‬
‫وأن خزائن ممالك‬ ‫النبي محمد ﷺ يف رؤيا رآها َ‬
‫رأى ُّ‬
‫األرض ستأيت لألمة اإلسالمية‪ ،‬فكان كما رأى‪ ،‬وكما رأى قبله دانيال عليهما السالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ح‪ ،1177:‬صحيح مسلم ح‪.315:‬‬

‫‪260‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫اإللهي إلى قيام الساعة يف هذه األمة‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫التشريع‬
‫ُ‬ ‫وت َأ َب ِد ٌّي‪ :‬سيبقى‬
‫َم َل ُكو ُت ُه َم َل ُك ٌ‬
‫﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ﴾ [سورة الروم‪.]33 :‬‬
‫ُّ‬
‫وسيظل التوحيد على األرض‪،‬‬ ‫ولن يختفي اإلسالم إلى قيام الساعة‪،‬‬
‫كل قرية ومدينة‪ ،‬شاء َمن شاء وأبى َمن أبى؛ قال ﷺ‪" :‬لتب هعغع ذك‬ ‫وسيدخل َّ‬
‫يع بعز‬ ‫بتك ٍ‬
‫مدا وـ وبطٍ ــ أ خ َع هه ذك كلد َ‬ ‫يتط هك كهلله َ‬
‫كألمط مبعغَ كلعتل وكلن اا‪ ،‬وـ ه‬
‫ه‬
‫ٍ‬
‫عزيز أو هبذل ٍ‬
‫َلتل"‪.‬‬

‫يستحيل أن تنطبق نبوءة دانيال على ُأ َّمة غير األمة اإلسالمية‪ ،‬ال يف التوقيت‬
‫الزمني للنبوءة‪ ،‬وال يف وصف أحداث النبوءة‪ ،‬وال يف وصف ممالك األرض‪،‬‬
‫وال يف األحداث التي جرت بعد النبوءة‪ ،‬وال يف حقيقة سقوط الممالك أمام‬
‫األمة اإلسالمية‪ ،‬وال يف صفات األمة اإلسالمية‪ ،‬وال يف زمن ظهورها!‬
‫ٍ‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وقديسو العلي لم‬ ‫إن ابن اإلنسان لم يكن ولن يكون سوى‬ ‫َّ‬
‫يكونوا ولن يكونوا سوى الصالحين والمجاهدين من األمة اإلسالمية!‬
‫وخ ْذن ََّص َر يف رؤياه!‬
‫إنَّه ﷺ هو الحجر الذي رآه َن ُب َ‬
‫الح َجر الذي سيهدم التمثال‪ ...‬الحجر الذي سيسحق الممالك األربع الظالمة‬
‫َ‬
‫الوثنية‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وقال ﷺ عن نفسه يف الحديث المتفق عليه يف البخاري ومسلم‪" :‬أ ا كلعبنَ هة‬
‫تع"(‪.)1‬‬
‫وأ ا خام ه كلنبت َ‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى كل‬ ‫ٍ‬
‫محمد وعلى أصحاب‬ ‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل‬ ‫اللهم ِّ‬
‫صل على‬
‫َمن ا َّتبع هديه إلى يوم الدين؛ آمين‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -32‬هل اكن العرب يتوقعون هذه االنتصارات ىلع ممالك األرض؟‬

‫عاش العرب قبل اإلسالم كمجموعة من القبائل البسيطة على هامش‬


‫الحضارات واإلمرباطوريات العمالقة التي كانت تسو ُد األرض يف ذاك الوقت‬
‫كالحضارة الفارسية واليونانية والرومانية‪.‬‬
‫فضال عن ْ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫وكانت ممالك كالقسطنطينية مما ال يح ُلم العرب أن يروها‬
‫تسود كلمتهم فيها!‬
‫ُ‬
‫الرسول محمدٌ ﷺ برسالة اإلسالم يف بالد العرب‪،‬‬ ‫يف هذا الوقت ظهر‬
‫وأخربه اهلل ‪ ‬بسيادة دينه وانتشاره يف كل تلك الممالك واإلمرباطوريات‪ ،‬ولم‬
‫يكن حول النبي ﷺ سوى بضع مئات من الصحابة يخافون أن يتخطفهم الناس!‬
‫أن هذا الدين سيكون فيه شرف ومجد وعز ِّ‬
‫كل َمن اتبعه بحق!‬ ‫فأخربهم اهلل ‪َّ ‬‬
‫﴿ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ﴾ [سورة األنبياء‪.]90 :‬‬
‫لقد أنزلنا إليكم كتا ًبا فيه مجد ُكم وشر ُفكم أفال تعقلون؟‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ﴾ [سورة الزخرف‪.]22 :‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.5353:‬‬

‫‪262‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫كر لك ولقومك‪ ...‬فيه شرف لك ولقومك‪ ،‬وسوف ُتسألون‬ ‫ِ‬


‫هذا الدين فيه ذ ٌ‬
‫عن تبليغه للناس والعمل بما فيه!‬
‫النبي ﷺ بفتح تلك الممالك‬ ‫فقد جاء اإلسال ُم لينتشر ويسود‪ ،‬وقد َّ‬
‫بشر ُّ‬
‫كلها‪َّ ،‬‬
‫وبشر بفتح الشام والعراق وبالد فارس والقسطنطينية!‬
‫وبشر بوصول رسالة اإلسالم إلى أصقاع األرض شر ًقا وغر ًبا‪ ،‬قال ﷺ‪:‬‬‫َّ‬

‫األر َض‪ :‬أي جمعها‪.‬‬‫اهلل َز َوى لي ْ‬


‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫شار َقها و َم ِ‬
‫غار َبها‪ :‬وهذا فيه إشارة إلى َّ‬
‫أن الفتوح اإلسالمية يف‬ ‫َف َر َأ ْي ُت َم ِ‬
‫المشرق والمغرب ستكون أكثر من الفتوح يف الشمال والجنوب!‬
‫وإن ُأ َّمتي َس َي ْب ُل ُغ ُم ْل ُكها ما ُز ِو َي لي مِنْها‪ :‬س ُيفتح ما ُزوي للنبي ﷺ جز ًءا جز ًءا‪.‬‬
‫َّ‬
‫يت ال َكن َْز ْي ِن ْ‬
‫األح َم َر واأل ْب َي َض‪:‬‬ ‫و ُأ ْعطِ ُ‬
‫األح َم َر واأل ْب َي َض‪ :‬الكنز األحمر هو الذهب‪ ،‬والكنز األبيض هو الفضة‪.‬‬ ‫ال َكن َْز ْي ِن ْ‬
‫والمقصود ُأعطيت كنزي كسرى وقيصر َملِ َك ِي العراق والشام!‬
‫تخ َّي ِل اآلن هذه الصورة‪:‬‬
‫العرب عندما أتاهم اإلسالم خافوا على رحالهتم‪ ...‬رحلتَي الشتاء والصيف‬

‫‪263‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لئال ترفضهم تلك البالد التي يذهبون إليها للتجارة‪ ...‬وهنا‬


‫يف اليمن والشام؛ َّ‬
‫أن هذه البالد التي تذهبون لها وتخافون على تجارتكم فيها‬ ‫أخربهم النبي ﷺ َّ‬
‫رحالت هذه التي تخافون عليها؟‬ ‫ٍ‬ ‫فأي‬
‫ستخضع لإلسالم؛ ُّ‬
‫و ُأ ْعطِ ُ‬
‫يت ال َكن َْز ْي ِن ْ‬
‫األح َم َر واأل ْب َي َض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حديث آخر متفق على صحته!(‪)1‬‬ ‫نفقان يف سبيل اهلل‪ ،‬كما ورد يف‬ ‫ِ‬ ‫وس ُي‬
‫و ُفتحت هذه البالد يف عهد الصحابة‪ ،‬وامتدَّ ت كلمة المسلمين من الصين‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬و ُأنفقت كنوز كسرى وقيصر يف‬
‫بشر ُّ‬‫شر ًقا إلى األندلس غر ًبا‪ ،‬كما َّ‬
‫العراق والشام يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫أمر لم يتو َّق ْعه العرب ولو يف أحالمهم!‬
‫لقد تح َّققت رؤيا النبي دانيال بحرفها‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ا‬ ‫أن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫انلبوة ستنتقل عنهم لألبد‪ ،‬ولن تعود إيلهم مرة أخرى؟‬ ‫‪ -33‬هل اكن ايلهود يعرفون‬

‫يف وقت احتضار النبي يعقوب ‪ ‬جمع بنيه االثني عشر‪ ،‬وبدأ يوصيهم‪.‬‬
‫نقرأ م ًعا ماذا قال لهم‪:‬‬

‫يه و َق َال‪ :‬اجت َِمعوا ِألُ ْنبِ َئ ُكم بِما ي ِصيب ُكم فِي ِ‬
‫آخ ِر األَ َّيا ِم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ َ ُ ُ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫وب َبن َ‬ ‫َو َد َعا َي ْع ُق ُ‬
‫اص َغ ْوا إِ َلى إِ ْس َرائِ َيل َأبِي ُك ْم‪ :‬سيبدأ يف‬
‫وب‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬
‫اس َم ُعوا َيا َبني َي ْع ُق َ‬
‫ِ‬
‫اجتَم ُعوا َو ْ‬ ‫ْ‬
‫وص َّيتهم وإخبارهم ببعض النبوءات!‬
‫وما أن وصل يعقوب إلى يهوذا‪ ...‬ويهوذا ابن يعقوب وهو جدُّ األنبياء‪:‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ح‪ 5919:‬وصحيح مسلم ح‪.1191:‬‬

‫‪264‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫داود وسليمان والمسيح عليهم جمي ًعا الصالة والسالم‪.‬‬


‫ما أن وصل إلى يهوذا حتى قال له‪:‬‬
‫يب مِ ْن َي ُهو َذا َو ُم ْشت َِر ٌع مِ ْن َب ْي ِن ِر ْج َل ْي ِه َحتَّى َي ْأتِي ِشي ُل ُ‬
‫ون َو َل ُه‬ ‫ٌ‬ ‫ض‬‫ول َق ِ‬‫َال َي ُز ُ‬
‫َ‬
‫وع ُش ُع ٍ‬
‫وب‪.‬‬ ‫ون ُخ ُض ُ‬ ‫َي ُك ُ‬
‫النص بال خالف بين أهل الكتاب بشارة عظيمة وهامة جدًّ ا!‬
‫هذا ُّ‬
‫فهو بشارة عن شخص سيأيت‪ ،‬وسوف تنتقل له النبوة‪ ،‬وينتقل له الحكم والتشريع‪.‬‬
‫فهم كانوا يعلمون أن النبوة ستنتقل عنهم ولألبد‪.‬‬
‫الحكم‪.‬‬ ‫القضيب هو َص ْو َل ُ‬
‫جان ُ‬ ‫ُ‬ ‫يب مِ ْن َي ُهو َذا‪:‬‬ ‫َال ي ُز ُ ِ‬
‫ول َقض ٌ‬ ‫َ‬
‫الحكام؛ وبالفعل كان داود وسليمان يف‬
‫يعني سيكون يف ذرية يهوذا األنبياء ُ‬
‫نسل يهوذا‪.‬‬
‫يب مِ ْن َي ُهو َذا َو ُم ْشت َِر ٌع مِ ْن َب ْي ِن ِر ْج َل ْي ِه‪ :‬المشرتع يعني الشريعة والتشريع‪.‬‬ ‫َال ي ُز ُ ِ‬
‫ول َقض ٌ‬ ‫َ‬
‫وع ُش ُع ٍ‬
‫وب!‬ ‫سيبقى الحكم والتشريع يف نسل يهوذا َحتَّى َي ْأتِي ِشي ُل ُ‬
‫ون َو َل ُه َي ُك ُ‬
‫ون ُخ ُض ُ‬ ‫َ‬
‫فمن هو شيلون الذي تن َّبأ به يعقوب ‪ ،‬والذي ستخضع له الشعوب؟‬
‫َمن هو شيلون الذي سينتقل إليه الحكم والنبوة والتشريع واألرض؟‬
‫نحن نعرف أن آخر أنبياء بني إسرائيل هو المسيح ‪ ‬وكان من نسل يهوذا!‬
‫ثم حصل توقف مفاجئ لألنبياء يف بني إسرائيل!‬
‫تو َّق َ‬
‫ف ظهور األنبياء فجأ ًة يف بني إسرائيل‪ ،‬بعد أن كانت فيهم النبوة والحكم‬
‫والملك‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [النساء‪.]32 :‬‬
‫ُ‬
‫أن يكون قد حصل انتقال‬ ‫وطب ًقا لنبوءة يعقوب ‪ ،‬فالمفرتض ْ‬
‫ٍ‬
‫شخص آخر من خارج يهوذا بعد توقف الرسالة‬ ‫للحكم والنبوة والتشريع إلى‬
‫يف بني إسرائيل!‬
‫ومن البديهي َّ‬
‫أن هذا الشخص ليس هو المسيح؛ ألن المسيح كان من نسل يهوذا!‬

‫‪265‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا المسيح لم تخضع له الشعوب كما يف نبوءة يعقوب بشأن النبي القادم‪،‬‬
‫ً‬
‫فالمسيح كان هو تاب ًعا لإلمرباطورية الرومانية‪.‬‬
‫وحين قال له اليهود هل نعطي الجزية لقيصر أم ال؟‬
‫قال لهم‪ :‬أعطوا ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل‪.‬‬

‫والنبوة والحكم‪ ،‬وسيكون من‬ ‫َّ‬ ‫إ َذ ْن هناك شخص آخر ستنتقل له الرسالة‬
‫خارج بني إسرائيل!‬
‫وهذا الشخص ستستلم ُأ َّم ُت ُه أرض يهوذا نفسها طب ًقا لنبوءة يعقوب " َال َي ُز ُ‬
‫ول‬
‫ون" ستستلم أمة هذا النبي‬ ‫يب مِ ْن َي ُهو َذا َو ُم ْشت َِر ٌع مِ ْن َب ْي ِن ِر ْج َل ْي ِه َحتَّى َي ْأتِي ِشي ُل ُ‬ ‫ِ‬
‫َقض ٌ‬
‫َ‬
‫القادم األرض‪ ...‬ستستلم فلسطين‪ ،‬وستخضع ألمته أكرب اإلمرباطوريات!‬
‫لقد استلم عمر بن الخطاب ﭬ يف خالفته أرض يهوذا‪ ،‬ودانت بالد الشام‬
‫والعراق وفارس باإلسالم‪.‬‬
‫هذه حقيقة ال تحتاج إلي طول نظر أو تحرير!‬
‫إن النبوءة التي يف وصية يعقوب لبنيه قد تح َّققت‪ ،‬ولم‬
‫فالتاريخ يقول لنا‪َّ :‬‬
‫تنطبق على نبي غير محمد ﷺ‪ ،‬ولم تحصل بتفاصيلها ألمة غير أمته!‬
‫َّ‬
‫‪ -34‬لكن كيف نعرف أن املقصود يف انلبوءة بالضبط هو اإلسلم؟‬

‫يكمن يف تفسير معنى "شيلون"‪.‬‬


‫جواب هذا السؤال ُ‬

‫‪266‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وع ُش ُع ٍ‬
‫وب‪ :‬هذه الكلمة ُت َعدُّ من أشد‬ ‫َحتَّى َي ْأتِي ِشي ُل ُ‬
‫ون َو َل ُه َي ُك ُ‬
‫ون ُخ ُض ُ‬ ‫َ‬
‫الكلمات صعوب ًة يف التوراة‪.‬‬
‫لكن يخلص الباحثون من علماء التوراة وأحبار اليهود إلى َّ‬
‫أن كلمة‬
‫"شيلون" قد تكون بمعنى‪" :‬الذي له"‪.‬‬
‫يب مِ ْن َي ُهو َذا َو ُم ْشت َِر ٌع مِ ْن َب ْي ِن ِر ْج َل ْي ِه َحتَّى َي ْأتِ َي الذي له الحكم‬ ‫َال ي ُز ُ ِ‬
‫ول َقض ٌ‬ ‫َ‬
‫وب‪ ...‬هذا قول ٍ‬ ‫وع ُش ُع ٍ‬ ‫والتشريع َو َل ُه َي ُك ُ‬
‫عدد من علماء التوراة‪.‬‬ ‫ون ُخ ُض ُ‬
‫أن كلمة شيلون هي نفس الجذر اللغوي‬ ‫كبيرا منهم ُي ِّقرون َّ‬ ‫لك َّن عد ًدا آخر ً‬
‫عليخم‪ :‬السالم عليكم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لكلمة شالوم أي‪ :‬سالم‪ ...‬شالوم‬

‫وبالتالي فـ‪" :‬شيلون" قريبة من شالوم‪ ...‬السالم؛ وهو نفس الجذر اللغوي‬
‫لـ‪" :‬اإلسالم" حتى يأيت شيلون حتى يأيت اإلسالم(‪.)1‬‬
‫يب مِ ْن َي ُهو َذا َو ُم ْشت َِر ٌع مِ ْن َب ْي ِن ِر ْج َل ْي ِه َحتَّى َي ْأتِ َي (اإلسالم) َو َل ُه‬ ‫َال ي ُز ُ ِ‬
‫ول َقض ٌ‬ ‫َ‬
‫وع ُش ُع ٍ‬
‫وب‪.‬‬ ‫َي ُك ُ‬
‫ون ُخ ُض ُ‬
‫حاضرا يف وصية يعقوب لبنيه قبل موته؛‬
‫ً‬ ‫وكل مسلم يقطع َّ‬
‫أن اإلسالم كان‬
‫فهو ‪ ‬أوصاهم باإلسالم بلفظ القرآن الكريم‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫‪)1( The form of the word is related to the word for peace shalom‬‬
‫‪The Genesis Record: A Scientific and Devotional Commentary on the Book of Beginning, p.455.‬‬

‫‪267‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [البقرة‪.]955 :‬‬
‫فسوا ًء كانت شيلون هبذا التوجيه اللغوي أو بتوجيه آخر سندركه بعد قليل إال‬
‫َّ‬
‫أن دعوة يعقوب بنيه لإلسالم كانت حاضر ًة بال جدال عند كل مؤمن بالقرآن‪.‬‬
‫وهناك فريق كبير من علماء اللغة يميل إلى َّ‬
‫أن شيلون بحسب معناها يف‬
‫السياق تعني‪ُ :‬معطي الراحة أو رافع األغالل؛ وهذا هو المعنى الذي ذهبت له‬
‫الكثير من مواقع الدراسات الكتابية المتخصصة يف العهد القديم‪.‬‬

‫فيعقوب ‪ُ ‬يبشرهم بالشخص الذي سيرفع عنهم األغالل التي‬


‫كانت عليهم!‬

‫واألغالل التي كانت على بني إسرائيل كثيرةٌ؛ فهناك أغالل وقيود خاصة‬
‫بالمأكوالت‪ ،‬وأحكام الطهارة‪ ،‬وأغالل خاصة باألحكام التشريعية التي ُفرضت‬
‫عليهم ل ُظلمهم وبغيهم وفسادهم‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ﴾ [سورة النحل‪.]998 :‬‬
‫فيعقوب يقول ألبنائه‪ :‬سيأيت الرجل الذي يرفع عنكم هذه األغالل!‬
‫واآلن لنقرأ قو َل ُه تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑﮒ﴾ [األعراف‪.]937 :‬‬
‫جدُ و َن ُه َم ْك ُتو ًبا ِعندَ ُه ْم فِي الت َّْو َر ِاة‪:‬‬ ‫ول النَّبِي ْاألُمي ا َّل ِذي ي ِ‬
‫َ‬ ‫َِّّ‬ ‫َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫َّ‬ ‫ا َّل ِذي َن َي َّتبِ ُع َ‬
‫ون‬
‫ما صفة هذا النبي؟‬
‫َو َي َض ُع َعن ُْه ْم إِ ْص َر ُه ْم َو ْاألَ ْغ َال َل ا َّلتِي كَان َْت َع َل ْي ِه ْم!‬
‫أن هناك نب ًّيا ُأ ِّم ًّيا سيأيت‪ ،‬وسيضع عنهم األغالل التي‬ ‫فمكتوب يف كتاهبم َّ‬
‫كانت عليهم!‬
‫لننظر لواحدة فقط من أحكام الطهارة يف اليهودية‪ ،‬وكيف ُخففت جدًّ ا‬
‫ْ‬ ‫واآلن‬
‫يف اإلسالم‪ ...‬ننظر لحكم المرأة الحائض يف سفر الالويين‪:‬‬

‫ون ن َِج ًسا‪َ ،‬و ُك ُّل َما َت ْجلِ ُس َع َل ْي ِه َي ُك ُ‬


‫ون ن َِج ًسا‪.‬‬ ‫َو ُك ُّل َما َت ْض َط ِج ُع َع َل ْي ِه فِي َط ْمثِ َها َي ُك ُ‬
‫ون ن َِجسا إِ َلى ا ْلمس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫َو ُك ُّل َم ْن َم َّس ف َر َاش َها َي ْغس ُل ث َيا َب ُه َو َي ْستَح ُّم بِ َماء‪َ ،‬و َي ُك ُ ً‬
‫ون ن َِجسا إِ َلى ا ْلمس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫َو ُك ُّل َم ْن َم َّس َمتَا ًعا َت ْجل ُس َع َل ْيه‪َ ،‬ي ْغس ُل ث َيا َب ُه َو َي ْستَح ُّم بِ َماء‪َ ،‬و َي ُك ُ ً‬

‫‪269‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اش َأ ْو َع َلى ا ْل َمتَا ِع ا َّل ِذي ِه َي َجال ِ َس ٌة َع َل ْي ِه ِعنْدَ َما َي َم ُّس ُه‪،‬‬‫َان َع َلى ا ْل ِف َر ِ‬ ‫َوإِ ْن ك َ‬
‫َجسا إِ َلى ا ْلمس ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫ي ُك ُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ون ن ً‬ ‫َ‬
‫َج ًسا َس ْب َع َة َأ َّيامٍ‪َ .‬و ُك ُّل‬ ‫ون ن ِ‬ ‫ان َط ْم ُث َها َع َل ْي ِه َي ُك ُ‬
‫اض َط َج َع َم َع َها َر ُج ٌل َف َك َ‬ ‫َوإِ ِن ْ‬
‫ون ن ِ‬
‫َج ًسا‪.‬‬ ‫ج ُع َع َل ْي ِه َي ُك ُ‬
‫اش ي ْض َط ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َر ٍ َ‬
‫النبي الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل هذه األحكام كانت لقساوة بني إسرائيل وغلظة قلوبهم؛ فأيت ُّ‬
‫رفع عنهم هذه األغالل!‬
‫ونقرأ اآلن خاتمة اآلية الكريمة‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [األعراف‪.]937 :‬‬
‫ُّور ا َّل ِذي ُأ ِنز َل َم َع ُه‪ :‬اهلل يأمرهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفا َّلذي َن آ َمنُوا بِه َو َع َّز ُرو ُه َون ََص ُرو ُه َوا َّت َب ُعوا الن َ‬
‫أن يؤمنوا به‪ ،‬وأن ينصروه ويعينوه‪ ،‬فهو سيكون نب ًّيا مجاهدً ا‪ ...‬ستخضع له‬
‫وب"‪.‬‬ ‫وع ُش ُع ٍ‬ ‫ون ُخ ُض ُ‬ ‫شعوب " َو َل ُه َي ُك ُ‬
‫واآلن حاولوا أن تقرؤوا هاتين اآليتين بتد ُّبر‪ ،‬وانظروا سياق اآلية الثانية‪:‬‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ﴾ [البقرة‪.]952 ،955 :‬‬
‫تِ ْل َك ُأ َّم ٌة َقدْ َخ َل ْت َل َها َما ك ََس َب ْت َو َل ُكم َّما ك ََس ْب ُت ْم‪ :‬أمة بني إسرائيل وسبط يهوذا‬
‫قد مضوا وانتقلت عنهم الرسالة والنبوة واألرض والتشريع‪ ...‬تلك أمة قد خلت‬
‫لها ما كسبت؛ وجاء دوركم‪ ...‬فقد انتقلت لكم الرسالة والنبوة والحكم والتشريع‪.‬‬
‫َل َها َما ك ََس َب ْت َو َل ُكم َّما ك ََس ْب ُت ْم َو َال ُت ْس َأ ُل َ‬
‫ون َع َّما كَا ُنوا َي ْع َم ُل َ‬
‫ون‪ :‬س ُتسألون أنتم‬

‫‪270‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫عما أ َّديتم لهذا الدين!‬


‫َّ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫انليب حممد ﷺ باسمه يف اتلوراة "حممد"؟‬ ‫‪ -35‬لكن هل ذك َِر‬

‫عظيم يف بني‬
‫ٌ‬ ‫شخص‬
‫ٌ‬ ‫ضي أعوام طويلة من وفاة يعقوب ‪ ‬ظهر‬ ‫بعد ُم ِّ‬
‫ٍ‬
‫ببشارة من أهم بشارات العهد القديم!‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وهو النبي ِحجي‪ ،‬وقد َّ‬
‫بشر هذا النبي‬
‫تقول البشار ُة‪:‬‬

‫َو ُأ َز ْل ِز ُل ُك َّل ْاألُ َم ِم‪ :‬وهذه كناية عن الجهاد الذي سيقوم به الشخص ُ‬
‫الم َّ‬
‫بشر به!‬
‫َو ُأ َز ْل ِز ُل ُك َّل ْاألُ َم ِم َو َي ْأتِي ُم ْشت ََهى ُك ِّل ْاألُ َم ِم‪َ :‬من يكون مشتهى كل األمم؟‬
‫حتى نعرف جواب هذا السؤال سنحتاج للنظر يف النص العربي لهذه األعداد‪:‬‬

‫واآلن سننظر لكلمة ُمشتهى باللغة العربية‪:‬‬

‫‪271‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثم نقوم بوضع هذه الكلمة العربية يف أي قاموس عربي إنجليزي ُمو َّثق‪،‬‬
‫وننظر ما ترجمة هذه الكلمة‪:‬‬

‫ُمشتهى ترتجم إلى‪ِ :‬حمدة!‬


‫سيأيت ِحمدة كل األمم‪.‬‬
‫" ِحمدة" هي جذر " َح ِمدَ " وهو نفس جذر محمد وأحمد!‬
‫والرتجمة ترجمة لشخص؛ فالقاموس عندما ترجمها إلى اإلنجليزية لم‬
‫يرتجمها إلى معنًى‪ ،‬بل هو ترجمها إلى شخصية حقيقية إلى شخص " ِحمدَ ة"‪.‬‬
‫سيأيت ِحمدَ ة كل األمم‪َ :‬من تحمده كل األمم!‬
‫وهذا هو نفس التعريف العربي السم‪ :‬محمد ومحمود وأحمد‪.‬‬
‫سيأيت محمد كل األمم!‬
‫سبحان اهلل! نفس المعنى العربي بالضبط ونفس الجذر اللغوي للكلمة‬
‫ونفس النطق!‬
‫النص يف سفر ِحجي الذي ما زال بين أيدي اليهود والنصارى حتى الساعة‪.‬‬
‫هذا ُّ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﴾ [سورة البقرة‪.]923 :‬‬
‫فالنص العربي ُيحدثنا عن اسم ُمحدَّ د لشخص ُمحدَّ د "حمدة كل األمم"‪...‬‬
‫ُّ‬
‫محمد كل األمم!‬

‫‪272‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فمن غير محمد ﷺ يكون مقصو ًدا يف هذه البشارة‪ ،‬وهو الذي ُبعث وجاهد‬
‫َ‬
‫يف سبيل اهلل‪ ،‬وانتصر دينه؟‬
‫واآلن لننظر يف كلمة "كل األمم"‪.‬‬
‫َو َي ْأتِي ُم ْشت ََهى ُك ِّل ْاألُ َم ِم‪ :‬كل األمم‪ ...‬هذه الكلمة يف النص العربي لسفر حجي‪:‬‬

‫ترجمناها ترجمة صحيحة ودقيقة يف قاموس عربي إنجليزي معتمد‪:‬‬


‫ْ‬ ‫لو‬

‫الرتجمة الصحيحة لكلمة "كل األمم" هي‪ All-Gentiles :‬وتعني َّ‬


‫كل األميين‬
‫أو كل األمميين‪.‬‬
‫ويأيت محمد كل األميين!‬
‫ون؟‬‫فمن ُه ُم ْاألُ ِّم ُّي َ‬
‫َ‬
‫ون هم األمم غير اليهودية؛ فكل َمن ليس يهود ًّيا يسمى ُأ ِّم ًّيا ‪.Gentile‬‬
‫ْاألُ ِّم ُّي َ‬

‫‪273‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وكان لدى كثير من اليهود عنصرية ُتجاه هؤالء األميين‪ ،‬فكان اليهودي يجيز‬
‫لنفسه ظلم غير اليهودي؛ ولذلك نزل قول اهلل ‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [سورة آل عمران‪.]73 :‬‬
‫فاألميون هم غير اليهود!‬
‫بشر به يف هذا النص من سفر ِحجي ليس من بني إسرائيل!‬ ‫إ َذ ْن هذا النبي القادم ُ‬
‫الم َّ‬
‫رسوال ونب ًّيا من األميين!‬ ‫ً‬ ‫سيأيت‬
‫َو َي ْأتِي ُم ْشت ََهى ُك ِّل ْاألُ َم ِم‪ :‬سيأيت محمد األميين!‬
‫﴿ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‬
‫[سورة األعراف‪.]937 :‬‬
‫أن نب ًّيا ُأ ِّم ًّيا من خارج بني إسرائيل سيأيت!‬
‫مكتوب عندهم يف كتبهم َّ‬
‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [سورة الجمعة‪.]1 :‬‬
‫النبي ْاألُ ِّم ُّي "من خارج يهوذا" كما أخرب يعقوب قبل موته‪ ،‬وهو النبي‬
‫فهو ُّ‬
‫الكرم ألمته بعد أن أفسد‬
‫األمي محمد كما أخرب حجي‪ ،‬وهو النبي الذي سينتقل ْ‬
‫بنو إسرائيل كما أخرب المسيح ‪.‬‬

‫‪ -36‬طاملا أن انلبوءة والبشارة بهذا الوضوح الشديد‪ ،‬ملاذا لم يؤمن أهل الكتاب‬
‫َ ْ‬
‫ىلع بكرة أبيهم؟ ملاذا ما زالوا يكفرون باإلسلم‪ ...‬يكفرون بدين اهلل؟‬

‫الر ِّب ُّيون علماء التوراة الذين درسوا التوراة بتم ُّع ٍن يعرتفون َّ‬
‫أن محمدً ا ﷺ‬

‫‪274‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نبي األميين الذي َّ‬


‫بشرت به التوراة‪ ،‬ال يستطيعون‬ ‫ٌ‬
‫نبي ورسول من عند اهلل‪ ،‬وهو ُّ‬
‫ٌّ‬
‫إنكار ذلك‪ ،‬لكنهم يقولون‪ :‬إنَّه نبي مبعوث إلى األميين وليس نب ُّيهم هم(‪.)1‬‬
‫نبي من األميين لألميين ولكل البشر!‬ ‫ﷺ‬ ‫محمد‬ ‫فالنبي‬ ‫رهم‪،‬‬ ‫ب‬ ‫وهذا من عنادهم وكِ‬
‫ٌّ‬ ‫ْ‬
‫﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [سورة آل عمران‪.]10 :‬‬
‫فهو لكل البشر ألهل الكتاب ولألميين!‬
‫واستكبارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كاذب حتى يكفروا به وال يتبعوه عنا ًدا‬
‫ٌ‬ ‫فاعتقادهم هذا اعتقا ٌد‬
‫نبي لكل البشر‪﴿ :‬ﮢ ﮣ‬
‫والنبي محمد ﷺ ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫فاإلسالم هو رسالة للعالمين‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ [سورة األعراف‪.]938 :‬‬
‫بنبوته‪ ،‬فهل النبي يكذب حين قال‪ :‬إنَّه ُب ِعث‬
‫وأنا أتساءل‪ :‬إذا كانوا يعرتفون َّ‬
‫للناس جمي ًعا؟‬
‫هل النبي يكذب حين أخربهم أنه يجب اإليمان به‪ ،‬و َمن لم يؤمن به فقد كفر؟‬
‫﴿ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ﴾ [سورة النساء‪.]27 :‬‬
‫َاب آمِنُوا بِ َما ن ََّز ْلنَا ُم َصدِّ ًقا ِّل َما َم َع ُكم‪ :‬مصد ًقا للتوراة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيا َأ ُّي َها ا َّلذي َن ُأو ُتوا ا ْلكت َ‬
‫التي بين أيديكم؛ فهو بشارة التوراة التي معكم فآمنوا به!‬
‫أن الرسالة ستنتقل من أمتكم إلى ٍ‬
‫أمة أخرى‪ ،‬كما يف‬ ‫ثم ألم تخربْكم التوراة َّ‬
‫وصية يعقوب قبل موته؟‬
‫ألم يخربْكم المسيح أن ملكوت اهلل سينتقل ٍ‬
‫ألمة أخرى؟‬ ‫ُ‬
‫لألسف ُتضيعون نجا َتكم بأيديكم‪ ،‬فال تلوموا إال َ‬
‫أنفسكم!‬
‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?time_continue=42&v=1y4NsYLxj2g‬‬
‫اعرتاف خطير من أحد الربيين اليهود َّ‬
‫بأن محمدً ا ﷺ هو أحد أعظم أنبياء األميين!‬

‫‪275‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثم ألم ُيهدم الهيكل اليهودي وال تعرفون له مكانًا حتى الساعة؛ أليس هذا‬
‫دليال على نسخ الشريعة‪ ...‬على نسخ الديانة؟‬ ‫ً‬
‫ثم ألم تتو َّقف النبوات فجأ ًة عندكم بعد محاولتِكم صلب المسيح ‪‬؟‬
‫أليست كل هذه أدلة على َّ‬
‫أن الرسالة والشريعة والنبوة وميراث األرض قد‬
‫انتقلوا ٍ‬
‫ألمة أخرى؟‬
‫﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [سورة الفرقان‪.]9 :‬‬
‫نذيرا‪ ،‬وليس لألميين فقط!‬
‫ليكون للعالمين ً‬
‫النص يف سفر ِحجي‪:‬‬
‫نعود لنُكمل َّ‬

‫َو ُأ َز ْل ِز ُل ُك َّل ْاألُ َم ِم َو َي ْأتِي ُم ْشت ََهى ُك ِّل ْاألُ َم ِم‬


‫أي بيت يا ُترى؟‬ ‫هذا ا ْل َب ْي َت َم ْجدً ا‪ُّ :‬‬ ‫َف َأ ْم َألُ َ‬
‫ود‪ :‬الحديث عن نبي مجاهد!‬ ‫َق َال رب ا ْلجنُ ِ‬
‫َ ُّ ُ‬
‫ول رب ا ْلجنُ ِ‬ ‫لِي ا ْل ِف َّض ُة َولِي َّ‬
‫النبي محمدٌ ﷺ يف الحديث‬
‫بشر ُّ‬‫ود‪َّ :‬‬ ‫ب‪َ ،‬ي ُق ُ َ ُّ ُ‬ ‫الذ َه ُ‬
‫كنزي الذهب والفضة‪:‬‬ ‫المتفق على صحته بأنه ُأعطي َ‬

‫‪276‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫األح َم َر واأل ْب َي َض‪ :‬الكنز األحمر هو الذهب‪ ،‬والكنز‬


‫ْ‬ ‫و ُأ ْعطِ ُ‬
‫يت ال َكن َْز ْي ِن‬
‫األبيض هو الفضة‪.‬‬
‫بكنزي‬ ‫ِ‬
‫المعروفان يف التاريخ َ‬ ‫كنزا قيصر وكسرى بالشام والعراق‪ ،‬وهما‬
‫فالنبي ﷺ‬
‫ُّ‬ ‫الفضة والذهب؛ ألن غالب معامالت األول بالفضة‪ ،‬والثاين بالذهب؛‬
‫أخرب بأنَّه ُأعطي هذين الكنزين!‬
‫ِ‬
‫الكنزان سينفقان يف سبيل اهلل‪ ،‬كما ورد يف الحديث المتفق عليه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫هذان‬
‫"وكلذي َيفست ب َتده َلتهن َيف َقع ه نهو هز ه ِّا ا َسبتل كهلل"(‪.)1‬‬
‫كنوز الفضة والذهب لقيصر‬
‫ُ‬ ‫وبالفعل ُفتحت بالد الشام والعراق‪ ،‬وأنفقت‬
‫وكسرى يف سبيل اهلل‪ ،‬وتح َّققت بشارة النبي حجي‪ ،‬ونبوءة النبي محمد ﷺ!‬
‫ول رب ا ْلجنُ ِ‬ ‫لِي ا ْل ِف َّض ُة َولِي َّ‬
‫ود!‬ ‫ب‪َ ،‬ي ُق ُ َ ُّ ُ‬
‫الذ َه ُ‬
‫فالحمد هلل على نعمة التوفيق لدينه الحق الذي دعا له ُّ‬
‫كل األنبياء!‬
‫وهنا يستوقفني حديث عجيب‪ ،‬كيف كانت بداية اإلسالم‪ ،‬ثم كيف انتصر‬
‫هذا الدين وم َّكن اهلل لنبيه!‬
‫نت‬‫مي‪ُ :‬ك ُ‬ ‫مرو ب ُن َع َب َس َة ُّ َ‬
‫السل ُّ‬ ‫يف حديث قصة إسالم عمرو بن َع َب َسة؛ قال َع ُ‬
‫ٍ‬ ‫أن النَّاس على َض ٍ‬ ‫وأنا يف الجاهل َّي ِة َأ ُظ ُّن َّ‬
‫وهم‬‫اللة‪ ،‬وأن َُّهم ليسوا على َشيء‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫راح َلتي‪،‬‬ ‫وثان‪ ،‬قال‪ :‬فس ِمع ُت برج ٍل بم َّك َة يخبِر َأخبارا‪ ،‬ف َقعدْ ُت على ِ‬ ‫َيع ُبدون األَ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ ُمستَخف ًيا‪ُ ،‬ج َرءا ُء عليه َقو ُمه‪ ،‬فتَل َّط ْف ُت حتَّى َد َخ ْل ُت‬
‫ُ‬ ‫ف َق ِد ْم ُت إليه‪ ،‬فإذا‬
‫رس َلني ُ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫نبي؟ قال‪َ :‬أ َ‬ ‫ُْ‬
‫نبي‪ ،‬فقل ُت‪ :‬وما ٌّ‬ ‫أنت؟ قال‪ :‬أنا ٌّ‬ ‫عليه بم َّكةَ‪ ،‬ف ُق ْل ُت له‪ :‬ما َ‬
‫وثان‪ْ ،‬‬
‫وأن َيو َّحدَ‬ ‫بص َل ِة األَرحامِ‪ ،‬وكَس ِر األَ ِ‬ ‫يء َأرس َل َك؟ قال ‪َ :‬أرس َلني ِ‬ ‫ف ُق ْل ُت‪ :‬بأي َش ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫معك على هذا؟ قال‪ُ :‬ح ٌّر وع ْبدٌ ‪ ،‬قال‪ :‬ومعه‬ ‫شر ُك به َشي ٌء‪ .‬ف ُق ْل ُت له‪َ :‬من َ‬ ‫اهلل ال ُي َ‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ح‪ 5919:‬وصحيح مسلم ح‪.1191:‬‬

‫‪277‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ومئذ أبو ٍ‬ ‫ي ٍ‬
‫ذلك‬‫َطيع َ‬‫ممن آ َم َن به‪ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬إنِّي ُم َّتبِ ُع َك‪ ،‬قال‪ :‬إن ََّك ال َتست ُ‬ ‫الل َّ‬ ‫بكر وبِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ارج ْع إلى ْأهلِ َك‪ ،‬فإذا َس ِم ْع َت بي‬ ‫ولكن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس؟‬ ‫وحال النَّ ِ‬
‫َ‬ ‫َيو َم َك هذا‪َ ،‬أال َترى حالي‬
‫وكنت يف ْأهلي‪،‬‬ ‫المدينةَ‪،‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫فذ َه ْب ُت إلى ْأهلي‪ ،‬ف َق ِد َم‬ ‫قد َظ َه ْر ُت ف ْأتِني‪َ .‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬
‫علي َن َف ٌر مِن أه ِل‬
‫َّ‬ ‫م‬‫َ‬
‫َّاس‪ ،‬حتَّى َق ِ‬
‫د‬ ‫كل َمن َق ِد َم مِ َن الن ِ‬ ‫خبار‪ ،‬و َأ ُ‬
‫سأل َّ‬ ‫فج َع ْل ُت َأ َتخ َّب ُر األَ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬‫المدينةَ؟ فقالوا ‪:‬الن ُ‬ ‫الر ُج ُل ا َّلذي َقد َم َ‬ ‫المدينة‪ ،‬ف ُق ْل ُت ‪:‬ما َف َع َل هذا َّ‬ ‫َي ِثر َب من أه ِل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المدينةَ‪ ،‬فدَ َخ ْل ُت‬ ‫ذلك‪ .‬قال‪ :‬ف َقد ْم ُت َ‬ ‫فلم َيستَطيعوا َ‬ ‫راع‪ ،‬وقد َأرا َد َقو ُمه ق ْت َله ْ‬ ‫إليه س ٌ‬
‫كةَ؟(‪)1‬‬ ‫رسول اهللِ‪َ ،‬أ َت ْع ِر ُفني؟ قال ‪:‬ن َع ْم‪َ ،‬أ َل ْس َت ا َّلذي َأ َت ْيتَني بم َّ‬
‫َ‬ ‫عليه‪ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬يا‬
‫وحال الن ِ‬
‫َّاس!‬ ‫َ‬ ‫انظر لبداية اإلسالم‪َ :‬أال َترى حالي‬
‫راع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّاس إليه س ٌ‬ ‫ثم انظر بعدها بسنوات‪ :‬الن ُ‬
‫نكمل قراءة سفر حجي‪:‬‬
‫ول رب ا ْلجنُ ِ‬ ‫لِي ا ْل ِف َّض ُة َولِي َّ‬
‫ود‪.‬‬ ‫ب‪َ ،‬ي ُق ُ َ ُّ ُ‬ ‫الذ َه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت األَ ِخ ِير َي ُك ُ‬‫هذا ا ْلبي ِ‬
‫ون َأ ْع َظ َم م ْن َم ْجد األَ َّو ِل‪ :‬هنا ُّ‬
‫النص يتحدَّ ث عن‬ ‫َم ْجدُ َ َ ْ‬
‫بيت جديد للرب!‬
‫بيت الرب الجديد الذي تحدثنا عنه قبل قليل بالتفصيل؛ البيت الذي‬
‫س ُتساق له أضاحي بالد العرب!‬
‫ون َأ ْع َظم مِن مج ِد األَو ِل َق َال رب ا ْلجنُ ِ‬
‫ت األَ ِخ ِير َي ُك ُ‬
‫هذا ا ْلبي ِ‬
‫ود‪.‬‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َم ْجدُ َ َ ْ‬
‫ول رب ا ْلجنُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوفِي َ‬
‫ود‪ :‬ويف هذا المكان أعطي‬ ‫هذا ا ْل َم َكان ُأ ْعطي َّ‬
‫الس َال َم‪َ ،‬ي ُق ُ َ ُّ ُ‬
‫السالم‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [سورة آل عمران‪.]17 :‬‬
‫هل تنطبق هذه الصفات صفات البيت الجديد على بيت غير البيت الحرام اليوم؟‬
‫أصال؟‬
‫هل تنطبق على الهيكل اليهودي الذي اختفى من الوجود ً‬

‫(‪ )1‬السنن الكربى للبيهقي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.232‬‬

‫‪278‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫هل تنطبق على مذبح الكنيسة الذي ال ُتقدَّ م عليه أضاحي ً‬


‫أصال؟‬
‫َ‬
‫‪ -37‬لكن هل َو َرد ماكن ابليت احلرام يف "مكة" يف اتلوراة؟‬

‫يقول داود ‪ ‬عن بيت الرب الجديد يف المزامير‪:‬‬

‫اكنِي َن فِي َب ْيتِ َك‪َ ،‬أ َبدً ا ُي َس ِّب ُحون ََك‪ِ .‬س َال ْه‪ُ :‬يسبحون اهلل‪ ،‬و ُيصلون له‬
‫ُطوبى لِلس ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫أبدً ا يف بيته هذا!‬
‫أين مكان هذا البيت؟ هل هو يف الهيكل اليهودي الذي انتهى من الوجود؟‬
‫أم يف مذابح النصارى التي دخلتها الشركيات؟‬
‫ُنكمل قراءة لنعرف مكان هذا البيت‪:‬‬
‫ط ُر ُق َب ْيتِ َك فِي ُق ُلوبِ ِه ْم‪ :‬هتوي إليه قلوهبم‪﴿ :‬ﮓ‬ ‫ُطو َبى ِألُن ٍ‬
‫َاس ِع ُّز ُه ْم بِ َك‪ُ .‬‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [سورة إبراهيم‪.]57 :‬‬
‫ادي ب َّكة‪ :‬البيت يف وادي بكة!‬ ‫َعابِ ِرين فِي و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إ َذ ْن مكان البيت يف وادي بكة!!!‬
‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [سورة آل عمران‪.]13 :‬‬
‫النص وحده كفيل للباحث عن الحق بإنصاف من أهل الكتاب أن يتبع‬
‫هذا ُّ‬
‫هذا الدين "اإلسالم" بال تر ُّدد!‬
‫فبيت الرب سيكون يف وادي بكة‪.‬‬
‫ُي َص ِّي ُرو َن ُه َينْ ُبو ًعا‪ :‬ينبوع ماء زمزم‪.‬‬
‫ينبوع بعد ْ‬
‫أن لم يكن به ماء‪ ...‬كان واد ًيا‬ ‫ٌ‬ ‫وكلمة ُي َص ِّي ُرو َن ُه‪ :‬تعني سيصبح به‬

‫‪279‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫غير ذي زرع‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [سورة إبراهيم‪.]57 :‬‬


‫وطب ًعا لألسف كلمة "وادي بكة" يف الرتجمة العربية هي‪ :‬وادي البكاء‪.‬‬
‫وال أدري أين على وجه األرض كلِها مكان هبذا االسم‪" :‬وادي البكاء"!‬
‫ال وجود لكلمة "وادي البكاء" ال على الخريطة يف كل األرض‪ ،‬وال يف أية‬
‫نسخة معتمدة من التوراة‪.‬‬
‫كل النسخ المعتمدة من التوراة يف العالم تقول‪" :‬وادي بكة" وليس وادي‬
‫البكاء!‬
‫لكن لألسف يف الرتجمة العربية جعلوها‪ :‬وادي البكاء‪.‬‬
‫مثال ألكثر نسختين معتمدتين من التوراة يف العالم نسخة‪:‬‬
‫انظر ً‬
‫‪ New International Version‬ونسخة ‪:King James Version‬‬

‫كالهما فيهما‪ Valley of Baca :‬وادي بكة‪ ،‬وليس وادي البكاء‪.‬‬


‫والـ ‪ B‬كابيتال‪ :‬اسم مكان وادي بكة‪.‬‬
‫لن تجد كلمة وادي البكاء غال ًبا إال يف ُن َسخ الشرق األوسط من التوراة؛‬
‫سوا ًء النسخ العربية أو النسخ اآلرامية‪ ،‬أما كل النصوص المعتمدة يف كل‬
‫المراجع الكتابية يف العالم فهي مطبِقة على أهنا وادي بكة وليس وادي البكاء!‬

‫‪280‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فبيت الرب سيكون يف وادي بكة!‬


‫َل َّل ِذي بِ َب َّكةَ!‬
‫لألسف أهل الكتاب ُيخفون الحق!‬
‫المقدَّ س سيكون يف الشرق األوسط وسيط ِّلع عليه المسلمون‬
‫أن الكتاب ُ‬ ‫طالما َّ‬
‫ويحتجون به علينا؛ إ َذ ْن يغيرون الكلمة من وادي بكة إلى وادي البكاء بكل بساطة!‬
‫ُّ‬
‫اهلل ‪َ ‬‬
‫أهل الكتاب بالعذاب الشديد؛ لما يقومون به حتى‬ ‫ولذلك تو َّعد ُ‬
‫ٍ‬
‫إخفاء للحق!‬ ‫يومنا هذا من‬

‫‪281‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [سورة البقرة‪.]931 :‬‬
‫إن الذين ُي ْخفون ما أنزلنا من اآليات الواضحات الدا َّلة على َّ‬
‫نبوة محمد ﷺ‬
‫جميع الخليقة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وما جاء به‪ ،‬أولئك يطردهم اهلل من رحمته‪ ،‬ويدعو عليهم باللعنة‬
‫وقال ر ُّبنا سبحانه‪:‬‬

‫﴿ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [سورة البقرة‪.]972 :‬‬


‫إن الذين ُي ْخفون ما أنزل اهلل يف ُك ُتبه من صفة محمد ﷺ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫الحق‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ﴾ [البقرة‪.]973 :‬‬
‫ما أشدَّ ُجر َأ َت ُهم على النار!‬
‫يكتمون محمد كل األمميين‪ ،‬فيجعلوهنا‪ُ :‬مشتهى كل األمم!‬
‫يكتمون البيت الحرام يف وادي بكة‪ ،‬فيجعلوهنا‪ :‬وادي البكاء!‬
‫﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ﴾ [سورة البقرة‪.]73-73 :‬‬

‫‪282‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نعود لتكملة مزمور داود ‪:‬‬


‫وعا‪ :‬كان واد ًيا جا ًّفا‪ ،‬وقد ورد بالفعل‬ ‫َعابِ ِرين فِي و ِ‬
‫ادي بكة‪ُ ،‬ي َص ِّي ُرو َن ُه َينْ ُب ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وادي بكة الجاف يف لفظ التوراة‪:‬‬

‫‪﴿ :dry valley of Baca‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬


‫ﮎ﴾ [سورة إبراهيم‪.]57 :‬‬
‫فماذا حصل بعد ُسكناهم؟‬
‫ُي َص ِّي ُرو َن ُه َينْ ُبو ًعا‪ :‬كما قلنا سيظهر عين زمزم!‬
‫الحق ويتجاهله‪ ،‬ويجحد ما أنزل‬
‫َّ‬ ‫أي ملحد يستمع لهذه البشارات‪ ،‬ويكتم‬
‫ُّ‬
‫اهلل‪ ،‬فال ُّ‬
‫يقل جر ًما عن اليهودي والنصراين الذي جحد الحق بعدما ظهر له!‬

‫﴿ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾‬
‫[البقرة‪.]939 :‬‬
‫واستمروا على ذلك حتى ماتوا‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫إن الذين جحدوا اإليمان وكتموا الحق‪،‬‬
‫أولئك عليهم لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين‪ ،‬مطرودون من رحمة اهلل‪.‬‬
‫تستخف بما أنت عليه من جحود!‬
‫َّ‬ ‫فاحذر من عقاب اهلل‪ ،‬وال‬
‫ْ‬

‫‪283‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الحق‪ ،‬فعليه لعنة اهلل‬ ‫ُّ‬ ‫نبوة محمد ﷺ بعدما تب َّين له‬ ‫فمن ينكر حقيقة َّ‬
‫َ‬
‫اهلل مِنْ ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َص ْر ًفا َو َال َعدْ ًال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والمالئكة والناس أجمعين َال َي ْق َب ُل ُ‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وعلى دينه‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫فهل تنطبق هذه البشارات كما تنطبق على‬
‫أمته‪ ،‬وعلى البيت الحرام بمكة؟‬
‫يم َل ُه ْم َنبِ ًّيا مِ ْن‬ ‫ِ‬
‫قائال لموسى‪ُ " :‬أق ُ‬
‫اهلل به موسى ً‬
‫بشر ُ‬ ‫فمحمدٌ ﷺ هو الذي َّ‬
‫نبي مثلك يا موسى من وسط إخوة بني إسرائيل!‬ ‫سيأيت‬ ‫"‬‫ك‬‫َ‬ ‫ط إِ ْخ َوتِ ِه ْم مِ ْث َ‬
‫ل‬ ‫وس ِ‬
‫َ َ‬
‫ٌّ‬
‫أي‪ :‬من أبناء إسماعيل!‬
‫ان ا َّل ِذي َال َي ْس َم ُع‬ ‫اإلن َْس َ‬‫ون َأ َّن ِ‬ ‫و َمن ال يتبع هذا النبي س ُيحاسب‪َ " :‬و َي ُك ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اسمي أنَا أ َطال ُب ُه"‪.‬‬ ‫ل َك َالمي ا َّلذي َي َت َك َّل ُم بِه بِ ْ‬
‫وق النَّبِ ُّي بنور الوحي الذي سيتألأل يف نسل إسماعيل‪ُ " :‬‬
‫اهلل‬ ‫بشر َح َب ُّق ُ‬ ‫أيضا َّ‬ ‫ً‬
‫ان"‪.‬‬ ‫وس مِ ْن َج َب ِل َف َار َ‬ ‫ان‪َ ،‬وا ْل ُقدُّ ُ‬ ‫يم َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َجا َء م ْن ت َ‬
‫ُ‬
‫إسماعيل!‬ ‫ومن المعلوم أن بر َّية فاران هي التي سكنها‬
‫قائال له‪ُ " :‬ه َو َذا َع ْب ِدي ا َّل ِذي‬ ‫النبي إشعياء بالنبي محمد ﷺ ً‬ ‫اهلل َّ‬ ‫بشر ُ‬ ‫أيضا َّ‬ ‫ً‬
‫وحي َع َل ْي ِه َف ُي ْخ ِر ُج ا ْل َح َّق ل ِ ْألُ َم ِم"‪.‬‬‫َاري و َضع ُت ر ِ‬
‫َأ ْع ُضدُ ُه‪ُ ،‬م ْخت ِ َ ْ ُ‬
‫بأن هذا النبي القادم سيرفع صوت األذان عال ًيا‪" :‬لِت َْر َف ِع ا ْل َب ِّر َّي ُة َو ُمدُ ُن َها‬ ‫وبشره َّ‬ ‫َّ‬
‫َص ْو َت َها"‪.‬‬
‫سيرفع صوت األذان يف الدِّ َي ُار ا َّلتِي َس َكن ََها ِقيدَ ُار‪ :‬أي يف مكة!‬
‫ان َسال ِ َع‪ :‬ويف المدينة المنورة!‬ ‫ل ِ َتت ََرن َّْم ُس َّك ُ‬
‫سيعلو صوت األذان يف مكة والمدينة على يد هذا النبي القادم‪.‬‬
‫قائال‪" :‬ا ْل َح َج ُر ا َّل ِذي َر َف َض ُه‬
‫بشر المسيح ‪ ‬هبذا النبي القادم ً‬ ‫وأيضا َّ‬
‫ً‬
‫الز ِاو َي ِة" الحجر‪ :‬اللبنة الذي رفضه البنَّاؤون سيصير‬ ‫ون ُه َو َقدْ َص َار َر ْأ َس َّ‬‫ا ْل َبن َُّاؤ َ‬
‫رأس الزاوية!‬

‫‪284‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وهل غيره ﷺ ُعرف هبذه الصفة أنَّه الحجر رأس الزاوية أو اللبنة؟‬
‫يعقوب ‪ ‬بنيه قبل موته‬ ‫ُ‬ ‫النبي‬
‫بشر به ُّ‬ ‫والنبي محمد ﷺ هو الذي َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قائال لهم‪َ " :‬ي ْأتي شي ُل ُ‬
‫ون"‪.‬‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫قائال له‪َ " :‬و ُأ َز ْل ِز ُل ُك َّل ْاألُ َم ِم‪َ .‬و َي ْأتِي ُم ْشت ََهى‬
‫النبي ِح ِّجي ً‬
‫اهلل به َّ‬
‫بشر ُ‬ ‫وهو الذي َّ‬
‫ُك ِّل ْاألُ َم ِم"‪.‬‬
‫وأزلزل كل األمم‪ ،‬ويأيت محمد األميين!‬
‫بشره به وبأمته‪َّ ،‬‬
‫وبشره‬ ‫النبي دانيال ‪ ‬يف رؤياه‪َّ ،‬‬
‫اهلل به َّ‬
‫بشر ُ‬‫وهو الذي َّ‬
‫بزمان بعثته‪َّ ،‬‬
‫وبشره أنَّه على يدَ ي أمته ستهلك ممالك الكفر األربع على‬
‫األرض‪ ،‬وستمتلك أمته مملكة القرن الحادي عشر‪ ...‬القسطنطينية!‬
‫شيء من هذه النبوءات‬ ‫ٍ‬ ‫يتوهم إنسان باحث بصدق اطلع على‬ ‫فهل‬
‫َّ‬
‫يتوهم أم ًة غير أمتِه؟‬
‫والبشارات‪ ،‬هل يتوهم نب ًّيا غيره ﷺ‪ ،‬وهل َّ‬
‫يسير من البشارات؛ وأنا أعرتف ِبقصر جهدي‬ ‫أن هذا مجرد ٍ‬
‫جزء ٍ‬ ‫العجيب َّ‬
‫ُ‬
‫عن تت ُّبع كل البشارات‪ ،‬لعل اهلل يهيئ لهذه األمة َمن يوقِف نفسه لهذا الباب حتى‬
‫يعطِ َيه حقه‪...‬‬
‫حيث توجد الكثير والكثير من البشارات يف التوراة واإلنجيل!‬
‫أن هذه البشارات التي ذكر ُتها هي فقط يف األسفار التي ضمن‬
‫واألعجب َّ‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬فما با ُلنا باألسفار غير القانونية‪ ،‬والتي فيها بشارات أخرى كثيرة؟‬
‫فما بالنا بالكتب المقدسة لديانات شرق آسيا وغيرها من الملل التي تحمل‬
‫الكثير والكثير من البشارات؟‬
‫لتبقى ُح َّجة اهلل باقية إلى قيام الساعة على أهل األرض‪ ،‬فهذا باب من أعظم‬
‫تفرغ له وأعطاه حقه!‬
‫األبواب لمن َّ‬
‫فهو باب ُملزم لكل أهل األرض‪ ،‬فكيف توضع نبوءات باسمه محمد ﷺ‬

‫‪285‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبصفته وبمكان خروجه‪ ،‬بل وبزمان خروجه قبل مبعثه بمئات السنين؟‬
‫ولذلك ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ﴾ [سورة الشعراء‪.]917 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [سورة الرعد‪.]25 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾‬
‫[سورة طه‪.]955 :‬‬
‫فب ِّينة ما يف الصحف األولى هي‪ :‬اآليات الدالة على نبوته يف الكتب المتقدمة‪،‬‬
‫وهي آية من اهلل على صحة نبوته ﷺ(‪.)1‬‬

‫‪ -38‬لكن ما األسفار غري القانونية؟‬

‫األسفار غير القانونية ُكتبت قبل بعثة النبي محمد ﷺ بمئات السنين‪ ،‬وهي‬
‫ٌتنسب لبعض األنبياء مثل‪ :‬صحف موسى‪ ،‬ورؤيا إبراهيم‪ ،‬وصحف آدم‪ ،‬وهي‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫وإن كانت ليست ضمن الكتاب المقدس إال أهنم ُيعتمدون عليها ً‬
‫ومازالت بعض ُنسخ الكتاب المقدس تضم شي ًئا من هذه األسفار حتى‬
‫فمثال تعرتف الكنيسة اإلثيوبية ببعض هذه األسفار كوحي إلهي!‬
‫الساعة؛ ً‬

‫وهذه األسفار عد ُدها أضعاف أسفار الكتاب المقدس؛ وهبا الشيء الكثير‬
‫من البشارات‪.‬‬
‫وهذا الموقع‪/http://www.pseudepigrapha.com :‬‬

‫(‪ )1‬تفسير القرطبي‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫كبيرا من هذه األسفار غير القانونية!‬


‫يجمع عد ًدا ً‬

‫كبير!‬
‫خير ٌ‬‫أمر يرجى فيه ٌ‬
‫والقيام على دراسة باب البشارات يف مثل هذه األسفار ٌ‬

‫‪ -39‬هل من املمكن إعطاء بعض األمثلة ىلع البشارات يف هذه األسفار غري القانونية؟‬

‫من البشارات التي وردت‪:‬‬


‫البشارة التي وردت يف ِسفر رؤيا إبراهيم‪:‬‬

‫‪287‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يف هذا السفر نجد بشارة واضحة بزمن ظهور النبي الذي دعا به إبراهيم‬
‫‪ ‬ر َّبه‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [سورة البقرة‪.]911 :‬‬
‫النبي الذي سينقل الناس من الوثنية إلى التوحيد!‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وردت يف هذا السفر البشار ُة بزمان مبعث هذا النبي‪.‬‬
‫أن هذا النبي‬‫أن اهلل أخربه َّ‬‫فقد ُروي عن إبراهيم ‪ ‬يف هذا السفر َّ‬
‫ُ‬
‫الهيكل يف القرن‬ ‫س ُيبعث بعد اثني عشر قرنًا من خراب الهيكل‪ ،‬وقد َخ ِر َب‬
‫والنبي ﷺ ُبعث يف القرن السادس بعد الميالد‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫السادس قبل الميالد‪،‬‬
‫بالضبط بعد اثني عشر قرنًا‪ ،‬هذه نبوءة موجودة حتى الساعة!‬
‫نقرأ يف رؤيا إبراهيم اإلصحاح التاسع والعشرين ما يلي‪:‬‬

‫‪In the last days, in this twelfth period of the age of my fulfill’ment,‬‬
‫‪I will set up this man from your tribe.‬‬
‫يف آخر األيام‪ ،‬وبعد المدة الثانية عشرة من عهدي سأقيم هذا الرجل من قبيلتك!‬
‫والمدة بحسب نفس السفر يف اإلصحاح الثامن والعشرين‪ ،‬المدة تعدل قرنًا‬
‫من الزمان‪ ...‬تعدل مائة عامٍ!‬

‫‪288‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫اهلل سبحانه َمن يعيد الناس‬


‫بعد اثني عشر قرنًا من خراب الهيكل سيبعث ُ‬
‫للتوحيد!‬
‫وتبدأ البشارة يف هذا السفر برؤية إبراهيم ‪ ‬يف رؤيا له لبعض نسلِه‬
‫وهم يعبدون األصنام داخل هيكل عجيب ‪ handsome temple‬وهو الهيكل‬
‫السليماين‪ ...‬الهيكل العظيم الذي بناه سليمان ‪ ‬بعد مئات األعوام من‬
‫هذه الرؤيا‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إبراهيم أنه سيتم س ْبي هؤالء‬


‫َ‬ ‫ونتيج ًة لهذا الكفر داخل الهيكل أخرب ُ‬
‫اهلل‬
‫الذين أفسدوا الهيكل بكفرهم‪ ،‬وسوف ُيهدم الهيكل‪ ،‬و ُتنهب محتوياته!‬

‫‪290‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وهذا ما حدث بالفعل!‬


‫وخ ْذن ََّص َر‬
‫ففي القرن السادس قبل الميالد تم س ْبي اليهود على يد َن ُب َ‬

‫اء‪ :‬أسخطوه بالكفريات!‬ ‫اؤنَا إِله السم ِ‬


‫َب ْعدَ َأ ْن َأ ْس َخ َط آ َب ُ‬
‫َ َّ َ‬
‫ك َبابِ َل ا ْل َك ْلدَ انِي‪ ،‬ا َّل ِذي َهدَ َم َ‬
‫هذا ا ْل َب ْي َت َو َس َبى‬ ‫وخ ْذنَصر ملِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َد َف َع ُه ْم ل َيد َن ُب َ َّ َ َ‬
‫ِّ‬
‫ب إِ َلى َبابِ َل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْع َ‬
‫ب َوفِ َّض ٍة!‬ ‫وهنب محتويات الهيكل مِ ْن َذ َه ٍ‬
‫إبراهيم ‪ ‬أنَّه بعد اثني عشر قرنًا من خراب هذا‬ ‫َ‬ ‫اهلل ‪‬‬ ‫بشر ُ‬ ‫وقد َّ‬
‫النبي العظيم سوف يأيت‬ ‫الهيكل‪ ،‬س ُي ِ‬
‫عظيما من نسل إبراهيم‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫ً‬ ‫شخصا‬
‫ً‬ ‫خرج‬
‫حارب و ُيؤ َذى يف البداية من هؤالء الوثنيين‪ ،‬لكنَّه بعد‬ ‫من ق ْلب ديار الوثنية‪ ،‬وس ُي َ‬
‫ذلك سينتصر وي َّتبِ ُع ُه كثيرون ويطيعونه ويعظمونه!‬

‫‪291‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫قائال‪" :‬يا‬
‫اهلل ً‬
‫وبينما كان إبراهيم ‪ ‬ينظر لهذا النبي يف رؤياه؛ خاطبه ُ‬
‫ضي‬
‫إبراهيم‪ ،‬هذا الشخص س ُيحرر الناس من الوثنيات‪ ،‬وسينشر التوحيد بعد ُم ِّ‬
‫ُ‬
‫اثني عشر قرنًا من خراب الهيكل!"‪.‬‬

‫هذه كانت البشارة!‬


‫ولم يخرج بعد خراب الهيكل باثني عشر قرنًا سوى النبي محمد ﷺ‪ ،‬فهو‬
‫وحورب يف البداية من الوثنيين‪ ،‬لكنه انتصر‬
‫الذي خرج من قلب ديار الوثنية‪ُ ،‬‬
‫ون ََش َر التوحيد!‬
‫بالمناسبة الهيكل َخ ِرب مرتين‪ :‬مر ًة نتيجة عبادة اليهود لألصنام يف القرن‬
‫السادس قبل الميالد على يد نبوخذ نصر‪ ،‬وهي المرة المقصودة يف هذه الرؤيا‪،‬‬
‫ومر ًة عام ‪ 70‬ميالدية على يد الرومان‪ ،‬لكن لم يكن اليهود يعبدون األصنام يف‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬وبالتالي فالخراب المقصود هو الخراب األول‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وبعد الخراب الثاين انتهى أمر الهيكل‪ ،‬ولم ُيعثر له على أثر حتى الساعة!‬
‫النبي‬
‫أيضا ُّ‬
‫بالمناسبة نفس هذا التوقيت الزمني لظهور رسالة اإلسالم‪ ،‬ذكره ً‬
‫دانيال يف رؤياه كما ذكرنا قبل ذلك!‬
‫ُ‬
‫‪ -41‬هل البشارة بزمان مبعث انليب حممد ﷺ تفرس نلا قول ايلهود وانلصارى‬
‫زمن ابلعثة‪" :‬هذا زمان نيب"؟‬

‫بالفعل!‬
‫وأنا كنت أتساءل قبل ذلك‪ :‬كيف كان أهل الكتاب يعرفون زمن مبعث‬
‫النبي محمد ﷺ؟‬
‫فمثال يف حديث الصحابي سلمان الفارسي ﭬ‪ ،‬ويف أثناء رحلة بحثه عن‬
‫ً‬
‫أن تن َّقل بين الديانات المختلفة‪ ،‬التقى براهب عمور َّية‪ ،‬فقال له‬
‫الحقيقة‪ ،‬وبعد ْ‬
‫إبراهيم"‪.‬‬ ‫مبعوث ِ‬
‫بدين‬ ‫ٌ‬ ‫نبي هو‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫راهب عمورية‪" :‬قد أظلك زمان ٍّ‬

‫عرف راهب عمورية أن ذاك الزمان هو زمان ظهور نبي؟‬


‫فالسؤال كيف َ‬

‫‪293‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا نتساءل‪ :‬كيف كان يهود المدينة ينتظرون بعثة النبي محمد ﷺ‪ ،‬وكانوا‬
‫ً‬
‫يقولون للوثنيين مِن أهل المدينة هذا زمان ظهور النبي؟‬
‫لدرجة أن معرفة اليهود لزمان بعثته ﷺ هو الذي كان سب ًبا يف إسالم أهل‬
‫إن مِ َّما دعانَا إلى اإلسال ِم أن اليهود كانوا يقولون‪َ :‬قدْ‬ ‫المدينة من األنصار‪َّ " :‬‬
‫اهلل‬
‫فلما َبعث ُ‬ ‫منهم‪َّ .‬‬
‫ْ‬ ‫نسمع َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫اآلن‪ ،‬ف ُكنَّا ً‬
‫كثيرا ما‬ ‫زمان نبي ُيب َع ُث َ‬
‫ٍّ‬
‫ُ‬ ‫َت َ‬
‫قارب‬
‫حين دعانا إلى اهللِ تعالى‪،‬‬
‫َ‬ ‫أج ْبنا ُه‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم َ‬
‫َ ِ‬

‫إليه فآ َمنَّا ِبه"‪.‬‬


‫فبادرناهم ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َو َعرفنَا ما كا ُنوا َيت ََو َّعدونَا ِبه‪،‬‬

‫َ‬
‫زمان بعثته ﷺ َّإال من هذه البشارات وأمثالها؟‬ ‫فكيف عرف اليهو ُد‬
‫بل إن هرقل عظيم الروم يف حواره الشهير مع أبي سفيان قبل أن يسلم‬
‫والحديث متفق على صحته‪ ،‬قال ألبي سفيان‪:‬‬

‫‪294‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫خارج‪ :‬يعرف وقت خروجه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كنت أع َل ُم أنَّه‬


‫قد ُ‬
‫ِ‬
‫هاتين‪ :‬يعلم أن سيكون نب ًّيا مجاهدً ا‪.‬‬ ‫أن يملِ َك ِ‬
‫موض َع قدَ َم َّي‬ ‫وي ِ‬
‫وش ُك ْ‬ ‫ُ‬
‫يتشرف بغسل قدميه‪.‬‬ ‫لت عن قدَ َم ْيه‪ :‬يريد أن َّ‬ ‫لغس ُ‬
‫كنت عندَ ه‪َ ،‬‬ ‫ولو ُ‬
‫عرفوا زمن بعثة النبي ﷺ؟‬ ‫فكيف َ‬
‫السر!‬
‫عرفت َّ‬
‫ُ‬ ‫تعجبي لكن بعد ْ‬
‫أن اطلعت على هذه البشارات‪،‬‬ ‫هذا كان ُيثير ُّ‬

‫‪ -41‬هل هناك بشارات أخرى بزمان بعثته ﷺ؟‬

‫النص ورد يف سفر "صعود موسى"؛‬


‫مؤخرا‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ً‬ ‫نص اطلعت عليه‬
‫هناك ٌّ‬
‫أيضا من ضمن األسفار غير القانونية!‬ ‫وهو ً‬
‫يف هذا السفر ُيخبِر موسى فتاه أنَّه بعد دفنه بـ ‪ 9730‬عا ًما سوف تأيت مملكة‬
‫النبي القادم!‬
‫أخرب موسى ‪ ‬فتاه يوشع بن نون يف هذا السفر‪ ،‬بمملكة النبي القادم‪،‬‬
‫وأن اهلل سوف ينتقم من ْاألُم ِّيي َن‬
‫وأن رسالة هذا النبي ستكون للناس كافةً‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ُعباد األوثان هبذا النبي؛ حيث سيقوم هذا النبي بمعاقبة ْاألُميين وهدم أوثاهنم‪:‬‬
‫‪.And He will destroy all their idols‬‬
‫أن اهلل‪َ " :‬أا َس َعنت‬
‫ويف حديث عمرو بن َع َب َسة يف صحيح مسلم؛ قال النبي ﷺ َّ‬
‫بص َعة كألا َحا ‪َ ،‬و َسط كألو َثان‪َ ،‬و َأن هي َوحدَ كهلله ـ هيش َط هك به شتء"(‪.)1‬‬
‫بنبي أعاد‬
‫اهلل على أهل األرض ٍّ‬
‫فهو ﷺ الذي كسر األوثان‪ ،‬وما امت َّن ُ‬
‫ٍ‬
‫بمحمد ﷺ!‬ ‫التوحيد‪ ،‬وحارب الوثنية وكل صور الشرك ما امت َّن‬
‫﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ﴾ [سورة التوبة‪.]55 :‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.851:‬‬

‫‪295‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُيحدد موسى ‪ ‬زمن ظهور هذا النبي القادم‪ ،‬فيقول إنه سيأيت بعد أن‬
‫أدفن بـ ‪ 9730‬عا ًما!‬

‫قليال؛ ألن موسى‬


‫ُدفن موسى ‪ ‬تقري ًبا يف عام ‪ 9100‬ق‪.‬م‪ .‬أو أقل ً‬
‫‪ ‬طب ًقا ألهل الكتاب كان يف زمن األسرة الفرعونية التاسعة عشرة!‬

‫ألف وسبعمائة وخمسين‪ ،‬فستكون‬ ‫فلو أض ْفنا هذا الزمن ‪ 9100‬ق‪.‬م‪ .‬إلى ٍ‬
‫النتيج ُة بالضبط خمس ٍ‬
‫مائة وخمسين أو ستين أو سبعين ميالدية؛ وهذا هو الزمن‬ ‫َ‬
‫النبي محمد ﷺ وهو الزمن الذي كان ينتظر فيه أهل الكتاب‬ ‫ُّ‬ ‫الذي ُولد فيه‬

‫‪296‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ظهور النبي القادم!‬


‫هذه بشارة من البشارات ما زالت حتى الساعة يف كتبهم!‬
‫ٍ‬
‫وبحث حتى ُينتفع به يف باب الدعوة‬ ‫فالنظر يف باب البشارات يحتاج لجهود‬
‫إلى اهلل‪.‬‬

‫‪ -42‬هل من بشارات أخرى يف هذه األسفار غري القانونية؟‬

‫لو نظرنا إلى إنجيل جيمس سنجد وصف صحابة النبي ﷺ‪﴿ :‬ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [سورة الفتح‪.]11 :‬‬
‫بح ْرفِ ِه يف إنجيل جيمس‪:‬‬
‫سنجد هذا الوصف تقري ًبا َ‬

‫أتباع مملكة النبي القادم سيكونون مثل‪ :‬نخلة خرج منها ُبرعم (شطأ) ثم‬
‫تد َّلى من هذا الربعم ٌ‬
‫ثمار من حوله‪ ،‬وأخرجت هذه الثمار ور ًقا‪ ،‬وحين ش َّبت‬
‫استغلظت هذه الثمار‪ ،‬وتسببت يف جفاف منبعها‪ ،‬وأصبحت هذه الثمار‬
‫(الخارجة من الربعم) جميلة المنظر ُتعجب ُّ‬
‫الز َّراع(‪.)1‬‬
‫هذه بعض ما يف كتب القوم مما لألسف ال يطلع عليه أغلبنا ويتجاهله أهل الكتاب!‬
‫عظيم فيه من دالئل صحة هذا الدين ما‬
‫ٌ‬ ‫مشروع‬
‫ٌ‬ ‫فدراسة باب البشارات‬
‫ُيطمئن الباحثين عن الحق يف الغرب‪ ،‬ويف أهل الكتاب‪ ،‬ويف الملحدين!‬

‫(‪ )1‬ترجمة‪ :‬هشام محمد طلبة‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [سورة المائدة‪.]93 :‬‬
‫ُ َْ ا َ َْ‬
‫‪ -43‬لكن ما معىن هيمنة القرآن الكريم ىلع الكتب السابقة " َومهي ِمنا علي ِه"؟‬

‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬


‫ﮉ ﮊﮋ﴾ [سورة المائدة‪.]28 :‬‬
‫ٍ‬
‫إشكاالت كثير ًة يف هذه األسفار‪،‬‬ ‫ومهيمنًا عليه‪ :‬القرآن ُيبين ويصحح‬
‫ويكشف ما أخ َف ْو ُه من بشارات‪ ،‬ويعيد الناس للتوحيد‪ ،‬ويبين لهم ما خفي‬
‫دسوه من أخطاء وتحريفات يف هذه األسفار!‬ ‫وأشكل عليهم‪ ،‬ويصحح ما ُّ‬
‫أن‪ :‬سليمان ‪ ‬كفر!‬ ‫وزورا وتحري ًفا َّ‬
‫ً‬ ‫فمثال تقول التوراة خط ًأ‬
‫ً‬

‫ومصححا‪ :‬فيقول اهلل ‪﴿ :‬ﭙ ﭚ‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكريم مهيمنًا‬ ‫فيأيت‬
‫ﭛ﴾ [سورة البقرة‪.]901 :‬‬
‫ويقول أهل الكتاب إن المسيح ‪ ‬قال ألمه‪ :‬ما لي ِ‬
‫ولك يا امرأة‪:‬‬

‫وهي كلمة غريبة‪ ...‬كيف تصدُ ر من نبي عظيم كالمسيح ‪‬؟‬


‫إن التفسير التطبيقي للكتاب المقدس يقول َّ‬
‫إن هذا الر َّد من المسيح‬ ‫حتى َّ‬
‫عسير الفهم!‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬على أمه‬

‫‪298‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فيأيت القرآن الكريم ليخربنا َّ‬


‫بأن المسيح ‪ ‬كان ًّبرا بأمه‪ ،‬فال ينطق بما‬
‫ُيسيء إليها أبدً ا‪﴿ :‬ﮞ ﮟ﴾ [سورة مريم‪.]51 :‬‬
‫أيضا تنسب هذه األسفار للمسيح ‪ ‬أنَّه ُبصق يف وجهه‪ ،‬و ُمزقت ثيابه‪:‬‬
‫ً‬

‫عر ْوا المسيح ‪!‬‬ ‫َف َع َّر ْو ُه‪َّ :‬‬


‫يال مِ ْن َش ْو ٍك َو َو َض ُعو ُه َع َلى َر ْأ ِس ِه‪َ ،‬و َق َص َب ًة فِي َي ِمين ِ ِه َو َب َص ُقوا‬
‫َو َض َف ُروا إِكْلِ ً‬
‫َع َل ْي ِه‪ :‬بصقوا على المسيح!‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫است َْه َز ُأوا بِه‪ ،‬ن ََز ُعوا َعنْ ُه ِّ‬
‫الر َدا َء‪.‬‬ ‫َو َأ َخ ُذوا ا ْل َق َص َب َة َو َض َر ُبو ُه َع َلى َر ْأسه َو َب ْعدَ َما ْ‬
‫فيأيت القرآن الكريم ل ُيصحح كل هذا الفهم!‬
‫فشخص آخر هو الذي ُأهين‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫مس بإهانة‪.‬‬
‫وجيها ‪ ‬لم ُي َّ‬
‫ً‬ ‫أما المسيح‪ ،‬فكان‬
‫﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [سورة آل عمران‪.]23 :‬‬
‫وجيها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫ومن المفارقات العجيبة يف هذه النقطة أنَّه بعد الحرب العالمية الثانية ُاكتشفت‬

‫‪299‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مخطوطات تعود للقرن الثالث الميالدي‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫يف مدينة نجع حمادي بصعيد مصر‬
‫ومن بين هذه المخطوطات وجدوا سفر سيت الكبير‪ ،‬ويف هذا السفر ُروي عن‬
‫َّ‬
‫والخل‪ ،‬لم‬ ‫المسيح ‪ ‬أنه قال‪ :‬كان شخص آخر‪ ،‬هو الذي ِ‬
‫شرب المرارة‬
‫مبتهجا‬
‫ً‬ ‫أكن أنا‪ ...‬كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه‪ ...‬وكنت أنا‬
‫يف ال ُعال أضحك!‬

‫وجيها ولم ُي َه ْن‪.‬‬


‫ً‬ ‫فهو ‪ ‬كان‬
‫هذا السفر المكتشف حدي ًثا ُيبين صورة أكَّد عليها القرآن الكريم‪ ،‬وهي أن‬
‫المسيح ‪ ‬لم ُي َه ْن!‬
‫أيضا تنسب التورا ُة هلل سبحانه وحاشاه أنَّه بعد ْ‬
‫أن خلق السماوات واألرض‬ ‫ً‬
‫اسرتاح من عمله!‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اح َو َتنَ َّف َس‪.‬‬ ‫الس َما َء َواألَ ْر َض‪َ ،‬وفي ا ْل َي ْو ِم َّ‬
‫الساب ِع ْ‬
‫است ََر َ‬ ‫في ستَّة َأ َّيا ٍم َصن ََع َّ‬
‫الر ُّب َّ‬
‫ومصححا‪ ،‬فيقول ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﭯ ﭰ‬
‫ً‬ ‫فيأيت القرآن الكريم مهيمنًا‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [سورة ق‪.]58 :‬‬

‫‪300‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نصب وال ٍ‬
‫تعب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ما مسنَّا من‬
‫فالقرآن ُمهمين و ُمصحح‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉﰊ﴾ [سورة النحل‪.]32 :‬‬
‫يقول الطربي يف تفسيره‪" :‬وما أنـزلنا عليك كتابنا إال لتبين لهم ما اختلفوا‪،‬‬
‫والحق من الباطل‪ ،‬وتقيم عليهم بالصواب منه ُحجة اهلل‬
‫َّ‬ ‫فتعرفهم الصواب منه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫الذي بعثك هبا"‪.‬‬
‫يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون‪﴿ :‬ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫فالقرآن ُّ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [سورة النمل‪.]73 :‬‬
‫أن إبراهيم ‪ ‬سيكون مباركًا‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫نصا عجي ًبا‪ ،‬وهو َّ‬
‫أيضا نقرأ يف التوراة ًّ‬
‫ً‬
‫هناك ُأ َّمة سوف تباركه‪ ،‬وهذه األمة التي ستبارك إبراهيم سوف يباركها اهلل سبحانه!‬

‫يك‪َ ،‬و َال ِعن ََك َأ ْل َعنُ ُه‪.‬‬


‫ار ِك َ‬
‫ار ُك ُم َب ِ‬
‫اهلل إلبراهيم ‪َ :‬و ُأ َب ِ‬
‫قال ُ‬
‫فمن يبارك إبراهيم ‪ ‬اليوم سوى أمة المسلمين؟‬
‫اللهم ْ‬
‫بارك على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ ‪.‬‬
‫تشهد!‬ ‫ٍ‬
‫نقولها كل يوم سبع عشرة مرة يوم ًّيا كحد أدنى؛ يف كل ُّ‬
‫غيرنا؟‬
‫فمن يبارك إبراهيم ‪ ‬اليوم ُ‬
‫َ‬
‫يف المقابل جعل النصارى إبراهيم ‪ ‬تحت اللعنة!‬

‫‪301‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اعتربوه ملعونًا‪ ،‬ولن ينجوا إال بفداء يسوع على الصليب!‬


‫فصدق ر ُّبنا‪َ " :‬و َال ِعن ََك َأ ْل َعنُ ُه"‪.‬‬
‫فانظروا يف األمم واحكموا‪َ :‬من بارك إبراهيم‪ ،‬و َمن حكم عليه أنه تحت اللعنة؟‬

‫‪ -44‬هل من ألغاز عند أهل الكتاب جييب عنها القرآن الكريم؟‬

‫لغزا عجي ًبا‪َ ،‬أال وهو‪ :‬تو ُّقف النبوات فجأة يف بني إسرائيل!‬
‫القرآن الكريم يفسر لنا ً‬
‫ما المربر النقطاع النبوة فج ًأة يف بني إسرائيل؟‬
‫منذ قرابة أل َف ْي عام توقفت النبوة فجأةً‪.‬‬
‫يم َّر يوم من أيام بني‬
‫نبي‪ ،‬ولم ُ‬
‫نبي خلفه ٌّ‬
‫وبنو إسرائيل كانوا كلما مات فيهم ٌّ‬
‫وس ه ه‬ ‫إسرائيل إال وفيهم نبي؛ ولذلك يقول النبي ﷺ‪ " :‬ا َك َبنهو ـسطكئ َ‬
‫تل م هَس ه‬ ‫ٌّ‬
‫ِ َب ٌّت َخ َع َيف هه َب ٌّت" ‪.‬‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫كأل بتا هء‪ ،‬هعِّا َ َع َ‬
‫وفجأ ًة تتوقف النبوة!!‬
‫ال يربر هذا االنقطاع المفاجئ للنبوة سوى ظهور اإلسالم‪ ،‬فقد انتقلت‬
‫النبوة والحكم والتشريع والخيرية‪ ،‬انتقلوا لألمة المحمدية‪.‬‬
‫فالحكم والتشريع والنبوة انتقلوا عن بني إسرائيل إلى أمة المسلمين‪ ،‬وهذا‬
‫يفسر توقف النبوة فجأ ًة يف بني إسرائيل‪.‬‬
‫فص ْلنا؛ َّ‬
‫وأن النبوة والحكم‬ ‫وبنو إسرائيل كانوا يعلمون َّ‬
‫أن هذا سيحصل كما َّ‬
‫والتشريع سينتقلون عنهم!‬
‫﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ﴾ [سورة األنعام‪.]81 :‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.5233:‬‬

‫‪302‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ُ ِّ‬
‫‪ -45‬هل من أمثلة ىلع أمور اغمضة يف اتلوراة يبينها القرآن الكريم؟‬
‫ٍ‬
‫لكثير من األمور الغامضة يف التوراة‪ ،‬ولعل من‬ ‫تفسيرا‬
‫ً‬ ‫القرآن الكريم ُيقدم‬
‫أعجب األمثلة على ذلك يف نظري هو ذلك السر العجيب يف التوراة‪ :‬سر اختفاء‬
‫النبي عزرا ‪ ‬فجأ ًة من مسرح األحداث‪.‬‬
‫ففي القرن الخامس قبل الميالد ظهر شخص عظيم‪ ،‬وهو النبي عزرا أو‬
‫عزير ‪.‬‬
‫وخ ْذن ََّص َر؛‬
‫كان عزرا عار ًفا بالكتاب المقدس الذي أحرقه الملك البابلي َن ُب َ‬
‫المقدَّ س‪،‬‬ ‫وخ ْذن ََّص َر سبى اليهود إلى مدينة بابل‪َّ ،‬‬
‫وخرب بالدهم‪ ،‬وأحرق كتاهبم ُ‬ ‫فنَ ُب َ‬
‫ٍ‬
‫طويلة إلى أن ظهر عزرا ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لسنوات‬ ‫وبعد السبي عاش اليهود يف بابل‬
‫قرر ْ‬
‫أن يقود جماعة المؤمنين معه من بابل‬ ‫وبعد ظهور عزرا وانتشار دعوته َّ‬
‫إلى القدس "أورشليم"‪ْ ،‬‬
‫وأن يعيد كتابة األسفار المقدسة التي ضاعت!‬

‫‪303‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وقبل أن يدخل قرية القدس إذا به يكتشف أن القرية خاوي ٌة على عروشها‪،‬‬
‫قد َخ ِربت وفسد َمن بقي مِن أهلها‪ ،‬فقد انتشرت الوثن َّيات هناك بشدة‪.‬‬

‫حال حتى الساعة!‬


‫وهنا تحدُ ث المفاجأة العجيبة التي ال يجد لها اليهود ًّ‬
‫تحرك شخص‬
‫تحرك من بابل‪ ،‬وبعده بثالثة عشر عا ًما َّ‬ ‫المفرتض َّ‬
‫أن عزرا َّ‬
‫آخر اسمه ن ََح ْميا‪:‬‬

‫‪304‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫تحرك يف السنة السابعة من ُحكم الملك أر َت ْح َششتا‪:‬‬


‫فعزرا َّ‬

‫يتحرك يف السنة العشرين من حكم الملك أر َت ْح َششتا‪:‬‬


‫ون ََح ْميا بدأ َّ‬

‫وهنا تحدث المفاجأة‪ :‬يختفي عزرا تما ًما مِن على مسرح األحداث‪ ،‬ثم‬
‫ٍ‬
‫بزمن طوي ٍل جدًّ ا‪ ...‬يظهر يف جيل أحفاد نحميا!‬ ‫يظهر بعد ذلك‬
‫تفسيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا األمر ال يعرف له اليهو ُد‬
‫تربير لهذا االختفاء المفاجئ لعزرا من‬
‫حيث ال يوجد يف الكتاب المقدس ٌ‬
‫على مسرح األحداث‪ ،‬وظهوره مر ًة أخرى بعد زمن طويل‪.‬‬
‫عزرا أتى قبل نَحم َيا كما قلنا بثالث عشرة سنة‪ ،‬وكانت القدس قري ًة خاوي ًة‬
‫على عروشها‪ ،‬وكانت الطائفة المؤمنة يف القدس قليلة جدًّ ا‪ ،‬لكن عزرا يظهر‬
‫ٍ‬
‫طويلة‪ ،‬ليدخل القرية مر ًة أخرى وإذا هبا ممتلئة بالمؤمنين!‬ ‫ٍ‬
‫أجيال‬ ‫فجأ ًة بعد‬

‫‪305‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بينما على العكس نحميا الذي أتى بعده يجد األعدا َد قليلةً‪ ،‬والبيوت لم ُتب َن بعدُ ‪:‬‬

‫واألعجب من كل ذلك أن نَحميا كان يف عصر رئيس الكهنة َأل ِ ِ‬


‫ياشيب‪:‬‬ ‫َ‬

‫بينما عزرا كان يف عصر حفيد ألياشيب‪ :‬يهوحانان بن ألياشيب‪:‬‬

‫حال‪.‬‬
‫هذا الموقف العجيب أوقع اليهود يف ورطة تاريخية ال يعرفون لها ًّ‬
‫حيث يختفي عزرا لثالثة أجيال متعاقبة‪ ،‬ثم يظهر فجأ ًة يف زمن حفيد رئيس‬
‫الكهنة؟‬
‫والجيل من ‪ 20- 50‬عا ًما‪ ،‬فهذا يعني َّ‬
‫أن عزرا اختفى حوالي مائة عامٍ!‬
‫مخرجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ورطة ال يعرفون منها‬
‫ٍ‬
‫بحاجة للخروج من ورطة التسلسل الزمني‬ ‫ُيقرر موقع تكالهيمانوت أننا‬
‫لألحداث‪ ،‬فبدأ يضع افرتاضات كثيرة تخالف تسلسل النص؛ ألن تسلسل‬
‫ترتيب األحداث التاريخية هبذه الصورة ُمشكِ ٌل؛ فكيف يأيت عزرا قبل نحميا‬

‫‪306‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫بثالثة عشر عا ًما ثم يدخل القدس يف زمن األحفاد؟‬


‫أيضا طب ًقا للمفسر ديريك كيدنر‪ ،‬فهناك حاجة َّ‬
‫ماسة إلعادة ترتيب األحداث‪.‬‬ ‫ً‬

‫أما موقع جامعة القديس أندرو فيعرتف َّ‬


‫أن هذه مشكلة ُمحيرة ومربكة‪...‬‬
‫التسلسل الزمني ألحداث عزرا ُم ْربِ ٌك‪.‬‬

‫ور َّبما جواب كل هذا اإلشكال وهذه الورطة َّ‬


‫بأن الشخص الذي أماته اهلل‬ ‫ُ‬
‫وأن القرية هي ال ُقدس‪،‬‬
‫مائة عا ٍم ثم بعثه يف سورة البقرة هو عزرا ‪َّ ،‬‬
‫وهذا قول كبار الصحابة وذهب إليه أئمة التفسير‪.‬‬
‫والسدِّ ي وجماعة من‬
‫ُّ‬ ‫والضحاك‬
‫َّ‬ ‫فهو قول ابن عباس وقتادة وعكرمة‬

‫‪307‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫جماهير أهل العلم‪.‬‬


‫﴿ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [البقرة‪.]131 :‬‬

‫اهلل عزرا ودخل القرية بعد مائة عا ٍم وجدها قد امتألت‬


‫فبعد أن بعث ُ‬
‫ني السور حول المدينة!‬
‫بالناس‪ ،‬بل و ُب َ‬
‫فالسور حول القدس بناه نحميا‪ ،‬ولم يظهر عزرا يف المشهد إطال ًقا‪ ،‬وهناك‬
‫ِسفر كامل يف الكتاب المقدس "سفر نحميا" يتناول بناء السور‪ ،‬فأين كان عزرا؟‬
‫عزرا لم يظهر إال يف زمن أحفاد هذا الجيل‪ ،‬والمدينة قد كربت والسور تم‬
‫المقدَّ س التي ضاعت‪.‬‬
‫بناؤه؛ فبدأ ُيعلم الناس دينهم‪ ،‬وأعاد جمع أسفار الكتاب ُ‬

‫‪308‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فهنا القرآن الكريم مهيم ٌن على الكتب السابقة‪ ،‬ويحل هذه الورطة التي‬
‫تواجهها التورا ُة‪ ،‬ويخرب َّ‬
‫أن عزرا أماته اهلل مائة عام ثم بعثه؛ لذلك اختفى من‬
‫مسرح األحداث طوال هذه المدة!‬
‫سبحان اهلل‪﴿ :‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾‬
‫[سورة النمل‪.]73 :‬‬
‫ا‬
‫عزيرا ابن اهلل؟‬ ‫‪ -46‬باملناسبة هناك سؤال متكرر‪ :‬أين قالت ايلهود‪ :‬إن‬

‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [سورة التوبة‪.]50 :‬‬


‫ونظرا لعظيم أعماله‪،‬‬
‫ً‬ ‫عزرا كان من أعظم شخصيات بني إسرائيل كما قلنا‪،‬‬
‫وجمعه لألسفار المقدسة التي ضاعت‪ ،‬قام اليهود بتقديسه وتنزيله منزلة اإلله‪.‬‬
‫طويال‪ ،‬فنقرأ يف سفر إسدراس‬
‫ً‬ ‫وقد ورد هذا األمر يف كتبهم‪ ،‬واعتقدوه زمانًا‬
‫الثاين ‪ 1 Esdras‬أو سفر النبي عزرا كما كان ُيسمى نقرأ فيه تأليه عزرا ورفعه‬
‫لمرتبة األلوهية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لزمن طوي ٍل أحد األسفار اليهودية المقدسة‪،‬‬ ‫وهذا السفر إسدراس الثاين ظل‬
‫وكان ملح ًقا بسفر عزرا‪.‬‬
‫فسفر عزرا الموجود حال ًّيا ضمن الكتاب المقدس كان ملح ًقا به هذا السفر‬
‫"سفر إسدراس الثاين"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اقتباسات كثير ًة من هذا‬ ‫ولذلك اقتبس كبار المراجع الدينية من أهل الكتاب‬
‫السفر‪ ،‬كما يقول موقع تكالهيمانوت‪:‬‬

‫‪309‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫سفرا قانون ًّيا معرت ًفا به بين أهل الكتاب‪.‬‬


‫فهذا السفر كان يو ًما ما ً‬
‫ويف جزء "عزرا الرابع" من هذا السفر ‪ The Book of 2 Ezra‬يظهر بصورة‬
‫جل َّية تأليه عزرا‪ ،‬ورفعه لمرتبة األلوهية‪.‬‬
‫وطب ًقا لموقع جامعة القديس أندرو‪ ،‬فإنَّه يف هذا الجزء ورد أنه َّ‬
‫تم تأليه عزرا‬
‫‪.apotheosis of Ezra‬‬

‫‪ apotheosis of Ezra‬تعني‪ :‬تأليه عزرا‪.‬‬


‫فكلمة ‪ apotheosis‬معناها‪ :‬تأليه أو جعل الشخص بمنزلة اإلله ‪.godlike‬‬

‫‪310‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وبالمناسبة هناك جماعات من أهل الكتاب ُتؤمن حتى الساعة َّ‬


‫أن جزء عزرا‬
‫كتاب قانوينٌّ ُمقدَّ س‪.‬‬
‫الرابع ٌ‬
‫وما زال هذا السفر موجو ًدا ضمن الكتاب المقدس عندهم مثل‪ :‬الكنيسة اإلثيوبية‪.‬‬
‫فالكتاب المقدس يف إثيوبيا يحتوي على هذا السفر "سفر عزرا الرابع" حتى الساعة‪.‬‬

‫إ َذ ْن دراسة كتب أهل الكتاب؛ سوا ًء القانونية أو غير القانونية‪ ...‬دراسة هذه‬
‫عظيما للدعوة إلى اهلل!‬
‫ً‬ ‫الكتب من ِقبل متخصصين تفتح با ًبا‬
‫وفيها من أدلة صدق النبي محمد ﷺ الشيء الكثير‪ ،‬وهي تجيب عن كثير‬
‫من التساؤالت عند أهل الكتاب وتكشف الكثير من اإلشكاالت لديهم!‬
‫فالنظر يف باب البشارات يف ديانات وشرائع أهل األرض يحتاج لجهود‬
‫وجهود ودراسات متخصصة‪ ،‬بل ومراكز بحثية كاملة‪ ،‬وحتى اآلن لم ُيبذل بعد‬
‫الجهد المطلوب يف هذا الباب!‬

‫***‬

‫‪311‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الباب الثالث‬

‫ُ‬
‫اإلعجاز العلمي‬

‫‪313‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪314‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٌّ‬
‫عليم يف القرآن الكريم؟‬ ‫‪ -47‬هل هناك إعجاز‬

‫يم َّر عصر من العصور إال‬


‫قال اإلمام ابن حجر ‪ ‬منذ سبعة قرون‪" :‬لن ُ‬
‫وسيظهر يف القرآن دليل جديد ُّ‬
‫يدل على صدق دعواه"(‪.)1‬‬
‫فقبل يوم القيامة بقليل سيخرج رجل بربهان جديد على صحة هذا الدين لم‬
‫يسب ْقه إليه أحد!‬
‫ٍ‬
‫زمان‪ ،‬ولن تكون هذه‬ ‫فلن تتوقف براهين اإلسالم عند ٍ‬
‫أمة‪ ،‬وال عند‬ ‫ُ‬
‫الرباهين يف ٍ‬
‫باب دون آخر‪ ،‬بل ستبقى دو ًما يف كل باب!‬
‫حقيقي ومثبت يف‬
‫ٌّ‬ ‫علمي‬
‫ٌّ‬ ‫إعجاز‬
‫ٌ‬ ‫ثمة ما يمنع أن يكون لدينا‬
‫ومن هنا فليس َّ‬
‫القرآن والسنة النبوية!‬
‫َّ‬
‫‪ -48‬لكن كيف نعلم أن ما بني أيدينا هو إعجاز عليم؟‬

‫إذا نظرنا يف القرآن ووجدنا فيه أكثر من ألف آية تتناول قضايا متعلقة‬
‫بالطبيعة والسماء واألرض والجبال والمطر وخلق الجنين والرياح‪ ،‬وإذا علمنا‬
‫تملؤها األسطورة والخرافة والخزعبالت‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أن هذه اآليات نزلت يف بيئة بدائية‬
‫الوثنية‪ ،‬فإما أن تكون هذه اآليات معصومة حتى الساعة‪ ،‬وهبذا يثبت قط ًعا‬
‫ر َّبانيتها‪ ،‬ويثبت أهنا نزلت من عند اهلل ح ًّقا‪.‬‬
‫أن تكون هذه اآليات قد امتألت بالثقافة المحيطة بكل ما فيها من‬ ‫وإ َّما ْ‬
‫ودجل كأمر بديهي؛ وسيظهر تما ًما أنَّها من عند بشر؛ لما فيها من‬
‫خرافة وجهل َ‬
‫ثقافة ذاك العصر!‬
‫(‪ )1‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬م‪ 1‬ص‪ 7‬بتصرف‪.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬العلم وحقائقه‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪315‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [سورة‬

‫النساء‪.]81 :‬‬
‫فإذا تدَّ برنا القرآن سنعلم ْ‬
‫إن كان من عند اهلل أم من عند غير اهلل؛ فلو كان من‬
‫عند غير اهلل سنجد فيه اختال ًفا ً‬
‫كثيرا‪ ...‬سنجد فيه ثقافة ذاك الزمن بكل جهاالته!‬
‫كل ٍ‬
‫أحد بمجرد قراءة هذا القرآن‪ ،‬ثم النظر‬ ‫بسيط وس َيعرف جوا َبه ُّ‬
‫ٌ‬ ‫فالتحدي‬
‫يف معارفنا العلمية‪ ...‬سيعرف هل هو من عند اهلل أم من عند ذاك العصر‪ ...‬عصر‬
‫ووهم!‬ ‫النبوة الذي لم ُ‬
‫يخل ميدان من ميادينه من خرافة وأسطورة ْ‬ ‫َّ‬
‫اقرأ وانظر واحكم بنفسك!‬
‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ﴾‬
‫[سورة سبأ‪.]23:‬‬
‫ُق ْم من أجل الحق وتف َّك ْر يف أمر هذا الكتاب‪ ،‬وستعلم يقينًا ْ‬
‫إن كان هذا‬
‫ِ‬
‫ب بثقافة عصر مضى عليه ألف‬ ‫الكتاب من عند اهلل أو من عند بشر قد ُكت َ‬
‫وأربعمائة عام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كتاب ك ُتب يف عصر النبوة أو قبله أو بعده أو حتى قبل مائتي عا ٍم سرتى‬ ‫فأي‬
‫ُّ‬
‫فيه من األخطاء العلمية المباشرة الواضحة الفاضحة ما ال ُيحصى‪.‬‬
‫أمر يس ٌير!‬
‫علمي ٌ‬ ‫ٍ‬
‫إعجاز‬ ‫إن كان القرآن يحتوي على‬ ‫فمعرفة ْ‬
‫ٍّ‬
‫‪ -49‬هل من أمثلة ىلع ثقافة ذاك العرص واألخطاء العلمية الشائعة يف ذاك الزمن؟‬

‫أرسطو كمثال كان يتخ َّيل أ َّن َّ‬


‫المخ هو عبارة عن‪ :‬مربد للدم "رادياتير ‪"Radiator‬‬
‫تصور أرسطو عن المخ‪.‬‬
‫بينما القلب ُمسخن الدم‪ ،‬هذا كان ُّ‬

‫‪316‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫شيء من هذا القبيل‪.‬‬ ‫أي‬
‫لم يكن أرسطو يعرف أعصا ًبا‪ ،‬وال مراكز إحساس‪ ،‬وال َّ‬
‫يتصور َّ‬
‫أن أسنان المرأة تختلف يف العدد عن أسنان الرجل(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫أيضا كان‬
‫أرسطو ً‬
‫ٍ‬
‫قرآنية‬ ‫أن معلوم ًة كهذه وردت يف ٍ‬
‫آية‬ ‫هذه كانت ثقافة ذاك العصر‪ ،‬تخ َّيل لو َّ‬
‫ٍ‬
‫حديث صحيحٍ ؟‬ ‫أو‬
‫تتحول إلى ثعبان!‬ ‫وأرسطو كان يتخ َّيل َّ‬
‫أن الدودة عندما تكرب فإهنا َّ‬
‫ُ‬
‫قائل هذا الكالم هو أرسطو‪ ...‬أكرب رأس علمية يف ذاك العصر‪ ،‬والثقافة‬
‫األرسطية هي التي كانت منتشرة يف الشرق األوسط‪ ،‬وهي التي كانت تستحوذ‬
‫مضت‪ ،‬وتحديدً ا حتى القرن‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫قليلة‬ ‫ٍ‬
‫قرون‬ ‫على الساحة العلمية يف الغرب حتى‬
‫السادس عشر الميالدي(‪.)2‬‬
‫أما أبو الطب أبقراط وهو أعظم أطباء العالم يف ذاك الوقت‪ ،‬فكان يتخيل َّ‬
‫أن‬
‫الجنين يتش َّكل نتيجة تأثير الماء والهواء والرتاب والنار‪.‬‬

‫‪)1( Males have more teeth than females‬‬


‫‪Aristotle, On the Parts of Animals: Book III.‬‬
‫‪)2( Aristotle, "Book IV". The History of Animals. Translated by D'Arcy Wentworth‬‬
‫‪Thompson. Oxford: Clarendon Press.‬‬

‫‪317‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫لحم‪ ،‬وبعد ذلك َت ُم ُّر‬ ‫بل وكان يتخيل أن الجنين يظهر يف البداية ِ‬
‫كقطعة‬ ‫َّ‬
‫قطعة اللحم هذه بمرحلة تسخين داخل الرحم‪ ،‬ونتيجة عملية التسخين تظهر‬
‫العظام؛ فالعظام تظهر بتسخين قطعة اللحم داخل الرحم‪.‬‬
‫هذا أبقراط أكرب أطباء العالم يف ذاك الوقت‪.‬‬

‫يجف بالتسخين‪ ،‬وهبذه‬


‫ُّ‬ ‫تصور بدائي عجيب‪ ...‬كان يتصور َّ‬
‫أن اللحم‬ ‫وهذا ُّ‬
‫ٌّ‬

‫‪318‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الطريقة تظهر العظام‪.‬‬


‫العظام التي كل نتوء فيها يؤدي مهمة ُمحددة بمنتهى الضبط المدهش كما‬
‫َيعرف ُّ‬
‫كل َمن درس علوم التشريح‪ ،‬كان يظن أبقراط َّ‬
‫أن هذه التفاصيل المعجزة‬
‫تظهر هكذا بحسب كمية التسخين‪.‬‬

‫وال أدري ما مصدر التسخين يف رحم المرأة من وجهة نظره؟!‬


‫ٍ‬
‫مرحلة‬ ‫وكان أرسطو يتخ َّيل َّ‬
‫أن النصف العلوي من الجنين ينشأ ً‬
‫أوال‪ ،‬ثم يف‬
‫ٍ‬
‫تالية ينشأ النصف السفلي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وصدر فقط!‬ ‫ٍ‬
‫رأس‬ ‫تخيل امرأ ًة تجهض جنينًا عبارة عن‬

‫أما جالين أحد أكرب أطباء ذاك العصر وتلميذ أبقراط‪ ،‬فكان يتخيل َّ‬
‫أن عظام‬
‫ني‬ ‫َّ‬
‫الجنين وأوردته وشرايينه وأعصابه‪ ...‬األشياء القاسية يف الجنين تتشكل من َم ِّ‬

‫‪319‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ هذا الكالم بحرفه يف كتابه‬،‫ بينما تتشكل األنسجة الرخوة من ماء المرأة‬،‫الرجل‬
.)1(On Semen
‫ وقد‬،‫ وهي نفسها الثقافة المنتشرة يف الشرق األوسط‬،‫هذه ثقافة ذاك العصر‬
‫ لذلك نجد يف التلمود اليهودي‬،‫تأ َّثر هبذه الثقافة حتى ُش َّراح الكتب المقدسة‬
.)2(‫ دون أي تغيير‬،‫نفس كالم جالين بحرفه‬
َّ ‫أيضا كان يتخ َّيل‬
‫ هل تعرفون لماذا؟‬...‫أن َحيض المرأة يتوقف أثناء الحمل‬ ً ‫جالين‬
)3( !‫حتى يتم تخزينه داخل الرحم فيتغذى عليه الجنين‬
!‫تصور جالين‬
ُّ ‫دم الحيض هو مصدر غذاء الجنين يف‬
.‫طب ًعا أخطاء فادحة‬
َّ ‫أن الجنين‬
،‫الذكَر يأيت من الخصية اليمنى‬ َّ ‫وكان جالين كأستاذه أبقراط يعتقد‬
.)4(‫بينما الجنين األنثى تأيت من الخصية اليسرى‬
ٍ
‫قليلة مضت؛ ولذلك كان‬ ٍ
‫قرون‬ ‫وظل هذا االعتقاد سائدً ا يف العالم حتى‬
)1( But (the fetus) has first of all the vegetative power, which creates not from blood but
from the semen itself artery and vein and nerve, bone and membrane.
On Semen, Galen, p.66
For all the parts that are fleshy [σαρκώδη] in form were generated from blood [αίματος];
but all that were membranous were drawn out from semen.
On Semen, Galen, p.402
)2( There are three partners in man, the Holy One, blessed be He, his father and his mother.
His father supplies the semen of the white substance out of which are formed the child’s
bones, sinews, nails, the brain in his head and the white in his eye; his mother supplies the
semen of the red substance out of which is formed his skin, flesh, hair, blood and the black
of his eye;
Babylonian Talmud, Nidda 24a
)3( The substance from which the fetus is formed is not merely menstrual blood, as
Aristotle maintained, but menstrual blood plus the two semens."
On semen, Galen, p 50.
)4( On Book VI of Epid., and Hippocrate, comm. VI.19

320
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫اليونانيون يربطون الخصية اليسرى تجن ًبا إلنجاب البنات‪ ،‬بينما الفرنسيون‬
‫ذكرا فقط‪.‬‬
‫يزيلوهنا تما ًما إذا أرادوا أن يكون المولود ً‬

‫المني فكان جالين يتخ َّيل َّ‬


‫أن الدم يف طريقه للخصيتين‬ ‫أما عن كيفية نشأة َ ِّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫المني!‬
‫ُّ‬ ‫التحول للون األبيض‪ ،‬وبذلك يظهر‬
‫ُّ‬ ‫يبدأ يف‬
‫أن الجنين َّ‬
‫الذكَر يكون عن يمين الرحم‪ ،‬بينما‬ ‫واتفق جالين مع أرسطو على َّ‬
‫الجنين األنثى عن يسار الرحم(‪.)2‬‬
‫أخطاء كثيرة نقطع اليوم أنَّها مهازل علمية‪.‬‬
‫تخ َّي ْل لو َّ‬
‫أن خراف ًة واحد ًة من هذه الخرافات كانت يف القرآن الكريم؟‬
‫ألم تكن هذه األخطاء والخرافات هي ثقافة ذاك العصر؟‬
‫ألم يكن هؤالء هم علماء العصر ومثقفوه‪ِ ،‬‬
‫وأنع ْم بالذي ينقل عنهم؟‬
‫كثيرا‪ ،‬فالفيدا الهندوسية‬
‫وإذا انتقلنا للثقافة اآلسيوية‪ ،‬فاألوضاع لن تختلف ً‬
‫(‪)3‬‬ ‫ثور!‬ ‫المقدَّ س" تقرر َّ‬
‫أن األرض يمسك هبا ٌ‬ ‫"كتاب الهندوس ُ‬
‫‪)1( Journal of the History of Biology, Vol. 41, P.406‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬العلم وحقائقه‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.270‬‬
‫‪)2( Ibid., p.201‬‬
‫‪)3( Atharva Veda 1.44.4 The Bull supports the wide-spread earth‬‬

‫‪321‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لئال تتحرك‪.‬‬
‫نَعم هناك ثور يمسك باألرض َّ‬
‫مذكور يف الـ ‪:Atharva Veda‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا الكالم بالحرف‬

‫(‪)1‬‬ ‫أما الشمس‪ ،‬فقد ذكرت الريج فيدا أنَّها ُتسيرها سبعة أحصنة!‬
‫مذكور حتى الساعة‪ :‬الشمس َت ُج ُّرها سبعة أحصنة‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا الكالم‬

‫(‪)2‬‬ ‫وكسوف الشمس يحصل؛ نتيج ًة لوجود شبح ُيخفي الشمس خلفه!‬
‫كسوف الشمس بسبب اختفائها خلف شبح‪ ،‬هذا كالم الريج فيدا‪:‬‬

‫‪)1( Rig Veda 4.50.1, 4.50.4 O, Bright sun, a chariot named harit with seven horses‬‬
‫‪)2( Rig Veda 5.10.5-4 O Sūrya, when the Asura’s descendant Svarbhanu, pierced thee‬‬
‫‪through and through with darkness‬‬

‫‪322‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫تصورات العالم يف ذاك العصر‪ ،‬وال يوجد كتاب يف ذاك الزمن‪ ،‬وال‬‫هذه ُّ‬
‫ٍ‬
‫قرون مضت َّإال وهو ممتلئ على آخره بأساطير علمية عجيبة‪.‬‬ ‫حتى قبل ثالثة‬
‫التطور قبل قرن‬
‫ُّ‬ ‫بل وانظروا إلى تشارلز داروين الذي صنَّف ُك ُتبه يف نظرية‬
‫ونصف فقط من اآلن!‬
‫انظروا لهذه الكتب اليوم بمقياس العلم ستجدوهنا مليئ ًة بأساطير مضحكة؛‬
‫فمثال كان تشارلز داروين يؤمن بما ُيسمى بالـ ‪ Pangenesis‬ومعنى هذه الفرضية‬
‫ً‬
‫أن‪ :‬كل جزء من جسدك تخرج منه جسيمات صغيرة‪ ،‬هذه الجسيمات تذهب‬ ‫َّ‬
‫لألعضاء التناسلية‪ ،‬فعندما تمارس الرياضة تخرج هذه الجسيمات من‬
‫العضالت وتذهب للعضو التناسلي‪ ،‬وبالتالي يكتسب ابنك قوة عضالتك‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أصال معنى‬
‫لم يكن داروين يعرف شي ًئا عن الجينوم أو الـ ‪ DNA‬وال يعرف ً‬
‫هذه الكلمات‪ ،‬فتخ َّي َل هو هذه األسطورة العجيبة الـ ‪.Pangenesis‬‬
‫ٍ‬
‫بكتاب نزل قبل أكثر من ألف‬ ‫هذا منذ مائة وخمسين عا ًما فقط!‪ ،‬فما بالك‬
‫وأربعمائة عام؟!‬
‫ُ‬
‫الباطل من بين‬ ‫كتاب ر ِّبنا سبحانه ال يأتيه‬
‫ُ‬ ‫وما زال هذا الكتاب حتى الساعة‬
‫يديه وال من خلفه‪ ،‬وهذا ُمحال لو كان قول بشر‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [سورة فصلت‪.]21 :‬‬
‫َ ْ‬
‫‪ -51‬إذن ما أكرب إعجاز عليم يف القرآن الكريم؟‬

‫أكرب إعجاز علمي يف القرآن الكريم يمكن أن نتحدَّ ث عنه بمنتهى الثقة‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫هذا القرآن لم ينقل شي ًئا من الخرافات التي كانت تمأل العالم يف عصره!‬
‫عصم من كل هذه الخرافات‪ ،‬و َيعجز المالحدة بكل‬ ‫ُ‬
‫القرآن‪ ،‬و ُي َ‬ ‫فعندما يظهر‬
‫ٍ‬
‫صريحة يف هذا القرآن تخالف قضي ًة‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‬ ‫َخيلِهم ور ِجلهم عن اإلتيان ٍ‬
‫بآية‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫علمي ًة واحد ًة مثبت ًة فهذا برهان على ربانية هذا الكتاب!‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صورا خمتلفة من اإلعجاز العليم؟‬ ‫الكريم‬ ‫‪ -51‬لكن هل حيمل القرآن‬

‫إذا كان هذا القرآن الكريم معصو ًما‪ ،‬وبه أكثر من ألف آية تتناول قضايا علمية‪،‬‬
‫مؤخرا‪.‬‬ ‫سجل هذه اآليات حقائق علمية لم ُت َ‬
‫رصد إال‬ ‫فمن المتوقع جدًّ ا أن ُت ِ‬
‫ً‬
‫لكن ال بد أن نعلم َّ‬
‫أن من طبيعة النص القرآين أنَّه ال يصدم القارئ مباشر ًة‬
‫ٍ‬
‫مخالفة لما يعتقده؛ ألن هذا قد ُيو ِّلد تكذي ًبا للقرآن‪ ،‬وجزاء‬ ‫ٍ‬
‫علمية‬ ‫بمعارف‬
‫َ‬
‫تكذيب القرآن الكفر(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬العلم وحقائقه‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬بتصرف‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫إشارات يفهمها‬ ‫المعارف العلمية التي يسجلها القرآن على شكل‬
‫ُ‬ ‫فتأيت هذه‬
‫حصلوا هذه المعارف العلمية!‬
‫الناس متى َّ‬
‫وال تكون هذه اإلشارات يف القرآن مقصودة بذاهتا!‬
‫ليشرح لنا المعارف العلمية‪ ،‬و ُيعلمنا تفاصيلِها‪ ،‬فليست‬
‫َ‬ ‫فالقرآن لم ْ‬
‫ينزل‬
‫التصور الكوين العلمي للناس‪ ،‬وإنما غاي ُت ُه تصحيح مفاهيم‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫تعديل‬ ‫غاي ُة القرآن‬
‫الناس يف باب العبادة‪ ...‬يف باب تأ ُّمل آيات اهلل يف خلقه‪ ...‬يف باب التسليم هلل‪...‬‬
‫يف باب النظر والتد ُّبر(‪.)1‬‬
‫فالقرآن كتاب هداية لضبط مشكلتَي المعرفة والسلوك عند اإلنسان‪ ،‬هذه‬
‫غاية القرآن الكريم‪.‬‬
‫القرآن الكريم َخ ْل َق النجوم ُّ‬
‫والس ُحب والسماء‬ ‫ُ‬ ‫ويف سياق آيات الهداية يتناول‬
‫والرياح والنبات واألرض والقمر واألجنَّة‪ ،‬وهنا تأيت اإلشارات العلمية‪.‬‬
‫والنظر يف هذه اإلشارات العلمية المتفقة مع ما انتهى إليه العلم‪ ،‬وإظهار ما‬
‫فيها من إعجاز أن ِْع ْم به‪ ،‬فهو يزيد يقين بعض الناس‪ ،‬ويهتدي به آخرون!‬

‫‪ -52‬لكن ما ضوابط رصد اإلعجاز العليم يف القرآن الكريم؟‬

‫ْ‬
‫أن تكون المسأل ُة العلمية على درجة عالية من الصحة والربهنة!‬
‫ْ‬
‫وأن تكون اإلشار ُة إليها يف القرآن الكريم إشارة واضحة صريحة‪.‬‬
‫وأال نقول َّ‬
‫إن هذا التفسير باإلعجاز العلمي هو القول الوحيد يف اآلية‪ ،‬بل‬ ‫َّ‬
‫هو أحد الوجوه التفسيرية التي ُتب ِّين دقة اللفظ القرآين‪.‬‬
‫ا َّ‬
‫‪ -53‬لكن ماذا لو ثبت مستقبل أن هذه املسألة العلمية غري صحيحة؟‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لو فهمنا ضوابط رصد اإلعجاز العلمي‪ ،‬فلن يكون لهذا االعرتاض وج ٌه‪،‬‬
‫فالنظر يف باب اإلشارات العلمية يف القرآن الكريم يكون على وجه االستئناس‪،‬‬
‫ومرويات أهل الكتاب‬
‫ُ‬ ‫كما استأنس كبار أئمة التفسير بالنقل عن أهل الكتاب‪.‬‬
‫تفيد الظن‪ ،‬كما أخرب الصادق المصدوق ﷺ‪" :‬ـَك حدثك أ ل كلكتاب ال‬
‫وـ مهكذبو "(‪.)1‬‬ ‫مهصدـو‬
‫فمرو َّياهتم تفيد الظن‪ ،‬ومع ذلك استأنس هبا كبار أئمة التفسير‪.‬‬
‫النظر يف باب اإلشارات العلمية يف القرآن الكريم هو نظر‬
‫ُ‬ ‫فبنفس القياس‬
‫استئناسي نستأنس به‪ ،‬وال نقول َّ‬
‫إن هذا النظر معصوم‪ ،‬بل هو اجتهاد محمود‪،‬‬ ‫ٌّ‬
‫وهو وجه من وجوه تفسير اللفظ القرآين‪ ،‬وليس الوجه األوحد أو الذي ال‬
‫يمكن أن ُيفسر القرآن إال به!‬
‫المعجز آي ًة كل زمن‪ ،‬وكل ثقافة‪ ،‬وكل عصر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫النص القرآينُّ‬
‫وسيبقى ُّ‬
‫﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [سورة فصلت‪.]35 :‬‬
‫ًّ‬ ‫ُ َ‬
‫‪ -54‬هل من املمكن رسد بعض اآليات اليت فيها إعجاز عليم مثبت علميا؟‬

‫مؤخرا ذكرها القرآن الكريم قبل أكثر من‬


‫ً‬ ‫سأذكر سبع حقائق علمية مكتشفة‬
‫ألف وأربعمائة عام!‬
‫الحقيقة األولى‪:‬‬
‫قديما يتخ َّيلون َّ‬
‫أن الماء هو أصل الكون ومصدر الكون!‬ ‫كان البشر ً‬
‫التصور تتفق عليه األساطير السومرية والبابلية والكنعانية والمصرية‬
‫ُّ‬ ‫وهذا‬
‫القديمة‪ ،‬فهذه كانت ثقافة الشرق األوسط‪.‬‬
‫(‪ )1‬السلسلة الصحيحة لأللباين‪.791 -3 ،‬‬

‫‪326‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫كانوا يعتقدون َّ‬


‫أن الماء األول هو مادة الخلق األولى!‬
‫مثال يف األسطورة السومرية‪َّ :‬‬
‫أن مصدر الكون هو "نمو ‪"Nammu‬‬ ‫فنجد ً‬
‫والتي معناها الماء األم‪:‬‬

‫ويف األسطورة البابلية جاء العالم من تيامت ‪ Tiamat‬وهي المياه األولى‪:‬‬

‫‪327‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا فكرة المياه األم‪ ،‬والتي ُتسمى "نون"‬


‫ويف األساطير المصرية القديمة نرى ً‬
‫والتي كانت مصدر الكون‪ ،‬ويف األسطورة الكنعانية نجد "يم" المياه التي جاء منها‬
‫الكون‪ ،‬ونفس األمر موجود يف األسطورة الهندية واليابانية القديمة‪.‬‬
‫فهذه كانت ثقافة العصور القديمة‪ ،‬ويتفق معها حتى مفسرو الكتاب المقدس‬
‫تب ًعا للثقافة السائدة يف ذاك الوقت‪ ،‬فالماء هو أصل الكون وهو مادة الكون األولى‪.‬‬

‫وكان فالسفة اليونان يعتقدون نفس هذه العقيدة‪ ،‬وهذا قول طاليس الم َلطي‪:‬‬

‫إنَّها ثقافة العالم يف ذاك العصر!‬


‫أن مادة الكون لم تكن يف البداية‬ ‫ٍ‬
‫محمد ﷺ ليخربنا َّ‬ ‫فإذا بالقرآن ينزل على‬
‫ما ًء وإنما دخان!‬

‫‪328‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [سورة فصلت‪.]99 :‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫والدخان يؤكد َّ‬
‫أن أصل الكون شي ٌء ملتهب‪ ،‬وليس بحيرة ماء!‬
‫إعجازا قرآن ًّيا حقيق ًّيا!‬
‫ً‬ ‫هذه المعلومة تمثل‬
‫شيء ملتهب‪ ،‬هذه معرفة لم ي ُق ْل هبا إال العلم الحديث‪ ،‬ولم‬ ‫ٍ‬ ‫فالكون أيت من‬
‫يسبقه فيها إال القرآن!‬
‫فهذه النجوم كانت قبل أن تتشكل دخانًا!‬
‫مادة هذه األفالك التي يف السماء هي الدخان وليس الماء‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ﴾ [سورة فصلت‪.]99 :‬‬
‫والدخان هو الكثافة الغازية الناجمة عن االحرتاق أو االنفجار‪ ،‬وهذا هو‬
‫عين التوصيف العلمي لبداية تش ُّكل النجوم والسدم واألفالك‪.‬‬

‫والدخان الكوينُّ موجو ٌد حتى الساعة‪ ،‬فهو قضية مثبتة علم ًّيا‪ ،‬وهو الذي‬
‫يتك َّثف لتظهر النجوم ُّ‬
‫والسدُ م‪.‬‬
‫(‪ )1‬العلم وحقائقه‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.917‬‬

‫‪329‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫األصح‬
‫ُّ‬ ‫وطب ًقا لموقع مرصد هرشل الفضائي‪ ،‬فما ُنسميه ً‬
‫غبارا كون ًّيا التسمية‬
‫له هي‪ :‬الدخان‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ري الذي لم يسبقه إليه أحدٌ ‪َّ ...‬‬


‫أن نشأة‬ ‫الح ْص ُّ‬
‫فهذا هو التوصيف القرآينُّ َ‬
‫األفالك من الدخان‪ ،‬وليس من الماء األولي!‬
‫وهذا التوصيف اليوم هو حقيقة علمية!‬
‫الحقيقة الثانية‪:‬‬
‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [سورة الذاريات‪.]27 :‬‬
‫قوام النسبية العامة ألينشتاين على َّ‬
‫أن السماء مبنية‪ ،‬نعم السماء مبنية!‬
‫َّ‬
‫وأن الزمكان‪ ...‬والزمكان هو تداخل الزمان والمكان‪ ،‬هذا الزمكان عبارة‬
‫عن نسيج حقيقي تتحدَّ ب عليه األجرام يف السماء‪ ،‬وهذا ما قاله أينشتاين بنفسه‬
‫يف ورقته عن النسبية العامة‪ ،‬والتي كتبها يف عام ‪ 9193‬حيث قال َّ‬
‫إن‪" :‬السماء‬
‫جرد فضاء‪ ...‬ليست مجرد ستار تتج َّلى عليه الحوادث‪ ،‬بل هو بنية‬
‫ليست ُم َّ‬
‫أساسية‪ ...‬السماء بنية أساسية تتأثر بالطاقة والكتلة"(‪.)1‬‬
‫وهذا الكالم ذكره أينشتاين بحرفه يف مجلة حوليات الفيزياء ‪.Annalen der Physik‬‬

‫‪)1( A. Einstein (4644). "Die Grundlage der allgemeinen Relativitätstheorie" Annalen der‬‬
‫‪Physik. 251 (9): 946–111.‬‬

‫‪331‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالسماء مبنيةٌ‪ ،‬هذه إحدى الحقائق العلمية المثبتة اليوم‪.‬‬


‫ضي مائة عام على ورقة أينشتاين‪ ،‬تم‬
‫ويف فرباير من عام ‪ 1093‬أي‪ :‬بعد ُم ِّ‬
‫بالفعل اكتشاف موجات الجاذبية يف نسيج الزمكان‪ ،‬وهو االكتشاف الذي أعلن‬
‫عنه مشروع لـيجو‪ ،‬وفاز بجائزة نوبل يف الفيزياء لعام ‪.1097‬‬

‫حقيقي!‬
‫ٌّ‬ ‫فأنت ليس فوقك فراغ كما تتخ َّيل بالنظر المباشر‪ ،‬وإنَّما ما فوقك هو بناء‬
‫السماء ليست مجرد ستار‪ ...‬السماء بنا ٌء!‬
‫الحقيقة الثالثة‪:‬‬
‫﴿ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [سورة الذاريات‪.]27 :‬‬
‫كمل اآلية‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [سورة الذاريات‪.]27 :‬‬ ‫ُن ِ‬

‫هل السماء تتمدَّ د؟‬


‫هل السماء تت َِّسع؟‬
‫كان الناس حتى زمن أينشتاين يتخ َّيلون أن الكون ثابت ‪،static universe‬‬
‫فالكون ال يتمدَّ د‪ ...‬ال يتسع‪ ،‬وال ينكمش‪ ،‬وأينشتاين نفسه كان يدعم هذا األمر‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫لكن يف عام ‪9111‬م‪ .‬حصلت المفاجأة العلمية التي غ َّيرت نظرتنا للكون‬
‫إن السماء‬ ‫ٍ‬
‫بثابت بل َّ‬ ‫يتوسع‪ ،‬فالكون ليس‬ ‫العلم َّ‬
‫أن الكون َّ‬ ‫ُ‬ ‫لألبد‪ ،‬فقد اكتشف‬
‫تتوسع وتتمدَّ د مع الزمن‪ ،‬تم رصد هذه الحقيقة المدهشة عرب تلسكوب هابل‪،‬‬
‫َّ‬
‫توسع الكون هي حقيقة علمية‪ ،‬وعندنا ما ُيعرف بقانون هابل‬
‫واليوم قضية ُّ‬
‫التوسع‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لقياس مقدار‬
‫فهذه قضية ال شك فيها اليوم‪ ،‬كما يقول أستاذ الفيزياء الفلكية أندرو ليدل(‪.)1‬‬
‫يتوسع هو أكرب خطأ‬
‫تصور الكون الثابت الذي ال َّ‬ ‫وقد اعرتف أينشتاين َّ‬
‫أن ُّ‬
‫علمي ارتكبه يف حياته‪.‬‬

‫‪)1( Andrew Liddle, an Introduction to Modern Cosmology, p.xi‬‬


‫ً‬
‫نقال عن العلم وحقائقه‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.913‬‬

‫‪333‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُ‬
‫القرآن قبل أينشتاين‪ ،‬وقبل كل العلوم الحديثة؛ ليؤكد‬ ‫لك َّن العجيب أن يأيت‬
‫هذه الحقيقة المدهشة‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [سورة الذاريات‪.]27 :‬‬
‫فهذا خربٌ قرآينٌّ لم يعرفه العلم إال منذ سنوات‪.‬‬
‫الحقيقة الرابعة‪:‬‬
‫من الحقائق العلمية َّ‬
‫أن أشعة الشمس يف الصباح عندما تسقط على سطح‬
‫األرض‪ ،‬فإنَّها ُتسخن سطح األرض؛ فتنتقل حرارة األرض إلى الهواء المالمس‬
‫ُّ‬
‫ويقل ضغطه ويرتفع ألعلى‪ ،‬فيحل‬ ‫لها‪ ،‬وبالتالي يسخن هذا الهواء ويتمدد‬
‫مكانه الهواء يف الطبقات العليا‪.‬‬
‫ناتجا عن تنفس الكائنات الحية طوال‬
‫هذا الهواء الذي ارتفع ألعلى كان ً‬
‫ٍ‬
‫جديد‬ ‫ٍ‬
‫هبواء‬ ‫صباحا؛ حيث يتبدل هذ الهواء‬ ‫الليل‪ ،‬فتحصل هذه الظاهرة العجيبة‬
‫ً‬
‫نقي‪ ،‬و ُتعرف هذه العملية بعملية "التيارات الحرارية الصاعدة أو تيارات‬
‫الحمل"‪ ،‬وكأن األرض مثل الرئة العمالقة‪ ،‬وهي تتنفس يف الصباح!‬
‫فإذا بالقرآن الكريم ُيسجل هذه الحقيقة بلفظها بصورة واضحة‪﴿ :‬ﮕ ﮖ‬

‫‪334‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ﮗ﴾ [سورة التكوير‪.]98 :‬‬


‫صباحا تما ًما كما الكائنات‬
‫ً‬ ‫فهذا حرف ًّيا ما يحدث‪ ،‬حيث تتنفس األرض‬
‫يحل مكانه هواء جديد نقي!‬‫الحية‪ ...‬تطرد الهواء المحمل بثاين أوكسيد الكربون‪ ،‬ثم ُّ‬

‫الحقيقة الخامسة‪:‬‬
‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ﴾ [سورة اإلسراء‪.]91 :‬‬
‫آية الليل هي القمر‪ ،‬وآية النهار هي الشمس‪.‬‬
‫نورها‪.‬‬
‫آية الليل ُمحيت‪ :‬أي انطفأ ُ‬
‫بينما بقيت آية النهار مبصرة‪ :‬منيرة‪.‬‬
‫نورا ثم ُمحي؟ هل كان كتلة نارية كالشمس؟‬
‫فهل القمر كان ً‬
‫مؤخرا عن القمر!‬
‫ً‬ ‫هذا ُي َعدُّ اليوم أحد أكرب الحقائق المكتشفة‬
‫فالقمر بالفعل كان كتلة نارية‪ ،‬كما يقول عالم الجيولوجيا واألستاذ بجامعة‬
‫كاليفورنيا دوج ماكدوجل(‪.)1‬‬
‫‪)1( Dough Macdougall, why geology matters?, P.44‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬العلم وحقائقه‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص‪.151‬‬

‫‪335‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تطور القمر‪،‬‬
‫وقد أصدرت ناسا على موقعها الرسمي‪ ،‬مقط ًعا مرئ ًّيا بعنوان ُّ‬
‫تتناول فيه هذه الحقيقة العلمية المدهشة‪ ،‬وكيف َّ‬
‫أن القمر كان كتلة نارية‪ ،‬ثم‬
‫م ِ‬
‫حي نوره مع الزمن!(‪)1‬‬
‫ُ َ‬

‫قال ابن عباس ﭬ يف تفسير اآلية‪ :‬كان القمر ُيضيء‪ ،‬وهو آية الليل‬
‫فم ِ‬
‫ح َي(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫(‪ )1‬وثائقي ناسا عن تطور القمر على موقع ناسا الرسمي على اليوتيوب‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=UIKmSQqp1wY‬‬
‫(‪ً )2‬‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير ابن كثير لآلية‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫علي ﭬ عن البقع السوداء يف القمر قال‪ :‬ذاك آية الليل محيت(‪.)1‬‬


‫وحين ُسئل ٌّ‬
‫وهذا من المعلوم علم ًّيا اليوم؛ فالمساحات السوداء على القمر هي بالفعل‬
‫ُبقع كانت ملتهبة‪.‬‬
‫فكيف علم النبي ﷺ هبذه القضية العلمية العجيبة الدقيقة؟‬
‫الحقيقة السادسة‪:‬‬
‫النبي ﷺ باألمواج الداخلية يف البحار؟‬
‫كيف علم ُّ‬
‫﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [سورة النور‪.]20 :‬‬

‫مؤخرا؛ فال سبيل لرؤيتها‬


‫ً‬ ‫واألمواج الداخلية يف البحار لم يعر ْفها العا َل ُم إال‬
‫من الشاطئ أو بالسباحة يف عمق البحر‪ ،‬وإنما ُتكتشف باألقمار الصناعية‪.‬‬

‫(‪ )1‬جامع البيان‪ ،‬الطربي‪ ،‬م‪ 92‬ص‪.393‬‬

‫‪337‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أضخم بكثير من األمواج الخارجية‪ ،‬وهو‬


‫ُ‬ ‫وقد تب َّين أن الموج الداخلي‬
‫يكون كالجبال ويصل ارتفاعه إلى ‪ 300‬قدم‪.‬‬

‫النبي ﷺ هذه الدقائق؟‬


‫فكيف علم ُّ‬
‫الحقيقة السابعة‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ﴾ [سورة األنبياء‪.]50 :‬‬

‫‪338‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وهذا أحد أسس علم األحياء اليوم‪َّ ،‬‬


‫أن عنصر الماء داخل ضرور ًة يف تركيب‬
‫كل كائن حي‪.‬‬

‫حتى َّ‬
‫إن العلماء الباحثين عن حياة خارج األرض هم ال يبحثون عن كائنات حية‬
‫على الكواكب األخرى‪ ،‬وإنما يبحثون عن الماء؛ ألهنم يعلمون أنَّه ال حياة بدون الماء!‬

‫﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ﴾ [سورة النور‪.]23 :‬‬


‫َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫عليم يف مسألة خلق األجنة يف القرآن الكريم؟‬ ‫‪ -55‬هل يوجد إعجاز‬

‫تصور علماء الطب والفلسفة‬


‫قبل أن ُنجيب عن هذا السؤال ال بد أن نعرف ُّ‬
‫زمن البعثة النبوية عن مراحل خلق الجنين وهيئة الجنين‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كان العلم والطب والفلسفة يف ذاك العصر مرجعهم إلى أبقراط وجالين وأرسطو‪.‬‬
‫ويف كتاب أرسطو "حول والدة الحيوانات"‪:‬‬

‫المخزن يف الرحم‬
‫ني الرجل ينزل على دم َحيض المرأة ُ‬ ‫َّ‬
‫ُيقرر أرسطو أن َم َّ‬
‫ف ُيجمده‪ ،‬كما تنزل الخميرة على اللبن فتجعله ُجبنًا!‬
‫فالجنين ينشأ من دم الحيض‪ ...‬واليوم هذه خرافة مضحكة ً‬
‫قوال واحدً ا!‬
‫خزن يف‬
‫الحيض يتوقف فور حمل المرأة‪ ،‬وال ُي َّ‬
‫أن دم َ‬‫فنحن نعلم تما ًما َّ‬
‫الرحم‪ ،‬وال كل هذه األساطير!‬
‫ني الرجل؛‬ ‫َّ‬
‫وكان جالين أبو الطب يف ذاك العصر يقرر أن ماء المرأة ُيغذي َم َّ‬
‫فيبدأ الجنين القزم يف التضخم(‪.)1‬‬
‫ني الرجل‪ ،‬ثم‬ ‫لقد كان جالين يتخ َّيل َّ‬
‫صغيرا جدًّ ا يف َم ِّ‬
‫ً‬ ‫أن الجنين يكون‬
‫يتغذى هذا الجنين القزم ويبدأ يك َب ُر تدريج ًّيا بعد دخول رحم المرأة‪.‬‬
‫‪)1( On semen, Galen‬‬

‫‪340‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫سائد يف تلك العصور على َّ‬
‫أن المرأة ليس‬ ‫علمي‬ ‫ٍ‬
‫اتفاق‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫ش‬‫إ َذ ْن كان هناك ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ني الرجل ُيخثر دم الحيض عند‬ ‫فم ُّ‬
‫أي دور فعلي يف عملية اإلنجاب‪َ ،‬‬ ‫لها ُّ‬
‫أرسطو‪ ،‬وماء المرأة ُيغذي مني الرجل عند جالين ليبدأ الجنين القزم يف التضخم‬
‫مع الوقت؛ ففي كلتا الحالتين المرأة مجرد وعاء للجنين ال أكثر‪.‬‬

‫فيأيت القرآن الكريم يف تلك الثقافة‪ ،‬ويف ذاك العصر ل ُيصحح هذه النظرة البدائية‪،‬‬
‫أن الجنين هو ُنطفة أمشاجٍ ‪ ،‬أي‪ :‬من الرجل والمرأة‪ ،‬وليس الرجل فقط!‬ ‫ويخربنا َّ‬
‫﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [سورة اإلنسان‪.]1 :‬‬
‫والنطفة األمشاج بإجماع المسلمين ع ْبر كل العصور‪ ،‬وبإجماع أهل اللغة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أخالط من الرجل والمرأة‪،‬‬ ‫فأمشاج تعني‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫هي الخليط من الرجل والمرأة‪،‬‬

‫‪341‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فيتكون منهما الجنين‪.‬‬


‫َّ‬ ‫حيث ُيستل جزء من ماء الرجل مع ذاك الخاص بالمرأة؛‬
‫وليس من كل الماء كما كان يتخ َّيل أرسطو‪.‬‬
‫ُ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫‪ -56‬ما ديللك من القرآن أو السنة ىلع أن اجلنني يستل من جزء من ماء الرجل؟‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [سورة السجدة‪.]8 :‬‬


‫يأيت الجنين من ساللة من ماء الرجل!‬
‫مؤخرا‬
‫ً‬ ‫الجنين يأيت من جزء يسير جدًّ ا ُي ُّ‬
‫ستل من ماء الرجل‪ ،‬وهو المعروف‬
‫فتتكون النطفة األمشاج‬
‫َّ‬ ‫بـ"الحيوان المنوي"‪ ،‬مع ذاك الخاص بالمرأة؛‬
‫"الجنين"‪.‬‬
‫أن الجنين يتش َّكل من جزء يسير جدًّ ا‬
‫أيضا َّ‬
‫والحديث النبوي الصحيح يؤكد ً‬
‫من الماء‪ ،‬وليس من كل الماء يقول رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والحديث يف صحيح اإلمام‬
‫مسلم‪" :‬ما مع ل كلِّاء يكون كلولد"(‪.)1‬‬

‫‪ -57‬بعد ظهور انلطفة األمشاج ماذا حيصل للجنني؟‬

‫بعد أن تظهر النطفة األمشاج يبدأ الجني ُن يف مراحل التخ ُّلق المختلفة!‬
‫ني الرجل‬ ‫َّ‬
‫فهو هنا سيبدأ يف التخلق‪ ،‬وليس أن جنينًا قز ًما كان مختب ًئا يف َم ِّ‬
‫سيبدأ يف التضخم‪ ،‬كما كان يتصور جالين!‬
‫ففكرة الجنين القزم ‪ Preformation‬والتي كانت سائد ًة حتى قبل قرون قليلة‬
‫ُ‬
‫القرآن خرافتَها‪ ،‬فالجنين يتخلق من نطفة أمشاج من الرجل‬ ‫مضت أثبت‬
‫والمرأة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.9258:‬‬

‫‪342‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫مختلفة حتى يتش َّكل‪:‬‬ ‫فبعد النطفة األمشاج يدخل الجني ُن يف مراحل َخ ْل ٍق‬
‫﴿ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [سورة الزمر‪.]3 :‬‬
‫َْ‬
‫‪ -58‬ما مراحل اخللق املختلفة هذه؟‬

‫تتحول‬
‫َّ‬ ‫خصبة"‪،‬‬
‫الم َّ‬
‫مؤخرا "البويضة ُ‬
‫ً‬ ‫بعد ظهور النطفة األمشاج والتي ُتسمى‬
‫األمشاج إلى مرحلة العلقة‪﴿ :‬ﮤﮥﮦﮧ﴾ [سورة المؤمنون‪.]92 :‬‬
‫ُ‬ ‫هذه النطف ُة‬
‫والعلقة لفظ قرآينٌّ ُمم َّيز عجيب مدهش مبهر‪.‬‬
‫ليمتص منه الدم!‬
‫َّ‬ ‫فالعلقة يف األصل هي كائن صغير يع َل ُق ِ‬
‫بالجلد‬ ‫َ‬

‫الوصف القرآينُّ المدهش لهذه المرحلة الجنينية بأهنا مرحلة العلقة!‬


‫ُ‬ ‫ويأيت‬
‫لنكتشف اليوم أن الجنين يف هذه المرحلة يطابق بالفعل العلقة من حيث‬
‫الشكل الخارجي تما ًما‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ليمتص منه‬
‫َّ‬ ‫أيضا العلقة من حيث الوظيفة‪ ،‬فهو َيع َلق بجدار الرحم؛‬
‫و ُيطابق ً‬
‫الدم حرف ًّيا‪.‬‬
‫الحظ‪ :‬ال وجود لدم حيض المرأة‪ ،‬وال للجنين القزم الذي سيك َب ُر يف‬
‫التصورات الخرافية!‬
‫ُّ‬ ‫الحجم‪ ،‬لم يذكر القرآن شي ًئا من هذه‬
‫المضغة‪﴿ :‬ﮤ‬
‫يتحول الجنين إلى المرحلة التالية‪ ،‬وهي مرحلة ُ‬
‫َّ‬ ‫بعد العلقة‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [سورة المؤمنون‪.]92 :‬‬
‫ما هذا التوصيف القرآينُّ الجديد لهذه المرحلة "المضغة"؟‬
‫ٍ‬
‫شيء أشبه ما يكون بقطعة‬ ‫يتحول الجني ُن بالفعل إلى‬ ‫بعد مرحلة العلقة‬
‫َّ‬
‫اللحم الممضوغة حرف ًّيا "مضغة"‪.‬‬

‫حجما‪ ،‬وتظهر فيه أنسجة كالطعام‬


‫ً‬ ‫فيكون الجني ُن يف هذه المرحلة أكرب‬
‫الممضوغ‪ ،‬ويحمل ما يشبه آثار األسنان‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫نعم‪ ،‬آثار األسنان التي تكون يف اللقمة الممضوغة يكون الجني ُن عند هذه‬
‫المرحلة بنفس هذا الشكل!‬
‫أثر انحناء األسنان على الفك يف اللقمة الممضوغة‪ ،‬سبحان اهلل!‬

‫ألفاظ قرآنية عجيبة فريدة‪.‬‬


‫هل ُينكِر هذه الدقة‪ ،‬وهذا اإلهبار إال ُمكابر؟‬
‫لماذا لم ينقل القرآن شي ًئا من خرافات عصره السائدة وما أكثرها؟‬
‫ُ‬
‫القرآن خراف ًة واحد ًة من الخرافات التي كانت شائعة زمن البعثة‬ ‫لم يوافق‬
‫النبوية‪ ،‬فلماذا يا ُترى؟‪...‬‬
‫لماذا بقي معصو ًما؟‬
‫مؤخرا جدًّ ا؟‬
‫ً‬ ‫العلم عنها شي ًئا إال‬
‫ُ‬ ‫تفرد بحقائق لم يعرف‬
‫لماذا َّ‬

‫‪ -59‬هل قال علماء املسلمني بيش ٍء من هذا اإلعجاز قبل العرص احلديث؟‬

‫المني يقوم بعقد دم‬ ‫وزعم أهل التشريح َّ‬


‫أن‬ ‫قال ابن حجر ‪َ " :‬‬
‫َّ‬
‫الحيض‪ ،‬وأحاديث الباب تبطل ذلك"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،‬م‪ 99‬ص‪.280‬‬

‫‪345‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يتكون من ماء الرجل وحده‪،‬‬


‫َّ‬ ‫وقال القرطبي يف تفسيره زعموا َّ‬
‫أن الجنين‬ ‫ُّ‬
‫ويستمدُّ الدم من الرحم‪ ،‬والصحيح َّ‬
‫أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة‬
‫لهذه اآلية‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [سورة اإلنسان‪ ]1 :‬فإهنا ٌّ‬
‫نص ال‬
‫يحتمل التأويل(‪.)1‬‬
‫نص ال يحتمل التأويل" فعلماء المسلمين‬
‫الحظ كلمة اإلمام القرطبي‪" :‬فإهنا ٌّ‬
‫العلم اليوم من خالل فقط‬
‫ُ‬ ‫تصورات معاصريهم؛ ليوافقوا ما انتهى إليه‬
‫خالفوا ُّ‬
‫معرفتهم بالقرآن الكريم!‬
‫ُ‬
‫فالقرآن الكريم يقدم خطا ًبا غير مسبوق!‬

‫‪ -61‬هل هناك إعجاز عليم يف األحاديث انلبوية؟‬

‫سأذكر بعض الحقائق العلمية التي تنحاز نحو الحديث النبوي‪:‬‬


‫الحديث األول‪:‬‬
‫ُروي عن النبي ﷺ أنه قال‪َ " :‬و َخ َع َق آ َ َ ‪َ ‬بعدَ كل َعصط مع َيو‬
‫كلج هِّ َعة‪ ،‬ا آخط كلخَ عق‪ ،‬ا آخط َسا َع ٍة"(‪.)2‬‬
‫ه‬
‫الخ ْلق‪.‬‬
‫فآدم ‪ ‬ظهر يف آخر َ‬
‫وهذه إحدى الحقائق العلمية التي ال خالف عليها اليوم بين العلماء!‬
‫فاإلنسان ظهر يف آخر الكائنات الحية على األرض‪.‬‬
‫الحديث الثاين‪:‬‬
‫النبي ﷺ يف الحديث المتَّفق على صحته‪ُّ " :‬هل كبع آ َ َ َيأ ه هع هه كلت ه‬
‫ُّطكب‪،‬‬ ‫قال ُّ‬
‫ب"‪.‬‬‫ب كلذ َب منه‪ ،‬هخع َق و ته هي َط ه‬
‫ــ َعج َ‬

‫(‪ )1‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪ ،‬م‪ 93‬ص‪.525‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ح‪.1781:‬‬

‫‪346‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فهل نحن ُخلقنا من َع ْجب الذنب؟‬


‫آخ ُر مِنطقة ال ُع ْصعص بأسفل العمود الفقري‪.‬‬
‫عجب الذنب هو ِ‬

‫فهل نحن ُخلقنا من هذا المكان؟‬


‫عرف يف علم األجنَّة‬
‫يف أول األسبوع الثالث من الحمل يظهر ما ُي َ‬
‫بـ ‪ Primitive Streak‬أو الشريط األولي‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هذا الشريط الصغير جدًّ ا تب َّين لنا اليوم أنَّه المسؤول عن تشكيل الجنين‪،‬‬
‫فهو يقوم بتشكيل الجنين وتكوين الخاليا المتخصصة التي سيظهر منها الجني ُن‪.‬‬
‫وبنهاية األسبوع الثالث من الحمل يبدأ هذا الشريط األولي ‪Primitive Streak‬‬
‫عرف بالـ‪.)1(Caudal Eminence‬‬
‫يف االختفاء تدريج ًّيا‪ ،‬ويرتك مكانه ما ُي َ‬

‫هذا الـ‪ Caudal Eminence‬الناتج عن الشريط األولي أين سيذهب؟‬

‫‪)1( https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/45129464‬‬

‫‪348‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ويتحول إلى مِنطقة العصعص!‬


‫(‪)1‬‬
‫َّ‬ ‫سيتضاءل الـ ‪ Caudal Eminence‬مع الوقت‬

‫فال ُعصعص هو يف األصل الشريط األولي الـ ‪ Primitive Streak‬الذي نشأ منه‬
‫النبي ﷺ قبل أكثر من ‪ 9200‬عام‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الجنين‪ ...‬المكان الذي منه خلقنا كما أخرب ُّ‬
‫ُ‬
‫رجال يرعى أغنا ًما على قراريط ألهل مكة‪ُ ،‬يخبِر بحقائق لم يعرف‬
‫تخ َّي ْل ً‬
‫ٍ‬
‫قليلة!‬ ‫ٍ‬
‫سنوات‬ ‫العلم دقائ َقها إال منذ‬
‫ُ‬
‫عانيت حتى أستوعب دقة هذا الحديث‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بل وأنا الطبيب المتخصص‪ ،‬واهلل‬
‫يتحول هذا الشيء الدقيق الذي ظهر يف األسبوع الثالث من عمر الجنين‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وكيف‬
‫والذي كان محور التما ُيز الجنيني‪ ،‬كيف لهذا الشريط الدقيق أن يختفي تما ًما‬
‫بعد ذلك من مسرح األحداث ليستقر يف منطقة العصعص‪.‬‬
‫ما هذه الدقة وما هذا اإلعجاز؟‬
‫الحديث الثالث‪:‬‬
‫قال النبي ﷺ‪ ،‬والحديث يف صحيح مسلم‪" :‬ـ ه هخع َق ُّهل ـ ٍ‬
‫سان مع َبنت آ َ َ‬ ‫ُّ‬
‫‪)1( https://radiopaedia.org/articles/coccyx‬‬

‫‪349‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وسب َح كهللَ‪،‬‬‫وحِّدَ كهللَ‪ ،‬و َ ع َل كهللَ‪َ ،‬‬ ‫تع و َثالثِّئَة َميفص ٍل‪َِّ ،‬ع َب َط كهللَ‪َ ،‬‬ ‫ع َعَ ست َ‬
‫وكستَغ َيف َط كهللَ‪ ،‬و َعز ََل َح َجطك عع َ طيق كلناس‪ ،‬أو َشو َة‪ ،‬أو َعظِّا عع َ طيق‬
‫المَ‪،‬‬ ‫عطوف‪ ،‬أو َ َ َ عع همن َكطٍ‪َ ،‬عدَ َ م َ‬ ‫ٍ‬ ‫كلناس‪َ ،‬‬
‫كلس َ‬‫تع وكلثالثِّئَة ُّ‬ ‫عِ كلست َ‬ ‫وأ َم َط ب َِّ‬
‫إ ه يِّشت يوم ٍ‬
‫ئذ وـد زَحزَ َح َيف َس هه َعع كلناا"(‪.)1‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫خالف بين األطباء‬ ‫ٍ‬ ‫ظل َم َح َّل‬
‫مفصال َّ‬
‫ً‬ ‫الدقيق ثالثمائة وستون‬ ‫ُ‬ ‫هذا العد ُد‬
‫استقرت المراجع الطبية الحديثة يف عدد مفاصل‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬
‫طويلة‪ ،‬إلى ْ‬ ‫ٍ‬
‫لسنوات‬
‫َّ‬
‫اإلنسان على هذا الرقم بالضبط‪ :‬ثالثمائة وستين م ِ‬
‫فص ًال‪.‬‬ ‫َ‬

‫مفصال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ففي اإلنسان تحديدً ا ثالثمائة وستون‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.9007:‬‬

‫‪350‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وهذه القضية اليوم أصبحت إحدى الحقائق العلمية!‬

‫‪351‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫صيين قديم ذك َر هذا الرقم‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -61‬لكن بعض امللحدة يقول‪ :‬هناك مرجع‬
‫ا‬
‫مفصل؟‬
‫ثلثمائة وستني ِ‬

‫فالمرجع يقول‪ :‬ثالثمائة وخمسة‬‫ُ‬ ‫كذب‪،‬‬‫ٌ‬ ‫تب َّين بالعودة للمرجع َّ‬
‫أن هذا‬
‫وستين‪ ،‬وليس ثالثمائة وستين‪ ،‬وهذا بنا ًء على عدد أيام العام يف الفلسفة الدينية‬
‫الصينية‪ ،‬وارتباط أيام العام بالجسد البشري‪.‬‬
‫فالمرجع ال يتحدَّ ث عن عدد المفاصل تحديدً ا‪ ،‬وإنما عن أجزاء الهيكل‬
‫العظمي التي تدخل منها الطاقة الكونية(‪.)1‬‬

‫لم أهل األرض‪ :‬صينية‬ ‫ِ‬


‫ثم أنا ال أدري كيف ينسب المالحد ُة للنبي ﷺ ع َ‬
‫وسريانية وفرعونية كل هذا حتى ينفوا عنه معجزة واحدة؟‬
‫بائس!‬
‫موقف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫سيبقون هكذا يجادلون يف الحق بعدما تب َّين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد ﷺ؛‬ ‫وقوع المعجزات التي ال حصر لها على يد‬ ‫لقد ثبت بالتواتر‬
‫ُ‬
‫فواهلل َّ‬
‫إن القطع بنبوته هو رشاد العقل!‬
‫المو َّثق تحتاج إلى عمل موسوعي حقيقي يعمل‬ ‫قضية اإلعجاز العلمي ُ‬
‫عليه علما ُء وباحثون متخصصون‪ ،‬فهذا ميدان عظيم‪ ،‬وفيه نفع للناس جمي ًعا‪.‬‬
‫وأقول لكل ُمل ِحد‪ :‬ف ِّك ْر واهلل وستصل؛ وال ُتصدِّ ْق من يريدون أن ُيضلوك‬
‫عن سبيل اهلل‪.‬‬
‫‪)1( Huang Di’s Inner Classic.‬‬

‫‪352‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الباب الرابع‬

‫صح ِة اإلسال ِم‬ ‫ٍ‬


‫رهان عىل َّ‬ ‫أعظم ُب‬
‫ُ‬

‫‪353‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ُ ُ‬
‫رهان ىلع صحة اإلسلم؟‬
‫‪ -62‬ما أعظم ب ٍ‬
‫النبي محمد ﷺ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أعظم معجزة يف اإلسالم على اإلطالق‪ ،‬وأعظم آية أيد هبا ُّ‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫كتاب اهلل ‪ ...‬هو‬ ‫وأعظم برهان على صحة هذا الدين‪ ،‬هو ُ‬
‫النبي ﷺ يف الحديث المتفق على صحته‪" :‬ما م َع كأل ب َتاء َب ٌّت ــ هأعط َت‬ ‫قال ُّ‬
‫تك َوحتا َأو َحا هه‬
‫ان كلذي هأوم ه‬ ‫كآليار ما مث هع هه هأوم َع‪َ ،‬أو َآم َع‪ ،‬ععته كل َب َش هط‪ ،‬وـ ِّا َ‬
‫م َع َ‬
‫كهلله ـ َلت‪ ،‬أا هجو َأ ت َأ َث هط ه مَابعا َيو َ كلق َت َامة"(‪.)1‬‬
‫نبي؛ ولذلك رجا النبي ﷺ أن يكون أكثر‬ ‫هبا‬ ‫يد‬ ‫أ‬ ‫القرآن أعظم ٍ‬
‫آية ُ‬ ‫ُ‬ ‫فهذا‬
‫ٌّ‬
‫األنبياء تاب ًعا يوم القيامة‪.‬‬
‫الموقفين‪ ،‬ثم انظر لحال العالم اليوم لتعرف هل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذين‬ ‫قارن بين‬ ‫ْ‬ ‫واآلن‬
‫رجاء النبي ﷺ يتحقق أم ال!‬

‫الموقف األول‪ :‬ذات يو ٍم خرج ُّ‬


‫النبي ﷺ على أصحابه قبل أن يصلوا العشاء‬
‫أحد مع أ ل كألاض هي َصعت ذه كلص َال َة غَت هط ه "(‪.)2‬‬
‫لتس َ‬
‫فقال لهم‪" :‬ـ ه َ‬
‫ال يوجد َمن ُيصلي العشاء على وجه األرض غير هؤالء النفر الذين يقفون‬
‫حول النبي ﷺ‪.‬‬
‫بيت على‬
‫النبي ﷺ أصحا َبه أنَّه لن يبقى ٌ‬
‫بشر ُّ‬‫واآلن نن ُظ ُر للموقف الثاين‪ُ :‬ي ِّ‬
‫ظهر األرض إال وسوف تصله رسالة اإلسالم‪" :‬ـ َيبقَ ععَ َظ ط كألاض َب ه‬
‫تك‬
‫َمدَ ٍا وـ َو َبطٍ ــ أ َخ َعه كهلله َعِّ َة كإلسال "(‪.)3‬‬
‫واآلن لننظر لواقع العالم اليوم ونرى‪:‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ح‪ ،7172:‬مسلم ح‪931:‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ح‪ ،831:‬مسلم ح‪.358:‬‬
‫المسنَد ح‪ ،15892:‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬تخريج ُ‬

‫‪355‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأثرا على اإلطالق‪ ،‬بل وال‬


‫انتشارا ً‬
‫ً‬ ‫اإلسالم اليوم هو أسرع ديانات األرض‬
‫أصال بينه وبين غيره‪.‬‬
‫َو ْجه للمقارنة ً‬

‫يدخ َل كل ٍ‬
‫بيت على وجه األرض‪ ،‬وسيدخل اليوم‬ ‫فاإلسالم بالفعل كاد أن ُ‬
‫أو غدً ا كل بيت!‬
‫فهل رجاء النبي ﷺ يتح َّقق أم ال؟‬

‫‪356‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الر ْغم من ضعفنا!‬


‫ما أخرب به ﷺ يقع على َّ‬
‫ٌ‬
‫محفوظ بيننا‪ ،‬وسيبقى إلى يوم القيامة‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫وها هو كتاب اهلل‬

‫‪357‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُ‬
‫فالقرآن نزل ليبقى إلى يوم القيامة!‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ﴾ [سورة الروم‪،]33 :‬‬
‫الكتاب معجز َة اإلسالم الكربى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ُ‬ ‫وسيظل هذا‬
‫ﯛ ﯜ ﯝﯞ﴾ [سورة العنكبوت‪.]39 :‬‬
‫الحق من أهل األرض‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫كاف لمن أراد َّ‬ ‫فهذا القرآن ٍ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [سورة الفرقان‪.]9 :‬‬


‫فهو نذير للعالمين‪ ،‬وقد أوجد اهلل به من الهباء ُأم ًة ضخمةً‪ ،‬واستبقى على‬
‫جيال من الناس ما كانوا ليدخلوا التاريخ أبدً ا لوال هنوض هذا الكتاب هبم!‬
‫القرون ً‬
‫ِ‬
‫األمة ومجدَ ها‪،‬‬ ‫شرف هذه‬ ‫أن يف هذا القرآن‬ ‫اهلل نب َّيه َّ‬
‫َ‬ ‫وحين نزل القرآن أخرب ُ‬
‫وأهنم هبذا القرآن سيدخلون التاريخ‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ﴾ [سورة‬

‫الزخرف‪.]22 :‬‬
‫لشرف لك ولقومك وسوف ُتسألون عن أداء حقه!‬
‫ٌ‬ ‫وإنه‬
‫﴿ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥﯦ﴾ [سورة األنبياء‪.]90 :‬‬
‫تمسكت به‪.‬‬ ‫فيه شر ُفكم‪ ...‬فيه َّ‬
‫عزة هذه األمة طالما َّ‬
‫ُ‬
‫والهوان حتى تعود إليه!‬ ‫الضعف‬
‫ُ‬ ‫أما إذا َتركته األمة خلف ظهرها أصاهبا‬
‫اجطيع! خصال َخِّس ـَك كبتهعت هت ب ع‪ ،‬وأعو هَ‬‫َ‬ ‫النبي ﷺ‪" :‬يا َمع َش َط كلِّ‬
‫قال ُّ‬
‫باهلل أن مهدا هو ه ع‪- :‬وَ ط من ا‪ -‬ول َين هق هضوك ع دَ كهلل وع دَ اسوله ــ َسع َط كهلله‬
‫بعض ما ان ا َأيدي ‪ ،‬وما ل مَح هك أئِّ هت‬ ‫ععت َعده و مع غتط ‪َ ،‬أ َخذوك َ‬
‫بتنَ "(‪.)1‬‬ ‫ويتَخَ ت هطوك تِّا َأ زَ َل كهلله ــ جعل كهلله َ‬
‫بأس‬ ‫بكتاب كهلل ‪َ ‬‬
‫لمجدها حتى تعود لكتاب رهبا!‬ ‫ِ‬ ‫فلن تعود هذه األمة‬
‫كم بِ ِه‬ ‫فالقرآن هو ُ ِ‬
‫وهو طريق صالح هذه األمة‪َ ...‬من َح َ‬ ‫حبل اهلل المتي ُن‪َ ،‬‬
‫(‪ )1‬صحيح الجامع ح‪.7178:‬‬

‫‪358‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫صراط مست ٍ‬
‫َقيم‪.‬‬ ‫عدَ َل‪ ،‬ومن دعا إل ْي ِه ُه ِد َي إلى‬
‫ٍ‬
‫مسلم ومسلمة‪ :‬تد ُّبر هذا الكتاب كل يومٍ!‬ ‫كل‬‫ولذلك مِن أعظم ما ُأوصي به َ‬
‫كل يوم يكون لك ِور ٌد من القرآن بتد ُّبر ولو نصف حزب!‬
‫يسيرا عليها يعينك على التد ُّبر‪ ،‬مثل‪ :‬التفسير الميسر‪.‬‬
‫تفسيرا ً‬
‫ً‬ ‫تقرأ اآلية بتأ ُّمل‪ ،‬ثم تقرأ‬

‫أو تفسير الشيخ السعدي‪:‬‬

‫ثم ُتعيد قراءة اآلية مر ًة أخرى‪ ،‬ثم تذهب إلى التي تليها وهكذا!‬
‫باب اليقين األيسر‪.‬‬
‫هذا واهلل ُ‬

‫‪359‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأيسر باب لنجاة ُأ َّمتِنا مما هي فيه هو‪ :‬تد ُّبر‬


‫ُ‬ ‫أيسر باب لتحصيل اليقين‪،‬‬
‫ُ‬
‫كتاب اهلل!‬
‫ٍ‬
‫حياة‪ ،‬ساعتها واهلل ننجو‬ ‫ويتحول القرآن إلى‬ ‫فعندما تقوم بتد ُّبر القرآن‪،‬‬
‫َّ‬
‫وننهض‪.‬‬
‫لش ٍ‬
‫بهة‪ ،‬وطمأنين ًة‬ ‫ً‬
‫وزواال ُ‬ ‫له ٍّم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وتفريجا َ‬
‫ً‬ ‫لمشكلة‪،‬‬ ‫حال‬
‫فسوف تجد يف كل آية ًّ‬
‫ٍ‬
‫لقلب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لنفس‪ ،‬وسكين ًة‬
‫فهذا خطاب ربك لك أيها اإلنسان!‬
‫َ‬
‫اإليمان يف القلب‪.‬‬ ‫الصدر‪ ،‬ويغرس به‬
‫َ‬ ‫اهلل به‬
‫فالقرآن يشرح ُ‬
‫أسراره الخاصة؛ ولذلك كم من عدُ ٍّو لرسول اهلل ﷺ أراد اغتياله‪،‬‬‫ُ‬ ‫وللقرآن‬
‫ق اإليمان من عينيه!(‪)1‬‬ ‫فما أن سمع ِ‬
‫آيات القرآن حتى انفطر قلبه وتشدَّ‬
‫وقد ن َّبهنا اهلل تعالى إلى هذه الحقيقة‪ ،‬وأخربنا أن الكافر يف قلب معمعة‬
‫خير حين يستمع القرآن‪﴿ :‬ﯦ ﯧ‬
‫القتال واشتداد رحى السيوف قد ُيرجى منه ٌ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲﯳ﴾ [سورة التوبة‪.]3 :‬‬
‫قتال لصوت كتاب عدوه؟‬ ‫كيف ينكسر كافر يف لحظة احتدام ٍ‬
‫ٌ‬
‫إهنا أسرار القرآن!‬
‫غضا طر ًّيا على كثرة الت َّْرداد‬
‫قاهر على النفوس‪ ،‬وال يزال ًّ‬
‫سلطان ٌ‬‫ٌ‬ ‫(فللقرآن‬
‫مع ما فيه من قوانين وتشريعات‪ ،‬وهو األنيس يف الخلوات‪ ،‬وهتفو إليه النفوس‬
‫ٍ‬
‫مكان ُوجد فيه‪.‬‬ ‫يف األزمات‪ ،‬ويزيل الوحشة عن أي‬
‫﴿ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [سورة الزمر‪.]15 :‬‬
‫(‪ )1‬إبراهيم السكران‪ ،‬كتاب‪ :‬رقائق القرآن‪ ،‬وكتاب‪ :‬الطريق إلى القرآن‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فكتاب اهلل تفرح به النفس حتى إذا أخذت ح َّظها منه عادت ُمرتاعة تريد المزيد(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫الحق ماذا يفعلون إذا سمعوا القرآن‪:‬‬
‫َّ‬ ‫وانظر لحال النصارى الذي يبتغون‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [سورة المائدة‪.]85 :‬‬
‫ٍ‬
‫شخص يقرأ هذه اآلية يعلم أن هذا الذي فاض يف عيوهنم من الدموع‬ ‫أي‬
‫ُّ‬
‫حين سمعوا القرآن شي ٌء فاق قدرهتم على االحتمال(‪.)2‬‬
‫أن عتبة بن ربيعة سيد قريش‪،‬‬ ‫بسند صحيحٍ عن كعب َّ‬‫ٍ‬ ‫روى اب ُن إسحاق‬
‫أمورا لعله يقبل بعضها؛‬
‫النبي ﷺ يعرض عليه ً‬ ‫عر َض على قومه أن يقوم إلى ِّ‬ ‫َ‬
‫أصحاب رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬ ‫وذلك حين أسلم حمزة ﭬ‪ ،‬ورأى المشركون‬
‫يكثرون ويزيدون‪ ،‬فقال المشركون لعتبة‪ُ :‬ق ْم إلى محمد فك َّل ْمه‪ ،‬فقام إليه ُعتبة‪.‬‬
‫الس َط ِة يف العشيرة‪ ،‬والمكان‬ ‫علمت من ِّ‬
‫َ‬ ‫يابن أخي! إنك منا حيث قد‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫َّسب‪ ،‬وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم‪َّ ،‬فرقت به جماعتهم‪ ،‬وس َّفهت به‬ ‫يف الن ِ‬
‫ورا لعلك تقبل منها بعضها‪.‬‬
‫فاسمع مني أعرض عليك أ ُم ً‬
‫ْ‬ ‫أحالمهم‪،‬‬
‫فقال رسول ﷺ‪" :‬ـل يا أبا كلولتد أسِّع"‪.‬‬
‫طغك يا أبا‬
‫َ‬ ‫يستمع منه‪ ،‬قال‪":‬أـد‬
‫ُ‬ ‫حتى إذا فرغ ُعتبة ورسول اهلل ﷺ‬
‫كلولتد؟" قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ " :‬اسِّع منت"‪ ،‬قال‪ :‬أفعل‪ ،‬فقرأ عليه صدر سورة ُفصلت‪.‬‬
‫فقام عتبة إلى أصحابه‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬نحلف باهلل لقد جاءكم أبو‬
‫الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‪ .‬قالوا‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد؟‬
‫قوال واهلل ما سمعت مث َله قط!‬
‫قال‪ :‬ورائي أين سمعت ً‬
‫واهلل ما هو بالشعر وال بالسحر‪ ،‬وال بال َكهانة‪ ،‬يا معشر قريش‪ ،‬أطيعوين‬
‫(‪ )1‬رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ‪ ،‬د‪ .‬ثامر بن ناصر‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬
‫(‪ )2‬إبراهيم السكران‪ ،‬كتاب‪ :‬رقائق القرآن‪ ،‬وكتاب‪ :‬الطريق إلى القرآن‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫واجعلوها بي‪ ،‬وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه‪ ،‬فواهلل ليكون َّن‬
‫ِ‬
‫الوليد بلسانه!‬ ‫سمعت منه نبأ عظيم‪ ،‬قالوا‪َ :‬س َح َر َك –واهلل‪ -‬يا أبا‬
‫ُ‬ ‫لقول ِ ِه الذي‬
‫قال‪ :‬هذا رأيي فيه‪ ،‬فاصن ُعوا ما بدا لكم‪.‬‬
‫ومن بين ما قاله عتبة للمشركين وهو يصف لهم أثر القرآن على قلبه؛ أنه لما‬
‫﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [سورة‬
‫ِ‬
‫سمع قو َله تعالى‪:‬‬
‫فصلت‪ ]95 :‬من سورة فصلت‪ ،‬قال‪ :‬أمسكت بفيه (أمسك بفم النبي ﷺ)‬
‫يكذب‪،‬‬
‫ْ‬ ‫أن محمدً ا إذا قال شي ًئا لم‬ ‫بالر ِحم أن َي ُك َّ‬
‫ف‪ ،‬وقد علمتم َّ‬ ‫وناشدته َّ‬
‫فخشيت أن ينـزل بكم العذاب‪.‬‬
‫خاف على المشركين من وعيد القرآن‪.‬‬
‫﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [سورة فصلت‪.]95 :‬‬
‫إن ظلوا على شركهم هلكوا!‬
‫النبي ﷺ‬ ‫ْ‬
‫يتمالك عتبة نفسه أمام قوارع القرآن‪ ،‬ففي اآليات التي تالها عليه ُّ‬ ‫لم‬
‫تحذير شديد لمشركي قريش أهنم سوف يفنَون كما َفنِيت عاد وثمود؛ ولذلك‬
‫أمسك بفم النبي ﷺ‪ ،‬وناشده بالرحم‪ ،‬وخاف على أهله واختفى أيا ًما يف داره‪.‬‬
‫فالقرآن يف هذه اآليات يخربهم َّ‬
‫أن الوثنية ستفنى يف قريش‪.‬‬
‫ت النبي ﷺ إال وانتهت الوثنية من ق ٍ‬
‫ريش لألبد‪.‬‬ ‫وبالفعل هذا ما حصل‪ ،‬ولم يم ِ‬
‫ُ‬
‫كافر ٍ‬
‫نفس ٍ‬
‫معاد للقرآن‪.‬‬ ‫أثر ُه العجيب؛ ُتس ِّلم له النفس سري ًعا‪ ،‬ولو كانت َ‬
‫فللقرآن ُ‬
‫تعرض عليك شبهة‪ ،‬ف ُت ِ‬
‫ورد عليها الردود العلمية والعقلية وأقوال‬ ‫ُ‬ ‫وأنت قد‬
‫بآية قرآنية يف موضع الشاهد حتى يزول اإلشكال‪،‬‬ ‫أهل العلم‪ ،‬لكن ما أن تأيت ٍ‬

‫ويطمئن السائل ولو كانت ملحدً ا‪ ،‬وهذا من عجائب أسرار القرآن‪.‬‬


‫عجيب يف النفس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أثر‬
‫فللقرآن ٌ‬
‫النبي ﷺ يف‬
‫َّ‬ ‫كافرا وذهب ليفاوض‬
‫يقول الجبير بن مطعم أنَّه حين كان ً‬

‫‪362‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ور‪َ ،‬ف َلما ب َل َغ ِ‬ ‫أسرى بدر يقول‪" :‬س ِ‬


‫هذه‬ ‫ب سور َة ال ُّط ِ َّ َ‬
‫الم ْغ ِر ِ‬
‫النبي ﷺ َي ْق َر ُأ يف َ‬
‫َّ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اآل َي َة‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [سورة الطور‪َ ،]57-53 :‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫أن َيطِ َير"(‪.)1‬‬
‫كَا َد َق ْلبِي ْ‬
‫متحفزا ضد اإلسالم‪ ،‬لكن ما أن سمع سورة‬
‫ً‬ ‫مع أن الجبير بن مطعم أتى‬
‫أحاسيسه سكين ُة القرآن‪.‬‬
‫َ‬ ‫الطور حتى خلبت‬
‫ومعارج ُه اإليمانية!‬
‫ُ‬ ‫أسرار ُه الخاصة‬
‫ُ‬ ‫فللقرآن‬

‫‪ -63‬ما أفضل طريق تلفنيد األفاكر املنحرفة؟‬

‫أيضا هو أفضل طريق لتفنيد األفكار الضالة ُّ‬


‫والش ُبهات والوساوس‪،‬‬ ‫تد ُّبر القرآن ً‬
‫فلو قرأ الشاب المسلم ِ‬
‫آيات القرآن يف وسيلية الدنيا‪َّ :‬‬
‫أن الدنيا مجرد وسيلة‪ ،‬ومركزية‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫اآلخرة‪﴿ :‬ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ﴾ [سورة فاطر‪.]3 :‬‬
‫وآيات أزلية الصراع بين الحق والباطل‪.‬‬
‫وآيات معنى التكليف‪.‬‬
‫وآيات ضرورة التمحيص واالبتالء‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [سورة العنكبوت‪.]1 :‬‬
‫وآيات ضرورة التسليم للنص الشرعي‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏ﴾ [سورة يونس‪.]901 :‬‬
‫وآيات عدم االغرتار بال َب ْه َرج المادي‪﴿ :‬ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ﴾ [سورة الزخرف‪.]55 :‬‬
‫المسلم هذه اآليات بتد ُّبر‪ ،‬باهلل عليكم ماذا سيتب َّقى بعد ذلك من‬
‫ُ‬ ‫إذا قرأ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪2832 :‬‬

‫‪363‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫(‪)1‬‬ ‫أطالل االنحرافات الفكرية المعاصرة؟!‬


‫فكري" يستطيع التخ ُّلص‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫خطاب‬‫حين يقرأ المسلم آيات القرآن فإنه ليس أمام "‬
‫منه عرب مخرج "االختالف يف وجهة النظر" بل هو أمام "خطاب اهلل" مباشرةً‪.‬‬
‫الفكري‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫النفاق‬ ‫االنصياع‪ ،‬وإما‬
‫َ‬ ‫فإما‬
‫وال تسويات أو حلول وسط أمام أوامر َملِك الملوك سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قراءة صادقة لكتاب اهلل تصنع يف العقل المسلم ما ال تصنعه ُّ‬
‫كل المطوالت‬
‫الفكرية(‪.)2‬‬
‫احرصوا على كتاب ربكم بتد ُّبر!‬
‫لذلك ْ‬
‫ففيه خيرا الدنيا واآلخرة!‬
‫فيه مبتدأ ومنتهى تحصين العقل المسلم‪.‬‬

‫‪ -64‬ما سمات القرآن ابلارزة؟‬

‫ال يوجد كتاب َّنزه الخالق وقدَّ سه‪ ،‬وأمر بالتوحيد والتصديق بالرسل وتنزيههم‬
‫نقيصة‪ ،‬والحث على الصالحات الباقيات مثل القرآن؛ منذ كانت الدنيا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عن كل‬
‫منسوج بالتوحيد‪ ،‬منسوج بتعظيم األنبياء‪ ،‬منسوج باألمر بالخيرات‬
‫ٌ‬ ‫فالقرآن‬
‫ٍ‬
‫ونسج لم يعهدْ ه العرب(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫لغوية‬ ‫ٍ‬
‫بحبكة‬ ‫وترك المنكرات‪ ،‬كل هذا‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬فليس يف التوراة وال اإلنجيل مماثل‬
‫لمعاين القرآن‪:‬‬
‫ال يف الحقيقة‪،‬‬

‫(‪ )1‬إبراهيم السكران‪ ،‬كتاب‪ :‬رقائق القرآن‪ ،‬وكتاب‪ :‬الطريق إلى القرآن‪.‬‬
‫(‪ )2‬إبراهيم السكران‪ ،‬كتاب‪ :‬رقائق القرآن‪ ،‬وكتاب‪ :‬الطريق إلى القرآن‪.‬‬
‫(‪ )3‬رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ‪ ،‬د‪ .‬ثامر بن ناصر‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وال يف الكيفية‪،‬‬
‫التفاوت لكل َمن تد َّبر القرآن وتد َّبر الكتب"(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫بل يظهر‬
‫يظن أغلب المالحدة‪ ،‬وال يف لفظه فقط‪.‬‬
‫وإعجاز القرآن ليس يف بالغته فقط كما ُّ‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬فاإلعجاز يف معناه أعظم وأكثر من‬
‫اإلعجاز يف لفظه‪ ،‬وجميع عقالء األمم عاجزون عن اإلتيان بمثل معانيه أعظم‬
‫من عجز العرب عن اإلتيان بمثل لفظه"(‪.)2‬‬

‫‪ -65‬ما سمات إعجاز القرآن ابلليغ؟‬

‫أما إعجاز القرآن البالغي فألنه‪:‬‬


‫جاء بأفصح األلفاظ‪.‬‬
‫يف أحسن نظوم التأليف‪.‬‬
‫أصح المعاين‪.‬‬
‫ُمضمنًا َّ‬
‫واللفظة الواحدة من القرآن لو أخذهتا وأدرت لغة العرب لتحصل على‬
‫ٍ‬
‫لفظة أحسن منها ما استطعت(‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫بكلمات أخرى غير كلمات القرآن؛ لتوازي حسن‬ ‫ولو أردت أن تؤلف‬
‫تأليفه ورونقه لشهدت له بالنصر‪ ،‬وعلى نفسك بالعجز‪.‬‬
‫انظر إيجاز اللفظ مع دقة المعاين وكثرهتا‪ ،‬وتالؤم الكالم يف قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [سورة هود‪.]22 :‬‬

‫(‪ )1‬الجواب الصحيح‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.253‬‬


‫(‪ )2‬الجواب الصحيح‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )3‬رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ‪ ،‬د‪ .‬ثامر بن ناصر‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وانظر إلى اإليجاز القرآين المعجز يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ‬


‫ﭢ ﭣﭤ﴾ [سورة يوسف‪.]80 :‬‬
‫غيرهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ببعض يتناجون ويتشاورون ال يخالطهم ُ‬ ‫َخ َل ُصوا ن َِج ًّيا معناها‪ :‬خال بعضهم‬
‫أوج َز وتؤدي نفس هذا المعنى!‬ ‫ٍ‬
‫أي ملحد أن يأيت بعبارة َ‬ ‫أتحدَّ ى َّ‬
‫أي كلمة من القرآن وأدرت لغة العرب لن تجد َّ‬
‫أدق منها‪ ،‬وال‬ ‫لو أخذت َّ‬
‫أولى منها يف موضعها وسياقها‪.‬‬
‫وانظر لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [سورة الصافات‪.]905 :‬‬
‫َف َل َّما َأ ْس َل َما‪ :‬خضعا وانقادا ألمر اهلل تعالى‪.‬‬
‫ين‪ :‬وضعه على جبينه‪.‬‬ ‫َو َت َّل ُه ل ِ ْل َجبِ ِ‬
‫هل يستطيع بليغ أن يأيت هبذا المعنى المطلوب بنفس هذا العدد من الكلمات‬
‫بنفس هذا السياق الجمالي‪ ،‬الذي ال يخرج عن سير اآليات التي قبلها والتي بعدها؟‬
‫بعضهم قبل ْ‬
‫أن ُيسلم من‬ ‫األقحاح كال َم اهلل‪ ،‬قال ُ‬
‫ُ‬ ‫العرب‬
‫ُ‬ ‫ولذا عندما سمع‬
‫أن َيطِ َير"(‪.)1‬‬
‫فرط انجذابه قال‪" :‬كَا َد َق ْلبِي ْ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ -66‬لكن بعض امللحدة املعارصين حاولوا أن حياكوا أسلوب القرآن؟‬

‫مشركو العرب كادت تطير قلوهبم من قوة القرآن‪ ،‬ويأتيك ملحد معاصر ال‬
‫صحيحا‪ ،‬فيأيت لمحاكاة بعض نصوص القرآن مستخد ًما‬
‫ً‬ ‫يجيد نطق العربية نط ًقا‬
‫نفس العبارات القرآنية واألساليب القرآنية واللغة القرآنية‪.‬‬
‫فطاحل المشركين شعراء الجاهلية لو عرفوا َّ‬
‫أن تحدي القرآن سيكون هبذه‬
‫الطريقة لربما انتحروا كمدً ا!‬
‫فالملحد يستخدم عبارات قرآنية خالصة وأساليب قرآنية حصرية‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.2832 :‬‬

‫‪366‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فهل هذا تحدٍّ للقرآن؟‬


‫ٍ‬
‫جديد كالذي جاء به القرآن‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بنسق‬ ‫الذي يريد تحدي القرآن عليه ْ‬
‫أن يأيت‬
‫وليس مجرد التقليد المضحك!‬
‫شخصا يتحدَّ ى الموناليزا ف ُيحضر نفس الموناليزا ويصبِغ شعرها‪،‬‬
‫ً‬ ‫تخيل‬
‫يت موناليزا دافنشي!‬
‫ويقول لك‪ :‬ها أنا تحدَّ ُ‬

‫تخ َّي ْل رد فعل دافنشي!‬


‫سيسخر دافنشي من هذا األسلوب السمج‪.‬‬
‫إذا أردت تحدي القرآن‪ ،‬فأنت ُمطالب بنسق ثوري جديد يف اللغة كالنسق‬
‫الثوري الذي أحدثه القرآن‪.‬‬
‫ولغة العرب شعر ونثر وقرآن‪.‬‬
‫ولذلك توقف ُكفار العرب عن تحدي القرآن‪ ،‬ومن تقدَّ م منهم كمسيلمة‬
‫َّ‬
‫الكذاب صار أضحوكة‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫مستقل على‬ ‫فهذا الطرح السمج من بعض الملحدين المعاصرين ٌ‬
‫دليل‬

‫‪367‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إعجاز القرآن‪.‬‬
‫ولم يزل القرآن يقرع المشركين البلغاء أشدَّ التقريع‪ ،‬و ُيسفه أحالمهم‪ ،‬ويذ ُّم‬
‫بسورة من مثله‪ ،‬وهم يف كل هذا ناكصون‬ ‫ٍ‬ ‫آلهتهم‪ ،‬ويتحداهم أن يأتوا بمثله أو‬
‫حجمون عن مماثلته‪.‬‬ ‫عن معارضته‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬
‫بل لقد قال اهلل ‪ ‬للمشركين‪﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [سورة البقرة‪.]12 :‬‬
‫فما فعلوا‪ ،‬وال قدروا‪.‬‬
‫أناسا يف جنس ما‬
‫النبي ﷺ أن يتحدى ً‬
‫ولإلنسان أن يتساءل‪ :‬كيف يجرؤ ُّ‬
‫يحسنون ويبدعون‪ ،‬ثم يرتكهم وقد عالهم الخزي على مر السنين؟‬
‫يقول د‪ .‬عبد اهلل دراز ‪" :‬ألم يكن يخشى الرسول ﷺ هبذا التحدي‬
‫أن يثير حم َّيتهم األدبية؟‬
‫فيه ُّبوا لمنافسته‪ ،‬وماذا عساه يصنع لو َّ‬
‫أن جماع ًة من بلغائهم تعاقدوا على‬
‫ْ‬
‫أن يضع أحدهم صيغة المعارضة‪ ،‬ثم يتناولها سائرهم باإلصالح والتهذيب كما‬
‫كانوا يصنعون يف نقد الشعر‪ ،‬ثم لو طوعت له نفسه ﷺ أن ُيصدر هذا الحكم‬
‫على أهل عصره أهنم يعجزون عن قبول تحدي القرآن‪ ،‬فكيف ُيصدره على‬
‫األجيال القادمة؟‬
‫إن هذه مغامر ٌة ال يتقدَّ م إليها ٌ‬
‫رجل إال وهو يعلم أن الجميع سيفشل على مر‬ ‫َّ‬
‫العصور"(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫محرجة‪ ،‬ولم ِ‬
‫يأت أحدٌ منهم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عبارات‬ ‫القرآن َ‬
‫أهل البيان يف‬ ‫ُ‬ ‫لقد تحدَّ ى‬
‫يسرتيح له المالحدة!‬
‫يقول األلوسي ‪" :‬فلم ينطق أحدٌ منهم إلى يومنا هذا ببِنْت ٍ‬
‫شفة‪ ،‬وال أعرب‬

‫(‪ )1‬النبأ العظيم‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل دراز‪ ،‬ص‪.23-22‬‬

‫‪368‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫وحين"(‪.)1‬‬ ‫العجز عن المعارضة يف كل ٍ‬
‫وقت‬ ‫َ‬ ‫الكل‬ ‫موصوف أو ٍ‬
‫صفة‪ ،‬وأظهر ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫وقد رأى الكفار ّ‬
‫أن تجميع الجيوش وتحزيب األحزاب لمحاربة رسول اهلل ﷺ‬
‫وأيسر من معارضة القرآن وقبول التحدي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أهون‬
‫فهذا منتهى ما يملكون!‬
‫﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [سورة فصلت‪.]13 :‬‬
‫قد َم الطفيل بن عمرو الدوسي ‪-‬رئيس قبيلة دوس يف اليمن‪ -‬وكان‬ ‫وعندما ِ‬

‫حذروه من سماع‬ ‫فو ًها‪ ،‬عندما قدم مك َة استقبله ُكفار مكة وكعادهتم َّ‬
‫شاعرا ُم َّ‬
‫ً‬
‫لئال ينجذب لسحره‪ ،‬حتى حشا أذنه بالقطن لكنَّه شعر َّ‬
‫أن هذا‬ ‫قرآن محمد ﷺ َّ‬
‫علي الحسن من‬
‫وشاعر‪ ،‬وال يخفى َّ‬
‫ٌ‬ ‫لبيب‬
‫أسلوب سخيف‪ ،‬فقال يف نفسه‪" :‬إين ٌ‬
‫القبيح‪ ،‬فأزال القطن عن أذنه وسمع شي ًئا من القرآن فتم َّلك عليه قل َب ُه‬
‫وأس َل َم"(‪.)2‬‬
‫الغلظة‪ ،‬ويشرح‬ ‫الفطر والنفوس عجيب‪ ،‬فالقرآن يذيب جبال ِ‬ ‫فأ َثر القرآن يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الصدر‪ ،‬ويخطف األلباب‪.‬‬
‫تصطف نساء المشركين حول بيته من فرط‬
‫ُّ‬ ‫وكان أبو بكر حين يقرأ القرآن‬
‫انجذاهبم وتأثرهم بالقرآن‪ ،‬حتى أفزع ذلك رجال قريش(‪.)3‬‬
‫فللقرآن سطوة على القلوب عجيبة‪ ،‬فهو يزرع اليقين يف القلب ويغرس‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫كفرا‪ ،‬لما سمع من النبي‬
‫ولما سمع الوليد بن المغيرة وهو من أشد الناس ً‬

‫(‪ )1‬الدالئل العقلية‪ ،‬األلوسي‪ .‬مخطوط‪.‬‬


‫(‪ )2‬دالئل النبوة‪ ،‬األصبهاين ‪.591/9‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5103:‬‬

‫‪369‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫عر منِّي‪ ،‬واهللِ‬


‫بالش ِ‬
‫أعلم ِّ‬ ‫أقول فواهللِ ما فيكم ٌ‬‫ﷺ بعض القرآن قال‪" :‬وماذا ُ‬
‫رجل َ‬
‫وإن عليه لطالوةً‪ ،‬وإنَّه‬ ‫يقول شي ًئا من هذا‪ ،‬واهللِ َّ‬
‫إن لقولِه لحالوةً‪َّ ،‬‬ ‫ما ُيشب ُه ا َّلذي ُ‬
‫مشرق أسف ُله‪ ،‬وإنَّه ليعلو وما ُيع َلى عليه"(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫لمنير أعاله‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أما النَّضر بن الحارث فكان يقول‪ :‬وقلتم شاعر‪ ،‬ال واهلل ما هو بشاعر‪ ،‬قد‬
‫رأينا الشعر‪ ،‬وسمعنا أصنافه ك َّلها‪ ،‬يا معشر قريش‪ ،‬فانظروا يف شأنكم‪ ،‬فإنه واهلل‬
‫عظيم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫لقد نزل بكم ٌ‬
‫فالكل كان ُيجمع على إعجاز هذا القرآن‪ ،‬ولم يمنع المشركين من اإلسالم‬
‫إال الكِ ْبر والحقد!‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ﴾ [سورة النمل‪.]92 :‬‬

‫‪ -67‬هل من املمكن ذِكر معجزة قرآنية غري اإلعجاز ابلليغ؟‬


‫ٍ‬
‫ثالثة وعشرين عا ًما‪ ،‬وكانت تنزل‬ ‫تد َّب ْر هذه المعجزة‪ :‬القرآن نزل خالل‬
‫ٍ‬
‫مناسبة أخرى‪ ،‬والنبي ﷺ يقول‬ ‫بعض اآليات يف هذه المناسبة‪ ،‬وآيات أخرى يف‬
‫لكتبة الوحي ضعوا هذه اآليات بين آيات كذا‪ ،‬وآيات كذا‪ ،‬وتلك اآليات يف‬
‫سورة كذا بين كذا وكذا‪ ،‬وهكذا‪...‬‬
‫ٍ‬
‫سورة عبارة عن َو ْحدة‬ ‫وإذا بك ُتفاجأ بعد ِ‬
‫أن اكتمل نزول القرآن َّ‬
‫أن كل‬
‫مستقلة ومحتوى خاص!‬
‫متكامال‪ ،‬ثم تم تفكيك اآليات ونزلت بحسب‬‫ً‬ ‫وكأن القرآن كان بنا ًء‬
‫المناسبات‪ ،‬ثم أعيد تجميع هذا البناء مر ًة أخرى على األرض على نفس هيئته‬
‫السابقة‪ ،‬هذا ال يمكن أن يحصل إال لو كان هذا القرآن وح ًيا من اهلل(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬لباب النقول‪ ،‬السيوطي‪ ،591 ،‬بإسناد صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫(‪ )2‬كتاب مدخل إلى القرآن الكريم‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل دراز‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ا‬
‫‪ -68‬واآلن أريد برهانا ىلع صحة اإلسلم جبانب القرآن الكريم؟‬

‫محمد ﷺ هي ُبرهان عظيم مستقل على صحة اإلسالم!‬ ‫ٍ‬ ‫سيرة النبي‬
‫ٍ‬
‫إنسان يعقل من أي ُأ َّمة‪ ،‬أو من أية ديانة‪ ،‬إذا نظر يف سيرة النبي‬ ‫أي‬
‫إذا نظر ُّ‬
‫ٍ‬
‫عظيم‪.‬‬ ‫نبي‬
‫محمد ﷺ فسيعلم أنه أمام ٍّ‬
‫وأعظم سيرة إلنسان يف تاريخ البشر!‬
‫ُ‬ ‫وأوثق‬
‫ُ‬ ‫فسيرة النبي محمد ﷺ هي ُ‬
‫أكمل‬
‫أكمل سيرة من ناحية المعرفة بكل تفاصيلها‪ ،‬ودقائق حياته ﷺ يف ِحله‬
‫وترحاله وشبابه َ‬
‫وشيبته‪ ،‬وال توجد سيرة منقولة أكمل من سيرته‪.‬‬
‫وأنت ال تذكر حالك قبل عشرين عا ًما‪ ،‬وال تذكر تفاصيل حياتك أنت التي‬
‫بين جنبيك‪ ،‬يف حين نقل ابن حزم يف صفة وضوئه ﷺ فقط مئات الصفحات!‬
‫النبي ﷺ‬ ‫أخ َذ ِ‬
‫ت‬ ‫أن الصحابة نقلوا أنَّه ﷺ َس َع َل َس ْعلة يف صالته‪َ " :‬‬
‫تخيل َّ‬
‫َّ‬
‫َس ْع َل ٌة َف َرك ََع"(‪.)1‬‬
‫نقلوا كل تفاصيل حياته ﷺ؛ فسيرته أكمل سيرة‪.‬‬
‫وسيرته أوثق سيرة‪ ،‬فهي أوثق سيرة من ناحية النقل‪ ،‬حيث نقلها أصدق‬
‫الناس‪ ،‬وهم الصحابة‪ ...‬الصحابة الذين كانوا ال يجيزون الكذب فيما َّ‬
‫دق!‬
‫ٍ‬
‫ككذب على أحد‪.‬‬ ‫وكانوا يعلمون َّ‬
‫أن كذ ًبا عليه ليس‬
‫"ـن َذبا َع َعت َلت َس َ كَذ ٍ‬
‫ب َع َعَ َغتطي‪َِّ َ ،‬ع ََذ َب َع َعت هم َت َعِّدك َ ع َت َت َبوأ‬
‫َمق َعده مع كلناا"(‪.)2‬‬
‫فهؤالء الصحابة نقلوا نقل الثقة عن الثقة كل كبيرة وصغيرة يف حياته ﷺ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حرف قاله‪.‬‬ ‫بل وحرصوا على ضبط كل‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.233 :‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ح‪ ،9112:‬مسلم ح‪.2:‬‬

‫‪371‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والمز َّفت أن ُينتبذ فيه‪ ،‬قيل‬ ‫فمثال يف حديث‪ :‬هني النبي ﷺ عن الدُّ ب ِ‬
‫اء‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫لسفيان‪ :‬أن ُينبذ فيه؟ قال‪ :‬ال‪ ...‬ينتبذ فيه(‪.)1‬‬
‫كانوا يحرصون على الحرف من فمه ﷺ‪.‬‬
‫وسيرته أعظم سيرة؛ ألهنا سيرة أعظم إنسان مشى على األرض‪:‬‬
‫مرب‪ ،‬أعظم قدوة‪ ،‬أعظم معلم‪،‬‬ ‫أعظم قائد‪ ،‬أعظم زوج‪ ،‬أعظم ٍ‬
‫أب‪ ،‬أعظم ٍّ‬
‫بغض النظر عن‬
‫أعظم ملهم‪ ،‬أعظم تقي‪ ،‬أعظم عابد‪ ،‬وكل عاقل نظر يف سيرته ِّ‬
‫دينه سيقطع أنه أمام أعظم شخصية ظهرت يف التاريخ!‬
‫هارت الفيزيائي اليهودي‪" :‬اختياري لمحمد ﷺ على رأس‬
‫يقول مايكل ْ‬
‫تأثيرا يف العالم قد يفاجئ بعض ال ُق َّراء‪ ،‬ولكنه بالفعل‬
‫قائمة األشخاص األكثر ً‬
‫أكثر شخصية مؤثرة يف التاريخ"‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكفاية يف علم الرواية‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.931‬‬

‫‪372‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ٍ‬
‫إنسان ظهر يف التاريخ!‬ ‫فمن نظر يف سيرته ﷺ‪ ،‬علِ َم أنَّه أمام أعظم‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وخوف ثم‬ ‫تلونت عليه األحوال؛ من ُيتم ٍ‬
‫وفقر‬ ‫ومن أول أيامه ﷺ يف الدنيا َّ‬
‫قت ٍل ألحبائه وأوليائه بين يديه‪ ،‬وأذى الكفار له بالحبس والتجويع‪ ،‬فقد حبسوه‬
‫سنوات وأغروه بالمال والرياسة‪ ،‬وحاولوا قتله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طالب ثالث‬ ‫يف ِشعب أبي‬
‫ٍ‬
‫مرات‪ ،‬وكان يقرأ يف مجامعهم القرآن وفيه ذ ُّم آلهتهم‪.‬‬
‫فظلوا يمكرون به ويحاولون اغتياله‪ ،‬وحاصروا داره‪ ،‬ومكروا به كل ٍ‬
‫مكر(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ‪ ،‬د‪ .‬ثامر بن ناصر‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ﴾ [سورة إبراهيم‪.]23 :‬‬
‫وتضرع أه ُله إليه أن يلين لقومه من قريش‪ ،‬وأن يتوقف عن تسفيه أحالمهم‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫إبطاال للباطل‪.‬‬ ‫فال يزدا ُد إال‬
‫وعرض عليه المشركون العروض السخية‪ :‬المال والرياسة‪ ،‬ليس من أجل‬
‫أن يتوقف عن دعوته؛ ال‪ ...‬وإنما فقط ليرتكهم وآلهتهم‪ ،‬لكن دعوته كانت‬
‫وح ًيا ُيوحى ليست مِن قِبل نفسه حتى يرتكها ألفضل العروض المتاحة!‬
‫ٍ‬
‫وثبات‪ ،‬وكانوا يتمنون فقط أن ُيهادن دينهم ولو لمرة‪:‬‬ ‫فدعا إلى اهلل بصربٍ‬
‫﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [سورة القلم‪.]1 :‬‬
‫تسفيها لكفرهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫كانوا يتمنَّون منه مهادن ًة على باطلِهم‪ ،‬فلم يزدد إال‬
‫قليلة من أصحابه ثالثة عشر عا ًما بين قو ٍم يريدون قتله هو‬‫ٍ‬ ‫لقد أقام ٍ‬
‫بقلة‬
‫وأتباعه بأي ثمن‪.‬‬
‫نبي مثل ما‬ ‫َ‬
‫نبي ولم ُيؤذ ٌّ‬
‫فهو ﷺ يف مجموع التعذيب واألذى‪ ،‬لم ُيعذب ٌّ‬
‫ُأوذي ﷺ(‪.)1‬‬
‫اهلل بدعوته‬
‫وبعد هذا الصرب والثبات على الحق وعلى الدعوة إلى اهلل أيقظ ُ‬
‫ُأ َّمة عظيمة ُفتحت لها ممالك األرض‪ ،‬وسادت العالم بالتوحيد‪.‬‬
‫لقد كان ﷺ أعظم الناس ُخ ُل ًقا وأمان ًة وصد ًقا‪ ،‬وهذا باعرتاف كفار مكة قبل‬
‫غيرهم‪ ،‬قالوا له يف أول يو ٍم دعاهم فيه لإلسالم‪" :‬قالوا‪َ :‬ن َع ْم‪ ،‬ما َج َّر ْبنَا َع َل ْي َك َّإال‬
‫ِصدْ ًقا"(‪.)2‬‬
‫ولذلك آمن كبار الصحابة قبل ْ‬
‫أن يروا المعجزات‪ ،‬وقبل أن َينشق القمر‪،‬‬
‫(‪ )1‬رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ‪ ،‬د‪ .‬ثامر بن ناصر‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ح‪.2770:‬‬

‫‪374‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وقبل اإلخبار بالمغ َّيبات‪.‬‬


‫آمنوا وصربوا على شدة ما ل َقوا من بأس كفار قريش؛ ألهنم يعلمون َّ‬
‫أن هذا‬
‫وحي اهلل إلى العالم!‬
‫آمنت زوجته‪ ،‬والتي هي‬
‫أعرف الناس بخربِه‪ْ ...‬‬
‫ُ‬ ‫وآمن يف أول يو ٍم مِن َد ْعوته‬
‫أكثر الناس اطال ًعا على سره وعلنه‪ ،‬وآمن صاحبه والعارف بدقيق حاله أبو بكر‪،‬‬
‫ُ‬
‫وآمن مواله زيد بن حارثة‪ ،‬وآمن من ُيربيه يف كنفه علي بن أبي طالب‪ ،‬وكلهم‬
‫إرهاصات نبوتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ويبصر سير َته ويشهد‬
‫ُ‬ ‫يعرف‬
‫ُ‬
‫ولذلك قال ر ُّبنا سبحانه على لسان نبيه لمن كفر من قومه قال‪﴿ :‬ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍﮎ ﮏ ﮐ﴾ [سورة يونس‪.]93 :‬‬
‫َأال تعرفون الرجل؟‬
‫َأال تعرفون ُخ ُلق الرجل‪ ،‬وأمانة الرجل‪ ،‬وصدق الرجل‪ ،‬وسيرة الرجل‪،‬‬
‫وعقل الرجل؟‬
‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [سورة سبأ‪.]23 :‬‬
‫ِ‬
‫أع ُظ ُكم أن تقوموا للنظر والتف ُّكر يف حاله‪.‬‬
‫ٌ‬
‫برهان‬ ‫فمن نظر يف حاله وسيرته سيعلم تما ًما أنه أمام نبي‪ ،‬وهذا وحده‬
‫ٌّ‬
‫مستقل على صحة اإلسالم!‬
‫وكان ﷺ ترجم ًة عملي ًة ألوامر القرآن‪ ،‬فقد كان ُخ ُلقه القرآن كما قالت‬
‫عائشة ‪.)1(‬‬

‫(‪ )1‬مسند أحمد ح‪ ،13895:‬صحيح‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُ‬
‫‪ -69‬لكن كيف اكن حال ابليئة اليت بعث فيها انليب ﷺ من انلاحية األخلقية؟‬

‫يكفيك يف هذا أن تقرأ قو َله تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬


‫ﮎ﴾ [سورة األنعام‪.]920 :‬‬
‫تكفيك هذه اآلي ُة لتعرف شكل البيئة التي ُبعث فيها النبي ﷺ‪.‬‬
‫َقدْ َخ ِس َر ا َّل ِذي َن َق َت ُلوا َأ ْو َال َد ُه ْم‪ :‬كانوا يقتلون أوالدهم!‬
‫وكانت الحروب الطويلة األمد ُتقام ألتفه األسباب!‬
‫إن مطلِع أشعارهم كان يف مديح الخمر‪ ،‬بل‬
‫وكان فيهم ُشرب الخمر حتى َّ‬
‫معنى التجارة عند العرب يف الجاهلية هو‪ :‬تجارة الخمر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬قال قتادة‪ :‬كان الرجل يف‬ ‫ِ‬
‫الميسر –المقامرة‪ -‬يف كل‬ ‫واشتهر بينهم‬
‫الجاهلية ُيقامر على أهله وماله فيقعد حري ًبا سلي ًبا(‪.)1‬‬
‫َح ِري ًبا‪ :‬أي ُم ً‬
‫فلسا‪.‬‬
‫أما الربا‪ ،‬فكان تجار ًة متأصلةً‪ ،‬وكانوا يزيدونه أضعا ًفا مضاعف ًة مع كل‬
‫تأجي ٍل يف سداد الدَّ ْين‪.‬‬
‫منتشرا جدًّ ا!‬
‫ً‬ ‫والزنا كان‬
‫وكان الوأد لألطفال يف كل قبائل العرب‪ ،‬كما ذكر الهيثم بن َع ِدي‪ ،‬وكان‬
‫بعضهم يئِد السوداء تشاؤ ًما‪ ،‬وكان اآلخر يئد خشية لحوق العار‪.‬‬
‫ويف هذا نزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ﴾‬
‫[سورة النحل‪.]31-38 :‬‬

‫(‪ )1‬تفسير الطربي لآلية ‪ 19‬من سورة المائدة‪.‬‬


‫ً‬
‫نقال عن كتاب‪ :‬اللؤلؤ المكنون يف سيرة النبي المأمون‪ ،‬موسى بن راشد العازمي‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ِ‬
‫ثالثمائة موءودة"(‪.)1‬‬ ‫عصعة بن نَاجية‪" :‬جاء اإلسالم‪ ،‬وقد فديت‬
‫يقول َص َ‬
‫وكانوا يقتلون أوالدهم خشية اإلنفاق وخوف الفقر‪ ،‬وكان بعضهم ُ‬
‫ينذر إذا بلغ‬
‫عشرا نحر واحدً ا منهم‪ ،‬كما حصل مع عبد المطلب جد النبي ﷺ‪.‬‬
‫عدد أوالده ً‬
‫يف هذه البيئة أتى اإلسالم!‬
‫النبي محمد ﷺ‪.‬‬ ‫يف هذا الجو ظهر ُّ‬
‫حال ُب ِعث‬
‫ٍ‬ ‫َّبي ﷺ على أشدِّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ث‬ ‫قال المقداد بن األسود‪" :‬واهللِ لقد ُب ِع َ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫عبادة األوثان‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفضل من‬ ‫أن ِدينًا‬‫وفرتة وجاهل َّي ٍة‪ ،‬ما َير ْو َن َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫نبي مِن‬
‫عليها ٌّ‬
‫الحق والباط ِل"(‪.)2‬‬ ‫فجاء ب ُف ٍ‬
‫رقان َّفرق ب ْي َن ِّ‬
‫ار ِد َّي يف حال العرب يف ذاك الوقت والحديث يف‬ ‫وانظر لقول رج ٍ‬
‫اء ال ُع َط ِ‬ ‫َ َ‬
‫أخ َي ُر منه أ ْل َق ْينَا ُه‪ ،‬و َأ َخ ْذنَا‬ ‫الح َج َر‪َ ،‬فإِ َذا َ‬
‫وجدْ نَا َح َج ًرا هو ْ‬ ‫البخاري قال‪ُ " :‬كنَّا َن ْع ُبدُ َ‬
‫بالش ِاة َف َح َل ْبنَا ُه عليه‪،‬‬ ‫َجدْ َح َج ًرا َج َم ْعنَا ُج ْث َو ًة مِن ُت َر ٍ‬
‫اب‪ُ ،‬ث َّم ِج ْئنَا َّ‬ ‫اآلخر‪َ ،‬فإِ َذا َلم ن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ُث َّم ُط ْفنَا به"(‪.)3‬‬
‫لم ْر َأ ِة‪ُ ،‬ك ُّل ُه ْم ُي ِصي ُب َها والحديث يف البخاري(‪.)4‬‬
‫ون ع َلى ا َ‬
‫دْخ ُل َ‬
‫وكان يجتمع الرهط َف َي ُ‬
‫ورث المتاع‪ ،‬وكانت بعض األطعمة ُتمنع النساء‬ ‫وكانت المرأة ُت َ‬
‫ورث كما ُي َ‬
‫ويختص بأكلها الرجال فقط‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ُّ‬ ‫من أكلها‪،‬‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ﴾ [سورة األنعام‪.]951 :‬‬
‫حتى قال عمر بن الخطاب ﭬ يف الحديث المتفق على صحته‪" :‬واهللِ ْ‬
‫إن ُكنَّا‬

‫(‪ )1‬اإلصابة‪.527-5 ،‬‬


‫نق ًال عن كتاب‪ :‬اللؤلؤ المكنون يف سيرة النبي المأمون‪ ،‬موسى بن راشد العازمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح ابن حبان ح‪.3331:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري ح‪.2573:‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري ح‪.3917:‬‬

‫‪377‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اهلل فِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫يه َّن ما أن َْز َل‪ ،‬و َق َس َم َّ‬
‫لهن ما َق َس َم"(‪.)1‬‬ ‫الجاهل َّية ما َن ُعدُّ للن َِّساء أ ْم ًرا‪ ،‬حتَّى أن َْز َل ُ‬
‫يف َ‬
‫نور اإلسالم‪ ،‬وأنزل اهلل كتابه؛ ليصحح‬
‫يف هذا العالم الحالك السواد جاء ُ‬
‫كل هذا الفساد والظلم والفجور!‬
‫قال ر ُّبنا سبحانه‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [األنعام‪.]935-939 :‬‬
‫عشر وصايا جمعت خصال الخير!‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [النور‪.]55 :‬‬
‫عز مِن قائل‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﴾ [البقرة‪.]118 :‬‬
‫وقال َّ‬
‫وقال‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [النساء‪.]7 :‬‬
‫للمرأة نصيب من الرتكة‪ ،‬وللرجل نصيب من الرتكة!‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪ ﮫ ﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.2195:‬‬

‫‪378‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ﴾ [األحزاب‪.]53 :‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ﴾ [آل عمران‪.]913 :‬‬
‫فه ْم متساوون يف التكليف‪ ،‬ويف األجر من اهلل!‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫شقائق كلطجال"(‪.)1‬‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬ـ ِّا كلنساء‬
‫ويتزوجها الرجل وال يدفع لها‬
‫ُ‬ ‫وكانت اليتيمة ُت َّ‬
‫ورث بمالها لمن ُيربيها‪،‬‬
‫مهرا؛ ألهنا يتيمة‪ ،‬فنزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ً‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ [النساء‪.]5 :‬‬
‫ث‬ ‫وإِ ْن ِخ ْف ُتم َأ َّال ُت ْق ِس ُطوا فِي ا ْليتَامى َفانْكِحوا ما َطاب َل ُكم مِن النِّس ِ‬
‫اء َم ْثنَى َو ُث َال َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تحب‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫اع‪ :‬إن خفت أن تظلم هذه اليتيمة وال تعطيها ح َّقها‪ ،‬فانكح غيرها كما‬ ‫َو ُر َب َ‬
‫كامال‪ ...‬اتركها لمن ُيكرمها‪.‬‬
‫مثنى وثالث ورباع‪ ،‬واترك هذه لمن يعطيها حقها ً‬
‫جاء اإلسالم بإصالح عقيدة الناس‪ ،‬وبإصالح سلوكهم وأخالقهم ومعامالهتم‪...‬‬
‫وحفظ حقوق الدواب والشجر‪...‬‬ ‫جاء بإكرام المرأة واليتيم والطفل‪ ،‬بل ِ‬

‫اإلسالم جاء بإصالح العالم بما فيه‪.‬‬


‫ِ‬
‫استم ْع لما قال جعفر بن أبي طالب الصحابي الجليل حين تك َّلم بين يدي‬
‫ضح ْوا كل هذه‬
‫النجاشي ملك الحبشة‪ ،‬وهو يصف له اإلسالم ويخربه لماذا َّ‬
‫التضحيات من أجل هذا الدين‪ ،‬ولماذا تركوا األهل والبلد وهاجروا يف اهلل‪ ،‬قال‬
‫ٍ‬ ‫جعفر ﭬ‪" :‬أ ُّيها الملِ ُك‪ُ ،‬كنَّا َقو ًما َ‬
‫أهل جاهل َّية‪ ،‬نَع ُبدُ األصنا َم‪ ،‬ونَأ ُك ُل َ‬
‫الم ْيتةَ‪،‬‬
‫وار‪َ ،‬يأ ُك ُل ال َق ُّ‬ ‫ِ‬
‫عيف‪،‬‬
‫الض َ‬ ‫وي منَّا َّ‬ ‫الفواحش‪ ،‬ونَق َط ُع األرحا َم‪ ،‬و ُنسي ُء الج َ‬‫َ‬ ‫ونَأيت‬
‫وصدْ َقه‪ ،‬وأمانتَه‬ ‫ف نسبه ِ‬ ‫رسوال منَّا ن ِ‬
‫َعر ُ‬ ‫ً‬ ‫اهلل إلينا‬ ‫فكنَّا على َ‬
‫َ‬ ‫ذلك حتَّى َب َعث ُ‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.153:‬‬

‫‪379‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وآباؤنا مِن ُدونِه‬ ‫نوحدَ ه ونَع ُبدَ ه ونَخ َل َع ما كنَّا نَع ُبدُ نح ُن‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫و َعفا َفه‪ ،‬فدَ عانا إلى اهلل ل ِّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ِ‬
‫حم‪،‬‬ ‫م َن الحجارة واألوثان‪ ،‬و َأ َم َرنا بصدْ ق الحديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وص َلة َّ‬
‫ِ‬ ‫ماء‪ ،‬ونَهانا ِ‬ ‫عن المحار ِم والدِّ ِ‬ ‫وحس ِن ِ‬
‫الج ِ‬
‫وقول‬ ‫ِ‬
‫واحش‪،‬‬ ‫عن ال َف‬ ‫والكف ِ َ‬ ‫ِّ‬ ‫وار‪،‬‬ ‫ُ ْ‬
‫وحدَ ه ال ُن ِ‬
‫شر ُك به‬ ‫ف المح ِ‬
‫صنة‪ ،‬و َأ َم َرنا ْ‬ ‫وقذ ِ‬
‫تيم‪ْ ،‬‬ ‫ور‪ ،‬وأ ْك ِل ِ‬
‫مال الي ِ‬ ‫الز ِ‬
‫اهلل ْ‬ ‫أن نَع ُبدَ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُّ‬
‫الة َّ ِ‬ ‫شي ًئا‪ ،‬و َأمرنا بالص ِ‬
‫مور اإلسال ِم ‪ ،-‬فصدَّ ْقناه‬ ‫قالت‪ :‬ف َعدَّ َد عليه ُأ َ‬
‫والصيا ِم ‪ْ -‬‬ ‫والزكاة ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬
‫وحر ْمنا ما َح َّرم‬‫شر ْك به شي ًئا‪َّ ،‬‬ ‫فلم ُن ِ‬
‫وحدَ ه ْ‬ ‫وآ َمنَّا به‪ ،‬وا َّت َب ْعناه على ما جا َء به‪ ،‬ف َع َبدْ نا َ‬
‫اهلل ْ‬
‫علينا‪ ،‬و َأ ْح َل ْلنا ما َأ َح َّل لنا‪ ،‬ف َعدَ ا علينا قو ُمنا ف َع َّذبونا‪ ،‬و َفتَنونا عن ِدينِنا؛ ل ِ َي ُر ُّدونا إلى‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وأن نَستح َّل ما كنَّا نَستح ُّل م َن الخبائث‪َّ ،‬‬
‫فلما َق َهرونا‬ ‫ِ‬ ‫عبادة اهللِ‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫األوثان مِن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبادة‬
‫وش ُّقوا علينا وحالوا بيننا وبين ِدينِنا‪ ،‬خرجنا إلى ِ‬
‫بلد َك"(‪.)1‬‬ ‫و َظ َلمونا َ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫هبذا جاء اإلسال ُم‪ ...‬وهبذا ساد اإلسال ُم!‬
‫اهلل ‪ ‬بنصر نبيه‪ ،‬وكان العرب يسخرون حين يسمعون َّ‬
‫أن هذا‬ ‫وقد أخرب ُ‬
‫اهلل‬
‫الرجل سينتصر و ُيبطل الباطل يف شرق األرض وغرهبا‪ ،‬فجاء اإلسال ُم وفتح ُ‬
‫للمسلمين ممالك األرض‪ ،‬وسادت كلمة التوحيد يف مشارق األرض ومغارهبا‪.‬‬
‫أعظم من هذا الناموس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أفضل وال‬ ‫ناموس‬
‫ٌ‬ ‫العالم‬
‫َ‬ ‫فلم يطرق‬

‫***‬

‫(‪ )1‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،9720:‬بسند صحيح‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫الباب اخلامس‬

‫اإلخبار باملُغ َّي ِ‬


‫بات‬ ‫ُ‬

‫‪381‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪382‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫ْ‬
‫‪ -71‬هل لك أن تذكر بعض معجزاته الغيبية ﷺ؟‬

‫أمور أخرب هبا وها‬


‫النبي ﷺ ووقعت كما أخرب‪ ،‬وهناك ٌ‬ ‫أمور أخرب هبا ُّ‬‫هناك ٌ‬
‫أمور أخرب هبا ولم تقع بعدُ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هي تقع أمام أعيننا هذه األيام‪ ،‬وهناك ٌ‬
‫وهذا اإلخبار بالمغيبات هو ُبرهان مستقل على صحة النبوة‪ ،‬وعلى صدق‬
‫اإلسالم!‬
‫من األمور التي أخرب هبا ﷺ ووقعت كما هي‪:‬‬
‫ِ‬
‫النبي ﷺ فاط َم َة عليها َّ‬
‫السال ُم‬ ‫إخباره كما يف حديث عائشة ‪َ " :‬دعا ُّ‬ ‫ُ‬
‫بشيء َفب َك ْت‪ُ ،‬ثم دعاها َفسارها بشيءٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫يف َش ْكوا ُه الذي ُقبِ َض فيه‪َ ،‬ف َّ‬
‫سارها‬
‫وج ِع ِه الذي‬
‫النبي ﷺ أنَّه ُي ْق َب ُض يف َ‬
‫ِ‬
‫سارني ُّ‬ ‫ذلك فقا َل ْت‪َّ :‬‬
‫َف َض ِ‬
‫ح َك ْت‪َ ،‬ف َس َأ ْلنا عن َ‬
‫أهلِ ِه ي ْتبعه َف َض ِ‬ ‫ُتو ِّفي فيه َفب َكي ُت‪ُ ،‬ثم سارنِي ْ ِ‬
‫ح ْك ُت"(‪.)1‬‬ ‫فأخ َب َرني أنِّي َّأو ُل ْ َ َ ُ ُ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫وهذا من أعالم نبوته الواضحة ﷺ!‬
‫أول أهل بيته ُلحو ًقا به‪ ،‬إذ‬
‫فقد ُقبض بالفعل يف وجعه هذا‪ ،‬وكانت فاطم ُة َ‬
‫ُتوفيت بعد موته ﷺ بستة أشهر فقط‪.‬‬
‫فقد وقع كما أخرب!‬
‫ستكون من ُغزاة البحر‪ ،‬قال ﷺ‪َ " :‬اس‬ ‫ُ‬ ‫وأخرب ﷺ أن ُأ َّم َح َرا ٍم بن َْت مِ ْل َح َ‬
‫ان‬
‫ون َث َب َج ذك كل َبحط‪ ،‬هم هعو ا ع َعَ‬ ‫مع هأمتت هعط هاوك َع َعت‪ ،‬هغزَكة ا َسبتل كهلل‪َ ،‬يط َ هب َ‬
‫هلل َأ ْن َي ْج َع َلنِي‬ ‫ان َف ُقلت‪ :‬يا ر َ ِ‬ ‫كألسطة‪ ،‬قا َل ْت‪ُ :‬أ ُّم َح َرا ٍم بن ُْت مِ ْل َح َ‬
‫سول اهلل‪ ،‬ا ْد ُع ا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ان ال َب ْح َر يف‬‫تع ‪َ .‬ف َركِ َب ْت ُأ ُّم َح َرا ٍم بن ُْت مِ ْل َح َ‬
‫قال‪َ :‬أ ك م َع كألول َ‬ ‫منهم‪َ ،‬فدَ َعا َل َها‪َ ،‬‬
‫ْ‬
‫او َيةَ‪َ ،‬ف ُص ِر َع ْت عن َدا َّبتِ َها ِحي َن َخ َر َج ْت مِ َن ال َب ْح ِر‪َ ،‬ف َه َل َك ْت"(‪.)2‬‬
‫َز َم ِن ُم َع ِ‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ح‪ ،2255:‬صحيح مسلم ح‪.1230:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ح‪.9191:‬‬

‫‪383‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أسطوال إسالم ًّيا يجاهد يف سبيل اهلل يف البحر‪ ،‬ولم يكن قد‬ ‫ً‬ ‫رأى ﷺ يف رؤيا‬
‫أن تكون منهم‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫أسطول إسالمي‪ ،‬فطلبت ُأ ُّم حرام ْ‬ ‫أي‬
‫ظهر حتى وفاته ﷺ ُّ‬
‫ٍّ‬
‫األولين!‬ ‫ِ‬
‫لها ﷺ‪ :‬أنت من َّ‬
‫اإلسالمي الذي أعدَّ ه معاوية ﭬ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫األسطول‬ ‫ويف عام ‪ 18‬هجرية‪ ،‬ظهر‬
‫ُّ‬
‫التوجه نحو قربص‪ ،‬اشرتكت ُأ ُّم َح َرا ٍم‬‫ُّ‬ ‫ويف أول فتوحات هذا األسطول‪ ...‬وكان‬
‫بشرها ﷺ‪.‬‬‫ان يف هذا الغزو‪ ،‬فكانت من األولين‪ ،‬كما َّ‬ ‫بن ُْت مِ ْل َح َ‬
‫وجامع أم حرام معروف يف قربص حتى الساعة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫أن ُأ َّم حرام ‪ ‬ماتت مو ًتا طبيع ًّيا بعد هذه البشارة؟‬
‫تخ َّي ْل لو َّ‬
‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫أن عمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير لن يموتوا على فرشهم‬
‫كما يموت الناس وإنما سيموتون شهداء‪ ،‬واألحاديث يف أعلى درجات الصحة‪.‬‬
‫ان‪َ ،‬و َعلِ ٌّي‪َ ،‬و َط ْل َح ُة‪،‬‬‫كان النبي ﷺ على الجبل هو َو َأ ُبو َب ْك ٍر‪َ ،‬و ُع َم ُر‪َ ،‬و ُع ْث َم ُ‬
‫ُّ‬
‫ِ ــ َب ٌّت‪َ ،‬أو‬ ‫سول اهلل ﷺ‪" :‬ك دَ أ َ ِّا َع َعت َ‬ ‫ِ‬ ‫قال َر ُ‬ ‫الص ْخ َر ُة‪َ ،‬ف َ‬ ‫ِ‬
‫الز َب ْي ُر‪َ ،‬فت ََح َّركَت َّ‬
‫َو ُّ‬
‫صديق‪َ ،‬أو َش تد"(‪.)1‬‬
‫بالصديقية‪ ،‬ولعمر وعثمان وعلي‬
‫بالنبوة‪ ،‬وألبي بكر ِّ‬
‫َّ‬ ‫فحكم ﷺ لنفسه‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.1297:‬‬

‫‪384‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وطلحة والزبير بأهنم سيموتون شهداء‪ ،‬فحصل كما أخرب ﷺ!‬


‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫أن عمار بن ياسر س ُيقتل شهيدً ا!‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل وأخرب َّ‬
‫بأن‪ :‬الفئة الباغية هي التي ستقتله‪.‬‬
‫ستكون هناك فتنة‪ ،‬وتقتله الفئة الباغية!‬
‫ج ِد َلبِنَ ًة َلبِنَةً‪َ ،‬و َ‬
‫كان‬ ‫الخدري ﭬ قال‪ُ " :‬كنَّا َننْ ُق ُل َلبِ َن المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫عن أبي سعيد ُ‬
‫َع َّم ٌار َينْ ُق ُل َلبِنَ َت ْي ِن َلبِنَ َت ْي ِن‪َ ،‬ف َم َّر به النبي ﷺ‪َ ،‬و َم َس َح عن َر ْأ ِس ِه ال ُغ َب َار‪َ ،‬و َ‬
‫قال‪َ :‬و ْي َح‬ ‫ُّ‬
‫اغ َي ُة"(‪.)1‬‬ ‫الف َئ ُة الب ِ‬ ‫ار َت ْق ُت ُله ِ‬‫َع َّم ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقد ُقتل ﭬ يف الفتنة التي حصلت يوم ِص ِّفي َن بعد وفاة النبي ﷺ ُبربع قرن‬
‫من الزمان‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫حد‪ :‬كيف حتتجون علينا بأحاديث إسلمية؟‬
‫‪ -71‬لكن قد يقول مل ِ‬

‫موضوعا‬
‫ً‬ ‫عقال" وسنفرد له‬
‫السنة النبوية ً‬
‫مهم "موضوع وثوقية ُّ‬
‫هذا موضوع ٌّ‬
‫مستقال إن شاء اهلل يف المجلد القادم من هذا المشروع!‬
‫ً‬
‫لكن بإيجاز أقول‪َّ :‬‬
‫إن طريقة نقل األخبار التي نصدق هبا األحداث التاريخية‬
‫مثال‪ ،‬طريقة نقل هذه‬
‫كحصول معركة قديمة أو وجود شخصية كرمسيس الثاين ً‬
‫أتت بأوثق طرق النقل فإنه بأوثق من هذه الطرق بألف مرة ُنقلت إلينا‬
‫األخبار لو ْ‬
‫األحاديث النبوية‪.‬‬
‫توثيقي ُمعت َبر يف نقل الحديث النبوي منذ عهد الصحابة!‬
‫ٌّ‬ ‫علمي‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬ ‫فهناك‬
‫والعرب بطبيعتهم معروفون بأهنم من أكثر األمم تحقي ًقا يف الرواية‪،‬‬
‫وأكثرهم تدقي ًقا يف حفظ ما يروونه‪.‬‬
‫فاألحاديث النبوية نقلها أحفظ الناس وأصدق الناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.1891:‬‬

‫‪385‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫السنة النبوية عليه أن ُيشكك يف كل خرب أجمع‬


‫فالذي ُيشكك يف وثوقية ُّ‬
‫البشر على وقوعه!‬
‫بتجرد يف طبيعة نقل المعرفة البشرية‪ ،‬ونَظر يف األحاديث النبوية‬
‫ُّ‬ ‫ومن نَظر‬
‫أن هذه األحاديث يقينًا خرجت من فم‬ ‫الصحيحة‪ ،‬وعلم طريقة ضبطِها س ُي ِ‬
‫درك َّ‬
‫بتجرد‪.‬‬‫أمر ال يشك فيه ناظر ُّ‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫ِ‬
‫يع َما صححه‬ ‫ف بِال َّط َال ِق َأ َّن َجم َ‬
‫ولذلك قال بعض أهل العلم‪َ " :‬أ َّن َر ُج ًال َل ْو َح َل َ‬
‫لف ِه‪ ...‬لم َي ْحن َْث"(‪.)1‬‬
‫البخاري يف صحيحه خرج من فم النبي ﷺ فإنه لم يكذب يف ح ِ‬
‫َ‬
‫عقال أن الحديث النبوي بإجماع المسلمين‬ ‫السنة ً‬ ‫ويكفي لمزيد بيان ُحجية ُّ‬
‫مستقل بتشريع األحكام‪ ،‬وال يخالف هذا إال َمن ال حظ له من اإلسالم كما قال‬ ‫ٌّ‬
‫الشوكاين(‪.)2‬‬
‫جميع الفقهاء هذه القاعدةَ‪َّ :‬‬
‫أن األحكام التشريعية التي عليها‬ ‫ُ‬ ‫فعندما ُيقرر‬
‫مدار حياة الناس ُتستمدُّ من الحديث الصحيح‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫تابع لتسليمهم اليقيني‬ ‫ُ‬
‫بوثوقية نقل هذا الحديث الصحيح من فم النبي ﷺ!‬
‫ف ُأ َّم ُتنا ليست من األمم التي تتبع هواها يف مصادر تلقي الشريعة‪ ،‬بل ال بد ْ‬
‫أن‬
‫قطعي الثبوت عندهم حتى ُتقام عليه األحكام التشريعية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المصدر‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫بتجرد سيعرف مصداقية األمم يف نقلها‬
‫ُّ‬ ‫موضوعي‪ ،‬و َمن نظر فيه‬
‫ٌّ‬ ‫فالتاريخ‬
‫لألخبار من عدم مصداقيتها!‬
‫عقال‪.‬‬
‫ولذلك َمن نظر يف شواهد التاريخ ازداد يقينًا من وثوقية الحديث الصحيح ً‬
‫مثاال من شواهد التاريخ على ما أقول‪ :‬الحديث األخير الذي‬ ‫وسأذكر ً‬
‫أوردناه حديث " َوي َح َعِّ ٍ‬
‫اا مَق هت هع هه كليف َئ هة كل َباغ َت هة" حين حصلت الفتنة يوم صفين‬

‫الس ْجزي‪.‬‬
‫(‪ )1‬أورده ابن الصالح يف مقدمة علوم الحديث عن‪ :‬الحافظ أبي نصر الوايلي ِّ‬
‫(‪ )2‬إرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاين‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪386‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫عمارا‪ ،‬وحين َقتل بعض الرجال يف جيش معاوية‬


‫ً‬ ‫كل ٍ‬
‫فريق ينظر َمن سيقتل‬ ‫كان ُّ‬
‫عمارا قام عمرو بن العاص ِ ً‬
‫فزعا!(‪)1‬‬
‫ً‬ ‫ﭬ‬
‫عمارا ُقتل على يد بعض الرجال يف‬
‫ً‬ ‫عمرو بن العاص انزعج حين علم َّ‬
‫أن‬
‫جيش معاوية ﭬ‪.‬‬
‫طبعا وكال الفريقين كان مجتهدً ا‪ ،‬فكان قتال ٍ‬
‫فتنة كما أخرب ﷺ‪ ،‬فمعاوية كان‬ ‫ً‬
‫علي رضي اهلل عن الجميع يرى‬
‫يرى أنَّه ال بد من القصاص من قتلة عثمان‪ ،‬وكان ٌّ‬
‫تأجيل األمر لحين اجتماع كلمة المسلمين‪ ،‬فحصلت هذه الفتنة و ُقتل عمار‪ ،‬ف ُعلم‬
‫َّ‬
‫أن عل ًّيا كان أقرب الطائفتين إلى الحق‪ ،‬كما ورد يف حديث مسلم(‪.)2‬‬
‫فالشاهد َّ‬
‫أن وثوقية الحديث النبوي هي قضية عقلية وشواهد التاريخ كـ‪:‬‬
‫عمارا تعطيك ميزانًا عقل ًّيا ُترجح به بيقين َّ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫أي الفريقين س َيقتل‬
‫انتظار الصحابة َّ‬
‫عمارا س ُيقتل‬
‫ً‬ ‫وأن الصحابة كانوا يعلمون َّ‬
‫أن‬ ‫هذا حديث خرج من فم النبي ﷺ‪َّ ،‬‬
‫أي الفريقين أدنى للحق!‬ ‫لكنهم فقط يريدون ْ‬
‫أن يعرفوا َّ‬
‫ٌّ‬
‫مستقل على صحة الرسالة لمن تأمل!‬ ‫ٌ‬
‫برهان‬ ‫فهذا الحديث وحده‬
‫ُ َّ‬ ‫ْ‬
‫‪ -72‬هل من املمكن ذِكر شواهد أخرى من إخباره ﷺ بالمغيبات اليت جرت‬
‫بعد وفاته؟‬

‫ذات يو ٍم قال ُّ‬


‫النبي ﷺ للحسن بن علي بن أبي طالب ﭭ قال‪" :‬كبنت ذك‬
‫تع"(‪.)3‬‬ ‫َستد‪ ،‬و َل َعل كهللَ أن هيصع َح به بت َع َئتَتع م َع ه‬
‫كلِّسعِّ َ‬
‫فحصل ما أخرب به ﷺ بحرفه بعد ثالثين عا ًما من وفاته‪ ،‬حين ح َقن الحس ُن ُ‬
‫بن‬

‫(‪ )1‬الصحيح المسند‪ ،‬الوادعي ح‪.9091:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ح‪.9032:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري ح‪.7901:‬‬

‫‪387‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اهلل به بين فئتين عظيمتين من المسلمين‪.‬‬


‫علي الدما َء‪ ،‬وأصلح ُ‬
‫وسمي هذا العام عام ‪ 29‬هجرية بعام‬
‫فقد تنازل عن الخالفة لمعاوية ﭬ‪ُ ،‬‬
‫الجماعة‪ ،‬فقد اجتمعت كلمة المسلمين فيه على يد الحسن بن علي ﭭ‪،‬‬
‫وتفرغت األمة لنشر اإلسالم بين األمم‪.‬‬
‫َّ‬
‫وأخرب ﷺ بفتح بيت المقدس بعد وفاته فقال‪" :‬مومت ث تح بتك كلِّقدس"(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫سنوات فقط!‬ ‫وقد حصل هذا بعد وفاته ﷺ بخمس‬
‫وبشر ﷺ بفتح اليمن والشام والعراق‪ ،‬فحصل ُّ‬
‫كل هذا كما أخرب ﷺ‪.‬‬ ‫َّ‬

‫أي المدينت ْي ِن‬ ‫ِ‬


‫وبشر بفتح أكرب ممالك العالم‪ :‬القسطنطينية وقد ُسئ َل ﷺ‪ُّ " :‬‬ ‫َّ‬
‫هيفتح أوـ‪ :‬يعني‬ ‫َ‬
‫طـل م ه‬ ‫رسول اهللِ‪ :‬مدين هة‬
‫ُ‬ ‫ُت ُ‬
‫فتح ً‬
‫أوال القسطنطيني ُة أو روم َّي ُة؟ فقال‬
‫قسطنطيني َة"(‪.)2‬‬
‫وحصل كما أخرب ﷺ‪ ،‬فقد ُفتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح ‪.‬‬
‫ون مص َط‪ ،‬إَك َ تَحت ههِّو ا أحسنهوك‬
‫وبشر ﷺ بفتح مصر‪ ،‬فقال‪" :‬ـ هك َستَيفت هَح َ‬‫َّ‬
‫ـلَ أ ع ا"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.5973:‬‬


‫(‪ )2‬السلسلة الصحيحة ح‪.2:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم ح‪.1325:‬‬

‫‪388‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وقد فتحت مصر كما أخرب ﷺ‪ُ ...‬فتحت يف زمن عمر بن الخطاب ﭬ‬
‫عام ‪ 19‬هجرية على يد عمرو بن العاص!‬
‫وتروي كتب أهل الكتاب قصة فتح عمرو بن العاص لمصر‪ ،‬ففي كتاب‬
‫كنسي ُيقرأ يف الكنائس أيام األحد وأيام األعياد النصرانية‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫السنكسار وهو كتاب‬
‫مضطهد ًة أشدَّ االضطهاد من‬
‫َ‬ ‫أن الكنيسة القبطية كانت‬ ‫يف هذا الكتاب نقرأ كيف َّ‬
‫الرومان‪ ،‬وكان الكهنة والقساوسة هائمين على وجوههم يف الصحراء‪ ،‬وكان‬
‫األنبا بنيامين بابا الكنيسة األرثوذكسية يف ذاك الوقت هار ًبا يف الصحراء لمدة‬
‫ثالثة عشر عا ًما بعد أن قتلوا أخاه أمام عينيه!‬
‫هارب يف الصحراء من بطش الرومان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وكان هذا حال كل قساوسة الكنيسة‪ ،‬فالكل‬
‫فاتحا‪ ،‬أرسل إلى األنبا بنيامين ليدير‬
‫وبدخول عمرو بن العاص إلى مصر ً‬
‫الكنيسة‪ ،‬يقول السنكسار‪" :‬أما عمرو بن العاص فإذ علم باختفاء البابا بنيامين‪،‬‬
‫أرسل كتا ًبا إلى سائر البالد المصرية يقول فيه‪ :‬الموضع الذي فيه بنيامين‬
‫فليحضر آمنًا مطمئنًّا ليدبر‬
‫ْ‬ ‫بطريرك النصارى القبط له العهد واألمان والسالم‪،‬‬
‫شعبه وكنائسه"‪ ،‬فحضر األنبا بنيامين بعد أن قضى ثالث عشرة سن ًة هار ًبا‪،‬‬
‫وأكرمه عمرو بن العاص إكرا ًما زائدً ا‪ ،‬وأمر أن يتسلم كنائسه وأمالكها(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬السنكسار‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪ ،121‬طبعة مكتبة المحبة‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َّ‬
‫تنبأ بها ُّ‬
‫انليب ﷺ؟‬ ‫‪ -73‬وماذا عن أحداث آخر الزمان الغيبية اليت‬

‫أن يتطاول رعا ُة األغنام‬ ‫بأن من عالمات الساعة ْ‬ ‫أخرب النبي محمد ﷺ َّ‬
‫ُّ‬
‫ون ا‬‫َطاو هل َ‬
‫كلحيفا َة كل هعطك َة كلعا َل َة اعا َء كلشاء َيت َ‬ ‫يف البنيان‪ ،‬فقال‪َ " :‬‬
‫وأن م ََطى ه‬
‫كل هبنتان"(‪.)1‬‬
‫الحفا َة ال ُعرا َة العا َلةَ‪ :‬هذه كلها صفات للفقر الشديد‪.‬‬
‫ُ‬
‫اء‪ :‬رعاة أغنام‪.‬‬ ‫الش ِ‬‫ِرعا َء َّ‬
‫سوف تحصل لهم نقلة اقتصادية كربى‪ ،‬فيتطاولون يف البنيان!‬
‫فاع ِه و َك ْث َرتِ ِه(‪.)2‬‬
‫سون يف ارتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َطاو ُل َ‬
‫ون يف ال ُبنْيان‪َ :‬يتَنا َف َ ْ‬ ‫َيت َ‬
‫مجموعة تتحدى األخرى أيتها أطول بنيانًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫الش ِ‬
‫اء َمن يقصد هبم؟‬ ‫راة العا َل ِة ِر ِ‬
‫عاء َّ‬ ‫فاة الع ِ‬
‫وعندما سئل ﷺ عن هؤالء الح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬العرب‪.‬‬
‫ياع العال ُة قال‪:‬‬ ‫والحفا ُة ِ‬
‫الج ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشاء‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ومن‬
‫َ‬ ‫ُسئل ﷺ‪" :‬يا‬
‫ال َع َر ُب"(‪.)3‬‬
‫فهذا التطاول يف البنيان سيحصل يف جزيرة العرب!‬
‫واليوم أنتم َترون كيف َّ‬
‫أن الخليج العربي صار أشبه بظاهرة خرسانية عمالقة‪.‬‬
‫وهاهو برج خليفة أعلى بنيان ش َّيده إنسان على وجه األرض‪ ...‬أطول برج‬
‫يف العالم يقع اليوم يف بالد العرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.8:‬‬


‫(‪ )2‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬م‪ 9‬ص‪.30‬‬
‫(‪ )3‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،1113:‬سند الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫وجدة تستعدُّ هذا العام لربج أطول منه‪ ...‬برج المملكة‪ ،‬ليصبح أطول برج‬
‫يف العالم بارتفاع ألف مرت!‬

‫‪391‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُ‬
‫التطاول يف البنيان سم ًة ظاهر ًة يف مدن الخليج!‬ ‫لقد أصبح‬
‫وهذا من دالئل نبوته ﷺ‪.‬‬
‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫أن من عالمات الساعة انتشار الزنا وظهوره!‬
‫كلخِّ هط‪،‬‬ ‫كلج هل‪ ،‬ه‬
‫ويش َط َب َ‬ ‫ك َ‬ ‫فقال‪" :‬ـن مع أشطكط كلسا َعة‪ :‬أن هيط َ َع كلعع ه َ‬
‫ويث هب َ‬
‫ويظ َ َط كلز ا"(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫الج ْه ُ‬ ‫أن ير َفع ِ‬
‫الع ْل ُم و َي ْ‬
‫الشرعي وينتشر الجهل‪ ،‬وبالفعل‬
‫ُّ‬ ‫العلم‬ ‫رفع‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ْ ُْ َ‬
‫وقل طالب العلم‪ ،‬وظهر الجهل بأصول الدين بين األجيال‬ ‫قل العلماء َّ‬ ‫فقد َّ‬
‫الجديدة بصورة غير مسبوقة يف تاريخ هذه األمة!‬
‫الخ ْم ُر‪ ،‬و َي ْظ َه َر ِّ‬
‫الزنا‪ :‬أما ظهور الزنا يف العالم فهذا لم يحصل عرب‬ ‫و ُي ْش َر َب َ‬
‫التاريخ اإلنساين هبذه الصورة إال منذ سنوات قليلة يف الغرب‪ ،‬فقد ظهر الزنا يف‬
‫الغرب وتق َّب َله الناس بكل أريحية‪ ،‬بعد أن كان ممقو ًتا عرب كل التاريخ الغربي‪.‬‬
‫ظهر الزنا وانتشرت المواقع اإلباحية!‬
‫ولو الحظتم يف الحديث الربط العجيب بين‪ :‬رفع ِ‬
‫العلم وظهور الزنا!‬
‫فإذا ُرفع العلم الشرعي بدأ الفساد األخالقي يف الظهور‪.‬‬
‫ً‬
‫جهاال فأفتوا بغير علم‪ ،‬فزالت الخشية‬ ‫رؤوسا‬
‫ً‬ ‫قل أهل العلم اتخذ الناس‬‫إذا َّ‬
‫وتجرأ الناس على الفواحش نسأل اهلل أن يحفظ األجيال القادمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫من القلوب‪،‬‬
‫كلح هِّط"(‪.)2‬‬
‫الح ُمر‪َ " :‬يتَ َ َاا هجو َن َم َ هاا َج ه‬
‫هتارج ُ‬
‫ولن تقوم الساعة حتى يتهارج الناس ُ‬
‫الح ُم ِر‪ :‬أي يرتكبون الفاحشة يف حضرة الناس ال يكرتثون لذلك‪.‬‬ ‫ون َت َه ُار َج ُ‬
‫َيت ََه َار ُج َ‬
‫وأهنارا!‬
‫ً‬ ‫روجا‬ ‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫أن بالد العرب قبل يوم القيامة ستعود ُم ً‬
‫تض‪ ،‬حتَ َيخ هط َج كلط هج هل بزَ اة ماله ال‬
‫وييف َ‬ ‫"ـ َم هقو ه كلسا َع هة حتَ َيك هث َط ه‬
‫كلِّال َ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪.80:‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم ح‪.1157:‬‬

‫‪392‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫أحدك َيق َب هع ا منه‪ ،‬وحتَ َم هعو َ أا هض كل َع َطب هم هطوجا َ‬


‫وأ ااك"(‪.)1‬‬ ‫َيجده َ‬
‫سوف تؤدي الوفرة والرخاء أو تغيرات َمناخية معينة إلى عودة ظهور‬
‫المروج واألهنار يف بالد العرب‪ ،‬وهذا كله ُمتو َّقع يف األعوام القادمة‪ ،‬وقد بدأت‬
‫تظهر تباشير ذلك واضحة يف بالد العرب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فعلية إلحضار جبل من الجليد‬ ‫ٍ‬
‫حقيقية‬ ‫ٍ‬
‫محاوالت‬ ‫وسمعنا قبل شهور عن‬
‫إلى اإلمارات إلحداث تغيرات مناخية‪.‬‬

‫مروجا وأهن ًارا!‬


‫ً‬ ‫فال تقوم الساع ُة حتى تعود أرض العرب‬
‫والحظ كلمة‪" :‬حتَ َم هعو َ "‪ ...‬حتَ َم هعو َ أا هض كل َع َطب هم هطوجا َ‬
‫وأ ااك‪.‬‬
‫أن أرض العرب يف األزمنة القديمة كانت‬ ‫وهذا خرب من النبي ﷺ ُيفهم منه َّ‬
‫وأهنارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مروجا‬
‫ً‬ ‫وأهنارا‪ ،‬وسوف تعود مرة أخرى‬
‫ً‬ ‫مروجا‬
‫ً‬
‫فعال وليست‬
‫وأهنارا ً‬
‫ً‬ ‫مروجا‬
‫ً‬ ‫فهل كانت أرض العرب يف األزمنة القديمة‬
‫مجرد صحراء كما نراها اليوم؟‬
‫يف عام ‪ 1091‬أعلنت جامعة أوكسفورد عن تشكيل فريق علمي برئاسة ميشيل‬
‫برتاليا ‪ Michael Petraglia‬مدير مركز دراسات اآلثار اآلسيوية‪ ،‬وكانت مهمة هذا‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ح‪.937:‬‬

‫‪393‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الفريق دراسة تضاريس الجزيرة العربية وأثناء دراسة التضاريس‪ ،‬تم اكتشاف شبكة‬
‫قديمة من وديان األهنار‪ ،‬وأحواض البحيرات مطمورة تحت رمال جزيرة العرب(‪.)1‬‬
‫وهذا مصدر الدراسة من موقع جامعة أوكسفورد‪ :‬لقد تب َّين أن شبكة أهنار‬
‫وبحيرات كانت تجري يو ًما ما يف جزيرة العرب(‪.)2‬‬

‫وهذه إحدى الصور التي أخرجها الفريق العلمي لوديان األهنار يف جزيرة العرب‪:‬‬

‫‪)1( Michael Petraglia and Huw Grouchutt: The Prehistory of the Arabian Peninsula:‬‬
‫‪Deserts, Dispersals, and Demography, Evolutionary Anthropology, 14: 442–415 (1041).‬‬
‫‪)2( www.ox.ac.uk/news/1041-01-20-ancient-network-rivers-and-lakes-found-arabian-desert‬‬

‫‪394‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فمن الذي أخرب محمدً ا ﷺ بحال جزيرة العرب قبل آالف السنين؟‬
‫و َمن الذي أخرب النبي محمدً ا ﷺ َّ‬
‫أن الناس قبل يوم القيامة سيرتكون ركوب‬
‫الدواب‪ ،‬مع َّ‬
‫أن هذا أمر لم تكن تتخ َّيله العرب زمن البعثة النبوية‪ ،‬فالدواب‬
‫عليها ُيحملون وعليها يضعون أثقالهم يف السفر‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ [النحل‪.]7 :‬‬
‫فأخرب ﷺ َّ‬
‫أن الناس سيرتكون هذه الدواب‪ ،‬فال يركبون عليها‪ ،‬فقال ﷺ‪:‬‬
‫"و َلتهت َط َع كلق ه‬
‫الص ال هيس َعَ ععت ا"(‪.)1‬‬
‫ُترتك فال ُتركب وال ُتمتطى!‬
‫لكن البعض هنا قد يستشكل َّ‬
‫أن ترك القالص يكون يف هناية الزمان‪ ،‬ويف‬
‫المحن الكربى‪ ،‬ونزول عيسى ابن مريم ‪ ،‬وهذا صحيح لكن هذا‬ ‫وقت ِ‬
‫أيضا أن ُترتك قبل هذا الزمن بوقت‪ ،‬خاص ًة َّ‬
‫وأن النبي ﷺ تحدَّ ث يف‬ ‫ال يمنع ً‬
‫ستكون ا آخط أمتت‬
‫ه‬ ‫ٍ‬
‫مركبات سيستحدثها البشر‪ ،‬فقال‪" :‬‬ ‫آيات آخر الزمان عن‬
‫لون ععَ أبوكب كلِّساجد ساؤه‬
‫طوج أشباه كلطحال ينز َ‬
‫َبون ععَ هس ٍ‬
‫اجال يط َ‬
‫استار عاايار ععَ اؤوس ع أسنِّة كل هبخك كلعجاف"(‪.)2‬‬
‫شيء أكثر مما هي متعينة‬ ‫ٍ‬ ‫حال‪ :‬هل هذه صورة ُمتعينة يف‬ ‫ِ‬
‫كأشباه الر ِ‬ ‫ُسروجٍ‬
‫ِّ‬
‫يف المركبات الحديثة‪ ...‬السيارات؟‬
‫حال‪ :‬ليست رحال‪ ،‬ولكنها شي ٌء يشبه الرحال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كأشباه الر ِ‬
‫ِّ‬
‫أناس ُمرتفون‪.‬‬
‫أن المقصود بالفعل مركبات حديثة هبا ٌ‬‫ولو أكملنا الحديث سنفهم َّ‬
‫هن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينز َ‬ ‫ِ‬
‫عاريات على رؤوس َّ‬‫ٌ‬ ‫كاسيات‬
‫ٌ‬ ‫نساؤهم‬
‫ُ‬ ‫المساجد‬ ‫أبواب‬ ‫لون على‬
‫جاف!‬‫الع ِ‬
‫ت ِ‬ ‫كأسنمة الب ْخ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ح‪ ،5228 :‬صحيح مسلم ح‪.933:‬‬
‫(‪ )2‬صحيح ابن حبان ح‪.3735:‬‬

‫‪395‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الع ِ‬
‫جاف‪ :‬فهذا شكل أصحاب الرتف من النساء يف زماننا‪.‬‬ ‫ت ِ‬
‫كأسنمة الب ْخ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬

‫استار عاايار ععَ اؤوس ع أسنِّة كل هبخك‬ ‫فهذا التوصيف‪ " :‬ساؤه‬
‫أن زوجته من خلفه تجلس‬ ‫كلعجاف"‪ ،‬ال يكون لمن يركب جمل أو دابة بحيث َّ‬
‫ت‪ ،‬هذا ليس حال من يركب الدواب‪ ،‬وإنما‬ ‫كأسنمة الب ْخ ِ‬
‫ِ‬ ‫رأسها‬
‫ُ‬ ‫كاسية عارية َ‬
‫لمن يركب سيارة ينزل على باب المسجد‪ ،‬وزوجته يف السيارة ز ُّيها يفتن الناس‪،‬‬
‫الع ِ‬
‫جاف‪.‬‬ ‫ت ِ‬‫كأسنمة الب ْخ ِ‬
‫ِ‬ ‫ورأسها تبدو من السيارة‬
‫ُ‬
‫فهذا توصيف لمن يركبون مركبات حديثة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأخرب ﷺ ب ُف ُش ِّو التجارة يف آخر الزمان‪ ،‬فقال ﷺ‪" :‬ـن بتع يدي كلساعة‬
‫وـطع‬
‫َ‬ ‫زوج ا ععَ كلتجااة‪،‬‬
‫هعتع كلِّطأ هة َ‬
‫شو كلتجااة حتَ م َ‬ ‫مسعت َ كلخاصة‪ ،‬و َ‬
‫وا كلقع "(‪.)1‬‬
‫تِّان ش ا ة كلحق‪ ،‬وظ َ‬
‫َ‬ ‫كألاحا ‪ ،‬وش ا َة كلزُّوا‪ ،‬و‬
‫عرف!‬ ‫ِ‬
‫الخاصة‪ :‬يعني ال ُتسلم إال على من َت ِ‬ ‫تسليم‬
‫َ‬
‫التجارة‪ :‬حيث تنتشر التجارة بصورة عظيمة يف العالم‪ ،‬واليوم هذا‬ ‫ِ‬ ‫وفشو‬
‫َّ‬
‫ُمشاهد بقوة!‬
‫انظروا إلى حجم التجارة العالمية كيف أصبح؟‬
‫ِ‬
‫التجارة‪ :‬نزول المرأة بصورة مكثفة إلى سوق العمل‪.‬‬ ‫زوجها على‬ ‫حتى ُتعي َن المرأ ُة َ‬
‫الحق‪ :‬وهذا كله ُم َشاهد اليوم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شهادة ِّ‬ ‫َ‬
‫وكتمان‬ ‫الز ِ‬
‫ور‪،‬‬ ‫وقطع األرحامِ‪ ،‬وشهاد َة ُّ‬ ‫َ‬
‫القلم‪ :‬انمحت األمية من أغلب بالد العالم‪ ،‬ومع ذلك رفع ِ‬
‫العلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وظهور‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫(‪ )1‬السلسلة الصحيحة ح‪.327:‬‬

‫‪396‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫فقد َّ‬
‫قل االهتمام بالعلم الشرعي‪.‬‬
‫ومتقاا َب‬
‫َ‬ ‫ويك هث َط كلكَذ هب‬
‫وأخرب ﷺ بأنَّه‪" :‬ـ مَقو ه كلساع هة حتَ مَظ َ َط كليفت هَع‪َ ،‬‬
‫ه‬
‫كألسوكق"(‪.)1‬‬
‫و َيك ُث َر ال َك ِذ ُب‪ :‬ترون كيف َك ُث َر الكذب‪ ،‬فأغلب المعلومات التي نستقيها‬
‫مؤخرا صارت مشكوكًا يف صحتها‪َ ...‬ك ُثر الكذب!‬ ‫ً‬ ‫من مواقع التواصل‬
‫ُ‬
‫األسواق‪ :‬تجد الرجل يف بيته يتاجر بماله يف شرق العالم وغربه يف‬ ‫وتتقار َب‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫قليلة‪ ،‬فقد‬ ‫ٍ‬
‫ساعات‬ ‫نفس الوقت‪ ،‬وتنتقل التجارات العمالقة بين أسواق العالم يف‬
‫تقاربت األسواق جدًّ ا‪ ،‬وتقاربت حتى يف أماكنها فتجد السوق "المول الكبير"‬
‫بجواره يف نفس الشارع مول كبير آخر!‬
‫وأخرب ﷺ أنه قبل قيام الساعة سوف ينقلب الناس وتتبدَّ ل المفاهيم!‬
‫فقال ﷺ‪" :‬ستأمت ععَ كلناس سنوكر خدكعار‪ ،‬هيصد هق ت ا كلكاَ هب‪ ،‬ه‬
‫ويكذ هب‬
‫كلطويب َضةه‪ .‬ـ َ‬
‫تل‪:‬‬ ‫كألمتع‪ ،‬وينط هق ت ا ُّ‬
‫ه‬ ‫ويخو هن‬ ‫ت ا كلصا هق‪ ،‬ه‬
‫ويؤم ََِّ هع ت ا كلخائ هع‪ ،‬ه‬
‫كلطج هل كلتّا هه يتَكع ه ا أمط كلعامة"(‪.)2‬‬
‫كلطويبضةه؟ ـال‪ :‬ه‬
‫وما ُّ‬
‫َظ َهر الحمقى‪ ،‬و ُك ِّذب أصحاب الدعوات الصادقة‪ ،‬وتبدَّ لت الكثير من المفاهيم!‬
‫﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﴾ [محمد‪.]98 :‬‬
‫أشراط الساعة جاءت ونراها بأعيننا واهلل‪.‬‬
‫ِ أن مَدَ ك َعَ ععتك كألم ه‬ ‫أن األمم سوف تتداعى علينا‪ " :‬هيوش ه‬ ‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫رسول اهللِ! ِ‬
‫فمن قِ َّل ٍة َي ْو َم ِئ ٍذ؟‬ ‫َ‬ ‫مع ل هأ ه ٍق‪ِّ ،‬ا مَدَ ك َعَ كألَ َ َع هة ـلَ َـص َعت ا‪ ،‬قيل‪ :‬يا‬
‫ب مع‬
‫كلطع ه‬ ‫قال ـ‪ ،‬ولكنك هغثاء غهثاء كلستل‪ ،‬هيج َع هل كل َو َ هع ا ـعوبك ‪ ،‬ه‬
‫وينز هَع ُّ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ح‪ ،9053:‬صحيح مسلم ح‪.937:‬‬
‫(‪ )2‬صحيح الجامع ح‪.5330:‬‬

‫‪397‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كلِّور"(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ـعوب َعده و ؛ ل هحب هك ه كلد تا و ََطك َتت هك‬
‫األمة اإلسالمية عددها كبير جدًّ ا لكنها غير مؤثرة يف العالم!‬
‫فهل وجدتم زمانًا تنطبق فيه هذا النبوءة كزماننا؟‬
‫أن المال سيكثر يف أمتنا ويفيض‪ ،‬فقال ﷺ‪َ " :‬ـ َم هقو ه كلسا َع هة‬ ‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫تض"(‪.)2‬‬‫كلِّ هال‪َ َ ،‬تيف َ‬
‫حتَ َيك هث َط ت هك ه َ‬
‫وبالفعل أصبحت بعض البالد اإلسالمية اليوم من أعلى مجتمعات العالم‬
‫دخال على اإلطالق!‬
‫رفاهةً‪ ،‬وأكثرها ً‬
‫أن من عالمات الساعة أن ُتخرج األرض كنوزها بكميات كبيرة‬ ‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫حتى ُيستغنى عن المال لكثرته‪ ،‬فقال ﷺ‪ " :‬مَقت هء كألا هض أ ال ََ َبد ا‪ ،‬أم َ‬
‫ثال‬
‫ويجت هء‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫قول‪ :‬ا ذك َـتَع ه‬‫كألهس هطوكن م َع كلذ َ ب وكليفضة‪َ َ ،‬تجت هء كلقام هل َت ه‬
‫قول‪ :‬ا ذك هـط َعك‬ ‫ويجت هء كلساا هق َت ه‬
‫ك َاحِّت‪َ ،‬‬ ‫قول‪ :‬ا ذك َـ َطع ه‬‫كلقا هع َت ه‬
‫َيدي‪ ،‬هث َيدَ هعو َ هه ال َيأ هخ هذ َ‬
‫ون منه شتئا"(‪.)3‬‬
‫وكل يوم هناك تطور يف طرق استخراج المعادن النفيسة من باطن األرض‪،‬‬
‫أمرا‬
‫وقد تظهر آلية متطورة تجعل إخراج الذهب والمعادن النفيسة من األرض ً‬
‫يسيرا فحينها ُّ‬
‫تقل قيمتها ويزهدها الناس!‬ ‫ً‬
‫فإذا زاد استخراج الذهب‪ ،‬وك ُثر المعروض‪َّ ،‬‬
‫قل الطلب‪ ،‬وبدأ الناس‬
‫يألمون؛ ألهنم ارتكبوا الذنوب والمعاصي يف سبيل الحصول على هذا العرض‬
‫قول‪ :‬ا ذك‬ ‫ويجت هء كلقا هع َت ه‬
‫ك‪َ ،‬‬‫قول‪ :‬ا ذك َـتَع ه‬ ‫التافه‪َ َ " :‬تجت هء كلقام هل َت ه‬
‫قول‪ :‬ا ذك هـط َعك َيدي‪ ،‬هث َيدَ هعو َ هه ال‬ ‫ويجت هء كلساا هق َت ه‬
‫ك َاحِّت‪َ ،‬‬ ‫َـ َطع ه‬
‫(‪ )1‬صحيح الجامع ح‪.8985:‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ح‪.9291:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم ح‪.9095:‬‬

‫‪398‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫َيأ هخ هذ َ‬
‫ون منه شتئا"‪ :‬يزهدون فيه لكثرته!‬
‫وأثناء كتابتي لهذا الكتاب حصل اهنيار تاريخي يف أسعار الذهب األسود‬
‫"النفط الخام األمريكي"‪ ،‬فنتيج ًة لكثرة المعروض‪ ،‬صار ُيباع بسالب سبعة‬
‫دوالرا للربميل يف العقود اآلجلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫وثالثين‬
‫دوالرا من البائع!‬
‫ً‬ ‫يعني تشرتي برميل نفط‪ ،‬وتحصل على سب ٍع وثالثين‬

‫فائض إنتاج ضخم‪ ،‬أ َّدى لحصول مشكلة يف أماكن تخزين النفط‪ ،‬فأصبح‬
‫ُيباع بالسالب!‬
‫األحاديث يف باب اإلخبار بالمغيبات التي وقعت كثيرةٌ‪ ،‬واألحاديث يف باب‬
‫أيضا كثيرةٌ‪ ،‬لكن أنا‬
‫اإلخبار بعالمات قرب الساعة والتي نراها اليوم أمام أعيننا ً‬
‫هديف فقط استحضار شيء من األدلة يف كل باب‪ ،‬وليس حصر كل أدلة الباب‪...‬‬
‫فأنَّى لمثلي هبذا؟‬
‫وأنا أختم هذا الكتاب ببشارة النبي محمد ﷺ بانتشار دين اهلل يف كل مكان‪،‬‬
‫ويف كل بيت على وجه األرض قبل يوم القيامة‪ ،‬وقبل نزول اآليات الكربى!‬

‫‪399‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أن هناك َضع ًفا ووهنًا سيصيب هذه األمة‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هناك عودة قوية لدين‬ ‫فكما َّ‬
‫اهلل بعد هذا الوهن‪ ،‬وهناك انتشار عظيم لدين اهلل سيحصل!‬
‫وسيعود مجد اإلسالم قبل قيام الساعة‪.‬‬
‫تك َمدَ ٍا وـ َو َب ٍط ــ أ َخ َعه كهلله َعِّ َة كإلسال "(‪.)1‬‬
‫"ـ َيبقَ ععَ َظ ط كألاض َب ه‬
‫بل وسوف ُتفتح روم َّية قبل قيام الساعة!‬
‫ُ ِ‬ ‫" ُسئِ َل‬
‫أوال القسطنطيني ُة أو روم َّي ُة؟ فقال‬ ‫أي المدينت ْي ِن ُت ُ‬
‫فتح ً‬ ‫رسول اهلل‪ُّ :‬‬
‫أوال‪ :‬يعني قسطنطيني َة"(‪.)2‬‬ ‫رسول اهللِ‪ :‬مدين ُة َ‬
‫هرقل ُت ُ‬
‫فتح ً‬ ‫ُ‬
‫وقد ُفتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح بعد ثمانمائة عام من هذه‬
‫البشارة‪ ،‬وسوف تفتح رومية‪ ،‬شاء العالم أو أبى!‬
‫﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﴾ [إبراهيم‪.]27 :‬‬
‫فمتى ُعدنا لدين اهلل عاد المجد لهذه األمة وهذا سيحصل وال بد‪" :‬وكهلل‬
‫َل هتتِّع ذك كألم َط"(‪.)3‬‬
‫كل بيت على وجه األرض َقبِله من َقبِله وتركه من تركه‪.‬‬
‫وسوف يدخل اإلسال ُم َّ‬
‫أن هذا الدين سينتشر يف جنبات األرض‪َّ ،‬‬
‫وأن أمة المسلمين‬ ‫بل و ُيبشر ﷺ َّ‬
‫سيكونون نصف أهل الجنة وأكثر‪" :‬ـ ت َألَا هجو أن َمكهو هوك ص َ أ ل َ‬
‫كلجنة"(‪.)4‬‬
‫ُأ َّمة عظيمة تمأل اآلفاق!‬
‫وبفضل اهلل ومع ما نحن فيه من ضعف إال َّ‬
‫أن اإلسالم صار ينتشر بالفعل وبقوة!‬
‫وأثرا على اإلطالق!‬
‫انتشارا ً‬
‫ً‬ ‫واإلسالم اليوم هو أسرع ديانات األرض‬

‫(‪ )1‬تخريج المسند ح‪ ،15892:‬سند الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫(‪ )2‬السلسلة الصحيحة ح‪.2:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري ح‪.5391:‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري ح‪.3318:‬‬

‫‪400‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫يبق إال اإلسالم وبقايا ديانات وعلمانية‪ ...‬هذا شكل األرض اليوم!‬
‫ولم َ‬
‫فسوف يصل اإلسال ُم لمرحلة أنَّه سيدخل كل بيت على وجه األرض‪،‬‬
‫َحن روم َّية!‬
‫وسيعود المجد لهذه األمة مر ًة أخرى‪ ،‬وواهلل ل ُتفت َّ‬
‫اهلل البالد والعباد‬
‫أصلح ُ‬
‫اللهم آمين‪.‬‬

‫***‬

‫‪401‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُك ُتب أويص هبا‬


‫‪ -9‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪ :‬علي عزت بيجوفيتش‪.‬‬
‫والكتاب متاح على الشبكة العنكبوتية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬اإلسالم بين الشرق والغرب على هذا الرابط‪:‬‬


‫‪http://waqfeya.com/book.php?bid=1404‬‬

‫‪402‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪ -1‬براهين النبوة‪ :‬د‪ .‬سامي عامري‬

‫والكتاب متاح على الشبكة العنكبوتية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬براهين النبوة على هذا الرابط‪:‬‬


‫‪http://www.aricr.org/books/baraheen.ar.pdf?fbclid=IwAR 105l0TBiYrxJLbw_1mbMRBTY‬‬
‫‪ovml-1eo2y-H9InET6tl69dKihfJEbFTk‬‬

‫‪403‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -5‬اللؤلؤ المكنون يف سيرة النبي المأمون‪ :‬موسى بن راشد العازمي‬

‫والكتاب متاح على الشبكة العنكبوتية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬كتاب "اللؤلؤ المكنون يف سيرة النبي المأمون ﷺ" على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪https://waqfeya.com/book.php?bid=6441‬‬

‫‪404‬‬
‫بصائر صحة اإلسالم‬

‫‪ -2‬كتاب العودة إلى اإليمان‪ :‬هيثم طلعت‬

‫والكتاب متاح على الشبكة العنكبوتية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬كتاب العودة إلى اإليمان على هذا الرابط‪:‬‬


‫‪http://www.mediafire.com/file/iv1xje5mxyqrs4r/815D1815A9815D681511815D1815B‬‬
‫‪6815D681511815D1815AF815D1815A6.pdf/file‬‬

‫‪405‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫اجلزء الثالث‬

‫الرد عىل أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪407‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪408‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الباب األول‬

‫تفكيك الش أبهة‬

‫‪409‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪410‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫مقدمة‬
‫هناك جهود محمومة وإصرار عجيب على تضخيم الشبهات حول اإلسالم‬
‫كثيرا يف هذا األمر هو َّ‬ ‫ِ‬
‫أن‪ :‬كتاب اهلل ‪ ‬لو‬ ‫من قبل الملحدين‪ ،‬والذي يستوق ُفني ً‬
‫كان من عند غير اهلل ألمكنهم بأيسر ٍ‬
‫جهد أن يقطعوا بأنَّه من عند بشر‪ ،‬ولما احتاجوا‬
‫لمعاناة زخرفة الشبهة وتضخيمها‪ ،‬وترقيع االستشهادات عليها؛ ليصنعوا كل هذه‬
‫تناقض‪ ،‬واهلل ما كانوا ليحتاجوا لكل هذا!‬ ‫الضبابية‪ ،‬وي ِ‬
‫شعروا متابعيهم أهنا ٌ‬ ‫ُ‬
‫﴿ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾‬
‫[النساء‪.]81 :‬‬
‫فه ْم أمام ٍ‬
‫دين‬ ‫لكن لما اصطدموا باإلسالم ن ََس ْوا حتى معنى الشبهة ُ‬
‫معصوم‪ ...‬دين ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [ ُف ِّص َلت‪.]21 :‬‬
‫تتحول هذه الشبهات يف أذهان‬ ‫َّ‬ ‫فأصبحوا ُيرقعون الشبهات على أمل أن‬
‫الس َّذج إلى تناقضات حقيقية‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫إسهاب أو تزيين كالم‬ ‫ويف الواقع فالتناقض بمجرد النظر إليه دون تفصي ٍل أو‬
‫تقطع بأنه تناقض‪.‬‬
‫مدع عا ٍّم يهاجمه‪ ،‬و ُيثبت للناس أنَّه تناقض‪ ،‬بل‬ ‫فال يحتاج التناقض إلى ٍّ‬
‫كاف تما ًما‪.‬‬ ‫عرض ِه ٍ‬ ‫مجرد ِ‬
‫ومثال على ذلك‪:‬‬
‫النص ِ‬
‫ين عن‬ ‫يف توراة بني إسرائيل بعد أن وقع فيها التحريف‪ ،‬نجد هذين َّ‬
‫واحد‪ ،‬واسمه َأ َخ ْز َيا الملك‪ ،‬تقول التوراة يف النص األول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شخص‬
‫َان َأ َخ ْز َيا ا ْب َن ا ْثنَ َت ْي ِن َو ِع ْش ِري َن َسنَ ًة ِحي َن َم َل َك‪.‬‬
‫َوك َ‬
‫وقد ورد هذا النص يف سفر الملوك الثاين‪ ،‬إصحاح‪ 8 :‬عدد‪.13 :‬‬

‫‪411‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثم تقول التوراة يف النص الثاين عن َأ َخ ْز َيا الملك ً‬


‫أيضا‪:‬‬
‫َان َأ َخ ْز َيا ا ْب َن ا ْثنَ َت ْي ِن َو َأ ْر َب ِعي َن َسنَ ًة ِحي َن َم َل َك‪.‬‬
‫ك َ‬
‫وقد ورد هذا النص يف سفر أخبار األيام الثاين‪ ،‬إصحاح‪ 11 :‬عدد‪.1 :‬‬

‫بأن‬ ‫ٍ‬
‫تعليق بكلمة واحدة يجعلك تقطع َّ‬ ‫مجرد النظر يف هذين النصين دون‬
‫أحدهما أو كالهما غير صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إسهاب‪.‬‬ ‫ال حاجة لتضخيم كال ٍم أو‬
‫فحاجة المالحدة لتزيين الشبهة حول اإلسالم‪ ،‬وبذل كل هذه الجهود سببه‬
‫أهنم أمام ٍ‬
‫دين معصومٍ‪.‬‬
‫أن المالحدة عندهم عاطفة خاصة تجاه اإلسالم‪ ،‬فأغلب ِ‬
‫نقدهم‬ ‫والغريب َّ‬
‫َّ‬
‫وج ٌه لإلسالم وحده‪ ،‬وكأهنم ُيقررون أنَّه حائط الصد األخير يف هذا العالم‪.‬‬
‫ُم َّ‬
‫تصح‪ ،‬أو خطأ يف فهم لغة‬ ‫ُّ‬ ‫ومنتهى شبهاهتم حول اإلسالم إ َّما‪ :‬آثار ضعيفة ال‬
‫إلهي ُمع َّي ٍن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫العرب‪ ،‬أو عدم استيعاب لباب من أبواب الحكمة اإللهية يف تشري ٍع ٍّ‬
‫وهذا ما سنُوضحه يف هذا الباب‪...‬‬

‫‪412‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ويبقى القرآن إلى قيام الساعة معصو ًما‪ ،‬ولن تستقيم لملحد شبه ٌة إال‬
‫التصور الخاطئ أو هذه األمور مجتمعة‪ ،‬ثم يأيت الحق‬
‫ُّ‬ ‫بالكذب أو الوهم أو‬
‫الب ِّين فيزهق الباطل يف غمضة عين‪.‬‬
‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾‬
‫[األنبياء‪.]98 :‬‬
‫لكن هنا السؤال‪:‬‬
‫‪ -1‬ملاذا ما زالت هناك شبهات؟ ملاذا ال يكون ادلين بل شبهات؟‬
‫ْ‬ ‫أليس ٌ‬
‫دين بل شبهات أدىع دلخول انلاس فيه بسهولة؟‬

‫ج‪ :‬هذه النوعية من األسئلة ُتب ِّين عدم استيعاب معنى التكليف اإللهي‪...‬‬
‫معنى االختبار اإليماين‪ ...‬معنى الدين‪.‬‬
‫فالدين يقوم على بديهة وجود نسبة متشابه‪ ...‬نسبة ُش ُبهات‪ ،‬ل َيميز اهلل‬
‫الخبيث من الطيب‪.‬‬
‫طبيعي‬
‫ٌّ‬ ‫مقتضى‬
‫طبيعي للتكليف اإللهي‪ً ...‬‬
‫ٌّ‬ ‫مقتضى‬
‫فوجود هذا المتشابه هو‪ً :‬‬
‫لالختبار‪.‬‬
‫ُّ‬
‫فيضل من يريد الضالل هبذا الشيء‪،‬‬ ‫فأنت ترى شي ًئا يشتبه عليك فهمه‬
‫و َي ْث ُبت من يريد الحق؛ لما عنده من أدلة قطعية على اإليمان‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ﴾ [المدَّ ثر‪.]59 :‬‬
‫ماذا أراد اهلل هبذا الشيء الذي يخفى علينا؟‬
‫فيتزلزل إيمان َمن يريد الضالل‪ ،‬ويتأكد اإليمان يف قلوب آخرين‪ ،‬وهلل‬
‫الحكمة البالغة يف كل هذا‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫عز مِن قائل‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫وقال َّ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬
‫ﮤ ﮥ﴾ [البقرة‪.]13:‬‬
‫ون َأ َّن ُه ا ْل َح ُّق مِن َّر ِّب ِه ْم‪ :‬يفهمون مراد اهلل من كالمه‪،‬‬
‫َف َأ َّما ا َّل ِذي َن آ َمنُوا َف َي ْع َل ُم َ‬
‫وما لم يفهموه َيكِلون علمه وحكمته إلى اهلل‪ ،‬وهذا موقف المؤمن‪.‬‬
‫﴿ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾‪ :‬أما َمن يريد الكفر‬
‫كفرا إلى كفره ﴿ ﮙ ﮚ‬
‫مثال؟ فيزداد ً‬
‫فإنه يعرتض ويقول‪ :‬ماذا أراد اهلل هبذا ً‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾‪.‬‬
‫فمن البديهي أن تجد الشبهات يف دين اهلل حتى ي ْت َب َعها َمن يريد الكفر‪.‬‬
‫فقد شاء اهلل بحكمته أن يكون هناك إيمان وكفر‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬ﴾ [التغابن‪.]1 :‬‬
‫واآلن اقرأ هذه اآلية العجيبة وتدَّ بر‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [آل عمران‪.]7 :‬‬
‫فهناك ُمح َك ٌم‪ ،‬وهناك ُمتشابِ ٌه‪.‬‬
‫المح َكم هو أد َّلة الدين‪ ،‬وأد َّلة صحة الرسالة‪ ،‬واألمور‬ ‫ات‪ُ :‬‬ ‫ات ُّم ْح َك َم ٌ‬
‫آ َي ٌ‬
‫َاب‪.‬‬ ‫وه َّن ُأ ُّم ا ْلكِت ِ‬
‫القطعية الثابتة‪ ،‬فهذه كلها ُمح َكمات‪ُ ،‬‬
‫فهم ُه‪ ،‬أو خفيت حكمته على‬ ‫َو ُأ َخ ُر ُمت ََشابِ َه ٌ‬
‫ات‪ :‬المتشابه هو ما استغلق ُ‬
‫بعض الناس أو كلهم‪.‬‬
‫فمن كان يف قلبه زيغ‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾‬
‫َ‬
‫[آل عمران‪.]7:‬‬
‫فالذي يف قلبه َز ْي ٌغ أو مرض سيتبع هذا المتشابه‪ ...‬سيتبع الشبهات ا ْبتِ َغا َء‬

‫‪414‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ا ْل ِف ْتن َِة‪ ،‬أي‪ :‬ابتغاء الكفر‪.‬‬


‫أناس يبتغون الكفر فعل ًّيا‪ ...‬يبتغون الدنيا ولو على حساب اآلخرة‪،‬‬ ‫ْ‬
‫إذن هناك ٌ‬
‫أهواؤهم عقو َلهم‪ ،‬فأمثال هؤالء يبحثون عن مزيد شبهات حتى يطمئنوا‬
‫ُ‬ ‫قد غلبت‬
‫لما هم عليه من ضالل‪ ،‬ف ُيعاقرون األهواء‪ ،‬وقد خدَّ روا ضمائرهم وفطرهم‪.‬‬
‫كفرا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أفكار شاذة ولو كانت ً‬ ‫وهناك منهم َمن َيجد وجاهته وتم ُّيزه يف تبنِّي‬
‫وجيها بينهم يف نظره‪ ،‬فمثل هذا‬
‫ً‬ ‫وإلحا ًدا‪ ،‬فبهذا ُيشار إليه بين أقرانه وهبذا ُيعد‬
‫أيضا يتبنّى الشبهات و ُيثيرها بين أقرانه‪.‬‬
‫ً‬
‫معارف علمية مادية؛ فيشعر بزهو نفسه إذا ضبط معادلة‬ ‫ُ‬ ‫وهناك من َت ُّ‬
‫غره‬
‫علما يندُّ به بين الناس‪ ،‬ف َيدخله عجب نفسه‪ ،‬وكِ ْب ُر تحصيلِه؛‬
‫درس ً‬ ‫رياضية أو َ‬
‫عما خفيت حكمته من دين اهلل‪،‬‬ ‫فيستعلي على االنقياد لشرع ربه‪ ،‬ويرغب َّ‬
‫ف ُي ِّ‬
‫كذب ببعض شرع اهلل‪ ،‬ويتبع هوى نفسه‪.‬‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [غافر‪.]33 :‬‬
‫التمرد االجتماعي على‬
‫ُّ‬ ‫وهناك َمن يكفر ويرتد عن دين ربه كنو ٍع من أنواع‬
‫ٍ‬
‫أمر ما كمشكلة نفسية أو ضيق‪ ،‬فجعل تنفيس‬ ‫أوضا ٍع ُمع َّينة‪ ،‬أو ربما حصل له ٌ‬
‫كل هذا بالكفر بالدين‪ ،‬والردة عن اإلسالم‪ ،‬وإنا هلل وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى كثيرة‪.‬‬ ‫وهناك َمن يكفر ويرتد عن دين ربه‬
‫فأمثال هؤالء جمي ًعا يبتغون الكفر حرف ًّيا‪ ،‬ويطمئنون للشبهة‪ ،‬وال يرغبون يف‬
‫للمح َكم‪ ،‬وهؤالء جمي ًعا عليهم أن ُيبشروا فسيجدون من‬
‫االنتقال عنها ُ‬
‫المتشابه ما يجعلهم يطمئنون لكفرهم‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الليل‪.]90 -8 :‬‬
‫﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [الصف‪.]3 :‬‬
‫فمن أراد المتشابه فليطمئن‪ :‬س َي ِجدُ ُه!‬

‫‪415‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وكلِّتشابه ععَ وعتع‪:‬‬


‫‪ -9‬متشابه يف الدين‪.‬‬
‫شاهدة كالسماء واألرض‪َ ،‬‬
‫وخلق الناس والحيوان‪.‬‬ ‫الم َ‬
‫‪ -1‬ومتشابه يف اآليات ُ‬
‫فقد ترى يف الدين ما ال تفهمه؛ فتتو َّلد عند َمن يريد الضالل الفتن ُة!‬
‫شاهدة‪ ،‬فإذا نظرت إلى السماء‪ ،‬ونظرت‬ ‫الم َ‬
‫وقد ترى المتشابه يف اآليات ُ‬
‫ٍ‬
‫إتقان ُم ٍ‬
‫حكم بدي ٍع قد ترى فيها ً‬
‫أمورا متشاهبةً‪ ،‬مثل‪ :‬لماذا كل هذه‬ ‫إلى ما فيها من‬
‫النجوم؟ وما الفائدة منها؟ وسنأيت إن شاء اهلل لجواب كل هذا‪.‬‬
‫وإذا نظرت لإلنسان قد تجد فيه المرض واألذى والبالء‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ويضل َمن يريد الضالل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إدراك حكمته‪ ،‬ف ُيفتن‬ ‫ُّ‬
‫فكل هذا متشابه يستغلق على البعض‬
‫حظ نفسه‪ ،‬ويقاوم الكِرب والغرور‪ ،‬ويؤمن بالقدَ ر‪،‬‬
‫أما المؤمن الذي يقاوم َّ‬
‫المشاهدة‪.‬‬
‫َ‬ ‫فهذا تطمئ ُّن نفسه للمحكم يف الشرع والدين‪ ،‬والمحكم يف اآليات‬
‫بصر حكمة اهلل‪ ،‬ورحمة اهلل‪ ،‬وعظمة‬ ‫فعندما يتدبر المؤمن المحكم فإنه ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫اهلل؛ فيخبت لربه ويقول يف المتشابه الذي لم يعرف حكمته بعد‪ُ :‬ك ٌّل من ع ِ‬
‫ند‬
‫ربنا‪﴿ ..‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾‬
‫[آل عمران‪.]7 :‬‬
‫فالذي يريد الدار اآلخرة ي ِ‬
‫بصر األمور على حقيقتها‪ ،‬فيشهد المحكمات‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ويتفهم كل ما خفيت حكمته على أنَّه‬
‫َّ‬ ‫ويتفهم البالء‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ويتد َّبر اليقينيات والرباهين‪،‬‬
‫يف إطار التكليف والتمحيص واالختبار‪.‬‬
‫والمحكمات واليقينيات والرباهين على صحة الحق وصحة الدين هي ُأ ُّم‬
‫ُ‬
‫الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬األصل واألعم األغلب‪ ،‬والمتشابه قليل ويكون يف الفروع‪﴿ :‬ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [آل عمران‪.]7 :‬‬
‫ـَن خالصة ما سبق‪ :‬اإلسالم وهو دين األنبياء جمي ًعا فيه‪ :‬محكمات هن ُأ ُّم‬

‫‪416‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الكتاب‪ ،‬وفيه شيء يسير من المتشاهبات‪.‬‬


‫حق‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾‬
‫والمحكمات والمتشاهبات كلها من عند اهلل وكلها ٌّ‬
‫[آل عمران‪.]7 :‬‬
‫‪ -2‬كيف يتعامل املؤمن مع املتشابه؟‬

‫أوجها من التأويل‪ ،‬فقد يستخدمه َمن يريد الكفر‬


‫ً‬ ‫قلت يحتمل‬
‫المتشابه كما ُ‬
‫و ُيؤوله على هواه حتى يربر به كفره‪ ،‬يقول ابن الوزير اليماين‪" :‬فسبب الشك والكفر‬
‫علما‪ ،‬وال عرفوا تأويلها"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫هو النظر يف المتشاهبات‪ ،‬التي لم يحط البشر هبا ً‬
‫وفسره على هواه وترك‬ ‫فهم ُه اتبعه َمن يريد الضالل‪َّ ،‬‬
‫فما اشتبه على الناس ُ‬
‫الم ْح َكم‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما المؤمن فموقفه مع المتشابه هو ْ‬
‫أن‪:‬‬
‫‪ُ -9‬يس ِّلم بأنَّه من عند اهلل‪.‬‬
‫‪ُ -1‬يحيل المتشابه إلى المحكم‪.‬‬
‫لكن‪ :‬ما معنى إحالة المتشابه إلى المحكم؟‬
‫يفهم معناه إلى ما يفهمه‪.‬‬
‫إحالة المتشابه إلى المحكم تعني‪ :‬إحالة ما لم ْ‬
‫ودعونا نعطي أمثلة على ذلك من الشرع والدين‪.‬‬
‫المثال األول من القرآن الكريم‪:‬‬
‫يقول اهلل ‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ﴾ [البقرة‪.]31 :‬‬
‫فهذا النص متشابه!‬

‫)‪ (1‬العواصم (‪.)192/9‬‬

‫‪417‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫خوف عليهم وال‬


‫ٌ‬ ‫صالحا ال‬
‫ً‬ ‫فأهل الكتاب والصابئون لو آمنوا باهلل وعملوا‬
‫هم يحزنون‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد ﷺ هل يلز ُمهم اإليمان بنُ ُب َّوة محمد ﷺ أ ْم يكفيهم‬ ‫لكن بعد بعثة‬
‫اإليمان بأنبيائهم فقط؟‬
‫ِ‬
‫ذكرت اآلية فقط أهنم لو آمنوا‬ ‫اآلية لم توضح جواب هذه النقطة‪ ،‬فقد‬
‫خوف عليهم وال هم يحزنون‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫صالحا فال‬
‫ً‬ ‫وعملوا‬
‫ْ‬
‫إذن هنا يشتبه األمر‪.‬‬
‫فماذا يفعل المؤمن؟‬
‫يقوم المؤمن ببساطة بإحالة هذا المتشابه إلى المحكم‪.‬‬
‫وما هو المحكم يف هذا األمر؟‬
‫المحكم هو قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪.]83 :‬‬
‫إذن مقصود اآلية األولى أنَّه بعد بعثة النبي محمد ﷺ لن ُيقبل إيمان ٍ‬
‫بشر إذا لم‬ ‫ْ‬
‫يؤمن بنبوة محمد ﷺ‪.‬‬
‫وبالتالي فعن دما نقوم بإحالة المتشابه يف اآلية األولى إلى المحكم يف اآلية‬
‫ويتحول المتشابه إلى محكم‪ ،‬ونفهم َّ‬
‫أن مقصود اآلية‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اإلشكال‪،‬‬ ‫الثانية ينتهي‬
‫ممن ال خوف عليهم‬ ‫األولى َّ‬
‫أن إيمان أهل الكتاب الذي يجعلهم من أهل النجاة َّ‬
‫وال هم يحزنون‪ ،‬هو اإليمان بمحمد بن عبد اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وقبل بعثته ﷺ فال يلزمهم إال اإليمان بأنبيائهم‪.‬‬
‫محكما‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهبذا ينتهي اإلشكال بإحالة المتشابه إلى المحكم‪ ،‬ويصبح القرآن كله‬
‫لكن هنا يأيت أهل الزيغ واألهواء فيجعلون المتشابه هو األصل‪ ،‬ويتجاهلون‬
‫المحكم الذي يقضي بضرورة إيمان الناس بنبوة محمد بن عبد اهلل ﷺ‪ ،‬فال يتبع‬
‫ُ‬

‫‪418‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ُ‬
‫اإليمان بالنبي‬ ‫أهل الزيغ هؤالء إال المتشابه‪ ،‬ف ُيقررون أن أهل الكتاب ال يلزمهم‬
‫ِ‬
‫مسلمان‪.‬‬ ‫صريح ال يختلف فيه‬ ‫كفر‬
‫ٌ‬ ‫محمد ﷺ‪ ،‬وهذا القول ٌ‬
‫فهذا منهج أهل األهواء واإللحاد يف كل زمان أنَّهم‪ :‬يكتفون بالمتشابه‪،‬‬
‫المحكم القطعي‪.‬‬
‫ويرتكون ُ‬
‫مثال آخر على آية أخرى من المتشابه‪:‬‬
‫يف قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ﴾ [الكهف‪.]83 :‬‬
‫هنا ذو القرنين وجد الشمس تغرب يف عين حمئة‪.‬‬
‫َو َجدَ َها هو‪ ،‬أي‪ :‬يف عينه‪.‬‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬الشمس تدخل داخل عينه حمئة حقيق ًة وقت غروهبا‪.‬‬
‫فما هو الر ُّد على هذه الشبهة؟‬
‫المحكم عرفنا الجواب‪:‬‬
‫إذا نظرنا إلى ُ‬
‫إن الشمس تجري يف َف ٍ‬
‫لك بال تو ُّقف‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫فالمحكم يقول لنا‪َّ :‬‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [األنبياء‪.]55 :‬‬
‫محكما‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫إذن فبإحالة المتشابه إلى المحكم ُيصبِح ُّ‬
‫كل‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫تمت إحالته إلى المحكم زال اإلشكال مباشرةً‪.‬‬
‫فهم ُه‪ ،‬إذا َّ‬
‫وبالتالي فما اشتبه ُ‬
‫لكن َمن أراد الزيغ والضالل فإنه يتجاهل المحكم‪ ،‬وال يتبع إال المتشابه‪،‬‬
‫ُ‬
‫ويزيغ و ُيفتَن‪ ،‬ف ُيفسر غروب الشمس‬ ‫ُّ‬
‫فيضل‬ ‫ويبدأ يف تفسير المتشابه على هواه‪،‬‬
‫أهنا تغرب يف عين حمئة‪ ،‬فيتخذ ذلك ذريع ًة إلظهار الشبهة يف دين اهلل‪.‬‬
‫وهنا نرى معنى االختبار والتكليف جل َّي ْي ِن‪ :‬فهناك َمن يلتزم بالفهم الصحيح‬
‫و ُيحيل المتشابه إلى المحكم‪.‬‬
‫وهناك َمن يتجاهل المحكم‪ ،‬ويفهم المتشابه على هواه؛ لتظل عنده الشبهة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وكفر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إيمان‬ ‫ولإلنسان ْ‬
‫أن يختار ما شاء من‬

‫‪419‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فمن أراد اإليمان سيرى الرباهين القطعية على صحة الدين ( ُأ ُّم ا ْلكِت ِ‬
‫َاب)‪،‬‬ ‫َ‬
‫وسيقوم بإحالة المتشابه إلى المحكم‪ ،‬و َمن أراد الكفر فسيتبع المتشابه ( َف َي َّتبِ ُع َ‬
‫ون‬
‫َما َت َشا َب َه مِنْ ُه) ويتجاهل المحكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫موجودان إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫فاألمر سهل‪ ،‬واإليمان والكفر‬
‫َّ‬
‫إن نظرة المؤمن هي النظرة األحكم واألشمل واألعمق للمحكم والمتشابه‪،‬‬
‫المشاهدة كاإلنسان‪ ،‬فإنَّه يرى اآليات المحكمات يف خلقه‪،‬‬
‫َ‬ ‫فعندما ين ُظ ُر يف اآليات‬
‫باهرات يف كل خلية وعضو ووظيفة وحركة‪ ،‬وهناك أربعة مليارات‬
‫ٌ‬ ‫آيات‬
‫فهناك ٌ‬
‫محكمات يزداد المؤمن هبا يقينًا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حرف بضبط مبهر داخل نواة كل خلية‪ ،‬فهذه كلها‬
‫والتشوه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وحين يذهب المؤمن للنظر يف المتشابه يف خلق اإلنسان كالمرض والبالء‬
‫فإنه هنا ُيحيل هذا المتشابه إلى المحكم‪ ،‬فيقول‪َّ :‬‬
‫إن الذي خلق اآليات الباهرات‬
‫يف جسد اإلنسان هبذا اإلتقان‪ ،‬فمن الطبيعي أنه قدَّ ر المرض والبالء لحكمة‬
‫واختبار‪﴿ :‬ﯿﰀﰁﰂﰃ﴾ [األنبياء‪.]53 :‬‬
‫ودائما يتع َّلل بحجة‬
‫ً‬ ‫بينما يف الجهة المقابلة ال يرى الملحد إال المتشابه‪،‬‬
‫األعم األغلب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫المحكم والذي هو‬
‫الشر والبالء‪ ،‬ويتغافل عن ُ‬
‫فهذا هو جوهر الفرق بين موقف المؤمن والملحد‪ ،‬فالمؤمن يقول‪ُّ :‬‬
‫كل‬
‫محكم‪ ،‬وبالتالي ال يقع فيه متشابه إال لغاية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬
‫ٌ‬
‫أما الملحد فال يتبع إال المتشابه‪ ،‬ويتجاهل تما ًما األصل وهو المحكم‪:‬‬
‫﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [األعراف‪.]971:‬‬
‫وأعلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأشمل‬ ‫وأصلح‬
‫ُ‬ ‫فهنا نظرة المؤمن أح َك ُم‬
‫يقول كبع كلقت ‪ ‬ا شطح تيفتة ـحالة كلِّتشابه ـلَ كلِّحك ‪" :‬ما حكمة‬
‫هذا النبات المبثوث يف الصحاري التي ال أنيس هبا وال ساكن؟‪ ...‬وهذا مقدار‬

‫‪420‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لوح ٍ‬
‫ش‬ ‫ِ ٍ ٍ‬
‫عقلك‪ ،‬وهناية علمك‪ ،‬فكم لباريه وخالقه فيه من حكمة وآية من طعام ْ‬
‫وطير ودواب ال تراها تحت األرض وفوقها"(‪.)1‬‬
‫عرفت بالربهان أنه حكيم‪ ،‬وأنا‬
‫ُ‬ ‫ويقول كبع كلجوزي ‪ ‬كلِّعنَ يفسه‪" :‬‬
‫مقرا بعجزي"(‪.)2‬‬‫أعجز عن إدراك علل حكمته‪ ،‬ف ُأس ِّلم على رغمي‪ًّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫محكم إال لحكمة‪.‬‬ ‫فما ظهر المتشابه يف ٍ‬
‫كون‬
‫لدي أدنى سبب يجعلني أتذ َّمر من‬
‫يقول ديكارت يف كتابه التأ ُّمالت‪" :‬ليس َّ‬
‫أن اهلل لم يمنحني قدرة أعظم على الفهم‪ ،‬من الطبيعي أن َّ‬
‫تظل هناك أشياء غير‬
‫علي أن أشكر ربي‬
‫التمرد يتوجب َّ‬
‫وعوضا عن ُّ‬
‫ً‬ ‫مفهومة بالنسبة لفهمي المحدود‪،‬‬
‫علي"(‪.)3‬‬
‫أنَّه لم يجعلني مدينًا له بقدر كرمه َّ‬
‫فبدال من الخوض يف المتشابه‪ ،‬تذك َّْر المحكم والنِّعم التي ال ُتحصى‪.‬‬
‫ً‬
‫مدين هلل بقدر نعمه عليك‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تخ َّي ْل لو أنَّك‬
‫مدين هلل بقدر المحكمات التي امت َّن عليك هبا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تخيل لو أنَّك‬
‫حق نعمة من نعمه عليك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سجدة ما و َّفيت َّ‬ ‫قضيت عمرك يف‬
‫َ‬ ‫واهلل لو‬
‫التكليف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فسنَّة اهلل يف خلقه‬
‫إذن فالمحكم موجود‪ ،‬والمتشابه موجود‪ُ :‬‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫استدل بما يعلم على ما‬ ‫والفائز َمن‬
‫ُ‬ ‫وسنته يف التكليف خفاء بعض الحكمة‪،‬‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫استدل بالمحكم على المتشابه‪ ،‬والخاسر َمن جعل مما يجهل‪،‬‬ ‫خفي َّ‬
‫ودق‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أي‪ :‬جعل من المتشابه حجا ًبا يحرمه من االستدالل بما يعلم من المحكم‪.‬‬
‫بعضها إال لق َّلة‬
‫فكل آيات اهلل يف القرآن ويف الكون ُمحكمة‪ ،‬وما تشابه ُ‬
‫علمنا‪ ،‬وعدم إحاطتنا بكل المحكم‪.‬‬

‫)‪ (1‬مفتاح دار السعادة‪.321-1 ،‬‬


‫)‪ (2‬صيد الخاطر‪.71 ،‬‬
‫‪(3) Descartes, R., Meditations and Other Metaphysical Writings, p. 16.‬‬

‫‪421‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -3‬لكن ملاذا ال تكون األدلة اكلشمس؟‬


‫ملاذا ال يكون هناك ديلل قاطع حيسم اجلدل ادلائر بني اإليمان واإلحلاد‪،‬‬
‫ويقيض ىلع لك هذه الشبهات؟‬
‫ا‬
‫ملاذا مثل ال نرى اهلل‪ ،‬وباتلايل ينقطع اإلحلاد؟‬
‫ُ ِّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ملاذا ال جند الرسالة اإلهلية صوتا وصورة حبيث ينقطع لسان لك مشكك؟‬

‫أتصور أن جواب هذا السؤال صار مفهو ًما لمن قرأ ما سبق بتأ ُّم ٍل ٍّ‬
‫وتأن‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ج‪:‬‬
‫ظهورا من‬
‫ً‬ ‫أجلى‬
‫فاألدلة المحكمة على صحة الدين هي كالشمس‪ ،‬بل هي ْ‬
‫ٍ‬
‫متشابه وإال لما كان تكلي ًفا‪.‬‬ ‫الشمس يف قلب كل مؤمن‪ ،‬لكن ال بد من وجود‬
‫فالمحكمات والرباهين والبصائر واألد َّلة على صحة الدين هي كالشمس‪،‬‬
‫لكنها ُتستفاد بالنظر والبحث والتأ ُّمل والتف ُّكر‪.‬‬
‫أما الدليل المباشر االضطراري كرؤية الخالق سبحانه بحيث ترى اهلل‬
‫أمامك يف الدنيا‪ ،‬فهذا ليس مقصود اإليمان الذي يرت َّتب عليه الثواب والعقاب‪،‬‬
‫هذا سيكون نو ًعا من اإليمان االضطراري‪.‬‬
‫ستضطر لإليمان بدون تف ُّكر وال نظر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فأنت ساعتها‬
‫إذ كيف تكفر بوجود خالقك لو رأيته؟‬
‫عقلي‪ ،‬وبالتالي ال‬ ‫فهذا النوع من اإليمان االضطراري ال يتع َّلق به ٌ‬
‫عمل‬
‫ٌّ‬
‫يرت َّتب عليه ثواب وال عقاب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إيمان ليس فيه تكليف وال اختبار‬ ‫فاإليمان االضطراري كرؤية الخالق هو‬
‫وال نظر‪.‬‬
‫وهذا النوع من اإليمان ليس هو غاية التكليف‪ ،‬وال معنى التكليف‪ ،‬وليس‬
‫أصال‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫إيمان ً‬

‫‪422‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لما طلب كفار مكة هذا النوع من األد َّلة التي تنقل من إيمان التف ُّكر‬
‫ولذلك َّ‬
‫والنظر إلى إيمان االضطرار أجاهبم اهلل بأن هذا النوع من األدلة ُيقضى معه األمر‬
‫وتنتهي الدنيا‪.‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [األنعام‪.]8 :‬‬
‫الم َلك النتهى األمر‪.‬‬
‫فلو نزل َ‬
‫فأين التكليف بعد نزول الملك؟‬
‫ولذلك قال اهلل تعالى يف اآلية التالية مباشرةً‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [األنعام‪.]1 :‬‬
‫فلو ُفرض أهنم ُأجيبوا لطلبهم وجاءهتم معجزة هبذه الصورة القاطعة‪ ،‬فال بد‬
‫حمالة أوجه‪ ،‬فتلتبس بقدْ ٍر ما على َمن يريد الكفر‪ ،‬حتى يظل‬
‫أن تكون معجزة َّ‬
‫قائما‪.‬‬
‫التكليف ً‬
‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ﴾ [األنعام‪.]1 :‬‬
‫رجلٍ‪ ،‬فيلتبس عليهم ويقولوا‪ :‬سحرنا محمد‪.‬‬
‫لو جاء الملك سيأيت يف صورة ُ‬
‫فاشتباه الربهان ٍ‬
‫بقدر ما هو أمر طبيعي ليكون هناك إيمان وكفر‪.‬‬
‫ولذلك فمعجزات األنبياء لو تد َّبرهتا لوجدت أنَّه ليس فيها اإليمان‬
‫االضطراري‪ ،‬فالكافر قد يتع َّلل بأي متشابه ولو كان سخي ًفا حتى يبقى على كفره‪.‬‬
‫َو َل َل َب ْسنَا َع َل ْي ِهم َّما َي ْلبِ ُس َ‬
‫ون‪ :‬سيكون هناك مربر ولو واه ًيا للمتشابه‪.‬‬
‫وانشق أمامهم‬
‫َّ‬ ‫شق القمر‪،‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬لما طلب كفار قريش من النبي ﷺ َّ‬
‫ماذا قالوا؟‬
‫قالوا‪ :‬سحرنا محمد(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬صحيح الرتمذي‪ ،‬ح‪.5181:‬‬

‫‪423‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالمعجزات واآليات الباهرات ستبقى تحتمل يف ذهن َمن يريد الضالل‬


‫شبه ًة ولو واه ًيا‪.‬‬
‫﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [القمر‪.]1 :‬‬
‫فمن ليس مقصوده اتباع الحق والهدى‪ ،‬وليس مقصوده إال اتباع الهوى‬
‫س ُي ْلبِس الحق َل ُبوس الباطل ولهذا قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [القصص‪.]30:‬‬
‫ٍ‬
‫وآيات‪ ،‬لكنهم‬ ‫ٍ‬
‫محكمات وبراهي َن‬ ‫فلو أرادوا الحق لس َّلموا لما ر َأ ْوا من‬
‫لألسف يتبعون أهواءهم‪.‬‬
‫﴿ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ﴾ [البقرة‪.]998 :‬‬
‫فقد ب َّين اهلل تعالى آياته للموقنين‪.‬‬
‫وسوف تبقى براهين صحة الدين ظاهرة لمن كانوا مع أنفسهم صادقين‪.‬‬
‫وأصل اإليمان هو إيمان بالغيب‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [البقرة‪َّ ]5 :‬‬
‫لكن هذا‬
‫اإليمان بالغيب يستند على أد َّلة عقلية‪ ،‬وبراهين فطرية‪ ،‬ودالئل يقينية وسمعية‬
‫النبوة‪.‬‬
‫قطعية على صحة َّ‬
‫عمل عقله وينظر يف الدالئل‪ ،‬ويحيل المتشابه إلى المحكم‪ ،‬وهبذا‬ ‫والمؤمن ي ِ‬
‫ُ‬
‫حق العبودية‪،‬‬
‫هز ُه شبهة‪ ،‬ويصبح عابدً ا لربه سبحانه َّ‬ ‫ٍ‬
‫بيقين ال َت ُّ‬ ‫متبصرا‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫رب سواه‪،‬‬ ‫حق المعرفة‪ ،‬و ُيس ِّلم له يف أمره وهنيه‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫أن اهلل سبحانه ال َّ‬ ‫فيعرفه َّ‬
‫صالحنا‪ ،‬وهنانا بحكمته عما فيه هال ُكنا‪ ،‬فهو سبحانه‬
‫ُ‬ ‫خلقنا وك َّلفنا وأمرنا بما فيه‬
‫تقديرا‪ ،‬وهذا هو إيمان المؤمنين‬
‫ً‬ ‫مالك كل شيء‪ ،‬خلق كل شيء فقدَّ ره‬
‫المتلوة أو المنظورة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الصادقين الذين يزدادون إيمانًا مع كل آية من اآليات‬
‫المحكمة أو المتشاهبة‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [التوبة‪.]913 -912 :‬‬
‫َّ‬
‫‪ -4‬هل يمكن أن تؤدي الشبهات بذاتها إىل الردة عن اإلسلم؟‬
‫لشب ٍ‬
‫أن ُتو ِّلد ً‬
‫كفرا‪.‬‬ ‫تضخمت يف عقل مسلم ْ‬
‫َّ‬ ‫هات مهما‬ ‫ج‪ :‬ال يمكن ُ ُ‬
‫نعم قد ُتو ِّلد قل ًقا عند غير الناظر يف النصوص‪ ،‬وقد ُتو ِّلد أزم ًة نفسي ًة عند‬
‫ْ‬
‫ً‬
‫وإهماال‬ ‫الجاهل الذي ال يعرف الر َّد على الشبهة‪ ،‬وقد ُتو ِّلد ُبعدً ا عن الدين‪،‬‬
‫لبعض الطاعات‪ ،‬نعم الشبهة قد تفعل َّ‬
‫كل هذا؛ لضحالة العلم الشرعي عند‬
‫أن ُتو ِّلد ً‬
‫كفرا بذاهتا فهذا ال يمكن!‬ ‫المفتون بالشبهة‪ ،‬ولق َّلة دينه‪ ،‬إما ْ‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ﴾ [القصص‪.]30 :‬‬
‫إن لم يستجيبوا لك فالمشكلة يف تع ُّلقهم باألهواء‪ ،‬ال يف ُش ُبهاهتم أو يف‬
‫قصور أد َّلتك‪.‬‬
‫الطبيعي الذي يريد الحق والنجاة إذا أتته شبهات مهما عظمت‬
‫ُّ‬ ‫فالشخص‬
‫لق َّلة علمه‪ ،‬فإنَّه ال يمكن أن يرتك الدين التوحيدي األوحد (اإلسالم) ال يمكن‬
‫أصال ليذهب إليه‪.‬‬
‫آخر ً‬
‫حق ُ‬ ‫أن يرتك هذا الدين المت َِّفق مع فطرته؛ ألنه ليس هناك ٌّ‬
‫فليس على األرض وليس عند البشر إال شركيات األولين‪ ،‬وجنون اإللحاد‪،‬‬
‫رابع‪.‬‬
‫خيار ٌ‬
‫وتوحيد اإلسالم‪ ،‬ليس عند البشر ٌ‬
‫﴿ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾‬
‫[القصص‪.]21:‬‬
‫فليس إال اإلسالم‪ ،‬فكيف يد ُع ُه اإلنسان؟‬
‫ٍ‬
‫هادئ لن يبقى لها أثر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وببحث‬ ‫فأمرها يسير‪،‬‬
‫أما الشبهات ُ‬

‫‪425‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فلن يك ُف َر إنسان برب العالمين‪ ،‬وبنبيه األمين ﷺ‪ ،‬ويكفر بفطرته وبضرورات‬


‫ٍ‬ ‫عقله‪ ،‬بحجة َّ‬
‫أن عنده شبه ًة يف مسألة ما يف أحد األبواب‪ ،‬هذا ال ُي َّ‬
‫تصور‪.‬‬
‫فالتسليم هلل الخالق الرازق المنفرد بالملك والسلطان على جميع ما يف‬
‫الوجود‪ ،‬هذا أصل الفطرة‪ ،‬وعنوان الضرورة العقلية‪ ،‬بل هو أصل كل ضرورة‪،‬‬
‫فأعرف المعارف‪ :‬التسليم هلل‪.‬‬
‫َ‬
‫ومِن غير اهلل تستحيل المعرفة ً‬
‫أصال‪ ،‬فهل يكفر إنسان بكل هذا لمجرد أن‬
‫شبه ًة ال يعرف لها جوا ًبا؟‬
‫﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [إبراهيم‪.]90 :‬‬
‫َتددددا َعجبددددا َتدددد َ هيعصددددَ كإل َلددددد دددددد هه َأ َتددددد َ َي َ‬
‫جحدددددده هه كلجاحدددددده‬
‫َمدددددددددده ُّل َععدددددددددَ َأ ددددددددد هه وكحدددددددددده‬ ‫ٍ‬
‫ددددددددتء َلدددددددد هه َآيدددددددددة‬ ‫َوا هددددددددل َش‬
‫َومَسدددددددددددكتن ٍَة َأ َبددددددددددددك شدددددددددددا ده‬ ‫ٍ‬
‫ددددددددددة‬ ‫َولعددددددددددده ا ه دددددددددددل مَحطي َكد‬
‫كيف ُيكفر باإلسالم‪ ،‬وال يكون التسليم هلل والخضوع التام واإلذعان‬
‫الكامل لرب العالمين إال يف هذا الدين اإلسالم‪ ،‬وهو دين محمد بن عبد اهلل ﷺ‪،‬‬
‫يبق على وجه األرض على‬
‫ودين األنبياء جمي ًعا‪ ،‬وهو الدين التوحيدي الذي لم َ‬
‫التوحيد غيره‪.‬‬
‫فاإلسالم هو الفطرة اإلنسانية‪.‬‬
‫فهل ُيعقل أن ُيرتك هذا الدين‪ ،‬ويرتد اإلنسان لمجرد َّ‬
‫أن شي ًئا يخفى عليه‬
‫ٍ‬
‫مسألة من المسائل؟‬ ‫فهمه يف‬
‫فأنَّى تصرفون؟ أين تذهبون بعد اإلسالم؟‬
‫﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [يونس‪.]51 :‬‬
‫ماذا يتبقى لهم بعد اإلسالم؟‬
‫مثال؟‬
‫هل سيؤمنون بشركيات ً‬

‫‪426‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أم سيؤمنون بجنون اإللحاد؟‬


‫تخ َّي ْل إنسانًا يلحد‪ ،‬فينكر الضرورات العقلية كضرورة السببية‪ ،‬ويؤمن َّ‬
‫بأن‬
‫هذا العالم بكل نواميسه وبكل حدوده الحرجة ظهر فجأ ًة بال خالق؟‬
‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻ﴾ [الطور‪ ]53 -53 :‬سورة الطور أو ينكر ضرورة اإلتقان يف كل شيء؟‬
‫اإلتقان يف جسده‪ ،‬ويف طعامه‪ ،‬ويف شرابه‪ ،‬ويف السماء واألرض‪ ،‬ويف كل ما‬
‫حوله‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [عبس‪.]12 :‬‬
‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الطارق‪.]3 :‬‬
‫﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [الذاريات‪.]19 -10 :‬‬
‫فكيف ينكر إنسان ما ال حصر له من براهين اإلتقان؟‬
‫تخ َّي ْل مصن ًعا فيه ُ‬
‫ألف عامل يعملون منذ عشرات السنوات بمنتهى اإلتقان‪،‬‬
‫وهذا المصنع ليس له َمن يديره أو يقوده أو يدبر أمره‪ ،‬بل هو يف حقيقة األمر‬
‫أمرا كهذا؟‬
‫ظهر فجأ ًة هل تتخ َّيل ً‬
‫تتصور مصن ًعا عمال ًقا بحجم الكون يظهر فجأةً‪ ،‬ثم يعمل بحدود‬
‫َّ‬ ‫فكيف‬
‫حرجة‪ ،‬وضبط مبهر منذ مليارات السنوات بال مدبر وال قيوم‪ ،‬بل وبال موجد له‬
‫من البداية‪ ،‬هل هذا يعقله عاقل؟‬
‫مدبرا خال ًقا ً‬
‫قديرا‪.‬‬ ‫أنت تعلم بفطرتك َّ‬
‫أن لهذا العالم ً‬
‫ٍ‬
‫أخالقية‪ ،‬وهذا‬ ‫وتعلم بفطرتك أنَّك ُمك َّلف؛ إذ يجب عليك أن تلتزم ٍ‬
‫بقيم‬
‫أيضا‪ ،‬ف ُتقر بأنه من األفضل أن‬
‫ليس إلزا ًما خارج ًّيا فحسب‪ ،‬بل هو إلزام داخلي ً‬
‫تكون صاد ًقا أمينًا حتى ولو لم تكن كذلك‪ ،‬وأنت ً‬
‫دائما تعاين من وخز الضمير‬
‫شعورا فطر ًّيا داخل ًّيا بضرورة شكر َمن‬
‫ً‬ ‫األخالقي‪ ،‬ثم قبل هذا أنت ُتقر َّ‬
‫بأن هناك‬
‫خلقك ورزقك وتلجأ إليه يف حاجتك وضيقك‪ ،‬فأنت تعلم بفطرتك وقت‬

‫‪427‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫االضطرار والكرب أنه لن ينجيك إال خالقك‪ ،‬فبضميرك الفطري تعلم َّ‬
‫كل هذا من‬
‫نفسك‪ ،‬وكل البشر على هذه الفطرة التكليفية‪ ،‬فكلنا مكلفون؛ سوا ًء شئنا أم أ َب ْينا‪.‬‬
‫ابن لهذه الطبيعة‪ ،‬يؤمن أنَّه حيوان‪،‬‬ ‫وليس هناك إنسان يؤمن يف قرارة نفسه أنَّه ٌ‬
‫يتصرف وقت الجد‬ ‫ٍ‬
‫شراسة‪ ،‬لكنه ككل البشر‬ ‫حتى ولو كان يدافع عن المادية بكل‬
‫َّ‬
‫قيما أخالقية ُمطلقة‪ ،‬وكرامة إنسانية‪ ،‬فالكل‬ ‫أن هناك ً‬ ‫على أنَّه مخلوق هلل‪ ،‬وعلى َّ‬
‫يتصرف بنا ًء على هذا‪ ،‬بل ويتحاكم لهذه القيم األخالقية المطلقة‪ ،‬فيستطيع‬
‫اإلنسان أن ُيصدر األحكام األخالقية على األفعال البشرية بكل سهولة ويقين‪،‬‬
‫فيصف السرقة أهنا جريمةٌ‪ ،‬ويصف تقديم يد المساعدة للمحتاج أهنا خير‪.‬‬
‫فهذه قيم أخالقية مطلقة فطرية تكليفية‪ ،‬ال ينكرها إنسان وال يستطيع حتى‬
‫الملحد أن ُيعاندها‪.‬‬
‫مخلوق هلل ُمك َّلف‪ ،‬وليس على أنَّه حيوان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فالجميع مفطور على أنه‬
‫ٍ‬
‫معان مغايرة لإللحاد تما ًما‪.‬‬ ‫فنحن مفطورون على‬
‫كل هذه الضرورات الفطرية والعقلية من أجل شبهة لم يفهمها إنسان؟‬‫فهل ُترتك ُّ‬
‫مربرا للكفر إطال ًقا‪.‬‬
‫ال واهلل‪ ...‬ليست الشبهة ً‬
‫المربر الوحيد لإللحاد والكفر برب العالمين هو الهوى!‬
‫هو رغبة الكفر!‬
‫وإنما ُتستخدم الشبهات كغطاء ُ‬
‫وحجة ال أكثر‪.‬‬
‫ولو قارنت بين الشبهات التي يثيرها المالحدة وبين الرباهين التي ال حصر لها‬
‫على النبوة‪ ،‬ودالئل صدق الرسالة‪ ،‬ستعرف مقدار جنون الموقف اإللحادي‪.‬‬
‫كيف يرتك ٌ‬
‫عاقل رسال ًة إلهية متفقة مع فطرته‪ ،‬ومتفقة مع حاجته؟‬
‫فك ُّلنا يحتاج هذه الرسالة أع َظ َم من حاجته لكل شيء‪ ،‬فالرسالة اإللهية توضح‬
‫لك‪ :‬لماذا أنت هنا‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫توضح لك‪ :‬لماذا يجب أن تفعل الخير‪.‬‬


‫توضح لك‪ :‬مصدر فطرتك األخالقية‪ ،‬وفطرتك الدينية‪.‬‬
‫و ُت ّ‬
‫عرفك بما يلزمك من العبودية هلل سبحانه‪.‬‬
‫وهذه الرسالة اإللهية ُمؤ َّيدة بما ال حصر له من الرباهين‪.‬‬
‫والسنة الصحيحة‪ :‬كم من معجزة وآية دا َّلة على صحة الرسالة‪.‬‬
‫انظر يف القرآن ُّ‬
‫حدث ال يقع إال على يد نبي‪ ،‬جرى على يده ﷺ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتد َّب ْر كم من‬
‫وبحثت عن جواب شبهتك‪ ،‬فقضية‬ ‫َ‬ ‫كنت منص ًفا َلس َّل َ‬
‫مت بنبوته ﷺ‪،‬‬ ‫فلو َ‬
‫ٍ‬
‫بشبهات أبدً ا‪.‬‬ ‫الكفر ليست‬
‫مثال يف دين‬
‫تناقض ً‬
‫ٌ‬ ‫بل العجيب َّ‬
‫أن أصل كل الشبهات يف اإلسالم ليس منها‬
‫ٌ‬
‫محال‪ ،‬ولم يستطعه ملحد على شدة حرصهم على تكذيب القرآن‪،‬‬ ‫اهلل‪ ،‬فهذا‬
‫وإنما منتهى الشبهات التي ُتثار‪ ،‬والتي ُتعقد فيها المناظرات هي تقديم ً‬
‫لهوى‬
‫شرعي يف مسألة‪ ،‬هذا منتهى شبهات البشر يف دين اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حكم‬ ‫عقلي على‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫لهوى يراه طارح‬‫فش ُبهاهتم مجرد اعرتاض على بعض األحكام الشرعية ً‬ ‫ُ‬
‫العقليين‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ِ‬ ‫الشبهة‪ ،‬كهوى التحسين والتقبيح‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [غافر‪.]33 :‬‬
‫فهذا منتهى ما عندهم‪ :‬كِرب النَّ ْفس‪.‬‬
‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [ ُف ِّص َلت‪.]20 :‬‬
‫﴿ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ﴾‪ :‬فاهلل يعلم أهنم ما ارتدُّ وا إال لهوى قلوهبم‪.‬‬
‫شرعي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫نص‬ ‫ذهني معين على ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫لتصو ٍر‬
‫ُّ‬ ‫تغليب‬
‫ٌ‬ ‫فمنتهى الشبهات هو‬
‫فهذا منتهى الشبهات يف اإلسالم‪ ،‬وكل مرتد يعلم ذلك من نفسه‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [القيامة‪.]93 -93 :‬‬

‫‪429‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فكل إنسان على نفسه بصيره‪ ،‬حيث يعلم يف قرارة نفسه السبب الحقيقي‬
‫لكفره ور َّدته‪.‬‬
‫ؤت من قِبل الشبهات‪ ،‬وإنما ُأويت من قِبل خ َّفة عقله‪ ،‬وهوى‬
‫فالمرتد لم ُي َ‬
‫نفسه‪ ،‬وتقديمهما على شرع ربه‪.‬‬
‫فدين اهلل كامل ليس فيه تناقض واحد‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [النساء‪.]81 :‬‬
‫وبراهين صحة الرسالة قطعية‪ ،‬وهي براهين قائمة على أصول معرفية‬
‫وفطرية‪ ،‬وضرورات عقلية‪.‬‬
‫شرعي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫نص‬
‫هوى على ٍّ‬ ‫وليست الشبهات يف اإلسالم إال لتغليب ً‬
‫يسير ِ‬
‫ين؛ لتفهم الرد على الشبهة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبحث‬ ‫تجر ٍد‬
‫َ‬ ‫ولست تحتاج ألكثر من ُّ‬
‫َ‬
‫توهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إشكال ُم َّ‬ ‫ويختفى كل‬
‫ولذلك لم ينشغ ِل السلف بالرد على الشبهات كما ننشغل نحن!‬
‫تخ َّي ْل أن الصحابة تركوا نشر اإلسالم يف العالم‪ ،‬وانشغلوا بالرد على كل‬
‫ٍ‬
‫مسفسط متكربٍ على‬ ‫ٍ‬
‫جدل ال ينتهي مع كل‬ ‫شاردة وواردة يف دين اهلل‪ ،‬وخاضوا يف‬
‫واهتموا بتفريع كل حكم شرعي؛ ليرضوا كل متفلسف‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫رب العالمين‪،‬‬
‫هل تتخ َّيل أهنم كانوا سيجدون الوقت لنشر الدعوة‪ ،‬وإيصال اإلسالم للعالم؟‬
‫الناس ال يحتاجون إلى كل هذا!‬
‫الناس ال يحتاجون إلى تفنيد كل شاردة وواردة‪.‬‬
‫الناس يحتاجون يف واقع األمر للحق‪ ،‬وسيتو َّلد لديهم دفع ذايت لكل شبهة‪،‬‬
‫وألي شبهة‪.‬‬
‫بينما المسفسطون يف الجهة الثانية لو أتيتهم بكل آية وجدل وتفنيد لن ينتهوا‬
‫من جدلهم؛ ألهنم يريدون اتباع المتشابه ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫‪430‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [الكهف‪.]32 :‬‬
‫َّاس مِن ُك ِّل َم َثلٍ‪ :‬فالقرآن فيه جواب كل‬
‫آن لِلن ِ‬
‫و َل َقدْ صر ْفنَا فِي َهـ َٰذا ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫إشكال‪ ،‬وفيه ر ُّد كل متشابه إلى محكمه‪ ،‬لك َّن مبتغي الجدل لن تظفر منه بإعالن‬
‫ٍ‬
‫انكسار لشرع رب العالمين‪ ،‬سيبقى مسفس ًطا إلى ما شاء اهلل‪.‬‬
‫مربرا‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫إذن فالشبهات بذاهتا لم تكن ولن تكون ُمشكلةً‪ ،‬ولم تكن ولن تكون ً‬
‫للكفر أو لإللحاد‪ ،‬وما الر ُّد على الشبهات الذي يقوم به األفاضل من أهل العلم‬
‫إال لطمأنة َمن أراد الحق‪ ،‬وك ْبت من أراد نشر الباطل‪ ،‬وإللزام كل من تع َّلل على‬
‫ضالله بشبهة‪.‬‬
‫فالمشكلة الجوهرية يف ملف الر َّدة عن دين اهلل هي فقط يف هوى النفس!‬
‫ْ‬
‫إذن أكرب دعائم اإللحاد على اإلطالق هو‪ :‬الهوى‪.‬‬
‫فمصدر الكفر عند بني آدم هو يف الهوى الذي يؤدي للكذب على اهلل‪﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ﴾ [المؤمنون‪.]10 :‬‬
‫فأمر الهوى خطير؛ ولذلك قال اهلل ‪﴿ :‬ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹ﴾ [القصص‪.]30 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾‬
‫[الكهف‪.]18 :‬‬
‫عز مِن قائلٍ‪﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [ص‪.]13 :‬‬
‫وقال َّ‬
‫وقال النبي ﷺ‪" :‬إن مما أخشى عليكم‪...‬مضالت الهوى"(‪.)1‬‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ولذلك‬ ‫ك؛‬ ‫فالذي يضعف لهواه يفتن مع الوقت فيهلِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫هوى ُمتبع‪.) 2("...‬‬ ‫ٌ‬
‫وثالث مهلكات‪ً :‬‬ ‫"‬
‫(‪ )1‬صحيح الرتغيب‪.31 ،‬‬
‫)‪ (2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.5051:‬‬

‫‪431‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نفسه وهواه‪ ،‬كما قال النبي ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬


‫الرجل َ‬ ‫ولذلك كان أفضل الجهاد أن يجاهد‬
‫"أ ضل كلج ا أن يجا د كلطجل يفسه و وكه"(‪.)1‬‬
‫مهد للشبهات طري ًقا إلى القلب‪.‬‬
‫فالهوى أمره خطير‪ ،‬وهو الذي ُي ّ‬
‫ً‬
‫راسخا من‬ ‫ومن غرائب أثر الهوى على النفس أنَّه ُيس ِّيل المطلق‪ ،‬فما كان‬
‫يهتز مع الوقت بسبب الهوى‪.‬‬ ‫ورضا بقضاء اهلل‪ُّ ،‬‬
‫نفس‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬
‫إيمان واطمئنان ٍ‬
‫فالهوى ُيضعف اليقين ذات ًّيا‪.‬‬
‫ف نفسه أمام الشبهة‪ ،‬فإذا‬
‫ولذلك تجد اإلنسان يف لحظات المعصية تض ُع ُ‬
‫استغفر وأقلع عن الذنب هتاوت الشبهات لذاهتا‪ ...‬سبحان اهلل‪.‬‬
‫فالهوى بريد الشبهة‪.‬‬
‫علي ﭬ‪" :‬وأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق"(‪.)2‬‬
‫قال ٌّ‬
‫ْ‬
‫اضبط شهواتك‪.‬‬ ‫لذلك قبل أن تبحث عن جواب شبهة‬
‫فضبط الشهوة أول ٍ‬
‫باب لضبط الشبهة‪.‬‬
‫وعليك أن ترضى بشرع ربك ولو خالف هوى نفسك‪ ،‬فال ُتغ ِّلب هوى‬
‫نفسك على ُمراد ربك‪.‬‬
‫﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [األنفال‪.]37 :‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [القيامة‪.]10 :‬‬
‫وضبطت شهواتك‪ ،‬وس َّلمت لمراد ربك‬ ‫َ‬ ‫التزمت بما أراد اهلل منك‪،‬‬
‫َ‬ ‫فلو‬
‫جل شبهاتِك ذات ًّيا‪.‬‬
‫الختفت ُّ‬
‫فالفروض العقلية التي توضع يف مقابل النص الشرعي ليس لها معنًى‪ ،‬فلله‬
‫التوهمات العقلية التي ُتو ِّلد الشبهات‬
‫ُّ‬ ‫الحكمة البالغة يف كل ما شرع‪ ،‬وأغلب‬

‫)‪ (1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.9011:‬‬


‫)‪ (2‬رواه اإلمام أحمد يف الزهد‪ ،‬ح‪.577‬‬

‫‪432‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لهوى يسترت يف النفس‪ ،‬وكِ ْبر يعصف بالعقل‪.‬‬


‫هي ر َّدة فعل نفسية ً‬
‫ُ‬
‫‪ -5‬كيف يضخم اهلوى الشبهة؟‬

‫ج‪ :‬تخ َّي ْل إنسانًا تضخمت الدنيا يف عقله‪ ،‬وصارت أكرب همه‪ ،‬وبالتالي‬
‫تضاءلت اآلخرة‪.‬‬
‫هذا الشخص لن يستوعب الجهاد‪ ،‬لن يستوعب أن ُيضحي اإلنسان بنفسه‪،‬‬
‫ويضحي بالدنيا العظيمة يف مقابل اآلخرة الصغيرة يف عقله‪.‬‬
‫فالدنيا صارت أكرب همه‪.‬‬
‫تشريع الجهاد‪ ،‬وتظهر عنده الشبهة!‬
‫ُ‬ ‫فيشق على مثل هذا جدًّ ا‬
‫ُّ‬
‫يف حين أنَّه لو بدأ يعود لربه‪ ،‬وينظر لألمور يف حقيقتها‪ ،‬ويرى الدنيا على أهنا‬
‫تلك القنطرة التافهة يف مقابل آخرة أبدية‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [الكهف‪.]23 :‬‬
‫فالدنيا شيء عرضي بسيط يف مقابل آخرة أبدية‪.‬‬
‫بديهي‪،‬‬ ‫أمر‬ ‫لو عادت األمور لنصاهبا الطبيعي‪ ،‬سيرى ساعتَها َّ‬
‫أن الجهاد ٌ‬
‫ٌّ‬
‫وسيرجو من اهلل أن ُيرزق شهاد ًة يف سبيله‪.‬‬
‫أصال‪.‬‬
‫وبالتالي لن يكون لشبهة الجهاد وجود ً‬
‫فروض ُه العقلية‪ ،‬وال يغرت بتخيل عقلي يضعه يف‬
‫ُ‬ ‫صاحب الشبهات‬
‫َ‬ ‫فال ُت َّ‬
‫غرين‬
‫سخر من فروضه‬‫مقابل نص شرعي؛ ألنه لو ضبط نظرته‪ ،‬وضبط شهوته َل ِ‬

‫العقلية التي يضعها يف مقابل تشريع اهلل‪.‬‬


‫شخص آلخر‪ ،‬فكل إنسان‬ ‫ٍ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن الفروض العقلية يف طبيعتها تتفاوت من‬
‫وغيره ُيخ ِّطئه يف هواه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫غير ِه‪ ،‬فيرى أن هواه أقرب للحق‪،‬‬
‫ُيقدِّ م هواه على هوى ِ‬
‫األولى بالحق‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ويرى أنه هو ْ‬

‫‪433‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ﯫ ﯬ﴾ [المؤمنون‪.]79 :‬‬
‫نتصور‪.‬‬
‫َّ‬ ‫فمعطيات الفروض العقلية متفاوتة للغاية ومتناقضة ألبعد ما‬
‫التورط يف صناعة‬ ‫والفروض العقلية ال تملك أي ٍ‬
‫عتاد حقيقي يمنعها من‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫الخرافة واألسطورة والوهم والهالوس‪.‬‬
‫فالفروض العقلية تأيت بالشيء ونقيضه‪ ،‬فهي‪ :‬تبني وهتدم‪ ..‬ترفع وتخفض‪..‬‬
‫تؤله وتوثن‪.‬‬
‫وللفروض العقلية أقيسة الهنائية؛ ألن أصل مبناها الهوى‪.‬‬
‫يقول كبع هـتتبة ‪" :‬وقد كان يجب مع ما يدَّ عونه ‪-‬يف تقديسهم‬
‫والمهندسون؛‬
‫والم َّساح ُ‬ ‫للفروض العقلية‪َّ -‬أال يختلفوا كما ال يختلف ُ‬
‫الح َّساب ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬فما با ُلهم أكثر الناس اختال ًفا؟‬ ‫تدل إلى على ٍ‬
‫عدد‬ ‫ألن آالهتم ال ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد"(‪.)1‬‬ ‫ال يجتمع ِ‬
‫اثنان من رؤسائهم على ٍ‬
‫أمر‬
‫كلغزكلت ‪" :‬فإن خبطهم طويل‪ ،‬ونزاعهم كثير‪ ،‬وآراؤهم‬ ‫وـال ت‬
‫منتشرة‪ ،‬و ُط ُرقهم متباعدة متدابرة"(‪.)2‬‬
‫والتصور الفردي؛ لذا هي متفاوتة أشد التفاوت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فالفروض العقلية مبناها الهوى‬
‫خير مما يجمعون‬
‫النبوة والرسالة‪ ،‬وكل ما فيها ٌ‬
‫فرحمة اهلل الكربى هي َّ‬
‫بفروضهم العقلية المختالة‪.‬‬
‫أن له بفروضه العقلية ُحج ًة على ضالله يوم القيامة فهو واهم‪:‬‬‫ومن ظن َّ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [الشورى‪.]93 :‬‬
‫﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [األنعام‪.]12 :‬‬
‫)‪ (1‬تأويل مختلف الحديث‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫)‪ (2‬هتافت الفالسفة‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪434‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ٍ‬
‫واهية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عقلية‬ ‫ٍ‬
‫بفروض‬ ‫فقد كذبوا على أنفسهم‬
‫َو َض َّل َعن ُْهم َّما كَا ُنوا َي ْفت َُر َ‬
‫ون‪ :‬لن تستقيم لهم عند اهلل ُح َّجة‪.‬‬
‫أحكم أو‬
‫ُ‬ ‫وما أعجب أن يفرتض اإلنسان بوهم عقله على شرع ربه‪ ،‬فهل هناك‬
‫أعلم من شرع رب العالمين؟ ﴿ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾‬ ‫ُ‬
‫أعدل أو ُ‬
‫[المائدة‪.]30 :‬‬
‫فهو سبحانه الخالق وهو األعلم بما يصلح العباد‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]92 :‬‬
‫ٌ‬
‫مفتون‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫ولذلك ال ُيغلب هواه على شرع اهلل إال‬
‫ﯬﯭﯮ﴾ [محمد‪.]1 :‬‬
‫فال نجاة إال بالتسليم الكامل للنص الشرعي‪ ،‬والرضا بحكم اهلل وأمره‪.‬‬
‫﴿ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [هود‪ ]991 :‬وليس كما هتوى‪.‬‬
‫جئك به"(‪.)1‬‬
‫هون وك هه مبعا ل َِّا ه‬
‫يؤمع أحده حتَ َيك َ‬
‫ه‬ ‫وقال النبي ﷺ‪" :‬ـ‬
‫فيكون تسليمك التام لكل ما أمر به اهلل و ُتس ِّلم لشرعه‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ﴾ [النور‪.]39 :‬‬
‫مثال حج ًة ُت ِّ‬
‫كذ ُب هبا‬ ‫ْ‬
‫تحط بعلمه من الحكمة يف تشري ٍع ما ً‬ ‫وال تجعل ما لم‬
‫دين ربك‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [يونس‪.]51 :‬‬

‫‪ -6‬كيف أتعامل مع شخص يطرح شبهة ما؟‬

‫طارح الشبهة‪ ،‬هل هو مسلم‬


‫َ‬ ‫ج‪ :‬قبل أن ُتجيب عن أي شبهة عليك أن تعرف‬
‫أم ملحد؟‬
‫فهناك فرق جوهري يف التعامل مع الشبهة لو كان طارح الشبهة ملحدً ا‪.‬‬

‫)‪ (1‬األربعون النووية‪ ،‬درجة الحديث‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فأنت هنا هتدم له إلحاده قبل أن تجيب عن شبهته‪.‬‬


‫بل ُت ِ‬
‫دمدم له إلحاده‪ ،‬تستأصل اإللحاد من قلبه قبل أن تجيب عن شبهته‪،‬‬
‫وإال ما و َّفيت اإلجابة ح َّقها‪.‬‬
‫ِ‬
‫دماغه هي نفس‬ ‫وذرات‬
‫فالملحد هو ابن الطبيعة‪ ،‬وابن العالم المادي‪َّ ،‬‬
‫ذرات المادة‪ ،‬وتحكمه نفس قوانين المادة‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫َّ‬
‫أليست هذه نظرة الملحد للطبيعة ولنفسه؟‬
‫فاإللحاد يقتضي أنَّه ال فرق بين اإلنسان وبين المادة‪ ،‬فالقوانين التي تحكم‬
‫اإلنسان هي القوانين نفسها التي تحكم الحجر‪ ،‬كما يقول الالأدري كارل ساجان (‪.)1‬‬
‫فاإلنسان إلحاد ًّيا تحكمه قوانين مادية صارمة‪ ،‬فهو إلحاد ًّيا مجرد كائن‬
‫تصرفاته هي‬
‫جربي يخضع لقوانين المادة‪ ،‬وكل ما يفعله هي أفعال جربية‪ ،‬وكل ُّ‬
‫مجرد معادالت حتمية ليس لها اختيار‪ ،‬فليس يف الطبيعة إال قوانين مادية تحكم‬
‫َّ‬
‫كل شيء من حولنا وداخل أدمغتنا‪.‬‬
‫صحيحا فنحن لسنا أكثر من خط سير لمجموعة من‬
‫ً‬ ‫لو كان اإللحاد‬
‫المعادالت‪.‬‬
‫ولذلك الملحد األمريكي الشهير سام هاريس له ُكتيب بعنوان "اإلرادة‬
‫الحرة ‪ "Free Will‬يقول فيه َّ‬
‫إن‪ :‬اإلرادة الحرة مجرد َو ْهم‪.‬‬
‫ويؤكد أننا إلحاد ًّيا نعيش يف عالم حتمي جربي ليست فيه اختيارية أو إرادة‬
‫حرة‪.‬‬

‫‪)1( Human is essentially the same laws and constants are required to make a rock.‬‬
‫‪, Carl Sagan Pale Blue Dot: A Vision of the Human Future in Space.‬‬

‫‪436‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ٍ‬
‫شبهات؟‬ ‫أن هناك‬ ‫إذن أ ُّيها الملحد فهمت َّ‬
‫و نا يظ ط كلسؤكل‪ :‬كيف ْ‬
‫أصال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شبهات ً‬ ‫صحيحا فأنت لن تفهم َّ‬
‫أن هناك‬ ‫لو كان اإللحاد‬
‫ً‬
‫ألن الشبهة تعني َّ‬
‫أن شي ًئا‬ ‫صحيحا لن تشعر بوجود الشبهة؛ َّ‬‫ً‬ ‫لو كان اإللحاد‬
‫قد حصل‪ ،‬ولم يكن من المفرتض أن يحصل‪ ،‬هذا معنى الشبهة‪.‬‬
‫فمعنى الشبهة‪َّ :‬‬
‫أن شي ًئا قد حدث أو قد ُكتب يف نص شرعي ُمقدَّ س‪ ،‬ولم‬
‫يكن من المفرتض أن َيحدث أو أن ُيكتب‪.‬‬
‫والواقع أنَّه ال وجود للشبهة يف عالم حتمي جربي‪.‬‬
‫فال وجود للشبهة‪ ،‬وال معنى للشبهة يف عالم تحكمه قوانين حتمية‪ ،‬فداخل‬
‫العالم المادي الجربي الحتمي‪ ،‬محل األحداث هو المحل نفسه الذي تسير‬
‫عليه القوانين الفيزيائية‪.‬‬
‫ونقول الكالم نفسه يف السلوك البشري‪ :‬محل كل حدث يف السلوك البشري‬
‫سيكون هو المحل نفسه الذي تسير عليه فيزياء حركة الذرات‪.‬‬
‫ذرة تخالف قانونًا فيزيائ ًّيا‪ ،‬فكل ذرة يف دماغك‪ ،‬ويف دماغ‬
‫وبما أنَّه ال توجد َّ‬
‫أي مجرم‪ ،‬ويف دماغ أي ُمصلِح‪ ،‬تسير بقوانين فيزيائية ثابتة صارمة‪ ،‬وتسير‬
‫بقوانين جربية‪ ،‬وليس هناك ذرة تسير يف اتجاه يخالف فيزياء الذرات‪ ،‬فلو‬

‫‪437‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ملحا وما ًء‪ ،‬ولو‬


‫حامضا إلى قاعدي يف أي معمل؛ فإن النتيجة ستكون ً‬
‫ً‬ ‫أضفت‬
‫أعدت التجربة مليار مرة ستحصل على النتيجة نفسها‪.‬‬
‫َ‬
‫ومخك تحكمه نفس هذه القوانين الفيزيائية الصارمة‪.‬‬
‫إذن بما أنَّه ال توجد ذرة تخالف قانونًا فيزيائ ًّيا‪ ،‬وبما َّ‬
‫أن محل كل حدث‬ ‫ْ‬
‫سوا ًء يف العالم الطبيعي‪ ،‬أو يف السلوك البشري‪ ،‬أو يف المخ‪ ،‬هو المحل نفسه‬
‫الذي تحدده فيزياء حركة الذرات‪ ،‬فبالتالي لن يكون هناك أي اختيارية‪.‬‬
‫ِ‬
‫فمن أين عرفت َّ‬
‫أن هناك شبهةً؟‬
‫وكيف توجد شبهة من األساس؟‬
‫فقول الملحد أو صاحب الشبهة‪َّ :‬‬
‫إن شي ًئا قد حدث‪ ،‬أو قد ُكتب يف نص‬
‫شرعي مقدس‪ ،‬ولم يكن من المفرتض أن َيحدث أو أن ُيكتب‪ ،‬هذا الكالم يعني‬
‫وأن هناك حرية إرادة‪َّ ،‬‬
‫وأن هناك احتماالت لألحداث‪ ،‬وهذا‬ ‫أن هناك اختيارية‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫الكالم ال وجود له إال إذا كنا مكلفين مخيرين‪.‬‬
‫فال يقول الملحد بوجود الشبهة إال ألنه يعلم بفطرته َّ‬
‫أن اإلنسان عنده حرية‬
‫واختيارية‪ ،‬ويمكنه أن يفعل كذا أو ال يفعل كذا‪.‬‬
‫ألن العالم إنساين وليس عا َل ًما جرب ًّيا‪،‬‬
‫ال يقول الملحد بوجود الشبهة إال َّ‬
‫فاإلنسان ُمخ َّير ويعلم بفطرته أنَّه مخير‪ ،‬وعلى أساس هذه الفطرة التخييرية يستوعب‬
‫أن هناك شبهات‪ ،‬ويستوعب َّ‬
‫أن أشياء كان من الممكن َّأال تحصل‪.‬‬ ‫الملحد َّ‬
‫عالما‬
‫ً‬ ‫فالملحد بطرحه للشبهات‪ ،‬وكأنه يقرر ويعرتف ويصرح َّ‬
‫أن هناك‬
‫اختيار ًّيا تكليف ًّيا بجوار العالم المادي‪.‬‬
‫دليل ٍ‬
‫كاف إلسقاط إلحاده من قلبه‪.‬‬ ‫وهذا ٌ‬
‫إذ لو كان العالم مجرد معادالت حتمية وأرقام جربية فـ‪ :‬كل الجرائم التي‬
‫ُترتكب هي نتاج رياضيات ُمع َّقدة يف الدماغ‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫كنت‬
‫أصال‪ ،‬وما َ‬
‫ً‬ ‫أن هناك جرائم‬‫لتعرف َّ‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫ولو كان األمر كذلك ما َ‬
‫لتعرف أن هناك صوا ًبا أو خط ًأ‪ ،‬وبالتالي ما كنت لتقرر َّ‬
‫أن هناك شبهات‪.‬‬ ‫َ‬
‫فاستيعابك للشبهة يؤكد خطأ اإللحاد‪.‬‬
‫فما استوعب اإلنسان وجود الشبهة إال ألن هناك إراد ًة ُح َّرة‪ ،‬ما استوعب‬
‫الشبهة إال ألن هناك اختيارية‪ ،‬وما استوعب الشبهة إال ألن اإللحاد خطأ‪ ،‬وما‬
‫ٌ‬
‫ومخلوق هلل‪.‬‬ ‫استوعب الشبهة إال ألنه ُمك َّلف‬
‫فاإلنسان ُمخ َّير يف قراراته‪ ،‬وهذه االختيارية ليست بنا ًء على ذراته‪ ،‬وإنما‬
‫روحا‪ ،‬وألن لديه تكلي ًفا إله ًّيا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ألن لديه ً‬
‫فمن خالل الروح والتكليف اإللهي يعرف اإلنسان أنَّه ُمك َّلف‪ ،‬ويعرف أنه‬
‫ُمخير‪ ،‬ويعرف َّ‬
‫أن لديه إرادة حرة‪.‬‬
‫عندما كفر المالحدة بالروح وبالتكليف اإللهي اض ُطروا للقول بالجربية؛ ألهنم‬
‫رجعوا للعالم المادي‪ ،‬فوقعوا يف التناقض الذايت الرهيب‪ :‬فهم يعلمون بفطرهتم أهنم‬
‫ُمخيرون‪ ،‬لكنهم مضطرون بإلحادهم للقول بالجربية‪ ،‬فسقطوا يف التناقض‪.‬‬
‫أتعجب كيف إلنسان أن يقتنع باإللحاد‪ ،‬ذاك المذهب الذي يقول‬ ‫َّ‬ ‫وأنا‬
‫بالجربية التامة‪ ،‬ويف الوقت نفسه هناك ما ُيسمى بـ "المحاكم"‪.‬‬
‫فالمحاكم تعني أن الجربية خطأ؛ ألن الجربية لو كانت موجودة َل َما حوكم‬
‫إنسان على أفعاله‪.‬‬
‫أمور عليها‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن المحاكم والقوانين والدساتير والعقوبات والمكافآت هي‬

‫‪439‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إجماع فطري إنساين‪ ،‬فهذه المحاكم والقوانين والدساتير والعقوبات والمكافآت‬


‫ٌ‬
‫مسؤول عن قرارته‪ ،‬ولديه إرادة حرة‪.‬‬ ‫والقضاء ما ُوجدت إال ألن اإلنسان‬
‫أمر عليه إجماع فطري إنساين‪،‬‬
‫وكلنا يعلم أن المجرم ال بد أن ُيحاسب فهذا ٌ‬
‫صحيحا فال قيمة للقضاء وال للقوانين‪ ،‬وليس هناك ما‬
‫ً‬ ‫لكن لو كان اإللحاد‬
‫أصال‪ ،‬فالجريمة هي سلوك جربي‪ ،‬وبالتالي فكيف تحاكم إنسانًا‬
‫ُيسمى إجرا ًما ً‬
‫على جريمة هو ُمجربٌ على فعلها؟‬
‫لماذا تحاكم مجر ًما على جرائم القتل‪ ،‬وما ُح ُّبه للقتل إال هرمونات‪ ،‬وما‬
‫ضغطه على الزناد إال تفاعل ذرات؟‬
‫فالقضاء والقوانين والدساتير والمحاكم والعقوبات والمكافآت والجوائز‬
‫كل هذه األمور تؤكد أن اإللحاد فكرة خاطئة‪.‬‬
‫اإللحاد هو مرحلة غريبة من مراحل الجنون البشري‪ ،‬واالفتخار هبذا الجنون‪.‬‬
‫اإللحاد يناقض كل إجماع فطري إنساين‪.‬‬
‫ذرة تخالف قانونًا فيزيائ ًّيا؛‬ ‫إذن القاعدة التي ُت ِّ‬
‫لخص ما سبق‪ :‬ال توجد َّ‬
‫أن‬ ‫إن هناك شبهات‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫دليل قاطع على ّ‬ ‫فعندما يخرج علينا ملحد ليقول لنا‪َّ :‬‬
‫اإللحاد خطأ‪ ،‬أو َّ‬
‫أن الفيزياء خطأ‪.‬‬
‫أيضا يف دعوى الملحد َّ‬
‫أن هناك شبهات‪:‬‬ ‫هناك إشكالية أخرى ً‬
‫أن الملحد يؤمن مسب ًقا بالقيم‬
‫أن هناك شبهات هذا يعني َّ‬
‫فدعوى الملحد َّ‬
‫األخالقية المطلقة‪ ،‬فهناك قيم أخالقية يؤمن هبا الجميع‪ ،‬وعلى أساس هذه‬
‫نصا‬ ‫تصور َّ‬
‫أن ًّ‬ ‫َّ‬ ‫القيم األخالقية المطلقة قفزت الشبهة إلى ذهن الملحد حين‬
‫يخالف هذه القيم األخالقية المطلقة!‬
‫فلن يعرف الملحد الشبهة‪ ،‬ولن يجادل يف أنَّها شبهة إال إليمانه المسبق‬
‫بوجود هذه القيم األخالقية المطلقة‪ ،‬وصحة هذه القيم األخالقية المطلقة‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ولن يناظر من أجل التأكيد على شبهته‪ ،‬ويؤكد أهنا شبهة عند كل إنسان إال‬
‫لعلمه بحقيقة هذه القيم‪ ،‬وكون هذه القيم مستقرة يف فطرة كل إنسان‪.‬‬
‫أيضا الملحد يعلم بفطرته َّ‬
‫أن هناك غائية أخالقية‪.‬‬ ‫ً‬
‫أن‪ :‬هناك هد ًفا أخالق ًّيا ُيجمع عليه البشر‪ ،‬و َيستقر‬
‫والغائية األخالقية تعني َّ‬
‫يف وعي البشر‪ ،‬ويريد أن يصل إليه البشر‪.‬‬
‫وهذا الشعور بضرورة الغائية األخالقية يعود للفطرة والتكليف اإللهي‪،‬‬
‫وليس لحركة ذرات الدماغ‪.‬‬
‫واآلن سؤالي‪ :‬كيف لملحد أن يؤمن بالغائية األخالقية يف عالم عدمي عبثي‬
‫من البداية حتى النهاية من وجهة نظر إلحادية؟‬
‫إن الغائية األخالقية هي نتاج ٍ‬
‫أمر ال ينتمي أبدً ا لهذا العالم المادي‪ ،‬إنَّها نتاج‬ ‫َّ‬
‫التكليف اإللهي والفطرة والروح‪ ،‬وليست نتاج فيزياء الذرات يف المخ!‬
‫لوال الفطرة التي فطرنا عليها‪ ...‬فطرة القيم األخالقية المطلقة‪ ،‬ولوال العلم‬
‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫أن هناك غائية أخالقية‪ ...‬لوال ذلك لما قفزت إلى ذهن‬ ‫التكليفي بضرورة َّ‬
‫شبهةٌ‪ ،‬ولما َفهم أهنا شبهة‪ ،‬ولما علم أنَّها ستكون شبهة عند غيره ً‬
‫أيضا‪ ،‬فهو‬
‫يعلم َّ‬
‫أن الجميع بنفس فطرته‪ ،‬وبنفس رؤيته األخالقية الغائية‪ ،‬وهبذا ظهرت‬
‫عنده الشبهة وجادل حولها‪.‬‬
‫حر ُمك َّلف‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ما توهم اإلنسان َّ‬
‫أن هناك شبه ًة إال ألنه مفطور على أنَّه ٌّ‬
‫قيما أخالقية مطلقة‪ ،‬وغائية أخالقية‪.‬‬
‫هناك ً‬
‫أو بإيجاز شديد وبكلمة واحدة‪ :‬أنَّه ليس هناك إلحاد!‬
‫هناك معيار تكليفي داخل كل إنسان‪ ،‬وكل ملحد يعلم َّ‬
‫أن هذا المعيار‬
‫يتصور الملحد َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬ ‫التكليفي موجو ٌد عند الجميع‪ ،‬وباإلحالة إلى هذا المعيار‬
‫هناك مشكلة أخالقية يف هذا الفعل أو ذاك‪ ،‬فالملحد يعلم َّ‬
‫أن كل إنسان عنده‬

‫‪441‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هذا المعيار‪ ،‬ولهذا هو ينتقد ما يتصور أنَّه شبهات‪ ،‬ويعلم َّ‬


‫أن غيره سيفهم أنَّها‬
‫شبهات‪ ،‬وسوف تتو َّلد عنده التساؤالت نفسها‪ ،‬واإلشكاليات األخالقية نفسها‪،‬‬
‫تصور الملحد هذا إال ألنَّه يثق تما ًما يف هذا المعيار التكليفي‪.‬‬
‫ما َّ‬
‫كلما اشتدَّ ت شراسة الملحد يف الدفاع عن شبهاته‪ ،‬بل وإنَّه مستعدٌّ تما ًما‬
‫للمناظرة حول شبهاته؛ للتأكيد عليها‪ ،‬كلما علمت أنَّه يقطع القدر نفسه من‬
‫الشراسة‪ ،‬ودون أن يدري بأنَّه مكلف‪ ،‬وبأنَّه ليس ابنًا للطبيعة الجربية‪.‬‬
‫قيما‬ ‫فهو يقطع القدر نفسه من الشراسة يف الدفاع عن شبهته َّ‬
‫بأن هناك ً‬
‫أخالقية‪ ،‬وغائية أخالقية‪.‬‬
‫ويقطع القدر نفسه من الشراسة يف الدفاع عن شبهته َّ‬
‫بأن جميع البشر‬
‫مكلفون مسؤولون محاسبون‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مخلوق هلل‪.‬‬ ‫ويقطع القدر نفسه من الشراسة يف الدفاع عن شبهته بأنَّه‬
‫العالم ك ُّله من حولك بريء أخالق ًّيا‪ ،‬فالجدار الذي خلفك هل يعرف الخير‬
‫أو الشر؟‬
‫مجرة تعرف القيم‬
‫ذرة أو حجر أو جبل أو حيوان أو كوكب أو َّ‬
‫هل هناك َّ‬
‫األخالقية؟‬
‫شرا وال‬
‫خيرا وال ًّ‬
‫العالم كله من حولك بري ٌء تما ًما أخالق ًّيا‪ ...‬ال يعرف ً‬
‫قداسة وال نجاسة‪.‬‬
‫المك َّلف‪ ...‬أنت وحدك أيها اإلنسان الذي ال يمكن ْ‬
‫أن تكون‬ ‫أنت وحدك ُ‬
‫شريرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بري ًئا أخالق ًّيا‪ ،‬خيارك الوحيد إما أن تكون خ ِّي ًرا أو‬
‫إذ ليس مكل ًفا على األرض سوى الثقلين‪ :‬اإلنس والجن‪.‬‬
‫فلو أتاك إنسان وقال لك‪ :‬إنَّه حيوان بريء أخالق ًّيا‪ ،‬فلن تقبل منه هذا‬
‫الكالم‪ ،‬وسوف ُتصنِّفه بنا ًء على سلوكياته بمقارنة هذه السلوكيات بمعيار الخير‬

‫‪442‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والشر يف فطرتك‪.‬‬
‫فال يمكن إلنسان ْ‬
‫أن يكون حيوانًا محايدً ا أخالق ًّيا حتى ولو تمنَّى ذلك من‬
‫كل قلبه‪.‬‬
‫صالحا أو فاسدً ا(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫خياره الوحيد ْ‬
‫أن يكون‬
‫هناك إشكال ثالث يف قضية اإللحاد والشبهات‪ ،‬وهو إشكال العقل!‬
‫كل إنسان امت َّن اهلل عليه بنعمة العقل‪ ،‬تلك النعمة العظيمة‪ ،‬فالعقل يعقل‬
‫المعاين‪ ،‬ويعقل المفاهيم‪ ،‬والعقل يعقل ‪-‬يمنع‪ -‬اإلنسان عن الخطأ‪.‬‬
‫ومن خالل العقل يعقل اإلنسان َّ‬
‫أن هناك شبهة!‬
‫مادي مجرد فال‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫عالم‬ ‫صحيحا‪ ،‬وكنَّا يف‬
‫ً‬ ‫لكن اإلشكال أنَّه‪ :‬لو كان اإللحاد‬
‫وجود للعقل‪.‬‬
‫ال وجود للعقل يف اإللحاد‪.‬‬
‫يوجد يف اإللحاد فقط الدماغ‪ ،‬ذلك الدماغ بما فيه من نشاط عصبي كهربي‪،‬‬
‫وهذا النشاط يخضع لقوانين فيزيائية حتمية‪ ...‬هذا فقط الشيء المتاح يف‬
‫اإللحاد‪.‬‬
‫ذرات داخل الجمجمة تقوم بوظائف بيولوجية حتمية َو ْفق قوانين‬
‫فهي فقط َّ‬
‫فيزيائية‪ ،‬فليس للعقل وجود يف اإللحاد‪.‬‬
‫إذن فاألفكار التي يتيحها النشاط العصبي يف فيزياء الدماغ إلحاد ًّيا لن‬
‫تتجاوز صورة مخرجات الحواسيب المع َّقدة‪ ،‬وهذه المخرجات تشمل‪:‬‬
‫أفكارا يمكن الثقة هبا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الخياالت واألوهام‪ ،‬فهي مجرد صور وخياالت ال تفرز‬

‫(‪ )1‬علي عزت بيجوفيتش‪ ،‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪ ،‬مؤسسة بافاريا‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أفكارا تجعلنا نثق بقراراتنا(‪.)1‬‬


‫ً‬ ‫فال يمكن للمخ يف اإللحاد أن يعكس‬
‫ولذلك داروين نفسه كان يتش َّكك يف األفكار التي ُيفرزها الدماغ‪ ،‬يقول‬
‫ُّ‬
‫الشك اآليت‪ :‬هل يمكن أن يكون لدماغ اإلنسان‪ ،‬والذي أؤمن‬ ‫داروين‪ُ " :‬يراودين‬
‫تطور عن أدنى الكائنات‪ ،‬هل يمكن أن يكون لدماغ اإلنسان بعد‬
‫أن هذا اإلنسان َّ‬
‫أي ثقة‪ ،‬هل يتمتَّع بأي قيمة أو يستحق أدنى ثقة؟"(‪.)2‬‬
‫ذلك ُّ‬
‫فمن نظرة إلحادية‪ :‬ال ثقة يف األفكار التي ُيفرزها الدماغ‪.‬‬
‫ويقول الملحد السابق كاليف لويس ‪" :C. S. Lewis‬إذا كان اإللحاد‬
‫صحيحا فال يمكن أن أثق يف أفكاري‪ ،‬وبالتالي ال أستطيع أن أثق يف اإللحاد؛‬
‫ً‬
‫ولذلك فال يوجد سبب ألكون ملحدً ا‪ ،‬وبإيجاز‪ :‬ال يمكن أبدً ا أن أستخدم‬
‫أفكاري لعدم اإليمان باهلل"‪.‬‬
‫فبدون إيمان باهلل لن يكون للعقل وجود‪.‬‬
‫‪)1( Nathan, N. M. L. , Naturalism and Self-Defeat, p.425.‬‬
‫‪)2( Charles Darwin to W. Graham, the Life and Letters of Charles Darwin, vol. 4, p.111.‬‬

‫‪444‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫نفس ِه‪.‬‬
‫نثق من خاللها حتى يف اإللحاد ِ‬
‫وبالتالي ففي العالم المادي ليست هناك آلية ُ‬
‫فلن يعقل الملحد إلحاده‪ ،‬ولن يصدق إلحاده‪ ،‬إال إذا س َّلم مسب ًقا بأن للعقل‬
‫أحكا ًما صحيحةً‪ ،‬وهذا ال يتأ َّتى إال باإليمان باهلل‪.‬‬
‫وبصورة أخرى‪ :‬لن ُيلحد اإلنسان إال لو كان اهلل موجو ًدا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فالقرار اإليماين أو حتى اإللحادي الذي يأخذه اإلنسان مبناه على َّ‬
‫أن هناك‬
‫صدر أحكا ًما صحيحة‪ ،‬وهذا اإليمان بصحة قرارات العقل ال يأيت إال‬ ‫عقال ي ِ‬
‫ً ُ‬
‫خلوق هلل‪ ،‬فقد خلق اهلل عقلي‪ ،‬وبالتالي أنا أثق يف‬ ‫ٌ‬ ‫باإليمان بأنني عبدٌ هلل‪ ،‬م‬
‫األحكام التي يعطيها هذا العقل‪.‬‬
‫وليس َّ‬
‫أن عقلي مجرد صور فراغية تخ ُّيلية داخل مخ فيزيائي!‬
‫ِ‬
‫إلحاد َك‪.‬‬ ‫ْ‬
‫إذن فبدون العقل الذي خلقه اهلل لك لن تستطيع أن تثق يف‬
‫إهنا مفارقات عجيبة‪ ،‬لكنها واقعة داخل عالم اإللحاد األعجب‪.‬‬
‫أصال إال لو كان‬
‫فالملحد لن يستطيع أن يثق يف صحة الشبهة‪ ،‬وأهنا شبهة ً‬
‫واث ًقا ابتدا ًء يف َّ‬
‫أن عقله قد خلقه اهلل‪.‬‬
‫سبحان اهلل!‬
‫حين يدافع الملحد عن الشبهة‪ ،‬هو يف الواقع يدافع عن خضوعه للتكليف‬
‫اإللهي‪ ،‬وأنَّه عبد هلل مخلوق‪ ،‬وليس فيزياء جسيمات‪.‬‬
‫﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ﴾ [الرعد‪.]93 :‬‬
‫كلنا خاضعون هلل ش ْئنا أم أب ْينا‪.‬‬
‫إذن ُمجمل ما سبق‪ :‬لو َّ‬
‫أن ملحدً ا طرح شبهة‪ ،‬فال بد أن هتدم له إلحاده قبل‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫أركان‬ ‫أن تجيب عن شبهته‪ ...‬ال بد أن توضح له َّ‬
‫أن استيعابه للشبهة ينبني على‬
‫ٍ‬
‫ثالثة على األقل‪:‬‬
‫‪َّ -9‬‬
‫أن لإلنسان حرية إرادة واختيارية‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫قيما أخالقية مطلقة‪.‬‬ ‫‪َّ -1‬‬


‫أن هناك ً‬
‫عقال أحكا ُم ُه صحيحة‪.‬‬ ‫‪َّ -5‬‬
‫أن هناك ً‬
‫ال يمكن أن يستوعب اإلنسان شبهة لو َّ‬
‫اختل ركن من هذه األركان‪.‬‬
‫ألي منها يف اإللحاد‪.‬‬
‫وهذه األركان الثالثة ال وجود ٍّ‬
‫ْ‬
‫إذن‪ :‬ال وجود للشبهة يف اإللحاد‪.‬‬
‫وبعد أن تكون هدمت للملحد إلحاده‪ ،‬تبدأ هبدوء يف اإلجابة عن شبهته لو‬
‫أصال‪.‬‬
‫بقيت الشبهة ً‬
‫ا‬
‫‪ -7‬ماذا لو اكن طارح الشبهة مسلما؟‬

‫ج‪ :‬يف البداية يمكن حصر الشبهات يف اإلسالم على ثالثة صور‪:‬‬
‫يصح أو أثر ضعيف‪.‬‬
‫أ‪ -‬إما آثار ضعيفة‪ :‬حديث ال ُّ‬
‫ب‪ -‬أو اجتهادات غير معصومة‪ :‬قول ألحد العلماء أو اجتهاد عند بعض‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫تصور عقلي يقدمه صاحبه على النص الشرعي‪.‬‬
‫ج‪ -‬أو ُّ‬
‫هذه مصادر الشبهات يف اإلسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ضعيف‪ ،‬أو اجتهاد غير‬ ‫أن نسأل‪ :‬كيف تكون مشكلة المسلم مع ٍ‬
‫أثر‬ ‫وهنا لنا ْ‬
‫معصوم‪ ،‬أو تصور عقلي تخميني يقدمه على النص الشرعي‪ ،‬وال ينتبه يف الوقت‬
‫ٍ‬
‫وآيات‬ ‫ٍ‬
‫معجزات‬ ‫نفسه لما ال حصر له من النصوص الصحيحة الثابتة التي تتناول‬
‫جرت على يد النبي ﷺ‪ ،‬والتي نقلها أصدق الناس وأكثرهم تحر ًيا للضبط؟‬
‫بمعنًى آخر‪ :‬لو س َّلمت بالشبهة لكان من باب ْأولى ْ‬
‫أن ُتسلم بكل‬
‫المعجزات واآليات التي تقطع بنبوته ﷺ‪.‬‬
‫آية‪ :‬هذا القرآن‪ ...‬تلك اآلية الخالدة‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫آية‪ :‬هذا النبي ﷺ وسيرته‪ ،‬وما فيها من آيات ال تجري إال على يد نبي‪.‬‬
‫آية‪ :‬البشارات به قبل قدومه ﷺ باسمه وصفته و َن ْعته ومكان بعثته‪.‬‬
‫آية‪ :‬تأييد اهلل له‪ ،‬وعدم موته إال وقد ك َُم َل الدين َّ‬
‫وتم‪.‬‬
‫بل ما من شبهة إال وتحمل يف داخلها آي ًة على صحة الرسالة‪ ،‬وهذه أمر‬
‫سنُفصل فيه يف الفصول القادمة يف الرد على الشبهات التفصيلية‪.‬‬
‫فكيف ال ينتبه المسلم طارح الشبهة للرباهين على نبوته ﷺ؟‬
‫ٍ‬
‫شبهة هذه التي تجعل المسلم ينزعج بجانب هذه الرباهين؟‬ ‫وأي‬
‫ُّ‬
‫أقطع بنبوته ﷺ‪ ،‬لكن عندي إشكال عقلي يف‬
‫ُ‬ ‫قد يقول طارح الشبهة‪ :‬أنا‬
‫نقطة معينة!‬
‫ونقول له‪ :‬قبل أن تعرف جواب إشكالك ال بد أن ُتس ِّلم َّ‬
‫أن هذا اإلشكال‬
‫تصور وهمي يف ذهنك‪.‬‬
‫ناتج عن ُّ‬
‫ٌ‬
‫قد يقول‪ :‬لماذا أقطع َّ‬
‫بأن كل شبهة حتى قبل أن أسمع الرد عليها هي نتاج‬
‫تصور وهمي أو سوء فهم يف ذهني؟‬
‫ُّ‬
‫شخصا لديه شهادة الطب‪،‬‬
‫ً‬ ‫وكلجوكب‪ :‬ألنَّه بالدليل العقلي لو افرتضنا َّ‬
‫أن‬
‫الحق يف مزاولة المهنة‪ ...‬لديه شهادة معتمدة هبذا‪ ،‬هل ُتش ِّكك‬
‫وتعطيه شهاد ُت ُه َّ‬
‫يف كون هذا الشخص طبي ًبا لمجرد أنَّه وصف دوا ًء لم تفهمه؟‬
‫ال طب ًعا‪.‬‬
‫مريضا لم يصل للصورة التي كنت‬
‫ً‬ ‫هل ُتشكك يف كونه طبي ًبا لمجرد َّ‬
‫أن‬
‫ترجوها بعد تناول الدواء؟‬
‫ال طب ًعا‪.‬‬
‫فثبوت الطب له يجعلك تستوعب أنَّك قد ال تفهم طريقة عمل الدواء‪،‬‬
‫وتستوعب َّ‬
‫أن المريض الذي َّ‬
‫تأخر شفاؤه قد ال يكون تناول الدواء بالصورة‬

‫‪447‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫التي وصفها الطبيب‪ ،‬وتستوعب أنَّه قد يكون هلل حكمة يف تأخر شفائه‪.‬‬
‫فال َترد إلى ذهنك مشكلة طالما علمت أنَّه طبيب‪ ،‬بل تعلم تما ًما َّ‬
‫أن ما لم‬
‫تفهمه من وصفاته الطبية راجع لقصور عقلك‪ ،‬وقلة علمك ال أكثر‪.‬‬
‫أليس كذلك؟‬
‫هذا يحصل يف حال طبيب ليست وصفا ُت ُه وح ًيا يوحى من األساس‪ ،‬ومع‬
‫ذلك أنت تربر له كل ما لم تفهمه من وصفاته‪.‬‬
‫فكيف بالنبي الذي ُيوحى إليه‪ ،‬والذي ال ينطق عن الهوى؟‬
‫كيف بالنبي المعصوم الذي تؤمن بنبوته؟‬
‫فطالما ثبتت عندك نبوة النبي‪ ،‬واستقام لك االعتقاد الغيبي بصحة رسالتِ ِه‪،‬‬
‫يض ُّرك ما لم تفهمه من نصوص الوحي‪.‬‬
‫فمن البديهي أنه ال ُ‬
‫تصور وهمي وقتي يف‬ ‫وبالتالي سوف تقطع بالبداهة َّ‬
‫أن شبهتك هي مجرد ُّ‬
‫ذهنك‪.‬‬
‫فطالما ثبتت نبوته عندك ابتدا ًء ْ‬
‫إذن ال تضرك شبهة يف دينك أبدً ا‪.‬‬
‫فما بالك وكل شبهة يف اإلسالم تم جواهبا؟‬
‫ٍ‬
‫شيء إال ب َّينوه للناس‪.‬‬ ‫فأهل العلم (أولو األلباب) بفضل اهلل ما تركوا من‬
‫ما تركوا من شبهة‪ ،‬وال شاردة‪ ،‬وال واردة‪ ،‬وال شا َّذةً‪ ،‬وال فا َّذ ًة يف دين اهلل إال‬
‫وب َّينوها للناس‪.‬‬
‫ْ‬
‫وابحث عن الرد‪ ،‬وستعجب من بساطة شبهتك‪.‬‬ ‫تجر ْد هلل‬
‫فأنت فقط َّ‬
‫استقر يف ذهنك ثبوت النبوة‪ ،‬وقطعية صحة الرسالة‪ ،‬سوف تتضاءل يف‬
‫َّ‬ ‫لو‬
‫عينيك كل شبهة‪ ،‬وسيكون بحثك يف الرد على الشبهة هو فقط من باب النظر يف‬
‫أبواب الحكمة اإللهية‪ ،‬ولمزيد تف ُّقه يف دين اهلل‪ ،‬وهذا المفرتض أن يكون حال‬
‫كل مسلم مع الشبهة‪.‬‬

‫‪448‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يهتز قلبك لمجرد أنك ال تعرف جواب شبهة‪.‬‬


‫ولن َّ‬
‫فال يستخفنَّك هؤالء الذين ال يعرفون حتى إلحادهم بشبهة ُيلقوهنا عليك‪:‬‬
‫﴿ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ﴾ [الروم‪.]30 :‬‬

‫‪ -8‬ما يه أفضل األعمال يف اإلسلم ىلع اإلطلق؟‬

‫ج‪ :‬أفضل األعمال يف اإلسالم على اإلطالق بعد اإليمان باهلل هو‪ :‬الجهاد يف‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬
‫أي األ ْع ِ‬
‫مال أ ْف َض ُل؟‬ ‫ففي الحديث المتفق على صحته‪ :‬سئِ َل ر ُ ِ‬
‫سول اهلل ﷺ ُّ‬ ‫ُ َ‬
‫الجها ُد يف َسبي ِل اهللِ(‪.)1‬‬ ‫قال‪ِ :‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم ماذا؟ َ‬ ‫إيمان باهللِ‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫قال‪:‬‬
‫فالجهاد هو ِذر َو ُة سنَا ِم ِ‬
‫اإل ْسالمِ‪.‬‬ ‫ْ َ‬
‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬اأ هس كألَمط كإلس َال ه ‪َ ،‬و َع هِّو ه هه كلص َالةه‪َ ،‬و هَا َو هة َسنَامه كلج َ ا ه " (‪.)2‬‬
‫فالجهاد أعظم تجارة مع اهلل‪﴿ :‬ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [الصف‪.]95 -90 :‬‬
‫الجهاد هو التجارة الرابحة‪.‬‬

‫‪ -9‬ما يه صور اجلهاد؟‬

‫يتخ َّيل بعض الناس َّ‬


‫أن الجهاد فقط هو جهاد الحروب والمعارك‪.‬‬
‫وهذا خطأ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.13:‬‬


‫)‪ (2‬سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪ ،1393:‬درجة الحديث‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الح َّجة والبيان‪،‬‬


‫أيضا باللسان‪ ...‬هذا جها ٌد‪ ،‬وهو‪ :‬جهاد ُ‬
‫فالجهاد يكون ً‬
‫وجهاد الرد على شبهات اإللحاد واألفكار الفاسدة‪ ،‬وجهاد دعوة الناس‬
‫لإلسالم‪ ،‬فهذا باب عظيم من أبواب الجهاد‪.‬‬
‫وهناك جهاد باألموال يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫تع بألسنَتك ‪ ،‬وأ هيفسك ‪ ،‬وأموكلك ‪ ،‬وأيديك "(‪.)1‬‬
‫كلِّشط َ‬
‫قال النبي ﷺ‪" :‬جا دوك ه‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬والجها ُد منه ما هو باليد‪ ،‬ومنه ما هو‬
‫والحجة واللسان والرأي‪ ،‬فيجب بغاية ما يمكن"(‪.)2‬‬
‫بالقلب‪ ،‬والدعوة ُ‬
‫أن َّ‬
‫كل مسلم يمكنه أن يجاهد‬ ‫إذن لو نظرنا للجهاد بصورته الشمولية سنجد َّ‬
‫ْ‬
‫بحسب نعم اهلل عليه‪.‬‬
‫بحسب قدرته وعلمه وماله‪ْ ...‬‬
‫يف سبيل اهلل ْ‬
‫والتحقيق أن جنس الجهاد فرض ٍ‬
‫عين؛ إما بالقلب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـال كبع كلقت ‪" :‬‬
‫وإما باللسان‪ ،‬وإما بالمال‪ ،‬فعلى كل مسلم أن يجاهد بنو ٍع من هذه األنواع"(‪.)3‬‬
‫حكرا على الجيوش المسلمة التي تقف على‬ ‫ْ‬
‫إذن فالجهاد يف سبيل اهلل ليس ً‬
‫الحدود كما يتخ َّيل بعض الناس‪ ،‬بل يمكن ألي مسلم أن يكون مجاهدً ا يف‬
‫وير َّد المبطلين‪.‬‬ ‫سبيل اهلل‪ ،‬وأن يقف هو اآلخر على الحدود ُ‬
‫فيذ َّب عن دين اهلل ُ‬
‫فكل هذا جهاد‪.‬‬
‫تيسرت لك األسباب قال النبي ﷺ يف‬ ‫ويكفي أن تنوي على الجهاد متى َّ‬
‫مار ول يغ هز‪ ،‬ول هي َحدث يف َس هه بغز ٍو مار ععَ هشع َب ٍة‬
‫الحديث الصحيح‪َ " :‬مع َ‬
‫مع ٍ‬
‫يفاق" (‪.)4‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،1302:‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫)‪ (2‬الفتاوى الكربى‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬م‪ 3‬ص ‪.358‬‬
‫)‪ (3‬زاد المعاد م‪ 5‬ص‪.32‬‬
‫)‪ (4‬صحيح الجامع‪.3328 ،‬‬

‫‪450‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬


‫ﰀ ﰁ﴾ [العنكبوت‪.]3 :‬‬
‫فاهلل غني عنَّا‪ ،‬ونحن َمن يحتاج إلى رحمة اهلل بالجهاد يف سبيله‪.‬‬

‫‪ -11‬ما يه أفضل أنواع اجلهاد‪ :‬جهاد ايلد والسيف‪ ،‬أم جهاد ادلعوة إىل اهلل‬
‫وادلفاع عن دين اهلل باحلجة؟‬

‫ـال كبع كلقت ‪" :‬الجهاد‪ :‬جهاد باليد والسنان‪ ،‬والثاين‪ :‬الجهاد بالحجة‬
‫والبيان‪ ،‬وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل‪ ،‬وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته‪،‬‬
‫وشدة ُمؤنته‪ ،‬وكثرة أعدائه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ﴾ [الفرقان‪.)1( ]31 -39 :‬‬
‫فجهاد الحجة والبيان هذا أشدُّ أنواع الجهاد على قلوب دعاة الكفر‪ ،‬فهو‬
‫شيء عليهم‪ ،‬بل هو أشدُّ على قلوهبم من الجيوش الكبيرة؛ َّ‬
‫ألن به‬ ‫ٍ‬ ‫أصعب‬
‫ُتفضح أكاذيبهم‪ ،‬و ُتفند شبها ُت ُهم‪.‬‬
‫قال ابن حزم ‪" :‬وال غيظ أغيظ على الكافرين والمبطلين من هتْك‬
‫أقوالهم بالحجة الصادعة‪ ،‬وقد ُتهزم العساكر الكبار‪ ،‬والحجة الصحيحة ال ُتغلب‬
‫الجمة"(‪.)2‬‬
‫أبدً ا فهي أ ْدعى إلى الحق‪ ،‬وأنصر للدين من السالح الشاكي واألعداد َّ‬
‫وتفنيد األفكار الفاسدة هو‪" :‬وسيلة إلى إعالن الدين ونشره‪ ،‬وإخماد‬
‫الكفر ودحضه"(‪.)3‬‬
‫وهذا غاية ما أتت به الرسل‪.‬‬

‫)‪ (1‬مفتاح دار السعادة م‪ 9‬ص‪.179‬‬


‫)‪ (2‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬م‪ 9‬ص‪.12‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري‪ ،‬م‪ 3‬ص ‪.8‬‬

‫‪451‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الج َها َد يف َسبي ِل‬ ‫وللجهاد عند اهلل أجر عظيم‪ ،‬سئل رسول اهلل ﷺ‪ :‬ما ي ْع ِد ُل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يقول‪ :‬ال‬ ‫ذلك ُ‬ ‫اهللِ ‪‬؟ َ‬
‫قال‪ :‬ال َت ْستَطِي ُعو َن ُه‪ ،‬فأ َعا ُدوا عليه َم َّر َت ْي ِن‪َ ،‬أ ْو َث َال ًثا ُك ُّل َ‬
‫الصائِ ِم ال َق ِائ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َت ْستَطِي ُعو َن ُه‪َ ،‬و َ‬
‫الم َجاهد يف َسبي ِل اهلل ك ََم َث ِل َّ‬ ‫قال يف ال َّثال َثة‪َ :‬م َث ُل ُ‬
‫ات اهللِ‪ ،‬ال َي ْف ُت ُر مِن ِص َيامٍ‪َ ،‬و َال َص َال ٍة(‪.)1‬‬
‫ت بآي ِ‬
‫َ‬
‫ال َقانِ ِ‬

‫سماه‬
‫عظيم‪ ،‬واالنشغال عن الجهاد يف سبيل اهلل َّ‬
‫ٌ‬ ‫فأجر الجهاد يف سبيل اهلل‬
‫القرآن هتلكة‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [البقرة‪ ،]913 :‬قال‬
‫أبو أيوب األنصاري ﭬ‪ :‬الت َّْه ُل َك ُة هي اإلقام ُة يف األموال وإصالحها‪ ،‬و َت ْر ُك الغزو(‪.)2‬‬
‫فاالنشغال بالدنيا عن ميدان الدعوة إلى اهلل‪ ،‬والدفاع عن دين اهلل بقدر ما‬
‫تستطيع هذه هتْ ُل َكة‪.‬‬
‫وما أيسر أن يقف المسلم على ٍ‬
‫ثغر من ثغور اإلسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دعوة إلى اهلل بمال أو وقت أو تع ُّلم علم‬ ‫أن ُي ِ‬
‫سهم يف مشروع‬ ‫ما أيسر ْ‬
‫شرعي؛ ليدعو به إلى اهلل أو تع ُّلم لغة جديدة يدعو هبا إلى اإلسالم الناطقين‬
‫بتلك اللغة‪ ،‬أو تعلم مونتاج يستخدمه يف الدعوة إلى اهلل‪.‬‬
‫أن يتك َّفل بطالب علم‪ ،‬أو يتك َّفل بشخص يتع َّلم لغة جديدة يدعو هبا إلى‬
‫أو ْ‬
‫جهز غاز ًيا فقد غزا"(‪.)3‬‬
‫اهلل ‪ ،‬فكل هذا جهاد‪ ،‬قال النبي ﷺ‪" :‬من َّ‬
‫تخ َّيل لو أصلح اهلل بك إنسانًا!‬
‫ب ععت ‪ ،‬وكهلل‬
‫بِّا يج ه‬ ‫ـلَ كإلسال ‪ ،‬وأخبط‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬ك هع‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.9878 :‬‬


‫)‪ (2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.1391:‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.9813:‬‬

‫‪452‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫َألن هي دى بِ اجل وكحد ختط لِ مع هحِّط كلن َع "(‪.)1‬‬


‫خير من الدنيا وما فيها‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫فهداية رجل واحد ٌ‬
‫ﮂ﴾ [ ُف ِّص َلت‪.]55:‬‬
‫ليس أحسن من الدعوة إلى اهلل‪.‬‬
‫لكن قبل الدعوة إلى اهلل ال بد من تع ُّلم دين اهلل؛ ليدعو اإلنسان على بصيرة‪،‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [آل عمران‪.]33 :‬‬
‫فال ُّ‬
‫يحل لإلنسان أن يقول أو يجادل فيما ال علم له به(‪.)2‬‬
‫أيضا ينبغي أن تكون عند الداعية إلى اهلل سعة صدر ولين مع صاحب الشبهة‪،‬‬
‫ً‬
‫ومع من يبحث عن الحق‪﴿ :‬ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ﴾ [طه‪.]22 :‬‬
‫قال الغزالي ‪" :‬فالقسوة والغلظة تثير دواعي المعاندة والمخالفة‪،‬‬
‫وترسخ االعتقادات الباطلة"(‪.)3‬‬
‫فالدعوة إلى اهلل تحتاج حكمة وبصيرة وصربًا‪.‬‬
‫مثال عمل‬
‫يتم ً‬ ‫ٍ‬
‫أيضا تحتاج الدعوة إلى اهلل إلى شيء من الحذر‪ ،‬فال ُيعقل أن َّ‬
‫ً‬
‫دعاية مجانية ألصحاب الشبهات ودعاة الباطل!‬
‫فهناك مالحدة لم ينتشروا إال بالرد عليهم‪ ،‬فانتبه واحذر من هذا!‬
‫يتم عمل مناظرات مع ملحدين يف وسط العوام!‬
‫مثال أن َّ‬
‫يصح ً‬
‫ال ُّ‬
‫فقلوب الناس قد تعلق باألشياء الشاذة‪.‬‬
‫فلماذا ُت ِّ‬
‫عرض فطرة الناس الصافية ألشياء كهذه؟‬
‫يقول الشيخ مصطفى صربي ‪" :‬يف المناظرة التاريخية بين الشيخ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1121:‬‬
‫(‪ )2‬تفسير السعدي‪.‬‬
‫(‪ )3‬االعتصام للشاطبي ‪.212 / 9‬‬

‫‪453‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫محمد عبده والعلماين فرح أنطون‪ ،‬الذي فاز رسم ًّيا هو الشيخ محمد عبده‪ ،‬لكن‬
‫الذي اشتهر وذاعت أقواله هو فرح أنطون"‪.‬‬
‫فاألفكار الفاسدة ال ُتنا َقش بين َمن ال تعنيهم‪ ،‬وإنما ُتناقش فقط بين‬
‫المتأثرين هبا‪ ،‬أو بين َمن يغلب على الظن انتشارها بينهم‪.‬‬
‫أما أن أناظر هذا وذاك وأقوم بعمل دعاية مجانية لهذا وذاك‪ ،‬فهذه مشكلة!‬
‫قال اإلمام الاللكائي ‪" :‬فما ُجني على المسلمين جناية أعظم من‬
‫مناظرة المبتدعة"!‬
‫ولم يكن لهم قهر وال ٌّ‬
‫ذل أعظم مما تركهم السلف‪ ،‬ال يجدون إلى إظهار‬
‫سبيال‪ ..‬حتى جاء المغرورون ف َفتحوا لهم طري ًقا‪ ،‬وظهرت دعوهتم‬
‫ً‬ ‫بدعتهم‬
‫أسماع َمن لم يكن يعرفها من الخاصة والعامة"(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫بالمناظرة‪ ،‬وطرقت شبها ُتهم‬
‫فال بد من الحكمة يف الدعوة إلى اهلل‪.‬‬
‫أيضا ال ُيجاب بين الناس إال على ما شاع واشتهر من شبهات‪ ،‬وإال فالشبهة‬
‫ً‬
‫الميتة‪ُ ،‬ترتك ميتة‪.‬‬
‫وضح الداعية لمن يتابعونه بضرورة االمتناع عن االستماع‬
‫وال بد أن ُي ِّ‬
‫لألفكار الباطلة والشبهات‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [النساء‪.]920 :‬‬
‫قال أبو قِالبة ‪" :‬ال تجالسوهم ‪-‬أي‪ :‬أصحاب الشبهات واألفكار‬
‫الفاسدة‪ -‬وال تخالطوهم‪ ،‬فإنه ال آم ُن أن يفسدوكم‪ ،‬أو ُي ْلبسوا عليكم ً‬
‫كثيرا مما‬
‫تعرفون"‪.‬‬

‫)‪ (1‬شرح أصول االعتقاد ‪.11 / 9‬‬

‫‪454‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وقال ابن قدامة ‪" :‬كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع‪ ،‬والنظر‬
‫يف كتبهم‪ ،‬واالستماع إلى كالمهم"(‪.)1‬‬
‫فاألفكار الفاسدة والشبهات َت ُج ُّر مع الوقت إلى القلب الوساوس‬
‫والتصورات الضالة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قال الذهبي ‪ ‬يف ترجمة ابن الراوندي‪" :‬وكان يالزم المالحدة‪ ،‬فإذا ُعوتب‬
‫قال‪ :‬إنما أريد أن أعرف أقوالهم إلى ْ‬
‫أن صار ملحدً ا وحط على الدين والملة"(‪.)2‬‬
‫وكثير من الناس لعدم التزام األمر اإللهي بحرمة الجلوس بين َمن ينشرون‬
‫الكفر والشبهات‪ ،‬ولضعف علمهم ولغلبة الهوى عليهم تأ َّثروا‪ ،‬وبعضهم ربما‬
‫ُفتن يف دينه بشبهة‪.‬‬
‫عرض المسلم دينه الذي هو أغلى ما يملك لمخاطرة كهذه؟‬
‫فكيف ُي ِّ‬
‫نعم كل شبهة ولها ر ٌّد‪ ،‬لكن ما ُيدريك أن تصل للرد قبل أن يزيغ قل ُبك؟‬
‫لذلك كان تحريم االستماع ألصحاب الشبهات ابتدا ًء‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪" :‬من سمع ببدعة فال يحكها لجلسائه‪ ،‬ال ُيلقها‬
‫يف قلوهبم"‪.‬‬
‫أوردها الذهبي وع َّلق عليها بقوله‪ :‬أكثر أئمة السلف على هذا التحذير‪،‬‬
‫والشبه خ َّطافة"(‪.)3‬‬
‫يرون أن القلوب ضعيفة ُّ‬
‫لو عمل المسلمون بذلك الختفى أصحاب الشبهات ذات ًّيا‪ ،‬فتجارة أصحاب‬
‫ممن ينشرون شبهاهتم أو يحضرون بينهم‪.‬‬
‫الشبهات بين الجهلة َّ‬
‫إذن تعليم الدين للناس‪ ،‬وإصالح عقيدتِهم‪ ،‬ودعوة الناس لإلسالم‪ ،‬والرد‬
‫ْ‬

‫السنة‪ ،‬عبد اهلل بن أحمد بن حنبل‪ ،‬ص‪98‬؛ واآلداب الشرعية‪ ،‬ابن مفلح‪ ،‬م‪9‬ص‪.135‬‬
‫)‪ُّ (1‬‬
‫)‪ (2‬اإلبانة الصغرى‪ ،‬ابن بطة‪ ،‬ص‪951‬؛ وسير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.31‬‬
‫)‪ (3‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬م‪ 91‬ص‪.227‬‬

‫‪455‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫على َمن يطرحون الشبهات اإللحادية‪ ،‬والرد على دعاة األفكار الفاسدة‪ ،‬هذه‬
‫ك ُّلها صور عظيمة من صور الجهاد يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫وبركة‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أبواب ٍ‬
‫خير‬ ‫فهذه ك ُّلها‬
‫ُ‬
‫﴿ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [التوبة‪.]999 :‬‬
‫فليبشر فهذه أعظم صفقة يف حياته‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فمن بايع على الدفاع عن دين اهلل؛‬
‫َ‬
‫والدعوة إلى اهلل هي وظيفة الرسل ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ -‬وطريقة َمن‬
‫عرف اإلنسان معبوده‪ ،‬ونب َّيه‪ ،‬ودينه‪ ،‬فإن عليه السعي يف‬ ‫ٍ‬
‫تبعهم بإحسان‪ ،‬وإذا َ‬
‫إنقاذ إخوانه بدعوهتم إلى اهلل ‪ ،‬ول ُيبشر بالخير(‪.)1‬‬
‫ليبشر بنصر اهلل وتأييده‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [غافر‪.]39 :‬‬
‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ﴾ [التوبة‪.]53 :‬‬
‫﴿ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [محمد‪.]7 :‬‬
‫وسيظل يف المسلمين َمن يدافع عن دين اهلل إلى قيام الساعة‪ ،‬قال النبي ﷺ‪:‬‬
‫الح ِّق‪ ،‬ال َي ُض ُّر ُه ْم َمن َخ َذ َل ُه ْم‪ ،‬حتَّى َي ْأتِ َي‬ ‫ِ‬ ‫"ال َت ُ ِ ِ‬
‫زال طائ َف ٌة من ُأ َّمتي ظاه ِر َ‬
‫ين ع َلى َ‬
‫َذلك"(‪.)2‬‬ ‫وه ْم ك َ‬ ‫ِ‬
‫أ ْم ُر اهلل ُ‬
‫رون َغال ِ َ‬
‫بون‪.‬‬ ‫وهم ُمنت َِص َ‬ ‫سيبقى إلى قيام الساعة َمن يدافع عن الحق‪ُ ،‬‬
‫)‪ (1‬شرح ثالثة األصول‪ ،‬محمد بن صالح بن محمد العثيمين‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.9110:‬‬

‫‪456‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الصافات‪.]975 :‬‬


‫فهذه هي الغنيمة الباردة أن تدعو إلى اهلل‪ ،‬وأن ُتر َّد على المبطلين‪ ،‬وأن‬
‫تكشف ُش ُبهات المفرتين‪ ،‬وهذا حق دين اهلل علينا‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ﴾ [الفتح‪.]1 :‬‬
‫وتعزير ُه ﷺ‪ :‬بنصر دينه‪ ،‬وصون رسالته عن كل مفرتٍ(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫فكن واحدً ا من الدعاة إلى اهلل‪.‬‬
‫﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ﴾ [الصف‪.]92 :‬‬
‫ٍ‬
‫بموقف‪ ،‬ولو بدعوة إلى اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بكلمة‪ ،‬ولو‬ ‫انصر دين اهلل ولو‬

‫***‬

‫(‪ )1‬الصارم المسلول‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬م‪ 9‬ص‪.197‬‬

‫‪457‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الباب الثاين‬

‫الو أسواس القهري‬


‫ن‬

‫‪459‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪460‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪ -11‬ما يه الوساوس القهرية يف العقيدة؟‬

‫تصورات كفرية على شكل أفكار‬


‫ُّ‬ ‫ج‪ :‬الوساوس القهرية يف العقيدة هي‪:‬‬
‫قهرية تقفز فجأ ًة إلى العقل‪.‬‬
‫فهي أفكار ال ُتحتمل‪ ...‬أفكار بشعة تجعل صاح َبها يظن أنَّه قد هلك‪...‬‬
‫يظن أنَّه قد ألحد أو نافق‪.‬‬
‫ولما جاءت هذه الوساوس إلى بعض أصحاب النبي ﷺ قالوا لرسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ب إليه مِن ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫يكون أحدُ نا ُح َمم ًة َ‬
‫أح ُّ‬ ‫أنفسنا شي ًئا َأل ْن‬ ‫رسول اهللِ‪ ،‬إنَّا َل ِ‬
‫نجدُ يف ِ‬ ‫َ‬ ‫"يا‬
‫يتك َّل َم به"(‪.)1‬‬
‫ألن يكون أحدُ هم ُح َممة أفضل من هذا الشعور بالوسوسة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫يتكلم به(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫ويف الحديث اآلخر قالوا‪ :‬ألن يس ُق َط من عند الثر َّيا ُّ‬
‫أحب إليه من أن‬
‫فعال‪.‬‬
‫فالوسواس القهري مزعج ً‬
‫وال بد أن يعرف الناس طبيعة هذا المرض‪ ،‬حتى يعرفوا الفرق بين‬
‫الوسواس والشبهة‪.‬‬
‫فالصور العامة واحدة‪ ،‬والشكل الخارجي للوسواس والشبهة واحدٌ ‪ ،‬لكن‬
‫شتَّان بينهما يف طريقة التعامل‪ ،‬فهناك فرق شاسع يف التعامل بين كَون السؤال‬
‫وسواس ًّيا أو شبهة‪.‬‬
‫فصاحب الوسواس لو عامل َت ُه كما تعامل َمن عنده شبهة‪ ...‬لو احرتمت‬
‫مرضا‪...‬‬
‫سؤاله‪ ،‬وجعلت تر ُّد عليه باألدلة والرباهين والمنطق‪ ،‬فأنت هبذا تزيدُ ه ً‬
‫تضاعف عليه المرض‪ ،‬بل وكأنك تضع البنزين على النار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت ودون أن تدري‬
‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان‪.923 ،‬‬
‫(‪ )2‬مجمع الزوائد‪ ،‬م‪ 9‬ص‪.51‬‬

‫‪461‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أن بعض أصحاب الوسواس يظنُّون َّ‬


‫أن ما عندهم شبهات‪،‬‬ ‫والمشكلة األكرب َّ‬
‫فيذهبون ويأتون وهم ال يدرون أنَّه وسواس قهري‪.‬‬

‫‪ -12‬ما هو الفرق بني الوسواس والشبهة؟‬

‫السنة أو أي دليل‪.‬‬
‫دليال من القرآن أو ُّ‬
‫دليال‪ ،‬سوا ًء كان ً‬
‫ج‪ :‬الشبهة هي‪ :‬باطل ل َّبسوه ً‬
‫فهذه تسمى شبهة‪.‬‬
‫فضحها حتى يتف َّطن السائل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والشبهة يجب تعري ُتها‪ ،‬ويجب كش ُفها‪ ،‬ويجب‬
‫ويطمئن لسخافتها‪.‬‬
‫سؤاال‪ ،‬لو ُأجيب عن شبهته النتهت‪.‬‬
‫ً‬ ‫وصاحب الشبهة هو‪ :‬إنسان طبيعي يسأل‬
‫أمر آخر تما ًما‪.‬‬
‫أما الوسواس فهو ٌ‬
‫لحة غريبة قهرية المنطقية وال تنتهي‪،‬‬
‫الوسواس هو‪ :‬فروض عقلية‪ ...‬أفكار ُم َّ‬
‫قد تأيت على صورة شبهات أو تساؤالت‪ ،‬فشكلها الخارجي يجعلها كالشبهة تما ًما‪،‬‬
‫أجبت عن‬
‫َ‬ ‫عقلي آخر‪ ،‬ولو‬
‫ٌّ‬ ‫فرض‬
‫لكن الفرق أنك لو أجبتها سيقفز لذهن صاحبها ٌ‬
‫َّ‬
‫فرضه العقلي اآلخر سيقفز فرض عقلي ثالث‪ ،‬وهكذا إلى ما الهناية‪.‬‬
‫فصاحب الوسواس إذا ُأجيب‪َّ ،‬‬
‫فإن عقله يقتنع يف أول األمر‪ ،‬لكن بعد قليل‬
‫تبدأ األفكار ُتلِ ُّح عليه مر ًة أخرى‪ ،‬وتظل تدور يف رأسه‪ ،‬ثم تأتيه األفكار بصيغ‬
‫مختلفة‪ ،‬ربما كذا‪ ...‬ماذا لو؟‪ ....‬لكن ُر َّبما‪ ....‬أليس من المحتمل أن؟‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فروض عقلية ال تنتهي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لسنوات يف هذه الدائرة المغلقة إذا لم‬ ‫ومريض الوسواس القهري قد يعيش‬
‫يعرف طبيعة مرضه‪.‬‬
‫والتصورات المزعجة المتعاقبة الالمنطقية‪،‬‬‫ُّ‬ ‫فهي دائرة ال تنتهي من األفكار‬
‫والتي تالزم الشخص‪ ،‬وال يستطيع التخ ُّلص منها رغم وعيِ ِه بغرابتها والمنطقيتها‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فهذا هو عين الوسواس القهري‪.‬‬


‫تصور كفري‬
‫ُّ‬ ‫لحة على‬
‫وهناك وسواس يأيت على شكل الشعور برغبة ُم َّ‬
‫تصور كفري لألنبياء‪.‬‬
‫تصور كفري للذات اإللهية‪ُّ ...‬‬
‫معين‪ُّ ...‬‬
‫تصور لألنبياء بصورة ال تليق‪.‬‬
‫تصور للذات اإللهية بصورة سيئة‪ُّ ...‬‬
‫ُّ‬
‫تصور كفري‪ ،‬بل على شكل‬
‫وهناك وسواس آخر يأيت لكن ليس على شكل ُّ‬
‫سلوك كفري‪ ،‬فتسأل سائلة وتقول‪ :‬أثناء تنظيفي للمنزل وضعت المصحف‬
‫جان ًبا لكن شعرت أين ألقي ُت ُه‪ ،‬فهل هذا كفر؟‬
‫وتبدأ تدخل يف نوبة خوف شديد‪.‬‬
‫شهورا تعاين من هذا المرض‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذه حالة حقيقية ظلت‬
‫فهذا نوع من أنواع وسواس السلوك الكفري‪.‬‬
‫وهناك وسواس النطق بكالم كفري‪ :‬حيث تخرج كلمات كفرية من اللسان‬
‫أثناء الهجمة الوسواسية‪ ،‬وتخرج ألفاظ سب للذات اإللهية أو األنبياء أو الدين‪.‬‬
‫وهناك وسواس عدم االنزعاج من الوسواس‪ :‬حيث يخشى المريض‬
‫بالوسواس القهري من عدم انزعاجه من الوسوسة‪ ،‬ويظن َّ‬
‫أن هذا اطمئنان‬
‫بالوسواس‪.‬‬
‫فهناك صور كثيرة من الوسواس‪ ،‬وقد يتعرض المريض بالوسواس لجملة‬
‫من هذه الصور الوسواسية أو كلها‪.‬‬
‫إذن فالفكرة الوسواسية القهرية قد تكون فكرة أو نط ًقا أو ً‬
‫فعال‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وصاحبها يظن أنَّه قد ه َلك أو كَفر أو نافق أو شك أو ألحد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مرات‪،‬‬ ‫وبعضهم يغتسل وينطق الشهادتين يف اليوم الواحد أكثر من خمس‬
‫نوع من األمراض يف الطب النفسي ُيسمى بـ‪ :‬الوسواس‬ ‫وال يدري َّ‬
‫أن هذا ٌ‬
‫القهري أو الـ ‪.OCD‬‬

‫‪463‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -13‬ملاذا حيدث الوسواس القهري؟‬

‫ج‪ :‬نحن ال نعرف تحديدً ا سبب حصول هذا المرض‪.‬‬


‫وهناك نظريات طبية كثيرة مثل افرتاض‪ :‬مشكلة جينية‪ ...‬مشكلة وراثية‪...‬‬
‫مشكلة يف النواقل العصبية‪.‬‬
‫أن هناك ضغ ًطا نفس ًّيا مفاج ًئا‪.‬‬
‫وهناك افرتاض َّ‬
‫أن‪ :‬هناك بعض األشخاص يكونون مه َّيئين‬ ‫لكن خالصة الموضوع َّ‬
‫ٍ‬
‫لسبب أو آلخر أكثر من غيرهم‪.‬‬ ‫لحصول الهجمة الوسواسية‬
‫مثال‪ ،‬أو استمع لطرح إلحادي‬ ‫ٍ‬
‫كشبهات ً‬ ‫ٍ‬
‫مفاجئ‬ ‫ٍ‬
‫لضغط‬ ‫تعرض أحدهم‬ ‫فلو َّ‬
‫أو حلقة تشكيكية‪ ،‬فإنَّه هنا تبدأ الهجمة الوسواسية يف الظهور‪.‬‬
‫وقد تظهر الهجمة الوسواسية فجأةً‪ ،‬ودون سابق إنذار‪.‬‬
‫يستغل االستعداد النفسي للوسواس‪ ،‬فيبدأ يف الوسوسة للمريض‬ ‫ُّ‬ ‫والشيطان‬
‫شعورا وهم ًّيا‬ ‫ٍ‬
‫فاسدة‪ ،‬فيضيع عليه شعور اليقين وطمأنينة النفس‪ ،‬ويعطيه‬ ‫ٍ‬
‫بأفكار‬
‫ً‬
‫أن اليقين لم يفقده‪ ،‬لكنه شعور وهمي مرتبط بالوسواس‪.‬‬ ‫بعدم اليقين‪ ،‬مع َّ‬
‫ِ‬
‫الوسوسة(‪.)1‬‬ ‫لذلك قال النبي ﷺ‪ :‬الحمدُ هللِ الذي ر َّد كيدَ ه إلى‬
‫شعورا وهم ًّيا خاد ًعا بالكفر‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهذا منتهى الشيطان من صاحب الوسواس أنَّه يعطيه‬
‫ُّ‬
‫فيظل‬ ‫وقد يبدأ الوسواس يف العقيدة على شكل وسواس يف الطهارة‪،‬‬
‫يتوضأ ساع ًة كاملة‪ ،‬ثم ينتقل الوساوس بعد حين إلى‬
‫َّ‬ ‫المريض بالوسواس‬
‫العقيدة‪ ،‬وقد تأيت الوساوس أول ما تأيت يف العقيدة‪.‬‬
‫سن معين يظهر فيه‪ ،‬لكن يف الغالب يبدأ قبل سن‬
‫والوسواس القهري ليس له ٌّ‬
‫يستمر أليام وشهور‪ ،‬وقد يطول لسنوات‪ ،‬ويختفي فجأ ًة يف أي وقت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫العشرين‪ ،‬وقد‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.3991:‬‬

‫‪464‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وبعض الناس من مرضى الوسواس قد تأتيهم الهجمة الوسواسية بمجرد أن‬


‫يقرأ القرآن‪ ،‬أو يصلي‪ ،‬أو يبدأ يف طلب العلم الشرعي‪.‬‬
‫فما أن يلتزم حتى تأتيه الوساوس‪ ،‬وبعض الناس تزداد معهم الوساوس يف‬
‫شهر رمضان‪.‬‬
‫والسر يف ارتباط الوسواس بااللتزام المفاجئ عند بعض الناس َّ‬
‫أن‪ :‬الوسواس‬ ‫ُّ‬
‫يف األساس يكون نتيج َة شعور التقصير‪ ...‬نتيجة شعور عدم تحقيق المثالية‪.‬‬
‫وبالتالي فهذا الشعور يزداد كلما ازداد اإلنسان طاعةً‪ ،‬وكذلك يزداد كلما‬
‫استمع اإلنسان للشبهات؛ ألنَّه يشعر يف هذا الوقت أن إيمانه يف خطر‪.‬‬
‫فالوسواس يف األصل ناتج عن قلق الشعور بالتقصير‪ ،‬وعدم المثالية‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن فالوسواس يستمدُّ وجو َده من انزعاجك‪ ...‬يستمدُّ وجوده من حرصك على‬
‫المثالية؛ ولذلك يزداد يف األوقات التي يكون فيها اإلنسان أحرص على المثالية‪.‬‬

‫‪ -14‬كيف يتعامل مريض الوسواس القهري يف العقيدة مع الوساوس اليت تأتيه؟‬

‫ج‪ :‬أول قاعدة ال بد ْ‬


‫أن يعرفها مريض الوسواس القهري يف العقيدة؛ سوا ًء‬
‫تصورات كفرية‪ ،‬أو نطق بكالم كفري‪،‬‬
‫كان وسواسه على شكل أفكار كفرية‪ ،‬أو ُّ‬
‫معفو‬
‫ٌّ‬ ‫أن‪َّ :‬‬
‫كل صور الوسواس‬ ‫أن يعرفها َّ‬
‫أو سلوك كفري‪ ...‬أول قاعدة ال بد ْ‬
‫عنها‪ ،‬وال شيء فيها‪.‬‬
‫فضال عن أن‬
‫ً‬ ‫أي ذنب أو مشكلة‪،‬‬
‫فكل صور الوسواس القهري ليس فيها ُّ‬
‫تكون ش ًّكا أو ً‬
‫كفرا أو إلحا ًدا‪.‬‬
‫معفو عنها!‬
‫ٌّ‬ ‫ك ُّلها‬
‫نجدُ يف ِ‬
‫أنفسنا شي ًئا َأل ْن‬ ‫قال النبي ﷺ لمرضى الوسواس الذين قالوا له‪ :‬إنَّا َل ِ‬
‫ب إليه مِن ْ‬
‫أن يتك َّل َم به‪.‬‬ ‫َ‬
‫يكون أحدُ نا ُح َمم ًة َ‬
‫أح ُّ‬

‫‪465‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫محض اإليمان(‪.)1‬‬
‫قال‪ :‬ذاك ُ‬
‫حاب النبي ﷺ‪َ ،‬فس َأ ُلو ُه‪ :‬إنَّا ن ِ‬
‫َجدُ يف‬ ‫أص ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ناس من ْ‬ ‫ويف صحيح مسلم جا َء ٌ‬
‫قال‪َ :‬‬ ‫وجدْ ُت ُمو ُه؟ قالوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬‬ ‫أن َي َت َك َّل َم به‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ذاك‬ ‫قال‪َ :‬و َقدْ َ‬ ‫أحدُ نا ْ‬
‫أ ْن ُفسنا ما َيتَعا َظ ُم َ‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪.‬‬ ‫َص ِر ُ‬
‫يح‬
‫فالنبي ﷺ الذي هو أتقى منَّا جمي ًعا‪ ،‬وأحرص الناس على دينِك وعقيدتِك‪،‬‬
‫قال عن هذه الوساوس الكفرية‪ :‬ذاك صريح اإليمان‪.‬‬
‫النبي ﷺ أن‬ ‫ِ‬
‫وهذا بالمناسبة عندي من عجائب اإلعجاز‪ ،‬إذ‪ :‬كيف َعلم ُّ‬
‫كفرا وال حتى مجرد شك؟‬ ‫طبيعة هذا المرض وهمية محضة‪ ،‬وليست ً‬
‫مؤخرا جدًّ ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أمر لم يعرفه الطب النفسي إال‬
‫هذا ٌ‬
‫ولم تظهر تحليالت طبيعة الوسواس القهري‪ ،‬وأهنا بالفعل أفكار وهمية إال‬
‫يف القرن الماضي‪.‬‬
‫وه ٌم يف وهم‪ ،‬وال شيء فيه‪.‬‬
‫فالوسواس القهري أ ًّيا كانت صورته هو ْ‬
‫تجاوز لي عن أمتي الخط َأ‬
‫َ‬ ‫اهلل تعالى‬
‫إن َ‬ ‫وأيضا ُروي عنه ﷺ أنَّه قال‪َّ " :‬‬ ‫ً‬
‫والنسيان وما اس ُتكرهوا عل ْي ِه"(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫وما اس ُتكرهوا عليه‪ :‬هذا هو عين التوصيف الطبي للوسواس‪.‬‬
‫تصورات وسلوكيات وكلمات قهرية‪ُ ،‬يستكره عليها مريض‬
‫فالوسواس هو ُّ‬
‫معفو عنها عند اهلل ‪ ،‬فقد تجاوز اهلل عنها بعلمه‬
‫ٌّ‬ ‫الوسواس‪ ،‬فهذه كلها‬
‫وحكمته ورحمته‪.‬‬
‫أجر عظيم من اهلل لمن صرب‪.‬‬ ‫بل َّ‬
‫إن هذه الوساوس فيها ٌ‬
‫فهي باب خير كبير من الحسنات واألجور‪ُ ،‬تكتب بمجرد الصرب عليها‪،‬‬

‫)‪ (1‬صحيح ابن حبان‪.923 ،‬‬


‫(‪ )2‬األربعون النووية‪ ،‬درجة الحديث‪ :‬حسن‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وعلى ما فيها من ضيق وشعور بالهم والخوف من الكفر والنفاق‪.‬‬


‫فكل ألم وأ ًذى نفسي وضيق يسببه الوسواس فيه أجر من اهلل‪.‬‬
‫الم ْسلِ َم مِن‬ ‫يب ُ‬
‫ِ‬
‫قال النبي ﷺ يف الحديث المتفق على صحته‪" :‬ما ُيص ُ‬
‫الش ْوك َِة ُي َشا ُك َها‪،‬‬ ‫وال أ ًذى‪َ ،‬‬
‫وال َغ ٍّم‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫وال ُح ْز ٍن‪َ ،‬‬ ‫وال َه ٍّم‪َ ،‬‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫وص ٍ‬
‫وال َ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫ن ََص ٍ‬
‫اهلل هبَا مِن َخ َطا َيا ُه"(‪.)1‬‬
‫َّإال َك َّف َر ُ‬
‫بل ربما ال ترتك الوساوس مريض الوسواس إال وقد غفر اهلل ذنوبه‪.‬‬
‫يف الحديث المتفق على صحته‪" :‬ما مِن ُم ْسلِ ٍم ُي ِصي ُب ُه أ ًذى‪َ ،‬م َر ٌض َفما ِس َوا ُه‪،‬‬
‫ور َق َها"(‪.)2‬‬ ‫اهلل َس ِّي َئاتِ ِه‪ ،‬كما َت ُح ُّط َّ‬
‫الش َج َر ُة َ‬ ‫َّإال َح َّط ُ‬
‫وولد ِه‬
‫ِ‬ ‫نفس ِه‬
‫بالمؤمن والم ْؤمِن َِة يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ويف الحديث الصحيح‪" :‬ما ُ‬
‫يزال البال ُء‬
‫يه خطيئ ٌة"(‪.)3‬‬ ‫ومال ِ ِه‪ ،‬حتَّى يل َقى اهلل وما ع َل ِ‬
‫َ‬
‫فالوساوس فيها خير وبركة وحكمة من اهلل ‪ ،‬وليعلم صاحب‬
‫أن هذا الوسواس هو تقدير من اهلل ‪ ‬لحكمة ولخير‪ ،‬فاهلل قيو ُم‬ ‫الوسواس َّ‬
‫ومدبر األمر يف السماء واألرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السماوات واألرض‪،‬‬
‫ُ‬
‫ال تجري ذرة وال أقل منها وال أكرب إال بعلم اهلل ومشيئته وقدرته وحكمته وتدبيره‪.‬‬
‫فهو سبحانه ُيقدِّ ر األقدار‪ ،‬ويدبر بحكمته ب ُط ُر ٍق نعر ُفها أو ال نعرفها‪...‬‬
‫كل شيء‪ ،‬ويدبر كل خير وبالء‪ ،‬ثم تعود عاقبة كل‬ ‫نريدُ ها أو نخشاها‪ ...‬يدبر َّ‬
‫دين اإلنسان ودنياه‪.‬‬ ‫وصالح ِ‬
‫ُ‬ ‫شيء وكل تقدير إلى ما فيه ُ‬
‫كمال الخير‬
‫فنحن مملوكون مد َّبرون تحت أمر اهلل وتصريفه سبحانه‪.‬‬
‫أقدار ِه خير ورحمة واختبار‪ ،‬لرفع‬
‫ِ‬ ‫وهو اللطيف المنَّان الودود الكريم‪ ،‬وكل‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3329:‬‬


‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ،3337:‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1379:‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.1511:‬‬

‫‪467‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الدرجات وتمحيص العباد‪.‬‬


‫واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخط َئك‪ ،‬وما أخطأك لم يكن ليصي َبك‪.‬‬
‫اهلل مِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َ ِ‬
‫نك‬ ‫لك م ْث َل ُأ ُحد ذه ًبا َأن َف ْق َت ُه يف سبي ِل اهلل ما َقبِ َل ُه ُ‬ ‫ولو َّ‬‫قال النبي ﷺ‪ْ " :‬‬
‫وأن ما َأ ْخ َط َأ َك لم‬‫أن ما َأصا َب َك لم َي ُك ْن ل ِ ُي ْخطِ َئ َك‪َّ ،‬‬ ‫حتَّى ُت ْؤمِ َن بال َقدَ ِر‪ ،‬و َت ْع َل َم َّ‬
‫غير هذا َد َخ َل الن ََّار"(‪.)1‬‬ ‫مات على ِ‬ ‫َي ُك ْن ل ِ ُي ِصي َب َك‪ ،‬وإ َّن ُه َمن َ‬
‫أقدار اهلل خير‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تقدير اهللِ‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ُ‬ ‫فهذا البالء‪ ...‬هذا الوسواس القهري هو‬
‫وكثير من مرضى الوسواس بعد ْ‬
‫أن اب ُتلوا بالوسواس صاروا طالب علم‪،‬‬
‫ودعاة إلى اهلل‪.‬‬
‫يهتم بآخرته‪...‬‬
‫قرب اهلل به اإلنسان من الطاعة‪ ،‬ويجعله ُّ‬
‫فهو رحمة من اهلل‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫يهتم بمصيره األبدي‪.‬‬
‫ُّ‬

‫‪ -15‬ما يه أرسع طريقة لعلج الوسواس القهري؟‬

‫ج‪ :‬ال بد أن نعلم وقبل أن نبدأ يف معرفة عالج الوسواس القهري‪َّ ،‬‬
‫أن الوقاية‬
‫التعرض ألماكن الشبهات‪.‬‬
‫خير من العالج‪ ،‬وأعظم وقاية هي عدم ُّ‬
‫ٌ‬
‫وهذا يستوي فيه مريض الوسواس القهري‪ ،‬والمه َّيأ للوسواس القهري‪،‬‬
‫والشخص الطبيعي‪.‬‬
‫عرض المسلم نفسه وقلبه وإيمانه للشبهات‪.‬‬
‫فال يجوز أن ُي ِّ‬
‫وال يجوز الجلوس بين من ُيلقون الشبهات‪ ،‬أو أن نستمع لهم‪ ،‬قال ربنا‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [النساء‪.]920 :‬‬
‫وكل شبهة كما قلنا قبل ذلك ولها ر ٌّد‪.‬‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.2311:‬‬

‫‪468‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وأهل العلم ما تركوا من شاردة وال ورادة إال وب َّينوها للناس‪.‬‬


‫عرض المسلم قلبه للشبهات ابتدا ًء ثم يبحث عن دواء؟‬
‫لكن لماذا ُي ِّ‬
‫قد ُيصاب بالوسواس قبل أن يعرف الدواء!‬
‫فالقاعدة األساسية‪ :‬عدم جواز القعود مع َمن يلقي الشبهات يف دين اهلل‪.‬‬
‫خاصةً‪ ،‬وأن القلوب بطبيعتها ضعيفة‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما عن أسرع طريقة لعالج من اب ُتلي بالوسواس أ ًّيا كان نوعه‪ ،‬فهي يف‬
‫ممارسة آلية االنتهاء‪.‬‬
‫قال النبي ﷺ يف عالج الوسواس‪َ " :‬فإِ َذا ب َل َغه َف ْليست َِع ْذ باهللِ و ْلينْت ِ‬
‫َه‪)1(".‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫فتع َّل ْم كيفية االنتهاء عن الفكرة الوسواسية‪ ...‬تع َّل ْم تطبيق آلية التجاهل التام‬
‫للوسواس‪ ،‬فهذا أسرع عالج للوسواس‪.‬‬
‫لكن كثيرين يفشلون وال يعرفون معنى االنتهاء التام‪ ...‬كثير من مرضى‬
‫يسيرا‪.‬‬ ‫الوسواس يظنُّون َّ‬
‫أن تجاهل الفكرة الوسواسية ليس ً‬
‫تجاهل الوسواس أليام فإنه يعود بعد ٍ‬
‫وقت‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫وبعضهم يشتكي أنَّه كلما‬
‫ببساطة؛ ألهنم ال يعرفون معنى االنتهاء عن االسرتسال مع الوسواس!‬
‫وقبل أن نشرح معنى االنتهاء عن االسرتسال مع الوسواس‪ ،‬ال بد ْ‬
‫أن نعلم‬
‫َّ‬
‫أن االنتهاء عن االسرتسال مع الوسواس هو محور العالج يف الطب النفسي‬
‫الحديث‪.‬‬
‫فمحور عالج مرض الوسواس القهري هو يف‪ :‬إيقاف الفكرة الوسواسية‪...‬‬
‫االنتهاء عن الفكرة الوسواسية ‪.Thought Stopping‬‬
‫فهذا ُي َعدُّ حجر الزاوية يف عالج الوسواس القهري يف الطب النفسي الحديث‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ،5173:‬ومسلم‪ ،‬ح‪.952:‬‬

‫‪469‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا من عجائب الطب النبوي‪.‬‬


‫وهذا ً‬
‫سر فشل كثير من الناس يف إيقاف الفكرة الوسواسية؟‬
‫لكن ما ُّ‬
‫السر هو أنَّهم‪ :‬ال يعرفون معنى االنتهاء عن االسرتسال مع الوسواس‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أصال‪.‬‬
‫فهم لم يوقفوا الفكرة الوسواسية ً‬
‫ٍ‬
‫كمجنون!‬ ‫االنتهاء عن الفكرة الوسواسية يعني ْ‬
‫أن تتعامل معها‬
‫تتخ َّيل الفكرة الوسواسية كشخص مجنون يهمس يف أذنك بكالم‪.‬‬
‫وبالتالي‪ :‬تتجاهله تما ًما‪.‬‬
‫تستخف به‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تسخر منه‪.‬‬
‫لو اهتممت بالوسواس وحاولت ْ‬
‫أن تبحث له عن رد‪ ،‬أو أن تبحث عن‬
‫ُطمأنينة خادعة كما يفعل كثير من مرضى الوسواس‪ ،‬فأنت هبذا تزيد‬
‫ُ‬
‫تنتعش‪.‬‬ ‫الوسواس‪ ...‬أنت هبذا تشعل الفكرة الوسواسية وتجعلها‬
‫يقول مريض الوسواس‪ :‬سأجيب عن هذه الشبهة‪ ،‬وبعد ذلك سأتجاهل‬
‫الوسواس‪ ،‬وهو هبذا يضحك على نفسه ويحاول أن يهدئ من ضغط الفكرة‬
‫الوسواسية‪ ،‬وال يعلم أنَّه بمجرد البحث ستزدحم أفكار وسواسية جديدة يف‬
‫رأسه ولن ينتهي‪.‬‬
‫فعالج الوسواس هو التجاهل التام‪.‬‬
‫ولو حاول مريض الوسواس أن يبحث عن رد على شبهته فهو هبذا يزيد المرض‪،‬‬

‫‪470‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وهو هبذا لم ِ‬
‫ينته كما أمره النبي ﷺ‪ ...‬هو هبذا اسرتسل مع الفكرة الوسواسية‪.‬‬
‫تخ َّي ْل لو َّ‬
‫أن مجنونًا ينادي عليك يف الطريق‪ ،‬وأراد إزعاجك‪ ،‬فأنت بدأت يف‬
‫التجاوب معه وناقشته هبدوء‪.‬‬
‫تخيل ماذا سيفعل بعد أن تناقشه وتحاول أن ُتر َّد عليه!‬
‫سيأيت بالمجانين من أصحابه‪ ،‬ويشتغلون عليك!‬
‫ستصبح ُلعب ًة يف أيديهم!‬
‫أما لو تجاهلتَه تما ًما فسيرتكك وشأنك‪.‬‬
‫فأنت لو بحثت عن ر ٍّد على الفكرة الوسواسية‪ ،‬والتي تظن أهنا شبهة‪ ،‬أنت‬
‫أيضا هبذا تخالف الهدي النبوي باالنتهاء‬ ‫هبذا ُت ِّ‬
‫غذي الفكرة الوسواسية‪ ،‬وأنت ً‬
‫عن الوسواس‪.‬‬
‫فمحاولة التجاوب مع الفكرة الوسواسية هو‪ :‬إفساد للعالج‪ ،‬وتضخيم للمرض‪.‬‬
‫محاولة التجاوب مع الوسواس‪ ،‬والر ُّد على الشبهات يف عقل مريض‬
‫حجر‬
‫ُ‬ ‫الوسواس هو مخالفة آللية االنتهاء التي أوصى هبا النبي ﷺ‪ ،‬والتي هي‬
‫الزاوية يف الطب النفسي الحديث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لوقت!‬ ‫فمن الطبيعي بعد ذلك أن يبقى معك مرض الوسواس‬
‫وكذلك كلما حاولت ْ‬
‫أن تطمئن على إيمانك‪ ،‬وكلما ازداد القلق عندك على‬
‫إيمانك‪َّ ،‬‬
‫فإن المرض يزداد‪.‬‬
‫َّ‬
‫ألن محاولتك االطمئنان على إيمانك هو اسرتسال مع الفكرة الوسواسية‪،‬‬
‫فأنت على محض اإليمان‪ ،‬كما َّ‬
‫بشرك النبي ﷺ‪ ،‬فماذا تريد أكثر من ذلك؟‬
‫اسرتسلت مع الفكرة الوسواسية‪ ،‬ولو حتى بمحاولة االطمئنان على‬
‫َ‬ ‫فكلما‬
‫يقينِك‪ ،‬أتتك عشرات األفكار الوسواسية الجديدة‪ ،‬بل ربما مئات وآالف‬
‫غيرها‪ ،‬فلن تنتهي‪ ،‬وهذه طبيعة هذا المرض‪ ...‬هذه طبيعة الوسواس القهري‬

‫‪471‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪.OCD Obsessive-compulsive disorder‬‬


‫تجاه َل صاحب الوسواس هذه الوسواس‪ ،‬وجاءه وسواس‬
‫َ‬ ‫لكن يف حال‬
‫آخر جديد بعد ٍ‬
‫وقت‪ ،‬فماذا يفعل؟‬
‫سيطبق آلية االنتهاء التام نفسها‪ ،‬والتجاهل التام‪.‬‬
‫أن الفكرة الوسواسية من أخبث ما يكون‪ ،‬فهي ُتش ِّكل نفسها‬
‫المشكلة َّ‬
‫يتعرف المريض بالوسواس عليها‪،‬‬
‫بشكل جديد تما ًما يف كل لحظة‪ ،‬بحيث ال َّ‬
‫فتأتيه بصور غريبة‪ ،‬وأشكال غير مألوفة‪ ،‬حتى ي ُظ َّن مريض الوسواس َّ‬
‫أن‪ :‬هذا‬
‫وسواسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الوسواس الجديد شبهة وليس‬
‫وهذه لعبة الوسواس القهري األشهر أنَّه يتش َّكل يف ألف شكل وصورة‪.‬‬
‫وسواسا‬
‫ً‬ ‫ويف كل مرة يظن صاحب الوسواس أنَّه ليس‬
‫وهذا شبيه بمريض نوبات الهلع‪ ،‬ففي كل مرة ي ُظ ُّن مريض نوبات الهلع َّ‬
‫أن‬
‫مثال‪.‬‬
‫حالته هذه المرة ليست نوبة هلع‪ ،‬وإنما مرض حقيقي يف عضلة القلب ً‬
‫طالما أنك مريض وسواس قهري‪ ،‬فكل فكرة تأتيك هي وسواس مهما‬
‫تش َّكلت أو غ َّيرت من طبيعتها‪.‬‬
‫يجب التجاهل التام‪ ،‬ويجب تطبيق آلية‬
‫ُ‬ ‫فمهما تش َّكلت األفكار الوسواسية‬
‫االنتهاء مع كل فكرة وسواسية جديدة‪.‬‬
‫فأنت لو أجبت المجنون‪ ،‬وتحاورت معه بمنطق يف أي ٍ‬
‫وقت من األوقات‬
‫سيم ُّل مع الوقت ويرتكك وشأنك‪.‬‬
‫لن يدعك‪ ،‬أما لو تجاهل َت ُه يف كل مرة‪ ،‬فإنه َ‬
‫طفال سخي ًفا كلما سر َت يف الطريق س ِ‬
‫خ َر منك‪ ،‬هذا الطفل لو حاولت‬ ‫تخ َّي ْل ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أن تقنعه بالمنطق أنَّه ليس هناك ما يدعو للسخرية‪ ،‬فإنه سيسخر أكثر أما لو‬
‫تجاهلته تما ًما سينساك‪.‬‬
‫الفكرة الوسواسية هي ذاك الشخص المجنون الذي يهمس يف ُأذنك‪...‬‬

‫‪472‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الفكرة الوسواسية هي ذاك الصبي السخيف الذي يسخر منك‪.‬‬


‫تجاهل الفكرة الوسواسية تما ًما‪.‬‬
‫بعض الناس يقول إنَّه يخشى على إيمانه أو خشوعه بسبب الوسواس‪ ،‬هو‬
‫أيضا هبذه المخاوف لم يطبق آلية االنتهاء‪ ،‬فاالنزعاج يزيد الوسواس‪.‬‬
‫ً‬
‫فإيمانك ال ينقص بالوسواس مهما كانت صورته‪ ،‬وليس عندك أدنى شك‬
‫يف الدين‪ ،‬بل أنت على صريح اإليمان بلفظ حديث النبي محمد ﷺ‪ ،‬لكن‬
‫الوسواس يعطيك هذا الشعور الوهمي َّ‬
‫بأن إيمانك قد ضعف أو أنك أصبحت‬
‫مناف ًقا حتى َّ‬
‫هتتم به وتقوم بالتجاوب معه!‬
‫فالفكرة الوسواسية كما قلت هي‪ :‬فكرة خبيثة تأتيك بصورة متنوعة حتى‬
‫هتتم هبا‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما مع التجاهل مرة يف األخرى ستنصرف األفكار الوسواسية بال عودة‪.‬‬
‫لكن بعض مرضى الوسواس َ‬
‫يخشون من عودة الوسواس مر ًة أخرى‪ ،‬وهذا‬
‫أيضا ُّ‬
‫يدل على عدم تطبيق آلية التجاهل‪ ،‬فطالما أنك تخشى من المجنون أن‬ ‫ً‬
‫يهمس يف أذنك‪ ،‬وطالما أنك تلتفت خلفك؛ خو ًفا من ظهور الصبي السخيف‪،‬‬
‫فإنك هبذا ُتشجعهما على العودة لك مجد ًدا‪.‬‬
‫فالتجاهل هو‪ :‬التجاهل التام‪ ،‬واالنتهاء هو‪ :‬االنتهاء التام‪.‬‬
‫َو ْل َينْت َِه‪.‬‬
‫تعا َم ْل وكأن المجنون‪ ،‬وكأن الصبي السخيف غير موجو َد ِ‬
‫ين هنائ ًّيا‪.‬‬
‫ال تبحث عن الوسواس بعد أن يختفي؛ ألنك لو فكرت فيه قد يبدأ يف‬
‫العودة مجد ًدا‪.‬‬
‫فتجاهله تما ًما‪ ...‬يأيت وقتما شاء‪ ،‬ويذهب وقتما شاء‪.‬‬
‫ْ‬
‫تنشغل‪ ،‬هل مازال موجو ًدا أم ال؟‬ ‫يأتيك كما يحب طالما انتهيت عنه‪ ...‬فال‬

‫‪473‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إن خشوعه يف الصالة قد َّ‬


‫قل بالفعل مع‬ ‫قد يسأل مريض وسواس ويقول‪َّ :‬‬
‫بداية الوسواس‪.‬‬
‫أيضا طبيعي؛ َّ‬
‫ألن الوسواس كان يشغل ذهنه‪ ،‬فما أن‬ ‫وجواب ذلك‪َّ :‬‬
‫أن هذا ً‬
‫ٌّ‬
‫يبدأ يف التجاهل التام حتى يعود الخشوع إن شاء اهلل‪.‬‬
‫لكن ماذا لو عاد الوسواس بعد زمن من التعايف التام؟‬
‫هنتم‪.‬‬
‫ما المشكلة يأيت الوسواس كما قلت وقتما أراد‪ ...‬فال نلتفت وال ُّ‬
‫ولو وصل مريض الوسواس لهذه المرحلة من االنتهاء والتجاهل بحيث‬
‫يصبح وجود الوسواس كعدمه‪ ،‬يف هذه اللحظة إن شاء اهلل سيختفي الوسواس‬
‫فجأ ًة كما أتى فجأةً‪.‬‬
‫قد يريد مريض الوسواس كت ًبا يف زيادة اليقين‪ ،‬وزيادة اإليمان‪ ،‬بحيث يظل‬
‫ثابتًا على دينه فهل يقوم بذلك؟‬
‫وكلجوكب‪ :‬لألسف هذا يبين َّ‬
‫أن مريض الوسواس لم يتجاهل الوسواس كما‬
‫هو مطلوب‪.‬‬
‫فهو هبذا لم يتجاهل الوسواس!‬
‫فلغز االنتهاء عن الوسواس هو أن ينتهي تما ًما‪ ،‬بحيث يصبح غير مهتم‬
‫بوجوده هنائ ًّيا‪.‬‬
‫فطلب زيادة اليقين والبحث عن كتب تزيد اإليمان‪ ،‬هذا يعني َّ‬
‫أن طالب هذه‬
‫تجاهال‪.‬‬
‫ً‬ ‫الكتب ُيركّز بشدة على الوسواس‪ ،‬وهذا ليس انتها ًء وال‬
‫ٍ‬
‫قراءة لكتب كاملة‬ ‫بل هذه قمة االهتمام‪ ،‬فهنا مريض الوسواس يريد مشروع‬
‫حتى يتخ َّلص من الوسواس يف ظنه‪.‬‬
‫هذا اهتمام غير طبيعي!‬
‫هذا تركيز شديد مع المجنون الذي يتك َّلم يف أذنك‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫كامال من الكتب‬
‫لو تكلم مجنون يف أذنك بكالم كفري‪ ،‬هل ستقرأ مشرو ًعا ً‬
‫للرد عليه؟‬
‫ً‬
‫صراخا يف أذنك‪.‬‬ ‫هو هبذا سيزداد‬
‫خذها قاعدة‪ :‬ال تفعل شي ًئا من أجل الفكرة الوسواسية‪ ،‬وال ترتك شي ًئا من أجلها‪.‬‬
‫ال تقرأ كتا ًبا يزيد اليقين حتى تختفي الفكرة الوسواسية‪ ،‬وال تبحث عن‬
‫أشياء تزيد اإليمان من أجل أن تختفي الفكرة الوسواسية‪.‬‬
‫ف عن عبادة كنت تعملها خو ًفا من زيادة الوسواس‪.‬‬
‫وأيضا ال تتو َّق ْ‬
‫ً‬
‫ال تفعل شي ًئا من أجل الوسواس‪ ،‬وال ترتك شي ًئا من أجله‪.‬‬
‫أن تتع َّلم ً‬
‫علما شرع ًّيا من أجل نفسك ودينك وآخرتك ونفع الناس؟‬ ‫أردت ْ‬
‫أن ِْع ْم وأك ِْر ْم‪.‬‬
‫أما من أجل الوسواس فال‪.‬‬
‫أي اهتمام بالفكرة الوسواسية عند مريض الوسواس هو تغذية للفكرة‬
‫ُّ‬
‫الوسواسية‪.‬‬
‫الفكرة الوسواسية تستمدُّ قوهتا من صراعك معها‪ ....‬من تفاعلك معها‪...‬‬
‫من بحثك عن الرد عليها‪ ...‬من محاولتك الهروب منها‪.‬‬
‫الفكرة الوسواسية تستمدُّ قوهتا من قلقك‪ ...‬من خوفك منها‪ ...‬من‬
‫اهتمامك هبا‪.‬‬
‫بعضا ثم تختفي‪.‬‬
‫الفكرة الوسواسية عليك أن تنتهي عنها تما ًما‪ ،‬وستأكل بعضها ً‬
‫وبعد زمن من التعايف من الوسواس قد تأيت أفكار وسواسية خفيفة‪ ،‬وهنا قد‬
‫يخاف الشخص‪.‬‬
‫المشكلة أن الخوف هو اهتمام بالفكرة الوسواسية‪.‬‬
‫لو جاءت أفكار خفيفة تجاهلها تما ًما‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فأسرع طريقة لعالج الوسواس القهري هي‪ :‬االنتهاء التام الصحيح عن‬
‫الفكرة الوسواسية‪.‬‬
‫ما يحصل من بعض مرضى الوسواس هو " َو ْهم االنتهاء"!‬
‫فالمريض لم ِ‬
‫ينته عن االنشغال بالوسواس‪ ،‬ويظن أنَّه متجاهل للوسواس‪،‬‬
‫وهو ليس كذلك‪.‬‬
‫وسواسا هذه المرة!‬
‫ً‬ ‫البعض يقول‪ :‬أشعر َّ‬
‫أن هذه األفكار تصدُ ُر عني‪ ،‬وليست‬
‫وهذا يف الواقع‪ :‬عين الوسواس القهري يف العقيدة‪.‬‬
‫وطالما أنك ما زلت تخشى أن تكون هذه الوسواس صادرة عنك‪ ،‬فهذا‬
‫أيضا يقينًا دليل على أنك لم ِ‬
‫تنته االنتهاء المطلوب‪ ،‬بل‬ ‫وسواس‪ ،‬وهذا ً‬ ‫يقينًا‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫مشغول هبا‪.‬‬ ‫أنت مسرتسل معها‪،‬‬
‫وهنا قد يقول المريض‪ :‬لكن أشعر أين بدأت أتق َّبل هذه الوساوس‪ ،‬ودليل‬
‫ذلك‪ :‬أين لم أعد أنزعج من الوسواس كما كنت أنزعج‪ ،‬فأخشى أن تكون هذه‬
‫لشك يف الدين عيا ًذا باهلل‪.‬‬
‫الوساوس قد انقلبت ٍّ‬
‫أيضا هو عين الوسواس القهري يف العقيدة‪.‬‬
‫وهذا ً‬
‫هذه طبيعة هذا المرض‪.‬‬
‫ال بد أن يستوعب مريض الوسواس طبيعة مرضه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويتغذى على خوفك‪ ،‬فيأتيك‬ ‫الوسواس يأيت بصور خبيثة متلونة متنوعة‪،‬‬
‫هتتم‪.‬‬
‫بالصورة التي تخاف هبا حتى َّ‬
‫قد يأيت الوسواس بعد وقت من التعايف‪ ،‬وهنا يظهر على شكل أفكار‬
‫خفيفة‪ ...‬وساوس سطحية بسيطة‪ ،‬لكن ما أن يبدأ الشخص يف االنزعاج‬
‫والخوف والرتكيز معها‪ ،‬وهل الوسواس عاد؟ فيزداد القلق‪ ،‬ويف هذه اللحظة قد‬
‫تعود الهجمة الوسواسية مجد ًدا‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فالهجمة الوسواسية عادت من توقعك وتركيزك وانزعاجك منها‪.‬‬


‫فالفكرة الوسواسية إذا انتهيت عنها تختفي‪ ،‬لكن قد تعود على شكل بسيط‬
‫تتحول إلى هجمة وسواسية مفاجأة‪.‬‬
‫تركز معها حتى ال َّ‬
‫جدًّ ا‪ ،‬فال ْ‬

‫فالتعامل مع بوادر األفكار الوسواسية السطحية البسيطة يكون كالتعامل مع‬


‫الهجمة الوسواسية‪ :‬التجاهل التام‪ ،‬واالنتهاء التام‪.‬‬
‫كنت أنا ‪ُ -‬مؤ ِّلف هذا الكتاب‪ُ -‬أعاين من مشكلة‬
‫منذ حوالي عشر سنوات ُ‬
‫وكنت كلما جاءتني هذه النوبات أخاف بشدة فتزداد أكثر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مرتبطة بنوبات الهلع‪،‬‬
‫ُأعاين منها لساعات ثم هتدأ‪.‬‬
‫بعد يومين أو أكثر تعود النوبات مجد ًدا وهكذا‪.‬‬
‫قررت ْ‬
‫أن أواجه هذه النوبات‪.‬‬ ‫كانت النوبات تأيت‪ ،‬ثم تختفي إلى ْ‬
‫أن َّ‬
‫نوبة الهلع عبارة عن‪ :‬شعور بضيق التن ُّفس‪ ،‬وضربات قلب سريعة‪ ،‬يرافقها‬
‫شعور بالموت‪ ،‬لكنها طب ًّيا مجرد وهم‪ ،‬وليست لها أية خطورة صحية‪.‬‬
‫بعد تشخيصي لحالتي قررت المواجهة‪.‬‬
‫وأذكر تلك الليلة جيدً ا أتتني النوبة‪ ،‬وبما َّ‬
‫أن نوبة الهلع تزداد يف حال كنت‬

‫‪477‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبدأت النوبة تشتدُّ‬


‫ْ‬ ‫وحدك‪ ،‬فأنا دخلت بمجرد بدايتها يف غرفة مظلمة وحدي‪،‬‬
‫وأنا مبتسم وهادئ تما ًما‪.‬‬
‫تتغذى على توترك‪َّ ...‬‬
‫تتغذى على خوفك منها‪.‬‬ ‫نوبة الهلع كالوسواس َّ‬
‫لذلك أنا ظللت هادئًا تما ًما‪ ،‬وبعد دقائق من ال َع َرق‪ ،‬وضربات القلب‬
‫الشديدة‪ ،‬وشعور عدم االتزان‪ ،‬وشعور االختناق‪ ،‬والتجاهل التام بدأت النوبة‬
‫يف الرتاجع سري ًعا‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين وحتى اللحظة لم تعد النوبة مجد ًدا بفضل اهلل ورحمته وعفوه‪.‬‬
‫تتغذى على خوفِك‬
‫مواز للوسواس القهري‪َّ ...‬‬ ‫ٍ‬ ‫فنوبات الهلع هي مرض‬
‫منها‪ ،‬وتستمدُّ قو َتها من اهتمامك هبا‪.‬‬
‫لو فعلت عكس ما تريد منك النوبة ستختفي‪ ،‬ولن يعود لها تأثير‪.‬‬
‫أن بعض مرضى الوسواس لجهلهم يغتسل وينطق الشهاد َت ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫تخيل َّ‬
‫ويقول‪ :‬أنا أفعل ذلك من باب االحتياط؛ لئال أكون نطقت بكالم كفري يف أثناء‬
‫الهجمة الوسواسية‪.‬‬
‫انتكاسا‬
‫ً‬ ‫فحسب‪ ،‬وإنما تزيد المرض‬
‫ُ‬ ‫وهذه ليست مخالفة للهدي النبوي‬
‫بصورة سريعة‪.‬‬
‫اهتم بالوسواس لدرجة تصديقه تما ًما‪.‬‬
‫فالمريض َّ‬
‫ٍ‬
‫بذنب‬ ‫إذا كان الشرع لم يأمرك حتى باالستغفار من الوسواس؛ ألنه ليس‬
‫أصال‪ ،‬فتأيت أنت لتغتسل وتنطق الشهادتين؟‬
‫ً‬
‫أنت هبذا تغذي الوسواس بصورة غير عادية!‬
‫تطور‬ ‫ُّ‬
‫كل إنسان بالمناسبة تأتيه وساوس‪ ،‬لكن اإلنسان الطبيعي ال يحصل ُّ‬
‫لهذه الوساوس عنده فتختفي ذات ًّيا‪ ،‬أما مريض الوسواس‪ ،‬فالوساوس عنده‬
‫أن إيمانه قد تأ َّثر‪ ،‬وقد ينطق أثناء‬
‫تتش َّكل بصور مختلفة‪ ،‬فيظن أنَّها شك‪ ،‬أو َّ‬

‫‪478‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الهجمة الوسواسية بكالم كفري‪ ،‬فيظن أنه هلك‪ ،‬وهو يف كل هذا يبقى‬
‫معفو عنه‪ ...‬وهو يف كل هذا على صريح اإليمان‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫وسواسا‪ ....‬وهو يف كل هذا‬
‫ً‬
‫أن تخاف منه‪ ،‬فطالما علمت َّ‬
‫أن‬ ‫الوسواس لو تش َّكل بألف صورة‪ ،‬إياك ْ‬
‫ْ‬
‫تعامل معه كمجنون‪...‬‬ ‫ْ‬
‫تعامل معه كوسواس‪...‬‬ ‫عندك وسواس‪ ،‬فمهما تش َّكل‬
‫ِ‬
‫انته عن االسرتسال معه‪.‬‬
‫ْ‬
‫وحافظ على طاعاتك كما أنت‪.‬‬
‫قد يأتيك شعور الالمباالة وقلة الخشوع‪ ،‬وقد تظن أنك هبذا صدَّ قت‬
‫أيضا من الوسواس‪.‬‬
‫الوسواس‪ ،‬وهذا ً‬
‫مهتم بالوسواس‬
‫يهتز‪ ،‬فأنت هبذا ٌّ‬ ‫وكلما حاولت أن تثبت لنفسك َّ‬
‫أن إيمانك لم َّ‬
‫ولم تتجاه ْله‪ ،‬وهذا سيجعل الوسواس يعطيك شعور عدم اإليمان أكثر وأكثر‪.‬‬
‫وسواسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الوسواس يعتمد على إيهامك بأنَّه ليس‬
‫يحاول أن يقنعك بذلك بأكثر من صورة‪.‬‬
‫هذا هو الوسواس‪ ،‬وهو َّ‬
‫يتغذى على هذه األلعاب التي يضحك هبا عليك‪.‬‬
‫لكن قد يسأل مريض وسواس فيقول‪ :‬كيف أجرب عقلي على النسيان التام؟‬
‫كيف أجربه على هذا التجاهل التام؟ فأنا الإراد ًّيا أسرتسل مع الفكرة الوسواسية!‬
‫وكلجوكب‪ :‬ال تجرب عقلك على شيء!‬
‫فقط اعترب مجنونًا يتكلم يف عقلك‪ ،‬فأنت ال ُتجرب عقلك على تجاهل‬
‫هتتم به أو تجرب نفسك على تجاهله‪.‬‬ ‫المجنون‪ ،‬بل أنت ُ‬
‫أعقل من أن َّ‬
‫تق َّب ْل وجو َده‪ ،‬وتجاهله تما ًما وكأنه غير موجود‪.‬‬
‫هذا هو المطلوب بالضبط‪.‬‬
‫تجاه ْلها‪.‬‬
‫َ‬ ‫تق َّبل وجود الفكرة الوسواسية‪ ،‬لكن‬
‫فأنت ال تجرب عقلك على النسيان؛ ألن اإلجبار اهتمام‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تلتفت هذا هو معنى االنتهاء!‬


‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫منشغل به‪ ،‬وال‬ ‫ْ‬
‫انشغل بما أنت‬
‫فالوسواس يدخل من ُأذن ويخرج من األذن األخرى‪ ،‬وكأن شي ًئا لم يحصل‪.‬‬
‫ْ‬
‫تسرتسل معها‪.‬‬ ‫تتجاوب أو‬
‫ْ‬ ‫ال تحارب الفكرة الوسواسية‪ ،‬وال‬
‫د ِع الوسواس‪ ...‬د ِع الشخص المجنون يتكلم يف ُأذنك‪ ،‬وانشغل أنت بما‬
‫ٌ‬
‫مشغول فيه كما أنت‪.‬‬ ‫أنت‬
‫ف ما كنت تعمله‪ ،‬وال تتمادى فيما تعمل من أجل إيقاف الفكرة‬ ‫وق ْ‬‫ال ُت ِ‬
‫الوسواسية‪ُ ،‬ك ْن كما أنت بطبيعتك‪.‬‬
‫‪TROLL‬‬ ‫سمى المتنمر‬
‫هناك شيء ُي َّ‬

‫يستفزك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المتنمر هو‪ :‬شخص سخيف يريد أن‬
‫التنمر هو‪ :‬عدم تغذيته‪.‬‬
‫عالج ُّ‬
‫‪DON'T FEED THE TROLL‬‬

‫‪480‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫تنمرا‪.‬‬
‫فتغذية المتنمر تكون بالرد عليه واالهتمام به‪ ،‬وهذا يجعله يفرح ويزداد ً‬
‫أ َّما مع تجاهله تما ًما وكأنه غير موجود يف حياتك‪ ،‬فإنه سيختفي‪.‬‬
‫الفكرة الوسواسية أشبه بالمتنمر‪.‬‬
‫خفت منها لن تستطيع إكمال‬
‫َ‬ ‫أيضا الفكرة الوسواسية أشبه بالسراب‪ ،‬لو‬
‫ً‬
‫طريقك‪ ،‬أما لو ِس َ‬
‫رت كما أنت وتجاهلتها‪ ،‬فسوف تكتشف بعد وقت أهنا ال شيء‪.‬‬
‫المشكلة أنك لن تطمئ َّن إلى أهنا ال شيء إال بعد تجاهلها والمرور عليها‪.‬‬
‫فبعد أن تتجاهل الوسواس ويختفي‪ ،‬ستعلم بعد وقت أنه ليس أكثر من‬
‫سراب وهمي مضحك بال قيمة‪.‬‬
‫كال!‬ ‫ْ‬
‫إذن أنت لست مطال ًبا بمحاربة الفكرة الوسواسية حتى تختفي‪َّ ،‬‬
‫المطلوب منك فقط هو‪ :‬التعامل معها وكأهنا غير موجودة‪ ،‬بحيث تفقد أثرها‬
‫مع الوقت‪ ،‬وتفقد خوفك منها‪ ،‬ويف هذه اللحظة ستختفي بالفعل من تلقاء نفسها‪.‬‬
‫مؤخرا بصورة كبيرة؛ لذلك ال بد ْ‬
‫أن يعرف الناس‬ ‫ً‬ ‫الوسواس القهري انتشر‬
‫ط بيعة هذا المرض‪ ،‬وطريقة التعامل مع هذا المرض؛ ألن كثيرين يتعذبون‬
‫ويظنون أهنم بوسواسهم هالكون‪.‬‬
‫وسبب انتشار الوسواس يف اآلونة األخيرة‪:‬‬
‫أ‪ -‬إتاحة البحث عرب شبكة اإلنرتنت بسهولة‪.‬‬
‫سهلت تغذية مرض الوسواس القهري عند مرضى الوسواس‪.‬‬
‫فإتاحة البحث َّ‬
‫أول ما تأيت مريض الوسواس فكرة وسواسية يبدأ يف البحث السريع عن ر ٍّد‬
‫عليها‪ ،‬ف ُيهيج المرض ويغذيه باستمرار‪.‬‬
‫ب‪ -‬انتشار الشبهات جعلت َمن عندهم استعداد نفسي لهذا المرض يظهر‬
‫فيهم بسرعة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الفراغ له دور يف زيادة حاالت الوسواس‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫د‪ -‬قلة العلم الشرعي عند أغلب األجيال الصغيرة‪.‬‬


‫مؤخرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهذه كلها أسباب أ َّدت النتشار هذا المرض‬
‫مرضى الوسواس بفضل اهلل من أكثر الناس إخبا ًتا هلل‪ ،‬ومِن أكثر الناس خو ًفا‬
‫على دينهم‪ ،‬ومن أكثر الناس بح ًثا عن المثالية المستحيلة‪ ،‬وهذه الصفات‬
‫الجميلة فيهم ال بد أن يستغلوها جيدً ا؛ ليصبحوا ُدعاة إلى اهلل‪ ،‬وطالب علم‪،‬‬
‫وهداة إلى سبيله‪.‬‬
‫وختا ًما‪ :‬اجع ِل الوسواس البالء الجميل!‬
‫اجعله البالء الذي يرفع اهلل به درجتك يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫بالصرب عليه‪ ،‬وتجاهله‪ ،‬وعدم تركك للطاعات‪.‬‬
‫لخص ما سبق عن الوسواس القهري يف العقيدة‪:‬‬ ‫و ُم َّ‬
‫الوسواس القهري هو‪ :‬أفكار ُملِ َّحة مزعجة‪.‬‬
‫أنت مأجور على الوسواس الذي يأتيك‪.‬‬
‫ْ‬
‫تحاول أن تقنع الفكرة‬ ‫الفكرة الوسواسية أشبه بمجنون يتك َّلم يف ُأذنك‪ ،‬فال‬
‫الوسواسية بالبحث عن جواب؛ ألنك هبذا كالذي يحاول أن يقنع مجنونًا‬
‫بالمنطق‪.‬‬
‫وسواسا‪ُ ...‬ت ْقنعك أنَّك‬
‫ً‬ ‫الفكرة الوسواسية قوهتا يف أنَّها تقنعك أهنا ليست‬
‫تعاين من الشبهات‪ ...‬تقنعك َّ‬
‫أن لديك مشكلة يف إيمانك‪.‬‬
‫وعالج الوسواس يف أي صورة جاءك هبا هو‪ :‬االنتهاء التام‪.‬‬
‫الوسواس يستمدُّ قوته من خطئك يف التعامل معه‪.‬‬
‫الوسواس يلعب على رفضك‪ ...‬على خوفك‪ ...‬على قلقك‪ ...‬على بحثك‪...‬‬
‫على اهتمامك‪.‬‬
‫تق َّب ْل طبيعة الوسواس‪ ،‬وال تدخل يف حرب؛ لطرد الفكرة الوسواسية‪ ،‬وال‬

‫‪482‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ْ‬
‫تعامل معها وكأهنا غير موجودة مهما تش َّكلت‪.‬‬ ‫هتتم هبا‪ ،‬بل‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫انته عن االهتمام بالوسواس تما ًما‪.‬‬
‫الوسواس ينقلك لدرجة أعلى يف دينك ودنياك إن شاء اهلل‪.‬‬
‫الوسواس يجعلك إلى اهلل أقرب‪.‬‬
‫واطمئن واحمد اهلل‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [النساء‪.]11 :‬‬ ‫ِ‬
‫فأبش ْر‬
‫َّ‬
‫وتذك َّْر دو ًما وصية النبي ﷺ لمريض الوسواس‪َ :‬ف ْل َي ْست َِع ْذ باهللِ َو ْل َينْت َِه(‪.)1‬‬
‫متفق على صحته‪.‬‬ ‫والحديث ٌ‬
‫ْ‬
‫فاستعذ‬ ‫فاستعذ باهلل والج ْأ إلى اهلل فهو ر ُّبك‪َ ،‬قدَّ ر ما قدَّ ر برحمته وحكمته‪،‬‬
‫ْ‬
‫تجاه ِل الفكرة الوسواسية تما ًما‪.‬‬ ‫َ‬ ‫به سبحانه ِ‬
‫وانته‪.‬‬
‫أن يشفي مرضانا‪ ،‬وأن يرفع درجاتنا‬ ‫أسأل اهلل العظيم‪ ،‬رب العرش العظيم ْ‬
‫جمي ًعا يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ،5173 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.952:‬‬

‫‪483‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫بصـــائر‬
‫أكرب مشروع فكري يف نقد اإلحلاد‬
‫وبيان بعض أدلة صحة اإلسالم‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬طـلـعـت هـيـثـم‬

‫الجزء الثاني‬

‫‪495‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪496‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الباب الثالث‬
‫الر ُّد عىل أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪497‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪498‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪ -66‬ملاذا يوجد ٌّ‬


‫رش يف العالم؟‬
‫ملاذا هناك فنت وحروب وأمراض؟‬

‫ج‪ :‬فتنة الشر والبالء والمصائب والمرض والحروب والكوارث هي تقري ًبا‬
‫أكرب أسباب اإللحاد عرب التاريخ‪.‬‬
‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [الحج‪.]11 :‬‬
‫فهناك َمن يكفر باهلل بسبب فتنة أو بالء أو مصيبة نزلت به نسأل اهلل الثبات‪.‬‬
‫شر من األساس؟‬
‫وهنا يسأل الملحد‪ :‬لماذا هناك ٌّ‬
‫والجواب ببساطة‪ :‬ألننا ُمكلفون‪.‬‬
‫هناك فتن وباليا؛ ألننا يف عالم اختباري‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [األنبياء‪.]53 :‬‬
‫فالخير والشر؛ ألنك مكلف‪ ،‬والتكليف هو غاية وجودك‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾‬
‫[الملك‪.]2 :‬‬
‫ُ‬
‫ووجود الشر ووجود الفتن والباليا هو يف حد ذاته أكرب دليل على صحة‬
‫القضية الدينية‪ ،‬وعلى خطأ اإللحاد‪.‬‬
‫فيمكن استخدام حجة الشر نفسها يف بيان خطأ اإللحاد‪:‬‬
‫إذ لو ُكنَّا أبناء العالم المادي لما استوعبنا ال الخير وال الشر‪.‬‬
‫ألننا طب ًقا للرؤية اإللحادية‪ ،‬نسير يف حتميات مادية صارمة‪ ،‬وتجري علينا‬
‫قوانين الطبيعة‪ ،‬ويف هذا اإلطار لن نستوعب ماهية الشر‪ ،‬وال معنى كلمة شر‪.‬‬
‫تطورا معضلة الشر؟‬
‫ً‬ ‫فهل ُتدرك أكثر الحيوانات‬

‫‪499‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يعرتف ريتشارد داوكينز هبذا األمر فيقول‪" :‬الكون يف حقيقته بال شر وال خير"(‪.)1‬‬
‫فاستيعاب الشر يعني أننا لسنا أبناء هذا العالم‪ ،‬وأننا نستمدُّ استيعابنا لوجود‬
‫الشر من مقدمة أخرى غير المقدمة المادية الداروينية للوجود‪.‬‬
‫فنحن ننتمي لمقدمة سماوية‪ ،‬وال ننتمي لطراز إلحادي مادي أرضي‪ ،‬وهذا‬
‫هو التفسير األوحد لكوننا نستوعب الشر‪.‬‬
‫يقول المفكر اإليرلندي كاليف لويس ‪ C. S. Lewis‬والذي كان ملحدً ا ثم‬
‫ترك اإللحاد‪" :‬وقد كانت ُحجتي ضد اهلل أن العالم بدا يف منتهى القسوة‬
‫والظلم‪ ...‬ولكن كيف حص ْل ُت على مفهوم الظلم والعدل هذا؟‬
‫إن المرء ال يصف خ ًّطا بأنه غير مستقيم إال إذا كانت لديه فكرة ما عن ماهية‬
‫الخط المستقيم‪ ..‬فبماذا ُكنت ُأقارن هذا العالم لما دعوته غير عادل؟‬
‫وتافها من األلف إلى الياء إذا جاز التعبير‪ ،‬فلماذا‬
‫ً‬ ‫وإذا كان العرض كله سي ًئا‬
‫وجدت أنا نفسي يف ردة فعل عنيفة هكذا ُتجاهه‪ ،‬مع أين من المفرتض أن أكون‬
‫جز ًءا من العرض؟‬
‫إن اإلنسان يشعر بالبلل عندما يسقط يف الماء؛ ألنه ليس حيوانًا مائ ًّيا‪ ،‬أما السمكة‬
‫فما كانت لتشعر بالبلل‪.‬‬
‫وكان من شأين طب ًعا أن أتخ َّلى عن مفهومي للعدل بمجمله‪ ،‬بقولي‪ :‬إنه ليس‬
‫أيضا‬
‫شي ًئا سوى فكرة خاصة من بنات أفكاري‪ ،‬ولكن لو فعلت ذلك الهنارت ً‬
‫فعال‬
‫حجتي ضد اهلل؛ ألن ُركن تلك الحجة كان القول بأن العالم غير عادل ً‬
‫وليس فقط أنه لم يصادف أن ُيرضي ميولي‪.‬‬
‫‪(1) The universe we observe has precisely the properties we should expect if there is, at‬‬
‫‪bottom no purpose, no evil and no good.‬‬
‫‪River out of Eden, p.131-131.‬‬

‫‪500‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وهكذا ففي محاولتي إثبات عدم وجود اهلل‪ ،‬تب َّين لي يف ذلك الفعل ذاته‬
‫حقيقة وجوده؛ َّ‬
‫ألن اإلنسان بإنكاره وجود العدل يف فع ٍل ما ُيرغم على التسليم‬
‫بوجود مفهوم العدالة‪.‬‬
‫ولو كان الكون كله عديم المعنى لما كان قد تب َّين لنا إطال ًقا أنه عديم المعنى‪.‬‬
‫فالوضع شبيه تما ًما هبذا‪ :‬لو لم يكن يف العالم نور‪ ،‬ولم تكن يف العالم‬
‫مخلوقات لها أعين لما ُكنا نعرف قط ًعا أن ال ُظلمة مسيطرة‪ ،‬ولكانت ال ُظلمة‬
‫كلمة عديمة المعنى‪.‬‬
‫فلو كان الكون كله عديم المعنى لما كان قد تبين لنا إطال ًقا أنه عديم‬
‫المعنى"(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫إذن فال يوجد شر بالمفهوم اإللحادي‪.‬‬
‫شر‬
‫أما بالمفهوم اإلسالمي‪ ،‬والذي عليه كل الشرائع السماوية‪ ،‬فال يوجد ٌّ‬
‫محض يف العالم‪ ،‬فكل شر من ورائه حكمة‪ ،‬وعدم فهمنا لبعض دقائق الحكمة‬ ‫ٌ‬
‫لدي أدنى سبب‬
‫اإللهية هذا أمر بديهي‪ ،‬يقول ديكارت يف كتابه التأمالت‪" :‬ليس َّ‬
‫يجعلني أتذ َّمر من أن اهلل لم يمنحني قدرة أعظم على الفهم‪ ،‬فمن الطبيعي أن‬
‫تظل هناك أشياء غير مفهومة"(‪.)2‬‬
‫فطالما أننا مكلفون‪ْ ،‬‬
‫إذن من الطبيعي أن يكون هناك فتن وبالء‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أننا ال نفهم كل دقائق الحكمة اإللهية‪.‬‬
‫فقوام ُجل التكليف على الحكمة‪ ،‬وقوام الحكمة على الخفاء‪.‬‬
‫فما أبعد أحكامه ‪ ‬عن الفحص واالستقصاء‪.‬‬
‫‪(1) C. S. Lewis.‬‬
‫‪(2) Descartes, R., Meditations and Other Metaphysical Writings, p. 94.‬‬
‫مقتبس من كتاب ثالث رسائل للدكتور عبد اهلل الشهري‪ ،‬مركز براهين‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الحكمة من أفعال الخضر لسيدنا موسى ‪ ،‬مع أنَّها‬‫وقد ج َّلى اهلل ِ‬

‫عظيم‪ ،‬وقصة‬‫ٍ‬ ‫أفعال ُتعد ظاهر ًّيا ُمنكرة وغير مستساغة‪ ،‬لكنها تكتنف على ٍ‬
‫خير‬
‫موسى والخضر لم ِ‬
‫تأت يف القرآن من باب السرد والحكاية‪ ،‬لكن من باب‬
‫المتعجل‪.‬‬‫التد ُّبر واإلقرار بقصور النفس البشرية وحكمها ُ‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪.‬‬ ‫فال يجوز ألحد أن يحتج يف باب ِ‬
‫الحكمة اإللهية يف البالء‬ ‫َّ‬
‫الحكمة قـاصرة؛ لقصور الطبيعة‬ ‫فأحكامنا على األمور التي تخفى فيها ِ‬

‫البشرية؛ ولقصور نظرهتـا اإلدراكية؛ وألننا مكلفون‪.‬‬


‫وحياتك الدنيا هي بداية خيط األبدية‪ ،‬ولو أصلحت وس َّلمت هلل هذه‬
‫البداية‪ ،‬واتقيت اهلل ما استطعت‪ ،‬وتد َّبرت الحكمة يف كل بالء‪ ،‬واستعنت باهلل‪،‬‬
‫وصربت وشكرت‪ ،‬سينصلح بذلك مستقبلك األبدي‪ ،‬وتنفتح لك بعض أبواب‬
‫الحكمة اإللهية‪.‬‬
‫تحملك لبعض اآلالم إال شيء بال قيمة يف طريق سعادة أبدية‪.‬‬
‫فما ُّ‬
‫الشر‪ ،‬ألم يكن من الممكن أن يصير‬
‫لكن قد يسأل ملحد‪ :‬لماذا قدَّ ر اهلل َّ‬
‫التكليف بغير شر؟‬
‫والجواب‪ً :‬‬
‫أوال اهلل يخلق ما يشاء ويختار‪.‬‬
‫﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [القصص‪.]86 :‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬كيف تريد أن تملك إرادة حرة‪ ،‬والتي هي أصل التكليف اإللهي‪ ،‬من‬
‫غير أن تكون لديك القدرة على فعل الشر؟‬
‫فإذا كنت مجربًا على فعل الخير فقط‪ ،‬فأين هي اإلرادة الحرة؟ وأين‬
‫التكليف؟‬
‫فالشر وبعض األلم والقدرة على ارتكاب المعصية هو المقتضى الطبيعي‬
‫ُّ‬
‫والنتيجة البديهية لحرية اإلرادة والتكليف اإللهي‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ووجود الشر والبالء والمصائب والشهوات‪ ،‬هؤالء ُيخرجون أفضل ما يف‬


‫اإلنسان الصالح‪ ،‬وأسوأ ما يف اإلنسان الفاسد‪.‬‬
‫وعليهم ترت َّتب األجور العظيمة لمن ص َبر و َث ُب َت ولم يجزع أو يقنط‪.‬‬
‫ليتذوقها عشر مرات بعد أن رأى‬
‫َّ‬ ‫وأقسى آالم القتل يتمنَّى الشهيد أن يعود‬
‫أن هذه الخطوات القليلة من األلم هي مفتاح نعيم‪ ،‬ورضا ال ينفد‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أن َي ْر ِج َع إلى الدُّ نْيا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬ما مِن ٍ‬
‫وأن له‬ ‫ب ْ‬ ‫أحد َيدْ ُخ ُل َ‬
‫الجنَّ َة ُيح ُّ‬ ‫َ‬
‫أن ير ِجع‪ ،‬في ْقت ََل َع ْشر مر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪َ ،‬غير َّ ِ‬ ‫ض مِن‬
‫ات‪،‬‬ ‫َ َ َّ‬ ‫الش ِهيد‪ ،‬فإنَّه َيت ََمنَّى ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫األر ِ‬‫ما ع َلى ْ‬
‫لِما َي َرى مِ َن ال َكرا َم ِة"(‪.)1‬‬
‫شرا‪،‬‬
‫ومن عجيب حال المالحدة أهنم ُينكرون وجود الخالق؛ ألن هناك ًّ‬
‫وهؤالء ينطبق عليهم المثال التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا كان األب خ ِّي ًرا ويحب الخير البنه‪ْ ،‬‬
‫إذن لماذا سمح بإعطائه حقنة‬
‫مؤلمة ضد الميكروبات؟‬
‫جراء الحقنة؟‬
‫‪ -2‬هناك ألم وقع على االبن َّ‬
‫‪ -5‬إذن األب غير موجود(‪.)2‬‬
‫واألعجب من ذلك َمن يأيت بصور أطفال يعانون من أمراض؛ ليستجدي‬
‫دليل على كفره‪ ،‬وهو يف الواقع ٌ‬
‫دليل على صحة اإليمان‪،‬‬ ‫أن هذا ٌ‬
‫عاطفتك ظنًّا َّ‬
‫وصحة التكليف اإللهي‪ ،‬وحقيقة أنَّنا ُمختربون‪.‬‬
‫فمن تد َّبر وجود الشر سيصل لليقين بصحة التكليف اإللهي‪ ،‬وغائية‬
‫َ‬
‫الوجود‪ ،‬وصحة مفهوم الرساالت‪.‬‬
‫فالشر دليل أنك مكلف‪ ،‬ودليل على أن اإللحاد خطأ‪.‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2612 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1622:‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫)‪ (2‬من كتاب أسس غائبة‪ ،‬م‪ .‬أحمد حسن‪ ،‬مركز دالئل‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إن وجود عالم آخر تستمدُّ منه معنى وجودك‪ ،‬وغائية وجودك‪ ،‬وقيمك‬
‫األخالقية‪ ،‬وتعرف من خالله لماذا يوجد شر؟ ولماذا هناك صراع بين الخير‬
‫شرا‪.‬‬
‫والشر‪ ...‬وجود هذا العالم ليس ممكنًا‪ ،‬بل هو ضرورة طبيعية؛ ألن هناك ًّ‬
‫وألنك تشعر بأن لوجودك غاية‪.‬‬
‫وألنك تعلم بفطرتك بغائية وجود الشر‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن وجود الشر دليل يف ذاته على صحة القضية الغيبية‪ ،‬وعلى أننا مكلفون‪.‬‬
‫شرا هو ممكن فقط يف وجود اهلل‪،‬‬
‫ويمكننا من هذا أن نقول إن البالء وما نراه ًّ‬
‫ووجود التكليف اإللهي‪.‬‬
‫فإذا أثبت الملحد وجود الشر فقد أثبت وجود الخالق المدبر‪ ،‬ووجود‬
‫التكليف اإللهي‪.‬‬
‫ومعاين الخير والشر هي ُبرهان واضح على أننا مكلفون‪.‬‬
‫وال توجد رواية وال فيلم وال مسرحية وال أية دراما تمثل وجود اإلنسان يف‬
‫هذا العالم إال وهي ُتجسد نو ًعا من أنواع صراع الخير والشر‪.‬‬
‫فهذا النوع من الصراع بين الخير والشر هو أحد أضواء آثار التكليف اإللهي‬
‫يف هذا العالم‪.‬‬
‫إنه واقع يشهد لقوله تعالى‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾‬
‫[اإلنسان‪.]5 :‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [البلد‪.]11 :‬‬
‫خاضع للتكليف اإللهي‪ :‬هل يفعل الخير أم يفعل الشر؟‬
‫ٌ‬ ‫فاإلنسان يف كل أفعاله‬
‫إن التكليف اإللهي ال يوجد ْأولى منه يف هذا العالم‪.‬‬
‫ويستشعره اإلنسان يف كل موقف يف حياته‪.‬‬
‫وهذا من أكرب الحجج على صحة مبدأ الرساالت‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فأيهما أكثر حكمة‪ :‬كالم الملحد بنفي اإليمان‪ ،‬والذي يتبعه بالضرورة نفي‬
‫فهم الشر‪ ،‬وعدم استيعابه؟‬
‫شر‬
‫أم تق َّبل اإليمان باهلل والتسليم له‪ ،‬والذي يجعلك تفهم لماذا هناك ٌّ‬
‫وبالء‪ ،‬وشعور بالتكليف اإللهي‪ ،‬وشعور بغائية وجودك؟‬
‫أن‬ ‫ٌّ‬
‫مستقل على َّ‬ ‫فإذا كان الشر موجو ًدا وأنت تستشعر وجوده‪ ،‬فهذا دليل‬
‫اإللحاد خطأ‪َّ ،‬‬
‫وأن التكليف اإللهي قضية حقيقية‪.‬‬
‫شر يف العالم لما‬
‫ومن العجيب يف أمر مسألة الشر أنَّه‪ :‬لو لم يكن هناك ٌّ‬
‫خرجت من المكان الذي ولدت فيه!‬
‫ولما ُو ِجدت حضارة‪ ،‬وال ُبنيت مدن‪ ،‬وال مصانع‪ ،‬وال بيوت‪ ،‬وال احتاج‬
‫الناس إلى عمل‪ ،‬وال ف َّكر الناس يف مقاومة مرض‪ ،‬أو حل مشكلة‪ ،‬أو اخرتاع‬
‫فكرة لجلب الراحة!‬
‫شر‪ ،‬وال عناء‪،‬‬
‫أصال؛ إذ ال َّ‬
‫ولما احتاج اإلنسان أن ينتقل من مكان والدته ً‬
‫وال بالء‪ ،‬وال تعب‪ ،‬وال مشاكل تبحث لها عن حلول!‬
‫فالشر هو الضرورة التي ال بد منها يف الدنيا!‬
‫فتد َّب ْر!‬
‫وا َّت ِق اهلل فإنك ُمك َّلف‪.‬‬
‫مؤخرا‬
‫ً‬ ‫وهنا قد يسأل إنسان‪ :‬لماذا انتشرت هذه الشبهة "وجود الشر"‬
‫بصورة كبيرة؟‬
‫والجواب‪ :‬انتشار شبهة الشر‪ ،‬وتأثر بعض مرضى القلوب هبا‪ ،‬هذا سببه ما‬
‫ُأسم ِ‬
‫يه بـ‪" :‬مغالطة درجات الحرارة"‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ضخ إعالمي رهيب ي ِ‬
‫حضر لك مصائب آالف البشر يف دقائق معدودة‪.‬‬ ‫فهناك ٌّ‬
‫ُ‬ ‫ٌّ‬
‫فهناك بركان يف مدينة كذا‪ ،‬وزلزال يف دولة كذا‪ ،‬وحادث على طريق كذا‪،‬‬

‫‪505‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وفيروس جديد من نوع كذا‪ ،‬وحروب شرسة بين دولتي كذا وكذا‪.‬‬
‫واإلعالم بطبيعته التي تركز على الخرب الكارثي هو ينقل باليا العالم يف‬
‫دقائق‪.‬‬
‫فهناك يقول الملحد‪ :‬انظر لكل هذه الشرور يف العالم!‬
‫ويف الواقع ال يوجد إنسان يعيش َّ‬
‫كل هذه المصائب مجتمعة‪ ،‬فكل إنسان‬
‫ُيبتلى بقدر محدود من البالءات‪ ،‬ويعيش يف المقابل يف جبال من النعم والفضل‬
‫فمن هذا الذي ينكر نِعم اهلل عليه؟‬
‫والخيرات التي ال ُتحصى‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫لحظة‪ ،‬فيتأثر مريض القلب‬ ‫مشكلة اإلعالم أنه يجمع المصائب كلها يف‬
‫بشبهة الشر‪ ،‬ولماذا توجد كل هذه البالءات‪.‬‬
‫تخيل معي َّ‬
‫أن درجة الحرارة يف مصر ‪ 01‬درجة مئوية‪ ،‬ويف العراق ‪02‬‬
‫يتحمل إنسان‬
‫َّ‬ ‫درجة‪ ،‬ويف إيطاليا ‪ 55‬درجة‪ ،‬فيأيت مريض القلب ويقول‪ :‬كيف‬
‫درجة حرارة تصل لـ ‪ 113‬درجة‪ ...‬مجموع درجات الحرارة السابقة‪.‬‬
‫مقسمة على بالد كثيرة‪.‬‬ ‫والواقع َّ‬
‫أن هذه الحرارة َّ‬
‫فيقع المتشكك فيما أسميه بـ‪" :‬مغالطة درجات الحرارة"‪.‬‬
‫صورها وكأن إنسانًا واحدً ا تقع عليه كل هذه المصائب‪.‬‬
‫فهو يجمع المصائب و ُي ِّ‬
‫قسمة‪ ،‬والنِّ َعم على كل ُمبتلى ال ُتحصى‪.‬‬
‫ويف الواقع‪ ،‬فالبالءات ُم َّ‬
‫فمغالطة درجات الحرارة ‪-‬اجتماع المصائب يف نشرة أخبار قصيرة‪ -‬لها‬
‫مؤخرا بين بعض الناس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دور يف زيادة انتشار شبهة الشر‬
‫فال بد أن نستشعر ألطاف اهلل ومنحه ومِنَنه التي ال ُتحصى على كل موجود‪.‬‬
‫ولو استشعرنا هذه الحقيقة وأدركنا لطف اهلل بعباده سنحتسب ونصرب‪،‬‬
‫ونتجاوز هذه األساليب التي يلعبها الملحد‪.‬‬
‫ثم كيف لو تف َّك ْرنا يف بعض ِحكم وجود الشر والبالء؟‬

‫‪506‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وكيف أنَّه باب عظيم لرفع الدرجات‪.‬‬


‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [البقرة‪.]133 :‬‬
‫وولد ِه ومال ِ ِه‬
‫ِ‬ ‫نفس ِه‬
‫والمؤمنة يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالمؤمن‬ ‫وقال رسول اهلل ﷺ‪" :‬ما ُ‬
‫يزال البال ُء‬
‫اهلل وما عل ْي ِه خطيئ ٌة"(‪.)1‬‬
‫حتَّى َيلقى َ‬
‫اهلل يف‬ ‫ِ‬
‫يبلغها بعمله ابتال ُه ٌ‬
‫َ‬ ‫سبقت له من اهللِ منزل ٌة لم‬
‫ْ‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬إن العبد إذا‬
‫سبقت ل ُه‬
‫ْ‬ ‫ذلك حتى يبلغ ُه المنزلة التي‬ ‫ولد ِه ثم ص َّبر ُه على َ‬ ‫ماله أو يف ِ‬ ‫جسد ِه أو يف ِ‬
‫ِ‬
‫من اهللِ تعالى"(‪.)2‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬العبدُ قد تنزل به النازلة؛ فيكون‬
‫والتضرع‪ ،‬وإن‬
‫ُّ‬ ‫مقصوده طلب حاجته‪ ،‬وتفريج كرباته‪ ،‬فيسعى يف ذلك بالسؤال‬
‫كان ذلك من العبادة والطاعة‪ ،‬ثم يكون يف أول األمر قصدُ ُه حصول ذلك‬
‫فتح له من‬
‫والتضرع َي ُ‬
‫ُّ‬ ‫المطلوب من الرزق والنصر والعافية ُمطل ًقا‪ ،‬ثم الدعاء‬
‫أبواب اإليمان باهلل ‪ ‬ومعرفته ومح َّبته‪ ،‬والتن ُّعم بِ ِذكره و ُدعائه؛ ما يكون هو‬
‫همته‪ ،‬وهذا من رحمة اهلل‬
‫قدرا عنده من تلك الحاجة التي َّ‬
‫أحب إليه وأعظم ً‬
‫َّ‬
‫بعباده‪ :‬يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العل َّية الدينية"(‪.)3‬‬
‫فكثير من الناس ينزل هبم البالء فيعودون إلى اهلل‪ ،‬ويصبحون من‬
‫ٌ‬
‫الصالحين‪ ،‬فسبحان اهلل العظيم وبحمده‪.‬‬
‫ويجب على المسلم أن يؤمن بقضاء اهلل‪ ،‬ويستسلم لكل أقدار اهلل‪ ،‬ولكل‬

‫)‪ (1‬صحيح الرتمذي‪ ،‬ح‪.2522 :‬‬


‫)‪ (2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5121 :‬‬
‫)‪ (3‬اقتضاء الصراط المستقيم (‪.)512/2‬‬

‫‪507‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بالء‪ ،‬قال النبي ﷺ "وتؤمن بالقدر خيره وشره"(‪.)1‬‬


‫النبي ﷺ‪" :‬لو أنفقت مثل‬
‫و َمن لم يؤمن بالقضاء والقدر فهو من أهل النار‪ ،‬قال ُّ‬
‫أحد ذه ًبا يف سبيل اهلل‪ ،‬ما قبله اهلل منك حتى تؤمن بالقدر‪ ،‬وتعلم أن ما أصابك لم يكن‬
‫لدخلت النار"(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫مت على غير هذا‬
‫ليخطئك‪ ،‬وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك‪ ،‬ولو َّ‬
‫فاإليمان بالقضاء والقدر هو دين المسلم!‬
‫وهنا حقيقة أو ُّد أن أسوقها يف ختام الحديث عن مسألة الشر‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن‪ :‬هذه‬
‫المسألة منتشرة بشدة يف الغرب بسبب الرتاث النصراين‪.‬‬
‫المحرف جاء يسوع من أجل فداء البشر على الصليب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ففي الرتاث النصراين‬
‫وبالتالي فالمفرتض أن ينتهي الشر من العالم؛ ألن يسوع المحبة افتدانا‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالمفرتض أن تختفي آثار الخطية األصلية التي هي مصدر كل الشر يف العالم‪.‬‬
‫لكن الشر والبالء والمصائب ما زالت موجودة‪ ،‬وبالوتيرة نفسها التي كانت‬
‫عليها قبل صلب يسوع!‬
‫ْ‬
‫إذن أين المحبة؟ أين الفداء؟‬
‫هذه اإلشكالية الكربى هي مصدر زيادة "معضلة الشر" يف العقل الغربي‬
‫النصراين المعاصر!‬
‫ولذلك فمسألة الشر منتشرة بشدة يف الغرب‪.‬‬
‫لكن ما َعالقة المسلمين بكل هذا الهراء؟‬
‫ما َعالقة عقيدة جميع األنبياء بكل هذه السخافة؟‬
‫الشر يف اإلسالم ويف شرائع األنبياء؛ ألننا ُمكلفون‪.‬‬
‫ألننا يف عالم اختباري‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.6 :‬‬


‫(‪ )2‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.0822 :‬‬

‫‪508‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪ -67‬كيف نعرف اهلل؟‬

‫ج‪ :‬نعرف اهلل بطرق كثيرة جدًّ ا‪ ،‬لكن سنذكر هنا أربع ًة طرق‪:‬‬
‫الطريق األول‪ :‬نعرف اهلل عن طريق الفطرة السليمة‪.‬‬
‫أن لك خال ًقا خلقك‬
‫أن له خال ًقا‪ ،‬فأنت بالفطرة تعرف َّ‬
‫فاإلنسان بفطرته يعلم َّ‬
‫الخلقة‪ ،‬وهذا الصنع واإلتقان المدهش‪.‬‬‫هبذه الهيئة‪ ،‬وهذه األعضاء‪ ،‬وهذه ِ‬

‫طالب باللجوء إلى خالقه بالعبادة‪ ،‬ويعلم‬


‫وأيضا اإلنسان بفطرته يعلم أنَّه ُم ٌ‬
‫ً‬
‫ومحتاج إليه يف كل وقت‪ ،‬ويزداد هذا‬
‫ٌ‬ ‫مفتقر لخالقه سبحانه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أيضا بفطرته أنه‬
‫ً‬
‫الشعور بالحاجة هلل يف الشدائد‪.‬‬
‫ففطرة معرفة اهلل ُفطِر عليها كل البشر‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [الروم‪.]51 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾‬
‫[األعراف‪.]122 :‬‬
‫فقبل أن ُنخلق ُفطِرنا على معرفة اهلل‪ ،‬و ُفطرنا على العبودية له سبحانه‪:‬‬
‫﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [األعراف‪.]122 :‬‬
‫وقال النبي ﷺ يف الحديث المتفق على صحته‪" :‬ما مِن مو ُل ٍ‬
‫ود إِ َّال ُيو َلدُ ع َلى‬ ‫َْ‬
‫الف ْط َر ِة"(‪.)1‬‬
‫ِ‬

‫فكلنا ُنولد على هذه الفطرة‪ ،‬وهذه الفطرة تكفي كل إنسان يريد الحق أن‬
‫َّ‬
‫يستدل على الحق‪ ،‬وأن يستسلم لهذا الحق متى تب َّين له‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2836:‬‬

‫‪509‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كفرا‪ ،‬وخاص ًة يف‬


‫وهذه الفطرة ال يستطيع أن ينكرها حتى أشد الناس ً‬
‫األوقات العصيبة‪ ،‬فالناس كلهم يلجؤون هلل يف أوقات الشدائد وينسون ما‬
‫يشركون‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [اإلسراء‪.]82 :‬‬
‫ٍ‬
‫شديد‪ ،‬وشعر بالهالك‪ ،‬فإنه لن يدعو إال اهلل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كرب‬ ‫فإذا كان اإلنسان يف‬
‫وس َينْسى كل شركياته؛ وهذا اإلخالص هلل يف الدعاء وقت الشدائد دافعه الفطرة‬
‫السليمة الموجودة بداخل كل إنسان‪.‬‬
‫يقول أحد رؤساء أمريكا ‪-‬إيزهناور‪ -‬وكان قائدً ا للقوات األمريكية يف‬
‫الحرب العالمية الثانية يقول بعد أن شاهد كيف َّ‬
‫أن القوات تعود للفطرة وقت‬
‫الخطر الشديد‪" :‬ال يوجد مالحدة يف الخنادق"‪.‬‬
‫منكر هلل‪ ،‬الكل يعود هلل‪ ،‬فهذه حقيقة‬
‫ٌ‬ ‫ففي الخندق وقت الحرب ال يوجد‬
‫الفطرة التي يعرتف هبا ُّ‬
‫كل البشر وقت الشدائد‪.‬‬
‫الطريق الثاين لمعرفة اهلل هو العقل‪ :‬فنحن نعرف اهلل بالعقل‪.‬‬
‫مثاال على ذلك يف إجابة سؤال سابق يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫وقد ذكرنا ً‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [الطور‪.]53 :‬‬
‫خالق خلقنا‪.‬‬
‫فبالعقل لنا ٌ‬
‫الطريق الثالث لمعرفة اهلل هو النظر يف مخلوقات اهلل‪:‬‬
‫فالنظر يف خلق اهلل يضعنا أمام عظمة اهلل ‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ﴾ [يونس‪.]111 :‬‬
‫فكلما نظرنا إلى دقيق خلق اهلل‪ ،‬وعجيب اإلتقان‪ ،‬ازددنا معرف ًة باهلل‪.‬‬
‫الطريق الرابع لمعرفة اهلل هو من خالل الرسل‪:‬‬
‫اهلل من خالل‬
‫وهذا هو الطريق األعظم لمعرفة اهلل ‪ ،‬وهو أن نعرف َ‬

‫‪560‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫رسلِه وأنبيائه‪ ،‬فالرسل أخربوا عن اهلل‪ ،‬وأخربوا عن صفاته‪ ،‬وأخربوا عن ذاته‬


‫سبحانه‪ ،‬فمن خالل األنبياء عرفنا اهلل بأسمائه وصفاته‪ ،‬وعرفنا كيف نعبد اهلل‪،‬‬
‫نتقرب إليه‪ ،‬وعرفنا كيف ننجو يوم الحساب من عذاب اهلل‪ ،‬فالرسل‬ ‫وكيف َّ‬
‫َد َع ُوا الناس لعبادة اهلل أو بمعنًى آخر‪ :‬دعوا الناس للعودة لفطرهم التي ُفطروا‬
‫عليها‪ ،‬وأن َيعبدوا اهلل كما أمر‪.‬‬
‫فالرسل أرشدوا الناس إلى طريق الحق والنجاة‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [النساء‪.]183 :‬‬
‫فإخبار هؤالء األنبياء والرسل عن اهلل‪ ،‬وتأييد اهلل لهم بالمعجزات‪ ،‬ال يجعل‬
‫ٍ‬
‫ألحد ُحجة على اهلل يوم القيامة‪.‬‬
‫فاهلل ‪ ‬أعطاك الفطرة التي تعرف هبا خالقك‪ ،‬وأعطاك العقل‪ ،‬وأعطاك‬
‫يبق لك عند اهلل حجة‪.‬‬
‫النظر يف مخلوقاته‪ ،‬وأرسل لك الرسل‪ ،‬فلم َ‬
‫ُّ‬
‫‪ -68‬ما يه القواعد العقلية اليت نستدل بها ىلع وجود اهلل سبحانه؟‬

‫ج‪ :‬القاعدة األولى‪ :‬العدم ال يفعل شي ًئا‪:‬‬


‫العدم ال يصنع شي ًئا وهذه بديهة عقلية‪ ،‬فال بد لكل فع ٍل من فاعل‪.‬‬
‫أن له بداية‪ ،‬وعلمت َّ‬
‫أن الكائنات الحية‬ ‫وإذا نظرت إلى هذا العالم وعرفت َّ‬
‫كذلك لها بداية‪ ،‬فهذا يجعلك توقن بأنَّه ال بد لهذا العالم ولهذه الكائنات من‬
‫أن العدم هو الذي أوجد العالم أو أوجد هذه الكائنات‬ ‫وج ٍد‪ ...‬وليس َّ‬
‫صان ٍع م ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بشيء وال يصنع شي ًئا‪.‬‬ ‫الحية‪ ،‬فالعدم كما قلنا ليس‬
‫إذن‪ :‬بما أن العالم ك َّله بكل ما فيه من مادة وقوانين ونجوم وكواكب له‬
‫ْ‬
‫أن له خال ًقا خلقه‪.‬‬
‫بداية‪ ،‬فهذا دليل على َّ‬
‫أن‪ :‬الموجودات ُّ‬
‫تدل‬ ‫ُّ‬
‫نستدل هبا على وجود اهلل وهي َّ‬ ‫القاعدة الثانية التي‬

‫‪566‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫على بعض صفات َمن أوجدها‪:‬‬


‫فإذا رأيت شي ًئا متقنًا فسوف تقطع َّ‬
‫بأن صانعه قد أتقن ُصنعه‪ ،‬وستقطع‬
‫بالعقل َّ‬
‫أن صانع هذا الشيء عنده قدرة على إيجاده وتصميمه وضبطه‪.‬‬
‫وهكذا يمكننا أن نعرف بعض صفات الخالق سبحانه من النظر يف خلقه‪.‬‬
‫انظر للسماء واألرض والنبات والشجر والجبال وانظر للدواب من حولك‪،‬‬
‫عالم مدهش من المخلوقات العجيبة‪.‬‬
‫انظر لداخل جسدك‪ ،‬وانظر لضبط الوظائف الدقيق يف جسمك‪.‬‬
‫سأعطيك ً‬
‫مثاال واحدً ا على الصنع المبهر والضبط الدقيق واألمثلة يف هذا ال‬
‫حصر لها‪:‬‬
‫هرمون النمو الذي يساعدك على النمو‪ ،‬هذا الهرمون تركيزه يف الدم‪ 3 :‬نانو‬
‫ٍ‬
‫جرامات‪.‬‬
‫لو ازدادت نسبة هذا الهرمون بمقدار ُيقاس بأجزاء من المائة مليون من‬
‫الجرام ‪-‬يعني أن الجرام مقسم إلى مائة مليون جزء‪ -‬لو ازداد هذا الهرمون‬
‫بأجزاء من المائة مليون من الجرام‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا يؤدي إلى مرض العملقة ‪-‬تضخم‬
‫جسم اإلنسان بصورة مخيفة‪ -‬ولو ق َّلت بأجزاء من المائة مليون من الجرام‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫التقزم ‪-‬صغر حجم الجسم واألعضاء‪.‬‬
‫هذا يؤدي إلى مرض ُّ‬
‫هذا التغ ُّير المدهش بسبب تغير بأجزاء بسيطة جدًّ ا من هذا الهرمون‪.‬‬
‫فانظر لجسدك الذي خلقه اهلل يف أحسن تقويم‪ ،‬هبذا الضبط المدهش لهذا‬
‫الهرمون ولغيره من الهرمونات والوظائف التي ال ُتحصى‪.‬‬
‫فهذه دقة وإتقان يف الخلق‪﴿ :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ﴾ [القمر‪.]02 :‬‬
‫جزء من أجسادنا‪ ،‬وما الجوائز التي‬‫فنحن محاطون بالرعاية اإللهية يف كل ٍ‬
‫ُ‬
‫يحصل عليها العلماء إال الكتشافهم بعض أوجه هذه الرعاية يف العالم‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ُّ‬
‫نستدل هبا على وجود اهلل هي‪ :‬فاقد الشيء ال يعطيه‪:‬‬ ‫القاعدة الثالثة والتي‬
‫األوثان والطبيعة ال تملك القدرة على الخلق‪ ،‬وال على اإليجاد‪ ،‬وال على‬
‫الضبط‪ ،‬وال على اإلتقان‪.‬‬
‫مفتقر‬
‫ٌ‬ ‫فاألوثان التي يعبدها الكفار‪ ،‬والطبيعة التي يؤمن هبا الملحد كالهما‬
‫لخالقه‪.‬‬
‫فال تملك األوثان وال الطبيعة من أمرهما شي ًئا‪ ،‬وليس لديهما القدرة على‬
‫ضبط الهرمونات بداخلك هبذا المقدار المدهش‪ ،‬وال لديهما القدرة على وضع‬
‫الشفرة الوراثية‪ ،‬والتي هي ماليين المعلومات داخل البذرة‪ ،‬وال لديهما القدرة‬
‫على إيجاد أي شيء‪ ،‬وال حتى على إيجاد أنفسهما‪.‬‬
‫فخالق هذا العالم هبذه العجائب هو خالق عظيم عليم قدير حكيم‪.‬‬
‫واآلن سنعطي بعض األمثلة البسيطة على دقيق الصنع اإللهي‪ ،‬والعلم‬
‫اإللهي‪ ،‬والقدرة اإللهية‪ ،‬والحكمة اإللهية‪ ،‬لنعرف كيف َّ‬
‫أن المخلوقات خلقها‬
‫اهلل وحده‪ ،‬وليست الطبيعة أو األحجار أو األوثان‪:‬‬
‫وأنت يف بطن أمك ال تستخدم رئتيك يف التنفس أبدً ا‪ ،‬فأنت يأتيك‬
‫األوكسجين الذي تحتاجه مع دم األم‪ ،‬ومع ذلك ومع عدم حاجتك للرئة إال َّ‬
‫أن‬
‫اهلل خلق رئتيك وأنت يف بطن أمك؛ ألنك بمجرد خروجك من بطنها ستستخدم‬
‫فورا‪ ،‬وإال فبدون رئتيك لن تعيش لحظ ًة واحد ًة بعد الوالدة‬
‫رئتيك ً‬
‫أصال إال بعد الوالدة‪.‬‬
‫وكذلك خلق اهلل عينيك يف بطن أمك‪ ،‬وأنت ال تحتاجهما ً‬
‫فاهلل؛ ألنه عليم بما ستحتاج إليه بعد خروجك من بطن أمك قدَّ ر لك‬
‫األعضاء التي تريدها بقدْ ِرها‪.‬‬
‫وبعد نزولك من بطن أمك بلحظات يبدأ لبن األم يف الخروج لتغذيتك‪،‬‬
‫و ُأمك ال تعرف شي ًئا عن المضادات الحيوية التي تكون يف لبنها يف أول أربعة‬

‫‪563‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫جسمك ك ِّلها‪ ،‬وال تعرف شي ًئا عن مراحل إنتاج اللبن‪،‬‬ ‫أيام‪ ،‬والتي ُتطهر مجاري‬
‫ومستويات تركيز اللبن بحسب عمر الرضيع‪ ،‬فكل هذا خ َلقه اهلل اللطيف الودود‬
‫الكريم بمقدار‪.‬‬
‫وأودع اهلل يف أبويك غريزة ح ِّبك والتضحية بالمال والصحة والوقت من‬
‫أجلك‪ ،‬وهم يف كل هذا راضون تمام الرضا‪.‬‬
‫فن ِ َع ُم اهلل عليك ال تحصى يف كل وقت‪.‬‬
‫إنَّه خ ْلق إلهي حكيم‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾‬
‫[لقمان‪.]11 :‬‬
‫فهل األوثان أو الطبيعة تستطيع أن تفعل من ذلك شي ًئا؟‬
‫ثم تخ َّي ْل! لو كانت الشمس من الفحم؟‬
‫هذه الشمس العظيمة‪ ،‬تخ َّي ْل لو أهنا كانت من الفحم‪ ،‬هل تعرف كم سيكون‬
‫عمرها؟ ثالثمائة عام فقط‪ ،‬وتنتهي وبالتالي تنتهي الحياة على األرض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بمقدار سبحانه‪.‬‬ ‫فاهلل خلق كل شيء‬
‫تخيل! لو َّ‬
‫أن اإلنسان بال عظام؟‬
‫سيصبح كومة لحم ال حركة فيها‪.‬‬
‫أعرض األمثلة بكل ما أويت الناس من ٍ‬
‫علم ألف عام‪ ،‬واهلل ما‬ ‫ُ‬ ‫ظللت‬
‫ُ‬ ‫لو‬
‫ذكرت شي ًئا من نِعم اهلل وعجيب خلق اهلل‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ﴾ [الكهف‪.]112 :‬‬
‫﴿ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [لقمان‪.]22 :‬‬
‫فآيات اهلل يف خلقه ال تنتهي‪ ،‬وال ُيحصيها أحد‪.‬‬
‫﴿ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [النمل‪.]66 :‬‬

‫‪564‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [السجدة‪.]2 :‬‬


‫فالنظر يف هذه النِّعم مع استحضار أسماء اهلل الحسنى يزيدك إيمانًا ومعرف ًة باهلل‪.‬‬
‫فاهلل هو الرزاق العليم الحكيم الخبير الكريم اللطيف المنان ذو الجالل‬
‫واإلكرام الحي القيوم‪.‬‬
‫فانظر يف نِعم اهلل وتأ َّم ْل وس ِّب ْح بحمده‪ ...‬وقل‪ :‬سبحان ربي وبحمده‪.‬‬
‫ْ‬
‫﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [األعلى‪.]5 -1 :‬‬

‫‪ -69‬هل يكيف اإليمان باهلل مع الكفر باألنبياء؟‬

‫ج‪ :‬ال‪.‬‬
‫اإليمان بوجود اهلل مع عدم اإليمان باألنبياء ال يكفي حتى يكون اإلنسان‬
‫المد ِّبر‪ ،‬ثم تكفر بوحيه‪،‬‬
‫مسلما هلل‪ ،‬فما معنى أن تؤمن بأن اهلل هو الخالق الرازق ُ‬
‫ً‬
‫وتنكر رسله؟‬
‫هذا كفر أكرب‪.‬‬
‫بل ليس هناك أعظم ُجر ًما من الذي َي ُر ُّد على اهلل وحيه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [النساء‪.]131 :‬‬
‫فمن يؤمن باهلل ويكفر باألنبياء فهو الكافر ح ًّقا‪.‬‬
‫فكل من كفر بنبي من األنبياء فهو كافر باهلل؛ ألنه أنكر وحي اهلل؛ لذلك فأهل‬
‫الكتاب كفروا لكفرهم بنبوة محمد بن عبد اهلل ﷺ‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [الب ِّينة‪.]8 :‬‬
‫ووعيد اهلل بدخولهم النار حق ﴿ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [ق‪.]10 :‬‬
‫فليس اإلسالم وليست النجاة لمجرد إقرار اإلنسان َّ‬
‫بأن اهلل هو الخالق‬

‫‪565‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فحسب‪ ،‬بل ال بد من اإليمان برسله‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الرازق المحيي المميت‬
‫فاإليمان بوجود اهلل والكفر باألنبياء ال يكفي‪ ،‬وال ينفع العبد عند اهلل يوم‬
‫القيامة؛ إذ ال بد أن ُيعبد اهلل‪ ،‬ويتم اإليمان بكل رسله‪.‬‬
‫ولو كان اإليمان بوجود اهلل كاف ًيا لما أرسل اهلل رسله‪ ،‬وال أنزل كتبه؛ ألن‬
‫البشر جمي ًعا يعرفون اهلل بالفطرة‪.‬‬
‫فاهلل الذي خلقك وهداك ورزقك هو وحده المستحق أن تعبده كما شرع‬
‫من خالل رسله وأنبيائه‪.‬‬
‫ًّ‬
‫‪ -20‬كيف نستدل علميا ىلع وجود الغيب "جربيل ىلع سبيل املثال"؟‬

‫ٌ‬
‫إيمان بأمور خارج‬ ‫ج‪ :‬اإليمان بجربيل ‪ ‬أو بأية قضية غيبية هو‬
‫حدود الزمان والمكان بداهةً‪ ،‬وبالتالي ال تخضع لقوانين المادة‪.‬‬
‫ونحن نؤمن بجربيل وبالغيب؛ نتيج ًة لتسليمنا بصدق الرسالة‪ ،‬وبأدلتها القطعية!‬
‫فإذا ثبتت صحة الرسالة ثبت كل غيب تخرب به هذه الرسالة‪.‬‬
‫فالنبي الذي قامت الرباهين واآليات على صدقه فيما ُيبلغه عن اهلل‪ ،‬كان‬
‫صاد ًقا يف كل ما يخرب به عن اهلل(‪.)1‬‬
‫ستقال!‬
‫بالمغيبات تب ًعا إليماننا بالرسالة الدينية‪ ،‬وليس إيمانًا ُم ًّ‬
‫فنحن نؤمن ُ‬

‫‪ -26‬ملاذا اتللكيف من ابلداية؟‬

‫ج‪ :‬ألنَّها مشيئة اهلل التي أرادها لك أيها اإلنسان‪.‬‬


‫ألن يف التكليف يتح َّقق مستوى صربك وبحثك واجتهادك وتف ُّكرك‪.‬‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ألن به تتفاوت المنازل‪ ،‬وتتمايز النوايا‪.‬‬

‫)‪ (1‬الجواب الصحيح‪ ،‬شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬مجلد‪ ،2‬ص‪.50‬‬

‫‪566‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أن إنسانًا أراد أن يرفض هذا التكليف‪ ،‬فهل هذا يسعه؟‬ ‫لكن لنفرتض َّ‬
‫والجواب‪ :‬ال يسعه الرفض؛ ألنَّه َقبِل بأن ُيكلف قبل أن يأيت للدنيا‪﴿ :‬ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [األحزاب‪.]22 :‬‬
‫واإلنسان َعلِم كيف يستجيب للتكليف اإللهي قبل أن يأيت إلى الدنيا‪﴿ :‬ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩ ﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [األعراف‪.]122 :‬‬
‫وعرفت كيف تؤمن باهلل‪.‬‬
‫َ‬ ‫فقبلت هبا‪،‬‬
‫َ‬ ‫فربك عرض عليك أمانة التكليف‬
‫وهنا قد يسأل سائل‪ :‬لكني ال أتذكر شي ًئا من ذلك؟‬
‫والجواب‪ :‬من البديهي أنك ال تذكره؛ ألنك لو ذكرته لما أصبح الختبارك معنًى‪.‬‬
‫سيكون مثلك كمثل الرجل الذي دخل االختبار ومعه نموذج اإلجابة!‬
‫فأنت تعلم أنك ُمك َّلف بفطرتك‪ ،‬وتعلم أنك تستطيع أن تفعل الخير أو‬
‫افعل وال ْ‬
‫تفعل‪ ،‬فكل‬ ‫الشر‪ ،‬وتعاين من وخز الضمير األخالقي‪ ،‬وداخلك شعور‪ْ :‬‬
‫هذه من آثار التكليف يف فطرتك‪.‬‬
‫لكن قد يقول إنسان‪ :‬لنفرتض أنني أردت االعرتاض على هذا االختبار أو‬
‫التكليف بحجة أنني ال أذكره اآلن؟‬
‫والجواب‪ :‬بعد نزولك من قطار الحياة تقدَّ ْم باعرتاضك هذا كما تحب‪:‬‬
‫﴿ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ﴾‬
‫[النحل‪.]111 :‬‬
‫لكن طالما أنك داخل القطار فالتز ْم بتعاليمه إلى أن تنزل آمنًا مطمئنًّا!‬
‫قد يقول‪ :‬ولماذا ألتزم بتعاليم قطار ُأرغمت على ركوبه؟‬
‫والجواب‪ :‬كما قلت لك‪ :‬أنت لم ُترغم على ركوبه‪ ،‬بل ركبته باختيارك وإرادتك‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يحق لك أن ترتكب كل‬


‫لنفرتض أنك ركبت القطار الخاطئ‪ ،‬فهل ُّ‬
‫ْ‬ ‫لكن‬
‫الموبقات بحجة أنه ليس قطارك؟ أم تلتزم بالتعاليم إلى أن تنزل وتعرتض؟‬
‫حر‪َّ ،‬‬
‫وأن نجاتك يف التزامك بشرع ربك‪.‬‬ ‫فالتز ْم بالشرع‪ ،‬وسوف تستوعب أنك ٌّ‬

‫‪ -22‬ملاذا نعبد اهلل وهو ال حيتاج إيلنا؟‬

‫ج‪ :‬فكرة أن الحاجة يقابلها العبث هي فكرة سخيفة!‬


‫فالحاجة يقابلها الحكمة ال العبث‪.‬‬
‫فالطبيب الثري صاحب الصيت الطيب قد يعالج الناس دون أن يحتاج منهم‬
‫شي ًئا‪ ،‬بل يعالجهم لمصلحتهم هم‪ ،‬وهنا نحن ال نصف فعله بأنه عبث!‬
‫فالحكمة والمقصد العظيم من وراء الفعل ال يدوران يف حلقة الحاجة‪/‬العبث!‬
‫طفال رحم ًة به‪ ،‬ثم يرتكه ويذهب دون انتظار ثناء‬
‫وقد ُينقذ أحد الس َّباحين ً‬
‫أهل الطفل‪ ،‬وهنا فعله ال ُيصنف بأنه حاجة وال عبث‪ ،‬بل هذا فعل كريم‪،‬‬
‫وخ ُلق طيب!‬
‫ومقصد نبيل‪ُ ،‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫فال تالزم بين االحتياج وبين العبث!‬
‫أن‬‫ادي‪َ ،‬ل ْو َّ‬ ‫ويف صحيح مسلم يف الحديث القدسي قال اهلل تعالى‪" :‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬
‫اح ٍد مِن ُك ْم‪ ،‬ما َزا َد‬‫ب رج ٍل و ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َّو َل ُك ْم َوآخ َر ُك ْم وإن َْس ُك ْم َو ِجنَّ ُك ْم كَا ُنوا ع َلى َأ ْت َقى َق ْل ِ َ ُ َ‬
‫آخ َر ُك ْم وإن َْس ُك ْم َو ِجنَّ ُك ْم كَا ُنوا ع َلى‬‫أن َأو َل ُكم و ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك يف ُم ْلكي شي ًئا‪ ،‬يا ع َبادي‪ ،‬لو َّ َّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ادي‪ ،‬إنَّما ِه َي‬ ‫ذلك مِن م ْلكِي شي ًئا‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َأ ْف َج ِر َق ْل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب َر ُج ٍل َواحد‪ ،‬ما َن َق َ‬
‫ِ‬ ‫َأ ْع َما ُل ُك ْم ُأ ْح ِص َيها َل ُك ْم‪ُ ،‬ث َّم ُأ َو ِّفي ُك ْم إ َّي َ‬
‫فمن َو َجدَ َخ ْي ًرا‪َ ،‬ف ْل َي ْح َمد َ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َمن‬ ‫اها‪َ ،‬‬
‫ذلك‪ ،‬فال َي ُلو َم َّن َّإال َن ْف َس ُه"(‪.)2‬‬
‫غير َ‬
‫َو َجدَ َ‬
‫(‪ )1‬ظاهرة نقد الدين يف الفلسفة الحديثة‪ ،‬د‪ .‬سلطان العميري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2322:‬‬

‫‪568‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫غني عن العالمين‪ ،‬وما نقوم به من عمل يعود نفعه وخيره أو ضرره‬


‫فاهلل ٌّ‬
‫علينا نحن‪.‬‬
‫فما سع ُينا وجهدُ نا وعم ُلنا إال ألنفسنا‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [العنكبوت‪.]8 :‬‬
‫ونحن نعلم َّ‬
‫بأن هلل حكمة يف كل خلقه وإن َجهلناها‪ ،‬وجهل المريض‬
‫بحكمة الطبيب ال يعني أن قرارات الطبيب عبثية‪.‬‬
‫فهم كل أبعاد الحكمة‪ ،‬وإنما يكفي فهم‬
‫فالعلم بالحكمة اإللهية ال يلزم له ُ‬
‫بعضها ومعرفة وجودها!‬
‫أن نعلم أننا ُمكلفون‪ْ ،‬‬
‫وأن نعلم التكليف ولوازمه‪ ،‬وأن نعلم وجود‬ ‫فيكفي ْ‬
‫الحكمة اإللهية‪ ،‬فهذا يكفينا من حيث الجملة‪ ،‬وإال نكون كالذي يكفر وينكر‬
‫كل ما ال يفهمه‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [يونس‪.]52 :‬‬
‫ٍ‬
‫لحكمة سبحانه‪.‬‬ ‫حكيم‪ ،‬وخلقنا‬ ‫فاهلل‬
‫ٌ‬
‫وهو وحده الذي يستحق أن ُيعبد‪.‬‬
‫يستحق العبادة إال اهلل‪ ،‬فهو الخالق الذي أوجدنا من العدم‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫فال‬
‫﴿ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ﴾ [البقرة‪.]21 :‬‬
‫وهو الذي هدانا وهو الذي شرع‪ ،‬وقدَّ ر‪ ،‬وأمر‪ ،‬وهنى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾‬
‫[األعراف‪.]30 :‬‬
‫أيضا‪ ،‬ونحن نأتمر بأمره سبحانه‪.‬‬
‫فليس له الخلق فقط‪ ،‬وإنما له األمر ً‬
‫حق اهلل على عباده‪ ،‬فهو سبحانه الذي فطرنا وأحيانًا ورزقنا‬ ‫ْ‬
‫إذن فالعبادة هي ُّ‬
‫حق‬ ‫وهدانا وأرسل إلينا رسله؛ ليختربنا وليبلونا َمن مِنّا أحسن ً‬
‫عمال‪ ،‬فالعبادة هي ُّ‬
‫اهلل علينا‪﴿ :‬ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]2 :‬‬
‫وال تستقيم حياتنا وآخرتنا إال بالعبادة‪ ،‬وال تنصلح أخالقنا إال هبا‪ ،‬فالعبادة‬

‫‪569‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تنهى عن الفواحش والمنكرات‪ ،‬و َتص ُلح هبا دنيا الناس‪ ،‬قال ربنا تعالى‪﴿ :‬ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [العنكبوت‪.]03 :‬‬
‫وال نفوز بالجنة إال بالعبادة‪ ،‬فهي النجاة يف اآلخرة‪ ،‬والهناءة يف الدنيا‪.‬‬
‫فالعبادة لنا نحن‪ ،‬ولخيرنا نحن‪ ،‬وهي واجبة علينا تجاه اهلل ‪‬؛ ألنه‬
‫خالقنا‪ ،‬و َن ْف ُعها يعود علينا نحن فقط‪ ،‬والتقصير فيها يعود ً‬
‫أيضا علينا نحن فقط‪.‬‬
‫ْ‬
‫يعمل لها‪ ،‬فنحن المحتاجون إليه سبحانه‪...‬‬ ‫والجنة غالية‪ ،‬فمن ُيرد الجنة‬
‫المحتاجون لعبادته‪ ...‬المحتاجون لجنته‪ ...‬المحتاجون لرحمته‪ ...‬المحتاجون‬
‫لنعمه‪ ،‬وهو الغني عنَّا وعن كل خلقه‪.‬‬

‫‪ -23‬هل االستدالل ىلع اخلالق هو استخدام ألدلة اخلربة البرشية؟‬

‫ج‪ :‬براهين إثبات الخالق تقوم على استدالل فطري‪ ،‬وعلم يقيني من‬
‫ٍ‬
‫ضرورية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مقدمات‬
‫فإثبات الخالق يف القرآن يعتمد على النظر المباشر‪ ،‬والداللة الرصدية‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ﴾ [الطور‪.]53 :‬‬
‫هنا حصرت اآلية الكريمة سبب وجودهم يف ثالثة احتماالت‪ :‬إما أهنم‬
‫أصال غير موجود‬ ‫ممتنع؛ إذ العدم ال ي ِ‬
‫وجد شي ًئا وهو ً‬ ‫ٌ‬ ‫جاءوا من غير شيء وهذا‬
‫ُ‬
‫أيضا‪ ،‬فهذا‬
‫ممتنع ً‬
‫ٌ‬ ‫يوجدوا وهذا‬ ‫ِ‬
‫ليوجد غيره‪ ،‬وإما أهنم أوجدوا أنفسهم قبل أن َ‬
‫تناقض ظاهر‪ ،‬ويبقى الحل الثالث وهو الذي سكتت عنه اآلية الكريمة؛ ألنَّه هو‬
‫أن لهم خال ًقا خلقهم‪.‬‬
‫البديهة‪ ،‬وهو َّ‬
‫قياسا على شيء حتى نقول‪ :‬إنَّه مبني على‬
‫فهذا استدالل عقلي‪ ،‬وليس ً‬
‫مجرد الخربة البشرية‪.‬‬
‫فالسببية كأحد أد َّلتنا على الخالق سبحانه‪ ،‬والتي تقرر بأن هذا الوجود ظهر‬

‫‪520‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فجأ ًة‪ ،‬فال بد له من م ِ‬


‫وجد‪ ،‬هنا ال يعتمد هذا االستدالل على الخربة البشرية‪،‬‬ ‫ُ‬
‫عقلي يستند إلى الضرورات العقلية اليقينية األولية‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫وإنما هو مبدأ‬
‫قدحا‪ ،‬فكل علوم العالم‬ ‫ْ‬
‫وإن كنا ال نرى يف االستدالل بالخربة البشرية ً‬
‫َم ْبناها الخربة البشرية‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ -24‬ما املانع أن يكون هناك سبب مادي أوجد الكون؛ مثال ىلع ذلك‪ :‬حضارة‬
‫أخرى أو يشء آخر؟‬
‫ً‬
‫ملاذا اإلهل األزيل حتديدا؟‬

‫أسس لها علماء اإلسالم منذ أكثر من ألف عا ٍم تقري ًبا‪ ،‬هذه‬
‫ج‪ :‬هناك قاعدة َّ‬
‫بأن‪" :‬التسلسل يف الفاعلِين يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع‬ ‫القاعدة تقول َّ‬
‫األفعال"(‪.)1‬‬
‫التسلسل يف الفاعلين‪ ،‬أي‪ :‬وجود أكثر من خالق‪ ،‬ويف هذا السؤال عندنا‬
‫حضارة أخرى‪ ،‬وحضارة سبقتها أنتجتها‪ ،‬وحضارة سبقتهم أنتجتهم وهكذا‪،‬‬
‫ِ‬
‫الخالقي َن‪.‬‬ ‫فهذا تسلسل يف‬
‫هذا التسلسل يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع أفعال‪.‬‬
‫عدم وقوع أفعال‪ ،‬أي‪ :‬عدم ظهور مخلوقات مثل‪ :‬الكون واإلنسان وغيرهما‪.‬‬
‫فالتسلسل يف الفاعلِين يؤدي إلى عدم ظهور الكون والوجود‪.‬‬
‫أن إحدى الحضارات يتو َّقف ظهورها على حضارة أخرى أنشأهتا‪،‬‬
‫فلو َّ‬
‫والحضارة األخرى يتو َّقف ظهورها على حضارة سابقة عليها أنشأهتا وهكذا‬
‫إلى ما ال هناية‪ ،‬فلن تظهر هذه الحضارة‪ ،‬وال التي تسبقها‪ ،‬وال التي تسبقهما‪،‬‬
‫ولن يظهر الوجود وال شيء‪.‬‬

‫(‪ )1‬ظاهرة نقد الدين يف الفلسفة الحديثة‪ ،‬د‪ .‬سلطان العميري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ألن كل حضارة يتو َّقف ظهورها على حضارة سبقتها وهكذا‪ ،‬وبالتالي لن‬
‫تظهر أية حضارة‪ ،‬ولن يظهر أي شيء‪.‬‬
‫فال بد من خالق أول أزلي أوجد كل شيء!‬
‫فلو كان تسلسل الهنائي‪ ،‬فلن توجد مخلوقات‪ ،‬وال خلق‪ ،‬وال موجودات؛ ألن‬
‫الفاعل سيتو َّقف وجوده على فاعل يسبقه‪ ،‬وسابقه يتو َّقف على سابق لهما وهكذا‪.‬‬
‫فلو كان كل فاعل يتو َّقف ظهوره على غيره فلن يظهر أي فاعل‪.‬‬
‫مبتدئ للخلق خالق ِ‬
‫موجد أول‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فال بد من‬
‫فالموجودات ال بد لها من ِ‬
‫موجد أول خالق‪.‬‬
‫إذن ال بد أن تتو َّقف السلسلة عند حد‪.‬‬
‫ْ‬
‫وهنا نجزم بالخالق األول الذي ال يسبقه شيء‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -25‬حنن نعرف القوانني اليت حتكم الكون‪ ،‬ونعرف سبب الزالزل جيدا‪ ،‬فلماذا‬
‫حنتاج إىل اخلالق طاملا عرفنا القوانني؟‬

‫ج‪ :‬يفرتض الملحد َّ‬


‫أن القوانين تكفي لخلق الكون وظهوره‪ ،‬وقد اعتمد‬
‫ستيفن هاوكنج على هذه المقدمة‪ ،‬فافرتض أن قانون الجاذبية يكفي لظهور‬
‫الكون‪ ،‬كما أوضح ذلك يف كتابه األخير "التصميم العظيم"‪.‬‬
‫وقد انتشر تقرير هاوكنج يف الصحف العالمية‪ ،‬وتناقلته وسائل األنباء‪،‬‬
‫وتداولته المواقع الشعبية بكثافة!‬
‫وبغض النظر عن سقوط هذا الزعم ذات ًّيا بمجرد التفكير يف مصدر قانون‬
‫ِّ‬
‫ُّ‬
‫التدخل وإظهار األثر؟‬ ‫الجاذبية‪ ،‬أو َمن الذي قنَّنه أو َمن الذي أعطاه صفة‬
‫األولية‪ ،‬فإن قانون الجاذبية ال يؤدي إلى‬
‫بغض النظر عن هذه البديهيات َّ‬
‫دحرجة كرة البلياردو!‬

‫‪522‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فالقانون وحده عاجز عن أي شيء بدون ظهور الشيء‪.‬‬


‫فقانون الجاذبية لن ُينتج كرة بلياردو‪ ،‬وإنما فقط ُيحركها إذا ظهرت كرة‬
‫وضربت بعصا البلياردو‪.‬‬
‫البلياردو‪ُ ،‬‬
‫مستقال‪ ،‬وإنما هو وصف لحدث طبيعي‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫فقانون الجاذبية ليس شي ًئا‬
‫حرك كرة البلياردو دون قوة تضغط على عصا البلياردو‬
‫وقانون الجاذبية لن ُي ِّ‬
‫و ُتحركها‪ ،‬فهنا فقط َّ‬
‫تتحرك كرة البلياردو‪ ،‬ويظهر أثر قانون الجاذبية‪.‬‬
‫لكن الملحد يفرتض أن وجود قانون الجاذبية يكفي لخلق كرة البلياردو‪،‬‬
‫وعصا البلياردو‪ ،‬ودحرجة الكرة!‬
‫أيهما أكثر قر ًبا من العقل والمنطق‪ :‬الدين أم اإللحاد؟‬
‫وبالمثل فقوانين االحرتاق الداخلي يف موتور السيارة لن تخلق موتور سيارة‪.‬‬
‫أيضا‬
‫ولو أضفنا قوانين االحرتاق الداخلي إلى موتور السيارة‪ ،‬فإن الموتور ً‬
‫لن يعمل‪ ،‬فال بد من البنزين الذي يعطي طاقة‪ ،‬وال بد من شرارة االحرتاق‪ ،‬وال‬
‫فحسب تظهر قوانين االحرتاق الداخلي‬
‫ُ‬ ‫بد قبل ذلك من وجود الموتور‪ ،‬وهنا‬
‫ويعمل الموتور‪.‬‬
‫فليس من العقل افرتاض َّ‬
‫أن قوانين االحرتاق الداخلي تكفي لخلق‬
‫الموتور‪ ،‬وشرارة االحرتاق‪ ،‬والبنزين‪ ،‬والسائق‪ ،‬والطريق‪.‬‬
‫ففكرة االكتفاء بالقانون لتفسير ظهور الكون هي فكرة ال تنتمي للعقل يف‬
‫شيء‪.‬‬
‫ثم َّ‬
‫إن هذه الفكرة لو افرتضناها س ُتدخلنا يف تسلسل الفاعلي َن الذي شرحناه‬
‫فمن الذي خلق هذا القانون‪ ،‬و َمن الذي أوجده‪ ،‬ولو‬
‫يف إجابة السؤال السابق‪َ ،‬‬
‫زعموا َّ‬
‫أن قانونًا آخر أوجده سن ُ‬
‫َدخل هنا يف تسلسل الفاعلين الذي يقضي بعدم‬
‫ظهور أي قانون أو أي موجودات‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -26‬ملاذا ال ينطبق قانون السببية ىلع اخلالق؟‬


‫َ‬
‫أو بصيغ ٍة أخرى‪ :‬من اذلي خلق اخلالق؟‬

‫بديهي‪.‬‬ ‫ج‪ً :‬‬


‫أوال‪ :‬الخالق ال تنطبق عليه قوانين مخلوقاته‪ ،‬وهذا‬
‫ٌّ‬
‫وإال لقلنا‪َ :‬من الذي طبخ الط َّباخ؟‬
‫الدهان؟‬
‫و َمن الذي َدهن َّ‬
‫فالخالق من البديهي أنَّه ِ‬
‫موجد الزمان والمكان‪ ،‬فال تنطبق عليه قوانين هو‬
‫الذي أوجدها سبحانه!‬
‫ثانيا‪ :‬كل َشي ٍء حادث له م ِ‬
‫حدث‪ ،‬هذا صحيح؛ لكن الخالق‪﴿ :‬ﭡ ﭢ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ﭣ ﭤ﴾ [الشورى‪.]11 :‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬الخالق ليس حاد ًثا ‪-‬بل هو أزلي‪ -‬فكيف نقول‪َ :‬من الذي خلقه؟‬
‫راب ًعا‪ :‬ال بد أن يكون الخالق أزل ًّيا واجب الوجود‪ ،‬وإال لدخلنا يف مشكلة‬
‫"التسلسل يف الفاعلين الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع األفعال" وهذا ما‬
‫شرحناه قبل قليل بالتفصيل‪ ،‬فال بد أن يكون الخالق واجب وجود أول أزلي‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫ومن العجيب َّ‬
‫أن هذا السؤال‪َ " :‬من الذي خلق الخالق؟" قد تناوله الملحد‬
‫الشهير ريتشارد داوكينز يف كتبه مرات عديدة‪ ،‬بل ربما هو أحد أهم أسئلته على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫مع َّ‬
‫أن هذا السؤال من أغبى األسئلة التي يمكن أن يطرحها إنسان‪ ،‬يقول‬
‫الملحد فيلسوف العلوم اإلنجليزي مايكل روس ‪" :Michael Ruse‬أسئلة‬
‫ريتشارد داوكينز جعلتني أخجل من كوين ملحدً ا‪ ،‬فداوكينز يشبه طال ًبا يف السنة‬
‫عال‪َ " :‬من الذي خلق الخالق؟"‬ ‫بصوت ٍ‬‫ٍ‬ ‫الجامعية األولى يدور بفرح ويصرخ‬

‫‪524‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وكأنه اكتشف مسألة فلسفية خطيرة"(‪.)1‬‬


‫يقول الفيلسوف األمريكي الشهير ألفين بالنتيجا ‪ Alvin Plantinga‬وهو‬
‫بالمناسبة أشهر فيلسوف أمريكي معاصر‪" :‬أسئلة ريتشارد داوكينز ضحلة جدًّ ا‪،‬‬
‫هو بمستوى طالب سافامور ‪-‬طالب فلسفة مبتدئ‪ -‬فأسئلة داوكينز تحصل‬
‫على درجة الرسوب يف أي اختبار"(‪.)2‬‬
‫ولذلك َألسرت مجراث ‪ Alister McGrath‬يف كتابه وهم داوكينز ينقل عن‬
‫أحد الملحدين زمالء داوكينز قو َل ُه‪" :‬ال تحاكموا الملحدين َو ْفق هذه األسئلة‬
‫الصبيانية الزائفة"(‪.)3‬‬
‫المسبب األول واجب الوجود الذي‬
‫فهذا سؤال صبياين بامتياز؛ ألن اهلل هو ُ‬
‫خلق كل شيء‪.‬‬
‫ولو أتى اهلل من شيء أو كانت له بداية‪ ،‬فنحن لن نكون موجودين لنطرح‬
‫هذا السؤال!‬
‫ألن اإلله الذي له بداية سيحتاج موجدً ا‪ ،‬وهذا الموجد سيحتاج موجدً ا ثال ًثا‬
‫وهكذا‪ ،‬وبالتالي لن يوجد أي شيء؛ ألن كل شيء يتو َّقف وجوده على شيء يسبقه‪.‬‬
‫فإذا كان كل شيء له بداية‪ ،‬فلن يوجد أي شيء‪ ،‬ال خالق وال مخلوقات‪.‬‬
‫‪)1( Ashamed to be an atheist.‬‬
‫?‪Thus, like a first-year undergraduate happily go around asking loudly, what caused god‬‬
‫‪As though he had made some momentous philosophical discovery.‬‬
‫‪Dawkins et al bring us into disrepute.‬‬
‫‪)2( Much of the philosophy he purveys is at best jejune. You might say that some of his‬‬
‫‪forays into philosophy are at best sophomoric, but that would be unfair to sophomores; the‬‬
‫‪fact is (grade inflation aside), many of his arguments would receive a failing grade in a‬‬
‫‪sophomore philosophy class.‬‬
‫‪The Dawkins Confusion.‬‬
‫‪)3( Don't judge the rest of us by this pseudointellectual drivel.‬‬
‫‪The Dawkins Delusion, p.11.‬‬

‫‪525‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ولذلك علماء المسلمين قالوا كما نقلت من ُ‬


‫قبل‪" :‬التسلسل يف الفاعلين‬
‫يؤدي إلى عدم وقوع أفعال"(‪.)1‬‬
‫فإذا كان الخالق له بداية فلن نكون موجودين لنطرح هذه األسئلة‪ ،‬ولن‬
‫يكون هناك خالق وال مخلوق‪.‬‬

‫‪ -27‬ما هو الفرق بني اثلقافة واحلضارة؟‬

‫كون األخالقي والقيمي والديني والمعريف والسلوكي ألي‬


‫الم ِّ‬
‫ج‪ :‬الثقافة هي‪ُ :‬‬
‫ُأ َّمة من األمم‪.‬‬
‫فدينك وأخالقك وسلوكياتك هذه ُت َّ‬
‫سمى ثقافة‪.‬‬
‫أما الحضارة فهي‪ :‬المعمل‪ ،‬والجامعة‪ ،‬والبحث العلمي‪ ،‬والمخترب‪،‬‬
‫والمصنع‪ ،‬والشركة‪ ،‬والحساب البنكي‪ ،‬هذه ُت َّ‬
‫سمى حضارة‪.‬‬
‫وال َعالقة على اإلطالق بين الثقافة والحضارة‪.‬‬
‫فمن الممكن أن تصير أمة من األمم على رأس الدنيا أخالق ًّيا‪ ،‬لكنها فقيرة ماد ًّيا‪.‬‬
‫وقد يكون العكس‪.‬‬
‫فالثقافة شيء‪ ،‬والحضارة شي ٌء َ‬
‫آخ ُر!‬
‫والحضارة فيها تقدُّ م مع الزمن‪.‬‬
‫عصر حجري‪ ،‬وعصر ذري‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إذ للحضارة‬
‫فهناك‪ :‬العصر الحجري‪ ،‬ثم العصر الربونزي‪ ،‬ثم العصر الحديدي‪ ،‬ثم‬
‫العصر الذري‪ ،‬ونحن اليوم يف العصر ما بعد الذري‪.‬‬
‫فهناك يف الحضارة تقدُّ م‪.‬‬
‫لكن الثقافة ليس فيها تقدُّ م على اإلطالق!‬
‫)‪ (1‬ظاهرة نقد الدين يف الفلسفة الحديثة‪ ،‬د‪ .‬سلطان العميري‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫مثال منتهى أملنا أن نسير على ُخطى السلف الصالح‪ ،‬الذين ماتوا من‬
‫فنحن ً‬
‫مئات السنين‪.‬‬
‫فالتقدم يف الثقافة أن ترتقي أخالق ًّيا ودين ًّيا وقيم ًّيا‪ ،‬وال يرتبط هذا بزمن‪.‬‬
‫ولذلك قد تكون أمة يف مجاهل إفريقيا أكثر تقد ًما ثقاف ًّيا من عواصم أوروبا‪.‬‬
‫ملموسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫والغرب اليوم يعيش على المستوى الحضاري تقد ًما‬
‫لكنَّه يف المقابل على المستوى الثقايف يعيش الجاهلية األولى نفسها‪ ،‬بكل‬
‫تفسخها وانحاللها وانحطاطها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫فقد ظهر فيهم التربُّج‪ ،‬والزنا‪ ،‬والفواحش العلنية‪.‬‬
‫وعاد الوأد مر ًة أخرى‪.‬‬
‫وصارت لدينا أكوام من األجنَّة التي ُتقتل كل يوم؛ ألهنا نتاج عالقات خارج‬
‫دائرة الزواج‪.‬‬
‫فالغرب يعيش اليوم على المستوى الثقايف مرحلة منح َّطة من تاريخ الثقافة‪.‬‬
‫لقد اهنارت األسرة يف الغرب تقري ًبا‪.‬‬

‫‪527‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأصبح أكثر من نصف األطفال يف الغرب من خارج دائرة الزواج‪ ،‬كما‬


‫ٍ‬
‫تقرير سابق‪.‬‬ ‫أشرت يف‬
‫ث وال حرج‪ :‬فكلما انح َّطت الثقافة‬
‫أما عن معدالت االغتصاب فحدِّ ْ‬
‫وزادت اإلباحية والمجون‪ ،‬ارتفعت معدالت االغتصاب‪.‬‬
‫ولذلك فأكثر دول العالم إباحي ًة ومجونًا هي أ ْعالها يف معدالت االغتصاب!‬
‫ولذلك فأعلى ست دول يف معدالت االغتصاب عالم ًّيا أغلبها دول غربية‪.‬‬

‫أي تقدم‬
‫فهذا التقدُّ م الغربي المادي الحضاري لم يكن معه على اإلطالق ُّ‬
‫ثقايف‪ ،‬بل إن الغرب يف الواقع يف أحط مستويات الثقافة عرب تاريخ البشر‪.‬‬
‫فالمستوى الثقايف ألمة من األمم ال َعالقة له بالمستوى الحضاري‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وقد يحصل تقدُّ م يف كال األمرين م ًعا كما حدث يف وقت الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد يحصل تخ ُّلف يف األمرين معها كبعض الدول الليربالية اإلفريقية مثل‪ :‬ليبيريا‪.‬‬
‫وعلى قدر ما نخرت فينا مفاسد الثقافة الغربية‪ ،‬إال َّ‬
‫أن بالد المسلمين‬
‫مازالت على التوحيد النقي‪ ...‬التوحيد الذي أتى به األنبياء‪ ،‬ومازالت بالد‬
‫المسلمين أقل مجتمعات العالم تعاط ًيا للمسكرات‪ ،‬وارتكا ًبا لفاحشة الزنا‪.‬‬
‫وما زالت البالد اإلسالمية هبا أقل معدالت يف انتشار اإليدز بال منازع‪،‬‬
‫بفضل اهلل‪.‬‬

‫جسد أعلى مستوى حضارة يف زمن هتلر‪ ،‬وكان‬ ‫وبينما كانت ألمانيا ُت ِّ‬
‫األلمان يقومون بحساب الطاقة المطلوبة إللحاق األرض بأقرب نجم بعد نفاد‬
‫طاقة الشمس‪ ،‬لكن ألمانيا يف المقابل على المستوى الثقايف كانت أدنى ثقافة‬
‫على وجه األرض‪ ،‬فكانت تجيز إبادة أمم بشرية بأكملها باعتبار أهلها ليسوا‬
‫بشرا أو يف درجة أقل من البشر ‪.subhuman‬‬
‫ً‬

‫‪529‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪530‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫عشرات الماليين من البشر يف الحرب العالمية الثانية‬


‫ُ‬ ‫و ُأبيد على يد األلمان‬
‫المجنونة‪.‬‬
‫فال َعالقة بين الحضارة والثقافة‪.‬‬
‫دائما ُيغريانِك بالحضارة الغربية‪ ،‬والتقدُّ م العلمي‬ ‫المشكلة َّ‬
‫أن الملحد والعلماين ً‬
‫التقني‪ ،‬ومع أننا حريصون على أن نتقدَّ م‪ ،‬لكن اللعبة التي يلعبها الملحد والعلماين‬
‫أهنما ُيغريانِك هبذا التقدُّ م الحضاري؛ ليقدما لك الثقافة الغربية باليد األخرى‪.‬‬
‫لعبة خبيثة‪ ،‬فال َعالقة بين الثقافة والحضارة‪.‬‬
‫فنحن نتمنَّى أن نتقدَّ م حضار ًّيا‪ ،‬لكن بما يخدم ديننا‪.‬‬
‫نتقدَّ م حضار ًّيا بما يحافظ على عودتنا لمنهج سلفنا الصالح‪.‬‬
‫مضت‪ ،‬وتستطيع‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫قليلة‬ ‫ٍ‬
‫قرون‬ ‫وهذا التقدُّ م أحدثته الحضارة اإلسالمية قبل‬
‫ٍ‬
‫وقت قادم إذا أصلحنا إيماننا‪ ،‬وأخذنا بأسباب التقدُّ م‪،‬‬ ‫إعادة إحيائه يف أي‬
‫وخرجنا من عباءة التبعية المادية للغرب‪.‬‬

‫‪ -28‬هل يف اإلسالم جواب لألسئلة اليت حارت العقول يف اإلجابة عنها‪ :‬مِن أين‬
‫جئنا؟ وملاذا حنن هنا يف هذا العالم؟ وإىل أين املصري؟‬
‫ٍ‬
‫واحدة من القرآن الكريم‪ ،‬قال‬ ‫ج‪ :‬اإلسالم أجاب عن كل هذه األسئلة يف ٍ‬
‫آية‬
‫ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [يس‪.]22 :‬‬
‫من أين جئت؟ اهلل خلقني (ا َّل ِذي َف َط َرنِي)‪.‬‬
‫وإلى أين أنا ذاهب؟ سوف أذهب إلى اهلل؛ ألحاسب على عملي ﴿ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ﴾‪.‬‬
‫لماذا جئت إلى هذا العالم؟ لعبادة اهلل وألُخترب‪.‬‬
‫لماذا أعبد اهلل؟ من الطبيعي أن أعبد اهلل الذي فطرين‪ ،‬فهذه طبيعة ال َعالقة‬

‫‪536‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بين العبد وربه‪ْ ...‬‬


‫أن يع ُبد العبد ر َّبه وخالقه ﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾‪.‬‬
‫آية واحدة جمعت جواب أهم ثالثة أسئلة يحار فيها البشر‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ﴾ [يس‪.]22 :‬‬

‫‪ -29‬كيف نشأ العلم اتلجرييب؟‬

‫ج‪ :‬نشأ العلم التجريبي كالفيزياء والكيمياء واألحياء بسبب اإليمان باهلل‪.‬‬
‫تصميم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فنتيج ًة لإليمان باهلل آمن الناس بأن هذا العالم ُمر َّتب و ُمن َّظم وفيه‬
‫فبدأ الناس ينظرون يف تصميم العالم وقوانينه‪ ،‬فظهر العلم التجريبي‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن فبداية العلم هي الدين‪.‬‬
‫أن العا َلم قد خلقه اهلل‪ ،‬فال بد أن يكون هذا العالم ممتل ًئا بقوانين‬
‫وطالما َّ‬
‫مت َقنة عجيبة تحكمه‪ ،‬وطالما أننا مخلوقون مكلفون‪ْ ،‬‬
‫إذن يمكننا استيعاب هذه‬
‫القوانين التي خلقها اهلل؛ ألن هذا االستيعاب للقوانين يرت َّتب عليه اإلقرار ببديع‬
‫الخلق وعجيب الصنع‪ ...‬فتو َّقع الناس وجود القوانين والنظم العجيبة يف‬
‫الكون‪ ،‬ومن هنا بدأ البحث يف العا َلم فظهر العلم التجريبي‪.‬‬
‫ولذلك يقرر بيرت أتكنز ‪ Peter Atkins‬الملحد المعاصر وأستاذ الكيمياء‬
‫بجامعة أوكسفورد َّ‬
‫أن‪" :‬العلم نشأ من الدين"(‪.)1‬‬
‫وأصول العلم التجريبي وضعها رجال الدين عرب التاريخ‪ ،‬فجابر بن حيان‬
‫المولود يف آخر زمن الصحابة الملقب بـ‪ :‬الكيميائي األول‪ ،‬وواضع ُأسس‬
‫المنهج التجريبي يف البحث العلمي‪ ،‬وله يف الكيمياء ما ألرسطو يف المنطق‪،‬‬
‫وطب ًقا لفرانسيس بيكون فهو "أول من َع َّلم ِعلم الكيمياء"‪.‬‬
‫وهو أول من اكتشف األحماض والقلويات‪ ،‬وأطلق عليها هذا االسم الذي‬
‫‪)1( The limitless power of science, John Cornwell, Oxford University Press, 1441, p.111.‬‬

‫‪532‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ما زالت ُتعرف به يف الغرب والشرق ‪.Alkali‬‬


‫جابر بن حيان هذا كان من أصحاب اإلمام جعفر الصادق ‪ ‬وكان‬
‫دراسا للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ً‬
‫وكل علماء التجريب ومؤسسو العلوم التجريبية المعاصرة كانوا أتباع‬
‫شرائع سماوية‪.‬‬
‫فالنظرة التوحيدية اإليمانية م َّثلت األساس التاريخي للعلم الحديث‪.‬‬
‫وهي التي تعطينا الثقة يف الرصد‪ ،‬وتعطينا الثقة يف صحة القوانين وثباهتا‪،‬‬
‫وأن لها معنًى وغايةً‪.‬‬
‫فالكون ليس خبط فروض عشوائية‪.‬‬
‫فما كان للعلم معنى إال ألن هناك قانونًا يف الطبيعة‪ ،‬وآمن الناس مسب ًقا‬
‫شرع للقانون‪.‬‬
‫بوجود هذا القانون؛ ألهنم آمنوا بوجود ُم ّ‬
‫وآمنوا بغائية ومعنى الوجود‪.‬‬
‫وآمنوا بطبيعة الوجود‪ ،‬وأنه وجود مخلوق بإحكام‪.‬‬
‫لوال هذه المقدمات لما كان هناك علم ولما عرف الناس معنى العلم وال حقيقته‪.‬‬

‫اكف جلواب لك سؤال؟‬


‫‪ -30‬هل العلم اتلجرييب ٍ‬

‫ج‪ :‬كال‪.‬‬
‫فالعلم التجريبي يجيد جواب األسئلة الدنيوية‪ ...‬يجيد توفير ما نحتاج إليه‬
‫ماد ًّيا كالدواء والطائرة والقطار‪.‬‬
‫أهم ما يشغل اإلنسان ال يملك العلم التجريبي جوابه‪.‬‬
‫لكن َّ‬
‫فالعلم التجريبي ال يعرف جواب سؤال‪ :‬لماذا نحن هنا؟ ماذا بعد الموت؟‬
‫ٍ‬
‫أخالق؟‬ ‫لماذا يجب أن نكون على‬

‫‪533‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هذه أسئلة جوا ُبها فقط داخل ميدان اإليمان باهلل‪.‬‬


‫فالعلم التجريبي المعاصر يف قمة تقنيته اليوم‪ ،‬ال يقدم شي ًئا لروح اإلنسان‪.‬‬
‫فالعلم التجريبي هو فقط جواب لسؤال‪ :‬كيف؟‬
‫كيف نأكل؟‬
‫كيف نسافر؟‬
‫كيف نتداوى؟‬
‫العلم التجريبي هو‪ :‬جواب ألسئلة أرضية‪.‬‬
‫سخره اهلل ‪‬؛ لنستغ َّله يف جواب ما نحتاج ماد ًّيا‪.‬‬ ‫وقد َّ‬
‫بينما يف المقابل سؤال لماذا‪:‬‬
‫لماذا نحن هنا يف هذا العالم؟‬
‫لماذا هناك قِيم أخالقية؟‬
‫ما هو المعنى؟‬
‫ما هي الغاية؟‬
‫ما هو المصير؟‬
‫هذه أهم أسئلة على اإلطالق‪ ،‬وهي التي تشغل كل إنسان‪ ،‬هذه األسئلة ال‬
‫َعالقة للعلم هبا‪.‬‬
‫كذلك كما قلت األسئلة الوجودية الكربى ال يجيب عنها العلم‪.‬‬
‫أهم ما يشغل اإلنسان يعاين العلم أمامه الخرس التام‪.‬‬
‫يقول أبو ميكانيك الكم شرودنجر الحائز على نوبل يف فيزياء الكم‪" :‬لو‬
‫حاول العلم ْ‬
‫أن ُيحلل القيم واألسئلة الوجودية الكربى والمعنى‪ ،‬فإننا سنستمع‬
‫إليه لنضحك‪ ،‬ال لنأخذ كالمه على محمل الجد"(‪.)1‬‬
‫‪)1( I am very astonished that the scientific picture of the real world around me is deficient,‬‬
‫‪it is ghastly silent about all and sundry that is really near to our heart, that really matters to‬‬
‫=‬

‫‪534‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فالعلم التجريبي وحده ال يمكن أن ينقذنا‪.‬‬


‫ولذلك عندما ُسئل الملحد هايدجر مؤسس الفلسفة الوجودية‪ :‬هل يمكن‬
‫للعلم أن ينقذنا مما نحن فيه؟ هل للعلم أن ينقذنا من الضياع اإلنساين والشعور‬
‫بالالمعنى والعبثية والعدمية؟‬
‫قائال‪" :‬اهلل فقط يمكن أن ينقذنا ‪.)1("Only God Can Save Us‬‬
‫فأجاب هايدجر ً‬

‫‪ -36‬ما معىن اإلنسان؟‬

‫ج‪ :‬اإلنسان هو كائن مخلوق هلل‪.‬‬


‫مخلوق ليعبد اهلل‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [الذاريات‪.]38 :‬‬
‫فأنت ال تعرف معنى وجودك‪ ،‬وال غاية وجودك إال بعبادة اهلل ‪.‬‬
‫ولذلك لو كفر اإلنسان باهلل فلن يعرف معنى وجوده‪ ،‬وس ُيعاين من الشعور‬
‫بالضياع والالمعنى والعبث التام‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾‬
‫[طه‪.]120 :‬‬
‫وسيشعر اإلنسان بأنه بال قيمة يف هذا العالم؛ لذلك قال اهلل ‪﴿ :‬ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ﴾ [البقرة‪.]151 :‬‬
‫فإذا ابتعد اإلنسان عن وحي اهلل ‪َ ‬س ِفه نَفسه‪ ،‬ولم يعرف قدرها‪.‬‬
‫فاإلنسان ال يعرف مكانه يف العالم وقيمته يف الوجود إال بعبوديته هلل‪.‬‬
‫=‬
‫‪us. It cannot tell us a word about red and blue, bitter and sweet, physical pain and physical‬‬
‫‪delight; it knows nothing of beautiful and ugly, good or bad, God and eternity. Science‬‬
‫‪sometimes pretends to answer questions in these domains, but the answers are very often so‬‬
‫‪silly that we are not inclined to take them seriously.‬‬
‫‪Nature and the Greeks, Schrödinger.‬‬
‫‪)1( Only God Can Save Us, Heidegger, The Man and The Thinker, p.91.‬‬

‫‪535‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -32‬ما هو شلك العالم بدون اإليمان باهلل؟‬

‫ج‪ :‬بدون اإليمان باهلل سيصبح اإلنسان كائنًا ماد ًّيا يعيش ويموت بال معنى‬
‫وال قيمة‪ ،‬ولن يكون هناك فرق بينه وبين األحجار أو الحيوانات‪ ،‬ولن يعرف‬
‫معاين الصدق‪ ،‬وال الخير وال الشر‪ ،‬وال الصواب وال الخطأ‪.‬‬
‫ألن هذه المعاين ال وجود لها يف العالم المادي‪ ،‬وال يف عالم الحيوانات‪،‬‬
‫فأنت إذا نظرت إلى الحائط الذي خلفك‪ :‬هذا الحائط ال يعرف معاين الخير‬
‫والشر‪ ،‬وال معاين الصواب والخطأ‪ ،‬وكذلك الحيوانات ال تعرف هذه األمور‪،‬‬
‫وكذلك مخك يتش َّكل من الذرات نفسها التي يتش َّكل منها العالم من حولك‪،‬‬
‫فما الذي ُيم ّيزك عن الحائط وعن الحيوان؟‬
‫ربما ستقول‪ :‬يميزين العقل؟‬
‫لكن ال وجود للعقل يف العالم المادي‪ ،‬وال يوجد عضو يف الجسم اسمه‬
‫فصلت قبل ذلك‪.‬‬
‫العقل كما َّ‬
‫ْ‬
‫إذن لن تستطيع الدفاع عن العقل‪ ،‬وال عن القيم‪ ،‬وال عن العدل أو الخير أو‬
‫األخالق من خالل النظرة المادية للعالم‪ ،‬وستكون أنت نفسك عبار ًة عن ذرات‬
‫ملتحمة بال معنًى‪ ،‬فمعاين األخالق والقيم والعقل ال توجد يف هذا العالم‬
‫المادي‪ ،‬وال تنتمي إلى عالم الطبيعة أو عالم الذرات أو عالم الحيوانات‪ ،‬وإنما‬
‫تنتمي فقط إلى عالم التكليف اإللهي‪ ،‬وعالم الوحي‪ ،‬وعالم الدين‪ ،‬فلو ابتعد‬
‫اإلنسان عن الدين وأنكر اهلل ‪ ‬سيعيش أشبه فعل ًّيا بالحيوانات‪ ،‬بل‬
‫والجمادات يف كل سلوكياته؛ ولذلك قال اهلل ‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [األعراف‪.]122 :‬‬

‫‪536‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فال يعرف اإلنسان معنى التكليف‪ ،‬وال معنى العقل‪ ،‬تلك األمور التي يشعر‬
‫هبا يف داخله‪ ،‬إال إذا كان يؤمن باهلل واألنبياء والكتب واليوم اآلخر‪.‬‬
‫لذلك فاإليمان باهلل هو ضرورة؛ لتعرف معنى وجودك‪ ،‬وتعرف غاية حياتك‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -33‬هل تسبب ادلين يف احلروب ادلينية اليت سادت األرض يف فرتة من الفرتات؟‬

‫ج‪ :‬عاشت البشرية مع شرائع التوحيد آالف السنين‪ ،‬ومع الشرائع‬


‫مباشرا على‬
‫ً‬ ‫خطرا‬
‫اإلبراهيمية الثالث الكربى أربعة آالف سنة‪ ،‬ولم يمثل الدين ً‬
‫قيما أخالقي ًة ُعليا يتفق عليها المؤمن‬
‫الجنس البشري‪ ،‬بل قدَّ م للبشرية ً‬
‫كل خير يف األرض‬ ‫ٍ‬
‫لحضارات أصيلة‪ ،‬بل يمكن أن نزعم أن َّ‬ ‫وأسس‬
‫والملحد‪َّ ،‬‬
‫فهو من آثار تلك النبوات!‬
‫فقد أراح الدين المحاكم من آالف القضايا‪ ،‬وفوق كل هذا وذاك وضع‬
‫الدين األساس المعريف والسلوكي والقيمي لغاية الوجود اإلنساين على األرض!‬
‫والدول التي احتضنت الشرائع التوحيدية ما زالت إلى اليوم تملك تنو ًعا‬
‫ثقاف ًّيا أبقى على المخالفين لهم‪ ،‬وو َّفر لهم سقف حماية بموجب الشرائع‬
‫التوحيدية ذاهتا‪.‬‬
‫يف حين َّ‬
‫أن قرنًا واحدً ا اقرتبت فيه بعض الدول من اإللحاد كانت البشرية‬
‫كلها على شفير هالك!‬
‫ثم يأيت اآلن المالحدة ويحدثوننا عن خطر الدين على البشرية!‬
‫منهجا أخطر من اإللحاد‪ ،‬فلم تكن مذابح‬
‫ً‬ ‫لم يعرف التاريخ البشري‬
‫الكوالج يف االتحاد السوفيتي السابق على يد الملحد لينين‪ ،‬وإبادة أعراق‬
‫بأكملها يف ألمانيا النازية‪ ،‬وتفريغ ربع سكان كمبوديا من البشر على يد الملحد‬
‫بول بوت ‪ ،Pol Pot‬وقتْل ‪ 32‬مليون صيني يف الثورة الثقافية الكربى على يد‬

‫‪537‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الملحد ماو تسي تونج ‪ ،Mao Zedong‬وظهور رابطة الملحدين العسكرية‬


‫‪ League of Militant Atheists‬يف أوروبا‪ ،‬والتي أغلقت رسم ًّيا ‪ 02‬ألف‬
‫مؤسسة دينية ‪-‬كنائس ومساجد‪ -‬و َقتلت عشرات اآلالف من المتدينين‪ ،‬إال‬
‫إفرازات إلحادية‪ ،‬ونتائج طبيعية لظهور اإللحاد(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫العالميتين األولى والثانية كانتا حرو ًبا علمانية ‪ -‬علمانية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحربين‬ ‫بل َّ‬
‫إن‬
‫تصورات إلحادية لألجناس البشرية‪ ،‬وأفكار السعي نحو تصفية‬
‫ُّ‬ ‫تح ُكمهما‬
‫األعراق األدنى‪ ،‬فكانت النتيجة إبادة قرابة ‪ %3‬من سكان العالم‪ ،‬وأرجعت‬
‫كال من المنتصر والمهزوم ُث ُلث قرن إلى الوراء‪ ،‬وقام‬
‫الحروب العالمية ًّ‬
‫الفالسفة بوضع مبولة يف وسط باريس كناي ًة عن هناية الحضارة‪.‬‬
‫وخ َّلفت المعارك اإللحادية ترسانات من األسلحة النووية تكفي إلبادة‬
‫ٍ‬
‫مرات عديدة‪.‬‬ ‫الجنس البشري كله‬
‫إن قراءة بسيطة لحروب القرن العشرين ُتظهر مدى بؤس اإللحاد‪.‬‬
‫فقد خ َّلف اإللحاد وراءه فكرة أن زوال الجنس البشري يف أية معركة قادمة‬
‫هي فكرة قائمة‪ ،‬وهذا هو اإلفراز اإللحادي المتوقع‪.‬‬

‫‪ -34‬هل اإليمان بالنسبية املعرفية موقف عليم؟‬

‫ج‪ :‬النسبية المعرفية هي موقف شبيه بـ‪":‬مفارقة كريت"‪.‬‬


‫شخصا من جزيرة كريت قال‪ :‬كل ما يقوله‬
‫ً‬ ‫ومعنى هذه المفارقة َّ‬
‫أن‬
‫كذب‪.‬‬
‫الكريتيون ٌ‬
‫فهذا الشخص إما أنَّه كذاب ويفرتي كذ ًبا على أهل كريت‪ ،‬وإ َّما َّ‬
‫أن كل ما يقوله‬
‫أيضا كاذب‪.‬‬
‫الكريتيون كذب بالفعل‪ ،‬وبما أن هذا الشخص من كريت فهو ً‬
‫‪)1( https://en.wikipedia.org/wiki/League_of_Militant_Atheists‬‬

‫‪538‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫نفس هذه المفارقة يقع فيها المؤمنون بالنسبية المعرفية‪.‬‬


‫يقول‪ :‬أنا أؤمن إيمانًا تا ًّما بالنسبية المعرفية‪.‬‬
‫هذه النسبية المعرفية إما أن تكون باطلة وخطأ‪ ،‬وبالتالي فكيف تؤمن بالباطل؟‬
‫وإما أن تكون هذه النسبية المعرفية صحيحة‪ ،‬ولو كانت صحيحة فهذا يعني‬
‫يحق لها أن تصف نفسها بالصحة‪.‬‬
‫أهنا ليست صحيحة؛ ألهنا نسبية‪ ،‬وال ُّ‬
‫فإذا َو َص َفت النسبية المعرفية نفسها بالصحة فهذا يعني أهنا ليست نسبية‪،‬‬
‫وإنما َت ْز ُعم امتالك الحق المطلق‪ ،‬وهذا على العكس تما ًما من مفهوم النسبية‬
‫المعرفية‪ ،‬وبالتالي فالنسبية ستعود على نفسها بالبطالن‪.‬‬
‫فعندما نفكك قول القائل‪" :‬أنا أؤمن بالنسبية المعرفية"‪ ،‬نجد أنه قول‬
‫متناقض ذات ًّيا‪.‬‬
‫مطلق‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ٌ‬ ‫حق‬
‫فهو شبيه بقول من يقول‪" :‬الحق المطلق هي أنَّه ال يوجد ٌّ‬
‫الجملة صحيحة فإهنا غير حقيقية‪ ،‬وليست‬
‫كل شيء نسبي"‪ ،‬فإذا كانت هذه ُ‬
‫بحق مطلق‪ ،‬وبالتالي ليس من الحكمة أن تؤمن أنه ال يوجد حق مطلق!‬
‫فالنسبية المعرفية منهج ذايت الهدم يفرتض بعض الحقيقة؛ لكي ينكر وجود‬
‫أي حقيقة‪.‬‬
‫ف اهلل ‪ ‬الذين يقعون يف النسبية بأهنم يلعبون‪﴿ :‬ﮍ‬
‫وص َ‬
‫ولذلك َ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [الدخان‪.]2 :‬‬
‫فالنسبية تحمل التناقض الذايت‪.‬‬
‫فمن يؤمن بحقيقة أنه ال توجد حقيقة‪ ،‬فهذا يعني َّ‬
‫أن ما يقول ليس حقيقة‪.‬‬
‫ولذلك أوجستينوس كانت له كلمة مهمة يف بيان هتافت النسبية المعرفية‬
‫فقد كان يقول‪ُ " :‬ك ُّل َمن ُّ‬
‫يشك يعلم أنه يشك‪ ،‬وهو على وعي كامل هبذه الحقيقة‬
‫يشك؛ لذلك فإن ُك َّل َمن يشك فإن ُقدرته على الشك سوف ُتقنعه‬
‫على األقل أنه ُّ‬

‫‪539‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بأن هناك شي ًئا ما ُيسمى حقيقة"‪.‬‬


‫فكيف يقول‪ :‬إنه ال توجد حقيقة؟‬
‫مشكلة النسبية المعرفية أهنا موقف عبثي‪ ،‬وال يعيش إنسان ويموت تحت‬
‫المسمى "نسبي" إال لو باع عقله قبل ذلك‪ ،‬فموقف النسبية المعرفية‬
‫َّ‬ ‫هذا‬
‫ُمخالف للطبيعة البشرية‪.‬‬
‫حصل تقدُّ م يف حياة البشر‪.‬‬
‫فلو كانت النسبية حالة مريحة لما َ‬
‫المركبة يف البشر هي الوصول‬
‫فبما أنه يوجد تقدُّ م يف حياة البشر‪ ،‬إذن البديهة ُ‬
‫للحقائق واالستقرار عليها‪.‬‬
‫ُ ُّ َ‬
‫‪ -35‬هل اهلل ي ِضل من يشاء؟‬

‫ج‪ :‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [فاطر‪.]6 :‬‬


‫فهنا الملحد يتساءل‪ :‬هل هذا يعني أن اإلنسان غير مسؤول عن قراراته؟‬
‫والجواب ببساطة‪:‬‬
‫لنفرتض َّ‬
‫أن حكوم ًة قوي ًة قالت‪ :‬ال أحد يستطيع أن يخرج على سلطاين‪ ،‬فأنا‬
‫أعاقب من أشاء‪ ،‬وأكافئ من أشاء‪.‬‬
‫يستحق العقوبة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لكن يف الوقت نفسه أنا حكومة عادلة! ال أعاقب إال من‬
‫يستحق المكافأة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وأكافئ من‬
‫فهل هناك تعارض بين القولين؟‬
‫ال إطال ًقا‪.‬‬
‫وهلل المثل األعلى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد‬ ‫فاهلل يهدي من يشاء‪ ،‬ويضل من يشاء؛ ألن مشي َئته نافذة‪ ،‬ال سلطان‬
‫عليها‪ ،‬فهو قوي عزيز سبحانه‪.‬‬

‫‪540‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لكن يف الوقت نفسه مشيئة اهلل عادلة‪.‬‬


‫ضل من يستحق الضالل‪ ،‬ويهدي من يريد الهداية(‪.)1‬‬ ‫فهو سبحانه ُي ُّ‬
‫ولذلك ِ‬
‫ارج ْع لآلية‪ ،‬واقر ْأها كاملة بتأ ُّملٍ‪:‬‬
‫﴿ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ﴾ [فاطر‪.]6 :‬‬
‫ِ‬
‫عليم بمن يريد الهداية‪ ،‬ومن يريد الضالل‪.‬‬
‫ون‪ :‬فاهلل ٌ‬ ‫إِ َّن ال َّلـ َه َعل ٌ‬
‫يم بِ َما َي ْصنَ ُع َ‬
‫فمن يسعى للضالل ُت َّ‬
‫يسر له أسبابه‪ ،‬ومن يسعى للهداية ُيوفق لها‪.‬‬
‫﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [القصص‪.]38 :‬‬
‫فهو سبحانه أعلم بمن يريد الهداية‪.‬‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [محمد‪.]12 :‬‬
‫اهلل منها‪ ،‬ويهديه بسبب إيمانه‪ ،‬وحرصه على الهداية‪.‬‬
‫فمن يريد الهداية يزيدُ ه ُ‬
‫﴿ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [يونس‪.]2 :‬‬
‫أما يف الجهة المقابلة فمن يريد الضالل والغواية والكفر واإللحاد‪ ،‬فس ُتيسر‬
‫له أسباب الضالل والكفر واإللحاد‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ﴾ [الصف‪.]3 :‬‬
‫ُتيسر أسباب الضالل لمن يبتغي الكفر‪.‬‬
‫﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [الزُّ ُ‬
‫خرف‪.]58 :‬‬
‫إذا ابتعد اإلنسان عن اهلل َته َّيأ له شيطان فهو له قري ٌن‪ ،‬واإلنسان إذا أتاه‬
‫شق عليه اإلقالع عن الكفر‪.‬‬
‫الشيطان يف كل خطوة َّ‬
‫فهذا الضالل بما كسبت يداه‪.‬‬

‫)‪ (1‬التوحيد‪ ،‬عبد المجيد الزنداين‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [النساء‪.]133 :‬‬


‫فبسبب ضاللهم وكفرهم طبع اهلل على قلوهبم!‬
‫فحال من يريد الضالل كحال المدمن تما ًما‪ ،‬فهو‪ :‬يف أول إدمانه يكون‬
‫بكامل إرادته‪ ،‬لكن بعد قليل تضعف اإلرادة و ُيصبح مطبو ًعا على هذا المخدر‬
‫ال يستطيع اإلقالع عنه‪.‬‬
‫فالذي يريد الكفر يكون بكامل إرادته يف بحثه عن أماكن الكفر واالستماع‬
‫مستسلما تما ًما‬
‫ً‬ ‫للملحدين‪ ،‬لكن بعد أن يتع َّلق بالكفر تضعف إراد ُته‪ ،‬ويصبح‬
‫منقا ًدا لكفره‪.‬‬
‫ومع َّ‬
‫أن َمن يريد الكفر ُيصاب بالعدمية والعبثية‪ ،‬بل و ُيصاب بالميول‬
‫االنتحارية‪ ،‬ويفقد بكفره معنى وجوده‪ ،‬ويبدأ يوقن يف قرارة نفسه بسخافة وفشل‬
‫الكفر إال أنه مع كل هذا يجد يف نفسه الوهن وقلة اإلرادة عن تحري الحق واتباعه‪.‬‬
‫﴿ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [الحج‪.]11 :‬‬
‫لكن متى أراد اإلنسان الهداية مجد ًدا سيوفق لها بسهولة‪.‬‬
‫﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [الرعد‪.]22 :‬‬
‫ويف الحديث القدسي‪" :‬فاستهدوين ِ‬
‫أهدكم"(‪.)1‬‬
‫بش ْب ٍر َت َق َّر ْب ُت إ َل ْي ِه ِذرا ًعا‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ويف الحديث القدسي اآلخر‪" :‬وإِ ْن َت َقرب إ َلي ِ‬
‫َّ َ َّ‬ ‫َ‬
‫َت َق َّر َب إ َل َّي ِذرا ًعا َت َق َّر ْب ُت إ َل ْي ِه با ًعا‪َ ،‬وإِ ْن َأ َتانِي َي ْم ِشي أ َت ْي ُت ُه َه ْر َو َل ًة"(‪.)2‬‬
‫فمشيئة اهلل عادلة‪ُ :‬ي ِض ُّل بعدله من أراد الضالل‪ ،‬ويهدي بفضله من أراد الهداية‪.‬‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الليل‪.]11 -3 :‬‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2322 :‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2013:‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2823 :‬‬

‫‪542‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وهو سبحانه لن يظلم أحدً ا ولو مثقال ذرة‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬


‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [النساء‪.]01 :‬‬
‫خبير‪.‬‬
‫لطيف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كم َع ٌ‬
‫دل‬ ‫سبحانه َح ٌ‬
‫سيحتجون هبذه‬
‫ُّ‬ ‫ومن العجيب أن اهلل سبحانه أخرب َّ‬
‫أن الملحدين والكفار‬
‫الحجة‪" :‬لو شاء اهلل ما ألحدنا‪ ،‬هو َمن ُيضلنا"‪" ...‬لو شاء اهلل ما أشركنا"‪ ،‬فقالوا‬
‫مثل ما أخرب سبحانه‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [األنعام‪.]106 :‬‬
‫هل عندكم من حجة على دعوى‪َّ :‬‬
‫أن اهلل أجربكم على الكفر؟‬
‫ون إِ َّال ال َّظ َّن َوإِ ْن َأن ُت ْم إِ َّال َت ْخ ُر ُص َ‬
‫ون‪.‬‬ ‫إِن َت َّتبِ ُع َ‬
‫يضعون االفرتاضات حتى يربروا ألنفسهم ما هم عليه من الكفر‪.‬‬
‫فكفرهم بأيديهم‪ ،‬وهدايتهم بأيديهم‪.‬‬
‫﴿ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [اإلنسان‪.]5 :‬‬

‫‪ -36‬هل علم اهلل بما سيقع ينيف حرية اإلرادة واتلخيري؟‬

‫ج‪ :‬علم اهلل بما سيقع ليس جربًا‪.‬‬


‫فاهلل سبحانه أخرب أنه عليم‪.‬‬
‫فهو سبحانه يعلم ما سيقوم به عبده؛ ألنه اهلل العليم الخبير‪ ،‬لكنه سبحانه يف‬
‫الوقت نفسه أثبت لعبده المشيئة وحرية االختيار‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾‬
‫[المدَّ ثر‪.]52:‬‬
‫ِ‬
‫َفع ُ‬
‫لم اهلل بما سيحدث ليس جربًا لنا‪ ،‬فهو بفضله أعطانا حرية اإلرادة‬
‫واالختيار‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [اإلنسان‪.]5 :‬‬

‫‪543‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫عز من قائل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [البلد‪.]11 :‬‬ ‫وقال َّ‬


‫ن َْجدَ ِي الهداية والضالل‪ ،‬ونحن َمن نختار‪.‬‬
‫فنَحن َمن نختار اإليمان أو الكفر‪.‬‬
‫أن أستا ًذا دخل إلى الفصل يف مدرسة‪ ،‬و َعلِم بحكمته َّ‬
‫أن هذا الطالب‬ ‫ولو َّ‬
‫بمن سينجح و َمن سيفشل هو جربٌ‬ ‫سينجح‪ ،‬وذاك سيفشل‪ ،‬هل نقول َّ ِ‬
‫إن علمه َ‬
‫لهما على النجاح أو على الفشل؟‬
‫وهلل المثل األعلى‪.‬‬
‫فعلم اهلل بما سيقع ليس جربًا منه ألحد‪.‬‬
‫فاهلل عليم حكيم َعدْ ٌل‪ ،‬قدَّ ر لنا المشيئة واإلرادة واالختيار التام‪.‬‬
‫لكن لماذا خلق اهلل الملحدين والكافرين‪ ،‬وهو يعلم أهنم سيكفرون؟‬
‫والجواب‪ :‬قال اهلل ‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ﴾ [الزُّ ُ‬
‫خرف‪.]3 :‬‬
‫هل بما أهنم سيكفرون إذن اهلل ال يخلقهم؟‬
‫إذا كان الملحد يريد الكفر ويبحث عن الضالل يف علم اهلل‪ ،‬فما المانع مِن‬
‫خ ْلقه ثم محاسبته؟‬
‫هل بما أنه سيكفر إذن ال يخلقه اهلل؟‬
‫من العدل أن يذهب َمن يستحق لما يستحق‪.‬‬
‫﴿ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [هود‪.]111 :‬‬
‫فهم ظلموا أنفسهم‪ ،‬واهلل سبحانه لم يظلم أحدً ا شي ًئا‪ ،‬ويكفي اإلنسان‬
‫يعلم َّ‬
‫أن اهلل هو العدل المطلق‪ ،‬وقد أخرب اهلل ‪ ‬أنَّه لن يظلم‬ ‫أن َ‬ ‫لتطمئ َّن نفسه ْ‬
‫عباده‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [يونس‪.]00 :‬‬
‫فال تقلق إال على تقصيرك‪ ،‬أما ما تعمل يف الدنيا من إيمان أو كفر فستوىف‬

‫‪544‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫عليه إما بفضل اهلل أو بعدله‪.‬‬


‫ونجاتك بيدك‪ ،‬وهالكك بيدك‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚ ﯛﯜﯝ﴾ [الليل‪.]11 -3 :‬‬
‫ُ‬
‫‪ -37‬هل الويح عبارة عن‪ :‬رصع فص صديغ؟‬

‫ج‪ :‬هناك إشكالية تواجه الملحدين وهي‪ :‬كيف ص َبر النبي ﷺ على دعوته‪،‬‬
‫وتحمل أذاهم طيلة ثالثة عشر عا ًما؟‬
‫َّ‬ ‫ورفض اإلغراءات المتكررة من كفار قريش‪،‬‬
‫َ‬
‫ثم اإلشكال األكرب وهو‪ :‬ثبات النبي ﷺ على الصدق طيلة عمره‪ ،‬وإخالصه‬
‫ويقينه التام بالحق الذي يحمله‪.‬‬
‫فلم ُينقل عنه أنَّه كذب ولو لمرة واحدة يف حياته على تعدُّ د مواقفه‪،‬‬
‫والمشاكل التي واجهها‪.‬‬
‫شخصا‬ ‫ٍ‬
‫إنسان يبحث ببعض اإلنصاف يف سيرته ﷺ لن يجد أمامه إال‬ ‫فأي‬
‫ً‬
‫على ٍ‬
‫يقين تا ٍّم من رسالته‪.‬‬
‫فإذا كان النبي ﷺ ُمدَّ ع ًيا كما يزعم المالحدة‪ ،‬فهذا يعني أنه يكذب طوال‬
‫الوقت‪ ،‬والشخص الكذوب له صفات معلومة يف الطب النفسي‪ ،‬فهو‪ :‬شخص‬
‫جبان‪ ،‬وليس له مبدأ‪ ،‬ويسهل إغراؤه‪ ،‬وال يلبث أن يفتضح كذبه مع الوقت‪.‬‬
‫لكن حال النبي ﷺ وسيرته وعدم مهادنته للباطل‪ ،‬وثباته على الحق حتى‬
‫ُتويف‪ ،‬وعدم ثبوت كذبة واحدة عليه طيلة عمره‪ ،‬كلها أمور على النقيض تما ًما‬
‫من طبيعة ذاك الشخص الكذوب الذي يكذب طوال الوقت‪.‬‬
‫من أجل ذلك‪ ،‬وأمام هذا اإلشكال ا َّدعى المالحدة لتفسير نبوة النبي محمد‬
‫ﷺ وتفسير شجاعته وصدقه وأمانته َّ‬
‫أن‪ :‬نبوته هي مجرد نوبات من صرع الفص‬
‫الصدغي‪.‬‬
‫ُّ‬

‫‪545‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫شجاعا‪ ،‬ولكن النبوة التي يدّ عيها ما هي إال‬


‫ً‬ ‫فهو بالفعل كان صاد ًقا أمينًا قو ًّيا‬
‫الصدغي ‪-‬وحاشاه ﷺ‪.‬‬
‫تخ ُّيل منه بسبب صرع الفص ُّ‬
‫وهذه الدعوى أنا أعتربها آخر رهانات الملحدين‪ ،‬فإذا سقطت هذا الدعوى‬
‫سقط اإللحاد‪ ،‬وثبتت نبوة النبي محمد ﷺ‪.‬‬
‫وأنا سأناقش هذه الدعوى يف البداية من الناحية الطبية‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬ال يوجد ملحد يتزعم دعوى إصابة النبي ﷺ بصرع الفص‬
‫وجاهال‬
‫ً‬ ‫روج لها إال إذا كان غير متخصص يف الطب النفسي‬
‫الصدغي‪ ،‬وال ُي ّ‬
‫ُّ‬
‫تمام الجهل بسيرة النبي ﷺ‪.‬‬
‫الصدغي جيدً ا‪ ،‬ثم نظر يف سيرته ﷺ‪،‬‬‫فمن نظر يف أعراض نوبة صرع الفص ُّ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫فاحشا‪.‬‬ ‫أن هذه دعوى كاذبة كذ ًبا‬ ‫ٍ‬
‫بجالء تا ٍّم َّ‬ ‫َل َعلِ َم‬
‫الصدغي ‪ Temporal Lobe Epilepsy‬على نوعين‪ :‬بسيط ‪Simple‬‬
‫فصرع الفص ُّ‬
‫و ُمع َّقد ‪.Complex‬‬
‫ِ‬
‫النوعان‬ ‫روجي هذه الشبهة أن النبي ﷺ يحصل له‬
‫ويفرتض المالحدة من ُم ّ‬
‫البسيط والمعقد‪.‬‬
‫الصدغي يف المجمل تحصل معه عدة أعراض قبل النوبة مباشر ًة‬
‫والصرع ُّ‬
‫يف كل مرة تأيت فيها النوبة‪ ،‬ومن هذه األعراض‪:‬‬
‫تشوش يف الذهن‪.‬‬
‫‪ُّ -1‬‬
‫‪ -2‬خلل يف الوعي‪.‬‬
‫‪ -5‬فِقدان الذاكرة‪.‬‬
‫‪ -0‬غثيان واضطرابات باألمعاء‪.‬‬
‫‪ -3‬قد تحصل بعض الهلوسات الخفيفة كـ‪ :‬كرب أو صغر أحجام األشياء‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الصدغي كما يف صورة المرجع الطبي‬ ‫ْ‬


‫إذن من أهم سمات صرع الفص ُّ‬
‫باألعلى هي‪ :‬تأ ُّثر الذاكرة‪.‬‬
‫لماذا؟‬
‫المنطقة مِنْطقة‬ ‫تتأ َّثر الذاكرة يف مرض صرع الفص ُّ‬
‫الصدغي؛ ألن هذه َ‬
‫الصدغي هي المسؤولة عن معالجة الذاكرة‪.‬‬
‫الفص ُّ‬
‫الصدغي‪ ،‬فإن ذاكرهتم‬
‫تتكرر لديهم نوبات صرع الفص ُّ‬
‫ولذلك عند َمن َّ‬
‫تضعف تما ًما‪.‬‬
‫الصدغي يؤدي لتعطل الذاكرة‪.‬‬
‫فصرع الفص ُّ‬
‫بل وقد يؤدي لفقداهنا‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الصدغي المعقد يحصل فِ ٌ‬


‫قدان تا ٌّم للوعي‪ ،‬وتحصل‬ ‫ويف أثناء نوبة صرع الفص ُّ‬
‫اضطرابات حركية وتشنجات‪ ،‬والتي هي السمة األساسية والجوهرية يف الصرع‪.‬‬
‫إذن تحصل‪ :‬تشنُّجات شديدة للعضالت‪ ،‬وقد يحصل سيالن للعاب خارج الفم‪.‬‬
‫ويكون هناك دوران بالرأس بطريقة غير واعية‪.‬‬

‫وتستمر هذه النوبة من ‪ 51‬ثانية إلى دقيقتين‪.‬‬


‫ُّ‬
‫استمرت النوبة ألكثر من دقيقتين‪ ،‬فهذا يعني َّ‬
‫أن المريض ُيعاين من‬ ‫َّ‬ ‫وإذا‬

‫‪548‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فورا‪.‬‬
‫مشكلة صحية خطيرة‪ ،‬ويحتاج للعناية ً‬
‫وبعد أن تنتهي نوبة الصرع يدخل المريض يف مرحلة ما بعد النوبة‪.‬‬
‫ويف هذه المرحلة ُيعاين المريض من صعوبة شديدة يف الكالم‪ ،‬ويحصل‬
‫اضطراب يف الذاكرة‪.‬‬
‫مستمر معنا مِن قبل الدخول يف‬
‫ٌّ‬ ‫تشوش الذاكرة‬ ‫المالحظ مما سبق َّ‬
‫أن‪ُّ :‬‬ ‫َ‬ ‫إذن‬
‫النوبة إلى ما بعد النوبة‪.‬‬
‫أصال‪.‬‬
‫مر بالنوبة ً‬
‫وقد ال يعرف المريض أنَّه َّ‬
‫وتشتدُّ اآلالم يف البطن‪ ،‬ويف الغالب يدخل المريض خالل دقائق بعد النوبة‬
‫يف مرحلة النوم العميق‪.‬‬

‫الصدغي الطبية‪.‬‬
‫هذه كانت أهم سمات صرع الفص ُّ‬
‫يم ُّر بأي مرحلة من هذه المراحل؟‬
‫فهل كان النبي ﷺ ُ‬
‫يم ُّر بمرحلة تشنجات؟‬
‫تتشوش ذاكرته‪ ،‬أو تضطرب أمعاؤه‪ ،‬أو ُ‬
‫هل كان ﷺ َّ‬
‫هل كان يفقد وعيه؟‬

‫‪549‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لم ُينقل عنه ﷺ شيء من ذلك‪.‬‬


‫بل كان يأتيه الوحي وهو على دا َّبته فيرتفع عنه‪ ،‬ثم يبلغ الناس رسالة ربه‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن مريض الصرع لو كان على دابة‪ ،‬فإنه يسقط على رأسه أثناء‬
‫النوبة‪.‬‬
‫وكان ﷺ يأتيه الوحي وهو على المنرب‪ ،‬فيبلغ الناس رسالة ربه‪.‬‬
‫أما عن ذاكرته ﷺ فبعد أن يأتيه الوحي ‪-‬والذي يتخيل المالحدة أنَّها نوبة‬
‫صرع ُصدغي‪ -‬فهل كان يحصل يف ذاكرته ﷺ تشوش بعد نزول الوحي عليه؟‬
‫نرتك اإلجابة للنبي ﷺ نفسه‪ :‬حين ُسئل النبي ﷺ عن كيف يأتيه الوحي‪،‬‬
‫س‪َ ،‬و ُه َو َأ َشدُّ ُه َع َل َّي‪َ ،‬ف ُي ْف َص ُم َعنِّي َو َقدْ‬ ‫أحيانًا َي ْأتِينِي مِ ْث َل َص ْل َص َل ِة ا ْل َج َر ِ‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫ول(‪.)1‬‬ ‫َو َع ْي ُت َعنْ ُه َما َق َال‪َ ،‬و َأ ْح َيانًا َيت ََم َّث ُل لِي ا ْل َم َل ُك َر ُج ًال ف ُي َك ِّل ُمنِي َف َأ ِعي َما َي ُق ُ‬
‫َ‬
‫َف ُي ْف َص ُم َعنِّي َو َقدْ َو َع ْي ُت َعنْ ُه َما َق َال!‬
‫َف َأ ِعي َما َي ُق ُ‬
‫ول!‬
‫الصدغي‪.‬‬
‫إذن هذا على العكس تما ًما من طبيعة صرع الفص ُّ‬
‫يعي المريض ما حدث‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الصدغي من أهم سماته أال َ‬
‫فصرع الفص ُّ‬
‫أصال‪.‬‬ ‫بل قد ال يعي َّ‬
‫أن النوبة جاءته ً‬
‫الصدغي يؤدي لتلف الذاكرة تما ًما‪ ،‬ويؤدي‬
‫بل وتكرار نوبات صرع الفص ُّ‬
‫بالخصوص إلى عدم االحتفاظ بالمعلومات الجديدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2555 :‬‬

‫‪550‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫تخ َّي ْل هذه الصورة التي فيها عدم االحتفاظ بالمعلومة الجديدة‪ ،‬وبين صورة‬
‫خرب الوحي الذي كان يأيت النبي ﷺ كل بضعة ساعات‪ ،‬ف ُيفصم عنه وقد وعى ﷺ‬
‫كل الوحي‪ ،‬ويجيب المستفتي‪ ،‬أو يحل مشكلة‪ ،‬أو يتنبأ بمعجزة أو يتلو ٍ‬
‫آيات‬
‫على كتبة الوحي‪.‬‬
‫وقد يأتيه الوحي ببعض ٍ‬
‫آيات‪ ،‬بل وبالسورة الكاملة فيقول لصحابته بعد أن‬
‫ُيفصم عنه الوحي‪ :‬ضعوا هذه اآليات بين آيات كذا وآيات كذا يف سورة كذا‪ ،‬ثم‬
‫ُّ‬
‫تظل هذه اآليات برتتيبها محفورة يف ذاكرته ﷺ طيلة عمره‪.‬‬
‫تد َّب ْر حال صاحب الرسالة‪ ،‬وانظر يف سيرته‪.‬‬
‫ثم‪ :‬أين التشنُّجات لجسده الشريف ﷺ‪ ،‬والتي هي إحدى السمات‬
‫األساسية لنوبات الصرع؟‬
‫الصحابة نقلوا َّ‬
‫كل تفاصيل حياته ﷺ بدقيقها وجليلها‪ ،‬ولم ينقلوا ولو لمرة‬
‫اهتز جسده الشريف ﷺ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحدة أنَّه تشنَّج أو َّ‬
‫الصرعى‪.‬‬‫إن الصحابة كانوا يعرفون الصرع‪ ،‬والنبي ﷺ كان يعالج َّ‬ ‫ثم َّ‬
‫ٍ‬
‫عباس قال له‪َ :‬أال‬ ‫تلميذ ابن عباس‪َّ ،‬‬
‫أن اب َن‬ ‫ُ‬ ‫مثال على ذلك حين ذكر عطا ٌء‬
‫النبي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُأريك امرأ ًة من أه ِل‬
‫قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬هذه المرأ ُة السودا ُء أتت َّ‬
‫الجنة؟ ُ‬

‫‪556‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ولك الجن ُة‪،‬‬‫صربت ِ‬


‫ِ‬ ‫ف‪ ،‬فادع اهلل لي‪ .‬قال‪ :‬إن ِ‬
‫شئت‬ ‫قالت‪ :‬إين ُأ ْص َر ُع وإين َّ‬
‫أتكش ُ‬
‫ُ َ‬
‫اهلل َّأال‬ ‫رب‪ .‬قالت‪ :‬فإين َّ‬ ‫ِ‬ ‫وإن ِ‬
‫فادع َ‬
‫ف‪ُ ،‬‬ ‫أتكش ُ‬ ‫عافيك‪ .‬قالت‪ :‬أص ُ‬ ‫اهلل أن ُي‬
‫دعوت َ‬
‫ُ‬ ‫شئت‬
‫ف‪ ،‬فدعا لها(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫أتكش ُ‬
‫وبعد هذه الدعوة لهذه المرأة كان يأتيها الصرع وال َّ‬
‫تتكشف(‪.)2‬‬
‫فالصحابة كانوا يعرفون الصرع‪ ،‬ويعرفون تشخيص حاالت الصرع‪ ،‬ولم َي ْخ َ‬
‫ف‬
‫عليهم ُ‬
‫حال النبي ﷺ‪ ،‬فكيف يأيت جاهل بعد ‪ 1011‬عام ليتَّهمه بما يتهمه به؟‬
‫لكن هنا قد يسأل سائل‪ :‬ماذا عن صوت صلصلة الجرس الذي كان يسمعه‬
‫النبي ﷺ حين يأتيه الوحي؟‬
‫والجواب‪ :‬كان الصحابة يسمعون الصوت نفسه‪.‬‬
‫وجه ِه‬
‫ِ‬ ‫الوح ُي ُس ِم َع عندَ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫عليه‬ ‫قال عمر بن الخطاب ‪َ " :‬‬
‫كان إذا ن ََز َل‬
‫كدَ ِو ِّي النَّح ِل"(‪.)3‬‬
‫فالصحابة كان يسمعون عند وجهه ﷺ نفس هذا الصوت وقت نزول‬
‫الوحي‪ ،‬فهل كان الصحابة ُيعانون جمي ًعا من صرع فص ُصدغي يف الوقت‬
‫نفسه؟‬
‫عضلي‬
‫ٌّ‬ ‫ثم هل كان ما يأتيه ﷺ لحظة نزول الوحي هي تشنُّجات وشدٌّ‬
‫واضطراب أمعاء وفقدان ذاكرة؟‬
‫أم كانت حالة سكون واحرتام لوحي اهلل سبحانه؟‬
‫يف صحيح مسلم من حديث ُعبادة بن الصامت‪" :‬كان النبي ﷺ إذا نزل ِ‬
‫عليه‬ ‫ُّ‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2328 :‬‬
‫(‪ )2‬عمدة التفسير‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.22‬‬
‫)‪ (3‬مسند أحمد‪ ،‬بتخريج أحمد شاكر‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪ ،120‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪ .‬وتخريج مشكاة‬
‫المصابيح‪ ،‬م‪ 5‬ص‪.52‬‬

‫‪552‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ِ‬
‫رؤوسهم‪ .‬فلما ُأ ْتل َي عن ُه‪ ،‬رفع َ‬
‫رأسه(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ونكس أصحا ُبه‬
‫َ‬ ‫رأس ُه‪،‬‬
‫نكس َ‬
‫الوحي َ‬
‫ُ‬
‫الصدغي؟‬ ‫فهل هناك َعالقة والحالة هذه مع نوبات صرع الفص ُّ‬
‫أيضا كان يصدر عن النبي ﷺ صوت الغطيط‪ ،‬وهذا من آثار ثِقل الوحي‪.‬‬ ‫ً‬
‫قال اهلل ‪ ‬لنبيه‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [المزَّ مل‪.]3 :‬‬
‫فالوحي ثقيل‪ ،‬وهو مِن أعظم ِّ‬
‫الذكر‪ ،‬والنبي ﷺ كان إذا َذك ََر اهلل يصدر عنه‬
‫أزيز كأزيز ِ‬
‫الم ْر َجل(‪.)2‬‬
‫أن الدابة تكاد تسقط عندما ينزل الوحي عليه ﷺ وهو عليها‪.‬‬‫ومِن ثِقل الوحي َّ‬
‫رسول اهللِ ﷺ وهو على‬
‫ِ‬ ‫تقول ُأ ُّم المؤمنين عائشة ‪ْ " :‬‬
‫إن كان َل ُيوحى إلى‬
‫بجرانِها"(‪.)3‬‬ ‫راح َلتِ ِه‪ ،‬فت ِ‬
‫َضر ُب ِ‬
‫ويف حديث زيد بن ثابت الصحيح أنَّه‪ :‬خاف من ثِقل الوحي أن تنكسر‬
‫ب‪ ،‬وأماله الوحي(‪.)4‬‬
‫فخذه حتى ُس ِّر َي عن النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬اك ُت ْ‬
‫فمن تد َّبر يف حال صاحب الرسالة ﷺ لحظة نزول الوحي واهلل النتهت شبهاته‪.‬‬
‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [سبأ‪.]08 :‬‬
‫ٌ‬
‫منشغل عن غيره بالوحي‪،‬‬ ‫لقد كان ﷺ يأتيه الوحي وهو يف كامل وعيه‪ ،‬لكنه‬
‫فهو يف خشو ٍع تا ٍّم؛ ليستقبل ما ُيتلى عليه‪ ،‬ثم ُيفصم عنه وقد وعى وحي ربه!‬
‫ويصر ُخ فيما‬
‫ُ‬ ‫الصدغي يتك َّلم بكالم غير مفهوم‪،‬‬
‫ثم إن المصاب بصرع الفص ُّ‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2553 :‬‬


‫)‪ (2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.210 :‬‬
‫(‪ )3‬تخريج مسند اإلمام أحمد للشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬ح‪.20686 :‬‬
‫خ ِذي‪َ ،‬ف َث ُق َل ْت َع َلي حتَّى ِخ ْف ُت ْ‬
‫أن َت ُر َّض‬ ‫خ ُذه ع َلى َف ِ‬‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اهلل ع َلى َرسوله ﷺ و َف ُ‬
‫(‪ )4‬يف الحديث‪" :‬فأنْزَ َل ُ‬
‫َّ‬
‫خ ِذي‪ُ ،‬ث َّم ُس ِّر َي َعنْ ُه"‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0322 :‬‬
‫َف ِ‬

‫‪553‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫سمى بـ "صرخة الصرع"‪ ،‬فكيف بمن ُأويت جوامع الكلم؟‬


‫ُي َّ‬
‫بمن كان يأيت الوحي بأجوبة ألسئلة محددة‪ ،‬وكل جواب فيه إعجاز؟‬
‫كيف َ‬
‫ويهتز ويسقط ويرتعش ويذهل ويفقد‬
‫ُّ‬ ‫ثم إن المصاب بالصرع يرتجف‬
‫ذاكرته‪ ،‬بينما هو ﷺ يأتيه الوحي وهو على الناقة‪ ،‬أو وهو على المنرب‪ ،‬أو وهو‬
‫يف ساحة المعركة‪ ،‬أو وهو بين صحابته‪ ،‬ويحصل عكس ما يحصل للمصروع‬
‫تما ًما‪.‬‬
‫وإضافة إلى ما سبق‪َّ :‬‬
‫إن الصرع بطبيعته يأيت يف أي وقت ودون سبب‪ ،‬وقد‬
‫يأيت للمريض وهو نائم‪ ،‬وقد يأتيه يف دورة المياه‪ ،‬وقد يأتيه يف أي حال‪ ،‬بينما‬
‫الوحي كان يأيت النبي ﷺ منذ أن بعثه اهلل بصورة منتظمة؛ إلجابة سؤال وفتيا‪،‬‬
‫ولتنزل ٍ‬
‫آيات من ِّ‬
‫الذكر الحكيم‪ ،‬وما كان يأيت هكذا يف‬ ‫ُّ‬ ‫ولتنزل خرب من السماء‪،‬‬
‫ُّ‬
‫أي وقت‪ ،‬بل ما كان يدخل الوحي بيت النبوة لو كان يف البيت نجاسات أو‬
‫صورة أو كلب‪.‬‬
‫أيضا لو نظرنا للحياة العقلية لمرضى الصرع‪َّ ،‬‬
‫فإن القدرات العقلية يحصل‬ ‫ً‬
‫فيها تدهور مع الوقت‪.‬‬
‫الصدغي ُيد ِّمر القدرات العقلية مع الوقت‪.‬‬
‫فصرع الفص ُّ‬
‫فهو يؤثر على كل جوانب القدرات العقلية والمعرفية واالجتماعية والعملية‬
‫والسلوكية‪ ،‬بل وتضعف جدًّ ا القدرات القيادية والحياة االجتماعية الطبيعية‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫بمن هذا حاله مع الصرع مِن تدهور القدرات القيادية والعقلية‪ ،‬ثم‬‫فكيف َ‬
‫أب‪ ،‬وأعظم زوج ﷺ؟‬ ‫يقارن بأفضل مرب‪ ،‬وأفضل ٍ‬
‫قائد‪ ،‬وأعظم ٍ‬ ‫ُ ٍّ‬ ‫ُ َ‬
‫الصدغي من الممكن أن يكون عبقر ًّيا أو‬
‫لكن هل مريض صرع الفص ُّ‬
‫مفكرا أو يصير أكثر تد ُّينًا؟‬
‫ً‬
‫يروج هذا الكالم بين بعض الناس وهو مجرد افرتاضات‪ ،‬فال‬
‫ُ‬ ‫والجواب‪:‬‬
‫توجد أد َّلة أو براهين على هذا األمر‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪The British Psychological‬‬ ‫بل ويف دراسة نشرهتا الجمعية النفسية الربيطانية‬
‫الصدغي بحاالت تد ُّين‬
‫أن فكرة ارتباط صرع الفص ُّ‬ ‫‪ Society‬تقرر الدراسة َّ‬
‫زائدة ثبت أهنا ُمغالطة علمية غير صحيحة‪ ،‬ومن يقول هذا الكالم يقع يف مغالطة‬
‫انتقاء الكرز‪.‬‬
‫فما يحصل هو الرتكيز يف الدراسات على أي شخص متدين‪ ،‬ويعاين يف‬
‫ويتم الربط خط ًأ بين حالته المرضية وبين‬
‫الوقت نفسه من صرع فص ُصدغي‪ُّ ،‬‬
‫الصدغي‬ ‫توهم الناس َّ‬
‫أن هناك َعالقة بين صرع الفص ُّ‬ ‫تد ُّينه الزائد‪ ،‬وبالتالي َّ‬
‫والتدين الزائد عند بعض الناس‪ ،‬لكن يف الواقع ال توجد هذه ال َعالقة‪.‬‬
‫نوع من الربط غير الصحيح‪.‬‬
‫فهذا فقط ٌ‬
‫فكما َّ‬
‫أن هناك نسب ًة من التد ُّين والثقافة والفكر واإلبداع بين الناس‬
‫الصدغي‪.‬‬
‫الطبيعيين‪ ،‬توجد النسبة نفسها بالقدر ذاته بين المصابين بصرع الفص ُّ‬

‫الصدغي‬
‫ويف كل األحوال‪ ،‬فمع الوقت ومع تكرار نوبات صرع الفص ُّ‬
‫يحصل تدهور للقدرات العقلية للمريض‪.‬‬
‫كثيرا يف هذه الشبهة َّ‬
‫أن مريض صرع الفص‬ ‫ومن األمور التي أتوقف عندها ً‬

‫‪556‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ِ‬
‫دقيقتين فهذا يعني مشكلة طبية خطيرة‪،‬‬ ‫الصدغي لو طالت عنده النوبة ألك َث َر من‬
‫ُّ‬
‫محتاجا للعناية المركَّزة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ويكون المريض‬
‫فسر الملحد مجيء جربيل ‪ ‬للنبي ﷺ‪ ،‬ثم يتلو عليه اآليات‬ ‫فكيف ُي ِّ‬
‫َين والثالث ساعات يف‬ ‫الطوال‪ ،‬وقد يتلو السورة الكاملة التي تحتاج إلى الساعت ِ‬
‫تالوهتا؟‬
‫تصور المالحدة؟‬ ‫ِ‬
‫ساعتين وثالثة على حد ُّ‬ ‫تستمر‬
‫ُّ‬ ‫فكيف يدخل النبي ﷺ يف نوبة‬
‫هذا ال ُيعقل طب ًّيا!‬
‫ٌ‬
‫محال طب ًّيا‪.‬‬ ‫هذا‬
‫ومن المعلوم بإجماع المسلمين أن كل حرف من القرآن أخذه النبي ﷺ عن‬
‫جربيل نط ًقا ولف ًظا وتالو ًة بطريقة تدوير الحرف بكل أوجه القراءات الصحيحة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حرف يف القرآن‪ ،‬وكان جربيل يأيت النبي ﷺ بالسور الطوال‬ ‫كل هذا حصل لكل‬
‫والسور القصار‪.‬‬
‫وبعض السور الطوال كانت تنزل كاملةً‪ ،‬فيقرأها جربيل على النبي ﷺ‪.‬‬
‫وكثير من سور القرآن نزلت كاملة مثل‪ :‬سورة الكهف‪ ،‬وسورة التوبة‪،‬‬
‫وسورة األعراف‪ ،‬وسورة الفتح‪ ،‬وسورة المرسالت‪ ،‬وغيرها من السور(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫إذن كان الوحي يأيت النبي ﷺ يف كثير من األحيان الساعات الطوال‪ ،‬وهذا‬
‫ٌ‬
‫محال يف مرضى الصرع بال خالف‪.‬‬
‫وكان الوحي َي ْلقى النبي ﷺ يف كل ليلة من رمضان ف ُيدارسه القرآن(‪.)2‬‬

‫ور ٍة نَزَ َل ْت كَامِ َل ًة بَ َرا َءةٌ‪.‬‬ ‫َن البر ِاء ﭬ َ ِ‬


‫قال‪ :‬آخ ُر ُس َ‬ ‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري‪ :‬ع ِ َ َ‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0580 :‬‬
‫آن‪.‬‬ ‫َان ِج ْب ِر ُيل َي ْل َقا ُه يف ُك ِّل َل ْي َل ٍة مِن َر َم َض َ‬
‫ان‪ ،‬ف ُيدَ ِار ُس ُه ال ُق ْر َ‬ ‫(‪ )2‬قال ابن عباس ﭭ‪َ :‬وك َ‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5330 :‬‬

‫‪557‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فكان جربيل ُيعارضه ﷺ بجزء من القرآن َّ‬


‫كل ليلة من رمضان‪.‬‬
‫ِ‬
‫مرتين(‪.)1‬‬ ‫ويف آخر رمضان له ﷺ يف الدنيا عارضه القرآن‬
‫سمى العرضة األخيرة عند علماء القراءات‪ ،‬وهي‪ :‬العرضة التي‬‫وهذه ُت َّ‬
‫ِ‬
‫مرتين بحضور كبار الصحابة مثل‪ :‬عبد اهلل بن‬ ‫عارضه فيها جربيل القرآن‬
‫مسعود‪ ،‬وزيد بن ثابت‪.‬‬
‫فكيف يأتيه الوحي الساعات الطوال؟‬
‫تستمر لساعات أو حتى لدقائق؟‬
‫ُّ‬ ‫هل توجد نوبة صرع ُصدغي‬
‫ٌ‬
‫محال‪.‬‬ ‫هذا‬
‫صور وقار الوحي‪ ،‬وسكون الوحي‪ ،‬وو ْعي‬ ‫لنا أن نسأل َّ‬
‫كل ملحد‪ :‬كيف ُي َّ‬
‫صور كل هذا على أنَّه حالة صرع فص‬
‫لتنزل اآليات‪ ،‬كيف ُي َّ‬
‫النبي ﷺ التام ُّ‬
‫الصدغي من فِقدان للذاكرة‪ ،‬وما يعقبه من صراخ‬
‫ُصدغي‪ ،‬بما يف الصرع ُّ‬
‫المريض‪ ،‬وسقوطه على األرض‪ ،‬وسيالن ُلعابه‪ ،‬واهتزاز جسده يف تشنجات‬
‫تتص َّلب فيها العضالت‪ ،‬وما يصحب ذلك من تبول وتغوط الإرادي‪ ،‬وما يعقب‬
‫كل ذلك من خور يف القوى‪ ،‬واستغراق يف النوم‪ ،‬يصحو منه المريض خالي‬
‫الذهن من تذكُّر ما حدث له‪.‬‬
‫هل هذا له َعالقة من قريب أو بعيد بحال الوحي؟‬
‫أن عندنا حدي ًثا على أعلى‬
‫األعجب من كل ما سبق يف الر ِّد على هذه الشبهة هو َّ‬
‫كبير من الصحابة‪ ،‬وأورده البخاري ومسلم يف صحيحيهما‬
‫درجات الصحة رواه عد ٌد ٌ‬
‫من ُط ُرق مختلفة حتى أن المحدِّ ث يقول‪" :‬هذا حديث ُم َ‬
‫جمع على صحته"‪.‬‬
‫َار َضنِي ال َعا َم َم َّر َت ْي ِن‪َ ،‬‬
‫وال ُأ َرا ُه َّإال‬ ‫ٍ‬ ‫ار ُضنِي ال ُق ْر َ‬
‫آن ُك َّل َسنَة َم َّرةً‪ ،‬وإنَّه ع َ‬ ‫إن ِج ْب ِر َيل ك َ‬
‫َان ُي َع ِ‬ ‫)‪ (1‬قال النبي ﷺ‪َّ :‬‬
‫أجلِي‪.‬‬
‫َح َض َر َ‬
‫متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...5825 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2031 :‬‬

‫‪558‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يف هذا الحديث أيت جربيل للنبي ﷺ يف صورة رجل؛ ل ُيع ِّلم الصحابة‬
‫اإلسالم والشريعة‪.‬‬
‫الصدغي؟‬ ‫روجي شبهة صرع الفص ُّ‬ ‫فما تفسير هذه المعجزة من وجهة نظر ُم ّ‬
‫كل م ِ‬ ‫ٍ‬
‫نصف!‬ ‫واهلل هذا الحديث كاف َّ ُ‬
‫َّاس‪ ،‬فأ َتا ُه‬‫ار ًزا َي ْو ًما لِلن ِ‬ ‫كان النبي ﷺ َب ِ‬ ‫يقول الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪َ :-‬‬
‫ُّ‬
‫أن ُت ْؤمِ َن باهللِ و َم َالئِ َكتِ ِه‪ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪ ،‬وبِلِ َق ِائ ِه‪،‬‬ ‫ان ْ‬ ‫اإليم ُ‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬‫ان؟ َ‬ ‫إليم ُ‬
‫قال‪ :‬ما ا َ‬‫ِج ْب ِر ُيل َف َ‬
‫وال ُت ْش ِر َك‬ ‫اإلس َال ُم؟ َ‬ ‫ث‪َ .‬‬ ‫ورسلِ ِه‪ ،‬و ُت ْؤمِن بالبع ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬‬ ‫أن َت ْع ُبدَ َ‬ ‫اإلس َال ُم‪ْ :‬‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫قال‪ :‬ما ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ ُ‬
‫ان‪َ .‬‬ ‫وضةَ‪ ،‬و َت ُصو َم َر َم َض َ‬ ‫الزكَا َة ا ْل َم ْف ُر َ‬
‫الص َالةَ‪ ،‬و ُت َؤ ِّد َي َّ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬ما‬ ‫به شي ًئا‪ ،‬و ُتق َ‬
‫يم َّ‬
‫قال‪َ :‬متَى‬ ‫اك‪َ ،‬‬ ‫فإن َل ْم َت ُك ْن َت َرا ُه فإنَّه َي َر َ‬
‫اهلل كَأن ََّك َت َرا ُه‪ْ ،‬‬ ‫أن َت ْع ُبدَ َ‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫ان؟ َ‬ ‫اإلح َس ُ‬‫ْ‬
‫وس ُأ ْخبِ ُر َك عن ْأش َراطِ َها‪ :‬إ َذا‬ ‫السائلِ‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َعن َْها ب َأ ْع َل َم م َن َّ‬
‫الم ْس ُؤ ُ‬‫قال‪ :‬ما َ‬ ‫السا َع ُة؟ َ‬ ‫َّ‬
‫س ال َي ْع َل ُم ُه َّن‬ ‫ان‪ ،‬يف َخ ْم ٍ‬ ‫ت األم ُة ربها‪ ،‬وإ َذا َت َطاو َل ر َعا ُة اإلبِ ِل البهم يف البنْي ِ‬ ‫و َلدَ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫النبي ﷺ‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [لقمان‪ ]50 :‬اآل َيةَ‪ُ ،‬ث َّم أ ْد َب َر‬ ‫َّإال ُ ُ َ‬
‫اهلل ث َّم ت َال ُّ‬
‫َّاس ِدين َُه ْم(‪.)1‬‬‫قال‪ :‬هذا ِج ْب ِر ُيل َجا َء ُي َع ِّل ُم الن َ‬ ‫قال‪ُ :‬ر ُّدو ُه َف َل ْم َي َر ْوا شي ًئا‪َ ،‬ف َ‬‫َف َ‬
‫فالحديث باتفاق العلماء على أعلى درجات الصحة‪.‬‬
‫مروي عن عدد كبير من الصحابة‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫والحديث‬
‫فهل حين رأى الصحابة جربيل ‪ ‬كانوا يعانون جمي ًعا من صرع فص‬
‫ُصدغي يف الوقت نفسه؟‬
‫ورؤية الصحابة لجربيل ‪ ‬ت َّكررت يف عشرات المواقف‪.‬‬
‫فصلنا من قبل‪.‬‬
‫ورآه الصحابة بعد غزوة األحزاب كما َّ‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...31 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2 :‬‬

‫‪559‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ورأته ُأ ُّم سلمة وهو ُيحدِّ ث النبي ﷺ(‪.)1‬‬


‫فهل كانت ‪ُ ‬تعاين من صرع فص ُصدغي يف الوقت نفسه مع النبي ﷺ؟‬
‫ولو نظرنا يف ُمجمل سيرته ﷺ‪ ،‬والمعجزات التي أتى هبا‪ ،‬وتلك األخبار‬
‫التي أنبأ هبا فوقعت كما أنبأ‪ ،‬مثل ن ْعي النجاشي يف اليوم الذي مات فيه‪ ،‬وإخباره‬
‫بمقتل كسرى يف اليوم الذي ُقتل فيه‪ ،‬وإخباره بأن عمر وعل ًّيا وعثمان وطلحة‬
‫والزبير لن يموتوا على ُف ُرشهم كما يموت الناس‪ ،‬وإنما سيموتون شهداء‪،‬‬
‫وإخباره بأن ُأ َّم حرام ستكون من شهداء البحر‪ ،‬وما ال حصر له من األخبار‪،‬‬
‫والتي منها المتواتر الذي نقله جمع كبير من الصحابة‪ ،‬لو نظرنا يف كل هذا نظر ًة‬
‫لعلمنا بصورة قاطعة أننا أمام نبي‪.‬‬
‫متجرد ًة للحق‪ْ ،‬‬
‫حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين يف مكة يخربهم ببعض أمر‬
‫َ‬ ‫وحين أرسل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فجاء خرب السماء برسالة حاطب‪ ،‬فقال ﷺ لبعض صحابته‪:‬‬
‫هودج ذاهب ًة لمكة ُتخفي‬
‫ٍ‬ ‫انطلقوا لمكان كذا ‪-‬حدَّ ده لهم ﷺ‪ -‬ستجدون امرأ ًة يف‬
‫رسالة من حاطب‪ ،‬ائتوين هبذه الرسالة‪ ،‬فذهبوا ووجدوا كما أخرب ﷺ‪.‬‬
‫فإن هبَا َظ ِعينَ ًة (امرأة)‪،‬‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬ا ْن َطلِ ُقوا حتَّى َت ْأ ُتوا َر ْو َض َة َخاخٍ ‪َّ ،‬‬
‫الر ْو َض ِة‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫َاب َف ُخ ُذو ُه منها‪َ ،‬فا ْن َط َل ْقنَا َت َعا َدى بنَا َخ ْي ُلنَا حتَّى ا ْنت ََه ْينَا إلى َّ‬
‫ِ‬
‫ومعها كت ٌ‬ ‫َ‬
‫ن َْح ُن بال َّظ ِعين َِة"(‪.)2‬‬
‫وبمن كتبها‪ ،‬وبالمكان المحدَّ د الذي تكون قد‬
‫َمن أعلمه ﷺ بأمر الرسالة‪َ ،‬‬
‫وصلت فيه المرأة يف طريقها لمكة لحظة وصول الصحابة إليها؟‬
‫ول اهللِ ﷺ‬ ‫متفق على صحته‪ ،‬قال أنس بن مالك‪َ :‬ب ْينَا َر ُس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ويف‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ه َل َك ا ْل َم ُال‪،‬‬ ‫ب َع َلى ا ْل ِمنْ َب ِر َي ْو َم ا ْل ُج ُم َع ِة‪َ ،‬قا َم َأ ْع َرابِي َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ٌّ‬ ‫َي ْخ ُط ُ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0261 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5112 :‬‬

‫‪560‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وجاع ا ْل ِعي ُال‪َ ،‬فادع اهلل َلنَا َأ ْن يس ِقينَا‪َ .‬فر َفع يدَ ي ِه وما نَرى يف السم ِ‬
‫اء َق َز َعةً‪َ ،‬ف َوا َّل ِذي‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ال‪ُ ،‬ث َّم َل ْم َين ِْز ْل عن مِنْ َب ِر ِه‬ ‫اب أم َث َال ِ‬
‫الج َب ِ‬
‫الس َح ُ ْ‬ ‫وض َع َها حتَّى َث َار َّ‬ ‫َن ْف ِسي ب َي ِد ِه‪ ،‬ما َ‬
‫ذلك‪ ،‬ومِ َن ال َغ ِد و َب ْعدَ‬ ‫الم َط َر َيت ََحا َد ُر ع َلى ل ِ ْح َيتِ ِه ﷺ‪َ ،‬ف ُمطِ ْرنَا َيو َمنَا َ‬
‫حتَّى َر َأ ْي ُت َ‬
‫الج ُم َع ِة األُ ْخ َرى"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ال َغد‪ ،‬والذي َيلِيه‪ ،‬حتَّى ُ‬
‫ِ‬

‫فكيف ُيجاب دعاؤه يف الحال إال إذا كان مؤيدً ا من عند اهلل؟‬
‫وصفوان ب ُن ُأمية بعد غزوة بدر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫محي‬
‫الج ُّ‬
‫وهب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بن‬‫مير ُ‬
‫وذات يوم جلس ُع ُ‬
‫وهب‪ :‬واهللِ‬
‫بت إِلى‬ ‫قضاؤه‪ ،‬وعيالي لركِ ُ‬
‫ُ‬ ‫علي ليس ِعندي‬‫َّ‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫ي‬‫د‬‫َ‬ ‫لوال‬ ‫ٍ‬ ‫مير ب ُن‬
‫فقال ُع ُ‬
‫علي دينُك‪ ،‬وعيا ُلك مع عيالي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ُمحمد حتى أق ُتله‪ ،‬فاغ َتن ََمها صفوان‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫فش ِح َذ‬ ‫سيف ِه ُ‬
‫أفعل‪ُ ،‬ثم أمر ُعمير بِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ََ‬ ‫مير‪ :‬اك ُتم عني شأين وشأنَك‪ .‬قال‪ُ :‬‬ ‫قال ُع ٌ‬
‫ِ‬
‫المدينة‪.‬‬ ‫وس َّم ُثم انطلق إِلى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األسير الذي يف أيدي ُك ْم‪.‬‬ ‫ئت لِهذا‬
‫فدخل عمير على رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال عمير‪ِ :‬ج ُ‬
‫السيف يف ُعنُ ِقك؟‬
‫ِ‬ ‫فقال ﷺ‪" :‬فما ُ‬
‫بال‬
‫قال‪ :‬قبحها اهلل مِن س ٍ‬
‫يوف‪ ،‬فهل ْ‬
‫أغن َْت عنا شي ًئا؟‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫قال‪ :‬اصدُ قني‪ ،‬ما الذي ِجئت له؟‬
‫ئت إِال لِهذا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ما ِج ُ‬
‫الح ِ‬
‫جر‪ ،‬ف ُق َ‬ ‫وصفوان بن ُأمية يف ِ‬
‫ين‬
‫لت‪ :‬لوال َد ٌ‬ ‫ُ ُ‬ ‫قعدت أنت‬
‫َ‬ ‫قال ﷺ‪" :‬بلى‪،‬‬
‫صفوان لك بِدَ ينِك وعيالِك‬
‫ُ‬ ‫فتح َّم َل‬
‫لخرجت حتى أق ُت َل ُمحمدً ا‪َ .‬‬
‫ُ‬ ‫علي وعيالي‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واهلل حائ ٌل بينك وبين ذلك"‪.‬‬ ‫على أن تق ُت َلني‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫وصفوان(‪.)2‬‬ ‫يحض ْر ُه إِال أنا‬ ‫ُ ِ‬
‫أمر لم ُ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫مير‪ :‬أشهدُ أنَّك‬
‫قال ُع ٌ‬
‫فما َعالقة كل هذه المعجزات والتأييد اإللهي بما يفرتيه المالحدة بحق‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ....1155 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.622 :‬‬
‫)‪ (2‬أبو نعيم‪ ،‬دالئل النبوة‪.015 ،‬‬

‫‪566‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫صاحب الرسالة ﷺ؟‬


‫نبي‪،‬‬
‫يتصور أنه ٌّ‬
‫َّ‬ ‫وان ُظ ْر لهذه الحادثة وتد َّب ْرها بنفسك‪ ،‬لو كان محمد ﷺ‬
‫َّ‬
‫يستغل حادثة كسوف‬ ‫ويحاول توفيق األحداث لمصلحة دعوته‪ ،‬فلماذا ْ‬
‫إذن لم‬
‫الشمس يوم مات ابنه إبراهيم ليقول‪َّ :‬‬
‫إن هذه عالمة من اهلل لموت ابني؟‬
‫لقد تحدَّ ث الناس يوم مات إبراهيم وانكسفت الشمس‪َّ ،‬‬
‫أن الشمس‬
‫انكسفت لموته‪ ،‬لو صدَّ قهم النبي ﷺ فيما يقولون‪ ،‬ما كان ألحد من الكفار أن‬
‫ينكر عليه ذلك‪ ،‬بل لربما تأ َّثر بعضهم‪.‬‬
‫لكنه ﷺ قالها صريحة مدو َّية‪َّ :‬‬
‫إن كسوف الشمس ظاهرة طبيعية ال َعالقة لها‬
‫بموت ٍ‬
‫أحد وال بحياته‪.‬‬
‫يم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ت َّ‬ ‫والحديث يف البخاري ومسلم وفيه‪" :‬ا ْن َكس َف ِ‬
‫ات إ ْب َراه ُ‬
‫الش ْم ُس َيو َم َم َ‬ ‫َ‬
‫الش ْم َس وال َق َم َر‬
‫إن َّ‬‫سول اهللِ ﷺ‪َّ :‬‬ ‫قال َر ُ‬ ‫يم‪َ ،‬ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّاس‪ :‬ا ْن َك َس َف ْت ل َم ْوت إ ْب َراه َ‬
‫قال الن ُ‬‫َف َ‬
‫وال ل ِ َح َياتِ ِه"(‪.)1‬‬
‫أح ٍد َ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آ َيتَان من آ َيات اهلل‪ ،‬ال َينْ َكس َفان ل َم ْوت َ‬
‫آية وهي القرآن الكريم؟‬ ‫ثم ماذا عن أعظم ٍ‬
‫ٍ‬
‫بسورة منه‪ ،‬فما فعلوا‪.‬‬ ‫التي تحدَّ ى اهلل به أهل البيان‪ ،‬أن يأتوا بمثله أو‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [البقرة‪.]20 :‬‬
‫فما فعلوا‪ ،‬وال قدروا‪.‬‬
‫ولم يزل القرآن الكريم يتحدَّ ى ُبلغاء المشركين‪ ،‬وأهل الفصاحة‪ ،‬وهم يف‬
‫كل هذا ناكصون عن معارضته‪ ،‬محجمون عن مماثلته‪.‬‬
‫فكل هذه أد َّلة على سخافة تصوير الوحي الذي كان يأيت النبي ﷺ بكل آياته‬
‫تلك على أنه حالة صرع فص ُصدغي‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1181 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.211:‬‬

‫‪562‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪ -38‬املعجزات اليت جرت ىلع يد األنبياء كمعجزة اإلرساء واملعراج ختالف‬


‫انلواميس الكونية فكيف حصلت؟‬

‫ج‪ :‬المالحدة ينكرون حصول المعجزات؛ ألهنا تخالف النواميس الكونية‬


‫والقوانين الطبيعية‪ ،‬وهذا اإلنكار سخيف تما ًما‪.‬‬
‫ألن المعجزات لو لم تخالف النواميس الكونية والقوانين الطبيعية لن تكون‬
‫ٍ‬
‫معجزات‪.‬‬
‫فشرط المعجزة‪ :‬مخالفة النواميس العادية‪.‬‬
‫وإذا كان اهلل موجو ًدا‪ ،‬فالمعجزات من الطبيعي أن تحصل على أيدي األنبياء‪.‬‬
‫فالمعجزات واآليات ُيظهرها اهلل على أيدي أنبيائه‪ ،‬كيف شاء‪ ،‬وقتما شاء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫صورة شاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بأية‬
‫ٍ‬
‫بحتمية‪ ،‬لكن هذا يف األنظمة المعزولة‪.‬‬ ‫والقوانين نعم ثابتة ومتكررة‬
‫ٌ‬
‫معزول عن اهلل؟‬ ‫وهنا السؤال‪ :‬هل الكون‬
‫وحكمه وإرادته؟‬
‫هل الكون بعيد عن قيومية اهلل‪ ،‬وعن مشيئته ُ‬
‫أصال إال بقيومية اهلل‪ ،‬فالكون قائم بقيومية اهلل‪.‬‬
‫ال قوام للكون ً‬
‫تصح فقط بالنسبة لنا وليس بالنسبة هلل سبحانه‪.‬‬
‫وبالتالي ففكرة الكون المعزول ُّ‬
‫تصح‬
‫ُّ‬ ‫أن يخلق دابة يف صخرة لما انخرق قانون؛ َّ‬
‫ألن القوانين‬ ‫فلو شاء اهلل ْ‬
‫فقط يف األنظمة المعزولة‪ ،‬وبالبداهة ال شيء معزول عن اهلل‪.‬‬
‫أي تعارض بين الناموس وبين المعجزة‪.‬‬
‫إذن يف واقع األمر ويف حقيقته ال يوجد ُّ‬
‫ليس هناك تعارض بين القوانين الطبيعية وبين اآليات التي يجريها اهلل على‬
‫يد أنبيائه‪.‬‬
‫بنبي من األنبياء أن تجري على يد هذا النبي‬
‫وقد يشرتط الكفار حتى يؤمنوا ٍّ‬
‫معجزة حتى يؤمنوا‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [الرعد‪.]2 :‬‬

‫‪563‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إذن حصول المعجزة أمر طبيعي و ُمتو َّقع!‬


‫ْ‬
‫ِ‬
‫حدوث المعجزة يتط َّلب فقط إثبات صحة الخرب‪ ،‬فإذا َثبت الخرب‬ ‫وإثبات‬
‫بوقوع المعجزة‪ ،‬فال وجه للمماحكة أو اإلنكار‪.‬‬
‫وكفار مكة أرادوا اختبار النبي ﷺ حتى يتأكَّدوا من وقوع معجزة اإلسراء‬
‫َ‬
‫تفاصيل ُمع َّينة يف بيت المقدس ال يعرفها‬ ‫يحكي لهم‬ ‫والمعراج‪ ،‬فطلبوا منه أن‬
‫َ‬
‫إال من زاره‪.‬‬
‫الح ْج ِر و ُق َر ْي ٌش‬‫روى اإلمام مسلم يف صحيحه‪ ،‬قال النبي ﷺ‪" :‬ل َقدْ ر َأي ُتن ِي يف ِ‬
‫َ ْ‬
‫الم ْق ِد ِ‬
‫س َل ْم ُأ ْثبِتْها‪َ ،‬ف ُك ِر ْب ُت ُك ْر َب ًة ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫راي‪َ ،‬ف َس َأ َلتْني عن ْأشيا َء من َب ْيت َ‬
‫ِ‬
‫َت ْس َأ ُلني عن َم ْس َ‬
‫ٍ‬
‫شيء َّإال أ ْن َب ْأ ُت ُه ْم به"(‪.)1‬‬ ‫اهلل لي أ ْن ُظ ُر إ َل ْي ِه‪ ،‬ما َي ْس َأ ُلونِي عن‬ ‫ُك ِر ْب ُت مِ ْث َل ُه َق ُّط‪َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬ف َر َف َع ُه ُ‬
‫المجنَّح يف رحلة اإلسراء والمعراج‪.‬‬ ‫لكن بعض الملحدين يسخر من فكرة الرباق ُ‬
‫السنة‪.‬‬
‫نص واحدٌ يف القرآن أو ُّ‬ ‫والجواب‪ :‬الرباق المجنَّح‪ ،‬هي فكرة ال يوجد عليها ٌّ‬
‫جنحا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫نص واحد أن الرباق كانت له أجنحة أو أنَّه كان ُم ً‬ ‫فلم يرد يف ٍّ‬
‫إن عائشة ‪ ‬كانت ذات يوم ُتمازح النبي ﷺ‪ ،‬فرأى النبي ﷺ معها‬ ‫بل َّ‬
‫جناحان‪ ،‬فقال لعائشة‪ :‬ما هذا ا َّلذي‬ ‫ِ‬ ‫فرسا يف وسطها له‬ ‫بعض ال ُّلعب‪ ،‬ورأى ً‬
‫عت أ َّن ُه كا َن‬
‫سم َ‬‫ناحان؟ قا َلت‪ :‬أوما ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناحان‪ ،‬قال‪َ :‬فر ٌس لها َج‬ ‫ِ‬ ‫ع َل ِ‬
‫يه؟ قا َلت‪َ :‬ج‬
‫َ َ‬
‫رسول اهللِ حتَّى بدَ ْت ن ََو ِ‬
‫اج ُذ ُه(‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فضح َك‬ ‫خيل َلها أجن ِ َحةٌ‪،‬‬
‫بن داو َد ٌ‬ ‫لس َل َ‬
‫يمان َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتعجب‬
‫َّ‬ ‫المجنَّح غير موجودة‪ ،‬بل‬
‫فالشاهد من هذا الكالم أن فكرة الرباق ُ‬
‫ِ‬
‫جناحان‪.‬‬ ‫فرس له‬
‫النبي ﷺ أن يكون هناك ٌ‬
‫أيضا شبهة َّ‬
‫أن اإلسراء‬ ‫ويف قضية اإلسراء والمعراج يثير بعض الملحدين ً‬
‫ٌ‬
‫منقول من الزرادشتية‪.‬‬ ‫والمعراج‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.122 :‬‬


‫)‪ (2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.0252 :‬‬

‫‪564‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ويف الواقع َمن َدرس ونظر يف الزرادشتية سيكتشف َّ‬


‫أن الزرادشتية هي التي‬
‫نقلت قصة اإلسراء والمعراج من اإلسالم‪.‬‬
‫فقصة معراج الشاب أردافيراف ‪ Arda Viraf‬أو أردوفيروف نومِه يف‬
‫تأثرا باإلسالم طب ًقا‬
‫الزرادشتية‪ ،‬هذه القصة ُكتبت يف القرن العاشر الميالدي ً‬
‫للمراجع الزرادشتية نفسها‪.‬‬

‫أن حادثة اإلسراء والمعراج للنبي الخاتم ﷺ‪ ،‬تحد َّثت عنها‬


‫ومن العجيب َّ‬
‫الكتب المقدسة السابقة‪َّ ،‬‬
‫وبشرت بأهنا ستحصل معه‪.‬‬

‫‪565‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فقد ورد يف سفر دانيال‪:‬‬

‫ب السم ِ‬
‫اء مِ ْث ُل اب ِن إِنْس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ان‪ :‬أتى هذا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُكن ُْت َأ َرى في ُر َؤى ال َّل ْي ِل َوإِ َذا َم َع ُس ُح ِ َّ َ‬
‫النبي مع سحب السماء‪.‬‬
‫َو َجا َء إِ َلى ا ْل َق ِد ِ‬
‫يم األَ َّيامِ‪ :‬جاء إلى اهلل‪.‬‬
‫َف َق َّر ُبو ُه ُقدَّ ا َم ُه‪.‬‬
‫وب َواألُ َم ِم َواألَ ْل ِسن َِة‪:‬‬ ‫َف ُأ ْعطِ َي ُس ْل َطانًا َو َم ْجدً ا َو َم َل ُكو ًتا ل ِ َت َت َع َّبدَ َل ُه ُك ُّل ُّ‬
‫الش ُع ِ‬
‫ستكون دعوته إلى اهلل عالمية‪ ...‬للناس كافة‪.‬‬
‫ول‪َ ،‬و َم َل ُكو ُت ُه َما َال َينْ َق ِر ُض‪ :‬سيبقى تشريعه‬ ‫ان َأ َب ِد ٌّي َما َل ْن َي ُز َ‬
‫ُس ْل َطا ُن ُه ُس ْل َط ٌ‬
‫إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫عرج به إلى اهلل‪ ،‬وستكون دعوته للناس كافةً‪،‬‬
‫وهذا الشخص الذي س ُي َ‬
‫وسيبقى تشريعه إلى قيام الساعة طب ًقا لهذا النص يف سفر دانيال هو شخص له‬
‫سمات محددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫َّ‬
‫أن زمن بعثة هذا الشخص والتمكين ألمته وانتصارهم على ممالك األرض‬
‫سيكون بعد ظهور قسطنطين الكبير بثالثة قرون ونصف القرن‪.‬‬
‫وقسطنطين ظهر عام ثالثمائة ميالدية‪ ،‬فإذا أضفنا لهذا التاريخ ثالثة قرون‬
‫ونصف القرن فنحن يف العام ستمائة وخمسين ميالدية‪ ،‬وهو زمن أوج انتصار‬
‫األمة اإلسالمية على ممالك األرض يف خالفة عمر بن الخطاب ‪ ‬وفتوح‬
‫الشام والعراق‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫النبي الذي ُعرج به إلى السماء يف نبوءة دانيال هو بشارة بالنبي محمد ﷺ‪،‬‬
‫فهذا ُّ‬
‫وال تكون هذه البشارة لغيره‪.‬‬
‫فهو الذي جاءت دعوته للعالم كله‪ ،‬وهو الذي شريعته ما زالت حتى‬
‫الساعة‪ ،‬وستبقى ليوم القيامة‪ ،‬وهو الذي ُفتحت ألمته ممالك األرض‪َ ،‬‬
‫وهزمت‬
‫أكرب اإلمرباطوريات‪.‬‬
‫بل ويذكر سفر دانيال أن فتح القسطنطينية ‪-‬مملكة قسطنطين الكبير‪ -‬لن‬
‫يكون إال على يد ُأ َّمة هذا النبي‪ ،‬وهذا لم يحصل ألُ َّمة سوى األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫قسيس إرميا ساب ًقا "عبد األحد‬
‫َ‬ ‫وهذه البشارة المدهشة يف سفر دانيال دفعت‬
‫داود"‪ ،‬ليقول عن هذه البشارة‪" :‬لعلها أروع وأوضح نبوءة عن ال َبعثة النبوية‪،‬‬
‫الرسل"(‪.)1‬‬
‫ألعظم البشر‪ ،‬وخاتم ُّ‬

‫‪ -39‬ملاذا هناك أجنحة للمالئكة يف الفضاء؟‬

‫السنة َّ‬
‫أن المالئكة تستخدم هذه األجنحة؛ لكي تقوم‬ ‫ج‪ :‬هل َذكَر القرآن أو ُّ‬
‫مثال؟‬
‫بدفع الهواء ً‬
‫أصال‪ ،‬أو قوانين دفع الهواء أو غير ذلك؟‬
‫هل المالئكة تحكمها قوانين الفيزياء ً‬
‫المالئكة أجسام نورانية غيبية‪ ،‬وما فيها من خلق اهلل هو من جملة الغيب‬
‫الذي ُنثبته‪ ،‬وال نعرف صفتَه وال كيفيتَه!‬
‫ض األُ ُنف‪" :‬ومما ينبغي الوقوف عليه يف معنى‬
‫الر ْو ِ‬
‫وكما قال صاحب َّ‬
‫األجنحة أهنا ليست كما يسبق إلى الوهم مثل جناحي الطائر"‪.‬‬
‫ثم ُيكمل ويقول‪" :‬هذه األجنحة عبارة عن صفة ملكية‪ ،‬وقوة روحانية‪،‬‬

‫)‪ (1‬محمد ﷺ‪ ،‬كما ورد يف كتاب اليهود والنصارى‪ ،‬عبد األحد داود‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫‪567‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إعمال الفكر يف كيفيتِها"(‪.)1‬‬


‫ُ‬ ‫علما‬
‫فيجب علينا اإليمان هبا‪ ،‬وال يفيدنا ً‬
‫َ‬
‫‪ -40‬هل نقل اإلسالم قصة ذي القرنني من النسخ الرسيانية؟‬

‫ج‪ :‬تحكي النسخ السريانية كثير من بطوالت اإلسكندر األكرب ومالحمه‪ ،‬والتي‬
‫تشبه يف بعض صورها قصة ذي القرنين يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫فيأيت الملحد ويربط بين هذه الروايات السريانية وبين قصة ذي القرنين يف‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ويدَّ عي أن القرآن نقل هذه القصة من النسخ السريانية‪.‬‬
‫وهذه واحدة من أغرب الشبهات التي تسمعها يو ًما من ملحد‪.‬‬
‫ألن هذه النسخ السريانية عن اإلسكندر األكرب ومالحمه‪ ،‬ظهرت بعد ظهور‬
‫اإلسالم‪ ،‬و ُكتبت يف حاضرة اإلسالم‪ ،‬ويف ظالل اإلسالم‪.‬‬
‫فكيف ين ُق ُل القرآن منها‪ ،‬وهي ُكتبت بعد ظهور اإلسالم؟‬
‫تمت ترجمتها من السريانية إلى‬
‫وهذه النسخ السريانية عن اإلسكندر األكرب َّ‬
‫اإلنجليزية منذ حوالي ‪ 131‬عا ًما‪ ،‬حيث قام برتجمتها المؤرخ العالمي إرنست‬
‫أيضا بتأليف عدة كتب يف سيرة‬
‫واليس َبدج ‪ ،Ernest Wallis Budge‬وقام َبدج ً‬
‫اإلسكندر األكرب‪.‬‬
‫فهو تقري ًبا من أكرب المتخصصين يف هذا الباب‪.‬‬

‫)‪ (1‬الروض األنف‪ ،‬السهيلي‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.120‬‬

‫‪568‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وقد حاز إرنست واليس َبدج على لقب فارس من اإلمرباطورية الربيطانية؛‬
‫لجهوده العلمية‪.‬‬
‫رئيسا لألقسام اآلشورية السريانية يف المتحف الربيطاين‪.‬‬
‫وكان يعمل ً‬

‫‪569‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أن هذه النسخ السريانية عن اإلسكندر األكرب‪،‬‬ ‫ُيقرر إرنست واليس َبدج َّ‬
‫جاءت من وحي الثقافة العربية‪ ،‬وبتأثير اإلسالم‪ ،‬فهو المتخصص األشهر تقري ًبا‬
‫يف هذا المجال ُيقرر أن هذه النسخ السريانية ُكتبت بتأثير الثقافة اإلسالمية‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬لذلك نجدُ َّ‬
‫أن هذه النسخ السـريانية مـأخوذ ًة عـن اللغة العربية‪ ،‬وليس‬
‫عن اليونانية والتي هي مصدر الروايات األصلية عن اإلسكندر األكرب‪.‬‬
‫فاليونانية هي مصدر مالحم اإلسكندر‪ ،‬لكن نجد النسخ السريانية منقولة عن‬
‫العربية وليس عن اليونانية؛ ولذلك تجد أسـماء األعــالم اليونانية يف الرواية السريانية‬
‫‪Nectanebus‬‬ ‫مرســوم ًة كمــا ُتن َطــق فــي العربيــة‪ ،‬فاالسم اليوناين‪ :‬نكتــانبوس‬
‫ُينطق يف العربية‪ :‬نقطيبوس‪ ،‬وهنا يأيت الكاتب السرياين لينقلها من العربية‪ :‬نقطيبوس‬
‫بياء ً‬
‫بـدال مـن النون‪ ،‬وهذا يجري على كل أسماء األعالم اليونانية‪.‬‬
‫ثم يختم َبدج كالمه فيقرر َّ‬
‫أن هذه النسخ السريانية مكتوب ٌة يف حاضرة بالد‬
‫العرب‪ ،‬ومأخوذة من نصوص عربية بعد اإلسالم(‪.)1‬‬

‫‪)1( The history of Alexander the Great, being the Syriac version of the Pseudo-Callisthenes,‬‬
‫‪Introduction, Plx, lxi.‬‬

‫‪570‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فهذه النسخ السريانية كتبها شخص سرياين مسيحي‪ ،‬عاش يف بالد اإلسالم‬
‫يف ظل الخالفة العباسية يف القرن العاشر الميالدي تقري ًبا‪ ،‬وهذا كالم إرنست‬
‫واليس َبدج‪.‬‬
‫ويؤكد َبدج َّ‬
‫أن‪ :‬كاتب هذه الرواية السريانية خلط يف هذه الرواية بين قصص‬
‫اإلسكندر األكرب وبين الثقافة اإلسالمية عن ذي القرنين وبين المسيحية‪.‬‬
‫إضاف ًة إلى ذلك‪ ،‬فالنسخ السريانية مليئة بالخرافات‪ ،‬حيث يظهر فيها‬
‫اإلسكندر األكرب كشخص ُم ِّ‬
‫بشر بالمسيحية(‪.)1‬‬
‫تخ َّي ْل أن اإلسكندر األكرب الذي ظهر قبل المسيح ‪ ‬بثالثة قرون يأيت‬
‫يف هذه الرواية السريانية كشخص مبشر بالمسيحية‪.‬‬
‫ويف المجمل فهذه رواية ُكتبت يف بيئة عربية‪ ،‬وتحت تأثير الثقافة اإلسالمية‪،‬‬
‫ثم يأيت ملحد ليفرتي الكذب على دين ربنا‪ ،‬وكتاب ربنا‪ ،‬ويتهم نب َّينا ﷺ ويقول‬
‫لنا‪َّ :‬‬
‫إن القرآن نقل من هذه الرواية السريانية‪ ،‬وليس أنَّه من عند رب العالمين‪.‬‬
‫لكن قد يسأل سائل ويقول‪ :‬ما هو س ُّر التقارب بين الملحمة السريانية وبين‬
‫بعض آيات سورة الكهف؟‬
‫والجواب َّ‬
‫أن‪ :‬ذاك السرياين المسيحي قد يكون نقل أشياء من القرآن يف روايته‪.‬‬
‫أن مستشر ًقا حاقدً ا‬
‫لكن هناك يف الواقع فضيحة يف هذا الموضوع‪ ،‬وهي َّ‬
‫على اإلسالم ُيدعى منجانا ‪ ،Mingana‬هذا المستشرق أتى لرتجمات إرنست‬
‫واليس َبدج اإلنجليزية للنص السرياين وأضاف ترجمة إنجليزية لبعض اآليات‬
‫القرآنية من سورة الكهف إلى الملحمة السريانية(‪.)2‬‬

‫‪)1( Ernest Alfred Thompson Wallis Budge: The life and exploits of Alexander the Great,‬‬
‫‪being a series of translations of the Ethiopic histories of Alexander by the Pseudo-‬‬
‫‪Callisthenes and other writers, Preface, Pxi.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪ ،‬ص ‪.186‬‬

‫‪576‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تخيل ماذا فعل!‬


‫ُيضيف إلى ترجمة إرنست واليس َبدج ترجمة إنجليزية لبعض اآليات من‬
‫سورة الكهف‪ ،‬ثم يوحي للغربيين أن هذه الرواية السريانية ُكتبت قبل اإلسالم‪،‬‬
‫َّ‬
‫وأن القرآن نقل منهم‪.‬‬
‫أسلوب من أعجب ما يكون يف المكر والدهاء والكذب‪.‬‬
‫أتعجب‪ :‬كيف اقتنع الملحد الذي يثير مثل هذه الشبهة َّ‬
‫أن النبي ﷺ وهو‬ ‫وأنا َّ‬
‫يرعى الغنم بمكة‪ ،‬كان يستمع للصلوات السريانية التي ُتتلى يف كنائس آشور؟‬
‫ثم كيف ن ََسب قصة ذي القرنين القرآنية لملحمة سريانية مكتوبة بعد نزول‬
‫القرآن بثالثة قرون تقري ًبا؟‬
‫ال يستطيع اليوم باحث متخصص يف موضوع النسخ السريانية عن اإلسكندر‬
‫األكرب‪ ،‬أن يقول‪َّ :‬‬
‫إن هذه النسخ ُكتبت قبل ظهور اإلسالم‪.‬‬
‫وهذا كما قلت؛ ألهنا مكتوبة من ظالل ثقافة عربية‪.‬‬
‫لكن هناك نقطة أخطر بكثير‪...‬‬
‫وهي َّ‬
‫أن هذه النسخ السريانية ورد فيها‪ :‬غزو أرمينيا من قبل َ‬
‫الخ َزر‪ ،‬وقد‬
‫وقع هذا الغزو يف عام ‪ 822‬ميالدية(‪.)1‬‬
‫أي‪ :‬يف آخر العهد المدين يف آخر عصر النبوة‪ ...‬وسورة الكهف بال خالف مكية‪.‬‬
‫فحين ُيذكَر يف هذه النسخ السريانية أحداث غزو أرمينيا‪ْ ،‬‬
‫إذن هذه النسخ بال‬
‫خالف ُكتبت بعد عام ‪ 822‬ميالدية‪.‬‬
‫أيضا يف هذه النسخ السريانية أهنا تتحدَّ ث عن مقتلة عظيمة ستحصل‬
‫والعجيب ً‬
‫‪)1( An ex eventu knowledge of the Khazar invasion of Armenia in A.D. 914‬‬
‫‪S. Gero, "The Legend Of Alexander The Great In The Christian Orient", Bulletin Of The‬‬
‫‪John Rylands University Library Of Manchester, 1443, Volume 51, p. 5.‬‬

‫‪572‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يف آخر الزمان بين الهون ‪ the Huns‬وبين العرب(‪.)1‬‬


‫أصال؟‬
‫والسؤال هنا‪ :‬هل كان للعرب وجود يف العالم قبل اإلسالم ً‬
‫فلو تخيلنا َّ‬
‫أن هذه النسخ السريانية ُكتبت قبل اإلسالم بزمن طويل‪ ،‬ففي ذاك‬
‫الزمن لم يكن للعرب وجود حقيقي‪ ،‬وإنما كانوا مجموعة قبائل صغيرة متناثرة‬
‫يف شبه الجزيرة العربية‪.‬‬
‫لكن النسخة السريانية تتحدَّ ث عن مملكة العرب‪ ،‬وحصول ما هو يشبه‬
‫حر ًبا عالمية يف آخر الزمان يكون العرب أحد أطرافها‪.‬‬
‫إذن بالبداهة فهذه النسخ ُكتبت يف زمن كان للعرب فيه َص ْولة َ‬
‫وج ْولة‪،‬‬
‫وكانوا فيه ُأ َّمة عظيمة يف العالم‪ ...‬لهم وجود وتأثير يف الساحة العالمية‪.‬‬
‫وهذا النص من النصوص التي جعلت الباحثين يؤكدون َّ‬
‫أن هذه النسخ‬
‫مكتوبة يف ظل الخالفة العباسية يف القرن العاشر الميالدي تقري ًبا حيث كان‬
‫للمسلمين صولة وجولة يف العالم كله‪.‬‬
‫‪Kevin‬‬ ‫ولذلك حتى المستشرقين المتعصبين المعاصرين مثل‪ :‬كيفن بليــدل‬
‫‪ Blaidel‬يعرتفون اليوم َّ‬
‫أن هذه النسخ السريانية ُكتبت بعد ظهور اإلسالم(‪.)2‬‬
‫فلم يعد أحد من المنصفين للتاريخ يكرر افرتا ًء منجانا و َمن نحا نحوه‪.‬‬
‫بل ويعرتف الباحث يف النسخ السريانية ويلر ‪ Brannon M. Wheeler‬أن‬
‫قصة ذي القرنين يف النسخة السريانية ُمقتبسة من القرآن مباشرةً‪َّ ،‬‬
‫وأن لفظ ذي‬
‫القرنين هذا اللفظ "ذو القرنين" دخل إلى النسخ السريانية من خالل تأثير‬
‫القرآن والثقافة اإلسالمية(‪.)3‬‬
‫‪)1( The kingdoms of the Huns and the Persians and the Arabs‬‬
‫‪The Pseudo-Callisthenes, pp. 111.‬‬
‫‪)2( Kevin Van Bladel, ‘The Alexander Legend in the Qur’an 18:83–101’ in The Qur’an in‬‬
‫‪its Historical Context, ed. Gabriel Said Reynolds (New York: Routledge, 1008).‬‬
‫‪(3) "A more discerning examination of the different texts show that the later recensions of‬‬
‫‪the Alexander stories are dependent upon the Qur'an as understood through the medium of‬‬
‫=‬

‫‪573‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬


‫كثريا من الشبهات تثار حول القرآن والرسيانية‪ ،‬وأن اللغة العربية‬ ‫‪ -46‬لكن‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫تأثرت باللغة الرسيانية‪ ،‬فهل يصح هذا الالكم؟‬

‫ج‪ :‬هذه ُأكذوبة أخرى ُتضاف إلى جملة األكاذيب العجيبة التي ِصرنا‬
‫نسمعها يف هذا الزمان‪.‬‬
‫أصال إال إذا كنت متقنًا للغة العربية‪.‬‬
‫فالسريانية لن تعرف أنت قراءهتا ً‬
‫فلن تفهم اللغة السريانية عمو ًما‪ ،‬وال اآلرامية إال بالعودة للجذر اللغوي‬
‫العربي للكلمة السريانية أو الكلمة اآلرامية‪.‬‬
‫وهذا الكالم مهم جدًّ ا‪.‬‬
‫ُيقرر يعقوب الرهاوي وهو من أكرب علماء السريانية يف القرن السابع الميالدي‪،‬‬
‫وهو َّأول َمن صنَّف يف قواعـد السـريانية‪ ،‬وهـو الـذي ابتكـر الـنُّقط يف السريانية‪ُ ،‬يقرر‬
‫أن السريانية ُنسيت‪َّ ،‬‬
‫وأن السريان يتبعون تقاليد مز َّيفة يف القراءة ‪False‬‬ ‫يعقوب الرهاوي َّ‬
‫‪ reading tradition‬لذلك ُيعاد ترميم السريانية فقط باالعتماد على اللغات المجاورة(‪.)1‬‬
‫فلن َتفهم السريانية إال باالعتماد على العربية‪.‬‬
‫و َيعرتف إمــام الســريان وفقيــه الســريانية المطــران إقليمــيس يوســف داود‬
‫الموصلي السرياين يف كتابه‪ :‬ال ُّلمعة الشهية يف نحو اللغة السريانية َّ‬
‫أن العربية هي مرج ُع‬
‫=‬
‫‪early Muslim commentators. Key elements of the later stories, such as the appellation of‬‬
‫‪"Dhu al-Qarnayn" attributed to Alexander owe their origins to the commentaries. A closer‬‬
‫‪analysis of the commentaries on Q‬‬ ‫‪18:90-81 shows the development of an increased‬‬
‫‪association of Q‬‬ ‫‪18:90-81 and 83-101 with Alexander stories. This recognition makes it‬‬
‫‪possible to obtain a fresh understanding of the reconstruction of the history of the later‬‬
‫"‪recensions of the Alexander stories.‬‬
‫‪B. M. Wheeler "Moses Or Alexander? Early Islamic Exegesis Of Qur'an‬‬ ‫‪18:90-91", Journal‬‬
‫‪Of Near Eastern Studies, 1448, op cit., p. 119.‬‬
‫‪)1( Adalbert Merx: The History of the study of grammar among the Syrians, P 108.‬‬

‫‪574‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫اللغة السريانية‪ ،‬وهي التي من خاللها نفهم السريانية‪ ،‬فيقول‪" :‬العربيــة بــاعرتاف‬
‫وأغناه َّن‪ ،‬ومعرف ُتها الزمـة‬
‫ُ‬ ‫أشرف اللغات السامية‪ ،‬وأقد ُمه َّن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جميــع المحققــين هي‬
‫لكـل َمـن يريـد أن يتقن معرفة سائر اللغات السامية‪ ،‬وال سيما السريانية"(‪.)1‬‬

‫ولم تظهر قواعـد اللغة السـريانية يف القرن العاشر الميالدي إال باالعتماد على‬
‫اللغة العربية‪ ،‬عندما قام إيليا مطران نصيبين ‪ ،Eljia of Nisibis‬وأبـو الفــرج ابــن‬
‫نقال عن اللغويين العرب‪ ،‬واقتباسـًا‬
‫العبــري ‪ Bar Hebraeus‬بوضع معاجم السريانية ً‬
‫مـن طـريقتهم فـي التصـنيف‪ ،‬ولم ُتضبط معـاين الكلمات السـريانية إال عن طريق‬
‫شرحها بالعربية‪.‬‬
‫فأنت لن تعرف معنى الكلمة السريانية ابتدا ًء إال بالعودة للجذر اللغوي العربي!‬
‫ولن تفهم الجملة السريانية إال من القواعــد العربية‪ ،‬ونظم العربية فــي‬
‫التصــريف والكتابــة(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬اللمعة الشهية يف نحو اللغة السريانية‪ ،‬إقليمــيس يوســف داود الموصلي السرياين‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪)2( According to the pattern of Arabic grammar.‬‬
‫‪The History of the study of grammar among the Syrians, P158.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬ص ‪.215‬‬

‫‪575‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َ‬
‫‪ -42‬من هو ذو القرنني؟ هل هو اإلسكندر األكرب أم شخص آخر؟‬
‫ً‬
‫وماذا عن القرنني اذلين يف رأس اإلسكندر األكرب؟ أليس هذا ديلال ىلع أنه هو‬
‫ذو القرنني املذكور يف القرآن الكريم؟‬

‫ج‪ :‬قرنا اإلسكندر األكرب هذه ُتسمى قرون تأليه‪.‬‬


‫يتم تأليههم‪ ،‬وتكون هذه القرون‬
‫حيث يرسمون هذه القرون للملوك الذين ُّ‬
‫المرسومة والمنحوتة على التماثيل بحجم صغير على جان َبي الرأس‪.‬‬
‫نفسها توجد عند كثير من الملوك القدماء‪.‬‬
‫وهذه القرون ُ‬
‫مثل هادريان‪:‬‬

‫كذلك بطليموس الثاين‪:‬‬

‫‪576‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فهناك عدد كبير من الملوك تم َّيزوا بقرون التأليه هذه يف التماثيل والعمالت‬
‫التي ُصممت لهم‪:‬‬

‫عظيم ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لكن كان هناك َملِك آخر متميز جدًّ ا بقرن ِ‬
‫َين‬

‫‪577‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫متميز بقرنَي عظمة المملكة‪ ،‬وعظمة الفتوحات شر ًقا وغر ًبا‪.‬‬

‫الملِك اسمه كورش‪ ،‬وهذه القرون ال تشير إلى تأليهه‪ ،‬وإنما تشير إلى‬
‫وهذا َ‬
‫فتوحاته يف شرق األرض وغرهبا‪.‬‬

‫‪578‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وهنا السؤال‪ :‬هل كورش هو ذو القرنين الذي ورد يف القرآن الكريم؟‬


‫النبي ﷺ عن ذي القرنين ُه ْم أهل الكتاب‪﴿ :‬ﰁ‬
‫يف البداية‪ :‬الذي سأل َّ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [الكهف‪.]65 :‬‬
‫ْ‬
‫إذن أهل الكتاب يعرفون شخصية ذي القرنين!‬
‫مذكور يف كتاهبم المقدس‪ ،‬فقد ورد يف سفر دانيال‪َ " :‬ف َر َف ْع ُت‬ ‫ٌ‬ ‫فذو القرنين‬
‫ان‪ ،‬وا ْلو ِ‬ ‫َان َعالِي ِ‬
‫َان وال َقرن ِ‬
‫ِ‬ ‫َعينَي ور َأي ُت وإِ َذا بِ َكب ٍ ِ ٍ ِ‬
‫احدُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ش َواقف عنْدَ الن َّْه ِر َو َل ُه َق ْرن َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ َ َ ْ َ‬
‫اآلخ ِر‪َ ،‬واألَ ْع َلى َطال ِ ٌع َأ ِخ ًيرا"(‪.)1‬‬
‫َأ ْع َلى مِ َن َ‬

‫)‪ (1‬سفر دانيال‪ ،‬إصحاح ‪ 6‬عدد ‪.5‬‬

‫‪579‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهذا الشخص ذو القرنين هو باالتفاق عند أهل الكتاب‪ :‬الملك كورش‪.‬‬


‫لكن لماذا ال يكون اإلسكندر األكرب هو ذو القرنين؟‬
‫وثني بال خالف‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬ألن اإلسكندر األكرب ٌّ‬
‫فهو شخصية وثن َّية‪.‬‬
‫بينما ذو القرنين يف القرآن الكريم رجل صالح!‬
‫أيضا قرنا اإلسكندر األكرب هما قرنا تأليه‪ ،‬وليسا قرون مملكة‪.‬‬
‫ً‬
‫بينما قرنا كورش ُهما قرنا اتساع المملكة شر ًقا وغر ًبا‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك َّ‬
‫أن معارك اإلسكندر األكرب كانت جهة الشرق ال الغرب‪،‬‬ ‫ْ‬
‫بينما كانت فتوحات ذو القرنين يف القرآن الكريم يف شرق األرض وغرهبا‪.‬‬
‫وهذا كله يؤكد َّ‬
‫أن ذا القرنين ليس هو اإلسكندر األكرب‪.‬‬
‫صالحا؟‬
‫ً‬ ‫شخصا‬
‫ً‬ ‫لكن هل كان كورش‬
‫سمي كورش بـ "مسيح الرب"‪ ،‬فهو شخصية عظيمة‪.‬‬ ‫الكتاب المقدَّ س ُي ّ‬
‫ور َش ا َّل ِذي َأ ْم َس ْك ُت‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬
‫الر ُّب ل َمسيحه ل ُك َ‬ ‫يقول الكتاب المقدس‪َ " :‬ه َك َذا َي ُق ُ‬
‫ول َّ‬
‫وك َأ ُح ُّل‪ِ ،‬ألَ ْفت ََح َأ َما َم ُه ا ْل ِم ْص َرا َع ْي ِن‪،‬‬
‫بِي ِمين ِ ِه ألَدوس َأمامه ُأمما‪ ،‬و َأح َقاء م ُل ٍ‬
‫ُ َ َ َُ َ ً َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫َواألَ ْب َو ُ‬
‫اب َال ُت ْغ َل ُق"‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫كورش بال َد‬ ‫ألَ ْفت ََح َأ َما َم ُه ا ْلم ْص َرا َع ْي ِن‪َ ،‬واألَ ْب َو ُ‬
‫اب َال ُت ْغ َل ُق‪ ،‬أي‪ :‬سيفتح‬
‫األرض شر ًقا وغر ًبا بتأييد من اهلل‪ ،‬كما يقرر الكتاب المقدَّ س‪.‬‬
‫وقد يكون كورش أحدَ األحناف‪ ،‬أو من أتباع زرادشت على الديانة التوحيدية‬
‫قبل أن ُت َّ‬
‫حرف‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ومن المعلوم أن كورش هو الذي أعاد اليهود‪ ،‬ودفع األموال لبناء الهيكل‪،‬‬
‫وأعاد لليهود أموالهم التي كانت منهوب ًة يف خزائن بابل‪.‬‬
‫ينش ُر العدل والخير يف بالد األرض‪ ،‬وكان كلما‬ ‫فاتحا ً‬
‫عادال ُ‬ ‫فقد كان كورش ً‬
‫ورحم ضعيفهم(‪.)1‬‬ ‫ظهر على قو ٍم عفا عنهم‪ ،‬وأكرم كريمهم‪ِ ،‬‬
‫أمور كثيرة جدًّ ا ُترشح ْ‬
‫أن يكون كورش هو بالفعل ذو القرنين‪.‬‬
‫محض اجتهاد لبعض الباحثين‪ ،‬لكنه اجتهاد‬
‫ُ‬ ‫والعلم عند اهلل ‪ ،‬وهذا‬
‫قوي وله أد َّلته‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -43‬هل تأثر اإلسالم بايلهودية؟‬

‫ج‪ :‬هذه من عجائب ُش ُبهات الملحدين‪.‬‬


‫فالعهد القديم منذ أن كتبه عزرا الكاهن يف القرن السادس قبل الميالد وحتى‬
‫نصا مكتو ًبا غير محفوظ‪.‬‬
‫القرن الثالث الميالدي‪ ،‬كان ًّ‬
‫وبعد ذلك اندثرت العربية التي ُكتِب هبا العهد القديم‪ ،‬وح َّلت مح َّلها‬
‫اآلرامية‪ ،‬وحاولت الجماعات اليهودية عرب القرون إعادة ضبط نصوص العهد‬
‫القديم‪ ،‬لكنها كانت محاوالت فاشلة؛ ألن العربية التي ُكتب هبا العهد القديم‪،‬‬
‫لم تكن هبا عالمات لمعرفة الحركات‪ ،‬وليس فيها مقابل مكتوب للمدود كـ‪:‬‬
‫سماعا‪ ،‬فليس عند‬
‫ً‬ ‫الواو والياء واأللف عندنا‪ ،‬ولم تكن النصوص محفوظة‬
‫الشفاهي كالذي عندنا يف كل حرف يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫اليهود التواتر‬
‫فكانت مشكلة حقيقية تواجه اليهود!‬
‫ولم يتم َّكن اليهود من إعادة قراءة العهد القديم إال بعد ‪ 1011‬عام‪،‬‬

‫‪(1) John Farrar, A Biblical and Theological Dictionary Illustrative of the Old and New‬‬
‫‪Testaments, Art. Cyrus (London: Wesleyan Conference Office, 1851).‬‬

‫‪586‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وتحديدً ا يف زمن الخالفة العباسية‪.‬‬


‫حيث إنه تحت لواء خالفة المسلمين‪ ،‬وازدهار الثقافة يف ذلك الوقت‪،‬‬
‫‪Aaron ben Asher‬‬ ‫أخيرا استطاع اليهود إعادة قراءة كتاهبم على يد هارون بن أشير‬
‫ً‬
‫وموشيه بن نفتالي ‪ ،Moshe ben Naphtali‬ولم يستطع اليهود أن يفعلوا ذلك‬
‫إال باالستعانة بالجذر اللغوي العربي؛ لما ُأشكل عليهم يف اللفظ العربي‪ ،‬ثم‬
‫أخذوا طريقة تشكيل الحروف من اللغة العربية(‪.)1‬‬
‫وحين وضع أليعازر بن يهودا معجمه‪ ،‬ووجد َّ‬
‫أن العربية ليس فيها أكثر من‬
‫أل َف ْي جذر لغوي‪ ،‬فاستنبط من العربية بقية ما يحتاج إليه من جذور لغوية‪.‬‬
‫الح ْبر اليهودي سعديا الفيومي أشهر ُشراح أسفار العهد القديم على‬‫أما َ‬
‫معاصرا لإلمام ابن جرير الطربي وتأ َّثر بمنهجه يف التفسير‬
‫ً‬ ‫اإلطالق‪ ،‬فقد كان‬
‫بالمأثور‪ ،‬ونقل هذا المنهج يف تفسيره ألسفار موسى الخمسة(‪.)2‬‬
‫بل العجيب َّ‬
‫أن سعديا الفيومي يبدأ ُمقدمات شروحه بالطريقة اإلسالمية‬
‫نفسها‪ :‬االبتداء بحمد اهلل والصالة والسالم على رسله(‪.)3‬‬
‫كبيرا‪.‬‬ ‫فاليهودية تأ َّثرت باإلسالم ً‬
‫تأثرا ً‬
‫والعربية ما خرجت للنور إال بعد عودة اللفظ العربي للجذور العربية‪ ،‬ثم‬
‫يأيت ملحد ويقول‪َّ :‬‬
‫إن اإلسالم تأثر باليهودية‪.‬‬
‫لكن األعجب من كل ما سبق َّ‬
‫أن اليهود لم يأخذوا قواعد العربية من الثقافة‬
‫كثيرا من الطقوس اإلسالمية وأضافوها لشريعتهم‪.‬‬
‫فحسب‪ ،‬بل وأخذوا ً‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمية‬
‫ومن ذلك ما ورد يف الهالخوت جدولوت من ضرورة غسل اليهودي لرجل ْي ِه‬

‫(‪ )1‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫(‪ )2‬األثر اإلسالمي يف الفكر الديني اليهودي‪ ،‬ص ‪.028‬‬
‫(‪ )3‬األثر اإلسالمي يف الفكر الديني اليهودي‪ ،‬ص‪.058‬‬

‫‪582‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫قبل الصالة‪ ،‬فاليهودي قبل أن ُيصلي يغسل رجليه(‪.)1‬‬


‫مع أنه اليهودية ليس فيها هذا األمر‪.‬‬
‫فاليهودي ال يغسل رجليه إال قبل دخول خيمة االجتماع فقط!‬
‫ِ‬
‫الرجلين قبل الصالة‪ ،‬لكنَّهم نقلوا هذا الطقس عن‬ ‫وليس من ديانة اليهود ُ‬
‫غسل‬
‫مارس يف الوضوء‪ ،‬انتقل من اإلسالم إلى اليهودية‪.‬‬
‫إسالمي ُي َ‬
‫ٌّ‬ ‫طقس‬
‫المسلمين‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫الح ْبر عزائيل هيلد سهيمر على هذا النص الذي يقضي بغسل‬
‫وحين عثر َ‬
‫ِ‬
‫الرجلين قبل الصالة يف الهالخوت جدولوت اعرتف بأنه ٌ‬
‫دخيل على اليهودية(‪.)2‬‬
‫وقد أخذ اليهود كذلك عن المسلمين ُغسل الجنابة‪ ،‬فبعد الجماع يقوم‬
‫اليهودي باالغتسال‪.‬‬
‫وهذا األمر لم ُيعرف إال يف اليهود الذين سكنوا يف البالد اإلسالمية‪.‬‬
‫السجود بصورته اإلسالمية‪ ،‬وهذا مخالف‬
‫أيضا نقل اليهود عن المسلمين ُّ‬
‫ً‬
‫تما ًما لما يف اليهودية‪.‬‬
‫ين والرج َل ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫فالسجود يف اليهودية عبارة عن انبطاح على األرض مع بسط اليدَ ِ‬

‫(‪ )1‬بزاخوت ‪.2 :10‬‬


‫)‪ (2‬نشر هيلد سيمر‪ ،‬ص‪.53‬‬

‫‪583‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لكنَّهم نقلوا طريقة السجود اإلسالمية‪.‬‬


‫فسجدوا مثل المسلمين‪.‬‬

‫الر َّبانيين وال َق َّرائين‪.‬‬


‫شهيرا بين َّ‬
‫ً‬ ‫وهذا السجود اإلسالمي أحدث خال ًفا‬
‫شرعو اليهودية‪ ،‬وهم الذين نقلوا السجود من المسلمين‪،‬‬
‫فالربانيون هم ُم ِّ‬
‫القراؤون هم الذين يقولون‪ :‬ال نؤمن إال بما ورد يف الكتاب‪ ،‬فرفضوا صيغة‬
‫بينما َّ‬
‫السجود هذه(‪.)1‬‬
‫واضح‪ ،‬بل إنَّه من شدَّ ة تأ ُّثر اليهود باإلسالم‪ ،‬أطلقوا على‬
‫ٌ‬ ‫فتأثير اإلسالم‬
‫التوراة اسم "القرآن"(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫استقبال القبلة حال‬ ‫أيضا‬
‫ومن الطقوس اإلسالمية التي نقلها اليهود ً‬
‫جلوسهم يف الصالة‪ ،‬وما كانوا يستقبلون القبلة أثناء الجلوس‪ ،‬بل يستقبلوهنا‬
‫فقط يف الوقوف‪ ،‬ويجلسون على أية ٍ‬
‫هيئة شاءوا(‪.)3‬‬
‫والح ْبر إبراهيم الحسيد‪.‬‬
‫الح ْبر إبراهيم الميموين‪َ ،‬‬ ‫شرع هذا الن َ‬
‫ُّسك الجديد َ‬ ‫وقد َّ‬
‫ومن التشريعات التي نقلها اليهود عن المسلمين تغطي ُة المرأة َ‬
‫رأسها يف غير‬

‫)‪ (1‬التأثيرات اإلسالمية يف العبادة اليهودية‪ ،‬نفتالي فيدر‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد سالم الجرح‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫)‪ (2‬مقدمة اللمع‪ ،‬مروان بن جناح‪.‬‬
‫)‪ (3‬التأثيرات اإلسالمية يف العبادة اليهودية‪ ،‬نفتالي فيدر‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد سالم الجرح‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪584‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الصالة‪ ،‬وهذا ال ُيعرف يف كتبهم كما يقول الحاخام إسحاق لوريا(‪.)1‬‬


‫فتأ ُّثر الديانات باإلسالم واضح‪ ،‬ثم يأيت من يزعم َّ‬
‫أن اإلسالم تأثر باليهودية‪.‬‬
‫ويف الواقع ال يمكن أن يتأ َّثر اإلسالم باليهودية وال بالنصرانية وال بأ َّية ديانة‪.‬‬
‫وهذا َّ‬
‫ألن اإلسالم فيه سم ٌة وميز ٌة من أعجب المزايا‪ ،‬أال وهي طرد البدعة!‬
‫مرفوض‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فكل اخرتاع يف الدين‬
‫قال رسول اهلل ﷺ‪َ " :‬من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر ٌّد"(‪.)2‬‬
‫للتو نزل على‬
‫غضا كما هو‪ ،‬وكأنه ِّ‬
‫فهذه السمة العجيبة تجعل اإلسالم ًّ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫أوال بأول‪.‬‬‫فكل بدعة يف الدين ُيزيلها العلماء ً‬
‫ِ‬ ‫كل خ َل ٍ‬
‫ف ُعدو ُل ُه‪َ ،‬ينْ ُف َ‬ ‫لم من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجاهلي َن‪،‬‬ ‫تحريف‬
‫َ‬ ‫ون عن ُه‬ ‫َيحم ُل هذا الع َ‬
‫َ‬
‫وتأويل الغالي َن(‪.)3‬‬ ‫المبطلين‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وانتحال‬
‫فيبقى اإلسالم على مر العصور كما هو‪.‬‬

‫‪ -44‬هل توجد لكمات يف القرآن الكريم أصلها رسياين؟‬

‫تغيير حروف بعض كلمات القرآن‬


‫َ‬ ‫بعض الدجالين المعاصرين‬
‫ج‪ :‬حاول ُ‬
‫أصال سريان ًّيا‪.‬‬ ‫الكريم؛ لتقريبها من كلمات سريانية‪ ،‬ثم زعم َّ‬
‫أن لهذه الكلمات ً‬
‫أتعجب منه‪ ،‬وال أعرف ما الذي يدفع إنسانًا لسلوك كهذا!‬
‫وهذا أمر ما زلت َّ‬
‫فصلت قبل قليل ليست لغة أصيلة‪ ،‬فال َيعرف‬ ‫ثم َّ‬
‫إن اللغة السريانية كما َّ‬
‫السريان ُلغتهم إال بالبحث يف الجذر اللغوي العربي للكلمة‪.‬‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬البواكير‪ ،‬ص‪.262‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2822 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1216 :‬‬
‫)‪ (3‬رواه اإلمام أحمد بسند صحيح‪ ...‬تاريخ دمشق‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.52‬‬

‫‪585‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ولم يضبط السريان لغتهم السريانية إال بالقياس على الحرف العربي‪.‬‬
‫نقلت اعرتافات يعقوب الرهاوي أحد أكرب علماء السريانية يف القرن‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫السابع الميالدي بأن السريانية ُنسيت‪.‬‬
‫وال يمكن فهم السريانية إال بالعودة للجذر اللغوي العربي للكلمة السريانية‪،‬‬
‫كما يعرتف فقيــه الســريانية المطــران إقليمــيس يوســف داود الموصلي‪.‬‬
‫فالسريان اعتمدوا على اللغة العربية يف قراءة لغتهم‪ ،‬وجميع المعاجم‬
‫السريانية األصلية التي يعتمد عليها السريان ال تفسر معاين الكلمات السريانية‬
‫ِ‬
‫شرحها بالعربية‪.‬‬ ‫إال عرب‬
‫ولم يظهر ُ‬
‫أول معجم سرياين للغة السريانية إال بعد وفـاة الخليل بن أحمد‬
‫الفراهيـدي بتسـعين عا ًما‪.‬‬
‫كامال من الزمان بعد معجم العين يف اللغة العربية‬
‫فقد احتاج السريان قرنًا ً‬
‫للخليــل بــن أحمــد الفراهيــدي‪ ،‬حتى ُيصنِّفوا هم معجمهم‪.‬‬
‫ممن ينسبون بعض الكلمات‬ ‫الدجالين َّ‬
‫َّ‬ ‫والعجيب يف دعوى مثل هؤالء‬
‫ُ‬
‫العربية للغة السريانية‪َّ ،‬‬
‫أن الجذر اللغوي لهذه الكلمات ال وجود له يف السريانية‬
‫أصال‪ ،‬وإنما يوجد فقط يف العربية‪ ،‬وقد انتحلته السريانية يف مرحلة تالية من‬
‫ً‬
‫اللغة العربية خالل تاريخ تطوير السريان للغتهم‪ ،‬فكيف ْ‬
‫إذن يقتبس القرآن هذه‬
‫أصال إال يف العربية‪ ،‬وال يعرف‬
‫الكلمات من السريانية‪ ،‬وهي ال وجود لجذرها ً‬
‫أصال إال بالعودة للجذر اللغوي العربي؟‬
‫السريان معاينَ هذه الكلمات ً‬
‫أمرهم عجيب!‬
‫إذا كانت السريانية يف جملتها لغة غير أصلية ومنتحلة من العربية‪ ،‬فكيف‬
‫َيقلب هؤالء التاريخ والحقيقة؟‬
‫إذا كان يعقـوب الرهـاوي والذي هو أكرب علماء السريانية يف القرن السابع‬
‫الميالدي لم يستطع تنقيط الحروف السريانية إال بعد أن أهنى أبو األسود الدؤلي‬

‫‪586‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫مشروعه يف تنقيط الحروف العربية(‪.)1‬‬


‫ِ‬
‫عالمات اإلعراب‪ :‬الفتحة والكسرة‬ ‫وحين وضع أبو األســود الــدؤلي‬
‫والضمة‪ ،‬قام بوضعها من خالل طريقة نطق العرب للكلمات‪ ،‬بينما يعقوب‬
‫خمن فـي كـل كلمـة أو حـرف مـاذا يكـون أو كيـف يكـون‪.‬‬
‫الرهاوي جلـس لـ ُي ّ‬
‫فاللغة السريانية وكذلك اللغات السامية األخرى كـ‪ :‬اآلرامية والعربية كلها‬
‫ُمشتَّقة من اللغة العربية‪.‬‬
‫واقع يشهد به َمن درس‬ ‫وال نقول هذا؛ ألهنا لغة القرآن الكريم‪ ،‬بل َّ‬
‫ألن هذا ٌ‬
‫هذه اللغات‪.‬‬
‫فالكثير من علماء اللسانيات ُيقررون أن اللغة العربية هي اللسان السامي‬
‫األصلي واألصيل ‪.)2(Primitive Semitic Tongue‬‬
‫ويقرر كارل بروكلمان يف كتابه فقه اللغات السامية َّ‬
‫أن‪" :‬الجزيـرة العربية‬
‫َ‬
‫يكون مهد الساميين األول"(‪.)3‬‬ ‫هي المكان الذي يصلح ألن‬
‫وفـي كتابـه النحـو األشـوري المقـارن َكت َ‬
‫َب أسـتاذ اللغـة األشـورية وعلومهـا‬
‫تقريرا‬
‫ً‬ ‫فـي جامعـة أكسـفورد أرشـيبالد هنـري سـايس ‪Archibald Henry Sayce‬‬
‫تأصيل ًّيا لحقيقة األصـل العربي للشعوب السامية‪َّ ،‬‬
‫وأن جزيــرة العــرب هــي‬
‫الــوطن األصــلي للساميين‪ ،‬وهي المنطقــة الوحيــدة مــن العــالم التــي بقيـت‬
‫سام َّية خالصة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪)2( Lectures on the Comparative Grammar of the Semitic Languages, P 8.‬‬
‫(‪ )3‬كارل بروكلمان‪ ،‬فقه اللغات السامية‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬
‫‪)4( Archibald Henry Sayce: An Assyrian Grammar For Comparative Purposes, P 13.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪587‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وال يخفى َّ‬


‫أن جغرافيا انتقال قبائل العرب والبدو المستمر عرب التاريخ نحو‬
‫مناطق ما بين النهرين وسوريا ُيؤكّد أن أصل السامية هو العربية(‪.)1‬‬
‫ويف عام ‪ 2112‬أعلنت جامعة أوكسفورد عن تكوين فريق علمي برئاسة‬
‫وتم يف‬
‫ميشيل برتاليا ‪ Michael Petraglia‬مدير مركز دراسات اآلثار اآلسيوية‪َّ ،‬‬
‫الدراسة ُ‬
‫بحث تضاريس جزيرة العرب‪ ،‬وكانت النتيجة التي ُنشرت يف العدد ‪21‬‬
‫من مجلة األنثروبولوجيا التطورية للعام ‪ 2112‬أنَّه تم اكتشاف شبكة قديمة من‬
‫وديان األهنار‪ ،‬وأحواض البحيرات مطمورة تحت رمال جزيرة العرب(‪.)2‬‬
‫وهذه إحدى الصور التي أخرجها الفريق العلمي لوديان األهنار يف جزيرة العرب(‪.)3‬‬

‫ُ‬
‫وأصل السامية‪.‬‬ ‫فأرض العرب ولغة العرب هي مهدُ‬
‫توصل لها فريق ميشيل برتاليا ُتذكّرنا بحديث النبي ﷺ يف‬
‫والنتائج التي َّ‬
‫‪)1( Hugo Winckler: The History of Babylonia And Assyria, P 14-10.‬‬
‫‪)2( Michael Petraglia and Huw Groucutt: The Prehistory of the Arabian Peninsula: Deserts,‬‬
‫‪Dispersals, and Demography, Evolutionary Anthropology, 11: 113–111 (1011).‬‬
‫)‪ً (3‬‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪588‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫خر َج‬
‫فيض حتى َي ُ‬ ‫ُ‬
‫المال‪ ،‬و َي َ‬ ‫صحيح مسلم‪" :‬ال تقو ُم الساع ُة حتى َيك ُث َر‬
‫وأهنارا"(‪.)1‬‬ ‫روجا‬ ‫ِ‬
‫العرب ُم ً‬ ‫أرض‬ ‫كاة مال ِ ِه فال ِ‬
‫يجدُ أحدً ا َيق َب ُلها منه وحتى تعو َد ُ‬ ‫َبز ِ‬
‫ً‬
‫وأهنارا"‪ ،‬يعني‪َّ :‬‬
‫أن أرض‬ ‫ً‬ ‫روجا‬ ‫ِ‬
‫العرب ُم ً‬ ‫أرض‬
‫فقول النبي ﷺ‪" :‬حتى تعو َد ُ‬
‫وأهنارا‪ ،‬وهذا ما أثبتته هذه الدراسة َّ‬
‫الفذة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مروجا‬
‫ً‬ ‫العرب كانت قبل ذلك‬
‫فأرض العرب كانت يو ًما ما مهدَ اللغات السامية‪ ،‬ومهدَ شعوب ما بين‬
‫النهرين وسوريا؛ ولذلك فاللغة العربية لـم تشـبها شــوائب االخــتالط بلغــات‬
‫تحركــت الفــروع األخــرى مــن‬ ‫َّ‬ ‫غيــر العــرب مــن الشــعوب‪ ،‬بينمــا‬
‫المهاجرين من أرض العرب فــي اتجــاه الســهول ووديــان األهنــار‪ ،‬فــاختلطوا‬
‫مزيجا من اللغة األم التي جاءوا هبا‬
‫ً‬ ‫بغيــرهم مــن الشـعوب‪ ،‬فصـارت لغـاهتم‬
‫وما شاهبا من آثار غيرها من اللغات‪ ،‬فظهرت السريانية واآلرامية والعربية‪.‬‬
‫بينما ِ‬
‫بقيت اللغة العربية يف أرض العرب ال تشوهبا شائبةٌ‪.‬‬
‫يقول إرنست رينان‪" :‬اللغـة العربيـة هـي الظـاهرة األشـدُّ غرابـ ًة فهي عرب‬
‫التاريخ تبــدو لنــا بكــل كمالهــا ومرونتها وثروهتا التي ال تنتهي‪ ،‬لقد كانـت مـن‬
‫تتعـرض ألي تعـديل ُيذكر‪،‬‬
‫الكمـال منـذ بـدايتها بدرجـة تـدفعنا إلـى القول بأهنا لـم َّ‬
‫لسـت أدري إذا كـانت توجـد لغة أخرى‬
‫ُ‬ ‫العربيـة ال طفولـة لهـا وال شـيخوخة أيضـًا‪،‬‬
‫جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة‪ ،‬من غير مرحلة بدائية‪ ،‬وال فتـرات انتقاليـة‪ ،‬وال‬
‫تتلمس فيها معالم الطريق؟"(‪.)2‬‬
‫تجـارب‪َّ ،‬‬
‫ويكفي اعرتاف فقيه السريانية‪ ،‬وإمام السريان المطــران إقليمــيس يوســف‬
‫داود الموصلي السرياين بأصالة اللغة العربية‪ ،‬حين قال بالحرف‪" :‬العربيــة بــاعرتاف‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.132 :‬‬


‫)‪ (2‬إرنست رينان‪ :‬دكتــور حســن ظاظـا‪ ،‬السـاميون ولغــاهتم‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪589‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأغناهن‪ ،‬ومعرف ُتها الزمـة‬


‫ُ‬ ‫أشرف اللغات السامية وأقد ُمهن‬
‫ُ‬ ‫جميــع المحققــين هي‬
‫لكـل مـَن يريـد أن يتقن معرفة سائر اللغات السامية‪ ،‬وال سيما السريانية"(‪.)1‬‬
‫إذن نخلص مما سبق إلى القول َّ‬
‫بأن اللغة السريانية لغة ضعيفة منحولة؛‬ ‫ْ‬
‫ولذلك ال تستطيع أن ُتو ِّلد من جذورها الكلمات بسهولة‪.‬‬
‫بينما اللغة العربية هي ْأوىف لغات العالم يف توليد الكلمات من جذورها‪.‬‬
‫أصوات‬
‫ُ‬ ‫أضف إلى ذلك َّ‬
‫أن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تستوعب‬ ‫ْ‬
‫وتتوزع مخارجهــا علــى مســاحة واســعة بــين‬
‫َّ‬ ‫الجهاز الصويت كله‪،‬‬
‫َ‬ ‫حروفها‬
‫الح ْلق والحنجرة‪.‬‬
‫مختلــف مكوناتــه‪ ،‬من الشفاه إلى أقصى َ‬
‫و ال نظيـر للعربيـة فـي ذلـك بـين اللغـات السـامية‪ ،‬بـل وال فـي أي لغـة مـن‬
‫لغـات األرض‪.‬‬
‫فمخارج حروف العربية مدهشة‪ ،‬وهذه من أعجب سمات اللغة العربية‪.‬‬
‫بينما بقية لغات العالم تفتقــد بعــض أصــوات الحــروف أو تــدمج بينهــا‪،‬‬
‫وفــي بعضها اآلخر ضاعت مخارج بكاملها بكل أصواهتا وحروفها‪.‬‬
‫فحرف الثاء على سبيل المثال ال وجـود له سـوى فـي العربيـة‪.‬‬
‫تحورت يف اآلشورية إلى ُشور‪.‬‬
‫ولذلك فكلمــة‪ :‬ثـ َْـور العربيــة‪َّ ،‬‬
‫ثم انتحلتها السريانية وصاروا ينطقوهنا ُتور‪.‬‬
‫أصال؛ لذلك حين انتحلتها من العربية‬
‫فالسريانية ال يوجد هبا حرف الثاء ً‬
‫أصبحت تنطقها تور‪.‬‬
‫تحورت إلى زيبو اآلشورية‪ ،‬ثم انتحلها السريان ونطقوها دابا‪.‬‬
‫وكلمة ذئب العربية َّ‬
‫أيضا حرف الذال‪.‬‬
‫وهذا التحريف يف الكلمة؛ ألن السريانية ليس فيها ً‬
‫كذلك حرف الظاء لم يعد له وجود يف أية لغة سوى العربية؛ لذلك كلمة ظل‬
‫)‪ (1‬اللمعة الشهية يف نحو اللغة السريانية‪ ،‬إقليمــيس يوســف داود الموصلي السرياين‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪590‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫العربية األصيلة أصبحت يف اآلشورية صلو بينما انتحلها السريان ونطقوها طاللو‪.‬‬
‫وحرف الضاد انقلب يف السريانية إلى عين‪.‬‬
‫وقِ ْس على هذا ما ال حصر له من الكلمات!‬
‫والطاء ذلك الحرف العربي األصيل أصبح ينطق "دال" يف السريانية‪.‬‬
‫أيضا لغة‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما هي ً‬
‫ُ‬ ‫فالسريانية ليست لغة فقيرة يف التوليد الجذري‬
‫تفتقد للكثير من مخارج الحروف‪ ،‬بل وتفتقر للحروف نفسها‪.‬‬
‫وحروف مثل النـون والـالم مازالت ُتم ّثل مشكلة يف السريانية‪َّ ،‬‬
‫فمرة تقلب‬
‫تمايزا تا ًّما(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫النون را ًء وأخرى العكس‪ ،‬بينما هذه الحروف يف العربيـة متمايزة‬
‫وحرف الغين لم ي ُعدْ له وجود يف جميع اللغات السامية سوى اللغة العربية‪،‬‬
‫فهي الوحيدة التي مازالت تحتفظ به‪.‬‬
‫فحرف الغين ينطق يف السريانية عينًا‪.‬‬
‫فكلمـة‪ :‬غـرب العربيـة أصبحت عـرب يف السـريانية‪ ،‬وهي النطق نفسه يف‬
‫العربية عرب‪.‬‬
‫أيضا ليس له وجود يف السريانية وأصبح ينطق َحا ًء‪.‬‬
‫وحرف الخاء ً‬
‫فكلمة أخ العربيـة‪ ،‬هـي‪ :‬أحـا بالسريانية‪ ،‬وآح بالعربية‪.‬‬
‫كلمة حمار يف العربية تنطق يف السريانية مارا‪.‬‬
‫ونظرا لزيادة عدد حروف اللغة العربية أصبحت أغنى اللغات السامية‬ ‫ً‬
‫وتنــوع مخارجها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫بالجذور وأصــول الكلمــات؛ وذلك لزيــادة عــدد حروفهــا‪،‬‬
‫وتوزع هذه المخارج على الجهاز الصويت كله‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ولذلك يصل عـدد جـذور الكلمـات فـي اللغة العربية إلى اثنـي عشـر ألـف‬

‫)‪ (1‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪ ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪596‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫جـذر‪ ،‬بينما ال يتجاوز يف السريانية والعربية ثالثة آالف جذر‪.‬‬


‫وج ُّل اللغات السامية األخرى على‬
‫وبينمـا تقتصـر السـريانية والعربيـة ُ‬
‫اثنين من كل جذر‪ ،‬نجد العربية تستوعب اشتقاقات بالعشرات من‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اشتقاق أو‬
‫الجذر الواحد‪.‬‬
‫صحيحا إال يف العربية‪ ،‬ولـم ُيحفظ فـي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استعماال‬ ‫والمثنى ال يستعمل‬
‫ِ‬
‫ومائتان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اثنتان‬ ‫ِ‬
‫كلمتين من العدد‪ ،‬هما‬ ‫السـريانية سوى‬
‫أضف إلى كل ما سبق َّ‬
‫أن اللغة العربية تتسم بأهنا لغة اإلعراب‪ ،‬حيث‬ ‫ْ‬
‫تتحـدَّ د فيهـا وظيفـة الكلمـة فـي الجملة بتغيير الحركات يف أواخر الكلمة‪.‬‬
‫كامال‪ :‬حالة الرفع‪ ،‬وحالة الجر‪ ،‬وحالة‬
‫ً‬ ‫والعربية تحتفظ بنظام اإلعراب‬
‫النصب(‪.)1‬‬
‫يتبـق‬
‫بينما ضاعت عالمات اإلعراب من اآلرامية والسريانية والعربيـة‪ ،‬ولـم َّ‬
‫منهـا سـوى آثـار وبقايا‪ ،‬مثل‪ :‬بقاء الفتحة يف صورة ألف‪ ،‬ويف أواخر الظروف يف‬
‫اآلرامية والسريانية‪.‬‬
‫ومنهج اإلعراب يجعل اللفظ ح ًّيا ال َيخلق على ُمضي القرون‪ ،‬وال َيفقد بريقه‪.‬‬
‫أن أغلب الكلمات يف السريانية والعربية جامدةٌ‪ ،‬وال‬ ‫ومن العجيب ح ًّقا َّ‬
‫جذر لها يحمل معناها يف معجمها‪ ،‬بينمـا توجـد هـذه الجذور ومشـت َّقاهتا‬
‫بمعناها هذا ا لـذي تحملـه فـي العربيـة‪ ،‬وهـو مـا يعنـي ضرورة الرجوع للعربية؛‬
‫لفهم األصول التي اش ُت َّقت منها كلمات السريانية والعربية؛ ولذلك كما ُ‬
‫قلت‬
‫فمعاجم السريانية ال ترتجم الكلمة السريانية إال بر ِّدها للجذر العربي للكلمة‪.‬‬
‫معاصر لينسب كلمة قرآنية إلى السريانية فهذا أمر عجيب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فعندما يأيت‬
‫(‪ )1‬مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن‪ ،‬موسكايت‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪592‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الدجال الملحد كريستوف لوكسنربج تفسير القرآن بالسريانية؛‬


‫وقد حاول َّ‬
‫ليهاجم اإلسالم‪ ،‬ويدَّ عي سريانية الكثير من كلمات القرآن‪ ،‬وزعم بخ َّفة عقله‪،‬‬
‫وق َّلة علمه‪ ،‬ومكر حيلته أنَّنا لن نفهم القرآن إال برد كثير من الكلمات القرآنية‬
‫للغة السريانية‪.‬‬
‫والغريب أنَّه قد صدر بيان عن لوكسنربج من مركز الدارسات الشرقية‬
‫عالم‬ ‫َ‬
‫البيان ُ‬ ‫واإلفريقية بجامعة لندن‪ ،‬والمعروف باسم سواس ‪ ،SOAS‬وقد أصدر‬
‫المدعو‬
‫َّ‬ ‫اللغويات فرانسـوا دي ُبلـوا ‪ ،François de Blois‬وقال فيه َّ‬
‫إن الشخص‬
‫كريستوف لوكسنربج‪ ،‬ليس لـه علـم باللغـات السـامية القديمـة‪ ،‬فهو مجرد مسيحي‬
‫لبناين‪ ،‬وليس باح ًثا غرب ًّيا كما قد يوحي االسم "كريستوف لوكسنربج"‪.‬‬
‫يكمل عالم اللغويات فرانسوا دي ُبلـوا ويقول‪" :‬لوكسنربج فارغ من أي‬
‫فهم حقيقي لمنهج علم اللغويات السامية المقـارن"‪.‬‬
‫‪Innocent of any real understanding of the methodology of‬‬
‫(‪comparative semitic linguistics.)1‬‬
‫عمال علم ًّيا‪ ،‬بل‬ ‫ُيكمل فرانسوا كالمه و ُيقرر َّ‬
‫أن مشروع لوكسنربج لــــيس ً‬
‫من أعمال الهواة ‪.Dilettantism‬‬
‫أما دكتـور دانيـال كيـنج ‪ Daniel King‬أسـتاذ الدراسـات السـامية فـي جامعة‬
‫كارديف‪ ،‬وصاحب المؤ َّلفـات فـي شــرح السريانية وتحليــلها لغتهــا‪ ،‬فقد كتب‬
‫دراس ًة مستق َّلة عن مشروع لوكسنربج وقال فيه‪" :‬المشروع عبارة عن سلسلة‬
‫تخمينات ُمف َّككـة بصورة كبيرة إلعادة قراءة بعض عبارات القرآن ‪A series of‬‬

‫‪)1( François de Blois: Review Of Die Syro-aramäische Lesart des Koran: Ein Beitrag zur‬‬
‫‪Entschlüsselung der Koransprache Christoph Luxenberg’, 1000, Das Arabische Buch:‬‬
‫‪Berlin, Journal of Qur'anic Studies, 1003, Volume V, Issue 1, P49-45.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪.)1("largely unconnected suggestions‬‬


‫لقد افرتض لوكسنربج بسبب خ َّفة عقله َّ‬
‫أن َمن كتبوا القرآن أخطأوا يف وضع‬
‫النقط على بعض الحروف‪ ،‬وال َيعرف َّ‬
‫أن القرآن منقول كل حرف فيه بالتواتر‬
‫الح َّفاظ يف كل جيل حتى عصرنا الحديث نقل الشفاه‬
‫من فم النبي ﷺ إلى ُ‬
‫وليس نقل المصاحف‪.‬‬
‫وقد زعم لوكسنربج هذا االفرتاء حتى يعيد قراءة بعض الكلمات القرآنية‪،‬‬
‫أن لوكسنربج لن يكتفي هبذا‬ ‫قرهبا من اللغة السريانية‪ ،‬والعجيب َّ‬‫ويحاول أن ُي ّ‬
‫الهراء‪ ،‬بل سيعبث باللغة السريانية نفسها‪ ،‬وبمعاين الكلمات فيها حتى ُيو ّفق بينها‬
‫وبين الكلمات القرآنية‪ ،‬كما سنرى يف األمثلة التي سنذكرها بعد قليل إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫منقول بطريقة نطقه بالتوا ُتر من‬ ‫أن َّ‬
‫كل حرف يف القرآن‬ ‫أال يعرف لوكسنربج َّ‬
‫فم النبي ﷺ يف كل جيل عرب تاريخ األمة‪.‬‬
‫ألم يسمع لوكسنربج عن طريقة الحصول على اإلجازة يف حفظ القرآن‬
‫الكريم؟‬
‫أن السريانية لغة محدثة ُنحلت من العربية‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫أال يعرف لوكسنربج َّ‬
‫الكلمات فيها جامدة‪ ،‬وال َيفهم السريان لغتهم حتى يعيدوا الكلمة السريانية إلى‬
‫جذرها العربي؟‬
‫أال يعرف لوكسنربج َّ‬
‫أن السريانية لغة فقيرة؟‬
‫أال يعرف لوكسنربج َّ‬
‫أن السريانية ال توجد هبا حروف‪ :‬الثاء وال الخاء وال‬
‫الذال وال الواو وال الضاد وال الظاء وال الغين؟‬
‫أال يعرف لوكسنربج أنَّه ال يوجد إعراب كامل يف لغات العالم إال يف‬

‫‪)1( Daniel King: A Christian Qur'ān, A Study in the Syriac Background to the Language of‬‬
‫‪the Qur'ān as Presented in the Work of Christoph Luxenberg, JLARC 3 (1004), P91.‬‬

‫‪594‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫العربية‪ ،‬ويوجد بصورة بدائية يف األلمانية الحديثة؟‬


‫(‪)1‬‬

‫أن العربية هي ُأ ُّم اللغات السامية؟‬


‫أال يعرف لوكسنربج َّ‬
‫لمن نقول هذا الكالم؟‬
‫ٌ‬
‫محفـوظ‪،‬‬ ‫إن نار الحسد تحرق قلوهبم‪ ،‬وال َغ ْيـرة تـأكلهم من القرآن؛ ألنه‬
‫وحي فـي الصـدور‪ ،‬و ُيقرأ فـي المحاريـب‪ ،‬وتتلوه األلسـنة بال تو ُّقف‪،‬‬‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫وتموج به الحياة‪ ،‬بينما لغتهم دخلت المتاحف‪ ،‬وأصبحت من اآلثار التي ننظر‬
‫لها يف الرحالت المدرسية وسط المومياوات!‬
‫(‪)2‬‬

‫مثالين ِ‬
‫اثنين على مشروع لوكسنربج التحريفي السخيف‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫سنأخذ اآلن‬
‫‪ -1‬يقول لوكسنربج‪َّ :‬‬
‫إن كلمة "قرآن" مأخوذة من السريانية!‬
‫والعجيب أن كلمة "قرآن" هي على وزن " ُفعالن" وهذا وزن ال وجود له يف‬
‫أصال‪.‬‬
‫اللغة السريانية ً‬
‫ثم َّ‬
‫إن كلمة "قرآن" هي من الجذر اللغوي "قرأ" وهذا جذر عربي أصيل‪،‬‬
‫وال وجود لهذا الجذر يف السريانية‪.‬‬
‫فهذا الجذر موجود فقط يف العربية‪ ،‬يقول عمرو بن كلثوم يف معلقته‪:‬‬
‫ُ‬
‫هجان اللون لم تقرأ"‪.‬‬ ‫"‬

‫وليس يف السريانية إال جذر قرا‪.‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ اللغات السامية‪ ،‬جودة محمود الطحالوي‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫)‪ (2‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪595‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫صياحا‪ ،‬مثل‪ :‬صياح الديك(‪.)1‬‬


‫ً‬ ‫وهذا الجذر "قرا" يف المعجم السرياين يعني‬

‫نولدكِه يعرتف َّ‬


‫أن‬ ‫أن المستشرق المتعصب ضد اإلسالم ثيودور ِ‬
‫ِّ‬ ‫والعجيب َّ‬
‫كلمة قريانا السريانية التي ظ َّن لوكسنربج أنَّها أصل كلمة "القرآن" يف العربية‪،‬‬
‫نولدكِه‪" :‬لم تكن يف السريانية القديمة"(‪.)2‬‬
‫هذه الكلمة قريانا طب ًقا لثيودور ِ‬
‫‪ -2‬مثال ثاين طرحه لوكسنربج يف مشروعه هو‪ :‬كلمة "الحوايا" يف قول اهلل‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ﴾ [األنعام‪.]108 :‬‬
‫فاعترب لوكسنربج أن هذه الكلمة "الحوايا" أصلها سرياينٌّ‪ ،‬وأهنا ال يوجد‬
‫لها معنًى يف اللغة العربية‪.‬‬
‫وأي عربي ُيتقن العربية يعلم تما ًما َّ‬
‫أن كلمة "الحوايا" كلمة عربية أصيلة‬ ‫ُّ‬
‫صحيحة‪ ،‬ولها جذر عربي أصيل وهو "حوي"‪ :‬حوى يحوي الحوايا‪.‬‬
‫ونقول الحاوية‪ :‬للسيارات التي تحمل األمتعة‪ ،‬فهي كلمة عربية أصيلة‪،‬‬
‫لكن لوكسنربج ال يعرف حتى لغة العرب‪.‬‬
‫)‪ً (1‬‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬
‫‪)2( The History of the Qurān, P15.‬‬

‫‪596‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والعجيب َّ‬
‫أن الكلمة التي اقتبسها لوكسنربج من السريانية ليقارهبا بكلمة‬
‫"الحوايا" هي كلمة جاوي‪ ،‬وهي تنطق يف السريانية جاوي ‪ Gawaye‬لكنه زعم‬
‫أنَّها تنطق الجوايا‪ ،‬حتى يظن القارئ أهنا هي "الحوايا"‪.‬‬

‫منتشر لألسف بين المستشرقين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫التدليسي‬
‫ٌّ‬ ‫وهذا األسلوب‬
‫واألهم من هذا أن كلمة جاوي يف السريانية تعني‪ :‬الداخل(‪.)1‬‬

‫وقد وردت الكلمة السريانية نفسها يف إنجيل متَّى بمعنى الداخل‪.‬‬

‫(‪ً )1‬‬
‫نقال عن‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬دسائس وأكاذيب‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪597‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أدق لغةً‪ :‬إال ما حملت ظهورهما أو الداخل‬ ‫فأ ُّيهما ُّ‬


‫ور ُه َما َأ ِو ا ْل َح َوا َيا؟‬
‫أم‪ :‬إِ َّال َما َح َم َل ْت ُظ ُه ُ‬
‫الحوايا‪ :‬المحتوى‪ ...‬ما تحويه البطن‪.‬‬
‫أ ُّيهما ُّ‬
‫أدق لغةً؟‬
‫والعجيب ح ًّقا َّ‬
‫أن كلمة "جاوي" يف السريانية هي كلمة جامد ٌة ليس لها‬
‫جذر‪ ،‬بينما هي كلمة أصيلة يف العربية(‪.)1‬‬
‫فهذه أمثلة يسيرة تبين طبيعة مشروع لوكسنربج وأشباهه‪.‬‬

‫‪ -45‬هل خمطوطات صنعاء صحيحة؟‬


‫وهل فيها‪ :‬إاعدة صياغة آيات ولكمات قرآنية مضافة وأخرى حمذوفة غري القرآن‬
‫اذلي بني أيدينا؟‬

‫ج‪ :‬هناك مجموعة من مخطوطات القرآن الكريم اك ُتشفت يف الجامع الكبير‬


‫يف صنعاء يف سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬وتب َّين َّ‬
‫أن جز ًءا من هذه المخطوطات ال‬
‫يوافق القرآن الذي بين أيدينا يف بعض اآليات أو بعض الكلمات‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪598‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فرحا هبذا الخرب‪.‬‬


‫وطار بعض المستشرقين ً‬
‫أن هذا الجزء الذي أهبجهم هو مجموعة من ال ُكراسات‬
‫لكنهم لم ُيدركوا َّ‬
‫لطفل مسلم أو بعض األطفال المسلمين كان يحفظ أو كانوا يحفظون يف هذه‬
‫المخطوطات القرآن الكريم‪.‬‬
‫فهذا الجزء من المخطوطات الذي وقع فيه اإلشكال ليس أكثر من ُكراسات‬
‫لطفل مسلم كان يحفظ فيها القرآن‪ ،‬فيكتب ويمسح و ُيصحح لنفسه‪ ،‬ويخطئ‬
‫هنا‪ ،‬ويعيد الكتابة هنا‪ُ ...‬كراسة حفظ للقرآن‪.‬‬
‫ُدفنت هذه الكراسة أو هذه الكراسات يف مسجد صنعاء‪ ،‬وعندما قاموا بعمل‬
‫تجديدات للمسجد وجدوا المخطوطات ومن بينها هذه الكراسات‪.‬‬
‫هذا ُّ‬
‫كل ما يف األمر‪.‬‬
‫فرق بين هذه ال ُكراسة أو هذه الكراسات‬
‫ثم يأيت مستشرق ليقول لنا‪ :‬هناك ٌ‬
‫وبين المصحف الحالي‪.‬‬
‫حرف!‬
‫إذن المصحف الحالي ُم َّ‬
‫غريب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عجيب‪ ،‬وجهل‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫أن مخطوطة صنعاء هي ُكراسة‬ ‫ُ‬
‫الدليل على َّ‬ ‫وهنا يسأل سائل ويقول‪ :‬ما هو‬
‫حفظ وتعليم؟‬
‫ما سأذكره اآلن من أد َّلة أورده الدكتور سامي عامري يف إحدى حلقاته يف‬
‫تواصل تقري ًبا مع جميع َمن راجعوا هذه‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬والدكتور سامي عامري َ‬
‫المخطوطات‪ ،‬سوا ًء من المسلمين أو المستشرقين(‪.)1‬‬
‫المخطوطة التي يتحدَّ ث عنها المستشرقون يف المجمل َمن يراها ألول‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=fw7mMjbkk-Y‬‬ ‫)‪ (1‬رابط حلقة د‪ .‬سامي عامري‪:‬‬

‫‪599‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نسقة‪ ،‬والكلمات غير ُمر َّتبة‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫وهلة َيعلم أنَّها كراسة تعليم‪ :‬فالسطور غير ُم َّ‬
‫الشكل العام للصفحات هو ُ‬
‫شكل كراسة تعليم‪.‬‬
‫فال توجد الضوابط الشديدة المعتمدة يف كتابة المصحف كما هو معلوم يف‬
‫ذاك العصر‪.‬‬

‫أيضا تجد َّ‬


‫أن الطفل الذي كان يكتب يف هذه المخطوطة‪ ،‬يكتب الكلمة ثم‬ ‫ً‬
‫يمسحها‪ ،‬ويكتب فوقها كلمة أخرى‪.‬‬
‫أو ينسى كلمة فيعود لكتابتها يف مساحة صغيرة جدًّ ا بين كلمتين؛ فهو ٌ‬
‫طفل‬
‫يحفظ‪.‬‬
‫وأحيانًا يأيت الطفل الذي كان يحفظ يف هذه الكراسات‪ ،‬فيكتب كلمة مقاربة‬
‫للكلمة القرآنية الصحيحة‪ ،‬فيتذكَّر الكلمة الصحيحة فيمسح القديمة‪ ،‬ويكتب‬
‫الصحيحة فوقها أو مكاهنا‪.‬‬
‫مثال على ذلك يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫‪600‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [مريم‪.]2 :‬‬
‫شبيها"!‬
‫الطفل كتبها‪" :‬لم نجعل له من قبل ً‬
‫ثم تذكَّر الكلمة الصحيحة َس ِم ًّيا فجعلها َس ِم ًّيا‪.‬‬

‫وأحيانًا الطفل يكتب كلمة بالخطأ فيتذكَّر الكلمة الصحيحة فيمحو جز ًءا‬
‫من الكلمة الخطأ‪ ،‬ويكسل عن مسح كل الكلمة الخطأ‪ ،‬كما فعل مع قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [النور‪.]51 :‬‬
‫ات النِّس ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫الطفل كتبها‪ :‬أو الولدان ا َّل ِذين َلم ي ْظهروا َع َلى َعور ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫ُ‬
‫فتذكر أنَّها ﴿ﯩ ﯪ﴾ وليس أو الولدان‪ ،‬فقام بمسح آخر ‪ 5‬حروف من‬
‫كلمة الولدان‪ ،‬وترك بقية الكلمة فظهرت هبذه الصورة باألسفل‪:‬‬

‫الو الطفل!‬
‫وأحيانًا يكتب الكلمة القرآنية بصورة غير منضبطة‪ ،‬مثال على ذلك يف قوله‬

‫‪606‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾ [التوبة‪.]16 :‬‬
‫هنا كتب‪﴿ :‬ﮦ ﮧ﴾ [التوبة‪ ]16 :‬كتبها‪ :‬والم يخش‪ ،‬فأضاف حرف األلف‬
‫على الكلمة‪ ،‬والصورة باألسفل‪.‬‬

‫وأحيانًا يكتب اآلية بصورة صحيحة‪.‬‬


‫يتصور أنَّه أخطأ فيمحو الصحيح‪ ،‬ويك ُتب‬
‫َّ‬ ‫ولكن عندما يراجعها من حفظه‬
‫مكانه كلمة خطأ‪.‬‬
‫مثلما فعل مع قوله تعالى‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [التوبة‪ ]12 :‬هنا المسافة‬
‫بين كلمة ﴿ﯟ﴾ وبين كلمة ﴿ﯠ﴾ مسافة طبيعية بين كلمتين‪﴿ ،‬ﯟ ﯠ﴾‪.‬‬
‫واوا وأل ًفا بعد كلمة ﴿ﯟ﴾ فجعلها‪ :‬وجاهدوا‪.‬‬
‫لكن يف المراجعة أضاف ً‬
‫فهو ظ َّن أنَّها‪ :‬وجاهدوا‪ ،‬كما يف اآلية التالية لها‪.‬‬

‫‪602‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فحشر الحرفين‪ :‬الواو واأللف بصعوبة يف المسافة الصغيرة بين الكلمتين‬


‫َ‬
‫المكتشفة‪.‬‬ ‫كما يف الصورة باألسفل من المخطوطة‬

‫فهذه ُكراسة تعليمية‪ ...‬كراسة تدريبية لطفل مسلم يحفظ القرآن‪.‬‬


‫هذه الكراسة ضاعت ووجدوها أثناء ترميم مسجد صنعاء يف اليمن منذ‬
‫ٍ‬
‫سنوات قليلة بين مخطوطات أخرى كثيرة‪.‬‬
‫ف ُتصبح هذه ال ُكراسة عند المستشرقين و َمن ينقلون عنهم من الملحدين‬
‫حرف!‬ ‫ودليال على َّ‬
‫أن القرآن ُم َّ‬ ‫ً‬ ‫العرب ُحج ًة‬
‫عجيب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫مدهش‪.‬‬ ‫عجيب‪ ...‬أمرهم‬
‫ٌ‬ ‫واهلل‬
‫العجيب واألعجب من كل ما سبق يف هذه الكراسة َّ‬
‫أن‪ :‬فاتحة سورة التوبة‪...‬‬
‫أول سورة التوبة يف هذه المخطوطة مكتوب فيها‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫وتحتها مكتوب‪ :‬ال تقل‪ :‬بسم اهلل‪.‬‬

‫‪603‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فـ‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم ال ُتكتب يف أول سورة التوبة كما هو معلو ٌم‪.‬‬

‫فالمدرس الذي يقوم بالتدريس لهذا الطفل‪ ،‬ويقول له‪ :‬ال تبدأ ببسم اهلل‬
‫الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫ال تقل‪ :‬بسم اهلل‪.‬‬
‫َ‬
‫المكتشفة باألسفل‪:‬‬ ‫كما يف الصورة من المخطوطة‬

‫‪604‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫صحح له‪.‬‬
‫فالطفل أخطأ‪ ،‬والمدرس ُي ِّ‬
‫ثم يأتيك ملحد ويعتمد هذه الكراسة مرج ًعا يف تصحيح القرآن الذي بين‬
‫أيدينا والمنقول بالتوا ُتر‪.‬‬
‫متخيل!‬
‫موضوع المخطوطات يف الجملة‪ ،‬كان المستشرقون يضحكون به على‬
‫سكان أوروبا ممن ال يفهمون شي ًئا يف اإلسالم‪.‬‬
‫وما ُكنا نتخ َّيل أن يأيت اليوم الذي يستخدم فيه ملحد عربي نفس هذه الفكرة‬
‫المضحكة بين أبناء المسلمين‪.‬‬
‫واألعجب َّ‬
‫أن بعض المسلمين يدخل عليهم هذا الكالم‪ ،‬وكأهنم ما كانوا‬
‫مسلمين يو ًما‪.‬‬
‫قديم اختفى‪ ،‬وتم اكتشاف بعض‬
‫حجري ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫نقش‬ ‫يتصورون َّ‬
‫أن‪ :‬القرآن ٌ‬ ‫َّ‬ ‫وكأهنم‬
‫مخطوطاته فجأةً‪.‬‬
‫وكأنه ال يوجد عندنا مئات اآلالف من الحاصلين على إجازة نقل القرآن‪،‬‬
‫نقل الفم للفم بالسند المتصل المتواتر‪ ،‬لكل حركة ونغمة و ُغنَّة َ‬
‫وشدَّ ة وحركات‬
‫المد لكل حرف قرآين من فم النبي ﷺ إلى جميع الطبقات من عصر الصحابة‬
‫ِ‬
‫عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫وحتى‬
‫فالقرآن منقول بالتوا ُتر التام الكامل يف كل طبقة من النبي ﷺ إلى اليوم‪.‬‬
‫فهذه معجزة‪ ...‬هذه نعمة كبيرة من اهلل يف حفظ كتابه‪ ...‬نعمة النقل المتصل‬
‫المتواتر لكل حرف قرآين‪.‬‬
‫أن هناك مخطوط ًة تم اكتشا ُفها لتصبح مرج ًعا يف تصحيح‬
‫ثم يأيت َمن يتصور َّ‬
‫القرآن المتواتر!‬
‫كتاب صويتٌّ‪ ،‬وليس كتا ًبا‬
‫ٌ‬ ‫على هؤالء جمي ًعا أن يعلموا َّ‬
‫أن القرآن يف األصل‪:‬‬

‫‪605‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ورق ًّيا‪ ،‬حتى نقول‪ :‬وجدنا مخطوطة!‬


‫نطق ِه منقول ٌة بالتواتر من فم النبي ﷺ‪.‬‬
‫كل حرف يف القرآن طريقة ِ‬

‫كتاب صويتٌّ‪ ،‬وما زال كتا ًبا صوت ًّيا حتى الساعة‪.‬‬
‫فالقرآن ٌ‬
‫فأنت تأخذ القرآن من فم شيخك‪ ،‬وال تستطيع أن تحصل على إجازة يف‬
‫القرآن من غير النقل الشفاهي لكل حرف فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫وصوال إلى النبي ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وشيخك حصل على اإلجازة من فم شيخه‪ ،‬وهكذا‬
‫مثال على إجازة هذه الصورة باألسفل‪.‬‬
‫مثال من مئات اآلالف من األمثلة على اإلجازات التي ين ُق ُل فيها‬
‫وهي ٌ‬
‫َ‬
‫القرآن عن شيخه عن شيخه صعو ًدا إلى الصحابة ثم النبي ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬
‫وعندنا مئات اآلالف من الحاصلين على مثل هذه اإلجازات‪.‬‬

‫‪606‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪607‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تتم طباعة المصحف حتى الساعة يف أ َّية دولة إسالمية إال بعد أن يقوم‬
‫وال ُّ‬
‫ممن تل َقو ُه شفاه ًة من فم النبي ﷺ‪.‬‬ ‫بمراجعته ُ‬
‫أهل األسانيد َّ‬

‫قال اب ُن الجزري‪" :‬االعتمـاد فـي نقـل القـرآن علـى حفـظ القلـوب والصـدور‪،‬‬
‫ال علـى حفـظ المصـاحف والكتب"(‪.)1‬‬
‫إن مسجد صنعاء الذي اكتشفوا فيه هذه‬ ‫ومن طريف ما ُيقال هنا‪َّ :‬‬
‫ٌّ‬
‫مستقل على صحة اإلسالم!‬ ‫المخطوطات‪ ...‬تاريخ بناء هذا المسجد هو دليل‬
‫والقصة سري ًعا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫برسالة إلى كسرى ملك الفرس ‪ُ -‬خسرو الثاين‪ -‬يدعوه فيها‬ ‫أرسل النبي ﷺ‬
‫لإلسالم‪ ،‬وكان حامل الرسالة عبد اهلل بن ُحذافة السهمي ‪ ‬فلما ُقرئت الرسالة‬
‫َ‬
‫باذان عامله على‬ ‫ومزقها ورمى هبا‪ ،‬وأرسل رسال ًة عاجل ًة إلى‬ ‫على كسرى أخذها َّ‬
‫ين ‪-‬قو َّي ْي ِن‪ -‬إلى الحجاز‪،‬‬
‫ين َج ْلدَ ِ‬
‫اليمن يف صنعاء‪ ،‬يقول له فيها‪ :‬ابعث برج َل ِ‬

‫)‪ (1‬النشر يف القراءات العشر‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.8‬‬

‫‪608‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫النبي ﷺ‪.)1("-‬‬ ‫فليأتياين هبذا الرجل ‪-‬يريد َّ‬


‫ين من عنده ليأتيا برسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلما قدم‬ ‫باذان رج َل ِ‬
‫ُ‬ ‫فاختار حاكم اليمن‬
‫النبي‬ ‫ه‬ ‫حاهما‪َ ،‬ف َك ِ‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫الرجالن إلى المدينة قابال النبي ﷺ‪ ،‬ودخال عليه وقد حلقا ل ِ‬
‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫إليهما‪ ،‬وقال‪ :‬ويلكما‪َ ،‬من أمركما هبذا؟ قاال‪ :‬ربنا‪ ،‬يقصدان كسرى‪،‬‬ ‫ﷺ النظر ِ‬
‫وقص شاربي‪.‬‬ ‫فقال الرسول ﷺ‪ :‬ولكن ربي أمرين بإعفاء لحيتي‪ِّ ،‬‬
‫فقال أحدهما‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن الملك شاهنشاه يبعث إليك َمن يأتيه بك‪ ،‬فلم‬
‫َي ُر َّد عليه النبي ﷺ‪ ،‬وأمرهما أن ُيالقياه من الغد‪.‬‬
‫الرجالن إلى النبي ﷺ‪ ،‬فقال لهما النبي ﷺ‪ :‬أبلغا‬ ‫ِ‬ ‫ويف اليوم الثاين جاء‬
‫ِ‬
‫الليلة‪.‬‬ ‫باذان عامل اليمن‪ -‬أن ربي قد َقت ََل ربه ِكسرى يف ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫صاحب ُكما ‪-‬أبلغا‬
‫َّ ُ ْ َ‬ ‫ّ‬

‫ِ‬
‫الرجالن إلى باذان‬ ‫أن كسرى ُقتِل يف تلك الليلة‪ ،‬فعاد‬
‫فقد أخرب النبي ﷺ َّ‬
‫النبي‬
‫ب باذان وانتظر الخرب من بالد الفرس؛ إذ كيف علم ُّ‬ ‫فتعج َ‬
‫َّ‬ ‫يخربانِ ِه باألمر‪،‬‬
‫شهرا من السفر حتى يصل إليه‪ ،‬وبعد شهر تقري ًبا‬ ‫ﷺ يف الليلة نفسها ٍ‬
‫بأمر يحتاج ً‬
‫)‪ (1‬الجامع الصحيح للسنن والمسانيد‪ ،‬صهيب عبد الجبار‪.‬‬
‫وقصة تمزيق كسرى لرسالة النبي ﷺ مروية يف الوثائق التاريخية لإلمرباطورية الفارسية‪:‬‬
‫‪There are differing accounts of the reaction of Khosrau II. Nearly all assert that he‬‬
‫‪destroyed the letter in anger; the variations concentrate on the extent and detail of his‬‬
‫‪response.‬‬
‫‪"Kisra", M. Morony, The Encyclopaedia of Islam, Vol. V, ed. C.E. Bosworth, E.van‬‬
‫‪Donzel, B. Lewis and C. Pellat, (E.J.Brill, 1480), 181.‬‬

‫‪609‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وصل بالفعل الخرب بمقتل كسرى يف تلك الليلة التي حدَّ دها النبي ﷺ‪.‬‬
‫ان بِ َذل ِ َك‪َ ،‬أ ْس َل َم ُه َو َو ْاألَ ْبنَا ُء ا َّل ِذي َن بِا ْل َي َم ِن(‪.)1‬‬
‫فلما علم َبا َذ ُ‬
‫وهذه المعجزة كانت أحدَ أسباب إسالم أهل اليمن(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫باذان بذلك‬ ‫فقد ُقتل كسرى يف تلك الليلة التي حدَّ دها النبي ﷺ‪ ،‬و َعلِم‬
‫فأسلم‪ ،‬وأسلم أهله‪ ،‬وحكومته‪ ،‬وجاء وفدٌ من أهل اليمن يتع َّلمون اإلسالم‪،‬‬
‫النبي ﷺ معاذ بن جبل‪.‬‬
‫وأرسل فيهم ُّ‬
‫وهذا هو وفد اليمن يف السيرة النبوية‪.‬‬
‫النبي ﷺ بعد ذلك ببناء مسجد يف ُبستان باذان‪ ،‬وهذا هو المسجد‬
‫وقد أمر ُّ‬
‫الكبير بصنعاء الذي اك ُتشفت فيه هذه المخطوطات‪.‬‬
‫النبي ﷺ قد حدَّ د قبلة المسجد وإحداثياتِ ِه بالضبط‪ ،‬بصخرة‬ ‫َّ‬
‫والعجيب أن َّ‬
‫معروفة هناك‪ ،‬وموجودة حتى الساعة‪.‬‬
‫فم ْر ببناء المسجد لهم يف ُبستان باذان‪ ،‬من الصخرة التي يف أصل‬
‫قال ﷺ‪ُ " :‬‬
‫ُغمدَ ان‪ ،‬واستقبل هبا الجبل الذي يقال له‪ِ :‬ضين"(‪.)3‬‬
‫لقد حدَّ د النبي ﷺ ِقبلة المسجد من المدينة المنورة‪ ،‬وهي تبعد عن صنعاء‬
‫بحوالي ألف كيلو مرت‪.‬‬
‫فالقبلة تنطلق من صخرة ُغمدان إلى جبل ضين‪ ...‬هذا اتجاه القبلة الذي‬
‫حدَّ ده النبي ﷺ‪.‬‬
‫وسبحان اهلل نكتشف اليوم باألقمار الصناعية َّ‬
‫أن القبلة التي حدَّ دها النبي ﷺ‬

‫)‪ (1‬المرجع السابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ مقتل خسرو يف الوثائق الفارسية القديمة مطابق لوقت رسائل الملوك يف السيرة النبوية وهو ‪26‬‬
‫فرباير عام ‪ 826‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحافظ الرازي‪ ،‬تاريخ صنعاء‪.‬‬

‫‪660‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫منذ أكثر من ‪ 1011‬عام‪ ،‬هي القبلة المثالية للمسجد الكبير بصنعاء‪ ،‬فتصير هذه‬
‫آية نشهدها اليوم‪ ،‬ويشهدها ُ‬
‫أهل اليمن إلى قيام الساعة(‪.)1‬‬

‫قديم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حجري‬
‫ٌّ‬ ‫أن المستشرقين يتعاملون مع القرآن وكأنَّه ٌ‬
‫نقش‬ ‫المشكلة َّ‬
‫فيحاولون تصحيح القرآن الذي بين أيدينا اليوم ببعض المخطوطات‪.‬‬
‫ً‬
‫منقوال نقل‬ ‫ً‬
‫تاريخا‬ ‫ويتعاملون مع اإلسالم وكأنَّه حضارة بائدة‪ ،‬وليس‬
‫الكافة عن الكافة يو ًما بيو ٍم من زمن البعثة النبوية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مخطوطات للتشكيك يف تاريخنا أو‬ ‫فهؤالء المستشرقون الذين يستخدمون‬
‫ديننا يتعاملون مع حضارتنا وتاريخنا وكأننا غير موجودين‪.‬‬
‫وكأن هذه المخطوطات س ُتعيد قراءة تاريخنا‪.‬‬
‫وكأننا لم نكتب تاريخنا‪ ،‬ولن نعرفه إال عرب المخطوطات!‬
‫هؤالء المستشرقون نار الحسد تحرق قلوهبم‪ ...‬ال َغ ْيـرة تـأكلهم لكون‬

‫(‪)1‬فيديو يشرح المعجزة يف تحديد قبلة مسجد صنعاء بربنامج جوجل إيرث‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=11389V8nbAs‬‬

‫‪666‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫القرآن محفـو ًظا فـي الصـدور‪ ،‬و ُيقرأ فـي المحاريـب‪ ،‬وتتلوه األلسـنة بال تو ُّقف من‬
‫زمن البعثة النبوية وحتى الساعة‪ ،‬وسيبقى إلى قيام الساعة ْ‬
‫وإن رغم أنف العالم‪.‬‬
‫﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [الروم‪.]38 :‬‬
‫أما ثقافة هؤالء المستشرقين الدينية فقد أصبحت ثقافة متاحف؛ لذلك هم‬
‫يحرتقون كمدً ا‪.‬‬
‫أصبحت ثقافتهم يف المتاحف ننظر إليها يف الرحالت المدرسية وسط‬
‫(‪)1‬‬ ‫المومياوات!‬
‫يبق اليوم على وجه األرض سوى اإلسالم‪ ،‬وبقايا ديانات‪ ،‬وعلمانية‪.‬‬
‫لم َ‬
‫هذا شكل األرض اليوم‪ ،‬شاء العا َل ُم أم أبى!‬
‫يبق سوى اإلسالم‪ ،‬وبقايا شرائع ُمسخت بالعلمانية‪.‬‬
‫لم َ‬
‫انتشارا على اإلطالق‪.‬‬
‫ً‬ ‫أسرع الديانات‬
‫َ‬ ‫وصار اإلسالم اليوم‬
‫لذلك فقلو ُب ُهم محرتقةٌ‪.‬‬

‫)‪ (1‬راجع كتاب‪ :‬تفسير القرآن بالسريانية‪ ،‬د‪ .‬هباء األمير‪.‬‬

‫‪662‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ُّ‬
‫‪ -46‬ماذا عن شبهة تعدد القراءات؟‬
‫ُّ‬
‫فهناك عدد من القراءات ‪-‬القراءات العرش‪ -‬فلماذا هذا اتلعدد يف القراءات؟‬

‫ج‪ :‬هناك حديث متواتر رواه أكثر من عشرة من الصحابة‪ ...‬رواه البخاري‬
‫ٍ‬
‫أحرف"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫سبعة‬ ‫نزل على‬ ‫القرآن ُأ َ‬
‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫أن النبي ﷺ قال‪َّ " :‬‬ ‫ومسلم َّ‬
‫بن‬ ‫كامال قال عمر بن الخطاب ‪ِ " :‬‬
‫عت هشا َم َ‬ ‫سم ُ‬ ‫واآلن لنقرأ الحديث ً‬
‫نبي اهللِ ﷺ َأقر َأنيها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬‫ك‬‫الفرقان‪ ،‬فقر َأ فيها ُحرو ًفا لم َي ُ‬‫ِ‬ ‫بن حزا ٍم يقر ُأ سور َة‬ ‫كيم ِ‬
‫َح ِ‬
‫كذبت‪ ،‬ما َه َكذا َأ ْقر َأ َك‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫لت‪:‬‬‫رسول اهلل ﷺ‪ُ ،‬ق ُ‬ ‫قال‪:‬‬‫السورةَ؟ َ‬ ‫لت‪َ :‬من َأ ْقر َأ َك هذه ُّ‬ ‫ُق ُ‬
‫رسول اهللِ! إن ََّك‬
‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪،‬‬‫ِ‬ ‫بيد ِه أقو ُد ُه إلى‬
‫أخذت ِ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ! َف‬ ‫ُ‬
‫عت هذا يقر ُأ فيها حرو ًفا لم َت ُكن َأ ْقرأ َتنيها! َ‬
‫فقال‬ ‫سم ُ‬ ‫الفرقان‪ ،‬وإنِّي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْقرأ َتني سور َة‬
‫رسول اهللِ‪َ :‬ه َكذا ُأن ِْز َل ْت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان يقر ُأ‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ :‬اقرأ يا هشا ُم‪ .‬فقر َأ كما َ‬ ‫ُ‬
‫إن القرآ َن‬ ‫رسول اهللِ‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ثم َ‬
‫قال‬ ‫فقال‪َ :‬ه َكذا ُأن ِْز َل ْت‪َّ .‬‬
‫فقرأت‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫اقر ْأ يا ُع َم ُر‪.‬‬‫قال‪َ :‬‬ ‫ثم َ‬ ‫َّ‬
‫ف"‪.‬‬ ‫بعة أحر ٍ‬ ‫ُأ ِنز َل ع َلى س ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫باألحرف السبعة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فالنبي ﷺ ع َّلم الصحابة القرآن‬ ‫ُّ‬
‫كل مجموعة صحابة كانوا يعرفون حر ًفا من األحرف السبعة‪.‬‬
‫لكن هنا السؤال‪ :‬كيف ظهرت القراءات العشر بينما عندنا سبعة أحرف فقط؟‬
‫مثال عن الصحابي عبد اهلل بن‬ ‫التابعي فيأخذ سورة النحل ً‬
‫ُّ‬ ‫والجواب‪ :‬يأيت‬
‫ٍ‬
‫لوجه يف‬ ‫ٍ‬
‫بحرف‬ ‫بحرف‪ ،‬ويأخذ سورة اإلسراء عن الصحابي ُأ َب ِّي بن كعب‬ ‫ٍ‬ ‫مسعود‬
‫القراءة يختاره‪ ،‬ثم ُيع ِّلم هذا التابعي تالميذه هبذه االختيارات لألحرف التي اختارها‪.‬‬
‫سمى هذه االختيارات لألحرف قراء ًة‪.‬‬ ‫ف ُت َّ‬
‫ٍ‬
‫بحرف آخر‪،‬‬ ‫بحرف وتلك السورة‬ ‫ٍ‬ ‫التابعي هذه السورة‬ ‫إذن عندما يختار‬ ‫ْ‬
‫ُّ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬البخاري‪ ،‬ح‪ ،8258:‬ومسلم‪ ،‬ح‪.616:‬‬

‫‪663‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُيسمى هذا االختيار "قراءة" ومن هنا ظهرت القراءات‪.‬‬


‫تضمنة يف القراءات العشر‪.‬‬
‫الم َّ‬
‫فاألحرف السبعة هي ُ‬
‫واليوم عندنا مئات اآلالف من المسلمين ممن يحفظون القرآن بالقراءات العشر‪.‬‬
‫لكن هل هذه القراءات العشر هي فقط يف اختالف المدود وطريقة نطق‬
‫بعض الحروف يف القرآن؟‬
‫نعم! هذا هو األصل‪.‬‬
‫فاختالف األحرف السبعة هو اختالف يف المدود وطريقة نطق بعض‬
‫تيسيرا على لسان العرب‪.‬‬
‫ً‬ ‫الحروف‪ ،‬وهذا‬
‫حرف آلخر‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا بعض الكلمات القليلة تختلف من‬ ‫لكن يوجد ً‬
‫ءة ألخرى‪ ،‬فتؤدي كل قراءة معنًى جديدً ا إضاف ًّيا لآلية؛ ولذلك‬ ‫تختلف من قرا ٍ‬
‫قال مجاهدٌ تلميذ ابن عباس‪" :‬لو ُكن ُْت َقر ْأ ُت قِراء َة اب ِن مسع ٍ‬
‫ود َل ْم َأ ْحت َْج َأ ْن‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫آن مِ َّما َس َأ ْل ُت"‪.‬‬
‫اس َعن كَثِ ٍير مِن ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َأ ْس َأ َل ا ْب َن َع َّب ٍ ْ‬
‫تفتح معاين جديدة لآلية‪.‬‬
‫فكل قراءة ُ‬
‫إذن فالقراءات العشر مأخوذ ٌة من األحرف السبعة‪ ،‬وكلها منقولة بالتوا ُتر من‬
‫فم النبي ﷺ‪.‬‬
‫وأغلب الفروق بين القراءات هي اختالف يف طريقة تدوير بعض الحروف‪.‬‬
‫لكن هنا قد يظهر سؤال‪ :‬كيف يكون مصحف عثمان مصح ًفا واحدً ا‪،‬‬
‫وعندنا هذا العدد من القراءات؟‬
‫أن عثمان ‪ ‬لما جمع المصحف لم ُينقطه‪.‬‬
‫والجواب‪َّ :‬‬
‫لم يضع النقط على الحروف‪.‬‬
‫وربما يظن البعض َّ‬
‫أن هذا يعود لكون التنقيط لم يظهر إال يف مرحلة تالية‪.‬‬
‫وهذا خطأ!‬

‫‪664‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ٍ‬
‫بزمن‪.‬‬ ‫فالتنقيط للحرف العربي كان موجو ًدا قبل عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وعندنا برديات تعود للعام ‪ 22‬هجرية‪ ،‬يظهر فيها التنقيط جل ًّيا‪.‬‬

‫أثر ابن عباس أن عامر بن جدْ رة وضع التنقيط يف زمن مبكر جدًّ ا(‪.)1‬‬
‫وعندنا ُ‬
‫ْ‬
‫إذن عدم التنقيط للقرآن يف مصحف عثمان أحد أسبابه‪ :‬حتى يتيح القراءة‬
‫بالقراءات‪.‬‬
‫فمصحف عثمان يتيح القراءة بجميع القراءات‪.‬‬
‫لكن كما قلنا‪ :‬يف بعض المواضع تتغ َّير الكلمة من قراءة ألخرى‪ ،‬فحتى لو‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مصحف‬ ‫أن ُنثبِت كل أوجه القراءة يف‬
‫يتم التنقيط لن نستطيع ْ‬
‫لم َّ‬
‫فمثال يف قول ِ ِه تعالى‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [الحديد‪.]20 :‬‬ ‫ً‬
‫عندنا قراءة أخرى‪( :‬ومن يتول فإن اهلل الغني الحميد)‪.‬‬
‫فماذا يفعل عثمان ‪ ‬حتى يستوعب القراءتين يف مصحفه؟‬

‫)‪ (1‬الفهرست‪ ،‬ابن النديم‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪665‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والجواب‪ :‬قام عثمان ‪ ‬يف المصحف الذي كَتبه للمدينة والشام بجعلها‬
‫بقراءة‪( :‬ومن يتول فإن اهلل الغني الحميد) ويف المصاحف التي أرسلها لآلخرين‬
‫أثبتها‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [الحديد‪ ]20 :‬وبالتالي فكلتا‬
‫ِ‬
‫مثبتتان يف المصحف العثماين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القراءتين‬
‫فمصاحف عثمان ُتثبِت القرا ِ‬
‫ءات بوجوهها(‪.)1‬‬
‫قال ابن عابدين‪ :‬القرآن الذي تجوز به الصالة باال ّتفاق هو المضبوط يف‬
‫األئمة التي بعث هبا عثمان ‪ ‬إلى األمصار‪ ،‬وهذا هو المتواتر‬
‫َّ‬ ‫المصاحف‬
‫وتفصيال‪.‬‬
‫ً‬ ‫جمل ًة‬
‫إذن فالمصاحف التي نشرها عثمان يف بالد المسلمين شملت القراءات‪.‬‬
‫وبغض النظر عن كل هذا‪ ،‬فالقراءات متواترة شفاه ًة من فم النبي ﷺ كما قلنا‪.‬‬
‫كتاب صويتٌّ‪ ،‬وأنت ال تنتظر مصح ًفا حتى تعرف كيف تقرأ القرآن‪.‬‬ ‫فالقرآن ٌ‬
‫بل أنت لن تعرف القراءة الصحيحة للقرآن إال بالنقل الشفاهي‪ ...‬نقل الفم‬
‫للفم للقرآن؛ ولذلك عثمان ‪ ‬كان يرسل مع كل مصحف مقرئًا ُيقرئ الناس‬
‫القرآن هبذه القراءة أو تلك‪.‬‬
‫فبدون النقل الشفاهي لكل حرف يف القرآن لن تعرف القراءة الصحيحة‬
‫المنضبطة‪.‬‬
‫إن هناك أحكا َم ٍ‬
‫نطق يف القرآن كـ‪" :‬اإلشمام"‪ ،‬لن تعرف تطبيقها حتى‬ ‫بل َّ‬
‫بالسماع؛ إذ ال بد أن ترى شفاه َمن ُيقرئك القرآن‪.‬‬
‫فالقرآن كتاب صويت منقول بالتواتر َن ْق َل الفم للفم‪.‬‬
‫وللمسلمين أن يفخروا بحفظهم لحركة كل حرف قرآين‪ ،‬وطريقة نطق كل‬
‫حرف قرآين‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ ِ‬
‫[الحجر‪.]2 :‬‬

‫(‪ )1‬الكايف يف القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ...161‬وتلخيص العبارة‪ ،‬ص‪.138‬‬

‫‪666‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ولم ينزل كتاب من السماء فيما أعلم بأك َث َر من قراءة غير القرآن الكريم‪،‬‬
‫ويف هذا بيان لعظمة هذه األمة‪ ،‬وكيف حرصت على كتاب رهبا‪ ،‬فطريقة نطق‬
‫كل حرف بأوجه قراءتِ ِه منقولة بالتواتر من فم النبي ﷺ إلى كل جيل من أبناء‬
‫المسلمين حتى الساعة‪.‬‬
‫‪ -47‬هل يوجد يشء ي ُ َّ‬
‫سَّم نسخ اتلالوة؟‬
‫ُ‬
‫حبيث تكون هناك آية من القرآن ثم تنسخ تالوتها كآية الرجم؟‬

‫ج‪ :‬هذا سؤال مهم؛ ألن الملحدين ُيكثرون الكالم فيه‪.‬‬


‫ات مع ُلوم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف حديث عائشة ‪" :‬ك َ ِ‬
‫ات‬ ‫يما ُأن ِْز َل م َن ال ُق ْرآن‪َ :‬ع ْش ُر َر َض َع َ ْ َ‬ ‫َان ف َ‬
‫يما ُي ْق َر ُأ مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫ات‪َ ،‬ف ُتو ِّفي ر ُ ِ‬ ‫س مع ُلوم ٍ‬ ‫ُي َح ِّر ْم َن‪ُ ،‬ث َّم ُن ِس ْخ َن‪َ ،‬‬
‫سول اهلل ﷺ‪َ ،‬و ُه َّن ف َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫بخ ْم ٍ َ ْ َ‬
‫آن"(‪.)1‬‬ ‫ال ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫الش ْي َخ ُة إِ َذا َز َن َيا َف ْار ُج ُم ُ‬
‫وه َما ا ْل َب َّت َة"‪.‬‬ ‫الش ْي ُخ َو َّ‬
‫وعندنا آية الرجم‪َّ " :‬‬
‫وعندنا آيات أخرى كانت فيما ُيقرأ من القرآن‪.‬‬
‫فهل هذه اآليات كانت قرآنًا ثم ُرفعت؟‬
‫هل كانت وح ًيا من عند اهلل؟‬
‫نعم‪ ،‬كانت هذه اآليات مما أوحى اهلل إلى نب ِّي ِه من بيان األحكام‪.‬‬
‫والجواب‪ْ :‬‬
‫فكانت من وحي اهلل؛ لبيان األحكام الشرعية‪.‬‬
‫متلوا‪.‬‬
‫لكنها لم تكن قرآنًا ًّ‬
‫فلم تكن من رسم القرآن ولفظه‪.‬‬
‫وحي اهلل لنبيه ليس كله‬
‫َ‬ ‫وقبل أن ندخل يف هذا الموضوع ال بد أن نعلم أن‬
‫قرآنًا‪ ،‬وهذا ال خالف عليه بين المسلمين‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1032:‬‬

‫‪667‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالحديث ال ُقدسي من وحي اهلل لنب ِّي ِه‪ ،‬وهو ليس قرآنًا باإلجماع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بقرآن‪.‬‬ ‫أيضا ليس‬
‫وعي"(‪ )1‬هذا ً‬ ‫س َن َف َث يف ر ِ‬
‫وح ا ْل ُقدُ ِ‬ ‫" َّ‬
‫ُ‬ ‫إن ُر َ‬
‫والصحابة كانوا يعلمون ذلك‪.‬‬
‫وهناك قصة ابن مسعود مع المعوذ َت ِ‬
‫ين‪.‬‬
‫ين من وحي اهلل لنب ِّي ِه لكنهما‬
‫أن المعوذ َت ِ‬
‫فابن مسعود ‪ ‬كان يظن يف بادئ األمر َّ‬
‫المتلو أثبتهما(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫ليستا قرآنًا فلم ُيثبتْهما يف مصحفه‪ ،‬فلما ثبت لديه أهنما من القرآن‬
‫ْ‬
‫إذن عندنا وحي إلهي مب ِّين غير القرآن الكريم‪.‬‬
‫ذكرناها كآية الرجم‪ ،‬وآية‬
‫ومن جملة الوحي المب ِّين هذه النصوص التي ْ‬
‫عشر رضعات معلومات يحرمن وغيرهما‪.‬‬
‫المتلو‪ ،‬وإنما هي من وحي اهلل؛ لبيان‬
‫ّ‬ ‫فهذه النصوص ليست من القرآن‬
‫األحكام الشرعية‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن جرير الطربي أكرب أئمة التفسير‪ ،‬وشيخ المفسرين‪ ،‬قال يف‬
‫الر ْج ِم َأ َت ْي ُت النَّبِ َّي َف ُق ْل ُت‪َ :‬أكْتِ ْبن ِ َيها‪،‬‬
‫هتذيب اآلثار‪َ " :‬و َأ َّما َق ْو ُل ُع َم َر‪َ :‬ل َّما ن ََز َل ْت آ َي ُة َّ‬
‫َاب اهللِ ا ْل ُمن َْز ِل‬
‫اض ٌح َأ َّن َذل ِ َك َل ْم َي ُك ْن مِ ْن كِت ِ‬ ‫ان و ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َك َأ َّن ُه ﷺ ك َِر َه َذل َك‪َ ،‬ففيه َب َي ٌ َ‬
‫آن َل ْم َي ْمتَن ِ ْع مِ ْن إِ ْكتَابِ ِه ُع َم َر َذل ِ َك‪ ،‬ك ََما َل ْم‬ ‫َان مِن ا ْل ُقر ِ‬
‫آي ا ْل ُق ْرآن؛ ألَ َّن ُه َل ْو ك َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ك ََسائِ ِر ِ‬
‫َاب من َأراد َتع ُّلم َشي ٍء مِن ا ْل ُقر ِ‬
‫آن َما َأ َرا َد َت َع ُّل َم ُه مِنْ ُه"(‪.)3‬‬ ‫َي ْمتَن ِ ْع مِ ْن إِ ْكت ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫المتلو‬
‫ّ‬ ‫أن هذه اآليات لو كانت من القرآن‬ ‫إذن يقرر اإلمام الطربي ‪َّ ‬‬ ‫ْ‬
‫لما منع النبي ﷺ من كتابتها يف المصحف‪.‬‬
‫فآية الرجم لم ُتكتب يف المصحف بين يدي النبي ﷺ‪ ،‬وحين طلب ُ‬
‫عمر من‬

‫(‪ )1‬صحيح الجامع‪.2163 ،‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري‪ ،‬م‪ 6‬ص‪.205‬‬

‫)‪ (3‬هتذيب اآلثار‪ ،‬ابن جرير الطربي‪ ،‬م‪ 5‬ص‪ 280‬تنسيق الشاملة‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫النبي ﷺ كتابتها رفض‪.‬‬


‫أخرج النسائي عن عمر ‪ ‬قوله‪" :‬يا رس َ ِ ِ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬أكْت ْبني آي َة َّ‬
‫الر ْج ِم‪ ،‬قال‪ :‬ال‬ ‫َ َ ُ‬
‫أستطيع َ‬
‫ذاك"(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫المصاحف‪ ،‬فقال زيدٌ ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ثابت‬ ‫العاص وزيد بن‬ ‫ِ‬ ‫وعندما كان يكتب ابن‬
‫الش ْي َخ ُة‪ ...‬آية الرجم"‪ ،‬فقال ُع َم ُر‪َ :‬ل َّما‬ ‫الش ْي ُخ َو َّ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ُ‬
‫يقول‪َّ " :‬‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬
‫ذلك(‪.)2‬‬‫فقلت‪َ :‬أكْتِبنِيها‪ ،‬قال ُشعب ُة‪ :‬فكأ َّن ُه ك َِر َه َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫أتيت‬
‫هذه ُ‬‫نزلت ِ‬
‫ُأ ْ‬
‫المتلو ثم ُرفعت‪ ،‬فلماذا َمنع النبي ﷺ من‬
‫ّ‬ ‫فإذا كانت هذه اآليات من القرآن‬
‫كتابتها مع المصحف ابتدا ًء؟‬
‫وحي من اهلل؛ لبيان أحكام القرآن‪ ،‬لكنها ليست من‬
‫ٌ‬ ‫إذن فهذه اآليات هي‬
‫رسم القرآن وألفاظه‪.‬‬
‫النبي ﷺ أن ُتكتب فتختلط بالقرآن‪.‬‬
‫لذلك خشي ُّ‬
‫قال أبو جعفر النحاس وهو إمام علم الناسخ والمنسوخ قال‪" :‬ليس حكمه‬
‫‪-‬هذه اآليات‪ -‬حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة‪ ،‬ولكنه ُسنة ثابتة‪،‬‬
‫وقد يقول اإلنسان‪ :‬كنت أقرأ كذا لغير القرآن"(‪.)3‬‬
‫فقول الصحابة وقول عائشة كانت ‪-‬هذه اآليات‪ -‬مما نقرأ من القرآن ال‬
‫المتلو برسمه ولفظه‪ ،‬وإنما هي آيات مفسرات للقرآن‪ ،‬فهي‬
‫ّ‬ ‫ُيقصد به القرآن‬
‫المتلو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وحي يبين األحكام‪ ،‬وليست من القرآن‬
‫صحيح أن النبي ﷺ أثبت ُقرآنية ٍ‬
‫آية من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ولذلك لم َيثبت يف‬
‫َّ‬
‫هذه اآليات‪ ،‬أو عرضها عليه جربيل كما كان يعرض عليه القرآن‪.‬‬

‫)‪ (1‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬م‪ 8‬ص‪.220‬‬


‫)‪ (2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫)‪ (3‬الناسخ والمنسوخ‪ ،‬للنحاس‪.‬‬

‫‪669‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فهذه كلها آيات مفسرات ألحكام القرآن‪ ،‬و ُمب ِّينة لمجمالت القرآن‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫عقال أن يكون هناك ُ‬
‫نسخ تالوة‪ ،‬بحيث تكون هناك‬ ‫شرعا وال ً‬
‫وهذا ال يمنع ال ً‬
‫متلوة‪ ،‬ثم ُتنسخ و ُترفع‪ ،‬فهذا غير ممتنع لكن ظاهر النصوص يف مجموعها ُيؤكد‬
‫آية َّ‬
‫المتلو من البداية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للقرآن‪ ،‬ولم تكن من القرآن‬ ‫أن هذه اآليات مفسرات‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫‪ -48‬هل توجد آيات قرآنية أحاكمها منسوخة؟‬

‫بح ٍ‬
‫كم َ‬
‫آخ َر‪ ،‬وهذا‬ ‫شرعي ُ‬ ‫ج‪ :‬النسخ يف األصل هو‪ :‬تبديل اهلل ‪ ‬لح ُك ٍم‬
‫ٍّ‬
‫بديهي لتغ ُّير أحوال‬
‫ٌّ‬ ‫أمر‬
‫مما أجمع عليه المسلمون والنصارى واليهود‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫الناس‪ ،‬وتبدُّ ل أمورهم‪.‬‬
‫فمثال عندما أمر اهلل ‪ ‬خليله إبراهيم بذبح ابنه‪ ،‬وقبل أن تقطع السكين‪،‬‬
‫ً‬
‫نسخ اهلل األمر‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‬
‫[الصافات‪.]112 -115 :‬‬
‫كم‪َ " :‬و َفدَ ْينَا ُه بِ ِذ ْبحٍ َعظِ ٍ‬
‫يم"‪.‬‬ ‫الح َ‬
‫اهلل ُ‬
‫فلما استسلما ألمر اهلل نسخ ُ‬
‫نسخ ِه معلوم ٌة وهي‪ :‬تمحيص‬ ‫ِ‬ ‫والحكمة من هذا األمر بذبح إسماعيل ثم‬ ‫ِ‬
‫قلب إبراهيم ‪ ،‬وبيان مقدار امتثاله لألمر اإللهي‪.‬‬
‫أيضا أنزل اهلل ‪ ‬الشرائع اليهودية والمسيحية ثم نسخها باإلسالم‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫نسخ!‬ ‫ً‬
‫ويف هذا أنزل اهلل ‪ ‬قوله‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [البقرة‪.]118 :‬‬
‫فالذي ُن ِس َخ هو الشرائع السابقة‪ ،‬حيث ُنسخت باإلسالم(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬تفسير الزركشي لآلية الكريمة‪.‬‬

‫‪620‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ْ‬
‫إذن فالشرائع يحصل فيها تغ ُّير بمقدار تغ ُّير أحوال الناس‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞﮟ﴾ [المائدة‪.]06 :‬‬
‫تفصيال‪،‬‬
‫ً‬ ‫أتم الشرائع بنا ًء‪ ،‬وأكثرها‬
‫ويف آخر الشرائع جاء اإلسالم وهو ُّ‬
‫وأيسرها تطبي ًقا‪ ،‬وفيه ُفصلت أحكام كل شيء‪.‬‬
‫فقضية النسخ قضية معلومة بالبداهة والعقل والواقع‪ ،‬وعليها إجماع الشرائع‬
‫السماوية‪.‬‬
‫وحين أتى اإلسالم تدرجت األحكام‪ ،‬ولم ِ‬
‫تأت ُجملة واحدة‪ ،‬فتأيت األحكام‬ ‫َّ‬
‫المكلفين وقدرهتم‪.‬‬
‫الشرعية تب ًعا لحالة ُ‬
‫لحكم وصارت‬ ‫ً‬
‫حالال‪ ،‬ثم حدث نسخ ل ُ‬ ‫ففي بدء اإلسالم كانت الخمر‬
‫تمت الشريعة‪ ،‬وك َُم َل نزول الرسالة‪.‬‬ ‫تدرجت األحكام حتى َّ‬ ‫حرا ًما‪ ،‬وهكذا َّ‬
‫وحكمة هذا التدرج‪ ،‬فتقول والحديث‬ ‫تشرح عائشة ‪ ‬تدرج األحكام‪ِ ،‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنة‬ ‫الم َف َّصلِ‪ ،‬فيها ُ‬
‫ذكر‬ ‫يف البخاري‪" :‬إنما ن ََز َل َّأول ما َنز َل منه سور ٌة من ُ‬
‫الحالل والحرا ُم‪ ،‬ولو َنز َل َّأول‬ ‫ُ‬ ‫الناس إلى اإلسال ِم َنز َل‬ ‫ُ‬ ‫ثاب‬
‫والنار‪ ،‬حتى إذا َ‬ ‫ِ‬
‫الخمر أبدً ا‪ ،‬ولو ن ََز َل‪ :‬ال َت ْز ُنوا‪ ،‬لقالوا‪ :‬ال‬ ‫الخمر‪َ ،‬لقالوا‪ :‬ال نَدَ ُع‬ ‫شيء‪ :‬ال تشربوا‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نَدَ ُع الزنا أبدً ا"(‪.)1‬‬
‫والتدرج يف األمر والنهي ِح َك ُم ُه ال تخفى‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫بديهي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫أمر‬
‫فالنسخ ٌ‬
‫ونأيت هنا إلى النقطة المحورية‪ :‬هل توجد يف كتاب اهلل آي ٌة واحد ٌة ُن ِس َخ‬
‫كمها تما ًما؟‬
‫ُح ُ‬
‫فكتاب‬
‫ُ‬ ‫والجواب‪ :‬هذه الصورة من النسخ التام ال وجود لها يف كتاب اهلل‪،‬‬
‫ِ‬
‫كما شرع ًّيا على‬‫اهلل كله ُمح َكم‪ ،‬واآليات التي ُذك َر فيها أهنا منسوخة إنما ُتثبت ُح ً‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0225:‬‬

‫‪626‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫المكلفين يف حاالت ُمعينة‪ ،‬واآليات التي قيل إهنا ناسخة ُتثبت ُح ً‬


‫كما شرع ًّيا‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫حاالت أخرى‪.‬‬ ‫آخر‪ ،‬يف‬
‫فما من آية قيل إهنا منسوخة‪ ،‬إال ولها ُحكم شرعي يف حاالت معينة عند‬
‫أئمة العلم بالشريعة‪.‬‬
‫وسنذكر على هذا ً‬
‫مثاال لمزيد إيضاح‪:‬‬
‫آية الوصية للوالدين‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [البقرة‪.]161 :‬‬
‫ٍ‬
‫لوارث"‪ ،‬لكن هذا‬ ‫هذه اآلية ُنسخت بآيات المواريث وبحديث‪" :‬ال وص َّي َة‬
‫وصاياه ْم عن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫نسخا تا ًّما‪ ،‬فالناس ال يستغنون يف‬ ‫ال يعني أن هذه اآلية ُنسخت‬
‫الوصية لألقربين يف حدود الثلث‪ ،‬والوصية للوالدين من غير المسلمين‪.‬‬
‫فآية‪﴿ :‬ﯦﯧﯨﯩﯪ﴾ [البقرة‪ ]161 :‬هي آية لها أحكا ُمها‪.‬‬
‫فالشاهد أن اآليات التي قيل‪ :‬إهنا منسوخة‪ ،‬هي آيات لها أحكا ُمها‪.‬‬
‫وهذه اآليات التي قيل‪ :‬إهنا منسوخة عد ُدها ٌ‬
‫قليل‪ ،‬قال اإلمام السيوطي ‪:‬‬
‫"وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤ َّلفة‪ ،‬وهو على الحقيقة قليل جدًّ ا‪ْ ،‬‬
‫وإن‬
‫أك َث َر الناس من تعداد اآليات فيه‪ ،‬فإن المحققين كالقاضي أبي بكر ابن العربي‬
‫ب َّين ذلك وأت َقنه"(‪.)1‬‬
‫تسع آيات‪.‬‬
‫قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاينُّ ‪ :‬إهنا ُ‬
‫وهذه اآليات التسع ستجد فيها األحكام الشرعية‪ ،‬فال توجد آية منسوخة‬
‫ً‬
‫نسخا تا ًّما يف كتاب اهلل‪.‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين ‪ ‬يف إرشاد الفحول‪" :‬كثير من أئمة الحنابلة‬

‫(‪ )1‬اإلتقان يف علوم القرآن‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫واألحناف أثبتوا أنَّه ما من آية ُيقال أهنا منسوخة‪ ،‬إال ولها عمل يف مواطن‪ ،‬كما‬
‫أن اآليات الناسخة لها عمل يف مواطن أخرى"(‪.)1‬‬
‫ولكون القرآن يخاطب جميع البشر يف كل األحوال إلى يوم القيامة‪ ،‬فآياته‬
‫المختلفة‪ ،‬فهو ُيحقق الشمول‬ ‫ُّ‬
‫تدل على أحكام شرعية تتناسب مع كل األحوال ُ‬
‫والمرونة التي تستلزمها خاتمية الرسالة المحمدية‪.‬‬
‫ََ‬
‫احل َّرة واألمة؟‬
‫‪ -49‬هل اإلسالم يمزي بني احلر والعبد؟ وبني ُ‬

‫ج‪ :‬نعم! اإلسالم يميز بين الحر والعبد‪.‬‬


‫و ُيم ّيز بين الحرة واألمة‪.‬‬
‫ألن األَ َم َة يف األصل إنسانة مجرمة اشرتكت يف جيش العدو تريد قتل‬
‫َّ‬
‫المسلمين‪ ،‬فهذا مصدر اإلماء الوحيد يف اإلسالم‪.‬‬
‫الكفار المسلمين(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫معركة ُيقاتل فيها‬ ‫حيث ال تؤخذ اإلماء إال من أرض‬
‫ُ‬
‫وبعد أن ُيؤخذن من أرض المعركة‪ ،‬فللحاكم المسلم ْ‬
‫أن َي ُر َّد ُه َّن لجيش‬
‫العدو بال مقابل‪ ،‬أو يردهن مقابل أسيرات مسلمات عند العدو‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ﴾ [محمد‪.]0 :‬‬
‫يمتن الحاكم على اإلماء بأن يردهن إلى جيش العدو‬
‫ُّ‬ ‫﴿ﮍ ﮎ ﮏ﴾‪ ،‬أي‪:‬‬
‫بدون مقابل‪.‬‬
‫﴿ﮐ ﮑ﴾‪ ،‬أي‪ :‬يردهن الحاكم المسلم مقابل األسيرات المسلمات‪.‬‬
‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ﴾‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫أن هذه األمور ال تكون إال يف أرض معركة‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن فالسبي واإلماء والعبودية هذه األمور تكون يف مقابل القتال‪.‬‬

‫)‪ (1‬إرشاد الفحول‪ 80 /2 :‬بتصرف‪.‬‬


‫)‪ (2‬فضاءات الحرية‪ ،‬د‪ .‬سلطان العميري‪.‬‬

‫‪623‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالسبي هو نتيجة جريمة قتال المسلمين‪.‬‬


‫فالم ْسب َّية أو األَمة أو مِ ْلك اليمين هي يف األصل إنسانة مجرمة‪ ،‬لكن لكوهنا‬
‫َ‬
‫ضعيفة فهي ال ُتقا َتل‪.‬‬
‫ففي أرض المعركة ال يجوز مباشرة قتال المرأة؛ ألهنا يف األصل ضعيفة‪،‬‬
‫أهال للقتال‪ ،‬فهنا يأيت السبي‪ ،‬فالسبي عقوبة يف مقابل القتال‪ ...‬لكنها‬
‫وليست ً‬
‫عقوبة مخ َّففة رحم ًة بطبيعة المرأة‪.‬‬
‫وبنا ًء على ذلك نفهم أنَّه من الطبيعي أن يكون هناك تمييز بين الحرة واألَمة‪.‬‬
‫فالحرة إنسانة مسالمة؛ سوا ًء كانت مسلمة أو غير مسلمة‪ ،‬أما األَ َمة ففي األصل‬
‫عظيما بحق أمة من الناس‪.‬‬
‫ً‬ ‫هي إنسانة اشرتكت يف قتال المسلمين‪ ،‬فهي ارتكبت ُجر ًما‬
‫ومع ذلك هي ال ُتقا َتل رأف ًة بضعفها الجبِ ِّلي‪.‬‬
‫فإذا أتى جيش من الكفار لمحاربة المسلمين‪ ،‬فإن رجال الجيش الكافر‬
‫ُيقا َتلون‪ ،‬أما نساء الكفار يف ساحة المعركة فإهنن ال يجوز أن ُيقتلن‪ ،‬مع أهنن‬
‫أتي َن يف ساحة المعركة‪ ،‬ويردن استئصال شأفة المسلمين‪ ،‬ومع ذلك ال يجوز يف‬
‫شريعة اإلسالم قتال ال المرأة‪ ،‬وال الصبي‪ ،‬وال الشيخ الكبير‪ ،‬وال أصحاب‬
‫الصوامع‪ ،‬وال العمال‪ ،‬ولو كانوا يف ساحة معركة مع الكافرين‪.‬‬
‫هال للقتال‪.‬‬
‫ألن هؤالء جمي ًعا ضعفا ُء‪ ،‬وليسوا أ ً‬
‫رجال يقول لخالد بن الوليد‪ :‬ال‬
‫قاتل‪ ،‬وبعث ً‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬ما كانت هذه ل ِ ُت َ‬
‫يق ُتل َّن امرأ ًة وال عسي ًفا"(‪.)1‬‬
‫العسيف‪ :‬العامل أو األجير‪.‬‬
‫فالمرأة ال ُتقا َتل‪ ،‬وهذا عليه إجماع المسلمين‪.‬‬

‫)‪ (1‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.510‬‬

‫‪624‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فقد أجمع المسلمون على حرمة قتل نِساء وصبيان الكفار المحاربين(‪.)1‬‬
‫لكن قد يقول ملحد‪ :‬استطاعت الدساتير العلمانية المعاصرة منع الرق‪.‬‬
‫أن هذا أفضل‪ ،‬وهذا من قِ َصر نظر الملحد‪.‬‬
‫ويعترب َّ‬
‫َّ‬
‫والرق تما ًما من كل الطرق قبل أن يمنعها الغرب‬ ‫فاإلسالم منع العبودية‬
‫بـ ‪ 1211‬عام‪.‬‬
‫فاإلسالم سبق الغرب يف تجريم العبودية‪ ،‬ومنعها بكل صورها‪.‬‬
‫ولم ُي ِبق اإلسالم إال على باب الرق من أرض المعركة‪.‬‬
‫وهنا قد يقول الملحد نفسه‪ :‬لكن الغرب أهنى باب الرق حتى من أرض المعركة‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬هذه صراح ًة ليست مز َّية‪ ،‬فالغرب ال ُيفرق بين رجل وامرأة يف‬
‫ساحة المعركة‪.‬‬
‫وهناك مبدأ معروف يف الغرب‪ :‬يف ساحة المعركة‪ ،‬اق ُت ْل كل شيء يتحرك‪.‬‬
‫‪Kill Anything That Moves‬‬
‫لكن اإلسالم ليس هذا منهجه أبدً ا‪.‬‬
‫فكل َمن كان يف ساحة المعركة من الكفار الحربيين‪ ،‬لكنَّه ليس من أهل مباشرة‬
‫القتال‪ ،‬فإنه ال ُيقا َتل‪ ،‬مع أنه يف ساحة المعركة لكن لكونه ضعي ًفا فال ُيقا َتل‪.‬‬
‫قال الكاساين يف بدائع الصنائع‪" :‬أما حال القتال فال ُّ‬
‫يحل فيها قتل امرأة‪،‬‬
‫وال صبي‪ ،‬وال شيخ ٍ‬
‫فان‪ ،‬وال ُمق َعد‪ ،‬وال يابس الشق‪ ،‬وال أعمى‪ ،‬وال مقطوع‬
‫والر ْجل من خالف‪ ،‬وال مقطوع اليد اليمنى‪ ،‬وال معتوه‪ ،‬وال راهب يف‬ ‫اليد ِّ‬
‫صومعة‪ ،‬وال سائح يف الجبال‪.)2("...‬‬

‫(‪ )1‬مراتب اإلجماع (ص‪ .)211‬شرح صحيح مسلم (‪ .)06/12‬الصارم المسلول (‪ .)235/2‬فتح‬
‫الباري (‪.)102/8‬‬
‫)‪ (2‬بدائع الصنائع‪ ،‬الكاساين‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.522‬‬

‫‪625‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فاإلسالم ال يقبل أن ُيقتل إنسان حتى ولو جاء لقتالنا طالما أنه ليست لديه‬
‫القدرة على مباشرة القتل‪.‬‬
‫وهنا يظهر السؤال التالي والمهم‪ :‬هل معنى هذا أن نظلم السبايا والعبيد بعد‬
‫أخذهم من أرض المعركة؟‬
‫ممتنع يف الشريعة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والجواب‪ :‬هذا‬
‫قال النبي ﷺ والحديث يف صحيح مسلم‪َ " :‬من َل َط َم َم ْم ُلو َك ُه َأ ْو َض َر َب ُه‪،‬‬
‫َف َك َّف َار ُت ُه َأ ْن ُي ْعتِ َق ُه"(‪.)1‬‬
‫فورا‪.‬‬
‫فضربة واحدة للملوك تساوي حريته ً‬
‫ويف الحديث المتفق على صحته عن السبايا قال ﷺ‪َ " :‬ج َع َل ُه ُم ُ‬
‫اهلل َت ْح َت‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مما َي ْأ ُك ُل‪ ،‬و ْل ُي ْلبِ ْس ُه َّ‬
‫مما َي ْل َب ُس‪َ ،‬و َال‬ ‫َان َأ ُخو ُه َت ْح َت َيده‪َ ،‬ف ْل ُي ْطع ْم ُه َّ‬
‫فم ْن ك َ‬ ‫أ ْيدي ُك ْم‪َ ،‬‬
‫وهم ما ي ْغلِبهم ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم"(‪.)2‬‬ ‫فأعينُ ُ‬ ‫وه ْم َما َي ْغل ُب ُه ْم‪َ ،‬فإِ ْن َك َّل ْف ُت ُم ُ ْ َ َ ُ ُ ْ‬
‫ُت َك ِّل ُف ُ‬
‫لكن قد يسأل سائل فيقول‪ :‬وإذا رفض إنسان أن َّ‬
‫يظل يف السبي فماذا يفعل؟‬
‫والجواب‪ :‬قد ُير َّد ُه ُم الحاكم بدون مقابل كما قلنا‪ ،‬وقد يرفض أن يردهم إلى‬
‫بالدهم وهذا ح ُّقه‪ ،‬ويف هذه الحالة الثانية يف حالة أنه رفض أن يردهم هنا‪ :‬من‬
‫الممكن بسهولة ْ‬
‫أن يحصل المملوك والمملوكة على حريتهم بـ‪" :‬المكاتبة"‪.‬‬
‫أحرارا‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬ ‫تتم مكاتبتهم بأن يدفعوا قس ًطا من المال‪ ،‬ويصبحون به‬
‫حيث ُّ‬
‫طبيعي يف حق َمن أتى ليقاتلك‪ ،‬فبعد أن ُيسبى يفدي نفسه بالمال ليصبح ُح ًّرا‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫لكن العجيب يف اإلسالم‪ ،‬ومن رحمة هذا الدين أنه يوصي بأن نعطي العبيد‬
‫أحرارا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭰﭱﭲﭳ ﭴ‬
‫ً‬ ‫من أموالنا بحيث يصبحون‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ﴾ [النور‪.]55 :‬‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1830:‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2303:‬‬

‫‪626‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫﴿ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾‪ :‬نؤتيهم من‬


‫المال‪ ،‬وهذا يف حق َمن أتى لقتالنا‪.‬‬
‫تخيل!‬
‫ِ‬
‫تزويجهم‪.‬‬ ‫يحض على‬ ‫بل واألعجب َّ‬
‫أن اإلسالم ُّ‬
‫نعم تزويجهم؛ ليعيشوا حياة مستق َّلة كريمة سو َّية نفس ًّيا‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النور‪.]52 :‬‬
‫فهذا نظام ٍ‬
‫مواز لنظام التبني‪.‬‬
‫تبني لمن؟‬
‫لمن اشرتكوا يف قتال المسلمين وحرهبم‪.‬‬
‫هل هذه الجمالية وهذه الرحمة يف اإلسالم يف معاملة من أتى لقتال‬
‫المسلمين توجد اليوم يف أي ميثاق عسكري على وجه األرض؟‬
‫اإلسالم ُيس ِّطر أروع نماذج الكرم والجمالية‪.‬‬
‫فيزوج العبيد‪ ،‬ويدفع لهم المال‪ ،‬ومن أوذي من العبيد يصبح ُح ًّرا‪.‬‬
‫لكن قد يسأل سائل‪ :‬أين هذه األمور على أرض الواقع يف تاريخ اإلسالم؟‬
‫والجواب‪َّ :‬‬
‫أن طارح مثل هذا السؤال ربما لم يقرأ يف التاريخ اإلسالمي جيدً ا‪.‬‬
‫كرموا فحسب‪ ،‬بل صاروا‬
‫زوجوا‪ ،‬ولم ُيدفع لهم المال‪ ،‬ولم ُي َ‬
‫فالعبيد لم ُي َّ‬
‫أمرا غري ًبا بحيث نتحدَّ ث عنه كما‬
‫ُحكا ًما يف بالد المسلمين‪ ،‬ولم يكن هذا ً‬
‫حصل يف أمريكا حين وصل رئيس أسود ‪-‬باراك أوباما‪ -‬للحكم فيها‪ ،‬بل لم‬
‫كثيرا وبصورة طبيعية‪.‬‬
‫هنتم باألمر لتكراره ً‬
‫َّ‬
‫ففي مصر وصل المماليك ‪-‬العبيد‪ -‬للحكم‪ ،‬وظلوا حكا ًما لمئات األعوام‪،‬‬
‫وكان فيهم رئيس الدولة‪ ،‬وقائد الجيش‪ ،‬والوزراء‪ ،‬وكبار القادة‪ ،‬كلهم كانوا من‬

‫‪627‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫المماليك‪ ،‬فهذا األمر كان على أرض الواقع منذ مائتي عا ٍم فقط‪.‬‬
‫وقد حكم المماليك مصر لستة قرون كاملة‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫أن نصف تاريخ مصر يف‬
‫اإلسالم حكمه مماليك‪.‬‬
‫وقد حكموا الكثير من بالد المسلمين كالشام والعراق والحجاز‪.‬‬
‫ففي اإلسالم حين تلقى العبيد هذا اإلكرام وأصبحوا أسوياء نفس ًّيا‪ ،‬ولم‬
‫يتحولوا لمرضى نفسيين كما يحصل مع ضحايا الحروب العلمانية يف هذا‬
‫العصر‪َ ،‬ت َّ‬
‫حول كثير منهم؛ نتيج ًة لهذا اإلكرام إلى اإلسالم‪ ،‬وصار بعضهم بعد‬
‫أئمة يف هذا الدين‪.‬‬
‫وقت حكا ًما‪ ،‬وصار بعضهم َّ‬
‫فابن سيرين كان مو ًلى‪ ،‬ومجاهد والحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير‬
‫كل هؤالء كانوا من العبيد‪.‬‬
‫ففي ظالل الشريعة اإلسالمية‪ ،‬صار العبيد أصحاء نفس ًّيا فظهر منهم األئمة‬
‫والرؤساء وقادة الجيوش‪.‬‬
‫فالمعاملة اإلسالمية الحكيمة يف موضوع العبيد أ َّدت لدخول كثيرين منهم‬
‫يف اإلسالم‪ ،‬بل وكانوا يفدون اإلسالم بأرواحهم‪ ،‬وهذا من ِحكم الرق يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬فالرق أتاح للرقيق أن ينظروا إلى عجائب رحمة وحكمة هذا الدين‪،‬‬
‫وينظروا منارات اإلسالم‪ ،‬وكان هذا أ ْدعى لدخولهم يف اإلسالم‪.‬‬
‫ون الجنَّ َة يف الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولذلك قال النبي ﷺ‪َ " :‬ع ِ‬
‫الس ِل"(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫اهلل من َق ْو ٍم َيدْ ُخ ُل َ َ‬
‫ب ُ‬ ‫ج َ‬
‫فقد وجدوا اإلسالم يحرتم إنسانيتهم‪ ،‬ويؤتيهم من المال ما ُيعينهم على‬
‫الحرية‪ ،‬بل ويزوجهم‪ ،‬وهم يف األصل يستحقون أشدَّ العقوبة‪ ،‬فعلموا أهنم أمام‬
‫دين مميز‪ ،‬ووحي فريد فأسلموا‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪.5111 ،‬‬

‫‪628‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فالرقيق يف األصل دخلوا بالد المسلمين بعد المعارك مق َّيدين يف السالسل‪،‬‬


‫لكن لما رأوا منارات هذا الدين أسلموا‪.‬‬
‫حض اإلسالم على تحرير العبيد‪ ،‬وجعل تحرير العبيد طري ًقا لدخول‬
‫وقد َّ‬
‫الجنة‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾ [البلد‪.]15 -11 :‬‬
‫فتجاوز عقبة مش َّقة اآلخرة‪ ،‬ودخول الجنة‪ ،‬يكون بفك الرقاب ‪ -‬تحرير العبيد‪.‬‬
‫فهذه هي شبهة العبودية والسبي وملك اليمين‪ ،‬وهي أشهر شبهة ُيثيرها دعاة‬
‫اإللحاد والعلمانية يف العصر الحديث ضد اإلسالم‪.‬‬

‫‪ -50‬لكن ماذا عن سبايا أوطاس؟ وهل أجاز اإلسالم وطء السبايا؟‬

‫جيشا؛‬ ‫ُ‬
‫مالك ب ُن عوف ً‬ ‫فقصة سبايا أوطاس كانت حين س َّير‬
‫ج‪ :‬يف البداية َّ‬
‫لمحاربة المسلمين وقتالهم يف عام ‪ 6‬هجرية‪ ،‬وجرت بسبب ذلك غزوة ُحنين‪.‬‬
‫تحصنت بعض فِ َرق جيش‬‫َّ‬ ‫وكان يف أعقاب هذه الغزوة سر َّي ُة أوطاس حين‬
‫ِ‬
‫سمى ْأوطاس‪ ،‬فجرت معركة أوطاس‪ ،‬وانتصر فيها‬ ‫مالك بن عوف بمنْطقة ُت َّ‬
‫المسلمون‪ ،‬و ُأسر من أرض المعركة ٌ‬
‫كثير من السبايا والغنائم‪.‬‬
‫فهذا ما كان من سرية أوطاس‪.‬‬
‫أما عن جواز وطء السبايا‪.‬‬
‫فما ُأبيح وط ُء السبايا إال بعد إسالمه َّن‪.‬‬
‫أسلم َن أو ُك َّن‬
‫ْ‬ ‫فاإلسالم يبيح وطء السبي بملك اليمين فقط يف حال أهنن‬
‫أهل كتاب‪.‬‬
‫المسبيات أو َت ُك َّن من أهل الكتاب فال يجوز وطئهن‪.‬‬
‫ولو لم تسلم ْ‬
‫فالمرأة المشركة باتفاق جماهير أهل العلم‪ ،‬وبإجماع األئمة األربعة‪ :‬مالك‬
‫وأحمد وأبي حنيفة والشافعي‪ ،‬ال يجوز وطؤها‪.‬‬

‫‪629‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر‬


‫قال ابن قدامة يف المغني‪َ " :‬من ُ‬
‫الكوافر سوى أهل الكتاب ال ُيباح وطء اإلماء منه َّن بملك اليمين"(‪.)1‬‬
‫وقال ابن عبد الرب‪" :‬على هذا جماع ُة فقهاء األمصار وجمهور العلماء وما‬
‫خالفه فشذوذ"(‪.)2‬‬
‫المسبية من عبدة األوثان وغيرهم من الكفار الذين ال كتاب لهم‬
‫وقال النووي‪ْ " :‬‬
‫محرمة"(‪.)3‬‬ ‫ال ُّ‬
‫يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم‪ ،‬فما دامت على دينها فهي َّ‬
‫مشكلة دعاة اإللحاد أهنم ُيصورون مسألة السبي وملك اليمين كأهنا شهوة‬
‫مجردة‪ ،‬فالمسلمون يسبون النساء للوطء هكذا يصورون المسألة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ولو كان األمر شهو ًة كما ُيصورون‪ ،‬ما َح ُر َم وطء المشركة‪.‬‬
‫وأغلب سبايا العرب ُك َّن من المشركات‪.‬‬
‫حر ُم اإلسالم وطء المشركات؟‬
‫فإذا كان األمر شهوة مجردة فلماذا ُي ِّ‬
‫بل األعجب أنَّه إذا قام أحد المسلمين باغتصاب مسبية؛ سوا ًء كانت مشركة‬
‫أو غير مشركة ُأقيم عليه حد الزنا(‪.)4‬‬
‫لكن كيف ُيبيح اإلسالم وطء المسبية الكتابية أو التي أسلمت؟‬
‫والجواب‪َّ :‬‬
‫أن المسبية لها صورة عقد نكاح‪ ،‬تختلف عن عقد نكاح الزوجة‪،‬‬
‫فالزوجة لها شرط االختيار فيمن يتقدَّ م لها‪ ،‬أما امرأة مقاتلة جاءت مع جيش‬
‫وتم س ْبيها فهذه ليس لها شرط اختيار من يتقدَّ م لها‪.‬‬
‫العدو َّ‬
‫وهنا يأيت سؤال‪ :‬كيف أباح اإلسالم وطء سبايا أوطاس‪ ،‬وقد ُك َّن وثنيات؟‬

‫(‪ )1‬المغني‪ ،‬م‪ 2‬ص ‪.150‬‬


‫)‪ (2‬المصدر السابق‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.312‬‬
‫)‪ (3‬شرح مسلم‪ ،‬م‪ 5‬ص ‪.852‬‬
‫(‪ )4‬األم للشافعي ‪.235‬‬

‫‪630‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والجواب‪ :‬ما ُأبيح وطئهن إال بعد إسالمهن‪.‬‬


‫ففي البخاري َّ‬
‫أن وفد هوازن أسلموا ‪-‬هوازن هم أهل أوطاس‪ -‬فقد‬
‫أسلموا‪ ،‬ويف مرحلة تالية ر َّد إليهم النبي صلى هلل عليه وسلم السبايا‪ ،‬فقد عاد‬
‫سبي أوطاس إلى أهاليه َّن(‪.)1‬‬
‫اعلم أن مذهب الشافعي و َمن قال بقوله من‬
‫قال اإلمام النووي ‪ْ " :‬‬
‫المسب َّية من عبدة األوثان وغيرهم من الكفار الذين ال كتاب لهم ال‬
‫العلماء‪ ،‬أن ْ‬
‫محرمة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم‪ ،‬فما دامت على دينها فهي‬
‫كن من مشركي العرب عبدة األوثان‪ ،‬فيؤول‬
‫وهؤالء المسبيات ‪-‬سبي أوطاس‪َّ -‬‬
‫أسلم َن‪ ،‬وهذا التأويل ال بد منه"(‪.)2‬‬
‫ْ‬ ‫وشبهه على أهنن‬
‫ُ‬ ‫هذا الحديث‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬لو َّ‬
‫أن امرأ ًة رفضت الوطء والسبي يف المجمل‪ ،‬فماذا تفعل؟‬
‫والجواب‪ :‬هذه كما قلنا ُتكا َتب‪ ،‬والمكاتبة بأن تدفع قس ًطا زهيدً ا من المال‪،‬‬
‫أتت لتقاتِلك أهنا بعد السبي ُتفدي‬
‫طبيعي يف حق َمن ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫مقابل تحرير نفسها‪ ،‬وهذا‬
‫حرة‪ ،‬ومع دفع أول قسط ال يجوز للرجل أن‬ ‫نفسها بالمال لو أرادت أن تصير َّ‬
‫يقرتب منها‪.‬‬
‫وقد يرد سؤال هنا‪ :‬و َمن ترت َّدد يف أن تفدي نفسها؟‬
‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫والجواب‪ :‬منظومة التشريع اإلسالمي الشاملة والحكيمة و َّفرت‬
‫يرى فيه العبيد أهنم أكثر حري ًة مما كانوا عليه يف بالدهم‪.‬‬
‫مستقال كالزوجة كما قال األحناف‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫فالمسبية يجب على الرجل أن يوفر لها بيتًا‬
‫وأال يؤذيها‪.‬‬ ‫ويجب على الرجل أن ُينفق عليها‪ ،‬وأن ُيطعمها مما يأكل‪َّ ،‬‬
‫تحت َي ِد ِه‪ ،‬ف ْل ُي ْط ِعم ُه‬ ‫تحت أيدي ُكم‪ْ ،‬‬
‫فمن كان أخو ُه َ‬ ‫اهلل َ‬
‫جعلهم ُ‬
‫ُ‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0516 :‬‬


‫)‪ (2‬شرح مسلم‪ ،‬النووي‪ ،‬م‪ 11‬ص‪.58‬‬

‫‪636‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فإن َك َّل ْف ُتموهم ما َي ْغلِ ُبهم‬


‫يأكل‪ ،‬و ْل ُيلبِس ُه مما َيل َب ُس‪ ،‬وال ُت َك ِّلفوهم ما َي ْغلِ ُب ُهم‪ْ ،‬‬
‫مما ُ‬
‫فأعينوهم"(‪.)1‬‬
‫حرا‪ ،‬قال النبي ﷺ والحديث يف صحيح مسلم‪:‬‬ ‫ومن لطم مملوكه يصير ًّ‬
‫" َم ْن َل َط َم َم ْم ُلو َك ُه‪َ ،‬أ ْو َض َر َب ُه‪َ ،‬ف َك َّف َار ُت ُه َأ ْن ُي ْعتِ َق ُه"(‪.)2‬‬
‫وحتى التسمية بالعبد واألمة غير ُمستساغة‪ ،‬فقد قال النبي ﷺ‪َ " :‬و َال َي ُق ْل‬
‫غالمِي‪)3(".‬‬
‫َاي‪َ ،‬و َفتَاتِي‪َ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َحدُ ُك ْم‪َ :‬ع ْبدي‪َ ،‬أ َمتي‪َ ،‬و ْل َي ُق ْل‪َ :‬فت َ‬
‫فاألمر أشبه بالتبني‪.‬‬
‫ِ‬
‫مرتين‪.‬‬ ‫و َمن أسلم منهم‪ ،‬فله أجره‬
‫ولذلك تمنَّى أبو هريرة ‪ ‬أن يموت مملوكًا‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪،‬‬
‫بيد ِه!‬
‫أجران‪ .‬والذي نفس أبي هرير َة ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫الم ْصلِحِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال النبي ﷺ‪" :‬للعبد المملوك ُ‬
‫ٌ‬
‫مملوك"(‪.)4‬‬ ‫أموت وأنا‬
‫َ‬ ‫ألحببت أن‬
‫ُ‬ ‫والحج‪ ،‬وبِ ُّر ُأ ِّمي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لوال الجها ُد يف سبي ِل اهللِ‪،‬‬
‫كفيل بإزالة ُشبهة السبي والعبودية تما ًما‪.‬‬ ‫وهذا الحديث وحده ٌ‬
‫لقد كان المسلمون يتعاملون مع العبيد الذين أسلموا على أهنم أسيا ٌد‪ ،‬قال‬
‫عمر بن الخطاب ‪ :‬أبو بكر سيدُ نا‪ ،‬وأعتق سيدَ نا ‪-‬يعني ً‬
‫بالال‪.)5("-‬‬
‫مشكلة الملحد أنه يتعامل مع شبهة العبودية يف اإلسالم بالمنظور الغربي‬
‫نفسه للعبودية يف العصور الوسطى يف أوروبا وشتَّان بين الصورتين‪.‬‬
‫فالعبودية يف اإلسالم أشبه بالتبني‪.‬‬
‫والمشكلة األكرب أنَّنا نشرح هذه التفاصيل لملحد‪.‬‬
‫)‪ (1‬سبق تخريجه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2303:‬‬
‫)‪ (2‬سبق تخريجه‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1830:‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2332:‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2306:‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1883:‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5230 :‬‬

‫‪632‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والملحد يف األساس يرى َّ‬


‫أن اإلنسان مجرد َو َسخ كيميائي‪.‬‬
‫فاإلنسان من وجهة نظر إلحادية مجرد ُحثالة كيميائية ‪ Chemical Scum‬كما‬
‫يقول الملحد ستيفن هاوكنج(‪.)1‬‬

‫ٍ‬
‫شواء‪ ،‬وهذا ما حصل‬ ‫ولذلك فإلحاد ًّيا ال فرق بين إحراق البشر وبين حفلة‬
‫وشوتس ‪ Auschwitz‬حين قامت النازية بحرق األعراق‬ ‫يف غرف الغاز يف َأ ِ‬
‫البشرية األدنى يف محرقة َأ ِ‬
‫وشوتس‪.‬‬

‫‪)1( From an interview with Ken Campbell on Reality on the Rocks: Beyond Our Ken, 1441.‬‬

‫‪633‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالملحد الذي ال يستطيع أن ُيقدِّ م حجة واحدة على كرامة اإلنسان من‬
‫وجهة نظر إلحادية‪ ،‬وال يستطيع أن يربهن على خطأ محرقة َأ ِ‬
‫وشوتس‪ ،‬مثل هذا‬
‫هل ُيجاب يف مسألة فيها من الحكمة والرحمة والجمالية ما فيها كمسألة السبي‬
‫يف اإلسالم؟‬
‫فالملحد لو كان يقرر معنى اإللحاد فلن يجد مان ًعا إلحاد ًّيا واحدً ا من إبادة‬
‫الجنس البشري بأكمله‪ ،‬وسيكون التطبيق العملي إللحاده هو أفران شواء البشر‪.‬‬
‫قبل سنوات قليلة ويف ظل اإللحاد يف أوروبا ظهر معسكر أكشن يت فور‬
‫‪ ،Aktion T4‬والذي تم فيه تطبيق االنتخاب الطبيعي على البشر عمل ًّيا‪.‬‬
‫ففي هذا المعسكر ُأبيد أصحاب األمراض المستعصية‪ ،‬واإلعاقات والضعفاء‪،‬‬
‫‪Survival of the‬‬ ‫لقد ُأبيدوا بسبب مفهوم االنتخاب الطبيعي والبقاء لألصلح‬
‫تتم إبادهتم؛ لتحسين نسل األجيال القادمة‪ ،‬جرى‬
‫‪ ،Fittest‬فالضعفاء ال بد أن َّ‬

‫‪634‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫هذا األمر منذ سنوات قليلة فقط يف أوروبا‪.‬‬


‫وبرر لهم أن يقتلوا أكثر من ربع مليون إنسان داخل‬
‫هكذا أباح لهم إلحادهم َّ‬
‫هذا المعسكر؛ ألهنم عرق أدنى‪ ،‬وخطر على االنتخاب الطبيعي‪.‬‬

‫‪635‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُيم ِّثل معسكر أكشن يت فور لحظة نموذجية يف تطبيق اإللحاد على أرض‬
‫الح َكم فساعتها سيتق َّبل البشر أ َّية إبادة شمولية‪،‬‬
‫الواقع‪ ،‬فإذا كان اإللحاد هو َ‬
‫ولن يكون لإلنسان معنًى وال قيمة‪ ،‬وسنفتقد أل َّية نقطة مرجعية لألخالق‪.‬‬
‫فحين يكون اإللحاد هو المقدمة‪ ،‬فإن النتيجة هي‪ :‬محرقة النازي‪،‬‬
‫ومعسكرات شواء البشر‪ ،‬ومعسكرات أكشن يت فور‪.‬‬
‫فاإلنسان إلحاد ًّيا ال مانع من قتله باعتباره ِعر ًقا أدنى‪.‬‬
‫أيضا إلحاد ًّيا من إدخاله أقفاص حيوانات‪.‬‬ ‫وال مانع ً‬
‫وإدخال البشر أقفاص الحيوانات باعتبارهم أعرا ًقا أدنى هذه حقيقة تاريخية‪.‬‬

‫فقد ُأنشئت حدائق حيوان البشر يف قلب عواصم أوروبا‪ ،‬وظلت مفتوح ًة‬
‫حتى سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬ولم تغلق َّإال بسبب بقايا النبوات يف الغرب‪.‬‬

‫‪636‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أيضا ُأدينت النازية‪ ،‬و ُأدين معسكر أكشن يت فور‪،‬‬


‫وبسبب بقايا النبوات ً‬
‫و ُأدينت محرقة أوشوتس‪.‬‬
‫لو كان اإللحاد والنظرة الطبيعية هي المسيطرة على العالم‪ ،‬فواهلل ساعات‬
‫وسيتحول هذا العالم إلى غابة من المجانين والهمج‪.‬‬
‫َّ‬
‫فاإللحاد يحفر قربًا يكفي لدفن العالم‪ ،‬ولن تستطيع من خالل اإللحاد أن‬
‫تنتقد أ َّية جريمة ولو بكلمة‪ ،‬فلو أبعدت الفطرة والنبوات جان ًبا سيصبح اإلنسان‬
‫والحشرة شي ًئا واحدً ا كما يقول الملحد سارتر(‪.)1‬‬
‫فاإليمان باهلل ليس تر ًفا فكر ًّيا‪ ،‬بل هو ضرورة فطرية‪ ،‬وضرورة وجدانية‪،‬‬
‫وضرورة إنسانية‪.‬‬
‫افتقارا ذات ًّيا ضرور ًّيا إلى اهلل!‬
‫ً‬ ‫افتقارا ذات ًّيا إلى الدين‪ ...‬مفتقر‬
‫ً‬ ‫مفتقر‬
‫ٌ‬ ‫فاإلنسان‬
‫ولن يعرف اإلنسان معنى إنسانيته وال كرامته إال بالدين والوحي واإليمان‬
‫باهلل ‪.‬‬

‫‪)1( Jean Paul Sartre, Nausea (novel).‬‬

‫‪637‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تصور‪.‬‬
‫فانتقاد الملحد لشبهة السبي‪ ،‬هذا ال يستقيم وال ُي َّ‬

‫‪ -56‬وماذا عن احلدود ‪-‬حد الرسقة كمثال‪-‬؟‬

‫ج‪ :‬القضية يف حد السرقة ليست لمجرد السرقة‪ ،‬بل لما يقرتن هبا‪.‬‬
‫ففي الحديث الصحيح قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬ال ُيقطع الخائن‪ ،‬وال المنتهب‪،‬‬
‫وال المختلس"(‪.)1‬‬
‫فحدُّ السرقة ليس لمجرد أخذ المال‪ ،‬وإنما لما يرت َّتب على السرقة من جناية‬
‫قد ُت ّ‬
‫عرض للقتل وارتكاب أكرب الجرائم‪.‬‬
‫فلو انتهب إنسان شي ًئا مما يف يده كالحارس والخازن فال قطع عليه‪.‬‬
‫ثمرا من شجر فال قطع عليه‪" :‬ال قطع يف َث َم ٍر وال َك َث ٍر"(‪.)2‬‬
‫ولو سرق إنسان ً‬
‫بسند مرس ٍل صحيح‪" :‬ال قطع يف ثمر ُمع َّل ٍق‪ ،‬وال يف‬ ‫ٍ‬ ‫ويف مو َّطأ اإلمام مالك‬
‫حريسة جب ٍل"(‪.)3‬‬
‫وحريسة الجبل هي‪ :‬الماشية التي تحرس يف الجبل‪.‬‬
‫ويف السنن الكربى للبيهقي‪ ،‬قال علي بن أبي طالب ‪" :‬ليس على َمن‬
‫قطع"(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫سرق من بيت المال ٌ‬
‫فليست القضية لمجرد السرقة وإال ل ُقطعت يد الذي ينتهب‪ ،‬والذي يختلس‬
‫والذي يخون‪.‬‬
‫لكن لما كان غالب حال هؤالء الثالثة أهنم يقومون بجريمتهم دون تعريض‬

‫)‪ (1‬سنن ابن ماجه ‪ ،680-2‬حكم األلباين‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫)‪ (2‬سنن الرتمذي ‪ ،32-0‬بسند صحيح‪.‬‬
‫)‪ (3‬صححه األلباين يف إرواء الغليل ‪.21-6‬‬
‫)‪ (4‬قال األلباين يف إرواء الغليل ‪ 22-6‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫‪638‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أرواح اآلمنين للخطر‪ ،‬لم تقرتن بحدٍّ واهلل أعلم‪.‬‬


‫ولما كانت سرقة الثمر‪ ،‬وحريسة الجبل مع ارتفاع ثمنها بعيد ًة عن تعريض‬
‫َّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫اآلمنين لخطر السارق لم ُيقم الحد ً‬
‫وعن ابن أبي ليلى يف رج ٍل سرق من الكعبة قال‪" :‬ليس عليه قطع"(‪.)1‬‬
‫فحدُّ السرقة نراه يف جريمة السرقة التي تقرتن بنوع ترويع وتعريض حياة‬
‫وأعراض اآلمنين للخطر‪ ،‬أما السرقات التي ليس فيها ذلك كسرقات الخائن‬
‫والمنتهب والمختلس وإن ع ُظمت فليس فيها ٌ‬
‫قطع‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫‪ -52‬ولو رسق إنسان وأىت م ِق ًّرا جبريمته فهل تقطع يده؟‬

‫ج‪ :‬القاضي يطرده!‬


‫بل و ُيل ِّقنه أن ينكر قيامه بالسرقة؛ لئال ُتقطع يده‪.‬‬
‫رسول اهللِ‬
‫ُ‬ ‫ُأتِ‬
‫بلص قد اعرتف اعرتا ًفا‪ ،‬ولم يوجدْ معه ٌ‬
‫متاع‪ ،‬فقال‬ ‫النبي ﷺ ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬‫َ‬
‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫(‬ ‫مر َت ِ‬
‫ين أو ثال ًثا" ‪.‬‬ ‫سرقت‪ .‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬فأعاد عليه َّ‬
‫َ‬ ‫ﷺ‪ :‬ما إخا ُل َك‬
‫رجال أتى عل ًّيا ‪ ‬وقال له‪ :‬إين‬ ‫بسند صحيحٍ أن‪ً " :‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأخرج البيهقي‬
‫سرقت‪ ،‬فطرده"(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أسرقت؟ قولي‪ :‬ال"(‪.)4‬‬ ‫ٍ‬
‫المرأة قد سرقت‪" :‬سالم ُة‪،‬‬ ‫وقال أبو الدرداء‬
‫أسرقت؟ قل‪ :‬ال‪.‬‬
‫َ‬ ‫وعن عطاء يقول‪" :‬كان َمن مضى ُيؤتى بالسارق فيقول‪:‬‬
‫(‪ )1‬مصنف ابن أبي شيبة ‪.22111‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود ‪ 150-0‬والحديث فيه مقال‪ ،‬لكن له شواهد‪.‬‬
‫)‪ (3‬صححه األلباين يف اإلرواء ‪.62-6‬‬
‫)‪ (4‬إرواء الغليل ٍ‬
‫بسند جيد ‪.22-6‬‬

‫‪639‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫سمى أبا ٍ‬
‫بكر وعمر"(‪.)1‬‬ ‫وال أعلم إال َّ‬
‫وقد صنَّف ابن أبي شيبة يف ُمصنَّفه با ًبا‪ :‬يف الرجل ُيؤتى به فيقال له‪:‬‬
‫أسرقت؟ قل‪ :‬ال‪.‬‬
‫َ‬
‫مسعود قال‪ُ :‬أتِ َي برج ٍل سرق‪ .‬فقال‪ :‬أسرقت؟ قل‪ :‬وجد ُت ُه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وعن أبي‬
‫وجد ُت ُه‪ ،‬فخ َّلى سبيله(‪.)2‬‬
‫أسرقت؟‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ أمي ٌر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بسارق وهو‬ ‫وعن أبي متوكل‪ ،‬أن أبا هريرة ُأتِ َي‬
‫أسرقت؟ قل‪ :‬ال‪ ،‬قل‪ :‬ال‪ ،‬مرتين أو ثال ًثا(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫شهدت الحس َن بن‬‫ُ‬ ‫سمعت سبي ًعا أبا ٍ‬
‫سالم يقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الهذيل‪ ،‬قال‪:‬‬‫غالب أبي ُ‬‫ٍ‬ ‫وعن‬
‫ٍ‬
‫اختلست؛ لكي يقول‪ :‬ال"(‪.)4‬‬‫َ‬ ‫بسرقة‪ ،‬فقال له الحسن‪" :‬لعلك‬ ‫علي‪ ،‬و ُأيت برج ٍل َّ‬
‫أقر‬
‫خالد‪ ،‬قال‪ُ :‬أتِ َي عمر بسارق قد اعرتف‪ ،‬فقال عمر‪" :‬إين‬ ‫ٍ‬ ‫وعن عكرمة بن‬
‫بسارق‪ ،‬فأرسله‬‫ٍ‬ ‫سارق"‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬واهلل ما أنا‬ ‫ٍ‬ ‫ألرى يدَ الرج ِل ما هي ِ‬
‫بيد‬
‫عمر ولم يقطعه(‪.)5‬‬
‫فالقاضي يطرد المعرتف‪ ،‬بل و ُيلقنه ليقول‪ :‬ال‪.‬‬
‫فإذا أتى المذنب معرت ًفا‪ ،‬فقد َّ‬
‫تم المقصود‪ ،‬فالغاية تطهير المجتمع‪ ،‬ال‬
‫مجرد قطع اليد‪.‬‬

‫‪ -53‬وماذا عن حد الزنا؟‬

‫ج‪ :‬حدُّ الزنا يكون بشهادة أربعة شهود‪.‬‬


‫)‪ (1‬قال األلباين يف اإلرواء إسناده صحيح إلى عطاء ‪.22-6‬‬
‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬ح‪.26323 :‬‬
‫)‪ (3‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬ح‪.26328 :‬‬
‫)‪ (4‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬ح‪.26326 :‬‬
‫(‪ )5‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬ح‪.26322:‬‬

‫‪640‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫بالمحال أن يشهد أربع ُة شهود على واقعة كهذه‪.‬‬


‫وهذا أشبه ُ‬
‫زجر الناس عن هذه الفاحشة‪.‬‬
‫فالغاية من الحد يف األصل ُ‬
‫ويف الواقع فهذه الفاحشة فاحش ُة الزنا تؤدي إلبادة بشرية مرعبة‪.‬‬
‫يتم إجهاض ماليين األطفال غير المرغوب فيهم(‪.)1‬‬
‫فسنو ًّيا ُّ‬
‫وهذا من باليا الزنا وتبعاته!‬
‫وهذه األجنَّة ال تملك منظمات حقوقية‪ ،‬وال أبوا ًقا إعالمية‪َّ ،‬‬
‫فتم الرتاضي‬
‫ورضا مجتمعي يف الغرب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صمت تا ٍّم ً‬ ‫على إزهاق وقتل الماليين منهم يف‬
‫نتعجب ممن ينزعج من الحدود‪ ،‬وال ينزعج من تبعات الفاحشة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فنحن‬
‫والتي تمثل جرائم ضد اإلنسانية ُترتكب كل يومٍ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -54‬لكن نلفرتض أن شخصا مزتوجا زنا ثم تاب إىل اهلل فهل يطبق عليه احلد؟‬

‫ج‪ :‬األصل هو حماية المجتمع‪ ،‬وليس إزهاق األنفس‪.‬‬


‫يتشوق ويسعى إلى تنفيذ الحدود‪ ،‬بل يبحث لها عن كل مخرج‪.‬‬
‫فاإلسالم ال َّ‬
‫فالهدف إصالح المجتمع ال برته‪.‬‬
‫بالمحال‪ ،‬و َمن‬
‫لذلك كان تطبيق الحد يستلزم أربعة شهود‪ ،‬وهذا أشبه ُ‬
‫ارتكب الفاحشة وتاب ف ْليسترتْ‪ ،‬وال يذهب إلى القاضي ولو ذهب إلى القاضي‬
‫معرت ًفا فإن القاضي ير ُّده ويطرده‪.‬‬
‫ألم‬
‫فم ْن َّ‬
‫قال النبي ﷺ‪" :‬اجتبوا هذه القاذورات التي هنى اهلل تعالى عنها‪َ ،‬‬
‫ب إلى اهلل و ْليستتِ ْر بسرت اهلل تعالى"(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫بشيء منها ف ْل َي ُت ْ‬
‫(‪ )1‬هذا موقع يعرض أعداد األجنة التي تم إجهاضها عمدً ا‪:‬‬
‫‪https://www.worldometers.info/abortions/‬‬
‫وقد قتل طب ًقا للموقع يف هذا العام ‪ 2121‬ما يزيد على ‪ 01‬مليون جنين‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.102:‬‬

‫‪646‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ماعزا حين جاء معرت ًفا بالزنا ثالث مرات‪ ،‬ففي كل مرة كان‬
‫والنبي ﷺ طرد ً‬
‫يطرده وير ُّد ُه إلى رحله‪.‬‬
‫وقال ﷺ للغامدية التي جاءت معرتف ًة بالزنا‪ ،‬والحديث يف صحيح مسلم‪:‬‬
‫ِ‬
‫فاستغفري اهلل وتوبي إليه"(‪.)1‬‬ ‫" ْارجعي‬
‫فالذي يتوب إلى اهلل فقد ُكفي المجتمع َّ‬
‫شر ُه‪ ،‬ومثل هذا لو جاء للقاضي‬
‫طل ًبا؛ إلقامة الحد‪ ،‬فالقاضي يعرض عنه ويطرده‪.‬‬
‫قال عمر بن الخطاب ‪" :‬اطردوا المعرتفين"(‪.)2‬‬
‫ويف سنن أبي داود أنه ﷺ بعد أن ر َّد المرأة الغامدية عادت فقال لها‪:‬‬
‫رددت ماعز‬
‫َ‬ ‫ارجعي‪ .‬فرجعت‪ ،‬فلما كان الغد أتته‪ ،‬فقالت‪ :‬لعلك أن تر َّدين كما‬
‫فرجعت‪ ،‬فلما كان الغد أتته‪ ،‬فقال‬
‫ْ‬ ‫لحبلى‪ .‬فقال لها‪ :‬ارجعي‬
‫بن مالك! فواهلل إين ُ‬
‫ولدت أت ْت ُه بالصبي‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا قد‬
‫ْ‬ ‫فرجعت‪ ،‬فلما‬
‫ْ‬ ‫لها‪ :‬ارجعي حتى تلدي‪.‬‬
‫ولد ُت ُه‪ ،‬فقال لها‪ :‬ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه‪.)3(..‬‬
‫ولو لم ترجع الغامدية إلى رسول اهلل ﷺ ما طلبها‪.‬‬
‫عن عبد اهلل بن ُبريدة عن أبيه‪ :‬كنَّا أصحاب رسول اهلل ﷺ نتحدَّ ث أن‪:‬‬
‫ِ‬
‫اعرتافهما أو قال‪ :‬لو لم يرجعا بعد اعرتافهما‬ ‫الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد‬
‫لم يطلبهما(‪.)4‬‬
‫فالغاية تطهير المجتمع ال برته‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1823 :‬‬


‫)‪ (2‬السلسلة الصحيحة لأللباين ‪.512-3‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود ‪ ،0002‬حديث صالح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ضعفه األلباين يف سلسلة األحاديث ‪ ،225-8‬ويشهد له الحديث يف مسند أحمد ‪.22-56‬‬

‫‪642‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ََ‬ ‫ُ‬
‫‪ -55‬هل فرض احلجاب للتميزي بني احلرة واألمة؟‬

‫ج‪ :‬ع َّلة َفرض الحجاب‪ ،‬وسبب فرض الحجاب يف الشريعة هو‪َّ :‬‬
‫أن المرأة‬
‫ُأنثى وبالغة‪ ،‬أما التمييز بين الحرة واألَمة فهو ِحكمة من ِحكم فرض الحجاب‪،‬‬
‫وليس ِع َّل َة فرض الحجاب‪.‬‬
‫والسنة وإجماع األمة‪ ،‬ولم َّ‬
‫يشذ عالم واحد يف‬ ‫والحجاب فريضة بالقرآن ُّ‬
‫هذه المسألة عرب تاريخ األُمة‪.‬‬
‫لكن قد يسأل سائل عن طبيعة حجاب األَمة‪ ،‬وطبيعة حجاب الحرة؟‬
‫نص واحد يف الشرع‪ ،‬ال يف آية‪ ،‬وال حديث واحد‪،‬‬‫والجواب أنه‪ :‬ال يوجد ٌّ‬
‫بالتفريق بين حجاب الحرة وحجاب األَمة‪.‬‬
‫نصا واحدً ا يف ذلك‪.‬‬
‫لن تجد ًّ‬
‫الحرة‬
‫تنتقب‪ ،‬وهذا حكم َّ‬
‫ُ‬ ‫بل قال أحمد بن حنبل يف األَمة‪ :‬إذا كانت جميلة‬
‫ال فرق(‪.)1‬‬
‫دليل على التفريق بين األَ َمة وبين ُ‬
‫الح َّرة‪ ،‬كما يقول شيخ اإلسالم ابن‬ ‫فال َ‬
‫تيمية ‪.)2(‬‬
‫لكن لماذا كان عمر بن الخطاب ‪ ‬يأ ُم ُر اإلماء بكشف الرأس؟‬
‫أمرهن بكشف الوجه‪ ،‬وهذه هي‬
‫َّ‬ ‫والجواب‪َّ :‬أن عمر بن الخطاب ‪‬‬
‫الروايات الصحيحة‪ ،‬فأمر عمر يف الروايات الصحيحة مقصوده كشف الوجه ال‬
‫الرأس(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬المغني‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.115‬‬


‫)‪ (2‬الشرح الممتع‪ ،‬م ‪ 2‬ص‪.136-132‬‬
‫)‪ (3‬أدلة الحجاب‪ ،‬محمد بن إسماعيل المقدم‪ ،‬ص‪ 216 :‬يف الهامش‪.‬‬

‫‪643‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يأمره َّن بكشف الوجه؟‬


‫ُ‬ ‫لكن لماذا كان‬
‫وقبل أن نجيب عن هذا السؤال‪ ،‬فال بد أن نعلم أن هذا ال يجيز النظر إليه َّن‪،‬‬
‫فال يجوز النظر إلى األَمة‪.‬‬
‫قال ابن المنذر ‪ :‬فإن كانت جميل ًة ُ‬
‫حرم النظر إليها(‪.)1‬‬
‫أما أمر عمر بن الخطاب بكشف الوجه وقوله‪َ " :‬ال ُت َش ِّب ُهوا ْ ِ‬
‫اإل َما َء‬
‫َات"؛ ألن األَمة كما قلنا هي يف األصل إنسانة مجرمة‪ ،‬اشرتكت يف‬ ‫بِا ْلمحصن ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫جيش العدو تريد قتل المسلمين‪ ،‬فكيف يتشبه َّن بالحرائر من المسلمات؟‬
‫أيضا هناك ع َّلة أخرى من أمر عمر ‪ ‬لهن بكشف الوجه‪ ،‬وهي أن‪ُ :‬يم َّي ْز َن‬ ‫ً‬
‫منتقبات‪ ،‬فقد ُينسب ألهل‬ ‫ٍ‬ ‫عن أهل البيت من المسلمات؛ إذ لو ك َّن جمي ًعا‬
‫البيت ما تفعله هذه األَمة‪ ،‬والتي هي يف األصل رقيقة الدين‪.‬‬
‫ًّ‬
‫‪ -56‬هل اكن انليب حممد ﷺ غنيا؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‪ :‬قال النبي ﷺ‪" :‬يا َأ ُّيها‬
‫الناس! إنَّه ال َيح ُّل لي م َّما أفاء ُ‬
‫اهلل عليكم َقدْ َر‬ ‫ُ‬
‫والخ ُم ُس مردو ٌد عليكم"(‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫هذه‪ ،‬إال ُ‬
‫الخ ُم َس‪،‬‬
‫فالخ ُمس الذي كان يأخذه النبي ﷺ مردو ٌد على األُمة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ولذلك مات ﷺ ودرعه مرهون ٌة عند يهودي بثالثين صا ًعا من شعير(‪.)3‬‬
‫قال عمرو بن الحارث‪ ،‬أخو جويرية بنت الحارث ُأ ِّم المؤمنين ‪" :‬ما‬
‫درهما‪ ،‬وال عبدً ا‪ ،‬وال أمةً‪ ،‬وال شي ًئا إال‬
‫ً‬ ‫دينارا‪ ،‬وال‬
‫ترك رسول اهلل ﷺ عند موته ً‬
‫وأرضا جعلها صدق ًة"(‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫وسالحه‪،‬‬
‫َ‬ ‫بغل َت ُه البيضاء التي كان يركبها‪،‬‬
‫)‪ (1‬منار السبيل‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.156‬‬
‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.2622:‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2218 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2252:‬‬

‫‪644‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والحياة المالية للنبي ﷺ كان ُيديرها بالل بن رباح ‪ ،‬ودعونا نقرأ هذا‬
‫الحديث لنفهم طبيعة الحياة المالية للنبي ﷺ وكيف كان يدير المال‪ ،‬قال عبد اهلل‬
‫بالال ُمؤ ِّذ َن‬
‫لقيت ً‬‫البيهقي والطرباينُّ‪ُ " :‬‬ ‫أخرجه‬ ‫الذي‬ ‫الصحيح‬ ‫الحديث‬ ‫يف‬ ‫ي‬ ‫ا ْلهو َزنِ‬
‫ُّ‬ ‫َ ْ ُّ‬
‫رسول اهللِ ﷺ؟‬ ‫ِ‬ ‫كيف كانت نفق ُة‬ ‫بالل‪ ،‬حدِّ ثني َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا ُ‬ ‫ُ‬ ‫بحلب‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫ِ‬
‫اهلل إلى أن ُت ُو ِّفي‪َ ،‬و َ‬
‫كان‬ ‫كنت َأنا ا َّلذي َألِي ذل ِ َك من ُه ُ‬
‫منذ بع َث ُه ُ‬ ‫كان َل ُه شي ٌء‪ُ ،‬‬
‫قال‪ :‬ما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فأستقر ُض فأشرتي َل ُه الربدةَ؛‬ ‫فأنطلق‬
‫ُ‬ ‫يأمرين‬
‫سلما فرآ ُه عار ًيا‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ُم ً‬ ‫إذا أتا ُه‬
‫إن عندي‬ ‫بالل‪َّ ،‬‬ ‫فقال‪ :‬يا ُ‬ ‫المشركي َن‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫رجل م َن‬‫وأطعم ُه حتَّى اعتَر َضني ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ف َأكْسو ُه‬
‫ثم‬ ‫ذات يو ٍم َّ‬ ‫فلما أن َ‬ ‫تستقر ْض من ٍ‬
‫أحد َّإال منِّي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أت‪َّ ،‬‬‫توض ُ‬ ‫كان َ‬ ‫ففعلت َّ‬‫ُ‬ ‫َسعةً‪ ،‬فال‬
‫فلما أن رآين‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عصابة م َن الت َُّّج ِ‬ ‫المشر ُك قد أق َب َل يف‬ ‫ِ‬ ‫مت؛ ِألُؤ ِّذ َن بالص ِ‬ ‫ُق ُ‬
‫ار‪َّ ،‬‬ ‫الة‪ ،‬فإذا‬ ‫َّ‬
‫وقال لي‪ :‬أتدْ ري كم‬ ‫قوال غلي ًظا‪َ ،‬‬ ‫وقال لي ً‬ ‫فتج َّه َمني‪َ ،‬‬ ‫لت‪ :‬يا ل َّبا ُه َ‬ ‫حبشي‪ ،‬ق ُ‬ ‫قال‪ :‬يا‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫فآخذ َك با َّلذي‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬إنَّما بين ََك وبينَ ُه ٌ‬
‫أربع‪،‬‬ ‫قريب‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫لت‪:‬‬‫قال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫هر؟ َ‬ ‫الش ِ‬ ‫وبين َّ‬‫َ‬ ‫بين ََك‬
‫ِ‬
‫أنفس‬ ‫يأخذ يف‬ ‫ُ‬ ‫فأخذ يف نَفسي ما‬ ‫َ‬ ‫قبل ذل ِ َك‪،‬‬ ‫كنت َ‬ ‫الغنم‪ ،‬كما َ‬ ‫َ‬ ‫عليك‪ ،‬فأر ُّد َك َترعى‬ ‫َ‬
‫فاستأذنت ع َل ِيه‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ إلى َأ ْهلِ ِه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رجع‬
‫َ‬ ‫يت العتَمةَ‪،‬‬ ‫س‪ ،‬حتَّى إذا ص َّل ُ‬ ‫النَّا ِ‬
‫َ ِ‬
‫كنت أتد َّي ُن من ُه‪،‬‬ ‫الم ْش ِر َك ا َّلذي ُ‬ ‫إن ُ‬‫أنت وأ ِّمي‪َّ ،‬‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬بأبي َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫فأذن لي‪،‬‬ ‫َ‬
‫ذن‬‫فاض ِحي‪ ،‬فأ ْ‬ ‫قال لي كذا وكَذا‪ ،‬وليس عندَ َك ما َتقضي عنِّي‪ ،‬وال عندي‪ ،‬وهو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل رسو َل ُه ﷺ‬ ‫ذين قد أس َلموا‪ ،‬حتَّى ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يرز َق ُ‬ ‫بعض هؤالء األحياء ا َّل َ‬ ‫لي أن آ َب َق إلى‬
‫لت سيفي وجرابي ونَعلي‬ ‫أتيت منزلي‪ ،‬فج َع ُ‬ ‫فخرجت حتَّى إذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما َيقضي عنِّي‪،‬‬
‫أردت أن أنطلِ َق‪ ،‬فإذا‬‫ُ‬ ‫األو ِل‬
‫بح َّ‬ ‫الص ِ‬
‫انشق عمو ُد ُّ‬
‫ومجنِّي عندَ رأسي‪ ،‬حتَّى إذا َّ‬
‫أربع‬
‫فانطلقت حتَّى أتي ُت ُه‪ ،‬فإذا ُ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أجب‬
‫بالل‪ْ ،‬‬ ‫إنسان يس َعى يدعو‪ :‬يا ُ‬ ‫ٌ‬
‫أبش ْر فقد‬‫رسول اهللِ ﷺ‪ِ :‬‬ ‫ُ‬ ‫فاستأذنت‪َ ،‬‬
‫فقال لي‬ ‫ناخات عليه َّن أحما ُل ُه َّن‪،‬‬ ‫كائب ُم‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقلت‪ :‬بلى‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ناخات األر َب َع‬ ‫الم‬
‫كائب ُ‬‫الر َ‬‫قال‪ :‬ألم َتر َّ‬ ‫ثم َ‬ ‫جا َء َك ُ‬
‫اهلل بقضائ َك‪َّ ،‬‬
‫عظيم َفدَ َك‬
‫ُ‬ ‫إلي‬ ‫فإن عليه َّن كسو ًة وطعا ًما َأ ْه َّ‬
‫داهن َّ‬
‫إن َل َك رقا َب ُه َّن وما عليه َّن‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬

‫‪645‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫المسجد‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬ ‫انطلقت إلى‬ ‫ثم‬ ‫َ‬ ‫ففعلت‪َ ،‬‬ ‫ض َدين ََك‪،‬‬ ‫فاقبِ ْضه َّن‪ ،‬وا ْق ِ‬
‫ُ‬ ‫الحديث‪َّ ،‬‬ ‫فذك ََر‬ ‫ُ‬
‫قلت‪ :‬قد‬ ‫فعل ما قِب َل َك؟ ُ‬ ‫فقال‪ :‬ما َ‬ ‫مت ع َل ِيه‪َ ،‬‬ ‫المسجد فس َّل ُ‬‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ قاعدٌ يف‬ ‫ُ‬
‫أفض َل شي ٌء؟‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫يبق شي ٌء‪َ ،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬فلم َ‬ ‫ِ‬ ‫شيء َ‬
‫كان على‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل َّ‬
‫كل‬ ‫قضى ُ‬
‫أحد من َأ ْهلي حتَّى‬ ‫لست بداخ ٍل على ٍ‬ ‫قلت‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬‬
‫تريحني من ُه‪ ،‬فإنِّي ُ‬ ‫قال‪ :‬ان ُظر أن َ‬ ‫ُ‬
‫فعل ا َّلذي قب َل َك؟‬ ‫فقال‪ :‬ما َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ العتم َة دعاين‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫فلما ص َّلى‬ ‫تريحني منه‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫وقص‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫المسجد‪،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬يف‬ ‫ُ‬ ‫فبات‬
‫َ‬ ‫هو معي لم يأتِنا أحدٌ ‪،‬‬ ‫قلت‪َ :‬‬‫قال‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫فعل ا َّلذي قب َل َك؟‬ ‫قال‪ :‬ما َ‬ ‫الغد دعاين‪َ ،‬‬ ‫الحديث حتَّى إذا ص َّلى العتَمةَ‪ ،‬يعني‪ :‬من ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫اهلل ش َف ًقا مِن أن ُيدْ ِر َك ُه‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪َ ،‬ف َك َّب َر وحمدَ َ‬ ‫أراح َك ُ‬
‫اهلل من ُه يا‬ ‫قلت‪ :‬قد َ‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أزواج ُه فس َّل َم على‬ ‫ثم ا َّتبع ُت ُه‪ ،‬حتَّى إذا جا َء‬ ‫ِ‬
‫امرأة حتَّى‬ ‫امرأة‬ ‫َ‬ ‫الموت‪ ،‬وعندَ ُه ذل َك‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫أتى َمبي َت ُه‪َ ،‬ف َهذا ا َّلذي سألتَني عن ُه"(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫األموال الطائلة‪ ،‬لكنه كان يخرجها يف سبيل اهلل‬ ‫النبي ﷺ‬
‫فقد كانت تأيت َّ‬
‫ً‬
‫أوال بأول‪.‬‬
‫لقد كان ﷺ تطبي ًقا لقوله تعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ﴾ [التوبة‪.]111 :‬‬
‫سول اهللِ ﷺ مِ َن الدُّ ْن َيا و َل ْم َي ْش َب ْع مِن ُخ ْب ِز َّ‬
‫الش ِع ِير(‪.)2‬‬ ‫ولذلك‪َ :‬خ َر َج َر ُ‬
‫ِ‬
‫يالي المتتابع َة طاو ًيا‪ ،‬وأه ُله ال يجدون َعشا ًء‪ ،‬وكان َ‬
‫أكثر‬ ‫ُ َّ‬
‫يبيت الل َ‬ ‫وكان‬
‫عير(‪ .)3‬وخبز الشعير هو‪ :‬أرخص أنواع الخبز‪.‬‬ ‫الش ِ‬‫خبز َّ‬ ‫ِ‬
‫خبزهم ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود‪ ،‬ح‪.5133 :‬‬


‫والطرباين يف الكبير‪ ،‬ح‪.1112:‬‬
‫والبيهقي يف دالئل النبوة‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.506‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3010 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.2581 :‬‬

‫‪646‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الش ِ‬
‫عير حتَّى ُق َ‬
‫بض"(‪.)1‬‬ ‫محم ٍد ﷺ من ِ‬
‫خبز َّ‬ ‫تقول عائشة ‪" :‬ما َشبِ َع ُآل َّ‬
‫ولذلك كانت تأيت على النبي ﷺ أيا ٌم يف المدينة ُ‬
‫يشدُّ فيها الحجر على بطنه‬
‫من شدة الجوع‪.‬‬
‫كان لي مِ ْث ُل ُأ ُح ٍد َذ َه ًبا ما َي ُس ُّرنِي َّأال َي ُم َّر َع َلي َث ٌ‬
‫الث‪،‬‬ ‫وكان يقول‪َ " :‬ل ْو َ‬
‫َّ‬
‫ندي منه شي ٌء َّإال شي ٌء ُأ ْر ِصدُ ُه لِدَ ْي ٍن"(‪.)2‬‬
‫وع ِ‬
‫ِ‬

‫النبي ﷺ زوجاتِ ِه بين الصرب عليه وبين الطالق بعد أن طل ْب َن‬ ‫َ‬
‫ولذلك خ َّير ُّ‬
‫شي ًئا من َعرض الدنيا‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ ‬عليه تخييره َّن‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾‬
‫[األحزاب‪.]22 -26 :‬‬
‫والدار اآلخرةَ‪.‬‬
‫َ‬ ‫اهلل ورسو َل ُه‬
‫فاخرت َْن َ‬
‫ً‬
‫كثريا؟‬ ‫‪ -57‬ملاذا َّ‬
‫تزوج انليب ﷺ أكرث من امرأ ٍة‪ ،‬ويتهمه بعض امللحدين بهذا األمر‬

‫ج‪ :‬النبي ﷺ لم يدخل بيوت البِغاء التي تمأل مكة يف شبابه وال َّ‬
‫مرة‪.‬‬
‫وجاءت شريعته بأشد أنواع العقوبات على الزناة‪ ،‬وجاء فيها األمر بالغض‬
‫من البصر‪ ،‬وتحريم الخلوة باألجنبية‪ ،‬والتشديد حتى يف مجرد المصافحة باليد‪.‬‬
‫وكما قالت عائشة ‪ ‬يف الحديث المتفق على صحته‪َ " :‬و َما َم َّس ْت َيدُ‬
‫سول اهللِ ﷺ َيدَ ا ْم َر َأ ٍة َق ُّط"(‪.)3‬‬
‫ر ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫امرأة‬ ‫وظل ﷺ ثالث ًة وخمسين عا ًما لم َّ‬
‫يتزو ْج طوال هذه األعوام سوى‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2221:‬‬


‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ...‬البخاري‪ ،‬ح‪ ...2566:‬ومسلم‪ ،‬ح‪.20 :‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...3266:‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1688 :‬‬

‫‪647‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫واحدة كبيرة السن ‪-‬خديجة ‪ -‬فقد قضى أعوام الشباب مع امرأة ث ِّيب تك ُب ُر ُه‬ ‫ٍ‬

‫يف السن‪.‬‬
‫وظل حتى بلغ‬ ‫كر سوى عائشة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ثالثة وخمسين عا ًما من بِ ٍ‬ ‫ولم يتزوج بعد‬
‫سبع ًة وخمسين عا ًما ال يقرهبا‪.‬‬
‫ولم يتزوج ﷺ يف السنوات األخيرة المتبقية من حياته سوى بضع نساء‬
‫كسيرات القلب‪.‬‬
‫تزوجها ﷺ بعد وفاة خديجة ‪ ‬بـ‪ 5‬سنوات كانت السيدة‬
‫وأول زوجة َّ‬
‫تزوجها ﷺ بعد عودهتا‬
‫تزوجها؛ إذ َّ‬
‫سودة‪ ،‬وكان عندها تسعة وستون عا ًما حين َّ‬
‫زوجها ولم تجد أحدً ا يحميها بمكة من بطش المشركين‪.‬‬
‫من الحبشة‪ ،‬وقد مات ُ‬
‫تزوج ﷺ بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ‪ ‬بعد‬
‫ثم بعد سودة ‪َّ ‬‬
‫زوجها بالحبشة‪ ،‬وخاف المسلمون عليها وهي يف بلد غريبة‪ ،‬فأرسل‬
‫أن مات ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إلى النجاشي يخطبها لنفسه‪ ،‬وكان هذا الموقف الرجولي المبهر‬
‫من النبي ﷺ سب ًبا يف إسالم أبي سفيان فيما بعد‪.‬‬
‫تزوج ﷺ بعد ذلك بالسيدة جويرية بنت الحارث س ِّيد بني المصطلِق‪،‬‬
‫ثم َّ‬
‫جميع األسرى والسبايا من بني‬
‫َ‬ ‫والتي أعتق المسلمون بزواجها من رسول اهلل‬
‫ِ‬
‫فأسلمت القبيلة عن َبكرة أبيها(‪.)1‬‬ ‫المصطلق‪،‬‬
‫تزوج النبي ﷺ بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب ‪ ‬بعد‬ ‫وبعد جويرية َّ‬
‫غزوة خيرب‪.‬‬
‫تزوج النبي‬
‫كثيرا‪ :‬كيف َّ‬
‫وهنا قد يسأل سائل‪ ،‬وهذا السؤال يطرحه المالحدة ً‬
‫ﷺ بالسيدة صفية بعد أن ُقتل أبوها وزوجها يف غزوة خيرب؟‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5251:‬‬

‫‪648‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والجواب‪ :‬هؤالء أبوها وزوجها كانا أشدَّ الناس عداو ًة للنبي ﷺ‪ ،‬فأبوها‬
‫ُحيي بن أخطب هو الذي أ َّلب القبائل على غزوة األحزاب‪ ،‬فكان يجمع األحزاب؛‬
‫ليهاجموا مدينة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ويستأصلوا شأفة اإلسالم والمسلمين‪.‬‬
‫أقرت صفية ‪ُ ‬‬
‫بجرم أبيها‬ ‫وبعد غزوة خيرب وبعد مقتل ُحيي بن أخطب َّ‬
‫أمام النبي ﷺ‪ ،‬وقد خ َّيرها النبي ﷺ بين اإلسالم والزواج منه وبين العتق‪ ،‬وأن‬
‫تلحق بأهلها فاختارت اهلل ورسوله‪.‬‬
‫وك مِ ْن َأ َشدِّ َي ُهو َد لِي‬ ‫َلما د َخ َل ْت ص ِفي ُة َع َلى النَّبِي ﷺ‪َ ،‬ق َال َلها‪َ " :‬لم ي َز ْل َأب ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ َ‬
‫ول فِي كِتَابِ ِه‪َ :‬وال َت ِز ُر َو ِاز َر ٌة‬ ‫عَدَ او ًة حتَّى َق َت َله اهلل"‪َ ،‬ف َقا َلت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إِ َّن َ‬
‫اهلل َي ُق ُ‬ ‫ْ َ َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اإل ْسال َم َأ ْم َس ْك ُت ِك‬ ‫ت ِ‬ ‫اختَر ِ‬ ‫ِ‬
‫َاري‪َ ،‬فإِن ْ ْ‬ ‫اخت ِ‬ ‫ول اهللِ‪ْ " :‬‬ ‫ِو ْز َر ُأ ْخ َرى‪َ ،‬ف َق َال َل َها َر ُس ُ‬
‫ود َّي َة َف َع َسى َأ ْن ُأ ْعتِ َق ِك َف َت ْل َح ِقي بِ َق ْومِ ِك"‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا‬ ‫ت ا ْليه ِ‬
‫َُ‬
‫اختَر ِ‬ ‫ِ‬
‫لنَ ْفسي‪َ ،‬وإِن ْ ْ‬
‫ِ ِ‬

‫اإل ْسال َم‪َ ،‬و َصدَّ ْق ُت بِ َك َق ْب َل َأ ْن َتدْ ُع َونِي َح ْي ُث ِص ْر ُت إِ َلى‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ل َقدْ َه َو ْي ُت ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ود َّي ِة َأ َر ٌب‪َ ،‬و َما لِي فِ َيها َوالِدٌ َوال َأ ٌخ‪َ ،‬و َخ َّي ْر َتنِي ا ْل ُك ْف َر‬ ‫رحلِ َك‪ ،‬وما لِي فِي ا ْليه ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ب إِ َل َّي مِ َن ا ْل ِعت ِْق‪َ ،‬و َأ ْن َأ ْر ِج َع إِ َلى َق ْومِي"(‪.)1‬‬‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ َح ُّ‬ ‫ِ‬
‫َواإل ْسال َم‪َ ،‬ف ُ‬
‫السنة المطهرة من بيت النبوة إلى‬ ‫نقل ُّ‬ ‫وقد تح َّقق على يد زوجات النبي ﷺ ُ‬
‫عموم األُمة‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾‬
‫[األحزاب‪.]50 :‬‬
‫فحياة النبي ﷺ الخاصة لم تكن مل ًكا له‪ ،‬وإنما هي مِلك ألُمته‪ ،‬فزوجاته ﷺ‬
‫نق ْل َن سيرته وحياته وشرعه‪.‬‬
‫وأصبحت عائشة ‪ ‬ثاين أعظم ٍ‬
‫راو للحديث يف تاريخ اإلسالم‪.‬‬
‫الخير لعموم األمة إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ففي زيجاته ﷺ‬

‫)‪ (1‬الطبقات الكربى‪ ،‬ابن سعد‪ ،‬م‪ 6‬ص‪.125‬‬

‫‪649‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ً‬
‫‪ -58‬هل أمر انليب ﷺ زيدا بتطليق زينب؟‬

‫ج‪ :‬هذا من خرافات الملحدين‪.‬‬


‫بل إن النبي ﷺ أمر زيدً ا بأن يمسك زوجته‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾‬
‫[األحزاب‪.]52:‬‬
‫اهلل‪ ،‬و َأ ْم ِس ْك‬
‫يقول‪ :‬ا َّت ِق َ‬
‫فحين جاء زيد بن حارثة َي ْش ُكو‪َ ،‬ج َع َل النبي ﷺ ُ‬
‫ُّ‬
‫َع َل ْي َك َز ْو َج َك(‪.)1‬‬
‫إذن فقد دعا النبي ﷺ زيدً ا ليصرب على زوجته‪ ،‬لكن زيد بن حارثة ‪ ‬كان‬ ‫ْ‬
‫صرا على تطليقها‪ ،‬وقد َعلِ َم النبي ﷺ بإخبار اهلل له َّ‬
‫أن زيدً ا س ُيطلقها‪ ،‬وبالفعل‬ ‫ُم ًّ‬
‫وقع كما علم ﷺ‪.‬‬
‫تزوجها النبي ﷺ‪.‬‬
‫وبعد ذلك َّ‬
‫يتعجل إلقاء‬
‫َّ‬ ‫المشكلة أن الملحد ال يجيد فهم النصوص الشرعية‪ ،‬أو‬
‫تزوج زينب بغير إرادة زيد‪.‬‬
‫الشبهات‪ ،‬فيوحي للناس أن النبي ﷺ َّ‬
‫العجيب وكأن النبي ﷺ يعلم مثل األكاذيب التي س ُتحاك حوله وحول سيرته‬
‫يتزوج زينب أرسل زيدً ا نفسه؛ ليخطبها‬
‫المطهرة يف آخر الزمان‪ ،‬فحين أراد أن َّ‬
‫له‪ ،‬وكأنه هبذا يقطع ألسنة َمن ُيلقي أمثال هذه الشبهات‪.‬‬
‫َب‪:‬‬ ‫سول اهللِ ﷺ ل ِ َز ْي ٍد‪َ :‬فا ْذ ُك ْر َها َع َلي‪َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬فانْ َط َل َق َز ْيدٌ ‪ ،‬قال‪ :‬يا َز ْين ُ‬ ‫َق َال َر ُ‬
‫َّ‬
‫بصان ِ َع ٍة شيئًا حتَّى ُأ َوامِ َر َربِّي‪،‬‬ ‫َأرس َل ر ُ ِ‬
‫سول اهلل ﷺ َي ْذ ُك ُر ِك‪ ،‬قا َل ْ‬
‫ت‪ :‬ما َأ نَا َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ج ِد َها(‪.)2‬‬‫ت إلى مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َف َقا َم ْ‬
‫فهذا مجتمع سوي نفس ًّيا‪ ،‬إنه مجتمع من أقرب المجتمعات للكمال يف‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2021:‬‬


‫)‪ (2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1026:‬‬

‫‪650‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫تاريخ اإلنسانية‪.‬‬
‫فمثل هذه الشبهات تزيد الحق بيانًا‪.‬‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬ألم َير النبي محمد ﷺ زينب فأعجب ْت ُه؟‬
‫والجواب‪ :‬ال توجد رواية صحيحة واحدة تقول بذلك‪.‬‬
‫بل قال ابن كثير ‪ ‬يف تفسير هذه اآلية‪ :‬ذكر ابن جرير‪ ،‬وابن أبي حاتم‬
‫صفحا لعدم صحتها‬
‫ً‬ ‫آثارا عن بعض السلف ‪ ،‬أحب ْبنا أن نضرب عنها‬
‫هاهنا ً‬
‫فال ُنوردها‪.‬‬

‫‪ -59‬ما تفسري قول اهلل ‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬


‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األحزاب‪]50 :‬؟ وملاذا جيوز هذا األمر‬
‫للنيب ﷺ‪ ،‬وال جيوز لغريه من املسلمني؟‬

‫ج‪ :‬هذا اسمه زواج الهبة‪.‬‬


‫خاص بالنبي ﷺ‪.‬‬ ‫أمر‬ ‫ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫وهو زواج بغير صداق‪ ،‬أي‪ :‬بدون دفع مهر‪ ،‬وهو ٌ‬
‫فلئال تحصل مشاكل‬‫فالصداق ُيعطى للمرأة؛ خشية أن يظلمها الرجل‪َّ ،‬‬
‫مستقبال‪ ،‬و ُتظلم هبا المرأة‪ ،‬فإنه ُتحدد قيمة الصداق من البداية‪.‬‬
‫ً‬
‫ٌ‬
‫محال‪.‬‬ ‫لكن الظلم يف حقه ﷺ‬
‫يعدل إذا لم ْ‬
‫يعدل رسول اهلل ﷺ؟‬ ‫فمن ْ‬
‫َ‬
‫ألجل هذا فالنبي ﷺ يجوز له الزواج بغير صداق‪.‬‬
‫فاآلية تثبت مسألة فقهية مبن َّية على عصمته ﷺ‪.‬‬
‫طبيعي ناتج عن كمال خلقه وعصمته‬
‫ٌّ‬ ‫فزواج الهبة يف حقه ﷺ هو حكم فقهي‬
‫وعدله ﷺ‪.‬‬
‫تزوج النبي ﷺ زواج هبة؟‬
‫لكن‪ :‬هل َّ‬

‫‪656‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يقول ابن عباس ُترجمان القرآن وح ْبر األمة‪" :‬لم َّ‬


‫يتزوج ﷺ امرأة واحدة‬
‫ٍ‬
‫صداق"(‪.)1‬‬ ‫بغير‬
‫الم ْستقى من عصمته ﷺ‪.‬‬
‫فاآلية فقط لبيان المبنى الفقهي ُ‬
‫َّ َّ‬
‫واحد؟‬
‫ٍ‬ ‫‪ -60‬هل اكن انليب ﷺ يطوف ىلع نسائ ِ ِه جيامعهن لكهن يف يومٍ‬

‫ٍ‬
‫مسيس‪.‬‬ ‫ج‪ :‬طوافه ﷺ على نسائه كان من غير‬
‫ٍ‬ ‫يطوف علينا فيدنو من ِّ‬ ‫تقول عائشة ‪َ " :‬‬
‫وكان َّ‬
‫امرأة‬ ‫كل‬ ‫ُ‬ ‫قل يو ٌم َّإال َ‬
‫وهو‬
‫فيبيت عندها"(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مسيس حتى يبلغ التي هو يومها‬ ‫من ِ‬
‫غير‬
‫فهو ﷺ يطوف عليه َّن؛ ليطمئ َّن على أخبارهن‪ ،‬وينظر يف أحوالهن‪.‬‬
‫ولم يحصل أن جامع ﷺ زوجاته ك َّلهن يف ليلة واحدة إال يف حجة الوداع‪،‬‬
‫يقول القاضي أبو بكر بن العربي‪" :‬هذا لم يحصل إال يف حجة الوداع قبل‬
‫اإلحرام؛ وكان غرضه قضا َء حاجتِه َّن قبل سفره"(‪.)3‬‬
‫فطوا ُف ُه ﷺ بمعنى الجماع لم يحصل َّإال يف إحرامه قبل سفره‪ ،‬كما قال‬
‫أيضا الحافظ المناوي يف فيض القدير(‪.)4‬‬
‫ً‬
‫إثارة الشبهات يف هذه األمور الدقيقة توحي َّ‬
‫بأن اإللحاد ال يملك إال اللعب‬
‫يف فروع المسائل‪ ،‬وال يستطيع أن ينتقد اإلسالم ال يف أصوله‪ ،‬وال يف عقيدته‪.‬‬
‫وحتى يف هذه األمور الدقيقة تجد العصمة لدين اهلل‪ ،‬والعصمة لنبيه ﷺ يف‬
‫كل ما ك ُب َر َّ‬
‫ودق‪.‬‬

‫)‪ (1‬تفسير القرطبي لآلية‪.‬‬


‫(‪ )2‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،2153 :‬درجة الحديث‪ :‬جيد‪.‬‬
‫)‪ (3‬العرف الشذي‪ ،‬الكشميري (‪.)132/1‬‬
‫)‪ (4‬فيض القدير‪ ،‬المناوي (‪.)226/3‬‬

‫‪652‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪ -66‬هل يوجد جهاد طلب يف اإلسالم؟‬

‫ج‪ :‬نعم يوجد جهاد طلب يف اإلسالم‪.‬‬


‫مشوهة من أخطر ما يكون‪.‬‬
‫لكن الملحد يطرح هذا الموضوع بصورة َّ‬
‫فهو ً‬
‫أوال يصور أخطاء فئات متطرفة على أهنا تطبيق لجهاد الطلب يف اإلسالم‪.‬‬
‫وكأن اإلنسان إذا أراد أن يطبق دينه ح ًّقا فال بد أن يكون متطر ًفا‪ ،‬وهذا‬
‫للتطرف‪ ،‬حيث يحاول الملحد إقناع المسلمين‬
‫ُّ‬ ‫الطرح خطير فهو إعادة صناعة‬
‫بأحد أمرين‪ :‬إما أن يرتدوا‪ ،‬وإما أن يصبحوا متطرفين حتى يطبقوا دينهم‪.‬‬
‫التطرف يف العصر الحديث!‬
‫ُّ‬ ‫فعلي يف صناعة‬
‫فالملحد هبذا مشارك ٌّ‬
‫التطرف واالنخراط يف األعمال اإلرهابية‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫طرحا يشجع على‬
‫فهو يقدم ً‬
‫واللعبة الثانية التي يلعبها الملحد أنَّه‪ :‬يتاجر بدماء ضحايا العمليات المتطرفة؛‬
‫لتحقيق مكاسب إلحادية أيديولوجية‪.‬‬
‫وهذا شيء يف منتهى الالنزاهة‪.‬‬
‫وبعض الملحدين يقولون َّ‬
‫إن‪ :‬كل آيات الموادعة والسلم هي آيات مك َّية‪،‬‬
‫بينما يف المرحلة المدنية ال توجد مثل هذه اآليات‪.‬‬
‫وهذا من قلة علمهم باإلسالم فهل آية‪﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [األنفال‪ ،]81 :‬هل هذه آية مك َّية؟‬
‫وكذلك آية‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [البقرة‪.]283 :‬‬
‫وآية‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﯽﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [البقرة‪.]122 -121 :‬‬
‫وآية‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫‪653‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ﯪ ﯫ﴾ [المائدة‪.]15 :‬‬
‫وآية‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [النساء‪.]21 :‬‬
‫وآية‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [الممتحنة‪.]6 :‬‬
‫هل هذه اآليات مك َّية؟‬
‫فهذه كلها آيات مدن َّيةٌ‪ ،‬وكلها تدعو للسلم والصفح وتجنُّب االعتداء‪.‬‬
‫لكن كيف ظهر الفكر المتطرف؟‬
‫سمى يف االصطالح اإلسالمي بفكر الخوارج‪،‬‬
‫والجواب‪ :‬الفكر المتطرف ُي َّ‬
‫والخوارج هي فرقة ضا َّلة قديمة نشأت نتيجة‪ :‬الجهل باإلسالم وتأويل‬
‫هوى‪.‬‬ ‫النصوص الشرعية َو ْفق أي ً‬
‫فالجهل الشديد باإلسالم ُيو ِّلد فكر الخوارج‪ ،‬ويولد اإللحاد‪.‬‬
‫ابن عباس ﭭ للخوارج وأجرى معهم مناظرته‬ ‫ولذلك عندما ذهب ُ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬أتيتكم‬ ‫ِ‬
‫الشهيرة قال لهم يف مطلع المناظرة‪" :‬أتي ُتكم من عند أصحاب الن ِّ‬
‫القرآن؛ فهم أع َل ُم بتأويلِ ِه منكم"(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واألنصار‪ ،‬وعليهم نزل‬ ‫من عند‪ :‬المهاجري َن‬
‫فابن عباس ﭭ أخرب الخوارج َّ‬
‫أن ما هم فيه هو نتيجة‪ :‬الجهل بالنص الشرعي‪.‬‬
‫ألم يهجم الصحابة األوائل على القوافل التِجارية‪ ،‬وهو ما أ َّدى إلى‬
‫لكن ْ‬
‫غزوة بدر يف مرحلة تالية؟‬
‫والجواب‪ :‬حصول الصحابة على قافلة قريش وهذا لم يحدث‪ ،‬كانت غاي ُت ُه‬
‫اسرتدا َد بعض أموال المسلمين التي تركوها يف مكة‪.‬‬
‫)‪ (1‬سنن النسائي‪ ،‬ح‪.2508 :‬‬

‫‪654‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ولذلك خرج الصحابة فقط إلى قوافل قريش ولم يخرجوا إلى ما عداها؛‬
‫َّ‬
‫ألن أموالهم كانت فيها‪ ،‬وقريش كانت بلدً ا محارب ًة وأهلها كانوا ً‬
‫كفارا محاربين‪،‬‬
‫وأموال الصحابة كانت يف قوافلهم؛ فلذلك خرجوا؛ ليسرتدوا شي ًئا من أموالهم‪.‬‬
‫بينما كانت هناك خمسمائة قبيلة عربية ُتسير رحالت إلى الشام كل عامٍ‪،‬‬
‫تمر بطريق المدينة المنورة سنو ًّيا ذها ًبا وإيا ًبا‪،‬‬ ‫وهذا يعني َّ‬
‫أن هناك ألف قافلة ُّ‬
‫فهل خرج الصحابة على أي قافلة من هذه القوافل؟‬
‫هل خرجوا على قافلة خال قوافل قريش؟‬
‫أموال المهاجرين وحقوقِهم‬
‫ِ‬ ‫قوافل قريش كانت ال تمثل جز ًءا من‬
‫ِ‬
‫ومواشيهم التي اغتصبت منهم‪.‬‬
‫﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [الحج‪.]01 :‬‬
‫فهم أخرجوا من أموالهم وديارهم وأهليهم وكل شيء‪.‬‬
‫وأهل قريش كانوا يعلمون َّ‬
‫أن النبي ﷺ من حقه أن يحرص على اسرتداد‬
‫حق يقضي به أي تشريع؛ لذلك قال صفوان بن أم َّية لقومه‪:‬‬
‫هذه األموال‪ ،‬فهذا ٌّ‬
‫عوروا علينا متجرنا‪.‬‬
‫إن محمدً ا وأصحابه قد ّ‬
‫أي‪ :‬أهنم واقفون يف طريق تجارتنا للشام‪ ،‬فلو ذهبنا للشام سيكونون يف طريقنا‪.‬‬
‫أن للنبي ﷺ عندهم ح ًّقا‪.‬‬
‫فهم يعلمون َّ‬
‫لكن لماذا لم يقبل المسلمون بالرسوم المسيئة للنبي ﷺ يف فرنسا‪ ،‬أليس‬
‫تطرف؟‬
‫هذا ُّ‬
‫تم نشر اإللحاد‪ ،‬أو‬‫ب األنبياء‪ ،‬أو ُسخر من الدين‪ ،‬أو َّ‬ ‫والجواب‪ :‬إذا ُس َّ‬
‫يهتم المسلمون بذلك ولم تتم َّع ْر وجوههم غض ًبا‪،‬‬
‫الرسوم المسيئة للنبي ﷺ ولم َّ‬
‫رخيصا يف قلوهبم‪،‬‬
‫ً‬ ‫اعتزازهم بدينِهم مع الوقت‪ ،‬وسيصبح الدين‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫سيقل‬ ‫فإنه‬
‫وبالتالي سيضيع دينُهم‪ ،‬وتضيع آخر ُتهم‪.‬‬

‫‪655‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫سخرية‪ ،‬بل هذا هتديدٌ‬ ‫لذلك فالذي يسخر من النبي ﷺ هذه ليست مجرد‬
‫وجودي لعقيدة المسلم‪ ،‬فالذين يسخرون من النبي ﷺ هم هبذا يطلبون من‬
‫ٌّ‬
‫المسلم أن يقبل بالسخرية من دينه والتشكيك فيه‪ ،‬وبالتالي سيقبل المسلم يف‬
‫مرحلة تالية الكفر به‪ ،‬أو على األقل التطبيع مع الملحدين‪.‬‬
‫وهذه أمور غير مقبولة إطال ًقا يف اإلسالم‪.‬‬
‫ضعف اعتزاز المسلم بدينه هو من أشد الناس إجرا ًما؛ ألنه‬ ‫فالذي يريد أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫يريد أن ُيضيع على المسلم آخرته‪ ،‬وأن يفسد دينه‪.‬‬
‫فهذه فتنة للناس يف دينهم‪ ،‬والفتنة يف الدين أشد من القتل‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ﴾ [البقرة‪.]121:‬‬
‫فالفتنة للمسلم يف دينه أشدُّ عليه من قتله‪.‬‬
‫فإسالم ًّيا وفطر ًّيا بالفطرة التي فطر اهلل الناس عليها‪َّ ،‬‬
‫فإن تضييع اآلخرة هو‬
‫أخطر جريمة على اإلطالق‪.‬‬
‫فهذا هتديد لمستقبل اإلنسان األبدي‪.‬‬
‫لذلك من الطبيعي أن يتم َّع َر وجه المسلم ألية إساءة لنبيه ﷺ‪.‬‬
‫وكعب بن األشرف؟‬
‫َ‬ ‫لكن لماذا قتل المسلمون أبا راف ٍع‬
‫الحقيق كان يعيش يف حصن من حصون خيرب‪،‬‬
‫والجواب‪ :‬أبو رافع ب ُن أبي ُ‬
‫ثم ترك هذا الحصن‪ ،‬وذهب إلى قريش لجمع األحزاب يف غزوة الخندق‪.‬‬
‫وكان أحدَ المسؤولين عن غزوة الخندق‪.‬‬
‫َ‬
‫غطفان‪ ،‬وأرسل لهم األموال؛ ليشاركوا يف الهجوم على المدينة‬ ‫وذهب إلى‬
‫المنورة‪.‬‬
‫رأس من رؤوس محاربة المسلمين‪.‬‬
‫فهو ٌ‬
‫بن األشرف ركِب إلى قريش‬
‫فكعب ُ‬
‫ُ‬ ‫واألمر نفسه مع كعب بن األشرف‪،‬‬

‫‪656‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫بعد غزوة بدر‪ ،‬وجعل ُينشد األشعار التي َي ْبكي فيها على أصحاب القليب من‬
‫قتلى المشركين ‪-‬قليب بدر‪ -‬فأثار المشركين على المسلمين مر ًة أخرى‪ ،‬وزكَّى‬
‫الحقد‪ ،‬وأشعل نار الحرب مجد ًدا‪...‬‬
‫فهل ُيرتك َمن يؤ ّلب الناس على قتل المسلمين‪ ...‬يف ِّ‬
‫أي تشري ٍع هذا؟‬
‫فالمحرض على القتل قد يكون أشدَّ إجرا ًما من القاتل‪.‬‬
‫ّ‬
‫لكن لماذا َيقتل المسلمون األسرى؟‬
‫والجواب‪ :‬هذا خطأ شديد‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [اإلنسان‪.]6 :‬‬
‫فضل األسير على نفسه يف الطعام‪.‬‬‫فالمسلم ُي ّ‬
‫مسلما‬
‫ً‬ ‫ضرر يجلبه األسير‪ْ ،‬‬
‫كأن يقتل‬ ‫ٍ‬ ‫وبالتالي فالقتل لألسير يكون يف مقابل‬
‫ٍ‬
‫بخيانة أو إشعال فتنة أو ما شابه وهكذا‪...‬‬ ‫مته ًما‬ ‫ؤسر‪ ،‬أو ْ‬
‫كأن يكون َ‬ ‫قبل أن ُي َ‬
‫لكن السؤال الجوهري‪ :‬لماذا هناك جهاد طلب يف اإلسالم من األساس؟‬
‫بديهي عند َمن يريد نشر الحق الذي معه‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫والجواب‪ :‬مفهوم الجهاد هو مفهوم‬
‫والقتال يف الجهاد يف اإلسالم ليس يف مقابل الكفر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طلب ال يكون يف مقابل‬ ‫فالقتال يف الجهاد؛ سوا ًء كان جها َد دفعٍ‪ ،‬أو جها َد‬
‫الكفر‪ ،‬وإنما يف مقابل المحاربة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إيصال رسالة اإلسالم إلى الناس‪ ،‬وأن تصلهم‬ ‫فغاية الجهاد اإلسالمي‬
‫رسالة اإلسالم‪ ،‬ويروه بصورته الصحيحة ُمطب ًقا‪.‬‬
‫فإذا وصل اإلسالم للناس ورأوا مناراته‪ ،‬هنا ينتهي الموضوع‪ ،‬فمن شاء‬
‫آ َم َن‪ ،‬ومن شاء بقي على كفره‪ ،‬وال إكراه يف الدين‪.‬‬
‫فالمهم أن تصل رسالة اإلسالم للناس‪ ،‬وبعد ذلك َمن أراد أن ُيسلِم فبها‬
‫ونعمت‪ ،‬ومن أراد البقاء على كفره فلن يجربه أحد على اإلسالم‪.‬‬
‫ْ‬

‫‪657‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫حالتين‪ :‬إما رفع ظلم عن فئة‬ ‫وجهاد الطلب يف اإلسالم يكون يف إحدى‬
‫مضطهدة‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ﴾ [النساء‪.]23 :‬‬
‫وهذه هي الحالة األولى لجهاد الطلب‪ُ :‬نصرة فئة مقهورة مستضعفة ُتفتَن‬
‫عن دينها‪.‬‬
‫والحالة الثانية التي ُيشرع فيها جهاد الطلب يف اإلسالم هي‪ :‬قتال َمن ُيقاتلوننا؛‬
‫ليمنعوا وصول رسالة اإلسالم‪.‬‬
‫ْ‬
‫إذن فغاية جهاد الطلب‪:‬‬
‫رفع ُظ ٍ‬
‫لم‪.‬‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫إيصال رسالة اإلسالم ودالئل هدايته للناس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫وال ُيقا َتل حين ننشر رسالة اإلسالم إال َمن يقاتِ ُلنا‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬القتال لمن يقاتلنا إذا أر ْدنا إظهار‬
‫دين اهلل"(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫استدل هبذه اآلية‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫وحين ذكر شيخ اإلسالم هذا الكالم‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [البقرة‪.]125 :‬‬
‫فاآلية فيها أن غاية جهاد الطلب أن يكون الدين كله هلل‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‪،‬‬
‫لكن ال يكون القتال إال لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين اهلل‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ﴾‪.‬‬
‫والذي ُيقاتلني ليمنعني من إيصال رسالة اإلسالم هو مجر ٌم يف حق ُأمة‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى‪.530 / 26 :‬‬

‫‪658‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫كاملة من الناس‪ ،‬فربما يبحث بعض أفراد هذه األمة عن الحق‪ ،‬فهو يريد‬
‫إبقاءهم على الضالل والكفر‪.‬‬
‫أهم كلمة يف الكون‪،‬‬
‫تصورا ُيراد له االنتشار‪ ،‬بل هو ُّ‬
‫ً‬ ‫واإلسالم ليس فكرة أو‬
‫ِ‬
‫للنجاة يف الكون غيره‪ ،‬وال طريق إلشباع الجوع المعريف إال به‪،‬‬ ‫وليس من طريق‬
‫يبق على توحيد اهلل على وجه األرض إال يف هذا الدين‪ ،‬بينما بقية الديانات‬
‫ولم َ‬
‫نصيب‪َّ ،‬‬
‫قل أو ك ُثر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بال استثناء لها من الشرك‬
‫لذلك قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪.]63 :‬‬
‫فعندما تصل رسالة التوحيد الفطري للناس‪ ،‬ويرى الناس منارات هذا‬
‫الدين‪ ،‬فهذا فيه مظنَّة هدايتهم‪.‬‬
‫ولو لم يسلموا تمتَّعوا بعدل اإلسالم‪ ،‬وعدم ظلم المسلمين لهم‪ ،‬ويكون‬
‫المعاهدون‪.‬‬
‫َ‬ ‫لهم تطبيق شعائرهم‪ ،‬ويصير اسمهم‬
‫يتعرض ألحدهم بأذى‪ ،‬قال النبي ﷺ‪َ " :‬أال َمن ظ َلم‬ ‫وال يستطيع مسلم أن َّ‬
‫أخذ منه شي ًئا ب َغ ِير طِ ِ‬
‫يب َن ْف ٍ‬
‫س‪ ،‬فأنا‬ ‫عاهدً ا أو انت َقصه أو ك َّلفه فوق طاقتِ ِه أو َ‬ ‫ُم َ‬
‫الق ِ‬
‫يامة"(‪.)1‬‬ ‫حجيجه يوم ِ‬
‫َ ُ ُ َ‬
‫ِ‬
‫مسيرة‬ ‫ريحها توجدُ من‬ ‫عاهدً ا لم َي َر ْح رائح َة الجن َِّة‪َّ ،‬‬
‫وإن َ‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬من قتل ُم َ‬
‫أربعين عا ًما"(‪.)2‬‬
‫المعاهد هذا كبيرة من كبائر الذنوب يف اإلسالم‪.‬‬
‫َ‬ ‫فقتل الكافر‬
‫فاإلسالم رحمة للعالمين‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5132:‬‬


‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5188:‬‬

‫‪659‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ورحمة يف فتوحاته‪.‬‬
‫ورحمة يف تشريعاته‪.‬‬
‫أرحم الناس بالناس‪ ،‬وأكثرهم رأفةً‪ ،‬وعندما قال بعض‬
‫َ‬ ‫وكان النبي ﷺ‬
‫األنصار يوم الفتح‪ :‬اليوم يوم الملحمة‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وآله وسلم‪" :‬اليوم‬
‫يوم المرحمة"(‪.)1‬‬
‫وسا قد ه َل َك ْت‪،‬‬
‫النبي ﷺ فقال‪" :‬إن َد ً‬ ‫ولما جاء ال ُّط َف ُيل ب ُن ٍ‬
‫عمرو إلى‬
‫ِّ‬
‫وأت هبم"(‪.)2‬‬‫عليهم‪ .‬فقال النبي ﷺ‪ :‬اللهم ْاه ِد دوسا‪ِ ،‬‬
‫اهلل ِ‬
‫َ ً‬ ‫َّ‬ ‫فادع َ‬
‫عص ْت وأ َب ْت‪ُ ،‬‬‫َ‬
‫السيف على النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وآله وسلم‪-‬‬
‫َ‬ ‫أعرابي‬
‫ٌّ‬ ‫وعندما اخرتط‬
‫وأراد قتله‪ ،‬ثم سقط السيف من يده وأخذه ‪-‬صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ -‬لم‬
‫يقت ْل ُه‪ ،‬بل دعاه للهداية‪ ،‬وقال له‪ :‬أتشهدُ أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل‪ ،‬لم يقبل‬
‫سول اهللِ ﷺ َت ْح َت‬ ‫األعرابي فأطلقه ﷺ‪ ،‬يقول جابر ابن عبد اهلل ﭭ‪" :‬ن ََز َل َر ُ‬
‫سول اهللِ ﷺ َيدْ ُعونَا‪ ،‬وإ َذا ِعنْدَ ُه َأ ْع َرابِ ٌّي‪،‬‬ ‫َس ُم َر ٍة و َع َّل َق هبَا َس ْي َف ُه‪ ،‬ونِ ْمنَا ن َْو َمةً‪َ ،‬فإِ َذا َر ُ‬
‫قال‪:‬‬‫اس َت ْي َق ْظ ُت َو ُه َو يف َي ِد ِه َص ْلتًا‪َ ،‬ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخت ََر َط َع َل َّي َس ْيفي‪ ،‬و َأنَا نَائ ٌم‪َ ،‬ف ْ‬ ‫إن َه َذا ْ‬ ‫قال‪َّ :‬‬ ‫َف َ‬
‫وج َل َس"(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫َمن َي ْمنَ ُع َك مِنِّي؟ َف ُق ُ‬
‫اهلل‪َ - ،‬ث َال ًثا‪ -‬و َل ْم ُي َعاق ْب ُه َ‬
‫لت‪ُ :‬‬
‫فهو ﷺ رحمة للخلق أجمعين‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾‬
‫[األنبياء‪.]112 :‬‬
‫وجهاد الطلب يف أصله رحم ٌة وشفق ٌة على اإلنسانية‪ ،‬فهو باب إيصال رسالة‬
‫النجاة رسالة اإلسالم للناس‪.‬‬
‫والمشكلة أن انتقاد الملحد لجهاد الطلب ال يستقيم‪ ،‬فالملحد ال يملك‬

‫)‪ (1‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0151 :‬‬


‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...0522:‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2320:‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2211 :‬‬

‫‪660‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أي فعل أو عمل‪،‬‬


‫نقطة مرجعية لألخالق نتحاكم إليها أو ندين من خاللها َّ‬
‫وهم ميتافيزيقي‪.‬‬
‫فاإللحاد عند التأصيل ينظر لألخالق على أهنا مجرد ْ‬
‫بل َّ‬
‫إن اإللحاد يف الواقع هو أكرب مخدّ ر للقيم‪.‬‬
‫فاعتقاد الملحد بعدم البعث بعد الموت‪ ،‬هذا ُيم ّثل أكرب مخدر للقيم‪،‬‬
‫وهما‪.‬‬
‫وأكرب مربر ألية جريمة أ ًّيا كانت‪ ،‬وأكرب مربر إلنكار األخالق واعتبارها ً‬
‫فال يمكن أن يفهم اإلنسان أن القتل خطأ‪ ،‬إال ألن بداخله تكلي ًفا إله ًّيا من‬
‫خالله يحاكم أية قضية أخالقية‪ ،‬أما لو تجاهل اإلنسان التكليف اإللهي فلن‬
‫يستطيع أن يثبت أن القتل خطأ‪.‬‬
‫أيضا غائية أخالقية ال يمكن أن ينكرها إنسان‪ ،‬وهذه الغائية‬
‫وهناك ً‬
‫األخالقية المطلقة التي كلنا يشعر هبا هي التي من خاللها يفهم الملحد معنى‬
‫الشبهة‪ ،‬ومعنى الخطأ‪ ،‬ومعنى القيمة‪.‬‬
‫أي فعل أخالقي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فهي معيار يحاكم عليه اإلنسان َّ‬
‫فلن ينتقد الملحد جهاد الطلب إال من واقع اإليمان المسبق بوجود قيم‬
‫مطلقة‪ ،‬واإليمان المسبق بتم ُّيز اإلنسان‪ ،‬واإليمان المسبق بوجود الخير والشر‪،‬‬
‫واإليمان المسبق بأن اإلنسان ُمك َّلف‪ ،‬وأنه ٌّ‬
‫حر ومسؤول عن قراراته‪.‬‬
‫وبمعنى َّ‬
‫أدق‪ :‬لن ينتقد ملحد جهاد الطلب إال من واقع اعرتافه بخطأ إلحاده‪.‬‬
‫لذلك نقول‪ :‬ليس لملحد أن ينتقد جهاد الطلب ابتدا ًء‪.‬‬
‫مسلما أو كتاب ًّيا‪ ،‬فقد بينَّا رحمة وشفقة وإنسانية‬
‫ً‬ ‫أما لو كان طارح الشبهة‬
‫جهاد الطلب‪ ،‬على عكس ما ُيشيع اإلعالم الغربي يف هذا الموضوع‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -62‬ملاذا قتل يهود بين قريظة؟‬

‫ج‪ :‬حتى نفهم طبيعة غزوة بني قريظة‪ ،‬ففي البداية اجتمعت األحزاب يف‬

‫‪666‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫غزوة الخندق شمال المدينة المنورة لدخول المدينة‪ ،‬واستئصال شأفة اإلسالم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وكان هذا ربما أكرب تحدٍّ يواجه األمة اإلسالمية عرب تاريخها‪ ،‬فلم‬
‫يكن يفصل جيوش األحزاب عن دخول المدينة إال عبور الخندق الذي حفره‬
‫المسلمون‪ ،‬فهي فقط أيام قليلة وينتهي األمر‪.‬‬
‫وكان يف الناحية الجنوبية من المدينة المنورة يهود بني قريظة‪ ،‬وكان بينهم‬
‫وبين النبي ﷺ عهدٌ ؛ ولذلك كانت نساء الصحابة وأطفالهم يف الناحية الجنوبية‪،‬‬
‫ناحية يهود بني قريظة؛ ألهنا أكثر المناطق أمنًا‪.‬‬
‫بحيي بن أخطب أبو‬
‫وتمضي األيام ويشتدُّ الحصار على المدينة‪ ،‬وإذا ُ‬
‫السيدة صفية ‪ ‬يذهب ليهود بني قريظة ويقنعهم بنقض العهد‪.‬‬
‫تلتف جيوش‬
‫َّ‬ ‫فهذه أعظم فرصة‪ ،‬ما أن ينقض يهود بني قريظة العهد حتى‬
‫األحزاب من الناحية الجنوبية ويدخلوا المدينة‪ ،‬و ُقضي األمر‪.‬‬
‫تحص ُل‪ ،‬فقد وافق يهود بني قريظة بالفعل على نقض‬
‫ُ‬ ‫وإذا بالغدرة الكربى‬
‫العهد‪ ،‬وفتحوا جبهتهم الجنوبية تما ًما لجيوش األحزاب‪ ،‬بل واستعدُّ وا هم‬
‫بأنفسهم للهجوم على المدينة‪.‬‬
‫ويف هذا نزل قول اهلل ‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [األحزاب‪.]11 -11 :‬‬
‫﴿ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‪ :‬جيوش األحزاب‪.‬‬
‫﴿ﮉ ﮊ ﮋ﴾‪ :‬يهود بني قريظة‪.‬‬
‫اآليات من سورة األحزاب‪ ،‬والحظ سورة كاملة ُسميت باسم هذه الغزوة‬
‫"غزوة األحزاب"‪.‬‬
‫ِ‬
‫ثالثمائة جندي‬ ‫بلغ خربُ نقض العهد لرسول اهلل ﷺ فأرسل زيد بن حارثة يف‬

‫‪662‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لحراسة نساء المسلمين وذراريهم‪ ،‬وأرسل سعد بن ُعبادة وسعد بن معاذ؛ للتأكد‬
‫من خرب نقض العهد فوجدا اليهود يف أخبث حال ينتظرون الهجوم على المدينة‪.‬‬
‫ويف هذه اللحظة بحسابات الدنيا انتهى الموضوع عمل ًّيا‪.‬‬
‫اب‪ْ ،‬اه ِز ِم‬ ‫َاب‪ ،‬س ِريع ِ‬ ‫ِ‬
‫الح َس ِ‬ ‫قائال‪" :‬ال َّل ُه َّم ُمن ِْز َل الكت ِ َ َ‬
‫وهنا دعا النبي ﷺ ربه ً‬
‫وز ْل ِز ْل ُه ْم"(‪.)1‬‬
‫اب‪ْ ،‬اه ِز ْم ُه ْم َ‬
‫األح َز َ‬
‫ْ‬
‫يقول موسى بن عقبة بعد أن علم النبي ﷺ بغدر يهود بني قريظة‪:‬‬
‫رأو ُه‬
‫طويال فاشتدَّ على الناس البالء والخوف حين ْ‬
‫ً‬ ‫"فاضطجع النبي ﷺ ومكث‬
‫اضطجع‪ ،‬ثم إنه رفع رأسه فقال‪" :‬اهلل أكرب‪ِ ،‬‬
‫أبشروا يا معشر المسلمين بفتح اهلل‬
‫ونصره"(‪.)2‬‬
‫لقد رأى النبي ﷺ جربيل ‪َّ ‬‬
‫وبشره بالنصر‪.‬‬
‫وهنا تحصل المعجزة العظيمة‪:‬‬
‫ب ريح شديدة تدمر َ‬
‫جيش األحزاب‪ ،‬وتقتلع قلو َبهم‪ ،‬ومع أنه لم يكن‬ ‫إذ هتُ ُّ‬
‫يفصل بين جيش األحزاب وبين المسلمين إال عرض الخندق‪ ،‬إال أن الريح تقوم‬
‫على المشركين‪ ،‬ومن شدة الريح يهربون يف الصحراء‪ ،‬وال يلوون على شيء‪.‬‬
‫الريح الخيا َم‪ ،‬وقلبت‬
‫ُ‬ ‫إهنا آية من آيات نصر اهلل هبا جنده‪ ،‬لقد اقتلعت‬
‫القدور‪ ،‬وهربت الخيل من أمامها‪ ،‬وألقى اهلل الرعب يف قلوب المشركين حتى‬
‫أهنم لم يفكروا يف العودة مر ًة أخرى‪.‬‬
‫ويف هذه المعجزة العظيمة نزل قول ربِنا سبحانه‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [األحزاب‪.]2 :‬‬
‫ما هذا الرعب الذي وقع يف قلوب المشركين؟‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.8522:‬‬


‫)‪ (2‬رواه البيهقي يف دالئل النبوة‪ ،‬م‪ 5‬ص‪.015‬‬

‫‪663‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ما الذي جعلهم ال يعودون لالجتماع مر ًة أخرى للحصار ولو بعدها بأيام؟‬
‫هذا من أسرار التأييد اإللهي لألنبياء والصالحين‪.‬‬
‫معجزة أخرى غير معجزة الريح حصلت أثناء هذه الغزوة!‬ ‫ٍ‬ ‫وكم من‬
‫ِ‬
‫لشخصين أو ثالثة‬ ‫مثال‪ :‬معجزة تكثير الطعام اليسير‪ ،‬فطعام يكفي‬ ‫منها ً‬
‫يدعو فيه النبي ﷺ ر َّبه بالربكة ف ُي ْط َعم منه ألف جندي‪ ،‬ويبقى الطعام كما هو‪.‬‬
‫والحديث يف ذكر هذه المعجزة يف أعلى درجات الصحة رواه البخاري‬
‫ومسلم يف صحيحيهما‪.‬‬
‫سول اهللِ ﷺ َخ َم ًصا‪َ ،‬فا ْن َك َف ْأ ُت‬ ‫الخنْدَ ُق ر َأ ْي ُت بر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال جابر ‪َ " :‬ل َّما ُح ِف َر َ‬
‫سول اهللِ ﷺ َخ َم ًصا‬ ‫هل ِعنْدَ ِك شيء؟ فإنِّي ر َأ ْي ُت بر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫لت َل َها‪ْ :‬‬ ‫إلى ا ْم َر َأتِي‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫قال‪َ :‬ف َذ َب ْح ُت َها‬ ‫اج ٌن‪َ ،‬‬ ‫اع مِن َش ِع ٍير‪َ ،‬و َلنَا ب َه ْيم ٌة َد ِ‬ ‫فأخ َر َج ْت لي ِج َرا ًبا فيه َص ٌ‬ ‫َش ِديدً ا‪ْ ،‬‬
‫ُ َ‬
‫سول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫اغي‪َ ،‬ف َق َّط ْع ُت َها يف ُبرمتِ َها‪ُ ،‬ثم َو َّل ْي ُت إلى ر ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬
‫و َطحن َْت‪َ ،‬ف َفر َغ ْت إلى َفر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫لت‪ :‬يا‬ ‫ج ْئ ُت ُه َف َس َار ْر ُت ُه‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫قال‪َ :‬ف ِ‬ ‫سول اهللِ ﷺ َو َمن مع ُه‪َ ،‬‬ ‫َفقا َل ْت‪ :‬ال َت ْف َض ْحنِي بر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫كان عنْدَ نَا‪َ ،‬ف َت َع َال‬ ‫ِ‬
‫اعا من َشع ٍير َ‬ ‫ِ‬ ‫ر َ ِ‬
‫سول اهلل‪ ،‬إنَّا قدْ َذ َب ْحنَا ُب َه ْي َم ًة َلنَا‪َ ،‬و َط َحن َْت َص ً‬ ‫َ‬
‫إن َجابِ ًرا قدْ‬ ‫الخنْدَ ِق‪َّ ،‬‬ ‫قال‪ :‬يا َأ ْه َل َ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫اح َر ُ‬ ‫َأن َْت يف َن َف ٍر َ‬
‫معك‪َ ،‬ف َص َ‬
‫سول اهللِ ﷺ‪ :‬ال ُتن ِْز ُل َّن ُب ْر َم َت ُك ْم‪َ ،‬و َال‬ ‫قال َر ُ‬ ‫ورا َف َحي َه ًال ب ُك ْم‪َ ،‬و َ‬
‫َّ‬ ‫َصن ََع َل ُك ْم ُس ً‬
‫جئت وجاء ر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس حتَّى‬ ‫سول اهلل ﷺ َي ْقدَ ُم الن َ‬ ‫َت ْخبِ ُز َّن َعجينَ َت ُك ْم حتَّى َأجي َء‪َ ،‬ف ْ ُ َ َ َ َ‬
‫فأخ َر ْج ُت له‬ ‫ت لِي‪ْ ،‬‬ ‫لت‪ :‬قدْ َفع ْل ُت الذي ُق ْل ِ‬
‫َ‬ ‫بك َوبِ َك‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫ِج ْئ ُت ا ْم َر َأتِي‪َ ،‬فقا َل ْت‪َ :‬‬
‫قال‪ :‬ا ْد ِعي‬ ‫جينَ َتنَا َف َب َص َق فِ َيها َو َب َار َك‪ُ ،‬ث َّم َع َمدَ إلى ُب ْر َمتِنَا َف َب َص َق فِ َيها َو َب َار َك‪ُ ،‬ث َّم َ‬ ‫َع ِ‬
‫ف‪َ ،‬ف ُأ ْق ِسم باهللِ‬
‫ُ‬ ‫وها َو ُه ْم َأ ْل ٌ‬ ‫معك‪َ ،‬وا ْقدَ ِحي مِن ُب ْر َمتِ ُك ْم َو َال ُتن ِْز ُل َ‬ ‫ِ‬ ‫َخبِ ْز‬
‫َخابِ َز ًة َف ْلت ْ‬
‫قال‬‫وإن َع ِجينَ َتنَا‪َ ،‬أ ْو كما َ‬ ‫وإن ُب ْر َم َتنَا َلت َِغ ُّط كما هي‪َّ ،‬‬ ‫ألَ َك ُلوا حتَّى َت َر ُكو ُه َوان َْح َر ُفوا‪َّ ،‬‬
‫لض َّح ُ‬
‫اك‪َ :‬ل ُت ْخ َب ُز كما ُه َو"(‪.)1‬‬ ‫ا َّ‬
‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...0112:‬ومسلم‪ ،‬ح‪.2152:‬‬

‫‪664‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أيضا يف هذه الغزوة العظيمة‪:‬‬


‫ومن اآليات التي جرت ً‬
‫شردت جيش المشركين رأى المسلمون جربيل‬ ‫أنَّه بعد قيام الريح التي َّ‬
‫ِ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫‪ ‬بأم أعينهم‪ ،‬ورأته عائشة ‪ ‬وقالت للنبي ﷺ‪َ " :‬م ْن َذل َك َّ‬
‫يه؟ ُق ْل ُت‪َ :‬ن َع ْم َق َال‪ :‬بِ َم ْن ُت َش ِّب ِهينَ ُه؟ ُق ْل ُت‪ :‬بِ ِد ْح َي َة ْب ِن‬‫ا َّل ِذي ُكن َْت ُت َك ِّلمه؟ َق َال‪ :‬ور َأيتِ ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫َخلِي َف َة ا ْل َك ْلبِ ِّي‪ ،‬قال‪ :‬ذاك جربيل‪ ،‬أمرين أن أمضي إلى بني قريظة(‪.)1‬‬
‫وجربيل يف هذه الغزوة رآه غير واحد من الصحابة‪.‬‬
‫وهنا لإلنسان أن يتساءل‪ :‬كيف يتجاهل الملحدُ َّ‬
‫كل هذه اآليات والمعجزات‪،‬‬
‫وتشغله فقط شبهة‪ :‬كيف عاقب النبي ﷺ يهود بني قريظة؟‬
‫فإما أن تصدق أيها الملحد بالشبهة وبالمعجزات‪ ،‬وإما أن تتجاهل الجميع‪،‬‬
‫أما أن تركز فقط على الشبهة‪ ،‬وتتجاهل المعجزات فهذا أمر ال يستوي‪.‬‬
‫أن طارح الشبهة ليس باح ًثا عن الحق‪ ،‬وإنما‬
‫فنحن أمام انتقائية غريبة تبين َّ‬
‫يريد فقط الشبهة‪ ،‬ويتجاهل اآليات على صحة الرسالة‪.‬‬
‫وضالال آلخرين‪﴿ :‬ﮙ ﮚ‬
‫ً‬ ‫فسبحان اهلل تجد يف النص نفسه هداي ًة ألُناس‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [البقرة‪.]28 :‬‬
‫بعد انتهاء غزوة األحزاب‪ ،‬وهروب جيوش األحزاب‪َ ،‬ف ِرح المسلمون بنصر اهلل‪.‬‬
‫لكن كان هناك يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد‪ ،‬ولهذا أمر اهلل نب َّيه‬
‫بمعاقبتهم لخيانتهم‪.‬‬
‫أمر ال ينكره ٌ‬
‫عاقل‪.‬‬ ‫فعقوبة يهود بني قريظة ٌ‬
‫الم َقاتِ َل ُة‪ ،‬و َأ ْن ُت ْس َبى ُّ‬
‫الذ ِّر َّي ُة‪،‬‬ ‫وقد حكم فيهم سعد بن معاذ ‪ْ ‬‬
‫بأن ُت ْقت ََل ُ‬
‫والحديث يف البخاري‪.‬‬

‫)‪ (1‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬م‪ 5‬ص‪.113‬‬

‫‪665‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َ‬
‫وكان‬ ‫سول اهللِ ﷺ‬ ‫لما ن ََز َل ْت بنُو ُقري َظ َة ع َلى ح ْك ِم سع ٍد ُهو ابن مع ٍ‬
‫اذ‪َ ،‬ب َع َث َر ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َّ‬
‫سول اهللِ ﷺ‪ُ :‬قو ُموا إلى َس ِّي ِد ُك ْم َف َجا َء‪،‬‬ ‫قال َر ُ‬ ‫َق ِري ًبا منه‪َ ،‬ف َجا َء ع َلى ِح َم ٍار‪َ ،‬ف َل َّما َدنَا َ‬
‫أح ُك ُم‬
‫قال‪ :‬فإنِّي ْ‬ ‫إن َه ُؤ َال ِء ن ََز ُلوا ع َلى ُح ْك ِم َك‪َ ،‬‬
‫قال له‪َّ :‬‬ ‫سول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َ‬ ‫َف َج َل َس إلى ر ِ‬
‫َ‬
‫الملِك(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َقات َل ُة‪ ،‬و َأ ْن ُت ْس َبى ُّ‬
‫بح ْك ِم َ‬
‫قال‪ :‬ل َقدْ َح َك ْم َت فيهم ُ‬ ‫الذ ِّر َّي ُة‪َ ،‬‬ ‫أن ُت ْقت ََل ُ‬
‫ْ‬
‫لكن قد يستشكل بعض الملحدين لق َّلة علمهم باإلسالم َّ‬
‫أن العقوبة شملت‬
‫جميع يهود بني قريظة‪.‬‬
‫وهذا من الخطأ بمكان‪ ،‬فالحكم نزل فقط يف‪ :‬الغادر المتح ّيز الراضي الذي‬
‫تو َّفرت له القدرة الجسدية والعقلية‪ ،‬أما األحمق واألخرق والضعيف وكل َمن‬
‫ثبت أنَّه أنكر على بني قريظة خيانتهم فلم ُين َّفذ فيه ُ‬
‫الحكم‪.‬‬
‫ظي‪ ،‬وهو من يهود بني قريظة‪ ،‬فهل‬ ‫ُ‬
‫ومثال على ذلك‪ :‬عمرو بن ُس ْعدى الق َر ُّ‬
‫ُطبق فيه ُ‬
‫الحكم؟‬
‫ال‪ ،‬لم يطبق؛ ألنه أنكر عليهم خيانتهم‪.‬‬
‫أيضا َمن كان عنده الغدر واالنحياز والميل لحرب المسلمين لكن ال يملك‬
‫ً‬
‫القدرة الجسدية على ذلك كـ‪ :‬النساء لم ُيقتل‪.‬‬
‫فال بد من تو ُّفر المناطات األربعة مجتمعين‪ :‬الغدر‪ ،‬والتح ُّيز‪ ،‬والقدرة‬
‫العقلية والجسدية‪.‬‬
‫الحكم على الذين خانوا العهد‪ ،‬فإن كل َمن َأ َّمنه أحد المسلمين لم‬
‫وبعد ُ‬
‫ثابت بن قيس ‪،‬‬
‫يعا َقب‪ ،‬وهذا ما حصل مع الزبير بن باطا ال ُقرظي‪ ،‬حين شفع له ُ‬
‫ومثل رفاع َة بن سموأل القرظي حين شفعت له سلمى بنت قيس ‪.‬‬
‫إذن ال بد من تو ُّفر المناطات األربعة‪ ،‬وقبل العقوبة من أ َّمنه أحد المسلمين‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5105:‬‬

‫‪666‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لم يعا َقب‪.‬‬


‫بعضهم‬
‫وهناك باب آخر للنجاة من العقوبة‪ ،‬وهو أن ُيسلموا وقد أسلم ُ‬
‫بالفعل فلم ُيقتل‪.‬‬
‫إذن الذين وقعت عليهم العقوبة ُه ْم أفاعي الغدر والخيانة من بني قريظة الذين‬
‫خانوا العهد‪ ،‬واستعدُّ وا لحرب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وبعد أن نصر اهلل نب َّيه رفضوا أن‬
‫ُيسلموا‪ ،‬وتك َّبر بعضهم أن يدخل تحت أمان المسلمين‪ ،‬وهذا ما حصل مع الزبير‬
‫ثابت بن قيس ‪ ‬أن يؤ ّمنه‪ ،‬فأمنَّه رسول اهلل صلي اهلل عليه‬
‫بن باطا الذي طلب ُ‬
‫ٍ‬
‫مسلم‪.‬‬ ‫الموت على أن يدخل يف أمان‬
‫َ‬ ‫وسلم‪ ،‬لكن اختار الزبير بن باطا‬
‫فهؤالء أفاعي الخيانة الغارقين يف الخصومة والمكابرة من المقاتِلة‪ ،‬وهم‬
‫الذين ُقتلوا َّ‬
‫جراء خيانتهم‪.‬‬
‫عاقال بال ًغا‪.‬‬
‫إذن بنو قريظة لم ُيقتل منهم إال َمن رضي بالخيانة‪ ،‬وكان ً‬
‫أما المرأة والصبي فلم يقتال؛ ألن األُولى ليس لديها القدرة الجسدية وإن‬
‫رضيت بالخيانة‪ ،‬والثاين‪ :‬وهو الصبي ليس لديه القدرة العقلية للتمييز‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقد نزل القرآن يف خيانة يهود بني قريظة‪ ،‬وكيف أهنم أعانوا جيش‬
‫األحزاب‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [األحزاب‪.]28 :‬‬
‫ٌّ‬
‫‪ -63‬هل يوجد يف اإلسالم حد للردة؟‬

‫ج‪ :‬نعم!‬
‫فازدراء اإلسالم هو تعدٍّ على حرية اآلخرين‪ ،‬وسلب آلخرة الناس‪.‬‬
‫فالهجوم على اإلسالم ليس موق ًفا ً‬
‫يسيرا أو ه ِّينًا‪ ،‬بل قد ينتج عنه تضييع‬
‫آخرة الناس‪ ،‬حيث ُيفتن شخص فيرتد‪.‬‬

‫‪667‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫صفيق يخرج ويطلب من الناس أن يسمحوا له بحرية‬ ‫أتعجب من ملحد‬
‫وأنا َّ‬
‫التعبير‪ ،‬وحرية الرأي‪ ،‬وحرية نقد المقدسات!‬
‫ٍ‬
‫طريق يطلب من الناس ْ‬
‫أن يسمحوا له بقتلهم‪ ،‬وسرقة‬ ‫قاطع‬
‫َ‬ ‫تخيل مجر ًما‬
‫أموالهم‪.‬‬
‫تصورة‪.‬‬
‫هذه الصورة غير ُم َّ‬
‫أن يطلب ملحد من الناس ْ‬
‫أن يسمحوا له بنشر‬ ‫لكن الصورة األشدَّ منها ْ‬
‫الكفر واإللحاد‪ ،‬وإعطائه حرية التعبير يف الهجوم على دينهم‪.‬‬
‫هذه صورة أشد وأعنف بكثير من الصورة األولى‪ ،‬ففتنة المسلم عن دينه أشدُّ‬
‫من سرقته‪ ،‬بل وأشدُّ من قتله‪ ،‬قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﭙﭚﭛﭜﭝ﴾ [البقرة‪.]121 :‬‬
‫فالفتنة عن الدين أشدُّ على اإلنسان من قتله‪.‬‬
‫ألن الفتنة عن الدين تؤدي لتضييع اآلخرة‪ ،‬بينما القتل يؤدي لتضييع الدنيا‪.‬‬
‫حجرا يف بيته فليفعل‪.‬‬
‫ً‬ ‫َمن أراد أن يعبد‬
‫َمن أراد أن يكفر بربه يف بيته فليفعل‪.‬‬
‫أما أن ُيعلن إنسان كفره ور َّدته ويبدأ يف نشر الشبهات والتشكيك يف اإلسالم‬
‫جرم هذا األمر بأقصى‬
‫باسم حرية النقد‪ ،‬ويغرر بالشباب الصغار‪ ،‬فهنا اإلسالم ُي ِّ‬
‫أنواع العقوبات‪.‬‬
‫فهذه جريمة من أكرب الجرائم يف المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شبهة ُأجيب عن شبهاته حتى يطمئن‪.‬‬ ‫لو كان صاحب‬
‫لو كان يريد أد َّلة على صحة الدين‪ُ ،‬تعرض عليه األدلة ما ُرجيت توبته‪ ،‬ولو‬
‫ظل يبحث ألف عام(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬من ُرجيت توبته تستمر االستتابة يف حقه أبدً ا‪ ،‬بأن تعرض عليه األدلة و ُتزاح عنه الشبهات ولو ظل‬
‫هكذا طيلة عمره‪ .‬وهذا ما قاله النخعي وأشار إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وهو داللة مذهب سفيان‬
‫الثوري‪ ،‬الصارم المسلول‪.326-5 :‬‬

‫‪668‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لكن المشكلة هي مع َمن ُيظهر ر َّدته بين الناس؛ ليفتنهم‪ ،‬وال يريد البحث‬
‫عن الحق‪.‬‬
‫المشكلة مع َمن يدعو الناس لكفره‪.‬‬
‫قطع الطريق والقتل والسرقة‪ ،‬يف‬
‫وهنا لك أن تسأل‪ :‬لماذا يرفض الملحد َ‬
‫حين أنه يق َب ُل بكل أريحية ازدراء اإلسالم‪ ،‬ويعترب َّ‬
‫أن هذا أمر طبيعي؟‬
‫التصور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والجواب‪ :‬ألن الملحد يعاين من خلل شديد يف‬
‫أي إضرار دنيوي بالبشر‪ ،‬كسرقتهم أو قتلهم أو إيذائهم‪،‬‬ ‫فالملحد يرى َّ‬
‫أن َّ‬
‫فهذا يلزم معه العقاب‪.‬‬
‫أما أي إضرار بآخرة الناس فهذه حرية شخصية ال تجوز فيها العقوبة‪.‬‬
‫والملحد يقبل بتضييع آخرة الناس‪ ،‬وال يقبل بأي ضرر بدنيا الناس؛ ألنه ال‬
‫أصال‪ ،‬فرؤيته دنيوية مادية قاصرة‪.‬‬
‫يؤمن باآلخرة ً‬
‫التصور عند الملحد؛ نتيج ًة لكفره‪ ،‬فال ُي ِ‬
‫لز ُمنا الملحد بنظرته‬ ‫ُّ‬ ‫فهذا خلل يف‬
‫القاصرة هذه‪ ،‬ففي اإلسالم تضييع دنيا الناس جريمة‪ ،‬وتضييع آخرة الناس جريمة‪.‬‬
‫وتضييع اآلخرة أكرب من تضييع الدنيا بال جدال‪ ،‬فكل أموال ونِعم الدنيا هي‬
‫أشياء َع َرضية زائلة‪.‬‬
‫فالدنيا مجرد قنطرة يف مقابل عالم أخروي أبدي‪.‬‬
‫فمحاولة الملحد نشر الكفر هذا أخطر على الناس ألف مرة من قطع الطرق‪،‬‬
‫ومن قتل الناس‪.‬‬
‫يفتن‬
‫فمن يقطع الطريق منتهاه هتديدُ حياة الناس وعالمهم المادي‪ ،‬أما من ُ‬
‫لص من لصوص‬‫الناس عن دينهم‪ ،‬فهذا يهدد آخرة الناس ويسرقها منهم‪ ،‬فهذا ٌّ‬
‫اآلخرة‪ ،‬وهذا أشد الناس إجرا ًما وال ريب‪.‬‬
‫ولذلك يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬والمحاربة باللسان يف باب‬

‫‪669‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الدين قد تكون أنْكى من المحاربة باليد"(‪.)1‬‬


‫فتزيين الكفر‪ ،‬وقلب المفاهيم‪ ،‬وإلقاء الشبهات‪ ،‬قد يكون أخطر على األمة‬
‫من حرب منظمة‪.‬‬
‫وهنا قد يسأل ملحد‪ :‬وهل من حق اإلسالم تجريم ازدراء الدين؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم‪ ،‬هذا من حقه!‬
‫ِ‬
‫وعالمك‬ ‫ِ‬
‫بعالمك الدنيوي‬ ‫حق تشريع ما يمنع من اإلضرار‬
‫فاإلسالم له ُّ‬
‫األخروي‪.‬‬
‫جرم‬
‫يتعرض لدنيا الناس بالخطر‪ ،‬وكذلك ُي ّ‬
‫جرم و ُيعاقب من َّ‬
‫اإلسالم ُي ّ‬
‫يتعرض آلخرة الناس بالخطر‪.‬‬
‫و ُيعاقب من َّ‬
‫العلمانية تشرع القوانين التي تحافظ على النظام المادي العلماين األرضي‬
‫الدنيوي الرتابي‪ ،‬و ُت ّ‬
‫جرم أي إخالل هبذا النظام العلماين‪ ،‬وتمنع أي تشكيك يف‬
‫القيم العلمانية‪ ،‬وسنذكر األمثلة بعد قليل‪.‬‬
‫حق التشريع‪ ،‬وحفظ دنيا الناس‪ ،‬ودين الناس‪.‬‬
‫كذلك اإلسالم له ُّ‬
‫فاإلسالم يحفظ أموال الناس وآخرة الناس‪ ،‬ومن حق الدولة المسلمة أن‬
‫تمنع العبث بأصول الم َّلة‪ ،‬وأن تعاقب لصوص اآلخرة‪.‬‬
‫المشرع األوحد‪ ،‬وهي فقط‬
‫مشكلة الملحد أنه يريد أن تكون العلمانية هي ُ‬
‫التي من حقها أن تحافظ على نظامها‪.‬‬
‫حق التشريع‪.‬‬ ‫وهذا من خ َّفة العقل‪ ،‬فاإلسالم ً‬
‫أيضا له ُّ‬
‫يتم انتقاد أي دين على أرضها‪،‬‬
‫وهنا قد يسأل سائل‪ :‬لكن العلمانية تقبل أن َّ‬
‫أليس كذلك؟‬

‫)‪ (1‬الصارم المسلول ‪.253-5‬‬

‫‪670‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والجواب‪ :‬هذا صحيح!‬


‫أي دين كما أردت‪.‬‬
‫ألن المركز يف النظام العلماين هو العلمانية‪ ،‬وبالتالي انتقدْ َّ‬
‫فمحور النظام هو العلمانية هو‪ :‬الما َّدة‪ ...‬الدنيا‪ ...‬الرتاب‪.‬‬
‫ال يرون للدين شأنًا حتى يرفضوا انتقاده‪.‬‬
‫فمحور النظام هو العلمانية‪.‬‬
‫فهم ال مشكلة عندهم مع نقد أي ِدين‪ ،‬لكنهم يف المقابل يرفضون أن تنتقد‬
‫القيم األساسية للعلمانية‪ ،‬فالمركز هو العلمانية وليس الدين‪.‬‬
‫مقيما يف ألمانيا وأردت عمل بحث تاريخي ُيش ّكك يف أعداد‬
‫ً‬ ‫فإذا كنت‬
‫اليهود يف الهولوكوست‪ ،‬فساعتها سيكون مصيرك السجن‪.‬‬
‫فمجرد القيام ببحث علمي ُيش ّكك يف إحدى القيم العلمانية هذه جريمة يف‬
‫النظام العلماين‪.‬‬
‫يتم السجن عشرون عا ًما لمن ُيش ّكك يف أعداد اليهود الذين‬
‫ويف النمسا ُّ‬
‫أحرقهم النازي‪.‬‬

‫يتم السجن لمدة ثماين سنوات لمن يجري هذا البحث التاريخي‪.‬‬
‫ويف التشيك ُّ‬

‫‪676‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهذه المرأة العجوز صاحبة الثمانية والثمانين عا ًما ُحبست يف ألمانيا قبل‬
‫سنوات؛ ألهنا ش َّككت يف الموضوع نفسه‪.‬‬

‫وهناك ست عشرة دولة أوروبية ُت ّ‬


‫جرم البحث التاريخي يف أعداد اليهود‬
‫تم إحراقهم يف محرقة الهولوكوست‪.‬‬
‫الذين َّ‬
‫فهذا مثال على قوانين داخل الدستور العلماين ُيمنع التشكيك العلمي‬
‫التاريخي فيها بأية صورة‪.‬‬
‫قلت هو القيم العلمانية‪ ،‬وليس الدين‪ ،‬فانتقد‬
‫فالمركز يف النظام العلماين كما ُ‬
‫الدين كما تحب يف النظام العلماين‪ ،‬لكن ال ُيسمح لك مجرد االقرتاب من القيم‬

‫‪672‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫العلمانية‪.‬‬
‫وهناك عقوبات يف بعض الدول العلمانية مثل فرنسا لمجرد ارتداء حجاب؛‬
‫ألن الحجاب بنظرهم يمثل هتديدً ا للقيم العلمانية‪.‬‬
‫المساس هبا يف النظام العلماين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فالقيم العلمانية ال يجوز‬

‫بل َّ‬
‫إن النظام العلماين اإللحادي يف كوريا الشمالية يمنع مجرد الدفاع عن الدين‪.‬‬
‫مقدسا ُتقتل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ولو وجدوا يف بيتك كتا ًبا‬
‫حقيقي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫وهذا األمر على غرابته لكنه‬

‫جرم العلوم التجريبية لو أتت مناقضة لإللحاد‪.‬‬


‫والنظام العلماين اإللحادي ُي ّ‬
‫وأشهر مثال على ذلك هو الليسنكوية ‪.Lysenkoism‬‬

‫‪673‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والليسنكوية هي‪ :‬حملة قام هبا العلمانيون المالحدة يف االتحاد السوفيتي‬


‫السابق ضد علماء الوراثة‪.‬‬
‫يتم إعدامه‪.‬‬
‫فأي عالم وراثة كان ُيدرس قوانين مندل للوراثة كان ُّ‬
‫أن قوانين مندل للوراثة ُتقرر َّ‬
‫أن الصفات المكتسبة ال‬ ‫والسبب يف ذلك َّ‬
‫التطور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُتورث‪ ،‬وهذا يمثل مشكلة لنظرية‬
‫فتم تجريم تدريس قوانين مندل للوراثة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويف يوم ‪ 8‬أغسطس من عام ‪ 1201‬تم إعدام أكرب عالم وراثة تقري ًبا يف‬
‫العالم نيقوالي فافيلوف ‪.Nikolai Vavilov‬‬
‫كان فافيلوف يتك َّلم خمس عشرة لغةً‪ ،‬وكان قد جمع ربع مليون عينة‬
‫ٍ‬
‫نباتات‪ ،‬لكن كان يدافع عن قوانين مندل للوراثة‪.‬‬
‫فتم اعتقاله وتجويعه قسر ًّيا يف سجن ساراتوف حتى الموت(‪.)1‬‬
‫المكتشفة حدي ًثا‪.‬‬
‫مؤخرا إطالق اسم نيقوالي فافيلوف على أحد الكويكبات ُ‬
‫ً‬ ‫تم‬
‫تمت إبادهتم يف االتحاد السوفيتي السابق‪.‬‬
‫وقد كان هناك أكثر من ثالثة آالف عالم َّ‬
‫وكانت هناك أكاديميات علمية عمالقة ُسويت باألرض؛ ألهنا تدرس علو ًما‬
‫ضد الفكرة المادية اإللحادية(‪.)2‬‬
‫فالنظام العلماين واإللحادي عمو ًما يقبلون التشكيك يف الدين هذا طبيعي؛‬
‫ألن مركز القيمة عندهم هي العلمانية والمادية‪.‬‬
‫أما اإلسالم فمركز القيمة فيه هو الدين‪.‬‬
‫‪)1( died imprisoned and suffering from dystrophia (faulty nutrition of muscles, leading to‬‬
‫‪paralysis), in the Saratov prison.‬‬
‫‪)2( Joseph Stalin supported the campaign. More than 30000 mainstream biologists were fired‬‬
‫‪or even sent to prison.‬‬
‫‪Birstein, Vadim J. (1013). The Perversion Of Knowledge: The True Story Of Soviet Science.‬‬

‫‪674‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لذلك ال يقبل اإلسال ُم بازدراء الدين أو نشر الكفر بين الناس‪.‬‬


‫المشرع األوحد‪.‬‬
‫مشكلة العلمانية كما قلت إهنا تريد أن تكون وحدها هي ُ‬
‫وأن تكون العقوبات فقط لمن يخالف قوانين العلمانية‪.‬‬
‫وهنا قد يرد سؤال إلى الذهن‪ :‬هل المرتد خطير؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم!‬
‫فمرتدٌّ واحد قد يكون أخطر على العالم من كل ُق ّطاع الطرق والقتلة‬
‫مجتمعين‪.‬‬
‫وقبل سنوات ظهر شاب مرتد يف ألبانيا ُيدعى أنور خوجة ابن الحاج خليل‬
‫خوجة‪.‬‬
‫وقد وصل هذا الشاب للحكم يف ألبانيا‪.‬‬
‫فماذا كانت النتيجة؟‬
‫تم تدمير ‪ 2182‬مسجدً ا وكنيس ًة ومعبدً ا حيث َّ‬
‫تمت تسويتهم باألرض‪.‬‬

‫ٍ‬
‫شديد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بعنف‬ ‫قام أنور خوجة رسم ًّيا بمنع كل الديانات من بلده‪ ،‬وحارهبا‬

‫‪675‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فهذه نتيجة‪ :‬مرتد واحد!‬


‫فالر َّدة من أخطر األمور على دين الناس ودنياهم‪.‬‬

‫‪ -64‬هل يبيح اإلسالم زواج القارصات؟‬

‫بسن‬
‫ٍّ‬ ‫ج‪ :‬قبل أن نجيب عن هذا السؤال نريد أن ننتبه لفكرة ربط الزواج‬
‫ٍ‬
‫محدد‪ ،‬كما يف األنظمة الغربية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محدد‪.‬‬ ‫فاألنظمة الغربية كل ما يشغلها هو ربط الزواج بس ٍّن‬
‫فهي تتعامل مع اإلنسان على أنه جداول إحصائية وبيانية دون األخذ يف‬
‫االعتبار بتفاوت عقل ونضج وثقافة كل إنسان عن غيره‪.‬‬
‫بينما اإلسالم يف المقابل يضع قواعد كلية أشمل وأحكم ال بد من التزامها‬
‫قبل السماح بعقد الزواج‪.‬‬
‫واآلن لنقارن بين شروط اإلسالم يف الزواج وبين مسألة تحديد السن يف‬
‫األنظمة الغربية العلمانية‪ ،‬ولننظر أيهما أصلح للفتاة والمجتمع‪.‬‬

‫‪676‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يصح الزواج إال هبا يف اإلسالم هي‬


‫ُّ‬ ‫أول قاعدة من القواعد الكلية التي ال‬
‫قاعدة‪" :‬ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬
‫وهذا أحد أكرب أصول التشريع يف اإلسالم‪" :‬ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬
‫يجز تزويجها يف اإلسالم‪.‬‬
‫تضررت ابنة العشرين عا ًما من الزواج لم ْ‬
‫فلو َّ‬
‫يصح فيها تحديد سن ثابت ُيط َّبق على جميع البشر‪.‬‬
‫فالقضية ال ُّ‬
‫تضررت فتاة من الزواج أ ًّيا كان سنها لم يجز تزويجها‪.‬‬
‫فلو َّ‬
‫يصح الزواج إال هبا يف اإلسالم هي‪ :‬موافقة الفتاة‪ ،‬فلو‬
‫القاعدة الثانية التي ال ُّ‬
‫حصل الزواج بغير رضاها ينفسخ العقد وال ُيعتدُّ به‪.‬‬
‫قال النبي ﷺ يف الحديث المتفق عليه‪َ " :‬ال ُتنْ َك ُح ا ْلبِ ْك ُر حتَّى ُت ْس َت ْأ َذ َن"(‪.)1‬‬
‫تزوجت فتاة مسلمة من غير موافقتها لها أن تفسخ عقد الزواج‪ ،‬وكأنه‬
‫فلو َّ‬
‫لم يكن‪.‬‬
‫إن أبي زوجني ابن ِ‬
‫أخيه‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫رسول اهللِ‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ فقالت‪ :‬يا‬
‫ِ‬ ‫جا َء ْت فتا ٌة إلى‬
‫أج ْز ُت ما صن ََع أبي‪ ،‬ولك ْن‬ ‫األمر إليها‪ ،‬قالت‪ :‬فإنِّي قد َ‬ ‫َ‬ ‫سيس َت ُه‪ ،‬فج َع َل‬
‫ير َف ُع بي َخ َ‬
‫ِ‬
‫األمر شي ٌء(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫لآلباء م َن‬ ‫أن ليس‬‫أن َتع َل َم النِّسا ُء ْ‬‫أر ْد ُت ْ‬
‫أن ليس‬ ‫أن َتع َل َم النِّسا ُء ْ‬‫أج ْز ُت ما صن ََع أبي‪ ،‬ولك ْن أر ْد ُت ْ‬ ‫قالت الفتاة‪ :‬قد َ‬
‫ِ‬
‫األمر شي ٌء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لآلباء م َن‬
‫وأربعمائة عام‪ ،‬وليس تشري ًعا مدن ًّيا حدي ًثا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هذا تشريع منذ ألف‬
‫فما ُتمضيه الفتاة يف هذه الحالة َيمضي‪ ،‬وما تفسخه ُيفسخ‪.‬‬
‫أهال لالستئذان‪،‬‬
‫السن الذي تكون فيه ً‬
‫َّ‬ ‫فشرط صحة الزواج هو أن‪ :‬تبلغ الفتاة‬
‫ثم ُتستأذن‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3158 :‬‬


‫)‪ (2‬سنن النسائي‪ ،‬ح‪ ،5282 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪677‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فإذا كان يلزم استئذان الفتاة‪ ،‬إذن فهي ال بد أن تكون قد بلغت الس َّن الذي‬
‫أهال لالستئذان‪.‬‬
‫تكون فيه ً‬
‫لي‪.‬‬
‫الو ِّ‬
‫القاعدة الثالثة والتي ال يصح عقد الزواج إال هبا هي‪ :‬قبول َ‬
‫أحرص الناس على‬
‫ُ‬ ‫فال بد أن يقبل ول ُّيها هبذا الزواج؛ ألن الولي يف األصل‬
‫سيزوجها بال ُكفء المناسب لها يف السن المناسب لها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مصلحتها‪ ،‬وبالتالي‬
‫أيضا ال يصح الزواج إال هبا هي‪ :‬اإلعالن واإلشهار‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة والتي ً‬
‫الحرص على نكاح األكفأ؛ العتبار نظر الناس الذين‬
‫ُ‬ ‫ومِن ِحكم اإلشهار‪:‬‬
‫سيجري إشهار النكاح يف وسطهم!‬
‫إذا تد َّبرنا هذه القواعد أدركنا حرص اإلسالم على الزواج المناسب الكفء‬
‫ضرر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الذي ال يحصل به‬
‫وهبذا نستوعب َّ‬
‫أن تحديد سن للزواج هذا أمر تافه بجوار هذه القواعد الصارمة‬
‫يف تحقيق األمان األسري للفتاة؛ لتحقيق زواج الئق هبا‪ ،‬والئق بنفسيتها وكرامتها‪.‬‬
‫فقهي قال به كثير من الفقهاء وخالفهم فيه آخرون‪ ،‬وهو جواز‬
‫ٌّ‬ ‫وهناك قول‬
‫زوج األب ابنته الصغيرة‪ ،‬وهذه الحالة الخاصة اشرتط لها الفقهاء الذين‬
‫أن ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫شرطين‪.‬‬ ‫أجازوها‬
‫الشرط األول‪ :‬ليس ألحد أن يزوج الفتاة الصغيرة إال األب‪.‬‬
‫زوجها أحد غير اآلباء صغيرة‪ :‬فالنكاح‬
‫قال الشافعي ‪" :‬وإن َّ‬
‫ِ‬
‫يتوارثان‪ ،‬وال يقع عليها طالق‪ ،‬وحكمه حكم النكاح الفاسد يف‬ ‫ٌ‬
‫مفسوخ‪ ،‬وال‬
‫جميع أمره‪ ،‬ال يقع به طالق‪ ،‬وال ميراث"(‪.)1‬‬
‫الشرط الثاين لحصول هذه الحالة الخاصة‪َّ :‬أال ُتس َّلم لزوجها صغيرة‪ ،‬فليس‬
‫معنى عقد الزواج أن ُتس َّلم لزوجها وهي صغيرة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الشافعي‪ ،‬األم‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.16‬‬

‫‪678‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فهي تبقى يف بيت أبيها حتى تكون يف سن وعقل ونفسية صالحة للزواج‪.‬‬
‫لكن هنا التساؤل البديهي‪ :‬لماذا أجاز الفقهاء هذه الحالة طالما أهنا لن‬
‫تذهب لبيت الزوجية إال بعد أن تبلغ س َّن الزواج‪ ،‬ونضج الزواج؟‬
‫سمح كثير من الفقهاء هبذه الصورة ألسباب كثيرة‪.‬‬
‫فهناك حاالت تقتضي الحكمة فيها هذه الحالة‪ ،‬بل تكون هذه الحالة هي عين‬
‫التصرف الصائب‪ ،‬كأن تكون الفتاة يف زمان أو مكان ك ُثرت فيه الفتن‪ ...‬هناك‬
‫ُّ‬
‫حروب‪ ...‬هناك مصائب‪ ...‬األب ُيعاين من مرض قاتل‪ ،‬وال يجد أحدً ا يحفظ‬
‫ابنته‪ ...‬وقد يكون األب ُمعدَ ًما فتحتاج الصغيرة َمن يحفظها ويصوهنا‪ ....‬وقد يظهر‬
‫شخص كفء ال ُيفوت وال ُيضيع‪ ...‬قد يظهر شخص فيه الخير لدين الفتاة ودنياها‪.‬‬
‫فهنا أجاز بعض الفقهاء هذه الحالة‪.‬‬
‫وهناك فقهاء آخرون منعوا هذه الحالة تما ًما‪ ،‬وقالوا هذه الحالة ال تجوز‪.‬‬
‫العالمة ابن عثيمين ‪ ‬يف الشرح الممتع يف تزويج األب البنته‬
‫يقول َّ‬
‫وهي صغيرة‪" :‬األصل عدم الجواز؛ لقول النبي ‪« :‬ال ُتنكح‬
‫البِ ُ‬
‫كر حتى ُتستأذن»‪ ،‬وهذه بكر‪ ،‬فال ُنزوجها حتى تبلغ الس َّن الذي تكون فيه‬
‫أهال لالستئذان‪ ،‬ثم ُتستأذن‪ ...‬وهذا القول هو الصواب‪َّ ،‬‬
‫أن األب ال يزوج بنته‬ ‫ً‬
‫حتى تبلغ‪ ،‬وإذا بلغت فال يزوجها حتى ترضى"‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [النساء‪.]8 :‬‬
‫فهناك س ٌّن وطبيعة جسدية ونفسية لبلوغ هذا النكاح‪.‬‬
‫وقد خطب أبو بكر وعمر ﭭ فاطمة‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪" :‬إهنا صغيرة"(‪.)1‬‬
‫فاإلسالم يحرص على مصلحة الفتاة‪ ،‬ونفسية الفتاة‪ ،‬والخير للفتاة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان‪ ،‬ح‪.8206 :‬‬

‫‪679‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مشكلة الملحد أنَّه يحرص على تشويه الحق‪ ،‬ويتغافل عن الباطل‪ ،‬ولو‬
‫امتأل بأضعاف ما أراد تشويه الحق به‪.‬‬
‫مؤخرا يف أمريكا‪ ،‬ولم‬ ‫تزوج َن‬ ‫ٍ‬
‫طفلة‬ ‫أن تعلم َّ‬
‫أن هناك مائتَي ألف‬ ‫يكفيك ْ‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫نسمع نقدً ا من أحد العلمانيين‪.‬‬

‫بل واألعجب َّ‬


‫أن النظم العلمانية الغربية تسمح بالزنا‪ ،‬وال تمنع منه يف س ٍّن‬
‫أص َغ َر بكثير من السن التي يطالب العلمانيون هبا شر ًطا للزواج يف بالدنا‪.‬‬
‫فالسن القانوين للزواج وممارسة الزنا يف بعض الدول الغربية هو ‪ 12‬سنة‪.‬‬
‫يحق لها قانون ًّيا الزواج‪ ،‬ويحق لها قانون ًّيا‬
‫فعندما تبلغ الفتاة اثنتي عشرة سنة ُّ‬
‫ممارسة الزنا‪ ،‬كما يف المكسيك‪.‬‬

‫ومؤخرا أصبح‬
‫ً‬ ‫والسن الذي ُيسمح فيه بالزواج يف كندا هو أربع عشرة سنة‪،‬‬
‫ست عشرة سنة‪.‬‬

‫‪680‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يف سن ‪ 10‬سنة‪ُ ،‬يباح يف الغرب ارتكاب الفواحش‪ ،‬بينما يريد المالحدة‬


‫والعلمانيون يف بالدنا منع الزواج الطاهر العفيف بعد هذا السن بسنوات‪.‬‬
‫العلمانية تقول للفتاة الغربية‪ :‬عند اثنتي عشرة سنة مارسي الزنا كما تحبين‪.‬‬
‫وعندنا يف بالد المسلمين العلمانية نفسها تقول لبناتنا‪ :‬نريد تأخير الزواج‬
‫عن سن ‪ 16‬سنة‪ ،‬وهذا فقط يف بالدنا‪ ،‬أما يف الغرب فسن ‪ 12‬سنة ٍ‬
‫كاف تما ًما‪.‬‬
‫يريدون أعوا ًما تقضيها الفتاة يف المعاصي‪ ،‬والعالقات العاطفية الفاشلة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عفيف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طاهر‬ ‫حرمات‪ ،‬قبل أن تظفر بزواجٍ‬
‫والم َّ‬
‫ُ‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [النساء‪.]22 :‬‬
‫وبينما تقوم الدراما الرتكية‪ ،‬والدراما الكورية‪ ،‬والبي يت إس‪ ،‬والكي بوب‬
‫بشحن عواطف بناتنا‪ ،‬وبينما تبحث الفتيات عن تفريغ لهذه الشحنات الزائدة يف‬
‫استغاللهن عاطف ًّيا‪ ،‬وبينما اآلباء ُمسته َلكون يف‬ ‫ويتم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫ومعاص‪ُّ ،‬‬ ‫عاطفية‬ ‫عالقات‬
‫بين بتأخير الزواج‪.‬‬
‫لقمة العيش‪ ،‬إذا بالعلمانيين يخرجون علينا ُمطال َ‬
‫مطالبين بزيادة المشهد عبثية‪.‬‬
‫والذي يثير الدهشة أك َث َر مما سبق هو‪ :‬موقف الملحد نفسه‪ ،‬فماذا يريد‬
‫الملحد بإثارة شبهة زواج القاصرات؟‬
‫مثال يضع شرو ًطا معينة للزواج؟‬
‫هل اإللحاد ً‬

‫‪686‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هل اإللحاد يمنع من زاوج القاصرات؟‬


‫أو يمنع من الزنا؟‬
‫أو يمنع من االغتصاب؟‬
‫مشهد مأساوي غريب!‬
‫من الجنون أن تدعوين لمذهب يبيح ارتكاب أكرب الفواحش‪ ،‬وليس عنده‬
‫مشكلة مع أ َّية جريمة بحجة أن اإلسالم يجيز زواج القاصرات من وجهة نظرك‪.‬‬
‫جرم زواج القاصرات أو يجرم االغتصاب؟‬
‫هل اإللحاد ُي ِّ‬
‫إلحاد ًّيا ال توجد ذرة يف دماغك تخالف قانونًا فيزيائ ًّيا واحدً ا‪ ،‬فكيف عرف‬
‫شر؟‬ ‫الملحد َّ‬
‫أن االغتصاب ٌّ‬
‫االغتصاب نفسه إلحاد ًّيا ليس أكثر من حركة عضالت‪ ،‬ونشاط هرموين‪،‬‬
‫وتمرير جينات يف إطار مادي ومصلحة داروينية‪.‬‬
‫ولذلك عندما ُسئل الملحد ريتشارد داوكينز عن االغتصاب‪ :‬هل هو خطأ‬
‫من وجهة نظر اإللحاد‪ ،‬ماذا قال؟‬
‫قال‪" :‬االغتصاب خطأ؟! هذا كالم اعتباطي ‪.)1("Arbitrary Conclusion‬‬
‫تقرر َّ‬
‫أن االغتصاب خطأ يف اإللحاد؟‬ ‫كيف َّ‬
‫فالملحد الذي ُينكر االغتصاب هو يف الواقع ُير ِّقع إلحاده بالقيم األخالقية الدينية‪،‬‬
‫حتى يستطيع أن ينكر االغتصاب‪ ،‬وهذا مِن أعجب ما أنت ٍ‬
‫راء يف هذا الزمان‪.‬‬
‫‪Randy‬‬ ‫التطوريين و ُيدعى‪ :‬راندي ثورينهيل‬
‫ُّ‬ ‫َكت َ‬
‫َب أحد أكرب علماء النفس‬
‫والتطور‪ ،‬ومتخصص يف دراسة‬
‫ُّ‬ ‫رئيسا لمجتمع السلوك‬
‫‪ Thornhill‬وهو يعمل ً‬
‫تطورية‪.‬‬
‫االغتصاب من وجهة نظر إلحادية ُّ‬
‫‪)1( Your belief that rape is wrong is an arbitrary conclusion‬‬
‫‪From an interview with Justin Brierley of unbelievable.‬‬

‫‪682‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ِ‬
‫يقوالن‪" :‬االغتصاب‬ ‫كتب مع كريج بالمر ‪ Craig Palmar‬تطوري آخر‪ ،‬كتبا‬
‫َ‬
‫هو أمر مقبول إلحاد ًّيا وتطور ًّيا تما ًما مثل البقع السوداء يف جلد النمر‪ ...‬هل هي‬
‫خطأ؟ كذلك االغتصاب ليس بخطأ"(‪.)1‬‬
‫فما الذي يجعل االغتصاب أو قتل البشر أو أ َّية جريمة خط ًأ؟‬
‫إلحاد ًّيا ال فرق بين اإلنسان وبين ذبابة مايو ‪ Mayfly‬كما يقول تشيت رايماو‬
‫‪.)2(Chet Raymo‬‬
‫ِ‬
‫فمن أين للملحد بالقيم التي يبني عليها إنكاره لالغتصاب أو أية جريمة؟‬
‫ٍ‬
‫كإنسان‪.‬‬ ‫ال يوجد يف اإللحاد ما يميز اإلنسان‬
‫يقول فرانسيس فوكوياما يف كتابه األشهر هناية التاريخ‪" :‬اإلنسان من منظور‬
‫مادي ال نستطيع أن نميزه عن الطفيليات المعوية"(‪.)3‬‬

‫‪)1( Randy Thornhill and Craig Palmar, A Natural History of Rape, MIT Press, 1011‬‬
‫‪Nancy Pearcey, Darwin’s Dirty Secret, World Magazine, 11 March 1000.‬‬
‫‪)2( Raymo, Chet. 1448. Skeptics and True Believers. New York, NY: Walker, p.111.‬‬
‫(‪ )3‬هناية التاريخ وخاتم البشر‪ ،‬فرانسيس فوكوياما‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسين أحمد أمين‪ ،‬الطبعة األولى ‪،1225‬‬
‫مركز األهرام للرتجمة والنشر‪ ،‬ص ‪.232‬‬

‫‪683‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فاإلنسان إلحاد ًّيا حثالة كيميائية‪َ ...‬و َسخ كيميائي كما يقول ستيفن هاوكنج‬
‫كما نقلت قبل قليل(‪.)1‬‬
‫يقول أستاذ القانون آرثر ألين ليف ‪" :Arthur Allen Leff‬ال توجد طريقة‬
‫إلثبات أن حرق األطفال‪ ،‬بقنابل النابالم هو شيء سيئ"(‪.)2‬‬
‫فال توجد جريمة يف اإللحاد‪.‬‬
‫فاإللحاد ال مانع عنده من أي شيء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بمعان أخالقية هو يف‬ ‫لذلك فالملحد الذي يدّ عي اإلنسانية‪ ،‬أو يطالب‬
‫ِ‬
‫متناقضتين يف الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ديانتين‬ ‫الواقع يحمل‬
‫فهو يؤمن بكرامة اإلنسان‪ ،‬ويؤمن يف الوقت نفسه باإللحاد‪.‬‬
‫ِ‬
‫يجتمعان!‬ ‫وكالهما ال‬
‫أن اإلنسان ُخ َلق ُم َّ‬
‫كر ًما ُمكل ًفا‪.‬‬ ‫أن الملحد يعلم بفطرته َّ‬
‫المشكلة َّ‬
‫ويعلم يف المقابل من واقع إلحاده َّ‬
‫أن اإلنسان يعادل الحشرة كما يقول‬
‫‪)1( From an interview with Ken Campbell on Reality on the Rocks: Beyond Our Ken, 1441.‬‬
‫‪)2( There is today no way of ‘proving’ that napalming babies is bad‬‬
‫‪Economic Analysis of Law: Some Realism about Nominalism ( 1459), p.919.‬‬

‫‪684‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫الملحد سارتر(‪.)1‬‬
‫لذلك هم يعيشون هذا التناقض الصريح الواضح‪.‬‬
‫تناقضا بين فطرهتم‪ ،‬وبين واقع إلحادهم ال ُكفري‪.‬‬
‫ً‬ ‫يعيشون‬
‫لذلك فال يستطيع إنسان أن يتعايش مع إلحاده على طول الخط‪ ،‬فالملحد‬
‫دائما يتن َّكر إللحاده حين يناقش أية قضية أخالقية‪.‬‬
‫ً‬
‫فما أن يدخل اإللحاد على معنى اإلنسان‪ ،‬وعلى القيم األخالقية‪ ،‬وعلى‬
‫حقيقة اإلنسان حتى يقوم اإللحاد بتفخيخ كل هذه األمور‪.‬‬
‫فلو َأدخلت اإللحاد سيخرج اإلنسان ً‬
‫فورا‪.‬‬
‫سينفجر كل معنى وقيمة وغاية‪.‬‬
‫أسمى من‬
‫فاإللحاد ال يملك نقطة مرجعية لألخالق‪ ،‬وال يملك معايير ْ‬
‫المادة نتحاكم إليها‪.‬‬
‫لكن كل إنسان يعلم بفطرته وبواقعه اإلنساين َّ‬
‫أن هناك نقط ًة مرجعي ًة‬
‫لألخالق‪ ،‬نؤمن هبا جمي ًعا‪ ،‬ونستطيع نحن جمي ًعا كل البشر أن نتحاكم إليها‪.‬‬
‫ووضعت‬
‫تأسست المحاكم‪ُ ،‬‬
‫وعلى أساس هذه النقطة المرجعية لألخالق َّ‬
‫القوانين والدساتير‪.‬‬
‫فمعنى اإلنسان ال ينتمي إلى العالم المادي‪ ،‬وال يمكن تحليل اإلنسان من‬
‫نظرة إلحادية أبدً ا‪.‬‬
‫وال يمكن من واقع اإللحاد انتقاد زواج القاصرات‪ ،‬أو االغتصاب‪ ،‬أو‬
‫القتل‪ ،‬أو أي فعل‪.‬‬
‫فلو لم تؤمن بأنك مخلوق هلل لن تستطيع أن تؤسس لإلنسانية‪ ،‬ولن تستطيع‬
‫أن تنكر أية جريمة‪.‬‬
‫‪)1( Jean Paul Sartre, Nausea (novel).‬‬

‫‪685‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالدين ليس تر ًفا فكر ًّيا‪ ،‬بل هو ضرورة فطرية‪ ،‬وضرورة إنسانية‪.‬‬
‫وهو ضرورة حتمية لفهم اإلنسان‪ ،‬وتحليل معنى وجوده‪ ،‬واستيعاب قيمه‬
‫وأخالقياته‪.‬‬
‫وتحت راية الدين فقط تعرف أنك إنسان!‬
‫ٌ‬
‫معلون ما فيها‪،‬‬ ‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬الدنيا كلها ملعونة‬
‫أعظم وأشدُّ من‬
‫ُ‬ ‫شمس الرسالة‪ ،‬فحاجة اإلنسان إلى الرسالة‬
‫ُ‬ ‫إال ما أشرقت عليه‬
‫حاجته لكل شيء"(‪.)1‬‬
‫دهرا من عمره يف الشك يقول‪" :‬اهلل‬
‫ويقول نجيب محفوظ الذي قضى ً‬
‫وحده هو الذي ُيعطي القيم معناها‪ ،‬اهلل وحده هو الذي يعطي الوجود معناه‪،‬‬
‫بدونه ال معنى للوجود‪ ،‬ال معنى للقيم‪ ،‬وبديله هو العبث‪ ،‬الالمعنى"(‪.)2‬‬
‫افتقارا ذات ًّيا ضرور ًّيا إلى اهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫افتقارا ذات ًّيا إلى الدين‪ ...‬مفتقر‬
‫ً‬ ‫مفتقر‬
‫ٌ‬ ‫فاإلنسان‬
‫فكيف لملحد أن ينتقد الدين لشبهة ال يستطيع من واقع إلحاده أن ينكرها‬
‫ابتدا ًء؟‬
‫والعجيب والذي أختم به ر ّدي على هذه الشبهة أنَّه بدون الدين أصبحت‬
‫أعلى دول العالم يف معدالت جريمة االغتصاب هي دول غربية علمانية‪.‬‬
‫فرسم ًّيا طب ًقا إلحصاءات العام ‪َّ 2121‬‬
‫فإن أعلى معدالت اغتصاب يف‬
‫العالم توجد يف جنوب إفريقيا والسويد وبريطانيا ونيوزيلندا‪...‬‬
‫فالدين يعصم عن الجريمة على مستوى الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى‪ ،‬مجلد‪ 12‬ص‪.111‬‬


‫)‪ (2‬وطني مصر‪ ،‬نجيب محفوظ‪ ،‬ص‪ ،85‬دار الشروق‪.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬لست ملحدً ا لماذا؟ كريم فرحات‪.‬‬

‫‪686‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫َّ‬
‫‪ -65‬هل يقرر اإلسالم أن الزنا بالرتايض مثل االغتصاب؟‬
‫ُ‬
‫حيث يقرر العقوبة نفسها؟‬
‫أليس االغتصاب جريمة أعظم بكثري من الزنا بالرتايض؟‬

‫ِ‬
‫الطرفين‬ ‫ج‪ :‬هذه الفكرة أصبحت قاعدة يف الغرب اليوم‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن الزنا برضا‬
‫ال مشكلة فيه‪ ،‬أما االغتصاب فهو جريمة كربى!‬
‫وهي صراح ًة فكرة سخيفة وخطرة جدًّ ا‪.‬‬
‫ضررا على المجتمع من االغتصاب بألف‬
‫ً‬ ‫فالزنا بالرتاضي قد يكون أشدَّ‬
‫ومقت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نار‬
‫مرة‪ ،‬وكالهما ٌ‬
‫والزنا برضا الطرفين هو ثقافة الغرب اليوم‪ ،‬فكيف كانت البداية للتطبيع مع‬
‫الزنا بالرتاضي‪ ،‬وكيف أصبحت النتيجة؟‬
‫لم يصل الغرب للتطبيع مع الزنا بالرتاضي إال بعد قبول‪ :‬اإلغواء والخيانة‬
‫المحرمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫والتربج والخلوة‬
‫فهذه مقدمات ال بد من قبولها قبل التطبيع مع الزنا بالرتاضي وجعلِه واق ًعا‬
‫مجتمع ًّيا‪.‬‬

‫‪687‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وكان من نتيجة الزنا بالرتاضي‪ :‬فساد البيوت‪ ،‬واختالط األنساب‪ ،‬واإلجهاض‬


‫المتعمد‪ ،‬وقتل األجنة‪.‬‬
‫َّ‬
‫فهذه تبعات الزنا بالرتاضي وال بد‪.‬‬
‫أيضا ليس يف الزنا بالرتاضي التزامات من الرجل أمام المرأة طيلة عمره كما‬
‫ً‬
‫يف الزواج الطاهر‪.‬‬
‫فتتحول المرأة يف نظر الرجل إلى مجرد َعالقة شهوانية عابرة‪ ،‬وحين يصل مجتمع‬
‫َّ‬
‫وحتما قد وصله لمنتهاه يف الفساد األخالقي‪.‬‬
‫ً‬ ‫لقبول الزنا بالرتاضي‪ ،‬فإنَّه ال بد‬
‫لقد و َّلد الزنا بالرتاضي أكوا ًما من األجنة المقتولة؛ ألهنا أجنَّة غير مرغوب فيها‪.‬‬
‫وطب ًقا للموقع اإلحصائي الشهير ‪َّ Worldometer‬‬
‫فإن أعداد األجنة التي‬
‫ُقتلت عمدً ا هذا العام وحده حتى وقت كتابة هذا الجزء من الكتاب يزيد على‬
‫‪ 02‬مليون قتيل(‪.)1‬‬

‫‪)1( https://www.worldometers.info/abortions/‬‬

‫‪688‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ٍ‬
‫واحد بسبب الزنا بالرتاضي‪.‬‬ ‫ُيقتل أكثر من ‪ 02‬مليون قتيل يف عا ٍم‬
‫والعجيب أنَّه تم تقنين اإلجهاض رسم ًّيا!‬
‫جائزا قانون ًّيا‪.‬‬
‫فقد أصبح قتل األجنة ً‬

‫أيضا الزنا بالرتاضي بإضافة إلى أكوام القتلى‪ ،‬فإنَّه يدمر نفسية المرأة؛ ألن‬
‫ً‬
‫طبيعة المرأة‪ ،‬وفطرة المرأة تأبى العالقات العابرة‪.‬‬
‫والزنا بالرتاضي ُيد ّمر مفهوم األسرة‪.‬‬
‫والزنا بالرتاضي هو سبب مباشر ألمراض جنسية أصبحت تفتك بجزء من‬
‫اقتصاد دول بأكملها‪.‬‬
‫يؤدي الزنا بالرتاضي إلى فساد المجتمع ككل أخالق ًّيا ‪ -‬تف ُّكك األسر‪-‬‬
‫اختالط األنساب ‪ -‬هروب ولي الطفل ليرتك أمه مكلومة مع ابنها ‪ -‬قتل األجنة ‪-‬‬
‫تدمير نفسية المرأة‪.‬‬

‫‪689‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مصائب ال حصر لها‪.‬‬


‫هل تتخ َّيل َّ‬
‫أن أكثر من نصف أطفال بريطانيا اليوم بدون أب‪ ،‬بسبب التطبيع‬
‫مع الزنا بالرتاضي‪.‬‬

‫أصال‪.‬‬
‫الزنا بالرتاضي ُيفقد اإلنسان دينه وإيمانه‪ ،‬هذا لو كان هناك دين ً‬
‫كل هذه المصائب جزء من باليا الزنا بالرتاضي‪.‬‬
‫أما االغتصاب يف المقابل‪ ،‬فال يوجد فيه كل هذا الخراب المجتمعي‪.‬‬
‫فاالغتصاب هو كارثة عابرة‪.‬‬
‫نعم االغتصاب جريمة كربى‪ ،‬لكنَّه ال يؤدي لفساد المجتمع من القاعدة‬
‫كما يحصل مع الزنا بالرتاضي‪.‬‬
‫لذلك فمنهج الغرب يف تقنين الزنا بالرتاضي‪ ،‬والهجوم على االغتصاب‪،‬‬
‫هو منهج مجنون يؤدي لخراب العالم‪.‬‬

‫‪690‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لكن هل معنى ذلك َّ‬


‫أن عقوبة االغتصاب مثل عقوبة الزنا يف اإلسالم؟‬
‫تم خطف المرأة‬ ‫والجواب‪ :‬االغتصاب لو جرى تحت هتديد السالح‪ ،‬أو َّ‬
‫من أهلها بالقوة‪ ،‬هنا تصبح الجريمة ِحرابة‪ ،‬والعقاب عليها شديد يف اإلسالم‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ﴾ [المائدة‪.]55 :‬‬
‫و ُيقام حدُّ الحرابة بمجرد اختطافه للمرأة بالقوة‪ ،‬سوا ًء حصل الزنا أو لم يحصل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طريق‪ ،‬فإن زنا هبا صارت جريمته أشدَّ ؛ ألنه‬ ‫فبمجرد اختطافها صار قاطع‬
‫هبذا يجمع بين جريمتين‪ :‬الزنا والحرابة‪.‬‬
‫وتبقى جريمة الزنا بالرتاضي أخطر على بناء المجتمع والقاعد العريضة من‬
‫المجتمع بألف مرة من االغتصاب؛ ألن االغتصاب حادث إجرامي عابر‪.‬‬
‫أما الزنا بالرتاضي فهذا يفتك بكل بيت‪ ،‬ويدمر الدولة أخالق ًّيا ودين ًّيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫َّ‬
‫‪ -66‬ملاذا ختلف املسلمون علميا‪ ،‬وصارت بالدهم فيها من اجلهل والفقر ما فيها؟‬

‫ج‪ :‬يف البداية الوضع المرتدي يف العالم اإلسالمي اليوم ال ينكره أحدٌ ‪.‬‬
‫لك َّن األمر ليس هبذا اإلطالق‪ ،‬فهناك دول إسالمية هي اليوم من أعلى دول‬
‫العالم يف دخل الفرد‪.‬‬
‫وهناك دول إسالمية شعوهبا من ْ‬
‫أغنى شعوب العالم على اإلطالق‪.‬‬
‫وهناك دول إسالمية هبا ُمدُ ن علمية‪ ،‬وليس جامعات علمية‪ ،‬بل مدن علمية‪.‬‬
‫خمس مدن علمية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فماليزيا كمثال هبا‪:‬‬
‫لكن هذا المعيار خطأ تما ًما من األساس‪.‬‬
‫فمعيار قياس القيمة والحق بالقوة المالية أو القوة العلمية التجريبية هذا‬

‫‪696‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫معيار فاشل وغبي‪.‬‬


‫فالعربة والقيمة والحق ليسوا بالثراء المالي أو العلمي التجريبي‪.‬‬
‫يحتجون على األنبياء هبذا المعيار الفاشل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ُّ‬ ‫ودائما كان الكفار‬
‫ً‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ﴾ [مريم‪.]25 :‬‬
‫أي الفريقين أفضل ماد ًّيا؟ ( َأ ُّي‬
‫الكفار للمؤمنين إذا ُدعوا لإليمان‪ُّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‬
‫ا ْل َف ِري َق ْي ِن َخ ْي ٌر َّم َقا ًما َو َأ ْح َس ُن ن َِد ًّيا)‪.‬‬
‫ما َعالقة التقدم المادي بكوين على حق أو على باطل؟‬
‫كم من األمم المتقدمة حضار ًّيا‪ ،‬والمتقدمة ماد ًّيا‪ ،‬هي من أبعد الناس عن شرع‬
‫اهلل‪ ،‬وعن دينه‪ ،‬وعن وحيه‪﴿ :‬ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ﴾ [الروم‪.]2 :‬‬
‫فهذه األمم بالمقياس الدنيوي متقدمة ماد ًّيا‪ ،‬لكنهم بالمقياس األخروي يف‬
‫غاية التخ ُّلف والبعد عن وحي اهلل‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [غافر‪.]65 :‬‬
‫فرحوا بالتقدُّ م العلمي!‬
‫أيضا مذمو ًما يف ذاته‪ ،‬وإنما ُيمدح‬
‫ممدوحا يف ذاته‪ ،‬وليس ً‬
‫ً‬ ‫فالتقدم ليس‬
‫التقدم بقدر تزكيته بالوحي اإللهي‪ ،‬و ُيمدح بقدر االنقياد لرب العالمين‪ ،‬وبقدر‬
‫تطبيق الدين‪ ،‬و ُيمدح بقدر انتفاعك هبذا العلم التجريبي المادي‪ ،‬وهبذه األموال‬
‫يف دينك‪ ،‬وبقدر ما تستخدم هذا العلم‪ ،‬وهذا المال يف نفع الناس وصالح‬
‫أحوالهم هلل‪ ،‬وليس للكاميرات والدعاية‪.‬‬
‫فهذا وحده هو التقدُّ م المطلوب‪.‬‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [الحج‪.]01 :‬‬

‫‪692‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فممقوت بال ٍ‬
‫وزن‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فالتقدم المزكَّى بالوحي اإللهي هو المطلوب‪ ،‬أما غيره‬
‫ِ‬
‫المفتقد لإليمان هو تقدُّ م بال قيمة يف ذاته‪ ،‬وهذا النوع من التقدُّ م‬ ‫إذن فالتقدم‬
‫من الممكن أن يؤدي للجنون يف أية لحظة‪.‬‬
‫أكثر‬
‫مثال على ذلك‪ :‬الحرب العالمية الثانية المجنونة‪ ،‬فهذه الحرب قادهتا ُ‬
‫دول العالم تقد ًما ماد ًّيا يف ذاك الوقت‪.‬‬
‫المباشر لهذه الحرب أكثر دول أوروبا تقد ًما‪ ،‬وشعبها‬
‫َ‬ ‫السبب‬
‫َ‬ ‫وكانت ألمانيا‬
‫علما ماد ًّيا‪.‬‬
‫كان أكثر شعوب أوروبا ً‬
‫ومع كل هذا التقدم ُأبيد ‪ %2‬من البشر على يد األلمان‪ ،‬و ُقتل عشرات‬
‫الماليين من البشر باعتبارهم أعرا ًقا أدنى‪.‬‬
‫ِ‬
‫المفتقد لإليمان يؤدي للجنون فعل ًّيا‪.‬‬ ‫فالتقدم‬
‫لكن السؤال هنا‪ :‬هل يتيح اإلسالم بتشريعاته وبتطبيقه تقد ًما ماد ًّيا علم ًّيا‬
‫مزكًّى بالوحي اإللهي؟‬
‫هل كان للمسلمين أمجا ٌد حين ط َّبقوا دين اهلل؟‬
‫أم َّ‬
‫أن هذا لم يحصل؟‬
‫ً‬
‫تساؤال كهذا هو كأنه لم يقرأ يو ًما صفح ًة‬ ‫الجواب‪ :‬يف الواقع َمن يطرح‬
‫واحد ًة يف التاريخ اإلسالمي‪.‬‬
‫وكأن اإلسالم لم ُيقدم للعالم أع َظ َم حضارة‪ ،‬وأرحم حضارة شهدهتا اإلنسانية‪.‬‬
‫ُ‬
‫أطول حضارة‬ ‫وكأن اإلسالم لم يقدم حضار ًة عمرها ‪ 1211‬سنة‪ ،‬وهي‬
‫استمرت بدون توقف أو انقطاع هذه المدة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫على األرض‪،‬‬
‫ألم يقرأ طارح السؤال صفح ًة يف تاريخ اإلسالم ُتنبئ هبذه الحقيقة الناصعة؟‬
‫اهلل به األرض‪.‬‬
‫شرف ُ‬‫اإلسالم الذي َّ‬
‫اإلسالم الذي نشأت به الحضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪693‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالدين الوحيد الذي أنشأ حضارة هو‪ :‬اإلسالم‪.‬‬


‫أما بقية الديانات‪ ،‬فقد احتضنتها حضارات‪.‬‬
‫فالحضارة الغربية احتضنت المسيحية‪ ،‬والحضارة الهندية احتضنت الهندوسية‪.‬‬
‫وأسس اإلسالم‬
‫أما الدين الوحيد الذي أنشأ حضارة فهو‪ :‬اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫"الحضارة اإلسالمية"‪.‬‬
‫واإلسالم الذي بدخوله للقسطنطينية عام ‪ 1035‬ميالدية‪ ،‬انتهت العصور‬
‫الوسطى المظلمة يف أوروبا‪.‬‬
‫فتاريخ انتهاء العصور المظلمة هو ‪ 1035‬ميالدية‪ ،‬وهو العام نفسه الذي‬
‫دخل فيه اإلسالم أوروبا‪.‬‬
‫شع فيها نور العلم بعد أن كانت‬
‫إن دخل اإلسالم قلب أوروبا حتى َّ‬‫فما ْ‬
‫شوارع عواصم أوروبا أشبه بالمراحيض العمومية‪.‬‬
‫ُ‬
‫المكتبة األعظم يف العالم‪ُ ،‬ن ِقش على سقف الصالة‬
‫ِ‬ ‫ويف مكتبة الكونجرس‬
‫دوائر تشير إلى مصادر تقدُّ م الحضارة الغربية‪ ،‬واإلسالم هو‬
‫ُ‬ ‫الرئيسية للمكتبة‬
‫الديانة الوحيدة المذكورة يف الدوائر السبع‪.‬‬

‫‪694‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يختص بالعلوم الطبيعية‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫اإلسالم هو الدين الوحيد المذكور‪ ،‬وهو‬
‫‪ISLAM: PHYSICS‬‬

‫ٍ‬
‫بلدان‪ ،‬وما قدَّ مته هذه البلدان هو‪ :‬تقدُّ م‬ ‫تختص بقية الدوائر بأسماء‬ ‫بينما‬
‫ُّ‬
‫أدبي أو فني أو لغوي!‬
‫فاإلسالم صنع حضارة علمية قوية‪.‬‬
‫وعلى مدى ‪ 211‬سنة كانت اللغة الدولية للعلوم يف العالم هي‪ :‬اللغة العربية‪.‬‬
‫أردت أن تتع َّلم العلوم التجريبية‪ ،‬فال بد أن تتع َّلم العربية‪.‬‬
‫َ‬ ‫فإذا‬

‫‪695‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫جامعة ما زالت تعمل بحسب اليونيسكو يف العالم‪ ،‬هي جامعة‬ ‫وأقدم‬
‫ال َقرويين التي أنشأها المسلمون‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مكتبة يف العالم ما زالت موجود ًة هي مكتبة إسالمية‪.‬‬ ‫وأقدم‬

‫لكن هل نحن َّ‬


‫تأخ ْرنا عن هذا التقدُّ م؟‬
‫نعم‪ ،‬طب ًعا تأخرنا!‬
‫تأخرنا بذنوبنا وبتقصيرنا‪.‬‬
‫تأخرنا بما نجرتحه َّ‬
‫كل يوم من فساد وظلم‪ ،‬وذنوب ظاهرة‪ ،‬وذنوب خلوات‪،‬‬

‫‪696‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وعدم توقير لألمر اإللهي يف حياتنا العامة‪.‬‬


‫فما نحن فيه‪ ،‬فبما جنت أيدينا واهلل‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ﴾ [الشورى‪.]51 :‬‬
‫وعندما ُأصيب خير جيل يف تاريخ هذه األمة ‪-‬جيل الصحابة‪ -‬يوم ُأ ُحد نزل‬
‫قول اهلل ‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [آل عمران‪.]132 :‬‬
‫و َعصي ُتم من بع ِد ما َأرا ُكم ما ُت ِ‬
‫ح ُّب َ‬
‫ون‪ :‬عصيتم أمر النبي ﷺ من بعد ما رأيتم الغنائم‪.‬‬ ‫َ َ ْ ِّ َ ْ َ َ َّ‬
‫فماذا كانت النتيجة؟‬
‫ُأصيب خير جيل‪ ،‬وأتقى جيل‪ ،‬وأصلح جيل يف تاريخ هذه األمة‪.‬‬
‫﴿ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾‬
‫[آل عمران‪.]183 :‬‬
‫فما بالنا بحالنا اليوم؟‬
‫فنحن َّ‬
‫تأخ ْرنا بكثرة ذنوبنا‪.‬‬
‫كل شأنِك‪ ،‬وترقى يف الدنيا‬
‫فإذا أصلحت أ ْم َرك كما أ َم َر ر ُّبك‪ ،‬ينصلح ُّ‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الطالق‪.]5 :‬‬
‫فإن تلتزم باألمر اإللهي يف كل صغيرة وكبيرة يف حياتك‪ ،‬وتتقي اهلل ما‬ ‫ْ‬
‫استطعت‪ ،‬فواهلل ِ‬
‫أبش ْر‪ ،‬فاهلل حسبك‪.‬‬
‫ِ‬
‫احفظ اهلل يحف ْظك"(‪.)1‬‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬‬
‫فإذا اتقت األمة ر َّبها‪ ،‬ص ُلح حا ُلها‪ ،‬وتيسرت لها الخيرات‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.2318 :‬‬

‫‪697‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫بكافر"؟‬
‫ٍ‬ ‫مسلم‬ ‫‪ -67‬هل دم املسلم أىلغ من دم الاكفر حلديث انليب ﷺ‪" :‬ال يقتل‬

‫المعاهد أو الذمي‬
‫َ‬ ‫ج‪ :‬حديث‪َ " :‬ال ُي ْقت َُل ُم ْسلِ ٌم بكافِ ٍر"‪ ،‬ال يعني‪َّ :‬‬
‫أن دم الكافر‬
‫بال ٍ‬
‫قيمة‪.‬‬
‫بولد ِه"(‪ )1‬يعني َّ‬
‫أن دم الولد بال قيمة؟‬ ‫وإال فهل حديث‪" :‬ال ي ْقت َُل والدٌ ِ‬
‫ُ‬
‫الولد دمه حرام‪ ،‬وقتله من أكرب الكبائر‪.‬‬
‫المعاهد والذمي د ُم ُه حرام‪ ،‬وقتله من أكرب الكبائر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫والكافر‬
‫اهدً ا َل ْم َي ِر ْح َرائِ َح َة ا ْل َجن َِّة"(‪.)2‬‬
‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬م ْن َقت ََل ُم َع َ‬
‫مسلما‬
‫ً‬ ‫إن حديث‪َ " :‬ال ُي ْقت َُل ُم ْسلِ ٌم بكافِ ٍر" ليس على إطالقه‪ ،‬فلو َّ‬
‫أن‬ ‫ثم َّ‬
‫كافرا أو خدعه حتى قتله‪ ،‬فهنا ُيقتل المسلم بالكافر‪ ،‬وهذا مذهب‬ ‫استدرج ً‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬واإلمام الليث بن سعد‪ ،‬واإلمام أبي حنيفة‪.‬‬
‫كافرا فللحاكم أن ُيطبق أية عقوبة تعزيرية يراها؛ ليمنع‬
‫المسلم ً‬
‫ُ‬ ‫وإذا قتل‬
‫تكرار هذه الجريمة‪.‬‬
‫لكن هل اإلسالم يقرر َّ‬
‫أن المسلم أفضل من الكافر؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم طب ًعا‪ ،‬هذه عقيدة‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ﴾ [السجدة‪.]16 :‬‬
‫اهلل الكافرين بقوله سبحانه‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ووصف ُ‬
‫ﭤ﴾ [محمد‪.]12:‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [عبس‪.]12 :‬‬
‫فهذه عقيدتنا يف الكافر‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالولد الوالدُ "‪.‬‬ ‫(‪)1‬صحيح ابن ماجه‪ ،‬ح‪ ،2125 :‬بلفظ‪" :‬ال ُ‬
‫يقتل‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5188 :‬‬

‫‪698‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫لألسف كثير من المسلمين أصبحوا يستحون من االستعالء باإلسالم‪ ،‬فقد‬


‫استطاع الغرب أن ُيسقط قيمة االستعالء بالدين من قلوب الناس‪.‬‬
‫فالغرب والثقافة الغربية تلعب باستمرار على وتر عدم تفضيل إنسان على‬
‫آخر على أساس الدين‪.‬‬
‫يف حين َّ‬
‫أن الغرب ُيفاضل بين الناس على أساس أمور أخرى علمانية‬
‫أرضية مادية دنيوية‪.‬‬
‫مثال على ذلك‪ :‬الشخص الحاصل على الجنسية يف الغرب أعلى درج ًة‬
‫بمراحل من غير الحاصل على الجنسية‪.‬‬
‫فهناك تمييز واضح على أساس المواطنة‪ ،‬وعلى أساس الجنسية‪.‬‬
‫فمن يحصل على الجنسية يف بلد غربي يكون وضعه المالي والوظيفي‬ ‫َ‬
‫أفض َل بكثير من غير الحاصل على الجنسية‪.‬‬
‫والقانوين َ‬
‫ولذلك يستميت بعض الناس من أجل الحصول على الجنسية‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حقوق أكثر بكثير من اإلنسان العادي‪.‬‬ ‫فالمواطن الغربي الحاصل على جنسية له‬
‫لزم مواطنيه بدستوره العلماين‪ ،‬وليس من حق المسلم أن ُيطبق‬ ‫والغرب ُي ِ‬
‫شريعة دينه حتى يف قوانين األحوال الشخصية‪.‬‬
‫فالمسلم الفرنسي ُم َلزم بالدستور العلماين الفرنسي‪ ،‬والمسلم الهولندي ُم َلزم‬
‫بالدستور العلماين الهولندي‪ ،‬والمسلم الصيني ُم َلزم بالدستور العلماين الصيني‪.‬‬
‫فمركز القيمة يف الغرب هو القيم العلمانية األرضية الدنيوية‪.‬‬
‫أما مركز القيمة يف اإلسالم فهو الدين‪ ،‬وليس الجنسية‪ ،‬أو اللون‪ ،‬أو كل هذه‬
‫األفكار األرضية‪.‬‬
‫فكل ُأمة مركز القيمة عندها هو المعيار‪.‬‬
‫فهناك تفاضل يف الغرب على أساس الدنيا‪ ،‬وهناك تفاضل يف اإلسالم على‬

‫‪699‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أساس الدين‪.‬‬
‫فأ ُّيهما أولى وأحق‪ :‬اتباع الدنيا أم اتباع الدين؟‬
‫اللعبة اللي يلعبها الغرب أنه يجعلك تخجل من مركز القيمة عندك‪ ،‬ويريد منك‬
‫أن تستورد منه مركز القيمة الخاص به‪ ،‬والذي هو القيم األرضية الدنيوية الساقطة‪.‬‬
‫تتم زيادة الراتب‪ ،‬ويتبدل الوضع االجتماعي بالكلية بمجرد‬
‫يف الغرب ُّ‬
‫الحصول على ورقة الجنسية‪.‬‬
‫يف اإلسالم التفاضل عند اهلل بالتقوى والعمل الصالح؛ ولذلك فقط ًعا‬
‫المسلم أفضل من الكافر‪.‬‬
‫وليس معنى ذلك أن الكافر ُيظلم يف الدولة المسلمة‪.‬‬
‫ففي اإلسالم ليس كون المسلم أفضل من الكافر أننا نظلم الكافر أو نؤذيه‪.‬‬
‫بل يف اإلسالم ُين َفق على الكافر العاجز عن الكسب من بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫يحق لغير المسلم أن يطبق تعاليم دينه يف قوانين األحوال‬
‫ويف اإلسالم ُّ‬
‫الشخصية كيف شاء‪.‬‬
‫فال توجد تعدُّ دية حقيقية إال يف اإلسالم‪ ،‬وشرع اإلسالم‪.‬‬
‫مجوسي تزوج ابنته‬
‫ٌّ‬ ‫ويف كتـاب المغني البن قدامة تأيت هذه المسألة‪" :‬‬
‫فأولدها بنتًا ثم مات عنهما فلهما الثلثان"‪.‬‬
‫فهنا يتحدَّ ث المصنِّف ‪ ‬عن‪ :‬زواج المجوسي من ابنته‪ ،‬وهذا مقبول‬
‫يف شريعتهم‪ ،‬فيحكي ابن قدامة تقسيم الرتكة يف هذه الحالة‪.‬‬
‫هل ُتتيح النظم العلمانية هذه التعدُّ دية التي َّ‬
‫أقرها اإلسالم منذ ‪ 1011‬عام؟‬
‫المعاهد أو الذمي بأي صورة من صور‬
‫َ‬ ‫يف اإلسالم ال يجوز إيذاء الكافر‬
‫األذى‪.‬‬
‫فوق طاقتِ ِه‪ ،‬أو َ‬
‫أخذ‬ ‫انتقص ُه‪ ،‬أو ك َّل َف ُه َ‬
‫َ‬ ‫ظلم ُمعاهدً ا‪ِ ،‬‬
‫أو‬ ‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬أ َال َمن َ‬

‫‪700‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ِ‬ ‫من ُه شي ًئا ب َغ ِير ِ‬


‫القيامة"(‪.)1‬‬ ‫نفس‪ ،‬ف َأنا َح ُ‬
‫جيج ُه يو َم‬ ‫طيب ٍ‬
‫كافرا يوم القيامة‪.‬‬
‫حجيج َمن يظلم ً‬
‫ُ‬ ‫فالنبي ﷺ‬
‫تخ َّيل لو َّ‬
‫أن رئيس دولة أوروبية خرج على شعبه ليقول لهم‪ :‬أنا سأقف‬
‫شخصا غري ًبا عن هذه البلد‪.‬‬
‫ً‬ ‫بنفسي يف ساحة المحكمة أمام أي مواطن يظلم‬
‫لن يصدقه أحد‪.‬‬
‫سيتحول أليقونة يف العالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫لكن نفس هذا الكالم قاله النبي ﷺ منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام‪.‬‬
‫يف الغرب ُيسنُّون باستمرار قوانين ُتقيد الهجرة‪ ،‬و ُتضيق على المهاجرين‪.‬‬
‫فهذا هو الفرق بين تشريع اإلسالم وبين علمانية الغرب اليوم‪.‬‬
‫اإلسالم نعم استعالء وعزة باإليمان‪ ،‬لكنَّه يف الوقت نفسه عدل وحكمة‬
‫ورحمة مع غير المسلم‪.‬‬
‫الغرب استعالء دنيوي أرضي‪ ،‬ويلزم الجميع بقوانينه‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ -68‬ملاذا يدخل انلار من يعمل أعماال صاحلة اكملشاريع اخلريية إذا لم يؤمن؟‬

‫أوًل‪ :‬العمل الصالح هذا أمر ُفطر عليه اإلنسان‪.‬‬


‫ج‪ :‬ا‬
‫مفطور على فعل الخير‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فاإلنسان‬
‫ً‬
‫أعماال صالحة بمقتضى الفطرة‪ ،‬وهو‬ ‫فاإلنسان يسير َو ْفق فطرته فيعمل‬
‫مكاف ٌأ على عمله الصالح ْ‬
‫بحسب نيته‪.‬‬
‫﴿ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [الشورى‪.]21 :‬‬

‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5132:‬‬

‫‪706‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وجه اهلل‪.‬‬
‫فهناك َمن يعمل العمل الصالح يريد اآلخرة ويريد ْ‬
‫وهناك َمن يعمل العمل الصالح من أجل الكاميرات ومجد الدنيا‪.‬‬
‫وعلى كل إنسان أن يذهب لمن يعمل له؛ ليحصل على أجرته منه‪.‬‬
‫تخيل إنسانًا قام أه ُله برتبيته واإلنفاق عليه حتى صار شا ًّبا قو ًّيا‪ ،‬ثم ذهب لغيرهم‬
‫يحق له أن يعود ألهله ليقول لهم‪ :‬أعطوين ُأجرة خدمتي لغيركم؟‬ ‫ليخدمهم‪ ،‬هل ُّ‬
‫فليذهب لمن كان يخدمهم وليحصل على أجرته منهم‪.‬‬
‫ْ‬
‫وهلل المثل األعلى‪.‬‬
‫فاهلل هو الذي خلقك ورزقك وامت َّن عليك بكل النعم‪ ،‬ثم ترتك عبادته‪،‬‬
‫وتريد أن تأخذ منه أجر عملك؟‬
‫كيف هذا؟‬
‫ولذلك قال اهلل ‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾‬
‫[الفرقان‪.]25 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النور‪.]52 :‬‬
‫كفار‬
‫صالحا؛ ألهنم ٌ‬
‫ً‬ ‫فالذين كفروا ال يستح ُّقون الثواب على العمل وإن كان‬
‫لم يقصدوا بالعمل الصالح أن ينالوا ثواب رهبم‪ ،‬وال ابتغوا به رضا ِ‬
‫خالقهم‪.‬‬
‫فليست القضية يف مجرد العمل الصالح‪ ،‬فنحن جمي ًعا مفطورون على ٍ‬
‫كثير من‬
‫األعمال الصالحة‪ ،‬وإنما القضية لماذا تعمل هذا العمل الصالح‪ ،‬ولمن تعمله؟‬
‫وهل تعمله لمصلحتك الشخصية أو تعمله ريا ًء أو تعمله لغير اهلل؟‬
‫فكل هذا ليس يف سبيل اهلل‪ ،‬وال ُيرجى منه ثواب العمل الصالح الذي ُيرجى من اهلل‪.‬‬
‫ُ‬
‫الحصول‬ ‫فشرط قبول العمل الصالح هو ْ‬
‫أن‪ُ :‬يقصد به وج ُه اهلل‪ ،‬أي‪ُ :‬يقصد به‬
‫على ثوابه من اهلل‪.‬‬

‫‪702‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أما الشخص الكافر باهلل الذي يعبد مع اهلل آله ًة أخرى‪ ،‬أو يعمل األعمال‬
‫اذهب لمن أشركتهم‬
‫ْ‬ ‫مسلما‪ ،‬فنقول له‪:‬‬
‫ً‬ ‫الصالحة من أجل الكاميرات وإن كان‬
‫ترج بأعمالك‬
‫مع اهلل يف عملك الصالح‪ ،‬واحصل على أجرك منهم‪ ،‬فأنت لم ُ‬
‫الصالحة وجه اهلل وحده‪.‬‬
‫كر‪ ،‬ما‬ ‫األجر ِّ‬
‫والذ َ‬ ‫َ‬ ‫يلتمس‬
‫ُ‬ ‫رجال غزا‬ ‫أرأيت ً‬
‫َ‬ ‫رجل إلى النَّبي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫جا َء ٌ‬
‫ِّ‬
‫رسول اهللِ‪ :‬ال‬
‫ُ‬ ‫يقول َل ُه‬
‫ات‪ُ ،‬‬ ‫ثالث مر ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ :‬ال شي َء َل ُه‪ ،‬فأعا َدها‬
‫ُ‬ ‫َل ُه؟ َ‬
‫فقال‬
‫ِ‬
‫غي بِه ُ‬
‫وجه ُه(‪.)1‬‬ ‫خالصا‪ ،‬واب ُت َ‬
‫ً‬ ‫كان َل ُه‬ ‫اهلل ال ُ‬
‫يقبل م َن العم ِل َّإال ما َ‬ ‫ثم َ‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫إن َ‬ ‫شي َء َل ُه‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫والذكر بين الناس‪:‬‬ ‫كر‪ ،‬أي‪ :‬يلتمس األجر من اهلل‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والذ َ‬ ‫األجر‬
‫َ‬ ‫يلتمس‬
‫ُ‬
‫بالمديح والشهرة‪ ،‬فهذا عمله مردو ٌد‪.‬‬
‫إذ ال بد من إخالص العمل هلل‪ ،‬وهذا هو العمل الذي ُيرجى أجره من اهلل‪.‬‬
‫البعض يفعل األعمال الصالحة اتفا ًقا أو عاد ًة‪ ،‬والبعض يفعل األعمال‬
‫بم ْن يعمل‬
‫الصالحة لمزيد سعادة وتسميع يف الدنيا‪ ،‬فهل يستوي هؤالء عند اهلل َ‬
‫ورضا بعبوديته‪ ،‬واتبا ًعا ألمره؟‬
‫انكسارا هلل‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫األعمال الصالحة‬
‫ثان ايا‪ :‬العبودية هلل ُتغ ِّير مفاهيم العمل الخيري ً‬
‫تغييرا جذر ًّيا‪.‬‬
‫تصب‬
‫ُّ‬ ‫دائما تجد أعمالهم‬
‫فالذين يعملون األعمال الصالحة من أجل الدنيا‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫بطريق أو بآخر لمصالحهم ولمصالح أيديولوجياهتم‪.‬‬ ‫يف األخير‬
‫المحض‪ ...‬الخير الذي‬
‫ْ‬ ‫فهذه أعمال يعملوهنا ليس لها َعالقة مباشرة بالخير‬
‫ليس من ورائه مصلحة‪.‬‬
‫بل هي أعمال صالحة لمصالح دنيوية‪.‬‬
‫فتجد منهم َمن يتربَّع بالمليارات لخدمة توصيل إنرتنت للدول الفقيرة‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬ح‪.5101:‬‬

‫‪703‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫و َمن يتربع بماليين لمشاريع البحث عن حياة خارج األرض‪.‬‬


‫و َمن يتربع بماليين لدعم وسائل تنظيم األسرة يف الدول الفقيرة‪.‬‬
‫العمل الخيري عندهم‪ :‬مصالح‪ ...‬سوق‪ ...‬ماركتنج!‬
‫بينما العبودية هلل ُتغير مفهوم العمل الخيري‪ ،‬ومقاصد العمل الخيري‪.‬‬
‫ولنتخيل صورة أخرى‪:‬‬
‫طيب أخالق ًّيا‪ ...‬لم ُيؤذ إنسانًا وال حشرة‪ ...‬لم يسرق ولم يقتل‪...‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجل‬
‫عاش طي ًبا أخالق ًّيا إلى أن مات لكنه لم ُيسلم!‬
‫فهل يدخل النار؟‬
‫والجواب تعرفه من هذا المثال‪ :‬لو َّ‬
‫أن طال ًبا َيدرس يف مدرسة‪ ،‬وكان هذا‬
‫كريما يف أخالقه مع معلميه وزمالئه‪ ،‬إلى أن انتهى العام الدراسي لكنه‬
‫ً‬ ‫الطالب‬
‫فقط لم يكن يذاكر دروسه‪ ...‬لم يرا ِع التكليف األساسي الذي ُكلف به والذي‬
‫من أجله دخل المدرسة‪.‬‬
‫حق االعرتاض يف آخر العام إذا رسب؟‬‫فهل له ُّ‬
‫هل له أن يقول‪ :‬كيف أرسب‪ ،‬وأنا لم ُأؤذ إنسانًا طوال العام الدراسي؟‬
‫الجميع سيضحكون عليه!‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما معيار نجاحه‬
‫ُ‬ ‫ألن معيار نجاحه ليس يف أن يكون على ُخ ُلق‬
‫الجوهري واألساسي أن يلتزم بالدراسة‪.‬‬
‫يلتزم بما شرعته المدرسة من واجبات ودروس‪ ،‬ويجتهد وينجح فيما ُكلف به‪.‬‬
‫هذا هو المعيار األساسي للنجاح‪.‬‬
‫فإذا عمل ما ُكلف به‪ ،‬والتزم بدروس المدرسة‪ ،‬والتزم باألخالق فهني ًئا له‪.‬‬
‫بالقياس نفسه‪ :‬معيار وجودك يف هذا العالم هو التكليف اإللهي‪ ،‬والعبودية هلل‪،‬‬
‫واإليمان بمالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وليس فقط أن تفعل األخالق الحسنة‪.‬‬

‫‪704‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فالذي ال يؤمن باهلل هو ُمعا َقب على كفره باهلل‪ُ ...‬معا َقب على رفضه ما ُكلف‬
‫به‪ُ ...‬معاقب على رده على اهلل وحيه‪ُ ...‬معاقب على هذا بدخول النار‪ ،‬ولو كان من‬
‫أطيب الناس وأدمثهم ُخل ًقا‪.‬‬
‫عقاب على كفره‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فدخو ُله النار هو‬
‫ً‬
‫أعماال خيرية فحسب‪ ،‬وإنما جاء إلى الدنيا‬ ‫فاإلنسان جاء إلى الدنيا ال ليعمل‬
‫يف األساس ليعبد اهلل حق العبودية‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾‬
‫[الذاريات‪.]38 :‬‬
‫كافرا‪.‬‬
‫والكل يعلم أنه جاء للعبودية هلل‪ ،‬حتى ولو كان ً‬
‫والكل مشغول باهلل حتى ولو كان ملحدً ا‪.‬‬
‫فاهلل هو الذي يتك َّلم عنه المالحدة طوال الوقت‪.‬‬
‫فالعبودية هلل هي ُشغل اإلنسان الشاغل حتى ولو كفر باهلل‪.‬‬
‫دائما يفكر يف العبودية هلل‪ ،‬ويستولي هذا األمر على كيانه؛ ألنه‬
‫واإلنسان ً‬
‫يعلم أنه جاء من أجله‪.‬‬
‫فمن كفر باهلل‪ ،‬وعاند فطرته‪ ،‬ور َّد الوحي اإللهي الذي جاء عرب األنبياء فهو‬
‫َ‬
‫معاقب على كفره‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فالكافر ُمعا َقب على كفره بأكرب بديهة يف حياته على اإلطالق‪ ...‬بديهة‬
‫اإليمان باهلل‪ ،‬والعبودية له وحده سبحانه‪.‬‬
‫و َمن َعمل َّ‬
‫كل األعمال الخيرية‪ ،‬وتربَّع بملء األرض ذه ًبا للفقراء‪ ،‬لن تنفعه‬
‫بشيء عند اهلل طالما لم ُيسلِم‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ٍ‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪.]63 :‬‬


‫﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [المائدة‪.]58 :‬‬

‫‪705‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫سول اهللِ‪ ،‬اب ُن ُجدْ َ‬


‫سألت عائش ُة ‪َّ ‬‬
‫كان يف‬‫عان َ‬ ‫لت‪ :‬يا َر َ‬‫النبي ﷺ فقالت‪ُ :‬ق ُ‬ ‫ْ‬
‫ذاك نافِ ُع ُه؟ َ‬
‫قال‪ :‬ال َينْ َف ُع ُه‪ ،‬إنَّه َل ْم‬ ‫هل َ‬‫الم ْسكِي َن‪َ ،‬ف ْ‬
‫الجاهلِي ِة ي ِص ُل الر ِحم‪ ،‬وي ْط ِعم ِ‬
‫َّ َ ُ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ِ‬
‫َي ُق ْل َي ْو ًما‪َ :‬ر ِّب ا ْغ ِف ْر لي َخطِي َئتي َيو َم الدِّ ِ‬
‫ين(‪.)1‬‬

‫‪ -69‬هل األخالق مطلقة أم نسبية؟‬

‫أخالقي عند قوم ربما يكون‬ ‫ج‪ :‬يزعم الملحد َّ‬


‫أن األخالق نسبية‪ ،‬فما هو‬
‫ٌّ‬
‫غير أخالقي عند غيرهم‪.‬‬
‫مضطر لهذا االعتقاد بنسبية األخالق؛ ألنك إلحادي يف عالم‬ ‫ٌّ‬ ‫والملحد‬
‫بالمطلقية هو‬
‫نسبي عبثي‪ ،‬وبالتالي فال بد أن تكون األخالق نسبية‪ ،‬بينما القول ُ‬
‫إقرار بوجود قِ َيم متجاوزة‪ ،‬وهذا يعني غائية كربى‪ ،‬لكن هذه أمور غير موجودة‬
‫يف اإللحاد؛ لذلك هم ُمضطرون للقول بنسبية األخالق‪.‬‬
‫لكن اإلشكال يف القول بنسبية األخالق‪َّ ،‬‬
‫أن هذا القول ُيد ّمر معنى الشبهة‬
‫من البداية‪.‬‬
‫فكيف لملحد أن ينتقد مسألة دينية‪ ،‬وهو يزعم َّ‬
‫أن األخالق نسبية؟‬
‫هذا تناقض ظاهر‪.‬‬
‫إذ لو كانت األخالق نسبية فربما ما يظنُّ ُه الملحد خط ًأ وشبه ًة هو عين الصواب‪.‬‬
‫فعال األخالق نسبية؟‬
‫لكن هل ً‬
‫فكرة نسبية األخالق هي فكرة ُتدمر العالم حرف ًّيا؛ َّ‬
‫ألن األخالق لو كانت‬
‫نسبية لما استطعت أن تحاكم هتلر‪.‬‬
‫ولما استطعت أن تحاكم أية جريمة‪.‬‬
‫فما تظنُّ ُه أنت جريمة قد يكون هو عين الحق والخير‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.210 :‬‬

‫‪706‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ففكرة األخالق النسبية هي فكرة تدمر معنى المحاكم والقضاء والدساتير‪.‬‬


‫فكرة األخالق النسبية تدمر معنى الدولة‪.‬‬
‫إذ كيف ُأحاكمك على جريمة قد يكون ارتكا ُبها صوا ًبا عندك؟‬
‫سنتحول واهلل بعد ساعات إلى‬
‫َّ‬ ‫إذا سار العالم َو ْفق هذه الرؤية اإللحادية‬
‫غابة من المجانين والهمج‪.‬‬
‫ٍ‬
‫قليلة إذا صدَّ ق اإللحاد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ساعات‬ ‫سينهار العالم يف‬
‫ومن فضل اهلل َّ‬
‫أن هناك إجما ًعا فطر ًّيا إنسان ًّيا على ضرورة معاقبة المجرم‪،‬‬
‫مناقض لما عليه اإللحاد‪ ،‬ومصدر هذا اإلجماع هو َّ‬
‫أن‪ :‬األخالق‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا اإلجماع‬
‫مطلقة واإلنسان ُمك َّلف‪.‬‬
‫فلو كانت األخالق نسبية لما أجمع البشر على ضرورة معاقبة المجرم‪،‬‬
‫ولما كان لمعاقبته معنًى‪.‬‬
‫أيضا مكل ًفا لما استطعنا محاكمته‪.‬‬
‫ولو لم يكن اإلنسان ً‬
‫فقوام القانون والدستور والمحاكم والقضاء والعقوبة والجزاء وقوام الدولة‬
‫أن اإلنسان ُمك َّلف‪.‬‬
‫أن األخالق مطلقة‪ ،‬وعلى َّ‬
‫ككل على َّ‬
‫ومجرد التشكيك يف هذه البديهات‪ ،‬هذا يسقط الدولة‪.‬‬
‫ُيسقط اإلنسان‪.‬‬
‫ِ‬
‫أحض ْر مجموعة من‬ ‫ِ‬
‫ساعتين‪ ،‬فاألمر يسير‪:‬‬ ‫إذا أردت إسقاط دولة يف‬
‫وح ِّك ْم بينهم اإللحاد!‬
‫الملحدين‪َ ،‬‬
‫تم َّر ساعة واحدة بعد تحكيم اإللحاد حتى يخرجوا كالمجانين‬
‫صدقني لن ُ‬
‫يف الشوارع‪ ،‬ويف الساعة الثانية سينهار كل شيء‪.‬‬
‫ال بقاء لإللحاد إال ببقايا النبوات‪.‬‬
‫ال بقاء لإللحاد إال ببقايا القيم الدينية‪.‬‬

‫‪707‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ال بقاء لإللحاد إال بتحكيم األخالق المطلقة‪.‬‬


‫ال بقاء لإللحاد إال ببقايا الفطرة‪.‬‬
‫التصور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫اإللحاد فكرة ال تصلح للتطبيق وال حتى‬
‫مضطر للقول بنسبية األخالق حتى يتفق مع‬
‫ٌّ‬ ‫المشكلة َّ‬
‫أن الملحد كما قلت‬
‫إلحاده ال أكثر‪.‬‬
‫اإللحاد يخالف بديهيات‪.‬‬
‫اإللحاد يخالف إجما ًعا فطر ًّيا إنسان ًّيا‪.‬‬
‫لكن لماذا نقطع َّ‬
‫بأن األخالق مطلقة يف كل عصر‪ ،‬ويف كل مكان؟‬
‫والجواب‪َّ :‬‬
‫ألن األخالق موضوعية‪ ،‬وليست ذاتية‪.‬‬
‫األخالق ‪.Objective‬‬
‫وليست ‪.Subjective‬‬
‫الشيء الموضوعي هو‪ :‬الشيء يف حقيقته‪ ،‬فنقول هذا كتاب‪.‬‬
‫هذا شيء موضوعي‪.‬‬
‫أما عندما تقول‪ :‬أنا أحب هذا الكتاب‪ ،‬فهذه قضية ذاتية‪.‬‬
‫فهل األخالق تخضع للميول أو الحب أو الكراهية؟ أم أهنا شيء مستق ٌّل‬
‫عن ميول البشر؟‬
‫ٌّ‬
‫مستقل تما ًما عن ميول كل البشر‪.‬‬ ‫األخالق بال جدال هي شيء‬
‫خير‬
‫فاألخالق ال تعتمد على رغبات البشر أو نزواهتم أو ميولهم‪ ،‬فالخير ٌ‬
‫شر عند الصالح والطالح‪.‬‬
‫عند الصالح والطالح‪ ،‬والشر ٌّ‬
‫إذن فاألخالق موضوعية وليست ذاتية‪.‬‬
‫فاألخالق تعتمد على شيء خارج الميل البشري تما ًما‪ ...‬تعتمد على إرادة‬
‫اهلل التي يريدها لهذا العالم‪.‬‬

‫‪708‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فاألخالق لها غرضية كونية‪ ،‬وفيها االستقالل التام عن إرادة البشر‪.‬‬


‫والقيم األخالقية يعتنقها كل إنسان بوعي أو بغير وعي‪.‬‬
‫فك ُّلنا نعتنق معاين القيم األخالقية‪ ،‬وال أحد ينكر التكليف اإللهي بداخله‪،‬‬
‫والذي تمثل األخالق جز ًءا منه‪.‬‬
‫فكلنا ُن ِق ُّر بوجود هذا التكليف‪.‬‬
‫حتى َمن يرتكب كل فاحشة يعلم تما ًما ما هو أخالقي‪ ،‬ويعلم ضرورة‬
‫الواجب األخالقي‪ ،‬وقيمة الواجب األخالقي‪.‬‬
‫ومن بديهيات كون األخالق مطلقة أهنا ال يوجد فيها أي تطور‪...‬‬
‫فالصدق هو الصدق عرب كل التاريخ البشري‪ ،‬والكذب هو الكذب عرب كل‬
‫التاريخ البشري‪.‬‬
‫ويف عصور ما قبل الميالد حوالي ‪ 311‬سنة قبل الميالد‪ ،‬قام يوربيديس‬
‫‪ Euripides‬بكتابة مسرحية "نساء طروادة ‪ "The Trojan Women‬وهي مسرحية‬
‫أخالقية‪ ،‬وقد أكمل سارتر كتابة هذه المسرحية منذ حوالي ‪ 21‬سنة فقط‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لن تجد أية فجوة زمنية بين التاريخين‪.‬‬
‫فمعاين القيم األخالقية لم تتغير ولن تتغير‪.‬‬
‫وكتابات شيشرون ‪ Cicero‬األخالقية تستطيع تقييمها يف كل زمن بالميزان نفسه‪.‬‬
‫والقيم األخالقية يمكن وض ُعها يف أي عصر من العصور وستناسبه تما ًما‪.‬‬
‫وأي مسلم يحرص على أن يقتدي بأخالق السلف الصالح ممن عاشوا قبل‬
‫ُّ‬
‫مئات السنين‪.‬‬
‫فاألخالق ليس فيها تقدُّ م‪ ،‬بل هي ثابتة عرب كل عصر وكل مكان‪.‬‬
‫أصال إال ألن األخالق مطلقة‪ ،‬وثابتة عرب الزمن‪.‬‬
‫ولن يفهم الملحد الشبهة ً‬
‫لكن الملحد ونتيج ًة إللحاده فإنه يقع يف تناقض ذايت عجيب؛ إذ يقول بـ‪:‬‬

‫‪709‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وجود الشبهة يف مسألة أخالقية معينة يف الدين‪ ،‬وبعد لحظات ينقض شبهته‬
‫بنفسه ويقع يف تناقض عجيب حين يقول َّ‬
‫إن‪ :‬األخالق نسبية‪.‬‬
‫أصال‪.‬‬
‫لو كانت األخالق نسبية لما كان لشبهتك معنًى‪ ،‬ولما استوعبت الشبهة ً‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ ُ َّ‬
‫‪ -70‬كيف يكون هناك ملك موَّك بالسحاب‪ ،‬مع أننا نعرف األسباب الطبيعية‬
‫املادية لسري السحب؟‬

‫بالس َح ِ‬
‫اب‪ ...‬هذا ال مانع عقلي منه!‬ ‫ج‪ :‬كون وجود ملك ُم َوك ٌَّل َّ‬
‫ما المانع العقلي من ذلك؟‬
‫ٍ‬
‫لظاهرة ما ال ينفي وجود ُبعد غيبي فيها‪.‬‬ ‫ومعرفة السبب المادي‬
‫ومعرفة اآللية المادية لحصول الرعد ال ينفي وجود ُبعد غيبي‪ ،‬وال ينفي‬
‫وجود تدبير وتقدير‪ ،‬و َم َلك يقوم باألمر‪ ،‬وحكمة إلهية‪.‬‬
‫فال مانع علمي وال عقلي يمنع من ترادف ذلك‪ ...‬ال مانع عقلي يمنع من‬
‫تزامن وجود ُبعد غيبي يف قضية لها أسباب مادية ظاهرة‪.‬‬
‫فسرة علم ًّيا هذا غير ممتنع‪.‬‬
‫فوجود ُبعد غيبي لقضية ُم َّ‬
‫إن التفسير العلمي يف األساس غير ٍ‬
‫كاف لتعليل أية ظاهرة‪.‬‬ ‫بل َّ‬
‫فإذا تساءلنا‪ :‬لماذا يحصل الرعد؟‬
‫سيجيب العلم‪ :‬نتيجة صدمة صوتية‪.‬‬
‫سنسأل‪ :‬لماذا حصلت الصدمة الصوتية؟‬
‫يجيب العلم‪ :‬نتيجة ارتفاع مفاجئ يف الضغط الجوي‪.‬‬
‫سنسأل‪ :‬لماذا االرتفاع الجوي يو ِّلد صدمة صوتية؟‬
‫سيجيب العلم‪ :‬هكذا جرى األمر‪.‬‬
‫‪Just so‬‬

‫‪760‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫تعليال ذات ًّيا كاف ًيا لتفسير أية ظاهرة بالعلم وحده‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال نملك‬
‫مثال آخر‪ :‬لماذا يحصل الربق؟‬
‫سيجيب العلم‪ :‬بسبب حصول تفريغ كهربي عند فرق جهد معين‪.‬‬
‫سنسأل‪ :‬لماذا يحصل تفريغ كهربي عند فرق جهد معين؟‬
‫سيجيب العلم‪ :‬هكذا جرى األمر‪.‬‬
‫‪Just so‬‬
‫مثال ثالث‪ :‬لماذا َيغلي الماء عند مائة درجة مئوية؟‬
‫سيجيب العلم‪ :‬هكذا جرى األمر‪.‬‬
‫‪Just so‬‬
‫وربما هنا يف هذا السؤال األخير يقول متفذلك‪ :‬عند الدرجة مائة مئوية يكتسب‬
‫فيتحول الماء لبخار‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الماء الطاقة الالزمة للتغ ُّلب على قوى الجذب الجزيئية‬
‫وهو هبذا الجواب قام بتأخير اإلجابة بـ "هكذا جرى األمر" خطوة واحدة‬
‫للوراء ال أكثر‪.‬‬
‫ألننا إذا سألناه‪ :‬لماذا عند درجة مائة مئوية تتف َّكك قوى الجذب الجزيئية؟‬
‫ستبقى اإلجابة يف األخير‪ :‬هكذا جرى األمر‪.‬‬
‫‪Just so‬‬
‫تعليال كاف ًيا للظاهرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫شرح آللية عمل الظاهرة‪ ،‬وليس‬
‫فالتفسير العلمي هو ٌ‬
‫فاالكتفاء بالتفسير العلمي هو يف حد ذاته غير ٍ‬
‫كاف طبيع ًّيا‪.‬‬
‫فوجود ُبعد غيبي‪ ،‬هذا ال مانع منه‪ ،‬بل هو ُمقتضى البديهة العقلية عند ُأولي‬
‫األلباب لمن نَظر يف عالم األسباب‪ ،‬ولمن نظر يف طبيعة التفسير العلمي‪.‬‬
‫فمن َن َظر يف عالم األسباب ويف طبيعة التفسير العلمي سيعرف أن عالم‬
‫َ‬
‫األسباب وعالم التفسير العلمي ال يكفيان بذاهتما لتعليل أية ظاهرة‪.‬‬

‫‪766‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يقول الدكتور أبو الفداء ابن مسعود‪" :‬فاهلل ‪ ‬يقضي األمر يف السماء‪،‬‬
‫فتجري أسباب حصوله على يد مالئكة موكَّلة بدقائق األمر على ٍ‬
‫نحو يحفظ‬
‫للقانون السببي اطرا َد ُه‪ ،‬وللتفسير الطبيعي عم َل ُه‪ ،‬وال يحصل يف األخير إال ما‬
‫يقضي اهلل به يف قضائه الشامل بضبط وإحكام وتسيير وحكمة َو ْفق نواميس‬
‫نعلمها أو ال نعلمها‪ ،‬تتج َّلى لنا أو تخفى علينا‪ ،‬وهذا هو عين اإليمان بتقدير اهلل‬
‫لكل شيء وتدبيره لكل صغيرة وكبيرة يف هذا الكون(‪.)1‬‬
‫سبحانه المليك المقتدر‪.‬‬
‫فالرعد الذي هو ناتج تمدُّ د الهواء تمد ًدا شديدً ا؛ هذا التمدُّ د ال مانع عقلي‬
‫من أن تكون له علل غيبية خفية َّ‬
‫سخرها اهلل عرب مالئكته‪.‬‬
‫وزجر السحب يجري عرب مالئكة‪ ،‬وهذا ال مانع منه‪.‬‬
‫فعملية الزجر للسحاب على يد المالئكة هي يف األساس عملية غيبية‪ ،‬فهذا‬
‫محض‪.‬‬
‫غيبي ٌ‬
‫عالم ٌّ‬
‫ٌ‬
‫إذ َّ‬
‫إن عالم المالئكة وما تقوم به هو من عالم الغيب الذي ال قياس له على‬
‫شيء مما يف عالمنا المادي‪.‬‬
‫فال مانع علمي وال مانع عقلي من ترادف أسباب غيبية مع األسباب الطبيعية‬
‫الظاهرة‪ ،‬خاص ًة وأن األسباب الطبيعية الظاهرة هي يف حد ذاهتا كما قلنا ليست‬
‫تفسيرا للظاهرة‪ ،‬وال تكفي لتفسير الظاهرة‪.‬‬
‫ً‬
‫فكل شيء يف األخير يخضع لتدبير اهلل وحكمته ومشيئته وتقديره‪ ،‬وما شاء كان‪،‬‬
‫وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة سبحانه‪﴿ :‬ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ﴾ [الرعد‪.]2 -6 :‬‬

‫)‪ (1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء ابن مسعود‪ ،‬م ‪ 2‬ص‪.035‬‬

‫‪762‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫عني محئ ٍة؟‬


‫‪ -76‬كيف تغرب الشمس يف ٍ‬

‫ج‪ :‬يف قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾‬


‫[الكهف‪.]68 :‬‬
‫َو َجدَ َها َت ْغ ُر ُب فِي َع ْي ٍن َح ِم َئ ٍة‪ :‬هذا يف عينه هو‪ ...‬يف عين ذي القرنين‪.‬‬
‫وهذا كقول َمن يقول‪ :‬غربت الشمس خلف الجبل‪.‬‬
‫فأنا أفهم ماذا تقصد هبذا الكالم‪.‬‬
‫فمن قال هذا يقصد َّ‬
‫أن الشمس غابت خلف الجبل يف عينك‪ ،‬وليس أهنا‬
‫اختفت وراء الجبل على الحقيقة إلى اليوم التالي‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حمئة‪،‬‬ ‫لكن لماذا ال يكون مقصود القرآن بالفعل َّ‬
‫أن‪ :‬الشمس تغرب يف عين‬
‫ثم تبقى فيها إلى شروق اليوم التالي؟‬
‫هناك قاعدة يف اإلسالم قد تناول ُتها بالشرح يف الباب السابق‪ ،‬يف الرد على‬
‫نفس هذه الشبهة وهي قاعدة "إحالة المتشابه إلى المحكم"‪.‬‬
‫فهم ُه تحيله إلى المحكم‪.‬‬
‫فما اشتبه عليك ُ‬
‫تعلم َّ‬
‫أن المقصود هو‬ ‫المحكم يف القرآن‪ْ ،‬‬
‫وبإحالة ما اشتبه عليك فهمه إلى ُ‬
‫غروب الشمس يف نظر ذي القرنين‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن الشمس تدخل داخل عين حمئة‪.‬‬

‫‪763‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إن‪ :‬الشمس تجري يف َفلك ال تتو َّقف‪.‬‬


‫فالمحكم يف القرآن يقول َّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭ﴾‬
‫[األنبياء‪.]55:‬‬
‫إذن المحكم هو َّ‬
‫أن‪ :‬الشمس تجري يف فلك بال توقف‪.‬‬
‫﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [إبراهيم‪.]55 :‬‬
‫دائبان ال يتو َّق ِ‬
‫فان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الشمس والقمر‬
‫ْ‬
‫إذن ففكرة دخول الشمس داخل عين حمئة واستقرارها فيها حتى شروق‬
‫اليوم التالي هذا ُمخالف للنص القرآين صراحةً‪.‬‬
‫وبالتالي فال ُتحمل هذه اآلية‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [الكهف‪ ]68 :‬إال‬
‫على َّ‬
‫أن الشمس تغرب يف نظر ذي القرنين يف عين حمئة‪.‬‬
‫وقضية وجود المتشابه يف القرآن‪ ،‬والحكمة من ذلك قد تناول ُتها بالتفصيل‬
‫يف الفصول السابقة‪.‬‬
‫فالذي يبتغي الكفر سيتَّبع المتشابه ويتجاهل المحكم‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [آل عمران‪.]2 :‬‬
‫ا ْبتِ َغا َء ا ْل ِف ْتن َِة‪ :‬ابتغاء الكفر‪.‬‬

‫‪ -72‬هل الشمس تسجد حتت العرش؟‬


‫ج‪َ :‬ق َال النَّبي ﷺ ألبِي َذر ِحين َغرب ِ‬
‫لت‪:‬‬ ‫الش ْم ُس‪ :‬أ َتدْ ِري أ ْي َن َت ْذ َه ُ‬
‫ب؟ ُق ُ‬ ‫ت َّ‬ ‫َ ََ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُّ‬
‫ش ‪.‬‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫ب حتَّى َت ْس ُجدَ َت ْح َت ال َع ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورسو ُل ُه أ ْع َل ُم‪َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬فإن ََّها َت ْذ َه ُ‬ ‫اهلل َ‬
‫ُ‬
‫هذه الشبهة ُتناقض الشبهة السابقة‪ ،‬لو كانت هذه الشبهات صحيحة‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5122 :‬‬

‫‪764‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فكيف للشمس أن تغرب يف عين حمئة‪ ،‬وهي يف الوقت نفسه تسجد تحت‬
‫العرش وقت الغروب؟‬
‫فهل هي يف العين الحمئة‪ ،‬أم تحت العرش؟‬
‫فهذا يبين تناقض طارحي مثل هذه الشبهات‪.‬‬
‫واآلن لنجيب عن سؤال‪ :‬كيف تسجد الشمس تحت العرش كما ورد يف الحديث‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬من المعلوم يف دين المسلمين باالتفاق أن العرش هو "سقف‬
‫المخلوقات جمي ًعا"(‪.)1‬‬
‫هذا أمر معلوم يف اإلسالم‪.‬‬
‫فالعرش هو سقف المخلوقات‪ ...‬سقف جميع العوالم‪.‬‬
‫وإذا كان العرش سقف المخلوقات جمي ًعا‪ ،‬فبالتالي تكون الشمس تحته يف‬
‫كل وقت‪.‬‬
‫فالشمس يف الغروب‪ ،‬ويف الشروق‪ ،‬ويف كل وقت‪ ،‬وكل حين تجري تحت العرش‪.‬‬
‫إذ العرش يحيط بكل المخلوقات‪ ،‬وبالتالي بالبداهة فالشمس تجري تحته يف‬
‫كل لحظة‪.‬‬
‫غيبي متعلق بالتسخير‬ ‫َ‬ ‫إذن ما معنى‪َ " :‬ت ْذ َه ُ‬
‫ْ‬
‫ب حتَّى ت ْس ُجدَ "‪ :‬السجود هنا معناه ٌّ‬
‫التام للشمس‪ ...‬وكل األفالك تسجد هلل‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [الحج‪.]16 :‬‬
‫فكل شيء يسجد هلل‪﴿ :‬ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ﴾ [الرعد‪.]13 :‬‬
‫(‪ )1‬ابن القيم يف "زاد المعاد" (‪.)215/0‬‬
‫شيخ اإلسالم يف "مجموع الفتاوى" (‪.)361/8‬‬
‫ابن أبي العز يف "شرح العقيدة الطحاوية" (‪.)511/1‬‬

‫‪765‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وال يوجد مانع عقلي يمنع مِن أن تكون الشمس يف وقت غروهبا عن مكة‬
‫خصها النبي ﷺ يف الحديث‪.‬‬
‫لها عبودية خاصة؛ لذلك َّ‬
‫قد تكون لها عبودية غيبية خاصة ال نعي عنها شي ًئا يف أوقات معينة‪ ،‬وأماكن‬
‫معينة‪ ،‬هذا ال مانع منه‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾‬
‫[اإلسراء‪.]00 :‬‬
‫فالقضية يف أصلها غيبية‪.‬‬
‫إذن فسجود الشمس تحت العرش ال يعني إطال ًقا أن الشمس ترتك مدارها‬
‫ْ‬
‫أو ترتك فلكها‪.‬‬
‫فهي يف كل حين تحت العرش‪.‬‬
‫يقول البيهقي‪" :‬وليس يف سجودها لرهبا تحت العرش ما يعوقها عن الد َأب‬
‫والتصرف لما سخرت له"(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫يف سيرها‪،‬‬
‫ب حتَّى َت ْس ُجدَ "‪ ،‬ال يعني انتقال الشمس عن‬
‫وبالتالي فقول النبي ﷺ‪َ " :‬ت ْذ َه ُ‬
‫فلكها‪ ،‬وهذا مثل قول اهلل تعالى على لسان إبراهيم ‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [الصافات‪.]22:‬‬
‫هل إبراهيم ‪ ‬ذهب إلى السماوات العال؟‬
‫والشمس ‪-‬كما قلنا قبل قليل‪ -‬يف فلك ال تنتقل عنه‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [األنبياء‪.]55 :‬‬
‫﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [إبراهيم‪.]55 :‬‬
‫فهي يف فلكها تسجد لرهبا‪ ،‬وهي يف كل حين تحت العرش‪.‬‬
‫وطبيعة سجود الشمس هي قضية غيبية خاصة‪.‬‬

‫(‪ً )1‬‬
‫نقال عن‪ :‬ظاهرة نقد الدين يف الفلسفة الحديثة‪ ،‬د‪ .‬سلطان العميري‪ ،‬مركز تكوين‪.‬‬

‫‪766‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ُ‬
‫‪ -73‬هل اكنت الكعبة يف األردن‪ ،‬ونقلت زمن اخلالفة األموية إىل ماكنها‬
‫احلايل بمكة؟‬

‫نصاب شهير يدعى‬


‫ج‪ :‬بداية هذه الشبهة البلهاء كانت يف أوروبا حين ظهر َّ‬
‫جون إدوارد ‪ John Edward‬واستطاع جون إدوارد أن ُيقنع الغربيين َّ‬
‫أن القرآن‬
‫الكريم تم تأليفه بعد مائتي عام من وفاة النبي محمد ﷺ(‪.)1‬‬
‫وزعم َّ‬
‫أن شخصية النبي محمد ﷺ شخصية غير موجودة يف الحقيقة(‪.)2‬‬ ‫بل َ‬
‫لقد تعا َمل مع اإلسالم وكأنَّه ثقافة منقرضة‪ ،‬وللتو اكتشفنا أحافير لبقايا‬
‫مشكورا يحلل هذه األحافير‪ ،‬وخرج لنا هبذه النتائج‪.‬‬
‫ً‬ ‫مسلمين‪ ،‬فبدأ جون إدوارد‬
‫وإن كان من باب اإلنصاف أن نقول‪ :‬أغلب المستشرقين المعاصرين‬
‫قرون أنَّه ال َعالقة له بالبحث العلمي‪.‬‬ ‫ُي ِّ‬
‫سخفون طرح جون إدوارد‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫ٌ‬
‫تاريخ متواصل منقول‬ ‫فتاريخ أمة المسلمين لم يتو َّقف لساعة واحدة‪ ،‬فهو‬
‫ن ْقل الكافة عن الكافة منذ زمن البعثة النبوية حتى اليوم‪ ،‬فكيف َيزعم هذا‬
‫النصاب هذا الزعم العجيب من تغير تاريخ أمة بأكملها‪ ،‬ثم ينقل جميع‬ ‫َّ‬
‫المعاصرين عكس هذا التاريخ تما ًما؟‬
‫هذا ال يقوله عاقل‪.‬‬
‫فهذا المستشرق يخاطب َمن ال يعرفون عن اإلسالم شي ًئا‪.‬‬
‫وهذا الطرح عند جون إدوارد قدَّ مته المستشرقة باتريشا كرون ‪Patricia Crone‬‬

‫‪)1( The Quran was written and collected in a long process over 100 years and thus cannot be‬‬
‫‪attributed to Muhammad, being more recent than traditional accounts date it. The person of‬‬
‫‪Muhammad would be a later invention, or at least, Muhammad cannot be related to the Quran.‬‬
‫‪Andrew Rippin (ed.), The Blackwell Companion to the Qur'an, 1009; pp. 144‬‬
‫‪(2) The person of Muhammad would be a later invention, or at least, Muhammad cannot be‬‬
‫‪related to the Quran.‬‬
‫‪Andrew Rippin (ed.), The Blackwell Companion to the Qur'an, 1009; pp. 144.‬‬

‫‪767‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يف كتاهبا "الهاجريون"‪ ،‬وإن كانت باتريشا كرون تقرر َّ‬


‫أن محمدً ا ﷺ هو‬
‫بالمخلص عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫شخصية حقيقية موجودة‪ ،‬لكنه أتى؛ ليبشر ُ‬
‫ُخالصة حال هؤالء المستشرقين أهنم ال يعرفون عن اإلسالم شي ًئا‪،‬‬
‫ومستواهم العلمي يف اإلسالم ُّ‬
‫أقل بكثير من طفل مسلم يف مرحلة الكي جي تو‪.‬‬
‫همج‪ ،‬بال حضارة‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫وهم يصورون المسلمين للغرب على أهنم أناس‬
‫يتحمل هؤالء المستشرقون‬
‫َّ‬ ‫تدوين لتاريخهم‪ ،‬وال يعرفون شي ًئا‪ ،‬وبالتالي‬
‫المكافحون عبء رسم تاريخ أمتنا الذي مضى‪ ،‬وكأننا غير موجودين‪.‬‬
‫لكن نفرتض أنَّنا غير موجودين‪ ،‬هل هذا يجيز لهم أن يفرتضوا َّ‬
‫أن الكعبة‬
‫كانت يف األردن؟‬
‫كيف لم يسمع هؤالء المستشرقون بالمسجد النبوي؟‬
‫كيف لم يسمعوا بالبقيع؟‬
‫كيف لم يسمعوا بأماكن الغزوات؟‬
‫كيف لم يسمعوا بجبل ُأ ُحد؟‬
‫كيف لم يسمعوا بالمساجد السبعة التي ُبنيت يف غزوة األحزاب‪ ،‬ومازالت‬
‫آثارهم موجودة؟‬
‫كيف لم يسمعوا ببيت السيدة خديجة الذي ما زال موجو ًدا؟‬
‫كيف لم يسمعوا بأوقاف الصحابة يف مكة؟‬
‫كيف لم يسمعوا ِ‬
‫بشعب علي بن أبي طالب والذي مازالت آثاره بمكة حتى‬
‫الساعة؟‬
‫كيف لم يسمعوا بـ ‪ 51‬مليون مسلم ينتهي نسبهم إلى السيدة فاطمة بنت‬
‫محمد ﷺ؟‬
‫لألسف لغفلتنا أتى هؤالء الحمقى ليعيدوا كتابة تاريخ اإلسالم!‬

‫‪768‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫ً‬
‫منقوال نقل الكافة عن الكافة‪،‬‬ ‫ً‬
‫تاريخا‬ ‫وكأن اإلسالم حضارة بائدة‪ ،‬وليس‬
‫يو ًما بيوم من زمن البعثة النبوية إلى يومنا هذا!‬
‫شرف اهلل به األرض‪.‬‬
‫اإلسالم الذي َّ‬
‫اإلسالم الذي أنشأ حضارة‪ :‬الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫فهؤالء المستشرقون اللقطاء يتعاملون مع حضارتنا وتاريخنا وكأننا غير موجودين‬
‫هؤالء المستشرقون نموذج لالستشراق المتعصب الجاهل‪.‬‬
‫فهؤالء نار الحقد تأكل قلوهبم‪ ،‬فيريدون تشكيكنا يف تاريخنا وكعبتنا وقرآننا‬
‫وديننا بأية صورة‪ ،‬وبأي ثمن‪.‬‬
‫والعجيب والذي يستوقفني َّ‬
‫أن داود ‪ ‬تحدَّ ث عن الكعبة التي يف‬
‫مكة المكرمة يف كتبهم‪.‬‬
‫لكنهم ُيخفون حتى دينهم حين يستدعي األمر‪.‬‬
‫يقول داود ‪ ‬عن بيت الرب يف المزامير‪:‬‬

‫اكنِي َن فِي َب ْيتِ َك‪َ ،‬أ َبدً ا ُي َس ِّب ُحون ََك‪ِ .‬س َال ْه‪ُ :‬يسبحون اهلل‪ ،‬و ُيصلون له‬
‫ُطوبى لِلس ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫أبدً ا يف بيته هذا!‬
‫أين مكان هذا البيت؟ هل هو يف الهيكل اليهودي الذي انتهى من الوجود؟‬
‫أم يف مذابح النصارى التي دخلتها الشركيات واأليقونات والتماثيل؟‬
‫ُنكمل قراءة المزمور لنعرف مكان هذا البيت‪:‬‬

‫‪769‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ط ُر ُق َب ْيتِ َك فِي ُق ُلوبِ ِه ْم‪ :‬هتوي إليه قلوهبم‪﴿ :‬ﮓ‬ ‫ُطو َبى ِألُن ٍ‬
‫َاس ِع ُّز ُه ْم بِ َك‪ُ .‬‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [إبراهيم‪.]52 :‬‬
‫َعابِ ِرين فِي و ِ‬
‫ادي ب َّكة‪ :‬البيت يف وادي بكة!‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إ َذ ْن مكان البيت يف وادي بكة!!!‬
‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [آل عمران‪.]28 :‬‬
‫النص وحده كفيل للباحث عن الحق بإنصاف من أهل الكتاب أن يتبع‬
‫هذا ُّ‬
‫هذا الدين "اإلسالم" بال تر ُّدد!‬
‫فبيت الرب سيكون يف وادي بكة‪.‬‬
‫ُي َص ِّي ُرو َن ُه َينْ ُبو ًعا‪ :‬ينبوع ماء زمزم‪.‬‬
‫ينبوع بعد ْ‬
‫أن لم يكن به ماء‪ ...‬كان واد ًيا‬ ‫ٌ‬ ‫وكلمة ُي َص ِّي ُرو َن ُه‪ :‬تعني سيصبح به‬
‫غير ذي زرع‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [إبراهيم‪.]52 :‬‬
‫ولكن لألسف كلمة "وادي بكة" يف الرتجمة العربية مكتوبة هكذا‪" :‬وادي البكاء"‪.‬‬
‫وال أدري أين على وجه األرض ك ِّلها مكان هبذا االسم‪" :‬وادي البكاء"!‬
‫ال وجود لكلمة "وادي البكاء" ال على الخريطة يف كل األرض‪ ،‬وال يف أية‬
‫نسخة معتمدة من التوراة‪.‬‬
‫كل النسخ المعتمدة من التوراة يف العالم تقول‪" :‬وادي بكة" وليس "وادي‬
‫البكاء"!‬
‫لكن لألسف يف الرتجمة العربية جعلوها‪ :‬وادي البكاء‪.‬‬
‫مثال ألكثر نسختين معتمدتين من التوراة يف العالم نسخة‬
‫انظر ً‬
‫‪ New International Version‬ونسخة ‪King James Version‬‬

‫‪720‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫كالهما فيهما‪ Valley of Baca :‬وادي بكة‪ ،‬وليس وادي البكاء‪.‬‬


‫والـ ‪ B‬كابيتال‪ :‬اسم مكان‪ ...‬وادي بكة‪.‬‬
‫لن تجد كلمة وادي البكاء غال ًبا إال يف ُن َسخ الشرق األوسط من التوراة؛‬
‫سوا ًء النسخ العربية أو النسخ اآلرامية‪ ،‬أما كل النصوص المعتمدة يف كل‬
‫المراجع الكتابية يف العالم فهي مطبِقة على أهنا وادي بكة‪ ،‬وليس وادي البكاء!‬

‫فبيت الرب سيكون يف وادي بكة‪.‬‬ ‫ُ‬


‫َل َّل ِذي بِ َب َّكةَ‪.‬‬

‫‪726‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫المقدَّ س سيكون يف‬ ‫لألسف أهل الكتاب ُيخفون الحق‪ :‬فطالما َّ‬
‫أن الكتاب ُ‬
‫ويحتجون به علينا؛ إ َذ ْن يغيرون‬
‫ُّ‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬وسي َّطلع عليه المسلمون‬
‫ٍ‬
‫بساطة!‬ ‫الكلمة من وادي بكة إلى وادي البكاء بكل‬
‫أهل الكتاب بالعذاب الشديد؛ لما يقومون به حتى‬ ‫اهلل ‪َ ‬‬ ‫ولذلك تو َّعد ُ‬
‫ٍ‬
‫إخفاء للحق!‬ ‫يومنا هذا من‬
‫فقال سبحانه‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [البقرة‪.]132 :‬‬
‫إن الذين ُي ْخفون ما أنزلنا من اآليات الواضحات الدا َّلة على َّ‬
‫نبوة محمد ﷺ‬
‫جميع الخليقة(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫وما جاء به‪ ،‬أولئك يطردهم اهلل من رحمته‪ ،‬ويدعو عليهم باللعنة‬
‫وقال ‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [البقرة‪.]120 :‬‬
‫إن الذين ُي ْخفون ما أنزل اهلل يف ُك ُتبه من صفة محمد ﷺ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫الحق‪ ،‬ما مصيرهم؟ ﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [البقرة‪.]123 :‬‬
‫ما أشدَّ ُجرأهتم على النار!‬
‫يكتمون البيت الحرام يف وادي بكة‪ ،‬فيجعلوهنا‪ :‬وادي البكاء!‬
‫نعود لتكملة مزمور داود ‪:‬‬
‫َعابِ ِرين فِي و ِ‬
‫ادي بكة‪ُ ،‬ي َص ِّي ُرو َن ُه َينْ ُبو ًعا‪ :‬كان واد ًيا جا ًّفا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقد ورد بالفعل وادي بكة الجاف يف لفظ التوراة‪:‬‬

‫)‪ (1‬التفسير الميسر‪.‬‬

‫‪722‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪﴿ dry valley of Baca‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬


‫ﮎ﴾ [إبراهيم‪.]52 :‬‬
‫فماذا حصل بعد ُسكناهم؟‬
‫ُي َص ِّي ُرو َن ُه َينْ ُبو ًعا‪ :‬كما قلنا ستظهر عين زمزم!‬
‫الحق ويتجاهله‪ ،‬ويجحد ما أنزل‬
‫َّ‬ ‫أي ملحد يستمع لهذه البشارات‪ ،‬ويكتم‬
‫ُّ‬
‫اهلل‪ ،‬فال ُّ‬
‫يقل جر ًما عن اليهودي والنصراين الذي جحد الحق بعدما ظهر له!‬
‫الحق‪ ،‬فعليه لعنة اهلل‬ ‫ُّ‬ ‫نبوة محمد ﷺ بعدما تب َّين له‬ ‫فمن ينكر حقيقة َّ‬
‫َ‬
‫اهلل مِنْ ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َص ْر ًفا َو َال َعدْ ًال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والمالئكة والناس أجمعين َال َي ْق َب ُل ُ‬
‫فالكتاب الذي يؤمن به هؤالء المستشرقون ُيسلم بحقيقة بيت اهلل يف مكة‪،‬‬
‫لكنهم َق ْو ٌم ُب ُه ٌت‪ ،‬يخفون الحق بعدما تب َّين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -74‬يقول بعض امللحدين‪ :‬دعوت فلم يستجب يل‪ ،‬فلماذا تتأخر إجابة ادلاعء؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كثريا فهل تغري يشء؟‬ ‫وبعضهم يسخر قائال‪ :‬دعوتم ىلع إرسائيل‬

‫ج‪ :‬يف الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم يف صحيحيهما عن الثالثة‬
‫الذين آواهم المبيت إلى الغار‪ ،‬فانحدرت صخرة من الجبل فسدَّ ت عليهم الغار‪.‬‬
‫بدأ كل واحد من هؤالء الثالثة يدعو اهلل ‪ ‬بخير ما كان يعمل‪ ،‬فلم‬
‫ٍ‬
‫واحد منهم على قوة إيماهنم‪ ،‬وجميل ما قدَّ موا‬ ‫قليال مع كل‬
‫تنزح الصخرة إال ً‬
‫من عم ٍل صالحٍ ‪ ،‬ومع الدعاء المستمر‪.‬‬
‫بارا بوالديه جدًّ ا إلى درجة أنَّه َّ‬
‫ظل واق ًفا بإناء اللبن حتى‬ ‫فأو ُلهم‪ :‬كان ًّ‬
‫َّ‬
‫الصباح ليشربا منه‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬انصرف عن الزنا بعد أن هت َّيأت له أسبابه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬حفظ ُأجرة العامل الذي كان يعمل عنده‪ ...‬حفظ هذه األجرة‬

‫‪723‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ونماها له حتى أصبحت ً‬


‫جباال من الكنوز‪ ،‬وأ َّداها للعامل كما هي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لسنوات‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫قليال مع دعوة ِّ‬
‫كل‬ ‫والشاهد من هذا الحديث َّ‬
‫أن الصخرة لم تنزح إال ً‬
‫منهم‪ ،‬ومع انتهاء دعاء الثالثة انزاحت الصخرة فخرجوا يمشون‪.‬‬
‫فالدعاء يحتاج لألخذ باألسباب‪ ،‬وقد يحتاج ألعمال إيمانية‪.‬‬
‫فاألنبياء و َمن بعدهم من السلف الصالح كانوا يدعون اهلل وهم على ظهور‬
‫الخيل‪ ،‬وقد أخذوا باألسباب‪ ،‬وبذلوا جهدهم‪.‬‬
‫ونوح ‪ ‬دعا ربه بعد ‪ 231‬عا ًما من العمل والجد والكد‪.‬‬
‫أيضا‪﴿ :‬ﯘ﴾‬
‫فاهلل ‪ ‬قال‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [غافر‪ ،]81 :‬لكن قال ً‬
‫[األنفال‪.]81:‬‬
‫فخ ْذ باألسباب وا ْد ُع اهلل ‪.‬‬
‫ُ‬
‫أيضا األخذ باألسباب التي‬
‫فالدعاء يشمل المسألة والطلب‪ ،‬ويشمل ً‬
‫تقتضي حصول المطالب‪.‬‬
‫هو العباد ُة"(‪.)1‬‬
‫لذلك قال النبي ﷺ‪" :‬الدُّ عا ُء َ‬
‫معاص تمنع من إجابة الدعاء مثل‪ :‬األكل الحرام‪.‬‬‫ٍ‬ ‫وهناك‬
‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬م ْط َع ُم ُه َحرا ٌم‪ ،‬و َم ْش َر ُب ُه َحرا ٌم‪ ،‬و َم ْل َب ُس ُه َحرا ٌم‪ ،‬و ُغ ِذ َي‬
‫لذلك؟"(‪.)2‬‬‫َ‬ ‫َجاب‬
‫بالحرامِ‪ ،‬فأنَّى ُي ْست ُ‬
‫َ‬
‫يتحرى المال الحالل‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن َّ‬
‫بتضرع‪ ،‬قال‬
‫ُّ‬ ‫وكذلك على المسلم أن يتأ َّدب يف الدعاء مع اهلل ‪ ‬فيدعوه‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [األعراف‪.]33 :‬‬
‫ولذلك فالدعاء باختبار هلل كما يفعل الملحد هو اعتدا ٌء وليس دعاء‪ ،‬واهلل ال‬

‫(‪ )1‬صحيح الرتمذي‪ ،‬ح‪.2282:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1113:‬‬

‫‪724‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫يحب المعتدين‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾‪.‬‬


‫ألح ِد ُك ْم ما َل ْم‬
‫َجاب َ‬
‫يتعجل إجابة الدعاء‪ ،‬قال النبي ﷺ‪ُ " :‬ي ْست ُ‬ ‫َّ‬ ‫والمسلم ال‬
‫ب لِي"(‪.)1‬‬
‫يقول‪َ :‬د َع ْو ُت َف َل ْم ُي ْست ََج ْ‬
‫َي ْع َج ْل‪ُ ،‬‬
‫ولما دعا موسى وهارون على فرعون قال اهلل لهما‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ﴾ [يونس‪.]62:‬‬
‫مع َّ‬
‫أن هالك فرعون وشيعته حصل بعد هذا الدعاء بزمن‪.‬‬
‫رسوال يف مكة‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ً‬ ‫كذلك دعا إبراهيم ر َّبه أن يبعث‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [البقرة‪.]122 :‬‬
‫وقد ُبعث النبي ﷺ بعد هذا الدعاء بزمن طويل جدًّ ا‪.‬‬
‫فنحن ندعو اهلل ‪ ،‬وهو سبحانه يجيب عباده بحكمته وعلمه‪ ،‬متى‬
‫شاء‪ ،‬وكيف شاء‪.‬‬
‫فعلينا الدعاء واألخذ باألسباب والرضا بقضاء اهلل‪ ،‬وحسن الظن باهلل‪ ،‬وهذا‬
‫حال المسلم‪.‬‬
‫وتدبر دائما ِ‬
‫الحكمة من تقدير اهلل‪ :‬وتد ُّبر الحكمة هذا رياض الصالحين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ ْ‬
‫وبستان العارفين‪ ،‬فقد يكون البالء أكرب خير تتخ َّيله العقول‪.‬‬
‫انظر كمثال لحجم التسليم هلل‪ ،‬والتسليم لقضاء اهلل وأقدار اهلل‪ ،‬وتد َّبر حكمة‬
‫اهلل لما رأى الصحابة األحزاب‪﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ﴾ [األحزاب‪.]22 :‬‬
‫أتى األحزاب لقتال الصحابة‪ ،‬ولم يكن إال خندق ليعربوه‪.‬‬
‫بميزان الدنيا أيام قليلة‪ ،‬وينتهي كل شيء‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.8501:‬‬

‫‪725‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فقال الصحابة‪َ :‬هـ َٰذا َما َو َعدَ نَا ال َّلـ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪.‬‬
‫موقف من التسليم هلل‪ ،‬وتد ُّبر لحكمة اهلل يتو َّقف عنده الزمن‪.‬‬
‫فماذا كانت النتيجة‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [األحزاب‪.]2 :‬‬
‫أنزل اهلل آي ًة عظيمة زلزلت األحزاب‪ ،‬وجعلتهم يهربون بال عودة‪.‬‬
‫لذلك كان هذا المجتمع مجتمع الصحابة أقرب المجتمعات للكمال يف‬
‫تاريخ اإلنسانية‪.‬‬
‫فكن راض ًيا دو ًما بأقدار اهلل‪ ،‬ولو كانت على غير ما ترجو‪ ،‬أو عكس ما ترجو‪.‬‬
‫واعلم َّ‬
‫أن كل شيء يحصل‪ ،‬إنما يحصل بعلم اهلل‪ ،‬وإرادة اهلل‪ ،‬ومشيئة اهلل‪،‬‬
‫وقدرة اهلل‪ ،‬وتقدير اهلل‪ ،‬وحكمة اهلل‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [األنعام‪.]112 :‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [الفرقان‪.]2 :‬‬
‫ف ُكن مطمئنًّا‪.‬‬
‫﴿ﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ﴾‬
‫[التغابن‪.]11:‬‬
‫نحن نحتاج أن نتد َّبر هذه اآليات كل يوم‪.‬‬
‫فكل تقدير اهلل فيه كمال الخير‪ ،‬وكمال الحكمة‪ْ ،‬‬
‫وإن كان على غير ما ترجو‬
‫وتدعو‪.‬‬
‫انظر لحال األمة زمن اجتياح الترت المغول ألُمة اإلسالم‪ ،‬وانظر لحالها بعد‬
‫ٍ‬
‫واحد!‬ ‫ٍ‬
‫قرن‬
‫فالذي ظنَّه الناس هالكًا للمسلمين كان أكرب فتح‪ ،‬فمئات الماليين من‬
‫ُمسلمي اليوم من الترت!‬
‫يقول ابن األثير يف كتابه الكامل يف التاريخ زمن اجتياح المغول‪" :‬كيف‬

‫‪726‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أكتب نعي اإلسالم والمسلمين‪ ،‬يا ليت أمي لم تلدين"‪.‬‬


‫كان ابن األثير يتخ َّيل أن اجتياح الترت هناية اإلسالم والمسلمين‪.‬‬
‫ولم يكن يعرف أنَّه أمام أكرب فتح يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬وإن بدا أكرب مصيبة‪،‬‬
‫أفواجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فقد ُأعجب الترت بدين اإلسالم‪ ،‬ودخل ملوكهم وشعوهبم فيه‬
‫وما تركستان والرتكمان والقيرغيز واألوزبك وأذربيجان ِ‬
‫والقرم واألتراك‬
‫إال من نسل الترت!‬
‫فكثير منا يتأ َّلم لمصاب ثم يكتشف أنَّه أكرب خير‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحادث‪ ،‬ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما‬ ‫ونحن يف حياتنا القريبة قد نبكى‬
‫كسبناه منه بعد فواته‪.‬‬
‫لذلك نحن ندعو واهلل يقدر الخير‪ ،‬وقد يكون الخير يف غير ما ندعو‪.‬‬
‫الخير حيث كان‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫ولذلك ُشرعت االستخارة وفيها نقول‪" :‬واقدُ ْر َ‬
‫لي‬
‫ِ‬
‫أرضني به"(‪.)1‬‬
‫ولو أجاب اهلل دعا َء كل إنسان بما يهوى لفسدت السماوات واألرض‪ ،‬قال‬
‫اهلل ‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾‬
‫[المؤمنون‪.]21 :‬‬
‫فهناك من يرجو أن يصير أقوى رجل‪ ،‬وآخر يرجو أن يحوز ً‬
‫جباال من ذهب‪،‬‬
‫وثالث يرجو أن يهلك ُّ‬
‫كل عدو له‪ ،‬ورابع يرجو أن يكون أنعم أهل األرض‪.‬‬
‫فهناك دعوات هبا تفسد السماوات واألرض‪ ،‬ويختل هبا ناموس السماوات‬
‫واألرض‪.‬‬
‫فلله سنن كونية نافذة‪.‬‬
‫بخير ِي الدنيا واآلخرة‪ ،‬واهلل بحكمته ُيقدر ما هو خير‪.‬‬
‫لذلك فأنت فقط تدعو َ‬
‫(‪)1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1182:‬‬

‫‪727‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كافرا‪﴿ :‬ﯘ ﯙ‬ ‫وعلينا أن نعلم َّ‬


‫أن اهلل يجيب دعاء المضطر ولو كان ً‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [النمل‪.]82 :‬‬
‫جرب دعاء المضطر!‬‫وليس أحد على وجه األرض إال َّ‬
‫ألم بي‪ ،‬وذهبت لكبار‬ ‫ٍ‬
‫غريب َّ‬ ‫ٍ‬
‫مرض‬ ‫وال أنسى تلك الشهور التي قضي ُتها يف‬
‫تضخما بكثرة‬
‫ً‬ ‫أستاذة الطب‪ ،‬ثم ال أزدا ُد إال حيرة‪ ،‬وال تزداد األعراض إال‬
‫الفحوصات واألجهزة والهولرت‪.‬‬
‫وأذكر واهلل أين لجأت يف ٍ‬
‫ليلة لربي لجوء المضطر‪ ،‬وإذا بي أنطلق إلى أحد‬
‫المراجع الطبية ألفتحه‪ ،‬وواهلل فتحت المرجع على تشخيص مرضي‪.‬‬
‫وكان العالج حبة برشام واحدة‪ ،‬أذهب اهلل هبا عني َّ‬
‫كل ما أجد‪.‬‬
‫جرب دعاء المضطر؟‬
‫فمن منَّا لم ُي ِّ‬
‫من منَّا لم يلجأ لربه فينقذه يف لحظة انقطاع كل السبل؟‬
‫من منَّا ولو كان ملحدً ا لم يقل‪ :‬يا رب‪ ،‬يف لحظة ضيق عظيمة‪ ،‬و ُيستجاب له‬
‫بأعجب مما يتصور‪.‬‬
‫منذ أكثر من عام تواص َل ْت معي ملحدة تونسية وقالت لي إهنا من عائلة‬
‫شيوعية ملحدة‪.‬‬
‫وال تفكر يف الدين وال يعنيها‪.‬‬
‫ثم بعد أيام أرسلت لي تنطق الشهادتين‪.‬‬
‫فتعجبت من حالها‪.‬‬
‫َّ‬
‫يبق بيني وبين الموت إال الدعاء‪،‬‬
‫فقالت لي‪ :‬حصلت حادثة كبيرة‪ ،‬ولم َ‬
‫ونجاين‪.‬‬
‫فدعوت ربي َّ‬
‫العجيب أن الفتاة نفسها عادت لإللحاد بعد هذا األمر بشهور‪﴿ :‬ﭑﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾ [اإلسراء‪.]82 :‬‬

‫‪728‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫فكلنا يعرف دعاء المضطر‪ ،‬وكلنا يوقن َّ‬


‫أن اهلل قريب‪ ،‬وأنه يجيب لحظة الضيق!‬
‫مجيب سبحانه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قريب‬
‫ٌ‬ ‫وتضر ْع إليه‪ ،‬فهو‬
‫َّ‬ ‫فادع اهلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫‪ -75‬ملاذا هناك نعيم بالنساء يف اجلنة ‪-‬عالقة بني الرجل واملرأة يف اجلنة؟‬
‫َّ‬
‫أليس من املفرتض أن اجلنة ماكن طاهر؟‬

‫تصور أوروبي وثني قديم‪.‬‬


‫ج‪ :‬مصدر هذه الشبهة هو ُّ‬
‫يتصور األوروبيون َّ‬
‫أن ال َعالقة بين الرجل والمرأة‪ ...‬الجماع بين‬ ‫َّ‬ ‫حيث كان‬
‫قذر‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫مستهجن ٌ‬
‫ٌ‬ ‫حقير‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫الرجل وزوجته ٌ‬
‫ولذلك كانت اآللهة الوثنية الشركية يف الثقافة األوروبية القديمة ُتنجب‬
‫بدون ِجماع‪.‬‬
‫مستقرة يف العقل األوروبي إلى حين دخول‬
‫َّ‬ ‫وظلت هذه الفكرة المتخلفة‬
‫فاستقرت‬
‫َّ‬ ‫المسيحية إلى أوروبا‪ .‬ولألسف تأ َّثرت الكنائس الغربية هبذه الفكرة‪،‬‬
‫هذه الفكرة يف العقل األوروبي حتى الساعة!‬
‫وإلى اليوم ُينظر للجماع على أنه شيء ‪.Dirty‬‬
‫وعلى هذا األساس تطلب المسيحية أن يكون الجماع بين الزوجين بأقل‬
‫قدر ممكن(‪.)1‬‬
‫ولو استشعر الزوجان الرغبة والشهوة فهذه خطية(‪.)2‬‬
‫مستقرة يف العقل‬
‫َّ‬ ‫وما زالت هذه الصورة عن ال َعالقة بين الرجل وزوجته‬
‫األوروبي حتى الساعة‪.‬‬
‫التحرر‬
‫ُّ‬ ‫وقد و َّلدت هذه الصورة إشكاالت كثيرة‪ ،‬ور َّدة فعل عنيفة نحو‬
‫‪(1) Thomas Sanchez, theologian.‬‬
‫‪(2) S. Geronimo, theologian.‬‬

‫‪729‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الجنسي‪ ،‬واإلباحية الجنسية‪.‬‬


‫فيأيت ملحد متأثر بالثقافة األوروبية‪ ،‬فيقرأ النص الديني‪ ،‬ويجد فيه َّ‬
‫أن‪ :‬الجنة‬
‫هبا نعيم بالنساء‪ ،‬فيتعجب!‬
‫النعيم بالنساء‪ ،‬وال َعالقة بين الرجل وزوجته هذه ال َعالقة يف اإلسالم‪ ،‬ويف‬
‫كل الشرائع السماوية هي شيء ِ‬
‫طاه ٌر‪ ،‬وليس فيها ما ُيت َّقذر منه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫نقي‪ ،‬ومن أطهر الملذات‪.‬‬
‫طاهر ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فهي شي ٌء‬
‫ليس يف ال َعالقة بين الرجل وزوجته ما يدعو للشعور بالذنب أو العقدة‬
‫النفسية الموجودة يف ميراث العقل الغربي‪.‬‬
‫ويمكن للرجل يف اإلسالم أن يجامع زوجته وقتما أحب وبأي ٍ‬
‫عدد أرادا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بل و ُي َس ُّن أن يذكر اهلل قبل الجماع‪.‬‬
‫تعارض بين ِذكر اهلل وبين الجماع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فليس هناك‬
‫يتصور العقل األوروبي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قذرا كما‬
‫فالجماع ليس شي ًئا ً‬
‫ؤجر الرجل بجماع زوجته‪.‬‬ ‫بل يف اإلسالم ُي َ‬
‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬وفِي ُب ْض ِع َأ َح ِد ُك ْم َصدَ َق ٌة"(‪.)1‬‬
‫فكل الشرائع السماوية تقوم على طهارة هذه ال َعالقة الجنسية بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬فهي َعالقة طاهرة‪َ ...‬عالقة راقية‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [الرعد‪.]56 :‬‬
‫واألنبياء يف الكتاب المقدس ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ -‬كانت لهم زوجات‬
‫كثيرات‪ ،‬فليس يف الزواج الطاهر ما َيعيب‪.‬‬
‫ولذلك ففكرة َّ‬
‫أن الجنة فيها َعالقة بين الرجل وزوجته‪ ،‬هذا ال مانع عقلي‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1118 :‬‬

‫‪730‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وال مانع شرعي يمنع منه‪.‬‬


‫فال َعالقة بين الرجل وزوجته ليست ُمستهجن ًة وال ُمحتقر ًة حتى َّ‬
‫نتعجب من‬
‫كوهنا موجودة يف الجنة‪.‬‬
‫لألسف احتقار االستمتاع بما َّ‬
‫أحل اهلل‪ ،‬واستهجان ال َعالقة بين الرجل‬
‫وزوجته أ َّديا لظهور مشاكل أخالقية ال حصر لها يف الواقع الغربي اليوم‪.‬‬
‫حرم الحالل الطيب على نفسه ُيبتلى بتس ُّلط الحرام‪.‬‬
‫سبحان اهلل من ُي ِّ‬
‫اإلسالم يعطي حياة سو َّية نفس ًّيا‪ ،‬وسوية جنس ًّيا‪ ،‬وسوية اجتماع ًّيا‪.‬‬
‫عفيف‪ ،‬فهو أمر ال يدعو ألي احتقار أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طاهر‬ ‫والجماع طالما كان يف زواجٍ‬
‫استهجان‪.‬‬

‫‪ -76‬قد يستشلك ملحد ويسأل‪ :‬كيف يوجد نعيم مادي يف اجلنة؟‬

‫عقلي من نعيم الجنة‪.‬‬


‫ٌّ‬ ‫مانع‬
‫والجواب‪ :‬ال يوجد ٌ‬
‫فال يوجد مانع عقلي من أن يكون يف الجن َِّة ما ال َعي ٌن َر ْ‬
‫أت‪ ،‬وال ُأ ُذ ٌن‬
‫لب َب َش ٍر(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫سم َع ْت‪ ،‬وال خ َط َر على َق ِ‬
‫فهذا فضل اهلل يؤتيه عباده الذين ا َّت َق ْوا‪.‬‬
‫يؤتيه عباده الذين لم ينغمسوا يف الكفر‪.‬‬
‫يؤتيه عباده الذين لم يرتكبوا الفواحش‪ ،‬وصانوا أنفسهم‪.‬‬
‫يؤتيه عباده الذي إذا فعلوا فاحش ًة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اهلل فاستغفروا‬
‫لذنوهبم‪ ،‬و َمن يغفر الذنوب إال اهلل ولم ُي ِص ُّروا على ما فعلوا‪.‬‬
‫يخشون رهبم يف السر والعلن‪.‬‬ ‫يؤتيه عباده الذين َ‬
‫ت‪ ،‬وال ُأ ُذ ٌن َس ِم َع ْت‪ ،‬وال َخ َط َر ع َلى َق ْل ِ‬
‫ب‬ ‫ين‪ ،‬ما ال َع ْي ٌن َر َأ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصالح َ‬
‫قال اهلل ‪ :‬أ ْعدَ د ُ ِ ِ ِ‬
‫ت لعبادي َّ‬ ‫ْ‬ ‫(‪ُ َ )1‬‬
‫َب َش ٍر‪ .‬متفق عليه‪ ...‬البخاري‪ ،‬ح‪ ...0222 :‬ومسلم‪.2620 ،‬‬

‫‪736‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فنعيم الجنة ٌ‬
‫فضل من اهلل‪.‬‬
‫أن أكثر الناس استهجانًا لنعيم الجنة هم َمن تركوا دين اهلل‬‫والغريب َّ‬
‫وارتدُّ وا؛ ل ُيحصلوا هذه النعم التي يستهجنوهنا‪.‬‬
‫ونعيم الجنة هو نعيم نقي طاهر‪.‬‬
‫وال َعالقة بين الرجل والمرأة يف الجنة هي َعالقة زواج عفيف طاهر‪.‬‬
‫﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [يس‪.]38 :‬‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [الدخان‪.]30 :‬‬
‫طاهر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عفيف‬
‫ٌ‬ ‫زواج‬
‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫وهنا قد يستشكل سائل فيقول‪ :‬لكن نعيم الجنة المذكور يف القرآن يرتبط يف‬
‫طبيعته وشكله بما نحتاج له يف الدنيا وعلى األرض‪.‬‬
‫سميات‬
‫والجواب‪ :‬نعيم الجنة ال َعالقة له بالنعيم األرضي‪ ،‬فهذه مجرد ُم َّ‬
‫لنستوعب هبا نعيم الجنة‪.‬‬
‫كلها مجرد مسميات‪.‬‬
‫محض‪ ،‬وال نعرف منه إال األسماء‪.‬‬
‫غيبي ٌ‬ ‫َّ‬
‫إذ إن نعيم الجنة ٌّ‬
‫ليس يف الجن َِّة شي ٌء مِ َّما يف الدُّ نيا َّإال‬
‫وكما ورد يف أثر ابن عباس الصحيح‪َ " :‬‬
‫األسما ُء"(‪.)1‬‬
‫فأسماء النعيم هي مجرد أوصاف للتقريب الذهني؛ ليفهم المخا َطب بالنص‬
‫الشرعي معنى الكالم‪.‬‬
‫ونعيم الجنة هو نعيم الزواج الطاهر العفيف‪.‬‬
‫وهو نعيم السعادة التي ال حدَّ لها‪ ،‬والنِّعم التي ال تنفد‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح الرتغيب والرتهيب‪ ،‬ح‪.5282 :‬‬

‫‪732‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وهو نعيم األمان برضوان اهلل‪.‬‬


‫وهو نعيم أفضل المأكوالت والمشروبات‪.‬‬
‫واألعظم من كل هذا‪ ...‬وأعظم َّ‬
‫لذة على اإلطالق يف الجنة هي‪ :‬لذة النظر‬
‫لوجه اهلل الكريم‪.‬‬
‫إليهم مِ َن النَّ َظ ِر إلى‬
‫ب ِ‬ ‫قال النبي ﷺ عن أهل الجنة‪َ " :‬ف َما ُأ ْع ُطوا شي ًئا َ‬
‫أح َّ‬
‫َر ِّب ِه ْم ‪.)1("‬‬
‫نسأل اهلل أن يرزقنا الجنة‪ ،‬وأن يرزقنا َّ‬
‫لذة النظر إلى وجهه الكريم‪.‬‬
‫تصورا بشر ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهنا قد يقول قائل‪ :‬طبيعة نعيم الجنة يف القرآن‪ ،‬وكأهنا تحمل‬
‫ألن المخا َطب هم البشر‪.‬‬
‫والجواب‪َّ :‬‬
‫والمقصود بالخطاب هم البشر‪.‬‬
‫والذين ُيطلب منهم تد ُّبر اآليات هم البشر‪.‬‬
‫فمن الطبيعي ْ‬
‫أن يأيت الخطاب اإللهي بما يفهمه البشر‪.‬‬
‫تخيل لو قيل لنا َّ‬
‫إن يف الجنة ‪-‬أسماء ال نفهمها‪ -‬هل هبذا يكون النعيم ليس‬
‫تصورا بشر ًّيا؟‬
‫ً‬
‫التصور البشري مِن قِبل‬
‫ُّ‬ ‫دائما يوصف‬ ‫ثم َّ‬
‫إن المشكلة األخرى وهي‪ :‬لماذا ً‬
‫الملحدين على أنَّه خطأ؟‬
‫دائما توصف الرؤية البشرية على أهنا رؤية غير صحيحة؟‬
‫لماذا ً‬
‫تصور بشري‪ ،‬إذن فهو خطأ!!!‬ ‫بما َّ‬
‫أن هذا الشيء هو ُّ‬
‫ما مصدر هذه المعادلة الغريبة؟‬
‫مِن أين تم استنباط هذه المعادلة؟‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.161 :‬‬

‫‪733‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يصح ْ‬
‫أن يكون يف عالم الغيب؟‬ ‫لماذا يعترب الملحد َّ‬
‫أن ما عند البشر ال ُّ‬
‫لماذا؟‬
‫هل عندهم كتاب يقول هبذا؟‬
‫هل عندهم اطالع على الغيب ليقرروا هذه الفكرة؟‬
‫هذا تصور بشري إذن هذا خطأ!!!‬
‫هذا تصور بشري‪ ،‬إذن من المفرتض أن يخلو عالم الغيب من هذا الشيء!!!‬
‫تصح!!!‬
‫ُّ‬ ‫تتحرك ال‬ ‫البشر يتحركون‪ ،‬إذن ففكرة َّ‬
‫أن المالئكة َّ‬
‫لماذا يحتقر الملحد التصور البشري‪ ،‬والصفات البشرية؟‬
‫وما المانع أن يكون ما يف عالم البشر موجو ًدا بصورة أكمل يف عالم الغيب؟‬
‫ٌ‬
‫‪ -77‬قد يسأل ملحد ويقول‪ :‬لكن عذاب انلار شديد‪ ،‬فهل يتاكفأ هذا العذاب‬
‫الشديد مع الكفر باهلل بضع سنوات؟‬

‫والجواب‪ :‬لن يدخل الكافر النار‪ ،‬ولن يذوق شي ًئا من عذاب النار إال جزاء كفره‪.‬‬
‫ولن ينال من العذاب إال بقدر كفره‪.‬‬
‫ظلما‪ ،‬وليست عقوبة أعظم من الذنب‪.‬‬
‫فالنار ليست ً‬
‫بل هي‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [النبأ‪.]28 :‬‬
‫فمن يدخل النار لن ُيظلم شي ًئا‪ ،‬ولن ينال جزا ًء أقسى مما اجرتحه‪.‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [غافر‪.]12 :‬‬
‫﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ﴾ [الزلزلة‪.]6 -2 :‬‬
‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [األنبياء‪.]02 :‬‬

‫‪734‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫مطلق‪.‬‬ ‫إلهي‬ ‫ٌ‬


‫ٌ‬ ‫فهو‪ :‬عدل ٌّ‬
‫يستحق‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫إذن لن يدخل النار إال من يستح ُّقها‪ ،‬ولن ُيعذب إنسان يف النار إال بما‬
‫مربرا لكفرك‪.‬‬
‫فال تجعل كفر غيرك واستحقاق الهالك لغيرك ً‬
‫حجة تكفر هبا ببديهيات ما أحطت بعمله‪﴿ :‬ﯤ‬
‫وال تجعل ما لم تحط بعمله َّ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ﴾ [يونس‪.]52 :‬‬
‫فاعلم أن اهلل لن يظلم أحدً ا‪.‬‬
‫حق‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [ق‪.]10 :‬‬
‫واعلم أن عذاب اهلل للظالمين ٌّ‬
‫النار إال وقد امتأل قلبه بحمد اهلل!‬
‫الكافر َ‬
‫ُ‬ ‫أيضا أنَّه لن يدخل‬
‫واعلم ً‬
‫نَعم!‬
‫لن يدخل الكافر النار إال وقد امتأل قلبه بحمد اهلل على عدله‪ ،‬ولن يدخل‬
‫النار إال وقد علم َّ‬
‫أن مصيره من جنس عمله‪ ،‬فقد رأى كمال عدل اهلل يف ُحكمه‪.‬‬
‫﴿ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾‬
‫[يس‪.]32 :‬‬
‫الر ْح َمـٰ ُن‪ :‬لفظ الجاللة "الرحمن" يف هذا الموضع ٌ‬
‫دليل على‬ ‫َهـ َٰذا َما َو َعدَ َّ‬
‫أهنم يف هذا اليوم العظيم‪ ،‬سوف يرون من رحمة اهلل ما ال يخطر على الظنون‪،‬‬
‫وال ِ‬
‫حسب له كل الحاسبون(‪.)1‬‬
‫وقال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [سبأ‪.]1 :‬‬
‫فلن يدخل الكافر النار إال وهو يحمد اهلل على كمال عدله‪ ...‬يحمد اهلل على‬
‫يستحق بال ظلم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أنه ُأعطي ما‬
‫﴿ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾‬
‫[القصص‪.]21:‬‬
‫(‪ )1‬تفسير السعدي لآلية الكريمة‪.‬‬

‫‪735‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -78‬هل توجد أدلة أركيولوجية أثرية ىلع أنبياء بين إرسائيل كداود وسليمان؟‬
‫وهل توجد أدلة أركيولوجية ىلع قصة خروج بين إرسائيل من مرص؟‬

‫ج‪ :‬هذا النوع من األسئلة سخيف جدًّ ا‪.‬‬


‫َ‬
‫تاريخهم‪.‬‬ ‫فاألنبياء ال يرتكون تماثيل وال معابد َتروي‬
‫فالذي يقرأ التاريخ من خالل المعابد والتماثيل األثرية هو فقط يقرأ تاريخ‬
‫الوثنيين‪.‬‬
‫َّ‬
‫وحذروا‬ ‫فقد َّ‬
‫حذر األنبياء أشدَّ التحذير من اآلثار واألوثان واألصنام‪ ،‬بل‬
‫أثرا‪.‬‬
‫من اتخاذ قبورهم ً‬
‫ْ‬
‫تجعل قربي َو َثنًا"(‪.)1‬‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬اللهم ال‬
‫ومن أعظم آيات الكتاب المقدس ما ُيعرف بالوصايا العشر‪ ،‬وهي التي أمر‬
‫اهلل هبا موسى يف ِّبر َّية سيناء‪.‬‬
‫ويف الوصية الثانية من هذه الوصايا العشر‪ :‬ال يجوز اتخاذ الصور واألصنام‬
‫واألوثان وأي رسم منحوت‪.‬‬
‫‪َ 5‬ال َي ُك ْن َل َك آل ِ َه ٌة ُأ ْخ َرى َأ َمامِي‪.‬‬
‫َل صور اة ما مِما فِي السم ِ‬
‫اء مِ ْن اف ْو ُق‪ ،‬او اما‬ ‫ِ‬
‫َّ ا‬ ‫‪ 4‬اَل ات ْصن ْاع ال اك ت ْم اث ااَل امن ُْحو اتا‪ ،‬او ا ُ ا ا َّ‬
‫ت األا ْر ِ‬ ‫ض مِن اتح ُت‪ ،‬وما فِي ا ْلم ِ‬
‫اء مِن اتح ِ‬ ‫ِ‬
‫ض"(‪.)2‬‬ ‫ْ ْ‬ ‫ا‬ ‫ا ا‬ ‫في األا ْر ِ ْ ْ‬

‫)‪ (1‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،2532 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫)‪ (2‬سفر الخروج‪ ،‬إصحاح ‪.21‬‬

‫‪736‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫والمسيح ‪ ‬حين ُسئل ماذا يفعل اإلنسان حتى يدخل الجنة؟‬


‫فأجاب‪ :‬يجب أن تحفظ الوصايا العشر و ُتنفذها‪.‬‬

‫فهذه هي تعاليم األنبياء‪ ،‬فهم يمنعون تما ًما اتخاذ التماثيل المنحوتة؛‬
‫ولذلك لو أردت البحث عن تاريخ األنبياء داخل المعابد فأنت ُتضلل نفسك‪.‬‬
‫لكن هل معنى ذلك أننا لن نعثر على أي شيء من خالل البحوث‬
‫األركيولوجية؟‬
‫والجواب‪ :‬ربما نع ُث ُر يف األوراق واأللواح التي كتبها غيرهم على أد َّل ٍة‪ ،‬وهذا‬
‫موجود‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬يف قصة خروج بني إسرائيل من مصر‪ُ ،‬وجدت بعض اآلثار يف‬ ‫ً‬
‫سجالت الفراعنة على البالءات التي سبقت خروجهم من مصر‪.‬‬
‫فمن المعلوم أن قوم فرعون ُأصيبوا بالبالءات‪ :‬كالطوفان والجراد وال ُقمل‬
‫والضفادع والدم قبل خروج بني إسرائيل مباشرةً‪ ،‬وبالفعل ورد هذا األمر‬
‫بالتفصيل يف بردية أ ْيبِيور ‪ Ipuwer Papyrus‬والتي اك ُتشفت وما زالت محفوظة‬
‫حتى الساعة يف متحف ليدن هبولندا‪.‬‬

‫‪737‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فهذه الربْدية تذكر اضطرابات عظيمة وقعت يف مصر‪ ،‬ومصائب حلت عليها‬
‫قبل خروج بني إسرائيل مباشرةً‪.‬‬
‫وتصف الربدية حال اإلمرباطورية المصرية التي سحقتها كوارث عجيبة‪،‬‬
‫وأوبئة أودت بحياة ٍ‬
‫كثير من الناس‪.‬‬
‫وهي نفس صورة الكوارث التي أخرب اهلل هبا يف كتابه أهنا كانت عقا ًبا لقوم‬
‫فرعون‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾‬
‫[األعراف‪.]150 -155 :‬‬

‫‪738‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫تحول النهر إلى دم ‪.)1(River of Blood‬‬


‫وقد ذكرت هذه الربدية كيف َّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‬
‫[األعراف‪.]155 :‬‬
‫أيضا تحدثت الربدية عن كيف ُأصيبت األرض بالجدب(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ﴾ [األعراف‪.]151 :‬‬
‫ٍ‬
‫مهلكة غزت األرض‪ ،‬وربما تكون هي‬ ‫ٍ‬
‫بحشرات‬ ‫وأخربت الربدية‬
‫المقصودة بال ُقمل يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ﴾ [األعراف‪.]155 :‬‬
‫وتناولت الربدية مسألة هروب الخدم‪ ،‬والخدَ م عند الفراعنة ُيقصد هبم‬
‫اليهود‪ ،‬قال اهلل تعالى حاك ًيا عن فرعون‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [القصص‪.]0 :‬‬

‫‪)1( Ipuwer 5:10‬‬


‫‪)2( Ipuwer 9:1‬‬

‫‪739‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بل وتحدَّ ثت الربدية عن الزينة التي لبسها الخدم ‪-‬اليهود‪ -‬من الذهب‬
‫والحلي الذي أخذوه من المصريين ولم ير ُّدوه لهم(‪.)1‬‬
‫ومن المعلوم َّ‬
‫أن بني إسرائيل أخذوا ُحلي القبط‪ ،‬وندموا بعد ذلك وألقوه‪،‬‬
‫قال اهلل تعالى حاك ًيا عن بني إسرائيل‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [طه‪.]62:‬‬
‫ومن الغريب َّ‬
‫أن زمن الربدية هو تقري ًبا ‪ 1311‬ق‪ .‬م‪ .‬وهو الزمن التقريبي‬
‫نفسه لموسى ‪.‬‬
‫أن نعلم َّ‬
‫أن المصريين القدماء لم يكونوا ُيوثقون يف معابدهم‬ ‫وال بد هنا ْ‬
‫شهرت بآلهتهم‪ ،‬وما كانوا ليذكروا هزيمة جيوشهم‪ ،‬خاص ًة على‬
‫الكوارث التي َّ‬
‫يد خدمهم‪.‬‬
‫فالمصريون القدماء ما كانوا ُيسجلون يف معابدهم إال االنتصارات‪.‬‬
‫لكن ترد هذه الربدية العجيبة لتذكر لنا هذه التفاصيل‪.‬‬
‫أما عن انتصارات الفراعنة نرى يف لوحة مرنبتاح‪ ،‬والتي توجد يف المتحف‬
‫توجهت إلى بني إسرائيل‬ ‫المصري بالقاهرة‪ ،‬كيف َّ‬
‫أن حملة الملك مرنبتاح َّ‬
‫لمحاربتهم وانتصرت عليهم‪.‬‬

‫‪)1( Ipuwer 3:1‬‬

‫‪740‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وقد وردت كلمة بني إسرائيل بالحرف يف اللوحة‪ ،‬وتحديدً ا يف السطر ‪22‬‬
‫من اللوحة‪.‬‬
‫فقد ورد ِذكر بني إسرائيل يف الحملة التي انتصروا عليهم فيها‪.‬‬

‫‪746‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كانت هذه الحملة يف حدود ‪ 1211‬قبل الميالد تقري ًبا؛ ألن مرنبتاح حكم‬
‫من عام ‪ 1215‬ق‪.‬م إلى عام ‪ 1215‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫فالحملة كانت بعد خروج بني إسرائيل من مصر بحوالي ‪ 511‬عام تقري ًبا(‪.)1‬‬
‫وهنا ننتقل للسؤال اآلخر‪ :‬هل توجد أد َّلة ماد َّية على ظهور نبي اسمه إبراهيم‬
‫‪‬؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم!‬
‫فقلعة إبراهيم دليل مادي مباشر على وجود سيدنا إبراهيم ‪.‬‬
‫فحصن إبرام أو قلعة إبراهيم أو مدينة إبراهيم الحصينة مذكورة يف نص‬
‫هيروغليفي على جدار منحوت يف معبد آمون يف الكرنك باألقصر‪.‬‬
‫وقد بنى داود أو سليمان هذا المكان يف النقب يف القرن العاشر قبل الميالد‪،‬‬
‫ثم ورد ذكره يف جدار معبد الكرنك باألقصر‪.‬‬
‫والمصريون القدماء كانوا يسمون مدينة بئر سبع‪ ،‬باسم حصن إبرام(‪.)2‬‬
‫سؤال ثالث‪ :‬هل توجد أدلة مادية على وجود مملكة داود ‪‬؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم!‬
‫فنقش تل دان‪ ،‬وهو عبارة عن نقش أثري من القرن التاسع قبل الميالد‬
‫تقري ًبا‪ ،‬وهو مكتوب باآلرامية‪ ،‬ويذكر كلمة مملكة داود بالحرف(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬القضية ال تزال مفتوحة‪ ،‬سلمى حسب اهلل‪.‬‬


‫‪)2( Randall Price, The Stones Cry Out, Chapter1, harvest house publishers, 1445, p.48.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن كتاب‪ :‬القضية ال تزال مفتوحة‪ ،‬سلمى حسب اهلل‪.‬‬
‫‪)3( Tel Dan Stele‬‬
‫‪And the arrow shows the word: David’s Dynasty.‬‬

‫‪742‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وهناك اليوم شبه اتفاق بين المحققين والباحثين على َّ‬


‫أن هذا النقش يتحدَّ ث‬
‫بصورة واضحة عن مملكة داود ‪.‬‬

‫فداود ‪ ‬كان نب ًّيا ومل ًكا‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾‬


‫[البقرة‪.]231 :‬‬
‫وهناك نقش ميشع أو َحجر الموآبيين‪ ،‬وهو نقش يعود للقرن التاسع قبل الميالد(‪.)1‬‬
‫‪)1( The Mesha Stele, also known as the Moabite Stone.‬‬

‫‪743‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا بيت داود ‪.‬‬


‫ويذكر هذا النقش ً‬
‫وهو نقش من النقوش التاريخية الهامة‪ ،‬ويوجد اآلن يف متحف اللوفر بباريس‪،‬‬
‫ويذكر بيت داود‪ ،‬ونسل داود‪ ،‬وكان من نسل داود مملكة سليمان ‪.‬‬

‫ُ ٍّ‬
‫‪ -79‬هل لك البرش أتوا من أم واحد ٍة؟‬

‫ج‪ :‬منذ أكثر من أربعين عا ًما‪ ،‬وعلماء األحياء يؤكدون َّ‬


‫أن كل البشر يعودون‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫ألُ ٍّم‬
‫حيث أجرى العلماء من جامعة كاليفورنيا دراسات يف الجينوم الخاص‬
‫بالميتوكوندريا‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن الميتوكوندريا والتي هي إحدى عضيات الخلية لها حمض‬
‫نووي ‪ DNA‬خاص هبا‪ ،‬ويختلف تما ًما عن الحمض النووي الخاص بنواة الخلية‪.‬‬
‫والسمة المدهشة يف الحمض النووي الخاص بالميتوكوندريا‪َّ ،‬‬
‫أن ميتوكوندريا‬ ‫ِّ‬

‫‪744‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫كل البشر تأيت من األم فقط؛ وذلك َّ‬


‫ألن ميتوكوندريا الحيوان المنوي القادمة من‬
‫األب يفقدها الحيوان المنوي لحظة دخوله جدار البويضة‪ ،‬فال يبقى يف الخلية‬
‫المخصبة سوى ميتوكوندريا األم فقط‪.‬‬
‫َّ‬
‫ولذلك عندما يدرس العلماء الحمض النووي الخاص بالميتوكوندريا‪،‬‬
‫فإهنم يرصدون خط النسب من جهة األم‪.‬‬
‫أن خط النسب ينتهي يف كل البشر‬ ‫والمالحظة العجيبة التي اكتشفها العلماء َّ‬
‫على وجه األرض إلى ُأم واحدة‪ ،‬وتمت تسميتها بـ"حواء الميتوكوندريا"‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫واحدة بحسب دراسة الحمض النووي الخاص‬ ‫فكلنا ننتهي يف النسب إلى ُأ ٍّم‬
‫بالميتوكوندريا‪.‬‬

‫وتستطيع اليوم أن تحدد درجة قرابتك بأي شخص آخر يف العالم‪ ،‬من‬
‫الحمض النووي الخاص بالميتوكوندريا لكليكما‪.‬‬
‫بل ويمكنكما تحديد عند أي جدٍّ انفصلتما‪.‬‬

‫‪746‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫َّ‬
‫‪ -80‬هل حفريات اهلومو املوجودة يف متاحف األحياء تمثل جد اإلنسان املعارص‬
‫ُ‬
‫ىلع سلم اتلطور؟‬

‫أوال‪ :‬متاحف الحفريات أو متاحف األحياء‪ ،‬ال ُتعرض فيها أية حفرية‬
‫ج‪ً :‬‬
‫من حفريات الهومو على اإلطالق‪.‬‬
‫فهذا ممنوع!‬
‫فحفريات الهومو محفوظة يف خزائن فوالذية‪ ،‬وال يطلع عليها أحدٌ ‪ ،‬وال‬
‫حتى العلماء المختصين‪ ،‬فما ُيعرض يف المتاحف وما ُيعرض على العلماء‪ ،‬هو‬
‫فقط قوالب صناعية ‪ CASTS‬تشبه الحفرية‪ ،‬وليست الحفرية نفسها‪.‬‬
‫واالحتفاظ بالحفريات األصلية هبذه الصورة و َمنْع عرضها على الناس؛ هذا‬
‫َّ‬
‫ألن جميع حفريات الهومو المكتشفة ال تمأل حقيبة سيارة‪ ،‬فهي من الندرة بمكان!‬
‫فهذه الحفريات تمثل ثروة قومية‪.‬‬
‫جدت عظمة واحدة من الهومو فأنت بإمكانك بيعها بعشرات‬
‫َ‬ ‫وأنت لو َو‬
‫الماليين من الجنيهات حرف ًّيا‪.‬‬
‫وهذا األمر ُيدخلنا يف إشكالية كبيرة‪ ،‬أال وهي‪ :‬كيف لكائن حي من أنواع‬
‫الهومو المختلفة ساد األرض لماليين السنوات كما يزعم دعاة نظرة التطور‪ ،‬ثم‬
‫ال توجد منه حفريات يف كل مكان؟‬
‫كيف تكون كل حفريات الهومو السابقة لنا ال تمأل حقيبة سيارة؟‬
‫واألعجب َّ‬
‫أن كل حفريات الهومو المكتشفة‪ ،‬ال توجد فيها حفرية واحدة‬
‫تمثل جدًّ ا لإلنسان‪.‬‬
‫وهي حفريات غير مكتملة وشحيحة جدًّ ا؛ ولذلك حتى دعاة النظرية‬
‫ٍ‬
‫شديد من أمرهم‪.‬‬ ‫بأنفسهم يف ٍّ‬
‫شك‬

‫‪747‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫منقرض‪ ،‬ومن‬
‫ٌ‬ ‫ويوجد على أرضنا حوالي ‪ 8311‬نوع من القردة أكثرها‬
‫التطور بمخيالهتم‬
‫ُّ‬ ‫خالل اكتشاف بعض حفريات هذه األنواع يتجول دعاة نظرية‬
‫قبل أن يكتشفوا َّ‬
‫أن هذه الحفريات هي ألنواع منقرضة من القردة ال أكثر‪.‬‬
‫فحفريات أنواع الهومو ‪-‬المزعومة‪ -‬السابقة لإلنسان الحالي هي شحيحة‬
‫أيضا عند التقصي إما نكتشف أهنا نوع‬
‫للغاية‪ ،‬وال تمأل حقيبة سيارة‪ ،‬وهي ً‬
‫منقرض من القردة‪ ،‬أو نكتشف أهنا بشر من جنسنا تما ًما بال أي فرق‪.‬‬
‫وخير مثال على ذلك حفرية الهومو هابليس ‪ Homo habilis‬والتي اك ُتشفت‬
‫يف تنزانيا‪.‬‬
‫يدّ عي دعاة نظرية التطور أن نوع هذه الحفرية يمثل جد اإلنسان الحالي‪.‬‬
‫والواقع َّ‬
‫أن ما تم اكتشافه من الحفرية هو‪ :‬جزء من عظام الجمجمة‪ ،‬وجزء‬
‫من عظام القدم‪.‬‬
‫هذا كل ما يف األمر‪.‬‬

‫وبعد سنوات من الزعم َّ‬


‫بأن هذه الحفرية تمثل جدًّ ا لإلنسان الحالي‪ ،‬تب َّين‬
‫اليوم لدى كثير من دعاة النظرية أنفسهم َّ‬
‫أن الهومو هابليس هو نوع من القردة‬
‫اإلفريقية ال أكثر‪.‬‬
‫فهو قرد يسير على أربع وليس على قدمين‪ ،‬وهذا كالم التطوري برنارد ود‬

‫‪748‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫‪ Bernard Wood‬أستاذ أصول الجنس البشري ‪ Human Origins‬يف جامعة‬


‫جورج واشنطن‪ ،‬والذي قضى سنوات يف دراسة حفرية الهومو هابليس‪.‬‬
‫يقول برنارد ود‪ " :‬حفرية الهومو هابليس تفتقر إلى بعض المميزات المهمة‬
‫التي قد ترغب يف رؤيتها يف أول عضو من الجنس البشري؛ لذلك هي توصلنا‬
‫إلى استنتاج مفاده أن الهومو هابليس ربما ال تصلح كمرشح لتكون أول عضو‬
‫يف الجنس البشري كما تم تصويره يف البداية"(‪.)1‬‬
‫فالهومو هابليس هو نوع من القردة اإلفريقية‪ ،‬وال َعالقة له بالجنس‬
‫البشري‪ ،‬كما كان يحاول أن يصور دعاة نظرية التطور يف البداية‪.‬‬
‫والذي حدا بدعاة نظرية التطور إلى القول َّ‬
‫بأن الهومو هابليس يمثل جدًّ ا‬
‫لإلنسان الحالي‪ ،‬هو استخدام الهومو هابليس لألحجار‪.‬‬

‫)‪ (1‬لقاء صويت على‪ https://www.youtube.com/watch?v=wmWqojkcJ_8 :‬الدقيقة‪.3:12 :‬‬

‫‪749‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا يستخدم نفس هذه األحجار(‪.)1‬‬ ‫لكن من المعلوم تما ًما اليوم َّ‬
‫أن الشمبانزي ً‬
‫التطور‬
‫ُّ‬ ‫لكن الذي يستوقفني يف هذا الموضوع هو استخدام دعاة نظرية‬
‫لصور ترويجية لحفرية الهومو هابليس‪ ،‬كهذه الصورة‪:‬‬

‫تتحول األجزاء المكتشفة من جمجمة الهومو هابليس‬


‫َّ‬ ‫وسؤالي هنا‪ :‬كيف‬
‫وجزء من القدم إلى كائن كامل بأسرته؟‬
‫أن هذه ُلعبة دعاة نظرية التطور التي يستخدموهنا ً‬
‫دائما‪.‬‬ ‫والواقع َّ‬
‫فأية عظام صغيرة ُتكتشف يقومون ً‬
‫فورا بعمل تخ ُّيل كامل من خاللها يخدم‬
‫النظرية‪.‬‬
‫فيرسمون كائنًا فيه صفات بين القرد واإلنسان‪ ،‬ويزعمون أنَّه شكل األحفورة‬
‫يوم أن كانت حية‪.‬‬
‫لكن ها هي عظام الهومو هابليس تبين أهنا عظام قرد‪ ،‬فما محل هذه الصور‬

‫(‪ )1‬فيديو مصور لشمبانزي يستخدم األحجار بكفاءة‪:‬‬


‫‪https://www.youtube.com/watch?v=1Cp5_In5f88‬‬

‫‪750‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫المرسومة اآلن من اإلعراب؟‬


‫إهنا صور بال قيمة‪ ...‬صورة مز َّيفة‪.‬‬
‫والسؤال اآلخر الذي يطرح نفسه‪ :‬كيف تخ َّيل دعاة النظرية شكل الكائن‬
‫وشعره وتقاسيم جسمه‪ ،‬من جزء من عظام جمجمة؟‬
‫ثم السؤال األهم‪ :‬كيف رسموا لون العين ‪ Sclera‬باللون األبيض كاإلنسان تما ًما؟‬
‫أن كل القردة لون العين لديها بني غامق‪.‬‬‫فمن المعلوم َّ‬
‫بعكس لون عين اإلنسان‪.‬‬

‫فكيف رسموا عين الهومو هابليس باللون األبيض؟‬


‫إهنا محاولة تقريبية لشكل اإلنسان‪.‬‬
‫لكن هل هذا علم؟‬
‫مبني على أدلة أو قرائن يف الحفرية المكتشفة؟‬
‫التصور ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫هل هذا‬

‫‪756‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وتوهم وخيال‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫المسألة افرتاض‬
‫وبسبب هذه األساليب غير العلمية وغير النزيهة بدأ المؤمنون بالنظرية يف‬
‫الغرب يفقدون ثقتهم يف النظرية شي ًئا فشي ًئا‪.‬‬
‫دائما يستعينون بفرق من الفنانين‬
‫وباحثو الحفريات من دعاة نظرية التطور ً‬
‫التصور الذي يف مخيلته‪ ،‬والذي هو‬
‫ُّ‬ ‫والرسامين‪ ،‬بحيث يضع باحث الحفريات‬
‫يف الغالب يخدم نظريته‪ ،‬ثم يقوم الفنان برسم ما يريد‪.‬‬
‫والضحية يف األخير هي قطع العظام المسكينة المكتشفة‪ ،‬والتي ال َعالقة‬
‫لها بالرسومات‪ ،‬والضحية الثانية‪ :‬عقول الصبية ممن ُيصدقون هذه الرسومات‪.‬‬
‫قرروا َّ‬
‫أن هذا‬ ‫ضرسا‪ ،‬ثم َّ‬
‫ً‬ ‫قبل عشرات السنوات اكتشف باحثو الحفريات‬
‫الضرس تابع ألحد البشر األوائل‪ ،‬وتمت تسميته بـ‪" :‬ضرس إنسان نرباسكا"‪،‬‬
‫وربما يكون هذا الضرس هو أشهر ضرس يف التاريخ‪.‬‬

‫وتمت تسمية إنسان نرباسكا تسمية علمية جديدة وهي‪:‬‬


‫َّ‬
‫‪Hesperopithecus haroldcooki‬‬

‫‪752‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫وتم عمل صورة لهؤالء البشر األوائل‪.‬‬


‫لقد تم رسم صورة إلنسان نرباسكا المزعوم من خالل هذا الضرس المكتشف‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مكتشف‪.‬‬ ‫َتخ َّيل يتم رسم إنسان كامل بضرس‬
‫ولم يقف األمر على هذا‪ ،‬بل تم رسم العائلة بالزوجة واألوالد‪.‬‬

‫شكل العائلة كاملة تم تخ ُّيله من ضرس‪.‬‬

‫‪753‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبعد خمس سنوات من هذا االكتشاف المدهش والثمين‪.‬‬


‫كانت المفاجأة!‬
‫لقد تب َّين أن الضرس يتبع ألحد أنواع الخنازير الربية‪.‬‬
‫إنَّه ضرس خنزير!‬
‫تم االعرتاف رسم ًّيا فيما بعد أن كان إنسان نرباسكا مجرد خيال‪.‬‬
‫وأن الـ ‪ Hesperopithecus haroldcooki‬وهم ساذج!(‪)1‬‬
‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫يف منتصف العام ‪ 2121‬تقري ًبا تم اإلعالن عن كشف أحفوري كبير قام به‬
‫بعض الشباب المصريين‪ ،‬حيث اكتشفوا عظا ًما لحوت قديم أطلقوا عليه اسم‬
‫‪.Phiomicetus Anubis‬‬
‫أرجل‪ ،‬وطلبوا من‬ ‫ِ‬ ‫وافرتض الباحثون َّ‬
‫أن هذا النوع من الحيتان بأربعة ُ‬
‫الفنانين رسم الصورة المتخيلة‪.‬‬
‫وقام الفنانون بالفعل برسم هذه الصورة‪.‬‬

‫‪)1( The purported species was retracted half a decade after the original article had been‬‬
‫‪published by Osborn.‬‬

‫‪754‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫أرجل‬
‫لكن السؤال هنا‪ :‬هل اكتشف هؤالء الباحثون بين عظام الحفرية ُ‬
‫الحوت األربعة؟‬
‫والجواب‪ :‬ال‪.‬‬
‫رجال واحد ًة للحوت؟‬
‫هل اكتشفوا ً‬
‫الجواب‪ :‬ال‪.‬‬
‫كل ما تم اكتشافه هو‪ :‬الجمجمة وفقرتين وضلعين فقط‪.‬‬

‫أرجلٍ‪.‬‬ ‫وبنا ًء على الجمجمة والفقرتين والضلعين تم تخ ُّيل َّ‬


‫أن الحوت بأربعة ُ‬
‫لكن أين هي األرجل‪ :‬ال َي ُه ُّم!‬

‫‪755‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لكن‪ :‬مِن أين أتى هذا االفرتاض َّ‬


‫بأن‪ :‬حفرية الحوت بأربعة أرجل؟‬
‫التطور التي تقرر هذه الفرضية‪.‬‬
‫التصور يف األساس لخدمة نظرية ُّ‬
‫ُّ‬ ‫تم بناء هذا‬
‫التصور بنا ًء على دليل هش وسطحي إلى حد غريب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وقاموا بدعم هذا‬
‫حيث َّ‬
‫إن إحدى الفقرتين المكتشفتين يف الحفرية كان هبا بروز عظمي زائد‬
‫يف الـ ‪.Neural Spine‬‬
‫والربوز العظمي الزائد هبذا الشكل يوجد يف الثدييات األرضية‪.‬‬

‫وبنا ًء على هذا الدليل تم افرتاض َّ‬


‫أن هذا حوت برمائي يعيش على اليابسة‬
‫أرجل‪.‬‬
‫بأربعة ُ‬
‫َّ‬
‫إن هذه مشكلة نظرية التطور أنَّها‪ :‬قائمة على تخ ُّيالت وفروض‪ ،‬وهذه‬
‫التخ ُّيالت والفروض مبن َّية على أدلة هشة جدًّ ا لخدمة هذه الفروض‪.‬‬
‫أرجل‪ ،‬لكن أين‬
‫وليس هناك مشكلة أن يكون هذا الحوت الربمائي بأربعة ُ‬
‫الدليل؟‬
‫أن هذا الحوت بأربعة أرجل‪ ،‬فهل هذا يعني َّ‬
‫أن هناك نو ًعا من‬ ‫ثم لو افرتضنا َّ‬
‫الحيتان انتقل لنو ٍع آخر بالتطور؟‬
‫إن هذا النوع انتقل لذاك النوع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حيوان وآخر‪ ،‬وتقول َّ‬ ‫سهما بين‬
‫فال ترسم ً‬

‫‪756‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫هذا السهم المرسوم من حيوان آلخر هو مجرد قفزة وهمية‪.‬‬


‫َّ‬
‫استدل ثم اعتقدْ !‬ ‫لذلك نقول لدعاة النظرية‪:‬‬
‫والذي يستوقف اإلنسان يف قضية تطور الحيتان المزعومة‪َّ ،‬‬
‫أن هذه الفكرة‬
‫غريبة وال تكاد تصلح حتى لألطفال‪ ،‬ففكرة َّ‬
‫أن حيوانًا بأربعة أرجل بدأت‬
‫ليتحول يف النهاية‬ ‫تلتصق أرجله الخلفية وتتحول َلزعن ٍ‬
‫َفة‪ ،‬وترتفع األنف ألعلى‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إلى حوت‪ ،‬هذه الفكرة هي علم ًّيا بحاجة إلى معجزة خارقة ال يتيحها ُعمر‬
‫الكون حتى تحصل على هذه الصورة‪.‬‬
‫يتحول هذا الكائن‬
‫َّ‬ ‫فأنت تحتاج تقري ًبا إلى ‪ 31‬ألف تغير جسدي حتى‬
‫الربمائي إلى حوت‪.‬‬
‫تغييرا بالكامل‪ ،‬نظام‬
‫ً‬ ‫فالمخيخ ‪ Cerebellum‬على سبيل المثال يحتاج‬
‫المشوهة‬
‫َّ‬ ‫شامال‪ ،‬ويف كل مرحلة نحتاج ماليين األنواع‬
‫ً‬ ‫تغييرا‬
‫ً‬ ‫التنفس يحتاج‬

‫‪757‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الوسيطة مع كل تغير‪ ،‬والنتيجة التي نعرفها جمي ًعا أنَّه ال وجود ال لماليين وال‬
‫آلحاد هذه الكائنات الوسيطة‪.‬‬
‫فليست عندنا مشكلة أن يكون هناك حوت برمائي بأربعة أرجل‪ ،‬لكن كيف‬
‫التطور‪ ،‬ثم نقوم برسم أسهم بين حيوان وآخر‪ ،‬فهذه‬
‫ُّ‬ ‫ُندخله يف رسومات خرافة‬
‫ٍ‬
‫إيمان أعمى بال دليل‪.‬‬ ‫األسهم بين الحيوانات تعتمد على‬
‫فحتى تنتقل من حيوان آلخر فنحن نحتاج لماليين األنواع الوسيطة‪،‬‬
‫أيضا آلالف أضعاف عمر الكون كما سنوضح اآلن‪.‬‬
‫ونحتاج ً‬
‫التطور‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ففي بحث خطير ُنشر يف مجلة ‪ Genetics‬الدولية للدفاع عن نظرية‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ :‬نحتاج يف‬ ‫أثبت البحث أننا نحتاج لتثبيت طفرتين نافعتين يف جي ٍل‬
‫الحشرات الصغيرة لزمن يصل إلى بضعة ماليين من السنين‪.‬‬
‫بينما نحتاج يف اإلنسان إلى أكثر من مائة مليون عام‪.‬‬

‫مائة مليون عام من أجل تثبيت طفرتين اثنتين نافعتين‪.‬‬

‫‪758‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫التطور‪ ،‬والرد على‬


‫ُّ‬ ‫وهذا يف بحث ُأجري يف األصل للدفاع عن نظرية‬
‫ُمنتقديها والمشككين فيها!‬

‫هل تعلم كم طفرة بين البشر وبين السلف المشرتك المزعوم؟‬


‫هناك ستون مليون طفرة‪.‬‬
‫فإذا قمت بحساب ستين مليون طفرة يف مائة مليون عام لكل طفرتين‪ ،‬فأنت‬
‫تحتاج حرف ًّيا آلالف أضعاف عمر الكون‪ ،‬لظهور نوع واحد جديد!‬
‫التطور خط ٌأ و ُم ٌ‬
‫حال!‬ ‫ُّ‬ ‫العلم ببساطة يقول‪:‬‬
‫التطور ال يعمل‪.‬‬
‫ُّ‬
‫يف عام ‪1263‬م كتب الملحد األسرتالي وعالم البيولوجي مايكل دانتون‬
‫‪ Michael Denton‬كتابه الشهير‪" :‬التطور نظرية يف أزمة"‪ ،‬وبعد ثالثين عا ًما‪،‬‬
‫أي‪ :‬يف عام ‪ 2113‬كتب دانتون كتابه الثاين‪" :‬التطور ما تزال نظرية يف أزمة"‪،‬‬

‫‪759‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأكَّد دانتون َّ‬


‫أن إشكاالت النظرية تزداد تعقيدً ا مع الوقت‪.‬‬
‫فهناك أخاديد حقيقية بين كل نوع وآخر من الكائنات الحية‪.‬‬
‫ِ‬
‫وماسمو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ولذلك كتب الداروين َّيان الملحدان جيري فودور ‪Jerry Fodor‬‬
‫بالماريني ‪ Massimo Piattelli-Palmarini‬كتا ًبا بعنوان‪" :‬أين أخطأ داروين؟‬
‫?‪."What Darwin Got Wrong‬‬
‫قاال يف مقدمته‪" :‬هذا ليس كتا ًبا عن اهلل‪ ،‬وال عن التصميم الذكي‪ ،‬وال عن‬
‫بأي من هذه األشياء‪ ،‬ويزعم كالنا أنَّه ملحد‬
‫مذهب الخليقة‪ ،‬فكالنا ال يؤمن ٍّ‬
‫كامل اإللحاد‪ ،‬مصبوغ بصبغة اإللحاد‪ ،‬ورأينا من األفضل أن نوضح ذلك بدايةً؛‬
‫ألن طرحنا األساسي يف الكتاب َّ‬
‫أن هناك مشكلة قد تكون مشكلة خطيرة جدًّ ا يف‬
‫نظرية االنتقاء الطبيعي ‪-‬نظرية التطور‪.)1("-‬‬
‫بالتطور‪ ،‬كما تقول لين‬
‫ُّ‬ ‫فال يوجد دليل واحد مباشر على ظهور األنواع‬
‫مارجلس ‪ Lynn Margulis‬عالمة األحياء األمريكية زوجة كارل ساجان(‪.)2‬‬
‫ولذلك يقول إرنست تشاين الحائز على نوبل‪" :‬من العسير وصف نظرية‬
‫التطور أهنا نظرية"‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪.)3("It can hardly be called a theory‬‬
‫فالنظرية تفتقر يف الواقع للدليل باعرتاف كل َمن سرب غورها‪ ،‬فهي ال تملك‬
‫إال الفروض والتخمينات‪.‬‬
‫)‪ (1‬مقدمة الكتاب ص ‪ 13‬النسخة العربية‪.‬‬
‫‪)2( Lynn Margulis and Dorion Sagan, Acquiring Genomes: A Theory of the Origins of‬‬
‫‪Species, p.31.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬تصميم الحياة‪ ،‬د‪ .‬ويليام ديمبسكي ود‪ .‬جوناثان ويلز‪ ،‬ترجمة د‪ .‬مؤمن الحسن وآخرين‪ ،‬دار‬
‫الكاتب‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪)3( R. W. Clark: the Life of Ernst Chain, P.195.‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬براهين وجود اهلل‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري‪ ،‬ص ‪.358‬‬

‫‪760‬‬
‫الرد على أشهر شبهات امللحدين‬

‫إلى جانب كل ما سبق‪:‬‬


‫تصور وجود عدة أنواع من البشر‪.‬‬
‫فهناك مشكلة أخالقية خطيرة يف ُّ‬
‫ففكرة وجود أنواع من البشر‪ ،‬هذه الفكرة تس َّببت يف مقتل ُعشر سكان‬
‫العالم‪ ،‬وأ َّدت ألكرب جرائم إبادة للبشرية يف القرن الماضي‪.‬‬
‫ففكرة وجود أنواع مختلفة من البشر‪ ،‬وبالتالي هناك أنواع أرقى وأنواع‬
‫أدنى‪ ،‬وأعراق أرقى وأعراق أدنى‪ ،‬هذا يعني تطور ًّيا َّ‬
‫أن من حق العرق األرقى أن‬
‫ُيبيد العرق األدنى‪.‬‬
‫حيث يتعامل العرق األرقى مع األعراق األدنى على أهنا حيوانات‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن هذه الفكرة أ َّدت لحروب عالمية‪.‬‬
‫هذه الفكرة أ َّدت لحربين عالميتين‪.‬‬
‫وظهرت معسكرات النازية‪ ،‬وأفران إحراق البشر‪ ،‬وظهر معسكر أكشن يت‬
‫فور ‪ Aktion T4‬والذي ُقتل فيه أكثر من ربع مليون إنسان باعتبارهم ليسوا ً‬
‫بشرا‪.‬‬
‫وقيم اإلنسان‪ ،‬هذه األمور ال تخضع‬‫فالحق اإلنساين‪ ،‬وكرامة اإلنسان‪ِ ،‬‬
‫لعالم الطبيعة حتى يتالعب المالحدة فيها‪ ،‬فيفرتضوا َّ‬
‫أن البشر أعراق شتَّى‪،‬‬
‫ف ُتزهق األرواح هبراء افرتاضاهتم‪.‬‬
‫وحتى كلمة إنسان هي كلمة ميتافيزيقية ال تنتمي إلى هذا العالم‪.‬‬
‫التصورات المادية‪ ،‬واالفرتاضات‬
‫ُّ‬ ‫لذلك يف حال تمت إزاحة الدين‪ ،‬وظهرت‬
‫اإللحادية‪ ،‬ساعتها سيسود المكان كل أنواع التصفية العرقية‪ ،‬والبقاء لألصلح‪،‬‬
‫بشرا‪.‬‬
‫وإبادة البشر باعتبارهم ليسوا ً‬
‫تطوري واحد‪ :‬كيف‬
‫ب عنه ُّ‬ ‫ويف األخير يبقى اإلشكال البحثي الذي لم ي ِ‬
‫ج ْ‬ ‫ُ‬
‫لكائن حي من أنواع الهومو المختلفة أن يسود األرض لماليين السنين كما‬
‫مثال بعشرات اآلالف‪ ،‬أو بالمئات أو‬
‫يزعم التطو ريون‪ ،‬ثم ال توجد منه حفريات ً‬

‫‪766‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫حتى بالعشرات‪ ،‬بل يف الواقع ال توجد حفرية واحدة صحيحة يمكن أن ُيشار‬
‫إليها باعتبارها نو ًعا من أنواع الهومو؟‬
‫كيف تكون كل حفريات الهومو السابقة لنا ال تمأل حقيبة سيارة؟‬
‫وكيف تكون كل هذه الحفريات وبدون استثناء واحد؛ إما لقردة منقرضة‪،‬‬
‫أو بقايا بشر عاديين مثلنا تما ًما؟‬
‫فال يوجد بين األحافير أجداد للبشر‪ ،‬وال كل هذا الهراء‪.‬‬
‫عجز علم‬ ‫َّ‬
‫إن اإلنسان ظهر فجأةً‪ ،‬وهذه هي الحقيقة التي يكشفها لنا كل يوم ُ‬
‫األحافير‪ ،‬وكشوف علم األحياء الجزيئية‪.‬‬
‫حلما بال دليل واحد معترب حتى الساعة‪،‬‬
‫ولن تتجاوز نظرية التطور أن تكون ً‬
‫ال يف الكائنات الحية‪ ،‬وال يف اإلنسان‪.‬‬
‫ولذلك يحاول دعاة النظرية االطمئنان على شعبية هذه النظرية بين الناس‬
‫ً‬
‫أوال بأول‪.‬‬
‫أيضا مازالت ُتعقد المناظرات العلمية بشأهنا يف جامعات العالم‪.‬‬
‫ولذلك ً‬
‫ٍ‬
‫جديد‪ ،‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫كشف‬ ‫وما زلنا بحاجة إلى عمل تعديالت يف النظرية مع كل‬
‫دليل قطعي على افتقار النظرية حتى للبناء العلمي الصحيح‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد مجرد تأويالت ذهنية ُمجردة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫استثناء‬ ‫تصورات النظرية بال‬
‫فجميع ُّ‬
‫يف الواقع‪ :‬لو تم َجمع كل أدلة النظرية‪ ،‬وتم تقديمها لفيلسوف علوم غير‬
‫متحيز لقال بأعلى صوته‪ :‬تو َّقفوا عن هذا الهراء ً‬
‫فورا‪.‬‬

‫***‬

‫‪762‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الباب الرابع‬
‫أفكار ضا َّلة‬

‫‪763‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪764‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الفصل األول‬
‫الس َّنة‬
‫منكرو ُّ‬
‫‪ -86‬ما هو فكر اتلنوير؟‬

‫ج‪ :‬التنوير هو حركة عالمية ظهرت يف األساس للحرب على الدين‪ ،‬أو‬
‫باألدق‪ :‬لتحييد الدين جان ًبا‪.‬‬
‫فهدف التنوير هو‪ :‬إبعا ُد الدين عن المجتمع‪.‬‬
‫وقد قامت هذه الحركة هبذا األمر يف أوروبا قبل قرنين من الزمان؛ ولذلك‬
‫تحولت أوروبا لإللحاد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تمض عقود قليلة حتى َّ‬ ‫لم‬
‫مؤخرا نفس هذه الحركة باألهداف نفسها يف عالمنا اإلسالمي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظهرت‬
‫وقد َ‬
‫فهدف حركة التنوير‪ :‬إزاحة وإبعاد الدين عن حياة الناس‪.‬‬
‫ويف الواقع ففكرة التنوير تختلف جذر ًّيا عن فكرة اإللحاد‪ْ ،‬‬
‫وإن كان كالهما‬
‫يهدف لمشروع كفري يبدأ بخفوت التسليم للنص الشرعي يف قلب الشباب‪،‬‬
‫وينتهي بضياع اإليمان ومداهنة ومعاقرة أي إلحاد‪.‬‬
‫لكن ُّ‬
‫تظل السمة المم ِّيزة لمشروع دعاة التنوير ليست إلحاد الناس ذاك‬
‫أن يظل الناس مسلمين‪ ،‬لكن يصير إسالمهم‬‫اإللحاد المادي‪ ،‬وإنما‪ :‬ال مانع ْ‬
‫إسال ًما شكل ًّيا‪.‬‬
‫فال يأخذ الناس من اإلسالم إال بعض المعاين األخالقية‪ ،‬وبعض الجماليات‬
‫ً‬
‫مفرغا تما ًما من محتواه‪.‬‬ ‫يف المعامالت‪ ،‬لكن يصبح الدين يف األخير‬
‫فيتحول الدين إلى مجرد طقوس ُتؤ َّدى!‬
‫َّ‬
‫والهدف األساسي من حركة التنوير هو أن يصبح الدين تاب ًعا لثقافة العصر‬
‫السائدة‪ ،‬وال ُي ِ‬
‫ظهر أية ممانعة للقيم السائدة مهما كان انفساخها أو انحاللها أو تميعها‪.‬‬

‫‪765‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فحركة التنوير تريد دينًا ال يمانع الشيوعية حين ظهرت يف القرن الماضي‪،‬‬
‫وال يمانع ليربالية القرن الجديد‪ ،‬وال يمانع أية فكرة مستقبلة يراها الناس‪.‬‬
‫وهبذه الصورة فاإلسالم ُيم ّثل مشكلة كبيرة لحركة التنوير؛ َّ‬
‫ألن اإلسالم‬
‫الذي أنزله اهلل على نبيه محمد بن عبد اهلل ﷺ بالحق‪ ،‬هذا اإلسالم يدخل يف كل‬
‫كبيرة وصغيرة يف حياة اإلنسان‪ ،‬وال طريق فيه لمداهنة الباطل أو الفساد‪ ،‬وال‬
‫يقبل أية صورة من صور اإللحاد‪.‬‬
‫ولذلك فهذا اإلسالم عند حركة التنوير مرفوض مرفوض مرفوض‪.‬‬
‫فهم يريدون ُأم ًة من الناس ال تعرف معرو ًفا‪ ،‬وال تنكر ً‬
‫منكرا‪.‬‬
‫فعال‪.‬‬ ‫وقد أخرب اهلل ‪ ‬عن حال الناس يف آخر الزمان‪َّ ،‬‬
‫وأن هذا سيصير حالهم ً‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫يأخ َذ ُ‬
‫اهلل شريطتَه من أه ِل‬ ‫الساع ُة حتَّى ُ‬‫قال النبي ﷺ‪" :‬ال تقو ُم َّ‬
‫نكرا"(‪.)1‬‬ ‫فون معرو ًفا وال ُينكِ َ‬
‫رون ُم ً‬ ‫فيبقى فيها َعجاج ٌة ال ِ‬
‫يعر َ‬
‫فدعاة التنوير يريدون التعجيل هبذه المرحلة‪.‬‬
‫يريدون التعجيل بتدجين هذه األمة بالكامل حتى تفقد أية مقاومة مقدسة‪،‬‬
‫وتفقد الغيرة على أي ثابت من ثوابت الشريعة‪.‬‬
‫يريدون أن تفقد األمة استعالءها بإيماهنا‪ ،‬فيصير المسلمون‪ُ " :‬ح َفا َل ٌة‬
‫كَح َفا َل ِة التَّم ِر َّ ِ‬
‫والشع ِير‪ ،‬ال َي ْع َب ُأ ُ‬
‫اهلل هب ِْم شي ًئا"(‪.)2‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وعلى أمثال هؤالء تقوم الساعة‪.‬‬
‫فالساعة ستقوم على الذين تم تدجينُهم بالكامل‪ ،‬ممن ال يعرفون معرو ًفا‪،‬‬
‫منكرا‪ ،‬وبالتالي ال يكون إليماهنم اعتبار يف قلوهبم‪ ،‬وال ينشغلون‬
‫ً‬ ‫وال ينكرون‬

‫(‪ )1‬مسند أحمد‪ ،‬م‪ 11‬ص ‪ ،181‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫)‪ (2‬قال رسول اهلل ﷺ‪ :‬ي ْقب ُض الصالِحو َن‪ ،‬األو ُل َفاألو ُل‪ ،‬و َتب َقى ح َفا َل ٌة كَح َفا َل ِة التَّم ِر َّ ِ‬
‫والشع ِير‪ ،‬ال َي ْع َب ُأ ُ‬
‫اهلل هب ِْم شيئًا‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0138 :‬‬

‫‪766‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫بعقيدهتم‪ ،‬وال يرفعون هبا رؤوسهم‪ ،‬فيصيرون أتبا ًعا ألية قيم سائدة مهما كان‬
‫شذو ُذها أو انحال ُلها‪.‬‬
‫األو ُل‬ ‫الصال ِ ُح َ‬
‫ون‪َّ ،‬‬ ‫فعلى مثلهم تقوم الساعة‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪ُ " :‬ي ْق َب ُض َّ‬
‫َفاألو ُل‪ ،‬و َتب َقى ح َفا َل ٌة كَح َفا َل ِة التَّم ِر َّ ِ‬
‫والشع ِير‪ ،‬ال َي ْع َب ُأ ُ‬
‫اهلل هب ِْم شي ًئا"(‪.)1‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫وأمثال هؤالء ال تتم َّعر وجوههم غض ًبا أمام انتهاك محارم اهلل‪ ،‬وال ينشغلون‬
‫أصال‪.‬‬
‫هبا ً‬
‫الح َب َش ِة"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الس َو ْي َق َت ْي ِن م َن َ‬
‫قال رسول اهلل ﷺ‪ُ " :‬ي َخ ِّر ُب ال َك ْع َب َة ُذو ُّ‬
‫ِ‬
‫البحر"(‪.)3‬‬ ‫حج ًرا‪ ،‬و َي ْرمي هبا يف‬ ‫ِ‬
‫حج ًرا َ‬
‫ويف الرواية األخرى‪" :‬فيهد ُمها َ‬
‫تخيل!‬
‫يعرتض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حجرا‪ ،‬و ُيرمي هبا يف البحر‪ ،‬وال أحد‬
‫ً‬ ‫حجرا‬
‫ً‬ ‫ُتهدم الكعبة‬
‫و َمن سيعرتض سيكون ضد التنوير‪.‬‬
‫فحتى تكون تنوير ًّيا‪ ،‬تق َّب ْل هدم مقدساتك‪.‬‬
‫تعتز بدينك‪.‬‬
‫وإياك أن َّ‬
‫وجهك النتهاك مقدساتك‪.‬‬
‫أو يتم َّعر ُ‬
‫هم يريدون هذا النوع من اإلسالم‪ ،‬ويس َعون لظهوره‪.‬‬
‫يريدون إسال ًما عالمان ًّيا‪.‬‬
‫يريدون إسال ًما ُممي ًعا‪.‬‬
‫رخيصا يف قلبك‪.‬‬
‫ً‬ ‫يريدون إسال ًما‬
‫يريدون إسال ًما بنكهة البوذية‪.‬‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1321 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2212:‬‬
‫)‪ (3‬عارضة األحوذي‪ ،‬ابن العربي‪ ،‬م‪ 8‬ص‪ ،232‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪767‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فإذا جلست وعملت جلسة االسرتخاء والتأمل الخاصة بك‪ ،‬وأخذت‬


‫الطاقة الروحية التي تحتاجها‪ ،‬فاآلن يمكنك أن تنطلق للعمل‪.‬‬

‫هذا هو منتهى الدين عندهم‪.‬‬


‫مجرد اسرتخاء طقوسي‪.‬‬
‫يريدون تبويذ اإلسالم (تبويذ‪ :‬تم نحتها من لفظ البوذية)‪.‬‬
‫يريدون إفقاد اإلسالم معناه‪.‬‬
‫ومن العجيب َّ‬
‫أن مشروع دعاة التنوير بدأ ينتشر يف بالدنا اإلسالمية‪،‬‬
‫وأصبحت هناك برامج ُتنكر األحاديث النبوية علنًا‪ ،‬وبرامج ثانية تدَّ عي تنقيح‬
‫كتب الرتاث‪ ،‬وثالثة تدَّ عي تجديد الخطاب الديني‪ ،‬وطب ًعا هناك تجديد مطلوب‬
‫للخطاب الديني سنتحدَّ ث عنه فيما بعد‪ ،‬لكن مشروع حركة التنوير ليس هدفه‬
‫تجديد الخطاب الديني‪ ،‬وإنما هدفه إسقاط قيمة الدين من قلب الشاب المسلم‬
‫والفتاة المسلمة‪ ،‬فهم َيعمدون إلى إسقاط تسليمنا للنص الشرعي بالهجوم على‬
‫السنة النبوية‪ ،‬والسخرية من سلف هذه األمة‪ ،‬وتأويل القرآن َو ْفق أهوائهم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫تأويل النص الشرعي بإخراجه عن معناه وعن‬ ‫إذن فغاية حركة التنوير هي‪:‬‬
‫مراد الشارع منه حتى يتوافق مع الثقافة التي يريدوهنا‪ ،‬فيتق َّبل المسلم أية قيم‬
‫تفس ُخها‪.‬‬
‫سائدة مهما كان ُّ‬

‫‪768‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫السنة النبوية‪ ،‬والهجوم على منهج العلم الحديثي يف‬‫إذن فالهجوم على ُّ‬
‫جمع الحديث النبوي‪ ،‬وازدراء علماء المسلمين كالبخاري‪ ،‬والهجوم على‬
‫سلف هذه األُمة‪ ،‬ونقد الرتاث‪ ،‬كل هذا حتى يتسنَّى يف األخير لدعاة التنوير ْ‬
‫أن‬
‫ُيؤولوا النص الشرعي بإخراجه عن معناه وعن مراد اهلل منه؛ فيتوافق مع أي‬
‫تصور دنيوي يريدون‪ ،‬وبالتالي لن تكون هناك ُممانَعة مِن َتق ُّبل أية ثقافة وافدة‪،‬‬
‫ولو كانت شذو ًذا أو إلحا ًدا أو زنًا بالرتاضي‪.‬‬
‫وح َملة الشريعة‪،‬‬
‫دائما بالهجوم على أهل العلم َ‬
‫ويبدأ مشروع دعاة التنوير ً‬
‫واالستخفاف بسلف هذه األمة‪ ،‬فإذا سقطت قيمة أهل العلم تسنَّى لهم يف‬
‫مرحلة تالية تأويل النص الشرعي بإخراجه عن سياقه‪ ،‬وعن معناه‪ ،‬وعن مدلوله‬
‫هوى يريدون‪.‬‬
‫لموافقة أي ً‬
‫ويمكنهم يف هذه المرحلة تضعيف ما ثبت من أحاديث؛ ألن الذين نقلوا‬
‫تجريحهم منذ قليل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هذه األحاديث هم العلماء الذي تم‬
‫وسيقوم دعاة التنوير بإنكار ما أجمعت عليه األمة‪ ،‬وس ُيهاجمون ثوابت هذا‬
‫قرروا هذه الثوابت هم العلماء الذين سقطت‬
‫الدين وال أحد يعرتض؛ ألن الذين َّ‬
‫قيمتهم يف قلب الشاب المسلم والفتاة المسلمة منذ قليل‪.‬‬
‫ُ‬
‫العبث يف دين اهلل بدون ضابط‪ ،‬وليس هناك أهل‬ ‫إذن الغاية يف األخير هي‬
‫جرحون‪.‬‬
‫علم ترجع إليهم فكلهم ُم َّ‬
‫فإذا سقط أهل العلم يف نظر الناس‪ ،‬هنا سيقوم التنويري بتفسير الدين َو ْفق‬
‫ما يرى‪.‬‬
‫وساعتها من البديهي أن يضيع الدين على أيديهم‪ ،‬وتضيع العقيدة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لطيفة فيقول له‪ :‬أنا مشروعي‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫ودائما يدخل التنويري على المسلم‬
‫ً‬
‫تنقية الرتاث‪ ،‬وتنقيح الكتب السابقة‪ ،‬فهديف أن ننتشل المسلمين من الجهل‪،‬‬

‫‪769‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وأن ننهض‪ ،‬وأنا أريد أن أقدّ م اإلسالم للغرب دون أن يأخذوا علينا شي ًئا‪ ،‬فأنا‬
‫أريد أن ُأجدد الخطاب الديني‪.‬‬
‫وهذا كالم ظاهره جميل‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ﴾ [المنافقون‪.]0 :‬‬
‫لكنه بعد قليل!‬
‫س ُينكر األحاديث النبوية‪.‬‬
‫ألن هذه األحاديث ال يقبلها عقل المواطن الغربي اليوم‪.‬‬
‫وبعدها‪ :‬س ُي َك ِّذب بثوابت هذه الشريعة‪ ،‬بدعوى تقديم اإلسالم للغرب‪.‬‬
‫أمورا ُمتف ًقا عليها حتى ُينقي الدين بزعمه‪ ،‬و ُين ِّقح كتب الرتاث‪.‬‬
‫وال مانع أن ُيسقط ً‬
‫إذن فالتنويري أثناء حديثك معه ودون أن تدري‪ :‬يزرع لك قنابل موقوتة يف‬
‫قلبك‪ ،‬ويف عقيدتك‪ ،‬ويف أصل تسليمك لشرع اهلل‪ ،‬ويف أصل اعتزازك بثوابت الدين‪.‬‬
‫فهو يزرع هذه القنابل بمنتهى الدهاء‪.‬‬
‫وبعد أيام أو شهور تعود إلى نفسك‪ ،‬فتجد الشبهات قد اجتاحت حيا َتك‪،‬‬
‫ألحدت‪.‬‬
‫َ‬ ‫إن لم تكن‬
‫فالتنويري قام بتشكيكك يف أصول وثوابت شرعية لم تختلف عليها األُ َّمة‬
‫عرب كل تاريخها‪.‬‬
‫صح من دين اهلل‪.‬‬
‫واستطاع أن ُيه َّز ثقتك يف أهل العلم‪ ،‬وعليه قام بتكذيب ما َّ‬
‫فتبدأ تفقد خشوعك يف صالتِك‪ ،‬ثم تفقد لذة الطاعة‪ ،‬ثم قد تفقد الصالة‬
‫واإليمان وكل شيء!‬
‫يقول التنويري حسن حنفي معرت ًفا بكل هذا‪" :‬التنوير هو ُشغل حرب‬
‫عصابات‪ ،‬ازرع قنابل موقوتة يف أماكن متعددة‪ ،‬وستنفجر"(‪.)1‬‬
‫)‪ (1‬جريدة أخبار األدب بتاريخ‪ً /2115-12-26 :‬‬
‫نقال عن‪ :‬أسلمة اإللحاد‪ ،‬ذ‪ .‬عبد اهلل الشتوي‪ ،‬ص‪.23‬‬

‫‪770‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫التنوير شغل حرب عصابات!‬


‫ازرع الشبهات بحجة تنقيح الرتاث‪ ،‬وتنقية الخطاب الديني‪.‬‬
‫وأنكِر الحديث النبوي الصحيح‪ ،‬وأنكِر المعلوم من الدين بالضرورة‪،‬‬
‫بحجة الرغبة يف هنضة هذه األمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫تتم زراعة قنابل الشبهات يف قلبك‪ ،‬ويف إيمانك‪ ،‬سيقول لك‪ :‬أنا‬
‫وبعد أن َّ‬
‫النبي محمد‪.‬‬
‫أكره الملحدين‪ ،‬وأخاف على اإلسالم‪ ،‬وأحرتم َّ‬
‫فالتنويري يعبث بإيمانك وهو يرتدي عباءة المسلم؛ ولذلك هو أخطر بألف‬
‫مرة من الملحد الصريح؛ ألنه يعمل من داخل المنظومة اإلسالمية لتوليد الطرح‬
‫اإللحادي‪.‬‬
‫فهو يغزل اإللحاد يف مصنع اإلسالم‪.‬‬
‫وهذا من أخطر ما يكون‪.‬‬
‫هذا أخطر ما يهدد الشباب الذين ال يفهمون هذا المكر الذي ُيحاك لهم‪،‬‬
‫و ُيحاك لدينهم ولعقيدهتم‪ ،‬وألصل تسليمهم بشرع اهلل ‪.‬‬
‫فالتنويري يعمل على تأويل النص الشرعي من داخل المنظومة اإلسالمية‬
‫هوى‪.‬‬
‫حتى يتوافق هذا التأويل مع أي ً‬
‫والتنويري لن يقول لك‪َّ :‬‬
‫إن الخمر حالل‪.‬‬
‫ً‬
‫حالال‪.‬‬ ‫هو سيقوم بتأويل النص الشرعي حتى يجعل الخمر‬
‫وهذا هو الفرق بين التنويري والملحد‪:‬‬
‫فالملحد يقول‪ :‬الخمر ال مشكلة فيها‪.‬‬
‫أما التنويري فيقول‪ :‬سأقوم بتأويل النص الشرعي حتى أثبت لك أن الخمر ٌ‬
‫حالل‪.‬‬
‫فالتنويري يعمل من داخل المنظومة اإلسالمية؛ لتوليد الطرح اإللحادي‬
‫الكفري‪.‬‬

‫‪776‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبطبيعة الحال فالتنويري يكفر بأحاديث النبي ﷺ‪ ،‬و ُينكر ما أجمعت عليه‬
‫األُ َّمة عرب كل تاريخها‪ ،‬ويجعل كل ما ا ُتفق عليه مختل ًفا عليه‪.‬‬
‫ُ‬
‫مسائل عفا عليها الزمن‪...‬‬ ‫و ُيربِّر إلنكاره ثوابت الشريعة َّ‬
‫بأن هذه الثوابت‬
‫أمورا فيها نظر بأي حجة‪ ،‬وبأي طريق‪.‬‬
‫فهو يجعل بديهيات شرعية ً‬
‫وج ْعل‬
‫إذن فهدف التنويري يف األخير تفريغ الدين من أصوله وثوابته‪َ ،‬‬
‫وزن وال ٍ‬
‫والش ِع ِير بال ٍ‬
‫َح َفا َل ِة الت َّْم ِر َّ‬
‫قيمة‪.‬‬ ‫المسلمين‪ُ :‬ح َفا َل ًة ك ُ‬
‫حين أخرب القرآن الكريم يف أول سورة البقرة عن الكافرين تحدَّ ث عنهم يف‬
‫َين اثنت ِ‬
‫َين‪:‬‬ ‫آيت ِ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ﴾ [البقرة‪.]2 -8 :‬‬
‫ثم تأيت بعد ذلك ثالث عشرة آية يف بيان أساليب المنافقين‪ ،‬وبيان حيلهم‬
‫ومكرهم وخدعهم التي يدخلون هبا على المسلمين‪.‬‬
‫فالمنافقون الذين َيظهرون بمظهر الذي يريد اإلصالح‪ ،‬وتنقيح الرتاث‪،‬‬
‫وتقديم اإلسالم للغرب‪ ،‬وهنضة األمة‪ ،‬هم يف حقيقة األمر يريدون إفسا ًدا يف‬
‫األرض‪ ...‬يريدون أن ُيضيعوا على الناس آخرهتم‪ ...‬يريدون محاربة دين اهلل‬
‫وإضالل المسلمين وفتنتهم عن دينهم بكل السبل‪.‬‬
‫قال اهلل ‪ ‬واص ًفا حال هؤالء‪:‬‬
‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [البقرة‪.]6 :‬‬
‫ال َعالقة لهم باإليمان‪.‬‬
‫﴿ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [البقرة‪.]2 :‬‬
‫يخادعون اهلل والمؤمنين بإظهار اإليمان وإبطان الكفر‪ ،‬وهم يف الحقيقة‬
‫يخدعون أنفسهم فقط‪.‬‬

‫‪772‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫﴿ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾‬
‫[البقرة‪.]11 :‬‬
‫يف قلوهبم شك‪ ،‬لكذهبم على اهلل وعلى الناس‪ ،‬وتكذيبهم بما يرون من‬
‫دالئل هذا الدين‪ ،‬فزادهم اهلل ش ًّكا‪ ،‬ولهم عذاب شديد‪.‬‬
‫﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [البقرة‪.]11 :‬‬
‫وإذا ُنهوا عن اإلفساد قالوا‪ :‬نحن مصلحون‪ ...‬نحن نريد تنقيح كتب‬
‫الرتاث‪ ...‬نحن نريد تنوير هذه األمة‪.‬‬
‫﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [البقرة‪.]12 :‬‬
‫هم أصحاب اإلفساد‪.‬‬
‫﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [البقرة‪.]15 :‬‬
‫وإذا قيل لهم‪ :‬آمِنوا كما آمن سلف هذه األمة‪ ...‬آمِنوا بما أجمعت عليه‬
‫األمة‪ ،‬قالوا أنؤمن كإيمان ِخ ِ‬
‫فاف العقول؟‬ ‫ُ‬
‫لحق أهنم هم السفهاء‪ ،‬ولكنهم يجهلون ذلك‪.‬‬
‫وا ُّ‬
‫﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ﴾ [البقرة‪.]10 :‬‬
‫وإذا التقوا بالمؤمنين قالوا‪ :‬نحن مثلكم مؤمنون‪.‬‬
‫وإذا انصرفوا عن المؤمنين إلى حزهبم قالوا‪ :‬إنا معكم‪.‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [البقرة‪.]13 :‬‬
‫اهلل يستهزئ هبم يف مقابلة استهزائهم بالمؤمنين‪ ،‬ف ُيملي لهم؛ ليتما َدوا يف‬
‫ضاللهم وطغياهنم‪ ،‬فيبقون حائرين تائهين(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬التفسير الميسر‪.‬‬

‫‪773‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثالث عشرة آية من أول سورة البقرة تكشف أساليب هؤالء الذي يسرقون‬
‫آخرة الناس باسم التنوير‪.‬‬
‫فهؤالء دعاة على أبواب جهنم من بني جلدتنا‪.‬‬
‫تكون دعا ٌة على‬ ‫ُ‬ ‫قال النبي ﷺ يف الحديث الذي أصله يف الصحيحين‪" :‬‬
‫جهنم‪َ ،‬م ْن أجا َبهم إليها قذفوه فيها‪ ،‬هم قو ٌم مِ ْن ِج ْلدَ تِنا‪َ ،‬ي َت َك َّل ُم َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬
‫أن َت َع َّض‬‫الف َر َق ُك َّلها‪ ،‬و َلو ْ‬ ‫فاعتز ْل تِ ْل َك ِ‬
‫ِ‬ ‫بألسنتِنا‪ ،‬فإِ ْن لم َت ُك ْن جما َع ٌة َ‬
‫وال إما ٌم‪،‬‬
‫وأنت كذل ِ َك"(‪.)1‬‬
‫الموت َ‬ ‫ُ‬ ‫شج َر ٍة حتى ُيدْ ِرك َ‬
‫َك‬ ‫بأص ِل َ‬
‫الزم ما ا َّتفقت عليه هذه األمة‪ ...‬الز ْم دين‬ ‫المسلمين وإما َمهم‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫فالز ْم جما َع َة‬
‫اهلل وشريعته‪ ...‬الز ِم المنهج الذي سار عليه سلف هذه األمة‪ ...‬الز ِم الدعاة‬
‫الصادقين إلى اهلل يف زمنك‪.‬‬
‫فاعتز ْل تِ ْل َك ِ‬
‫الف َر َق ُك َّلها‪ ،‬و َلو ْ‬
‫أن َت َع َّض بأص ِل‬ ‫ِ‬ ‫وال إما ٌم‪،‬‬‫فإِ ْن لم َت ُك ْن جما َع ٌة َ‬
‫وأنت كذل ِ َك‪ :‬اعتزل الدنيا ك َّلها المهم َّأال ُتفتن عن‬ ‫َ‬ ‫الموت‬
‫ُ‬ ‫شج َر ٍة حتى ُيدْ ِرك َ‬
‫َك‬ ‫َ‬
‫دينك‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆﮇ﴾ [األنعام‪.]135 :‬‬
‫عز من قائل‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫وقال َّ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النساء‪.]113 :‬‬
‫ِِ‬
‫َو َي َّتبِ ْع َغ ْي َر َسبِي ِل ا ْل ُم ْؤمني َن‪ :‬يرتك ما اتفقت عليه هذه األمة‪ ،‬ف ُينكر ُّ‬
‫السنة‪،‬‬
‫هوى‪ ،‬فهذا ممن يتبع غير سبيل المؤمنين‪.‬‬
‫و ُينكر اإلجماع‪ ،‬و َيتبع كل ً‬
‫﴿ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [األنعام‪.]132 :‬‬

‫(‪ )1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.2220 :‬‬

‫‪774‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫لست منهم يف شيء‪.‬‬ ‫َف َّر ُقوا ِدين َُه ْم‪ :‬جعلوا ما اتفقت عليه األمة ُمختل ًفا فيه‪ ،‬فهؤالء َ‬
‫لم‪ ،‬قال راوي‬ ‫هاب ِ‬
‫الع ِ‬ ‫أوان َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذاك عندَ‬ ‫فقال‪َ :‬‬ ‫ذات يو ٍم َذك ََر النَّبي ﷺ شي ًئا‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫ونحن نَقر ُأ‬
‫ُ‬ ‫العلم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ذهب‬
‫َيف َي ُ‬ ‫رسول اهللِ‪َ ،‬وك َ‬
‫َ‬ ‫الحديث زياد بن لبيد‪ :‬يا‬
‫فقال ﷺ‪َ :‬ثكِ َ‬
‫لتك أ ُّم َك‬ ‫القيامة؟ َ‬ ‫ِ‬ ‫أبناؤنا أبنا َء ُهم إلى يو ِم‬
‫ونقر ُئ ُه أبنا َءنا‪ ،‬و ُيقر ُئ ُه ُ‬
‫َّصارى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألراك مِن أف َق ِه رج ٍل‬‫َ‬ ‫زيا ُد‪ ،‬إن ُك ُ‬
‫أوليس هذه ال َيهو ُد والن َ‬ ‫َ‬ ‫بالمدينة‪،‬‬ ‫نت‬
‫فيهما(‪.)1‬‬‫بشيء مِ َّما ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يعم َ‬
‫لون‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واإلنجيل ال َ‬ ‫يقرؤون التَّورا َة‬
‫فيهما‪ :‬فليست القضية بأن‬ ‫ٍ‬
‫بشيء مِ َّما ِ‬ ‫يعم َ‬
‫لون‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واإلنجيل ال َ‬ ‫يقرؤون التَّورا َة‬
‫تقرأ القرآن أو يكون القرآن يف بيتك وسيارتك وعلى مكتبك‪ ،‬المهم أن تفهم‬
‫وأال ُتخرجه عن معناه وسياقِه‪.‬‬ ‫صحيحا‪ ،‬وأن تعمل بما فيه‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫فهما‬
‫القرآن ً‬
‫فالنبي ﷺ أخرب باليوم الذي يذهب فيه العلم‪ ،‬حين يكون القرآن بين أيدينا‬
‫ٍ‬
‫بشيء مما فيه‪.‬‬ ‫ونتلوه‪ ،‬لكن ال نعمل‬
‫واهلل المستعان‪.‬‬
‫فال نجاة إال بااللتزام بما شرع ر ُبنا‪ ،‬والتسليم للنص الشرعي‪.‬‬
‫خير من أن تنكر حر ًفا مما أجمعت عليه هذه األُمة‪،‬‬ ‫وأن ُت ِّ‬
‫قصر يف ألف طاعة ٌ‬ ‫ْ‬
‫وسار عليه سلف هذه األمة‪.‬‬
‫أن فالنًا ُيدرك واقع األمة اليوم؛ ولذلك فهو س ُيضطر إلنكار ما‬‫وإياك أن ترى َّ‬
‫ألن الوضع اختلف اآلن‪ ،‬أنت هبذا وكأنك تقول‪َّ :‬‬
‫إن اهلل ال‬ ‫أجمعت عليه األمة؛ َّ‬
‫أن شرعه ُيصلِح كل‬‫وسنة نبيه‪ ،‬وأخرب َّ‬
‫يعلم الغيب‪ ،‬فهو سبحانه أنزل شر َعه يف كتابه ُ‬
‫أن الوضع اختلف اآلن‪،‬‬ ‫زمان ومكان‪ ،‬و َيص ُل ُح لكل زمان ومكان‪ ،‬لكن أنت ترى َّ‬
‫ويجب تغيير ما أجمعت األمة عليه بحجة تغ ُّير الزمن‪ ،‬فهذا إلحاد يف دين اهلل‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.5266 :‬‬

‫‪775‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ف حيث وقف القو ُم‪ ،‬و ُق ْل كما قالوا‪ ،‬واس ُك ْت‬ ‫قال عمر بن عبد العزيز‪" :‬قِ ْ‬
‫وببصر ٍ‬
‫نافذ َك ُّفوا"(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫عما سكتوا؛ فإنَّهم عن ِع ٍ‬
‫لم و َقفوا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فعليك بخاص ِة ِ‬
‫نفس َك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رأي ِ‬
‫برأيه‪،‬‬ ‫كل ذي ٍ‬ ‫وإعجاب ِّ‬ ‫هوى متَّب ًعا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫رأيت ً‬
‫وإذا َ‬
‫أمر العوا ِّم(‪.)2‬‬ ‫َو َد ْع َ‬
‫عنك َ‬
‫ِ‬
‫نفسك‬ ‫نفسك‪ ،‬وا َّت ِق ر َّبك حتى تلقى اهلل وأنت كذلك‪ ،‬وال تشغل َ‬ ‫أصل ْح َ‬
‫عظيم عند اهلل ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بمن سقط يف هذه الفتن‪ ،‬وأجر الصابر يف وقت الفتن‬
‫أجره بأجر خمسين من الصحابة كما أخرب النبي ﷺ(‪.)3‬‬
‫فهذا األجر العظيم‪ :‬لعظمة تلك الفتن‪ ،‬وتز ُّين الدنيا على ُأشدها‪.‬‬
‫فاصربْ نفسك‪ ،‬والتز ْم بشرع ربك‪ ،‬وحافِ ْظ على القرآن بتد ُّب ٍر‪.‬‬
‫والز ْم ما كان عليه سلف هذه األمة‪.‬‬
‫نجوت‪ِ ،‬‬
‫وأنع ْم بأجرك عند ربك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فعلت فقد‬
‫َ‬ ‫فلو‬
‫نعود لسمات دعاة التنوير‪:‬‬
‫دائما‬
‫من سمات دعاة التنوير الذين يتبعون غير سبيل المؤمنين‪ ،‬أهنم ً‬
‫ٍ‬
‫حسن فهو من أهل الجنة ‪-‬باعتبار أهنم يؤمنون‬ ‫أي إنسان على ُخ ُل ٍق‬ ‫يؤكدون َّ‬
‫أن َّ‬
‫أصال‪ -‬حتى ولو كان نصران ًّيا أو يهود ًّيا َو َر َّد على اهلل وحيه‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫بالجنة ً‬
‫يعبد األحجار‪ ،‬فطالما أنه ُمهذب فهو من أهل الجنة‪.‬‬
‫فهم يرفعون مقام صاحب الخلق الكريم أ ًّيا كان دينه‪ ،‬ويعطوه ص ًّكا بالجنة‪.‬‬

‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.0812 :‬‬


‫نكر‪ ،‬حتى إِ َذا َر َأ ْي َت ُش ًّحا ُم َطاعًا‪َ ،‬‬‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل ا ْئت َِمروا بِ‬
‫وه ًوى‬ ‫ناهوا ع ِن ُ‬ ‫المعروف‪ ،‬و َت َ‬ ‫(‪ )2‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬ب ِ‬
‫نفس َك و َد ْع ال َعوا َّم‪ ،‬فإِ َّن من ورائِ ُكم أ َّيا ًما‪،‬‬
‫خاصة ِ‬
‫ِ‬ ‫يك بِ‬‫اب ُك ِّل ذِي َر ْأ ٍي بِ َر ْأيِ ِه‪ ،‬فع َل َ‬ ‫ُم َّت َب ًعا‪ ،‬و ُد ْن َيا ُمؤْ َث َرةً‪ ،‬وإِ ْع َج َ‬
‫عَملِ ُك ْم‪.‬‬
‫مسين رج ًال يعم ُل َ ِ‬ ‫يهن مِ ُثل أج ِر َخ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يه َّن مِ ُثل ال َق ْب ِ‬ ‫الصربُ فِ ِ‬
‫ون م َثل َ‬ ‫َ َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫الج ْم ِر‪ ،‬للعام ِل ف ِ َّ‬ ‫ض على َ‬ ‫َّ‬
‫سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪ ،5136:‬درجة الحديث‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪776‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تعظيم‬
‫َ‬ ‫سمى الديانة اإلنسانوية ‪ Humanism‬وهي تعني‬‫وهذه فكرة خبيثة ُت َّ‬
‫حق اإلنسان على حق اهلل‪ ،‬فلو اعتديت على حق اهلل يف عبادته فال مشكلة‪،‬‬
‫المهم َّأال تعتدي على حق اإلنسان‪.‬‬
‫وقد ظهرت الديانة اإلنسانوية؛ ألنَّه ال وجود هلل يف قلوهبم‪ ،‬فهم ال يعنيهم‬
‫وكفرك بربك‪ ،‬المهم ال تؤذي إنسانًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اعتداؤك على الدين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان آخرته‪ ،‬ونشرت‬ ‫فلو آذيت إنسانًا فهذا غير مقبول‪ ،‬أما لو أضعت على‬
‫يحق‬
‫وحرضتهم على الكفر باهلل‪ ،‬فهذه حرية تعبير‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ِ‬
‫الشبهات بين الناس‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد أن يمنعك‪.‬‬
‫فتضييع اآلخرة األبدية ال مشكلة فيها؛ لماذا؟ ألهنم ال يؤمنون باآلخرة ابتدا ًء‪.‬‬
‫بديال عن‬
‫فهذه هي عقيدة الديانة اإلنسانوية‪ ،‬والتي تعني اإليمان باإلنسان ً‬
‫اإليمان باهلل ورسله وكتبه واليوم اآلخر‪.‬‬
‫يتجزأ من حركة التنوير‪.‬‬
‫فالديانة اإلنسانوية هي جزء ال َّ‬
‫وأنا ال أدري كيف يؤمنون بحقوق اإلنسان يف عالم مادي‪ ،‬ينكرون فيه‬
‫الخالق والغيب واليوم اآلخر؟‬
‫كيف لهم اإليمان باإلنسان يف ٍ‬
‫عالم كهذا؟‬
‫أصال‪.‬‬
‫كلمة إنسان كما قلت من قبل هي كلمة ميتافيزيقية ً‬
‫كلمة تستمدُّ معناها من ٍ‬
‫عالم آخر‪.‬‬
‫فال يوجد إنسان يف العالم المادي اإللحادي‪.‬‬
‫يوجد يف اإللحاد حيوان متطور ال فرق بينه وبين الطفيليات المعوية‪ ،‬كما‬
‫يقول فرانسيس فوكوياما(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬فرانسيس فوكوياما‪ ،‬هنـاية التاريخ وخاتم البشر‪ ،‬ص‪ 232‬الطبعة األولى ‪ 1225‬مركز األهرام‬
‫للرتجمة والنشر‪.‬‬

‫‪777‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أما "إنسان" فال وجود له يف عالم اإللحاد‪.‬‬


‫فحين يكفر اإلنسان بخالقه فإنه يكفر يف الوقت نفسه بإنسانيته‪﴿ :‬ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ﴾ [البقرة‪.]151 :‬‬
‫فمن يرغب عن الدين يسفه نفسه‪ ،‬ويصبح ال فرق بينه وبين الطفيل المعوي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مارقة ظهرت‬ ‫ٍ‬
‫بشخصيات‬ ‫دائما‬
‫أيضا من سمات دعاة التنوير أهنم‪ :‬يهتمون ً‬‫ً‬
‫يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ويقدموهنم باعتبارهم مفكرين حتى يوهنوا قيمة السلف‬
‫يف قلب الشاب المعاصر‪.‬‬
‫أيضا سمة أخرى عند هؤالء‪ ،‬وهي‪ :‬إثارة القوميات يف كل بلد‪.‬‬
‫ً‬
‫فهم ُيشعلون الضغائن بين المسلمين األمازيغ وإخوانِهم من غير األمازيغ‬
‫يف المغرب‪.‬‬
‫ويشعلون الضغائن بين المسلمين األكراد وإخوانِهم يف الشام وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫باحرتافية‪.‬‬ ‫هم يجيدون اللعب على ملف العصبيات والقوميات‬
‫التقرب جدًّ ا من الملحدين ومن الخطاب اإللحادي‪.‬‬
‫أيضا من سمات دعاة التنوير‪ُّ :‬‬
‫ً‬
‫دائما يمتدحون المالحدة‪ ،‬و َيعرضون يف كثير من القضايا نفس‬
‫ً‬ ‫فهم‬
‫تصوراتِهم؛ ألهنم ببساطة منهم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ومن السمات البارزة عند دعاة التنوير إلى جانب ما سبق‪ :‬التسامح مع أية‬
‫تصور‪ ،‬وأي خرافة‪ ،‬ولو كانت عبادة حشرات‪ ،‬فال‬
‫ُّ‬ ‫فكرة‪ ،‬وأي مذهب‪ ،‬وأي‬
‫مشكلة عندهم من التسامح مع أكلة لحوم البشر‪ ،‬بل هم يتسامحون مع النازية‬
‫الجديدة‪ ،‬لكنهم يف الوقت نفسه هم أشدُّ الناس عدا ًء وكراهي ًة و ُب ً‬
‫غضا وإقصا ًء‬
‫لدعاة المسلمين وعلماء المسلمين وشيوخ المسلمين‪.‬‬
‫فهم ُيبغضون كل ما ينتمي لإلسالم‪ ،‬حتى َتشعر من خطاهبم َّ‬
‫أن جهنم ليس‬
‫فيها إال علماء السلف‪ ،‬وأن الجنة أغلب َمن فيها مالحدة‪.‬‬

‫‪778‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫إذن ال بد للمسلم أن يعرف سمات دعاة التنوير حتى َيحذر منهم؛ ألهنم‬
‫أصبحوا منتشرين يف القنوات والفضائيات ومواقع التواصل‪.‬‬
‫فسما ُتهم باختصار‪:‬‬
‫‪ -1‬تأويل النص الشرعي بما يخرجه عن معناه‪ ،‬وعن مراد الشرع تما ًما‪.‬‬
‫السنة النبوية‪ ،‬والهجوم على علم الحديث‪.‬‬
‫‪ -2‬إنكار ُّ‬
‫‪ -5‬الهجوم على علماء السلف والتن ُّقص منهم‪.‬‬
‫‪ -0‬تبني الديانة اإلنسانوية‪ ،‬وتقديم حق البشر على حق اهلل‪.‬‬
‫‪ -3‬إثارة القوميات والنعرات‪.‬‬
‫‪ -8‬االصطفاف مع الملحدين والحرب على المؤمنين‪.‬‬
‫التنوير الظالمي ظهر يف أوروبا قبل قرنين تقري ًبا بالمصطلحات نفسها‪،‬‬
‫وتمت‬ ‫واألهداف نفسها‪ ،‬واألسلوب نفسه‪ ،‬وانتهى كما ُق ُ‬
‫لت بإلحاد أوروبا‪َّ ،‬‬
‫علمنة كل أوجه الحياة‪.‬‬
‫هتاون الناس يف التعامل مع دعاة التنوير‪ ،‬فقد استحى‬
‫وكانت البداية هي ُ‬
‫الناس من نقد حركة التنوير‪ ،‬وكشف مكرها بدعوى حرية التعبير وحرية الرأي‪.‬‬
‫فانتشر اإللحاد انتشار النار يف الهشيم‪.‬‬
‫فهذا النوع أخطر من اإللحاد الصريح بألف ألف مرة لو ُترك دون مواجهة مباشرة‬
‫مع أهم ما يقوم عليه من أفكار‪ ،‬فيجب تفنيد وتعرية وكشف قبح هذا المذهب‪.‬‬
‫الكرة نفسها التي حصلت يف أوروبا‪.‬‬
‫يريد دعاة التنوير يف بالدنا أن يعيدوا َّ‬
‫ولذلك ال بد أن يعلم الناس حقيقة حركة التنوير‪ ،‬ويعلموا خطرها ليس فقط‬
‫أيضا‪.‬‬
‫على دينهم‪ ،‬وإنما على دنياهم ً‬
‫فحركات التنوير يف أوروبا نشأت يف كنفها كل عصابات اإلبادة الجماعية‪.‬‬
‫فالستالينية يف االتحاد السوفيتي كانت تنويرية ‪.Stalinist Enlightenment‬‬

‫‪779‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والماوية يف الصين كانت تنويرية‪.‬‬


‫والنازية يف ألمانيا كانت تنويرية‪.‬‬

‫فمصطلح التنوير يقبل أية فكرة إبادية‪ ،‬وس ُيسمي مشروع اإلبادة الذي يقوم‬
‫به مشرو ًعا تنوير ًّيا!‬
‫سمي إبادة األعراق البشرية األدنى بـ‪ُ " :‬دش‬
‫وهتلر على سبيل المثال كان ُي ِّ‬
‫تطهير األلمان من األوساخ العالقة هبم"‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أوساخ عالقة بالعرق اآلري األلماين‪.‬‬ ‫باعتبار أن األعراق األدنى‬

‫‪780‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فإبادة المعاقين والضعفاء واألعراق البشرية األدنى ‪-‬أدنى من وجهة نظر‬


‫إلحادية‪ -‬هذا شيء طبيعي يف الفلسفة التنويرية‪.‬‬
‫بالتطور والمادية‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ألن الفلسفة التنويرية يف األساس فلسفة إلحادية تؤمن‬
‫َّ‬
‫وأن اإلنسان مجرد خبط عشواء يف الطبيعة بال قيمة‪ ،‬وبالتالي فال عزاء للضعفاء‬
‫وال المرضى وال المعاقين‪.‬‬
‫لقد أ َّدى التنوير إلى وصول أوروبا إلى العبثية والعدمية‪ ،‬ووصل الناس إلى‬
‫أعلى معدالت انتحار يف تاريخ أوروبا‪ ،‬وتاريخ العالم‪ ،‬وفقد الناس معنى الحياة‪.‬‬
‫أن نسير َو ْفق نفس هذه األجندة التنويرية‪.‬‬
‫و ُيراد لنا اليوم ْ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ﴾ [التوبة‪.]52 :‬‬
‫﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [يوسف‪.]21 :‬‬

‫‪ -82‬ما هو اتلنوير املطلوب؟‬

‫ج‪ :‬هناك تنوير حقيقي يف هذا العالم يف مقابل مشروع التنوير الظالمي الذي‬
‫يقوده دعاة التنوير‪َ ،‬أ َال وهو تنوير الوحي اإللهي‪.‬‬
‫اهلل به قدْ ر اإلنسان‪ ،‬وقدَّ ر به َّ‬
‫أن اإلنسان يف مركز هذا‬ ‫فنور الشرع الذي رفع ُ‬
‫العالم‪ ،‬وأنه ُخلق لحكمة‪ ،‬وأنَّه كريم على اهلل‪ ،‬هذا هو النور الحقيقي الذي أنار‬
‫وص ُل َح به حال اإلنسان‪.‬‬
‫اهلل به العالم‪َ ،‬‬
‫وهذا هو التنوير الحقيقي األوحد‪﴿ :‬ﯧﯨﯩﯪﯫ﴾ [النساء‪.]120 :‬‬
‫إنه نور الوحي‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [الحديد‪.]26 :‬‬
‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [الشورى‪.]32 :‬‬
‫فال نور حقيقي وال تنوير إال بنور الوحي اإللهي‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫‪786‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النور‪.]01:‬‬
‫عمى كامل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫فبدون الوحي اإللهي يعيش اإلنسان يف ً‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الرعد‪.]12 :‬‬
‫فنور الوحي هو طريق الهداية األوحد‪ ،‬والنور األوحد لإلنسانية‪.‬‬
‫وحتى نصل لنور الوحي نحتاج إلى تجديد حقيقي للدين‪ ،‬لكنه قط ًعا ليس‬
‫حض عليه النبي ﷺ‪،‬‬
‫التجديد اإللحادي التنويري‪ ،‬وإنما نحتاج للتجديد الذي َّ‬
‫والذي يكون بتنقية الدين وتصفيته عما اعرتاه وشابه من االجتهادات الخاطئة‪،‬‬
‫وجهاالت العوام‪ ،‬وإعادته للنقاء األول‪.‬‬
‫يبعث لهذه األ َّم ِة‬
‫ُ‬ ‫اهلل‬
‫إن َ‬ ‫وقد أخرب النبي ﷺ هبذا النوع من التجديد فقال‪َّ " :‬‬
‫مائة ٍ‬
‫سنة من ُيجدِّ ُد لها دينَها"(‪.)1‬‬ ‫كل ِ‬ ‫ِ‬
‫رأس ِّ‬ ‫على‬
‫سنة سيأيت َمن ُيعيد نقاء الدين على النقاء األول‪ ،‬وهو‬ ‫فعلى رأس كل مائة ٍ‬
‫النقاء الذي كان عليه النبي ﷺ وصحابته‪.‬‬
‫وهذا هو التجديد الذي أخرج اهلل به من الهباء أم ًة عظيمةً‪ ،‬واستبقى على‬
‫جيال من الناس ما كانوا ليدخلوا التاريخ لوال هذا الوحي النقي‪.‬‬
‫القرون ً‬
‫ولن تصل األمة لنهضتها وصالح حالها إال بعودهتا لدين رهبا‪ ،‬وهنج سلف‬
‫آخر هذه األمة إال بما َص ُل َح به أولها‪ ،‬كما قال‬
‫هذه األمة وعقيدهتم‪ ،‬فلن َيص ُل َح ُ‬
‫اإلمام مالك ‪.‬‬
‫بأهدى ممن كان عليها‬ ‫قال الشاطبي يف االعتصام‪" :‬ولن يأيت ِ‬
‫آخ ُر هذه األمة ْ‬
‫أولها"(‪.)2‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [األنعام‪.]21 :‬‬
‫)‪ (1‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬ح‪.322 :‬‬
‫)‪ (2‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.213‬‬

‫‪782‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ُّ‬ ‫َ‬
‫‪ -83‬من هم منكرو السنة؟‬

‫ج‪ :‬منكرو األحاديث‪ ...‬منكرو المصدر الثاين للتشريع‪ ،‬هم فئة ازداد‬
‫مؤخرا‪ ،‬وأغلبهم من تحت عباءة التنوير‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظهورها‬
‫وقد خرجوا على األمة اإلسالمية بقولهم‪ :‬نحن نكفر ببعض ُسنة رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫أو ك ِّلها‪.‬‬
‫هذا ُم َّ‬
‫لخص فكرة هذه الطائفة‪.‬‬
‫فبعضهم يكفر بكل األحاديث‪ ،‬وكل األخبار عن‬
‫وهم مختلفون فيما بينهم‪ُ :‬‬
‫النبي ﷺ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وثان يكفر بأحاديث اآلحاد‪ ،‬ويؤمن بالمتواتر‪.‬‬
‫بالسنة الفعلية‪.‬‬ ‫وثالث يك ُف ُر ُّ‬
‫بالسنة القولية للنبي ﷺ‪ ،‬ويؤمن ُّ‬ ‫ٌ‬
‫السنة قولية‪ ،‬ففي األخير هم يكفرون‬
‫السنة آحاد‪ ،‬وأغلب ُّ‬
‫لكن يف الجملة أغلب ُّ‬
‫بأغلب الشريعة‪ ...‬يكفرون بما ال حصر له من المعلوم من دين اهلل بالضرورة‪.‬‬
‫السنة ُيسمون أنفسهم بـ‪" :‬القرآنيون"‪.‬‬ ‫وبعض منكري ُّ‬
‫وهم أبعدُ الناس عن القرآن‪ ،‬فلو كانوا قرآنيين ح ًّقا لما أنكروا ما أوجب اهلل‬
‫اتباعه يف القرآن من ُسنة النبي ﷺ‪ ،‬واتباع سبيل المؤمنين‪ ،‬وضرورة التسليم‬
‫وسنةً‪.‬‬
‫لدين اهلل قرآنًا ُ‬
‫بالسنة‪ ،‬وأجمعت على اعتبارها‬
‫فقد أجمعت األمة على وجوب العمل ُّ‬
‫المصدر الثاين للتشريع بعد القرآن‪.‬‬
‫والسنة محفوظة كالقرآن‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ﴾‬
‫ِ‬
‫[الحجر‪.]2:‬‬
‫ُ‬
‫القرآن وحد ُه‪ ،‬هذه‬ ‫َ‬
‫المحفوظ هو‬ ‫كر‬ ‫أن ِّ‬
‫الذ َ‬ ‫قال ابن حزم ‪" :‬ودعوى َّ‬
‫واقع على كل ما أنزل اهلل‬
‫ٌ‬ ‫اسم‬ ‫وتخصيص بال دليل‪ِّ ،‬‬
‫فالذكر هو‪ٌ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫دعوى كاذبة‪،‬‬

‫‪783‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫قرآن أو ُس ٍنة"(‪.)1‬‬
‫على نبيه من ٍ‬

‫أن امر ًأ قال‪ :‬ال نأخذ َّإال ما وجدنا يف القرآن لكان ً‬


‫كافرا‬ ‫وقال ‪" :‬ولو َّ‬
‫بإجماع األمة‪ ،‬ولكان ال يلزمه َّإال ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل‪،‬‬
‫و ُأخرى عند الفجر‪ ،‬وقائل هذا ٌ‬
‫كافر ُم ٌ‬
‫شرك"(‪.)2‬‬
‫أن منكري السنة هم من أجهل الناس بالشريعة‪ ،‬وحين ظهرت‬ ‫ومن الغريب َّ‬
‫ِ‬
‫وغيرهم كان فيهم َمن درس الشريعة جيدً ا‪،‬‬ ‫الفرق الضا َّلة كالخوارج والجهمية‬
‫لكنهم كانوا يتأولون النصوص على غير وجهها فض ُّلوا‪ ،‬أما منكرو السنة فال‬
‫ٍ‬
‫واحد ليسوا‬ ‫ٍ‬
‫استثناء‬ ‫يعرفون شي ًئا يف علوم الشريعة‪ ،‬فرتاهم كلهم كلهم كلهم بال‬
‫علماء حديث‪ ،‬وليسوا علماء شريعة‪.‬‬
‫فهم بعيدون كل البعد عن ذلك‪.‬‬
‫دائما يستخدمون كلمات براقة مثل‪" :‬البحث األكاديمي" و"احرتام‬
‫وتراهم ً‬
‫العقل" و"البحث الحر" و"هنضة األمة" و" التخلص من الجهل" و"التنوير"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء مما فيها‪.‬‬ ‫مصطلحات ُمسته َلكة ال يملكون منها شي ًئا‪ ،‬وال يرغبون‬
‫منتهى ما يفعله منكرو السنة أهنم ينشرون شبهات سطحية مكررة عن السنة‪،‬‬
‫ينقلوهنا عن المستشرقين‪ ...‬ينقلوهنا عن أعداء اإلسالم‪.‬‬
‫السنة هو قنطرة اإللحاد األولى بال منازع‪.‬‬
‫وإنكار ُّ‬
‫وأغلب َمن انتهى به الحال إلى اإللحاد والمروق من اإلسالم كانت بدايته‬
‫أنَّه أنكر بعض األحاديث الصحيحة‪ ،‬وقدَّ م الهوى العقلي عليها‪ ...‬قدَّ م النظرة‬
‫وهمها على السنة‪،‬‬ ‫تصورات َت َّ‬
‫الغربية على بعض األحاديث الصحيحة‪ ...‬قدَّ م ُّ‬
‫والسنة والرتاث وكتب الفقهاء‪ ،‬ثم قام‬
‫فانتهى به الحال إلى الطعن يف الحديث ُّ‬
‫)‪ (1‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.116‬‬
‫(‪ )2‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.216‬‬

‫‪784‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تأويال يخرجه عن معناه؛ ليوافق هذه األهواء فكانت هنايته اإللحاد‪.‬‬


‫بتأويل القرآن ً‬
‫فهذا خط سير طبيعي ومتوقع‪.‬‬
‫واألغرب من هذا والذي يبين خطورة إنكار السنة َّ‬
‫أن هناك فئ ًة من المالحدة‬
‫استغ َّلت هذه البوابة‪ ،‬بوابة إنكار السنة فدخلوا منها َّ‬
‫وفرخوا لهم فيها أتبا ًعا‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬لكنَّه بعد ذلك سيستخدم هذا المدخل‬
‫فالملحد َيظهر بصورة منكر ُّ‬
‫لنشر اإللحاد يف الدين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إلحاد يف دين اهلل‪.‬‬ ‫أي‬
‫فإذا تم إنكار السنة لن تستطيع أن تواجه َّ‬
‫السنة لكن هدفه‬
‫وهذا بالضبط المشروع التنويري‪ ،‬فالتنويري يتزعم إنكار ُّ‬
‫اإللحاد يف دين اهلل‪.‬‬
‫وحين يتم إنكار السنة ُيصبح النص القرآين ُعرض ًة ألي تأوي ٍل وفق أي ً‬
‫هوى‪،‬‬
‫فال حديث نبوي يعصم عن الفهم الخاطئ للقرآن‪ ،‬وال إجماع يعود إليه منكر‬
‫السنة؛ ليفهم مراد النص الشرعي؛ ألنه ال يؤمن باإلجماع‪ ،‬وال فهم لسلف هذه‬
‫ُّ‬
‫األمة ينصلح به نظره يف مراد الشرع‪.‬‬
‫فالنتيجة األخيرة هي‪ :‬العبث يف دين اهلل كما يريدون‪.‬‬
‫تسليمك‬
‫َ‬ ‫فغاية الملحد التنويري الذي يدعي أنه فقط منكر للسنة هي أن‪ُ :‬يضعف‬
‫للنص الشرعي‪ ،‬فيجعلك ُّ‬
‫تشك يف معاين القرآن‪ ،‬فتبدأ يف تق ُّبل اإللحاد شي ًئا فشي ًئا‪.‬‬
‫يتم رد كل‬
‫وإنكار السنة يف الواقع يعني التطاول على قدسية النبي ﷺ حيث ُّ‬
‫حديث نبوي‪ ،‬وبالتالي تضعف ُحرمة هذا الدين إلى أن يتالشى بالكلية من‬
‫القلب مع الوقت‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬وأصبح كل ما َي ِر ُد على ذهنك من معاين القرآن قد يكون‬
‫فإذا ضاعت ُّ‬
‫المسلم هيب َة‬
‫ُ‬ ‫المعنى بخالفه‪ ،‬فمن الطبيعي أن تضيع قيمة النص‪ ،‬وبالتالي يفقد‬
‫التسليم لظاهر النص‪ ،‬فماذا نتو َّقع بعد هذا إال‬
‫َ‬ ‫النص الشرعي‪ ،‬ومن َثم يفقد‬

‫‪785‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫االنسالخ الكامل من الدين والجري خلف غرور اإللحاد الذي يغازل اإلنسان‬
‫مع كل شهوة‪.‬‬
‫السنة ألنفسهم بالتطاول على حديث للنبي ﷺ‪ ،‬أجمع‬
‫فما أن َس َم َح ُنفاة ُّ‬
‫المسلمون عرب القرون على قبوله والعمل به‪ ،‬إال وقد وضعوا أولى خطوات‬
‫وعظم قدر النبوة‪.‬‬ ‫التمرد على قداسة ِ‬
‫ُّ‬
‫فهم يستح ُّقون أن يزدادوا ُبعدً ا عن دين اهلل‪ ،‬وأن يزداد فتنةً‪.‬‬
‫ٌ‬
‫متداخل بطبيعة الحال مع مشروع دعاة التنوير‪ ،‬حيث يبدأ‬ ‫ومشروع منكري السنة‬
‫منكرو السنة برمي علماء السلف بالجهل أو التزوير أو التبعية لمصالحهم الشخصية‪،‬‬
‫ورمي الدعاة المسلمين بالجمود والدروشة‪ ،‬وهذه أولى خطوات زراعة الشك‪.‬‬
‫ويقومون بالتوازي بتضخيم صنم القيم الغربية‪ ،‬وتأول نصوص القرآن‬
‫بحيث تتفق مع صنم هذه القيم‪.‬‬
‫السنة‪.‬‬
‫فمن يفعل ذلك تحديدً ا هم تنويريون بزي منكري ُّ‬
‫َ‬
‫وما هي النتيجة لمن يتَّبعهم؟‬
‫لن يبقى من شيء إال غرور اإللحاد‪.‬‬
‫ففكرة منكري السنة من التنويريين تقوم على‪ :‬جعل الدين يف قفص االهتام‪،‬‬
‫وحتى يستطيع الدين أن ينجو من هذه التهم فعليه أن يضع التأويالت التي يتفق‬
‫هوى سائد‪ ،‬وإال ما خرج من قفص االهتام‪.‬‬
‫هبا مع أي ً‬
‫وأول طريق لرفع التهمة عن الدين هو إنكار النصوص‪.‬‬
‫فيتم إنكار الحديث وتأويل القرآن‪.‬‬
‫ف ُيصبح الدين عند منكري السنة مطا َل ًبا باتباع أية ثقافة سائدة مهما كان انحاللها‪،‬‬
‫وليس أن يقوم الدين بتعديل هذه الثقافة وتعبيد الناس لرب العالمين المليك المقتدر‪.‬‬
‫بل َّ‬
‫إن الدين ينزل من السماء‪ ،‬ويأيت النبي‪ ،‬وينزل الشرع‪ ،‬حتى يتوافق مع أية ثقافة‪.‬‬

‫‪786‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫إذا كان األمر هبذه الصورة‪ ،‬فما فائدة الدين إذن؟‬


‫إذا كان الدين يف األخير مجرد تابع ألي ثقافة‪ ،‬فما قيمته‪ ،‬وما الغاية منه ابتدا ًء؟‬
‫دين اهلل يف القلب على أية ثقافة مهما كانت‪ ...‬هذه أولى عرى اإليمان‬ ‫تقديم ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫خردل من إيمان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مثقال حبة‬ ‫وليس وراءها‬
‫أن أية ثقافة أفضل من اإلسالم‪ ،‬وتشريع اإلسالم‪ ،‬فهذه ر َّدة‬‫وإذا رأى إنسان َّ‬
‫ِ‬
‫مسلمان‪.‬‬ ‫ال يختلف فيها‬
‫والسن ُة المطهرة ستبقى شامخة محفوظة بحفظ اهلل‬ ‫ً‬
‫شامخا‪ُّ ،‬‬ ‫ودين اهلل سيبقى‬
‫إلى قيام الساعة محفوظة كالقرآن‪.‬‬
‫فالسنة هي الشارحة للقرآن‪ ،‬والمب ِّينة للقرآن‪ ،‬كما أشار القرآن الكريم إلى‬
‫ُّ‬
‫ذلك يف العديد من اآليات‪﴿ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [القيامة‪.]12 :‬‬
‫صحيحا‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫فقد تك َّفل اهلل ببيان القرآن‪ ،‬وال يمكن تطبيق القرآن تطبي ًقا‬
‫بالسنَّة؛ لذلك ستبقى السنة محفوظة كالقرآن‪.‬‬
‫يمكن بيانه إال ُ‬
‫بالسنَّة‪.‬‬
‫فال يمكن إقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت إال ُ‬
‫ولذلك قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ﴾ [النحل‪.]00 :‬‬
‫ل ِ ُت َب ِّي َن لِلن ِ‬
‫َّاس َما ُن ِّز َل إِ َل ْي ِه ْم‪ُّ :‬‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫فبيان القرآن إنما يكون ُّ‬
‫تنزل‬
‫أقرب الناس للقرآن والسنة‪ ،‬وهم الذين شهدوا ُّ‬
‫ُ‬ ‫والصحابة ‪ ‬هم‬
‫والسنة‪ ،‬وصحبوا الرسول ﷺ وجاهدوا معه‪ ،‬وزكَّاهم القرآن الكريم‪.‬‬
‫القرآن ُّ‬
‫الناس ِ‬
‫بلغة القرآن‪ ،‬ومعاين القرآن؛ لذلك كان‬ ‫ِ‬ ‫أيضا هم أعلم‬
‫والصحابة ً‬
‫والسنة ُمقدَّ م على غيرهم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫فهمهم للقرآن ُّ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ﴾ [البقرة‪.]152:‬‬
‫ٍ‬
‫إيمان بعد األنبياء هو إيمان الصحابة ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إيمان‪ ،‬وأعلم‬ ‫ٍ‬
‫إيمان‪ ،‬وأنقى‬ ‫فأصلح‬

‫‪787‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهو اإليمان األقرب لمعاين القرآن‪ ،‬وتطبيق القرآن؛ لذلك كان منهج أهل‬
‫والسنة بفهم سلف هذه األمة‪ ،‬وهو المنهج‬ ‫ُّ‬ ‫الحديث هو اإليمان بالقرآن‬
‫المعصوم‪ ...‬المنهج الذي أجمع أهل السنة والجماعة على األخذ به‪.‬‬
‫ثالث وسبعي َن م َّلةً‪ ،‬ك ُّلهم يف الن ِ‬
‫َّار َّإال‬ ‫ٍ‬ ‫تفرتق ُأ َّمتي على‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪ُ " :‬‬
‫يه و َأصحابي"(‪.)1‬‬ ‫قال‪ :‬ما َأنا ع َل ِ‬ ‫رسول اهللِ؟ َ‬ ‫َ‬ ‫هي يا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫ً‪،‬‬‫ة‬ ‫د‬ ‫م َّل ًة ِ‬
‫واح‬
‫َ‬
‫فإيمان الصحابة وطريقهم هو طريق النجاة‪ ،‬يكفي قول رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬

‫" َخ ْي ُر ُك ْم َق ْرنِي‪ُ ،‬ث َّم ا َّل ِذي َن َي ُلون َُه ْم‪ُ ،‬ث َّم ا َّل ِذي َن َي ُلون َُه ْم"(‪.)2‬‬
‫وفهما للدين‪.‬‬ ‫وعمال‬
‫ً‬ ‫قرن إيمانًا‬ ‫فقر ُن الصحابة هو أفضل ٍ‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫وقال ﷺ‪َ " :‬أ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة ألُ َّمتِي"(‪.)3‬‬
‫أمان لهذه األُ َّمة‪ ،‬وهبم تنحسم البدع والضالالت‪.‬‬ ‫فالصحابة‪ :‬صمام ٍ‬

‫ُّ‬
‫‪ -84‬ما يه مزنلة السنة يف اإلسالم؟‬

‫وسنة تقريرية‪.‬‬
‫وسنة فعلية‪ُ ،‬‬
‫السنة ُسنة قولية‪ُ ،‬‬
‫ج‪ُّ :‬‬
‫السنة القولية هي‪ :‬األحاديث التي قالها النبي ﷺ يف مختلف األغراض‬
‫ُّ‬
‫والمناسبات‪ ،‬مثل قوله‪ :‬ﷺ‪" :‬إنما األعمال بالنيات"(‪.)4‬‬
‫والسنة الفعلية هي‪ :‬األعمال التي قام هبا النبي ﷺ‪ ،‬مثل‪ :‬أداء الصالة‪ ،‬وأداء‬
‫ُّ‬
‫شعائر الحج‪ ،‬وقضائه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫أمرا حصل أمامه‪ ،‬أو يف عصره و َعلِم به‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والسنة التقريرية هي‪ :‬أن ُيق َّر النبي ﷺ ً‬
‫ُّ‬
‫(‪ )1‬صحيح الرتمذي‪ ،‬ح‪.2801 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.8823 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2351 :‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...30 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1212 :‬‬

‫‪788‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫السنة هو عقيدة أهل السنة؛ ولذلك نحن ُنسمى‪" :‬أهل السنة والجماعة"‪.‬‬
‫واتباع ُّ‬
‫ألننا َأتباع ُّ‬
‫السنة‪.‬‬
‫يف المقابل ُنفاة السنة هم ليسوا بالبداهة من أهل السنة؛ ألهنم غير مؤمنين‬
‫بالسنة ابتدا ًء‪ ،‬فكيف يكونون من أهل السنة‪.‬‬
‫السنة‪.‬‬
‫أيضا خالفوا جماعة المسلمين بإنكارهم ُّ‬
‫وهم ً‬
‫فهم ليسوا من أهل السنة وال الجماعة‪.‬‬
‫والسنة هي جوهر اإلسالم كالقرآن‪.‬‬
‫ُّ‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫وال ُيط َّبق القرآن إال ُّ‬
‫فالسنة مب ِّينة للقرآن‪:‬‬
‫ُّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮛ ﮜ﴾ [البقرة‪.]05 :‬‬
‫السنة ل ُتبين لنا كيف ُنقيم الصالة‪ ،‬وما هي صفة الصالة‪ ،‬وما عد ُد‬
‫فتأيت ُّ‬
‫الركعات‪ ،‬وكيفية السجود‪ ،‬وأذكار الصالة‪ ،‬وعدد الصلوات‪.‬‬
‫فالقرآن يف قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮛ ﮜ﴾ [البقرة‪ ]05 :‬ال ُيط َّبق إال ُّ‬
‫بالسنة‪،‬‬
‫فال ُتقام الصالة‪ ،‬وال ُيعرف ما معنى إقامة الصالة إال بالسنة‪ُّ ،‬‬
‫فالسنة ُمبينة للقرآن‪.‬‬
‫ولم يقل النبي ﷺ ص ُّلوا كما يف القرآن‪ ،‬وإنما قال‪" :‬ص ُّلوا كما رأيتموين ُأص ِّلي"(‪.)1‬‬
‫إلهي؛ ألنه ال يمكن‬
‫وحي ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فالسنة تبين كيف ُنقيم الصالة‪ ،‬وبالتالي فهي‬
‫إذن ُّ‬
‫إقامة الصالة إال بتطبيق الكيفية التي صلى هبا النبي ﷺ‪.‬‬
‫خصصة للقرآن‪:‬‬
‫أيضا ُم ِّ‬
‫والسنة ً‬
‫ُّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ﴾ [المائدة‪.]5 :‬‬
‫السنة لتبيح من الميتة‪ :‬السمك‪.‬‬
‫لكن تأيت ُّ‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...8116 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.820:‬‬

‫‪789‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بالسنة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫حالل ُّ‬ ‫فأكل السمك الميت‬
‫فالحوت‬
‫ُ‬ ‫مان‪ ،‬فأما الميت ِ‬
‫َتان‪:‬‬ ‫ميتتان ود ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪ُ " :‬أح َّلت َل ُكم‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫والطحال"(‪.)1‬‬ ‫والجراد‪ ،‬وأما الدَّ ِ‬
‫مان‪ :‬فالكبِدُ‬ ‫ُ َّ‬
‫هور ماؤ ُه‪ُّ ،‬‬
‫الحل َميت ُته"(‪.)2‬‬ ‫وقال ﷺ يف البحر‪" :‬هو ال َّط ُ‬
‫فالسنة ُتخصص العام‪.‬‬
‫ُّ‬
‫العا ُّم هو‪ :‬تحريم الميتة‪.‬‬
‫تم تخصيص‪ :‬السمك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لكن من هذا العام َّ‬
‫بالسنة‪.‬‬‫وهذا التخصيص ُّ‬
‫مون أك َْل السمك؟‬
‫حر َ‬‫وهنا لنا أن نسأل نفاة السنة‪ :‬هل ُت ِّ‬
‫المط َل َق‪:‬‬ ‫السنة ُتق ِّيد ُ‬
‫أيضا ُّ‬
‫ً‬
‫قال اهلل تعالى يف حد السرقة‪﴿ :‬ﭟﭠﭡﭢ﴾ [المائدة‪.]56 :‬‬
‫لكن كيف يكون القطع‪ ،‬وما هو نِصاب السرقة الذي ُتقطع به اليد؟‬
‫كل هذا ُتحدده ُّ‬
‫السنة‪.‬‬
‫فالسنة ُتقيد المطلق يف القرآن‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫مستقل‪:‬‬ ‫تشريع‬
‫ٌ‬ ‫السنة لها‬
‫أيضا ُّ‬
‫ً‬
‫مثال على ذلك‪ :‬تحريم الجمع بين المرأة وخالتها‪ ،‬والمرأة وعمتها‪.‬‬
‫السنة ولم‬
‫فتحريم الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها إنما ورد يف ُّ‬
‫يرد يف القرآن‪.‬‬
‫الم ْر َأ ِة وخا َلتِها"(‪.)3‬‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪َ " :‬ال يجمع بين المر َأ ِة َ ِ‬
‫وع َّمتها‪ ،‬وال ب ْي َن َ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ َ َْ‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.5510 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.82 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3112 :‬‬

‫‪790‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫السنة‬
‫للسنة كالحاجة للقرآن‪ ،‬واالستغناء عن ُّ‬
‫لكل ما سبق‪ ،‬فالحاجة ُّ‬
‫كاالستغناء عن القرآن‪.‬‬
‫السنة؛ ألهنا اإلسالم!‬
‫لذلك كان من بديهيات اإلسالم‪ :‬األمر باتباع ُّ‬
‫وقد وردت يف هذا آيات كثيرة منها‪:‬‬
‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [األحزاب‪.]50 :‬‬
‫ات ال َّل ِـه‪ :‬هي القرآن‪.‬‬
‫آي ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫َوا ْلح ْك َمة‪ :‬هي ُّ‬
‫السنة باتفاق المفسرين‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [النساء‪.]115 :‬‬
‫ِ‬
‫َوا ْلح ْك َم ُة‪ :‬هي ُّ‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫بالسنة هذا أصل ُم َّت َفق عليه بين أهل اإلسالم‪،‬‬
‫قال ابن القيم ‪" :‬اإليمان ُّ‬
‫ال ينكره إال َمن ليس منهم"(‪.)1‬‬
‫بديهي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫فهذا شيء‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النور‪.]30 :‬‬
‫(وإِن ُتطِي ُعو ُه َت ْهتَدُ وا)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َو َأطي ُعوا َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ول‪ :‬ضرورة اتباع رسول اهلل ﷺ َ‬
‫فهل طاعته تكون بإنكار كل أمر وهني صادر عنه؟‬
‫هل هذه طاعة له؟‬
‫عز من قائل‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫وقال َّ‬
‫ﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ‬
‫ﰂ ﰃ﴾ [النور‪.]32 -31 :‬‬

‫)‪ (1‬الروح‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫‪796‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [الحشر‪.]2 :‬‬


‫فقد أمر اهلل ‪ ‬باتباع كل ما يصدُ ُر عن النبي ﷺ دون تفريق بين ُسنة‬
‫وسنة فعلية‪ ،‬وكل هذه التقسيمات‪.‬‬ ‫قولية‪ُ ،‬‬
‫لز ٌم‪َ :‬س ِم ْعنَا َو َأ َط ْعنَا‪.‬‬
‫فكل ما صدر عن النبي ﷺ ُم ِ‬
‫بالسنة هو ما فهمته األمة عرب تاريخها‪.‬‬ ‫وهذا االلتزام ُّ‬
‫ات‪،‬‬‫ات والمو َت ِشم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اشم ِ‬
‫الو َ‬
‫ِ‬
‫قال‪َ :‬ل َع َن ُ‬
‫اهلل َ‬ ‫عبد اهللِ بن مسعود‪َ ،‬‬ ‫يف البخاري َعن ِ‬
‫ْ‬
‫ات َخ ْل َق اهلل‪.‬‬ ‫ات ل ِ ْلحس ِن‪ ،‬الم َغير ِ‬ ‫ات‪ ،‬والم َت َف ِّلج ِ‬ ‫والم َتنَمص ِ‬
‫ُ ِّ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫وب‪َ ،‬ف َجا َء ْت َفقا َل ْت‪ :‬إنَّه َب َل َغنِي‬ ‫ذلك امر َأ ًة مِن بنِي ٍ‬
‫أسد ُي َق ُال َل َها‪ُ :‬أ ُّم َي ْع ُق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َب َل َغ َ ْ َ‬
‫سول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫قال‪َ :‬و َما لِي َال أ ْل َع ُن َمن َل َع َن َر ُ‬ ‫َعن َْك أن ََّك َل َعن َْت َك ْي َت و َك ْي َت‪َ ،‬ف َ‬
‫َاب اهللِ؟‬ ‫و َمن هو يف كِت ِ‬
‫قال‪َ :‬ل ِئن ُكن ِ‬
‫ْت‬ ‫ْ‬ ‫ول‪َ ،‬‬ ‫وجدْ ُت فيه ما َت ُق ُ‬ ‫َفقا َل ْت‪ :‬ل َقدْ َق َر ْأ ُت ما ب ْي َن ال َّل ْو َح ْي ِن‪َ ،‬فما َ‬
‫ت‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾‬ ‫يه‪َ ،‬أما َقر ْأ ِ‬ ‫يه ل َقدْ وجدْ تِ ِ‬
‫َقر ْأتِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬فإنَّه قدْ ن ََهى عنْ ُه(‪.)1‬‬ ‫[الحشر‪]2 :‬؟ قا َل ْت‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬‬
‫أمر يف القرآن‪.‬‬
‫السنة هو ٌ‬
‫فكل أمر يف ُّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ﴾ [األنفال‪.]20 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [النساء‪.]80 :‬‬
‫ما أرسل اهلل الرسل إال ل ُتطاع‪.‬‬
‫وانظر لآلية التي تليها مباشرةً‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾‬
‫[النساء‪.]83 :‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0668 :‬‬

‫‪792‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ِ‬
‫لحكمك‪.‬‬ ‫﴿ﯞﯟﯠﯡ﴾‪ :‬وبعد أن ُيحكموك ( ُي َس ِّل ُموا َت ْسل ً‬
‫يما) ُ‬
‫وهذه القضية التي حكم فيها النبي ﷺ يف هذه اآلية هي قضية الزبير ‪،‬‬
‫أن‪ :‬اإلنسان ال‬ ‫بح ٍ‬
‫كم ليس يف القرآن‪ ،‬ومع ذلك أخرب القرآن َّ‬ ‫والنبي ﷺ حكم فيها ُ‬
‫واجب االتباع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وحي من اهلل‬
‫ُي َعدُّ مؤمنًا لو لم يخضع لقضاء النبي ﷺ‪ ،‬فقضاؤه ٌ‬
‫﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النساء‪.]83 :‬‬
‫التسليم التام ألمره ﷺ‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ﴾ [األحزاب‪.]21:‬‬
‫إذا كنت ترجو اهلل واليوم اآلخر؛ ِ‬
‫فاقتد برسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وال يكون االقتدا ُء إال باتباع ُسنته‪.‬‬
‫قال ربنا ‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾‬
‫[آل عمران‪.]51:‬‬
‫تريد أن يحبك اهلل؟ إذن ا َّتبِ ْع رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وقد أخرب اهلل ‪ ‬أن طاعة الرسول من طاعة اهلل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖﭗ﴾ [النساء‪.]61 :‬‬
‫وانظر لهذه اآلية‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [النساء‪.]32 :‬‬
‫الر ُّد إلى اهلل‪ :‬بالنظر يف كتابه‪.‬‬
‫والر ُّد إلى الرسول ﷺ‪ :‬بالنظر يف ُسنته(‪.)1‬‬
‫فسنة الرسول ﷺ هي وحي إلهي‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [النجم‪.]5 :‬‬
‫إذن ُ‬
‫)‪ (1‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬البن جزي‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.128‬‬

‫‪793‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫رآن ومِ ْث َل ُه معه"(‪.)1‬‬ ‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬أ َال إنِّي ُأ ُ‬
‫وتيت ال ُق َ‬
‫السنة‪.‬‬ ‫فهو ﷺ ُأويت الكتاب ومثله معه وهي ُّ‬
‫فيكون يف وجوب العمل بالسنة‪ :‬ولزوم قبولها كوجوب العمل بالكتاب‪:‬‬
‫ولزوم قبوله كما قال القرطبي(‪.)2‬‬
‫وسنَّ َة‬ ‫ِ‬ ‫تركت فيكم َأ ْم َر ْي ِن لن َت ِض ُّلوا ما َت َم َّس ْك ُت ْم هبما‪:‬‬
‫كتاب اهلل ُ‬
‫َ‬ ‫وقال ﷺ‪ُ " :‬‬
‫نب ِّي ِه ﷺ"(‪.)3‬‬
‫بسنَّتِي"(‪.)4‬‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬عليكم ُ‬
‫لم تجدْ يف‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫فإن ْ‬ ‫بكتاب اهللِ‪َ .‬‬‫ِ‬ ‫كيف تقضي؟ َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫عاذ ‪َ :‬‬ ‫وقال ﷺ لم ٍ‬
‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫فبس ِنة‬
‫قال‪ُ :‬‬ ‫كتاب اهللِ‪َ .‬‬
‫ِ‬
‫وقال ﷺ‪" :‬ص ُّلوا كما رأيتموين ُأص ِّلي"(‪.)6‬‬
‫َاس َك ُكم‪ ،‬فإنِّي ال َأد ِري َلع ِّلي ال َأحج بعدَ حجتي ِ‬
‫هذه"(‪.)7‬‬ ‫وقال‪" :‬ل ِ َت ْأ ُخ ُذوا من ِ‬
‫ُ ُّ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تحج إال منه ﷺ‪.‬‬ ‫فإذا أردت الحج‪ ،‬فلن تعرف كيف ُّ‬
‫وقال ﷺ‪" :‬فمن رغب عن ُسنَّتي فليس مني"(‪.)8‬‬
‫نصوص كثير ٌة يف ضرورة اتباع سنته ﷺ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهناك‬
‫وانظر لهذا الحديث المعجز يف صحيح سنن أبي داود قال النبي ﷺ‪َ " :‬أ َال‬

‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،0810 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫)‪ (2‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.05‬‬
‫(‪ )3‬صحيح الرتغيب‪ ،‬ح‪.01 :‬‬
‫(‪ )4‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.0812 :‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،5322 :‬درجة الحديث‪ :‬اختلف يف تصحيحه‪.‬‬
‫(‪ )6‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1222 :‬‬
‫)‪ (8‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...3185 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1011 :‬‬

‫‪794‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫هذا‬ ‫شبعان على أريكتِ ِه ُ‬


‫يقول‪ :‬علي ُكم بِ َ‬ ‫ٌ‬ ‫رج ٌل‬ ‫ِ‬
‫الكتاب ومث َل ُه مع ُه‪ ،‬ال ُيوش ُك ُ‬
‫َ‬ ‫أوتيت‬
‫ُ‬ ‫إنِّي‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُقرآن‪ ،‬فما وجد ُتم فيه من َحالل فأح ُّلوه‪ ،‬وما َوجد ُتم فيه من حرا ٍم ِّ‬
‫فحر ُموه"(‪.)1‬‬
‫شبعان على أريكتِ ِه‪ :‬كناية عن الت ََّرف‪ ،‬وكأنه ﷺ ُيخرب أن بعض‬ ‫ٌ‬ ‫رج ٌل‬
‫ُ‬
‫السنة‪.‬‬
‫المرتفين سيظهرون يف آخر الزمان لينكروا ُّ‬
‫على أريكتِ ِه‪ :‬كناية عن أنَّه لم يغادر منزله لطلب العلم الشرعي‪ ،‬فهو مالزم‬
‫ألريكته‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬سبحان اهلل‪.‬‬ ‫وهذا حال منكري ُّ‬
‫فيه مِن َح ٍ‬
‫الل فأح ُّلوه‪ ،‬وما َوجد ُتم‬ ‫رآن‪ ،‬فما وجد ُتم ِ‬ ‫هذا ال ُق ِ‬‫يقول‪ :‬علي ُكم بِ َ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫فحر ُموه‪ :‬يكتفون بالقرآن‪.‬‬ ‫فيه من حرا ٍم ِّ‬
‫وحي يوحى‪ ،‬وليست من عند نفسه‪:‬‬ ‫أن ُسنته‬ ‫وقال ﷺ يف حديث آخر مبينًا َّ‬
‫ٌ‬
‫اس ٌم‪َ ،‬أ َض ُع َح ْي ُث ُأمِ ْر ُت"(‪.)2‬‬‫وال َأمنَع ُكم‪ ،‬إنَّما َأنَا َق ِ‬ ‫ِ‬
‫"ما ُأ ْعطي ُك ْم َ ْ ُ ْ‬
‫السنة هبذا القدر العظيم‪ ،‬فقد أوصى النبي ﷺ بتبليغ ُسنته للناس فقال‪:‬‬ ‫وألن ُّ‬
‫ُ‬
‫أحفظ له من سام ٍع"(‪.)3‬‬ ‫سمع منَّا حدي ًثا ِ‬
‫فحف َظه حتى ُي َب ِّل َغ ُه‪ُ ،‬فر َّب ُمب َّل ٍغ‬ ‫نضر اهلل امر ًأ ِ‬
‫" َّ‬
‫ُ‬
‫السنة فيها فقه ُيستنبط‬ ‫أحفظ له من سامعٍ‪ :‬فيه دليل على َّ‬
‫أن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُفر َّب ُمب َّل ٍغ‬
‫و ُيط َّبق‪.‬‬
‫أن‪ :‬أمر النبي ﷺ وهن َي ُه مثل ِ‬
‫أمر القرآن‬ ‫ويف كل هذه األحاديث ٌ‬
‫دليل على َّ‬
‫وهنيِه يف االحتجاج وضرورة اإليمان والعمل والتصديق‪.‬‬
‫رأي‬
‫فحسب‪ ،‬فكما قال الشاطبي ‪" :‬هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫أما االقتصار على القرآن‬
‫السنة؛ ا َّطرحوا أحكا َم ُّ‬
‫السنة‪ ،‬فأداهم ذلك إلى‬ ‫قو ٍم ال خالق لهم‪ ،‬خارجين عن ُّ‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح"‪.0810‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5112 :‬‬
‫(‪ )3‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،0132 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪795‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫االنخال ِع عن الجماعة‪ ،‬وتأوي ِل القرآن على غير ما أنزل اهلل"(‪.)1‬‬


‫يف قول الشاطبي‪" :‬فأداهم ذلك إلى االنخال ِع عن الجماعة‪ ،‬وتأوي ِل القرآن‬
‫سيتأول يف المرحلة التالية‬
‫َّ‬ ‫أن َمن أنكر السنة‬ ‫على غير ما أنزل اهلل"‪ٌ ،‬‬
‫دليل على َّ‬
‫القرآن على غير وجهه‪.‬‬
‫نيع ضد من يريد العبث باإلسالم‪.‬‬
‫فالسنة ضرورة وحصن لإلسالم‪ ،‬وسدٌّ َم ٌ‬
‫ُّ‬
‫ينكرها إال مفتون‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫وال ُ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [النور‪.]85 :‬‬
‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [المائدة‪.]22 :‬‬
‫اح َذ ُروا‪.‬‬
‫َو ْ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫‪ -85‬هل السنة لكها مكتوبة؟‬

‫ج‪ :‬نعم!‬
‫كل السنة مكتوبة ومو َّثقة تما ًما‪.‬‬
‫ذكر الطرباين يف الكبير‪" :‬إنَّا لم نسمع منه ﷺ شي ًئا إال وهو عندنا يف كتاب"(‪.)2‬‬
‫دو ٌن‪ ،‬حتى سكتات النبي ﷺ‪ :‬سكتاته محفوظة ُم َّ‬
‫دونةٌ‪.‬‬ ‫فكل شيء يف ُسنته ﷺ ُم َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫كان ر ُ ِ‬
‫سول اهلل ﷺ َي ْس ُك ُت ب ْي َن ال َّت ْكبِ ِير وب ْي َن الق َرا َءة ْ‬
‫إس َكا َت ًة(‪.)3‬‬ ‫َ َ‬
‫النبي ﷺ َس ْع َل ٌة َف َرك ََع"(‪.)4‬‬ ‫َ َ ِ‬ ‫َ‬
‫بل ونقل الصحابة أنَّه ﷺ َس َعل َس ْعل ًة يف صالته‪" :‬أخذت َّ‬
‫أن ُسنته‬ ‫كل سنتِ ِه واجتهدوا أشدَّ اجتهاد يف حفظها‪ ،‬وقد أخرب ﷺ َّ‬ ‫فقد نقلوا َّ‬

‫(‪ )1‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬م‪ 5‬ص ‪ 528 ،523‬بتصرف‪.‬‬


‫)‪ (2‬الطرباين يف الكبير‪ ،‬ح‪.10226 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.200 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.033 :‬‬

‫‪796‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫سمع منْكم"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫س ُتنقل عرب األجيال فقال‪َ " :‬ت‬
‫ويسمع م َّمن َ‬
‫ُ‬ ‫سمع منْكم‪،‬‬
‫سمعون‪ ،‬و ُي ُ‬
‫فالصحابة سيسمعون الحديث وينقلونه للتابعين‪ ،‬والتابعون سينقلونه‬
‫السنة من الصحابة للتابعين‪ ،‬ثم‬
‫لتابعي التابعين‪ ،‬وهذا ما حصل فقد ُنقلت ُّ‬
‫لتابعي التابعين‪.‬‬
‫أيضا كانت‬ ‫وهنا يأيت السؤال‪ :‬هل هذا يعني أن السنة ُنقلت فقط نقل ِش ٍ‬
‫فاه أم ً‬ ‫ُّ‬
‫مكتوبة؟‬
‫ٍ‬
‫شفاه‪ ،‬وكانت مكتوبة‪ ،‬ف ُك ُتب الحديث موجودة‬ ‫السنة نقلت نقل‬
‫والجواب‪ُّ :‬‬
‫منذ عهد النبي ﷺ‪ ،‬وجرت الكتابة للحديث بين يديه ﷺ‪ ،‬وعندنا اثنان‬
‫وخمسون صحاب ًّيا من ُكتَّاب الحديث النبوي‪.‬‬
‫أكثر من ألف حديث‪ ،‬وهناك كتاب‬
‫ويف كتاب عبد اهلل بن عمرو بن العاص ُ‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬وكتاب سعد بن ُعبادة‪ ...‬كتب كثيرة للصحابة يف الحديث(‪.)2‬‬
‫فالسنة محفوظة يف الصدور ومكتوبة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كتاب واحد‪،‬‬ ‫وبعد وفاة النبي ﷺ بسنوات بدأت مرحلة جمع األحاديث يف‬
‫وهذا ما ُيعرف بالتدوين‪.‬‬
‫فالتدوين غير الكتابة‪:‬‬
‫أما الكتابة فهي كما قلنا منذ عهد النبي ﷺ وبين يديه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫بينما التدوين فهو‪ :‬جمع كل األحاديث يف‬
‫عظيما عجي ًبا‪ ،‬فجمعوا‬
‫ً‬ ‫والتابعون وتابعو التابعين اجتهدوا يف التدوين اجتها ًدا‬
‫األحاديث باألسانيد المتعددة؛ ولذلك قد يأيت حديث من مائة طريق وأكثر‪.‬‬
‫فجمعوا كل أحاديث النبي ﷺ بطرقها‪ ،‬وصنَّفوا كت ًبا يف أسماء الرواة وضبط‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5832 :‬‬
‫)‪ (2‬دراسات يف الحديث النبوي‪ ،‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬صفحة (‪ )60‬وما بعده‪.‬‬

‫‪797‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الرواة‪ ،‬حتى ُيضبط كل حديث بحرفِ ِه الذي خرج به من فم النبي ﷺ‪ ،‬وصنَّفوا‬


‫يف علوم الرجال‪ ،‬وصنَّفوا يف الجرح والتعديل‪ ،‬وصنَّفوا المسانيد والجوامع‬
‫والمستدركات والمستخرجات والزوائد واألجزاء‪ ،‬وصنَّفوا يف شروح‬
‫الحديث‪ ،‬ويف علوم اإلسناد والمتن‪.‬‬
‫لذلك كانت درجة أي حديث صحيح أعلى من درجة توثيق كل كتب‬
‫التاريخ يف كل الحضارات مجتمعة‪ ،‬فشروط ضبط الحديث أعلى بألف مرة من‬
‫وثوقية أي مصدر تاريخي تتخ َّيل ُه‪.‬‬
‫بل َّ‬
‫إن درجة توثيق الحديث الضعيف أعلى من درجة توثيق كتب أهل‬
‫الديانات السابقة‪.‬‬
‫فلو حصل انقطاع يف سند الحديث يف طبقة واحدة‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫أن يفتقد سند‬
‫ً‬
‫مجهوال ال نعرفه‪ ،‬ففي هذه الحالة‬ ‫أن يكون الراوي‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬أو ْ‬ ‫الحديث ٍ‬
‫لراو‬
‫ُيحكم على الحديث بالضعف‪.‬‬
‫أن الكتب السابقة تصل درجة االنقطاع فيها لمئات السنين‪.‬‬ ‫بينما نجد َّ‬
‫حرف خرج من فمه ﷺ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أغير الناس على ضبط كل‬ ‫السنة كانوا َ‬ ‫فنقلة ُّ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ‬ ‫يف الحديث المتفق على صحته‪ ،‬أخرب عبد اهلل بن عمر‪َّ " :‬‬
‫الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن يوحدَ اهلل‪ ،‬وإقا ِم الص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كاة‪،‬‬ ‫وإيتاء َّ‬ ‫الة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسال ُم ع َلى َخ ْم َسة‪ :‬ع َلى ْ ُ َ َّ‬ ‫قال‪ُ :‬بن َي ْ‬
‫قال‪ :‬ال‪ِ ،‬صيا ُم‬‫ضان؟ َ‬ ‫قال رج ٌل‪ :‬الحج‪ِ ،‬‬
‫وصيا ُم َر َم َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ضان‪ ،‬وا ْل َح ِّج‪َ .‬ف َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫وصيا ِم َر َم َ‬
‫سول اهللِ ﷺ"(‪.)1‬‬ ‫ضان‪ ،‬وا ْل َح ُّج‪َ .‬ه َكذا س ِم ْع ُت ُه مِن ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َر َم َ‬
‫فهذا يعني حرص الصحابة على أدق التفاصيل يف حديث رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫والمز َّفت أن ُينتبذ فيه‪ ،‬فقيل لسفيان‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ويف حديث آخر‪ :‬هنى النبي ﷺ عن الدُّ َّباء ُ‬
‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...6 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.18:‬‬

‫‪798‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫أن ُينبذ فيه؟ فقال‪ :‬ال‪ُ ..‬ينتبذ فيه(‪.)1‬‬


‫يحرصون على الحرف من فمه ﷺ‪.‬‬
‫لقد ه َّيأ اهلل برحمته لهذه األُ َّمة األسباب التي ُح ِفظت هبا ُسنة النبي ﷺ‪ ،‬فقد‬
‫وسلِي َقتهم قويمة‪ ،‬و َت َم َّرسوا على‬ ‫ِ‬ ‫حمل سنة النبي ﷺ ٌ‬
‫جيل كانت فطرهتم سليمة‪َ ،‬‬
‫أشعارهم‪ ،‬فكانت عندهم‬ ‫َ‬ ‫قوة الحفظ عرب الزمن‪ ،‬فقد َح ِفظوا تاريخهم‪ ،‬و َن َق ُلوا‬
‫ملكة الحفظ عجيبة‪ ،‬فلما جاء اإلسالم وكانوا أشدَّ الناس َغير ًة على ُسنة رسول اهلل‬
‫ٍ‬
‫حديث خرج‬ ‫أي شيء غير صحيح‪ ،‬لهذا ضبطوا نقل كل‬ ‫ِ‬
‫ﷺ من أن يدخل فيها ُّ‬
‫ٍ‬
‫ضبط‪.‬‬ ‫أقره أو َفعله‪ ...‬ضبطوا ُسنَّته ﷺ أعجب‬ ‫من فمه ﷺ‪ ،‬وكل شيء َّ‬
‫يتعمد الكذب من التابعين أو تابعي التابعين كانوا‬ ‫ِ‬
‫و َمن ُعلم أنَّه يخطئ أو َّ‬
‫يفضحونه على رؤوس األشهاد‪.‬‬
‫فهم يغارون على ُسنته ﷺ أشد غيرةً‪.‬‬
‫فالسنة يتو َّقف عليها العمل الشرعي‪.‬‬
‫دين‪ُّ ،‬‬
‫وما كانوا يستحون؛ ألن األمر ٌ‬
‫مفضوحا يف المشرق‪.‬‬
‫ً‬ ‫لذلك لو ك ََذب أحد على رسول اهلل ﷺ يف المغرب‪ ،‬ألصبح‬
‫ما كانوا يستحون أبدً ا‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫مثال على هذا األمر‪:‬‬
‫عندنا حديث للنبي ﷺ‪" :‬ال َّل َّ‬
‫هم أ ْنجِ َع َّي َ‬
‫اش ب َن أبي َربيع َة"(‪.)3‬‬
‫اش كان من كبار المهاجرين ‪ ،‬لكن حفيد ع َّياش والذي اسمه‪ :‬أبان بن‬ ‫وع َّي ُ‬
‫َ‬
‫أبي عياش‪ ،‬كان يكذب يف رواية الحديث مع أنَّه من كبار ال ُق َّراء‪ ،‬لكن لما يروي‬
‫حدي ًثا عن النبي ﷺ ال ُيوثق يف روايته‪.‬‬
‫)‪ (1‬الكفاية يف علم الرواية‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫)‪ (2‬هذا المثال ذكره الشيخ عثمان الخميس يف أحد أشرطته‪.‬‬
‫)‪ (3‬متفق عليه‪ ....‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1118 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.823 :‬‬

‫‪799‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فهل السلف تركوا أبان لمقام عياش جده أو سكتوا عنه ِ‬


‫لسنه أو لكونه من‬
‫كبار القراء؟‬
‫واهلل هذا مستحيل‪ ،‬بل َّ‬
‫إن السلف فضحوه‪.‬‬
‫وكان شعبة بن الحجاج يمشي يف األسواق ويقول‪ :‬أ ُّيها الناس! أبان بن أبي‬
‫عياش َّ‬
‫كذاب‪.‬‬
‫يمشي بين الناس و ُيحذر منه حتى ذهب حماد بن زيد إلى ُشعبة فقال له‪:‬‬
‫أمس ْك عن الرجل‪.‬‬ ‫ِ‬

‫فالرجل ُم ِس ٌّن‪ ،‬وعائلته كبيرة‪ ،‬وجدُّ ه من كبار المهاجرين‪ ،‬وقد علم الناس‬
‫بحاله‪ ،‬وأنه يكذب يف الحديث‪ ،‬فال داعي ألن ُيفضح يف كل مجلس‪.‬‬
‫نازة فرأى شعبة أبان‪ ،‬فصرخ بأعلى صوته‪ :‬يا أبا‬‫بعد أيام‪ ،‬وكانوا يف ِج ٍ‬

‫إسماعيل ‪-‬يقصد‪ :‬حماد بن زيد‪ -‬رجعت عن قولي‪ ،‬أ ُّيها الناس! أبان َّ‬
‫كذاب‪.‬‬
‫ِ‬
‫ثم قال‪َ :‬ما َأ َراني َيس ُعني ُّ‬
‫الس ُك ُ‬
‫وت َعن ُه(‪.)1‬‬
‫فاألمر دي ٌن‪.‬‬
‫بل وقد نقل اإلمام أحمد بن حنبل عن ُشعبة بن الحجاج قو َله‪" :‬ألن أزين‬
‫إلي من أن أروي عن أبان بن أبي عياش"‪.‬‬
‫أحب َّ‬
‫ُّ‬
‫هل يجرؤ أحد يف مجتمع كهذا أن يكذب على رسول اهلل ﷺ؟‬
‫يتعمد الكذب فضحوه‪.‬‬ ‫إذا تب َّين َّ‬
‫أن أحدً ا َّ‬
‫تعمد الكذب يصبح واه ًيا يف الحديث‪ ،‬و ُيرتَك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أما لو أخطأ يف رواية دون ُّ‬
‫راو‪ ،‬بحيث لو أخطأ الراوي يف‬ ‫وقد كانت هناك اختبارات بصفة دورية لكل ٍ‬
‫أحد هذه االختبارات ولو كان أعبد أهل األرض حكموا على رواياته بالضعف‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكامل‪ ،‬ابن عدي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.562‬‬

‫‪800‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تساهل مع ُسنة النبي ﷺ‪.‬‬


‫فلم يكن هناك ُ‬
‫الز َّهاد يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬اإلمام الحسن البصري‬
‫وانظر يف حال أشهر ُّ‬
‫التابعي الشهير تلميذ الصحابة‪.‬‬
‫هل يجادل مسلم يف علم وتقوى وعبادة الحسن البصري؟‬
‫كان الحسن البصري إمام الزهد‪ ،‬من أشهر ال ُع َّباد‪ ،‬وكان مفت ًيا للمسلمين‪،‬‬
‫وقد تر َّبى يف كنف أم سلمة زوج النبي ﷺ‪ ،‬ودعا له عمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم ف ِّق ْهه يف الدين وح ِّب ْبه إلى الناس‪.‬‬
‫تتلمذ الحسن البصري على يد ابن عباس وكثير من كبار الصحابة‪.‬‬
‫وعلى علو قدر الحسن البصري يف العبادة والفقه‪ ،‬وعلى ُزهده الشديد‬
‫وورعه لو روى حدي ًثا عن صحابي فقال حدثني ابن عباس ً‬
‫مثال أن رسول اهلل ﷺ‬
‫لصح حديثه‪ ،‬لكن لو روى الحديث مباشرة إلى النبي ﷺ ولم يذكر‬
‫َّ‬ ‫قال كذا‬
‫اسم الصحابي الذي سمع منه الحديث‪ ،‬فحديثه مرسل ال ُيعتدُّ به‪ ،‬و ُيصنَّف يف‬
‫قسم الحديث الضعيف‪.‬‬
‫تخيل! ُي َر ُّد حديث الحسن البصري لو روى مباشر ًة عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫لو قدر الحسن‬
‫هذا حال السلف مع حديث رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فعلى ُع ّ‬
‫البصري‪ ،‬لكن هناك عقيدة ُتؤخذ من الحديث‪ْ ،‬‬
‫إذن يلزم ضبط كل حرف بسنده‬
‫إلى رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫بل واألعجب من هذا‪:‬‬
‫َ‬
‫القرآن بقراءته‪ :‬حفص‬ ‫ان ُظ ْر يف حال اإلمام حفص الذي يقرأ أهل األرض‬
‫عن عاصم‪.‬‬
‫اإلمام حفص الذي َض َب َط طريقة تدوير كل حرف يف القرآن‪ ،‬ومخرج كل‬
‫حرف يف القرآن من فم النبي ﷺ‪.‬‬

‫‪806‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اإلمام حفص والذي هو ُمنتهى علم القراءات هو يف الحديث ضعيف!‬


‫تتعجب!‬
‫أن َّ‬‫لك ْ‬
‫وتعمق فيها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقراءات‪،‬‬ ‫اإلمام حفص إما ُم الدنيا يف القرآن‪ ،‬لكنه لما انشغل‬
‫َّ‬
‫كل وقتِ ِه‪َ ،‬ق َّل ضبطه أللفاظ الحديث النبوي؛ لذلك فهو يف‬ ‫وصارت تملك َّ‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الحديث‬
‫ولو ورد اسم حفص يف سند حديث ُحكِ َم بضعف الحديث‪.‬‬
‫فالسلف كانوا ال يخجلون أمام ضبط الحديث النبوي‪ ،‬وال َه ْيبة ألحد أمام‬
‫قدره يف اإلسالم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ضبط الحديث النبوي‪ ،‬وال يستحون من تضعيف أحد مهما عال ُ‬
‫السنة ظهرت فتنة اسمها فتنة‪" :‬خ ْلق القرآن" وهي فتنة‬
‫ويف وقت تدوين ُّ‬
‫مشهورة زمن الخليفة المأمون‪ ،‬حاول أن تتخ َّيل لو امتلك الخليفة المأمون‬
‫حدي ًثا واحدً ا يدعم موقفه يف القول بخلق القرآن!‬
‫سينتهي األمر‪.‬‬
‫السلطان والسجن والقتل ‪ُ -‬قتل بعض العلماء يف هذه‬‫كان مع المأمون ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد النتهى الموضوع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحديث‬ ‫الفتنة‪ -‬لو استطاع المأمون أن يأيت‬
‫(‪)1‬‬ ‫لكن َمن كان يجرؤ على صناعة حديث للقول بخلق القرآن؟‬
‫ال يجرؤ حتى المأمون نفسه‪.‬‬
‫لم يستطيعوا أن ي ِ‬
‫قحموا حدي ًثا واحدً ا ينسبوه للنبي ﷺ يف هذا الموضوع؛‬ ‫ُ‬
‫وضاع‪ ،‬وس ُيصبح َمن وضع هذا‬‫أي َّ‬‫ألنه بدراسة سند الحديث سيفتضح ُّ‬
‫عارا عرب التاريخ‪.‬‬
‫الحديث ً‬
‫أي‬ ‫ِ‬
‫فعلم الحديث له ضوابط حا َّدة‪ ،‬وشروط قاسية‪ ،‬يفتضح من خاللها ُّ‬
‫ٍ‬
‫حديث‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد يف أي‬ ‫ٍ‬
‫بحرف‬ ‫شخص يحاول التالعب‬
‫(‪ )1‬هذه الفائدة مستقاة من إحدى محاضرات الشيخ خالد الدريس حول حجية السنة والرد على شبهات القرآنيين‪.‬‬

‫‪802‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ِ‬
‫فعلم الحديث هو علم حقيقي متكامل له ضوابط‪.‬‬
‫والضوابط الستَّة المشهورة للحديث النبوي هي‪:‬‬
‫‪ -1‬اتصال السند‪.‬‬
‫‪ -2‬عدالة الراوي‪.‬‬
‫‪ -5‬ضبط الراوي‪.‬‬
‫‪ -0‬السالمة من الشذوذ‪.‬‬
‫‪ -3‬السالمة من الع َّلة القادحة‪.‬‬
‫‪ -8‬وجود العاضد عند االحتياج إليه(‪.)1‬‬
‫واتصال السند يعني‪ :‬وجود سند متصل للحديث إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فال‬
‫يوجد فيه انقطاع‪.‬‬
‫فلو كانت هناك حلقة مفقودة يف السند ُحكم على الحديث بالضعف‪ ،‬ولو‬
‫كان بقية الرواة يف السند أعدل أهل األرض‪.‬‬
‫وخ ِ‬
‫لقه‬ ‫أما عدالة الراوي فمعناها‪ْ :‬‬
‫أن يكون راوي الحديث معلو ًما بدينه ُ‬
‫وصدقِه وأمانتِه‪.‬‬
‫أن يكون راوي الحديث حاف ًظا متقنًا‪.‬‬
‫أما ضبط الراوي فمعناه‪ْ :‬‬
‫لت تجري بانتظام يف حياة كل ٍ‬
‫راو‪ ،‬فيأيت‬ ‫وكانت هناك اختبارات كما ُق ُ‬
‫سمع على الراوي أحاديثه ف ُيدخل يف‬ ‫ِ‬
‫شخص ممتحن بصورة طالب علم‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫األحاديث حدي ًثا ليس من طريقه‪ ،‬وينظر هل سينتبه الراوي أم ال؟‬
‫كانت اختبارات منتظمة متكررة يف جنبات العالم اإلسالمي؛ لضبط الرواية‬
‫عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫(‪ )1‬منهج النقد يف علوم الحديث‪ ،‬د‪ .‬عرت‪ ،‬ص ‪.202‬‬

‫‪803‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫معروف كل ٍ‬
‫راو فيه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فال ُيقبل ا ْل َح ِد ُ‬
‫يث إذا َل ْم َي ُك ْن َل ُه إسناد نظيف‬
‫رجاال ُن َّقا ًدا َّ‬
‫تفرغوا له‪ ،‬وأفن َْوا‬ ‫ً‬ ‫فاهلل تعالى بلطيف عنايتِ ِه أقام لعلم الحديث‬
‫ِ‬
‫ومعرفة مراتبِهم يف القوة واللين(‪.)1‬‬ ‫أعمارهم يف تحصيله‪ ،‬ويف البحث عن رجاله‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عجيبة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصورة‬ ‫فقد أتقنوا ضبط الحديث‬
‫أن ِ‬
‫يرو َي حدي ًثا يف أمر‬ ‫يحر ُم على الرجل ْ‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي‪ُ " :‬‬
‫ين حتى ُي ِتقنَ ُه و َيحف َظ ُه كاآلية من القرآن‪ ،‬وكاسم الرجل‪ ،‬والمستحب له أن‬
‫الدِّ ِ‬
‫أسلم له"(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫يورد األحاديث بألفاظها؛ ألن ذلك‬
‫وكان سلف هذه األمة آية يف الحفظ‪.‬‬
‫دون الحديث بأمر عمر‬ ‫ِ‬ ‫الزهري ٍ‬
‫راو‪ ،‬وهو من َّأول َمن َّ‬ ‫فاإلمام ابن شهاب ُّ‬
‫بن عبد العزيز الخليفة الراشد‪ ،‬وهو شيخ اإلمام مالك يقول عن نفسه‪" :‬ما‬
‫فسألت صاحبي‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حديث َّإال حدي ًثا واحدً ا‪،‬‬ ‫شككت يف‬
‫ُ‬ ‫استعدْ ُت حدي ًثا ُّ‬
‫قط‪ ،‬وال‬
‫حفظت"(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫فإذا هو كما‬
‫ٍ‬
‫جابر مر ًة واحد ًة‬ ‫أما قتادة فقد قال اإلمام أحمد‪ُ " :‬ق ِر َئ على قتادة صحيف ُة‬
‫فح ِف َظها"(‪.)4‬‬
‫َ‬
‫وصحيفة جابر بن عبد اهلل الصحابي الجليل صحيف ٌة معروف ُة‪ ،‬فقد كان له‬
‫كتاب يف الحديث‪.‬‬
‫المصحف‪ ،‬فقرأ البقرة فلم‬ ‫ْ‬ ‫قال قتاد ُة لسعيد بن أبي َعروبة‪ِ :‬‬
‫علي ُ‬
‫َّ‬ ‫ك‬ ‫أمس‬ ‫ُ َ‬
‫ُ‬
‫أحفظ مني لسورة البقرة(‪.)5‬‬ ‫يخطئ حر ًفا‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا النضر! ألنا لصحيفة ٍ‬
‫جابر‬
‫)‪ (1‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.262‬‬
‫(‪ )2‬الكفاية يف علم الرواية‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫)‪ (3‬الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع‪ )235 /2( ،‬وسير أعالم النبالء‪.)500 /3( ،‬‬
‫(‪ )4‬سير أعالم النبالء‪)228 /3( ،‬؛ تذكرة الحفاظ‪.)125 /1( ،‬‬
‫)‪ (5‬التاريخ الكبير‪ ،‬للبخاري (‪.(168 /2‬‬

‫‪804‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الحفاظ البخاري‪ ،‬فكان كما يقول عن نفسه يحفظ مائة‬


‫أما اإلمام جوهرة ُ‬
‫ألف حديث صحيح‪ ،‬ويحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح(‪.)1‬‬
‫درسا يف علم الحديث‪ ،‬ومازال صب ًّيا لم يبلغ‬
‫حض ُر ً‬
‫وذات يوم كان البخاري َي ُ‬
‫أحد عشر عا ًما‪ ،‬فقال الشيخ عن سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم‪ .‬فقال له‬
‫فتعجب الشيخ ثم قال‪ْ :‬‬
‫إذن َمن هو؟‬ ‫َّ‬ ‫البخاري‪ :‬أبو الزبير لم ي ِ‬
‫رو عن إبراهيم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ليس أبو الزبير عن إبراهيم‪ ،‬وإنما الزبير بن َعدي عن إبراهيم‪ .‬فراجع‬
‫صدقت(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫الشيخ درسه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وسن َِّة نب ِّي ِه ﷺ‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫كان هؤالء األئمة هب ًة من ِّ‬
‫رب األرض والسماوات؛ لحفظ دينه‪ُ ،‬‬
‫أن الشافعي حفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين(‪.)3‬‬ ‫تخيل َّ‬
‫والكالم عن حفظهم ال ينتهي‪ ،‬ولم يكتفوا فقط بالموهبة‪ ،‬بل عانوا‬
‫وجاهدوا حتى وصلوا لما وصلوا إليه‪.‬‬
‫شهرا‪.‬‬
‫كان الرجل منهم ُيسافر يف ضبط صحة الحديث الواحد ً‬
‫رحل جابر بن عبد اهلل ﭭ الصحابي الجليل مسير َة ٍ‬
‫شهر إلى عبد اهلل بن‬
‫ٍ‬
‫واحد(‪.)4‬‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ُأنيس يف طلب‬
‫وأبو أيوب األنصاري ‪ ‬رحل من المدينة إلى مصر؛ ليسأل عقبة بن عامر‬
‫ٍ‬
‫حديث سمعه من النبي ﷺ فلما حدَّ ثه‪ ،‬ركب أبو أيوب راحلته وانصرف‬ ‫عن‬
‫عائدً ا إلى المدينة‪ ،‬وما َّ‬
‫حل رحله‪.‬‬
‫األرض كلها يف طلب العلم(‪.)5‬‬
‫َ‬ ‫وقال مكحول‪ُ :‬ط ُ‬
‫فت‬
‫(‪ )1‬تاريخ بغداد (‪.)20/2‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ بغداد‪.)2 /2( ،‬‬
‫(‪ )3‬صفة الصفوة م‪ 1‬ص‪.050‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري م‪ 1‬ص‪.28‬‬
‫)‪ (5‬سير أعالم النبالء‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.136‬‬

‫‪805‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫رحلتين‪ :‬األولى عشرين عا ًما‪ ،‬والثانية‬ ‫وسافر َب ِق ُّي ب ُن َم ْخ َل ِد يف طلب الحديث‬
‫أربعة عشر عا ًما‪ ،‬وقد مشى على قدمه ولم يركب دابة أرب ًعا وثالثين سنة‪.‬‬
‫سيرا على األقدام إلى بغداد‪ ،‬و َتن َّق َل بين بالد المسلمين؛‬
‫فقد خرج من األندلس ً‬
‫لينقل الحديث‪ ،‬ويضبط الرواية‪.‬‬
‫ال ُتعرف ُأمة َّ‬
‫جرحت وعدَّ لت نفسها مثل أمة اإلسالم‪ ،‬حيث جاءت وتك َّلمت‬
‫عن نفسها‪ ،‬ونقدت نفسها‪ ،‬ون َّقحت نفسها‪.‬‬
‫كذاب‪ ،‬وهذه رواية بال وزن‪ ،‬وهذه رواية متواترة‪.‬‬ ‫فهذا ٍ‬
‫راو ثقةٌ‪ ،‬وهذا َّ‬
‫ٍ‬
‫حرف من فم نبيها كما فعلت هذه األمة‪.‬‬ ‫جردت نفسها لكل‬
‫ال توجد أمة َّ‬
‫وسنةً‪.‬‬
‫فقد ضبطت النقل وأتقنته‪ ،‬فحفظت شريعة رهبا قرآنًا ُ‬
‫واإلسناد عند هذه األمة من الدين؛ ألن به حفظ الدين‪.‬‬
‫نَقل اإلمام مسلم عن عبد اهلل بن المبارك قوله‪" :‬اإلسناد من الدين‪ ،‬ولوال‬
‫اإلسناد لقال َمن شاء ما شاء"(‪.)1‬‬
‫خيرا وتجاوز عن خلفها‪ .‬آمين‪.‬‬
‫فجزى اهلل سلف هذه األمة ً‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫‪ -86‬هل تأخر تدوين السنة انلبوية لـ ‪ 200‬سنة اكملة حىت جاء ابلخاري؟‬
‫ُّ‬
‫هل تم تدوين السنة انلبوية بعد مائيت اعم من وفاة انليب حممد ﷺ؟‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫هل ظلت السنة شفاهية قرنني اكملني من الزمان وبعد ذلك تم تدوينها؟‬

‫ج‪ :‬أتخ َّيل لو َّ‬


‫أن طارح مثل هذه الشبهة ذهب لمجلس اإلمام البخاري الذي‬
‫كان يحضره عشرون أل ًفا من عباقرة هذا العلم‪ ،‬ثم قال لإلمام‪ :‬كيف لك أن تجمع‬
‫األحاديث بعد مائتي عام من وفاة النبي ﷺ؟‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم يف مقدمة صحيحه‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.62‬‬

‫‪806‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ربما ألصبح هذا الحدث أشهر خرب من أخبار الحمقى والمغفلين على مر العصور‪.‬‬
‫إن المتقدمين ما تركوا شبهة إال وب َّينوها للناس‪.‬‬
‫تعرض لهذه الشبهة ‪-‬شبهة ُّ‬
‫تأخر كتابة الحديث‬ ‫وال أعرف أحدً ا من المتقدمين َّ‬
‫النبوي مائتي سنة‪َّ -‬‬
‫ألن هذه ليست شبهة‪ ،‬بل هي دليل جهل شديد باإلسالم‪.‬‬
‫فالسنة كانت مكتوبة منذ عهد النبي ﷺ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وكتاب الصدقات والدِّ يات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم‪ ،‬هو كتاب‬
‫تمت كتابته بين يدي النبي ﷺ(‪.)1‬‬
‫أحاديث نبوية َّ‬
‫أيضا كتاب أحاديث نبوية مكتوب‬
‫وكتاب عبد اهلل بن عمرو بن العاص هو ً‬
‫ٍ‬
‫حديث‪،‬‬ ‫يف عصر النبوة بين يدي النبي ﷺ‪ ،‬ومجموع أحاديث هذا الكتاب ألف‬
‫سميه عبد اهلل بن عمرو بـ‪" :‬الصحيفة الصادقة"‪ ،‬وهذا الكتاب انتقل إلى‬
‫وكان ُي ِّ‬
‫كبيرا منه؛ وروى‬
‫حفيده عمرو بن شعيب‪ ،‬وروى اإلمام أحمد يف مسنده ُجز ًءا ً‬
‫بعضا منه‪ ،‬وتنا َق َله أوال ُده وذر َّي ُته من بعده‪ ،‬ونال الرعاية‬
‫كذلك البخاري ومسلم ً‬
‫والتداول والنَّ ْقل عرب الزمن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والحفظ‬
‫ُ‬
‫وكتاب أنس بن مالك األنصاري ‪ُ ‬كتب يف زمن النبي ﷺ‪.‬‬
‫وكتاب سعد بن ُعبادة ‪ ‬كتب يف زمن النبي ﷺ‪.‬‬
‫وكتاب اإلمام علي‪ ،‬وما ُكتب عام فتح مكة بأمر من النبي ﷺ ألبي شاه اليمني(‪.)2‬‬
‫كتب أحاديث كثيرة ُكتبت بين يدي النبي ﷺ(‪.)3‬‬
‫فهناك كما قلت اثنان وخمسون صحاب ًّيا من ُكتَّاب الحديث النبوي زمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ إِ َلى َأ ْه ِل ا ْليم ِن بِكِت ٍ ِ ِ‬
‫ات‪َ ،‬و َب َع َث بِه ْ‬
‫عَم َرو ْب َن َحزْ مٍ‪.‬‬ ‫َاب فيه ا ْل َف َرائ ُض‪َ ،‬و ُّ‬
‫السنَ ُن‪َ ،‬والدِّ َي ُ‬ ‫ََ‬ ‫َب َر ُس َ‬
‫)‪َ (1‬كت َ‬
‫التلخيص الحبير‪ ،‬م‪ 0‬ص‪.36‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2050 :‬‬
‫)‪ (3‬دراسات يف الحديث النبوي‪ ،‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬صفحة (‪ )60‬وما بعده‪.‬‬

‫‪807‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫النبي ﷺ‪.‬‬
‫ثم جاء التابعون ونقلوا عنهم ما كتبوا‪ ،‬ونقوا عنهم ما حفظوا‪.‬‬
‫فأبو هريرة رضي اهلل وحده نقل عنه ثمانمائة تابعي‪ ،‬وبعضهم ينقل األحاديث‬
‫شفاه ًة والبعض اآلخر كتابةً‪.‬‬
‫وقد كان يف جيل التابعين تالميذ الصحابة المئات من ُكتاب الحديث‬
‫النبوي‪ ،‬ومن أشهرهم همام بن ُمن ِّبه‪ ،‬صاحب الصحيفة التي وصلتنا كاملةً‪،‬‬
‫كامال‪ ،‬وهذا الكتاب كتاب أحاديث نبوية ُكتب يف‬
‫فكتاب همام بن ُمن ِّبه وصلنا ً‬
‫السنوات التالية مباشر ًة لوفاة النبي ﷺ‪.‬‬
‫فهناك الكثير من ُكتَّاب الحديث من التابعين‪.‬‬
‫وكان يكتب عن جابر بن عبد اهلل الصحابي الجليل أربعة عشر تابع ًّيا‪.‬‬
‫وكان يكتب عن ابن عباس تسعة من التابعين‪ ،‬وكانت كتب ابن عباس َو ْق َر َب ِع ٍير‪.‬‬
‫وبالمناسبة‪ :‬همام بن ُمن ِّبه صاحب الصحيفة الشهيرة‪ ،‬هذه الصحيفة ما زالت بين‬
‫أيدينا حتى الساعة‪ ،‬ومنها نسخة يف مكتبة دمشق‪ ،‬ونسخة أخرى يف مكتبة برلين‪.‬‬
‫و ُنقلت الصحيفة كاملة يف مسند اإلمام أحمد‪.‬‬
‫وصحيفة تعني‪ :‬كتاب‪.‬‬
‫كان عدد ُكتاب ُّ‬
‫السنة يف عهد التابعين ‪ 232‬تابع ًّيا(‪.)1‬‬
‫فكتابة الحديث بدأت منذ عصر الرسالة‪ ،‬وكَتب الصحاب ُة األحاديث النبوية‪،‬‬
‫وكَتب التابعون األحاديث النبوية‪.‬‬
‫ومن أشهر تالميذ ابن عباس من التابعين‪ :‬سعيد بن جبير‪ ،‬ومجاهد بن جرب‪،‬‬
‫حديث فأصبحت عندنا‪ :‬صحيفة سعيد بن جبير‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهما‬ ‫وكان لكل‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬دراسات يف الحديث النبوي‪ ،‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬صفحة (‪ )60‬وما بعده‪.‬‬

‫‪808‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وصحيفة مجاهد بن جرب‪.‬‬


‫وأضبط تالميذ جابر بن‬
‫أيضا أبو الزبير محمد بن مسلم المكي أحد أشهر ْ‬ ‫ِ‬
‫ونشط ً‬
‫الس ْختيانِي‪،‬‬
‫عبداهلل‪ ،‬فكتب عنه صحيف ًة ُع ِر َفت باسمه‪ ،‬وعندنا صحيفة أيوب َّ‬
‫وصحيفة عروة بن الزبير‪ ،‬وصحيفة خالد بن َم ْعدان‪ ،‬وصحيفة أبي ِقالبة‪ ،‬وصحيفة‬
‫الحسن البصري‪ ،‬كل هؤالء تالميذ الصحابة كتبوا األحاديث النبوية‪.‬‬
‫فالكتابة للحديث النبوي متصلة وموجودة منذ عهد النبي ﷺ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد؟‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫لكن يا ُترى‪َ :‬من أول َمن ف َّكر يف جمع كل األحاديث النبوية يف‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سمى‬ ‫كتاب واحد والتي ُت َّ‬ ‫والجواب‪ :‬فكرة جمع كل األحاديث النبوية يف‬
‫ِ‬
‫بالتدوين‪ ،‬كانت يف ذهن عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقد ف َّكر يف جمع األحاديث كما َّ‬
‫تم‬
‫جمع القرآن‪ ،‬واستشار كبار الصحابة يف ذلك فوافقوه على ذلك‪ ،‬لكنه تراجع حتى‬
‫يتم َّكن القرآن يف قلوب الناس‪ ،‬وال يختلط ُّ‬
‫بالسنة؛ ألن عهد الناس بالقرآن حديث‬
‫جدًّ ا‪ ،‬فأغلب المسلمين على وجه األرض يف ذاك الوقت لم يسلموا إال قري ًبا‪.‬‬
‫فقرر عمر أن يتأنَّى بالناس حتى يتم َّكن القرآن من قلوهبم‪.‬‬
‫َّ‬
‫والسنة محفوظة ومنقولة ومكتوبة فال خوف عليها‪ ،‬لكن لو ُجمعت يف‬
‫ُّ‬
‫ووزعت على األمصار بالتوازي مع القرآن لزاحمت القرآن‪ ،‬ولم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كتاب واحد‪ُّ ،‬‬
‫ُيؤ َمن أن تلتبس به‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫فأجل عمر ‪ ‬فكرة تدوين ُّ‬
‫السنة يف‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫وظل األمر على ذلك إلى أن أتى زمن تلميذ عمر بن الخطاب‪ :‬كثير بن ُم َّرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫تلميذ‬ ‫أيضا‬
‫وقد أدرك كثير بن ُم َّرة سبعين َبدْ ر ًّيا من أصحاب النبي ﷺ‪ ،‬وهو ً‬
‫معاذ بن جبل‪ ،‬وتميم الداري‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وعوف بن مالك‪ ،‬وأبي‬
‫الدرداء‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وعقبة بن عامر‪ ،‬وعدد كبير من كبار الصحابة فقد تتلمذ‬
‫على أيديهم جمي ًعا‪.‬‬

‫‪809‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫السنة‪ ،‬فقام هو بجمع أحاديث النبي ﷺ‪.‬‬


‫ففي زمن كثير بن ُم َّرة بدأ مشروع تدوين ُّ‬
‫مشروعا عمال ًقا‪ ،‬وجاء بأمر من التابعي الجليل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ومشروع كثير بن مرة كان‬
‫حاكما على مصر طيلة ‪ 21‬سنة‪.‬‬
‫ً‬ ‫عبد العزيز بن مروان‪ ،‬والذي كان‬
‫وبعد عبد العزيز بن مروان جاء ابنه‪ :‬عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد‪،‬‬
‫الزهري بإكمال مشروع كثير بن ُم َّرة‪.‬‬ ‫والذي أمر أبا بكر بن حزم‪ ،‬وابن ِشهاب ُّ‬
‫إذن فتدوين الحديث كان يف مرحلة مبكرة جدًّ ا‪.‬‬‫ْ‬
‫فصلنا‪ ،‬والنبي ﷺ أمر‬‫أما كتابة الحديث فكانت منذ عهد النبي ﷺ كما َّ‬
‫بكتابتها بين يديه‪ ،‬وقال‪ :‬ا ْك ُت ُبوا ألبِي َش ٍاه(‪.)1‬‬
‫السنة‪ ،‬قال له النبي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫العاص عن كتابة ُّ‬ ‫مرو ِ‬
‫بن‬ ‫ولما تو َّقف عبدُ اهللِ ب ُن َع ِ‬
‫بيد ِه‪ ،‬ما َي ْخ ُر ُج منه َّإال ٌّ‬
‫حق(‪.)2‬‬ ‫اك ُتب؛ فوا َّلذي ن ْفسي ِ‬
‫ْ‬
‫وكان أبو هريرة يخصص ثلث الليل؛ ليحفظ أحاديث رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫فالسنة كانت ُتكتب و ُتحفظ بين يديه ﷺ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أي‬
‫بن عمرو بن العاص‪ُّ :‬‬ ‫ويف الحديث الصحيح عندما ُسئل عبدُ اهلل ُ‬
‫وق َل ُه َح َل ٌق َق َال‪:‬‬ ‫أوال القسطنطينية أو رومية؟ َفدَ َعا َع ْبدُ اهللِ بِ ُصنْدُ ٍ‬ ‫المدينتين ُتفتح ً‬
‫ب‪ ،‬إِ ْذ ُسئِ َل‬ ‫َف َأ ْخرج مِنْه ِكتَابا‪َ ،‬ف َق َال عبدُ اهللِ‪ :‬بينَما نَحن حو َل رس ِ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َن ْك ُت ُ‬ ‫َْ َ ْ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ ً‬
‫ول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬أ ُّي ا ْل َم ِدينَ َت ْي ِن ُت ْفت َُح َأ َّو ًال ُق ْس َطنْطِين ِ َّي ُة َأ ْو ُرومِ َّي ُة؟ َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َم ِدينَ ُة ِه َر ْق َل ُت ْفت َُح َأ َّو ًال َي ْعنِي‪ُ :‬ق ْس َطنْطِين ِ َّيةَ‪.‬‬
‫وانظر لقول عبد اهلل بن عمرو بن العاص‪ :‬بينَما نَحن حو َل رس ِ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َن ْك ُت ُ‬ ‫َْ َ ْ ُ َ ْ َ ُ‬
‫فقضية أن الصحابة ‪ ‬كانوا يكتبون األحاديث بين يدي النبي ﷺ قضية بديهية‪.‬‬
‫السنة بعد وفاة النبي ﷺ مباشرةً!‬ ‫ِ‬
‫لكن هنا قد يقول قائل‪ :‬ما أجمل لو ُد ِّونَت ُّ‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5808 :‬‬

‫‪860‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫السنة من أول يوم يف‬
‫والجواب‪ :‬بعض الناس ربما يتخ َّيل لو ُدونت ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد النقطعت ألسنة المغرضين من نفاة السنة‪.‬‬
‫الحجية‪ ،‬وال يتو َّقف‬
‫وهذا كالم غير صحيح؛ ألن الكتابة ليست من لوازم ُ‬
‫عندها صيانة الحجة‪،‬‬
‫بل َّ‬
‫إن الكتابة ال تفيد القطع عند العرب كما يفيد الحفظ!‬
‫ونحن ما عرفنا الشعر الجاهلي إال بالحفظ‪.‬‬
‫ولم يثبت أن النبي ﷺ أمر بكتابة كيفية الصالة أو أوقاتِها‪ ،‬ولو كانت الكتابة‬
‫وكلمة ِ‬
‫وذ ٍ‬
‫كر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حركة‬ ‫من لوازم الحجية ألمر بكتابة كيفية الصالة بكل‬
‫أيضا حجية القرآن ليست يف أنه ُكتِب‪.‬‬
‫ً‬
‫فالناس حتى الساعة يتل َّقون القرآن بالسماع‪.‬‬
‫فالقرآن كتاب صويتٌّ‪ ،‬وليس كتا ًبا ورق ًّيا‪ ،‬فكل حرف يف القرآن ُنقلت طريقة‬
‫فاه من فم النبي ﷺ‪ ،‬وأنت تأخذ القرآن من فم شيخك‪ ،‬وال تستطيع‬ ‫نطق ِه نقل ِش ٍ‬
‫ِ‬

‫أن تحصل على إجازة يف القرآن دون النقل ِّ‬


‫الشفاهي لكل حرف فيه‪ ،‬وشيخك‬
‫ً‬
‫وصوال إلى النبي ﷺ‪.‬‬ ‫حصل على اإلجازة من فم شيخه‪ ،‬وهكذا‬
‫تتم طباعة المصحف حتى الساعة يف أية دولة إسالمية إال بعد أن يقوم‬
‫وال ُّ‬
‫بمراجعته ُ‬
‫أهل األسانيد‪ ،‬ممن تل َّقو ُه نقل ِّ‬
‫الشفاه من فم النبي ﷺ‪.‬‬
‫إذن حجية القرآن يف نقل الشفاه‪ ،‬وليست يف أنه ُد ِّو َن‪.‬‬
‫مصحفي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ولذلك عندنا مقولة‪ :‬ال يؤخذ القرآن من‬
‫ِ‬
‫عصرنا هذا‪.‬‬ ‫فالقرآن يؤخذ ممن يتل َّقاه مشافه ًة يف سالسل من زمن النبي ﷺ إلى‬
‫فاالعتمـاد فـي نقـل القـرآن علـى حفـظ القلـوب‪ ،‬ال علـى حفـظ المصـاحف(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬النشر يف القراءات العشر ج‪ 1‬ص‪.8‬‬

‫‪866‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالقرآن يف األصل كتاب صويت‪ ،‬وكذلك الحديث رواية صوتية‪.‬‬


‫الحديث منقول بالسماع عن النبي ﷺ يف كل طبقة‪.‬‬
‫دونة ومحفوظة‬
‫السنة ُم َّ‬
‫دون ومحفوظ يف الصدور‪ ،‬كذلك ُّ‬ ‫وكما َّ‬
‫أن القرآن ُم َّ‬
‫يف الصدور‪.‬‬
‫وحجية حفظ الصدور هي األساس يف نقل القرآن والحديث‪ ،‬وليس مجرد‬
‫التدوين‪.‬‬
‫ولذلك لما ُد ِّون القرآن زمن عثمان بن عفان ‪ ،‬لم يكن عندنا سوى ست‬
‫نسخ من القرآن يف كل األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫نسخة المصحف اإلمام عند عثمان‪ ،‬ونسخة لليمن‪ ،‬ونسخة للشام‪ ،‬ونسخة‬
‫للعراق‪ ،‬ونسخة لمصر‪ ،‬ونسخة لمكة‪.‬‬
‫والناس يتناقلون القرآن سما ًعا‪ ،‬وظل نقل القرآن السماعي عرب القرون‬
‫وحتى يومنا هذا‪ ،‬وسيبقى هكذا إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬
‫األمر نفسه بالنسبة للحديث‪ ،‬فقد ُكتِب الحديث يف عهد النبي ﷺ‪ ،‬لكنه يف‬
‫األساس ُنقل بالسند الصحيح المتصل ن ْقل صدور ون ْقل شفاه‪.‬‬
‫تأت مِن تدوينه‪ ،‬وإنما حجية القرآن من حفظه يف‬
‫إذن فحجية القرآن لم ِ‬ ‫ْ‬
‫السنة‪.‬‬
‫مر العصور‪ ،‬كذلك ُّ‬ ‫الصدور‪ ،‬ونقله على ِّ‬
‫لكن لماذا ال ُتثبِت الكتاب ُة حجي َة النقل؟‬
‫حديث مسموع مع مكتوب‪َ ،‬أخذ ُ‬
‫أهل العلم بالمسموع‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تعار َض‬
‫والجواب‪ :‬إذا َ‬
‫تطرق التصحيف والغلط(‪.)1‬‬
‫قال اآلمدي‪ :‬رواية السماع ْأولى ل ُبعدها عن ُّ‬
‫فالنقل المتقن الضابط العدل أقوى وأعلى حجية من الكتابة؛ ألن النقل‬
‫)‪ (1‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم إبراهيم‪ ،‬ص‪.220‬‬

‫‪862‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الصويت أبعدُ عن التصحيف والغلط‪.‬‬


‫ُ‬
‫وأضبط لمقصود ما يقول‪،‬‬ ‫فالحافظ أتق ُن لما يقول‪ ،‬وأعرف لمعنى ما يقول‪،‬‬
‫خاص ًة من قو ٍم ُعرفوا بقوة الحفظ‪ ،‬ونَقلوا تاريخهم بقوة الحفظ‪ ،‬فاعتما ُدهم‬
‫َّ‬
‫على ذاكرهتِم هو أساس الحجية‪.‬‬
‫ب ينسى‪ ،‬فيأيت احتمال‬ ‫ومشكلة الكتابة أهنا ال تنضبط هبا الذاكرة؛ ألن الذي يك ُت ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد يف‬ ‫ٍ‬
‫بتصحيف‬ ‫إن عدم ضبط المكتوب قد ُيغير المعنى بالكلية‬ ‫تطرق الخطأ‪ ،‬ثم َّ‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد من الحديث‪ ،‬بينما الذي يقرأ من حفظه ُي َو ِّلد عندك اطمئنانًا عجي ًبا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حرف‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫السنة من حفظه‪،‬‬ ‫تخيل عندما ُيستفتى ُمفت يف مسألة شرعية‪ ،‬فيجيب باألد َّلة من ُّ‬
‫أليس هذا أو َث َق عندك‪ ،‬وأك َث َر طمأنينة لفؤادك ممن ينقل لك الفتيا من الكتب؟‬
‫فالحفظ يزيد اطمئنانك لمعرفة الحافظ بداللة الحديث ومعناه وفقهه‪.‬‬
‫والحفظ سج َّي ُة العرب فلم يكن بالشيء المرهق لهم‪ ،‬فهم يحفظون‬
‫شعر‪ ،‬كذلك القرآن ِبقي يف عهد النبوة‬
‫ُمع َّلقاهتم‪ ،‬وكان منهم َمن يحفظ ألف بيت ٍ‬
‫محفو ًظا يف الصدور‪.‬‬
‫واعتمدوا يف نقل المعرفة على حفظ الصدور‪ ،‬وكان النبي ﷺ ي ِ‬
‫رسل َمن ُيع ّلم‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بكتاب وإنما بحفظ الصدور وفقه‬ ‫الناس دينهم‪ ،‬ويحكم بينهم‪ ،‬ويقضي بينهم‪ ،‬ال‬
‫القلوب‪.‬‬
‫والجو الهادئ‪ ،‬وق َّلة‬
‫ُّ‬ ‫العرب على قوة الحفظ بساط ُة المعيشة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وساعد‬
‫وسعة الخربة باللسان العربي‪.‬‬ ‫الشواغل‪ ،‬وحدَّ ة الذكاء‪َ ،‬‬
‫وكانوا مطبوعين على الحفظ‪ ،‬فابن عباس َح ِفظ قصيدة عمرو بن أبي ربيعة‬
‫والشعبي‪ ،‬حتى يقول‬ ‫الز ْهري َّ‬
‫مرة سمعها‪ ،‬وكان كذلك ُّ‬ ‫من ‪ 23‬بيتًا من أول ٍ‬

‫الزهري‪ :‬ما دخل ُأذين شي ٌء نسي ُت ُه‪.‬‬


‫أيس ُر على العرب‪ ،‬وهو أسلم بكثير وأضبط‪ ،‬والحفظ ال يكون إال‬
‫فالحفظ َ‬

‫‪863‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بالفهم وإدراك المعنى والتح ُّقق منه‪.‬‬


‫لذلك و َّلد حفظ ُسنة النبي ﷺ يف الصدور " َم َل َكة الفقه العجيبة" التي‬
‫ظهرت يف سلف هذه األمة‪ ،‬ويف كل َمن يعتني بالحفظ يف كل ٍ‬
‫زمن‪.‬‬
‫مصدر ُه‬
‫ُ‬ ‫والسنة‬
‫فهذا الميراث الفقهي المدهش الذي تم استنباطه من القرآن ُّ‬
‫حفظ الصدور‪ ،‬وإتقان المعنى‪.‬‬
‫فالحفظ و َّلد الفقه‪.‬‬
‫فتجد أحدَ هم يسرتسل يف ضبط األحكام الشرعية‪ ،‬وكأن مكتبة ضخمة‬
‫ينه ُل منها ما يريد يف أي لحظة‪.‬‬
‫مفتوحة أمامه َ‬
‫ٍ‬
‫لكتب‪.‬‬ ‫كامال يف أحد أسفاره دون العودة‬
‫وتجد ابن القيم يكتب زاد المعاد ً‬
‫كتاب "المبسوط" وهو‬ ‫خسي على تالميذه وهو محبوس يف ٍ‬
‫بئر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الس َر ُّ‬
‫و ُيملي َّ‬
‫موسوعة ضخمة من خمسة عشر مجلدً ا‪.‬‬
‫وشرحه وقع يف‬‫صحيح مسلم" وهو على ظهر سفينة‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫القرطبي "‬
‫ُّ‬ ‫وشرح‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫تعليق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مراجعة‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫مطالعة‪ ،‬وال‬ ‫خمسة عشر مجلدً ا إمال ًء من خاطره من غير‬
‫فالحفظ و َّلد هذه الم َلكة العجيبة عند هذه األمة‪.‬‬
‫أما َمن يعتمد فقط على الكتابة فقد ال يفق ُه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كثيرة‪ ،‬فال بد أن يحمل‬ ‫ٍ‬
‫بشروط‬ ‫لذلك لم يكن العرب يثقون بالكتابة إال‬
‫تما حتى يوثق بأن كاتبه هو فالن‪.‬‬ ‫المكتوب سندً ا َ‬
‫وخ ً‬
‫التصحيف‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقد يقع يف الكتابة‬
‫السنة ‪-‬جمع كل‬ ‫فلن ُتقدِّ م لنا الكتابة شي ًئا إضاف ًّيا لألمة لو َّ‬
‫تم تدوين ُّ‬
‫األمر فرص َة توليد‬
‫ُ‬ ‫فوت هذا‬
‫األحاديث يف مكان واحد‪ -‬من أول يوم‪ ،‬بل قد ُي ّ‬
‫هذه الملكات الفقهية العجيبة التي و َّلدها الحفظ‪.‬‬
‫إشكاالت وقوع الظن يف معنى ما ُكتب‪ ،‬وإشكاالت‬
‫ُ‬ ‫ولربما حصلت مع الكتابة‬

‫‪864‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ٍ‬
‫واحد؛ فتؤدي لتغيير معنى‬ ‫ٍ‬
‫حرف‬ ‫التصحيف‪ ،‬فربما تتغ َّير نقطة واحدة على‬
‫الحديث بالكلية‪.‬‬
‫ومن اعتمد على الكتابة تض ُعف ملكة الحفظ عنده‪ ،‬وبالتالي ينسى المعنى‬
‫المقصود‪ ،‬وينسى َض ْبط ما كَتب‪.‬‬
‫ِ‬
‫فمن رحمة اهلل هبذه األمة أن قدَّ ر لها أن تحفظ ُسنة نبيها حفظ صدور‪ ،‬كما‬
‫حفظت القرآن حفظ صدور فتو َّلد هذا الفقه العظيم لدين اهلل عند السلف‪.‬‬
‫وهذا من عجيب حكمة اهلل وفضله على هذه األمة‪.‬‬
‫وسبحان اهلل حتى الفالسفة عرب التاريخ كانوا يستشعرون بعبء الكتابة‪،‬‬
‫ف ذهنه مع‬ ‫أن الذي يعتمد على الكتابة دون الحفظ يض ُع ُ‬ ‫وكانوا ُيؤكّدون َّ‬
‫ٍ‬
‫بشدة‪ ،‬ويؤكد أن الكتابة تؤدي‬ ‫الوقت‪ ،‬من أجل ذلك كان أفالطون يهجو الكتابة‬
‫لضياع المعنى‪ ،‬وفتور النفس(‪.)1‬‬
‫السنة محفوظة بحفظ اهلل للقرآن‪ ،‬محفوظة إلى قيام الساعة‪،‬‬
‫وسوف تبقى ُّ‬
‫فهي بيان القرآن‪ ،‬والمصدر الثاين للتشريع باتفاق كل مسلم‪.‬‬
‫وال ُيخالف يف كوهنا المصدر الثاين للتشريع‪ ،‬وبيان القرآن َّإال َم ْن ال َّ‬
‫حظ له‬
‫يف دين اإلسالم‪ ،‬كما قال الشوكاين ‪.)2(‬‬

‫‪ -87‬ملاذا يهاجم داعة حركة اتلنوير الصحابة؟‬

‫ج‪ :‬ألهنم ببساطة ال يجرؤون على القدح يف اإلسالم‪.‬‬


‫فمن هي الحلقة التي لو هاجمها التنويري لما انتقده الناس‪ ،‬ويف الوقت‬
‫َ‬
‫نفسه سيسهل عليه بعدها الهجوم على اإلسالم؟‬
‫(‪ )1‬إشكالية العقل العربي‪ ،‬جورج طرابيشي‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫)‪ (2‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول‪ ،‬الشوكاين‪ ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪865‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إهنا حلقة الصحابة‪.‬‬


‫سيسه ُل عليه بعدها تأويل‬
‫ُ‬ ‫وبعد أن ُيسقط التنويري قيمة الصحابة من قلبك‪،‬‬
‫أي نص شرعي وف ًقا ألي ً‬
‫هوى‪.‬‬
‫وهبذا ُيبطل التنويريون أحكا َم الدين القطعية‪ ،‬وينكروا ما ُعلم من الدين‬
‫مخالف لما أجمعت عليه األمة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بالضرورة بكل بساطة‪ ،‬ولو ب َّينت لهم َّ‬
‫أن فهمهم‬
‫يهتموا بما تقول؛‬
‫ومناقض لظاهر وصريح النص الشرعي والمعني اللغوي‪ ،‬فلن ُّ‬
‫ٌ‬
‫ألهنم منذ قليل أسقطوا قدوة هذه األمة‪ ،‬أسقطوا الصحابة‪ ،‬أسقطوا أكثر الناس‬
‫شرعي وف ًقا ألي ً‬
‫هوى‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫معرف ًة بمعاين التنزيل‪ ،‬فلن يوقفهم شيء عن تأويل أي ٍّ‬
‫نص‬
‫فالهجوم على الصحابة هو طريق سهل وذكي للهجوم على اإلسالم‪.‬‬
‫قال أبو ُزرعة الرازي‪" :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدً ا من أصحاب رسول اهلل‬
‫حق‪ ،‬وإنما أ َّدى إلينا هذا‬
‫حق‪ ،‬والقرآن ٌّ‬
‫زنديق؛ ألن الرسول عندنا ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فاعلم أنه‬
‫جرحوا شهودنا؛‬
‫أصحاب الرسول ﷺ‪ ،‬وإنما يريد القوم أن ُي ِّ‬
‫ُ‬ ‫والسنة‬
‫ُّ‬ ‫القرآن‬
‫والسنة"(‪.)1‬‬
‫ليبطلوا الكتاب ُّ‬
‫فهم يعرفون جيدً ا َّ‬
‫أن الحائط يف مواجهة التالعب يف دين اهلل هم الصحابة؛‬
‫وأصلح فهم لمعاين التنزيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫ألن فهمهم‬
‫والسنة‪ ،‬وهم أعرف‬ ‫وش ِهدوا ُّ‬
‫تنزل القرآن ُّ‬ ‫فالصحابة أقرب الناس للرسالة‪َ ،‬‬
‫الناس بالعربية‪ ،‬وأ ْدرى الناس بمراد الشرع‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ولذلك قال النبي ﷺ‪َ " :‬أ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة ألُ َّمتي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َ‬
‫ب َأ ْص َحابِي َأ َتى ُأ َّمتي‬
‫وعدُ َ‬
‫ون"(‪.)2‬‬ ‫ما ُي َ‬
‫)‪ (1‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.22‬‬
‫الكفاية يف علم الرواية‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2351 :‬‬

‫‪866‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫والسنة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وأمان للفهم الصحيح للكتاب ُّ‬ ‫فالصحابة ٌ‬
‫أمان لهذه األمة‪،‬‬
‫ودعاة حركة التنوير يعرفون قدر الصحابة؛ لذلك هم يريدون أن ُيسقطوا‬
‫أمنة هذه األمة‪ ،‬يريدون أن ي ِ‬
‫سقطوا هذا الحائط؛ ليسهل عليهم بعد ذلك الهجوم‬ ‫ُ‬
‫والسنة كما يحبون‪.‬‬
‫على القرآن ُّ‬
‫لما سئل أبو عبد الرحمن النسائي صاحب "السنن الكربى" عن معاوية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"اإلسالم دار لها باب‪ ،‬فباب اإلسالم الصحابة‪ ،‬فمن آذى الصحابة إنما أراد‬
‫اإلسالم"(‪.)1‬‬
‫فمن فقه النسائي َعلِم أن الهجوم على معاوية ُيراد به شي ٌء آخر‪.‬‬
‫فمن آذى الصحابة إنما أراد اإلسالم‪.‬‬
‫والسلف كانوا يعرفون َّ‬
‫أن مدخل من أراد الهجوم على اإلسالم هو‪ :‬الصحابة‪.‬‬
‫لذلك قال الربهباري‪" :‬واعلم أن َمن َتناول أحدً ا من أصحاب محمد ﷺ‬
‫إنما أراد محمدً ا ﷺ"(‪.)2‬‬
‫عظيم‪ ،‬وسبيلهم هو سبيل المؤمنين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫فشأن الصحابة ٌ‬
‫شأن‬ ‫ُ‬
‫﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النساء‪.]113 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫فمن‬ ‫َو َي َّتبِ ْع َغ ْي َر َسبِي ِل ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين‪َ :‬من اتبع غير سبيل المؤمنين من الصحابة َ‬
‫بعدهم‪َّ ،‬‬
‫ضل سع ُي ُه‪.‬‬
‫الجماع ِة"(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫يجم ُع أمتي على ضال َل ٍة‪ ،‬ويدُ اهللِ على‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬إِ َّن َ‬
‫اهلل تعالى ال َ‬
‫فإجماع الصحابة معصوم‪ ،‬وسبيلهم هو النجاة‪ ،‬فهؤالء عاصروا النبوة‪،‬‬

‫)‪ (1‬هتذيب الكمال‪ ،‬الحافظ المزي‪.552/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬شرح السنة‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫(‪ )3‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.1606 :‬‬

‫‪867‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫واسطة‪ ،‬وعاينوا النبي ﷺ يف جميع أحواله‪ ،‬يف حله‬ ‫وأخذوا عن النبي ﷺ بال‬
‫وترحاله‪ ،‬فكان النبي ﷺ ُمعلمهم‪.‬‬
‫ولذلك كانوا أصلح الناس قلو ًبا‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪" :‬فإِن َُّه ْم كَا ُنوا َأ َب َّر َه ِذ ِه ْاألُ َّم ِة ُق ُلو ًبا‪َ ،‬و َأ ْع َم َق َها ِع ْل ًما‪َ ،‬و َأ َق َّل َها‬
‫َت َك ُّل ًفا‪َ ،‬و َأ ْق َو َم َها َهدْ ًيا‪َ ،‬و َأ ْح َسن ََها َح ًاال‪ ،‬قوم اختارهم اهلل لصحبة نبيه‪ ،‬وإقامة دينه‪،‬‬
‫فاعرفوا لهم فضلهم‪ ،‬واتبعوا آثارهم؛ فإهنم كانوا على الهدى المستقيم"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫َأ ْع َم َق َها ع ْل ًما‪ :‬أكثر هذه األمة ً‬
‫فهما وإدراكًا‪ ،‬فهم كتبوا الوحي بأيديهم وقت‬
‫تنزله‪ ،‬وحضروا أسباب نزوله‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قال الشاطبي‪ :‬هم القدوة يف فهم الشريعة والجري على مقاصدها‪.‬‬
‫وقد زكَّاهم اهلل يف كتابه فقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [التوبة‪.]111 :‬‬
‫احتج العلماء هبذه اآلية على وجوب اتباع الصحابة‪ ،‬واستحقاقهم أن‬
‫َّ‬ ‫وقد‬
‫أئمة متبوعين ُيقتدى هبم‪ ،‬وتؤخذ أقوالهم‪.‬‬ ‫يكونوا َّ‬
‫ِ‬ ‫ون مِ َن ا ْلم َه ِ‬
‫اج ِري َن َواألَن َْص ِ‬ ‫السابِ ُق َ‬
‫ون األَ َّو ُل َ‬
‫ار َوا َّلذ َ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫ألن اآلية تقول‪َ :‬و َّ‬
‫وهم بِإِحس ٍ‬
‫تتضمن المدح لكل من اتبع الصحابة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ان‪ .‬فاآلية‬ ‫ا َّت َب ُع ُ ْ ْ َ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [آل عمران‪.]111 :‬‬
‫روى ابن جرير بسنده عن الضحاك‪ ،‬قال‪ُ :‬ه ْم أصحاب رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫(‪ )1‬جامع بيان العلم وفضله‪.112 /2 ،‬‬

‫‪868‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [التوبة‪.]62 -66 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [الفتح‪.]16 :‬‬
‫وقال ‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ﴾ [الفتح‪.]22 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮱ ﯓﯔﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬
‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ﴾ [الحشر‪.]2 -6 :‬‬
‫َوا َّل ِذي َن َت َب َّو ُءوا الدَّ َار‪ :‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫يم َ‬ ‫ِ‬
‫تشربوا اإليمان يف قلوهبم‪.‬‬‫ان‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫َو ْاإل َ‬
‫كل هذه تزكيات يف كتاب اهلل لمجتمع الصحابة‪.‬‬
‫وانظر لهذا الخطاب اإللهي‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [البقرة‪.]152 :‬‬
‫من آمن مِن الناس ِ‬
‫بمثل ما آمن به الصحابة فقد اهتدى‪.‬‬ ‫َ‬
‫التعرض لمجتمع الصحابة‪ ،‬فهم‬ ‫ُّ‬ ‫حذر النبي ﷺ أشدَّ التحذير من‬ ‫ولذلك َّ‬
‫وأسلم مجتمع يف الدنيا بعد األنبياء‪ ...‬مجتمع‬
‫ُ‬ ‫وأسمى وأنْقى وأصلح‬ ‫أ ْطهر ْ‬
‫صحابة النبي محمد ﷺ‪.‬‬
‫أصحابِي‪َ ،‬فوالذي َن ْف ِسي ب َي ِد ِه لو‬ ‫أصحابِي‪ ،‬ال َت ُس ُّبوا ْ‬ ‫لذلك قال ﷺ‪" :‬ال َت ُس ُّبوا ْ‬
‫أح ِد ِه ْم‪ ،‬وال ن َِصي َف ُه"(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحدَ ُك ْم أ ْن َف َق م ْث َل ُأ ُحد َذ َه ًبا‪ ،‬ما أ ْد َر َك ُمدَّ َ‬ ‫َّ‬
‫أن َ‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2301 :‬‬

‫‪869‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ ِ‬
‫وقال ﷺ‪َ " :‬أ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة ألُ َّمتي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َ‬
‫ب َأ ْص َحابِي َأ َتى ُأ َّمتي ما ُيوعَدُ َ‬
‫ون"(‪.)1‬‬
‫فذهاب الصحابة وذهاب َهدْ ي الصحابة هو إيذان بمجيء الفتن‪.‬‬
‫فعصر الصحابة هو أعظم عصور هذه األمة؛ لذلك قال النبي ﷺ يف‬
‫َّاس َق ْرنِي"(‪.)2‬‬
‫الحديث المتفق على صحته‪َ " :‬خ ْي ُر الن ِ‬
‫فقرن الصحابة هو أفضل قرن يف تاريخ هذه األمة يف كل فضيلة وكل علم‬
‫وعمل وقصد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مشهور‬ ‫لسان صدق مِن‬
‫َ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ُّ " :‬‬
‫وكل َمن له‬
‫بأن خير هذه األمة هم الصحابة"(‪.)3‬‬ ‫معرتف َّ‬
‫ٌ‬ ‫بعلم أو ٍ‬
‫دين‬ ‫ٍ‬
‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫التمسك بما كان عليه‬
‫ُّ‬ ‫السن َِّة عندنا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أصول ُّ‬ ‫وقال اإلمام أحمد‪" :‬‬
‫ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬واالقتدا ُء هبم"(‪.)4‬‬ ‫َ‬
‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫ومذهب اإلمام مالك يقوم على ترجيح عمل أهل المدينة؛ ألهنم‬
‫والسنة‪.‬‬
‫الناس لتطبيق القرآن ُّ‬
‫فهذا قدْ ر الصحابة الذي ال بد أن ُينزلهم إياه كل مسلم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬فع َلي ُكم بِسنَّتي وسن َِّة ُ ِ‬
‫ين‪َ ،‬ع ُّضوا‬
‫الم ْهد ِّي َ‬
‫دين َ‬ ‫الخ َلفاء َّ‬
‫الراش َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ‬
‫َّواج ِذ"(‪.)5‬‬
‫عليها بالن ِ‬
‫فما اجتهد فيه الخلفاء الراشدون من الصحابة كان ُح َّج ًة بشهادة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وسبعين م َّلةً‪ ،‬ك ُّلهم يف الن ِ‬
‫َّار‬ ‫ٍ‬
‫ثالث‬ ‫تفرتق ُأ َّمتي على‬ ‫ويكفيك ُ‬
‫قول النبي ﷺ‪ُ " :‬‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ....‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...8032 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2355 :‬‬
‫(‪ )3‬شرح العقيدة األصفهانية‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫(‪ )4‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪.136 /1 ،‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،0812 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪820‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫يه و َأ ْصحابي"(‪.)1‬‬ ‫رسول اهللِ؟ َ‬


‫قال‪ :‬ما َأنا ع َل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ‬
‫إال مل ًة واحدةً‪ ،‬قالوا‪َ :‬من َ‬
‫هي يا‬
‫فالفرقة الناجية هي ما كان عليه عقيدة الصحابة‪ ،‬وفهم الصحابة‪ ،‬وفقه الصحابة‪.‬‬
‫فالواجب علينا أن ُنحب صحاب َة رسول اهلل ﷺ؛ لثناء اهلل عليهم‪ ،‬وإليماهنم‬
‫به‪ ،‬ولتصديقهم بنبيه‪ ،‬ونصرهتم له‪ ،‬ولما نفعنا اهلل به من جهادهم يف سبيل نصرة‬
‫هذا الدين ووصوله إلينا‪.‬‬
‫فنحن نحبهم‪ ،‬ونتبع َهديهم‪ ،‬وندافع عنهم‪ ،‬وال نقبل بموجة الهجوم عليهم‪،‬‬
‫الناس ح َّقهم‪.‬‬
‫عرف َ‬ ‫و ُن ِّ‬
‫باد؛‬‫الع ِ‬
‫قلوب ِ‬
‫ِ‬ ‫اهلل ن َظ َر يف‬ ‫قال عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل تعالى عنه‪َّ " :‬‬
‫إن َ‬
‫باد‪ ،‬فاص َطفاه لن ْف ِس ِه‪ ،‬فا ْبت َع َثه ِبرسالتِه‪ُ ،‬ث َّم‬
‫الع ِ‬
‫قلوب ِ‬ ‫ِ‬ ‫خير‬
‫محمد ﷺ َ‬
‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫قلب‬
‫فوجدَ َ‬ ‫َ‬
‫الع ِ‬
‫قلوب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الع ِ‬ ‫قلوب ِ‬
‫باد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قلوب أصحابِه َ‬
‫خير‬ ‫َ‬ ‫فوجدَ‬
‫محمد؛ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫قلب‬ ‫باد بعدَ‬ ‫ِ‬ ‫ن َظ َر يف‬
‫سلمون حسنًا؛ فهو عندَ اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫فج َع َلهم ُو َزرا َء نب ِّيه‪ُ ،‬يقاتِ َ‬
‫َ َ‬ ‫الم‬
‫لون على دينه‪ ،‬فما َرأى ُ‬
‫سن‪ ،‬وما ر َأوا س ِّي ًئا؛ فهو عندَ اهللِ س ِّي ٌئ"(‪.)2‬‬ ‫َح ٌ‬
‫اس ﭭ يف مناظرته الشهيرة للخوارج‪" :‬أتي ُت ُك ْم من عند‬ ‫وقال اب ُن ع َّب ٍ‬
‫واألنصار‪ ،‬ومن ِ‬
‫عند‬ ‫ِ‬ ‫النبي ص َّلى اهلل عليه وعلى آله وسلم المهاجرين‬ ‫ِ‬
‫أصحاب ِّ‬
‫ُ‬
‫القرآن‪ .‬فهم‬ ‫وصهر ِه‪ ،‬وعليهم نزل‬
‫ِ‬ ‫النبي ص َّلى اهلل عليه وعلى آله وسلم‬
‫عم ِّ‬
‫ِ‬
‫ابن ِّ‬
‫أعلم بتأويلِ ِه منكم"(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫أعلم الناس بفقه هذا الدين‪.‬‬
‫فالصحابة هم ُ‬
‫فاتباع الصحابة يقطع ما َّدة االبتداع يف الدين؛ ألنك تتبع المنهج األول قبل‬
‫ظهور الفتن‪.‬‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.2801 :‬‬
‫)‪ (2‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬ح‪ ،5811 :‬درجة الحديث‪ :‬حسن‪.‬‬
‫)‪ (3‬الصحيح المسند‪ ،‬ح‪.211 :‬‬

‫‪826‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نحينا فقه الصحابة‪ ،‬ومنهج الصحابة‪ ،‬وفهم الصحابة‪ ،‬لتأول الناس‬‫ولو َّ‬
‫القرآن بإخراجه عن معناه‪ ،‬وعن مراد الشرع‪.‬‬
‫ولذلك كان الهجوم على الصحابة هو مشروع التنويريين إلفساد دين الناس‪.‬‬
‫ومن أجل هذا عدَّ العلما ُء الطع َن يف أصحاب رسول اهلل ﷺ عالم َة أهل‬
‫بج ْرح رواهتا‪.‬‬
‫البدع والنفاق‪ ،‬الذين يريدون إبطال الشريعة َ‬
‫عن عبد اهلل ابن اإلمام أحمد قال‪" :‬سألت أبي عن الرجل شتم أصحاب‬
‫النبي ﷺ‪ .‬فقال‪ :‬ما أراه على اإلسالم"(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام مالك‪" :‬من انتقص أحدً ا من أصحاب النبي ﷺ فليس له يف هذا‬
‫حق‪ ،‬قد قسم اهلل الفيء يف ثالثة أصناف فقال‪:‬‬ ‫الفيء ٌّ‬
‫اج ِري َن‪ :‬وهذا هو الفيء األول‪.‬‬ ‫ل ِ ْل ُف َقر ِاء ا ْلم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ان مِن َق ْبلِ ِه ْم‪ :‬هذا هو الفيء الثاين‪.‬‬ ‫يم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا َّلذي َن َت َب َّو ُءوا الدَّ َار َو ْاإل َ‬
‫ِ‬ ‫ون ربنَا ا ْغ ِفر َلنَا و ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إل ْخ َواننَا ا َّلذ َ‬
‫ين َس َب ُقونَا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َوا َّلذي َن َجا ُءوا من َب ْعده ْم َي ُقو ُل َ َ َّ‬
‫اإليم ِ‬
‫ِ‬
‫ان‪ :‬وهذا هو الفيء الثالث"(‪.)2‬‬ ‫بِ ْ َ‬
‫والفيء الثالث هم أتباع منهج الصحابة‪.‬‬
‫رابع‪.‬‬
‫وال يوجد يف ٌء ٌ‬
‫حق‪.‬‬
‫فمن لم يتبع منهج الصحابة فليس له يف هذا الفيء ٌّ‬
‫والصحابة كلهم ُع ٌ‬
‫دول‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪ :‬الصحابة كلهم عدول‪َ ،‬من البس الفتن وغيرهم بإجماع‬
‫من ُيعتد به(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬السنة‪ ،‬الخالل ‪.025/1‬‬


‫)‪ (2‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر ج‪ 1‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )3‬التقريب والتيسير‪ ،‬ص‪.22‬‬

‫‪822‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وال يوجد أحد يطعن يف عدالتهم إال و َيضعف إيمانه وتصديقه بالنصوص‬
‫بقدر ما يطعن يف الصحابة‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪" :‬إن األُ َّمة ُمجمعة على تعديل جميع الصحابة‪ .‬ومن البس‬
‫الفتن منهم‪ :‬فكذلك؛ بإجماع العلماء الذين ُيعتد هبم يف اإلجماع‪ ،‬إحسانًا للظن‬
‫تمهد لهم من المآثر‪ ،‬وكأن اهلل ‪ ‬أتاح اإلجماع‬ ‫ونظرا إلى ما َّ‬
‫ً‬ ‫هبم‪،‬‬
‫ِ‬
‫الشريعة"(‪.)1‬‬ ‫على ذلك؛ لكوهنم نقل َة‬
‫بخ ٍير ما دا َم في ُكم َمن رأى َمن رآين‪،‬‬ ‫َ‬
‫تزالون َ‬ ‫وقد قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬واهللِ ال‬
‫صاح َبني"(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫وصاحب َمن‬
‫َ‬
‫اللهم ارزقنا ح َّبهم و ُنصرهتم آمين‪.‬‬

‫‪ -88‬ما معىن حديث اآلحاد‪ ،‬وما الفرق بينه وبني احلديث املتواتر؟‬

‫ج‪ :‬حديث اآلحاد هو ُّ‬


‫كل حديث عن النبي ﷺ رواه عد ٌد من الرواة يف كل‬
‫طبقة ال يصل إلى حد التواتر‪.‬‬
‫صحابي واحدٌ إلى عشرة من التابعين‪ ،‬ثم‬
‫ٌّ‬ ‫أن حدي ًثا عن النبي ﷺ رواه‬ ‫فلو َّ‬
‫سمى حديث آحاد‪.‬‬ ‫انتشر بين الناس‪ ،‬فهذا ُي َّ‬
‫سمى‬ ‫ِ‬
‫والحديث الذي رواه صحاب َّيان إلى مائة تابعي‪ ،‬ثم انتشر بين الناس‪ُ ،‬ي َّ‬
‫أيضا‪ :‬حديث آحاد‪.‬‬
‫ً‬
‫والحديث الذي يرويه ثالث ٌة من الصحابة إلى مئات التابعين‪ُ ،‬ي َّ‬
‫سمى حديث آحاد‪.‬‬
‫ون مِن ل ِ َسانِ ِه و َي ِد ِه"(‪.)3‬‬
‫فمثال حديث‪" :‬ا ْل ُم ْسلِ ُم َمن َسلِ َم ا ْل ُم ْسلِ ُم َ‬
‫ً‬

‫)‪ (1‬علوم الحديث‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫(‪ )2‬الصحيح المسند‪ ،‬ح‪.1215 :‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...11 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.01:‬‬

‫‪823‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هذا حديث رواه ثالثة من الصحابة عن النبي ﷺ إلى عدد كبير من التابعين‪.‬‬
‫ومع ذلك اسمه‪ :‬حديث آحاد‪.‬‬
‫والحديث الذي رواه أربعة من الصحابة إلى مئات التابعين‪ ،‬اسمه‪ :‬حديث آحاد‪.‬‬
‫كبير من الصحابة إلى جمع‬
‫جمع ٌ‬‫ٌ‬ ‫أما الحديث المتواتر فهو‪ :‬كل حديث رواه‬
‫كبير من التابعين‪.‬‬
‫بحيث يكون هناك جمع كبير من الرواة يف كل طبقة من السند‪ ،‬وهذا الذي‬
‫سمى بالمتواتر‪.‬‬
‫ُي َّ‬
‫والتفريق بين الحديث اآلحاد والحديث المتواتر هو تفريق اصطالحي‬
‫حديثي فقط‪.‬‬
‫فالسلف ال ُيفرقون بين متواتر وآحاد‪.‬‬
‫ُ‬
‫العمل به؛ سوا ًء رواه‬ ‫صح الحديث‪ ،‬وث َبت عن النبي ﷺ وجب‬ ‫فطالما َّ‬
‫صح الحديث‬ ‫ِ‬
‫صحابي واحدٌ أو صحاب َّيان أو ثالثة أو أربعة أو عشرة‪ ،‬طالما َّ‬
‫ٌ‬
‫ب العمل به يف العقائد واألحكام والتشريعات‪.‬‬
‫َو َج َ‬
‫ومتواتر‪ ،‬هو تقسيم اصطالحي لطالب علم الحديث‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فهذا التقسيم‪ :‬آحا ٌد‬
‫عالم واحدٌ من علماء الحديث على َّ‬
‫أن‪ :‬الحديث آحا ًدا‬ ‫يشذ ٌ‬‫فالكل يتفق وال ُّ‬
‫صح عن النبي ﷺ وجب العمل به‪.‬‬
‫متواترا طالما َّ‬
‫ً‬ ‫كان أو‬
‫بصدق الخرب وصحته‪ ،‬وليس بعدد من أخربك الخرب‪.‬‬‫فالعربة يف األخير ِ‬
‫ٍ‬ ‫يصح من أكثر من ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫يصح حديث من ٍ‬
‫مجهول‪.‬‬ ‫راو‬ ‫صادق َث ْبت‪ ،‬وال ُّ‬ ‫راو‬ ‫فقد ُّ‬
‫وسلِم الحديث من‬
‫فطالما اتصل السند‪ ،‬وث َبتت عدالة الراوي وضب ُط ُه‪َ ،‬‬
‫طريق أو ٍ‬
‫مائة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صحيحا‪ ،‬ووجب العمل به؛ سوا ًء جاء من‬ ‫الشذوذ والع َّلة صار‬
‫ً‬
‫شخص واحدٌ ثق ٌة صدوق‪،‬‬‫ٌ‬ ‫الحكم؛ إذ لو أتاك‬
‫واآلحاد حجة عقلية يف قبول ُ‬
‫ونقل لك خربًا رآه بعينه فهذا ُيو ِّلد عندك العلم الضروري‪ ،‬بينما لو أتاك أكثر من‬

‫‪824‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫شخص مجهول ال تعرفهم وأخربوك خربًا فقد ال يطمئن قل ُبك لما قالوا‪.‬‬
‫فالعربة ليست بالعدد‪ ،‬وإنما بالخرب الصادق‪.‬‬
‫والشريعة تقوم على حجية خرب اآلحاد‪ ،‬وأنه ُي ِ‬
‫لزم بالعلم والعمل م ًعا‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ﴾ [التوبة‪.]122 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫من ُك ِّل ف ْر َقة ِّمن ُْه ْم َطائ َفةٌ‪ :‬والطائفة تشمل ما دون المتواتر‪ ،‬وهبا يقع العلم ُ‬
‫والحجة‪.‬‬
‫رس ُل ُر ُس َل ُه آحا ًدا‪ ،‬و ُي ْر ِس ُل ُك ُت َب ُه مع اآلحاد‪ ،‬ولم يكن‬
‫رسول اهلل ﷺ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫الم ْر َس ُل إليهم يقولون‪ :‬ال نقبله؛ ألنَّه خرب واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫واألنبياء أتوا ُفرادى إلى أقوامهم‪.‬‬
‫سمع منَّا حدي ًثا فحف َظ ُه حتَّى ُيب ِّل َغ ُه َّ‬
‫فرب‬ ‫َ‬ ‫اهلل امر ًأ‬
‫وقال النبي ﷺ‪" :‬ن ََّض َر ُ‬
‫هو أف َق ُه منْ ُه"(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫حام ِل ف ْقه إلى َم ْن َ‬
‫دليل على حجية خرب الواحد‪ ،‬فالواحد الثقة الضابط للحديث‬ ‫وهذا الحديث ٌ‬
‫حجة‪.‬‬
‫فالحديث يحمله الواحد‪ ،‬و ُيب ِّلغه الواحد‪ ،‬وتقوم الحجة بالواحد‪.‬‬
‫الز َب ْي ُر‪ :‬أنَا"(‪.)2‬‬
‫قال ُّ‬ ‫وحديث‪َ " :‬من َي ْأتِينَا َ‬
‫بخ َب ِر ال َق ْومِ؟ َف َ‬
‫وكان هذا يوم األحزاب‪ ،‬فهنا اعتمد النبي ﷺ خرب الزبير‪ ،‬وهو خرب الواحد‪.‬‬
‫طالب على َجم ٍل وهو ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫بن أبي‬ ‫وحديث‪" :‬بينَما نحن ِ‬
‫علي ُ‬
‫ُّ‬ ‫إذا‬ ‫ًى‬ ‫ن‬ ‫بم‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫َّاس"(‪.)3‬‬ ‫أحدٌ ‪ ،‬ف َأ َ‬
‫سمع الن َ‬ ‫وش ٍ‬
‫رب‪ ،‬فال َيصو َم َّن َ‬ ‫إن هذه أ َّيا ُم ُط ْع ٍم ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫الناس أ ْم َر علي بن أبي طالب ‪ ،‬وهذا فيه حجية خرب الواحد‪ ،‬وقيام‬ ‫وهنا اتبع ُ‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.5881 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0115 :‬‬
‫)‪ (3‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬ح‪ ،620 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪825‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫العلم والعمل بخربه‪.‬‬


‫َ‬
‫المؤذن‪ ،‬وتعمل بخربه يف أهم شعيرة يف دينك‪ :‬الصالة‪.‬‬ ‫وأنت ُتصدِّ ق‬
‫وهذا خرب آحاد‪.‬‬
‫واألد َّلة يف هذا ال ُتحصى‪.‬‬
‫والنبي ﷺ كما ُق ُ‬
‫لت كان يرسل الواحد من صحابته يف تنفيذ أمره‪ ،‬أو إمارة‬
‫الناس‪ ،‬نياب ًة عنه أو قبض الزكاة‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫فاألمة ِ‬
‫مجمع ٌة على قبول خرب الواحد والعمل بخربه‪.‬‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫آت َف َ‬ ‫اء‪ ،‬إ ْذ جاء ُهم ٍ‬ ‫وانظر لحديث‪" :‬بينَما النَّاس يف ص َال ِة الصبحِ ب ُقب ٍ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اس َت ْقبِ ُل َ‬
‫وها‪،‬‬ ‫سول اهللِ ﷺ قدْ ُأن ِْز َل عليه ال َّل ْي َلةَ‪ ،‬وقدْ ُأمِ َر ْ‬
‫أن َي ْس َت ْقبِ َل ال َك ْع َبةَ‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َر َ‬
‫الق ْب َل ِة"(‪.)1‬‬
‫الش ْأمِ‪َ ،‬فاستَدَ اروا إلى ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫وه ُه ْم إلى َّ‬‫وكَان َْت ُو ُج ُ‬
‫فالصحابة عملوا بخرب الواحد واستداروا وهم يف صالهتم‪.‬‬
‫فمتى جاء الثقة بالخرب‪ :‬حصل العلم‪ ،‬ووجب العمل‪.‬‬
‫ب مِن َف ِض ِ‬
‫يخ‬ ‫أس ِقي أبا ُع َب ْيدَ ةَ‪ ،‬و َأبا َط ْل َحةَ‪ ،‬و ُأ َبي ب َن َك ْع ٍ‬
‫َّ‬ ‫وحديث أنس‪ُ " :‬كن ُْت ْ‬
‫الخ ْم َر قدْ ُح ِّر َم ْت‪َ ،‬‬
‫فقال أبو‬ ‫إن َ‬ ‫آت َف َق َال‪َّ :‬‬‫َز ْه ٍو و َتم ٍر‪( ،‬يشربون الخمر) َفجاء ُهم ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫فأه ِر ْقها‪ْ ،‬‬
‫فأه َر ْق ُتها"(‪.)2‬‬ ‫َط ْل َحةَ‪ُ :‬ق ْم يا أن َُس ْ‬
‫آت‪ :‬شخص واحد ثقة حصل به العلم‪ ،‬وأهرقوا الخمر‪.‬‬ ‫جاء ُهم ٍ‬
‫َ ْ‬
‫قال الشافعي‪ :‬خرب الواحد عن رسول اهلل ﷺ ُينتهى إليه‪ ،‬و ُيفتى به‪ ،‬و َيقب ُل ُه كل أحد(‪.)3‬‬
‫وعلى العمل بخرب الواحد التابعون كافة‪ ،‬ولم ينكر أحدٌ ذلك‪ ،‬وال اعرتض عليه(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...0020 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.328:‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...3362 :‬وصحيح مسلم‪.1261 ،‬‬
‫)‪ (3‬الرسالة للشافعي‪ ،‬ص‪.031‬‬
‫)‪ (4‬الكفاية يف علم الرواية‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪826‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫قال شيخ اإلسالم‪" :‬ما يرويه الواحد العدل يفيد العلم اليقيني عند جماهير‬
‫أمة محمد ﷺ من األولين واآلخرين‪ ،‬والسلف لم يكن بينهم يف ذلك نزاع"(‪.)1‬‬
‫فلم يظهر التكلم يف حجية خرب الواحد إال بين المبتدعة(‪.)2‬‬
‫فرقون بين الحديث المتواتر وبين خرب اآلحاد‪،‬‬ ‫السنة والجماعة ال ُي ِّ‬
‫وأهل ُّ‬
‫ٍ‬
‫سواء‪.‬‬ ‫ويحتجون بالمتواتر واآلحاد يف العقائد واألحكام على حدٍّ‬
‫ُّ‬
‫فإن جميع أهل اإلسالم كانوا على قبول خرب الواحد‬ ‫قال ابن حزم ‪َّ " :‬‬
‫الثقة عن النبي ﷺ"(‪.)3‬‬
‫صح عن رسول اهلل ﷺ ورواه ال ِّث ُ‬
‫قات‬ ‫الس ْم َعاين ‪َّ " :‬‬
‫إن الخرب إذا َّ‬ ‫وقال َّ‬
‫واألئِ َّمة‪ ،‬وأسندَ ه َخ َل ُفهم عن َس َل ِفهم إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وتل َّقته األُ َّمة بالقبول؛ فإنه‬
‫الع ْل َم‪ ،‬وأما من قال ال بد من طريق التواتر‪ ،‬فقائل ذلك يريد ر َّد األخبار"(‪.)4‬‬ ‫يوجب ِ‬

‫فلم يظهر إنكار حجية خرب اآلحاد كما قلت إال بين المبتدعة وهدفهم من‬
‫هذا ر ُّد السنة‪.‬‬
‫وهنا قد يسأل سائل‪ :‬لماذا يريد المبتدعة أن يهجروا السنَّة؟‬
‫والجواب‪ :‬ألنَّه إذا ُهجرت السنَّة وجد المبتدعة ميدانًا للكالم يف نصوص‬
‫الشرع وتأويلها َو ْفق أهوائهم‪.‬‬
‫وحاسم لكل من‬
‫ٌ‬ ‫قاطع لمادة البدعة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫صح عن النبي ﷺ هذا‬
‫رب َّ‬
‫فالتسليم بكل خ ٍ‬
‫يريد العبث يف دين اهلل‪.‬‬
‫فالسنة تقمع البدعة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫)‪ (1‬مختصر الصواعق المرسلة‪ ،‬ابن الموصلي‪ ،‬م‪ 2‬ص‪ 522‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )2‬فضل االعتزال‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫(‪ )3‬اإلحكام يف أصول األحكام‪.116/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬االنتصار ألصحاب الحديث‪ ،‬ص ‪.53-50‬‬

‫‪827‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أن التن ُّكر ألخبار اآلحاد هو بدعة إضافية‪ ،‬فالتشكيك‬


‫وال َيعرف أهل البدع َّ‬
‫يف حجية خرب اآلحاد هو قول ُمبتدَ ع ُم ْحدَ ث‪ ،‬ال أصل له يف الشريعة‪.‬‬
‫ليس فِ ِيه‪َ ،‬فهو َر ٌّد(‪.)1‬‬
‫ث يف َأ ْم ِرنَا هذا ما َ‬‫ويف الحديث المتفق على صحته‪َ :‬من َأ ْحدَ َ‬
‫النار"(‪.)2‬‬‫ضاللة يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بدعة ضاللةٌ‪َّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫كل ٍ‬ ‫فإنكار حجية خرب اآلحاد بدعة‪ ،‬و " َّ‬
‫فهذه بدعة إضافية عند المبتدعة‪.‬‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬خرب اآلحاد يفيد الظن؛ لذلك ما نأخذ به يف العقيدة‪.‬‬
‫الم ْر ُجوح‪ ،‬أو الظن الذي ال‬
‫والجواب‪ :‬الظن الذي ال ُيعتد به عقل ًّيا هو الظن َ‬
‫ُيفيد ِع ْل ًما‪.‬‬
‫وليست أحاديث اآلحاد من ذلك يف شيء‪.‬‬
‫علما‪ ،‬ال ُيؤخذ به ال يف األحكام وال يف‬
‫فهذا الظن المرجوح أو الذي ال يفيد ً‬
‫العقائد‪ ،‬أما خرب الواحد الصحيح الثابت فهذا قرين اليقين‪ ،‬فأحاديث اآلحاد‬
‫ليست من الظن المرجوح‪ ،‬وإنما من الظن الذي هو قرين اليقين؛ ولذلك ورد يف‬
‫القرآن التعبير عن اليقين بالظن من هذا النوع الذي هو قرين اليقين يف قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [الحاقة‪.]21 :‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [التوبة‪.]116 :‬‬
‫إذن فالقول باألخذ بخرب اآلحاد يف باب األحكام وتركه يف باب العقائد‪ ،‬هو‬
‫سقيم‪ ،‬ثم من أين لهم هبذا التقسيم؟‬ ‫ٌ‬ ‫بدعي‬
‫ٌّ‬ ‫قول‬
‫أين الدليل الذي ُي ْعتَدُّ به على َت ْرك العمل بحديث اآلحاد يف العقيدة؟‬
‫هل ث َبت ذلك بآية قرآنية أو حديث نبوي صحيح؟!‬
‫وهل ث َبت عن الصحابة ‪ ‬العمل بذلك أو التصريح به؟!‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2822 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1216 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪ 682 :‬باختالف يسير‪.‬‬

‫‪828‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫َ‬
‫أحاديث نبوية‪،‬‬ ‫وهل ثبت عن ٍ‬
‫أحد من الصحابة ر ُّد ما أخربه به أحدُ هم من‬ ‫َ‬
‫أمورا عقائدية؟‬
‫تتضمن ً‬
‫وهل فعل ذلك أحد من أئمة التابعين ومن بعدهم؟‬
‫الهدى َر َّد خرب الواحد الذي‬ ‫ٍ‬
‫ما من أحد من الصحابة أو التابعين‪ ،‬أو أئمة ُ‬
‫أمورا عقائدية؛ كانوا يتق َّبلون الخرب بال َقبول واليقين‪ ،‬طالما ث َب ْ‬
‫تت صحته‪.‬‬ ‫يتضمن ً‬
‫َّ‬
‫وهذا ورد يف نصوص كثيرة كأحاديث الرؤية ‪-‬رؤية اهلل يوم القيامة‪ -‬وتكليم اهلل‪،‬‬
‫ونزوله يف ثلث الليل األخير كل ليلة‪.‬‬
‫والنبي ﷺ قال‪َ " :‬ب ِّل ُغوا َعنِّي ولو آ َي ًة"(‪.)1‬‬
‫فمن الذي ُيبلغ اآلية؟‬
‫ويحص ُل‬
‫ُ‬ ‫الم َب َّلغ‪،‬‬
‫الحجة على ُ‬
‫َّ‬ ‫شخص واحدٌ هو َمن يقوم بالتبليغ‪ ،‬وتقوم به‬
‫ٌ‬
‫أن العلم والحجة ال تقوم بإخبار المب ِّلغ الواحد‪،‬‬
‫للم َب َّلغ بذلك العلم‪ ،‬وا ّدعاء َّ‬
‫ُ‬
‫فهذا يعني أن أمر النبي ﷺ بالتبليغ عنه ليس له معنًى‪.‬‬
‫فلو لم تقم الحجة بخرب الواحد لما أمر ﷺ بذلك‪.‬‬
‫يف أوقات مختلفة إلى‬ ‫وقد أرسل ﷺ عل ًّيا‪ ،‬ومعا ًذا‪ ،‬وأبا موسى ‪‬‬
‫اليمن؛ ُيب ّل ُغون عنه؛ و ُيع ِّل ُمون الناس الدين والعقيدة واألحكام‪.‬‬
‫أن العقيدة َت ْث ُبت بخرب الواحد‪ ،‬وتقوم به ُ‬
‫الح َّجة على‬ ‫دليل قاطِ ٌع على َّ‬
‫وهذا ٌ‬
‫بم ْف َر ِد ِه‪ ،‬وألرسل معه من َيتواتر به النقل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شخص ُ‬ ‫الناس‪ ،‬وإال ما اكتفى ﷺ بِ‬
‫ولذلك السلف أجمعوا على َقبول أحاديث اآلحاد يف العقائد‪ ،‬وإثبات‬
‫صفات الرب تعالى‪ ،‬واألمور الغيبية بخرب الواحد‪.‬‬
‫ثم ما الفرق بين تسليمك لخرب اآلحاد يف األحكام‪ ،‬ورفضه يف باب العقائد؟‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5081 :‬‬

‫‪829‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا هذا‪.‬‬


‫قال ابن القيم ‪" :‬وال يمتنع إثبات األسماء والصفات بحديث‬
‫اآلحاد؛ كما ال يمتنع إثبات األحكام الشرعية هبا‪ ،‬فما الفرق بين باب الشرع‬
‫حتج هبا يف أحدهما دون اآلخر‪ ،‬وهذا التفريق باطل‬ ‫وباب الخرب‪ ،‬بحيث ُي ُّ‬
‫ِ‬
‫الخ َب ِر َّيات‪ ،‬كما َت ُّ‬
‫حتج هبا يف‬ ‫بإجماع األمة‪ ،‬فإهنا لم َت َزل َت ُّ‬
‫حتج هبذه األحاديث يف َ‬
‫والسنة‬
‫أبواب الفقه‪ ،‬ولم يزل الصحابة‪ ،‬والتابعون‪ ،‬وتابعوهم‪ ،‬وأهل الحديث ُّ‬
‫يحتجون هبذه األخبار يف مسائل الصفات‪ ،‬والقدر‪ ،‬واألسماء‪ ،‬واألحكام‪ ،‬ولم‬
‫ُّ‬
‫ُينقل عن أحد منهم ألبتة أنه َج َّوز االحتجاج بخرب اآلحاد يف مسائل األحكام دون‬
‫األخبار عن اهلل وأسمائه وصفاته‪ ،‬فأين سلف المفرقين بين البابين؟"(‪.)1‬‬
‫و َت ْر ُك العمل بأحاديث اآلحاد يف العقائد هو تخطئ ٌة للسلف يف اعتقادها‪،‬‬
‫واتخاذها دينًا‪ ،‬وتخطئ ٌة إلجماع األمة‪ ،‬ومخالف ٌة لسبيل المؤمنين‪ ،‬ويكفي بذلك‬
‫فتنة يف الدين‪.‬‬
‫﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النساء‪.]113 :‬‬
‫والسنة‪ ،‬وإجماع الصحابة وسلف األمة‪ُّ ،‬‬
‫تدل‬ ‫فاألد َّلة ال ُتحصى من الكتاب ُّ‬
‫داللة قاطعة على وجوب األخذ بحديث اآلحاد يف كل أبواب الشريعة‪ ،‬سوا ًء‬
‫التفريق بينهما فبدع ٌة أحدثها‬
‫ُ‬ ‫أكان يف األمور االعتقادية أو األمور العملية‪ ،‬وأما‬
‫أهل األهواء من المبتدعة؛ ليردوا األدلة التي تنقض بدعهم‪ ،‬ولم ُينقل عن أحد‬
‫جوز االحتجاج بحديث اآلحاد يف مسائل األحكام دون‬
‫من سلف هذه األمة أنه َّ‬
‫اإلخبار عن اهلل وأسمائه وصفاته‪ ،‬بل ال ُيعرف خالف يف هذه المسألة عن أحد‬

‫)‪ (1‬الصواعق المرسلة‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ج ‪.012 / 2‬‬

‫‪830‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ممن ُيعتدُّ به من أهل العلم‪.‬‬


‫قال اإلمام ابن عبد الرب يف كتابه التمهيد‪" :‬وك ُّلهم يدين بخرب الواحد العدل‬
‫يف االعتقادات‪ ،‬ويعادي ويوالي عليها‪ ،‬ويجعلها شر ًعا ودينًا يف معتقده‪ ،‬على‬
‫السنَّة"(‪.)1‬‬
‫ذلك جميع أهل ُ‬
‫وقال اإلمام ابن القيم ‪َ " :‬و َأما ا ْلم َقام ال َّثامِ ُن‪َ :‬و ُه َو ان ِْع َقا ُد ْ ِ‬
‫اإل ْج َما ِع‬ ‫َّ َ ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الر ِّب َت َعا َلى بِ َها‪َ ،‬ف َه َذا‬‫ا ْل َم ْع ُلو ِم ا ْل ُم َت َي َّق ِن َع َلى َق ُبول َهذه ْاألَ َحاديث َوإِ ْث َبات ص َفات َّ‬
‫الص َحا َب َة ُه ُم ا َّل ِذي َن َر َو ْوا َه َذ ِه‬ ‫ول‪َ ،‬فإِ َّن َّ‬ ‫يه م ْن َل ُه َأ َق ُّل ِخ ْبر ٍة بِا ْلمنْ ُق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫َال َي ُش ُّك ف َ‬
‫ول َو َل ْم ُينْكِ ْر َها َأ َحدٌ مِن ُْه ْم َع َلى َم ْن‬ ‫ض بِا ْل َق ُب ِ‬‫اها َب ْع ُض ُه ْم َع ْن َب ْع ٍ‬ ‫يث َو َت َل َّق َ‬ ‫اد َ‬‫ْاألَح ِ‬
‫َ‬
‫آخ ِر ِه ْم‪َ ،‬و َم ْن َس ِم َع َها مِن ُْه ْم‬ ‫اها َعنْهم ج ِميع التَّابِ ِعين مِن َأول ِ ِهم إِ َلى ِ‬
‫َ ْ َّ ْ‬ ‫ُ ْ َ ُ‬ ‫َر َو َاها‪ُ ،‬ث َّم َت َل َّق َ‬
‫اها َع ِن التَّابِ ِعي َن ك ََذل ِ َك‬ ‫ول َوالت َّْص ِد ِيق َل ُه ْم‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْس َم ْع َها مِن ُْه ْم َت َل َّق َ‬ ‫اها بِا ْل َق ُب ِ‬‫َت َل َّق َ‬
‫ين َم َع التَّابِ ِعي َن"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َوك ََذل َك َتابِ ُع التَّابِع َ‬
‫ِ‬

‫ويف الواقع‪ :‬فالقول بأن حديث اآلحاد ال تث ُب ُت به عقيدة‪ ،‬هو قول يف حد ذاته‬
‫عقيدة‪ ،‬فما هو الدليل على صحته؟‬
‫فإما أن يأتوا بالدليل القاطع المتواتر على صحة هذا القول‪ ،‬وإال فهم‬
‫ُمتناقضون‪.‬‬
‫بدعي يخالف إجماع‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬ ‫وبنا ًء على ذلك‪َّ :‬‬
‫فإن ر َّد خرب اآلحاد يف العقائد‬
‫ٌّ‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو‪" :‬خرق إلجماع الصحابة المعلوم بالضرورة‬
‫وإجماع التابعين‪ ،‬وإجماع أئمة اإلسالم"(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬التمهيد‪.6/1 ،‬‬


‫(‪)2‬مختصر الصواعق المرسلة‪.‬‬
‫)‪ (3‬مختصر الصواعق المرسلة‪.581/2 ،‬‬

‫‪836‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُّ‬
‫‪ -89‬ما يه اإلشاكالت العقلية اليت تواجه منكري السنة؟‬

‫السنة‪ ،‬وهي إشكاالت ُتب ّين سخافة‬


‫ج‪ :‬هناك عدَّ ة إشكاالت تواجه منكري ُّ‬
‫ٍ‬
‫عقلية ُتفهم من دين اإلسالم‪.‬‬ ‫هذا الفكر ومخالفته لبديهيات القرآن‪ ،‬ولقطعيات‬
‫اإلشكال األول‪:‬‬
‫كيف كان النبي ﷺ وصحابته ُيص ُّلون إلى بيت المقدس لسنوات طويلة؟‬
‫فقد كانت قبلة المسلمين لسنوات طويلة نحو بيت المقدس‪ ،‬وهذا األمر لم‬
‫َي ِر ْد يف القرآن‪.‬‬
‫األمر بالصالة نحو بيت المقدس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لم يرد يف أي آية‬
‫أمرا نبو ًّيا‪.‬‬
‫فلم تكن الصالة نحو بيت المقدس إال ً‬
‫تحول القبلة من بيت المقدس‬
‫ولم يخرب القرآن يف هذا الخصوص إال بقصة ُّ‬
‫إلى الكعبة‪.‬‬
‫إذن السؤال لكل ُمنكِر للسنة‪ ...‬لكل متجاهل للخرب النبوي‪ ...‬لكل ُمش ِّكك يف‬
‫أي أساس كان الصحابة ُيص ُّلون لبيت المقدس؟‬
‫قيمة الحديث النبوي التشريعية‪ :‬على ِّ‬
‫وال يوجد جواب إال‪ :‬على أساس األمر النبوي‪ ،‬وهو الجواب الوحيد الصحيح‪.‬‬
‫فالصحابة كلهم ص َّلوا نحو بيت المقدس بأمر النبي ﷺ‪ ،‬وليس ٍ‬
‫بأمر َو َر َد يف‬
‫القرآن‪.‬‬
‫فالقرآن تحدَّ ث فقط عن تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [البقرة‪.]102 :‬‬
‫تحول المسلمون عن قبلتهم التي‬
‫سيتعجبون لماذا َّ‬
‫َّ‬ ‫الس َف َها ُء‪ :‬السفهاء‬ ‫َس َي ُق ُ‬
‫ول ُّ‬
‫تحولوا عن بيت المقدس‪.‬‬
‫كانوا عليها‪ ،‬لماذا َّ‬
‫وانظر لآلية التالية مباشر ًة وتدَ َّب ْرها جيدً ا‪:‬‬
‫ْ‬

‫‪832‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾‬
‫[البقرة‪.]105:‬‬
‫َو َما َج َع ْلنَا ا ْل ِق ْب َل َة ا َّلتِي ُك َ‬
‫نت َع َل ْي َها‪ :‬قبلة بيت المقدس‪.‬‬
‫﴿ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ ‪ :‬فالقبلة التي كان عليها النبي‬
‫ﷺ كانت واجب َة االتباع‪.‬‬
‫تمييزا لمن ي َّتبِع الرسول‪ ...‬يتبع ُّ‬
‫السنة‪ ،‬عمن ينقلب على عقبيه‪.‬‬ ‫وهذه القبلة كانت ً‬
‫مستقال‪ ،‬هو‬
‫ًّ‬ ‫إذن كل منكر للسنة‪ ،‬ومنكر لكون الحديث النبوي تشري ًعا‬
‫منقلب على عقبيه بصريح هذه اآلية‪.‬‬
‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾‬
‫[البقرة‪.]105:‬‬
‫التوجه ً‬
‫أوال إلى بيت المقدس‪ ،‬ثم‬ ‫ُّ‬ ‫يقول تعالى‪ :‬إنما شرعنا لك ‪-‬يا محمد‪-‬‬
‫حال من َيتَّبعك و ُيطيعك ويستقبل معك حيثما‬ ‫صر ْفناك عنها إلى الكعبة‪ ،‬ليظهر ُ‬
‫هت مِ َّمن ينقلب على َعق َب ْيه‪ ،‬أي‪ُ :‬م ْر َتدًّ ا عن دينه(‪.)1‬‬
‫توج َ‬
‫َّ‬
‫السنة‪ ،‬وال يعتربها وح ًيا إله ًّيا؟‬
‫أي تحذير إلهي أكثر من هذا لمن يرفض ُّ‬
‫ُّ‬
‫و ُتختم اآلية بقوله تعالى‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [البقرة‪.]105 :‬‬
‫فلن ُيض ِّيع اهلل إيمان َمن كان يصلي نحو بيت المقدس‪ ،‬ولم تقل اآلية‪ :‬وما‬
‫كان اهلل ليضيع صالتكم‪ ،‬وإنما قالت‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [البقرة‪.]105 :‬‬
‫ٌ‬
‫إيمان‪.‬‬ ‫فاتباع النبي ﷺ بالصالة نحو بيت المقدس هو‬
‫اإلشكال الثاين‪:‬‬
‫السنة‪ ،‬قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫من آيات القرآن التي تقطع بضالل مذهب ُمنكري ُّ‬
‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير لآلية‪.‬‬

‫‪833‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ﴾ [الحشر‪.]3 :‬‬


‫لم يأذن اهلل ‪ ‬يف آية واحدة من القرآن بقطع لينة ‪-‬نخلة‪ -‬أو تركها‪.‬‬
‫شق على‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬وحين َّ‬ ‫هو‬ ‫النضير‬ ‫بني‬ ‫غزوة‬ ‫يف‬ ‫النخيل‬ ‫بقطع‬ ‫فالذي َأ ِذ َ‬
‫ن‬
‫ُّ‬
‫قطع النخيل‪ ،‬أخرب اهلل ‪ ‬أنه ما ُقطعت من نخلة أو تركت فبإذن اهلل‪...‬‬ ‫اليهود ُ‬
‫بأمر اهلل‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [الحشر‪.]3 :‬‬
‫إذن البديهة القطعية المستفادة من هذه اآلية َّ‬
‫أن‪ :‬األمر النبوي بقطع النخيل‬
‫إلهي‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ﴾‪.‬‬
‫يف هذه الغزوة هو أمر ٌّ‬
‫إلهي‪.‬‬
‫وحي ٌّ‬
‫فاألمر النبوي هو ٌ‬
‫اإلشكال الثالث‪:‬‬
‫النبي ﷺ يف كثير من القضايا بالحديث النبوي‪ ،‬وألزم الناس بالحديث‬ ‫َ‬
‫َحك َم ُّ‬
‫النبوي‪ ،‬ووجبت طاعته بالحديث النبوي‪ ،‬وعقوبة المخالفة كانت لمن خالف‬
‫الحديث النبوي‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النساء‪.]83 :‬‬
‫شرعي موجود‬ ‫ٍ‬
‫لحكم‬ ‫ً‬
‫تنفيذا‬ ‫والذي قضى به النبي ﷺ يف هذه اآلية لم يكن‬
‫ٍّ‬
‫السنة النبوية يف قضية ُسقيا الزبير للماء‪.‬‬
‫الحكم كان من ُّ‬
‫يف القرآن‪ ،‬وإنما ُ‬
‫وأخرب القرآن أن اإلنسان ال يعد مؤمنًا لو لم يخضع لقضاء النبي ﷺ‪،‬‬
‫بالسنة وليس بالقرآن‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫وقضاؤه كان ُّ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾‬
‫[النساء‪.]83 :‬‬
‫فال بد من التسليم التام للحديث النبوي والرضا بأمر النبي ﷺ وإال ما‬
‫حصلوا اإليمان‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪834‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫السنة فكرة شا َّذة ليس لها َعالقة بالقرآن‪ ،‬وال بدين اإلسالم‪.‬‬
‫فإنكار ُّ‬
‫اإلشكال الرابع‪:‬‬
‫بالتأسي بالنبي ﷺ‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫ستثن أو ُيق ِّيد أو‬ ‫ّ‬ ‫القرآن الكريم ُيطلق األمر‬
‫خصص هذا التأسي‪ ،‬بل هو مطلق التأسي‪ ،‬ومطلق الطاعة‪ ،‬ومطلق االتباع‪،‬‬ ‫ُي ِّ‬
‫ومطلق التحذير من مخالفته ﷺ‪.‬‬
‫فلو كانت طاعة اهلل هي الطاعة الواجبة فقط‪ ،‬ل ُق ِّيد التأسي‪ ،‬و ُقيد األمر باتباع‬
‫النبي ﷺ بما يوافق فقط القرآن‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬إذن ال بد‬ ‫وبما َّ‬
‫أن القرآن هو الرسالة الوحيدة التي بين أيدي ُمنكري ُّ‬
‫أن ُيوضح القرآن بصورة قاطعة ال تحتمل الشك تقييدَ طاعة النبي ﷺ بحيث ال‬
‫ُيطاع إال فيما يأيت به القرآن الكريم‪ ...‬ال ُيطاع إال فيما وافق القرآن‪.‬‬
‫لكن المدهش َّ‬
‫أن عكس ذلك تما ًما يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫فقي القرآن ُمطلق األمر بالطاعة للنبي ﷺ‪ ،‬ومطلق األمر بالتأسي به وبال تقييد‪.‬‬
‫﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ﴾ [األحزاب‪.]21:‬‬
‫﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‬
‫[آل عمران‪.]51:‬‬
‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ﴾ [النساء‪.]61 :‬‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [النساء‪.]80 :‬‬
‫واآليات يف هذا كثيرة‪.‬‬
‫اإلشكال الخامس‪:‬‬
‫ص على كل جزئية من جزئيات الشريعة‬ ‫مِن المعلوم يقينًا َّ‬
‫أن اهلل ‪ ‬لم ينُ َّ‬
‫يف القرآن‪.‬‬

‫‪835‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وإنما القرآن ُمب ِّين لألصول والقواعد العامة‪.‬‬


‫فأركان الصالة‪ ،‬وواجباهتا‪ ،‬وسننها‪ ،‬وعدد الركعات‪ ،‬وعدد الصلوات نفسها‪،‬‬
‫ومواقيت الصلوات الخمس‪ ،‬وطريقة الصالة‪ُّ ،‬‬
‫كل هذا ال وجود له يف القرآن الكريم!‬
‫ثم أين يف القرآن صيغ ُة األذان؟‬
‫وأين يف القرآن أنصب ُة الزكاة؟‬
‫ُ‬
‫تفصيل مناسك الحج؟‬ ‫وأين يف القرآن‬
‫هناك آالف األحكام يف العقائد والعبادات والمعامالت واألخالق ال وجود‬
‫تفصيلي يف كتاب اهلل‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫لها‬
‫فالسنة ضرورة لتفصيل األحكام ببديهة القرآن‪.‬‬
‫ُّ‬
‫﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النحل‪.]00 :‬‬
‫بالسنة‪.‬‬ ‫فالنبي ﷺ ُيبين ِّ‬
‫الذكر‪ ...‬بماذا؟ ُّ‬
‫فالسنة بيان وتفصيل وتشريع ببديهة فهم القرآن‪ ،‬وضرورة تطبيق القرآن‪ ،‬وضرورة‬
‫إقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والحج وغير ذلك من أبواب العبادات والمعامالت‪.‬‬
‫وتطبيق ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السنة ضرورة لفهم القرآن‬
‫ُّ‬
‫اإلشكال السادس‪:‬‬
‫إلهي‪ ،‬فهذا واقع األمة عرب كل‬ ‫ٌّ‬ ‫وحي‬
‫ٌ‬ ‫واقع األمة ُمطبِق على أن ُ‬
‫السنَّة‬
‫إلهي‪ ،‬وهذا كان‬ ‫وحي‬ ‫نة‬ ‫الس‬
‫ُّ‬ ‫تاريخها‪ ،‬والنبي ﷺ كان ُيخاطِب الناس باعتبار َّ‬
‫أن‬
‫ٌّ‬ ‫ُّ‬
‫السنة فهم يعتربوهنا وح ًيا إله ًّيا‪ ،‬وكان هذا حال األمة عرب كل‬ ‫حال الصحابة مع ُّ‬
‫تاريخها مع السنة‪.‬‬
‫نضر اهلل امر ًأ س ِمع منَّا حدي ًثا ِ‬
‫فحف َظه‬ ‫ولذلك أوصى ﷺ بتبليغ ُسنته للناس‪َّ " :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫أحفظ له من سام ٍع"(‪.)1‬‬ ‫حتى ُي َب ِّل َغ ُه ُفر َّب ُمب َّل ٍغ‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫‪836‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فلماذا يأ ُم ُر ﷺ بتبليغ ُسنته للناس‪.‬‬


‫ُ‬
‫أحفظ له من سامعٍ‪.‬‬ ‫ولماذا يقول‪ُ :‬ر َّب ُمب َّل ٍغ‬
‫السنة فيها فقه س ُيستنبط و ُيطبق‪.‬‬
‫أليس يف هذا دليل أن ُّ‬
‫السنة ُحجة شرعية َتث ُب ُت هبا األحكام وفقه الدين‪.‬‬
‫وهذا ال يكون إال لو كانت ُّ‬
‫سر ُد ُه َسر ًدا"(‪.)1‬‬
‫النبي ﷺ ُيكرر الحديث "وال َي ُ‬
‫ثم السؤال الثاين‪ :‬لماذا كان ُّ‬
‫كان ﷺ يفعل ذلك حتى ُيساعد الصحابة على حفظ الحديث‪ ،‬وضبط لفظ‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ثم السؤال الثالث‪ :‬لماذا كان النبي ﷺ يضرب األمثلة يف شرحه؟‬
‫لماذا كان يستعمل الوسائل التوضيحية مثل‪ :‬تشبيك األصابع‪ ،‬واإلقران بين‬
‫الس َّبابة والوسطى‪ ،‬والرسم‪ ،‬لبيان المعاين الشرعية؟‬
‫لماذا يفعل كل هذا إذا كان الحديث النبوي ليست له قيمة تشريعية؟‬
‫لماذا كان الصحابة يحفظون الحديث زمن النبي ﷺ؟‬
‫قال أنس بن مالك ‪" :‬كنا نكون عند النبي ﷺ فنسمع منه الحديث‪ ،‬فإذا‬
‫قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه"(‪.)2‬‬
‫وكان أبو هريرة ‪ُ ‬ي ِّ‬
‫خصص ُث ُلث الليل؛ لحفظ أحاديث رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫لماذا هذا الحرص على حفظ الحديث؟‬
‫حذر النبي ﷺ يف الحديث المتواتر من الكذب عليه‪،‬‬ ‫ثم سؤال آخر‪ :‬لماذا َّ‬
‫فقال‪َ " :‬من ك ََذ َب َع َلي ُم َت َع ِّمدً ا‪َ ،‬ف ْل َي َت َب َّو ْأ َم ْق َعدَ ُه مِ َن الن ِ‬
‫َّار"؟(‪)3‬‬
‫َّ‬
‫متواتر‪ ،‬رواه مائتا صحابي‪ ،‬فلماذا النبي ﷺ يحذر ُأ َّمته أشدَّ‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا الحديث‬

‫(‪ )1‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،23122 :‬درجة الحديث‪ :‬حسن‪.‬‬


‫(‪)2‬الجامع ألخالق الراوي‪ ،‬الخطيب البغدادي ‪.585-1‬‬
‫(‪)3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1221 :‬‬

‫‪837‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫التحذير من الكذب عليه؟‬


‫لماذا ُي ِّ‬
‫حذر أمته من افرتاء أي حديث عليه؟‬
‫السنة ليست لها ُحجية‪ ،‬لماذا هذا التحذير الشديد والوعيد بالنار؟‬ ‫لماذا طالما َّ‬
‫أن ُّ‬
‫ثم كيف تشتمل كثير من األحاديث على أمور غيبية‪ :‬أحاديث تتك َّلم عن‬
‫أمور غيبية؟‬
‫وحي يوحى‪ ،‬وإال فكيف علم‬
‫ٌ‬ ‫السنة‬
‫ورود أمور غيبية يف األحاديث دليل أن ُّ‬
‫النبي ﷺ هبذه األمور الغيبية إن لم تكن وح ًيا من اهلل؟‬
‫ٍ‬
‫إشكاالت ال حصر لها‪.‬‬ ‫فإنكار السنة يطرح‬
‫اإلشكال السابع‪:‬‬
‫كيف أجمعت األُ َّمة عرب كل تاريخها على بديهة اعتبار الحديث هو المصدر‬
‫الثاين للتشريع‪ ،‬فحرصت األمة على نقل الحرف من فمه ﷺ‪ ،‬حرصت على‬
‫ضبط كل حرف خرج من فمه الشريف؟‬
‫كيف أطبقت األمة على العمل بالسنة والقطع بحجيتها‪ ،‬ولم ِ‬
‫يش َّذ يف هذا شخص‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫واحد من سلف هذه األمة‪ ،‬ولم َّ‬
‫يشذ يف هذا صحابي واحد‪ ،‬أو تابعي واحد‪ ،‬أو أحد‬
‫من تابعي التابعين‪ ،‬فالكل ُمطبِق على كون ُّ‬
‫السنة هي المصدر الثاين للتشريع؟‬
‫كيف ُيطبِق سلف هذه األمة على هذه البديهة؟‬
‫كيف ُيطبِق خير هذه األمة‪ :‬الصحابة على اعتبار ُّ‬
‫السنة المصدر الثاين‬
‫للتشريع وهم الذين زكَّاهم اهلل يف كتابه؟‬
‫الصحابة هم أفهم الناس لدين اهلل‪ ،‬وأعلمهم بمراد الشرع‪ ،‬وأتقاهم هلل‪،‬‬
‫كيف أطبقوا على التسليم بكون الحديث هو المصدر الثاين للتشريع؟‬
‫واآلن سؤالي‪ :‬ما هو الفرق بين ُمنكِر السنة الذي ال يريد أن يسمع شي ًئا من‬
‫النبوة؟‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬ويقول‪ :‬عندي القرآن وكفى‪ ،‬وبين المنافقين يف عهد َّ‬

‫‪838‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫المنافقون كذلك لم يكونوا يريدون االستماع للنبي ﷺ‪﴿ :‬ﮞ ﮟ‬


‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [المائدة‪.]01:‬‬
‫َل ْم َي ْأ ُت َ‬
‫وك‪ :‬ال يأتون للنبي ﷺ‪.‬‬
‫هم ال يحتاجونه‪.‬‬
‫فالسؤال‪ :‬ما الفرق بين ُمنكِر السنة وبين المنافق الذي يرفض المجيء للنبي ﷺ؟‬
‫فالمنافق يزعم أنه يطيع اإلسالم بلسانه‪ ،‬لكنها يف الواقع طاعة كاذبة‪:‬‬
‫﴿ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [النور‪.]35 :‬‬
‫اهلل يقول لهم‪﴿ :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ فهذه طاعة باللسان فقط‪ ،‬وليست‬
‫بالقلب‪ ...‬طاعة منافق‪ ،‬وليس طاعة مسلم‪.‬‬
‫السنة‪.‬‬
‫للسنة من منكر ُّ‬
‫توقيرا ُّ‬
‫ً‬ ‫إن المنافق أكثر‬ ‫لكن من باب اإلنصاف نقول‪َّ :‬‬
‫َو َأ ْق َس ُموا بِال َّل ِـه َج ْهدَ َأ ْي َمانِ ِه ْم َلئِ ْن َأ َم ْر َت ُه ْم َل َي ْخ ُر ُج َّن‪ :‬لئن أمرهم النبي ﷺ بأي‬
‫أمر سينفذون أمره‪.‬‬
‫علي أمر‪.‬‬ ‫ُ ِّ‬
‫لكن منكر السنة سيقول للنبي ﷺ‪ :‬ال أسلم بحديثك‪ ،‬وليس لك َّ‬
‫السنة‪.‬‬
‫توقيرا للنبي ﷺ من ُمنكر ُّ‬
‫ً‬ ‫للسنة‪ ،‬وأكثر‬
‫فالمنافق أكثر احرتا ًما ُّ‬
‫وهنا لو انتبهت يف اآلية السابقة ستجد أن اتباع السنة بديهة واجبة عند كل‬
‫َمن يزعم أنه مسلم‪َ ( :‬لئِ ْن َأ َم ْر َت ُه ْم َل َي ْخ ُر ُج َّن) فهذا مقتضى حال المسلم‪ ،‬وبديهة‬
‫بنبوة النبي ﷺ‪.‬‬
‫من بديهيات تسليمه َّ‬
‫اإلشكال الثامن‪:‬‬
‫المشكلة األكرب يف إنكار السنة أنَّها َّبوابة اإللحاد يف الدين‪.‬‬
‫شخصا قال‪ :‬الصالة هي أن تتصل باهلل بمجرد النظر للسماء‪،‬‬
‫ً‬ ‫فلو افرتضنا َّ‬
‫أن‬
‫وليس هناك ركوع‪ ،‬وال سجود‪ ،‬وال فروض‪ ،‬وال ُظهر‪ ،‬وال عصر‪ ،‬وال مغرب‪.‬‬

‫‪839‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هنا لن يجد منكر السنة أمام هذا اإللحاد يف الدين أي ٍ‬


‫نقد أو ر ٍّد‪.‬‬ ‫َّ‬
‫دليال على تخطئة هذا اإللحاد‪.‬‬
‫ألنه لن يملك ً‬
‫ولن يجد يف القرآن ما ُيسعفه من رد هذا اإللحاد‪.‬‬
‫لذلك فإنكار السنة هو َّبوابة النفاق واإللحاد‪ ،‬وهو بنفسه يؤدي إلى النفاق‬
‫واإللحاد‪ ،‬وهو مدخل المنافقين والملحدين يف الدين‪.‬‬
‫شباب ُأمتنا من هذا الزيغ والضالل‪.‬‬
‫َ‬ ‫س َّلم اهلل‬

‫‪ -90‬لكن اهلل ‪ ‬يقول‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [األنعام‪]38 :‬‬


‫ُّ‬
‫فالقرآن فيه لك يشء‪ ،‬فما حاجتنا للسنة؟‬

‫ج‪ :‬دعنا نقرأ اآلية كاملةً‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬


‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [األنعام‪.]56 :‬‬
‫الكتاب بنص اآلية هو‪" :‬اللوح المحفوظ"‪ ،‬فاللوح المحفوظ فيه خرب كل‬
‫دابة‪ ،‬وكل مخلوق‪ ،‬فهل يف القرآن خرب كل دابة وكل مخلوق؟‬
‫الجواب‪ :‬ال‪.‬‬
‫فـ"الكتاب" يف اآلية هو‪ :‬اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫لكن قد يسأل سائل ويقول‪ :‬وماذا عن قوله تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [النحل‪]62 :‬؟‬
‫والجواب‪ :‬القرآن دستور كامل يأيت بالقواعد الكلية‪ ،‬أما التفاصيل لهذه‬
‫القواعد ف ُيحال فيها للحديث‪.‬‬
‫المشرعون عرب العالم‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن‪ :‬الدستور قواعد‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وهناك بديهة يعرفها‬
‫وليس قوانين‪.‬‬
‫مفسرة‪.‬‬
‫يصح أن يكون يف الدستور مواد ِّ‬
‫يقول المشرعون‪ :‬ال ُّ‬

‫‪840‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فالتفسير يكون يف كتب القانون‪.‬‬


‫والسنة فـ‪ :‬القرآن دستور‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ولكالم اهلل المثل األعلى‪ ،‬فهذا حال الكتاب‬
‫فسرة للقواعد الكلية يف القرآن‪.‬‬
‫والسنة ُم ِّ‬
‫ُّ‬
‫أن‪ :‬القرآن لم ترد فيه ُّ‬
‫كل جزئية من جزئيات‬ ‫ثم إنَّه من المعلوم يقينًا َّ‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫تقرير وجوهبا‪ ،‬واألمر بحسن أدائها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فليس يف القرآن من أحكام الصالة إال‬
‫األمر بأدائها‪ ،‬وبيان مصارفها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وليس يف القرآن من أحكام الزكاة إال‬
‫والكالم نفسه بالنسبة للحج والصيام‪.‬‬
‫وسننها‪ ،‬وعدد‬
‫أما كيفية إقامة الصالة‪ ،‬وأركان الصالة‪ ،‬وواجباهتا‪ُ ،‬‬
‫الركعات‪ ،‬وعدد الصلوات‪ ،‬ومواقيت الصلوات‪ ،‬وكيفية السجود والركوع‪،‬‬
‫السنة فقط‪.‬‬
‫فكل هذه األمور ال وجود لها يف القرآن الكريم‪ ،‬وإنما هي يف ُّ‬
‫وقل الشيء نفسه يف أركان اإلسالم األخرى‪.‬‬
‫َ‬
‫األصول والقواعد‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫مدار الدين ُيب ِّين فيها‬
‫ُ‬ ‫فكل األحكام التي عليها‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫العامة‪ ،‬بينما التفاصيل تكون يف ُّ‬
‫وجه آخر‪ ،‬فهو تبيان للقواعد العامة‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫والقرآن تبيان لكل شيء من ٍ‬

‫نفسه تبيان لطريق اإلحالة لفهم هذه القواعد وتطبيقها‪:‬‬


‫تبيان للقواعد العامة‪﴿ :‬ﯓ ﯔ﴾ [البقرة‪.]111 :‬‬
‫وتبيان لطريق اإلحالة لفهم وتطبيق وتفسير كيف نقيم الصالة‪ :‬باإلحالة إلى‬
‫الطريق الذي ُتعرف به تفاصيل األحكام‪.‬‬
‫السنة لمعرفة تفاصيل األحكام‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫فهو ُيحيل إلى ُّ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النحل‪.]00 :‬‬
‫فالقرآن يحيل إلى السنة المب ِّينَة‪.‬‬

‫‪846‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫للسنة حتى تعرف تفاصيل وكيفية‬


‫فالقرآن يأمرك بإقامة الصالة‪ ،‬ويحيلك ُّ‬
‫إقامة الصالة‪.‬‬
‫إذن هبذا يكون القرآن تبيانًا لكل شيء فهو‪ :‬تبيان للقواعد العامة‪ ،‬وتبيان‬
‫لطريق اإلحالة الذي تفهم به كيف تقيم الصالة‪.‬‬
‫سول اهللِ ﷺ ب ْي َن َأ ْظ ُه ِرنَا‪َ ،‬وعليه َين ِْز ُل‬ ‫ور ُ‬
‫وكما قال جابر بن عبد اهلل ﭭ‪َ " :‬‬
‫ٍ‬
‫شيء َع ِم ْلنَا ِبه"(‪.)1‬‬ ‫ف َت ْأ ِوي َل ُه‪َ ،‬وما َع ِم َل به مِن‬
‫آن‪َ ،‬وهو َي ْع ِر ُ‬
‫ال ُق ْر ُ‬
‫ف َت ْأ ِوي َل ُه) يف مناسك هذا الدين‪.‬‬
‫فهو ﷺ يبين لهم التطبيق العملي‪َ ( :‬ي ْع ِر ُ‬
‫للسنة التي فيها تفصيل القواعد‪.‬‬
‫إذن فالقرآن يحيل ُّ‬
‫وهنا قد ُيطرح سؤال يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [العنكبوت‪ ،]31 :‬فيقول السائل‪ :‬إذن فالقرآن ٍ‬
‫كاف؟‬
‫والجواب‪ :‬لنقرأ اآلية واآلية التي قبلها‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [العنكبوت‪.]31 :‬‬
‫نبوتِ ِه ﷺ‪ ،‬فأخربهم اهلل ‪ ‬بأعظم‬
‫كان الكفار يريدون آي ًة على صدق َّ‬
‫آية‪ ،‬وهي هذا الكتاب ‪-‬القرآن الكريم‪ -‬أال يكيفهم هذا الكتاب المعجز‬
‫بتشريعاته ومعناه وقصصه‪ ،‬والمعجز بلفظه‪ ،‬والمعجز بدقائق أخباره‪ ،‬والمعجز‬
‫لوجدان كل إنسان على ٍ‬
‫حدة بحسب همه‬ ‫ِ‬ ‫بلهفة القلوب إليه‪ ،‬والمعجز بخطابه‬
‫وما يشغله‪ ،‬ألم يكفهم هذا القرآن الذي نزل على رجل ُأمي يرعى الغنم على‬
‫قراريط ألهل مكة‪ ،‬ألم يكفهم كآية على صحة هذا الدين؟‬
‫السنة‪.‬‬ ‫فهذا هو تفسير اآلية‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن القرآن يغني عن ُّ‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1216 :‬‬

‫‪842‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫‪ -96‬كيف تؤمنون بعذاب القرب وعذاب القرب لم يرد يف القرآن؟‬

‫ٌّ‬
‫مستقل كالقرآن‪.‬‬ ‫تشريع‬
‫ٌ‬ ‫فصلنا هي‬
‫السنة كما َّ‬ ‫ج‪ً :‬‬
‫أوال‪ُّ :‬‬
‫ٌّ‬
‫مستقل ليس يف القرآن‪.‬‬ ‫السنة النبوية حكم شرعي‬
‫فقد يرد يف ُّ‬
‫وعذاب القرب ونعيمه وردت فيه أحاديث متواترة‪.‬‬
‫أحاديث عذاب القرب‪ ،‬ومسألة ُمن َكر‬
‫ُ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬فأما‬
‫النبي ﷺ(‪.)1‬‬
‫ونكير‪ ،‬فكثيرة متواترة عن ِّ‬
‫ومثال ذلك ما يف الصحيحين‪:‬‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ َّ ِ ُ ِ ِ َ َ‬ ‫مر النبي ﷺ ِ ٍ َ ِ‬
‫بحائط ف َسم َع َص ْو َت إن َْسا َن ْين ُي َعذ َبان يف ق ُبوره َما‪ ،‬فقال ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُّ‬
‫ان يف َكبِ ٍير(‪.)2‬‬ ‫ان‪ ،‬وما يع َّذب ِ‬ ‫يع َّذب ِ‬
‫َُ َ‬ ‫َُ َ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم إنِّي‬ ‫ويف صحيح مسلم‪ :‬إِ َذا َت َش َّهدَ َأ َحدُ ُك ْم َف ْل َي ْست َِع ْذ باهللِ مِن َأ ْر َب ٍع َي ُق ُ‬
‫ات‪َ ،‬ومِ ْن‬ ‫اب ال َقب ِر‪ ،‬ومِن فِ ْتن َِة المحيا وا ْلمم ِ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫اب َج َهن ََّم‪َ ،‬وم ْن َع َذ ِ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫َأ ُعو ُذ بِ َك مِن َع َذ ِ‬
‫ال(‪.)3‬‬ ‫َشر فِ ْتن َِة الم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫أيضا‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬ف َل ْو َال َأ ْن ال َتدَ ا َفنُوا‪َ ،‬لدَ َع ْو ُت‬ ‫مسلم ً‬ ‫ٍ‬ ‫ويف صحيح‬
‫قال‪:‬‬‫اب ال َق ْب ِر الذي َأ ْس َم ُع منه ُث َّم َأ ْق َب َل َع َل ْينَا َبو ْج ِه ِه‪َ ،‬ف َ‬ ‫اهلل َأ ْن ُي ْس ِم َع ُك ْم مِن َع َذ ِ‬
‫َ‬
‫قال‪َ :‬تعو ُذوا باهللِ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار‪ ،‬قالوا‪َ :‬ن ُعو ُذ باهلل من َع َذ ِ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت َع َّو ُذوا باهلل من َع َذ ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ف َ َ َّ‬
‫اب ال َق ْب ِر(‪.)4‬‬ ‫اب ال َق ْب ِر‪ ،‬قالوا‪َ :‬ن ُعو ُذ باهللِ مِن َع َذ ِ‬ ‫مِن َع َذ ِ‬
‫ثبوت عذاب القرب ونعيمه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األخبار عن رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫فقد تواترت‬
‫ُ‬
‫وقوف‬
‫ٌ‬ ‫فيجب اعتقا ُد ذلك‪ ،‬واإليمان به‪ ،‬وال نتك َّلم عن كيفيته؛ إذ ليس للعقل‬

‫)‪ (1‬مجموع الفتاوي‪ ،‬م ‪ 0‬ص ‪.263‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.218 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.366 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2682 :‬‬

‫‪843‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫على كيفيتِه؛ لكونه ال عهدَ له يف هذه الدار(‪.)1‬‬


‫مستحق للعذاب ُي َّ‬
‫عذب‪ ،‬سوا ًء ُدفن أو لم ُيدفن‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫وكل َمن مات وهو‬ ‫ُّ‬
‫حق‪.‬‬
‫فعذاب القرب ونعيمه ٌّ‬
‫أيضا بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫ثابت ً‬
‫بالسنة المتواترة بل هو ٌ‬
‫ثان ًيا‪ :‬عذاب القرب لم يثبت فقط ُّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [غافر‪.]08 :‬‬
‫ٌ‬
‫حاصل قبل يوم القيامة بظاهر اآلية بال شك‪.‬‬ ‫عذاب‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫أيضا قوله تعالى‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ومن األدلة ً‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬
‫ﯽ ﯾ﴾ [الطور‪.]02 -03 :‬‬
‫روى الطربي عن ابن ع َّباس يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾‬
‫ِ‬
‫عذاب يو ِم القيامة‪.‬‬ ‫عذاب القرب قبل‬
‫ُ‬ ‫[الطور‪ ]02 :‬قال‪ :‬هو‬
‫وهنا قد يسأل سائل فيقول‪ :‬لكن اهلل ‪ ‬يخرب عن الكافرين يوم القيامة‬
‫أهنم سيقولون‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [يس‪.]32 :‬‬
‫الجواب‪ :‬وهل نحن أنكرنا أننا سنُبعث يوم القيامة من مرقدنا؟‬
‫هذا ال ينفي عذاب القرب‪.‬‬
‫وعذاب القرب بالنسبة ألهوال القيامة كأنه راحة‪ ...‬كأنه مرقدٌ ‪.‬‬
‫أيضا ال ننسى أننا بين النفختين سنرقد‪.‬‬
‫ً‬
‫سرتقد كل مخلوقات اهلل ‪ ‬قبل أن ُتبعث يوم القيامة‪.‬‬
‫فإذا ُنفخ النفخة الثانية خرج الجميع إلى محشرهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬ابن أبي العز الحنفي‪ ،‬ثبوت عذاب القرب ونعيمه‪.‬‬

‫‪844‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫سيم ُّر‬
‫ستم ُّر سري ًعا‪ ،‬كما ُ‬ ‫وهنا أو ُّد أن ُأ ِّ‬
‫بشر المؤمنين بأن حياة المؤمن يف قربه ُ‬
‫عليه يوم القيامة سري ًعا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ﴾ [الفرقان‪.]20:‬‬
‫فالحساب ينقضي يف نصف هنار قبل وقت المقيل‪.‬‬
‫قبل وقت القيلولة سيكون أهل الجنة على ُس ُررهم متقابلين‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يجعلنا معهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫والعصر"(‪.)1‬‬ ‫وقال النبي ﷺ‪" :‬يو ُم القيا َم ِة على المؤمني َن ك َقدْ ِر ما بي َن ال ُّظ ِ‬
‫هر‬
‫‪ -92‬ما ُّ‬
‫رس األحاديث الكثرية اليت رواها أبو هريرة؟‬

‫والسنة كما يقول الذهبي‪.‬‬ ‫ج‪ :‬أبو هريرة ‪ ‬كان ً‬


‫رأسا يف القرآن ُّ‬
‫الحفاظ األثبات‪ ...‬أين مثل أبي هريرة يف‬
‫قال الذهبي‪" :‬أبو هريرة سيد ُ‬
‫وس َعة علمه‪.‬‬
‫حفظه‪َ ،‬‬
‫إليه المنتهى يف حفظ ما سمعه من الرسول ﷺ‪ ،‬وأدائه بحروفه"(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫أحفظ َمن روى الحديث يف دهره‪.‬‬ ‫وقال عنه الشافعي‪ :‬أبو هريرة‬
‫عة علمه ينزل الحسين بن علي ﭭ عند رأيه(‪.)3‬‬ ‫وكان لس ِ‬
‫َ‬
‫والسر يف فقه أبي هريرة وحفظِ ِه لهذا العدد من األحاديث أنه كان َ‬
‫ألز َم‬ ‫ُّ‬
‫يد ِه يدور معه حيث دار‪ ،‬إلى أن مات ﷺ‬
‫الصحابة لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فكانت يدُ ه مع ِ‬
‫ُ‬
‫ولذلك ك ُثر حديثه‪.‬‬
‫قال عبد اهلل بن عمر بن الخطاب كما ورد يف صحيح سنن الرتمذي‪" :‬يا أبا‬

‫)‪ (1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.6125 :‬‬


‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء م‪ 2‬ص‪ 22‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (3‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬م‪ 5‬ص‪.21‬‬

‫‪845‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫لرسول اهللِ ﷺ‪ ،‬وأح َف َظنا لحديثِه"(‪.)1‬‬


‫ِ‬ ‫أنت ُكن َْت َ‬
‫ألز َمنا‬ ‫ُه َريرةَ‪َ ،‬‬
‫فهذا شهادة من الصحابي الجليل عبد اهلل بن عمر يف حق أبي هريرة ﭭ‪.‬‬
‫ففي السنوات األربع األخيرة للنبي ﷺ كان أبو هريرة مالز ًما لرسول اهلل ﷺ‬
‫مالزم ًة تا َّمةً‪ ،‬كما يقول ابن حجر‪" :‬كان يدور معه‪ ،‬ويدخل بيته‪ ،‬ويحج ويغزو‬
‫معه‪ ،‬يرافقه يف حله وترحاله‪ ،‬يف ليله وهناره حتى حمل عنه العلم الغزير‪ ،‬وصار‬
‫مرجع الناس‪ ،‬ومرجع الصحابة يف الفتيا بعد وفاة النبي ﷺ"(‪.)2‬‬
‫وقد َروى عن أبي هريرة حوالي ثمانية وعشرين صحاب ًّيا؛ وهذا لثقتهم يف‬
‫علمه‪ ،‬و ُقربه من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد روى عنه زيد بن ثابت‪ ،‬وأبو أيوب األنصاري‪،‬‬
‫وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبير‪ ،‬و ُأبي بن كعب‪ ،‬وجابر بن‬
‫يره ُم الكثير ‪ ،‬كما روى عنه وتتلمذ‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وغ ُ‬
‫عليه مئات من التابعين‪ ،‬فقد روى عنه من التابعين حوالي ثمانمائة تابعي‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬روى عنه ثمانمائة نفس أو أكثر(‪.)3‬‬
‫وأيضا ما م َّيز أبي هريرة ‪ ‬أنَّه تأخرت وفاته‪ ،‬واحتاج الناس إلى علمه‪،‬‬
‫ً‬
‫حيث إنَّه عاش إلى ما بعد الخمسين من الهجرة‪ ،‬فأقبل عليه طالب العلم‪.‬‬
‫أيضا ُق َّوة حفظه‪.‬‬
‫وما م َّيزه ً‬
‫وقوة حفظ أبي هريرة كانت بربكة النبي ﷺ حين قال أبو هريرة‪ُ " :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا‬
‫أس َم ُع مِن َْك َح ِدي ًثا كَثِ ًيرا أن َْسا ُه؟ َق َال‪ :‬ا ْب ُس ْط ِر َدا َء َك َف َب َس ْط ُت ُه‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ر َ ِ‬
‫سول اهلل‪ ،‬إنِّي ْ‬ ‫َ‬
‫ف ب َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ :‬ض َّم ُه َف َض َم ْم ُت ُه‪َ ،‬فما ن َِس ُ‬
‫يت شي ًئا َب ْعدَ ُه"(‪.)4‬‬ ‫َف َغ َر َ‬

‫)‪ (1‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.5658 :‬‬


‫(‪ )2‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.055‬‬
‫)‪ (3‬الذهبي‪ :‬تذكرة الحفاظ م‪ 1‬ص‪ .58‬وابن حجر‪ :‬اإلصابة م‪ 0‬ص ‪.213‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.112 :‬‬

‫‪846‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫رسول اهللِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫نسى‪ ،‬فقال‬ ‫قائال‪ :‬أسأ ُلك ع ً‬
‫لما ال ُي َ‬ ‫وذات يو ٍم دعا أبو هريرة ر َّبه ً‬
‫اهلل عليه وآلِه وس َّلم‪ :‬آمين(‪.)1‬‬
‫ص َّلى ُ‬
‫خصص ُث ُلث الليل‬ ‫َ‬
‫أحفظ الناس لحديث رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان ُي ِّ‬ ‫فكان ‪‬‬
‫لحفظ أحاديث النبي ﷺ‪.‬‬
‫وهنا السؤال المهم‪ :‬كم عدد األحاديث التي رواها أبو هريرة ‪‬؟‬
‫والجواب‪ :‬عدد األحاديث التي رواها أبو هريرة بغير المكرر هي‪ 1558 :‬حدي ًثا‪.‬‬
‫ب على إنسان حفظه‪.‬‬
‫وهذا ال يص ُع ُ‬
‫بل هذا العدد من األحاديث يحفظه طالب العلم يف ستة أشهر‪.‬‬
‫وكثير من طالب العلم اليوم يحفظون بلوغ المرام‪ ،‬وعدد أحاديث بلوغ‬
‫المرام أكرب من هذا العدد‪.‬‬
‫والسؤال األهم‪ :‬كم عدد األحاديث التي انفرد أبو هريرة بروايتها؟‬
‫والجواب‪ :‬انفرد أبو هريرة ‪ ‬برواية ‪ 02‬حدي ًثا فقط!‬
‫تخيل!‬
‫كل الهجمة على أبي هريرة من أجل ‪ 02‬حدي ًثا!‬
‫طبعا َمن يهاجمون أبا هريرة ال يعرفون هذه المعلومات‪ ،‬وال يعرفون إال‬
‫الهجوم على الدين‪ ،‬فيأخذون أبا هريرة طري ًقا للهجوم على اإلسالم ُّ‬
‫والسنة‪.‬‬
‫رمزا لرواية الحديث‪.‬‬
‫فأبو هريرة صار ً‬
‫ولما أرادوا الهجوم على الحديث بحثوا عن الرمز‪ ،‬فذهبوا ألبي هريرة‪.‬‬
‫وإال فلو كانوا يعرفون أن أبا هريرة لم ينفرد إال باثنين وأربعين حدي ًثا عن‬
‫رسول اهلل ﷺ الستحوا من كذهبم‪.‬‬

‫)‪ (1‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬م‪ 0‬ص‪.216‬‬

‫‪847‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ذات يوم قعد محمد بن ُعمارة بن عمرو بن حزم األنصاري يف مجلس فيه‬
‫يضم كبار الصحابة‪ ،‬فجعل أبو هريرة ُيحدِّ ثهم‬
‫ُّ‬ ‫أبي هريرة ‪ ‬وكان المجلس‬
‫عن النبي ﷺ بالحديث‪ ،‬فال يعرفه بعضهم ثم يرتاجعون فيه فيعرفه بعضهم‪،‬‬
‫مرارا‪.‬‬
‫حتى فعل ذلك ً‬
‫ُ‬
‫أحفظ الناس عن رسول اهلل ﷺ(‪.)1‬‬ ‫قال محمد بن ُعمارة‪ :‬فعرفت يومئذ أنه‬
‫وأراد مروان ابن الحكم أن يخترب قوة حفظ أبي هريرة فدعاه وأقعد كاتبه‬
‫خلف السرير‪ ،‬وجعل يسأل أبا هريرة يف األحاديث‪ ،‬وأبو هريرة يجيب‪،‬‬
‫والكاتب يكتب‪ ،‬حتى إذا كان عند رأس الحول ‪-‬بعد مضي عام‪ -‬دعاه مر ًة‬
‫أخرى‪ ،‬فسأله األسئلة نفسها‪ .‬يقول الكاتب‪ :‬فما زاد أبو هريرة وال نقص وال‬
‫قدَّ م وال َّ‬
‫أخر(‪.)2‬‬
‫فأبو هريرة ‪ ‬إمام الحديث من الصحابة‪ ،‬وقد دعا له النبي ﷺ بأن يحببه‬
‫اهلل إلى المؤمنين‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ب ُع َب ْيدَ َك هذا‪َ ،‬و ُأ َّم ُه إلى ع َباد َك ُ‬
‫الم ْؤمني َن‪َ ،‬و َح ِّب ْ‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬ال َّل ُه َّم َح ِّب ْ‬
‫ِِ‬
‫ين"‪.‬‬ ‫إ َل ْي ِه ِم ُ‬
‫الم ْؤمن َ‬
‫يقول أبو هريرة‪َ :‬فما ُخلِ َق ُم ْؤمِ ٌن َي ْس َم ُع بي َو َال َي َرانِي َّإال َأ َح َّبنِي(‪.)3‬‬
‫فحب أبي هريرة عالمة أهل اإليمان‪.‬‬
‫ُنشهد اهلل على حبه‪.‬‬
‫رضي اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫)‪ (1‬التاريخ الكبير‪ ،‬البخاري‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.168‬‬


‫)‪ (2‬الحاكم يف المستدرك‪ ،‬ح‪.8180 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2021 :‬‬

‫‪848‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫‪ -93‬هل هناك أحاديث َّ‬


‫تفرد ابلخاري بها يف صحيحه؟‬

‫ج‪ :‬هذا كال ٌم ال يقوله إنسان يعرف شي ًئا يف علم الحديث‪.‬‬


‫ولألسف هذه األسئلة المضحكة تنتشر بين ُنفاة السنة‪.‬‬
‫صح عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫فالبخاري جمع أغلب ما َّ‬
‫وهو فقط قام بتوثيق نقل كل حرف خرج من فم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قام بتوثيق‬
‫الروايات‪ ،‬ووضع لذلك شرو ًطا قاسي ًة بحيث يصبح كتابه َّ‬
‫أدق كتاب على وجه‬
‫األرض بعد كتاب اهلل‪.‬‬
‫فهو جمع األحاديث بضبط وتوثيق الرواية ألبعد مدً ى‪.‬‬
‫كان هذا مشروع البخاري‪.‬‬
‫وطرزها بعناوينه الفقهية‪ ،‬وأث َب َت‬ ‫فقد جمع هذه األحاديث ثم ر َّتبها َّ‬
‫وقسمها َّ‬
‫ُط ُر َقها المتصلة منه إلى الرسول ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومحفوظ منذ زمن الصحابة‪.‬‬ ‫مكتوب‬
‫ٌ‬ ‫وطب ًعا كل حديث يف البخاري بالبداهة‬
‫فكل حديث يف البخاري تستطيع أن تعرف مصدره ومرجعه ورواته‪ ،‬لكن‬
‫وبوب األبواب‪.‬‬
‫وض َبط الرواية‪َّ ،‬‬
‫صح من أقوى الطرق‪َ ،‬‬
‫البخاري جمع أغلب ما َّ‬
‫وأغلب ما يف موطأ مالك على سبيل المثال موجو ٌد يف صحيح البخاري‪،‬‬
‫والموطأ يروي فيه مالك بعض أحاديثه عن نافع عن ابن عمر‪.‬‬
‫فبين نافع الذي ينقل عنه مالك وبين النبي ﷺ عبدُ اهلل بن عمر الصحابي الجليل‪.‬‬
‫ِ‬
‫الشأن‪ ،‬القريب العهد بوفاة النبي ﷺ موجو ٌد‬ ‫فالموطأ ذلك الكتاب عظيم‬
‫أغلبه يف البخاري‪.‬‬
‫أيضا عند ابن ُجريج‪ ،‬وابن أبي َعروبة‪ ،‬وعند معمر بن‬
‫وما يف البخاري موجود ً‬
‫ِ‬
‫وعبد اهلل بن المبارك‪ ،‬وعبد اهلل بن وهب‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والثوري‪ ،‬وحماد بن‬ ‫راشد‪،‬‬
‫الز ْهري شيخ مالك‪ ،‬فما يف البخاري موجود عند هؤالء‬
‫سلمة بن دينار‪ ،‬واإلمام ُّ‬

‫‪849‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫دونوا الحديث قبل البخاري‪.‬‬


‫وكل هؤالء َّ‬
‫إذن ال يوجد حديث عند البخاري إال ويمكنك أن تعرف سنده من غير‬
‫طريق البخاري‪.‬‬
‫قال اإلمام مسلم يو ًما للبخاري‪" :‬ال يبغضك إال حاسد‪ ،‬وأشهد أن ليس يف‬
‫الدنيا مث ُلك‪ ،‬وقال له بعد أن ق َّبل ما بين عينيه‪َ :‬د ْعني ُأ َق ِّب ُل ِر ْج َل ْي َك يا طبِ َ‬
‫يب‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الـمحدِّ ثي َن"(‪.)1‬‬ ‫الحديث يف ع َللِه‪ ،‬ويا ُأستا َذ األُستَاذ َ‬
‫ين‪ ،‬ويا َس ِّيدَ ُ‬
‫فالبخاري هو أمير المؤمنين يف الحديث‪ ،‬وقد اختار أقوى الطرق ألغلب ما‬
‫صح عن رسول اهلل ﷺ من حديث‪ ،‬فبعد أن أت َق َن كل األحاديث أخرج‬ ‫َّ‬
‫الج ْه ِد على‬
‫كل َ‬‫صحيحه‪ ،‬قال الحافظ أبو العباس الفضل بن العباس‪َ :‬ج َهدْ ُت َّ‬
‫البخاري‪ ،‬فما أمكنني(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫بحديث ال يعرفه‬ ‫ْ‬
‫أن آيتَ‬
‫ُّ‬
‫رأيت تحت أديم السماء أع َل َم بحديث رسول اهلل ﷺ‬
‫وقال اإلمام ابن خزيمة‪ :‬ما ُ‬
‫وأح َف َظ له مِن محمد بن إسماعيل(‪.)3‬‬
‫بحفظ البخاري ود َّقتِ ِه‪ ،‬أرادوا امتحا َن ُه‪ ،‬فعمدوا إلى‬
‫ولما سمع أهل بغداد ِ‬

‫متن هذا إلسناد هذا‪ ،‬وإسنا َد هذا‬ ‫ٍ‬


‫مائة حديث‪ ،‬فقلبوا متوهنا وأسانيدَ ها‪ ،‬وجعلوا َ‬
‫مثال مكان‬‫لمتن ذاك‪ ...‬مائة حديث َق َلبوا أسانيدها‪ ،‬فصار سند الحديث الرابع ً‬
‫سند الحديث الخامس عشر وسند الحديث الثالث واألربعين مكان سند‬
‫الحديث التاسع والخمسين وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد عشر َة أحاديث ل ُي ْلقوها عليه يف المجلس‪.‬‬ ‫ودفعوا إلى ِّ‬
‫كل‬
‫فجاء الطالب‪ ،‬واجتمع الناس‪ ،‬وبدأ الطالب األول يقرأ السند‪ ،‬ثم قرأ‬

‫)‪ (1‬المدخل إلى علم السنن‪ ،‬البيهقي ‪.286/1‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري ‪.063 /1‬‬
‫(‪ )3‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي ‪.051 /12‬‬

‫‪850‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الحديث فقال البخاري‪ :‬ال أعرفه‪.‬‬


‫ثم قرأ الثاين‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬ال أعرفه‪.‬‬
‫وهكذا يف كل حديث‪.‬‬
‫فتعجب الناس!‬
‫َّ‬
‫أي حديث!‬
‫أنه ال يعرف َّ‬
‫لكن الفقهاء الذي قاموا باالختبار التفت بعضهم لبعض وقالوا‪ :‬الرجل َف ِه َم‬
‫‪-‬أدرك الحيلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حديث‪ ،‬والبخاري يقول لكل حديث‪ :‬ال أعرفه‪.‬‬ ‫فلما فرغ الطالب من إلقاء المائة‬
‫البخاري إلى األول‪ ،‬فقال‪" :‬أ َّما حديثك األول فهو كذا‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫بعد انتهائهم التفت‬
‫كل ٍ‬
‫متن إلى إسناده‪ ،‬وفعل بالثاين‬ ‫وحديثك الثاين كذا‪ ...‬إلى آخر العشرة؛ فر َّد َّ‬
‫والضبط واإلتقان‪.‬‬
‫الناس بالحفظ َّ‬
‫فأقر له ُ‬
‫مثل ذلك إلى أن فرغ"‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫سند لكل حديث برتتيبه‪.‬‬‫لقد قام البخاري بآية عجيبة يف هذا المجلس؛ إذ رد كل ٍ‬
‫َّ‬
‫فقال لألول على سبيل المثال‪ :‬حديث األول سنده عند الحديث الثامن والثالثين‪،‬‬
‫وحديثك الثاين سنده عند الحديث الرابع واألربعين‪ ،‬وهكذا إلى تمام المئة‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر يف هذه الواقعة العجيبة‪" :‬ليس العجب من ر ِّد ِه الخطأ‬
‫إلى الصواب؛ فإنه كان حاف ًظا‪ ،‬بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما أل َق ْو ُه‬
‫عليه من مرة واحدة"(‪.)1‬‬
‫لقد كان البخاري آي ًة من اهلل ‪.‬‬
‫قال رجاء بن ُم َر َّجى‪" :‬هو آية من آيات اهلل يمشي على األرض"(‪.)2‬‬
‫***‬
‫)‪ (1‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر العسقالين ‪.068 /1‬‬
‫)‪ (2‬البداية والنهاية‪ ،‬م‪ 10‬ص ‪.351‬‬

‫‪856‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الفصل الثاين‬
‫اهلجوم عىل املرأة يف اإلسالم‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫أكرم املرأة‪ :‬اإلسالم أم اإلحلاد؟‬ ‫‪ -94‬أيهما‬

‫ج‪ :‬قال تشارلز داروين بالحرف الواحد‪" :‬الفارق الفكري الكبير لصالح‬
‫الرجل على المرأة يجعله دو ًما يف مكانه أعلى من المرأة"(‪.)1‬‬
‫وقال يف موض ٍع آخر من كتابه نشأة اإلنسان‪" :‬الرجل يف هناية المطاف متفوق‬
‫تما ًما على المرأة‪ ...‬أعلى من المرأة"(‪.)2‬‬
‫فهذا هو تأصيل صورة المرأة يف اإللحاد‪ ،‬وهي الصورة التي ال يعرف عنها‬
‫المالحد ُة الكثير‪.‬‬
‫وهنا قد يقول قائل‪ :‬لما ُت ِ‬
‫لزم الملحدين بكالم داروين؟‬
‫والحجة ليست يف داروين‪ ،‬الحجة يف َّ‬
‫أن هذه هي النظرة اإللحادية للمرأة؛‬ ‫ُ‬
‫سوا ًء صدرت عن داروين أو غير داروين أو حتى لم يقلها ملحد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حيوانات ظهرت على شجرة‬ ‫فالمرأة والرجل يف اإللحاد هما عبارة عن‬
‫التطور‪ ،‬فهل هذا ينكره ملحد؟‬
‫ُّ‬
‫والمرأة إلحاد ًّيا ُتطابق الغوريال‪ ،‬وأنا أعتذر عن هذا الكالم العنصري‬
‫‪)1( "The chief distinction in the intellectual powers of the two sexes is shown by man attaining‬‬
‫‪to a higher eminence, in whatever he takes up, than woman can attain—whether requiring deep‬‬
‫"‪thought, reason, or imagination, or merely the use of the senses and hands….‬‬
‫‪The Descent of Man, (1851), vol. 1, pp. 315.‬‬
‫‪)2( "…Thus man has ultimately become superior to woman. It is, indeed, fortunate that the‬‬
‫‪law of the equal transmission of characters to both sexes has commonly prevailed‬‬
‫‪throughout the whole class of mammals; otherwise it is probable that man would have‬‬
‫‪become as superior in mental endowment to woman, as the peacock is in ornamental‬‬
‫"‪plumage to the peahen.‬‬
‫‪The Descent of Man, (1851), vol. 1, pp. 318 – 314.‬‬

‫‪852‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الوقح‪ ،‬لكنها الرؤية اإللحادية للمرأة‪ ،‬وينقل هذه الرؤية الملحد التطوري‬
‫أشهر من ِّظري نظرية التطور يف القرن‬
‫َ‬ ‫الشهير ستيفن جاي جولد‪ ،‬والذي ُيعد‬
‫العشرين‪.‬‬
‫ينقل ستيفن جاي جولد عن منظرين آخرين للنظرية َّ‬
‫أن‪" :‬المرأة تطابق‬
‫الغوريال على العكس من الرجل‪ ،‬هي يف مرحلة أدنى تطور ًّيا من الرجل‪َّ ،‬‬
‫إن دونية‬
‫المرأة ال مجال للجدال فيها‪ ،‬لكن الجدال يف درجة هذه الدونية"(‪.)1‬‬
‫يتحدَّ ث عن دونية المرأة‪.‬‬
‫تخ َّيل!‬
‫ويعترب َّ‬
‫أن دونية المرأة شيء بديهي يف اإللحاد‪ ،‬لكن الجدال فقط هو يف‬
‫درجة هذه الدونية‪.‬‬
‫فهذه هي النظرة اإللحادية للمرأة‪.‬‬
‫التطور لها تصنيف كحيوان مختلف عن تصنيف‬
‫ُّ‬ ‫والمرأة على شجرة‬
‫الرجل(‪.)2‬‬
‫تحولت المرأة يف اإللحاد من إنسان مميز إلى حيوان جميل(‪.)3‬‬
‫لقد َّ‬
‫عجوزا فهي إلحاد ًّيا ُّ‬
‫أقل شيء نحتاج إليه يف هذا‬ ‫ً‬ ‫وإذا أصبحت المرأة‬
‫العالم؛ لذلك إلحاد ًّيا ال مانع من قتلها‪ ،‬كما أنَّه ال مانع من قتل المرضى‬
‫والمعاقين‪.‬‬
‫‪)1( large number of women whose brains are closer in size to those of gorillas than to the‬‬
‫‪most developed male brains. This inferiority is so obvious that no one can contest it for a‬‬
‫‪moment; only its degree is worth discussion.‬‬
‫‪Gould, The Mismeasure of Man, p.109, 101‬‬
‫‪)2( Anatomists identified man as ’homo frontalis’ and woman as ‘homo parietalis’.‬‬
‫)‪ (3‬علي عزت بيجوفيتش‪ ،‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪.‬‬

‫‪853‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وقد حدث هذا الكالم بحرفِ ِه قبل َّ‬


‫أقل من ثمانين عا ًما يف معسكر أكشن يت فور‪.‬‬
‫حيث ُقتل ‪ 511‬ألف إنسان؛ ألهنم بال قيمة‪ ،‬وال فائدة‪.‬‬

‫فهذه األفواه التي تأكل وال تعمل ‪ Useless Eaters‬يجب التخ ُّلص منها سري ًعا‬

‫‪854‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫يف العالم اإللحادي المادي‪ ،‬وقد شمل قرار القتل‪ :‬كبار السن‪ ،‬والمرضى‪ ،‬والمعاقين‪.‬‬

‫ِ‬
‫معسكرات إبادة لكل َمن ال نحتاج إليهم‪.‬‬ ‫لقد أقام اإللحا ُد‬
‫هذا هو اإللحاد حين كان ُيط َّبق على أرض الواقع‪.‬‬

‫وبالمناسبة‪ :‬ما زالت فكر ُة قتل المرضى وكبار السن من الرجال والنساء‬
‫مسيطر ًة على العقل الغربي حتى اليوم‪ ،‬وكل فرتة نسمع عن ُممرضة قتلت‬

‫‪855‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مجموعة من المرضى يف المستشفيات‪.‬‬


‫فالفكرة إلحاد َّية ماد َّية ُتط َّبق يف أي وقت خفتت فيه بقايا النبوات يف الغرب‪.‬‬
‫رمزا‪ ،‬وكائنًا ذا قيمة غير‬
‫أما على الجانب اآلخر‪ ،‬ففي اإلسالم تمثل المرأة ً‬
‫عادية‪ ،‬فهي ُتعا َمل بخجل واحرتام وتوقير غير طبيعي‪.‬‬
‫تخيل أن الجنة تحت أقدامهـا!‬
‫أتى رجل ليجاهد مع النبي ﷺ‪ ،‬فقال له النبي ﷺ‪َ " :‬و ْي َح َك َأ َح َّي ٌة أ ُّم َك؟ قال‬
‫الز ْم ِر ْج َل َها َف َث َّم الجنَّ ُة"(‪.)1‬‬ ‫الرجل‪ُ :‬قلت‪َ :‬نعم يا ر َ ِ‬
‫سول اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و ْي َح َك َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬
‫لقد أمره النبي ﷺ َّأال يرتُ َك هذه المسكينة وحدها يف الحياة‪ ،‬ثم يذهب‬
‫ليجاهد‪ ،‬فإذا أراد الجنة بجهاده‪ ،‬فالجنة عند رجلها‪.‬‬
‫ويف اإلسالم‪ :‬ثالثة أرباع االهتمام يكون للمرأة‪ ،‬والربع للرجل‪.‬‬
‫بح ْس ِن‬
‫َّاس ُ‬ ‫أح ُّق الن ِ‬
‫جاء رجل إلى رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪َ ،‬من َ‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم ُأ ُّم َك‪،‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم ُأ ُّم َك‪َ ،‬‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬ ‫َص َحا َبتِي؟ َ‬
‫قال‪ُ :‬أ ُّم َك‪َ ،‬‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم أ ُب َ‬
‫وك(‪.)2‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬
‫َ‬
‫وال َعالقة بين الرجل والمرأة يف اإلسالم َعالقة َع ْه ٍد‪ ،‬س ُيسأل عنه الرجل لو‬
‫قصر فيه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النساء‪.]21 :‬‬
‫َّ‬
‫فالنساء أخذن من الرجال عهدً ا شديدً ا بالقيام بحقوقه َّن والرعاية والحماية‬
‫واإلحاطة من كل سوء‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى مؤكدً ا على حق المرأة يف العشرة الطيبة الكريمة‪﴿ :‬ﯢ‬
‫ﯣﯤ﴾ [النساء‪.]12 :‬‬
‫وكف األذى‪ ،‬وبذل‬
‫َّ‬ ‫والعشرة بالمعروف تشمل‪ :‬المعاشرة القولية والفعلية‪،‬‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.2232 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...3221 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2306 :‬‬

‫‪856‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫اإلحسان‪ ،‬وحسن المعاملة‪ ،‬والنفقة والكسوة(‪.)1‬‬


‫ويف حال حصلت كراهية طبيعية بين الرجل وامرأته‪ ،‬فإن اهلل سبحانه يوصي‬
‫الرجل باإلمساك بزوجته‪ ،‬فربما تزول الكراهية وتخلفها المحبة‪ ،‬وربما ُرزق‬
‫صالحا(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫منها ولدً ا‬
‫﴿ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾‬
‫[النساء‪.]12 :‬‬
‫فاإلسالم يعلمنا احرتام الزوجة‪ ،‬والصرب عليها‪.‬‬
‫و َيدفع اإلسالم نحو االستقرار‪ ،‬واستدامة المودة‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى يف حال انتهت األمور إلى الطالق‪﴿ :‬ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼﭽ﴾ [البقرة‪.]226 :‬‬
‫تنتظر المطلقة ثالثة شهور‪ ،‬فربما عواطف َتظهر أو مو َّدة تعود‪.‬‬
‫كل هذا لمصلحة البيت ولنفسية المرأة واستقرارها‪.‬‬
‫خير ُكم ألَ ْهلي"(‪.)3‬‬ ‫ِِ‬ ‫وقال رس ُ ِ‬
‫خير ُكم َخ ُير ُكم ألَ ْهله‪ ،‬و َأنا ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ُ " :‬‬ ‫َ ُ‬
‫فخير ُكم الذي يفي بحق أهله‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وقال ﷺ‪" :‬إنَّما النِّساء شقائِ ُق الر ِ‬
‫جال"(‪.)4‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫من ُشؤم اإللحاد العربي أنه اصطدم باإلسالم‪ ،‬فلم يجدْ فيه ما يجعله ينفر‬
‫المرأة من هذا الدين القويم‪ ،‬فصنع اإللحاد األكاذيب حول اإلسالم‪ ،‬وتع َّلل‬
‫َّ‬
‫واستغل اإللحاد هذه الحاالت وأظهرها‬ ‫ببعض حاالت ٍ‬
‫ظلم وقعت للمرأة‪،‬‬

‫)‪ (1‬تفسير السعدي‪.‬‬


‫(‪)2‬تفسير السعدي‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.5623 :‬‬
‫(‪ )4‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.258 :‬‬

‫‪857‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫على أهنا اإلسالم‪.‬‬


‫فهذه ُلعبة سخيفة يضحك هبا اإللحاد على من ُت ِر ْد َن الكفر فقط‪.‬‬
‫العدل ك َّله‬
‫َ‬ ‫أما أ َّية امرأة َتحتكم إلى نصوص الشرع مباشرةً‪ ،‬فلن تجد فيه إال‬
‫والرحمة ك َّلها‪.‬‬
‫شرف اهلل اإلنسانية باإلسالم‪ ،‬كان يجتمع‬ ‫انظر ماذا كان يحصل قبل أن ُي ِّ‬
‫الم ْر َأ ِة"‪.‬‬
‫ون ع َلى َ‬ ‫مجموعة من الرجال " َف َيدْ ُخ ُل َ‬
‫الم ْر َأ ِة‪ُ ،‬ك ُّل ُه ْم ُي ِصي ُب َها"(‪.)1‬‬ ‫ون ال َع َش َر ِة‪َ ،‬ف َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ون ع َلى َ‬ ‫الر ْه ُط ما ُد َ‬ ‫ِ‬
‫حيث " َي ْجتَم ُع َّ‬
‫ورث المتاع‪ ،‬وكانت بعض األطعمة ُتمنع النساء‬ ‫ورث كما ُي َ‬ ‫وكانت المرأة ُت َ‬
‫ويختص بأكلها الرجال فقط‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ُّ‬ ‫من أكلها‪،‬‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [األنعام‪.]152 :‬‬
‫حتى قال عمر بن الخطاب ‪ ‬يف الحديث المتفق على صحته واص ًفا حال‬
‫اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الجاهل َّية ما َن ُعدُّ للن َِّساء أ ْم ًرا‪ ،‬حتَّى أن َْز َل ُ‬ ‫المرأة قبل اإلسالم‪" :‬واهللِ ْ‬
‫إن ُكنَّا يف َ‬
‫فِ ِ‬
‫يه َّن ما أن َْز َل‪ ،‬و َق َس َم له َّن ما َق َس َم"(‪.)2‬‬
‫فلم يكن له َّن قيمة‪.‬‬
‫وكانت مصيبة الرجل يف الجاهلية أن ُتنجب زوجته أنثى!‬
‫﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [النحل‪.]36 :‬‬
‫عصعة بن نَاجية‪" :‬جاء اإلسالم‪ ،‬وقد فديت ثالثمائة موءودة"(‪.)3‬‬
‫يقول َص َ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3122 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0215 :‬‬
‫)‪ (3‬اإلصابة‪.502-5 ،‬‬
‫ً‬
‫نقال عن كتاب‪ :‬اللؤلؤ المكنون يف سيرة النبي المأمون‪ ،‬موسى بن راشد العازمي‪.‬‬

‫‪858‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وبالمناسبة مازالت فكرة قتل األجنَّة منتشرة يف الغرب حتى اليوم‪ ،‬فالغرب‬
‫يعيش حالة من الجاهلية األولى‪.‬‬
‫واليوم يحق قانون ًّيا لألم أن تقتل جنينها خاص ًة إذا كانت أنثى‪.‬‬

‫وهناك مئات الماليين من األجنة ُقتلت يف األعوام القليلة الماضية منذ مطلع‬
‫فصلت قبل ذلك(‪.)1‬‬
‫األلفية الثالثة فقط‪ ،‬كما َّ‬
‫قديما وحدي ًثا َظ َه َر ُ‬
‫نور اإلسالم‪ ،‬وأنزل اهلل‬ ‫ً‬ ‫ففي هذا العالم الحالك السواد‬
‫صحح كل هذا الفساد والظلم والفجور‪ ...‬ليصحح كل هذا األذى بحق‬
‫كتابه؛ ل ُي ِّ‬
‫يتم قتلها؛ ألهنا غير مرغوب فيها‪ ،‬والظلم واألذى بحق‬
‫الطفلة المسكينة التي ُّ‬
‫تتم المتاجرة بجسدها‪.‬‬
‫الفتاة البالغة التي ُّ‬
‫لقد أصبحت المتاجرة بأجساد الفتيات البالغات قاعد ًة ثابت ًة يف الغرب‬
‫يتم فيه‬ ‫ِ‬
‫اليوم‪ ،‬فمن جاهلية نكاح االستبضاع إلى جاهلية الغرب اليوم الذي ُّ‬
‫‪)1( https://www.worldometers.info/abortions/‬‬

‫‪859‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تسليط الكاميرات على كل تفصيلة يف جسد المرأة من أجل الرتويج لسلعة أو‬
‫فيتم استخدام جسدها يف حالة من الرخص‬
‫ماكينة حالقة أو عبوة شاي أو سيارة‪ُّ ،‬‬
‫واالحتقار لقيمة المرأة لم يحصل لها مثيل حتى يف زمن الجاهلية األول‪.‬‬
‫وعجوزا‪ ،‬وأتى ليمنع أن‬
‫ً‬ ‫فاإلسالم أتى ليحفظ األنثى جنينًا وفتا ًة وبالغ ًة‬
‫تؤذى المرأة ولو بكلمة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [األحزاب‪.]36 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [النور‪.]55 :‬‬
‫ب َم ْه ُر ال َب ِغ ِّي"(‪.)1‬‬
‫وقال ﷺ‪َ " :‬ش ُّر ال َك ْس ِ‬
‫تتم المتاجرة بجسدها‪.‬‬ ‫فشر الكسب أن َّ‬
‫تحجبي حتى يكون عق ُلك هو المتحدث الرسمي‬ ‫إن اإلسالم يقول للمرأة َّ‬ ‫ثم َّ‬
‫عنك وليس الجسد‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮟﮠﮡﮢﮣ﴾ [النور‪.]51 :‬‬
‫رخيصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهذه ع َّفة وسرت لكيان المرأة عن أن ُيبتذل‬
‫واإلسالم حفظ المرأة وهي زوجة فقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ﴾ [البقرة‪.]226:‬‬
‫وواجبات‪َ ( :‬ل ُه َّن مِ ْث ُل ا َّل ِذي َع َل ْي ِه َّن)‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حقوق‬ ‫للمرأة ما للرجل من‬
‫وأصبح للمرأة يف اإلسالم ذ َّمة مالية مستق َّلة عن الرجل‪ ،‬فهي تستطيع أن‬
‫تبيع وتشرتي وتتاجر ويكون المال باسمها‪ ،‬وهذا يحصل ألول مرة يف اإلسالم‪،‬‬
‫ولم يحصل هذا األمر يف أوروبا إال سنة ‪ 1256‬ميالدية‪.‬‬
‫الحق يف حيازة المال باسمها حتى عام ‪ 1256‬ميالدية‪.‬‬
‫فلم يكن للمرأة ُّ‬
‫والمرأة يف اإلسالم لها ميراث من المال كما للرجل ميراث من المال‪﴿ :‬ﭑ‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1386 :‬‬

‫‪860‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [النساء‪.]2 :‬‬
‫لقد ظهرت هذه الحقوق للمرأة يف ٍ‬
‫وقت لم يكن لهن أي قدْ ر‪.‬‬
‫واإلسالم حفظ األنثى يتيمةً‪ ،‬فكانت اليتيمة ُت َّ‬
‫ورث بمالها لمن ُيربيها‪ ،‬وكان‬
‫مهرا؛ ألهنا يتيمة‪ ،‬فنزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫يتزوجها وال يدفع لها ً‬
‫ُ‬ ‫الرجل‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾‬
‫[النساء‪.]5 :‬‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ﴾‪ :‬إن خفتم َّأال تعدلوا مع اليتيمة‪.‬‬
‫﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾‪ :‬إن خفت أن تظلم اليتيمة فال‬
‫تحب‪ ،‬مثنى وثالث ورباع‪ ،‬واترك هذه لمن‬
‫ُّ‬ ‫تعطيها ح َّقها‪ ،‬فانكح غيرها كما‬
‫كامال‪ ...‬اتركها لمن ُيكرمها‪.‬‬
‫يعطيها حقها ً‬
‫والمرأة يف اإلسالم لها قيمة كاملة‪ ،‬فلها ما للرجل من الحقوق‪ ،‬وعليها ما على‬
‫الرجل من التكليفات‪ ،‬ولها ما للرجل من األجر‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [األحزاب‪.]53 :‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‬
‫[آل عمران‪.]123 :‬‬
‫فه ْم متساوون يف التكليف‪ ،‬ويف األجر!‬
‫ُ‬
‫وعجوزا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فاإلسالم جاء بإكرام األنثى جنينًا‪ ،‬وبالغةً‪ ،‬ويتيمةً‪ ،‬و ُأ ًّما‪ ،‬وزوجةً‪،‬‬
‫فنظرة المسلم للمرأة نظرة سو َّية نفس ًّيا‪ ،‬وسو َّية أخالق ًّيا‪.‬‬

‫‪866‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فصلنا تتعامل معها كحيوان‬


‫أما النظرة اإللحادية المادية للمرأة فهي كما َّ‬
‫جميل ال أكثر‪.‬‬
‫ولذلك كانت أعلى معدالت اغتصاب يف العالم يف أكثر الدول مادي ًة‬
‫وإلحا ًدا‪ ،‬حيث تنظر للمرأة كجسد مادي للمتعة المجردة‪.‬‬

‫التحرش يف المواصالت يف بلد ينتشر فيها اإللحاد بشدة‬


‫ُّ‬ ‫ووصلت معدالت‬
‫كفرنسا إلى ‪.%111‬‬

‫‪862‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فلما نظروا للمرأة نظرة مادية‪ ،‬فقدت قيمتها وأصبحت سلعة و ُلعبة‪.‬‬
‫الملحدة أغرت المرأة بأن تفعل ما ُيطلب منها من أجل زيادة‬
‫والمادية ُ‬
‫وتحولت مع الوقت لسلعة!‬
‫َّ‬ ‫رصيدها البنكي‪ ،‬ففقدت المرأة خصوصيتها‪،‬‬
‫إذا تمكن دعاة اإللحاد من المرأة فسد المجتمع‪.‬‬
‫فالمرأة ش ْئنا أو أبينا هي التي ُترضع ابنها ِ‬
‫الق َيم أو الضياع‪.‬‬ ‫ْ‬
‫أن دعاة اإللحاد يشتغلون على المرأة منذ سنوات‪ ،‬وهم يتصورون‬ ‫المشكلة َّ‬
‫أن المرأة ضعيفة‪َّ ،‬‬
‫وأن مخها ضعيف‪ ،‬وبالتالي سوف‬ ‫لنظرهتم المادية العنصرية َّ‬
‫تستسلم بسهولة‪.‬‬
‫وال يعرفون َّ‬
‫أن المرأة هي من أصعب الحلقات التي تستعصي على الفلسفات‬
‫الكفرية‪.‬‬
‫ولذلك فأقل نسب إلحاد يف العالم اإلسالمي كمثال موجودة بين النساء‪.‬‬
‫التحوالت الفكرية المفاجأة‪ ،‬وهي تجد‬
‫ُّ‬ ‫فالمرأة ليس عندها اندفاعية الرجل يف‬
‫األمان يف الحقوق التي يكفلها الدين‪ ،‬يف حين أهنا تفقد األمان تما ًما مع عبثية‬
‫التحول لإللحاد يف مجتمع النساء‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وعدمية النظرة اإللحادية للعالم؛ لذلك ُّ‬
‫يقل‬
‫فاإللحاد يطلب ضريبة ال تستطيع المرأة أن تدفعها؛ ألن أول قسط من هذه‬
‫الضريبة هو فقدان األمان لألبد‪ ،‬وفقدان الغاية‪ ،‬وفقدان الفطرة التي فطرت‬
‫ومصيرا ونتيجةً‪ ،‬تلك الفطرة التي‬
‫ً‬ ‫عليها‪ ...‬فطرة أننا مكلفون‪َّ ،‬‬
‫وأن لتكليفنا غاي ًة‬
‫ُفطرنا عليها جمي ًعا‪ ،‬فطرة التكليف‪ ،‬وفطرة اللجوء إلى اهلل وطلب المدد واألمان‬
‫من عنايته وحفظه سبحانه‪.‬‬
‫فهل هناك دين أو فلسفة أو فِكر يحقق للمرأة كياهنا كاإلسالم؟‬
‫ُّ‬
‫يحث النساء على طلب العلم واألمر بالمعروف‬ ‫هل هناك دين كاإلسالم‬
‫والنهي عن المنكر؟‬

‫‪863‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هل هناك دين أو فلسفة أو فكر يحفظ المرأة من كل فكرة شاذة يف خاطر الرجل؟‬
‫هل هناك دين أو فلسفة أو فكر غير اإلسالم يحفظ المرأة جنينًا وطفل ًة وبالغ ًة‬
‫وعجوزا؟‬
‫ً‬ ‫ويتيم ًة و ُأ ًّما وزوج ًة‬
‫ال واهلل ال يوجد!‬
‫انظر لجرب خاطر المرأة يف اإلسالم وصل ألي مدى‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [البقرة‪.]258 :‬‬
‫يمسها وقبل أن يفرض لها المهر‪ ،‬فعليه أن يعطيها‬ ‫فمن َط َّلق امرأ ًة قبل ْ‬
‫أن َّ‬
‫من المال ما يجرب به خاطرها‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بت يف اشتياقها إليك‪،‬‬ ‫َمتَا ًعا بِا ْل َم ْع ُروف َح ًّقا َع َلى ا ْل ُم ْحسن َ‬
‫ين‪ :‬فكما تس َّب َ‬
‫فعليك أن تجرب خاطرها!‬
‫هذه دقائق يف حق المرأة ال يغ ُف ُل عنها وحي اهلل إلى البشر‪.‬‬
‫وانظر لحفظ قيمة البنت من قضية حب الوالدين للولد على البنت‪ ،‬فتجد يف‬
‫بالرفاء والبنين‪.‬‬
‫يصح أن تقول‪ِّ :‬‬
‫اإلسالم أنَّه ال ُّ‬
‫فضلون البنين على البنات‪.‬‬ ‫ألن هذا ٌ‬
‫قول من أقوال الجاهلية الذين كانوا ُي ّ‬ ‫َّ‬
‫فاإلسالم ٌ‬
‫عدل كله‪ ،‬ورحم ٌة كله‪ ،‬وحكم ٌة كله‪ ،‬ولم يضعف انتشار اإلسالم‬
‫إال بكثرة معاصي المنتسبين له‪ ،‬وعدم تطبيقهم لجمالية هذا الدين يف حياهتم‬
‫الخاصة والعا َّمة‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪ -95‬ما معىن قوامة الرجل ىلع املرأة يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾‬
‫َ ُّ‬
‫[النساء‪ ،]34 :‬وهل يه حتَك ٌم يف املرأة كما يديع املالحدة؟‬

‫الحق الشرعي الفطري الثابت يف‬


‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫يستغل دعاة اإللحاد القوامة‪ ،‬هذا‬ ‫ج‪:‬‬

‫‪864‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تأليب النساء‪ ،‬وح ِّث ِه َّن على ُّ‬


‫التمرد‪ ،‬وهذا أسلوب يف منتهى الالنزاهة‪.‬‬
‫المطالب‬
‫قائم على العمل‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه هو ُ‬
‫ألن القوامة يف األصل من‪ :‬فالن ٌ‬
‫تكليف وليست تشري ًفا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بإتمامه وإصالحه‪ ،‬فالرجل قوام ُت ُه‬
‫فقوامته جعلها اهلل لمصلحة المرأة‪ ،‬فهو مسؤول عن حمايتها‪ ،‬وحفظ‬
‫حقوقها‪ ،‬والدفاع عنها(‪.)1‬‬
‫عز للمرأة وسندٌ للمرأة شبهةً!‬
‫أعجب حال المالحدة حين يجعلون قضية فيها ٌّ‬
‫َ‬ ‫فما‬
‫وثان يظلم زوجته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫ويستغل المالحدة حاالت خاصة لزوجٍ ُيسيء قوامته‪،‬‬
‫وثالث يسيء ِواليته على أبنائه‪ ،‬ورابع يأكل حقوق أخواته‪ ،‬فيستغ ُّلون هذه‬
‫الحاالت ويضخموهنا‪ ،‬ثم يقومون بعملية ربط زور بين هذه الحاالت وبين حق‬
‫القوامة الذي شرعه اهلل‪.‬‬
‫شرعي‬ ‫تعسف يف استعمال ٍ‬
‫حق‬ ‫وال يعرف دعاة اإللحاد أنَّه يف اإلسالم‪َ :‬من َّ‬
‫ٍّ‬
‫حق‬ ‫يف غير ما َأ ِذن اهلل ‪ ‬فيه‪ُ ،‬ي َنزع منه هذا ُّ‬
‫الحق ويؤ َّدب‪ ،‬فقد َي ِنزع اإلسالم َّ‬
‫الوالية من األب لما أساء استخدامها‪ ،‬ويعطيها القاضي لمن دونه لعمها أو‬ ‫ِ‬
‫لخالها وهكذا‪.‬‬
‫فكمال الرجولة‪ ،‬وكمال المروءة يف اإلسالم أن يحافظ الرجل على المرأة‪.‬‬
‫بل و ُيقاتِل الرجل‪ ،‬و ُيقتل من أجل حفظ المرأة‪ ،‬قال النبي ﷺ‪" :‬ومن قاتل‬
‫دون أهلِ ِه‪ ،‬فهو شهيدٌ "(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫وحفظ ورعاية‪ ،‬شرعها اهلل بحكمته وعلمه ورحمته‪.‬‬‫فالقوامة مسؤولية ِ‬
‫فاهلل يعلم حال الرجل‪ ،‬وحال المرأة‪ ،‬وطبيعة الرجل‪ ،‬وطبيعة المرأة‪ ،‬ويعلم‬
‫سبحانه ما ُيصلح أحوال الناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬الذخيرة‪ ،‬القرايف المالكي‪.501 /0 ،‬‬


‫(‪ )2‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬ح‪.0113 :‬‬

‫‪865‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالوالية مسؤولية من الرجل تجاه المرأة‪ ،‬ومثال ذلك‪:‬‬


‫الوالية يف النكاح‪ :‬حيث ال يجوز للفتاة أن ُت ِّ‬
‫زوج نفسها بغير إذن وليها‪ ،‬وهنا‬
‫ُيصور الملحد هذه المسألة كنوع من التضييق على المرأة‪ ،‬يف حين َّ‬
‫أن األمر يف‬
‫حقيقته مسؤولي ٌة ُملقاة على عاتق الولي‪ ،‬حيث يحميها من ابتزاز شخص عديم‬
‫الرجولة يريد أن يتزوجها يف السر بدون علم أهلها‪ ،‬ثم يلقيها يف الطرقات بعد أن‬
‫ينال ح َّظه منها‪ ،‬والوالية يف النكاح كذلك؛ ليحميها الولي من أن يضيع ح ُّقها‬
‫بعاطفتها‪ ،‬فيحفظ لها ح َّقها الذي هي قد تغفل عنه لعاطفتها‪ ،‬فهي ربما تقبل‬
‫التنازل عن كل حقوقها المالية من الزوج؛ لفرط تع ُّلقها به‪ ،‬فول ُّيها يحفظ حقها‪،‬‬
‫ويضمن عدم استغالل الخاطب لها‪.‬‬
‫تضييق على الرجل‪...‬‬
‫ٌ‬ ‫ولو نظر الملحد للوالية نظرة صحيحة عادلة لعلم أهنا‬
‫تضييق على الخاطب‪ ،‬وليست تضيي ًقا على المرأة‪.‬‬
‫فول ُّيها يضمن ح َّقها‪ ،‬والخاطب ُي َلزم من ولي الزوجة بأداء الحقوق لها‪،‬‬
‫فالتضييق يف الواقع على الرجل ‪-‬على الخاطب‪ -‬وليس على المرأة‪.‬‬
‫تتزوج إال بمن ترضى به‪ ،‬وإال النفسخ العقد‪،‬‬
‫ثم إن المرأة يف اإلسالم ال َّ‬
‫فأين التقييد يف والية النكاح؟‬
‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬ال ُتنْ َك ُح ا ْلبِ ْك ُر حتَّى ُت ْس َت ْأ َذ َن"(‪.)1‬‬
‫فول ُّيها ُيشرف و ُيتابع حتى تصل حقوقها إليها‪.‬‬
‫فهل هذا تقييد أم زيادة صيانة لحقوق المرأة؟‬
‫فورا‪ ،‬وكأنه لم يكن‪.‬‬
‫زوجها الولي بغير رضاها ينفسخ عقد الزواج ً‬ ‫ولو َّ‬
‫زو َجني‬ ‫عليه وع َلى آل ِ ِه وس َّل َم‪ ،‬فقا َلت‪َّ :‬‬
‫إن أبي َّ‬
‫جاء ْت َفتا ٌة إلى النَّبِي ص َّلى اهلل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.8286 :‬‬

‫‪866‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ابن ِ‬
‫زت ما صن ََع أبي‪،‬‬ ‫األمر إليها‪ ،‬فقا َلت‪ :‬قد َ‬
‫أج ُ‬ ‫َ‬ ‫ليرفع بي خسيس َت ُه‪ ،‬فج َع َل‬
‫ُ‬ ‫أخيه؛‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َلكِن‬
‫األمر شي ٌء(‪.)1‬‬ ‫لآلباء م َن‬ ‫ليس‬‫أردت أن تع َل َم النِّسا ُء أن َ‬
‫ُ‬
‫فما ُتمضيه الفتاة يمضي‪ ،‬وما تفسخه ُي َ‬
‫فسخ‪.‬‬
‫فوالية النكاح هي لحفظ حقوقها؛ ولضمان أن ُتؤ َّدى إليها الحقوق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فهل يف هذا ما يالم؟‬
‫وهنا قد يأيت سؤال‪ :‬هل للرجل والية على مال المرأة؟‬
‫والجواب‪ :‬هذه القضية ال وجود لها يف اإلسالم‪ ،‬فليس لرج ٍل على وجه‬
‫األرض ِوالي ٌة على أموال المرأة‪ ،‬ال زوج‪ ،‬وال أب‪ ،‬وال أخ‪ ،‬وال أحد‪.‬‬
‫تتصرف فيها حيث شاءت‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فللمرأة ُمطلق الحرية يف أموالها‬
‫وقد جعل اهلل ِوالية الرجل على المرأة يف نطاق األمور التي تحتاج فيها المرأة‬
‫ٍ‬
‫فأي رحمة هذه‪﴿ :‬ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]10 :‬‬ ‫للرجل‪ُّ ،‬‬
‫ويجب أن تنتبه المرأة المسلمة ألالعيب ناشري الشبهات؛ لئال تلتبس‬
‫بشبهة‪ ،‬أو تكره شي ًئا مما أنزل اهلل فيح َبط عم ُلها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [محمد‪.]2 :‬‬
‫فنحن عبيدٌ هلل‪ ،‬خاضعون لشرعه‪ ،‬خاضعون ألمره‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [األحزاب‪.]58 :‬‬
‫فهذا حال المسلم مع شرع ربه‪ :‬التسليم التام‪ ،‬والرضا التام‪ ،‬والقبول التام‪،‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [النور‪.]31 :‬‬
‫عز من قائل‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫وقال َّ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النساء‪.]83 :‬‬

‫)‪ (1‬سنن النسائي‪ ،‬ح‪ ،5282 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪867‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫ولقلبك‬ ‫فما قدَّ ر اهلل وما شرع إال ما هو خير وحكمة وعدل وكمال ِ‬
‫لك‬
‫ِ‬
‫ولمستقبلك الدنيوي واألخروي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ولبيتك‬ ‫ِ‬
‫ولنفسك‬
‫يمس كيان المرأة‪ ،‬وال يمس كرامة‬
‫إذن النطاق الذي تشمله قوامة الرجل ال ُّ‬
‫المرأة‪ ،‬وإنما القوامة هي القيام بما يف مقدور الرجل‪ ،‬وليس يف مقدور المرأة أو‬
‫تستحي منه المرأة‪.‬‬
‫سفر المرأة؛ لئال يؤذيها متحرش‪.‬‬ ‫أيضا من صور ِ‬
‫الولي َ‬
‫ُّ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِّ‬ ‫ؤ‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫أن‪:‬‬ ‫مة‬ ‫وا‬‫الق‬ ‫ً‬
‫أيضا من صور القوامة‪ :‬قوامة النفقة‪ ،‬وهذه أساس القوامة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ً‬
‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾‬
‫[النساء‪.]50 :‬‬
‫وزوجا‪ ،‬فاألب يكِدُّ ويسعى ويكافح من أجل‬
‫ً‬ ‫فهو يقوم عليها بالنفقة‪ ،‬أ ًبا‬
‫توفير لقمة عيش كريمة البنته‪ ،‬والزوج لزوجته‪.‬‬
‫أما المرأة فال يلزمها من ذلك شيء‪ ،‬بل هي تعيش يف بيتها كريمة عزيزة‪.‬‬
‫ولو لم يستطع أن ينفق عليها فهي شر ًعا ُمخ َّير ٌة بين أن تصرب عليه‪ ،‬وتتقي اهلل‬
‫فيه‪ ،‬وبين أن تفارقه(‪.)1‬‬
‫يحص َل للمرأة على حقها‪.‬‬
‫لقد ُك ِّلف الرجل بالقوامة حتى ُ‬
‫إذن فح ّيز نطاق القوامة كما قلت هو يف تحصيل الجوانب التي تعجز المرأة‬
‫يف الغالب عن تحصيلها بطبيعتها وضعفها‪.‬‬
‫ف َعالقة الرجل بالمرأة يف اإلسالم َعالقة تكاملية فطرية طبيعية تراحمية‪.‬‬
‫لكن الثقافة الغربية الممسوخة جعلت ال َعالقة بين الرجل والمرأة َعالقة‬
‫تؤجج إلثبات دور المرأة يف‬
‫صراع‪ ،‬و َعالقة تثوير للمرأة على الرجل‪ ،‬و َعالقة َّ‬
‫)‪ (1‬المهذب يف فقه اإلمام الشافعي‪.133 / 5 ،‬‬
‫كشاف القناع‪.022/3 ،‬‬

‫‪868‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫المجتمع‪ ،‬وكأن نجاح المرأة سيكون على حساب الرجل‪ ،‬أو َّ‬
‫أن المكاسب التي‬
‫ُتحققها المرأة ستكون على حساب مكاسب الرجل‪ ،‬وهذا فهم بدائي ُمتخلف‬
‫حرم اهلل هو يف‬
‫لطبيعة ال َعالقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬فنجاح المرأة يف غير ما َّ‬
‫اإلسالم نجاح للرجل‪ ،‬وفرحة للرجل‪ ،‬وهبجة للرجل السوي‪.‬‬
‫حرم اهلل هو نصر للرجل‪ ،‬وخير للناس‪.‬‬
‫فنجاح المرأة يف غير ما َّ‬
‫﴿ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖﮗ﴾ [الروم‪.]21 :‬‬
‫وكما أوجب اهلل على الرجل من الواجبات يف حق المرأة ما أوجب‪ :‬من‬
‫النفقة‪ ،‬ومن الحفظ‪ ،‬ومن جلب حقوقها‪ ،‬ومن إحاطتها بالرعاية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واجبات‪ :‬فعلى المرأة أن‬ ‫فقد أوجب اهلل يف الناحية األخرى على المرأة‬
‫ُتطيع َ‬
‫زوجها‪.‬‬
‫فهذا واجب شرعي على المرأة‪ ،‬أن تطيع زوجها‪ ،‬فهو رأس البيت‪.‬‬
‫لزوجها‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ِ‬ ‫فالمرأة مطيعة لربِها‪ ،‬مطيعة‬
‫ﭣ﴾ [النساء‪.]50:‬‬
‫ب‪ :‬مطيعات هلل‪ ،‬حافظات ألزواجهن‪.‬‬ ‫ات َقانِتَا ٌت َحافِ َظ ٌ‬
‫ات ِّل ْل َغ ْي ِ‬ ‫الصال ِ َح ُ‬
‫َف َّ‬
‫وحصن َْت‬ ‫شهرها‪،‬‬ ‫ت المرأ ُة َخ ْم َسها‪ ،‬وصا َمت‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬إذا ص َّل ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫أبواب الجن َِّة ِش ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قيل لها‪ُ :‬‬ ‫زوجها‪َ ،‬‬
‫ئت"(‪.)1‬‬ ‫ادخلي الجنَّ َة من ِّ‬
‫أي‬ ‫فرجها‪ ،‬وأطا َعت َ‬ ‫َ‬
‫أبواب الجن َِّة ال َّثمانِ َي ِة‪َ :‬تكر ًيما و َتشري ًفا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُينا َدى عليها من‬
‫فطاعة المرأة لزوجها يف غير معصية اهلل واجبة‪.‬‬
‫هذا واجب شرعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.881 :‬‬

‫‪869‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وزوجها هو جنَّ ُتها ونارها‪.‬‬


‫ونار ِك"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬انظري أين أنت منه؟ فإنَّما هو جن ُتك ُ‬
‫فلو أدت ح َّقه فهو سبب يف دخولها الجنة‪ ،‬ولو لم تؤ ِّد حقه فهو سبب يف‬
‫دخولها النار‪.‬‬
‫فللمرأة حقوق على الرجل‪.‬‬
‫وللرجل حقوق على المرأة‪.‬‬
‫حق ح َّقه شاع الوئام واأللفة والسكينة واالستقرار النفسي‬
‫وإذا أ َّدى كل ذي ٍّ‬
‫واألمان األسري‪.‬‬
‫قسم وال ُيؤ َّلب الرجل فيه على‬
‫فالمجتمع رجل وامرأة‪ ،‬والمجتمع ال ُي َّ‬
‫صراعا كما يحاول‬
‫ً‬ ‫المرأة‪ ،‬وال المرأة على الرجل‪ ،‬فهي َعالقة تكاملية وليست‬
‫أن يفرض الغرب‪.‬‬
‫فالغرب والثقافة العلمانية الغربية تحاول أن تجعل ال َعالقة بين الرجل‬
‫والمرأة َعالقة صراع وتثوير‪.‬‬
‫والذي أ َّدى لمشاكل المرأة يف العالم اإلسالمي بجانب التأ ُّثر بالثقافة‬
‫الغربية‪ :‬انغماس بعض الرجال يف الشهوات؛ ما أضعف من شخصيتهم‪،‬‬
‫القوامة‪،‬‬ ‫فظهرت حركات النسوية المتأسلمة‪ ،‬وظهرت حركات التمرد على ِ‬
‫ُّ‬
‫الوالية‪ ،‬وما ظهرت هذه الحركات الضا َّلة إال‬ ‫وظهرت حركات التمرد على ِ‬
‫لضعف شخصية الرجل‪ ،‬وضعف قيادتِه‪.‬‬
‫فحين تعرف المرأة أن الرجل عبدٌ لشهواته وفواحشه التي يرتكبها‪ ،‬يص ُغ ُر يف‬
‫التمرد لو كان إيماهنا ضعي ًفا‪ ،‬وتبدأ يف المطالبة ليس بحقوقها‬
‫ُّ‬ ‫عينيها‪ ،‬فتبدأ يف‬
‫كما هو مفرتض وإنما تبدأ يف المطالبة بالتمرد الكامل‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.1312 :‬‬

‫‪870‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وهذه هي المشكلة التي ال يفهمها كثير من الرجال‪ :‬عندما يكون الرجل‬


‫شهوان ًّيا خاض ًعا للفواحش‪ ،‬وال ينشغل إال بمصالحه‪ ،‬وعندما ال يو ّفي للمرأة‬
‫حقها‪ ،‬تبدأ المرأة ‪-‬لو كان يف دينها ضعف‪ -‬يف التمرد على كل شيء‪ ،‬فتحصل‬
‫الفتنة والفساد العظيم‪.‬‬
‫تمرد تام مكتمل‬
‫فالنسوية ليست حركة تطالب بالحقوق‪ ،‬وإنما هي مشروع ُّ‬
‫األركان‪ ،‬وهذا ظاهر من المطالبات النسوية‪ ،‬فهي تمثل تمر ًدا على كل شيء‪.‬‬
‫فضعف قيادة الرجل‪ ،‬وقلة رحمة الرجل‪ ،‬وبحث الرجل عن الفواحش‪،‬‬
‫ُ‬
‫فعال‪.‬‬‫تمرد المرأة‪ ،‬وإلى فساد المجتمع ً‬ ‫هذا يؤدي إلى ُّ‬
‫ضعف قِوامة الرجل‪ ،‬وقلة إيمان المرأة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فتمرد المرأة مصدره‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫ول عن‬ ‫لو عاد الرجل لكلكم راعٍ‪ ،‬كما أخرب النبي ﷺ‪ُ " :‬ك ُّل ُك ْم َرا ٍع و َم ْس ُؤ ٌ‬
‫ت َز ْو ِج َها‬ ‫ول عن ر ِعيتِ ِه‪ ،‬والمر َأ ُة يف بي ِ‬ ‫أهلِ ِه َرا ٍع وهو َم ْس ُؤ ٌ‬ ‫والر ُج ُل يف ْ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َرع َّيته؛ َّ‬
‫اع َي ٌة وهي َم ْس ُؤو َل ٌة عن َر ِع َّيتِ َها"(‪.)1‬‬ ‫ر ِ‬
‫َ‬
‫اهلل‬
‫إن َ‬ ‫كل إنسان عن رعيته‪ ،‬كما قال النبي ﷺ‪َّ " :‬‬ ‫سائل َّ‬‫أن اهلل ٌ‬ ‫ولو علم الرجل َّ‬
‫الرجل عن أه ِل بيتِه"(‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫سأل‬‫أح ِف َظ أ ْم ض َّي َع؟ حتى ُي َ‬
‫كل را ٍع عما اسرتعا ُه‪َ ،‬‬ ‫سائل َّ‬
‫ٌ‬
‫حقوق‪ ،‬وعادت المرأة لما أوجب اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫لو عاد الرجل لِما أوجب اهلل عليه من‬
‫ٍ‬
‫حقوق لصلح حال األمة‪ ،‬ولشعرت المرأة بأنوثتها الحقيقية‪.‬‬ ‫عليها من‬
‫فكمال أنوثة المرأة يف قيام الرجل بحقوقه نحوها‪ ،‬وقيامها بحقوقها نحوه‪،‬‬
‫هنا تشعر بكمال أنوثتها‪ ،‬فهذه فطر ُتها التي ُجب َلت عليها‪.‬‬
‫لو قام الناس بما أوجب اهلل عليهم‪ ،‬الستقرت الدنيا‪ ،‬ولنام الجميع مطمئنين هانئين‪.‬‬
‫كثير من البيوت‪ُ :‬حسن الخلق‪ ،‬وحسن المعاشرة‪ ،‬وحسن‬ ‫لألسف اختفى يف ٍ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2012 :‬‬


‫)‪ (2‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬ح‪.1858 :‬‬

‫‪876‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫االحتواء‪ ،‬والمودة والرحمة واللين والتغافل عن بعض األمور‪َ :‬ال َي ْس َأ ُل َع َّما َع ِهدَ (‪.)1‬‬
‫وغض البصر عن‬ ‫والقوامة الصحيحة‪ُّ ،‬‬ ‫فما نحتاجه هو‪ :‬الرجولة الحقيقية‪ِ ،‬‬
‫النساء يف الطرقات ويف الخلوات‪ ،‬فرجولة غض البصر هي درجة من درجات‬
‫ِ‬
‫القوامة‪.‬‬
‫رجال ق ّي ًما‪.‬‬
‫فغض البصر‪ ،‬والرتفع عن المعاصي هذا يجعل منك ً‬ ‫ُّ‬
‫ف الرجل بما عليه‪ ،‬ما استطاع أن يفهم المرأة‬‫والرجل مِفتاح المرأة‪ ،‬ولو لم ي ِ‬
‫َ‬
‫ولما رضيت هي عنه‪.‬‬
‫أن تتح َّلى بالصرب على الرجل‪ ،‬فالفتن ك ُثرت‬
‫ويف الناحية الثانية‪ :‬فعلى المرأة ْ‬
‫على الرجال‪ ،‬وضغوط الحياة صارت صعبة‪ ،‬فلتغفر المرأة لزوجها‪ ،‬ولتصرب‬
‫عليه‪ ،‬ولتكثر من نصحه وتذكيره باهلل‪ ،‬والدعاء له‪.‬‬
‫ولتتقرب إلى اهلل بالعمل الصالح؛ لعل اهلل يصلح بيتَها‪ ،‬ويهدي أه َلها‪.‬‬‫َّ‬
‫وليحذر الرجل من قلة ال َغ ْيرة على أهل بيته‪ ،‬فلو ق َّلت النخوة والمروءة وال َغيرة‬
‫َّ‬
‫وقل اهتمام الرجل بأهله اسرتجلت المرأة و ُفتنت لو كان يف إيماهنا َضعف‪.‬‬
‫وإذا اسرتجلت النساء وإذا فت َّن فك ِّب ْر على األمة أرب ًعا‪.‬‬
‫وما وجد المالحدة وال وجدت النسويات ثغر ًة لشبهة يدخلون منها على‬
‫بيوتنا باإلفساد‪ ،‬ونشر الخراب والفتن والشهوات‪ ،‬والتمرد على شرع اهلل‪ ،‬إال‬
‫باختفاء قوامة الرجل‪ ،‬وعدم أداء المرأة لحقوقها‪.‬‬
‫ما وجدوا الثغرة إال بتقصيرنا‪ ،‬وما وجدوا الشبهة إال بعدم تطبيقنا للقوامة‬
‫بصورهتا الصحيحة‪ ،‬وما تس َّلطوا علينا إال ببعدنا عن ديننا‪ ،‬وتع ُّل ِق ِ‬
‫بعضنا بثقافات‬ ‫ُ‬
‫وسلوكيات غربية ال تنتمي بشيء إلى دين ربنا‪.‬‬
‫ودعاة الكفر والنسوية والضالل ال يريدون تحرير المرأة‪ ،‬وإنما هم يريدون‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3162 :‬‬

‫‪872‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تحرير شهوات المرأة‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾‬


‫[النساء‪.]22 :‬‬
‫لقد أ َّدى اإللحاد والنسوية إلى خراب منظومة األسرة يف الغرب‪ ،‬وهم‬
‫يتوجهون إلينا بما هم فيه من خراب أخالقي مرعب‪،‬‬
‫يتوجهون اآلن إلينا بقوة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫يكفيك أن تعلم َّ‬
‫أن احتمالية قتل الجنين يف الغرب اليوم تصل إلى ‪ %31‬ألنَّها‬
‫أجنَّة غير مرغوب فيها‪ ،‬والدساتير الغربية كما قلت ُت ِّ‬
‫شرع ذلك وال تمنع منه‪.‬‬
‫واألطفال الذين ينجون من القتل ُيعاين أغلبهم بعد الوالدة من فقدان األب؛‬
‫ألهنم أبنا ُء غير شرعيين‪.‬‬

‫فعلى المستوى األسرى والعائلي يعيش الغرب اليوم بسبب النظرة المادية‬
‫أتعس أيام حياته‪.‬‬
‫اإللحادية والنسوية َ‬
‫فما ترك الناس من أمر اهلل شي ًئا إال أحوجهم اهلل إليه‪ ،‬وعانَوا ولم يجدوا‬
‫طري ًقا إال بالرجوع إليه‪.‬‬

‫‪873‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -96‬ملاذا لم حي ِّر ِم اهلل تعدد الزوجات؟‬

‫ج‪ :‬ليس هناك تشريع سماوي‪ ...‬ليس هناك دين ُمن ََّز ٌل من رب العالمين‪،‬‬
‫وأيضا ليس هناك تشريع أرضي‪ ...‬تشريع وضعي‪ ...‬تشريع مادي يمنع من‬
‫ً‬
‫التعدُّ د‪ ،‬فيستحيل أن تجد ذلك‪.‬‬
‫لم يوجد‪ ،‬ولن تجد‪ ،‬ولن يوجد‪.‬‬
‫الفرق بين التشريع السماوي الذي ارتضاه اهلل لعباده‪ ،‬وبين التشريعات‬
‫األرضية الوضعية الفاسدة هو يف صورة التعدُّ د‪ :‬هل هو تعدُّ د زوجات برباط‬
‫شرعي مسؤول بين رجل وامرأة‪ ،‬وواجبات على الرجل تجاه المرأة مدى‬
‫الحياة‪ ،‬أم هو تعدُّ د خيانات وخليالت وعالقات حيوانية غير مسؤولة كما يف‬
‫التشريعات األرضية الفاسدة؟‬
‫هذا هو الفرق‪ ،‬لكن لن تجد تشري ًعا واحدً ا عرب تاريخ البشر يمنع كل صور التعدُّ د‪.‬‬
‫فالكتب السماوية ك ُّلها لن تجد فيها ًّ‬
‫نصا واحدً ا ال يف التوراة‪ ،‬وال يف‬
‫اإلنجيل‪ ،‬وال يف القرآن‪ ،‬وال يف غيرهم من الكتب السماوية يمنع من التعدد‪.‬‬
‫أما يف التشريعات الوضعية األرضية‪ :‬فالتشريعات الوضعية القديمة كانت‬
‫تسمح؛ إما بتعدُّ د الزوجات أو الخليالت أو السرايا‪.‬‬
‫والتشريعات الوضعية الحديثة الفاسدة يف الغرب تبيح بكل أريحية تعدد‬
‫الخليالت ولو ألف عشيقة‪ ،‬فلو ارتكب إنسان الفاحشة مع ألف امرأة فال مادة‬
‫يف أي دستور علماين ُت ِّ‬
‫جرم ذلك أو تمنع منه‪.‬‬
‫إذن كما قلت‪ :‬ال يوجد تشريع يمنع من التعدد‪ ،‬لكن التعدد إما أن يكون‬
‫شرعي مقدس‪ ،‬وإما أن يكون تعد ًدا شهوان ًّيا حيوان ًّيا غير‬ ‫ٍ‬
‫برباط‬ ‫ً‬
‫مسؤوال‬ ‫تعد ًدا‬
‫ٍّ‬
‫مسؤول‪ُ ،‬تستخدم فيه المرأة ك ُلعبة جنس‪.‬‬

‫‪874‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫نظرا لاللتزامات التي على‬ ‫ونظرا اللتزامات التعدد يف الشرع اإللهي‪ً ...‬‬ ‫ً‬
‫الرجل‪ ،‬والحقوق التي عليه يف اإلسالم‪ ،‬فأقل أمم العالم يف التعدُّ د على‬
‫اإلطالق هي األمة اإلسالمية‪ ...‬أقل ُأ َّمة يف العالم ُيعدِّ د فيها الرجال أكثر من‬
‫امرأة هي أمة المسلمين‪.‬‬
‫ولن تجد إنسانًا يف الغرب إال وهو ُيعدد العشرات‪ ،‬بل واهلل والمئات من‬
‫ِ‬
‫امرأتين؛‬ ‫النساء‪ ،‬إن لم يكن اآلالف يف رحلة حياته‪ّ ،‬‬
‫وقل بين المسلمين َمن يتخذ‬
‫ألن تعدُّ د المسلمين تعدُّ د بشرع إلهي‪ ،‬فهو تعدُّ د مسؤول وزواج ونفقة وحفظ‬
‫وحماية ورعاية للمرأة‪ ،‬ومع كل هذا نحن فقط الذين ُنالم على التعدد‪.‬‬
‫وال يأيت الرتكيز يف قضية التعدُّ د إال على المسلمين‪.‬‬
‫أمر عجيب!‬
‫ٌ‬
‫مقبول عند الملحد‬ ‫فالتعدد الشهواين الحيواين العلماين الغربي الالمسؤول‬
‫تما ًما‪ ،‬بينما الزواج المسؤول والرباط الشرعي والتزام الرجل مدى الحياة مع‬
‫المرأة هو ما يثير مشكلة وشبهة!‬
‫لقد و َّلد التعدد العلماين الغربي أك َب َر أزمة أخالقية يف تاريخ الجنس البشري‪،‬‬
‫وهي أزمة قتل األجنَّة التي تحدثت عنها قبل قليل‪.‬‬
‫ويف أمريكا وحدها ُيقتل أكثر من مليون جنين سنو ًّيا(‪.)1‬‬
‫﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [األنعام‪.]101 :‬‬
‫ونظرا للتعدد الالمسؤول‪ ،‬فسوف‬ ‫ً‬ ‫وإذا ِس َ‬
‫رت يف شوارع أوروبا وأمريكا؛‬
‫تجد أمامك مثل هذه الصناديق‪ ،‬والتي تقول لك‪ً :‬‬
‫بدال من أن تلقي ابنك يف‬
‫القمامة حتى يموت ض ْع ُه هنا يف هذا الصندوق‪.‬‬
‫أمريكا وحدها هبا عشرات اآلالف من هذه الصناديق‪.‬‬
‫‪)1( Approximately 8430000 abortions took place in the United States in 1019.‬‬

‫‪875‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فنحن أمام أكرب مهزلة أخالقية يف التاريخ‪.‬‬


‫مثيال‪.‬‬
‫نحن أمام نازية جديدة مرعبة‪ ،‬وإبادة جماعية يومية لم يشهد لها البشر ً‬
‫لذلك فقد أتى اإلسالم وتعا َمل مع حاجة الرجل الطبيعية الفطرية الغريزية‬
‫للتعدُّ د‪ ...‬تعامل معها بوحي إلهي حكيم‪.‬‬
‫فحرم العالقات الشهوانية الحيوانية‪ :‬ولذلك ففاحشة الزنا ُتعد من أكرب‬
‫َّ‬
‫الكبائر يف اإلسالم‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬

‫‪876‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [الفرقان‪.]82 :‬‬
‫فالزنا جريمة كربى يف اإلسالم‪.‬‬
‫أيضا ُيعد قتل األجنة بعد ن ْفخ الروح فيها من أكرب الكبائر يف اإلسالم‪﴿ :‬ﭭ‬
‫ً‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [التكوير‪.]2 -6 :‬‬
‫فقتل الجنين بعد نفخ الروح هو قتل نفس باإلجماع(‪.)1‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ﴾ [المائدة‪.]52 :‬‬
‫جرم العالقات الحيوانية‪ ،‬وما يتبع هذه العالقات من كوارث‪.‬‬
‫فاإلسالم ُي ِّ‬
‫طاهرا عفي ًفا بالتزامات‬
‫ً‬ ‫زواجا‬
‫ً‬ ‫اإلسالم يقول لك‪ :‬من أراد أن ُيعدد فليتزوج‬
‫وحقوق‪ ،‬فهو رباط شرعي مسؤول بين الرجل والمرأة يف النور‪ ،‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫وواجبات‬
‫ُي َلزم الرجل أمام المجتمع طيلة عمره ُتجاه هذه المرأة مسؤولية ونفقة ورعاية‬
‫وحف ًظا وتأسيس بيت‪ ،‬ورعاية ذرية‪ ،‬ونفقة عليهم‪.‬‬
‫وليتق اهلل‪.‬‬
‫ويف حال َع َج َز الشخص عن كل هذه االلتزامات‪ ،‬فليصربْ َّ‬
‫وهنا السؤال‪ :‬يف حال عدم قدرة الرجل على الوفاء هبذه االلتزامات‪ ،‬فال‬
‫ُيعدد وال ُيسمح له بأن ُيعدد؟‬
‫َص على‬
‫والجواب‪ :‬ألول مرة يف كل التشريعات السماوية واألرضية‪ُ ،‬ين ُّ‬
‫االكتفاء بزوجة واحدة‪﴿ :‬ﮘ﴾ [النساء‪.]5 :‬‬
‫ألول مرة‪ُ :‬يمنع الرجل من التعدُّ د طالما لن يفي هبذه االلتزامات‪ ،‬فزوجة‬
‫وليتق اهلل فهذا أقرب من أن ُيعدِّ د ثم ُيض ِّيع الحقوق‪:‬‬
‫َّ‬ ‫واحدة تكفيه‪ ،‬وليصربْ‬
‫﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [النساء‪.]5 :‬‬

‫)‪ (1‬القوانين الفقهية‪ ،‬ابن جزي ص ‪.101‬‬

‫‪877‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾‪ :‬ذلك أقرب َّأال تجوروا وتظلموا(‪.)1‬‬


‫أقرب ألداء الحقوق وعدم الظلم(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫فاالقتصار على واحدة‬
‫ِ‬
‫وألوالدها‪،‬‬ ‫أما من استطاع أن يفي بالحقوق وااللتزامات للزوجة الثانية‬
‫واستطاع أن يقوم على الحفظ والنفقة والرعاية والمودة والرحمة‪ ،‬فهذا يجوز له‬
‫ٍ‬
‫عفيف‪ ،‬وما أح َّله اهلل ال ُيحرمه إنسان‪ ،‬فعدِّ د كما ُتحب‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫طاهر‬ ‫أن يعدد بزواجٍ‬
‫مثنى وثالث ورباع‪ ،‬وليس ألحد من البشر أن يحرمك مما َّ‬
‫أحل اهلل‪.‬‬
‫فالرجل يحتاج ألكثر من امرأة‪ ،‬وهذا أمر يتفق عليه كل البشر ع ْبر كل‬
‫أضف إلى هذا َّ‬
‫أن نصف حياة‬ ‫ْ‬ ‫فصلنا‪ ،‬فهذا إجماع غريزي إنساين‪،‬‬
‫دساتيرهم كما َّ‬
‫المرأة عوارض طبيعية من حيض ونفاس وقيود حمل‪ ،‬فهناك قيود كثيرة‪،‬‬
‫ف إلى كل ما سبق َّ‬
‫أن غريزة الرجل الـ ‪ Sex Drive‬أعلى بشدة مما عند‬ ‫ِ‬
‫وأض ْ‬
‫أي مرجع طبي متخصص‪.‬‬
‫المرأة‪ ،‬وهذا أمر ُيقرره ُّ‬

‫أيضا أغلب حال‬


‫فحاجة الرجل قد ال توفيها المرأة حتى يف حالتها الطبيعية‪ً ،‬‬

‫)‪ (1‬تفسير البغوي‪.‬‬


‫)‪ (2‬تفسير السعدي‪.‬‬

‫‪878‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫مستقرا‪ ،‬وقبل هذا وذاك‬


‫ًّ‬ ‫وقليال ما يكون‬
‫ً‬ ‫الرجل أنه يسافر ويغرتب ويهاجر‬
‫فالرجل بطبيعته يستطيع قلبه أن ُيعدِّ د‪.‬‬
‫ومن أجل كل هذا أجمع البشر ع ْبر كل دساتيرهم على إباحة التعدد‪.‬‬
‫يأت ألبطال أسطورية ملحمية‪ ،‬وإنما أتى للبشر‪ ،‬وأتى ل ُيطبق‪،‬‬‫واإلسالم لم ِ‬

‫وأتى ليكون منهج حياة‪ ،‬والبشر لو لم يجدوا تعدُّ د زوجات لعدَّ دوا الخليالت‬
‫وأظهروا الفواحش‪.‬‬
‫حصرها‪ ،‬ويف كل األحوال‬
‫ُ‬ ‫فالرجل قد يحتاج ألكثر من امرأة لدوا ٍع ال يمكن‬
‫البشر كانوا ُيعددون وسوف يعددون!‬
‫دين رب العالمين‪.‬‬
‫والتعدد يف اإلسالم هو‪ :‬أمثل وأحكم وأعلم نموذج‪ ...‬إنه ُ‬
‫وهنا قد يظهر سؤال‪ :‬لماذا إذا كان التعدد يف اإلسالم أمثل وأحكم وأعلم‬
‫نموذج‪ ...‬لماذا نحن الذين ُنالم يف موضوع التعدد؟‬
‫لماذا إذا ُذكر التعدُّ د ُذكر المسلمون؟‬
‫زوجها؟‬
‫ثم لماذا تكره المرأة المسلمة أن ُيعدِّ د ُ‬
‫ثم السؤال األخطر‪ :‬كيف أصبح هناك ِشبه رفض مجتمعي للتعدد يف بالدنا؟‬
‫والجواب‪ :‬لألسف أصبحت نظرة المجتمع للتعدد نظرة خاطئة تما ًما‪،‬‬
‫وأصبح أغلب الناس يتعاملون مع هذا الموضوع بصورة سخيفة‪ ...‬يتعاملون‬
‫تصورات فاسدة عن التعدد‪ ،‬وفتحوا‬
‫ُّ‬ ‫فرسخوا يف األذهان‬
‫تعامال هزل ًّيا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫معه‬
‫ً‬
‫مجاال للعلمانيين والملحدين أن يهاجموا التعدد عندنا‪.‬‬
‫فنحن عندنا أخطاء كثيرة يف طريقة التعامل مع التعدد منها‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أخطأ الرجل الذي جعل مسألة الزوجة الثانية موضو ًعا للته ُّكم أمام‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫عليك‪.‬‬ ‫سأتزوج‬ ‫زوجتِه فيقول لها بمناسبة وبدون مناسبة‪ :‬أنا‬
‫َّ‬
‫وكأنه هتديد لها‪.‬‬

‫‪879‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫رسخ يف ذهن المرأة‪ ،‬ويف ذهن الناس من حوله‪،‬‬


‫هذا الرجل هبذا األسلوب ُي ِّ‬
‫ودون أن يدري‪َّ ،‬‬
‫أن الزواج الثاين إيذاء للزوجة األولى‪ ،‬فطالما أنه يهددها‬
‫خطير عليها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫بالزواج الثاين‪ ،‬إذن فالزواج الثاين ٌ‬
‫أي خطر‪،‬‬
‫فهذا أسلوب غير صحيح بالكلية‪ ،‬وهو هبذا يشوه مسألة ليس فيها ُّ‬
‫أي هتديد‪ ،‬بل فيها حل لكثير من المشاكل كما سأوضح‪.‬‬
‫وال ُّ‬
‫الخطأ الثاين‪ :‬المجتمع بثقافته التي تبتعد عن روح اإلسالم كلما َت َقارب الزمان‪،‬‬
‫شعورا بأن الزواج الثاين يعني فقدان الزوجة األولى لألمان‪ ،‬ويعني‬
‫ً‬ ‫أعطى المرأة‬
‫تقصيرا سيحصل يف حق الزوجة األولى وال ُبدَّ ‪.‬‬
‫ً‬ ‫حرمان الزوجة األولى‪ ،‬ويعني‬
‫أصبحت لألسف هذه ثقافة المجتمع عن الزواج الثاين‪.‬‬
‫التصورات الفاسدة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫كرست لهذه‬ ‫ولألسف كثير من تجارب الزواج الثاين َّ‬
‫فيأيت شخص ظالم جاهل يتزوج بزوجة ثانية‪ ،‬في ِ‬
‫همل األولى أو ُيضيعها!‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫بتصرفاتنا يف تشويه هذا النموذج النقي األمثل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فنحن شركاء‬
‫ونحن َمن نعطي العلماين الغربي الذي يعيش حياة هبيمية أن يسخر من‬
‫الزواج المسؤول عندنا‪.‬‬
‫الخطأ الثالث‪ :‬ما أن ُيعدد الرجل حتى ي ُظ َّن الناس أن هذا ل ِ ٍ‬
‫عيب يف زوجته‬
‫األولى‪ ،‬أو لمشكلة حصلت مع األولى‪ ،‬فتصبح وكأهنا يف موضع المتَّهم‪ ،‬أو يف‬
‫زوجها عليها‪.‬‬
‫موضع َمن كانت سب ًبا يف أن يتزوج ُ‬
‫وبعض النساء بالفعل تفقد الثقة يف نفسها بمجرد زواج زوجها؛ ألهنا تظن‬
‫أهنا السبب يف زواجه لتقصيرها معه‪.‬‬
‫وهي قد ترى نظرات اللوم يف عيون اآلخرين‪ ،‬يلوموهنا أنه تزوج عليها‪،‬‬
‫وهذا خطأ شديد‪ ،‬فالرجل قد يحتاج لزوجة ثانية دون أي تقصير من األولى‪.‬‬
‫مدخال للشبهة يف قلوب بعض النساء يف‬
‫ً‬ ‫تجرأ العلمانيون علينا ووجدوا‬
‫لقد َّ‬

‫‪880‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫مسألة التعدد؛ نتيج ًة للفهم الخاطئ للتعدد‪ ،‬والممارسات السيئة المرتبطة به من‬
‫البعض‪.‬‬
‫ف الرجال عن الحالل حتى يسرتيحوا من نظرة المجتمع حال‬
‫ولألسف َع َز َ‬
‫بعضهم يف الحرام‪.‬‬
‫التعدد‪ ،‬فوقع ُ‬
‫اهلل لهم وقعوا يف المصائب‪.‬‬
‫حرموا على أنفسهم ما أحل ُ‬
‫فلما َّ‬
‫التصورات‬
‫ُّ‬ ‫إذن ال بد أن تكون هناك ثقافة مجتمعية تسعي لتصحيح هذه‬
‫وأن َيعرف َّ‬
‫أن‬ ‫الفاسدة والسلوكيات الخاطئة‪ ،‬وعلى الرجل أن ُيصلح من نفسه‪ْ ،‬‬
‫ظلما سيقع عليها لو‬
‫إشعارا لها بأن ً‬
‫ً‬ ‫الزواج الثاين ليس هتديدً ا للزوجة األولى‪ ،‬أو‬
‫تزوج‪ ،‬بل هو َمن سيتحمل مسؤولية مضاعفة ال هي‪.‬‬
‫َّ‬
‫فحق الزوجة األولى كما هو ال ُينقص منه شيء‪ ...‬ح ُّقها يف اإلحاطة والرعاية‬
‫ُّ‬
‫وشعور األمان والنفقة يوفره لها كما هو‪.‬‬
‫دون أهلِ ِه‪ ،‬فهو شهيدٌ "(‪.)1‬‬ ‫ويحافظ عليها ويدافع عنها بدمه‪" :‬و َمن قاتل َ‬
‫قصر يف شيء من حقها ويرعاها ويحفظ ذريتها ويرعاهم‪ُ " :‬ك ُّل ُك ْم َرا ٍع‬ ‫فال ُي ِّ‬
‫ول عن َر ِع َّيتِ ِه"(‪.)2‬‬
‫أهلِ ِه َرا ٍع وهو َم ْس ُؤ ٌ‬
‫والر ُج ُل يف ْ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ول عن َرع َّيته؛ َّ‬ ‫و َم ْس ُؤ ٌ‬
‫فالنساء أخذن على الرجال عهدً ا شديدً ا بالرعاية والحفظ‪﴿ :‬ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النساء‪.]21 :‬‬
‫وأمر اهلل بعشرهتن بالمعروف‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [النساء‪.]12 :‬‬
‫فحقو ُقها ُيو ّفيها إليها كما هي‪.‬‬
‫ُيضاف إلى كل ذلك بالقدر والقيمة والمعنى أنفسهم‪ :‬حقوق الزوجة الثانية‪.‬‬
‫فالرجل هو َمن سيتحمل المسؤولية مضاعفة‪.‬‬

‫)‪ (1‬سبق تخريجه‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫‪886‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫لواحدة على حساب األخرى‪.‬‬ ‫وال يجوز له أن يميل‬
‫إلحداهما على األُخرى‪ ،‬جاء يو َم‬
‫ُ‬ ‫يميل‬ ‫ِ‬
‫امرأتان‪ُ ،‬‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬من كان له‬
‫القيامة‪ ،‬أحدُ شق ْي ِه ٌ‬
‫مائل"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫أهل العر ِ‬ ‫مائل‪ :‬يأيت ِ‬
‫القيامة‪ ،‬أحدُ شق ْي ِه ٌ‬
‫ِ‬
‫صات؛‬ ‫بحيث َيراه ُ َ َ‬
‫ُ‬ ‫مائ ًال‬ ‫جاء يو َم‬
‫ِ‬
‫َّعذيب‪.‬‬ ‫كون هذا زياد ًة يف الت‬ ‫ل ِ َي َ‬
‫كل هذا‪ ،‬ويعرف ما عليه‪ ،‬ولو لم يكن من أهل‬‫فالرجل ال بد أن يعرف َّ‬
‫أصلح لدينه‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ِ‬
‫فليكتف بواحدة فهذا‬ ‫الوفاء بالحقوق‬
‫ُ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [النساء‪.]5:‬‬
‫أن زواج الرجل ليس بسبب َع ٍ‬
‫يب فيها‪.‬‬ ‫يف الجهة الثانية‪ :‬ال بد أن تعي المرأة َّ‬
‫إلهي‪ ،‬أح َّله اهلل ‪.‬‬
‫إلهي‪ ،‬ووحي ٌّ‬
‫تشريع ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫أن تعي َّ‬
‫أن التعدُّ د‬ ‫وال بد ْ‬
‫ولتحذر أن تكره شي ًئا من شرع اهلل‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ﴾ [محمد‪.]2:‬‬
‫من الممكن للمرأة أن ترفض زواج زوجها عليها بدافع الغيرة والغريزة‪،‬‬
‫لكن ال ترفض التعدد كتشريع إلهي أح َّله اهلل‪.‬‬
‫فدافع الغيرة والغريزة هذا أمر ِجب ِّل ٌّي ال شيء فيه‪ ،‬أما ُ‬
‫رفض التعدد وكراهي ُة‬
‫ما أنزل اهلل فهذا ُمحبط للعمل‪.‬‬
‫وهنا نعود لجواب السؤال السابق‪ :‬لماذا ترفض المرأة التعدد؟‬
‫والجواب لثالثة أسباب‪:‬‬
‫فأما األول‪ :‬فلثقافة المجتمع يف نظرته للزواج الثاين‪ ،‬كما فصلنا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وحل هذه المشكلة بتغيير نظرة المجتمع للزواج الثاين كما قلنا قبل قليل‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬ح‪.5202 :‬‬

‫‪882‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وثاين األسباب التي تجعل المرأة ترفض التعدد هو‪ :‬حسابات بعض النساء‬
‫المادية‪ ،‬حيث تبخل المرأة بما عند زوجها من مال أن تشاركها فيه غيرها‪ ،‬وهذا‬
‫قسم سبحانه الرزق بين عباده بحكمته‪ ،‬وقد‬
‫الرزاق‪ ،‬وقد َّ‬
‫جهل؛ ألن اهلل هو َّ‬
‫يغتني َمن ُيعدد‪ ،‬وقد ُيفلس َمن لم يتزوج بعد‪.‬‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [الذاريات‪.]36 :‬‬
‫حذر من هذه الحسابات المادية عند بعض النساء‪ ،‬فقال‪َ " :‬‬
‫وال‬ ‫والنبي ﷺ َّ‬
‫الم ْر َأ ُة َط َال َق ُأ ْختِ َها ل ِ َت ْك َف َأ ما يف إنَائِ َها"(‪.)1‬‬
‫َت ْس َأ ُل َ‬
‫أن يط ِّل َق َضر َتها لِتَستأثِر بِ َخ ِير َز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فال َتط ُل ُ‬
‫وحدَ ها‬
‫وجها ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ب المرأ ُة من َزوجها ْ ُ‬
‫جهل‪.‬‬‫هذا ٌ‬
‫فاهلل هو مقدر األرزاق سبحانه‪.‬‬
‫فإن لها ما ُقدِّ َر َلها"(‪.)2‬‬
‫ويف الحديث اآلخر لتأكيد المعنى نفسه‪َّ " :‬‬
‫فرز ُقها مقسو ٌم ٌ‬
‫مقدر قبل أن تولد‪ ،‬ولن يقل رزقها بزواج زوجها‪﴿ :‬ﮨﮩﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ﴾ [الذاريات‪.]25 -22 :‬‬
‫أما ثالث األسباب التي تجعل الزوجة ترفض التعدد فهو‪ :‬قضية الغيرة وهذا‬
‫أمر فطري طبيعي جب ِّلي‪ ،‬وهذه إحدى الفتن وإحدى البالءات‪ ،‬فالشرع لن ينزل‬
‫ِ‬
‫أهوائنا‪ ،‬وإال ما كان تكلي ًفا‪.‬‬ ‫مفصال على‬
‫ً‬
‫فاهلل ‪ ‬يبتلي بأشياء قد َت ُّ‬
‫شق على النفس فقدَّ ر سبحانه الغيرة على المرأة‪.‬‬
‫وقدَّ ر على الرجل أشياء مثل‪ :‬صالة الجماعة‪ ،‬والقتال تحت ظل السيوف‪،‬‬
‫والنفقة‪ ،‬وأمور كثيرة‪ ،‬وليس على المرأة شي ٌء منها‪.‬‬
‫شق على الرجل أو المرأة نفسيهما ص َبرا عليه واستعانا باهلل ‪ ‬فهو‬
‫فما َّ‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2101:‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1015:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.8811 :‬‬

‫‪883‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫سبحانه‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]2 :‬‬
‫فنحن يف دار تمحيص بالفتن والبالء‪.‬‬
‫وما قدَّ ر اهلل من شيء إال لحكمة‪.‬‬
‫فقدَّ ر سبحانه زيادة غريزة الرجل نحو النساء‪ ،‬وهذه الغريزة الزائدة تجعل الرجل‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة يسعد معها‪ ،‬وهو مستعدٌّ ْ‬ ‫يحفر يف الصخر‪ ،‬ويشقى طيلة عمره حتى يظفر‬
‫يكِدَّ يو َمه ك َّله‪ ،‬وامرأ ُته يف المقابل تنام هانئة مطمئنة‪ ،‬ال مشكلة لديه يف ذلك‪.‬‬
‫أن‪ :‬الرجل يصرب على كفاح العمر ك ِّل ِه بال كلل‪.‬‬
‫فمن ِح َكم الغريزة القوية َّ‬ ‫ِ‬

‫خلق اهللِ لل َغيرة عند المرأة‪ :‬حتى تحافظ على بيتها‪ ،‬وتحافظ‬
‫ومن حكم ِ‬
‫على زوجها من أن ُيفتَن بالنساء‪.‬‬
‫وهنا قد يرد سؤال‪ :‬لماذا ال ُتعدد المرأة؟‬
‫والجواب‪ :‬لدى المرأة عاطفة ُأحادية‪ ،‬فالطبيعة النفسية للمرأة هي بأن ُتخلص‬
‫أيضا له ِحكم كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬استقرار البيت‪ِ ،‬‬
‫وح ْفظ األسرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬وهذا ً‬ ‫لرج ٍل‬
‫فاهلل ‪ُ ‬يقدِّ ر بحكمته كل ذرة يف هذا الكون‪ ،‬وال توجد ذرة يف الكون إال‬
‫وهي تسير بعلم اهلل وحكمته وتقديره وإرادته ومشيئته وقدرته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سواء‪.‬‬ ‫وما شرع اهلل ‪ ‬التعدد إال للخير للرجل والمرأة على حدٍّ‬
‫وكم من المشاكل للرجل والمرأة يقوم بح ِّلها التعدد الصحيح بنموذجه‬
‫اإلسالمي النقي‪.‬‬
‫فهناك مشاكل مجتمعية رهيبة يقوم التعدد بحلها منها‪ :‬مشكلة العنوسة‪،‬‬
‫التفسخ‬
‫ُّ‬ ‫ومشكلة الخيانات الزوجية‪ ،‬ومشكلة الجوع العاطفي‪ ،‬ومشكلة‬
‫األخالقي‪ ،‬وكثير من المشاكل ُت َح ُّل هبذا التشريع الرباين‪.‬‬
‫وكم من المجتمعات المسلمة عرب الزمن عدَّ دت وما زالت ُتعدد بال أي‬
‫مشاكل‪ ،‬وال أي ضغط نفسي على الزوجة األولى‪ ،‬وما ظهرت المشاكل والضغط‬

‫‪884‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫النفسي إال بفساد النظرة المجتمعية للتعدد‪.‬‬


‫فنحن نحتاج إلعادة النظرة الصحيحة‪ ،‬ونحتاج ليتعلم الرجال حقوق‬
‫التعدد والتزاماته‪ ،‬ونحتاج ليتعلم الناس ِح َكم شرع اهلل ‪.‬‬
‫ونحتاج قبل كل هذا ألن نَرضى بشرع اهلل‪ ،‬وأن َ‬
‫نعمل بما شرع‪.‬‬

‫‪ -97‬ملاذا لم يقبل انليب ﷺ بزواج ع ٍّ‬


‫يل ىلع ابنته فاطمة؟‬

‫سول اهللِ وبِن ُْت َعدُ ِّو اهللِ ِعنْدَ‬


‫ج‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬واهللِ ال َت ْجت َِم ُع بن ُْت ر ِ‬
‫َ‬
‫واح ٍد أبدً ا"(‪.)1‬‬
‫رج ٍل ِ‬
‫َ ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل عند رج ٍل‬ ‫منع ﷺ عل ًّيا مِن ْ‬ ‫فقد َ‬
‫بيت واحد‪ ،‬فهذه ع َّلة النهي‪.‬‬ ‫ويف ٍ‬

‫أيضا قضية مهمة‪ ،‬وهي َّأن‪ :‬فاطمة ‪ ‬حالة خاصة‪ ،‬وكذلك خديجة ‪‬‬
‫وهنا ً‬
‫أيضا حالة خاصة‪.‬‬
‫ً‬
‫فاطمة امرأة كاملة‪.‬‬
‫أن فاطمة ‪ُ ‬‬
‫أكمل النساء على اإلطالق(‪.)2‬‬ ‫فقد َثبت َّ‬
‫فأنت أمام إنسان كامل‪ ...‬أنت أمام فاطمة ‪.‬‬
‫كذلك خديجة ‪ ‬إنسانة كاملة‪ ...‬ك َُملت‪.‬‬
‫لذلك النبي ﷺ لم يتزوج من النساء أحدً ا مع خديجة‪ ،‬فهي ظلت معه ‪20‬‬
‫سنة وستة أشهر‪ ،‬ولم يتزوج معها أحدً ا‪ ،‬فهي امرأة كاملة‪ُ ،‬تغنيه عن غيرها‪،‬‬
‫وحسن التب ُّعل ما تغني عن غيرها‪.‬‬‫وفيها من الربكة‪ ،‬وفيها من الحكمة‪ُ ،‬‬
‫نت ِع َ‬
‫ريم بِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مران‪َ ،‬‬
‫وخديج ُة‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬حس ُب َك من نساء العا َلمي َن‪َ :‬م ُ‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2002 :‬‬
‫)‪ (2‬التنوير‪ ،‬شرح الجامع الصغير‪.‬‬

‫‪885‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫محم ٍد‪ ،‬وآسي ُة امرأ ُة فِ َ‬


‫رع َ‬
‫ون"(‪.)1‬‬ ‫نت َّ‬
‫نت خوي ٍ‬
‫لد‪ ،‬وفاطم ُة بِ ُ‬ ‫بِ ُ َ ْ‬
‫نساء العا َلمي َن هؤالء األربع ‪.‬‬ ‫حسب َك مِن ِ‬
‫ُ‬

‫‪ -98‬هل املرأة عورة يف اإلسالم؟‬

‫ج‪ :‬عورة تعني‪ :‬شي ٌء ُعرض ٌة إللحاق الضرر به‪ ،‬فيجب الحفاظ عليه‪.‬‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫مثل ِ‬ ‫وهذا ُ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [األحزاب‪.]15 :‬‬
‫ُب ُيو َتنَا َع ْو َرةٌ‪ :‬نريد أن نذهب لحمايتها‪.‬‬
‫إذن عورة تعني‪ :‬أهنا ُعرضة إللحاق األذى هبا‪ ،‬وكَون المرأة عور ًة فهذا‬
‫تكليف للرجل بالحفاظ عليها وحمايتِها من المرتبصين‪.‬‬
‫دون أهلِ ِه‪ ،‬فهو شهيدٌ "(‪.)2‬‬
‫فالرجل ُمك َّلف يف اإلسالم بحماية المرأة‪" :‬و َمن قاتل َ‬
‫والمرأة األجنبية عن الرجل المسلم هو ُمك َّلف شر ًعا بأن ي ُغ َّض من بصره‬
‫أمامها‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [النور‪.]51 :‬‬
‫شرعا بالحجاب أمامه‪﴿ :‬ﮟﮠﮡﮢﮣ﴾ [النور‪.]51 :‬‬ ‫وهي ُمك َّلفة ً‬
‫وهبذا يكون المجتمع َس ِو ًّيا‪.‬‬
‫وال ينزعج من هذه القواعد والضوابط إال ُدعاة اإللحاد ممن يريدون إشاعة‬
‫الفاحشة يف الذين آمنوا‪.‬‬
‫َ ْ ُ ْ َ َ ْ ٌ َّ ْ ْ ُ ْ َ ً‬
‫‪ -99‬ما معىن قول انليب ﷺ‪" :‬لن يفلِح قوم َولوا أم َره ُم ام َرأة"؟‬

‫فار َس قدْ َم َّل ُكوا عليهم بن َْت ِك ْس َرى‪َ ،‬‬


‫قال‪:‬‬ ‫أه َل ِ‬ ‫سول اهللِ ﷺ َّ‬
‫أن ْ‬ ‫ج‪َ :‬ل َّما َب َل َغ َر َ‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.5626:‬‬


‫)‪ (2‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫‪886‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫َل ْن ُي ْفلِ َح َق ْو ٌم َو َّل ْوا أ ْم َر ُه ُم ا ْم َر َأ ًة(‪.)1‬‬


‫والسؤال‪ :‬لماذا لن يفلح قوم َو َّل ْوا أمرهم امرأة؟‬
‫والجواب‪ :‬المرأة بعاطفتها ق َّلما تنجح يف إدارة أمور الناس‪ ،‬فهي يف َ‬
‫الوالية‬
‫يعيبها يف شيء‪.‬‬
‫أمر ال ُ‬ ‫قليال ما تنجح‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫العامة ً‬
‫فعاطف ُتها ِ‬
‫تأس ُرها‪.‬‬
‫لتتحمل الولد‪ ،‬وتحنو عليه‪ ،‬وتصرب‬
‫َّ‬ ‫وقد خلقها اهلل هبذه العاطفة الج َّياشة‬
‫الليل ك َّله وهي سعيدة راضية‪ ،‬فهذه رحمة من اهلل‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬وتسهر َ‬
‫وهناك أسباب أخرى كثيرة غير موضوع العاطفة‪ :‬فالتق ُّلبات النفسية للمرأة‬
‫تحصل بوتيرة شبه ثابتة شهر ًّيا‪ ،‬هذه التقلبات النفسية يكون لها تأثير حقيقي‬
‫التي ُ‬
‫على اتخاذ القرار‪.‬‬
‫وهذا أمر يقرره علماء النفس‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0023 :‬‬

‫‪887‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهناك أسباب أخرى كثيرة‪.‬‬


‫وحنوها يأسرانِها‪ ،‬كانت قلما‬
‫ُّ‬ ‫فلما كانت هذه األسباب‪ ،‬ولما كانت عاطف ُتها‬
‫تنجح يف إدارة أمور الناس العامة‪ ،‬وقلما استطاعت أن تقدِّ م الحزم على‬
‫يشق عليها لفطرهتا‪.‬‬ ‫العاطفة‪ ،‬فهذا ُّ‬
‫فار َس قدْ َم َّل ُكوا عليهم بن َْت ِك ْس َرى‬
‫أه َل ِ‬
‫أن ْ‬‫سول اهللِ ﷺ َّ‬ ‫ولذلك َل َّما َب َل َغ َر َ‬
‫قال‪َ :‬ل ْن ُي ْفلِ َح َق ْو ٌم و َّل ْوا أ ْم َر ُه ُم ا ْم َر َأ ًة(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫أن ما أخرب به النبي ﷺ حصل‪.‬‬‫وسبحان اهلل من عجيب اآليات َّ‬
‫فقد َملكت بن َْت ِك ْس َرى سنة واحدة‪ ،‬ولما كان عندها من العاطفة الزائدة ما‬
‫عندها‪َ ،‬و َّزعت أموال اإلمرباطورية الفارسية على الجند‪ ،‬وتوق َّفت عن جمع األموال‬
‫وقسمت األموال التي جمعها الملوك السابقون فاهنار مل ُكها سري ًعا(‪.)2‬‬
‫من الشعب‪َّ ،‬‬
‫أن امرأة تتو َّلى َ‬
‫الوالية العامة وتنجح؟‬ ‫لكن هل من الممكن َّ‬
‫قليل نادر‪ ،‬ويحتاج لج ٍ‬
‫لد شديد من المرأة‪ ،‬وقد ذكر القرآن‬ ‫والجواب‪ :‬هذا ٌ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ملكة سبأ كمثال على ذلك‪ ،‬فهي ملكة قوية حازمة‪ ،‬لكن يف المجمل هذا ٌ‬
‫قليل‬
‫نادر؛ ولذلك فأمريكا يف كل تاريخها لم تصل امرأة واحدة فيها للحكم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫يتأسس على األعم األغلب‪ ،‬وليس على النادر‪.‬‬
‫فالنادر ال ُحكم له‪ ،‬والتشريع َّ‬

‫‪ -600‬ما تفسري قوهل تعاىل‪﴿ :‬ﭯ ﭰ﴾ [النساء‪]34 :‬؟‬

‫ج‪ :‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬


‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [النساء‪.]50 :‬‬

‫)‪ (1‬سبق تخريجه‪.‬‬


‫‪)2( She ordered a public tax exemption Marie Louise Chaumont (1484). "Bōrān".‬‬

‫‪888‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫بأسلوب ٍ‬
‫ماكر؛ إذ يستحضر‬ ‫ٍ‬ ‫يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭯﭰ﴾ يطرح الملحد شبهته‬
‫حاالت لرجال يبطشون بنسائهم‪ ...‬رجال ظلمة َفسدة‪ ،‬فيأيت الملحد ويربط بين‬
‫هذه الحاالت التي فيها ُظلم َب ِّين للمرأة وفساد ظاهر وبين اآلية الكريمة‪.‬‬
‫فالمالحدة يتاجرون بظلم وفساد بعض األزواج‪.‬‬
‫فاآلية الكريمة‪﴿ :‬ﭯ ﭰ﴾ هي يف حالة واحدة‪ ،‬ولها تطبيق واحد فقط‪.‬‬
‫اآلية يف حالة الناشز‪ ،‬وهي الحالة الوحيدة‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ﴾‪.‬‬
‫والناشز هي‪ :‬التي تعصي زوجها‪ ،‬وال تطيعه‪ ،‬وتؤذيه بلساهنا أو بيدها‪.‬‬
‫وهذه هي الحالة الوحيدة‪.‬‬
‫إذن ما هي طريقة التعامل مع هذه الحالة؟‬
‫والجواب‪ :‬التطبيق الوحيد للتعامل مع هذه الحالة بعد النصيحة والهجر يف‬
‫الفراش‪﴿ :‬ﭫﭬﭭﭮ﴾ يتب َّقى بعد هذه األمور ليس اإليالم‬
‫فضال عن التعذيب أو هذه المفاسد‪ ،‬وإنما المقصود من قوله تعالى‪:‬‬
‫ً‬ ‫الجسدي‬
‫أن له حقو ًقا على زوجته(‪.)1‬‬
‫﴿ﭯﭰ﴾ هو‪ :‬إظهار حق الرجل بالطاعة‪ ،‬وإظهار َّ‬
‫إذن ليس المقصود يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ﴾ اإليالم الجسدي‪ ،‬وإنما‬
‫إظهار حق الرجل بالطاعة؛ ولذلك عامة مفسري السلف كابن عباس وعطاء‬
‫يقولون‪" :‬الضرب بالسواك وشبهه"‪.‬‬
‫ِ‬
‫ونحوه"(‪.)2‬‬ ‫قال ابن عباس‪ :‬بالسواك‬
‫فضال عن غيره‪ ،‬فليس المقصود‪ :‬اإليالم‬
‫فالضرب بالسواك ال يؤلم الصبي ً‬
‫الجسدي‪ ،‬وإنما المقصود هو فقط كما قلنا‪ :‬إظهار حق الرجل بالطاعة‪.‬‬

‫)‪ (1‬العقلية الليربالية يف رصف العقل ووصف النقل‪ ،‬عبد العزيز الطريفي حفظه اهلل‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير القرطبي‪.‬‬

‫‪889‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وص ُلح حا ُلها‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬


‫فإذا عادت المرأة عن نشوزها َ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‪.‬‬
‫كبير‪ ،‬فإياك أن تظلمها‪ ،‬ويف هذا تحذير للزوج لئال يستخدم قوته مع‬
‫لي ٌ‬ ‫اهلل َع ٌّ‬
‫المرأة أو يؤذيها‪.‬‬
‫ومن يلجأ لضرب زوجته فهو ليس من خيار المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬
‫بخيار ُكم"(‪.)1‬‬ ‫ليس أو ِلئ َك‬
‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬‬
‫فخياركم َم ْن ال َي ْض ِربون نِسا َء ُهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫والصربِ عليه َّن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويف هذا ُ‬
‫بالح ْسنى‪َّ ،‬‬
‫بيان فضيلة ُمعا َملة النِّساء ُ‬
‫سول اهللِ ﷺ شي ًئا َق ُّط ب َي ِد ِه‪َ ،‬و َال‬ ‫ولذلك كما يف حديث مسلم‪" :‬ما َض َر َب َر ُ‬
‫اد ًما"(‪.)2‬‬‫امر َأةً‪ ،‬و َال َخ ِ‬
‫َْ َ‬
‫إن مِن أكم ِل المؤمني َن إيمانًا أحسنَهم ُخل ًقا وألط َفهم بأهلِ ِه"(‪.)3‬‬ ‫وقال ﷺ‪َّ " :‬‬
‫ِ‬
‫لنسائ ِهم"(‪.)4‬‬ ‫خيار ُكم‬
‫خيار ُكم ُ‬
‫وقال ﷺ‪ُ " :‬‬
‫ْ‬
‫وليتعامل مع أذاها بالحسنى والنصيحة قدر‬ ‫فليصربِ الرجل على زوجته‪،‬‬
‫استطاعته‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [النساء‪.]12 :‬‬
‫فإن ظ َّلت على نشوزها بعد النصيحة والموعظة والصرب يهجرها يف الفراش‪،‬‬
‫أصرت على النشوز والتعدّ ي عليه‪ ،‬تأيت المرحلة الثالثة‪﴿ :‬ﭯ ﭰ﴾‬
‫َّ‬ ‫فإن‬
‫والمقصود ليس اإليالم الجسدي‪ ،‬فضرب السواك ال يؤلم الطفل‪ ،‬وإنما المقصود‬
‫كما قلنا إثبات ح ِّق ِه يف الطاعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.2108 :‬‬


‫)‪ (2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2526 :‬‬
‫)‪ (3‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (4‬مسند أحمد‪ ،‬م‪ 2‬ص‪ ،022‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪890‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫‪ -606‬ملاذا شهادة املرأة ىلع انلصف من الرجل؟‬

‫ج‪ :‬ألن طبيعة المرأة أنَّها بعيدة عن أحوال التجارة‪ ،‬وأسعار السوق‪،‬‬
‫وأحوال عقود البيع والشراء والبضائع‪ ،‬فال تذ ُكر هذه التفاصيل‪.‬‬
‫فالمرأة يف الغالب بعيد ٌة عن هذه األمور‪.‬‬
‫انضمت لها شهادة امرأة أخرى حتى ُتذ ِّكرها إذا‬
‫َّ‬ ‫فمن رحمة اإلسالم هبا ْ‬
‫أن‬
‫نسيت‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ﴾ [البقرة‪.]262 :‬‬
‫فما المشكلة يف هذا؟‬
‫وهنا قد يقول ملحد‪ :‬مشكلة النسيان موجودة عند َمن ال يحضر التجارات‬
‫كرجال البادية‪ ،‬فهل ُتقبل شهادة البدوي‪ ،‬وتبقى المرأة على النصف من شهادته؟‬
‫بدوي‬
‫ٍّ‬ ‫والجواب‪ :‬قال النبي ﷺ يف الحديث الصحيح‪" :‬ال َت ُ‬
‫جوز َشهاد ُة‬
‫صاحب ٍ‬
‫قرية"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫فشهادة البدوي ليست ِضعف شهادة المرأة‪ ،‬وال مثل شهادة المرأة‪ ،‬بل هي‬
‫أصال‪.‬‬
‫ال ُيعتدُّ هبا ً‬
‫فالمرأة يف القرى والمدن قد تشهد العقود؛ فلذلك شهادهتا على النصف من‬
‫أصال فليست له شهادة‪.‬‬
‫شهادة الرجل‪ ،‬بينما البدوي ال يشهد العقود ً‬
‫رجال وامرأةً‪ ،‬وإنما الموضوع عدل وتشريع‪.‬‬
‫فالموضوع ليس ً‬
‫فهذا تشريع إلهي ال يخضع إلرضاء األهواء والمذاقات الغربية على‬
‫ِ‬
‫وظروف حياهتم‪.‬‬ ‫حساب طبيعة وفطرة البشر‬
‫فطبيعة المرأة أهنا تنشغل أكثر باألمور الخاصة بالنساء‪ ،‬كمسائل الرضاع‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.2582:‬‬

‫‪896‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهنا يف هذه المسائل كمثال ُتقبل شهادة المرأة و ُت َر ُّد شهادة الرجل‪.‬‬
‫فشهادة الرجل يف الرضاع ال ُيعتدُّ هبا؛ ألنه ال يحضر هذه األمور‪.‬‬
‫إذن فالموضوع ميزان عدل وقسط‪ ،‬وليس إرضا ًء للفلسفة النسوية‪.‬‬
‫الغرب يتق َّبل ما هو ضد الفطرة‪ ،‬وضد طبيعة البشر حتى يقال أنَّه يعطي‬
‫حقوقهن‪ ،‬فأهلك النساء وأهلك البشر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫النساء‬
‫يأت إلرضاء األهواء على حساب الحق‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫أما الدين فلم ِ‬

‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [يونس‪.]112 :‬‬
‫فأنت أيها اإلنسان! ا َّتبِع الوحي اإللهي‪ ،‬وال تنشغل بالمبطلين‪﴿ :‬ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [الروم‪.]81 :‬‬

‫‪ -602‬هل مرياث املرأة ىلع انلصف من مرياث الرجل؟‬

‫ج‪ :‬قال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [النساء‪.]11 :‬‬


‫الرجل يف اإلسالم هو المسؤول عن كل النفقات‪ ،‬وهو مسؤول عن المهر‪،‬‬
‫ومسؤول عن النفقة على المرأة واألوالد‪ ،‬ومسؤول عن كسوهتم‪ ،‬والمرأة ليس‬
‫عليها شي ٌء من ذلك‪.‬‬
‫فمن يطرح شبهة‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [النساء‪ ]11 :‬هو يتجاهل نظام‬
‫ٌ‬
‫متكامل وليس حال ًة واحدةً‪،‬‬ ‫األموال يف اإلسالم‪ ،‬فنظام األموال يف اإلسالم بنا ٌء‬
‫أيضا ال ُتلزم المرأة‬
‫ففي اإلسالم‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [النساء‪ ]11 :‬وفيه ً‬
‫ِ‬
‫أوالدها‪ ،‬والذي ُي َلزم بذلك هو ول ُّيها؛ سوا ًء األب أو الزوج‪،‬‬ ‫بنفقة نفسها وال‬
‫وهو من ينفق عليها‪ ،‬وال َتدفع المرأة شي ًئا من مهرها ولو تنقلت بين األزواج‪.‬‬
‫إذن فالمرأة ال ُتلزم بأية نفقة يف أي وقت‪ ،‬بل ُي َلزم الرجل يف كل وقت بالنفقة‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪892‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫واحدة يف ٍ‬
‫بناء متكام ٍل هو أمر‬ ‫ٍ‬ ‫لذلك فرتكيز من يطرحون الشبهات على ٍ‬
‫حالة‬ ‫َ‬
‫غير ٍ‬
‫نزيه إطال ًقا؛ ألننا إذا أخرجنا هذه الحالة الواحدة‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾‬
‫عن البناء (النظام المالي يف اإلسالم) الستغرب الناس‪ ،‬أما لو نظرنا لهذه الحالة‬
‫داخل البناء لوجدناها ُمنتهى العدل مع المرأة وزيادة؛ ألهنا غير ُمك َّلفة بنفقة على‬
‫أي أحد بعكس الرجل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬ويرفض النظر للبناء المالي يف‬ ‫ٍ‬
‫حالة‬ ‫و َمن ينشر الشبهات بإخراج‬
‫حسن ل ُيثبِت تجاعيد‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وجه‬ ‫ُّ‬
‫يستل شامة من‬ ‫مجمله‪ ،‬هو هبذا األسلوب كالذي‬
‫الوجه‪ ،‬فناشر الشبهات يعمل على تكبير هذه الشامة وجعلها كالليل العريض‪،‬‬
‫ِ‬
‫األذهان قبح الوجه(‪.)1‬‬ ‫يستقر يف‬ ‫ثم يقوم بتضخيم األبواق عليها حتى‬
‫َّ‬
‫لو نظر الملحد فيما ُك ِّلف به الرجل يف اإلسالم‪ ،‬ويف كدِّ الرجل وسعيه طيلة‬
‫عمره من أجل طلب الرزق للمرأة‪ ،‬لتب َّين أنه مخطئ يف طرحه للشبهة‪.‬‬
‫لكن هنا قد يرد سؤال‪ :‬المرأة الكبيرة يف السن قد تحتاج لمزيد ٍ‬
‫نفقة‪ ،‬فهي‬ ‫ُ‬
‫بحاجة لعالج‪ ،‬أو ترغب يف الصدقة‪ ،‬أو أن ُتهدي أبنا َءها‪ ،‬فكيف تكون على‬
‫النصف من الرجل يف الميراث؟‬
‫والجواب‪ :‬هنا سبحان اهلل! نجد َّ‬
‫أن ميراث األم يف الرتكة مثل ميراث األب‪،‬‬
‫فليس للذكر يف هذه الحالة مثل حظ األُنثيين‪ ،‬كال!‬
‫ُ‬
‫ميراث األم هو نفس ميراث األب‪.‬‬ ‫بل يكون يف هذه الحالة‬
‫وهذا الكالم من اآلية نفسها التي ظ َّن الملحد أن فيها شبهة‪ ،‬ففي اآلية‬
‫نفسها‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [النساء‪.]11 :‬‬
‫لألب السدس‪ ،‬ولألم السدس‪.‬‬

‫)‪ (1‬العقلية الليربالية يف رصف العقل ووصف النقل‪ ،‬عبد العزيز الطريفي حفظه اهلل‪.‬‬

‫‪893‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهناك حاالت كثيرة يكون فيها الذكر مثل األنثى كما يف اآلية التالية مباشرةً‪:‬‬
‫﴿ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ﴾ [النساء‪.]12 :‬‬
‫فاألخ الذي ترك ً‬
‫أخا وأختًا‪ :‬يكون ألخيه السدس وألخته السدس‪.‬‬
‫شرع اهلل للرجل مثل ما لألنثى من ميراث يف هذه الحاالت‪ ،‬ألنَّه يف‬
‫فهنا َ‬
‫السن الكبيرة تزداد متطلبات المرأة فتجد ميراثها أعلى‪.‬‬
‫لذك َِر مِ ْث ُل َح ِّظ ْاألُن َث َي ْي ِن) ليست يف كل الحاالت‪ ،‬وإنما هي‬
‫إذن قاعدة‪( :‬ل ِ َّ‬
‫الملزم‬
‫َ‬ ‫فقط يف جيل األبناء؛ َّ‬
‫ألن جيل األبناء يلتزم فيه االبن بنفقات كثيرة‪ ،‬وهو‬
‫بالصداق‪ ،‬وتجهيز الشقة‪ ،‬وتكاليف ال ُعرس وكل شيء‪ ،‬أما البنت فمتط َّلبا ُتها‬
‫ُّ‬
‫أقل‪ ،‬وول ُّيها ُم َلزم بالنفقة عليها‪.‬‬
‫لو تد َّب ْرنا شريعتنا يف ضبط وتنظيم كل تفاصيل الحياة‪ ،‬وأعملناها على‬
‫لسدنا األرض‪ ،‬فهي كلها خير وحكمة من لدن حكيم خبير‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ‬ ‫وجهها؛ ُ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]10 :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واحلمار الصالة؟‬ ‫واللكب‬ ‫‪ -603‬ملاذا تقطع املرأة‬

‫ب‪ ،‬و َي ِقي‬


‫مار وا ْل َك ْل ُ‬
‫ِ‬
‫الم ْر َأ ُة وا ْلح ُ‬ ‫ج‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ " :‬ي ْق َط ُع َّ‬
‫الصالةَ‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ذلك م ْث ُل ُم ْؤخ َرة َّ‬
‫الر ْح ِل"(‪.)1‬‬
‫يتم الجمع بين المرأة والكلب والحمار؟‬
‫فهنا سؤال قد ُيطرح‪ :‬كيف ُّ‬
‫مكتوب عليها‪ :‬ممنوع عبور األطفال‬
‫ٌ‬ ‫وجدت الفت ًة على الطريق‬
‫ُ‬ ‫والجواب‪ :‬لو‬
‫والحيوانات‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.311 :‬‬

‫‪894‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فهل هذا يعني َّ‬


‫أن الدولة تجمع بين األطفال والحيوانات؟‬
‫مرت أمامك‪،‬‬ ‫فالمرأة تقطع الصالة؛ ألهنا تشغلك‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن القلب ينشغل هبا لو َّ‬
‫وهذه الحيوانات تقطع الصالة؛ ألهنا غير طاهرة ومؤذية‪ ،‬فهي تزعجك و ُتروعك‪.‬‬
‫فتنقص الصالة النشغال القلب هبذه األمور؛ لذلك َيتخذ المسلم ُسرتة لئال‬
‫ِ ِ‬ ‫يمر أمام المصلي ما يشغله‪( :‬وي ِقي َ ِ‬
‫ذلك م ْث ُل ُم ْؤخ َرة َّ‬
‫الر ْحلِ)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ‬

‫***‬

‫‪895‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الفصل الثالث‬
‫النسوية‬
‫ُ‬
‫‪ -604‬ما يه النسوية ‪ Feminism‬وهل تصادِم الرشع؟‬

‫ج‪ :‬النسوية هي فلسفةٌ؛ لتثوير المرأة على الرجل‪ ،‬وقد اكتوى هبذه الفلسفة‬
‫النساء قبل الرجال‪.‬‬
‫ويف العام الماضي خرجت إيمي ماسرتين ‪ Amy Mastrine‬وهي نسوية‬
‫أمريكية ُمتعصبة خرجت لتقول معرتفةً‪" :‬نظام سيادة الرجل على المجتمع‬
‫يحمي المرأة أكثر من نظام النسوية"‪.‬‬

‫و ُتقرر ماسرتين أهنا كانت نسوي ًة متعصبة وداعية لتحطيم منظومة سيادة‬
‫الرجل على المجتمع‪ ،‬ونتيج ًة ُّ‬
‫لتعصبها للنسوية تركت مدينتها الصغيرة‪ ،‬وذهبت‬
‫إلى سان فرانسيسكو حيث عاصمة النسوية‪.‬‬

‫‪896‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وهناك يف سان فرانسيسكو تكتشف ماسرتين المفارقة العجيبة‪:‬‬


‫نظام سيادة الرجل الذي تركته خلفها لم يكن ُيهين المرأة‪ ،‬وإنما كان يحميها‪.‬‬
‫تقول‪ :‬اكتش ْف ُت يف سان فرانسيسكو أنَّه ال يوجد حماية‪ ،‬ليس هناك غطا ٌء من‬
‫الرجال الصالحين للدفاع عني‪ ،‬فالجريمة هنا يف كل مكان‪.‬‬
‫ِ‬
‫الجريمة‪.‬‬ ‫وبالمناسبة سان فرانسيسكو هي‪ :‬عاصمة‬

‫جرائم يف كل مكان‪ ،‬وكل إنسان يدافع عن نفسه بقوته‬


‫ُ‬ ‫يف سان فرانسيسكو‬
‫العضلية‪.‬‬
‫وتعرتف ماسرتين‪" :‬بما َّ‬
‫أن المرأة يف طبيعتها أضعف جسد ًّيا من الرجل‪ ،‬فكان‬
‫يتم االعتداء عليها‪،‬‬
‫االعتداء علينا سهل جدًّ ا يف كل مكان‪ ،‬وال توجد امرأة قابلتها لم َّ‬
‫تذكرت المقولة التي تقول‪ :‬ال يحميك من الرجل السيئ إال الرجل الصالح"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وهنا‬

‫‪897‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تقول ماسرتين يف نظام سيادة الرجل ذاك النظام الذي أرادت أن تحطمه‪ :‬يف‬
‫هذا النظام يشعر الرجل بالمسؤولية تجاه حماية المرأة واألطفال‪.‬‬
‫نظام سيادة الرجل يعني‪ :‬حماية المرأة والطفل‪.‬‬

‫ثم تختم كالمها فتقول‪ :‬نظام سيادة الرجل ُيعطي المرأة حرية أكثر من النسوية‪.‬‬
‫مضطرة للنظر خلفك يف كل لحظة‪.‬‬ ‫يف النظام النسوي ِ‬
‫أنت‬
‫َّ‬

‫احتاجت ماسرتين أن تسافر ثالثة آالف ميل؛ لتكتشف َّ‬


‫أن نظام سيادة‬
‫ُ‬
‫أفضل لها من النسوية‪.‬‬ ‫الرجل‬

‫‪898‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫عادت ماسرتين لبلدهتا سري ًعا‪ ،‬وعادت للشعور باألمان يف ظل نظام سيادة‬
‫الرجل الذي يحمي المرأة ويحرص عليها‪.‬‬
‫وبإمكان ماسرتين اآلن النو ُم مطمئن ًة يف وجود رجال طيبين ً‬
‫دائما من حولنا‪.‬‬
‫مشكلة النسوية أهنا فلسفة مليئة باإلشكاالت والكوارث‪ ،‬وال يعي هذه‬
‫الكوارث إال َمن اكتوى بنارها‪ ،‬ثم صار صاد ًقا مع نفسه‪.‬‬
‫بمناصرة‬
‫َ‬ ‫فالفيمينزم ‪ Feminism‬أو النسوية هي أيديولوجيا كاملة‪ ،‬وال َعالقة لها‬
‫كامال للوجود من منظور نِسوي‪.‬‬ ‫تصورا ً‬
‫ً‬ ‫حقوق المرأة‪ ،‬فهي أيديولوجيا تعطي‬
‫وكلمة الفيمينزم ‪ :Feminism‬هذه الالحقة "‪ "ism‬هي الحقة تأيت يف آخر‬
‫الكلمة لتعني‪" :‬أيديولوجيا"‪.‬‬
‫فالنسوية تريد رؤية شمولية للعالم‪ ،‬بل هي إعادة رؤية العالم َو ْفق نظرهتا هي‪.‬‬
‫لذلك فهي أيديولوجية متكاملة كالشيوعية والنازية والداروينية‪ ،‬إهنا تريد‬
‫إعادة رسم العالم‪ ،‬ورسم االقتصاد‪ ،‬ورسم السياسة‪ ،‬ورسم التعليم‪ ،‬ورسم‬
‫الثقافة‪ ،‬ورسم كل شيء َو ْف ًقا لأليديولوجيا الخاصة هبا!‬
‫إهنا تريد مركزية النسوية يف قراءة كل شيء‪.‬‬
‫إذن ُأولى الحقائق التي ال بد أن نعرفها عن النسوية‪َّ ،‬‬
‫أن النسوية هي‪:‬‬
‫أيديولوجيا مكتملة األركان‪.‬‬
‫أما الحقيقة الثانية يف النسوية‪ ،‬فهي أنَّها‪ :‬ال تعني االنتصار لمفهوم األنوثة‪.‬‬

‫‪899‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بل يف الواقع أن النسوية ال َعالقة لها باألنوثة‪.‬‬


‫إن النسوية على العكس تما ًما من األنوثة‪.‬‬
‫فحتى ُتحقق النسوية أيديولوج َّيتها المستق َّلة‪ :‬جعلت ما يحققه الرجل هو مرا ُدها‪.‬‬
‫فانظر لهذه المفارقة العجيبة‪ :‬يظن الناس َّ‬
‫أن النسوية هي تحقيق لمفهوم‬
‫األنوثة‪ ،‬لكنها يف الواقع تجعل معيار النجاح هو تحقيق ما ُيحققه الرجل‪.‬‬
‫فأصل النسوية وأصل الفيمينزم يقوم على اإلعجاب بالذكورة واحتقار األنوثة‪.‬‬
‫غاية الفيمينزم‪ :‬تحقيق ما ح َّقق الرجل‪.‬‬
‫ِ‬
‫مناصر ًة لحقوق المرأة‪ ،‬بل هي‪ :‬ك ْبت للمرأة‪ ،‬وإخفاء‬ ‫فالفيمينزم ليست‬
‫لمعالم المرأة‪ ،‬واعرتاف بعلو ِ‬
‫القيم الذكورية‪.‬‬
‫فهذه من أعجب المفارقات أن يكون تيار الفيمينزم يف حقيقته مجرد ت َّيار‬
‫يدعو إللغاء المرأة لصالح الرجل‪ ،‬ولصالح القيم الذكورية‪ ،‬والنجاحات‬
‫الذكورية‪ ،‬واالنتصارات الذكورية‪.‬‬
‫استقر يف وعيه أن المرأة كائن ضعيف‪ ،‬وحتى ينصلح‬
‫َّ‬ ‫وكأن تيار الفيمينزم‬
‫رجال‪.‬‬
‫هذا الكائن الضعيف ال بد أن يكون ً‬
‫تتقمص النسوية الشخصية الذكورية‪ ،‬وأن ُتحقق النجاح الذكوري‪.‬‬
‫فال بد أن َّ‬
‫فالنسوية هي تيار يدعو ظاهر ًّيا للهجوم على الرجل‪ ،‬وكراهية الرجل‪ ،‬لكنها‬
‫نشدُ َّ‬
‫كل ما ح َّقق الرجل‪.‬‬ ‫يف الواقع َت ُ‬
‫النسوية تريد أن تمحو كل خصائص المرأة‪ ،‬وأن تمحو كل ما يميز المرأة‪،‬‬
‫وأن تمحو طبيعة المرأة‪ ،‬وأن تمسخ ِخلقة المرأة‪ ،‬وأن تمسخ فطرة المرأة‪ ،‬وأن‬
‫رجال بجسد أنثى!‬
‫تمسخ نفسية المرأة‪ ،‬حتى تصبح المرأة يف األخير‪ً :‬‬
‫فمن تد َّبر حال النسوية سيجد أهنا تدعو المرأة لتكفر باألنثى‪ ،‬وتكفر بما‬
‫َ‬
‫استقر يف فطرهتا كأنثى!‬
‫َّ‬

‫‪900‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫رجال بطموحات الرجل‪ ،‬وأمنيات الرجل‪ ،‬وقيم‬


‫فهي تدعو المرأة لتصبح ً‬
‫الرجل‪ ،‬وهذه قمة الفيمينزم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وبطموحات ذكورية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بقلب ذكوري‪،‬‬ ‫النسويات ُي ِر ْد َن من المرأة أن تعيش‬
‫أهنن ُيردن من المرأة أن تعيش حتى بطبيعة‬
‫َّ‬ ‫بل ووصل األمر ببعضهن‬
‫والتجمل‪ ،‬وبعضهن وصل‬
‫ُّ‬ ‫الجسد الذكورية‪ ،‬فبعضهن ترفض وضع المكياج‬
‫هبن الحال إلى رفض إزالة الشعر من الجسد ِ‬
‫وصرن يدعون لذلك‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تضخ ًما غري ًبا‪ ،‬فعندهن احتقار غير طبيعي‬ ‫فالذكورية ُم َّ‬
‫ضخمة يف الفيمنيزم‬
‫لألنوثة!‬
‫وتقوم فلسفة النسوية على مقدمة َّ‬
‫أن‪ :‬الذكر أقوى من األنثى‪ ،‬وأن الذكر‬
‫متميز عن األنثى‪ ،‬وأن الذكر أفضل من األنثى‪ ،‬وبالتالي فحقوق الرجل‪ ،‬وعمل‬
‫الرجل‪ ،‬وطريقة تفكير الرجل‪ ،‬وميادين عمل الرجل هي المعيار الذي تريد أن‬
‫تصل إليه الفيمينزم‪.‬‬
‫فالفيمينزم تجعل الرجل هو السوبر مان‪ ،‬والغاية أن تصير مثله!‬
‫َّ‬
‫إن الرجل يف الفيمينزم هو‪ :‬النموذج المذهل‪.‬‬
‫فانتصار الفيمينزم يكون بالقدر الذي تقرتب فيه من الرجل‪ ،‬ويكون بإلغاء‬
‫المرأة لصالح الرجل‪.‬‬
‫انتصارا لها‪ ...‬هذا تدمير لغريزة‬
‫ً‬ ‫وهذا يف الحقيقة‪ :‬مسخ للمرأة‪ ،‬وليس‬
‫المرأة وطبيعة المرأة‪.‬‬
‫التصور يف الواقع يؤدي إلى قهر المرأة‪ ،‬ويدفعها لرتتدي ثو ًبا غير‬
‫ُّ‬ ‫وهذا‬
‫ثوبِها‪.‬‬
‫والنهاية تدمير نفسيتها‪.‬‬

‫‪906‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالنسوية تجعل المرأة بائسةً‪ ،‬كما تقول سوزان فنكر ‪،Suzanne Venker‬‬
‫فهي تجعل الفتاة يف النهاية تكره نفسها وتكره كوهنا أنثى‪.‬‬
‫تعمقت الفتاة يف النسوية استشعرت الدونية‪ ،‬واحتقرت جسدها‪،‬‬
‫وكلما َّ‬
‫واحتقرت نفسها‪.‬‬

‫‪902‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ِ‬
‫تقدمك هو أن َتصلي‬ ‫ِ‬
‫انتصارك‪ ،‬ومعيار‬ ‫ِ‬
‫نجاحك‪ ،‬ومعيار‬ ‫فعندما يكون معيار‬
‫إلى ما وصل إليه الرجل‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا يعني أنك تمارسين ضمن ًّيا التمييز ضد األنثى‪،‬‬
‫واحتقار األنثى‪ ،‬وكأنك ُتقررين دونية األنثى‪.‬‬
‫لذلك فالنسوية تؤدي لتدمير نفسية المرأة‪ ،‬وتشويه نفسية من يعتنقها مع الوقت‪.‬‬
‫إذن الحقيقة الثانية يف النسوية أهنا‪ :‬تمييز ضد األنثى‪.‬‬
‫أما الحقيقة الثالثة يف النسوية فهي أنَّها‪ُ :‬ترسخ يف أذهان النساء َّ‬
‫أن الذكور‬
‫ٍ‬
‫شيء ذكور ًّيا‪.‬‬ ‫يكون ُّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫عليهن عرب التاريخ‪ ،‬حتى‬ ‫يتآمرون‬
‫َّ‬
‫فالرجال يتآمرون على األنثى‪.‬‬
‫وأن الناس مِن حول الفتاة أباها وأخاها َّ‬
‫وكل‬ ‫وهذه الفكرة فكرة التآمر‪َّ ،‬‬
‫سمى‬ ‫ِ‬
‫رجل من حولها يتآمر عليها‪ ،‬هذه الفكرة يف األصل هي‪ :‬اضطراب عقلي ُي َّ‬
‫البارانويا ‪ Paranoia‬أو ُّ‬
‫الذهان أو جنون االرتياب‪.‬‬
‫وهذا مرض معروف يف الطب النفسي‪ ،‬فهو نمط تفكير َيشعر فيه المريض َّ‬
‫بأن‬
‫تصرفاهتم بنا ًء‬
‫تصرف من ُّ‬
‫المحيطين به يتآمرون عليه‪ ،‬ويقوم المريض بتحليل كل ُّ‬
‫على هذا النمط التفكيري‪.‬‬
‫فالرجل يفعل كذا وكذا حتى َتسود ِقيمه الذكورية‪.‬‬
‫والرجل يقنعني أنه يحبني حتى يفرض سيطرته‪.‬‬
‫وهذه الفكرة التآمرية هي أحد األمراض النفسية الشهيرة‪.‬‬
‫فالنسوية تريد من كل الفتيات أن تصبحن مريضات نفس ًّيا بمرض البارانويا‪.‬‬
‫فالنسوية تطلب من األنثى أن تفقد الثقة يف المحيطين هبا تما ًما‪ ،‬والنسوية‬
‫تنعت الرجل بـ‪ :‬الكاذب والخائن والغادر‪ ،‬بينما المرأة هي يف كل الحاالت‬
‫ودائما هي‪ :‬الصادقة والربيئة والمضطهدة‪.‬‬
‫ً‬
‫التمرد لدى الفتاة‪ ،‬فتثور‬
‫تتكون حالة ُّ‬ ‫َّ‬
‫إن النسوية تستخدم هذا األسلوب حتى َّ‬

‫‪903‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تتمرد على أسرهتا‪ ،‬ثم تثور على كل شيء‪.‬‬


‫على الرجل‪ ،‬ثم تنزع طاعة ولي أمرها‪ ،‬ثم َّ‬
‫واآلن دعونا نستعرض أعراض مرض البارانويا‪ ،‬وسوف تجد ُّ‬
‫كل نسوية أن‬
‫كل هذه األعراض تعاين منها‪:‬‬
‫أعراض البارانويا‪:‬‬
‫‪ -1‬االرتياب والشك من أفعال المحيطين‪ :‬فهي تستشعر َّ‬
‫أن المحيطين هبا‬
‫يتآمرون عليها؛ لتسود قيمهم هم‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم الوثوق باآلخرين‪.‬‬
‫تتحول مع الوقت إلى شخصية عدائية‪.‬‬
‫‪َّ -5‬‬
‫دائما ألية كلمة تصدر من الرجل‪.‬‬
‫تتحسس ً‬
‫َّ‬ ‫‪ -0‬سهولة الشعور باإلهانة‪ :‬فهي‬
‫دائما أهنا على صواب‪.‬‬
‫‪ -3‬تعتقد ً‬
‫‪ -8‬ال تقبل المسامحة‪ِ :‬صدامية‪.‬‬
‫التصرفات العادية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫معان خفية وراء‬ ‫‪ -2‬تعتقد بوجود‬
‫ُّ‬
‫‪ -6‬العزلة عن المحيطين هبا‪.‬‬
‫هذه أعراض البارانويا يف الطب النفسي الحديث‪.‬‬
‫فهل يوجد َع َر ٌض واحدٌ من هذه األعراض ليس عند النسويات؟‬

‫‪904‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫عالما تآمر ًّيا‪ ،‬فتنخرط الفتاة‬


‫ً‬ ‫فالنسوية ُتو ِّلد شخصيات ذهانية‪ ،‬حيث تعيش‬
‫المتأثرة بالخطاب النسوي مع الوقت يف العزلة التامة‪ ،‬والعدائية الشديدة للرجل‪.‬‬
‫إذن الحقيقة الثالثة يف النسوية أهنا‪ :‬حالة ُذهانية تعيش بارانويا ارتيابية منفصلة‬
‫تما ًما عن العالم‪.‬‬
‫الحقيقة الرابعة يف النسوية أن‪ :‬النسوية ليست لمجرد تحقيق مكاسب المرأة‪،‬‬
‫وإنما الهدف المباشر منها هو توسيع رقعة الخالف بينها وبين الرجل‪ ،‬ثم يف‬
‫مرحلة تالية إقصاء الرجل تما ًما من الساحة‪.‬‬
‫فهدف النسوية‪ :‬تثوير المرأة على الرجل‬

‫فالنسوية هي فلسفة إقصائية ُتثير فئ ًة من الناس ضد ٍ‬


‫فئة أخرى؛ لتحل محلها ال أكثر‪.‬‬
‫وهذه عادة الفلسفات الشمولية واأليديولوجيات التي نشأت يف مِظلة‬
‫العلمانية‪ ،‬أهنا فلسفات إقصائية‪.‬‬
‫فالشيوعية إقصائية ألصحاب رأس المال َّ‬
‫لتحل محلهم‪.‬‬
‫والنازية إقصائية لألعراق األدنى َّ‬
‫لتحل محلهم‪.‬‬
‫والنسوية كذلك إقصائية للرجال َّ‬
‫لتحل محلهم‪.‬‬
‫فالنسوية هتدف إلى تحقيق ما قام الرجل بتحقيقه‪ ،‬ومن َث َّم إزاحته من‬
‫الساحة تما ًما‪.‬‬
‫فهي فلسفة إقصائية‪.‬‬

‫‪905‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َّ‬
‫إن تثوير المرأة على الرجل هو شيء ُمدمر لنفسية الرجل والمرأة‪.‬‬
‫حول المرأة لكائن عدائي كاره ُمن ِّفر‪َ ،‬تلعن الرجل صباح مساء‪.‬‬
‫هذا التثوير ُي ِّ‬
‫فالنسوية ُت ِّ‬
‫شوه صورة الرجل يف أذهان المراهقات‪ ،‬وتحطم القدوة يف حياهتن‪.‬‬
‫والنسوية ُت ِّ‬
‫خون أولياء األمور‪.‬‬
‫يتمردن بسهولة‬ ‫َّ‬
‫إن غرس كراهية الرجل يف ذهن الفتيات يجعلهن مع الوقت َّ‬
‫على كل القيم‪ ،‬وعلى كل شيء‪.‬‬
‫ليس من السهل أبدً ا تدمير قيمة الرجل يف ذهن الفتاة‪ ...‬تدمير قيمة األب‪...‬‬
‫المربي‪ ...‬تدمير قيمة األخ‪ ...‬تدمير قيمة العالِم‪ ...‬تدمير قيمة ولي‬‫تدمير قيمة ُ‬
‫األمر‪ ...‬تدمير قيمة الدعاة إلى اهلل‪ ،‬هذا األمر ليس بيسير وال ه ِّين على اإلطالق‬
‫ال عند اهلل‪ ،‬وال على الفتاة‪ ،‬هذا األمر ُيد ِّمر نفسية الفتاة‪ ،‬وأخالق الفتاة‪ ،‬ويؤدي‬
‫للكفر باهلل‪.‬‬
‫حقيقي للرجل والمرأة على حدٍّ‬
‫ٌّ‬ ‫فتدمير قيمة الرجل يف ذهن الفتاة هو تدمير‬
‫ٍ‬
‫سواء‪ ،‬ويكتوي بنار هذا التدمير كل أحد‪.‬‬
‫إذن الحقيقة الرابعة يف النسوية أهنا‪ :‬فلسفة إقصائية‪ُ ،‬تقصي الرجل و ُت ِّ‬
‫خون‬
‫الرجل‪ ،‬و ُتد ِّمر نموذج القدوة‪ ،‬وهتدم نفسية الفتاة وقيمها‪.‬‬
‫وأهم‬
‫ُّ‬ ‫الحقيقة الخامسة يف النسوية‪ ،‬وهي أخطر حقيقة على اإلطالق‪،‬‬
‫إشكالية يف النسوية على اإلطالق‪ ،‬أال وهي َّ‬
‫أن‪ :‬النسوية تستلزم الر َّدة عن دين‬
‫اهلل ‪ ،‬وتستلزم الكفر باإلسالم‪ ،‬وتستلزم اإللحاد‪.‬‬
‫وهذه من َتبِعات النسوية وال بدَّ ‪.‬‬
‫فالنسوية إما أهنا تتخذ مرجع َّيتها من األنثى‪ ،‬أو تتخذ مرجع َّيتها من الدين‬
‫والقرآن والنبي والوحي اإللهي‪.‬‬
‫ليس هناك بديل آخر‪.‬‬

‫‪906‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فإما أن تكون مرجعية النسوية‪ :‬األنثى‪ ،‬وإما أن تكون مرجعيتها‪ :‬الدين واإلسالم!‬
‫فأيهما تختار؟‬
‫بنفسها على ِ‬
‫نفسها أن دينَها هو‪ :‬النسوية‪،‬‬ ‫لو كانت مرجعيتها األنثى‪ ،‬فهي حكمت ِ‬

‫ولو كان مرج ُعها‪ :‬الوحي اإللهي فهذه ليست بنِسوية‪ ،‬وال َعالقة لها بالنسوية‪.‬‬
‫فالنسوية ال تكون نسوية إال بجعل المرجعية هي‪ :‬األنثى‪.‬‬
‫التصور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فاألنثى هي مرجع النسوية يف القيمة‪ ،‬ويف السلوك‪ ،‬ويف‬
‫وبالتالي تصير النسوية دينًا‪.‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [التوبة‪.]51 :‬‬
‫النصارى ال يعبدون أحبارهم‪ ،‬وال يعبدون رهباهنم‪ ،‬لكنهم لما جعلوا‬
‫حرموه‬ ‫ً‬
‫حالال‪ ،‬وما َّ‬ ‫للتصور‪ ،‬وما أح ُّلوه صار‬
‫ُّ‬ ‫ومصدرا‬
‫ً‬ ‫مصدرا للقيمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫أحبارهم‬
‫صار حرا ًما‪ ،‬فتلك أصبحت عبادهتم إياهم‪.‬‬
‫وهذا هو تفسير اآلية بإجماع المفسرين‪.‬‬
‫جائزا عند النسويات‪ ،‬وما تمنعه صار ممنو ًعا‪ ،‬فهذا‬
‫فما تجيزه النسوية صار ً‬
‫هو الدين‪.‬‬
‫فإما ْ‬
‫أن تتخذي الدين مرجعي ُتك‪ ،‬والنص اإللهي مرجعك‪ ،‬وإما أن تتخذي‬
‫النسوية مرجعك‪.‬‬
‫المسلم‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫فمن كان النص الشرعي مرجعه فهو الوحيد ُ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النساء‪.]83:‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬

‫‪907‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ﴾ [األحزاب‪.]58 :‬‬


‫أمر ٍ‬
‫وهني؟‬ ‫فهل النسوية ُتس ِّلم لشرع اهلل يف كل ما ٍ‬
‫أصال إال على ما تراه هي لنفسها‪.‬‬
‫النسوية ال تقوم ً‬
‫سمى‬
‫سمى "نسوية مسلمة"‪ ،‬كما أنه ال يوجد شيء ُي َّ‬
‫ولذلك ال يوجد شيء ُي َّ‬
‫"ماركسية مسلمة"‪ ،‬أو "إلحاد إسالمي"‪.‬‬
‫فاإلسالم دين‪ ،‬والنسوية دين آخر تما ًما‪.‬‬
‫ِ‬
‫النسوية ُتح ُّل ما َّ‬
‫حرم اهلل‪ ،‬و ُتحل إسقاط الوالية‪ :‬والية الرجل يف الزواج‬
‫ويف غيره‪ ،‬و ُتحل الشذوذ‪ ،‬و ُتحل التربُّج‪ ،‬و ُتحل الفواحش‪ ،‬و ُتحل ً‬
‫كثيرا من‬
‫المحرمات المعلوم من الدين بالضرورة تحريمها‪.‬‬
‫كثيرا مما َّ‬
‫أحل اهلل كـ‪ :‬التعدُّ د للرجل وغير ذلك‪.‬‬ ‫حرم ً‬‫وهي كذلك ُت ِّ‬
‫أصال نسوية إال لو أح َّلت بعض ما َّ‬
‫حرم اهلل‪ ،‬وكرهت‬ ‫ً‬ ‫فالنسوية ال تكون‬
‫سمى يف اإلسالم إال‪ :‬الر َّدة عن دين اهلل ﴿ﯦ‬
‫بعض ما أنزل اهلل‪ ،‬وهذا ليس له ُم ًّ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [محمد‪.]2 :‬‬
‫إذن فالحقيقة الخامسة يف النسوية هي أنَّها‪ :‬ال تكون نسوية إال بكراهية‬
‫وكفر أكربُ‪ ،‬ور َّدة‬
‫ٌ‬ ‫حرم اهلل وهي هبذا إلحاد‪،‬‬
‫بعض ما أنزل اهلل‪ ،‬وتحليل بعض ما َّ‬
‫عن دين اإلسالم‪.‬‬
‫فالنسوية إلحاد‪.‬‬
‫حاسب‬ ‫أن‪ :‬اإلنسان ُخلِ َق مك َّل ًفا‪ُ ،‬‬
‫وخلق ل ُيخت َبر‪ ،‬ثم يموت و ُي َ‬ ‫الحقيقة السادسة َّ‬
‫على كل ما قدَّ م‪ ،‬هكذا ُفطِر اإلنسان‪ ،‬وهبذا ُك ِّلف‪ ،‬وعلى هذا أرسل اهلل الرسل‪،‬‬
‫وأنزل الكتب‪ ،‬وأقام البينات‪.‬‬
‫فمعيار نجاح اإلنسان هو‪ :‬التقوى‪ ،‬وليس المصلحة المادية أو المكاسب الدنيوية‪.‬‬
‫معيار النجاح الحقيقي هو‪ :‬التسليم لألحكام الشرعية‪ ،‬والتسليم التا ُّم هلل يف‬

‫‪908‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫كل ما أمر ونَهى‪.‬‬


‫وهذا هو المفرتض أن يكون حال اإلنسان‪.‬‬
‫همها يو ًما ما‪.‬‬
‫لكن النسوية لم يكن هذا َّ‬
‫فالنسوية جعلت النجاحات الدنيوية هي‪ :‬غاية الوجود‪ ،‬ومنتهى المراد‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن منتهى الطرح النسوي هو‪ :‬تحقيق مصالح دنيوية؛ سوا ًء اتفقنا مع هذه‬
‫المصالح أو اختلفنا معها‪ ،‬لكن يف األخير تبقى غاية النسوية هي‪ :‬الدنيا‪.‬‬
‫لكن هذا معيار نجاح تافه‪ ،‬وبال قيمة‪ ،‬فماذا يستفيد اإلنسان إذا ربح العالم‬
‫وخسر دينه؟‬
‫هذا معيار نجاح‪ ،‬ال وزن له عند اهلل‪.‬‬
‫فمعيار النجاح للرجل والمرأة ليس عمارة الدنيا‪ ،‬وليس تحقيق مصالح‬
‫دنيوية‪ ،‬وإنما معيار النجاح كما ُق ُ‬
‫لت هو تحقيق االستخالف يف األرض‪،‬‬
‫واستخالف العبودية هلل‪ ،‬واستخالف التزكية اإليمانية لكل مناحي الحياة‪:‬‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [الحج‪.]01 :‬‬
‫ممدوحا يف ذاته أو غاي ًة يف ذاته‪،‬‬
‫ً‬ ‫وليست عمارة الدنيا‪ ،‬وليس النجاح المادي‬
‫وإنما فقط ُيمدح النجاح الدنيوي بقدر تزكيته بالوحي اإللهي‪ ،‬وبقدر تطبيق‬
‫ِ‬
‫انتفاعك به أخرو ًّيا‪ ،‬وبقدر ما تستخدمينه يف نفع الناس‬ ‫الدين فيه‪ ،‬وبقدر‬
‫وصالح أحوالهم هلل‪.‬‬
‫مجردة خالية من‬ ‫المشكلة َّ‬
‫أن نظرة النسوية‪ ،‬وغاية النسوية هي نظرة مادية َّ‬
‫أية غاية إيمانية أو تزكية أخالقية‪.‬‬
‫فالنسوية يف الواقع هي‪ :‬فلسفة مادية َمصلحية دون وضع أي اعتبار للقيم‬
‫اإليمانية‪.‬‬

‫‪909‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مادي بال‬
‫ٌّ‬ ‫نفعي‬
‫مصلحي ٌّ‬
‫ٌّ‬ ‫وهذه هي الحقيقة السادسة يف النسوية أهنا‪ :‬مذهب‬
‫أية تزكية إيمانية‪.‬‬
‫الحقيقة السابعة يف النسوية أنَّها‪ :‬تحالفت مع الشيطان‪ ،‬وتحالفت مع كل‬
‫تعاليم الشيطان‪.‬‬
‫فهي تحالفت مع المثلية الجنسية‪ ،‬وأصبحت اليوم مشغول ًة بشدَّ ٍة بموضوع‬
‫الشذوذ الجنسي‪ ،‬والشواذ جنس ًّيا‪ ،‬وهي ال بد أن تنشغل هبذا الموضوع‪.‬‬
‫فالشذوذ الجنسي يف المثلية ليس قضية هامشية‪ ،‬بل هو ُل ُّ‬
‫ب النسوية‪.‬‬
‫ألن من تبِعات تثوير المرأة على الرجل‪ ،‬ومن تبعات إقصاء الرجل من حياة‬
‫يتم‪ :‬إيجاد‬
‫المرأة‪ ،‬ومن تبعات الرتكيز فقط على المرأة‪ ،‬من تبعات كل ذلك أن َّ‬
‫بديل للرجل‪.‬‬
‫فيصير الشذوذ الجنسي هو البديل المتاح‪.‬‬
‫أيضا ُت ِّ‬
‫حرض الرجال على الشذوذ حتى يستغنوا عن األنثى‪.‬‬ ‫بل والنسوية ً‬
‫ٌ‬
‫حالل‪ ،‬وليس فيه أي مشكلة‪ ،‬وهذا األمر بحد‬ ‫أمر‬
‫والنسوية ترى أن الشذوذ ٌ‬
‫ذاته ر َّدة عن اإلسالم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حالل هذه ر َّدة عن اإلسالم‪،‬‬ ‫أمر‬
‫فاعتقاد الفتاة النسوية أن الشذوذ الجنسي ٌ‬
‫وكفر باهلل ‪.‬‬
‫بالهوية الجنسية والجندر‪.‬‬
‫دائما مهمومة ُ‬
‫والنسوية ً‬
‫فالنسوية تحالفت وآزرت الهوية الجنسية والجندر‪.‬‬
‫ودائما تخرج المسيرات من النسويات يف‬
‫ً‬ ‫والنسوية تحالفت مع اإلجهاض‪،‬‬
‫الغرب لمنع تجريم اإلجهاض‪.‬‬
‫حق‪.‬‬
‫وتحمل المتظاهرات الفتات‪ :‬اإلجهاض ٌّ‬
‫أنت‪ ،‬هذا اختيارك ِ‬
‫أنت‪.‬‬ ‫هذا جسدك ِ‬

‫‪960‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فالنسوية قامت بتحويل المرأة إلى آلة قتل باردة‪.‬‬


‫تقتل جنينها بد ٍم ٍ‬
‫بارد‪.‬‬
‫وهذا منطق إلحادي‪ ...‬منطق القوي يق ُت ُل الضعيف‪ ،‬فهنا الجنين الضعيف‬
‫ٍ‬
‫مرغوب فيه‪.‬‬ ‫ال يملك القوة التي يدافع هبا عن حقه يف الحياة ف ُيقتل طالما كان غير‬
‫التحرر الجنسي بكل صوره‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والنسوية تحالفت مع‬
‫والنسوية ُتحارب األمومة‪ ،‬وتطالب بتحرير المرأة من األمومة‪.‬‬
‫والنسوية ُت ِ‬
‫شرع ُن قضايا الرحم الصناعي‪ ،‬والنيابة يف الحمل‪.‬‬
‫كل هذه األمور تعرفها كل نسوية جيدً ا‪.‬‬
‫وهذه واهلل ك ُّلها أمور ليست يف مصلحتها‪ ،‬فحتى على المستوى الدنيوي‬
‫هذه األمور ُتدمر المرأة‪ ،‬و ُتدمر طبيعة المرأة‪ ،‬وتجعلها سلعة ُمستغ َّلة يف يد‬
‫الرأسمالية الغربية‪ ،‬وأسواق اإلباحية العالمية‪.‬‬

‫‪966‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫النسوية تؤدي إلى اختفاء مفهوم األنثى!‬


‫إذن الحقيقة السابعة يف النسوية أهنا‪ :‬تحالفت مع كل صور الشذوذ والفاحشة‪،‬‬
‫وبررت لقتل األجنة بدم بارد‪.‬‬ ‫وبررت لها‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫والخالصة أن النسوية ُتربر لـ‪:‬‬
‫‪ -1‬القتل‪ :‬قتل األجنة‪.‬‬
‫‪ -2‬الفاحشة‪ :‬كل صور الزنا والشذوذ‪.‬‬
‫‪ -5‬الكفر‪ :‬تحليل ما حرم اهلل‪.‬‬
‫وهذا مثلث الشيطان الذي هو ُمنتهى طموح الشيطان من اإلنسان‪.‬‬
‫ماذا يريد الشيطان أكثر من هذا من ابن آدم؟‬

‫‪962‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫دين الشيطان‪ ،‬تم التربير له بأنَّه مذهب يريد نصرة المرأة‬


‫النسوية هي ُ‬
‫المضطهدة‪ ،‬والشيطان يقف بعيدً ا يضحك‪.‬‬
‫ال يجتمع إسالم ونسوية يف قلب امرأة مسلمة‪.‬‬
‫األمر دي ٌن‪ ،‬وال يحتمل التنازالت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يف القضايا ال َعقدية‬
‫إما إيمان أو كفر‪ ...‬إما جنَّة أو نار‪.‬‬
‫وتمرد على دين اهلل‪.‬‬
‫ورضا بوح ّيه‪ ،‬أو كفر ور َّدة ُّ‬
‫إما تسليم لشرع اهلل ً‬
‫اإلسالم يعني‪ :‬التمركز حول التسليم لشرع اهلل‪.‬‬
‫النسوية تعني‪ :‬التمركز حول األنثى‪.‬‬
‫َين‪ ...‬اختاري بين العقيد َت ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫فاختاري بين الديانت ِ‬
‫النسوية هي دين الشيطان بمثلث الر َّدة‪ ،‬وإباحة القتل‪ ،‬والفواحش‪.‬‬
‫حولت البيوت الهادئة إلى حلبة صراع بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫النسوية َّ‬
‫النسوية فلسفة ُيراد لها أن تنتشر بين بناتنا بصور مختلفة خبيثة كصورة‪:‬‬
‫النسوية المتأسلمة‪ ،‬وتعتمد النسوية يف هذه الحالة على تضخيم حاالت اضطهاد‬
‫وظلم تحصل لبعض النساء‪ ،‬وهي حاالت ُيحارهبا الرجل قبل المرأة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإيذاء‬
‫ُّ‬
‫فتستغل النسوية هذه الحاالت لتنشر أفكارها الكفرية بين البنات‪.‬‬
‫ال بد أن نعي خطورة هذه الحركة‪ ،‬وإجرام هذه الحركة‪ ،‬وتبعات هذه الحركة‪.‬‬
‫اإلسالم ق َّيد العالقات الجنسية‪ ،‬وهذا ضد هوى الرجل‪.‬‬
‫حمل الرجل مسؤولية النفقة‪.‬‬
‫اإلسالم َّ‬
‫اإلسالم أوجب أن يكون شرط الزواج هو‪ :‬االستقرار‪ ،‬وهذا ضد هوى الرجل‪.‬‬
‫حمل الرجل المسؤولية تجاه المرأة طيلة عمره بعقد الزواج‪ ،‬وهذا‬
‫اإلسالم َّ‬
‫ضد هوى الرجل‪.‬‬
‫اإلسالم جعل الجنة تحت أقدام المرأة‪.‬‬

‫‪963‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫النبي ﷺ‪َ " :‬و ْي َح َك َأ َح َّي ٌة أ ُّم َك؟ قال‬


‫أتى رجل ليجاهد مع النبي ﷺ فقال له ُّ‬
‫الرجل‪ُ :‬قلت‪َ :‬نعم يا ر َ ِ‬
‫فثم الجنَّ ُة"(‪.)1‬‬ ‫الز ْم ِرج َلها َّ‬
‫سول اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و ْي َح َك َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬
‫يف اإلسالم‪ :‬ثالثة أرباع االهتمام يكون بالمرأة‪ ،‬والربع للرجل‪.‬‬
‫بح ْس ِن‬
‫َّاس ُ‬ ‫أح ُّق الن ِ‬
‫جاء رجل إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪َ ،‬من َ‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم ُأ ُّم َك‪،‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم ُأ ُّم َك‪َ ،‬‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬ ‫َص َحا َبتِي؟ َ‬
‫قال‪ُ :‬أ ُّم َك‪َ ،‬‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم أ ُب َ‬
‫وك(‪.)2‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫عابرة‪ُ ،‬ترتك المرأة بعدها‬ ‫َعالقة الرجل بالمرأة يف اإلسالم ليست َعالقة ٍ‬
‫نزوة‬
‫عهد من الرجل للمرأة طيلة عمره‪ ،‬وميثاق غليظ‬ ‫مح َّطمة‪ ،‬وإنما هي َعالقة ٍ‬

‫قصر فيه‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النساء‪.]21 :‬‬


‫س ُيسأل عنه لو َّ‬
‫فالنساء أخذن من الرجال عهدً ا شديدً ا بالقيام بحقوقهن والرعاية والحماية‬
‫واإلحاطة من كل سوء‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [النساء‪.]12 :‬‬
‫بل إن درجة الشهادة ينا ُلها الرجل لو دافع عن المرأة‪ ،‬قال النبي ﷺ‪َ " :‬و َم ْن‬
‫دون أهلِ ِه‪ ،‬فهو شهيدٌ "(‪.)3‬‬
‫قا َت َل َ‬
‫و "مِن أكم ِل المؤمني َن إيمانًا أحسنُهم ُخل ًقا وألط ُفهم بأهلِ ِه"(‪.)4‬‬
‫ِ‬
‫لنسائ ِهم"(‪.)5‬‬ ‫خيار ُكم‬
‫خيار ُكم ُ‬‫وقال ﷺ‪ُ " :‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.2232 :‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...3221 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2306 :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬ح‪.0113 :‬‬
‫)‪ (4‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند أحمد‪ ،‬م‪ 2‬ص‪ ،022‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪964‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الفصل الرابع‬
‫الشذوذ اجلنيس‬
‫ً‬
‫مؤخرا بهذه الصورة؟‬ ‫‪ -605‬ما يه حقيقة املثلية اجلنسية‪ ،‬وكيف انترشت‬

‫ج‪ :‬تقوم المثلية الجنسية على عدَّ ة دعاوى‪ ،‬سنقوم بتفكيك هذه الدعاوى‬
‫واحد ًة بعد أخرى إن شاء اهلل‪.‬‬
‫و ُأولى هذه الدعاوي هي َّ‬
‫أن‪ :‬هناك سلوكًا جنس ًّيا مثل ًّيا يف الحيوانات‪:‬‬
‫مارس‬ ‫والواقع َّ‬
‫أن السلوك المثلي يف الحيوانات‪ ،‬والذي هو قضية نادرة‪ ،‬ال ُي َ‬
‫بدافع الشهوة أو الرغبة الجنسية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سيطرة‪ ،‬كما يحصل مع‬ ‫فالسلوك المثلي عند هذه الحيوانات هو‪ :‬إما إعالن‬
‫قردة البونوبو‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن التنافس على الطعام يؤدي إلى السلوك المثلي عند هذه‬
‫الحيوانات(‪.)1‬‬
‫التعرف على األنثى‪.‬‬
‫أو يكون بسبب مشكلة يف حاسة الشم‪ ،‬وعدم ُّ‬
‫وحاس ُة الشم هي المسؤولة عن التقاط الرسائل الجنسية يف تحديد األنثى‬
‫مِن الذكر‪ ،‬واضطراب هذه الحاسة؛ نتيج ًة لمبيدات أو ملوثات‪ ،‬قد يحدث يف‬
‫بعض الحيوانات‪.‬‬
‫ويف دراسة شهيرة ُنشرت يف المجلة األكاديمية الوطنية للعلوم ‪ ،PNAS‬الحظ‬
‫الباحثون َّ‬
‫أن مادة األترازين ‪ Atrazine‬وهي مادة تدخل يف تركيب المبيدات‪،‬‬
‫الحظوا أهنا تؤدي لسلوك مثلي عند الضفادع‪ ،‬حيث تؤدي هذه المادة إلحداث خلل‬
‫فتتحول هذه الذكور لشكل عام أنثوي‪ ،‬وهذا يحصل يف‬
‫َّ‬ ‫هرموين يف بعض الذكور‪،‬‬
‫يتعرضون لهذه المادة‪ ،‬وهنا تحصل المثلية الجنسية‪.‬‬
‫‪ %11‬من الذكور الذين َّ‬
‫‪)1( Bonobo Sex and Society, By Frans B. M. De Waal.‬‬

‫‪965‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فهناك أسباب متنوعة تؤدي لسلوك مثلي عند بعض الحيوانات‪.‬‬


‫قلت هي‪:‬‬
‫لكن ال َعالقة لهذه األسباب بكوهنا سلوكًا مثل ًّيا فعل ًّيا‪ ،‬وإنما كما ُ‬
‫سيطرة‪ ،‬أو خلل يف حاسة الشم‪ ،‬أو خلل عام يف وظائف الجسم؛‬ ‫ٍ‬ ‫إما إعالن‬
‫للتعرض للمبيدات‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫نتيج ًة‬
‫فال توجد مثلية جنسية يف الحيوانات بالمعنى الذي يفهمه البشر من المثلية‪.‬‬
‫لكن األهم من كل هذا‪ :‬منذ متى يستخدم البشر ُحجة َّ‬
‫أن سلوكًا معينًا عند‬
‫الحيوان ُيربر لنا ممارسة نفس هذا السلوك؟‬
‫الحجة الحيوانية العجيبة؟‬
‫ما هذه ُ‬
‫بما أن نسبة نادرة من الحيوانات تمارس المثلية‪ ،‬إذن يجوز للبشر أن‬
‫يصيروا مثليين!‬
‫َّ‬
‫إن السلوك الحيواين ال ُيقاس عليه أبدً ا السلوك البشري‪.‬‬
‫وإال فبعض إناث العناكب تأكل الذكور أحيا ًء‪.‬‬
‫تتناول أنثى العناكب أزواجها كوجبة َع ٍ‬
‫شاء‪ ،‬فهل هذا يجيز لنا أن نأكل لحوم‬ ‫َ‬

‫‪966‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫البشر أحيا ًء؟‬


‫هل هذا يجيز للمرأة أن تقتل زوجها؟‬

‫وبعض الحيوانات تقتل البعض اآلخر من الفصيلة نفسها‪ ،‬فهل هذا يجيز‬
‫بعضهم البعض بحجة َّ‬
‫أن الحيوانات تقوم بنفس هذا السلوك؟‬ ‫للبشر أن يقتلوا َ‬
‫كثيرا من الحيوانات تقتل أوالدها‪ ،‬فهل يجوز لمجر ٍم قام بقتل ابنه أن‬
‫إن ً‬ ‫بل َّ‬
‫بأن جريمته تقوم هبا بعض الحيوانات؟‬ ‫ٍ‬
‫قاض َّ‬ ‫يرتافع أمام‬
‫فورا‪.‬‬
‫سيتم تحويل المجرم لمستشفى األمراض العقلية ً‬
‫ُّ‬
‫ألن هذه ُح َّجة ال يستخدمها إال مجنون‪.‬‬

‫‪967‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فال ُيجيز وجود سلوك مثلي نادر يف ‪ 311‬نوع من الحيوانات من أصل ‪5‬‬
‫ماليين نوع أن نمارس نحن هذا األمر‪.‬‬
‫مروجي الشذوذ الجنسي‪ :‬ال يخفى‬
‫أطرح ُه على ّ‬‫ُ‬ ‫ثم السؤال األهم الذي‬
‫على أحد َّ‬
‫أن الحيوانات تمارس تعدُّ د الزوجات‪ ،‬وهذا موجود يف كل أنواع‬
‫الحيوانات تقري ًبا‪.‬‬
‫إن البشر أن ُف َسهم يحملون بصمة تعدُّ د الزوجات بيولوج ًّيا‪ ،‬ومسألة‬
‫بل َّ‬
‫الزوجة الواحدة بالنسبة لإلنسان هي أمر غير طبيعي بالمرة ‪،Unnatural‬‬
‫يتم منع تعدد الزوجات يف الغرب إذا كان األمر كذلك؟‬
‫فالسؤال هنا‪ :‬لماذا ُّ‬

‫فإباحة الشذوذ الجنسي بدعوى وجوده يف الحيوانات‪ ،‬وتجريم تعدُّ د‬


‫هوى ونزوة ومِزاج ال أكثر‪.‬‬
‫الزوجات يف المقابل‪ ،‬هو دليل أن القضية ً‬

‫‪968‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫يتم‬
‫فرضها بالقوة‪ ،‬و ُيراد التطبيع معها‪ ،‬وبالتالي ُّ‬ ‫َّ‬
‫إن المثلية الجنسية ُيراد ُ‬
‫نسج أية دعاوى مهما كانت سخيفة لتربير التطبيع معها‪.‬‬
‫بل إن الضغط الذي تمارسه لوبيات الشذوذ اليوم يف الغرب صار غير طبيعي‪.‬‬
‫وعلى موقع إلكرتوين للشواذ وتحت مقال بعنوان‪" :‬رفع الحظر عن الشذوذ‬
‫الجنسي من قِبل الجمعية األمريكية للطب النفسي"‪ ،‬يقرر الموقع َّ‬
‫أن‪ :‬الرابطة‬
‫األمريكية للطب النفسي ‪ APA‬أزالت الشذوذ الجنسي من تشخيصها الرسمي‬
‫لالضطرابات العقلية ‪ DSM‬يف عام ‪1225‬م؛ نتيج ًة لالحتجاجات التي ُتطالب‬
‫بحقوق الشواذ يف أمريكا‪ ،‬وليس بدافع علمي أو طبي‪.‬‬

‫فالرابطة األمريكية للطب النفسي ُأجربت على حذف الشذوذ الجنسي من‬

‫‪969‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫األمراض العقلية‪.‬‬
‫ولم يتو َّقف ضغط اللوبيات عند هذا الحد‪ ،‬بل إنَّها اليوم تحارب من أجل‬
‫منع أي عالج للمثلية‪ .‬نعم كما قرأتم!‬
‫هناك محاوالت لمنع عالج الشذوذ الجنسي‪ ،‬وطب ًقا لهيئة الخدمات‬
‫الصحية الوطنية يف بريطانيا ‪ NHS‬والتي يعمل هبا أكثر من مليون شخص‪ ،‬و ُتقدِّ م‬
‫وعالجا سلوك ًّيا للشواذ منذ سنوات‪ ،‬وكثير من حاالت الشذوذ‬
‫ً‬ ‫عالجا معرف ًّيا‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫والت لمنع وتجريم عالج‬ ‫الجنسي تتعاىف يف الهيئة‪ ،‬طب ًقا للهيئة فإن هناك محا‬
‫الشذوذ الجنسي‪.‬‬

‫تجريم عالج الشواذ‪ ،‬وبالتالي تزداد‬


‫ُ‬ ‫فهدف لوبيات الشذوذ الجنسي‬
‫ويتم التعامل معهم بطريقة طبيعية‪.‬‬
‫أعدادهم‪ُّ ،‬‬
‫العجيب يف األمر َّ‬
‫أن الرئيس السابق للرابطة األمريكية للطب النفسي ‪،APA‬‬
‫والذي قاد عملية إزالة الشذوذ من دليل االضطرابات العقلية سنة ‪ 1225‬اعرتف‬
‫أن‪ :‬الشذوذ الجنسي يمكن أن ُيعا َلج‪ ،‬فالمثلي من الممكن أن‬
‫بعد أربعين سن ًة َّ‬
‫يعود إنسانًا طبيع ًّيا‪.‬‬

‫‪920‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫بل ويقرر الرئيس السابق نفسه للرابطة األمريكية للطب النفسي َّ‬
‫أن‪%21 :‬‬
‫من الشواذ الذين كان يعالجهم تغ َّيروا‪.‬‬

‫فالضغط إللغاء عالج الشذوذ الجنسي ليس ضغ ًطا علم ًّيا أو ضغ ًطا بحث ًّيا‪،‬‬
‫بل هو ضغط لوبيات عمالقة للشواذ يف الغرب اليوم‪.‬‬
‫أما ثاين الدعاوى التي تقوم عليها المثلية الجنسية‪ ،‬فهي َّ‬
‫أن‪ :‬هناك عوامل‬
‫جينية تؤدي للمثلية!‬
‫نشرت قبل أقل‬ ‫ومن العجيب َّ‬
‫أن المجلة العلمية األشهر يف العالم ‪َ Nature‬‬
‫أتصور َّ‬
‫أن هذه الورقة أكرب صدمة يف تاريخ الشواذ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫من عامين ورقة علمية‪ ،‬وأنا‬
‫ٍ‬
‫إنسان‪.‬‬ ‫وهذه الورقة قد صدرت بعد دراسة نصف مليون‬
‫جين للمثليين ‪.NO GAY GENE‬‬
‫صدرت الورقة لتقول‪ :‬ال يوجد ٌ‬

‫‪926‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫م َّثلت الورق ُة صدم ًة كبير ًة لمجتمع المثليين‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وقبل هذه الورقة بسنوات قليلة ُأجريت ثماين دراسات ُم َّ‬
‫وسعة على التوائم‬
‫المتماثلة‪ ،‬التي تتطابق جيناهتا‪ ،‬وقد ُأجريت هذه الدراسات يف أمريكا وأوروبا‬
‫أن التوأم المتماثل قد يكون طبيع ًّيا وتوأمه شا ًّذا جنس ًّيا‪.‬‬
‫وأسرتاليا‪ ،‬وتب َّين َّ‬
‫فإذا كانت الجينات متطابقة يف التوأم المتماثل‪ ،‬وكان الشذوذ قضية جينية‪،‬‬
‫فمن البديهي أن تتطابق سلوكيات التوأم‪ ،‬لكن لم تكن هذه أبدً ا نتيجة‬
‫الدراسات‪.‬‬
‫دليال قو ًّيا على أن القضية ال َعالقة لها بالجينات‪.‬‬
‫فقد كانت هذه الدراسات ً‬

‫‪922‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وعلى كل حال‪ ،‬فورق ُة مجلة نيتشر كانت كافي ًة يف بيان سخافة هذه الدعوى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جينات لها َعالقة بالمثلية‪ ،‬فهل هذا يربر المثلية؟‬ ‫لكن لو افرتضنا ً‬
‫جدال أن هناك‬
‫هناك جينات لها َعالقة باشتهاء األطفال ‪ Pedophilia‬فهل هبذا يصير اشتهاء‬
‫مباحا؟‬
‫األطفال ً‬

‫‪923‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أيضا جينات لها َعالقة بإدمان المواد الكحولية‪ ،‬فهناك جين ُيدعى‪:‬‬
‫وهناك ً‬
‫"جين إدمان الكحوليات"‪ ،‬فهل هذا يربر عدم األخذ على يد َمن َيشرب الخمور؟‬
‫هل هذا يربر عدم مؤاخذة المدمن قانون ًّيا؟‬

‫أنا كمسلم ما اشتهيت ُشرب الخمور يف حيايت؛ َّ‬


‫ألن شرب الخمور ليس يف‬
‫جاهزا يف شفريت الوراثية بدرجة كافية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثقافتنا‪ ،‬وقد يكون جين إدمان الكحوليات‬
‫ومع ذلك لم ِ‬
‫أشته شرب الخمور يف حيايت‪ ،‬وال ُأبالي هبا ً‬
‫أصال‪.‬‬
‫لكن يف حال ال قدَّ ر اهلل تم التطبيع مع شرب الخمور يف بيئتي‪ ،‬وأصبح‬
‫شرب الخمور جز ًءا من ثقافة مدينتي‪ ،‬وصارت تخرج المظاهرات أمام بيتي‬
‫ُ‬
‫تشتعل عندي هذه الشهوة‪ ،‬وينشط هذا الجين‬ ‫تطالب بحرية اإلدمان‪ ،‬ساعتها قد‬
‫يف شفريت الوراثية بدرجة كافية‪ ،‬فأبدأ يف الحاجة لمقاومة هذه الشهوة‪.‬‬
‫يحص ُل مع ملف المثلية الجنسية‪ ،‬فالتطبيع مع المثلية‬ ‫ُ‬ ‫وهذا بالضبط ما‬
‫والكالم الكثير عنها‪ ،‬والزيادة من مشاهد المثلية يف اإلعالم‪ ،‬كل هذا ُيو ِّلد حب‬
‫ٍ‬
‫للحظة‪،‬‬ ‫أشخاص ربما ما خطرت المثلية على بالهم ولو‬ ‫ٍ‬ ‫تجربة المثلية عند‬
‫كثيرا عن الشذوذ هو أحدُ أسباب انتشاره‪.‬‬
‫فالحديث ً‬
‫وهناك محاوالت من مجتمع الشواذ لنشر ثقافة الشذوذ الجنسي حتى بين‬
‫جرب االنتحار لمجرد أنَّه سمع به‬
‫األطفال‪ ،‬وهذه جريمة كربى‪ ،‬فالطفل قد ُي ّ‬
‫جرب ارتكاب جريمة من‬
‫كثيرا‪ ،‬أو شاهده يف إحدى اللعب اإللكرتونية‪ ،‬وقد ُي ّ‬
‫ً‬

‫‪924‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫باب المحاكاة‪ ،‬فالحديث عن المثلية أمام األطفال هو جريمة بالفعل؛ وألجل‬


‫المقدَّ م للطفل‪ ،‬وصارت‬
‫قوانين صارمة اليوم بخصوص المحتوى ُ‬
‫ُ‬ ‫هذا هناك‬
‫هناك قوانين ُت ِّ‬
‫جرم الحديث عن المثلية الجنسية أمام األطفال يف عدد من‬
‫المناطق يف أمريكا وإنجلرتا(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫محاوالت من مجتمع الشواذ إللغاء هذه‬ ‫وأنا على يقين من َّ‬
‫أن هناك‬
‫القوانين‪ ،‬بل و ُمحاكمة َمن قام بسنّها‪.‬‬
‫فكرة الشذوذ الجنسي ليست مجرد ثقافة منحلة‪ ،‬أو خلل يف تصوير ال َعالقة‬
‫بين الرجل والرجل‪ ،‬والمرأة والمرأة‪ ،‬إهنا أبعد وأخطر من ذلك بكثير‪ ،‬فهي‬
‫باإلضافة إلى أنَّها إحدى أكرب الكبائر يف شريعة رب العالمين‪ ،‬وباإلضافة إلى‬
‫خطرا‬
‫ً‬ ‫أيضا تمثل‬
‫تمرد ظاهر‪ ،‬وخلل أخالقي على كل المستويات‪ ،‬إال أنَّها ً‬
‫أنَّها ُّ‬
‫على اإلنسانية ككل‪.‬‬
‫هل تعلم َّ‬
‫أن‪ :‬ثالثة أرباع حاالت مرض اإليدز هي بين الشواذ جنس ًّيا؟‬
‫بل َّ‬
‫إن اإليدز طب ًّيا هو‪ :‬مرض المثلية ‪،Gay-related immune deficiency‬‬
‫سمى فيما قبل بـ"طاعون المثلية ‪." Gay Plague‬‬
‫وقد كان ُي َّ‬

‫هل تعلم َّ‬


‫أن‪ :‬نسبة اإلصابة باإليدز بين الشواذ هي‪ :‬اثنان وعشرون ضعف‬
‫‪)1( Anti-LGBT curriculum laws‬‬
‫‪Section 18 of the British Local Government Act 1488.‬‬

‫‪925‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫(‪)1‬‬ ‫الطبيعي؟‬
‫الز ْهري بين الشواذ جنس ًّيا؟‬ ‫هل تعلم َّ‬
‫أن‪ %65 :‬من حاالت ُّ‬

‫هل تعلم َّ‬


‫أن‪ :‬سرطان َّ‬
‫الش َرج بين الشواذ هو سبع عشرة مرة ضعف الطبيعي؟‬

‫‪)1( According to UNAIDS, in 8102, MSM globally have 88 times higher risk of acquiring‬‬
‫‪HIV compared to all adult men.‬‬

‫‪926‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫بل َّ‬
‫إن هناك أزمات طب َّية تحصل يف كثير من المدن األمريكية بسبب انتشار‬
‫الشذوذ فيها‪.‬‬
‫فحسب‪ ،‬بل هو حرب‬
‫ُ‬ ‫فالرتويج للشذوذ ليس حر ًبا على شرع رب العالمين‬
‫على اإلنسان‪.‬‬
‫أن ُأغلق الحديث عن قضية الجينات‪ ،‬ومحاولة ربطها بالشذوذ‬
‫وقبل ْ‬
‫الجنسي‪ ،‬أو ُّد ْ‬
‫أن أقول إهنم اكتشفوا جينًا له َعالقة بالسلوك اإلجرامي عند البشر‬
‫أسموه‪" :‬جين اإلجرام"‪ ،‬ويكون هذا الجين نش ًطا عند َمن لديهم نزعة‬
‫حتى ْ‬
‫إجرامية‪ ،‬فهل هذا يربر ارتكاب الجرائم؟‬
‫هل هناك محكمة يف العالم تأخذ نشاط هذا الجين ذريع ًة إلسقاط عقوبة عن‬
‫مجرم؟‬

‫‪927‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فال أدري لماذا استخدم الشوا ُّذ حجة الجينات مع الشذوذ الجنسي!‬
‫تربير لجريمة لكوهنا نتيج ًة‬
‫ال يوجد يف الطب‪ ،‬وال يف العقل‪ ،‬وال يف الشرع ٌ‬
‫لنشاط جيني معين‪.‬‬
‫وليس هناك جين يجعل منك‬
‫صالحا‪ ،‬أو آخر يجعل منك فاسدً ا‪.‬‬
‫ً‬
‫وليس هناك جين يجعلك مجر ًما‬
‫أو مدمنًا أو شا ًّذا جنس ًّيا أو إما ًما‪.‬‬
‫الجين يف األساس هو‪ :‬مجموعة‬
‫من الحروف التي تمثل قواعد‬
‫نيرتوجينية داخل الشفرة الوراثية‪،‬‬
‫يتم فك جزء من هذا الجين‪ ،‬فإن‬
‫وحيث ُّ‬
‫الربوتينات الوظيفية تبدأ يف الظهور‪.‬‬

‫‪928‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫والجين محايد تما ًما‪.‬‬


‫بينما أنا بسلوكيايت أقوم بتنشيط جين معين‪ ،‬وإيقاف جين آخر‪.‬‬
‫فال َعالقة بين الجين وبين السلوكيات هي َعالقة تزامنية‪ ،‬وليست َعالقة مس ِّببية‪.‬‬
‫يتفهم ُأكذوبة حجة الجينات تما ًما‪.‬‬
‫وهذه النقطة َمن يستوعبها‪َّ ،‬‬
‫فحتى لو افرتضنا َّ‬
‫أن هناك َعالق ًة بين الجينات وبين الشذوذ الجنسي‪ ،‬فهي‬
‫ستكون‪َ :‬عالقة تزامنية‪ ،‬وليست َعالقة مس ِّببية‪.‬‬
‫فمع السلوك الشاذ جنس ًّيا‪ ،‬ومع التهييج اإلعالمي لقضايا الشذوذ‪ ،‬ينشط‬
‫جين معين‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن نشاط هذا الجين هو الذي أ َّدى للسلوك الجنسي!‬
‫فال َعالقة تزامنية‪ ،‬وليست مس ِّببية‪.‬‬
‫نشاط يف أحد الجينات‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫يحص ُل بالتزامن مع سلوك معين‬
‫ُ‬ ‫حيث‬
‫نشاط هذا الجين كان سب ًبا يف هذا السلوك!‬
‫إن الجينات ُتو ِّلد بذاهتا سلوكًا‪.‬‬
‫وليس هناك عاقل اليوم يقول َّ‬
‫وهناك علم كامل اليوم يقوم يف أحد فروعه بدراسة ال َعالقة بين الجينات‬
‫سمى بعلم الـ ‪ Epigenetics‬ومن أحد أسس هذا العلم‬
‫وبين السلوك البشري‪ ،‬و ُي َّ‬
‫َّ‬
‫أن نشاط الجين ُيبنى على سلوكك أنت(‪.)1‬‬
‫فالجين ينشط بنشاط السلوك‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬
‫فجين الشذوذ لو افرتضنا وجوده ينشط بالتحفيز للشذوذ‪.‬‬
‫هوى‪.‬‬
‫إذن فالفاحشة صناعة ً‬
‫هوى‪.‬‬
‫واإلدمان صناعة ً‬
‫هوى‪.‬‬
‫والشذوذ الجنسي صناعة ً‬
‫‪)1( Epigenetics is the study of how your behaviors and environment can cause changes that‬‬
‫‪affect the way your genes work.‬‬

‫‪929‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فنوازع النفس البشرية هي المسؤولة عن سلوكك‪ ،‬وليس جيناتك‪.‬‬


‫فاإلنسان مسؤول بإرادته الكاملة عن كل ما يفعل‪.‬‬
‫دور يف اتخاذ القرارات األخالقية أو‬
‫وليس للجينات أو حتى الرتبية أو البيئة ٌ‬
‫الالأخالقية عند اإلنسان المك َّلف(‪.)1‬‬
‫وثقافة الشذوذ الجنسي يف الغرب اليوم لم ت ُعدْ مجرد محاولة ارتكاب‬
‫فاح شة الشذوذ‪ ،‬وإنما صارت فلسفة حياة‪ ،‬فهي تعيد رؤية الوجود‪ ،‬وتعيد رسم‬
‫الحياة يف نظر الشاذ جنس ًّيا‪ ،‬فتتغ َّير عنده القيم والمعاين األخالقية‪ ،‬وتتغ َّير عنده‬
‫الكثير من المفاهيم‪ ،‬فال يتو َّقف األمر على مجرد الشذوذ‪ ،‬وإنما يتمدَّ د لنطاقات‬
‫تتسمم هبا كثير من المعاين بسبب ثقافة الشذوذ الجنسي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أخالقية ال حصر لها‬
‫َّ‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬أنا أشعر أين مدفوع نحو الشذوذ الجنسي‪ ،‬يف حين َّ‬
‫أن‬
‫الشذوذ ليس يف ثقافتنا‪ ،‬فهذا مثال ال يستقيم مع ما قلت!‬
‫والجواب‪ :‬نعم!‬
‫هناك حاالت لديها بالفعل ميول للشذوذ الجنسي وهذا أمر ال ننكره‪.‬‬
‫لكن هذا ال ُيربر ارتكاب فاحشة الشذوذ الجنسي‪.‬‬
‫وأغلب الرجال لديهم ميول للزنا‪ ،‬فهل هذا يربر ارتكاب هذه الكبيرة؟‬
‫فالميول هي أهواء النفس اإلنسانية‪ ،‬وقد تزداد بتأثير الثقافة المحيطة‪ ،‬وقد‬
‫تظهر ذات ًّيا كهوى نفس‪ ،‬لكن يف كل األحوال ال يجري اإلنسان خلف هذا‬
‫الميول و ُيصدقها إال بإرادته الكاملة‪ ،‬فاإلنسان يميل لكنه يستطيع إيقاف هذا‬
‫الميل‪ ،‬أو االسرتسال معه‪.‬‬
‫ؤاخذ اإلنسان بمجرد الميول‪ ،‬بل َّ‬
‫إن‬ ‫ويف اإلسالم ِ‬
‫دين رب العالمين ال ُي َ‬

‫)‪ (1‬وقد أفاض علي عزت بيجوفيتش ‪ ‬يف هذا الموضوع‪ ،‬ويف بيان أنه ال عالقة بين التنشئة والرتبية‬
‫وبين السلوك األخالقي يف كتابه اإلسالم بين الشرق والغرب‪.‬‬

‫‪930‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫مقاومة هذه الميول فيه األجر الكبير من اهلل ‪.‬‬


‫أما المؤاخذة يف اإلسالم فهي للفعل ذاته‪.‬‬
‫ملعون من َع ِم َل بعم ِل قو ِم ٍ‬
‫لوط"(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ ْ‬ ‫قال النبي ﷺ‪" :‬‬
‫َ‬
‫والمفعول به"(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫الفاعل‬ ‫عمل قو ِم ٍ‬
‫لوط‪ ،‬فاقتلوا‬ ‫يعمل َ‬ ‫وقال ﷺ‪َ " :‬من وجدتموه ُ‬
‫فهذه فاحشة تستحق المقت اإللهي‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ﴾ [األعراف‪.]61 :‬‬
‫والنتيجة‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ﴾ ِ‬
‫[الحجر‪.]20 :‬‬
‫فمجرد الميول ال شيء فيها‪ ،‬أما تصديق الميول‪ ،‬وارتكاب الفاحشة‪ ،‬فهذه‬
‫كبيرة من أكرب الكبائر‪.‬‬
‫والطب النفسي الحديث يتعامل مع هذه الميول‪ ،‬وهناك عالجات معرفية‬
‫للمبتلى بالشذوذ الجنسي‪ ،‬فهناك عالج تنفيري‪،‬‬ ‫وسلوكية تقوم بتغيير المسار ُ‬
‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫يتم ربط االرتباطات َّ‬
‫الشرطية بين المثير الشاذ وبين الشعور باللذة‬ ‫حيث ُّ‬
‫ٍ‬
‫ُمن ِّفر كلسعة كهرباء‪ ،‬أو ضربة مؤلمة‪ ،‬أو إلزام مالي يدفعه ُ‬
‫المبتلى هبذه الميول‬
‫مع كل شعور باللذة؛ نتيجة مثير جنسي شاذ وهكذا‪.‬‬
‫فهذا األمر مع الوقت ُيو ِّلد نفرة من المثير الشاذ‪.‬‬
‫ويتم بالتوازي تعزيز معنى الذكورة واألنوثة‪ ،‬وتعزيز التمايز بينهما يف ذهن‬
‫ُّ‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫فهناك كثير من العالجات المتاحة اليوم إلى أن يصل المبتلى بالميول الشاذة‬
‫لحالة من السالم النفسي والصرب على هذه الميول حتى يتجاوزها إن شاء اهلل‪.‬‬
‫قادر على إيقاف شيطانه يف أية لحظة يريد‪.‬‬
‫واإلنسان يف كل األحوال ٌ‬
‫(‪ )1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.3621:‬‬
‫(‪ )2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.0082 :‬‬

‫‪936‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وكل إنسان مسؤول تما ًما عن كل ما ُيرتكب‪ ،‬ويستطيع أن يوقِف الدوافع‬


‫األولية التي توصله يف مرحلة تالية لالندفاع الشديد نحو الفاحشة‪ ،‬فكل إنسان‬
‫على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره‪.‬‬
‫﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [القيامة‪.]13 -10 :‬‬
‫وكل إنسان حر تما ًما‪ ،‬وكل إنسان مك َّلف‪ ،‬والحرية مع التكليف هما جوهر‬
‫القضاء‪ ،‬والحكم يف كل دساتير العالم‪ ،‬وهما جوهر الحساب األخروي بين يدي‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫﴿ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [النازعات‪.]01 -52 :‬‬
‫سولت له نفسه ارتكاب هذه الفاحشة‪ ،‬فهل تو َّقفت الدنيا؟‬ ‫لنفرتض َّ‬
‫أن إنسانًا َّ‬ ‫ْ‬ ‫لكن‬
‫ال واهلل!‬
‫فباب التوبة لن ُيغلق إال بطلوع الشمس من مغرهبا‪.‬‬
‫المهم ْ‬
‫أن تكون توب ًة صادقة عاجلة وعز ًما أكيدً ا على عدم الرجوع إلى الذنب‪.‬‬
‫﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾‬
‫[آل عمران‪.]158 -153 :‬‬
‫ف َ ِ‬
‫اهلل عليه"(‪.)1‬‬
‫اب ُ‬ ‫بذ ْنبِه ُث َّم َت َ‬
‫اب‪َ ،‬ت َ‬ ‫إن ال َع ْبدَ إ َذا ْ‬
‫اعت ََر َ‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪َّ " :‬‬
‫إذن فهناك ميول للشذوذ ال ننكرها‪ ،‬وهناك ضعف بشري‪﴿ :‬ﭨﭩﭪ ﭫ‬
‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ﴾ [الشمس‪.]11 -2 :‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2881 :‬‬

‫‪932‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ثمة إنسان على وجه األرض ليست عنده ميول للمعصية‪.‬‬


‫وليس َّ‬
‫﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [العنكبوت‪.]2 :‬‬
‫﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]2 :‬‬
‫لكن الميول ال تربر لإلنسان أن يفعل المعصية‪" ،‬ومن يس َتع ِف ْ ِ‬
‫ف ُيع َّف ُه ُ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫َ َْ ْ‬
‫ِِ‬
‫اهلل"(‪.)1‬‬ ‫و َمن َي ْس َت ْغ ِن ُي ْغنه ُ‬
‫اهلل‪ ،‬و َمن َيت ََص َّب ْر ُي َص ِّب ْر ُه ُ‬
‫فالمسلم يتعامل مع الميول الشاذة كما يتعامل أي إنسان مع أية شهوة‪:‬‬
‫بالمقاومة والصرب والتجاهل وسوف تنتهي‪.‬‬
‫ما ُتريده لوبيات الشذوذ يف الغرب أن يتعامل اإلنسان مع ميوله كالحيوان‪،‬‬
‫فكلما اشتهى َف َعل‪.‬‬
‫الدين يقول لك‪ :‬لن تعرف أنك إنسان‪ ،‬ولن ترتقي يف ُسلم اإليمان‪ ،‬إال‬
‫ُ‬ ‫بينما‬
‫بضبط نفسك‪ ،‬وتمحيص قلبك‪ ،‬والتزام ذاتك داخل دائرة‪ :‬قال اهلل‪ ...‬قال رسوله‪.‬‬
‫خارج هذه الدائرة‪ ،‬فلن تجد إال قيم الحيوانات‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫َ‬ ‫أما‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النور‪.]01 :‬‬
‫فاإلنسان ليس على طراز الطبيعة‪.‬‬
‫فقد دخل اإلنسان إلى هذه الطبيعة برأس مال أخالقي مبدئي هائل‪ ،‬كما‬
‫يقول علي عزت بيجوفيتش ‪.)2(‬‬
‫فاإلنسان دخل إلى هذا العالم ُمكل ًفا‪ ،‬وتلك هي اللحظة التي صنعت ً‬
‫عصرا جديدً ا‪.‬‬
‫لذلك فاإلنسان ال يستطيع أن يكون حيوانًا حتى ولو تمنَّى ذلك من كل قلبه‪.‬‬
‫خياره الوحيد أن يكون إنسانًا أو ال إنسان(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1082:‬‬


‫(‪ )2‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪ ،‬علي عزت بيجوفيتش‪ ،‬مؤسسة بافاريا‪.‬‬
‫(‪ )3‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪933‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالحيوان بريء من الناحية األخالقية‪ ،‬فال يوجد حيوان خ ِّير‪ ،‬وحيوان‬


‫شرير‪ ،‬لكن اإلنسان ليس هكذا‪.‬‬
‫تطورا وف ًقا لنظرية التطور لو َّ‬
‫صحت‪ ،‬ال يحمل ولو صورة‬ ‫ً‬ ‫وأرقى الكائنات‬
‫بدائية للقيم األخالقية أو المعنى أو الغاية‪ ،‬بل هو يدور يف دائرة الغريزة واالستجابة‪.‬‬
‫أما اإلنسان فهو يحمل‪ :‬كل القيم األخالقية منذ اللحظة األولى‪.‬‬
‫والقيم األخالقية عند اإلنسان مطلقة‪ ،‬فالخير خير عن الخ ِّير والشرير‪.‬‬
‫شر عند الخ ِّير والشرير‪.‬‬
‫والشر ٌّ‬
‫فالقيم األخالقية ال تنتمي للطبيعة وال لعالم الحيوان‪ ،‬ولكنها فقط تنتمي‬
‫للتكليف اإللهي‪.‬‬
‫وأشد الناس إلحا ًدا ال ينكر َّ‬
‫أن بداخله معاين الخير والشر‪ ،‬ويعلم أن بداخله‬
‫شعورا تكليف ًّيا بفعل الخير وترك الشر‪.‬‬
‫ً‬
‫فهو يستشعر وخز الضمير األخالقي‪.‬‬
‫مفصال على طراز داروين(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫فاإلنسان ليس‬
‫وال طريق إلنقاذ اإلنسان‪ ،‬وإنقاذ قيم اإلنسان سوى عودته إلنسانيته‪ ،‬وال‬
‫طريق لذلك إال بالدين‪.‬‬
‫أما بدون الوحي اإللهي فلن تجد إال أفعال قردة البونوبو‪.‬‬
‫فورا عند ُمتخصص‪.‬‬
‫ويف األخير أقول لمن يعاين من ميول مثلية‪ :‬ابدأ يف العالج ً‬
‫فورا‪.‬‬
‫وابدأ يف مشروع تزكية إيمانية وارتقاء إيماين مع اهلل ‪ً ‬‬
‫ْ‬
‫حافظ على صالتك بخشوع‪.‬‬
‫ْ‬
‫حافظ على القرآن بتدبر‪.‬‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪934‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ْ‬
‫حافظ على األعمال الصالحة‪.‬‬
‫أقلع عن أي ذنب‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫حافظ على توبة نصوح هلل ‪ ‬بعد كل ذنب‪.‬‬
‫وأقول لمن يدعم نشر اإللحاد وإشاعة الفاحشة والشذوذ‪﴿ :‬ﯶ ﯷﯸ‬
‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ﴾ [إبراهيم‪.]02 :‬‬
‫‪ -606‬هل املخ ي ُ ِّ‬
‫رشع القيمة واملعىن؟‬

‫ُّ‬
‫المخ هو مجموعة من األسالك العصبية متجمعة‪ ،‬وكل ما يجري يف‬ ‫ج‪:‬‬
‫المخ هو تبادل أليونات الصوديوم والبوتاسيوم على جدران الخاليا العصبية؛‬
‫لنقل النبضات ال أكثر‪.‬‬
‫فالمخ مهما تع َّقد سيبقى مجرد أسالك عصبية‪ ،‬ونواقل كيميائية‪ ،‬وتبا ُدل‬
‫أيونات‪ ،‬هذا كل ما يجري يف المخ‪.‬‬
‫فالمخ هو‪ :‬مجرد جهاز عصبي تنفيذي يقوم من خالل أنشطة كهربية بتنفيذ‬
‫مهام عصبية معقدة‪.‬‬
‫جهازا تشريع ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إذن فالمخ جهاز تنفيذي‪ ،‬وليس‬
‫فالمخ ال يشرع القيمة‪ ،‬وال المعنى‪ ،‬وال يفرز الوعي‪.‬‬
‫وهذا األمر جرى إثباته علم ًّيا بتجارب كثيرة منذ بدايات القرن الماضي‪،‬‬
‫مثال على ذلك تجارب عالم األعصاب الشهير‪ِ :‬ويلدر بنفيلد ‪Wilder Penfield‬‬
‫حين كان يضغط بإلكرتود يف يده على جزء محدَّ د من مخ المريض الذي أمامه‬
‫فمثال يضغط بنفيلد على جزء تحريك اليد يف مخ‬
‫أثناء قيامه بجراحات المخ‪ً ،‬‬
‫فتتحرك يد المريض‪ ،‬حيث تخرج إشارة من المخ لتحريك يد المريض‬
‫َّ‬ ‫المريض‬
‫فتتحرك‪ ،‬فالمخ جهاز تنفيذي‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪935‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهنا يطلب الدكتور بنفيلد من المريض أن ي ِ‬


‫وقف يده عن الحركة أثناء‬ ‫ُ‬
‫الضغط باإللكرتود‪ ،‬وإذا بالمفاجأة الكربى تحصل!‬
‫ال يستطيع المريض ْ‬
‫أن يوقف يده عن الحركة‪.‬‬
‫تتحرك يد‬
‫َّ‬ ‫فطالما صدرت اإلشارة من المخ بعد الضغط عليه باإللكرتود‬
‫المريض‪ ،‬ومهما حاول المريض أن يوقف حركة يده فال يستطيع‪.‬‬
‫وهنا تظهر المفارقة المدهشة‪:‬‬
‫قرارا آخر‪.‬‬
‫اتخذ المخ القرار‪ ،‬واتخذ المريض ً‬
‫وهذا يعني أن الوعي واإلرادة شيء‪ ،‬والمخ المادي شي ٌء آخر تما ًما‪.‬‬
‫فالقرار الذي يريده المريض شيء‪ ،‬والنشاط المخي شيء مختلف‪.‬‬
‫مصدرا للوعي أو اإلرادة أو اتخاذ القرار‪.‬‬
‫ً‬ ‫فالمخ مجرد جهاز تنفيذي‪ ،‬وليس‬
‫وقد َكتَب بنفيلد كتابه " ُّ‬
‫سر العقل ‪ "Mystery of the Mind‬فأودع فيه نتائج‬
‫تجاربه المدهشة تلك‪.‬‬

‫وعندما ُسئل الملحد ليونارد ملودينوف ‪ Leonard mlodinow‬الفيزيائي الذي‬


‫اشرتك مع ستيفن هاوكنج يف كتابة كتاب "التصميم العظيم ‪:"the Grand Design‬‬

‫‪936‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫هل يوجد تفسير مادي فيزيائي للوعي؟‬


‫أجاب‪ :‬ال يوجد تفسير مادي فيزيائي للوعي(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫ذرات‪ ،‬وال نتاج دماغ‪ ،‬وال نتاج نشاط كهربي‪ ،‬وال نتاج المخ‪.‬‬ ‫فالوعي ليس نتاج‬
‫وهنا قد يظهر سؤال‪ :‬لماذا لو ُأصيب اإلنسان بصدمة يف رأسه‪ ،‬أو تم‬
‫تخديره‪ ،‬أو قام بتعاطي بعض العقاقير‪ ،‬فإنه يفقد الوعي أو يتغير وعيه؟‬
‫والجواب‪ :‬المخ أشبه ما يكون بجهاز التلفاز‪ ،‬فهو مجرد مستقبِل للمعلومة‪،‬‬
‫يتم قطع األسالك عن جهاز التلفاز‪ ،‬أو عن المخ‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬
‫و ُمعالج لها‪ ،‬وحين ُّ‬
‫يحدث يف الصدمات أو العمليات الجراحية أو التخدير أو تناول العقاقير‬
‫المهلوسة‪ ،‬فإن اإلرسال يتو َّقف‪ ،‬لكن التلفاز ال يخزن المعلومة ابتدا ًء‪ ،‬وإنما هو‬
‫مجرد ناقل لها‪ ،‬كذلك مخك(‪.)2‬‬
‫فالمخ جهاز تنفيذي يستقبل المعلومات‪ ،‬والعقل يستخدم المخ كآلة‪.‬‬
‫وهذا الكالم أكَّد عليه د‪ .‬روجر سربي ‪ Roger Sperry‬الحائز على نوبل يف‬
‫وظائف المخ؛ إذ أكَّد على أنَّه ال َعالقة بين الوعي والمخ‪.‬‬

‫‪)1( https://www.youtube.com/watch?v=S1OXzP-1KMs‬‬
‫إلى ‪11:15‬‬ ‫من ‪11:11‬‬
‫(‪ )2‬أنا تتحدث عن نفسها‪ ،‬عمرو شريف‪ ،‬نيوبوك للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪937‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫كثيرا ربط الوعي بالمخ‪ ،‬وهم هبذا يهدفون إلى نفي‬


‫ويحاول المالحدة ً‬
‫حرية اإلرادة عن اإلنسان‪ ،‬وافرتاض َّ‬
‫أن اإلنسان ليست له إرادة حرة‪ ،‬هذه فكرة‬
‫ٍ‬
‫سابق‪ ،‬فهي فكرة تربر لكل جريمة‪ ،‬وألية جريمة‪،‬‬ ‫سامة‪ ،‬كما شرحت يف ٍ‬
‫باب‬
‫ونفي اإلرادة الحرة ال يتفق وكرامة اإلنسان‪ ،‬واإلنسان بفطرته يعلم يقينًا أنه‬
‫مك َّلف‪َّ ،‬‬
‫وأن لديه إرادة حرة‪ ،‬وبنا ًء على اإلرادة الحرة هناك دستور وقانون‬
‫وقضاء ومحاكم ومحاماة وأحكام وتشريع وعقوبة ومكافأة‪ ،‬فكل هذه األمور‬
‫مبن َّية على أن لإلنسان إرادة حرة‪.‬‬
‫أن اإلنسان ُمك َّلف ومسؤول عن قراراته‪.‬‬
‫ومبن َّية على َّ‬
‫لذلك فاإللحاد بتبنِّيه لنفي اإلرادة الحرة ال يمكنه أن يحلل ظاهرة اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -607‬هل احلب والكراهية يه جمرد أمور هرمونية؟‬

‫أن األمر هبذه الصورة‪ ،‬فهل لو وضعنا هذه الهرمونات على‬ ‫ج‪ :‬لو افرتضنا َّ‬
‫َكر ُه؟‬ ‫ِ‬
‫ب أو ست َ‬
‫ورقة ترشيح يف معمل‪ ،‬هل ورقة الرتشيح س ُتح ُّ‬

‫َعالقة العاطفة بكيمياء المخ هي َعالقة تزامنية‪ ،‬وهذا األمر قد أوضحناه قبل قليل‪.‬‬
‫فرز‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن‬ ‫شخصا ما‪ ،‬فإن هرمون اإلندورفين ُي َ‬
‫ً‬ ‫فعندما يحب اإلنسان‬

‫‪938‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫هرمون اإلندورفين ُيفرز فيقع يف حب فالن‪.‬‬


‫فال َعالقة تزامنية‪ ،‬وليست سببية‪.‬‬
‫وعندما يتصل بك شخص تحبه‪َّ ،‬‬
‫فإن جسدك يفرز هرمون الحب اإلندورفين‪.‬‬
‫شخصا تكرهه‪ ،‬فإن جسدك يف المقابل يفرز هرمون الكورتيزول‪.‬‬
‫ً‬ ‫بينما عندما ترى‬
‫ف َعالقة النواقل العصبية بمشاعرك هي َعالقة تزامنية‪ ،‬وليست َعالقة سببية‪:‬‬
‫ففي الزمن نفسه الذي أحببت فيه فالنًا ظهر هرمون الحب‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن هرمون‬
‫الحب كان وراء تحابكما‪.‬‬
‫ولو كانت ال َعالقة بين الهرمونات والمشاعر سببية‪ ،‬وكانت الهرمونات هي‬
‫ٍ‬
‫قليلة أن‬ ‫ٍ‬
‫بدوالرات‬ ‫التي تؤدي للحب والبغض كما يصور المالحدة‪ ،‬الستطعنا‬
‫نحقن هرمون الحب‪ ،‬ونوفق أي رأسين يف الحالل‪.‬‬

‫***‬

‫‪939‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الفصل اخلامس‬
‫النباتية‬

‫‪ -608‬هل انلباتية وحتريم أكل احليوانات يه رمحة باحليوان؟‬

‫تحريم ما أحل اهلل تعالى‪ ،‬فاهلل ‪َّ ‬‬


‫أحل أكل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حاصل هذا القول‬ ‫ج‪:‬‬
‫الحيوان‪ ،‬لك َّن دعاة النباتية يحرمونه‪ ،‬قال اهلل ‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [المائدة‪.]0 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ﴾ [األنعام‪.]112 :‬‬
‫عز من قائل‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫وقال َّ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [األنعام‪.]102 :‬‬
‫وقال ‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰ﴾ [النحل‪.]10 :‬‬
‫فما أح َّله اهلل ال يحرمه إنسان قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮐﮑﮒﮓ﴾ [المائدة‪.]1 :‬‬
‫ويقول سبحانه‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ﴾ [الحج‪.]26 :‬‬
‫ويقول ‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [الحج‪.]58 :‬‬

‫‪940‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فإباح ُة أكل لحوم الحيوانات التي أح َّلها اهلل هو من المعلوم من دين اإلسالم‬
‫بالضرورة‪.‬‬
‫أحل شي ًئا ترتجح كِ َّفة ضره على نفعه مطل ًقا‪ ،‬فهو‬
‫أن اهلل تعالى َّ‬
‫ومن اعتقد َّ‬
‫طاع ٌن على رب العالمين‪ ،‬وهو ُمت َِّه ٌم هلل سبحانه بالجهل أو الكذب‪ ،‬وهذا شرك‬
‫يف الربوبية واأللوهية جمي ًعا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ﴾ [األعراف‪.]132 :‬‬
‫فما أح َّله اهلل هو قط ًعا من الطيبات‪.‬‬
‫وال يجوز تحريم ما َّ‬
‫أحل اهلل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [المائدة‪.]62 :‬‬
‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [األعراف‪.]52 :‬‬
‫فمن هذا الذي ُيحرم أكل الحيوانات التي َّ‬
‫أحل اهلل أكلها؟ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫َ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [األنعام‪.]112 :‬‬
‫فتحريم ما َّ‬
‫أحل اهلل من الحيوان هو من أعمال الجاهلية‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [األنعام‪.]156 :‬‬
‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ﴾ [األنعام‪.]100 :‬‬
‫فما أح َّله اهلل من لحوم الحيوان والطير والسمك ال يجوز تحريمه على الناس‪:‬‬

‫‪946‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [األنعام‪.]103:‬‬
‫والتحريم إن لم يقم عليه دليل من الشرع‪ ،‬فهو كذب على رب العالمين‬
‫وافرتا ٌء عليه‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ﴾ [األنعام‪.]131 :‬‬
‫ثم لنسأل النباتيين‪ :‬لماذا تجيزون قتل النبات؟‬
‫وقد ثبت بالدليل العلمي َّ‬
‫أن للنبات حياةً‪ ،‬وله إحساس وشعور إلى درجة‬
‫َّ‬
‫أن سويسرا سنَّت قوانين لتجريم إذالل النبات(‪.)1‬‬
‫وحرمتم قتل الحيوان؟‬ ‫ٍ‬
‫فبأي سلطان استحللتم يا دعاة النباتية النبات‪َّ ،‬‬
‫غاية التفاوت بين النبات والحيوان‪َّ ،‬‬
‫أن الحيوان يتمتَّع بمخ وجهاز عصبي‬
‫وحركة‪ ،‬لكن النبات ال يحتاج ما يحتاج إليه الحيوان‪ ،‬فاهلل سبحانه يمت ُّن على‬
‫يتحرك ليحصل‬
‫الكائن بما يحتاجه بحكمته وقدرته ‪ ،‬فالكائن الحي الذي َّ‬
‫على الطعام‪ ،‬ويهرب من أعدائه‪ ،‬يتمتَّع ببنية تتناسب مع ما يحتاج‪.‬‬
‫دليال على َّ‬
‫أن النبات ال يعي‪ ،‬أو أنَّه أدنى من الحيوان‪.‬‬ ‫وهذا ليس بمجرده ً‬
‫وهناك نباتات كنبتة الصبار ذات الفكين تقبض على الحشرة بمجرد وقوفها‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪)1( http://planetsave.com/1008010018/switzerland-places-ban-on-the-humiliation-of-plants.‬‬

‫‪942‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ٍ‬
‫أن هناك نباتات تتع َّلم مع الوقت‪ ،‬فنبت ُة الميموزا ‪Mimosa pudica‬‬
‫بل تب َّين َّ‬
‫تكرر‬
‫تعرضها للمس أو الصدمة‪ ،‬تب َّين للعلماء أنَّه لو َّ‬
‫التي تغلق أوراقها بمجرد ُّ‬
‫تكررت الصدمة بالقوة نفسها فإن النبتة ال تنكمش مجد ًدا‪.‬‬
‫اللمس أو َّ‬

‫ٍ‬
‫مؤثرات‪ ،‬هذا يشرتك فيه كل نبات وحيوان‪ ،‬وال‬ ‫فالشعور بما يف الخارج من‬
‫يلزم منه مخ وال جهاز عصبي‪.‬‬
‫جهازا عصب ًّيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مخا وال‬ ‫بل َّ‬
‫إن األميبا ذاك الكائن وحيد الخلية التي ال تملك ًّ‬
‫كحبيبة نشا تقرتب منها بغير حذر‪ ،‬بينما‬
‫وعي فإذا اقرتبت من طعام ساكن ُ‬
‫لديها ٌ‬

‫‪943‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إذا كان طعا ًما متحركًا تقرتب منه بحذر‪.‬‬


‫وبعض النباتات آكلة الحشرات تحسب عدد الحشرات لتغلق ف َّك ْيها على‬
‫أكرب عدد ممكن(‪.)1‬‬

‫أمور ثابتةٌ‪ ،‬ويف‬


‫فقضية الوعي يف النبات‪ ،‬ويف الكائنات وحيدة الخلية هي ٌ‬
‫اإلسالم كل الكائنات ُتس ِّبح‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [اإلسراء‪.]00 :‬‬
‫فتحريم أكل الحيوان؛ ألنَّه يعي‪ ،‬هذا يستتبع بالضرورة تحريم أكل النبات‪.‬‬
‫ثم إن مصدر الحديد األساسي يف جسم اإلنسان هو لحوم الحيوانات‪،‬‬
‫وليس النبات‪.‬‬
‫األوكسجين‬
‫ُ‬ ‫حمل على ذراته‬
‫والحديد هو رئة األنسجة والخاليا‪ ،‬فهو الذي ُي َ‬
‫لكل خلية من خالياك‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك َّ‬
‫أن النباتيين يعانون من نقص فيتامين ب‪ 12‬الذي يمثل غذاء‬ ‫ْ‬
‫(‪ )1‬هذه األمثلة أوردها الدكتور أبو الفداء ابن مسعود يف حلقة‪ :‬النباتية فلسفة شركية وليست نظا ًما غذائ ًّيا‬
‫على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=Dpx-d181Org‬‬

‫‪944‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الجهاز العصبي‪ ،‬فال يوجد هذا الفيتامين الضروري جدًّ ا إال يف الغذاء الحيواين‪.‬‬
‫أن فيتامين ب‪ 12‬هو أكثر الفيتامينات وص ًفا يف مستشفيات‬
‫ومن المعلوم َّ‬
‫العالم؛ لحاجة الناس باستمرار إليه‪ ،‬وهو ال يوجد إال يف الحيوانات‪.‬‬
‫مشكلة النباتيين أهنم تأخذهم شفقة ُمبا َلغ فيها يف ذبح الحيوانات‪ ،‬والعلمانيون‬
‫والمالحدة يجمعون بطبيعتهم األفكار الشاذة ف ُيروجون لهذه القضية‪.‬‬
‫نتصور‪،‬‬
‫َّ‬ ‫عما‬
‫أن شعور الحيوان يختلف تما ًما َّ‬ ‫لكن ال يعلم النباتيون َّ‬
‫ٍ‬
‫وسكينة حتى صارت سكينته لحظة الذبح‬ ‫ٍ‬
‫هدوء‬ ‫فالحيوان ُيساق للذبح يف‬
‫مضرب المثل يف الوداعة‪ٍ " :‬‬
‫كشاة ُتساق للذبح"‪.‬‬
‫وشكل االستجابة لأللم عند الحيوان هو شكل انقباضي آلي بسيط ال يحمل‬
‫تأمال اسرتجاع ًّيا لأللم فيما بعد‪.‬‬
‫توج ًعا شعور ًّيا مستقبل ًّيا وال ً‬
‫بل المدهش الذي كشفه لنا علم دراسة سلوك الحيوانات َّ‬
‫أن افرتاس‬
‫الحيوانات بعضها لبعض غير مؤلم كما نتخ َّيل‪ ،‬بالقياس على طبيعتنا نحن البشر‪.‬‬
‫تقول عالمة األنثرولوجيا الربيطانية جين غودال ‪َّ Jane Goodall‬‬
‫إن‪ :‬افرتاس‬
‫الحيوانات الضارية للضحايا غير مؤلم كما نتخ َّيل(‪.)1‬‬
‫بل وتقطيع أجزاء ضخمة من سمك القرش أثناء اشتباكاته قد يكون لطي ًفا وغير‬
‫كبيرا أصاهبم(‪.)2‬‬
‫خطرا ً‬ ‫مؤلم بالمرة‪ ،‬وأغلبهم ال يعاين اضطرا ًبا ُيذكر‪ ،‬وال يدركون َّ‬
‫أن ً‬
‫فهذه حقيقة ُيسجلها العلم‪ ،‬فالحيوان ال ُيراكِم األلم‪ ،‬وال يسرتجعه‪ ،‬وال‬
‫يتأمله‪.‬‬
‫أيس ُر بكثير مما نتخ َّيل‪.‬‬
‫وألم الحيوان َ‬
‫يسيرا يف‬
‫وتجارب الحيوان مع األلم آن َّية وقت َّية‪ ،‬لكنه يوفر إدراكًا الشعور ًّيا ً‬
‫‪)1( Innocent killers, P.13.‬‬
‫‪)2( H. David Baldrige, shark attack, p.111.‬‬

‫‪945‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫التعرض للخطر يف المستقبل(‪.)1‬‬


‫ذاكرته‪ ،‬يجعله يتفادى ُّ‬
‫ويسيرا فلماذا يتألم باألساس؟‬
‫ً‬ ‫لكن قد يقول قائل‪ :‬إذا كان ألم الحيوان بسي ًطا‬
‫كما قلت‪ :‬األلم البسيط هو شيء جوهري أودعه اهلل يف الحيوان كآلية لتوليد‬
‫مستقبال من تكرار الحادث نفسه‪ ،‬ومن تعريض نفسه للخطر‪.‬‬
‫ً‬ ‫إدراك شعوري يحميه‬
‫مر ًة أخرى‪ ،‬والذي يقع يف حفرة‬
‫فالحيوان الذي تلسعه النار لن يقرتب منها َّ‬
‫حذرا يف المرات القادمة‪.‬‬
‫سيكون ً‬
‫وهنا ننتقل لنقطة مهمة وهي‪ :‬كيف يتعامل اإلسالم مع الحيوان؟‬
‫جاء اإلسالم ونادى بالرحمة مع الطير والحيوان والشجر والنبات‪.‬‬
‫فال يجوز تعذيب الحيوان يف اإلسالم وال تجويعه‪ ،‬وال تكليفه ما ال يطيق‪،‬‬
‫وال يجوز اتخاذه هد ًفا ُيرمى عليه بالنبل أو الرصاص‪ ،‬بل وورد النص بتحريم‬
‫ترق إليها البشرية يف أي ٍ‬
‫وقت من األوقات‪ ،‬وال‬ ‫لعن الحيوان‪ ،‬وهذه أمور لم َ‬
‫حتى يف عصرنا الحاضر‪.‬‬
‫غرضا؛ ل ُيتعلم فيه الرمي‪ ،‬عن‬ ‫فقد هنى النبي ﷺ عن اتخاذ شيء فيه الروح ً‬
‫إن ر َ ِ‬
‫وح‬ ‫سول اهلل ﷺ َل َع َن َم ِن ا َّت َخ َذ شي ًئا فيه ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫عبد اهلل ابن عمر ﭭ قال‪َ َّ " :‬‬
‫َغ َر ًضا"(‪.)2‬‬
‫ومن رحمته ﷺ أنَّه هنى أن يحول أحد بين حيوان أو طير وبين ولده‪ ،‬يقول‬
‫فانطلق لحاجتِ ِه‪ ،‬فر َأينا‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ يف س َف ٍر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عبد اهلل ابن مسعود ‪" :‬كنَّا َ‬
‫مع‬
‫فجع‬ ‫فقال‪َ :‬من‬‫تعر ُش فجا َء النَّبي َ‬ ‫فرخ ْيها فجاءت ِ‬‫فأخذنا َ‬ ‫ِ‬
‫فرخان‪َ ،‬‬ ‫ُح َّمر ًة م َعها‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫حر َق‬ ‫حر ْقناها‪َ .‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫فقال‪َ :‬من َّ‬ ‫هذه بولدها؟ ُر ُّدوا ولدَ ها إليها‪ .‬ورأى قري َة نم ٍل قد َّ‬
‫‪)1( Leslie Pearce Williams, a life in natural history, p.191.‬‬
‫هذه االقتباسات من كتاب‪ :‬مشكلة الشر‪ ،‬للدكتور سامي عامري‪ ،‬من إصدارات تكوين‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1236:‬‬

‫‪946‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫رب الن ِ‬
‫َّار"(‪.)1‬‬ ‫عذ َب بالن ِ‬
‫َّار َّإال ُّ‬ ‫هذ ِه؟ ُقلنا‪ :‬نح ُن‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬إ َّن ُه ال ين َبغي أن ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫حي‪ ،‬ول َعن من‬ ‫وهنى ﷺ عن ُ ْ‬
‫المثلة بالحيوان‪ ،‬وهو قطع جزء من أطرافه وهو ٌّ‬
‫ِ‬
‫بالحيوان"(‪.)2‬‬ ‫َّبي ﷺ َمن َم َّثل‬
‫فعل ذلك‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمر ﭭ قال‪" :‬ل َع َن الن ُّ‬
‫بل لقد هنى النبي ﷺ عن قطع الشجر من غير حاجة‪ ،‬فقال‪" :‬من قطع ِسدر ًة‬
‫صوب اهلل رأسه يف النار"(‪.)3‬‬
‫وحذر أشدَّ التحذير‬ ‫َّ‬ ‫حض تشريع رب العالمين على رعاية الحيوان‪،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫من إيذاء الحيوان‪ ،‬فقد دخلت امرأة النار يف ِه َّرة أجاعتها‪ ،‬قال النبي ﷺ‪:‬‬
‫ت ا ْم َر َأ ٌة يف ِه َّر ٍة َس َجنَتْها حتَّى ما َت ْت‪َ ،‬فدَ َخ َل ْت فيها الن ََّار‪ ،‬ال هي أ ْط َع َمتْها‬
‫" ُع ِّذب ِ‬
‫َ‬
‫ض"(‪.)4‬‬ ‫األر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وال َس َقتْها‪ ،‬إ ْذ َح َب َستْها‪ ،‬وال هي َت َر َكتْها َت ْأ ُك ُل من َخ‬
‫شاش ْ‬
‫غي من بغايا بني إسرائيل الجنة يف كلب سق ْت ُه‪ ،‬قال‬ ‫ويف المقابل دخلت َب ٌّ‬
‫يف َبر ِك َّي ٍة قدْ كا َد َي ْق ُت ُل ُه ال َع َط ُش‪ ،‬إ ْذ َر َأ ْت ُه َب ِغ ٌّي مِن‬
‫ب ُيطِ ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪" :‬ب ْينَما َك ْل ٌ‬
‫فاس َت َق ْت له به‪َ ،‬ف َس َق ْت ُه إ َّيا ُه‪َ ،‬ف ُغ ِف َر لها ِبه"(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫إسرائ َيل َفن ََز َع ْت ُمو َقها‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫َبغايا َبني ْ‬
‫ومن صور رحمة التشريع اإلسالمي بالحيوان أنَّه أمر باإلحسان إلى البهيمة‬
‫حال ذبحها‪ ،‬وأثنى على من فعل ذلك‪ ،‬بل وهنى أن ُت َحدَّ آلة الذبح أمام الحيوان؛‬
‫لئال تروعه‪.‬‬
‫فأح ِسنُوا‬ ‫ٍ‬
‫ان ع َلى ُك ِّل شيء‪َ ،‬فإِ َذا َق َت ْل ُت ْم ْ‬ ‫اإلح َس َ‬‫َب ْ‬ ‫اهلل َكت َ‬
‫إن َ‬‫قال رسول اهلل ﷺ‪َّ " :‬‬
‫ِ‬ ‫فأح ِسنُوا َّ‬ ‫ِ‬
‫الذ ْب َح‪َ ،‬و ْل ُيحدَّ َأ َحدُ ُك ْم َش ْف َر َت ُه‪َ ،‬ف ْل ُي ِر ْح َذبِ َ‬
‫يح َت ُه"(‪.)6‬‬ ‫الق ْت َلةَ‪ ،‬وإ َذا َذ َب ْح ُت ْم ْ‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.3286 :‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3313 :‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،3252:‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...5062:‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2202:‬‬
‫)‪ (5‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...5082:‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2203:‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1233:‬‬

‫‪947‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َ ِ‬ ‫رجال َ‬ ‫وعن معاوية بن ُق َّرة عن أبيه ‪َّ " :‬‬


‫ذبح‬‫رسول اهلل‪ ،‬إنِّي َأل ُ‬ ‫قال‪ :‬يا‬ ‫أن ً‬
‫والشا ُة إن‬ ‫فقال‪َّ :‬‬ ‫أذبحها‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫ألرح ُم َّ‬
‫الشا َة أن‬ ‫َ‬ ‫أرح ُمها ‪-‬أو َ‬
‫قال‪ :‬إنِّي‬ ‫َّ‬
‫الشا َة وأنا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رح ْمتَها رح َم َك ُ‬
‫اهلل"(‪.)1‬‬
‫َّبي‪:‬‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫حدُّ َشفر َت ُه‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫رجال أضجع شا ًة وهو ي ِ‬ ‫أن ً‬ ‫وعن ابن عباس ﭭ‪َّ " :‬‬
‫ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫قبل أن ُت ِ‬
‫ضج َعها؟"(‪.)2‬‬ ‫هال أحدَ ْد َت َشفر َت َك َ‬ ‫أتريدُ أن ُتميتَها م ٍ‬
‫وتات؟ َّ‬ ‫َ‬
‫وعن أبي أمامة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ " :‬من َر ِح َم ولو َذبِيح َة‬
‫الق ِ‬‫ور‪ ،‬ر ِحمه اهلل يوم ِ‬
‫يامة"(‪.)3‬‬ ‫ُع ْص ُف ٍ َ َ ُ ُ َ‬
‫ٍ‬
‫ورحمة‪.‬‬ ‫فهذه رحمة تشريع رب العالمين بالكائنات الحية‪ ،‬فهي شريعة ٍ‬
‫عدل‬
‫أما تشريع النباتيين فال ينتمي لعقل‪ ،‬وال بصيرة‪ ،‬وهنايته هالك الحيوان واإلنسان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مأكول؛ ألن‬ ‫حرم على نفسه َّ‬
‫كل‬ ‫ولو سار اإلنسان خلف هراء النباتيين فس ُي ِّ‬
‫نتاج حياة واعية‪ ،‬وسيحرم على نفسه التربز؛ لئال يقتل الطفيليات‬ ‫كل مأكول ُ‬
‫التي تموت بالتربز؟‬
‫وسيحرم على نفسه االغتسال؛ لئال يقتل المستعمرات البكتيرية التي تحيا‬
‫على جلده‪.‬‬
‫الحق ينهار عليك سقف العقل!‬
‫حين تخالف الدين ُّ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬الصحيح المسند‪ ،‬للوادعي‪ ،‬ح‪.1161:‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الحاكم‪ ،‬ح‪ ،2321:‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجامع الصغير‪ ،‬ح‪ ،6826:‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪948‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الفصل السادس‬
‫قانون اجلذب والعالج بالطاقة‬

‫‪ -609‬ما معىن قانون اجلذب؟‬

‫قانون الجذب هو فكرة انتشرت يف الغرب‪ ،‬وأص ُلها ديانات شرق آسيا الوثنية‪.‬‬
‫وقانون الجذب يعني أن‪ :‬تضبط ذبذبتك على ذبذبة ما تريد من الكون من‬
‫حولك؛ فيأتيك ‪-‬بزعمهم‪.‬‬
‫تطلب ما تريد من الكون‪ ،‬والكون ُيلبي طلبك!‬
‫والطلب من الكون إن لم يكن شركًا أكرب فما هو الشرك؟‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [البقرة‪.]22 :‬‬
‫فأن تجعل هلل ندًّ ا‪ ،‬و َتطلب منه‪ ،‬فهذا عين الكفر والجنون العقلي‪.‬‬
‫ولو قالوا َّ‬
‫إن هذا ليس أكثر من أخذ باألسباب‪ ،‬وأن هذه الطريقة ‪-‬طريقة‬
‫ضبط الذبذبة‪ -‬هي طريقة فقط لألخذ باألسباب التي قدَّ رها اهلل؛ الستجالب‬
‫المضار‪ ،‬وكل شيء يف الكون بإذن اهلل؛ لو قالوا ذلك‪ ،‬فهذا شرك‬
‫ّ‬ ‫المنافع‪ ،‬ودفع‬
‫سمى شرك األسباب؛ ألن هذه الطريقة ‪-‬قانون الجذب‪ -‬ليست من‬ ‫أصغر ُي َّ‬
‫جملة األسباب التي جعلها الشارع أسبا ًبا‪.‬‬
‫فالشارع قدَّ ر األسباب المشروعة والتي يجوز األخذ هبا‪ ،‬وهي على صنفين‪:‬‬
‫نص عليها الشارع‪.‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أسباب شرعية َّ‬
‫الصنف الثاين‪ :‬أسباب َقدَ ر َّية كالتي ثبت نف ُعها بالعلم التجريبي من جملة‬
‫النواميس التي َّ‬
‫سخرها اهلل لعباده‪.‬‬
‫نصا أو قدَ ًرا‪ ،‬فاألخذ هبا‬ ‫أما غير ذلك من األسباب التي لم ي ِ‬
‫ج ْزها الشرع ًّ‬ ‫ُ‬
‫شرك أصغر‪.‬‬

‫‪949‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫خيرا أو يدفع ُض ًّرا‪.‬‬


‫فالشارع لم ُيخرب أن ضبط الذبذبة يجلب ً‬
‫المسمى بـ"قانون الجذب"‪ ،‬يكفي َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬ ‫والعلم التجريبي ليس فيه هذا الهراء‬
‫ً‬
‫مطوال‬ ‫الباحث المتخصص يف فضح العلوم الزائفة "مايكل شيرمر" كتب بح ًثا‬
‫يف مجلة "األمريكي العلمي" ‪ Scientific American‬ينعى فيه هذه السخافة‬
‫المسماة "قانون الجذب" وينعى ُدعاهتا بشدَّ ة‪ ،‬فهم أقرب للمخابيل(‪.)1‬‬
‫مثاال بسي ًطا؛ لنفهم الفرق بين األخذ باألسباب‪ ،‬والشرك‬
‫واآلن لنضرب ً‬
‫األصغر‪ ،‬والشرك األكرب‪:‬‬
‫شخصا كان يعاين من أحد األوجاع فقام بـ‪:‬‬
‫ً‬ ‫لو أن‬
‫أ‪ -‬عمل ُرقية لنفسه ببعض اآليات القرآنية‪ ...‬هنا نقول‪ :‬هذا أمر شرعه اهلل تعالى‪.‬‬
‫أقراصا دوائية؛ لتخفيف الوجع‪ ...‬هنا نقول‪ :‬األقراص الدوائية‬
‫ً‬ ‫ب‪ -‬تعاطى‬
‫جعلها اهلل سب ًبا‪ ،‬وقدَّ رها لذلك‪ ،‬فال حرج عليه يف التداوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬قام برسم طِ َل ْسمات على موضع األلم للتداوي هبا‪ ...‬هنا نقول‪ :‬هذا من‬
‫الشرك؛ ألنه تع َّلق بما لم يشرعه اهلل‪ ،‬ولم ُيقدِّ ْر ُه كوسيلة عالج‪.‬‬
‫سبب‪ ،‬والشفاء من اهلل‪ ،‬فهذا شرك أصغر‬ ‫ٍ‬ ‫مجرد‬
‫أن هذا الطلسم َّ‬ ‫ولو ظن َّ‬
‫سمى شرك األسباب‪.‬‬
‫ُي َّ‬
‫أما لو اعتقد أن هذا الطلسم َيشفي بذاته‪ ،‬فهنا وقع يف الشرك األكرب‪.‬‬
‫فهذا مثال للتفريق بين األخذ باألسباب‪ ،‬والشرك األكرب‪ ،‬والشرك األصغر‪.‬‬
‫إذن اعتقاد جلب النفع أو دفع الضر بضبط الذبذبة يف قانون الجذب‪ :‬هذا‬
‫يدور بين الشرك األكرب‪ ،‬والشرك األصغر‪.‬‬
‫لكن لألسف ُدعاة العالج بالطاقة يف بالدنا‪ ،‬ودعاة قانون الجذب يعطون‬
‫تين" حتى تدخل على العوام والجهلة‪ :‬مسحة شرعية‪،‬‬‫هذه الممارسات " َم ْس َح ِ‬
‫‪)1( https://www.scientificamerican.com/article/the-other-secret/‬‬

‫‪950‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ومسحة علمية‪.‬‬
‫أما المسحة الشرعية فيقولون إن‪ :‬قانون الجذب هو من باب إحسان الظن‬
‫باهلل‪ ،‬ألم يقل اهلل تعالى يف الحديث القدسي‪" :‬أنا عند ظن عبدي بي"؟‬
‫لكن تدليس هؤالء هنا َّ‬
‫أن قانون الجذب يعتمد على إحسان الظن بالطاقة‬
‫الكونية ال باهلل‪ ...‬إحسان الظن بقوة الطاقة التي تنطلق من البدن‪ ...‬إحسان الظن‬
‫بقوة ونفع وصالحية قانون الجذب‪.‬‬
‫فهل هذا من باب إحسان الظن باهلل؟ أم من باب إحسان الظن بقانون‬
‫الجذب الخرايف؟‬
‫ويستد ُّلون ً‬
‫أيضا بقوله تعالى‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾‬
‫[الرعد‪ ]11 :‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن تغيير ما بنفسك يكون بصالح العمل‪ ،‬وترك الكفر‪،‬‬
‫وليس بضبط الذبذبة كما يفرتون‪.‬‬
‫ويعتمدون على حديث للنبي ﷺ يروون أنه قال‪" :‬تفاءلوا بالخير تجدوه"‪،‬‬
‫يصح!‬
‫وهو أثر موضوع مكذوب ال ُّ‬
‫والدعوة للتفاؤل ال شيء فيها‪ ،‬فالتفاؤل يدفع للنشاط واألخذ باألسباب‪،‬‬
‫وليس أن مجرد التفاؤل يجذب النفع أو يدفع الضر!‬
‫ويعتمدون على قول النبي ﷺ‪" :‬إنما األعمال بالنيات"‪ ،‬وال أدري ما َعالقة‬
‫الحديث بضبط الذبذبة؟‬
‫فالنية عمل قلبي‪ ،‬والثواب يكون بنا ًء على النية‪ ،‬هذا منطوق الحديث!‬
‫ويبدو أنَّه كما قال الذهبي ‪" :‬من رام الجمع بين علم األنبياء وعلم‬
‫الدجاجلة خالف هؤالء وهؤالء"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ميزان االعتدال –بتصرف‪ ،-‬الذهبي‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.125‬‬

‫‪956‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫روجون لألمر على أنَّه‬


‫أما المسحة العلمية يف قانون الجذب فهي أنَّهم ُي ِّ‬
‫وأن الموضوع يخضع للفيزياء‪ ،‬وهذا من أكرب الدجل الذي ما‬ ‫قضية علمية‪َّ ،‬‬
‫سمعنا به من قبل‪ ،‬فقانون الجذب وضبط الذبذبة ال َعالقة لهما بكل قوانين‬
‫الفيزياء التي عرفها البشر عرب كل عصورهم‪.‬‬
‫هتتز‬
‫دائما تشرح عكس قانون الجذب تما ًما‪ ،‬ففي الفيزياء حين ُّ‬
‫بل والفيزياء ً‬
‫هتتز إال َو ْفق ترددات محددة تعتمد على كتلة ومرونة‬
‫المادة فإهنا ال يمكن أن َّ‬
‫الجسم‪ ،‬وليس لك أن تزيد االهتزاز أو تنقصه إال َو ْفق قوانين فيزيائية مثل أن‪:‬‬
‫ُتغير من كتلة المادة‪.‬‬
‫أصال‪.‬‬
‫وهذه االهتزازات التي تقوم هبا المادة ليس لها خاصية الجذب ً‬
‫فال يوجد ما ُيعرف بالجذب من خالل الذبذبة‪ ،‬هذا دجل فيزيائي‪.‬‬
‫هتتز بأية صورة؛ ألن طاقة حركتها‬
‫بل والمادة عند درجة الصفر المطلق ال ُّ‬
‫عند الصفر المطلق تكون مساوية للصفر‪.‬‬
‫أصال‪.‬‬
‫ثم إن جسم اإلنسان ليست له كتلة معتربة تستطيع جذب أي شيء ً‬
‫واألعجب من ذلك أن شحنة اإلنسان الكلية متعادلة‪ ،‬فال هو يجذب شي ًئا‬
‫وال يطرد‪.‬‬
‫إذن الدجل المسمى بـ"قانون الجذب" هو محض كذب علمي وهراء على‬
‫أعلى مستوى‪.‬‬
‫فال الذبذبات واالهتزازات لها خاصية الجذب‪ ،‬وال الطاقة من خواصها‬
‫الجذب‪ ،‬وال كتلة اإلنسان تسمح بأن يكون له خاصية جذب‪ ،‬وفوق ذلك‬
‫شحنته الكهربية متعادلة فال هو يجذب وال يطرد‪.‬‬
‫والنية والتفكير والرتكيز الشعوري يف ضبط الذبذبة يف قانون الجذب هذه‬
‫روج دعاة قانون الجذب‪ ،‬ففي‬
‫األمور ال تؤثر يف العالم المادي على عكس ما ُي ِّ‬

‫‪952‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫واحدة من األبحاث العلمية لتأثير النية على العالم من حولنا‪ ،‬أجرى علماء من‬
‫جامعة كورنِل الشهيرة ‪ Cornell University‬تجربة عن ارتباط النية والتفكير‬
‫بإحداث تغيرات مادية‪ ،‬و َتب َّين أن هذه الفكرة محض وهم(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫قانون الجذب كأحد العلوم‬ ‫وقد صنَّفت مجلة "اليف ساينس العلمية"‬
‫الزائفة المنتشرة يف الثقافة الشعبية(‪.)2‬‬
‫ولألسف ما زال هناك َمن يحاول يف بالدنا تلبيس هذا القانون لبوس العلم؛‬
‫حتى ُيدخلها على الجهلة والحمقى!‬
‫ومن مزيد باليا هذا القانون "قانون الجذب" أنه يتهم المرضى والفقراء‬
‫متسببين يف فقرهم ومرضهم؛ ألهنم يجذبون الفقر والمرض‬
‫َ‬ ‫باعتبارهم‬
‫متسببين يف ذلك؟‬
‫َ‬ ‫ألنفسهم؛ وهنا السؤال‪ :‬األنبياء الذين اب ُتلوا‪ ،‬هل كانوا‬
‫وهل كانوا ال يعرفون ضبط الذبذبة ليحصلوا على ما يريدون؟‬
‫(‪)3‬‬

‫إن دعاة قانون الجذب إما أهنم َع َلى مِ َّل ٍة ِه َي َأ ْهدَ ى مِ ْن مِ َّل ِة األنبياء ْأو أهنم‬
‫اب َض َال َل ٍة و ُك ْف ٍر!‬
‫ُم ْفتَتِ ُحو َب ِ‬
‫والمضحك أهنم يسمونه قانونًا مع عدم إمكانية إثباته وال نقضه تجريب ًّيا‪،‬‬
‫فهو ال َعالقة له بأركان وشروط القانون علم ًّيا‪ ،‬لكن ال بد من المصطلحات‬
‫العلمية حتى َيدخلوا على البسطاء‪.‬‬
‫ومن طوام هذا القانون الكفري "قانون الجذب" إضاف ًة إلى ما سبق أنه‪:‬‬
‫ُي َع ِّظم الدنيا‪ ،‬ويجعل شهواهتا منتهى الرغبات‪ ،‬وغاية األماين‪ ،‬فمشروع قانون‬
‫‪)1( http://science.sciencemag.org/content/184091010958‬‬
‫ً‬
‫(نقال عن نقد عالجات الطاقة‪ ...‬مقاالت موقع د‪ .‬فوز كردي)‬
‫‪)2( https://www.livescience.com/1303-pseudoscience-secret.html‬‬
‫(‪ )3‬موقع الشيخ محمد صالح المنجد حفظه اهلل‪https://almunajjid.com/0711 :‬‬

‫‪953‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الجذب تحصيل رغبات الدنيا ال أكثر‪.‬‬


‫إلها يحقق ما يريد‪،‬‬
‫أيضا‪ :‬تقديس النفس اإلنسانية باعتبارها ً‬
‫ومن بالياه ً‬
‫وليس للخالق سبحانه إرادة وال قيومية ‪-‬حاشاه ‪ -‬فهو يستجيب‬
‫لك ما تطلب‪ ،‬وال يميز بين ما تطلب‪ ،‬فالمهم هو أن تضبط ذبذبتك لتحصل‬
‫على ما تطلب ‪-‬تعالى اهلل عما يقولون‪.‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [النحل‪.]25 :‬‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫‪ -660‬ملاذا داعة قانون اجلذب أشد ضالال من فرقة القدرية؟‬

‫أن اهلل خلق كل شيء‪ ،‬وكتب كل شيء‪ ،‬و َعلِم‬


‫عقيدة أهل السنة والجماعة َّ‬
‫كل شيء‪ ،‬وقدَّ ر كل شيء‪.‬‬
‫وأن اهلل خلق أفعال العباد‪ ،‬وما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫هذه عقيدة أهل السنة والجماعة وسلف األمة‪.‬‬
‫ثم بعد زمن ظهرت أول فرقة ضا َّلة يف اإلسالم‪" :‬فرقة القدرية"‪.‬‬
‫وقد قالت القدرية‪َّ :‬‬
‫إن العباد يخلقون أقدار أنفسهم بالكسب‪ ،‬فما تفعله أنت‬
‫هو قدَ رك الذي أنت قدّ رته لنفسك‪.‬‬
‫فحسب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ثم جاء دعاة قانون الجذب فقالوا‪َّ :‬‬
‫إن اإلنسان ال يخلق قدَ ره هو‬
‫بل أقدار كل الوجود من حوله‪ ،‬حيث يعتقدون أن ِ‬
‫الفكر يصنع الواقع‪َّ ،‬‬
‫وأن‬
‫أن ُتغير الكون من حولك‪.‬‬
‫تركيزك وتأملك تستطيع هبما ْ‬
‫ِ‬
‫يصنعان قدَ ر الكون أخطر من قول ال َقدرية‪،‬‬ ‫وهذا القول بأن الرتكيز والتأمل‬
‫ُنفاة ال َقدَ ر‪ ،‬فال َقدرية جعلوا منتهى ُقدرة اإلنسان خلق أفعال نفسه‪ ،‬أما هؤالء‬
‫فيجعلون اإلنسان خال ًقا ألقدَ ار ما حوله‪ ،‬فأ َّلهوا اإلنسان‪ ،‬ووضعوه يف منزلة‬
‫الخالق ‪-‬عيا ًذا باهلل من الضالل‪.‬‬

‫‪954‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -666‬كيف جعل داعة علوم الطاقة وقانون اجلذب اإلنسان إلها خالقا؟‬

‫اإلنسان عندهم ُيغ ِّير أقدار الكون كله من حوله‪ ،‬ويخلق هذه األقدار بنفسه حرف ًّيا‪.‬‬
‫ولألسف أصبحت الدعاية لهذه األفكار الكفرية حتى يف األفالم الكارتونية؛‬
‫وموج ًها ألطفالنا ُيصور كيف أن‬
‫َّ‬ ‫مدبلجا للعربية‪،‬‬
‫ً‬ ‫فيلما كارتون ًّيا هند ًّيا‬
‫شاهدت ً‬
‫يتحول بجلسات تأمل سكوين وتركيز إلى كائن آخر عمالق يتجاوز‬
‫َّ‬ ‫اإلنسان‬
‫العالم المادي‪ ...‬كائن نوراين خالد يبدأ يف تغيير أقدار العالم من حوله‪.‬‬
‫فهل يف ذلك شيء من عقيدتنا التي تقرر أن اإلنسان يولد عبدً ا‪ ،‬ويموت عبدً ا؟‬
‫يخضع لعبودية القهر والتسخير‪ ،‬وعبودية التأله هلل سبحانه‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾‬
‫[مريم‪.]25 :‬‬
‫فاإلنسان بطبيعته وأصله ضعيف‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾‬
‫[النساء‪.]26:‬‬
‫وأصل اإليمان بالقضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة هو التسليم هلل‬
‫والرضا بقضائه‪ ،‬وأن اإلنسان ضعيف‪ ،‬وال يملك إال األخذ باألسباب ال أكثر‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الفرقان‪.]5 :‬‬
‫فنحن لن نكون أسياد مصائرنا‪ ،‬والتسليم هلل هو هناية قصة المصير اإلنساين‪،‬‬
‫هذه عقيدتنا وهي أصل من أصول اإليمان الستة‪" :‬وتؤمن بالقدر خيره‬
‫لو ِه و ُم ِّر ِه"‪.‬‬
‫وروي بزيادة " ُح ِ‬
‫وشره"(‪ُ )1‬‬
‫يضره؛ لذلك ُشرعت االستخارة‪ ،‬وفيها‪:‬‬
‫واإلنسان ال يعرف ما ينفعه وال ما ُّ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.6 :‬‬

‫‪955‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫"واقدُ ر لي الخير حيث كان‪ ،‬ثم ِ‬


‫أرضني به"(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫هذا هو أصل اإليمان بالقضاء والقدر‪.‬‬
‫ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فهو من أهل النار‪ ،‬قال النبي ﷺ‪" :‬لو أنفقت‬
‫مثل أحد ذه ًبا يف سبيل اهلل‪ ،‬ما َقبِ َل ُه اهلل منك حتى تؤم َن بالقدر‪ ،‬وتعلم‪ :‬أن ما‬
‫مت على غير‬
‫أصابك لم يكن ليخطئك‪ ،‬وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك‪ ،‬ولو َّ‬
‫لدخلت النار"(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫فاإليمان بالقضاء والقدر هو دين المسلم!‬
‫أيضا ال يجوز لإلنسان االعتماد على نفسه والتوكُّل عليها‪ ،‬قال النبي ﷺ‪:‬‬‫ً‬
‫رب ال تك ْلني إلى نفسي طرف َة ٍ‬
‫عين"(‪.)3‬‬ ‫" ِّ‬
‫وقال ﷺ‪َ " :‬من تع َّلق شي ًئا ُوكل إليه"(‪.)4‬‬
‫ِ‬
‫سخافات أفكار‪ ،‬ونريد من الناس‬ ‫هذه عقيدتنا‪ ،‬وهذا ديننا‪ ،‬فما بالنا نستورد‬
‫أن يطبقوها؟‬
‫وإذا قلنا لهم‪ :‬هذه أفكار وثنية هندوسية وبوذية شركية كفرية‪ ،‬قالوا لنا‪ :‬أنتم‬
‫ال تفهمون أبعاد هذه األمور‪ ،‬وال تقرؤون جيدً ا ما نقصد‪.‬‬
‫دائما يتهموننا أننا ال نستوعب المعاين الرمزية يف هذه الكفريات حتى يبقى‬
‫ً‬
‫لهم جمهور يستمعون إليهم‪ ،‬ويجني هؤالء من ورائهم األموال‪.‬‬
‫ومن أشهر دعاة علوم الطاقة وقانون الجذب يف عصرنا ديباك شوبرا‪ ،‬وصالح‬
‫‪Robert Sheldrake‬‬ ‫الراشد‪ ،‬وأحمد عمارة‪ ،‬ومريم نور‪ ،‬وروبرت شيلدراك‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1182:‬‬


‫(‪ )2‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،0822 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح الرتغيب والرتهيب‪ ،‬ح‪.881:‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬ح‪ ،2122:‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪956‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وغيرهم نسأل اهلل أن يهديهم‪.‬‬


‫أن روبرت شيلدراك‪ ،‬وديباك شوبرا يرو ِ‬
‫جان بشدة لما ُيعرف‬ ‫أنوه إلى َّ‬ ‫وأود ْ‬
‫ُ ِّ‬ ‫أن ِّ‬
‫بالوعي الكلي؛ وليس المقصود بالوعي الكلي هنا نو ًعا من اإلدراك لدى الكائنات‬
‫جوهر واحدٌ ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الحية‪ ،‬وإنما يريدون بذلك وحدة الوجود‪َّ ،‬‬
‫وأن كل ما يف الوجود‬

‫‪ -662‬هل داعة العالج بالطاقة وقانون اجلذب يبيعون بالفعل تمائم الستجالب‬
‫الطاقة الكونية؟‬

‫نعم واهلل!‬
‫يأتون بأحجار كريمة‪ ،‬وأشكال هندسية‪ ،‬ورموز هندوسية وبوذية‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫هذه تجلب السعادة‪ ،‬وتجلب الرزق‪ ،‬وتلك تجلب الشريك‪ ،‬وتجلب الزوج‪.‬‬
‫تجارة التمائم والطالسم والوثنيات تجارة رائجة يف أزمنة ينتشر فيها‬
‫الجهل‪ ،‬ويبتعد فيها الناس عن دين رب العالمين‪.‬‬
‫ومن أشهر تمائم دعاة العالج بالطاقة عند هؤالء‪:‬‬
‫أ‪ -‬الضفدع ذو األرجل الثالث؛ لعالج الفقر وجلب الثروة‪.‬‬
‫ب‪ -‬زوج البط الخشبي؛ لجلب الحظ والحب‪.‬‬
‫ج‪ -‬سوار الطاقة‪ ،‬وقالدة الطاقة‪ ،‬وقرص الطاقة الحيوي‪ ،‬وقلم الطاقة‪،‬‬
‫وسلسلة الطاقة؛ لرفع مستوى الطاقة اإليجابية يف منزلك ومكان عملك‪.‬‬
‫د‪ -‬البندول‪.‬‬
‫هـ‪ -‬األشكال الهرمية؛ لزيادة الصحة‪.‬‬
‫و‪ -‬األحجار الكريمة‪.‬‬
‫ز‪ -‬العالج باأللوان‪ :‬عرب عمل سلسلة من الفحوص الطبية ‪-‬من باب‬
‫التلفيق على المغفلين والحمقى‪ -‬ثم تحديد اللون المناسب لزيادة صحتك‪،‬‬

‫‪957‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبيع الحجر الكريم ذي اللون األنسب لك‪.‬‬


‫ُعدنا إلى األوثان كما أخرب النبي ﷺ‪.‬‬
‫قبائل من ُأمتي بالمشركي َن‪،‬‬
‫لحق ُ‬‫قال النبي ﷺ‪" :‬ال تقو ُم الساع ُة حتى َت َ‬
‫ِ‬
‫األوثان"(‪.)1‬‬ ‫وحتى تعبدَ ُ‬
‫قبائل من أمتي‬
‫كيف عادت األمة اإلسالمية إلى عبادة األوثان هبذه السهولة؟‬
‫عجيب هذا الرتدي يف ُمستنقع الوثنيات‪ ،‬عجيب اتقاء الشر‪ ،‬واستجالب‬
‫الخير باألحجار والطالسم يف بالد الموحدين بالد المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬
‫الواهنة‬ ‫رجال ويف يده حلق ٌة من ُص ْفر فقال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬مِن‬
‫إذا كان النبي ﷺ رأى ً‬
‫تم ْت وهي عليك ُوكِ ْل َت عليها)(‪.)2‬‬ ‫قال‪( :‬ما َتزيدُ ك َّإال َو ْهنًا‪ ،‬انبِ ْذها َ‬
‫عنك؛ فإن ََّك ْ‬
‫إن ُ‬
‫مت وهي عليك ما أفلحت أبدً ا"(‪.)3‬‬
‫ويف رواية‪" :‬فإنك لو َّ‬
‫هذا يف قالدة تدفع عنه الواهنة‪.‬‬
‫ضر‪،‬‬
‫بمن يزعم أن الطاقة الكونية تجلب كل شيء‪ ،‬وتدفع كل ٍّ‬ ‫فكيف َ‬
‫و ُتل َبس القالئد؛ الستجالهبا‪ ،‬ويجلس الناس داخل أشكال هرمية لالنتفاع هبا‪،‬‬
‫و ُتشرتى األحجار الكريمة‪ ،‬والبندوالت‪ ،‬واأللوان الخاصة لرتكيزها‪ ،‬و ُتط َّبق‬
‫ممارسات ورياضات من أجلها‪ ،‬وهي مصدر زيادة الصحة‪ ،‬ووفرة المال‪ ،‬ودفع‬
‫الضر عنهم‪ ،‬فما توصيف كل هذا باهلل عليكم؟‬
‫أليس هذا عين الكفر والوثنية والضالل والشرك األكرب؟‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [اإلسراء‪.]38 :‬‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.0232:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح ابن حبان‪ ،‬ح‪.8163:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح من رواية الهيتمي المكي‪ ،‬الزواجر‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.188‬‬

‫‪958‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [البقرة‪.]22 :‬‬


‫عز من قائل‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [الرعد‪.]51 :‬‬ ‫وقال َّ‬
‫فاستع ْن باهللِ"(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫اهلل‪ ،‬وإذا استعن َْت‬ ‫ِ‬
‫سألت فاسأل َ‬
‫َ‬ ‫وقال النبي ﷺ‪" :‬إذا‬
‫ٌ‬
‫شرك"(‪.)2‬‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬إن الرقى والتمائم والتولة‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ -663‬ما معىن الطاقة السلبية والطاقة اإلجيابية‪ ،‬وهل يه تستجلب فعال؟‬

‫سمى طاقة إيجابية وطاقة سلبية‪.‬‬


‫ال يوجد شيء يف العلم المادي ُي َّ‬
‫والطاقة السالبة والطاقة الموجبة يف الفيزياء المعاصرة ال َعالقة هبا بالسلبية‬
‫أو اإليجابية‪ ،‬فهذا من أغرب ما سمعنا من تدليس!‬
‫فالسالب والموجب يف الفيزياء هو تقسيم افرتاضي؛ فلو قلنا‪ :‬إن أيونات‬
‫"س" هي أيونات موجبة‪ ،‬بينما أيونات "ص" هي أيونات سالبة‪ ،‬فهذا تقرير‬
‫افرتاضي يف الفيزياء؛ لتسهيل المعادالت ال أكثر‪ ،‬ولو عكسنا هذا التقرير وقلنا‪:‬‬
‫إن أيونات "س" هي السالبة‪ ،‬بينما أيونات "ص" هي الموجبة فال إشكال‪،‬‬
‫وس ْير المعادلة الفيزيائية(‪.)3‬‬
‫فاألمر فقط افرتاضي للتمييز والتفريق َ‬
‫وهنا أتى دعاة فلسفات العالج بالطاقة وأعجبتهم الكلمة "سالب‬
‫وموجب"‪ ،‬فقالوا بالطاقة السلبية والطاقة اإليجابية بمعناهما المادي‪ ،‬وقالوا َّ‬
‫إن‬
‫الفكر السيئ أو الضار ُيطلِق طاقة سلبية‪ ،‬بينما الفكر الجيد أو النافع أو السلمي‬
‫يطلق طاقة إيجابية‪.‬‬
‫وهذا تلفيق من أعجب العجب على العلم!‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪ ،2318:‬صحيح‪.‬‬


‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.1852:‬‬
‫(‪ )3‬مقاالت موقع د‪ .‬فوز كردي‪.‬‬

‫‪959‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ثم منذ متى والفكر يفرز طاقات؟‬


‫وكيف ُقمتم بتحديدها؟‬
‫ووفق أي تقسيم قلتم إن هذه سلبية وتلك إيجابية؟‬
‫وعلى أي أساس اعتربتم أن السلبية تعني الخطأ؟‬
‫دائما يستخدمون التلفيق العلمي ألي مشرتك لفظي‪ ،‬فيأخذون‬
‫لألسف ً‬
‫لفظة أيون سالب وأيون موجب يف الفيزياء‪ ،‬ويقولون‪ :‬ها هو العلم يتحدَّ ث عن‬
‫المفاهيم السلبية واإليجابية‪.‬‬
‫المضحك أكثر مما سبق َّ‬
‫أن بعضهم يقول لك‪ :‬ال تجلس يف مكان تشعر فيه‬
‫بطاقة سلبية‪ ،‬فنقول لهؤالء‪ :‬ال يوجد شيء ُيس َّمى مكان به طاقة سلبية‪ ،‬ومكان به‬
‫طاقة إيجابية!‬
‫إن دور العبادة تمتلئ بالطاقة اإليجابية‪ ،‬والواقع َّ‬
‫أن دور‬ ‫ويقول آخرون‪َّ :‬‬
‫العبادة متعادلة الشحنة ال تفرز طاقة سالبة وال طاقة موجبة‪.‬‬
‫فاألماكن متعادلة الشحنة ال يوجد مكان ممتلئ بالطاقة اإليجابية‪ ،‬وال مكان‬
‫ممتلئ بالطاقة السلبية‪.‬‬
‫والشحنة الموجبة أو الشحنة السالبة كما قلت ال تعنيان الفهم الذي يريدونه‬
‫لإليجابية والسلبية‪.‬‬

‫***‬

‫‪960‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الفصل السابع‬
‫علم الفيزياء الفلكية‬

‫‪ -664‬كيف نشأ علم الفزيياء الفلكية؟‬

‫ج‪ :‬علم الفيزياء الفلكية نشأ لإلجابة عن عدة أسئلة‪ ،‬مِن أهمها‪ :‬كيف ظهر الكون؟‬
‫والمشكلة هنا َّ‬
‫أن اإللحاد بدأ يستخدم بعض فرضيات هذا العلم؛ لتربير‬
‫التصورات اإللحادية‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫بعض‬
‫يتعجب كيف لملحد يؤمن َّ‬
‫أن األحجار ‪-‬الطبيعة‪ -‬هي التي‬ ‫َّ‬ ‫ولإلنسان أن‬
‫خلقت نفسها‪ ،‬ثم خلقت العالم‪ ،‬وهي التي خلقت اإلنسان بسمعه وبصره‬
‫وعقله وجوارحه‪ ،‬وهي التي قدَّ رت أرزاقنا‪ ،‬وهي التي قدَّ رت الموت والحياة‪،‬‬
‫كيف له ْ‬
‫أن يستخدم فرضيات هذا العلم لتربير هذا الجنون؟‬
‫اإللحاد الذي يحاول ْ‬
‫أن يقنعك بالمحاالت‪ ،‬فال وجود له إال باإليمان‬
‫بالمحاالت‪ ،‬يستخدم فرضيات علم الفيزياء الفلكية؛ لتربير إيمانه بالمحاالت‪.‬‬

‫لقد صار اإللحاد اليوم يتك َّلف أسخف صور االستدالل يف مقابل إيهامك‬
‫َّ‬
‫بأن له وجاهةً‪.‬‬
‫مثال على ذلك‪ :‬يقرر اإللحاد طب ًقا لفرضية َّ‬
‫أن‪ :‬مجموع الطاقة الموجبة‬

‫‪966‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫والطاقة السالبة يف الكون قريبة من الصفر‪ ،‬يقرر بنا ًء على ذلك أنَّه ال وجود‬
‫لشيء‪.‬‬
‫حتى قال أحد الملحدين بالحرف‪" :‬الكون غير موجود"(‪.)1‬‬
‫فتخ َّي ْل إلى أي حدٍّ وصلوا!‬
‫وصلوا إلنكار وجود العالم الذي يعيشون فيه‪.‬‬
‫قياسا على قولهم أن نقول ما يلي‪ :‬هناك أرض زراعية قام‬
‫ونحن نستطيع ً‬
‫المهندسون باألكل منها‪ ،‬ثم هبذه الطاقة التي حصلوا عليها باألكل‪ ،‬قاموا بحفر‬
‫المناجم الستخراج المعادن‪ ،‬وصنعوا هبذه المعادن طائرة عمالقة‪.‬‬
‫فهل ننفي صانع الطائرة‪ ،‬وصناعة الطائرة‪ ،‬وعملية استخراج المعادن‪،‬‬
‫وص َّممت الطائرة‪ ،‬وفيزياء‬
‫وعملية تصميم المعدات التي استَخرجت المعادن َ‬
‫أجهزة الطائرة‪ ،‬هل ننكر كل هذا الصنع والتصميم واإليجاد والتدبير لمجرد َّ‬
‫أن‪:‬‬
‫مجموع الطاقة التي أخرجها المهندسون يف تصنيع الطائرة تساوي الطاقة التي‬
‫حصلوا عليها من األرض الزراعية؟‬
‫هل ننفي َخلق الكون وإهبار الحدود الحرجة التي بدأ هبا لمجرد َّ‬
‫أن مجموع‬
‫الطاقة السالبة والموجبة قريب من الصفر؟‬
‫سوحا عجيبة؛‬
‫فالمالحدة كما ترى يستخدمون أ َّية فرضية‪ ،‬و ُيلبسوها ُم ً‬
‫ليروجوا إللحادهم وإليماهنم بالمحاالت‪.‬‬

‫‪ -665‬ما يه مشلكة علم الفزيياء الفلكية‪ ،‬وهل هو علم أم دجل وهراء؟‬

‫ج‪ :‬يقول الملحد الالأدري الشهير برتراند راسل‪" :‬عقل ًّيا ليس هناك مانع أن‬

‫‪(1) https://www.youtube.com/watch?v=NOrlIOm9eGM‬‬
‫من ‪ 2:15‬إلى ‪2:28‬‬

‫‪962‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ٍ‬
‫سحيق"(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫ماض‬ ‫يكون الكون قد ظهر منذ خمس دقائق‪ ،‬وبه آثار ُّ‬
‫تدل على‬
‫فاآلليات التي يرصد هبا العلماء عمر الكون‪ ،‬أو حجم الكون‪ ،‬أو حتى‬
‫التعقيد الكوين هي آليات يف منتهى البدائية‪.‬‬
‫فأنت تتعامل مع نظام كوين ُمع َّقد للغاية بآليات وأجهزة رصد يف منتهى البساطة‪.‬‬
‫إن نظام الكون ُمع َّقد جدًّ ا جدًّ ا جدًّ ا‪ ،‬واآلليات التي نستخدمها يف رصده هي‬
‫َّ‬
‫آليات بدائية جدًّ ا جدًّ ا جدًّ ا؛ ولذلك قال برتراند راسل ما قال‪ ،‬وبالمناسبة برتراند‬
‫راسل هو عالم رياضيات ومنطق‪ ،‬فهو يحاول أن يشرح لنا قصور الفرضيات‬
‫أيضا يف موضع آخر‪" :‬لم‬
‫التي وصلنا لها يف علم الفيزياء الفلكية؛ ولذلك قال ً‬
‫صراعا بين العلم والدين‪ ،‬وإنما صراع بين‬
‫ً‬ ‫يكن صراع جاليليو ومحاكم التفتيش‬
‫االستقراء واالستنباط"(‪.)2‬‬
‫منهجا استقرائ ًّيا سطح ًّيا ليس‬
‫ً‬ ‫فهنا يقرر برتراند راسل َّ‬
‫أن منهج جاليليو كان‬
‫هبذه الوثوقية‪.‬‬
‫أن هناك نبا ًتا غري ًبا (س) بعد أن‬
‫وحتى تعرف معنى االستقراء‪ :‬فلنفرتض َّ‬
‫تناوله أحد األشخاص أ َّدى لظهور المرض (ص)‪.‬‬
‫فهنا يقرر منهج االستقراء َّ‬
‫أن النبات (س) يؤدي للمرض (ص)‪.‬‬
‫هذا هو منهج االستقراء‪.‬‬
‫لك َّن هذا منهج قاصر‪.‬‬
‫دور يف ظهور المرض (ص)‪ ،‬فما الذي‬
‫فهناك ألف سبب آخر ربما كان لهم ٌ‬
‫يدفعك للربط المباشر بين هذا النبات وبين ظهور هذا المرض‪.‬‬
‫ربما كان يف هذا النبات مواد كيماوية تم رشها عليه‪ ،‬وهي التي أ َّدت لظهور‬

‫(‪ )1‬تحليل العقل‪ ،‬برتراند راسل‪ ،‬ص‪.132‬‬


‫‪(2) Bertrand Russell, The Scientific Outlook. (George Allen & Unwin, London, 1439) p.33.‬‬

‫‪963‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫هذا المرض‪.‬‬
‫ربما حصل شيء بالتزامن مع تناول هذا النبات‪.‬‬
‫المسببات األخرى‪.‬‬
‫فمشكلة المنهج االستقرائي أنه يتجاهل آالف ُ‬
‫وهناك ُمسببات خفية أو متغيرات خفية ال ُتحصى وال حصر لها‬
‫‪.Confounding variable‬‬
‫فالمنهج االستقرائي يؤدي لما يعرف بـ‪" :‬االرتباط الزائف" بين ظاهرة‬
‫وأثر‪ ،‬فهو يتجاهل المسببات الخفية‪ ،‬والتي من الممكن ْ‬
‫أن يكون لها دور يف‬
‫كما‬
‫ظهور المرض (ص) كمثال؛ لذلك قد يكون ُحكم المنهج االستقرائي ُح ً‬
‫ٍ‬
‫زائف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ارتباط‬ ‫بدائ ًّيا بنا ًء على‬
‫وخير مثال واقعي على ذلك‪ :‬االفرتاض الشائع بين بعض أطباء جراحات‬
‫المخ يف ثمانينيات القرن الماضي من كون أورام معينة يف المخ‪ ،‬لها دور يف‬
‫سلوكيات شاذة عند المصابين هبذه األورام‪.‬‬
‫وقد اشتهر هذا االفرتاض بعد أن ب َّينت النتائج المبدئية أنَّه بإزالة الورم يف‬
‫بعض المرضى اختفت هذه السلوكيات الشاذة‪.‬‬
‫يتم النظر لها بمنهج استقرائي ُأحادي بدائي؟‬
‫المعقدة للغاية ُّ‬
‫تصرفات اإلنسان ُ‬
‫فهل ُّ‬
‫والمس ِّببات الخفية التي ال ُتحصى؟‬
‫أين آالف المتغيرات ُ‬
‫تجاهل ما ال حصر له من األسباب األخرى‪ ،‬والتي قد تكون‬
‫ُ‬ ‫كيف يمكن‬
‫أ َّدت لتعديل سلوك اإلنسان؟‬
‫فاإلنسان ظاهرة ُمعقدة جدًّ ا‪ ،‬وال يمكن تحليل سلوكياته هبذه الرؤية البدائية‪.‬‬
‫مثال أن يكون المريض قد استشعر اقرتاب أجله‪ ،‬فرتاجع عن‬
‫فما المانع ً‬
‫ممارساته الشاذة؟‬
‫التصور ظل شائ ًعا بين بعض أطباء جراحات المخ‪ ،‬حتى تم‬
‫ُّ‬ ‫العجيب َّ‬
‫أن هذا‬

‫‪964‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫أصال‪.‬‬
‫اكتشاف أنه ال توجد َعالقة بين الورم يف المخ وبين السلوك البشري ً‬

‫لكن لو كنَّا ندرك قصور المنهج االستقرائي من البداية لما سقطنا يف هذا‬
‫التصور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الفخ‪ ،‬ولما احتجنا للتوكيد العلمي على خطأ هذا‬
‫مثال آخر‪ :‬يقول المالحدة كيف تكون الشهب رجو ًما للشياطين‪ ،‬يف حين‬
‫أننا نعرف القوانين الفيزيائية التي تسير هبا الشهب؟‬
‫أيضا هو المنهج االستقرائي يف الرصد‪.‬‬
‫ومصدر هذه الشبهة ً‬
‫تغيرا واحدً ا فقط‪ ،‬وهو قوانين الفيزياء التي تسير هبا‬
‫فنحن ال نرصد إال ُم ً‬
‫الشهب‪ ،‬لكن نحن نتجاهل كل المتغيرات الخف َّية‪ ،‬والتي قد تكون ال حصر لها‬
‫فعل ًّيا يف عالم المحسوسات‪ ،‬فما بالك بعالم الغيب كعالم الجن والشياطين؟‬

‫‪965‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫إذا كنت يف عالم المحسوسات منهجك الرصدي االستقرائي يف منتهى‬


‫المدرك‪ ...‬العالم الغيبي؟‬
‫َ‬ ‫القصور‪ ،‬فما بالك بالعالم غير‬
‫ألجل كل هذا يقول كارل بوبر وهو فيلسوف العلوم األشهر‪" :‬منهج‬
‫كررت التجربة‪ ،‬فال بد وأنك ستعاين‬
‫االستقراء ال يمكن أن يحقق الطمأنينة مهما َّ‬
‫من ضعف الوثوقية؛ ألن هناك متغيرات خفية ال تحيط هبا"(‪.)1‬‬
‫المسببات الخفية تثبت خطأ استنتاجك قد‬ ‫ستبقى دو ًما هناك جملة من ُ‬
‫تظهر يف أي وقت‪ ،‬وقد ال تظهر أبدً ا‪.‬‬
‫ومن أجل هذا قام بوبر بتأسيس مبدأ ُع ِرف يف فلسفة العلم بمبدأ‪" :‬القابلية‬
‫للنفي ‪ ،"Falsifiability‬فمهما كررت التجربة لن تستطيع أن ُتثبِت صحة نظرية‬
‫بالمنهج االستقرائي‪.‬‬
‫كما‬‫المسببات الخفية‪ ،‬فكيف تضع ُح ً‬ ‫ألنك لن تستطع أن تحيط بكل ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد؟‬ ‫ٍ‬
‫لمتغير‬ ‫ٍ‬
‫بسيط‬ ‫ٍ‬
‫رصد‬ ‫شمول ًّيا من‬
‫ٍ‬
‫خدمات‬ ‫ونحن هنا ال ننكر أهمية منهج االستقراء‪ ،‬فهو على قصوره ُيقدِّ م‬
‫كثيرةً‪ ،‬فبتكرار التجربة نحاول أن نصل ألفضل تصور متاح بحدود قدراتنا‬
‫دائما نكرر التجارب؛ لنرصد أية متغيرات خفية‪ ،‬و ُنعدِّ ل النتائج‪.‬‬
‫البشرية‪ ،‬فنحن ً‬
‫فهنا التكرار يفيد يف زيادة الطمأنينة لنتائج التجربة‪ ،‬لكن ال بد أن نعلم أننا لن‬
‫دائما نسبة شك‪ ،‬وهذه طبيعة البحث العلمي‪.‬‬
‫نصل للوثوقية التامة‪ ،‬ستبقى ً‬
‫مشكلة علم فيزياء الفلك أنَّه أعقدُ من عالم الكائنات الحية بمراحل‪﴿ :‬ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬
‫[غافر‪.]32 :‬‬

‫‪(1) Popper, K R., The Logic of Scientific Discovery, (9th (rev.) impression of the‬‬ ‫‪1414‬‬
‫‪English translation, Hutchinson, 1451) P. 14.‬‬

‫‪966‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫فتعقيد عالم الفلك أكرب من تعقيد عالم الكائنات الحية‪ ،‬وهناك حواجز يف‬
‫طبيعة هذا الكون من المحال تجاوزها مهما انفتحت لنا من علوم‪ ،‬مثال على‬
‫ذلك‪ :‬جدران بالنك‪.‬‬
‫من عمر الكون‪،‬‬ ‫‪08-‬‬
‫فأنت لن تستطيع ْ‬
‫أن تعرف ماذا كان قبل الثانية ‪11‬‬
‫فمهما ُأوتيت من علم يستحيل أن تعرف‪.‬‬
‫فكيف إذن سننظر يف كيفية ظهور الكون؟‬
‫ثم َّ‬
‫إن قضية خلق السماوات واألرض ال تخضع ال لالستقراء وال لالستنباط‪.‬‬
‫فهل سبق ألحد أن شهد بعينيه عملية خلق سماء وأرض حتى يقيس عليها‬
‫ِ‬
‫سمائنا وأرضنا؟‬ ‫خلق‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [الزُّ ُ‬
‫خرف‪.]12 :‬‬
‫هل رأيت سما ًء ُتخلق‪ ،‬ثم تبدأ أنت يف ممارسة المنهج االستقرائي يف كيفية‬
‫ظهور كوننا؟‬
‫ٍ‬
‫حاضر؟‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫فكيف تقيس غائ ًبا والذي هو خلق السماوات واألرض على أي‬
‫لذلك حتى يقوم الباحثون يف علم الفيزياء الفلكية على دراسة كيفية ظهور‬
‫الكون‪ ،‬فإهنم يعتمدون على منهج أقل دقة بكثير من المنهج االستقرائي‪ ،‬أال‬
‫وهو منهج االستنباط االفرتاضي ‪.Hypothetico-Deductivism‬‬
‫وطب ًقا لمنهج االستنباط االفرتاضي فـ‪ :‬الباحثون يف علم الفلك يقومون‬
‫بقياس غائب لم يشهدوه‪ ،‬والذي هو خلق السماوات واألرض على تأويالت يف‬
‫أذهاهنم‪ُ ،‬يحاكوهنا على مجموعة من النماذج الرياضية‪.‬‬
‫فهذا المنهج من أقل مناهج المعرفة العلمية وثوقيةً‪ ،‬وال يفصل بينه وبين‬
‫الشعوذة إال شعرة البالطو األبيض وشهادة الجامعة كما س ُأب ِّين‪.‬‬
‫لكن الذ ي يتعجب له اإلنسان‪ :‬كيف لملحد أن يستخدم فرضيات هبذا‬

‫‪967‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تصوراته اإللحادية؟‬
‫الضعف يف طرح ُّ‬
‫إهنا فرضيات ال تملك حتى مسحة دليل استقرائي واحد!‬
‫يقول ريتشارد داويد فيلسوف العلوم‪ :‬كيف لهؤالء الفيزيائيين االعتقا ُد يف‬
‫فرضيات ال يوجد دليل واحد يدعمها؟‬

‫ثم يأيت ملحد ليعتدي هبذه الفرضيات على الغيب والوحي اإللهي!‬
‫َمن يفرح هبذه الفرضيات ينطبق عليه قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾‬
‫[الطور‪.]12:‬‬
‫والنتيجة‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [المعارج‪.]02 :‬‬
‫انظر كمثال لـ‪ :‬نظرية األوتار الفائقة‪ ،‬تلك النظرية التي يشتغل عليها آالف‬
‫العلماء يف العالم‪ ،‬و ُأنفقت عليها مليارات الدوالرات‪.‬‬
‫قوام هذه النظرية على أية أدلة؟‬
‫تقوم نظرية األوتار الفائقة على مجرد تأويالت ذهنية‪ ،‬ونماذج رياضية ال‬
‫أكثر!‬

‫‪968‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وعندما تحدث ستيفن هاوكنج عن نظرية األوتار الفائقة يف آخر كتبه قال‪:‬‬
‫"هذه النظرية تعطي خمس نظريات‪ ،‬وكل نظرية من هذه النظريات الخمس لها‬
‫ماليين الحلول الرياضية"(‪.)1‬‬
‫ويمكن من خالل التأويل الذهني ألي حل من هذه الماليين من الحلول‬
‫التي تفرتضها نظرية األوتار الفائقة‪ ،‬أن يتم رسم عالم كامل من الخياالت‬
‫واألوهام (فِي َخ ْو ٍ‬
‫ض َي ْل َع ُب َ‬
‫ون)‪.‬‬
‫لن يعجز إنسان هبذه الماليين من الحلول أن يطرح أية فرضية من‬
‫ويتصور من خالله أي هذيان يف مقابل‬
‫َّ‬ ‫الفرضيات باختيار أي حل يعجبه‪،‬‬
‫الوحي اإللهي‪.‬‬
‫أن نظرية األوتار الفائقة نفسها ال يوجد عليها دليل واحد‪ ،‬وال‬‫والعجيب َّ‬
‫يوجد عالم فيزيائي ُمعت َبر يستطيع أن يجزم بوجود أوتار فائقة يف بِنية الذرة‬
‫أصال!‬
‫ً‬
‫فنظرية األ وتار الفائقة يف مبناها تشبه علم الفيزياء الفلكية‪ ،‬كالهما يقوم على‬
‫التأويل الذهني‪ ،‬وبعض النماذج والمعادالت الرياضية‪.‬‬
‫يقول ستيفن هاوكنج يف خاتمة كتابه موجز تاريخ الزمن‪" :‬نظرية األوتار‬
‫الفائقة تشبه نظرية األرض التي تحملها سلحفاة‪ ،‬كلتا النظريتين‪ :‬األوتار الفائقة‬
‫تفتقران إلى دليل‪ ،‬فلم ير أحد قط سلحفاة‬ ‫ِ‬ ‫واألرض التي تحملها سلحفاة‬
‫وترا فائ ًقا"(‪.)2‬‬
‫ضخمة تحمل األرض على ظهرها‪ ،‬ولم يروا كذلك ً‬
‫‪(1) string theory suffered from another awkward issue: There appeared to be at least five‬‬
‫‪different theories and millions of ways the extra dimensions could be curled up‬‬
‫‪The Grand Design, P.159.‬‬
‫‪(2) Both theories lack observational evidence: no one has ever seen a giant tortoise with the‬‬
‫‪earth on its back, but then, no one has seen a superstring either .‬‬
‫‪Stephen Hawking, A Brief History of Time, (Bantam, 1448) Chap 11, 1 of 9.‬‬

‫‪969‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫تفرتض نظرية األوتار الفائقة ‪ 31111‬كون‪ ،‬أي‪ :‬مليارات األكوان‪.‬‬


‫تتخ َّيل هذه النظرية مليارات األكوان حتى تضبط المعادالت الخاصة هبا!‬
‫تخيل إلى أية درجة وصلت الفذلكة الرياضية‪.‬‬
‫والبعض ينبهر هبذا اإلغراق الرياضي‪.‬‬
‫مجموعة من النماذج الرياضية والمعادالت التي ُيراد هبا تفسير كونِنا‪،‬‬
‫التصورات ألكوان أخرى؟‬
‫ُّ‬ ‫تخرج لنا بمليارات مليارات‬
‫حتى تصح معادلتك تفرتض لي مليارات مليارات األكوان‪ ،‬ما هذه‬
‫الضريبة الرهيبة؟‬
‫معادالت نظرية األوتار الفائقة معادالت ُمعقدة وصحيحة رياض ًّيا تما ًما‪،‬‬
‫لكنها ال تصف أي شيء على أرض الواقع!‬
‫لألسف عوام الناس ال يعرفون هذا الكالم‪ ،‬وال يعرفون َّ‬
‫أن علم الفيزياء‬
‫الفلكية أصبح مرت ًعا لتأويالت ذهنية تعادل بالضبط ما يمارسه المشعوذون!‬
‫دافعو الضرائب يف الغرب ال يعرفون أن ملياراهتم ُتن َفق يف هراء باسم البحث‬
‫العلمي‪ ،‬والتقدم البشري‪.‬‬

‫‪970‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ثم يأيت ملحد ليقول لنا‪ :‬هناك طاقة كانت موجودة قبل ظهور كوننا‪ ،‬بنا ًء‬
‫على فرضية (س)!‬
‫لقد خرج ألكسندر فلنكن ‪ Alexander Vilenkin‬وهو من أشهر الباحثين يف‬
‫مديرا لمعهد علم الكونيات‪ ،‬خرج بعد ‪ 23‬سن ًة من‬
‫علم الفيزياء الفلكية‪ ،‬ويعمل ً‬
‫البحث يف فرضيات نشأة الكون‪ ،‬وأصل الكون‪ ،‬وهو يو ًما ما كان واحدً ا من‬
‫ُر َّواد هذا المجال‪ ،‬خرج ليعرتف أن كل هذه الفرضيات يف نشأة الكون بال قيمة‪،‬‬
‫فهي مجرد تأويالت ال تعمل حتى على مستوى المعادلة الرياضية(‪.)1‬‬
‫لقد خاضوا يف الغيبيات بالتأويالت الذهنية واألوهام السخيفة‪ ،‬فض َّيعوا‬
‫األعمار يف الالشيء‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [األنعام‪.]106 :‬‬
‫فهو مجرد غرور بشري لتخيل الغيب المحض‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦﮧ﴾ [الروم‪.]22 :‬‬
‫ومن فسد اعتقاده الديني فسدت كل تأويالته الذهنية يف عالم الغيب‪ ،‬وعاد‬
‫بالخزي والفشل!‬
‫فالمرجعية الموضوعية الوحيدة ‪ Normative Reference‬التي يمكن‬
‫االعتماد عليها يقينًا يف عالم الغيب هي‪" :‬الوحي اإللهي"‪.‬‬
‫بالوحي اإللهي تعرف الحقيقة مطابقة للواقع‪.‬‬
‫وليس بديل الوحي اإللهي إال زباالت التأويالت الذهنية التي يسموهنا بـ‪:‬‬
‫فرضيات أصل الكون‪.‬‬

‫‪(1) https://www.youtube.com/watch?v=NXCQelhKJ5A‬‬
‫من ‪5:12‬‬
‫إلى ‪5:12‬‬

‫‪976‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أصال يدخلون فيها‬


‫ً‬ ‫فسماوات وأرض ال يتصورون كيف كان قيا ُمها‬
‫بالتخرصات الذهنية؟‬
‫ُّ‬
‫شيء مما ال قياس له على عادتنا يف هذا العالم‪ ،‬كيف يقومون بوضع‬
‫علما؟‬
‫التخيالت العقلية فيه؟ ويسمون هذه التخيالت ً‬
‫يتك َّلفون أسخف صور االستدالل‪ْ ،‬‬
‫وأوهى أنواع االستنباط‪ ،‬فيما ال سبيل‬
‫(‪)1‬‬ ‫أصال!‬
‫للبشر إلى تحصيله ً‬
‫نحن معاشر المسلمين نؤمن َّ‬
‫بأن طريق معرفة الغيب مما ال سبيل للعلم‬
‫التجريبي إليه‪ ،‬ال يكون إال باكتساب العلم من الوحي اإللهي‪ ،‬وليس من‬
‫تأويالت الذهن‪.‬‬
‫وبعيدً ا عن قضية أصل الكون‪ ،‬فبقية فروع علم الفيزياء الفلكية كدراسة‬
‫أيضا‬
‫النجوم‪ ،‬هي وإن لم تكن بنفس سطحية األدلة يف فيزياء أصل الكون‪ ،‬لكنها ً‬
‫تعاين من عيوب القياس على غير َم ٍ‬
‫قيس‪.‬‬
‫فهي تعتمد على معلومات رصدية شحيحة باهتة بالنسبة لتعقيد النظام‬
‫تصورات كلية‪ ،‬وأكوا ًما من‬
‫ُّ‬ ‫فتؤسس على هذه المعلومات الباهتة‬‫ّ‬ ‫الكوين‪،‬‬
‫الفرضيات والقياسات والتأويالت‪.‬‬
‫دليال‪ ،‬وأنَّى له الدليل‬
‫فإذا كان علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون ال يملك ً‬
‫يف فرضياته التي يضعها‪َّ ،‬‬
‫فإن علم الفيزياء الفلكية يف دراسة النجوم يملك أدلة‪،‬‬
‫لكنها شحيحة للغاية‪ ،‬وباهتة بصورة مزعجة‪ ،‬فأنت ال تعرف حجم األسباب‬
‫الغيبية التي قدَّ ر اهلل هبا خلق القوانين‪ ،‬وال تعرف كم وتعقيد المسببات الخفية‪.‬‬
‫فأنت عندما ترصد الضوء الذي خرج من النجم‪ ،‬وتبدأ يف تحليل كل‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.212‬‬

‫‪972‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫قياسا على لون الشعلة الذي نراه يف‬


‫مكونات النجم بنا ًء على طيفه الضوئي ً‬
‫معاملنا‪ ،‬فهذا تحليل بدائي(‪.)1‬‬
‫عندما ُتقرر أن هذا الضوء الذي خرج من النجم منذ ثالثة ماليين عام‬
‫للتو‪ ،‬لم تحصل له متغيرات أو مسببات خفية تؤثر على قياساتك التي‬
‫ووصلنا ّ‬
‫تصور عمر النجوم‪ ،‬وعمر الكون فأنت عندك مشكلة!‬
‫تتبنَّى من خاللها ُّ‬
‫فما المانع كما يقول برتراند راسل من أن يخرج الضوء منذ خمسة دقائق‬
‫فقط‪ ،‬وبه آثار ومتغيرات خفية توحي بأن عمره ثالثة ماليين عام؟‬
‫(‪)2‬‬

‫ٍ‬
‫مقيس‪ ،‬وتجاهل المتغيرات‬ ‫فمنهج االستنباط االفرتاضي‪ ،‬والقياس على غير‬
‫الخفية ال يعطي أية وثوقية يف القياس‪.‬‬
‫دائما أننا من الممكن يف أية لحظة أن نكتشف‬
‫ولذلك كان ستيفن هاوكنج يؤكد ً‬
‫َّ‬
‫أن‪ :‬كل نتائج قياساتنا يف فيزياء الفلك هي مجرد خرافات أسطورية خاطئة(‪.)3‬‬
‫إذن لو أردنا تقسيم البحث العلمي اليوم‪ ،‬فهو ينقسم إلى أربعة أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬البحث يف الغيب المحض بالتأويالت الذهنية‪ ،‬كالبحث يف‬
‫أصل الكون‪.‬‬
‫ووهم كله‪ ،‬وشعوذ ٌة كله‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهذا النوع من البحث هرا ٌء كله‪،‬‬
‫وال أدري ما الذي ألجأ الباحثون يف علم الفيزياء الفلكية إلى الدخول يف‬
‫الغيب المطلق وما وراء العالم؟‬
‫قاصر على رصد الظواهر فقط يف حدود الزمكان؟‬
‫ٌ‬ ‫ألم يعرتف العلم التجريبي أنه‬
‫فالعلم يرصد الظاهرة يف حدود الزمان والمكان فقط!‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )2‬تحليل العقل‪ ،‬برتراند راسل‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪(3) The Grand Design, P.51.‬‬

‫‪973‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫أما ما وراء العالم‪ ،‬وما وراء الزمان والمكان‪ ،‬فهذا خارج نطاق النظر العلمي‪.‬‬
‫عندما دخل الباحثون يف علم الفيزياء الفلكية إلى الغيب المحض مألوا األوراق‬
‫بالتأويالت الذهنية‪ ،‬وأفسدوا مدرجات الجامعات بأكوام الفرضيات السخيفة!‬
‫ووهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إذن فهذا النوع من البحث كله هرا ٌء‬
‫النوع الثاين وهو‪ :‬النظر يف النجوم باالستنباط االفرتاضي‪ ،‬وبناء فرضيات‬
‫عمالقة على معطيات شحيحة باهتة‪ ،‬وهذا النوع من البحث العلم أغلبه فرضيات‪.‬‬
‫النوع الثالث وهو‪ :‬النظر يف المحسوسات بالمنهج االستقرائي‪ ،‬وهو علم‬
‫فيه نفع بقدر عمق البحث واإلنفاق عليه وتكرار التجربة‪ ،‬لكن ال تصل فيه أبدً ا‬
‫للوثوقية الكاملة‪.‬‬
‫النوع ا لرابع من البحث العلمي وهو‪ :‬القائم على الرصد المباشر للعينة التي‬
‫تحليال تا ًّما‪ ،‬وإقامة الحكم بنا ًء على تلك العينة وما‬
‫ً‬ ‫تحت يدك وتحليلها‬
‫نافع‪ ،‬وهو وهو أصل منهج البحث العلمي‬‫علم ٌ‬‫يضاهيها يف مادهتا‪ ،‬وهذا أغلبه ٌ‬
‫عند علماء المسلمين يف القرون المتقدمة‪.‬‬
‫ِ‬
‫النوعين الثالث والرابع من‬ ‫وكل العلوم النافعة التي ننتفع هبا اليوم تقوم على‬
‫البحث العلمي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء من كل أبحاث الفيزياء الفلكية‪ ،‬كما يعرتف غير‬ ‫ولم ينتفع العلم‬
‫واحد من الباحثين يف هذا المجال‪.‬‬
‫وقد بدأ كثير من علماء الغرب يف التصريح ضمنًا يف كتبهم بسخافة علم‬
‫الفيزياء الفلكية يف أصل الكون‪ ،‬ولوال الخوف من االهتام بالتخريف ومعاداة‬
‫آخر‪.‬‬ ‫العلم‪ ،‬لكان لهم مع علم الفيزياء الفلكية ٌ‬
‫شأن ُ‬
‫يتم شن حمالت سخرية ضد كل َمن ينتقد هذا العلم يف الغرب‪:‬‬
‫لألسف ُّ‬
‫أنت عدو العلم!‬

‫‪974‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫أنت جاهل!‬
‫فهذا سوط يرفعه القائمون على علم الفيزياء الفلكية ضد كل َمن ُيسخف‬
‫فرضياهتم‪ ،‬أو ُيبدي قلقه الزائد من اإلنفاق المبالغ فيه على أبحاثهم‪.‬‬

‫عندما خرج بول فيرابند ‪ Paul Feyerabend‬وهو أحد أكرب فالسفة العلم يف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وتلميذ كارل بوبر‪ ،‬وصاحب كتاب ضد المنهج‪ ،‬عندما خرج‬
‫تم اهتامه بأنه عدو‬
‫ل ُيشكك يف معطيات علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون‪َّ ،‬‬
‫وتم وصفه بـ "العدو األسوأ للعلم"‪.‬‬
‫العلم‪ ،‬بل َّ‬

‫‪975‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫دائما يف وجه َمن ُيشكك يف هذا العلم‪.‬‬


‫فهناك سوط ُيرفع ً‬
‫النص بفهمه الصحيح يف‬
‫َّ‬ ‫ولذلك نصيحتي لكل مسلمة ومسلمة‪ :‬الزموا‬
‫مسائل الغيب‪ ،‬وقِفوا عنده‪.‬‬
‫فالعقائد يف الغيب ال نتل َّقاها من تأويالت الفلكيين أو فرضيات النماذج‬
‫الرياضية‪ ،‬وإنما نتل َّقاها بالوحي الحق من رب العالمين‪.‬‬
‫يضره ما تراكم يف متاحف‬
‫ومن استقام له االعتقاد الغيبي بصحة الرسالة فال ُّ‬
‫توهمات التأويل الذهني والنمذجة الرياضية واالستنباطات‬
‫الجامعات من ُّ‬
‫االفرتاضية(‪.)1‬‬
‫واآلن دعونا نقرتب من علم الفيزياء الفلكية أكثر وأكثر وننظر كيف يعمل‬
‫هذا العلم‪.‬‬
‫علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون يقوم على مجموعة من الفرضيات‪ ،‬وال‬
‫وجود لهذا العلم بدون التسليم بصحة هذه الفرضيات‪.‬‬
‫ومن هذه الفرضيات‪:‬‬
‫فرضية الوتيرة الواحدة ‪ Uniformitarianism‬هذه الفرضية تقرر َّ‬
‫أن‪:‬‬
‫القوانين واآلليات الطبيعية التي يعمل هبا كو ُننا اليوم‪ ،‬هي نفسها القوانين‬
‫واآلليات الطبيعية التي كان يعمل هبا الكون قبل عشرة آالف سنة‪ ،‬وقبل مليون‬
‫سنة‪ ،‬وقبل مائة مليون سنة‪ ،‬وقبل مليار سنة‪ ،‬وقبل عشرة مليارات سنة‪ ،‬بل هي‬
‫نفسها القوانين واآلليات الطبيعية التي بدأ هبا كو ُننا‪.‬‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.226‬‬

‫‪976‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ال قوام لعلم الفيزياء الفلكية إال هبذه الفرضية‪.‬‬


‫فمن المستحيل أن تكون هناك فيزياء فلكية دون التسليم مسب ًقا لصحة هذه‬
‫الفرضية‪.‬‬
‫فالكون يعمل باآللية والقوانين نفسيهما عرب مليارات السنين‪ ،‬بل وبدأ‬
‫الـ‪ Planck size‬باآللية والقوانين نفسيهما‪.‬‬
‫لو لم تكن هذه الفرضية صحيحة فال وجود لعلم الفيزياء الفلكية‪ ،‬فكيف‬
‫للباحث يف علم الفيزياء الفلكية أن يضع فرضياته يف أصل الكون إن لم تكن بنا ًء‬
‫على قياسات يقيسها اليوم‪ ،‬ويفرتض أهنا القياسات نفسها التي كانت لحظة‬
‫ظهور الكون؟‬
‫لكن اإلشكال األكرب هنا‪ :‬من أين لكم أن القياسات كما هي منذ لحظة‬
‫ظهور الكون؟‬
‫فرضية الوتيرة الواحدة هي محض تخ ُّيل وافرتاض!‬
‫فهي مجرد ادعاء ال يمكن إثباته ‪.assumption‬‬
‫لكن الباحثين يف علم الفيزياء الفلكية يضطرون إلثبات هذه الفرضية‪ ،‬وإال‬

‫‪977‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وهما‪.‬‬
‫ألصبح علمهم كله ً‬
‫فهم يكتبون المعادالت التي تصف حالة الكون قبل مليارات السنين‪،‬‬
‫معتمدين على اآلليات التي يرصدوهنا اليوم يف الكون‪ ،‬فهم ُمضطرون للتسليم‬
‫هبذه الفرضية التخيلية ابتدا ًء‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪ :‬ما المانع أن تكون قد حصلت تغيرات يف اآلليات بمسببات‬
‫خفية ‪Confounding variable‬؟‬
‫إذا حصلت مثل هذه التغيرات‪ ،‬فبالتالي ستصبح كل المعادالت الموضوعة‬
‫بال معنًى؛ ألهنا تضع قياسات غير صحيحة!‬
‫فأي تغير بأقل مقدار يف قيمة أي قياس أو ثابت سيعني أن النموذج الرياضي‬
‫الذي تم بناؤه لوصف نشأة الكون ال يصف كوننا‪.‬‬
‫فهو نموذج رياضي ال يعمل!‬
‫ألن هذا النموذج الرياضي اعتمد على قياسات اليوم‪ ،‬وهذه القياسات لم‬
‫تكن بتلك الصورة عرب تاريخ الكون‪.‬‬
‫وقد ث َبت اليوم بالفعل وجود قياسات كثيرة تتغ َّير عرب الزمن‪.‬‬
‫مثال على ذلك‪ :‬الثابت الكوين‪.‬‬
‫تب َّين للعلماء َّ‬
‫أن الثابت الكوين يتغ َّير مع الزمن‪.‬‬
‫إذن أية معادلة تصف كيف نشأ الكون ستكون فيها مشكلة خطيرة‪.‬‬
‫أصال‪،‬‬
‫ألن الثابت الكوين الموجود يف معادالت نشأة الكون هو غير ثابت ً‬
‫بل هو متغير‪.‬‬

‫‪978‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫وبالتالي فعندما تضع لي قيمة الثابت الكوين بقياسه الحالي يف معادالت‬


‫نشأة الكون‪ ،‬فأنت هبذا ال تصف كوننا؛ ألن قيمة من قيم معادلتك غير صحيحة‪،‬‬
‫وهي قيمة الثابت الكوين‪.‬‬
‫وبالتالي فنموذجك الرياضي ككل‪ ،‬ذلك النموذج الذي تخ َّيلت به آلية نشأة‬
‫الكون فيه مشكلة فعلية‪.‬‬
‫تصح حتى مكان ًّيا‪.‬‬
‫األعجب من ذلك أن فرضية الوتيرة الواحدة ال ُّ‬
‫فما يجري يف قياساتنا على األرض‪ ،‬وما نرصده بالقياسات‪ ،‬ال يلزم أن‬
‫يكون هو الذي يجري يف كل الكون بالقياسات نفسها‪.‬‬
‫آلخ َر يف الكون‪ ،‬وهذا األمر ُيو ِّلد‬ ‫ٍ‬
‫مكان َ‬ ‫فقد تختلف قيم القياسات من‬
‫مشكالت أخطر يف علم الفيزياء الفلكية‪.‬‬
‫فهذا األمر يتخ َّطى حتى علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون إلى علم‬
‫الفيزياء الفلكية ٍّ‬
‫ككل‪.‬‬
‫إذن ففرضية الوتيرة الواحدة ال تستقيم حتى مكان ًّيا‪ ،‬والقياسات قد تختلف‬
‫ضعف وضع نموذج رياضي كلي‬ ‫مكان آلخر يف هذا الكون‪ ،‬وهذا حقيق ًة ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫نموذجا فيه مشكلة عميقة‪.‬‬
‫ً‬ ‫يصف الكون؛ ألن هذا النموذج يف الواقع سيكون‬

‫‪979‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فالقياسات ال تصف إال وص ًفا مرتب ًطا بزماننا ومكاننا يف الكون‪ ،‬ولو غ َّيرنا‬
‫الزمان أو المكان ربما اختلفت القياسات تما ًما‪.‬‬
‫نموذجا رياض ًّيا كل ًّيا يصف لي آلية ظهور هذا الكون‪،‬‬
‫ً‬ ‫ولذلك عندما تطرح‬
‫أو عمر هذا الكون‪ ،‬وهذا النموذج الرياضي ُيعاين من مشكلة يف قيم القياسات‬
‫الموضوعة فيه‪ ،‬فهذا يجعل نموذجك بال قيمة‪.‬‬
‫واآلن دعونا ننظر يف كيفية وضع قيمة قياس الثابت الكوين‪:‬‬
‫مصدر قيمة الثابت الكوين الذي ُيوضع يف معادالت نشأة الكون‪ ،‬هو أرصاد‬
‫الخلفية الكونية الـ ‪.CMB Cosmic Microwave Background‬‬

‫ٍ‬
‫معين يف معادلة المجال يف النسبية العامة‬ ‫فالثابت الكوين هو قيمة لمقدار‬
‫ألينشتاين‪ ،‬ومصدر هذه القيمة هو أرصاد الخلفية الكونية ‪.CMB‬‬
‫قلت سيجعلنا نخرج بنموذج رياضي‬ ‫أي تغيير يف قيمة هذا المقدار كما ُ‬ ‫ُّ‬
‫أدق سنخرج بصورة كون غير كونِنا الذي نحن فيه ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫مختلف تما ًما‪ ،‬أو بمعنى َّ‬
‫أن نظرية الحقل الكمومي ‪ Quantum Field Thoery‬تقول‪ :‬إن‬‫العجيب هنا َّ‬
‫قياسات الثابت الكوين هي قياسات مختلفة تما ًما‪.‬‬
‫فقياسات الثابت الكوين التي يقوم هبا الكوزمولوجيون تختلف تما ًما عن‬
‫قياسات الثابت الكوين يف نظرية الحقل الكمومي‪.‬‬
‫درست نظرية الحقل الكمومي ‪ Quantum Field Thoery‬مقدار‬ ‫فعندما َ‬
‫طاقة الفراغ‪ ...‬مقدار هذا الثابت الكوين بقياس األطوال الموجية للذبذبات‬

‫‪980‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الكمومية‪ ،‬اكتشفت أن قيمة الثابت الكوين ليست بالقيمة الموجودة نفسها يف‬
‫معادلة المجال ألينشتاين‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن قيمة الثابت الكوين يف نظرية الحقل الكمومي تساوي قيمة الثابت الكوين‬
‫صفرا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يف معادلة المجال‪ ،‬مضروبة يف واحد وأمامه ‪ً 121‬‬
‫تصور‪.‬‬
‫هذا شيء رهيب‪ ،‬وأمر ال ُي َّ‬
‫فنحن أمام مليارات مليارات مليارات مليارات مليارات أضعاف القيمة‪.‬‬
‫فعلى أي قيمة نعتمد؟‬
‫قيمة الثابت الكوين يف معادلة المجال‪ ،‬أم قيمته يف نظرية الحقل الكمومي؟‬
‫والمشكلة حتى اآلن ليست هنا‪ ،‬المشكلة أننا ال نعرف من فيهما الصحيح‪،‬‬
‫وربما كالهما خطأ!‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬لكن قيمته تختلف اختال ًفا جذر ًّيا بين نظريتين‪ ،‬كلتا‬ ‫إننا أمام ٍ‬
‫ثابت‬
‫النظريتين يتل َّقاهما المجتمع العلمي بالقبول‪.‬‬
‫أصح من‬
‫ُّ‬ ‫فأنت ال تستطيع أن تقول‪َّ :‬‬
‫إن قيمة الثابت الكوين يف هذه النظرية‬
‫قيمته يف تلك‪ ،‬فكلتا النظريتين نظريات مقبولة يف الفيزياء المعاصرة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تغيير‪ ،‬فأنت أمام كون‬ ‫لو غ َّيرت قيمة الثابت الكوين يف معادالتك بأقل‬
‫مختلف تما ًما‪ ،‬فما بالك وقيمته تختلف هذا االختالف المدهش؟‬
‫لذلك ال غرابة أن نقول‪ :‬إن علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون يقوم على‬
‫التخمين المحض‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [النجم‪.]25 :‬‬
‫‪CMB Cosmic Microwave‬‬ ‫والعجيب هنا يف إشعاع الخلفية الكونية‬
‫تصور نشأة الكون يف‬
‫‪ Background‬الذي ُيعترب مستندَ علم الفيزياء الفلكية يف ُّ‬
‫أصال إلى لحظات الخ ْلق‬ ‫لحظاته األولى‪ ،‬العجيب َّ‬
‫أن هذا اإلشعاع نفسه ال يعود ً‬
‫األولى للكون‪ ،‬بل هو يعود إلى مئات اآلالف من األعوام بعد ظهور الكون‪.‬‬

‫‪986‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فمستند علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون يف لحظات الخ ْلق األولى‬
‫للكون‪ ،‬على إشعاع الخلفية الكونية‪ ،‬والذي يعود إلى مئات اآلالف من األعوام‬
‫بعد نشأة الكون‪.‬‬
‫فال هو إشعاع اللحظة األولى‪ ،‬وال هو ثابت يف قياساته عرب الزمن‪.‬‬
‫الفرضية الثانية التي يقوم عليها علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون‪ ،‬أال‬
‫وهي‪ :‬فرضية َّ‬
‫أن ما تجيزه المعادلة الرياضية هو واقع أنطولوجي!‬
‫قمت بعمل مجموعة من‬ ‫ُ‬ ‫فلنتصور أنني‬
‫ْ‬ ‫وحتى نفهم هذه الفرضية‪،‬‬
‫المعادالت الرياضية الصحيحة تما ًما‪ ،‬فأثبت من خاللها أن هذا الكون شكله‬
‫مق َّعر وليس ُمحدَّ ب‪َّ ،‬‬
‫وأن األرض ليست محدَّ بة‪ ،‬وإنما هي مقعرة‪.‬‬
‫والسماوات كلها التي نراها تقبع داخل التق ُّعر األرضي!‬
‫قمت بعمل المعادالت التي تقول بذلك‪.‬‬
‫أنا ُ‬
‫فعال‪ ،‬واألرض مقعرة؟‬
‫مقعرا ً‬
‫هل هبذه المعادالت يكون الكون ً‬
‫هل هبذه المعادالت تصبح السماوات كلها داخل فلك األرض؟‬
‫ال إطال ًقا!‬
‫صحت المعادالت‪.‬‬
‫هذا ال يلزم حتى لو َّ‬
‫فما تجيزه المعادلة الرياضية حتى ولو كانت معادلة صحيحة ال يلزم على‬
‫اإلطالق أن يكون هو الواقع على المستوى المادي‪ ...‬على المستوى الواقعي‪...‬‬
‫على المستوى الطبيعي‪ ...‬على المستوى األنطولوجي الوجودي‪ ،‬هذا ال يلزم على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫وهذا األمر ال خالف عليه فيما أعلم بين المتخصصين يف الفيزياء!‬
‫فعندما تضع مجموعة من المعادالت‪ ،‬وتقول بأن الكون نشأ هبذه الصورة‪،‬‬
‫أنت تعلم َّ‬
‫أن هذه المعادالت هي محض تخ ُّيل‪ ...‬مجرد توصيف رياضي‬

‫‪982‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تخيلي تصف به لحظة ظهور الكون‪ ،‬فال ُتلزمني بالتسليم َّ‬


‫بأن صورة نشأة الكون‬
‫بالتصور نفسه التي تفرتضه معادالتك!‬
‫ُّ‬ ‫كانت‬
‫فتلك اللحظة الفريدة العجيبة التي نشأ فيها هذا العالم المدهش‪ ،‬تضع أنت‬
‫مجموعة من المعادالت تصف هبا هذه اللحظة الرهيبة‪ ،‬وتقول لي‪ :‬هذه هي‬
‫اآلليات التي جرت لحظة ظهور الكون؟‬
‫أصال لتصف حد ًثا فريدً ا كلحظة ظهور الكون‬
‫ً‬ ‫َمن أعطاك هذا الحق‬
‫بمجموعة من المعادالت؟‬
‫ذاك الحدث الذي هو يقينًا من الغيب المحض!‬
‫﴿ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ﴾ [الكهف‪.]31 :‬‬
‫بتخرصات رياضية؟‬
‫فأنت تريد أن تصف هذا الحدث المميز جدًّ ا ُّ‬
‫من أعطاك هذا السلطان؟‬
‫معادالت وتتخ َّيل بنا ًء على هذه المعادالت هذه اللحظة الفريدة؟‬ ‫ٍ‬ ‫تضع‬
‫إذا كنت أنت بنفسك ُت ِق ُّر أن ما ُتتيحه المعادلة الرياضية ال يلزم تح ُّققه ماد ًّيا‪،‬‬
‫فما بالك بتلك اللحظة المميزة؟‬
‫أيضا‬
‫المعادلة الرياضية هي لغة رمزية تجريدية توصف هبا الحقائق‪ ،‬لكن ً‬
‫توصف هبا األوهام‪ ،‬فهي كأية لغة رمزية أخرى‪.‬‬

‫فالمعادلة الرياضية هي مجرد لغة رمزية بمقدورها وصف الحقيقة‪ ،‬وبمقدورها‬


‫وصف الخيال والدجل والشعوذة‪.‬‬

‫‪983‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وخير مثال على ذلك‪ :‬معادالت النظرية إم ‪ ،M theory‬فمعادالت هذه‬


‫ُ‬
‫النظرية هي معادالت رياضية صحيحة‪ ،‬بل وهي غاية يف الدقة والتعقيد‬
‫والضبط‪ ،‬لكنها ماذا تصف؟‬
‫تصف عوالم خيالية ‪!Higher dimensions‬‬
‫تصف أوها ًما‪.‬‬
‫كثيرا من المعادالت الصحيحة‪ ،‬بأهنا من قبيل‬
‫أينشتاين نفسه كان يصف ً‬
‫السحر األسود(‪.)1‬‬
‫فالمعادالت تصف الهذيان‪ ،‬وتصف الحقائق‪.‬‬
‫إن الكون نشأ َو ْفق هذه الفرضية أو تلك؟‬
‫فبأي سلطان تقول لي‪َّ :‬‬
‫علي الغيب المحض بمعادالتك‬
‫من الذي أعطاك هذا السلطان لتقرتح َّ‬
‫ونماذجك وفرضياتك؟‬
‫مثال آخر‪ :‬معادالت نظرية األوتار الفائقة‪ ،‬هذه المعادالت لها ماليين‬
‫قلت قبل قليل‪ ،‬وكلها صحيحة رياض ًّيا‪ ،‬لكن كل هذه‬
‫الحلول الرياضية كما ُ‬
‫الماليين من الحلول يف الوقت نفسه هي مجرد وهم؛ ألننا ال نحتاج يف األخير‬
‫إال إلى معادلة واحدة فقط من كل هذه المعادالت الصحيحة لتصف عالمنا‪،‬‬
‫صحت نظرية األوتار الفائقة ابتدا ًء(‪.)2‬‬
‫هذا يف حال َّ‬
‫صحت المعادلة هذا ال يلزم منه أن يكون ما تفرتضه المعادلة هو‬
‫فحتى لو َّ‬
‫الذي حصل بالفعل على أرض الواقع‪.‬‬

‫(‪ )1‬االحتماالت المثيرة للنظرية الكمية‪ ،‬ليونيد بونوماريف‪ ،‬ترجمة‪ :‬إيمان أبو شادي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 2112‬ص‪.15‬‬
‫‪(2) string theory suffered from another awkward issue: There appeared to be at least five‬‬
‫‪different theories and millions of ways the extra dimensions could be curled up‬‬
‫‪The Grand Design, P.159.‬‬

‫‪984‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫نعود لموضوع الكون المقعر‪ ،‬واألرض المقعرة مر ًة أخرى!‬


‫هل تعلم أن هذه القصة حقيقية وليست ً‬
‫خياال؟‬
‫بالفعل هناك دراسة علمية بمعادالت صحيحة مائة يف المائة‪ ،‬وباستخدام‬
‫النسبية العامة ألينشتاين‪ ...‬باستخدام معادالت المجال‪ ،‬أثبت العلماء َّ‬
‫أن الكون‬
‫وأن األرض مقعرة‪َّ ،‬‬
‫وأن كل السماوات موجودة داخل تق ُّعر األرض‪.‬‬ ‫ُمقعر‪َّ ،‬‬
‫ومن خالل معادالت المجال ألينشتاين تب َّين أن جميع األشعة التي تصل‬
‫لسطح األرض منحنية يف األصل‪ ،‬فهي ليست مستقيمة‪ ،‬ونقطة مركز األرض‬
‫المقعرة هي نقطة تباطؤ لجميع الحركات بما فيها حركة الضوء‪ ،‬وبالتالي فالذي‬
‫توهما وليس حقيقةً‪.‬‬
‫ً‬ ‫يرصد الفضاء يحصل تطاول عنده يف المسافات‬
‫فأنت عندما ترى النجوم فأنت تراها أبعدَ بكثير عن مكاهنا الحقيقي‪.‬‬
‫فمكان النجوم طب ًقا لنموذج األرض المقعرة قريب جدًّ ا من األرض‪ ،‬لكن‬
‫لتباطؤ جميع الحركات عند االقرتاب من األرض يجعل المسافات تطول‬
‫توه ًما؛ لذلك فأنت ترى الفضاء وكأنه الهنائي‪ ،‬ويف الواقع هو ليس كذلك‪ ،‬لكن‬
‫ُّ‬
‫ألن المسافات يحصل فيها تطاول وهمي كلما ابتعدت بالرصد عن مركز الكرة‬
‫المقعرة‪ ،‬فتشعر وكأن الفضاء الهنائي‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬لكن نحن نرى األرض محدبة من الفضاء‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫والجواب‪ :‬نحن نرى األرض محدبة من خالل المراصد الفلكية ومن‬
‫الطائرة؛ نتيج ًة النحناء موجة الضوء‪ ،‬وأهنا ليست مستقيمة‪ ،‬لكن األرض يف‬
‫الواقع مقعرة(‪.)1‬‬
‫أن األرض مقعرة‪ ،‬أو َّ‬
‫أن‬ ‫طب ًعا نحن ال نعتقد هذا الكالم‪ ،‬فنحن ال نعتقد َّ‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء ابن مسعود‪ ،‬م ‪ 2‬ص‪.300‬‬

‫‪985‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الكون مقعر‪ ،‬نحن ال نعتقد هذه األمور‪.‬‬


‫لكن الشاهد من كالمي َّ‬
‫أن‪ :‬معادالت األرض المقعرة هي معادالت علمية‬
‫صحيحة معتربة‪.‬‬
‫فالمعادلة تستطيع أن تصف لك أي شيء!‬
‫ٍ‬
‫وخياالت بال ٍ‬
‫علم وال ُهدً ى‬ ‫فرضيات وتخر ٍ‬
‫صات‬ ‫ٍ‬ ‫والكل يمكنه أن يقدم‬
‫ُّ‬
‫كتاب ٍ‬
‫منير‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وال‬
‫فعلم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون يقوم على التخمين المحض‬
‫‪﴿ :Pure Conjecture‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [األنعام‪.]118 :‬‬
‫فهذا العا َلم العظيم المدهش بسماواته وأرضه وأفالكه ونجومه وثوابته‬
‫أصال‪ ،‬ندخل نحن فيه هبذه الخياالت‬
‫ً‬ ‫تصور كيف كان قيا ُمه‬
‫وقوانينه‪ ،‬ال ُي َّ‬
‫الفرضيات؟‬
‫والتخرصات واألوهام والمعادالت المبنية على عشرات ْ‬
‫ُّ‬
‫وهذا يضع فرضية وذاك يحذفها؟‬
‫وغيرنا يدعي أنَّه سبحانه‬
‫ُ‬ ‫ثم ندعي َّ‬
‫أن اهلل خلق هذا العالم هبذه الطريقة‪،‬‬
‫خلقه بتلك الطريقة؟‬
‫أمر ال قياس له على عادتنا يف هذا العالم‪ ،‬فنحن‬
‫قيام سماوات وأرض‪ ،‬هذا ٌ‬
‫وأرضا ُتخلق أمامنا‪ ،‬فالبحث يف أمر كهذا ال يخضع للنظر‬
‫ً‬ ‫لم نر سماوات‬
‫أصال‪ ،‬وال يخضع للقياس‪.‬‬
‫العلمي ً‬
‫فكيف نقوم بوضع التخيالت العقلية والفرضيات بمجموعة من المعادالت‬
‫والنماذج الرياضية والتجريدات الهندسية‪ ،‬ثم نقوم بقياس بداية ظهور الكون عليها؟‬
‫هل سبق ألحد أن شهد بعينيه عملية خ ْلق سماء وأرض حتى يقيس عليها‬
‫خ ْل َق سمائنا وأرضنا بمجموعة من المعادالت والتخيالت والفرضيات؟‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [الزُّ ُ‬
‫خرف‪.]12 :‬‬

‫‪986‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ثم ماذا استفدنا من عشرات الفرضيات يف أصل الكون؟‬


‫بماذا انتفع الناس من هذه الفرضيات؟‬
‫مثال؟‬
‫هل هذه الفرضيات أ َّدت الخرتاع ً‬
‫كلها مجرد استغراق فلسفي‪ ،‬وغرور بشري؛ للمجيء بنموذج بديل للوحي‬
‫اإللهي‪ ،‬هذه حقيقة األمر‪.‬‬
‫طبعا أنا ُأقدر َّ‬
‫أن هناك من المشتغلين هبذا العلم َمن لديه َغ ْيرة على الوحي‬
‫اإللهي‪ ،‬بل وقد يستخدم آليات هذا العلم للتأكيد على صدق النص الشرعي يف‬
‫كيفية ظهور الكون‪ ،‬وهناك مِن الغربيين ممن لديهم بقايا نبوات يستخدمون هذا‬
‫وحجة يف بيان أن لهذا الكون بداية‪ ،‬وأنه يدعم حقيقة الصنع المتقن‪،‬‬
‫العلم كمستنَد ُ‬
‫ويقطع بوجود دقيق الثوابت الفيزيائية والحدود الحرجة التي بدأ هبا الكون‪.‬‬
‫نعم نحن ُنقدر كل هذا‪ ،‬ونحرتم كل هذه المشاريع‪.‬‬
‫لكن كل هذا ال يجعلنا نعمى عن حقيقة أن قوام هذا العلم على الفروض‬
‫المحضة!‬
‫فليس معنى كون هذا العلم يقدم خدمة لحقائق دينية بالتخمينات الرياضية‬
‫أن ُأس ِّلم له!‬
‫ال طب ًعا!‬
‫ٍ‬
‫فرضيات‪ ،‬ولن تصبح يقينيات‬ ‫التخمين سيبقى تخمينًا‪ ،‬والفرضيات ستبقى‬
‫لمجرد أهنا تدعم قضيتي‪.‬‬
‫نصف حتى يف التعامل مع األدلة التي تدعم موقفه‪.‬‬‫المسلم م ِ‬
‫ُ‬
‫ثم إن الدين فطرة بشرية‪ ،‬فالدين ال يحتاج إلى فرضيات لتدعمه‪.‬‬
‫و ُك ُّل َمن نظر إلى آليات هذا العلم‪ ،‬والفرضيات التي يقوم عليها سيقطع بأنه‬
‫وهمي قوامه التخمين المحض‪ ،‬وكثير من علماء فلسفة العلم يقررون هذه‬
‫ٌّ‬ ‫علم‬

‫‪987‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الحقيقة؛ لئال يظن ٌّ‬


‫ظان أن اهتامنا لهذا العلم هو شيء اخرتعناه من عند أنفسنا!‬
‫كال!‬
‫ممن نظروا يف حقيقة علم الفيزياء الفلكية يف‬
‫هناك الكثير من فالسفة العلم َّ‬
‫علما‪ ،‬وال‬
‫أصل الكون ُيقررون أن علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون ليس ً‬
‫علما‪.‬‬
‫ُيصنَّف باعتباره ً‬
‫مثال على ذلك‪ :‬توماس كون ‪.Thomas Kuhn‬‬
‫وبول فايرابند ‪.Paul K. Feyerabend‬‬
‫ويالرد كواين ‪.Willard Quine‬‬
‫وغيرهم الكثير‪.‬‬
‫بتجرد خرج بالشك التام يف كل معطياته!‬ ‫فهذا العلم ُّ‬
‫كل َمن نظر فيه ُّ‬
‫تعصب القائمين عليه!‬
‫تكمن فقط يف ُّ‬
‫المشكلة ُ‬
‫واآلن هل تتخ َّيل َّ‬
‫أن‪ :‬نموذج الكون المقعر واألرض المقعرة كما يقول‬
‫مارتن جاردنر ‪ Martin Gardner‬هو نموذج ال يمكن نقضه فيزيائ ًّيا‪.‬‬
‫فنحن ال نستطيع أن نثبت خطأه من ناحية الفيزياء إطال ًقا كما يقول جاردنر(‪.)1‬‬
‫فهو نموذج صحيح على مستوى المعادلة الرياضية‪.‬‬
‫يتم اعتماد هذا النموذج كما يقول جاردنر ليس ألنَّه غير صحيح‪ ...‬إطال ًقا‪.‬‬
‫ولم َّ‬
‫يتم اعتماده؛ ألن معادالته أطول وأعقد بكثير من الالزم!‬
‫وإنما لم َّ‬
‫فمعادالت نموذج األرض المقعرة‪ ،‬وانحناء شعاع الضوء هي معادالت طويلة‬
‫وأعقدُ بكثير من المعادالت المعتمدة حال ًيا والتي تصف األرض بأهنا محدبة‪.‬‬

‫‪(1) Most mathematicians believe that an inside-out universe, with properly adjusted‬‬
‫‪physical laws, is empirically irrefutable .‬‬
‫‪Martin Gardner, On the Wild Side, Chapter 1.‬‬

‫‪988‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫لكنها تبقى يف األخير معادالت صحيحة معقدة عميقة تثبت َّ‬


‫أن األرض مقعرة!‬
‫نظرا لتعقيدها لم يعتمد اعتمادها‪ ،‬فطبقا لشفرة أوكام‪ :‬التعقيد ال‬
‫لكنها ً‬
‫ينبغي اللجوء إليه دون ضرورة؛ لذلك تم رفض نموذج األرض المقعرة‪.‬‬
‫لكن ما المانع أن يسير العالم بالنظام األكثر تعقيدً ا؟‬
‫تخيل لو كنَّا افرتضنا نموذج األرض المقعرة‪َّ ،‬‬
‫وأن األفالك كلها يف فلك‬
‫ثمة مشكلة من‬
‫األرض‪ ،‬وصار هذا توجه الفيزياء الحديثة‪ ،‬ساعتها لم تكن َّ‬
‫ضبط األرصاد والمشاهدات لنصرة هذا التوجه‪.‬‬
‫يقول مارتن جارندر‪" :‬األفكار السائدة اليوم يف الفيزياء‪ ،‬ليست سائدة؛ ألهنا‬
‫مطابقة للواقع‪ ،‬ولكن ألهنا األسهل واأليسر رياض ًّيا"(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫إن اعتماد نموذج األرض المقعرة يحتاج إلى كلفة باهظة ال تحتملها‬
‫الفيزياء الحالية‪ ،‬ويحتاج تعديالت جوهرية يف معادالت النسبية العامة‪.‬‬
‫توج ًها لدى بعض أهل العلم‬
‫وهنا لي وقفة مهمة‪ :‬ينتقد بعض المعاصرين ُّ‬
‫ممن قالوا بثبات األرض ودوران الشمس حولها‪.‬‬
‫من المسلمين َّ‬
‫وهذا من وجهة نظري لق َّلة اطالع المعاصرين من المنتقدين على طبيعة علم‬
‫الفيزياء الفلكية‪ ،‬فهل النماذج الرياضية تمنع ثبات األرض ودوران الشمس حولها؟‬
‫إذا كانت هذه النماذج ال تمنع األرض المقعرة‪ ،‬وال تمنع الكون المقعر‪،‬‬
‫هل ستمنع ثبات كرة األرض‪ ،‬ودوران الشمس حولها؟‬
‫يمكن رياض ًّيا إثبات أن كرة األرض ثابتة والشمس تدور حولها‪ ،‬فهذا غير‬
‫ممتنع فيزيائ ًّيا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معين‪.‬‬ ‫مستوى‬
‫ً‬ ‫وسنواجه فقط مشكلة سرعات األجرام فوق‬
‫‪(1) Martin Gardner, On the Wild Side, P.11.‬‬

‫‪989‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫نموذج ال تقبله النماذج‬


‫ٌ‬ ‫فنموذج ثبات األرض ودوران الشمس حولها هو‬
‫الرياضية الحالية؛ ألن المشكلة يف تحويالت لورنتز على النسبية الخاصة‪ ،‬لكن‬
‫بحل هذه المشكلة يمكن رياض ًّيا أن نخرج بنموذج رياضي جميل مقبول يقول‬
‫لنا‪َّ :‬‬
‫إن كرة األرض ثابتة‪ ،‬وإن الشمس تدور حولها(‪.)1‬‬
‫فالذي يهاجم القول بثبات األرض هم غير علماء الرياضيات المدققين فيها‪.‬‬
‫تعمق يف هذا العلم كلما بدا له قلة علمه‪ ،‬وقلة إحاطته‪،‬‬
‫واإلنسان كلما َّ‬
‫تصوراته‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [اإلسراء‪.]63 :‬‬ ‫وبساطة ُّ‬
‫فمن نحن يف علم اهلل؟‬
‫ويف ملكوت اهلل؟‬
‫نموذجا رياض ًّيا واحدً ا‬
‫ً‬ ‫نحن على كل جامعتنا وإغراقنا الرياضي ال نجد‬
‫ينقذنا من حيرتِنا الراهنة‪.‬‬
‫لشكل العالم ُ‬
‫قرر ستيفن هاوكنج يف آخر كتاب كتبه‪ ،‬وهو "التصميم العظيم ‪The Grand Design‬‬
‫ُي ِّ‬
‫" َّ‬
‫أن‪ :‬تغ ُّير نظرتنا للكون قد يحصل يف أية لحظة‪.‬‬
‫شعاع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫األسماك‬ ‫فقال يف صفحة ‪ 85‬من كتابه‪" :‬داخل حوض السمك‪ ،‬ترى‬
‫الضوء ليس بالصورة اإلقليدية"‪.‬‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء ابن مسعود‪ ،‬م ‪ 5‬من صفحة ‪ 235‬إلى صفحة ‪.028‬‬

‫‪990‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ثم ع َّقب يف صفحة ‪ 22‬من الكتاب نفسه ً‬


‫قائال‪" :‬من الممكن أن نكون نحن‬
‫بالصورة نفسها‪ ،‬فتصل لنا الحقائق بآلية وصولها نفسها إلى داخل حوض‬
‫السمك‪ ،‬ال مانع من ذلك"‪.‬‬
‫فنموذج األرض المقعرة غير ُمستبعد‪ ،‬لكن تم رفضه؛ ألنه نموذج معقد‬
‫وطويل المعادالت‪.‬‬
‫و ُأكرر نحن ال ُنصدق هذ ا النموذج وال نعتقده‪ ،‬لكن نحن نحاكم هذا العلم‬
‫إلى معطياته‪.‬‬
‫وهنا نأيت للفرضية الثالثة التي يقوم عليها علم الفيزياء الفلكية‪َ ،‬أ َال وهي‬
‫ً‬
‫وقبوال يف‬ ‫فرضية أنَّه‪ :‬كلما كانت المعادلة أقصر وأبسط كانت أكثر صح ًة‬
‫المجتمع العلمي‪.‬‬
‫سمى بفرضية االقتصاد يف االفرتاض ‪ ،Parsimony‬حيث يكون‬ ‫وهذه ُت َّ‬
‫ٍ‬
‫بوجه عا ٍّم(‪.)1‬‬ ‫النموذج األيسر والمتناسق ذات ًّيا هو األكثر ً‬
‫قبوال يف الفيزياء‬
‫وخير مثال على ذلك َقبول نموذج األرض المحدبة‪ ،‬ورفض نموذج‬
‫األرض المقعرة‪.‬‬
‫لكن السؤال‪َ :‬من أنت حتى تفرتض َّ‬
‫أن الكون يسير بالمعادلة األقصر‪ ،‬أو‬
‫المعادلة األيسر وليس األعقد؟‬
‫َمن أنت وبأي سلطان معريف تزعم هذا الزعم؟‬
‫وهناك فروض أخرى كثيرة يقوم عليها علم الفيزياء الفلكية‪ ،‬وال بد من التسليم‬
‫بكل تلك الفروض مسب َقا ثم ُتبني على هذه الفروض التخمينات العقلية‪.‬‬
‫فهناك فرضية الشكل الجمالي للمعادلة ‪!Aesthetic value‬‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء ابن مسعود‪ ،‬م ‪ 2‬ص‪.525‬‬

‫‪996‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فكثير من المعادالت ُتقبل فقط لمجرد أهنا جمال ًّيا أفضل من غيرها‪.‬‬
‫حتى يقول بول ديراك‪" :‬جمال المعادلة يثبت صحة النظرية أكثر من تجريبها"(‪.)1‬‬
‫ونظرية هيرمان فايل ‪ Herman Weyl‬يف القياس ُوجد أهنا ال تنطبق على‬
‫الجاذبية‪ ،‬لكنها ُقبلت ألهنا جميلة‪.‬‬
‫وهنا قد يسأل سائل‪ :‬لماذا أنا أقوم بوصف علم الفيزياء الفلكية بأنه علم‬
‫قائم على الشعوذة‪ ،‬أليس األليق أن نقول‪َّ :‬‬
‫إن فرضيات هذا العلم هي فرضيات‬
‫وتخمينات‪ ،‬فلماذا أنا أستخدم لفظة شعوذة؟‬
‫يتحول لنظرية أو‬
‫َّ‬ ‫والجواب‪ :‬ألن الفرضية يف المنهج العلمي هي تخمين قد‬
‫يظل فرضية أو يثبت خطؤه‪.‬‬
‫هذه طبيعة الفرضية يف المنهج العلمي‪.‬‬
‫ويصح يف األمور التي‬ ‫ُّ‬ ‫المشاهدة‪،‬‬
‫َ‬ ‫يصح يف األمور‬
‫ُّ‬ ‫لكن هذا التوصيف‬
‫تخضع للتجربة والقياس‪ ،‬فأنت تقيس حد ًثا على حدث‪ ،‬وتقوم بالتجربة؛ لتتأكَّد‬
‫من صحة تخمينك‪.‬‬
‫لكن علم الفيزياء الفلكية هو مجرد تخمينات ال تخضع ال للتجربة‪ ،‬وال‬
‫فحدَ ث ظهور الكون ال ُيقاس عليه شيء آخر‪ ،‬وال‬
‫للقياس؛ لطبيعة العلم نفسه‪َ .‬‬
‫يرصد بالتجربة بالبداهة‪ ،‬فأنت مهما وضعت من فرضيات وتخمينات ليس لديك‬
‫أي سلطان معريف للتمييز بين الباطل والصواب يف الموضوع‪ ،‬وليس لديك ال‬
‫آليات القياس‪ ،‬وال آليات التجريب؛ لتتأكَّد من صحة فرضياتك أو بطالهنا‪.‬‬
‫ألن هذه اآلليات تتغ َّير مع الزمن طب ًقا لمبدأ الوتيرة الواحدة كما َّ‬
‫فصلنا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وبالتالي ففرضيات علم الفيزياء الفلكية يف أصل الكون هي فرضيات ال‬

‫(‪ )1‬العلم يف منظوره الجديد‪ ،‬روبرت م‪ .‬أغروس وجورج ن‪ .‬ستانسيو‪ ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪992‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫تخضع للمنهج العلمي‪ ،‬وال تخضع للقياس وال التجريب‪ْ ،‬‬


‫إذن فتوصيفها‬
‫باعتبارها فرضيات‪ ،‬هذا شرعنة لها وصبغ لها بصبغة علمية‪ ،‬وهذا الصبغ ال‬
‫تستحقه فهي ليست بعلم‪ ،‬وال تخضع للمنهج العلمي‪.‬‬
‫دليال‪ ،‬وال يمكن برهنته‪ ،‬وال سبيل للتأكُّد من صحته‪ ،‬ال‬
‫فكل ما ال يملك ً‬
‫وصف ُه بتوصيفات المنهج العلمي‪ ،‬أو بتوصيفات "الفرضية والنظرية"‪.‬‬
‫يمكن أن ُن ِّ‬
‫فالعلم المحرتم هو العلم القائم على الدليل والبينة‪ ،‬وهو العلم الخاضع‬
‫للرصد والنظر‪ ،‬وهو العلم الذي يمكن برهنته أو تكذيبه‪ ،‬هذا هو العلم‪.‬‬
‫التخرص والتخمين المحض فهذا ليس ٍ‬
‫بعلم‪ ،‬ولو قال به كل البشر‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫أما‬
‫علما‬
‫المشكلة عند كثير من الناس‪ ،‬والتي تدفعهم لقبول هذا العلم واعتباره ً‬
‫معتربًا هي‪ :‬التسليم للسائد‪.‬‬
‫وهذا خطأ تما ًما‪ ،‬وإال لس َّلمنا ألصحاب الملل الباطلة؛ لكثرة عددهم‪.‬‬
‫نحن أتباع الحق بالدليل‪.‬‬
‫نحن أتباع الحق بالبينة‪.‬‬
‫ولسنا أتباع الحق بالتجمعات البشرية‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ﴾ [البقرة‪.]111 :‬‬
‫فهذا هو معيارنا‪.‬‬
‫فالتسليم للسائد لمجرد أنه سائد هذا ما عاب اهلل عليه كفار األرض‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الزُّ ُ‬
‫خرف‪.]25:‬‬
‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ﴾ [الصافات‪.]21 :‬‬
‫فالمسلم يتبع الحق بدليله‪ ...‬يتبع الربهان الظاهر وليس السائد‪.‬‬
‫﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫‪993‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [األنعام‪.]118 :‬‬
‫ولذلك فنحن نحرتم فروع الفيزياء األخرى‪ ،‬وأية نظريات فيزيائية مدعومة‬
‫بالتجربة أو الرصد أو القياس‪.‬‬
‫الفرضيات التي تحتمل اإلثبات أو النفي‪ ،‬ينبغي أن تحظى ببعض االحرتام‪.‬‬
‫وحتى ْ‬
‫فالفرضية التي تحتمل أن تكون صحيحة أو خطأ‪ ،‬هذه ُتحرتم كفرضية طالما‬
‫احتملت اإلثبات أو النفي‪ ،‬أما إذا كان من غير الممكن أن نعرف صحة الفرضية أو‬
‫خطأها‪ ،‬فهي هبذا ليست بعلم تجريبي‪ ،‬وال َينتظر منا أحد أن نحرتمها‪.‬‬
‫قبل أعوام قليلة خرج عالم الرياضيات والفيزياء الفلكية روجر بنروز‬
‫أتصور أنَّه أكرب عالم رياضيات اليوم‪ ،‬وهو حاصل‬
‫َّ‬ ‫‪ Roger Penrose‬والذي أنا‬
‫على جائزة نوبل منذ عامين فقط‪ ،‬خرج ليقرر َّ‬
‫أن أغلب علم الفيزياء الفلكية يف‬
‫أصل الكون مجرد خيال‪.‬‬
‫مع أنَّه يو ًما ما كان أحد أشهر واضعي النماذج الرياضية والفرضيات يف هذا العلم‪.‬‬
‫وهم‪.‬‬
‫أن أغلب هذا العلم ٌ‬ ‫مؤخرا َّ‬
‫ً‬ ‫لكنه خرج ليعرتف‬
‫فقد ُسئل يف حوار مع أحد المذيعين العلميين‪ ،‬فقال له المذيع‪ :‬سير روجر يبدو‬
‫صحيح؟‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫أن لديك حفن ًة كامل ًة من المشاكل مع الفيزياء الفلكية الحديثة‪ ،‬هل هذا‬
‫قائال‪ :‬حسنًا!‬
‫فأجاب بنروز ً‬
‫يوجد العديد‪ ..‬نعم!‬
‫أنا ال أوفق مع أغلبها!‬
‫المحاور‪ :‬دعنا نتحدَّ ث عما ال تتفق معه‪ ،‬على سبيل المثال أنت تصف‬
‫نظرية التضخم بأهنا خيال "فنتازيا"؟‬
‫أجاب بنروز‪ :‬حسنًا!‬
‫أنا أحاول كتابة كتاب من عشر سنوات لجامعة برنستون‪ ،‬بعنوان‪" :‬السائد‬
‫واإليمان والخيال يف الفيزياء الكونية المعاصرة"‪.‬‬

‫‪994‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ُّ‬
‫التضخم هذا صحيح(‪.)1‬‬ ‫والخيال بالتأكيد يعود لنظرية‬
‫فروجر بنروز ال يتفق مع أغلب هذا العلم بعد ْ‬
‫أن كان أحد أعمدته‪ ،‬وقد أصدر‬
‫بالفعل بعد ذلك كتاب‪" :‬السائد واإليمان والخيال يف الفيزياء الفلكية المعاصرة"‪.‬‬

‫ٍ‬
‫واحد‪" :‬أغلب علم الفيزياء الفلكية المعاصرة‬ ‫لخص هذا الكتاب يف ٍ‬
‫سطر‬ ‫و ُم َّ‬
‫صحيحا"(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫يف أصل الكون ال يمكن أن يكون‬
‫روجر بنروز الحائز على نوبل يف الفيزياء‪ ،‬ال يثق يف أغلب علم الفيزياء‬
‫الفلكية يف أصل الكون!‬
‫مطولة مع هاوكنج‪،‬‬
‫قلت كان من أكرب المشتغلين فيه‪ ،‬وله أبحاث َّ‬
‫مع أنَّه كما ُ‬
‫وفاز مع هاوكنج بجوائز عالمية‪ ،‬لكنه لم يعد يثق يف هذا العلم‪.‬‬
‫‪(1) https://www.youtube.com/watch?v=PAdh50yeLmM‬‬
‫من ‪ 1:22‬إلى ‪1:32‬‬
‫‪(2) Most of the current fantastical ideas about the origins of the universe cannot be true .‬‬

‫‪995‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫المذيع روجر بنروز مجد ًدا‪ :‬هل نحن اليوم نحتاج إلى فيزياء جديدة؟‬
‫ُ‬ ‫وعندما سأل‬
‫أجاب‪ :‬نعم‪ ،‬نحن نحتاج إلى فيزياء جديدة‪ ،‬نعم بكل تأكيد(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫فريقين‪:‬‬ ‫لألسف بعض المسلمين اليوم ا َّتجهوا إلى‬
‫فريق ينكر العلوم المادية بالكلية‪ ،‬وينكر الفيزياء‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫كذب البحث العلمي‪،‬‬
‫ويقول بنظرية المؤامرة الشمولية‪ ،‬وفريق آخر ُيصدِّ ق أية فذلكة رياضية ال تملك‬
‫دليال لمجرد أهنا مكتوبة يف مجلة علمية أو صادرة عن عالم فيزياء فلكية‪.‬‬
‫ً‬
‫فنحن نحتاج لعقلية إسالمية علمية نقدية‪ ،‬ونحتاج لكشف اإلشكاالت يف‬
‫العلوم المعاصرة بوضوح‪ ،‬وبال مداهنة‪ ،‬أو خوف‪.‬‬
‫﴿ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ﴾ [النساء‪.]153 :‬‬
‫ونحن لم نشهد خ ْلق السماوات واألرض‪ ،‬وال نستطيع بالبداهة إجرا َء‬
‫تجربة مشاهبة‪ ،‬وال نملك القياس‪.‬‬
‫فأنت ليس عندك‪ :‬ال رصد‪ ،‬وال تجربة‪ ،‬وال قياس!‬
‫إذن فاآللية نفسها للبحث عن أدلة هي مفقودة من األساس‪.‬‬
‫وأضف إلى ذلك أننا‪ :‬ال نعرف قيم القياسات التي كان عليها الكون يف بدايته‪.‬‬
‫إذن أنت ال تملك اآللية التي تبحث هبا عن أد َّلة ترجح هبا صحة نموذجك‬
‫ٍ‬
‫شيء تبحث؟‬ ‫الرياضي‪ ،‬وال تعرف قيم القياسات‪ ،‬فعن أي‬
‫ٍ‬
‫شيء تخوض؟‬ ‫ويف أي‬
‫إن‪ :‬أعداد المجرات هي ُّ‬
‫أقل‬ ‫من شهور قليلة أصدرت ناسا بيانًا تقول فيه َّ‬
‫بكثير مما كنا نعتقد‪ ،‬وهذا طب ًقا ألحدث بيانات وصلت إلينا من المركبة‬
‫الفضائية نيوهورايزنز‪.‬‬
‫يبدو أننا وحدنا يف هذا الكون‪ .‬والكالم لفوكس نيوز!‬
‫‪(1) https://www.youtube.com/watch?v=PAdh50yeLmM‬‬
‫‪ 12:11‬إلى ‪12:12‬‬

‫‪996‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫ٍ‬
‫بسيط اختلفت كثير من النتائج السابقة بصورة جذرية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ببحث‬
‫ٍ‬
‫مهيب‪.‬‬ ‫نحن يف الواقع نلعب بمعادالت بدائية يف ٍ‬
‫كون‬
‫مشكالت علم الفيزياء الفلكية ال ينكرها باحث!‬
‫والشكل األخير لمكاننا يف العالم لم يقل العلم كلمته األخيرة فيه بعدُ ‪.‬‬
‫صورا مختلفة‪ ،‬وتستطيع من خالل هذه النماذج أن‬
‫ً‬ ‫والنماذج الرياضية تتيح‬
‫تخرج حتى بنموذج األرض المقعرة‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن كشف أحد العلوم الزائفة المتلبسة بالعلوم الحقيقية‪ ،‬هذا ليس ضد‬
‫العلم‪ ،‬بل هو ُيحسن من مسيرة العلم‪.‬‬
‫فالسكوت عن العلوم الزائفة؛ خو ًفا من التهمة بعداوة العلم‪ ،‬هو ُّ‬
‫أضر شيء‬
‫بالعلم التجريبي‪.‬‬
‫إن السوط الذي يرفعه المدافعون عن العلوم الزائفة ضد َمن ينتقد هذه‬ ‫َّ‬
‫العلوم نقدً ا علم ًّيا سيجعلنا يف تبعية أبدً ا إذا وجلنا منهم‪.‬‬

‫‪997‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪998‬‬
‫أفكـــــــار ضالـــة‬

‫الباب اخلامس‬
‫يقينية اإليامن‬

‫‪999‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪6000‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫‪ -666‬ملاذا أنا مسلم؟‬

‫ود ِه ونعمته‪ ،‬ففي الواقع هناك أسباب عدَّ ة‬


‫ج‪ :‬بعد فضل اهلل ورحمته وج ِ‬
‫ُ‬
‫مسلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫لكوين‬
‫ان فطري ِ‬
‫ان يف النفس اإلنسانية‪ ،‬ال‬ ‫سببان ذاتي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األساسيين هما‬ ‫لك َّن السب َب ِ‬
‫ين‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أحد ينكر أ ًّيا منهما إال بالكذب والمكابرة والجحود‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬أنني ككل إنسان على وجه األرض مفطور على أن لي ر ًّبا‪...‬‬
‫لي خالق خلقني‪.‬‬
‫مقتدر خلقه بالغيب‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مليك‬ ‫رب‬
‫كل إنسان مفطور‪ ،‬ويعلم يف فطرته أنه له ٌّ‬
‫كل شيء‪ ،‬ومالك ِّ‬
‫كل شيء وأن‬ ‫مدبر ِّ‬
‫رب ُ‬ ‫وكلفه ورزقه‪ ...‬مفطور على أنه له ٌّ‬
‫المستحق وحده للعبادة‪ ،‬اإلنسان مفطور على ذلك(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫الرب هو‬
‫ذلك َّ‬
‫ولذلك قال اهلل ‪ ‬يف كتابه العزيز‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [األعراف‪.]122 :‬‬
‫أن لنا خال ًقا خلقنا‪.‬‬
‫فنحن قبل أن نولد ُفطرنا على َّ‬
‫وأشهدَ نا اهلل على أنفسنا أنه ر ُّبنا ونحن شهدنا بذلك‪َ ( :‬قا ُلوا َب َلى َش ِهدْ نَا َأن‬ ‫َ‬
‫َت ُقو ُلوا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة إِنَّا ُكنَّا َع ْن َهـ َٰذا َغافِلِي َن)‪.‬‬
‫عز من قائل‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾‬ ‫وقال َّ‬
‫[الروم‪.]51:‬‬
‫فاالتجاه هلل بالعبادة هو فطرة اهلل التي فطر الناس عليها‪.‬‬
‫المستحق ألن ُأخضع‬
‫ُّ‬ ‫المستحق للعبادة‪ ،‬وهو‬
‫ُّ‬ ‫مفطور على َّ‬
‫أن اهلل هو‬ ‫ٌ‬ ‫فأنا‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.28‬‬

‫‪6006‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫رقبتي له‪.‬‬
‫ور على ذلك‪.‬‬
‫أنا مفط ٌ‬
‫يقول النبي ﷺ يف الحديث المتفق على صحتِ ِه‪" :‬ما مِن مو ُل ٍ‬
‫ود َّإال ُيو َلدُ ع َلى‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الف ْط َر ِة‪ ،‬فأ َب َوا ُه ُي َه ِّو َدانِ ِه ْأو ُين َِّص َرانِ ِه‪ْ ،‬أو ُي َم ِّج َسانِ ِه"(‪.)1‬‬
‫ِ‬

‫فنحن جمي ًعا مفطورون على ذلك‪.‬‬


‫علما فطر ًّيا ضرور ًّيا بأنَّه عبدٌ‬
‫زعم أنَّه ال يجد ً‬ ‫واإلنسان يكذب على نفسه ْ‬
‫إن َ‬
‫لرب خلقه بالغيب وك َّلفه‪ ،‬وخلق كل شيء‪ ،‬ويملك أمر كل شيء؛ فيجريه كله‬
‫ٍّ‬
‫على ما يشاء‪.‬‬
‫اإلنسان يكذب إن زعم أنه ال يجد يف نفسه هذا العلم الفطري الضروري‪.‬‬
‫للحق‪ ،‬وما‬
‫ِّ‬ ‫أيس َر أن يصل اإلنسان‬
‫وبسبب هذا العلم الفطري الضروري ما َ‬
‫ٍ‬
‫مقدمات‬ ‫تدل على الحق‪ ،‬وأن يعرف الحق إذا ظهر له؛ َّ‬
‫ألن لديه‬ ‫أيس َر أن يس َّ‬
‫َ‬
‫فطرية ُت ِّ‬
‫سهل عليه معرفة الحق‪.‬‬
‫أيضا تجد كل الناس يلجؤون إلى اهلل‬
‫وبسبب هذا العلم الفطري الضروري ً‬
‫وينسون ما يشركون‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫يف أوقات الشدائد‪َ ،‬‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [اإلسراء‪.]82 :‬‬
‫فإذا كنت يف البحر وشعرت بالهالك لن تدعو إال اهلل‪.‬‬
‫مدفوع يف أوقات الشدائد لدعاء اهلل وحده؟‬
‫ٌ‬ ‫فلماذا اإلنسان‬
‫الدافع هو‪ :‬الفطرة السليمة الموجودة بداخله‪.‬‬
‫يف الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ويف أثناء هذه المحرقة الدموية التي لم يشهد لها‬
‫رئيسا‬
‫ً‬ ‫مثيال‪ ،‬الحظ قائد القوات األمريكية إيزهناور والذي أصبح‬
‫التاريخ ً‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...8811:‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2836 :‬‬

‫‪6002‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫أن كل الجنود مِن كل األطراف يعودون هلل بمجرد نزول‬


‫ألمريكا فيما بعد‪َّ ،‬‬
‫أرض المعركة‪ ،‬كما ذكرت هذا الموضوع ساب ًقا‪.‬‬
‫فالجندي ولو كان من دول المحور المالحدة‪ ،‬ما أن ينزل إلى أرض المعركة‬
‫حتى يعود هلل‪ ،‬فقال إيزهناور كلمته الشهيرة‪" :‬ال يوجد مالحدة يف الخنادق"‪.‬‬

‫ففي الخندق وقت الحرب ال يوجد مالحدة‪ ...‬الكل يعود هلل‪.‬‬

‫فهذه طبيعة النفس اإلنسانية‪ ،‬وطبيعة الفطرة أهنا فطرة توحيدية نق َّية‪.‬‬
‫فأنا مسلم هلل بفطريت‪.‬‬
‫فهذا سبب ذايت يف النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫وهذا الربهان‪ :‬برهان اإليمان الفطري‪ ،‬من أقوى الرباهين على اإلطالق؛‬
‫ألنه ال يحتاج شاهدً ا من خارجك‪ ،‬بل هو ِ‬
‫ملز ٌم لك يف قرارة نفسك‪.‬‬

‫‪6003‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ولو أردت شواهد من خارجك على اإليمان‪ ،‬فالشواهد ال حصر لها‪.‬‬


‫مثال على ذلك‪ ،‬قال ربك سبحانه‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾‬
‫[الطور‪.]53:‬‬
‫بالعقل هناك ثالثة احتماالت ال رابع لها‪:‬‬
‫األول‪ْ :‬‬
‫أن نكون ُخلقنا من غير خالق‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ وهذا مستحيل‪.‬‬
‫كيف ُنخلق من غير خالق؟‬
‫الثاين‪ :‬أن نكون قد خلقنا أنفسنا‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ﴾ وهذا محال ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫فكيف َأخ ُل ُق نفسي قبل أن ُأخلق؟‬
‫إذن يبقى االحتمال الثالث‪ ،‬وهو الذي سكتت عنه اآلية الكريمة؛ ألنه‬
‫مقتضى العقل وهو‪ :‬أن لنا خال ًقا‪.‬‬
‫أن لي خال ًقا خلقني‪ ،‬وليس فقط شاهد‬
‫فهذا شاهد عقلي قطعي من خارجي َّ‬
‫الفطرة‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬تخ َّي ْل أن كل معلومات أعضائك كـ‪ :‬الكبد والعين والكلى‬
‫والطحال والرئتين والقلب‪ ،‬كل أعضائك توجد مشفرة مكتوبة يف كل خلية من‬
‫خالياك قبل أن تظهر‪.‬‬
‫ويتم فك الشفرة‬
‫فشفرة تصنيع الكبد توجد يف كل خلية من خالياك جسدك‪ُّ ،‬‬
‫فتظهر الخاليا الكبدية‪.‬‬
‫األمر نفسه بالنسبة للرئة ولكل أعضائك‪ ،‬فشفرة تصنيعها توجد يف كل خلية‬
‫من خالياك‪ ،‬وأنت يف بطن أمك‪ ،‬والعجيب أنك ال تحتاج للرئة إال بعد أن تنزل‬
‫من بطن أمك‪ ،‬لكن اهلل؛ ألنه عليم حكيم قدير خلقها قبل أن تحتاج إليها‪.‬‬
‫فهذه كلها شواهد قطعية تقطع بضرورة اإليمان بالرب الخالق المليك‬
‫المقتدر الحكيم العليم‪.‬‬

‫‪6004‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫قديرا‪.‬‬
‫حكيما ً‬
‫ً‬ ‫أن لك خال ًقا‬
‫إذن بالفطرة والعقل والنظر تقطع َّ‬
‫وأيضا بالفطرة تعلم أنك ُمك َّلف‪.‬‬
‫ً‬
‫افعل وال ْ‬
‫تفعل‪ :‬افعل كذا وال تفعل‬ ‫فأنت بداخلك تكليف إلهي‪ ...‬بداخلك ْ‬
‫كذا‪ ...‬افع ِل الخير وال تفع ِل الشر‪ ...‬افعل ما يمليه عليك ضميرك‪ ،‬وليس مصلحتك‪.‬‬
‫معنى التكليف ال ينكره عاقل!‬
‫فكل إنسان بداخله شعور التكليف اإللهي‪ ،‬وأحد صور هذا التكليف‪:‬‬
‫صراع الواجب والشهوة‪ ...‬أقوم بفعل الواجب أم ما تشتهيه نفسي؟‬
‫فشعور ضرورة االلتزام بالحق وصراعه مع رغبات النفس هو شعور فطري‬
‫ال ينكره إال مكابر‪ ،‬فاإلنسان يعلم بفطرته أنَّه ُمك َّلف‪.‬‬
‫كذب بكل هذا العلم الفطري الضروري‪ :‬العلم الفطري‬ ‫فكيف لي أن ُأ ِّ‬
‫الضروري أن لي خال ًقا خلقني بالغيب والعلم الفطري الضروري أنني ُمك َّلف؟‬
‫أيضا‪ ،‬فما‬
‫وهنا قد يقول قائل‪ :‬لك َّن المذهب الربوبي يؤمن بوجود الخالق ً‬
‫الخطأ إذن يف الربوبية؟‬
‫والجواب‪ :‬دعاة مذهب الربوبية لو أثبتوا يف الغيب ر ًّبا فلن يجعلوه إال‬
‫عطال عن صفات الربوبية‪ ،‬فالخالق يف المذهب الربوبي مفتقر كالطبيعة تما ًما‪،‬‬
‫ُم ً‬
‫فهو مفتقر لغيره‪.‬‬
‫وليس هذا هو الرب المليك المقتدر رب العالمين‪ ،‬خالق كل شيء‪،‬‬
‫المتصرف يف كل شيء الحكيم العليم(‪.)1‬‬
‫فالربوبي يجعل ر َّبه كالطبيعة أو هو الطبيعة كما عند سبينوزا‪.‬‬
‫فالطبيعة عند سبينوزا هي التي تخلق‪.‬‬

‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.55-52‬‬

‫‪6005‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فدعاة المذهب الربوبي يف األصل ُيعطلون صفات الرب وينسبوهنا للطبيعة‪،‬‬


‫ِ‬
‫مذهبه ْم‪.‬‬ ‫هذا ملخص‬
‫مفتقرا كالطبيعة‪.‬‬
‫ً‬ ‫فالربوبية تنسب للطبيعة صفات الرب أو تجعل الرب‬
‫لذلك الربوبية عند التأصيل ليسوا أكثر من مالحدة‪.‬‬
‫فهم يضعون التأصيالت اإللحادية نفسها‪ :‬الطبيعة هي التي تخلق و ُت ِّ‬
‫صو ُر!‬
‫سمي ريتشارد داوكينز مذهب الربوبية بـ‪" :‬اإللحاد المبالغ فيه‬‫ولذلك ُي ِّ‬
‫‪.)1("sexed-up atheism‬‬
‫فالربوبية هي مذهب إلحادي‪.‬‬
‫والرب يف الربوبية وجوده كعدمِ ِه‪ ،‬تعالى اهلل عن كفرهم وتعالى عما يصفون‬
‫كبيرا‪ ،‬فالربوبية معطلة لصفات الرب بالضرورة‪ ،‬فهم ال يثبتون ر ًّبا ح ًّيا‬
‫علوا ً‬
‫ًّ‬
‫قيو ًما‪ ،‬له إرادة وتدبير وتقدير‪َ ،‬خ َل َق خلقه بالحق والحكمة‪ ،‬وإنما ينسبون‬
‫لقوى عظيمة مخلوقة مفتقرة‪ ،‬فالربوبية مالحدة بلفظ‬
‫صفات الباري للطبيعة أو ً‬
‫القرآن الكريم‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [األعراف‪.]161 :‬‬
‫ون فِي َأ ْس َمائِ ِه‪ :‬الذين ُيعطلون أسماء اهلل‪.‬‬ ‫و َذروا ا َّل ِذين ي ْل ِ‬
‫حدُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫فمن ُيعطل األسماء والصفات اإللهية هو ملحد‪.‬‬ ‫َ‬
‫قوال واحدً ا‪﴿ :‬ﭹ ﭺ‬ ‫لحد ً‬‫من ينزع صفات اهلل وينسبها للطبيعة هو م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [األعراف‪.]161 :‬‬
‫وتصوراهتم عن اهلل كيفما اتفقت‪ ،‬بال‬
‫ُّ‬ ‫فالربوبية مالحدة يجرون وراء أهوائِهم‬
‫علم وال برهان على كفرهم‪﴿ :‬ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ﴾ [الروم‪.]22 :‬‬
‫فهل سبق ألحد الربوبية أن ِ‬
‫شهد بعينيه عملية خلق العوالم بسماواهتا وأرضها‪،‬‬
‫كيف تجري‪ ،‬وكيف تكون‪ ،‬حتى يقرر َّ‬
‫أن عالمنا أنشأ نفسه بنفسه‪ ،‬وأن الطبيعة‬
‫‪(1) god delusion, p.14.‬‬

‫‪6006‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫هي الرب الخالق‪﴿ :‬ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ﴾ [الزُّ ُ‬


‫خرف‪.]12 :‬‬
‫كيف تضربون الفرضيات واألقيسة يف عالم الغيب المحض؟‬
‫هل رأيتم كونًا آخر ُّ‬
‫يحل إلهه فيه؟‬
‫ثم بأي شيء حكمتم أن خالق العالم ال َّ‬
‫يتدخل فيه‪ ،‬وأنَّه منعزل عنَّا؟‬
‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ﴾ [األنعام‪.]106:‬‬
‫صدقني أيها الربوبي‪ ،‬وأيها الملحد‪ ،‬أنت سفساط مكابر جاحد‪َ ،‬تكذب‬
‫علما فطر ًّيا ضرور ًّيا بأنَّك عبدٌ‬
‫على نفسك إن زعمت أنك ال تجد يف نفسك ً‬
‫مليك مقتدر‪ ،‬خلقك بالغيب‪ ،‬وك ّلفك وخلق كل شيء‪ ،‬يملك أمرك‪ ،‬وأمر‬ ‫ٍ‬ ‫لرب‬
‫ٍّ‬
‫المستحق وحده‬
‫ُّ‬ ‫الرب هو‬
‫ُّ‬ ‫كل شيء‪ ،‬ف ُيجريه كله على ما يشاء‪ ،‬وأن ذلك‬
‫أن ُتخضع له نفسك يف كل أمر وهني‪ ،‬فأنت يف فطرتك هذه‬ ‫المستحق ْ‬
‫ُّ‬ ‫للعبادة‪،‬‬
‫البديهيات مهما عاندهتا ِكربًا وجحو ًدا(‪.)1‬‬
‫سخر ليس بيده شيء‪ ،‬فلماذا‬‫مفتقر مثلك‪ ،‬فهي شيء ُم َّ‬
‫ٌ‬ ‫فما الطبيعة إال شي ٌء‬
‫تتك َّبر على فطرتك وتعاندها؟‬
‫َمن تحسب نفسك أيها الكافر بربك‪ ،‬يا َمن خرجت من نطفة؟‬
‫كذب الفطرة والنبوات والبعث والحساب والتكليف‬ ‫َمن أنت حتى ُت ِّ‬
‫اإللهي‪ ،‬وتحارب دين اهلل بالفروض السخيفة واألساطير الشركية؟‬
‫فليس يف الوجود أسطورة تخالف العقل‪ ،‬مثل َّ‬
‫أن‪ :‬الطبيعة خلقت نفسها‬
‫بنفسها أو ُخلقت من غير شيء‪.‬‬
‫تأبى على الملحد نفسه المريضة بالكِ ْبر أن َيخضع لرسل اهلل‪ ،‬وأن ينقاد‬
‫ويستسلم هلل‪ ،‬فأخضع نفسه للطبيعة واألحجار‪.‬‬
‫(‪ )1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.28‬‬

‫‪6007‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫َّ‬
‫إن اإلنسان قاصر ضعيف ال محالة‪ ،‬فهو بفطرته عابد متأله مربوب‪ُ ،‬يخضع‬
‫رقبته لمن أوجده‪ ،‬وقدَّ ر رزقه وحيا َته ومو َته‪.‬‬
‫لكن الربوبي يعبد وثن الطبيعة‪ ،‬ويعتربها هي الخالق والمصور‪.‬‬
‫حجما‪.‬‬
‫ً‬ ‫إن وثن الطبيعة هو أكرب وثن ا ُّتخذ من دون اهلل‬
‫أخضع الربوبي رقبته للمادة الميتة‪.‬‬
‫فهل عندكم من حجة على هذا الكفر األكرب والسب المبين لرب العالمين؟‬
‫﴿ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾ [يونس‪.]86 :‬‬
‫عندما رفضوا التسليم للخالق اض ُطروا لوصف الطبيعة بصفات الخالق التي‬
‫يوجب العقل تخصيصه هبا‪ ،‬وليست غايتهم من كل ذلك إال نفي صفات الباري رب‬
‫كل شيء؛ ألهنم يعلمون أنه ال يخلق شي ًئا عب ًثا‪ ،‬ولن يرتك الخلق ً‬
‫همال‪ ،‬ولن يرتكهم‪،‬‬
‫حين‪ ،‬بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬وهو السميع العليم(‪.)1‬‬ ‫وأنه ق ُّيوم على خلقه يف كل ٍ‬
‫﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ﴾ [المؤمنون‪.]113 :‬‬
‫عمال‪﴿ :‬ﭛ ﭜ‬
‫فهو سبحانه قدَّ ر الموت والحياة؛ ليبلوكم أيكم أحسن ً‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]2 :‬‬
‫فاخرتعتم األوهام من أكياسهم وافرتضتم أن الطبيعة خلقت وقدَّ رت‪:‬‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [الزُّ ُ‬
‫خرف‪.]12 :‬‬
‫يفعلون كل هذا ليمضوا يف أهواء عقولهم كيفما شاءوا من غير شر ٍع ُيلزم أو‬
‫ٍ‬
‫دين َيقو ُد‪.‬‬
‫أيضا سبب فطري ذايت‪:‬‬ ‫مسلما‪ ،‬وهو ً‬
‫ً‬ ‫أما السبب الثاين لكوين‬
‫فاإلنسان لو أعمل ِ‬
‫الفطرة والنظر وتع َّقل األمور‪ ،‬س ُيسلم بنبوة محمد بن‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.132‬‬

‫‪6008‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫عبد اهلل ﷺ قط ًعا‪.‬‬


‫فهو النبي الذي دعا لتوحيد ربه‪ ،‬ذلك التوحيد المتفق مع فطريت‪.‬‬
‫افتقارا ضرور ًّيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فقد دعا النبي ﷺ لعبادة اهلل‪ ،‬تلك العبادة التي أفتقر إليها‬
‫يبق عليها على وجه األرض سوى اإلسالم‪.‬‬
‫وعبادة اهلل وحده لم َ‬
‫بقية الديانات صار لها من الشرك ونقص التسليم لرب العالمين نصيب َّقل أو كثُر‪.‬‬
‫فبقية الديانات أشركت يف عبادة اهلل‪.‬‬
‫ينزه الخالق ويقدّ سه‪ ،‬ويأمر بالتسليم الكامل لرب العالمين‪،‬‬
‫واليوم ال يوجد دين ّ‬
‫ويأمر بالتوحيد والتصديق بالرسل والحث على الصالحات الباقيات مثل اإلسالم‪.‬‬
‫وال يوجد كتاب يخاطب الفطرة‪ ،‬ويخاطب اإلنسان‪ ،‬ويقرأ اإلنسان مثل القرآن‪.‬‬
‫تبشيرا بقدومه قبل أن‬
‫ً‬ ‫وال يوجد نبي أعظم سير ًة وتمكينًا يف األرض وأكثر‬
‫يأيت بآالف السنين‪ ،‬وأفضل تأييدً ا بالمعجزات مثل محمد بن عبد اهلل ﷺ‪.‬‬
‫فأنا بنظري وعقلي وفطريت ُأس ِّلم بنبوته ﷺ‪.‬‬
‫النبي الذي أخرب موسى فتاه أنه سيظهر بعد أن ُيدفن‬
‫والنبي محمد ﷺ هو ُّ‬
‫بألف وسب ِع ِم ٍ‬
‫ائة وخمسين عا ًما‪.‬‬ ‫موسى ٍ‬
‫َ ْ‬

‫‪6009‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وقد أخرب موسى فتاه هبذا النبي الذي ستكون رسالته للناس كافة‪ ،‬وسينتصر‬
‫على ُعباد األوثان‪.‬‬

‫وبعد ‪ 1231‬عا ًما بالتمام ُبعث محمد بن عبد اهلل ﷺ‪.‬‬


‫ومحمدُ بن عبد اهلل ﷺ هو الذي رآه إبراهيم ‪ ‬يف رؤياه‪ ،‬فقد رأى‬
‫أنه س ُيبعث بعد اثني عشر قرنًا من خراب الهيكل؛ ليعيد الناس للتوحيد‪.‬‬
‫وقد َخ ُر َب الهيكل يف القرن السادس قبل الميالد‪ ،‬والنبي ﷺ ُب ِعث يف القرن‬
‫السادس بعد الميالد‪ ،‬فقد ُبعث بعد اثني عشر قرنًا من خراب الهيكل بالضبط‪،‬‬
‫كما رأ ى إبراهيم يف رؤياه‪ ،‬تلك الرؤيا أخرب هبا أهل الكتاب‪ ،‬ويرووهنا يف كتبهم‪،‬‬
‫وليس يف ُكتبنا(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬هذا البحث قام به الباحث يف كتب األبوكريفا‪ :‬هشام محمد طلبة‪ ،‬وقد راجعت الكتب والنصوص‬
‫بنفسي فأدهشني ما رأيت‪.‬‬

‫‪6060‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫والنبي محمد بن عبد اهلل ﷺ هو الذي رآه النبي دانيال يف رؤياه‪ ،‬ورأى أنه‬
‫سوف سيظهر بعد ظهور أربعة ممالك تحكم األرض‪ ،‬وتحديدً ا بعد ظهور‬
‫قسطنطين الكبير بثالثمائة وخمسين عا ًما‪ ،‬وسوف تبقى شريعته إلى قيام‬
‫خاتم الرسل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الساعة‪ ،‬فهو‬

‫فحسب‪ ،‬بل رأى دانيال َّ‬


‫أن أمة هذا النبي القادم ستملك مملكة‬ ‫ُ‬ ‫ليس هذا‬
‫قسطنطين الكبير نفسها‪ ...‬القسطنطينية‪.‬‬

‫‪6066‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫فجاء محمد بن عبد اهلل ﷺ بعد ثالثمائة وخمسين عا ًما من ميالد قسطنطين‬
‫ٍ‬
‫واحدة من أعظم‬ ‫الكبير‪ ،‬وملكت ُأ َّم ُت ُه الممالك األربعة‪ ،‬و ُفتحت القسطنطينية يف‬
‫البشارات بنبوة محمد ﷺ‪ ،‬وهي البشارة التي قال عنها قسيس إرميا السابق عبد‬
‫األحد داود‪ " :‬لعلها أروع وأوضح نبوءة عن البعثة النبوية ألعظم البشر وخاتم‬
‫الرسل"(‪.)1‬‬
‫بحث ٍ‬
‫سابق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهذه البشارات أنا شرحتها بالتفصيل يف‬
‫فهي عشرات البشارات بالنبي محمد ﷺ وباسمه وصفته ومكان بعثته‪.‬‬
‫كتب أهل الكتاب باسمه "محمد"‪.‬‬ ‫لقد َّ‬
‫بشرت ُ‬

‫(‪ )1‬قسيس إرميا السابق عبد األحد داود‪ ،‬محمد ﷺ كما ورد يف كتاب اليهود والنصارى‪ ،‬مكتبة العبيكان‪،‬‬
‫ص‪.62‬‬

‫‪6062‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫الم َّ‬
‫بشر به من أنبياء ربه قبل أن ُيبعث بآالف السنين‪ ،‬وهو المؤ َّيد من‬ ‫فهو ُ‬
‫أتم الشريعة‪ ،‬وحتى نزل قو ُل ُه تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫عند ربه‪ ،‬حتى َّ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [المائدة‪.]5 :‬‬
‫تم وك َُم َل‪.‬‬
‫فاإلسالم َّ‬
‫إن اإلسالم هو الدين المعصوم‪ ،‬ولم يستطع المالحدة على شدة حرهبم‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫واحد صريح يف‬ ‫بنص‬
‫على اإلسالم‪ ،‬وعلى شدة حرصهم على تكذيبه‪ ،‬أن يأتوا ٍّ‬
‫كتاب اهلل أو يف ُسنة نبيه ﷺ يخالف قضية علمية واحدة صحيحة ثابتة‪.‬‬
‫وهذا محال لو كان من عند غير اهلل!‬
‫محال أن يكون هناك كتاب مكتوب منذ ‪ 1011‬عام‪ ،‬وفيه مئات النصوص‬
‫المتعلقة بقضايا علمية‪ ،‬ثم نكتشف أنه ال يخالف قضية علمية مثبتة صحيحة واحدة‪.‬‬
‫وحى به من عند اهلل‪.‬‬
‫هذا محال‪ ،‬إال لو كان ُم ً‬
‫والنبي محمد بن عبد اهلل ﷺ هو الذي ُأيد بالمعجزات‪ ،‬و َأخرب بالمغيبات‬
‫التي وقعت كما أخرب‪.‬‬
‫والنظر يف سيرته ﷺ بحد ذاته يقطع بنبوته‪ ،‬فمن نظر يف سيرته ﷺ يعلم أنه‬
‫أمام أعظم إنسان ظهر يف التاريخ‪.‬‬
‫وقد َعرض عليه المشركون العروض السخ َّية‪ :‬المال والرياسة‪ ،‬ليس من‬
‫أجل أن يتو َّقف عن دعوته‪ ،‬وإنما فقط ليرتكهم وآلهتهم‪ ،‬لكن دعوته كانت وح ًيا‬

‫‪6063‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫يوحى‪ ،‬ليست مِن ِق َبل نفسه حتى يرتكها ألفضل العروض المتاحة!‬
‫﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ﴾ [يونس‪.]112 :‬‬
‫ٍ‬
‫قليلة من أصحابه ثالثة عشر‬ ‫فلم يزدد ﷺ إال محارب ًة لكفرهم‪ ،‬وأقام ٍ‬
‫بقلة‬
‫عا ًما بين قو ٍم يريدون قتله هو وأتباعه بأي ثمن‪.‬‬
‫وبعد هذا الصرب والثبات على الحق وعلى الدعوة إلى اهلل‪ ،‬ويف خالل جي ٍل‬
‫ٍ‬
‫واحد فقط استطاع ْ‬
‫أن ُيعيد الناس إلى التوحيد‪ ،‬ذلك التوحيد الذي دعا له كل‬
‫األنبياء‪ ،‬وأيقظ ﷺ بدعوته من الهباء أم ًة عظيمة ُفتحت لها ممالك األرض‪،‬‬
‫وسادت العالم كما َّ‬
‫بشر األنبياء من قبل‪.‬‬
‫فتعدُّ د دالئل اإلعجاز يفيد التواتر المعنوي واليقين التام‪.‬‬
‫فلسفي أجراه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بجملة قالها أو تحلي ٍل‬ ‫وأرسطو فيلسوف بمجموع أعماله وليس‬
‫ٍّ‬
‫ٍ‬
‫بجراحة قام هبا‪.‬‬ ‫وأبو قراط طبيب بمجموع مشاريعه الطبية وليس‬
‫وكذلك تعدُّ د دالئل اإلعجاز المنقولة عن النبي ﷺ تفيد التواتر المعنوي‬
‫نبي‪.‬‬
‫واليقين التام أنَّه ٌّ‬
‫فإذا نظرت يف سيرته ﷺ ووجدته صاد ًقا‪ ،‬وقد اشتهر بالصدق باعرتاف أشد‬
‫ٍ‬
‫فجور‪ ،‬ثم هو ُيخبِر بالمغيبات فتقع كما هي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بكذب وال‬ ‫الناس له عداوةً‪ ،‬ولم ُير َم‬
‫وقبل ذلك تتفق عقيدته التي دعا لها من أول يوم مع عقيدة األنبياء جمي ًعا‪ ،‬ثم هو‬
‫الذي ُي ِّ‬
‫بشر األنبيا ُء بقدومه ﷺ قبل أن يأيت بمئات السنين‪ ،‬فكل هذا يفيد التواتر‬
‫المعنوي واليقين التام على صحة الرسالة‪.‬‬
‫ثم ماذا عن أعظم آية أتى هبا‪ ،‬وهي القرآن الكريم؟‬
‫ٍ‬
‫بسورة منه‪ ،‬فما فعلوا‪.‬‬ ‫القرآن الذي تحدَّ ى اهلل به أهل البيان‪ ،‬أن يأتوا بمثله أو‬
‫قال اهلل ‪﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [البقرة‪.]20 :‬‬
‫فما فعلوا‪ ،‬وال َقدروا‪.‬‬

‫‪6064‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫ولم يزل القرآن الكريم يتحدَّ ى ُبلغاء المشركين‪ ،‬وأهل الفصاحة‪ ،‬وهم يف‬
‫كل هذا ناكصون عن معارضته‪ ،‬محجمون عن مماثلته‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬عبد اهلل دراز ‪" :‬ألم يكن يخشى الرسول ﷺ هبذا التحدي‬
‫أن يثير حم َّيتهم األدبية؟‬
‫جميع حذرون؛ وماذا عساه يصنع لو أن جماعة من‬
‫ٌ‬ ‫فيه ُّبوا لمنافسته وهم‬
‫ُبلغائهم تعاقدوا على أن ُيخرجوا كال ًما يساميه ولو يف بعض نواحيه!‬
‫ثم لو طوعت له نفسه أن يصدر هذا الحكم على أهل عصره‪ ،‬فكيف يصدره‬
‫على األجيال القادمة؟‬
‫مالئ يديه من‬ ‫إن هذه مغامرة ال يتقدَّ م إليها ٌ‬
‫رجل يعرف قدر نفسه إال وهو ٌ‬ ‫َّ‬
‫تصاريف القضاء‪ ،‬وخرب السماء‪ ،‬وهكذا رماها بين أظهر العالم‪ ،‬فكانت هي‬
‫القضاء المربم‪ ،‬فكل من عارضه باء بالعجز الواضح‪ ،‬والفشل الفاضح‪ ،‬على مر‬
‫العصور والدهور"(‪.)1‬‬
‫لقد رأى هؤالء المشركون أن تجميع الجيوش وتحزيب األحزاب لمحاربة‬
‫وأيسر من معارضة القرآن وقبول التحدي‪ ،‬فهذا بالغ جهدهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أهون‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬
‫﴿ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ﴾ [ ُف ِّص َلت‪.]28 :‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء يسرتيح له‬ ‫يأت العرب جمي ًعا وال األمم التي ُن ِقل لها التحدي‬
‫فلم ِ‬
‫المالحدة ويريحون به غيرهم‪.‬‬
‫يقول األلوسي ‪" :‬فلم ينطق أحدٌ منهم إلى يومنا هذا ببنت ٍ‬
‫شفة‪ ،‬وال‬
‫ٍ‬
‫صفة"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫موصوف أو‬ ‫أعرب عن‬
‫َّبي ﷺ َي ْق َر ُأ يف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ع‬ ‫قال جبير بن مطعم ولم يكن قد أسلم بعد‪ :‬س ِ‬
‫م‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بحث سابق‪ ،‬لكني‬ ‫)‪ (1‬النبأ العظيم‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل دراز ‪ ،‬ص‪ .03-00‬وقد ذكرت هذا االقتباس يف‬
‫أعيده هنا توكيدً ا على أهميته‪.‬‬

‫‪6065‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ور‪َ ،‬ف َلما ب َل َغ ِ‬


‫هذه اآل َيةَ‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ب بال ُّط ِ َّ َ‬
‫الم ْغ ِر ِ‬
‫َ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾‬
‫[الطور‪.]52 -53 :‬‬
‫أن َيطِ َير"(‪.)1‬‬
‫قال‪ :‬كَا َد َق ْلبِي ْ‬
‫َ‬
‫فالقرآن فيه أسرار عجيبة تصل للنفس اإلنسانية‪.‬‬
‫تأ َّم ْل كيف َّ‬
‫أن نساء المشركين كن يزدحم َن حول بيت أبي بكر حين يقرأ‬
‫القرآن من فرط انجذاهب َّن وتأثره َّن به‪ ،‬حتى أفزع ذلك رجال قريش(‪.)2‬‬
‫ولذلك اجتمعت كلمة وفود العرب على َّأال يسمعوا للقرآن‪ ،‬وال ي ِ‬
‫سمعوه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أهليهم‪ ،‬فهذا هو السبيل الوحيد للبقاء على الكفر‪.‬‬
‫ومن عجائب القرآن الكريم وعجائبه التي ال تنفد ما ذكره د‪ .‬عبد اهلل دراز‬
‫‪ ‬يف قضية نزول آيات القرآن يف أوقات متفاوتة‪ ،‬ثم يشير النبي ﷺ إلى‬
‫وضع بعض اآليات يف أماكن محدَّ دة بين السور وآيات أخرى بين سور أخرى‪،‬‬
‫ثم تظهر يف األخير كل سورة كبناء مستقل‪ ،‬يقول ‪" :‬يف وقت نزول القرآن‬
‫كو ُن‬ ‫ٍ‬
‫بمعزل عن مواضيع ُأخرى‪ ،‬و ُت ِّ‬ ‫كانت بعض المواضيع يف القرآن تتزايد‬
‫تنضم إليها آيات ُأخرى نزلت بعدها‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫َّ‬ ‫تدريج ًّيا وحدات ُمستقلة بعد أن‬
‫بعضها كانت ُتضاف هنا‪ ،‬واألُخرى تتداخل مع غيرها هناك‪ ،‬بحسب أمر‬
‫الرسول ﷺ الذي كان يتل َّقاه بدوره من الروح القدس‪.‬‬
‫فإذا أخذنا يف اعتبارنا التواريخ التي ال حصر لها ‪ -‬تواريخ نزول آيات القرآن‬
‫ٍ‬
‫ومناسبات‬ ‫ٍ‬
‫بظروف‬ ‫ٍ‬
‫بوجه عا ٍّم مرتب ًطا‬ ‫الكريم‪ -‬والحظنا أن هذا الوحي كان‬
‫خاصة‪ ،‬فإن ذلك يدعونا إلى التساؤل عن الوقت الذي تمت فيه عملية تنظيم كل‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0630 :‬‬


‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.5213 :‬‬

‫‪6066‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫سورة على شكل وحدة مستقلة‪.‬‬


‫وكأن القرآن كان قِط ًعا متفرقة ومر َّقمة من بناء قديم‪ ،‬كان ُيراد إعادة بناؤه يف‬
‫مكان آخر على نفس هيئته السابقة‪ ،‬وإال فكيف يمكن تفسير هذا الرتتيب‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬فيما يتع َّلق بكثير من السور؟‬ ‫الفوري والمنهجي يف ٍ‬
‫آن‬
‫يتحصل عليه اإلنسان عند وضع مثل‬
‫َّ‬ ‫ولكن أي ضمان تاريخي يستطيع أن‬
‫هذه الخطة إزاء األحداث المستقبلة‪ ،‬ومتط َّلباهتا التشريعية‪ ،‬والحلول المنشودة‬
‫فضال عن الشكل اللغوي الذي يجب أن ُتقدم به هذه الحلول‪ ،‬وتوافقها‬
‫ً‬ ‫لها‪،‬‬
‫األُسلوبي مع هذه السورة ً‬
‫بدال من تلك؟‬
‫المرجوة‪ ،‬يتطلب‬
‫َّ‬ ‫أن اكتمال هذه الخطة وتح ُّققها بالصورة‬ ‫أال نستنتج َّ‬
‫تدخال من ٍ‬
‫خالق عظيم‪ ،‬تتو َّفر عنده القدرة على إقامة هذا التنسيق المنشود؟"(‪.)1‬‬ ‫ً‬
‫فالقرآن معجزة مستق َّلة على صدق نبوته ﷺ‪.‬‬
‫ومعجزاته ﷺ التي جرت على يديه كثير ٌة‪ ،‬تزيد على األلف بكثير‪ ،‬والعهد‬
‫وأبرهم‪.‬‬
‫هبا قريب وناقلوها هم أصدق الخلق ُّ‬
‫وهؤالء الرواة الذين نقلوا إلينا هذه المعجزات كانوا ال يجيزون الكذب‬
‫دق‪ ،‬فكيف يكذبون عليه‪ ،‬وهم يعلمون أن من كذب عليه متعمدً ا فليتبو ْأ‬
‫فيما َّ‬
‫مقعده من النار‪ ،‬كما َّ‬
‫حذر هو ﷺ‪.‬‬
‫وبعض معجزاته ﷺ شهدها آالف الصحابة‪ ،‬وبعضها رواه العشرات منهم‪،‬‬
‫فكيف ُيجمعون على الكذب يف كل هذا؟‬
‫ومثال على معجزاته التي حضرها جمع كبير من الناس‪ :‬حديث حنين‬
‫الجذع‪ ،‬وهو حديث مشهور متواتر حيث كان النبي ﷺ يخطب على جذع‪ ،‬فلما‬
‫)‪ (1‬كتاب مدخل إلى القرآن الكريم‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل دراز‪.‬‬

‫‪6067‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫حن الجذع‪َّ ،‬‬


‫وأن أنين الصبي‪ ،‬ولم يزل يئ ُّن‬ ‫ِ‬
‫ُصنع له المنرب‪ ،‬ورقي عليه وخطب َّ‬
‫ويح ُّن حتى ضمه النبي ﷺ فسكت‪.‬‬
‫هذا الحديث رواه من الصحابة‪ :‬أنس بن مالك‪ ،‬وجابر بن عبد اهلل‪ ،‬وعبد اهلل‬
‫بن عباس‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬و ُأبي بن كعب‪ ،‬وأبو سعيد‪ ،‬وسهل بن سعد‪،‬‬
‫وعائشة بنت أبي بكر‪ ،‬وأم سلمة‪.‬‬
‫فهل مثل هذا العدد من الصحابة ي ِ‬
‫جمع على الكذب يف رواية خربٍ كهذا؟‬ ‫ُ‬
‫بل َّ‬
‫إن بعض معجزاته شهدها آالف الصحابة مثل‪ :‬نبع الماء من بين أصابعه‬
‫توضأ منه وشرب ألف وخمسمائة صحابي‪ ،‬والحديث متواتر‪،‬‬
‫الشريفة حتى َّ‬
‫ورواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫سابق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مبحث ٍ‬ ‫وقد َذ ُ‬
‫كرت جمل ًة من هذه األحاديث يف‬
‫أيضا‪ :‬تكثير الطعام اليسير؛ ل َيطعم منه الجيش‬
‫ومن أمثلة هذه األحاديث ً‬
‫أيضا جاءت به األخبار المتواترة عن الصحابة‪ ،‬وقد َذكر البخاري‬
‫العظيم‪ ،‬وهذا ً‬
‫وحده معجزات تكثير الطعام على يد النبي ﷺ يف خمسة مواضع من صحيحه(‪.)1‬‬
‫فإذا كانت أد َّلة الصدق ثابتةً‪ ،‬والمعجزات حافل ًة على نبوته ﷺ‪ ،‬فأنَّى لعاقل‬
‫أن ُيكذب بكل هذا؟‬
‫وهذه أمثلة أخرى يسيرة من معجزاته ﷺ ُأعيدها هنا للتوكيد‪:‬‬
‫ب‪ ،‬وهنى الناس عن القيام‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سته ُّ‬
‫ريحا شديدة ُ‬
‫أخرب ﷺ يف ليلة من الليالي بأن ً‬
‫فقام رجل فحملته الريح وألقته يف مكان بعيد عن مكانه(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬البخاري )‪ ،(1212‬البخاري )‪ ،(2816‬البخاري )‪ ،(5326‬البخاري )‪ ،(0111‬البخاري )‪.(8032‬‬


‫وكلها أحداث ووقائع مختلفة متباينة‪ ،‬وهذا يف البخاري وحده!‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.5512 :‬‬

‫‪6068‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫و ُأخرب ﷺ بموت النجاشي يف اليوم الذي مات فيه‪ ،‬وك َّبر عليه أرب ًعا(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي اهلل عنهم‬ ‫عمر‬
‫وأخرب النبي ﷺ بشهادة َ‬
‫أجمعين‪ ،‬وأهنم لن يموتوا على ُف ُر ِشهم كما يموت الناس‪.‬‬
‫وعلي‬ ‫ُ‬
‫وعثمان‬ ‫وعمر‬
‫ُ‬ ‫فقد صعد رسول اهلل ﷺ الجبل ذات يو ٍم هو وأبو ٍ‬
‫بكر‬
‫ٌّ‬
‫والزبير‪ ،‬فتحركت الصخرة‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ للجبل‪" :‬اهدأ‪ ،‬فما‬ ‫ُ‬ ‫وطلح ُة‬
‫نبي أو ِصدِّ ٌيق أو شهيد"(‪.)2‬‬
‫عليك إال ٌ‬
‫فحكم لنفسه بالنبوة‪ ،‬وألبي بكر بالصدِّ يقية‪ ،‬وللباقين بأهنم سيكونون‬
‫ُشهداء‪ ،‬وحصل ما أخرب به ﷺ‪.‬‬
‫وهناك ‪ 131‬حدي ًثا دعا فيهم النبي ﷺ ر َّبه‪ ،‬و ُأجيب يف الحال‪ ،‬والناس يشهدون!‬
‫(‪)3‬‬

‫القم َر ِش َّق ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫فأراه ُم َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ْ‬
‫أن ُير َي ُهم آ َيةً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وحيث سأل ُ‬
‫أهل م َّك َة‬
‫متواتر‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه يف أعلى درجات الصحة‪.‬‬ ‫ينهما‪ ،‬وهذا الحديث‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫رأوا حراء َب ُ‬
‫حتى ْ‬
‫وقد كان النبي ﷺ يقرأ سورة القمر التي فيها معجزة شق القمر يف المجامع‬
‫ُّ‬
‫يستدل‬ ‫كالج َمع واألعياد؛ ل ُيسمع الناس ما فيها من معجزاته ﷺ‪ ،‬وكان‬
‫ُ‬ ‫الكبار‬
‫هبا على صدق نبوته‪.‬‬
‫وخ َل َق آد َم‬
‫آخر الخلق من الكائنات الحية‪َ " :‬‬
‫ثم إخبار النبي ﷺ بأن آدم هو ُ‬
‫ِ‬
‫الخلق"(‪.)4‬‬ ‫الجمعة؛ يف ِ‬
‫آخ ِر‬ ‫ِ‬ ‫العص ِر من يو ِم‬ ‫بعدَ‬
‫ْ‬
‫بأن آدم ‪‬‬ ‫وهذه الحقيقة العلمية صارت اآلن ثابتة‪ ،‬فكيف َعلِم ﷺ َّ‬
‫ظهورا على األرض بعد ظهور النبات والحيوان؟‬
‫ً‬ ‫آخر الكائنات‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1555:‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2012:‬‬

‫(‪ )3‬جمع هذه األحاديث سعيد بن عبد القادر باشنفر‪ ،‬يف كتابه دالئل النبوة‪ ،‬والكتاب من إصدارات دار ابن حزم‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح الجامع‪.6166 ،‬‬

‫‪6069‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وانظر لقول اهلل ‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬


‫ﮎ ﮏ﴾ [اإلسراء‪.]12 :‬‬
‫َف َم َح ْونَا آ َي َة ال َّل ْيلِ‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫أن القمر وهو آية الليل كان مضي ًئا ثم ُمحي ضوؤه‪.‬‬
‫فسر به الصحابة اآلية الكريمة‪ ،‬فقد روى اإلمام ابن كثير يف‬
‫وهذا بالفعل ما َّ‬
‫تفسيره َّ‬
‫أن عبد اهلل بن عباس ﭭ قال‪" :‬كان القمر يضي ُء كما تضي ُء الشمس‪،‬‬
‫فمحي"‪.‬‬
‫وهو آية الليل‪ُ ،‬‬
‫والعجيب َّ‬
‫أن هذا ما انتهى إليه العلم اليوم‪ ،‬فقد نشرت ناسا على موقعها الرسمي‬
‫متوهجا(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫وقناهتا الرسمية‪ :‬الحقبة األولى من عمر القمر‪ ،‬وكان فيها مضي ًئا‬
‫وقوع اآليات واإلخبار بالمغيبات ودقائق أسرار األرض‬
‫ُ‬ ‫فقد ثبت بالتواتر‬
‫ٍ‬
‫واحد ﷺ‪ ،‬ونزول القرآن عليه‪،‬‬ ‫والسماوات التي ال حصر لها على يد رج ٍل‬
‫تمت‬
‫وجاء بما عليه النبيون من قبله‪ ،‬وكان مؤيدً ا من عند اهلل‪ ،‬ولم َي ُمت حتى َّ‬
‫الشريعة وك َُملت‪.‬‬
‫نبي هو رشاد العقل!‬
‫فالقطع بأنه ٌّ‬
‫فآياته ﷺ الغيبية تزيد على األلف‪.‬‬
‫وأبرهم بعده‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أصدق الخلق ُّ‬ ‫ون َق َلة المعجزات هم صحابته‬
‫والعجيب أن كبار الصحابة أسلموا قبل أن يروا المعجزات‪ ،‬فهم أسلموا؛‬
‫ألهنم يعلمون َّ‬
‫أن النبي محمد ﷺ صادق‪ ،‬وأنَّه لم يكذب قط‪.‬‬
‫وهذا الموقف من كبار الصحابة هو موقف عقلي حكيم‪ِ ،‬‬
‫فص ُ‬
‫دق النبي‬
‫ٌّ‬
‫مستقل؛ إلثبات صحة النبوة‪ ...‬وهذا َّ‬
‫ألن‪:‬‬ ‫دليل ٍ‬
‫كاف‬ ‫صلى اهلل وعليه وسلم ٌ‬
‫نبي‪ ...‬فالنبي هو‬
‫الشخص الذي يدَّ عي النبوة إما أن يكون‪ :‬أصدق الناس؛ ألنه ٌّ‬
‫‪)1( http://www.nasa.gov/mission_pages/LRO/news/vid-tour.html‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=UIKmSQqp8wY‬‬

‫‪6020‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫أصدق الناس‪.‬‬
‫وإما أن يكون‪َ :‬‬
‫أكذ َب الناس؛ ألنه يفرتي كذ ًبا يف أعظم األمور شأنًا‪.‬‬
‫وال يختلط أصدق الناس بأكذب الناس إال على أجهل الناس(‪.)1‬‬
‫فما أيسر أن يستطيع العاقل أن ُيميز بين أصدق الناس‪ ،‬وأكذب الناس‪.‬‬
‫وقد اعرتف المشركون يف أول يو ٍم من بعثته ﷺ أنه لم يكذب قط‪ ،‬فقالوا له‪:‬‬
‫"ما َج َّر ْبنَا َع َل ْي َك ك َِذ ًبا"(‪.)2‬‬
‫قبل‬ ‫ِ‬
‫بالكذب َ‬ ‫هرقل أبا سفيان قبل أن ُيسلم‪" :‬هل كن ُتم ِ‬
‫تتهمونه‬ ‫ُ‬ ‫وحين سأل‬
‫أن َ‬
‫يقول ما قال؟"‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان‪" :‬ال"‪.‬‬
‫ويكذ َب على اهللِ"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫الكذب على‬
‫َ‬ ‫فقال هرقل‪" :‬لم ي ُكن ل ِ َي َذ َر‬
‫غسلت عن قدميه"(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫لكنت‬
‫ُ‬ ‫ثم أكمل هرقل فقال قولته الشهيرة‪" :‬لو كنت عنده‬
‫ٍ‬
‫واحدة يف كل حياته ﷺ؛ ولذلك أنكر‬ ‫عجز ال ُكفار عن إظهار ك َِذ ٍبة‬
‫فقد َ‬
‫القرآن عليهم كفرهم مع علمهم بحاله هذا قبل بعثته فقال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [المؤمنون‪.]82 :‬‬
‫نبي ﷺ‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫فحال النبي وسيرته دليل مستقل على أنه ٌّ‬
‫فإذا كانت دواعي الصدق عا َّم ًة متعاضد ًة على نبوته ﷺ‪ ،‬فأنَّى لعاقل أن‬
‫ُيكذب بكل هذا؟‬
‫مسلما‪:‬‬
‫ً‬ ‫أما السبب الثالث لكوين‬
‫أصال بينه‬ ‫فهو ببساطة َّ‬
‫أن كل ما خال اإلسالم خوا ٌء‪ ،‬بل ال وجه للمقارنة ً‬

‫عقال ً‬
‫ونقال‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ص‪ ،325‬وبمعناه يف نفس المصدر ص‪.516‬‬ ‫(‪ )1‬ثبوت النبوات ً‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.0221:‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2:‬‬

‫‪6026‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وبين اإلسالم‪.‬‬
‫يبق إال اإللحاد ومجموعة من الديانات الشركية‪.‬‬
‫فلم َ‬
‫﴿ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾‬
‫[القصص‪.]02:‬‬
‫رت ُك عبادة اهلل‪ ،‬والتسليم لرسله‪ ،‬ويؤمن َّ‬
‫بأن الطبيعة واألحجار‬ ‫شخصا ي ُ‬
‫ً‬ ‫تخ َّي ْل‬
‫هي التي تدير العالم‪ ،‬وتخلق العالم!‬
‫تلك الطبيعة التي بعقلك وفطرتك تعلم أهنا شيء م ِ‬
‫فتق ٌر مثلك‪ ...‬شيء‬ ‫ٌ ُ‬
‫أصال‪.‬‬ ‫َّ‬
‫مسخر ليس بيده شيء ً‬
‫شخصا يرتك عبادة اهلل الواحد‪ ،‬ويلجأ آللهة بشرية كيسوع‪ ،‬أو آلهة‬
‫ً‬ ‫أو تخ َّيل‬
‫أرضية كآلهة الهندوس‪.‬‬
‫مسلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫مسلما‪ ،‬ومن العقلي أن أكون‬
‫ً‬ ‫فأنا من الفطري أن أكون‬
‫لخلو اآلخر من الربهان‪ ،‬أو حتى شبهة الربهان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأنا مسلم‬
‫يبق إال اإلسالم‪ ،‬واإللحاد العدمي‪ ،‬وبقايا ديانات امتألت بالشركيات‪.‬‬
‫فلم َ‬
‫﴿ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ﴾ [آل عمران‪.]6 :‬‬
‫وب َث ِّب ْت َق ْلوبنا َع َلى ِدين ِ َك‪.‬‬
‫ب ا ْل ُق ُل ِ‬
‫َيا ُم َق ِّل َ‬
‫اللهم آمين‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -667‬ما هو اإلسالم؟‬

‫ج‪ :‬اإلسالم هو‪ :‬االستسالم والخضوع واالنقياد هلل تعالى‪.‬‬


‫قال َّ‬
‫جل شأنه‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [النساء‪.]123 :‬‬
‫ومعنى َأ ْس َل َم َو ْج َه ُه ل ِ َّل ِـه‪ ،‬أي‪ :‬استسلم هلل‪ ،‬وانقاد له سبحانه تعالى‪ ،‬وتقدَّ س‬

‫‪6022‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫ر ُّبنا‪ ،‬وهذا أحسن الناس دينًا‪.‬‬


‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [الحج‪.]50 :‬‬
‫ومعنى َف َل ُه َأ ْسلِ ُموا‪ ،‬أي‪ :‬استسلموا لحكمه‪.‬‬
‫فهذه اآليات تفيد َّ‬
‫أن معنى اإلسالم هو االستسالم المطلق هلل تعالى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وقبول‪ ،‬وهذا هو‬ ‫برضا‬ ‫واالنقياد له َّ‬
‫جل يف عاله‪ ،‬واالمتثال لشرعه ومنهجه ً‬
‫جوهر اإلسالم وحقيقته‪.‬‬
‫فاإلسالم هو االستسالم هلل يف قضائه وشرعه‪.‬‬
‫واإلسالم هو دين اهلل لجميع البشر‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ﴾‬
‫[آل عمران‪.]12:‬‬
‫فاإلسالم هو الدين الذي ال يقبل اهلل غيره من األديان‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪.]63 :‬‬
‫واإلسالم هو الدي ُن الذي أرسل اهلل به جميع األنبياء والرسل‪ ،‬فدين األنبياء‬
‫واحد وهو اإلسالم‪ ،‬وكل األنبياء أتوا بالتوحيد وإن اختلفت شرائعهم‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ﴾ [األنبياء‪.]23 :‬‬
‫يبق على هذا التوحيد دين سوى اإلسالم‪.‬‬
‫ولم َ‬
‫اإلسالم هو الدين التوحيدي األوحد اليوم على األرض‪.‬‬
‫نصيب‪ ،‬فبعد‬
‫ٌ‬ ‫بينما كل المنتسبين للشرائع األخرى أصبح لهم من الشرك‬
‫موت األنبياء‪ ،‬وبعد أن تركوا الناس على التوحيد اتخذ الناس مع الوقت‬
‫يبق اليوم على التوحيد النقي الذي جاء به األنبياء دين سوى‬
‫الشركيات‪ ،‬ولم َ‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫‪6023‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -668‬ما يه العبادة؟‬

‫جامع لكل ما يح ُّب ُه اهلل ويرضاه من األقوال واألفعال‬


‫ٌ‬ ‫اسم‬
‫ج‪ :‬العبادة هي‪ٌ :‬‬
‫الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫هني نَهى اهلل عنه فرت ُك ُه عبادةٌ‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫فكل أم ٍر أمر اهلل به ِ‬
‫ففع ُله عبادةٌ‪ُّ ،‬‬
‫وكل ٍ‬ ‫ْ ََ‬
‫قصدت هبا امتثال أمر‬
‫َ‬ ‫مباحة مثل‪ :‬األكل والشرب والنوم تصبح عباد ًة إذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عادة‬
‫اهلل‪ ،‬واالستعانة هبا على طاعته ‪.‬‬
‫ومهمة جميع الرسل دعو ُة الناس إلى عبادة اهلل‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [النحل‪.]58 :‬‬
‫حق اهلل على عبيده‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [يس‪.]22 :‬‬ ‫فالعبادة هي ٌّ‬
‫هل َتدْ ِري ما َح َّق اهللِ ع َلى‬
‫ويف الحديث المتفق على صحته‪ ،‬قال النبي ﷺ‪ْ " :‬‬
‫قال‪َ :‬ح َّق اهللِ ع َلى‬
‫ورسو ُل ُه أ ْع َل ُم‪َ ،‬‬
‫اهلل َ‬
‫لت‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫باد ع َلى اهلل؟‪ُ ،‬ق ُ‬ ‫الع ِ‬ ‫باد ِه‪ ،‬وما ح ُّق ِ‬
‫َ‬
‫ِع ِ‬

‫أن َي ْع ُبدُ و ُه وال ُي ْش ِر ُكوا به شي ًئا"(‪.)1‬‬ ‫الع ِ‬


‫باد ْ‬ ‫ِ‬

‫حق اهلل الخالص على العباد‪.‬‬


‫فالعبادة هي ُّ‬
‫والعبادة شاملة لكل أفعال المسلم الظاهرة والباطنة‪ :‬كالصالة والصوم والزكاة‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ِّ ،‬‬
‫والذكر وشتَّى أنواع الطاعات‪ ،‬وحتى العادات‬
‫التي يفعلها المسلم هلل تصبح عبادة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ﴾ [األنعام‪.]185 -182 :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -669‬ما يه حقيقة العبادة وأراكنها؟‬

‫ج‪ :‬حقيقة العبادة تتم َّثل يف‪ :‬الخضوع والتذ ُّلل وإظهار العجز والذل لرب‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬أخرجه البخاري‪ ،‬ح‪ 3282:‬ومسلم‪ ،‬ح‪.51:‬‬

‫‪6024‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫العالمين‪.‬‬
‫فأنت تخضع هلل‪ ،‬وتتذلل وتتضرع لخالقك ورازقك والممت ِّن عليك بكل‬
‫وتتضرع لمالك يوم الدين رب العالمين‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وهداية‪ ...‬تخضع‬ ‫ٍ‬
‫ونعمة‬ ‫مِن ٍَّة‬
‫َّ‬
‫﴿ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [األعراف‪.]33 :‬‬
‫﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [األعراف‪.]213 :‬‬
‫والتضرع هلل واالنكسار بين يديه هو حقيقة العبادة هلل‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ُّ‬ ‫فالخوف‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [المؤمنون‪.]32 :‬‬
‫والتضرع هلل ‪ ‬تح ُّب ُه سبحانه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ومع هذا الخوف‬
‫وتحب القرب منه‪ ،‬وتحب أن تختلي بنفسك ساع ًة تذكره فيها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫تحب مناجاته‪،‬‬
‫ُّ‬
‫أو تقرأ القرآن بتد ُّب ٍر‪ ،‬أو تصلي بخشوع ﴿ﮉﮊﮋﮌﮍﮎ﴾ [البقرة‪.]183 :‬‬
‫فعبادتك لربك تشمل‪ :‬الخشوع والتذلل مع المحبة يف الوقت نفسه‪﴿ :‬ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [األنبياء‪.]21 :‬‬
‫رغ ًبا وره ًبا‪ :‬رغبة ورهبة‪.‬‬
‫فالمسلم يعبد اهلل ‪ ‬عبادة خشية ومحبة وتعظيم له سبحانه‪ ،‬ف ُيحقق هبذا‬
‫حقيقة العبادة التي أرادها اهلل منه‪ ،‬ويتم َّثل العبودية الح َّقة التي ُخلق من أجلها‪.‬‬

‫‪ -620‬ما يه رشوط العبادة؟ أو‪ :‬ما يه الرشوط اليت يقبل اهلل بها العبادة؟‬
‫ِ‬
‫شرطان‪:‬‬ ‫ج‪ :‬العبادة ال تكون صحيحة إال إذا توافر فيها‬
‫الشرط األول‪ :‬اإلخالص‪ ،‬وهو أن َيقصد العبدُ بعبادته وجه اهلل تعالى دون سواه‪.‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الب ِّينة‪.]3 :‬‬
‫كر‪ ،‬ما َل ُه؟‬ ‫األجر ِّ‬
‫والذ َ‬ ‫َ‬ ‫يلتمس‬
‫ُ‬ ‫رجال غزا‬
‫أرأيت ً‬
‫َ‬ ‫رجل إلى النَّبي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫جا َء ٌ‬
‫رسول اهللِ‪ :‬ال شي َء‬
‫ُ‬ ‫يقول َل ُه‬
‫ات‪ُ ،‬‬‫ثالث مر ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ :‬ال شي َء َل ُه‪ ،‬فأعا َدها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فقال‬

‫‪6025‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ِ‬
‫غي بِه ُ‬
‫وجه ُه(‪.)1‬‬ ‫خالصا‪ ،‬واب ُت َ‬
‫ً‬ ‫كان َل ُه‬ ‫اهلل ال ُ‬
‫يقبل م َن العم ِل َّإال ما َ‬ ‫إن َ‬ ‫ثم َ‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫َل ُه‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫والذكر بين الناس‪:‬‬ ‫كر‪ ،‬أي‪ :‬يلتمس األجر من اهلل‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والذ َ‬ ‫األجر‬
‫َ‬ ‫يلتمس‬
‫ُ‬
‫بالمديح والشهرة‪ ،‬فهذا عمله مردو ٌد؛ إذ ال بد من إخالص العبادة هلل‪ ،‬وهذا هو‬
‫الشرط األول لقبول العبادة‪.‬‬
‫أما الشرط الثاين‪ :‬فهو شرط المتابعة‪.‬‬
‫شرع‪ ،‬فعندما شرع اهلل ال ُّظهر أربع ركعات‪،‬‬
‫ومعنى المتابعة أن تعبد اهلل بما َ‬
‫ُ‬
‫أجعل الظهر ست ركعات‪ ،‬فهذا أكثر عبادة‪،‬‬ ‫ْ‬
‫إذن تصليه أربع ركعات‪ ،‬وال تقول‪:‬‬
‫ال‪ ...‬هذا إفساد للعبادة‪.‬‬
‫فالمتابعة هي أن تفعل العبادة كما أمرك اهلل هبا‪ ،‬وكما فعلها النبي ﷺ‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‬
‫[آل عمران‪.]51 :‬‬
‫فأنت تتبع الشرع اإللهي يف طريقة أداء العبادة‪ ،‬وال تبتدع من عند نفسك‪.‬‬
‫ث يف َأم ِرنَا هذا ما ليس فِ ِ‬
‫يه‪َ ،‬فهو َر ٌّد"(‪.)2‬‬ ‫قال النبي ﷺ‪َ " :‬من َأ ْحدَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫وتفعل ما أمرك اهلل به‪.‬‬ ‫فأنت ُتخلص هلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪ -626‬ما يه ثمرات عبادةِ اهلل ‪‬؟‬

‫ج‪ :‬اإلنسان بفطرته ال يعرف ذا َت ُه‪ ،‬وال تطمئن ُ‬


‫روح ُه‪ ،‬وال هتدأ وحش ُة قلبه إال‬
‫بعبادة اهلل‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑﰒ ﰓ ﰔ﴾‬
‫[الرعد‪.]26 :‬‬
‫فبالعبادة يطمئ ُّن الصدر‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬ح‪.5101:‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬أخرجه البخاري‪ ،‬ح‪ 2822:‬ومسلم‪ ،‬ح‪.1216 :‬‬

‫‪6026‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ ِ‬
‫[الحجر‪.]22 -22 :‬‬
‫صدرك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فيطمئن‬
‫َّ‬ ‫ا ْع ُبدْ َر َّب َك‪:‬‬
‫ِ‬
‫تفعالن يف النفس اإلنسانية ما ال تفعل‬ ‫ولذلك ركعتان بخشوع وتد ُّبر‬
‫ساعات من جلسات التهدئة النفسية‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وكل ٍ‬
‫بعيد عن ذكر اهلل يضيق صدره‪،‬‬ ‫فالعبادة فيها ُطمأنينة النفس اإلنسانية‪ُّ ،‬‬
‫يتلهف على الدنيا‪ ،‬فال هو يشبع وال يطمئن‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ُّ‬ ‫دائما‬
‫فتجده ً‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [طه‪.]120 :‬‬
‫سعة من الرزق إال أنَّه بدون اإليمان يحيا يف ضن ٍْك‪،‬‬ ‫ومهما كان اإلنسان يف ٍ‬

‫دائما قلِ ًقا‪.‬‬


‫ويف سباق محمو ٍم ال ينتهي مع المجهول فرتاه ً‬
‫فقر ُه بين‬
‫أمر ُه‪ ،‬وجعل َ‬‫اهلل عليه َ‬ ‫هم ُه‪َّ ،‬فرق ُ‬
‫قال النبي ﷺ‪" :‬من كانت الدُّ نيا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫أمر ُه‪،‬‬ ‫عينَ ْيه‪ ،‬ولم يأته من الدُّ نيا َّإال ما ُكتب له‪ ،‬ومن كانت اآلخر ُة ن َّي َت ُه جمع ُ‬
‫اهلل له َ‬
‫وجعل ِغنا ُه يف قلبِ ِه‪ ،‬وأت ْت ُه الدُّ نيا وهي راغم ٌة"(‪.)1‬‬
‫فالعبادة تحرر المسلم من الخضوع للدنيا‪ ،‬وتجعله ُح ًّرا‪.‬‬
‫بحق هو إنسان َف ِهم معنى الحياة‪ ،‬وفهم قيمة‬ ‫ولذلك المسلم الذي يعبد اهلل ٍّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وفهم غاية وجوده يف هذا العالم‪ ،‬و َف ِهم أنَّه يف هذا العالم؛ ل ُيخترب‪ ،‬وليعبد‬
‫حق العبادة‪ ،‬وليس ليعيش يف قلق بال طائل تحته‪ ،‬قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﭛ‬
‫ربه َّ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]2 :‬‬

‫‪ -622‬ما يه مظاهر التسليم هلل تعاىل؟‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫مستسلم هلل استسالما اكمال؟‬ ‫أو بصيغ ٍة أخرى‪ :‬كيف تعرف أنك‬

‫ج‪ :‬عبودية االستسالم تعني أن‪ُ :‬ي ْسلم العبد نفسه هلل‪ ،‬فيخضع هلل‪ ،‬وينقاد له‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬ح‪.2083:‬‬

‫‪6027‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫بالطاعة‪ ،‬و ُيذعن لخالقه ومواله‪.‬‬


‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ﴾ [لقمان‪.]22:‬‬
‫وتفضل عليك‪ ،‬فقد رزقك‬‫َّ‬ ‫ُتسلم وجهك هلل‪ ،‬أي‪ :‬تنقاد له‪ ،‬فهو الذي رزقك‪،‬‬
‫اهلل وأنت يف بطن ُأمك بما يقويك و ُينمي أنسجتك بال نقص وال زيادة‪ ،‬وأنت بال‬
‫حول وال قوة‪.‬‬
‫وهو سبحانه يرزق النبات‪ ،‬مع َّ‬
‫أن النبات يف مكانه ال يغادره‪ ،‬ومع ذلك يأتيه‬
‫ٍ‬
‫بمقدار‪.‬‬ ‫رزقه‬
‫وهو ‪ ‬يرزق الدواب والطير‪ ،‬و ُيدبر أمر كل هذا العالم بكل ما فيه منذ‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫خلقه‪ ،‬و ُيدبر أمرك‪ ،‬و ُيدبر كل شيء‪ ،‬وله ُملك ِّ‬
‫مستسلم هلل مِلك هلل‪ ،‬وكل شيء يف العالم يسير َو ْفق النواميس‬
‫ٌ‬ ‫فالعالم ك ُّله‬
‫التي أودعها اهلل فيه‪.‬‬
‫اقرأ هذه اآلية‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾‬
‫[آل عمران‪.]65 :‬‬
‫خاضع له سبحانه‪.‬‬‫ٌ‬ ‫فالكون كله ُمسلِ ٌم هلل‬
‫ووجد يف هذا العالم؛ ل ُيكلف و ُيخترب و ُيمتحن‪ ،‬هل يخضع‬ ‫واإلنسان ُخلِق ُ‬
‫كل شيء‪ ،‬أم سيعاند ويستكرب؟‬ ‫خضع له وأس َل َم ُّ‬
‫َ‬ ‫هلل كما‬
‫مسلما هلل‬
‫ً‬ ‫فمعنى االستسالم هلل‪ :‬الخضوع التام له وحده‪ ،‬هبذا يكون اإلنسان‬
‫ِّ‬
‫ككل ما حوله من الكائنات‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إرادة منه‪،‬‬ ‫مسلم بال‬ ‫أن كل ما حوله‬ ‫لكن الذي يميز اإلنسان عما حوله‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫فمسلم هلل بإرادتك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مسلم هلل بغير إرادة‪ ،‬أما أنت‬
‫ٌ‬ ‫فالحجر والشجر والدواب ُّ‬
‫الكل‬
‫مستسلم هلل‪ ،‬منقا ٌد لذي الجربوت واإلنعام سبحانه‪ ،‬فكن‬ ‫خاضع‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫فكل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫‪6028‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫مستسلما منقا ًدا هلل‪.‬‬


‫ً‬ ‫أيضا‬
‫أنت ً‬
‫أفض َل منك عند اهلل‪.‬‬
‫ال تجعل األحجار والجبال والدواب َ‬
‫لو أنت استسلمت هلل كنت أفضل ما يف خلقه؛ ألنك أسلمت هلل بإرادتك‪.‬‬
‫ولو لم تستسلم هلل لصارت األحجار والصخور والحشرات والحيوانات‬
‫أفض َل منك عند اهلل‪ ،‬فهي كلها مسلمة خاضعة له‪.‬‬
‫َ‬
‫خاضع هلل‪.‬‬ ‫فال تكن أنت الكائن الوحيد الجاحد المتمرد يف ٍ‬
‫كون كله‬
‫ٌ‬
‫وعالمات االستسالم هلل تعالى أربع وهي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العبودية هلل يف كل صغيرة وكبيرة يف حياتك‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ً‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾‬
‫[األنعام‪.]185 -182 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اي َو َم َماتي ل َّلـه َر ِّب ا ْل َعا َلم َ‬
‫ين‪ :‬كل شيء أفعله هلل‪ ،‬فأنا‬ ‫َص َالتي َو ُن ُسكي َو َم ْح َي َ‬
‫والدي هلل‪ ،‬وأذاكر وأتعلم حتى أنفع الناس هلل‪ ،‬وأنام حتى‬ ‫َّ‬ ‫أصلي هلل‪ ،‬وأطيع‬
‫أكون أقوى يف الغد على فِعل ما أمرين اهلل به‪.‬‬
‫فهي عبودية هلل يف كل عمل‪ ،‬وهذه ُأولى مظاهر وعالمات التسليم هلل‪.‬‬
‫مستسلما هلل تمام االستسالم‪ :‬هي اتباع ما أمر اهلل‬
‫ً‬ ‫العالمة الثانية حتى تكون‬
‫به‪ ،‬واجتناب ما هنى عنه‪ ،‬قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [األنفال‪.]21 :‬‬
‫وقال ‪﴿ :‬ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ﴾ [البقرة‪.]216 :‬‬
‫الس ْل ِم‪ ،‬أي‪ :‬يف اإلسالم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫في ِّ‬
‫الس ْل ِم كَا َّفةً‪ ،‬أي‪ :‬التزموا بكل ما أمر به اهلل‪ ،‬وانتهوا عما هنى عنه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْد ُخ ُلوا في ِّ‬
‫أمرين اهلل بشيء أفعله‪ ....‬هناين عن شيء أنتهي عنه‪ ،‬فهذا هو تمام االستسالم‬
‫واالنقياد هلل‪.‬‬

‫‪6029‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫العالمة الثالثة على التسليم هلل هي أن‪ُ :‬نس ِّلم بتحكيم ما شرع اهلل‪ ،‬فنرضى‬
‫بشرعه ونقبل به‪.‬‬
‫مثال العقوبات التي شرعها اهلل‪ ،‬بل ال بد أن‬
‫نقبل بكل تشريع إلهي‪ ،‬وال ننكر ً‬
‫أن يف هذه العقوبات‬ ‫ألن اهلل يعلم ما ُيصلِح خلقه‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫نرضى بشرع اهلل؛ َّ‬
‫طهارة للمجتمع‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ ُ‬
‫[الملك‪.]10 :‬‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [المائدة‪.]31 :‬‬
‫فاهلل هو الذي يعلم ما يصلح الناس يف دنياهم ويف آخرهتم‪.‬‬
‫وتطبيق شرع اهلل ُيطهر الناس‪ ،‬ويجعلهم يعيشون يف أمان‪.‬‬
‫مؤمن باهلل وبما ُأنزل إلى النبي ﷺ إلى كعب بن‬
‫ٌ‬ ‫ذهب رجل يزعم أنه‬
‫األشرف اليهودي؛ ليحكم له يف قضية من القضايا‪ً ،‬‬
‫بدال من أن يذهب إلى‬
‫ٍ‬
‫بحكم ال يعجبه‪ ،‬فذهب‬ ‫رسول اهلل ﷺ؛ خو ًفا من أن يحكم الرسول ﷺ‬
‫أمال يف حكم يعجبه‪ ،‬فنزل قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫لليهودي ً‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النساء‪.]81 :‬‬
‫مسلما منقا ًدا هلل فعليك أن تلتزم بشرع اهلل‪ ،‬وأن ُتس ِّلم ُ‬
‫بحكم اهلل‬ ‫ً‬ ‫فإذا كنت‬
‫حكم اهلل على غير هواك‪ ،‬ال أن ترتك شرع اهلل وتذهب ليهودي؛ ليحكم‬
‫ُ‬ ‫ولو أتى‬
‫لك يف قضيتك من أجل أن يرضيك‪.‬‬
‫وقال اهلل ‪ ‬يف اآليات التالية‪:‬‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [النساء‪.]80 :‬‬
‫فاهلل لم يرسل الرسل حتى نرتكهم ونحتكم إلى شرع غيرهم‪.‬‬
‫ثم يختم اهلل ‪ ‬الدرس من هذه الحادثة وأشباهها ٍ‬
‫بآية مهمة ُتب ّين‬
‫ضرورة الخضوع لالحتكام لشرع اهلل‪ ،‬قال ربنا ‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫‪6030‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النساء‪.]83 :‬‬
‫ال بد من التسليم التام لما شرع اهلل‪ ،‬فالتسليم لشرع اهلل من عالمات االنقياد‬
‫لإلسالم!‬
‫أما العالمة الرابعة على التسليم هلل تعالى‪ ،‬فهي‪ :‬التسليم ألقدار اهلل‪ ،‬فكل‬
‫شيء قدَّ ره اهلل سبحانه بحكمته‪ ،‬وبالتالي فالمسلم يستسلم هلل يف كل أقداره‪ ...‬يف‬
‫الخير والشر‪.‬‬
‫سرا ُء َش َك َر‪ ،‬وإن أصابته َّ‬
‫ضرا ُء َص َب َر‪.‬‬ ‫إن أصابت المسلم َّ‬
‫جاحا يف الدراسة أو‬
‫جميال أو ن ً‬
‫ً‬ ‫لو رزقك اهلل طعا ًما أو رز ًقا حسنًا أو بيتًا‬
‫صح ًة يف البدن أو ً‬
‫أهال طيبين تشكر اهلل‪.‬‬
‫ضرا ُء من مرض أو فقر أو خوف أو بالء أو َه ٍّم‪َ ،‬ص َب َر على‬
‫ولو أصابت المسلم َّ‬
‫هذه الضراء واستعان باهلل‪ ،‬فهذا حال المسلم المنقاد المستسلم لربه سبحانه‪.‬‬
‫شيء بتقدير اهلل ‪ :‬الصحة والمرض والغنى والفقر‪ ...‬كل شيء‬ ‫ٍ‬ ‫فكل‬
‫بتقديره وحكمته‪ ،‬وعلى المسلم الرضا باألقدار؛ ألن اهلل هو الذي ُيقدِّ رها‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ﴾ [القمر‪.]02 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [التوبة‪.]31 :‬‬
‫لن يصيبنا إال ما قدَّ ر اهلل لنا‪.‬‬
‫عز من قائلٍ‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [آل عمران‪.]103 :‬‬
‫وقال َّ‬
‫اآلجال قدَّ رها اهلل‪.‬‬
‫وكل شيء يحصل يف الكون‪ ،‬وكل ذرة تسير يف العالم‪ ،‬وكل حادث يحدُ ُ‬
‫ث‪،‬‬
‫إنما َيحدُ ُ‬
‫ث بعلم اهلل‪ ،‬ومشيئة اهلل‪ ،‬وبتقدير اهلل‪ ،‬وبحكمة اهلل‪ ،‬وبقدرة اهلل‪.‬‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [الفرقان‪.]2 :‬‬

‫‪6036‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬وما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬وقدَّ ر كل‬ ‫فهو سبحانه خلق َّ‬
‫كل‬
‫طالب بالتسليم بكل أقدار اهلل ‪.‬‬
‫فأنا كمسلم ُم ٌ‬
‫مسلما هلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهبذا يصبح اإلنسان‬

‫***‬

‫‪6032‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫ويف اخلتام‬
‫اإللحاد موقف عجيب‪...‬‬
‫فهو موقف يعتمد على إنكار البديهيات العقلية‪ ،‬كـ‪:‬‬
‫بديهة السببية‪ :‬فهذا العالم بكل نواميسه‪ ،‬وبكل حدوده الحرجة ظهر فجأةً‪،‬‬
‫إذن ال بد له من م ِ‬
‫وجد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اإللحاد كذلك ينكر بديهة اإلتقان يف كل شيء‪ :‬يف جسدك‪ ،‬ويف طعامك‪،‬‬
‫ويف شرابك‪ ،‬ويف السماء‪ ،‬ويف األرض‪ ،‬ويف كل ما حولك‪ْ ،‬‬
‫إذن ال بد لهذا اإلتقان‬
‫من ُمد ِّب ٍر ق ُّيومٍ‪.‬‬
‫أيضا ُينكر بديهة أنك موجود‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫اإللحاد ً‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [الطور‪.]58 -53 :‬‬
‫اإللحاد ينكر بديهة ِ‬
‫علمك بأنك ُمك َّلف‪ :‬فأنت تعلم بفطرتك‪ ،‬وبضميرك‬
‫الفطري أنه يجب أن تفعل كذا‪ ،‬وال يجب أن تفعل كذا‪.‬‬
‫يستمر على إلحاده إال بإنكارها‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بديهيات عقلية كثيرة ال يستطيع الملحد أن‬
‫يهتم‪.‬‬
‫والتظاهر بأنه ال ُّ‬
‫فاإللحاد موقف عجيب‪.‬‬
‫اإللحاد يعتمد على القفز فوق الرباهين على صحة النبوة‪ ،‬وهي براهين ال حصر لها‪.‬‬
‫تلك النبوة المتفقة مع فطرتك ومع حاجتك‪.‬‬
‫الملحد ينكر كل ذلك‪ ،‬معتمدً ا على ماذا؟‬
‫هل توجد أد َّلة مستق َّلة على إلحاده ً‬
‫مثال؟‬
‫أصال‪.‬‬
‫سمى‪ :‬أدلة على اإللحاد ً‬
‫ليس هناك ما ُي َّ‬
‫ٍ‬
‫شبهات يف الدين‪ ،‬هذا هو مبتدأ اإللحاد‬ ‫فاإللحاد فقط يعتمد على َّ‬
‫أن هناك‬
‫ومنتها ُه‪.‬‬

‫‪6033‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫مستقال‪ ،‬بل هو ردة فعل‪.‬‬


‫ًّ‬ ‫فاإللحاد ليس موق ًفا فِطر ًّيا أو موق ًفا عقل ًّيا‬
‫نفسي‪ ،‬ور َّدة فع ٍل نفسية تجاه‬ ‫كثير من أحواله هو‪ :‬موقف‬ ‫فاإللحاد يف ٍ‬
‫ٌّ‬
‫مشكلة ُأسرية أو مجتمعية‪.‬‬
‫فيتبنَّى الملحد جمل ًة من التخمينات العقلية‪ُ ،‬يقدِّ ُمها على النص الشرعي‪،‬‬
‫ويكفر بسببها برب العالمين وبأنبياء اهلل وكتبه واليوم اآلخر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫موقف يمكن أن يتبنَّاه إنسان‪.‬‬ ‫وأعجب‬ ‫أغرب‬ ‫فاإللحاد هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نتصور ما يقوله‬
‫َّ‬ ‫بغال يبني األهرام‪ ،‬وال‬
‫نتصور ً‬
‫َّ‬ ‫يقول الغزالي ‪" :‬إننا‬
‫المالحدة"‪.‬‬
‫إن الشهادة والتسليم هلل الخالق الرازق المنفرد بالملك والسلطان على‬
‫جميع ما يف الوجود‪ ،‬ال يحتاج إلى طويل كالم‪ ،‬بل هو قلب الفطرة‪ ،‬وعنوان‬
‫البديهة‪ ،‬وما أط ْلنا يف هذا الكتاب إال رغب ًة يف تطهير قلوب تع َّلقت بأدران‬
‫اإللحاد‪ ،‬فأردنا غسلها مر ًة بعد مرة‪ ،‬ونرجو أن نكون ُو ِّفقنا يف ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫اإليمان باهلل والخضوع واإلذعان التام للمليك المقتدر ال يوجد إال يف‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫يبق على وجه األرض على كمال اإليمان‪ ،‬وتمام التسليم هلل‬
‫دين محمد ﷺ فلم َ‬
‫سوى اإلسالم‪.‬‬
‫﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾‬
‫[القصص‪.]31 -02 :‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان؛ سوا ًء شاء أ ْم أبي حول هذه اآلية‪﴿ :‬ﭳ ﭴ‬ ‫َّ‬
‫إن محور حياة كل‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [الذاريات‪.]38 :‬‬
‫كفرا وتكذي ًبا‪.‬‬
‫فالكل يدور حول العبودية هلل؛ إما استسال ًما‪ ،‬وإما ً‬

‫‪6034‬‬
‫يقينيـة اإلميــان‬

‫فالدين هو ُشغل اإلنسان الشاغل منذ بدء الخليقة‪ ،‬ال يستغني عن التفكير‬
‫فيه‪ ،‬فاإلنسان مفطور على العبودية هلل‪ ،‬فإما أن يتع َّبد لباريه‪ ،‬وإما أن َيصنع يف كل‬
‫ٌ‬
‫مشغول!‬ ‫لحظة مربرات كفره بباريه‪ ...‬فكلهم‬
‫﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [القيامة‪.]10 :‬‬
‫إن اإليمان باهلل هو المنزلة الالئقة بك أيها اإلنسان الضعيف‪ ،‬فأنت ال يخرج‬ ‫َّ‬
‫نك مِن استنشاق غيره من بعده‪،‬‬‫مفتقرا إلى َمن ُيم ِّك َ‬
‫ً‬ ‫من صدرك َن َف ٌس إال كنت‬
‫يم ُّن عليك بالدقة التي تليها‪ ،‬فأنت‬
‫مفتقرا لمن ُ‬
‫ً‬ ‫تدق يف قلبك د َّقة إال كنت‬
‫وال ُّ‬
‫افتقارا ضرور ًّيا الز ًما(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫مفتقر إلى خالقك‬
‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [فاطر‪.]13 :‬‬
‫حب أن يرى عبده المك َّلف المخا َطب بالرسالة عبدً ا حقيق ًّيا‬
‫واهلل سبحانه ُي ُّ‬
‫يزداد إيمانًا مع إيمانه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مطلوب يف الوجود‪.‬‬ ‫نكر ألعظم‬
‫من تك َّبر على باريه‪ ،‬فهو عبدٌ للدنيا‪ ،‬و ُم ٌ‬
‫أما َ‬
‫وما َرجونا ‪-‬واهلل رجاؤنا‪ -‬هبذا الكتاب إال محاولة يسيرة لمنع العابثين‬
‫ود اهللِ‬‫القائ ِم ع َلى حدُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بسفينة البشرية من الغرق‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ " :‬م َث ُل‬
‫ُ‬
‫أعالها و َب ْع ُض ُه ْم‬‫فأصاب َب ْع ُض ُه ْم ْ‬
‫َ‬ ‫است ََه ُموا ع َلى َس ِفين ٍَة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والواق ِع فيها‪ ،‬ك ََم َث ِل َق ْو ٍم ْ‬
‫الماء َم ُّروا ع َلى َمن َف ْو َق ُه ْم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬‫ِ‬ ‫اس َت َق ْوا مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫أس َف َلها‪َ ،‬ف َ ِ‬
‫أس َفلها إذا ْ‬ ‫كان ا َّلذي َن يف ْ‬ ‫ْ‬
‫وه ْم وما أرا ُدوا َه َل ُكوا‬ ‫لو أنَّا َخ َر ْقنا يف ن َِصيبِنا َخ ْر ًقا و َل ْم ُن ْؤ ِذ َمن َف ْو َقنا‪ْ ،‬‬
‫فإن َيت ُْر ُك ُ‬
‫يه ْم ن ََج ْوا‪ ،‬ون ََج ْوا َج ِمي ًعا"(‪.)2‬‬ ‫أخ ُذوا ع َلى أ ْي ِد ِ‬ ‫َج ِمي ًعا‪ْ ،‬‬
‫وإن َ‬
‫ويف األخير وكما بدأت مشروعي هذا بدعوة الناس إلى تد ُّبر كتاب اهلل‪ ،‬فها‬
‫فأن تقوم بختمة تد ُّبر لكتاب اهلل من الفاتحة للناس‪،‬‬ ‫أختم ُه بالدعوة نفسها‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫أنا‬
‫)‪ (1‬معيار النظر عند أهل السنة واألثر‪ ،‬د‪ .‬أبو الفداء حسام بن مسعود‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2025:‬‬

‫‪6035‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫ٍ‬
‫المطوالت‪ ،‬وأكداس الكتب يف‬
‫َّ‬ ‫تتد َّبر فيها كل آية وتتف َّكر فيها‪ٌ ،‬‬
‫خير من آالف‬
‫تعزيز اليقين‪ ،‬وزيادة اإليمان‪ ،‬ور ِّد الشبهات‪.‬‬
‫فتد ُّبر كتاب اهلل فيه ِوقاي ٌة ذات َّي ٌة من العدمية والعبثية والخواء والزلل‪ ،‬وفيه‬
‫ووسوسة‪ ،‬وفيه اطمئنان كل ٍ‬
‫نفس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شبهة‬ ‫جواب ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬
‫وحصن اإلنسانية األُولى واألعظم‪﴿ :‬ﯧ‬ ‫فهذا واهلل باب اليقين األيسر‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [النساء‪.]120 :‬‬

‫***‬

‫‪6036‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫الفهرس‬
‫اجلزء األول‪ :‬تفنيـد آراء امللحـدين يف الكون واحليـاة ‪5 ............................‬‬
‫مقدمة المؤلف‪7 ...............................................................‬‬
‫المستهدَ فة منه؟‪9 ......................‬‬
‫‪ -9‬لماذا هذا المشروع‪ ،‬و َمن هي الفئة ُ‬
‫والمتشكك؟ ‪11.....‬‬
‫‪ -1‬يف البداية‪ :‬ما هو أقصر طريق لتحصيل اليقين للمسلم ُ‬
‫‪ -5‬ما هو اإللحاد‪ ،‬وما هي تقسيمات أتباعه؟ ‪13...............................‬‬
‫‪ -2‬متى بدأ اإللحاد؟ ‪11.......................................................‬‬
‫‪ -3‬كيف بدأ اإللحاد؟ ‪11......................................................‬‬
‫‪ -3‬كيف بدأت الطبيعة؟‪21....................................................‬‬
‫كيف بدأ الكون؟‪21............................................................‬‬
‫‪ -7‬لكن ما المانع أن تكون هناك قوانين قبل ظهور كوننا‪ ،‬وهذه القوانين كان لها‬
‫دور يف إيجاد كوننا؟‪21.........................................................‬‬
‫‪ -8‬لكن ربما يف المستقبل نعرف كيف ظهر الكون؟ ‪21........................‬‬
‫‪ -1‬ما المانع أن تكون هناك أكوان كثيرة‪ ،‬وكوننا أتى بين هذه األكوان بالصدفة؟‪27‬‬
‫‪ -90‬ما المانع أن يكون الكون أتى بمحض الصدفة؟ ‪31.......................‬‬
‫‪ -99‬هل مفهوم السبب َّية له وجود لحظة ظهور الكون؟ ‪32......................‬‬
‫‪ -91‬لكن هل فعالً السبب َّية غير موجودة يف عالم ميكانيك الكم؟ ‪31............‬‬
‫‪ -95‬هناك ُجسيمات تخرج باستمرار من الفراغ الكوانتي أو الفراغ الكمومي‪،‬‬
‫هل هذا يعني ظهور المادة من الشيء؟ ‪33.....................................‬‬
‫‪ -92‬ما هي دالئل وجود الخالق؟ ‪41..........................................‬‬
‫مادي هو المسؤول‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -93‬لكن لماذا ال تكون هناك حضارة عظيمة أو أي شيء‬
‫عن إيجاد كوننا هبذا اإلهبار؟ ‪13................................................‬‬

‫‪484‬‬
‫الفهرس‬

‫‪ -93‬كيف تقولون إن الطاقة ظهرت مع ظهور الكون يف حين َّ‬


‫أن هناك ما ُيعرف‬
‫سمى بقانون حفظ الطاقة؟ ‪11.......‬‬
‫بالقانون األول للديناميكا الحرارية‪ ،‬أو ما ُي َّ‬
‫‪ -97‬لكن بعض المالحدة يضعون فرضيات كثيرة للحظة ظهور الكون يف‬
‫محاولة إلثبات أزلية الطاقة؟‪16................................................‬‬
‫‪ -98‬إذا كان اهلل قد خلق الكون‪ ،‬فلماذا كل هذه الكواكب والنجوم‪ ،‬لماذا‬
‫الكون هبذه الضخامة؟ ‪11......................................................‬‬
‫‪ -91‬كيف نكون نحن البشر بحجمنا هذا الصغير يف مركز هذا الكون العمالق؟ ‪14‬‬
‫ٌ‬
‫إتقان‪ ،‬فهناك‬ ‫‪ -10‬يقول بعض المالحدة‪ :‬األرض من الطبيعي أن يكون هبا‬
‫كواكب كثيرة ليست فيها حياة‪ .‬فوجود كوكب هبذا اإلتقان كاألرض هو أمر‬
‫طبيعي بالنسبة لعدد الكواكب الكبير؛ أليس كذلك؟‪17.........................‬‬
‫‪ -19‬كيف بدأت المعلومة؟ ‪71................................................‬‬
‫كيف بدأت الشفرة الجينية؟‪71.................................................‬‬
‫كيف ُدونت المعلومات المكتوبة على الشريط الجيني داخل كل خلية من‬
‫خاليا كل كائن حي على وجه األرض؟‪71.....................................‬‬
‫‪ -11‬كيف بدأت الحياة؟ ‪34...................................................‬‬
‫كيف ظهرت الحياة؟‪34........................................................‬‬
‫يحق للملحد استخدام ُح َّجة المستقبل؛ ُح َّجة اإليمان بأن المستقبل‬
‫‪ -15‬هل ُّ‬
‫قد يخربنا كيف نشأت هذه النظم المعلوماتية وكيف ظهرت الحياة؟ ‪33........‬‬
‫‪ -12‬لكن ما زال البعض يعتقد أن العلم استطاع إيجاد حياة كما يف تجربة كريج‬
‫فنرت ‪ Craig Venter‬التي أجراها قبل سنوات؟‪91..................................‬‬
‫عندما حاول‬ ‫‪Richard Dawkins‬‬ ‫‪ -13‬لكن ماذا عن مشروع ريتشارد دوكينز‬
‫تفسير ظهور الشفرة الجينية بالصدفة؟‪94.......................................‬‬

‫‪485‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫وصورا َّ‬
‫أقل تعقيدً ا من األنظمة‬ ‫ً‬ ‫صورا ُمع َّقدة‬
‫ً‬ ‫‪ -13‬لكن أال تحمل الطبيعة‬
‫الحياتية المختلفة‪ ،‬كالعين على سبيل المثال؟‪97...............................‬‬
‫تطورا للعين خالل البحث يف األحافير؟ ‪162 .......‬‬
‫ً‬ ‫‪ -17‬لكن هل نحن رصدنا‬
‫‪ -18‬هل هناك عالم من الـ‪ RNA‬قبل ظهور الـ‪ ،DNA‬هل هذا الكالم صحيح؟ ‪163‬‬
‫‪ -11‬هل االنتخاب الطبيعي نظرية ِعلم َّية‪ ،‬أم هو تخمين فلسفي؟ ‪164 .........‬‬
‫ِ‬
‫ؤديان إلى تطور كبير؟ ‪116 ......‬‬‫والتطور الصغير هل ُي‬ ‫‪ -50‬لكن هل الطفرات‬
‫ُّ‬
‫التطور جائزة نوبل يف الكيمياء للعام ‪1098‬؟ ‪111 .‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -59‬لكن أ َل ْم تحصد نظرية‬
‫جردة‪ ،‬كم يا ُترى نحتاج من الوقت لتثبيت‬
‫الم َّ‬
‫‪ -51‬لكن بنظرية االحتماالت ُ‬
‫طفرتين نافعتين يف جي ٍل واحد؟ ‪117 ...........................................‬‬
‫التطور إن الشمبانزي يحتوي على ثمانية وأربعين‬
‫ُّ‬ ‫‪ -55‬يقول ُدعاة نظرية‬
‫إذن ال بد َّ‬
‫أن‬ ‫كروموسوما‪ ،‬واإلنسان يحتوي على ٍ‬
‫ستة وأربعين كروموسو ًما‪ْ ،‬‬ ‫ً‬
‫هناك التحا ًما جرى بين كروموسومين يف اإلنسان‪ ،‬وهذا ما رصدوه بحسب‬
‫تخمينهم يف كروموسوم رقم اثنين يف اإلنسان‪ ،‬فهل هذا التخمين صحيح؟ ‪126‬‬
‫‪Recurrent‬‬ ‫‪ -52‬يقول ُدعاة النظرية‪ :‬إننا اكتشفنا َّ‬
‫أن‪ :‬فرع العصب الحائر‬
‫ً‬
‫وبدال من الدخول مباشرة إلى الحنجرة‪ ،‬فإنه‬ ‫‪ Laryngeal Nerve‬يخرج من المخ‪،‬‬
‫ينزل لألسفل‪ ،‬ويدور حول األورطي‪ ،‬ثم يصعد مر ًة أخرى لألعلى‪ ،‬وهذه اللفة‬
‫دليل على أننا كنا أسماكًا‪ ،‬فما صحة هذه الدعوى؟ ‪121 .......................‬‬
‫‪ -53‬يقول ُدعاة النظرية‪َّ :‬‬
‫إن شفرة فيروس النسخ العكسي ‪ Retrovirus‬توجد يف‬
‫نفس المكان تقري ًبا يف جينوم اإلنسان والشمبانزي‪ ،‬وبالتالي السلف المشرتك‬
‫حتما ُأصيب هبذا الفيروس ونقله لألحفاد‪ :‬اإلنسان والشمبانزي؛ فما حقيقة هذه‬
‫ً‬
‫الفرضية؟‪123 .................................................................‬‬
‫‪ -53‬ما حقيقة األعضاء األثرية أو األعضاء الضامرة يف جسم اإلنسان؟ ‪131 ...‬‬

‫‪486‬‬
‫الفهرس‬

‫تطور؛ فهل هذا صحيح؟‪133‬‬ ‫‪ -57‬لكنهم مازالوا يقولون َّ‬


‫إن ضرس العقل بقايا ُّ‬
‫الف ْقرات ال ُعصعصية المسؤولة عن ربط بعض العضالت‬‫‪ -58‬وماذا عن ِ‬

‫الحوض‪ ،‬والمسؤولة عن دعم حمل وزن اإلنسان‬‫واألربطة واألوتار يف منطقة َ‬


‫خاص ًة وهو جالس؟ ‪139 ......................................................‬‬
‫‪ -51‬لكن هل بالفعل هناك جزء من الشريط الجيني بال وظيفة‪ُ ،‬يطلقون عليه‬
‫الـ‪ DNA‬الخردة يف اإلنسان ‪Junk DNA‬؟‪146 ......................................‬‬
‫تطور؟‪141 .........................‬‬
‫‪ -20‬لكن هل ُبصيالت شعر اإلنسان بقايا ُّ‬
‫‪ -29‬وماذا عن ال ُق َش ْعريرة؟‪142 ...............................................‬‬
‫‪ -21‬وماذا عن الجفن الثالث يف اإلنسان؟ ‪143 ................................‬‬
‫تطور؟ ‪143 .‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحوض يف الحيتان‪ ،‬هل هي بقايا ُّ‬ ‫‪ -25‬وماذا عن العظام يف منطقة َ‬
‫ُك ُتب أويص هبا‪541.............................................................‬‬
‫ويف األخير‪116 ................................................................‬‬
‫اجلزء الثاني‪ :‬بصائر صحة اإلسالم‪351 ...............................................‬‬
‫ين؟ ‪511 ...........................................‬‬
‫الد ُ‬
‫الباب األول‪ :‬كيف ظهر ِّ‬
‫‪ -9‬كيف ظهر الدين؟‪117 .....................................................‬‬
‫دور يف نشأة الدين؟ ‪113 ...‬‬ ‫‪ -1‬لكن بعض المالحدة يدَّ عي َّ‬
‫أن‪ :‬الطوطم كان له ٌ‬
‫‪ -5‬مِن أين جاءت فكرة اإلله األكرب فاطر السماوات واألرض؟‪119 ...........‬‬
‫‪ -2‬إ َذ ْن هل التوحيد سابق على التعدُّ د؟‪116 ...................................‬‬
‫‪ -3‬لكن ماذا عن الديانات المعاصرة كالهندوسية والمسيحية والزرادشتية‬
‫أيضا يف أصلِها توحيدية؟ ‪112 ................................‬‬
‫وغيرها؛ هل هي ً‬
‫صنما أو َو َثنًا ُقربى إلى اهلل‪ ،‬ثم يعبده ويرتك عبادة‬ ‫‪ -3‬لكن كيف لعاق ٍل ْ‬
‫أن يتخذ ً‬
‫اهلل‪ ،‬كيف يحصل هذا؟ ‪117 ...................................................‬‬

‫‪487‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -7‬كم عدد الديانات التي ما زالت على التوحيد النقي اليوم على األرض؟ ‪113‬‬
‫والحس والفلسفة إلشباع المعرفة‬
‫ُّ‬ ‫والعلم التجريبي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العقل‬ ‫‪ -8‬لكن أ َ‬
‫ال يكفي‬
‫اإلنسانية دون الحاجة للدين؟‪119 .............................................‬‬
‫لكن لنفرتض َّ‬
‫أن أحد هذه البدائل األربعة‪ :‬العقل والتجربة العملية والحس‬ ‫‪ْ -1‬‬
‫تحليال‬
‫ً‬ ‫والفلسفة؛ أجاب عن غاية الحياة أو معنى الوجود أو ح َّلل قيم ًة إنساني ًة‬
‫ماد ًّيا؟ ‪171 ....................................................................‬‬
‫‪ -90‬لكن العقل يقرر المبادئ األخالقية حتى بعيدً ا عن الدين؛ أليس كذلك؟ ‪172‬‬
‫‪ -99‬لكن هل هذا تقليل من قيمة العلوم التجريبية؟‪171 .......................‬‬
‫‪ -91‬وإذا اختفت النبوات فكيف يكون حال األرض؟ ‪177 ....................‬‬
‫‪ -95‬لكن‪ :‬أليس العقل منا ًطا للتكليف؟‪131 ..................................‬‬
‫األوليات العقلية المستمدَّ ة من الفطرة؟ ‪132 ...............‬‬ ‫‪ -92‬لكن ما أهمية َّ‬
‫الحق‪ ...‬كيف نعرف ِصدْ ق الرسول؟‪134 .......‬‬ ‫لكن‪ :‬كيف نعرف الدين َّ‬ ‫‪ْ -93‬‬
‫ِّي ‪591 ..............................................‬‬ ‫رسـول أ ُ‬
‫األميـ ن‬ ‫ُ‬ ‫الباب الثاين‪:‬‬
‫لحد بالبشارات للنبي‪197 .............................‬‬ ‫‪ -93‬كيف نحتج على م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ألم يقع التحريف يف التوراة واإلنجيل‪ ،‬فكيف نستخدمهما يف باب‬ ‫‪ -97‬لكن ْ‬
‫البِشارات؟‪193 ................................................................‬‬
‫بذكْر أمثلة على ذلك؟ ‪199 ......................................‬‬ ‫‪ -98‬هل لك ِ‬

‫‪ -91‬لك َّن هناك أنبيا َء كذب ًة كثيرين ظهروا يف بالد العرب بعد ظهور النبي ‪262 ..‬‬
‫‪ -10‬مثل ماذا هذه النبوءات التي تن َّبأ هبا النبي‪264 .............................‬‬
‫‪ -19‬هل هناك نصوص أخرى بالبشارات يف التوراة؟ ‪269 .....................‬‬
‫‪ -11‬لكن هل تحدَّ ثت التورا ُة عن نسل إسماعيل الذين سكنوا مكة؟‪212 ......‬‬
‫‪ -15‬لكن هل تحدَّ ثت التورا ُة عن نسل قيدار‪ ،‬وعن مبعث النبي محمد ‪213 ...‬‬

‫‪488‬‬
‫الفهرس‬

‫سر انتقال النبوة عن بني إسرائيل لألمة اإلسالمية؟ ‪222 ..........‬‬


‫‪ -12‬لك ْن ما ُّ‬
‫بشر َإشعياء ٍ‬
‫ببيت للرب يف بالد العرب؟ ‪227 .......................‬‬ ‫‪ -13‬كيف َّ‬
‫َ‬
‫‪ -13‬لكن بعض النصارى يقولون إن البشارات ببيت الرب الجديد هي بشارات‬
‫ببيت سماوي؟‪233 ............................................................‬‬
‫‪ -17‬لكن هل يوجد يف اإلنجيل ٌ‬
‫دليل على انتقال الرسالة بسبب فساد بني‬
‫إسرائيل؟ ‪234 .................................................................‬‬
‫‪ -18‬لكن لماذا ال يكون المقصو ُد بالحجر يف هذه البشارة يف اإلنجيل المسيح‪231‬‬
‫اهلل به‬
‫الح َجر الذي س َيهدم ُ‬
‫النبي دانيال يف منامه ذلك َ‬‫ُّ‬ ‫‪ -11‬لكن كيف رأى‬
‫ممالك األرض الوثنية‪ ،‬وكيف َف ِهم هذه البشارة؟ ‪239 .........................‬‬
‫َ‬
‫‪ -50‬لكن تبقى رؤيا هذا الملك غامض ًة تحتاج لتفاصيل أكثر؛ حتى نتأكَّد َّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫وانتشاره يف األرض‪ ...‬أليس‬ ‫المقصود هبا يف النهاية هو التبشير بظهور اإلسالم‬
‫كذلك؟‪241 ...................................................................‬‬
‫‪ -59‬قبل أن تقوم بتنزيل األحداث يف نبوءة دانيال على الواقع؛ كيف نتأكد أن‬
‫ِسفر دانيال مكتوب قبل اإلسالم؟‪216 .........................................‬‬
‫العرب يتوقعون هذه االنتصارات على ممالك األرض؟ ‪212 ....‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -51‬هل كان‬
‫النبوة ستنتقل عنهم لألبد‪ ،‬ولن تعود إليهم مر ًة‬
‫أن َّ‬ ‫‪ -55‬هل كان اليهو ُد يعرفون َّ‬
‫أخرى؟‪214 ...................................................................‬‬
‫أن المقصود يف النبوءة بالضبط هو اإلسالم؟ ‪211 .......‬‬‫‪ -52‬لكن كيف نعرف َّ‬
‫النبي محمد ‪271 ...........................................‬‬ ‫ر‬ ‫‪ -53‬لكن هل ُذكِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫‪ -53‬طالما أن النبوءة والبشارة هبذا الوضوح الشديد‪ ،‬لماذا لم يؤمن أهل‬
‫الكتاب على َب ْكرة أبيهم؟ لماذا ما زالوا يكفرون باإلسالم‪ ...‬يكفرون بدين اهلل؟ ‪274‬‬
‫‪ -57‬لكن هل َو َر َد مكان البيت الحرام يف "مكة" يف التوراة؟ ‪279 ..............‬‬

‫‪489‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -58‬لكن ما األسفار غير القانونية؟‪231 .......................................‬‬


‫‪ -51‬هل من الممكن إعطاء بعض األمثلة على البشارات يف هذه األسفار غير‬
‫القانونية؟‪237 .................................................................‬‬
‫‪ -20‬هل البشارة بزمان مبعث النبي محمد‪293 ................................‬‬
‫‪ -29‬هل هناك بشارات أخرى بزمان بعثته ‪291 ................................‬‬
‫‪ -21‬هل من بشارات أخرى يف هذه األسفار غير القانونية؟ ‪297 ...............‬‬
‫‪ -25‬لكن ما معنى هيمنة القرآن الكريم على الكتب السابقة " َو ُم َه ْي ِمنًا َع َل ْي ِه"؟ ‪293‬‬
‫‪ -22‬هل من ألغاز عند أهل الكتاب يجيب عنها القرآن الكريم؟ ‪362 ..........‬‬
‫‪ -23‬هل من أمثلة على أمور غامضة يف التوراة ُيب ِّينها القرآن الكريم؟ ‪363 ......‬‬
‫عزيرا ابن اهلل؟‪369 ....‬‬
‫‪ -23‬بالمناسبة هناك سؤال متكرر‪ :‬أين قالت اليهود‪ :‬إن ً‬
‫الباب الثالث‪ :‬اإلعجازُ العلمي ‪353..............................................‬‬
‫علمي يف القرآن الكريم؟ ‪311 ...........................‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -27‬هل هناك إعجاز‬
‫‪ -28‬لكن كيف نعلم َّ‬
‫أن ما بين أيدينا هو إعجاز علمي؟‪311 ...................‬‬
‫‪ -21‬هل من أمثلة على ثقافة ذاك العصر واألخطاء العلمية الشائعة يف ذاك‬
‫الزمن؟ ‪311 ...................................................................‬‬
‫‪ -30‬إ َذ ْن ما أكرب إعجاز علمي يف القرآن الكريم؟ ‪324 .........................‬‬
‫صورا مختلف ًة من اإلعجاز العلمي؟ ‪324 ..‬‬
‫ً‬ ‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫‪ -39‬لكن هل يحمل‬
‫‪ -31‬لكن ما ضوابط رصد اإلعجاز العلمي يف القرآن الكريم؟ ‪321 ............‬‬
‫مستقبال َّ‬
‫أن هذه المسألة العلمية غير صحيحة؟‪321 .....‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -35‬لكن ماذا لو ثبت‬
‫‪ -32‬هل من الممكن سرد بعض اآليات التي فيها إعجاز علمي ُمث َبت علم ًّيا؟ ‪321‬‬
‫علمي يف مسألة خلق األجنَّة يف القرآن الكريم؟‪339 .....‬‬
‫ٌّ‬ ‫إعجاز‬
‫ٌ‬ ‫‪ -33‬هل يوجد‬
‫أن الجنين ُي ُّ‬
‫ستل من جزء من ماء‬ ‫السنة على َّ‬
‫‪ -33‬ما دليلك من القرآن أو ُّ‬

‫‪490‬‬
‫الفهرس‬

‫الرجل؟‪342 ...................................................................‬‬
‫‪ -37‬بعد ظهور النطفة األمشاج ماذا يحصل للجنين؟‪342 .....................‬‬
‫الخ ْلق المختلفة هذه؟ ‪343 ....................................‬‬
‫‪ -38‬ما مراحل َ‬
‫بشيء من هذا اإلعجاز قبل العصر الحديث؟‪341 .‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -31‬هل قال علماء المسلمين‬
‫‪ -30‬هل هناك إعجاز علمي يف األحاديث النبوية؟‪341 ........................‬‬
‫صيني قديم َذك ََر هذا الرقم‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫مرجع‬
‫ٌ‬ ‫لكن بعض المالحدة يقول‪ :‬هناك‬ ‫َّ‬ ‫‪-39‬‬
‫ثالثمائة وستين ِ‬
‫مفص ًال؟‪312 ..................................................‬‬
‫صح ِة اإلسال ِم ‪313 ...........................‬‬
‫أعظم ُبرهانٍ عىل َّ‬
‫ُ‬ ‫الباب الرابع‪:‬‬
‫رهان على صحة اإلسالم؟ ‪311 ................................‬‬ ‫‪ -31‬ما أعظم ب ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫‪ -35‬ما أفضل طريق لتفنيد األفكار المنحرفة؟‪313 ............................‬‬
‫‪ -32‬ما سمات القرآن البارزة؟ ‪314 ...........................................‬‬
‫‪ -33‬ما سمات إعجاز القرآن البالغي؟‪311 ...................................‬‬
‫‪ -33‬لك َّن بعض المالحدة المعاصرين حاولوا أن ُيحاكوا أسلوب القرآن؟ ‪311‬‬
‫‪ -37‬هل من الممكن ِذكر معجزة قرآنية غير اإلعجاز البالغي؟ ‪376 ...........‬‬
‫‪ -38‬واآلن أريد برهانًا على صحة اإلسالم بجانب القرآن الكريم؟ ‪371 .......‬‬
‫‪ -31‬لكن كيف كان حال البيئة التي ُبعث فيها النبي ‪371 .......................‬‬
‫اإلخبار باملُغ َّي ِ‬
‫بات‪385 ..........................................‬‬ ‫ُ‬ ‫الباب اخلامس‪:‬‬
‫‪ -70‬هل لك ْ‬
‫أن تذكر بعض معجزاته الغيبية ‪333 ..............................‬‬
‫تحتجون علينا بأحاديث إسالمية؟ ‪331 .......‬‬ ‫‪ -79‬لكن قد يقول م ِ‬
‫لحد‪ :‬كيف‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -71‬هل من الممكن ِذكْر شواهد أخرى من إخباره‪337 .......................‬‬
‫النبي ‪396 ...............‬‬
‫‪ -75‬وماذا عن أحداث آخر الزمان الغيبية التي تن َّبأ هبا ُّ‬
‫ُك ُتب أويص هبا ‪204 .................................................................‬‬

‫‪491‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫اجلزء الثالث‪ :‬الرد على أشهر شبهات امللحدين‪704 ..................................‬‬


‫مقدمة ‪411 ....................................................................‬‬
‫‪ -9‬لماذا ما زالت هناك شبهات؟ لماذا ال يكون الدين بال شبهات؟ ‪413 .......‬‬
‫أليس دي ٌن بال شبهات أ ْدعى لدخول الناس فيه بسهولة؟ ‪413 ...................‬‬
‫‪ -1‬كيف يتعامل المؤمن مع المتشابه؟‪417 ....................................‬‬
‫‪ -5‬لكن لماذا ال تكون األدلة كالشمس؟ ‪422 .................................‬‬
‫لماذا ال يكون هناك دليل قاطع يحسم الجدل الدائر بين اإليمان واإللحاد‪،‬‬
‫ويقضي على كل هذه الشبهات؟‪422 ..........................................‬‬
‫مثال ال نرى اهلل‪ ،‬وبالتالي ينقطع اإللحاد؟‪422 ............................‬‬
‫لماذا ً‬
‫لماذا ال نجد الرسالة اإللهية صو ًتا وصور ًة بحيث ينقطع لسان كل ُمش ِّكك؟ ‪422 ...‬‬
‫‪ -2‬هل يمكن أن تؤدي الشبهات بذاهتا إلى الر َّدة عن اإلسالم؟ ‪421 ...........‬‬
‫‪ -3‬كيف ُيضخم الهوى الشبهة؟‪433 ..........................................‬‬
‫‪ -3‬كيف أتعامل مع شخص يطرح شبهة ما؟‪431 ..............................‬‬
‫مسلما؟‪441 .....................................‬‬
‫ً‬ ‫‪ -7‬ماذا لو كان طارح الشبهة‬
‫‪ -8‬ما هي أفضل األعمال يف اإلسالم على اإلطالق؟ ‪449 .....................‬‬
‫‪ -1‬ما هي صور الجهاد؟‪449 ..................................................‬‬
‫‪ -90‬ما هي أفضل أنواع الجهاد‪ :‬جهاد اليد والسيف‪ ،‬أم جهاد الدعوة إلى اهلل‬
‫والدفاع عن دين اهلل بالحجة؟‪411 .............................................‬‬
‫‪ -99‬ما هي الوساوس القهرية يف العقيدة؟‪411 ................................‬‬
‫‪ -91‬ما هو الفرق بين الوسواس والشبهة؟‪412 ................................‬‬
‫‪ -95‬لماذا يحدث الوسواس القهري؟‪414 ....................................‬‬
‫‪ -92‬كيف يتعامل مريض الوسواس القهري يف العقيدة مع الوساوس التي تأتيه؟ ‪411‬‬
‫‪ -93‬ما هي أسرع طريقة لعالج الوسواس القهري؟‪413 .......................‬‬

‫‪492‬‬
‫الفهـــــرس‬

‫الفهرس‬

‫الباب الثالث‪ :‬الر ُّد عىل أشهر شبهات امللحدين ‪497...............................‬‬


‫شر يف العالم؟ ‪499 .................................................‬‬
‫‪ -16‬لماذا يوجد ٌّ‬
‫لماذا هناك فتن وحروب وأمراض؟‪499 .............................................‬‬
‫‪ -17‬كيف نعرف اهلل؟ ‪509 ............................................................‬‬
‫ُّ‬
‫نستدل هبا على وجود اهلل سبحانه؟ ‪511 .......‬‬ ‫‪ -18‬ما هي القواعد العقلية التي‬
‫‪ -19‬هل يكفي اإليمان باهلل مع الكفر باألنبياء؟ ‪515 ...............................‬‬
‫‪ -20‬كيف نستدل علم ًّيا على وجود الغيب "جربيل على سبيل المثال"؟ ‪516 .‬‬
‫‪ -21‬لماذا التكليف من البداية؟‪516 .................................................‬‬
‫‪ -22‬لماذا نعبد اهلل وهو ال يحتاج إلينا؟‪518 ........................................‬‬
‫‪ -23‬هل االستدالل على الخالق هو استخدام ألدلة الخربة البشرية؟ ‪520 ......‬‬
‫‪ -24‬ما المانع ْ‬
‫أن يكون هناك سبب مادي أوجد الكون؛ مثال على ذلك‪:‬‬
‫حضارة أخرى أو شيء آخر؟ ‪521 ....................................................‬‬
‫لماذا اإلله األزلي تحديدً ا؟ ‪521 ......................................................‬‬
‫‪ -25‬نحن نعرف القوانين التي تحكم الكون‪ ،‬ونعرف سبب الزالزل جيدً ا‪،‬‬
‫فلماذا نحتاج إلى الخالق طالما عرفنا القوانين؟‪522 ...............................‬‬
‫‪ -26‬لماذا ال ينطبق قانون السببية على الخالق؟ ‪524 ..............................‬‬
‫ٍ‬
‫بصيغة أخرى‪َ :‬من الذي خلق الخالق؟ ‪524 ......................................‬‬ ‫أو‬
‫‪ -27‬ما هو الفرق بين الثقافة والحضارة؟‪526 ......................................‬‬
‫‪ -28‬هل يف اإلسالم جواب لألسئلة التي حارت العقول يف اإلجابة عنها‪ :‬مِن‬
‫أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا يف هذا العالم؟ وإلى أين المصير؟ ‪531 ................‬‬

‫‪6037‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -29‬كيف نشأ العلم التجريبي؟‪532 .................................................‬‬


‫كاف لجواب كل سؤال؟ ‪533 ...........................‬‬ ‫‪ -30‬هل العلم التجريبي ٍ‬

‫‪ -31‬ما معنى اإلنسان؟ ‪535 ..........................................................‬‬


‫‪ -32‬ما هو شكل العالم بدون اإليمان باهلل؟‪536 ...................................‬‬
‫‪ -33‬هل تس َّبب الدين يف الحروب الدينية التي سادت األرض يف فرتة من‬
‫الفرتات؟ ‪537 ...........................................................................‬‬
‫‪ -34‬هل اإليمان بالنسبية المعرفية موقف علمي؟‪538 ............................‬‬
‫‪ -35‬هل اهلل ُي ِض ُّل َمن يشاء؟ ‪540 ....................................................‬‬
‫‪ -36‬هل علم اهلل بما سيقع ينفي حرية اإلرادة والتخيير؟ ‪543 ....................‬‬
‫‪ -37‬هل الوحي عبارة عن‪ :‬صرع فص ُصدغي؟ ‪545 .............................‬‬
‫‪ -38‬المعجزات التي جرت على يد األنبياء كمعجزة اإلسراء والمعراج تخالف‬
‫النواميس الكونية فكيف حصلت؟‪563 ..............................................‬‬
‫‪ -39‬لماذا هناك أجنحة للمالئكة يف الفضاء؟ ‪567 .................................‬‬
‫‪ -40‬هل َ‬
‫نقل اإلسالم قصة ذي القرنين من النسخ السريانية؟ ‪568 ...............‬‬
‫كثيرا من الشبهات ُتثار حول القرآن والسريانية‪َّ ،‬‬
‫وأن اللغة العربية‬ ‫‪ -41‬لكن ً‬
‫تأ َّثرت باللغة السريانية‪ ،‬فهل ُّ‬
‫يصح هذا الكالم؟ ‪574 ...............................‬‬
‫‪َ -42‬من هو ذو القرنين؟ هل هو اإلسكندر األكرب أم شخص آخر؟ ‪576 ........‬‬
‫دليال على أنه هو‬
‫وماذا عن القرنين الذين يف رأس اإلسكندر األكرب؟ أليس هذا ً‬
‫ذو القرنين المذكور يف القرآن الكريم؟ ‪576 .........................................‬‬
‫‪ -43‬هل تأ َّثر اإلسالم باليهودية؟ ‪581 ...............................................‬‬
‫‪ -44‬هل توجد كلمات يف القرآن الكريم أصلها سرياين؟ ‪585 ....................‬‬

‫‪6038‬‬
‫الفهـــــرس‬

‫‪ -45‬هل مخطوطات صنعاء صحيحة؟ ‪598 ........................................‬‬


‫وهل فيها‪ :‬إعادة صياغة آيات وكلمات قرآنية مضافة وأخرى محذوفة غير‬
‫القرآن الذي بين أيدينا؟‪598 ...........................................................‬‬
‫‪ -46‬ماذا عن شبهة تعدُّ د القراءات؟ ‪613 ............................................‬‬
‫فهناك عدد من القراءات ‪-‬القراءات العشر‪ -‬فلماذا هذا التعدُّ د يف القراءات؟‪613‬‬
‫سمى نسخ التالوة؟‪617 .....................................‬‬
‫‪ -47‬هل يوجد شيء ُي َّ‬
‫بحيث تكون هناك آية من القرآن ثم ُتنسخ تالوهتا كآية الرجم؟ ‪617 ..............‬‬
‫‪ -48‬هل توجد آيات قرآنية أحكا ُمها منسوخة؟ ‪620 ...............................‬‬
‫‪ -49‬هل اإلسالم يميز بين الحر والعبد؟ ‪623 ......................................‬‬
‫الح َّرة واألَ َمة؟‪623 ...............................................................‬‬
‫وبين ُ‬
‫‪ -50‬لكن ماذا عن سبايا أوطاس؟ ‪629 ..............................................‬‬
‫وهل أجاز اإلسالم وطء السبايا؟‪629 ................................................‬‬
‫‪ -51‬وماذا عن الحدود ‪-‬حد السرقة كمثال‪-‬؟ ‪638 ...............................‬‬
‫إنسان وأتى ُم ِق ًّرا بجريمته فهل ُتقطع يده؟ ‪639 ...................‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -52‬ولو سرق‬
‫‪ -53‬وماذا عن حد الزنا؟ ‪640 ........................................................‬‬
‫متزوجا زنا ثم تاب إلى اهلل فهل ُيطبق عليه الحدُّ ؟‪641‬‬
‫ً‬ ‫شخصا‬
‫ً‬ ‫‪ -54‬لكن لنفرتض أن‬
‫‪ -55‬هل ُفرض الحجاب للتمييز بين الحرة واألَ َمة؟ ‪643 .........................‬‬
‫‪ -56‬هل كان النبي محمد ﷺ غن ًّيا؟‪644 ............................................‬‬
‫امرأة‪ ،‬ويتهمه بعض الملحدين هبذا األمر‬ ‫ٍ‬ ‫تزوج النبي ﷺ أكثر من‬ ‫‪ -57‬لماذا َّ‬
‫كثيرا؟‪647 ...............................................................................‬‬
‫ً‬
‫‪ -58‬هل أمر النبي ﷺ زيدً ا بتطليق زينب؟ ‪650 ....................................‬‬

‫‪6039‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -59‬ما تفسير قول اهلل ‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬


‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األحزاب‪]50 :‬؟ ولماذا يجوز هذا األمر‬
‫للنبي ﷺ‪ ،‬وال يجوز لغيره من المسلمين؟‪651 .....................................‬‬
‫ٍ‬
‫واحد؟ ‪652 ..‬‬ ‫‪ -60‬هل كان النبي ﷺ يطوف على نسائِ ِه يجامعه َّن ك َّلهن يف يو ٍم‬
‫‪ -61‬هل يوجد جهاد طلب يف اإلسالم؟ ‪653 .......................................‬‬
‫‪ -62‬لماذا ُقتل يهود بني قريظة؟ ‪661 ................................................‬‬
‫‪ -63‬هل يوجد يف اإلسالم حدٌّ للردة؟ ‪667 .........................................‬‬
‫‪ -64‬هل يبيح اإلسالم زواج القاصرات؟‪676 ......................................‬‬
‫‪ -65‬هل يقرر اإلسالم َّ‬
‫أن الزنا بالرتاضي مثل االغتصاب؟ ‪687 ..................‬‬
‫حيث ُيقرر العقوبة نفسها؟ ‪687 .......................................................‬‬
‫أليس االغتصاب جريمة أعظم بكثير من الزنا بالرتاضي؟ ‪687 ....................‬‬
‫‪ -66‬لماذا تخ َّلف المسلمون علم ًّيا‪ ،‬وصارت بالدهم فيها من الجهل والفقر ما‬
‫فيها؟‪691 ................................................................................‬‬
‫مسلم‬
‫ٌ‬ ‫‪ -67‬هل دم المسلم أغلى من دم الكافر لحديث النبي ﷺ‪" :‬ال ُيقتل‬
‫ٍ‬
‫بكافر"؟ ‪698 ............................................................................‬‬
‫ً‬
‫أعماال صالحة كالمشاريع الخيرية إذا لم‬ ‫‪ -68‬لماذا يدخل النار َمن يعمل‬
‫يؤمن؟ ‪701 ..............................................................................‬‬
‫‪ -69‬هل األخالق مطلقة أم نسبية؟‪706 .............................................‬‬
‫‪ -70‬كيف يكون هناك َم َلك ُموكَّل بالسحاب‪َ ،‬مع أنَّنا نعرف األسباب الطبيعية‬
‫المادية لسير السحب؟‪710 ............................................................‬‬
‫ٍ‬
‫حمئة؟ ‪713 ......................................‬‬ ‫‪ -71‬كيف تغرب الشمس يف ٍ‬
‫عين‬

‫‪6040‬‬
‫الفهـــــرس‬

‫‪ -72‬هل الشمس تسجد تحت العرش؟ ‪714 .......................................‬‬


‫‪ -73‬هل كانت الكعبة يف األردن‪ ،‬و ُنقلت زمن الخالفة األموية إلى مكاهنا‬
‫الحالي بمكة؟ ‪717 .....................................................................‬‬
‫‪ -74‬يقول بعض الملحدين‪ :‬دعوت فلم ُيستجب لي‪ ،‬فلماذا َّ‬
‫تتأخر إجابة‬
‫الدعاء؟‪723 .............................................................................‬‬
‫كثيرا فهل تغير شيء؟ ‪723 ..........‬‬
‫قائال‪ :‬دعوتم على إسرائيل ً‬
‫وبعضهم يسخر ً‬
‫‪ -75‬لماذا هناك نعيم بالنساء يف الجنة ‪َ -‬عالقة بين الرجل والمرأة يف الجنة؟ ‪729 .‬‬
‫أليس من المفرتض َّ‬
‫أن الجنة مكان طاهر؟ ‪729 .....................................‬‬
‫‪ -76‬قد يستشكل ملحد ويسأل‪ :‬كيف يوجد نعيم مادي يف الجنة؟ ‪731 .........‬‬
‫‪ -77‬قد يسأل ملحد ويقول‪ :‬لكن عذاب النار شديدٌ ‪ ،‬فهل يتكافأ هذا العذاب‬
‫الشديد مع الكفر باهلل بضع سنوات؟‪734 ............................................‬‬
‫‪ -78‬هل توجد أدلة أركيولوجية أثرية على أنبياء بني إسرائيل كداود وسليمان؟‬
‫وهل توجد أدلة أركيولوجية على قصة خروج بني إسرائيل من مصر؟ ‪736 .....‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة؟ ‪744 .........................................‬‬ ‫‪ -79‬هل كل البشر أتوا من ُأ ٍّم‬
‫‪ -80‬هل حفريات الهومو الموجودة يف متاحف األحياء تمثل جدَّ اإلنسان‬
‫المعاصر على ُسلم التطور؟ ‪747 .....................................................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬أفكار ضا َّلة‪763 .....................................................‬‬
‫السنَّة ‪765 ...............................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬منكرو ُّ‬
‫‪ -81‬ما هو فكر التنوير؟ ‪765 .........................................................‬‬
‫‪ -82‬ما هو التنوير المطلوب؟‪781 ...................................................‬‬
‫السنة؟ ‪783 ......................................................‬‬
‫‪َ -83‬من هم منكرو ُّ‬

‫‪6046‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫السنة يف اإلسالم؟‪788 ............................................‬‬


‫‪ -84‬ما هي منزلة ُّ‬
‫السنة ك ُّلها مكتوبة؟ ‪796 ....................................................‬‬
‫‪ -85‬هل ُّ‬
‫السنة النبوية لـ ‪ 200‬سنة كاملة حتى جاء البخاري؟‪806 .‬‬ ‫‪ -86‬هل َّ‬
‫تأخر تدوين ُّ‬
‫السنة النبوية بعد مائتي عام من وفاة النبي محمد ﷺ؟ ‪806 .......‬‬
‫هل تم تدوين ُّ‬
‫السنة شفاهية قرنين كاملين من الزمان وبعد ذلك تم تدوينُها؟ ‪806 ...‬‬
‫هل ظلت ُّ‬
‫‪ -87‬لماذا يهاجم دعاة حركة التنوير الصحابة؟‪815 ...............................‬‬
‫‪ -88‬ما معنى حديث اآلحاد‪ ،‬وما الفرق بينه وبين الحديث المتواتر؟ ‪823 ......‬‬
‫السنة؟ ‪832 ..................‬‬
‫‪ -89‬ما هي اإلشكاالت العقلية التي تواجه منكري ُّ‬
‫‪ -90‬لكن اهلل ‪ ‬يقول‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [األنعام‪ ]38 :‬فالقرآن فيه‬
‫للسنة؟ ‪840 ....................................................‬‬
‫كل شيء‪ ،‬فما حاجتنا ُّ‬
‫‪ -91‬كيف تؤمنون بعذاب القرب وعذاب القرب لم يرد يف القرآن؟ ‪843 ............‬‬
‫سر األحاديث الكثيرة التي رواها أبو هريرة؟‪845 .........................‬‬
‫‪ -92‬ما ُّ‬
‫تفرد البخاري هبا يف صحيحه؟ ‪849 ......................‬‬
‫‪ -93‬هل هناك أحاديث َّ‬
‫الفصل الثاين‪ :‬الهجوم على المرأة يف اإلسالم‪852 .................................‬‬
‫أكر َم المرأة‪ :‬اإلسالم أم اإللحاد؟‪852 ..................................‬‬
‫‪ -94‬أيهما َ‬
‫‪ -95‬ما معنى قوامة الرجل على المرأة يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ﴾ [النساء‪ ،]34 :‬وهل هي َت َح ُّك ٌم يف المرأة كما يدعي المالحدة؟ ‪864 ......‬‬
‫حر ِم اهلل تعدُّ د الزوجات؟‪874 .......................................‬‬
‫‪ -96‬لماذا لم ُي ِّ‬
‫علي على ابنته فاطمة؟‪885 ..................‬‬
‫‪ -97‬لماذا لم يقبل النبي ﷺ بزواج ٍّ‬
‫‪ -98‬هل المرأة عورة يف اإلسالم؟‪886 ..............................................‬‬
‫‪ -99‬ما معنى قول النبي ﷺ‪َ " :‬ل ْن ُي ْفلِ َح َق ْو ٌم َو َّل ْوا أ ْم َر ُه ُم ا ْم َر َأ ًة"؟ ‪886 ...........‬‬

‫‪6042‬‬
‫الفهـــــرس‬

‫‪ -100‬ما تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ﴾ [النساء‪]34 :‬؟‪888 .....................‬‬


‫‪ -101‬لماذا شهادة المرأة على النصف من الرجل؟‪891 ..........................‬‬
‫‪ -102‬هل ميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل؟‪892 ...................‬‬
‫والحمار الصالة؟ ‪894 .........................‬‬
‫ُ‬ ‫والكلب‬
‫ُ‬ ‫‪ -103‬لماذا تقطع المرأ ُة‬
‫الفصل الثالث‪ :‬النسوية ‪896 ..................... ................................‬‬
‫‪ -104‬ما هي النسوية ‪ Feminism‬وهل ُت ِ‬
‫صادم الشرع؟ ‪896 ......................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الشذوذ الجنسي ‪915 ........... ................................‬‬
‫مؤخرا هبذه الصورة؟‪915‬‬
‫ً‬ ‫‪ -105‬ما هي حقيقة المثلية الجنسية‪ ،‬وكيف انتشرت‬
‫شرع القيمة والمعنى؟ ‪935 .......................................‬‬
‫‪ -106‬هل المخ ُي ِّ‬
‫‪ -107‬هل الحب والكراهية هي مجرد أمور هرمونية؟‪938 .......................‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬النباتية ‪940 ..................................................‬‬
‫‪ -108‬هل النباتية وتحريم أكل الحيوانات هي رحمة بالحيوان؟ ‪940 ...........‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬قانون الجذب والعالج بالطاقة ‪949 .............................‬‬
‫‪ -109‬ما معنى قانون الجذب؟ ‪949 .................................................‬‬
‫ً‬
‫ضالال من فرقة القدرية؟ ‪954 .............‬‬ ‫‪ -110‬لماذا دعاة قانون الجذب أشدُّ‬
‫إلها خال ًقا؟‪955 ..‬‬
‫‪ -111‬كيف جعل دعاة علوم الطاقة وقانون الجذب اإلنسان ً‬
‫‪ -112‬هل دعاة العالج بالطاقة وقانون الجذب يبيعون بالفعل تمائم‬
‫الستجالب الطاقة الكونية؟‪957 ......................................................‬‬
‫‪ -113‬ما معنى الطاقة السلبية والطاقة اإليجابية‪ ،‬وهل هي ُتستجلب ً‬
‫فعال؟ ‪959‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬علم الفيزياء الفلكية ‪961 ...........................................‬‬
‫‪ -114‬كيف نشأ علم الفيزياء الفلكية؟ ‪961 .........................................‬‬

‫‪6043‬‬
‫بص ـائــ ـر‬

‫‪ -115‬ما هي مشكلة علم الفيزياء الفلكية‪ ،‬وهل هو علم أم دجل وهراء؟ ‪962 .‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬يقينية اإليامن‪999 ................................................‬‬
‫‪ -116‬لماذا أنا مسلم؟ ‪1001 .........................................................‬‬
‫‪ -117‬ما هو اإلسال ُم؟ ‪1022 .........................................................‬‬
‫‪ -118‬ما هي العبادة؟ ‪1024 ..........................................................‬‬
‫‪ -119‬ما هي حقيق ُة العبادة وأركا ُنها؟ ‪1024 .......................................‬‬
‫‪ -120‬ما هي شروط العبادة؟ أو‪ :‬ما هي الشروط التي يقبل اهلل هبا العبادة؟ ‪1025‬‬
‫عبادة اهلل ‪‬؟ ‪1026 ...............................‬‬ ‫ِ‬ ‫ثمرات‬
‫ُ‬ ‫‪ -121‬ما هي‬
‫‪ -122‬ما هي مظاهر التسليم هلل تعالى؟ ‪1027 ......................................‬‬
‫كامال؟ ‪1027 ..........‬‬
‫مستسلم هلل استسال ًما ً‬ ‫بصيغة أخرى‪ :‬كيف تعرف أنك‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬
‫ٌ‬
‫ويف الختا ِم‪1033 .....................................................................‬‬
‫الفهرس‪1037 ....................................................................‬‬

‫***‬

‫‪6044‬‬

You might also like