You are on page 1of 418

‫‪5‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪6‬‬


‫‪7‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫مقدمة‬
‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل لـه‪ ،‬ومن يضلل فال هادي لـه‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك لـه‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬صلى هللا‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وسلم تسلي ًما ً‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪8‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإنه ال يشك مسلم في أن النبي ﷺ لم يفارق الدنيا ويلتحق بالرفيق األعلى‪ ،‬إال‬
‫بعد أن أكمل هللا هذا الدين الحنيف‪ ،‬قال هللا تعالى في سورة المائدة‪:‬‬
‫( ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [المائدة‪.]3 :‬‬
‫فمـا دام أن الـدين كـامـل‪ ،‬ولي في حـاىـة إلى يـادة‪ ،‬فال حـاىـة إذن حـدا‬
‫البدع في الدين‪ ،‬والتقرب بذلك إلى رب العالمين‪ ،‬ومن أحد بدعة واســـتحســـنها فقد‬
‫أتى بشـرع ائد‪ ،‬واتهم الشـريعة بالنق ‪ ،‬وكهنه اسـتدرك على هللا ‪ ،)‬وعلى رسـوله‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫ولكن أعداء ا ســـالم حســـنوا لبعس النا بعس البدع‪ ،‬وأ هروها بم اهر‬
‫براقة خدَّاعة‪ ،‬وكسـوها بم هر ال هد والتقرب إلى هللا ومحبة النبي ﷺ‪ ،‬وقصـدهم كله‬ ‫َّ‬
‫إفسـاد دينهم‪ ،‬وم احمة المشـروع بالمبتدع‪ ،‬حتى تكون السـنن مسـتغربة‪ ،‬والبدع تقوم‬
‫مقامها‪.‬‬
‫وقـد رو لهـذه البـدع بعس علمـاء الســـــوء‪ ،‬وأربـاب الجرق الـذين ىعلوا من‬
‫سبيال إلى رئاسة النا وكسب األموال؛ حتى انتشرت في العالم ا سالمي انتشار‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫أمورا مشـروعة يىب الحفا عليها‪ ،‬م‬ ‫ً‬ ‫النار في الهشـيم‪ ،‬وصـار عامة النا يعدنونها‬
‫تركهم لكثير من السنن المشروعة!‪.‬‬
‫وإن ل وم السـنة ومحاربة البدعة من األمور التي تىب على المسـلمين عامة‪،‬‬
‫وعلى العلماء وجالب العلم خاصة‪.‬‬
‫ومن هـذا المنجلق؛ فقـد اخترت الكتـابـة في هـذا الموضـــــوع‪ ،‬وهو‪ :‬بـدع‬
‫المقابر‪ ،‬دراسة نقدية في ضوء عقيدة أهل السنة والىماعة»‪.‬‬
‫مشكلة البح ‪:‬‬
‫رغم وضـو األدلة الشـرعية من الكتاب والسـنة في المسـائل المتعلقة بالقبور‪،‬‬
‫كثيرا من المسـلمين في العصـر الحاضـر يق في مخالفات متعددة في هذا الباب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إال أن‬
‫بل يصـــل بعضـــها إلى الكفر األكبر‪ ،‬كدعاء األموات واالســـتغاثة بهم‪ .‬وكل متاب أو‬
‫ائر لكثير من بلدان العالم ا ســـالمي الذي تنتشـــر فيها مثل هذه البدع‪ ،‬يرن ماليين‬
‫ال وار لهذه القبور‪ ،‬ويرن منهم مخالفات وممارســــات تخالف بشــــكل قجعي التوحيد‬
‫الذي ح عليه الرسل‪ ،‬فكل ذلك دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع‪.‬‬
‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬
‫أسباب كثيرة دعتني للبح حول هذا الموضوع منها‪:‬‬
‫‪9‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -1‬انتشـار كثير من البدع العقدية في المقابر في مع م البالد ا سـالمية‪ ،‬حتى‬


‫أميتت بسـببها كثير من السـنن؛ فىاءت رغبتي بالمسـاهمة في تنقية العقيدة‬
‫من شوائب الشرك‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق الخالف في بعس األمور التي اختلف العلمـاء في حكمهـا‪ ،‬ك يـارة‬
‫النساء للقبور‪.‬‬
‫‪ -3‬ا شـــارة إلى بعس البدع‪ ،‬التي لم يذكرها أغلب العلماء ممن صـــنفوا في‬
‫هـذا المىـال‪ :‬كم ع ع ـام الميـت‪ ،‬وأكـل العيـدان المنتشـــــرة في المقـابر‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬كثرة الم ارات والمشــــاهد في العالم ا ســــالمي‪ ،‬وهي ت يد وال تنق ‪،‬‬
‫ســـــواء لءنبيـاء أو الصـــــالحين أو حتى لغيرهم‪ ،‬ممـا يحتم إخرا كتـاب‬
‫متخصـ في هذا الشـهن‪ ،‬لمعالىة ااثار الخجيرة‪ ،‬والمفاسـد الع يمة لهذا‬
‫الشـر في إضـاعة السـنن والواىبات‪ ،‬واقتراف البدع والشـرك والمحرمات‪،‬‬
‫وهذا أدن إلى عموم البلون‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -5‬عدم بح هذا الموضــوع بحثا شــامال وكامال يىم شــتاته ويلم أجرافه‪،‬‬
‫فىمي ما يتعلق بالموضـــوع إما أن يكون مفرقًا في بجون الكتب ‪ ،)1‬وإما‬
‫أن تكون كتبًا تبح في ى ئية واحدة‪ :‬كالبناء على القبور‪ ،‬أو تقتصر على‬
‫ذكر القول الراىح دون بح أو مناقشـة أو اسـتدالل‪ ،‬أو تقتصـر على نقل‬
‫الفتـاون‪ ،‬فتكون إفـادة جـالـب العلم منهـا محـدودة‪ ،‬أو تفتقـد للتن يم والترتيـب‪،‬‬
‫وال أدَّعي أنني سوف أحقق الهدف‪ ،‬وإنما أسعى ىاهدًا بإذن هللا‪.‬‬
‫‪ -6‬محـاولـة تقريـب الموضـــــوع‪ ،‬وتســـــهيـل معرفـة أحكـامـه لجلبـة العلم؛ حتى‬
‫يسهموا في محاربة البدع‪.‬‬
‫حدود البح ‪:‬‬
‫ســــوف يقتصــــر البح ‪-‬بإذن هللا تعالى‪ -‬على البدع الخاصــــة بالمقابر‪ ،‬م‬
‫تفنيدها في ضــــوء عقيدة أهل الســــنة والىماعة‪ ،‬م ذكر الدليل من الكتاب والســــنة‬
‫وإىماع العلماء‪ ،‬وربج ذلك ببعس الممارسات البدعية في بعس بالد المسلمين‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫‪ )1‬كتبه شـــيإل ا ســـالم ابن تيمية في االقتضـــاء‪ ،‬وابن القيم في ا غاثة‪ ،‬واالعتصـــام للشـــاجبي‪،‬‬
‫والحواد والبدع للجرجوشــي‪ ،‬وأبو شــامة في الباع على إنكار البدع والحواد ‪ ،‬وابن الحا‬
‫في المدخل‪ ،‬وشـفاء الصـدور في يارة المشـاهد والقبور للكرمي‪ ،‬والبدع والنهي عنها لمحمد بن‬
‫وضا ‪ ،‬وعمارة القبور للمعلمي‪ ،‬وغيرها من كتب أهل ا سالم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪10‬‬

‫‪ -1‬ذكر أشـهر البدع العقدية في المقابر‪ ،‬مسـتشـهدًا بكالم أئمة ا عالم وبعس‬
‫العلمـاء‪ ،‬على كون هـذه األمور مبتـدعـة‪ ،‬لي لهـا أصـــــل من الكتـاب‪ ،‬أو‬
‫السنة‪ ،‬أو ا ىماع‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق الخالف ‪-‬ما استجعت‪ -‬في بعس األمور التي اختلف فيها العلماء‪.‬‬
‫‪ -3‬ع و اايات القرآنية إلى مواضــعها في القرآن الكريم‪ ،‬وتخريج األحادي‬
‫وااثار من مصــادرها األصــلية‪ ،‬وإذا كان الحدي في الصــحيحين اكتفى‬
‫ـيف مصـدر آخر للفائدة‪،‬‬ ‫بتخريىه منها‪ ،‬أو اقتصـرت على أحدهما‪ ،‬وقد أضض م‬
‫وإن كان في غيرها خرىته م الحكم عليه من خالل أحد المتخصصين أو‬
‫المحققين‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ -4‬أجلــت في التمهيــد؛ ألهميــة معرفــة حكم المبتــدع‪ ،‬والتفريق بين العــالم‬
‫والىـاهـل والمتـهول‪ ،‬والفرق بين الفعـل والفـاعـل‪ ،‬بســـــبـب أهميتـه؛ حيـ‬
‫ســيصــل القارى إلى قضــايا ضح عك مم عليها بالشــرك األكبر‪ ،‬فالبد أن يعرف‬
‫الفروق بين النـا من حيـ األحكـام‪ ،‬والىهـل والعمـد والتـهويـل والمتعمـد؛‬
‫لذا أجلت‪ ،‬حتى يخر القارى بنتيىة واضحة‪.‬‬
‫‪ -5‬في بعس الفصـــول أذكر األدلة في أول المبح ابتعادًا عن التكرار‪ ،‬ولذا‬
‫عندما أنقل كالم أحد األئمة قد استدل لقوله بهدلة أقول‪ :‬وقد استدل بما سبق‬
‫ذكره من األدلة‪ .‬كل هذا تحاشـيًا للتكرار قدر المسـتجاع ‪ ،)1‬ولم أل م نفسـي‬
‫بهـذا‪ ،‬وإنمـا محـاولـة فقج‪ ،‬قـد أهملهـا في بعس المبـاحـ ‪ ،‬وهي قليلـة؛ لعـدم‬
‫كثرة األدلة التي أستند عليها‪.‬‬
‫‪ -6‬لم أحاول ا جالة في قضــــايا كثرت بها المتلفات المجولة والمختصــــرة‬
‫والميسـرة‪ :‬كقضـية التوسـل وشـبهها؛ وإنما اكتفيت بعرضـها بشـكل موى‬
‫ومختصـر‪ ،‬م التعرس ألبر شـبههم وبيان التوسـل المشـروع والممنوع‪،‬‬
‫وأحلت لمن أراد الم يد إلى كتب متخصصة‪.‬‬
‫‪ -7‬صدَّرت بعس المباح بتعريفات لغوية واصجالحية‪.‬‬
‫‪ -8‬قمت بالترىمة لءعالم الذين ترد أسماتهم في صلب الرسالة‪.‬‬
‫‪ -9‬كل كالم بين عالمتي تنصــــي فهو منقول بنصــــه‪ ،‬وإذا تصــــرفت في‬
‫حروف يسـيرة منه أشـرت في الهامع عقب ا حالة بلف بتصـرف‪ ،‬أما إذا‬
‫نقل الكالم بمعناه‪ ،‬أو بتصـرف كثير‪ ،‬ال أضـعه بين عالمتي تنصـي ‪ ،‬بل‬
‫أصدر ا حالة بلف ‪ :‬ان ر‪.‬‬

‫‪ )393 ،295 /‬كهمثلة‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬


‫‪11‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -10‬ذكر بيـانـات المرى كـاملـة في الهـامع‪ ،‬وإذا تكرر المرى اقتصـــــرت‬


‫على اسم الكتاب‪ ،‬م الع و للى ء والصفحة‪.‬‬
‫‪ -11‬تذييل الدراسة بفهار وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬فهر اايات القرآنية مرتبة حسب ترتيب السور‪.‬‬
‫ب‪ -‬فهر األحادي وااثار‪.‬‬
‫ت‪ -‬فهر األعالم المترىم لهم‪.‬‬
‫‪ -‬فهر المصادر والمراى ‪.‬‬
‫ىـ‪ -‬فهر للمحتويات حسب تسلسل البح ‪.‬‬
‫تصور أى اء الدراسة‪:‬‬
‫قمت بتقسيم هذا البح إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬المقدمة وذكرت فيها‪:‬‬
‫مشكلة البح ‪.‬‬
‫أسباب اختيار الموضوع‪.‬‬
‫حدود البح‬
‫منهج الدراسة‪.‬‬
‫‪ )2‬التمهيد وقسمته إلى مبحثين‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬تعريف البدعة‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫المجلب األول‪ :‬البدعة في لغة العرب‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬البدعة في االصجال ‪.‬‬
‫المجلب الثال ‪ :‬مناقشة األقوال‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬الحكم على البدع‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪ :‬وقد حذفت هذا المبح‬
‫ليجب في كتاب مستقل باسم‪ :‬منهج أهل السنة والىماعة في‬
‫التعامل م أهل البدع‪ .‬م إضافة مباح و يادات أخرن‪.‬‬
‫المجلب األول‪ :‬حكم البدعة‪ ،‬وقد قسم إلى بدع كبيرة وصغيرة‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬حكم المبتدع الىاهل‪.‬‬
‫المجلب الثال ‪ :‬مناقشة األقوال‪.‬‬
‫المتهول‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬حكم المبتدع‬
‫المتهول المختلف في كفره وإعذاره‪.‬‬‫َّ‬ ‫المجلب الخام ‪:‬‬
‫المجلب الساد ‪ :‬التوقف في المسهلة‪.‬‬
‫المجلب الساب ‪ :‬الـمـنـاقـشـة‪.‬‬
‫المجلب الثامن‪ :‬حكم المبتدع العالم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪12‬‬

‫‪ )3‬الفصول وقد قض عسمت إلى تسعة فصول‪:‬‬


‫_ الفصل األول‪ :‬أسباب االفتتان بالقبور‪ ،‬وفيه عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬الىهل بحقيقة هذا الدين‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬نشر أحادي مكذوبة‪.‬‬
‫يروىه السدنة‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬ما ع‬
‫‪ -‬المبح الراب ‪ :‬سكوت علماء السنة‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الخام ‪ :‬تشىي بعس الحكومات لهذه البدعة‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الساد ‪ :‬ما يبثه علماء السوء‪.‬‬
‫تحول البدع إلى عادة يصعب تركها‪.‬‬ ‫‪ -‬المبح الساب ‪ :‬ن‬
‫ً‬
‫‪ -‬المبح الثامن‪ :‬األخذ بغير ما اعتبره الشرع جريقا ثبات الحكم‪.‬‬
‫‪ -‬المبح التاس ‪ :‬الىهل بهساليب لغة العرب‪.‬‬
‫‪ -‬المبح العاشر‪ :‬الىهل بمقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الحادي عشر‪ :‬الغلو في العقل‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني عشر‪ :‬سوء الفهم للقرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال عشر‪ :‬الغلو في الصالحين‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الراب عشر‪ :‬تقليد الكفرة‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الخام عشر‪ :‬تع يم ااثار‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الساد عشر‪ :‬اتباع الهون‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الساب عشر‪ :‬وسائل ا عالم‪.‬‬
‫_ الفصل الثاني‪ :‬صفة البدع خار القبر‪ ،‬وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬تعريف القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬صفة القبر الشرعية‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أن يعمق ويوس ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬اللحد والشق‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬نصب اللبن وتسويته على اللحد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬تسنيم القبر وتسجيحه‪.‬‬
‫شبرا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬رف القبر ً‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬وض الحصباء على القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬رع الماء على القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثامن‪ :‬تعليم القبر حتى يعرف‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬المخالفات خار القبر‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬التفريق بين قبر الرىل والمرأة‪.‬‬


‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬الكتابة على القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬رف القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬الـتـىـصـيـ ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬تجيين القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬وض الستور على القبر‪.‬‬
‫_ الفصل الثال ‪ :‬صفة البدع داخل القبر‪ ،‬وفيه عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبحـ األول‪ :‬أخـذ حفنـة من تراب القبر‪ ،‬وحثوهـا على الكفن بعـد قراءة‬
‫القرآن عليها‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬وض المصاحف وغيرها داخل القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬دفن الميت‪ ،‬وفيه مجلبان‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬دفن الميت في تابوت‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬دفن الميت بىانب الجفل تفاتال به‪.‬‬
‫_ الفصل الراب ‪ :‬البدع الحادثة فيما يتعلق فـي المقابر‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬ت يين المقابر وتىميلها‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬ت يين المقبرة وتىميلها‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬وض األشىار في المقابر؛ لغرس شرعي‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬وض م الت للتع ية‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬وض قفل على سور المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬م ن الع ام وقرضها‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬أكل العيدان الموىودة في المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬رمي الحبوب على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثامن‪ :‬وض الجيب على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب التاس ‪ :‬إلقاء عرائس الشكون على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬إنارة المقابر‪.‬‬
‫_ الفصل الخام ‪ :‬بناء المساىد على القبور والصالة فيها‪ ،‬وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬بناء القباب وال وايا والمقامات على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبحـ الثـاني‪ :‬بنـاء القبور في المســـــاىـد‪ ،‬والمســـــاىـد على القبور‪ ،‬وفيـه‬
‫مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أدلة التحريم‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬موقف العلماء من البناء على القبور‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪14‬‬

‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬ال ن‬


‫شبه التي يثيرها من يرن ىوا البناء على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬قبر الرسول ﷺ وما يثار عنه‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أين دفن النبي ﷺ ؟‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬سد الصحابة ‪ ‬ىمي الجرق المتدية لعبادة القبر‪.‬‬
‫ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن القبر ما كان في المسىد‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬متى أضيفت الحىرة للمسىد؟‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬رد دعون عدم ا نكار على الوليد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الســاد ‪ :‬إثبات االحتياجات التي حدثت في عهد الوليد تحاش ـيًا من‬
‫إدخال الحىرة في المسىد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬القبة التي فوق قبر النبي ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الراب ‪ :‬حكم الصالة في المساىد التي فيها القبور‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أدلة تحريم الصالة في القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الصالة عند القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬هل أىا بعس أهل العلم الصالة في المقبرة؟‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬حكم من صلى في المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬علة النهي عن الصالة في المقابر‪.‬‬
‫_ الفصل الساد ‪ :‬ال يارة‪ ،‬وفيها عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬حكم يارة الرىال للقبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬حكم يارة النساء للقبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬ش ند الرحال ل يارة القبور‪ ،‬والرد على شبه المىي ين‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الراب ‪ :‬حكم اتخاذ القبور عيدًا‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف العيد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬األدلة التي تبين حرمة اتخاذ القبور أعيادًا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬من م اهر اتخاذ القبور أعيادًا‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الخام ‪ :‬ش ند الرحال ل يارة قبر الرسول ﷺ‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬حكم يارة قبر الرسول ﷺ ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلــب الثــاني‪ :‬حكم شـــــ عـد الرحــال ل يــارة قبره ﷺ‪ ،‬والرد على أدلــة‬
‫المىو ين‪.‬‬
‫ع‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬آداب يارة قبر الرسول ﷺ ‪.‬‬
‫_ الفصل الساب ‪ :‬األذكار واألدعية فـي المقابر‪ ،‬وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪15‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -‬المبح األول‪ :‬قراءة القرآن‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬


‫ي إلى الميت؟‪.‬‬ ‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬هل تصل األعمال التي يعملها الح ن‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬إهداء ثواب قراءة القرآن للميت‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬هل ينتف الميت بقراءة القرآن؟‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬قراءة القرآن في المقابر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬الوع واألذان‪ ،‬وفيه مجلبان‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬الموع ة عند القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬األذان وا قامة عند القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬الدعاء عند القبر‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬إثبات بهن الدعاء عبادة من خالل األدلة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬شبهات القبورية‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم في حكم دعاء األموات‪.‬‬
‫_ الفصل الثامن‪ :‬تع يم القبور‪ ،‬وفيه عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬الجواف بالقبر‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬إثبات أن الجواف عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الجواف حول القبر‪.‬‬
‫شبمه يوردها من يرون الجواف حول القبر‪.‬‬ ‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬ض‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬التبرك والتمسح بالقبور‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫التبرك‪.‬‬
‫ن‬ ‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف‬
‫التبرك‪.‬‬
‫ن‬ ‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬حكم‬
‫التبرك بقبره ﷺ ‪.‬‬‫ن‬ ‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬موقف أهل العلم من‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬المىاورة عند قبور الصالحين‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف المىاورة واالعتكاف‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن االعتكاف عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن االعتكاف في غير المساىد منهج أهل الىاهلية‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬أقوال أهل العلم في العكوف عند القبور‪.‬‬
‫_ الفصل التاس ‪ :‬القربات فـي المقابر‪ ،‬وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬الذبح عند القبر‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬إثبات أن الذبح عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬أدلة تحريم الذبح عند القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن الذبح لغير هللا هو منهج أهل الىاهلية‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪16‬‬

‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬شبهة يحتج بها من يرن ىوا الذبح‪.‬‬


‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬أقوال أهل العلم في الذبح لغير هللا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬حكم الذبح لغير هللا‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬النذر للقبور‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف النذر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن النذر عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم فيمن نذر لغير هللا‪.‬‬
‫عبَّاد القبور‪.‬‬
‫يروىها ض‬
‫شبه التي ع‬ ‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬بعس ال ن‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬حكم النذر لغير هللا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬تو ي المياه في المقابر‪.‬‬
‫_ التوصيات وا قتراحات‪.‬‬
‫_ الـخـاتـمـة‪.‬‬
‫_ ملحق الصور‪.‬‬
‫_ الفهار العامة‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫التمهيـد‬
‫* وفيه مبحثان‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬تعريف البدعة‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬البدعة في لغة العرب‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬البدعة في االصجال ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬مناقشة األقوال‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬الحكم على البدع‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬حكم البدعة‪ ،‬وقد قض عسم إلى بدع كبيرة وصغيرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬حكم المبتدع الىاهل‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬مناقشة األقوال‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬حكم المبتدع المتهول‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬المتهول المختلف في كفره وإعذاره‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬التوقف في المسهلة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬المناقشـة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثامن‪ :‬حكم المبتدع العالم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪18‬‬

‫المبح األول‬
‫تعريف البدعة‬
‫* المجلب األول‪ :‬البدعة في لغة العرب لها معنيان‪:‬‬
‫المعنى األول‪ :‬الشيء المخترع من غير مثال سابق‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ) [األحقاف‪ .]9 :‬فيقال لمن أتى بهمر لم يســبق إليه‪ :‬قد ابتدع‪ .‬فعندما يقال‪ :‬فالن بدع‬
‫في هذا األمر‪ .‬فمعناه‪ :‬أنه أول من ىاء به ولم يسـبقه أحد‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬ﮓ ﮔ) [الحديد‪:‬‬
‫‪.]27‬‬
‫ولذا وصــف هللا نفســه بهنه‪( :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ) [البقرة‪ ،]117 :‬بداعه إياها‪ ،‬وإحداثه‬
‫لها من غير مثال سابق‪ ،‬فمن هنا هر لنا المعنى األول عند العرب ‪.)1‬‬
‫المعنى الثـاني‪ :‬التعـب والكمالل واالنقجـاع‪ ،‬فيقـال‪ :‬أبـدعـت ا بـل‪ .‬إذا بركـت في‬
‫ً‬
‫رىال قال‪ :‬يا رســــول هللا‪ ،‬إني‬ ‫الجريق من ه ال أو داءٍ أو كالل‪ ،‬وفي الحدي ‪ :‬أن‬
‫أبدع فاحملني» ‪.)2‬‬
‫فتبين لنـا‪ :‬أن المعنى الثـاني يعود إلى األول؛ فيضقـال أبـدعـت الراحلـة‪ :‬أي بركـت‬
‫في الجريق‪ ،‬فدل على أن التعب قد أصـــابها بعد أن لم يكن بها‪ ،‬فهذا أمر حاد ؛ ألن‬
‫المعتاد منها االستمرار في السير‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬البدعة في ا صجال ‪:‬‬
‫اختلف العلماء في تحديد معناها‪ ،‬فمنهم من ىعلها في مقابل السـنة‪ ،‬ومنهم من‬
‫ىعلها عامة من غير تخصـي ‪ ،‬فتشـمل كل ما أضحِ عد بعد عصـر الرسـول ﷺ‪ ،‬بغس‬
‫الن ر عن أن كون هذا الفعل محمودًا أو مذمو ًما‪ ،‬وإليك التفصيل‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ذهب بعس أهل العلم إلى أن كل ما حد بعد رسول الهدن ﷺ‬
‫هو بدعة‪ ،‬سوا ًء أكان محمودًا‪ ،‬أو مذمو ًما‪.‬‬

‫‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬البن من ور‪ ،‬مادة‪ :‬بدع‪ ،‬دار إحياء الترا العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ )2‬رواه مســــلم‪ ،‬كتاب ا مارة‪ ،‬باب فضــــل إعانة الغا ي في ســــبيل هللا بمركوب وغيره‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.)1893‬‬
‫‪19‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -‬فقـال الشـــــافعي ‪ : )1‬البـدعـة بـدعتـان‪ :‬بـدعـة محمودة‪ ،‬وبـدعـة مـذمومـة‪ ،‬فمـا‬


‫وافق السنة فهو محمود‪ ،‬وما خالف السنة فهو مذموم» ‪.)2‬‬
‫‪ -‬وقال الع ن بن عبد الســالم ‪ :)3‬البدعة فعل لم يضعهد في عهد رســول هللا ﷺ‬
‫» ‪.)4‬‬
‫‪)6‬‬ ‫‪)5‬‬
‫‪ -‬وإلى هذا ذهب ابن‪)7‬األثير كما في النهاية‪. )8‬‬
‫‪ -‬وهو قول النووي كما في شرحه لمسلم ‪.‬‬
‫وسـبب قولهم هذا ما ضروي عن عمر ‪ ‬حي قال عن صـالة التراويح‪ :‬نعم‬
‫البدعة هذه» ‪.)9‬‬

‫القرشـي يىتم م الرسـول ﷺ في عبد‬ ‫بن العبا‬ ‫‪ )1‬الشـافعي هو‪ :‬ا مام أبو عبد هللا محمد بن إدري‬
‫مناف‪ .‬ولد ‪ −‬سـنة ‪150‬هــــــ)‪ ،‬وتوفي سـنة ‪204‬هــــــ) عن أرب وخمسـين سـنة‪ ،‬وقد اشـتهر بعلمه‬
‫ودينه‪ ،‬وحسن سيرته ومذهبه قائم ومعروف‪.‬‬
‫[سير أعالم النبالء ‪.])10 /5‬‬
‫‪ )2‬فتح الباري ‪ )253 /13‬البن حىر العسقالني‪ ،‬دار الريان‪ ،‬الجبعة الثانية‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )3‬الع بن عبد الســالم هو‪ :‬عبد الع ي بن عبد الســالم بن أبي القاســم الســلمي الدمشــقي‪ .‬ولد ســنة‬
‫‪577‬هـــــ) في دمشق‪ ،‬وتوفي سنة ‪660‬هـــــ) بالقاهرة وهو من فقهاء الشافعية‪ ،‬تولى الخجابة في‬
‫دمشق وتولى معها القضاء في مصر‪ .‬من كتبه‪ :‬قواعد األحكام‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،)223 /13‬وجبقات الشافعية ‪.])209 /8‬‬
‫‪ )4‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬ألبي محمد عبد الع ي بن عبد السالم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان ‪ )172 /2‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ )5‬هو‪ :‬محمد بن محمد بن عبد الكريم الشـيباني ولد سـنة ‪ 544‬هــــــ)‪ ،‬في الموصـل‪ ،‬وتوفي فيها سـنة‬
‫‪606‬هـ)‪ ،‬وهو محد ولغوي‪.‬‬
‫[النهاية في غريب الحدي ‪ )106 /1‬البن األثير‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الجبعة األولى ‪1418‬هـ)]‪.‬‬
‫ومن أهم كتبه‪ :‬ىام األصول في أحادي الرسول)‪ .‬تضرىم لـــه في وفيات األعيان ‪ ،)141 /4‬والبداية‬
‫‪ ،)52 /13‬وشذرات الذهب ‪.)22 /5‬‬
‫‪ )6‬النهاية في غريب الحدي ‪ )106 /1‬البن األثير‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الجبعة األولى ‪1418‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )7‬النووي هو‪ :‬يحيى بن شـرف بن مري الحوراني النووي الشـافعي‪ .‬ولد سـنة ‪631‬هــــــ) بقرية نون‬
‫بسـورية‪ ،‬وتوفي سـنة ‪676‬هــــــ)‪ .‬وهو إمام بالفقه والحدي وقد عضرف بورعه و هده‪ .‬ومن أشـهر‬
‫كتبه‪ :‬رياس الصالحين)‪ ،‬و األربعين النووية)‪ .‬ترىم لــه في‪ :‬النىوم ال اهرة ‪ ،)278 /7‬وجبقات‬
‫الشافعية للسبكي ‪ ،)395 /8‬وشذرات الذهب ‪.)354 /5‬‬
‫‪ ،)1105 /‬لإلمام محيي الدين النووي‪ ،‬جبعة بيت األفكار‬ ‫‪ )8‬المنها في شـر مسـلم بن الحىا ‪،‬‬
‫الدولية‪ ،‬الرياس‪ ،‬د ‪ -‬ت‪.‬‬
‫‪ )9‬أخرىه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب صالة التراويح‪ ،‬باب فضل من قام رمضان‪ ،‬رقم‪.)2010 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪20‬‬

‫ـب أصــــحـاب هـذا القول إلى أن كـل مـا خـالف الســــنـة فهو‬ ‫القول الثـاني‪ :‬ويـذه‬
‫بدعة‪ ،‬وبه قال الشـــاجبي ‪ )1‬كما في االعتصـــام‪ ،‬حي قال في تعريفها‪ :‬إنها جريقة‬
‫التعبد هلل‬ ‫في الدين مخترعة تضـــاهي الشـــرعية‪ ،‬يقصـــد بالســـلوك عليها المبالغة في‬
‫سبحانه» ‪ . )2‬ثم قال‪ :‬وهذا على رأي من ال يدخل العادات في معنى البدعة» ‪.)3‬‬
‫وهذا ما قرره شـيإل ا سـالم ‪ )4‬حي قال‪ :‬وقررنا في قاعدة السـنة والبدعة‪،‬‬
‫أن البدعة في الدين‪ :‬هي ما لم يشرعه هللا ورسوله‪ ،‬وهو ما لم يضهمر به أمر إيىاب وال‬
‫علم األمر به باألدلة الشــرعية‪،‬‬‫اســتحباب‪ .‬فهما ما أضمر به أمر إيىاب أو اســتحباب‪ ،‬و ض‬
‫فهو من الدين الذي شرعه هللا‪ ،‬وإن تنا ع أولو األمر في بعس ذلك‪ .‬وسواء أكان هذا‬
‫مفعوال على عهد النبي ﷺ أو لم يكن‪ ،‬فما فضعل بعده بهمره من قتال المرتدين والخوار‬ ‫ً‬
‫المـارقين‪ ،‬وفـار والروم والترك‪ ،‬وإخرا اليهود والنصـــــارن من ى يرة العرب‬
‫وغير ذلك‪ ،‬هو من سنته‪.‬‬
‫يقول‪ :‬ســن رســول هللا ﷺ ســننًا‪ ،‬العمل‬ ‫)‬‫‪5‬‬
‫ولهذا كان عمر بن عبد الع ي‬
‫بها واتباعها تصــديق لكتاب هللا‪ ،‬واســتكمال لجاعة هللا‪ ،‬وقوة على دين هللا‪ ،‬لي ألحد‬
‫تغييرها وال الن ر في رأي من خالفها‪ ،‬من اهتدن بها فهو مهتد‪ ،‬ومن اســـتنصـــر بها‬
‫فهو منصـور‪ ،‬ومن خالفها واتب غير سـبيل المتمنين واله هللا ما تولى‪ ،‬وأصـاله ىهنم‪،‬‬
‫مصيرا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫وساءت‬
‫فســنة خلفائه الراشــدين هي‪ :‬مما أمر هللا به ورســوله‪ ،‬وعليه أدلة شــرعية‬
‫مفصلة لي هذا موضعها» ‪.)6‬‬

‫دون لتاريإل‬‫‪ )1‬هو إبراهيم بن موســـى اللخمي الغرناجي‪ ،‬توفي ســـنة ‪790‬هــــــــ)‪ ،‬ولم أىد من َّ‬
‫والدته‪ ،‬ومن أبر كتبه‪ :‬كتاب االعتصـام)‪ ،‬وكتابه الشـهير في أصـول الفقه الموافقات)‪ ،‬ترىم‬
‫لـه في األعالم ‪ ،)75 /1‬ومعىم المتلفين ‪.)118 /1‬‬
‫‪ )2‬االعتصــام ألبي إســحاق الشــاجبي ‪ ،)50 /1‬تحقيق‪ :‬ســليم الهاللي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار ابن عفان‪،‬‬
‫الجبعة الثالثة ‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )3‬المصدر السابق ‪.)51 /1‬‬
‫‪ )4‬ابن تيمية هو‪ :‬ا مام المىاهد شــيإل ا ســالم تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن أبي البركات ابن‬
‫تيمية الحراني الدمشـقي‪ ،‬ولد في حران ‪661‬هــــــ) وتوفي مسـىونًا بقلعة بدمشـق ‪728‬هــــــ)‪،‬‬
‫عالمـة في ىمي الفنون‪ ،‬عضرف بســــعـة علمـه وورعـه و هـده وكثرة منـا راتـه‪ ،‬ســـــيرتـه مءت‬‫َّ‬
‫اافاق‪ ،‬وكتبه مشــهورة معروفة ضىلنها مجبوع محقق‪ ،‬ومن أشــهرها‪ :‬درء التعارس)‪ ،‬و منها‬
‫السنة)‪.‬‬
‫‪ )5‬هو عمر بن عبد الع ي بن مروان أبو حف ‪ ،‬من بني أمية ولد بحلوان قرية في مصـــر ســـنة‬
‫‪ 63‬هــــــ)‪ ،‬تولى الخالفة بعد ســليمان بن عبد الملك‪ ،‬اشــتهر بالعدل وال هد والورع عندما ولي‬
‫عدال‪ ،‬توفي بعد خالفته بســـنتين وبضـــعة أشـــهر في ســـنة‬‫الخالفة‪ ،‬و ضملئت األرس في عهده ً‬
‫‪101‬هــــ)‪ ،‬ولــــه من العمر ‪ 39‬سنة‪ ،‬و‪ 6‬أشهر‪ ،‬تضرىم لــــه في عدد من الكتب‪ ،‬ومن أبر ها‪:‬‬
‫تاريإل الخلفاء للسيوجي ‪ ،)273‬وسير أعالم النبالء ‪.)114 /5‬‬
‫‪ )6‬مىموع الفتاون البن تيمية ‪ ،)108 ،107 /4‬ىم الشـــيإل عبد الرحمن القاســـم وابنه محمد‪،‬‬
‫جبعة و ارة الشتون ا سالمية بالسعودية‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقد اســتدل أصــحاب هذا القول‪ .‬بما رواه ىابر ‪  )1‬قال‪ :‬كان رســول هللا‬
‫احمرت عيناه‪ ،‬وعال صـــوته‪ ،‬واشـــتد غضـــبه‪ ،‬حتى كهنه منذر ىيع‬ ‫َّ‬ ‫ﷺ إذا خجب‬
‫يقول‪ :‬صـبحكم ومسـاكم»‪ ،‬ويقول‪ :‬بعثت أنا والسـاعة كهاتين»‪ ،‬ويقرن بين أصـبعيه‬
‫الســبابة والوســجى‪ ،‬ويقول‪ :‬أما بعد‪ :‬فإن خير الحدي كتاب هللا‪ ،‬وخير الهدي هدي‬
‫محمد‪ ،‬وشـــر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضـــاللة»‪ .‬ثم يقول‪ :‬أنا أولى بكل متمن‬
‫ي» ‪.)2‬‬ ‫ي وعل َّ‬ ‫ماال فءهله‪ ،‬ومن ترك دينًا أو ضيا ً‬
‫عا فإل َّ‬ ‫من نفسه‪ ،‬من ترك ً‬
‫عـا وموقوفًـا أنـه كـان يقول‪ :‬إنمـا همـا‬ ‫وبمـا رواه ابن مســـــعود ‪  )3‬مرفو ً‬
‫اثنتان الكالم والهدي‪ ،‬فهحســــن الكالم كالم هللا‪ ،‬وأحســــن الهدي هدي محمد ﷺ‪ ،‬أال‬
‫وإيـاكم ومحـدثـات األمور‪ ،‬فـإن شـــــر األمور محـدثـاتهـا‪ ،‬وكـل محـدثـة بـدعـة‪ ،‬وكـل بـدعـة‬
‫ضاللة» ‪.)4‬‬
‫وبما رواه العرباس بن ســارية ‪  )5‬قال‪ :‬صــلى بنا رســول هللا ﷺ ذات‬
‫يوم‪ ،‬ثم أقبـل علينـا‪ ،‬فوع نـا موع ـة بليغـة‪ ،‬ذرفـت منهـا العيون‪ ،‬ووىلـت منهـا القلوب‪،‬‬

‫‪ )1‬هو الصـــحابي الىليل ىابر بن عبد هللا بن عمرو بن حرام بن كعب األنصـــاري الســـلمي‪ ،‬أحد‬
‫المكثرين للرواية عن النبي ﷺ‪ ،‬شهد العقبة وأكثر المشاهد م رسول هللا ﷺ‪ ،‬كانت لـــه بعد وفاة‬
‫النبي ﷺ حلقة في المسىد النبوي يتخذ عنه العلم‪ ،‬توفي ‪ ‬سنة ‪74‬هـــ) أو ‪76‬هـــ)‪ .‬تضراى‬
‫ترىمته في‪ :‬ا صابة في تميي الصحابة ‪ ،)214 /1‬ترىمة رقم‪.)1026 /‬‬
‫‪ )2‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الىمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخجبة‪ ،‬رقم‪.)867 /‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬الصـــحابي الىليل عبد هللا بن مســـعود بن غافل بن حبيب الهذلي‪ ،‬أبو عبد الرحمن‪ .‬حليف‬
‫مبكرا في مكة حين أسـلم سـعيد بن يد و وىته فاجمة بنت الخجاب‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه‬ ‫ً‬ ‫بني هرة‪ ،‬أسـلم‬
‫أســلم ســاد ســتة‪ ،‬وهو أول من ىهر بالقرآن في مكة حتى أوذي في ذلك‪ ،‬خدم الرســول ﷺ‪،‬‬
‫بدرا وأحدًا وسـائر المشـاهد‪ ،‬من أعلم الصـحابة بالقرآن‬
‫وهاىر الهىرتين‪ ،‬وصـلى القبلتين‪ ،‬وشـهد ً‬
‫والتفسير‪ ،‬وقد شهد لـــــه الرسول ﷺ بذلك‪ .‬وىهه عمر بن الخجاب ‪ ‬إلى الكوفة يعلعم النا ‪،‬‬
‫واستقدمه عثمان إلى المدينة‪ ،‬وتوفي بها سنة ‪32‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬ترىمته في‪ :‬االستيعاب ‪ ،)316 - 308 /2‬وا صابة ‪ ،)362 - 360 /2‬ترىمة رقم‪/‬‬
‫‪.])4954‬‬
‫‪ )4‬رواه ابن ماىه‪ ،‬المقدمة‪ ،‬رقم‪ ،)46 /‬جبعة بيت األفكار الدولية للنشـر والتو ي ‪ ،‬الرياس‪ ،‬د ‪-‬‬
‫‪ ،)4 /‬الناشــر‪ :‬المكتب ا ســالمي‬ ‫ت‪ .‬وقد ضــعفه األلباني ‪ −‬في ضــعيف ســنن ابن ماىه‬
‫‪ ،)299 /‬الناشر‪ :‬المكتب‬ ‫بدمشق‪ ،‬الجبعة األولى ‪1408‬هــ)‪ .‬وفي ضعيف الىام الصغير‬
‫ا سالمي بدمشق‪ ،‬الجبعة الثالثة ‪1410‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )5‬هو الصــحابي الىليل أبو نىيح العرباس بن ســارية الســلمي‪ ،‬كان من أهل الصــفة‪ ،‬توفي ســنة‬
‫‪75‬هـ)‪ .‬تضرىم لـه في ا صابة ‪.)466 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪22‬‬

‫فقال قائل‪ :‬يا رســــول هللا! كهن هذه موع ة مودع‪ ،‬فماذا تعهد إلينا؟ قال‪ :‬أوصــــيكم‬
‫ي عليكم عبد حبشي؛ فإنه من يعع منكم‪ ،‬فسيرن‬ ‫بتقون هللا‪ ،‬والسم والجاعة‪ ،‬وإن ول َّ‬
‫كثيرا‪ ،‬فعليكم بسـنتي وسـنة الخلفاء الراشـدين المهديين‪ ،‬تمسـكوا بها‪ ،‬وعضـوا‬ ‫ً‬ ‫اختالفًا‬
‫عليها بالنواىذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضــــاللة»‬
‫‪.)1‬‬
‫وبما ورد عن ابن مسعود حي قال‪ :‬اتبعوا وال تبتدعوا‪ ،‬فقد كفيتم» ‪.)2‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬الـمـنـاقـشـة‪:‬‬
‫تقسـيم البدعة إلى حسـنة وقبيحة‪ ،‬ومحمودة ومذمومة‪ ،‬لي لــــــه في الشـرع‬
‫مسـتند؛ ألنه يعارس كمال هذا الدين‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ) [المائدة‪ .]3 :‬فاسـتحسـان عمل من أعمال البشـر يقتضـي ال يادة على‬
‫صا‪ ،‬وال يقول بهذا أحد‪.‬‬
‫هذا الكمال‪ ،‬وعلى أنه كان في منه ﷺ ناق ً‬
‫وأما ما ورد عن عمر ‪ ‬بوصـفه صـالة التراويح بالبدعة‪ ،‬فتحمل على أنها‬
‫وصـفة لغوية ال شرعية؛ ألن البدعة في لغة العرب‪ :‬تعم كل فعل من غير مثال سابق‪.‬‬
‫فإذا ثبت عنه ﷺ اســـتحباب فعل‪ ،‬أو إيىابه بعد موته‪ ،‬أو دل عليه مجلقًا‪ ،‬ثم اندر‬
‫ثم أضحيي بعد ذلك‪ ،‬فإن هذا العمل يصـــح أن يوصـــف في اللغة بالبدعة؛ ألنه قد ابتدى‬
‫العمل به‪.‬‬
‫ومما يتكد هذا أن صـــالة التراويح ســـنة ثابتة عن رســـول هللا ﷺ وليســـت‬
‫مبتدعة؛ ألنه ثبت عنه ﷺ أنه صالها ىماعة في أول شهر رمضان ثال ليال‪ ،‬ولما‬
‫اد الىم ‪ ،‬وكثر الحشد‪ ،‬امتن عن خروىه إليهم رحمة بهم؛ خشية أن تفرس عليهم‪،‬‬
‫وبيَّن لهم عنـدمـا قـال‪ :‬أمـا بعـد‪ :‬فـإنـه لم يخف علي مكـانكم‪ ،‬ولكن خشــــيـت أن تضفرس‬
‫عليكم فتعى وا عنها» ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬رواه أحمـد ‪ ،)126 /4‬النـاشـــــر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬د ‪ -‬ت‪ .‬وأبو داود‪ ،‬كتـاب الســــنـة‪ ،‬بـاب في ل وم‬
‫السنة‪ ،‬رقم‪ ،)4607 /‬سنن أبي داود‪ ،‬اعتنى به فريق بيت األفكار الدولية‪ ،‬عمان د‪ .‬ت‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫م شـرحه عون المعبود ‪ ،)358 /12‬شـر سـنن أبي داود‪ ،‬لشـم الحق الع يم أبادي‪ ،‬ضـبج‪:‬‬
‫عبد الرحمن محمد عثمان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1399 ،2‬هــــ)‪ .‬وقد صححه األلباني‬
‫في صـحيح سـنن ابن ماىة لءلباني ‪ ،)13 /1‬الناشـر‪ :‬مكتبة المعارف بالرياس‪ ،‬الجبعة األولى‬
‫الىديدة ‪1417‬هـــــــ)‪ .‬إرواء الغليل في تخريج أحادي منار الســبيل رقم‪ )2455 /‬لمحمد بن‬
‫ناصر الدين األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬الجبعة الثانية ‪1405‬هـ)]‪.‬‬
‫‪ )2‬قـال عنـه الهيثمي في مىم ال وائـد ومنب الفوائـد‪ :‬رواه الجبراني في الكبير‪ ،‬ورىـالـه رىـال‬
‫الصحيح‪ )181 /1 .‬جبعة دار الكتب العلمية ‪1408‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )3‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب صــالة التراويح‪ ،‬باب فضــل من قام رمضــان‪ ،‬رقم‪ ،)2012 /‬ومســلم‪،‬‬
‫كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب الترغيب في قيام رمضان‪ ،‬رقم‪.)761 /‬‬
‫‪23‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫فبين الرســول ﷺ علة عدم الخرو ‪ ،‬فلما كان في عهد عمر أحيا هذه الســنة؛‬
‫ألن الرســول ﷺ لم يمتن عن الخرو لعدم ســنيتها‪ ،‬وال ألنها نســخت‪ ،‬وإنما خشــية‬
‫االفتراس‪ ،‬فلمـا الـت هـذه العلـة؛ ألنـه ال فرس بعـد وفـاتـه ﷺ‪ ،‬أحيـاهـا عمر من ىـديـد‪.‬‬
‫فال يصـح بعد هذا أن يسـتدل بقول عمر على أن البدعة تختلف أحكامها من حسـنة إلى‬
‫سيئة‪.‬‬
‫يقول شـــــيإل ا ســـــالم ‪ :−‬وأمـا قول عمر‪ :‬نعمـت البـدعـة هـذه»‪ .‬فـهكثر‬
‫المحتىين بهـذا لو أردنـا أن نثبـت ضحك ًمـا بقول عمر ‪ ‬الـذي لم يخـالفوا فيـه لقـالوا‪ :‬قول‬
‫الصــــاحب لي بحىة‪ ،‬فكيف يكون حىة لهم في خالف قول رســــول هللا ﷺ‪ ،‬ومن‬
‫اعتقد أن قول الصــاحب حىة فال يعتقده إذا خالف الحدي ‪ ،‬فعلى التقديرين‪ :‬ال تصــلح‬
‫معارضـة الحدي بقول الصـاحب‪ .‬نعم‪ ،‬يىو تخصـي عموم الحدي بقول الصـاحب‬
‫الذي لم يخالف‪ ،‬على إحدن الروايتين‪ .‬فيفيدهم هذا ضحســن تلك البدعة‪ ،‬أما غيرها فال‪،‬‬
‫ثم نقول‪ :‬أكثر ما في هذا تسـمية عمر ‪ ‬تلك بدعة‪ ،‬م حسـنها فهذه تسـمية لغوية‪ ،‬ال‬
‫تسـمية شـرعية؛ وذلك أن البدعة في اللغة تع نم كل ما فضعل ابتدا ًء من غير مثال سـابق»‬
‫‪.)1‬‬
‫فالقول بالبدعة الحســنة قول على هللا بغير برهان‪ ،‬ويفســد الدين؛ ألن كل من‬
‫دعا إلى أمر لم يرد عن الشارع الحكيم فسوف يتستر بستار البدعة الحسنة‪ ،‬فكم ىلبت‬
‫المفاســد‪ ،‬وهتكت المحارم‪ ،‬وأوردت النا المهالك هذه البدعة المســتحســنة! فمن أين‬
‫ىاءت بدعة الموالد؟‪ ،‬وبناء األضـرحة على المقابر؟‪ ،‬وإقامة المتتم؟‪ ،‬إال من التضـليل‬
‫الذي ىاءنا باسم البدعة الحسنة‪.‬‬
‫‪)3‬‬ ‫‪)2‬‬
‫كل بدعة ضــــاللة» ‪ :‬إن‬ ‫يقول محمد علوي المالكي عند ذكر حدي‬
‫المراد بذلك البدعة الســيئة التي ال تدخل تحت أصــل شــرعي» إلى أن قال‪ :‬وحدي‬
‫البدعة هذا من هذا الباب‪ ،‬فعمومات األحادي وأحوال الصــحابة تفيد أن المقصــود به‬
‫البدعة السيئة‪ ،‬التي ال تندر تحت أصل كلي» ‪.)4‬‬
‫المحسنون للبدع؛ ألنهم قيَّدوا البدع المحرمة بالبدع السيئة‪.‬‬
‫ع‬ ‫وهذا القول يعتنقه‬

‫‪ )1‬اقتضـاء الصـراج المسـتقيم ‪ ،)593 ،592 /2‬لشـيإل ا سـالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬الدكتور‬
‫ناصر العقل‪.‬‬
‫‪ )2‬وهو محمد بن علوي بن عبا المالكي المكي الحســني‪ ،‬من أعالم المتصــوفة في هذا العصــر‪،‬‬
‫يصــف نفســه بخادم العلم الشــريف في البلد الحرام‪ ،‬من كتبه الذخائر المحمدية) و مفاهيم يىب‬
‫أن تصحح) و ال يارة النبوية بين الشرعية والبدعية)‪ ،‬وما ال يعيع في ضالله نسهل هللا لـــــه‬
‫الهداية‪.‬‬
‫‪.)30 ،29 ،28 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ ،)33 /‬لمحمد علوي مالكي‪.‬‬ ‫‪ )4‬مفاهيم يىب أن تصحح‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪24‬‬

‫وهـذا فيـه تعـ ٍد على الن الشـــــرعي‪ ،‬وذلـك بـالى م أن هـذا الـذي قـالـه هو‬
‫المراد‪ ،‬ولو قال بهن هذا فهمي للن لكان أهون َّ‬
‫الشـ َّرين‪ ،‬وأخف المفسـدتين‪ ،‬ثم يضقال‪:‬‬
‫بهن هذا الفهم مبني على أصـل فاسـد‪ ،‬وهو أن البدع تنقسـم إلى سـيس وحسـن من الناحية‬
‫الشرعية‪ ،‬فترتب على هذا األصل الفاسد هذا الفرع الفاسد الم عوم أنه هو مراد النبي‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫وأما قولــــــه في نعته للبدعة السـيئة بهنها التي ال تدخل تحت أصـل شـرعي أو‬
‫أصـل كلي‪ ،‬فمتصـور في سـائر المحدثات التي يقصـد بها القربة‪ ،‬ولي عليها دليل من‬
‫الكتاب أو السنة‪ ،‬أو ا ىماع‪ ،‬أو فعل الصحابة‪.‬‬
‫وينبني على ذلك‪ ،‬أنه لي هناك شيء من المحدثات‪ ،‬يجلق عليه بدعة حسنة‪،‬‬
‫داخال تحت أصــل شــرعي فلي‬ ‫ً‬ ‫وآخر يجلق عليه بدعة ســيئة؛ ألن المحد إذا كان‬
‫ببدعة شــرعية‪ ،‬وإن كان يجلق عليه بدعة من ىهة اللغة‪ ،‬ولكن باعتبار أن لهذا األمر‬
‫جا في فعل المكلف بما هو بدعة»‬ ‫أصال كليًّا‪ ،‬ال يمن أن يكون مخلو ً‬‫ً‬ ‫ً‬
‫أصال شرعيًا‪ ،‬أو‬
‫‪.)1‬‬
‫ومما يســتدل به على تحســين البدع‪ :‬بناء المدار ‪ .‬وهذه ليســت من البدع بل‬
‫أمورا تن يمية‪ ،‬وكيف يقارن‬‫ً‬ ‫لها أصـول شـرعية‪ ،‬كدار األرقم‪ ،‬وهذه ال تعدو أن تكون‬
‫وضــــ إشــــارات للمرور‪ ،‬وبناء مدار ‪ ،‬وتن يم حياة النا ‪ ،‬بمن يحيي بين النا‬
‫النذر للقبور‪ ،‬ومخاجبة ســـاكني األضـــرحة‪ ،‬وإقامة موالد لءولياء يعتقد أن ذلك قربة‬
‫متهوال قول عمر ‪ ‬ووضـعه في غير‬ ‫ً‬ ‫هلل‪ ،‬وأنه من األمور الحسـنة والبدع المسـتحبة‪،‬‬
‫موضعه!‪.‬‬
‫إن البدعة‪ :‬هي كل ىديد خالف الشــرع ال مســتند شــرعيًا له؛ لقول الرســول‬
‫ﷺ‪ :‬من أحد في أمرنا هذا ما لي منه فهو ردٌّ» ‪.)2‬‬
‫وقوله‪ :‬رد» يعني‪ :‬مردود على صـاحبه‪ ،‬حتى لو كان بحسـن نية؛ ألن هللا ال‬
‫يقبل من الدين إال ما شــرع‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ) [الشــورن‪:‬‬
‫‪ .]21‬وفي هذا داللة قجعية أن كل محد من البدع مردود مذموم‪.‬‬
‫وأمـا قول بعس أهـل البـدع بىوا هـا‪ ،‬مســــتـدلين بقولـه ﷺ‪ :‬من ســـــن في‬
‫ا سـالم سـنة حسـنة فله أىرها وأىر من عمل بها بعده من غير أن ينق من أىورهم‬

‫‪ )1‬حقيقة البدعة وأحكامها‪ ،)378 ،377 /1 ،‬لسعيد بن ناصر الغامدي‪.‬‬


‫‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب الصــلح‪ ،‬باب إذا اصــجلح على صــلح ىور فالصــلح مردود‪ ،‬رقم‪،)2697 /‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان‪ ،‬رقم‪.)1718 /‬‬
‫‪25‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫شـيء‪ ،‬ومن سـن في ا سـالم سـنة سـيئة كان عليه و رها وو ر من عمل بها من بعده‬
‫من غير أن ينق من أو ارهم شيء» ‪.)1‬‬
‫ينبغي أن يعرف من ىعل مســتنده في تحســين البدع والدعوة إليها بحىة‪ ،‬أنه‬
‫يسـن في ا سـالم سـنة حسـنة‪ ،‬أن يعلم أن قائل هذا هو القائل‪ :‬كل بدعة ضـاللة» ‪،)2‬‬
‫وال يمكن أن يناقس كالمه ﷺ بعضــــه‪ ،‬وقد انبرن العلماء بتوضــــيح الىم وإ الة‬
‫اللب في القديم والحدي ‪ ،‬وقبل أن أوضــح المقصــود بالحدي البد أن نعرف ســبب‬
‫الحدي ؛ ألننا لو قرأنا سبب قول الرسول ﷺ هذا ل ال كثير من ا شكال‪.‬‬
‫قال ىرير بن عبد هللا ‪ :)3‬كنا في صـدر النهار عند رسـول هللا ﷺ‪ ،‬فىاءه قوم‬
‫متقلدي الســــيوف‪ ،‬عامتهم من ضمضــــر‪ ،‬بل كلهم من‬ ‫عراة مىتابي النمار‪ ،‬أو العباء‪ ،‬ع‬
‫ضمضـر؛ فتمعر وىه رسـول هللا ﷺ؛ لما رأن بهم من الفاقة‪ ،‬فدخل ثم خر ‪ ،‬فهمر بالالً‬
‫فهذن وأقام‪ ،‬فصـلى ثم خجب‪ ،‬فقال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ) إلى آخر ااية‪( :‬ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ) [النســـاء‪ ،]1 :‬وااية األخرن التي في آخر الحشـــر‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ) [الحشــر‪ ،]18 :‬تصــدق رىل من ديناره‪ ،‬من درهمه‪ ،‬من ثوبه‪ ،‬من صــاع بره‪ ،‬من‬
‫صاع تمره‪ ،‬حتى قال‪ :‬ولو بشق تمرة»‪.‬‬
‫صــــ َّرةٍ كادت كفه تعى عنها‪ ،‬بل قد عى ت‪ ،‬ثم‬ ‫فىاء رىل من األنصــــار بع ض‬
‫تتـاب النـا حتى رأيـت كومين من جعـام وثيـاب‪ ،‬حتى رأيـت وىـه رســـــول هللا ﷺ‬
‫يتهلل كهنه مذهبة‪ ،‬ثم قال‪ :‬من سن في ا سالم‪ )4 »...‬إلى آخر الحدي ‪.‬‬
‫ف هر أن ســبب هذا الحدي هو الصــدقة المشــروعة؛ ألن الرســول ﷺ قاله‬
‫صـ ـ َّرةٍ كبيرة‪ ،‬فلما رآه الرســـول ﷺ قد أثَّر في النا‬‫عندما ىاء رىل من األنصـــار بع ض‬
‫سـ َّر بذلك فقال‪ :‬من سـن في ا سـالم سـنة حسـنة‪.»...‬‬ ‫وبدتوا يتتابعون اقتدا ًء بفعله‪ ،‬ض‬
‫فوصـــفه الرســـول ﷺ بهنه ســـنة حســـنة‪ ،‬وهو لم يهت بتشـــري ىديد‪ ،‬أو ىاء بفعل‬
‫كثيرا‪ ،‬لكنه هو الذي‬ ‫غريب‪ ،‬بل أحيا ســـنة يعرفها أصـــحاب محمد ﷺ وحثهم عليها ً‬
‫ابتدعها في هذا المىل ‪ ،‬فكان قدوة لءصحاب‪ ،‬فكان سنة لهذا العمل تنفي ًذا ال تشري ًعا‪،‬‬

‫‪ )1‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب ال كاة‪ ،‬باب الح على الصدقة ولو بشق تمرة‪ ،‬رقم‪.)1017 /‬‬
‫‪.)30 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬ىرير بن عبدهللا بن ىابر البىلي‪ ،‬صحابي ىليل أسلم في السنة العاشرة في شهر رمضان‪،‬‬
‫سـنة ‪51‬هــــــ)‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ال مخلمصـة»‪ .‬توفي‬ ‫أثنى عليه الرسـول ﷺ‪ ،‬وكلفه بهدم صـنم دو‬
‫‪54‬هـ)‪ ،‬وقيل‪56 :‬هـ)‪ .‬تهذيب الكمال في أسماء الرىال ‪.)533 /4‬‬
‫‪.)34 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪26‬‬

‫فالتشـــري لي ألحد‪ ،‬إنما هو للشـــارع الحكيم‪ ،‬ورســـوله األمين‪ ،‬فالرســـول ﷺ‪ ،‬ما‬


‫وصفها بهذا الوصف إال ألنها أحيت سنة سبقت‪ ،‬في هر وهللا أعلم‪ -‬أن عرس الحدي‬
‫وســياقه من أصــله يدحس هذا التفســير الذي اعتمده أهل البدع‪ ،‬كما أنه قد يرد على‬
‫من سـن في ا سـالم سـنة حسـنة‪ ...‬ومن سـن سـنة سـيئة» ال يمكن‬ ‫هتالء‪ ،‬أن حدي‬
‫حمله على االختراع من أصــــل؛ ألن كونها حســــنة أو ســــيئة ال يضعرف إال من ىهة‬
‫الشـرع‪ ،‬ألن التحسـين وال تقبيح إذا لم يسـتند إلى أصـل شـرعي فهو مردود؛ ألنه يترك‬
‫للعقول واألم ىة واألهواء‪ ،‬فإن العقول مختلفة‪ ،‬واألفهام متنوعة‪ ،‬والمشـارب متعددة‪،‬‬
‫والفرق كثيرة؛ فمـا يحســــنـه قوم يقبحـه آخرون‪ ،‬والعك بـالعك ‪ ،‬وحكمـة هـذا الـدين‪،‬‬
‫وشـــارعه الحكيم‪ ،‬تهبى أن يترك الدين ألعوبة بهيدي الرىال‪ ،‬خاضـ ـ ًعا ألم ىة النا‬
‫وأهوائهم‪ ،‬بل لو ترك التحسين والت يين‪ ،‬والتقبيح والتشيين بيد رىل واحد‪ ،‬لكان لــــه‬
‫في كـل فترة من عمره رأي‪ ،‬فهـل يقول عـاقـل بعـد هـذا‪ :‬إن هللا قـد وكلنـا إلى هتالء‬
‫الرىال الذين تضـــجرب أقوالهم في المىل الواحد‪ ،‬ليحســـنوا لنا األمور ويقبحوها‪،‬‬
‫ويحلوها ويحرموها؟!‬
‫عا للمتشـابه الذي حذر منه هللا في‬ ‫كما أن للمخالفين ً‬
‫دليال آخر‪ ،‬يتشـبثون به اتبا ً‬
‫كتـابـه‪ ،‬حيـ قـال تعـالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ‬
‫ﯪ) [آل عمران‪:‬‬ ‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯨ‬
‫‪ .]7‬فهما الدليل الذي اعتمدوا عليه‪ ،‬فهو الحدي المشــهور‪ :‬ما رآه المســلمون حســنًا‬
‫فهو عند هللا حسن‪ ،‬وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند هللا سيس» ‪.)1‬‬

‫‪ )1‬قال األلباني في تخريىه‪ :‬ال أصل لـــــه مرفوعًا‪ ،‬وإنما ورد موقوفًا عن ابن مسعود قال‪ :‬إن‬
‫هللا ن ر في قلوب العباد فوىد قلب محمد ﷺ خير قلوب العباد‪ ،‬فاصجفاه لنفسه‪ ،‬فابتعثه برسالته‪،‬‬
‫ثم ن ر في قلوب العباد بعد قلب محمد ﷺ فوىد قلوب أصحابه خير قلوب العباد‪ ،‬فىعلهم و راء‬
‫نبيه‪ ،‬يقاتلون على دينه فما رأن المســلمون‪ »...‬إلإل‪[ .‬أخرىه أحمد‪ ،‬رقم‪ ،)3600 /‬والجيالســي‬
‫‪ ،)23 /‬وأبو سـعيد بن األعرابي في معىمه ‪ )2 /84‬من جريق عاصـم‪ ،‬عن ر‬ ‫في مسـنده‬
‫بن حبيع‪ ،‬عنه‪ .‬وهذا إســـناد حســـن‪ ،‬ورون الحاكم منه الىملة التي أوردنا في األعلى و اد في‬
‫آخره‪ :‬وقد رأن الصـــحابة ىمي ًعا أن يســـتخلفوا أبا بكر ‪ .‬وقال‪ :‬صـــحيح ا ســـناد‪ .‬ووافقه‬
‫الذهبي‪ .‬وقال الحاف السخاوي‪ :‬هو موقوف حسن]‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكذا رواه الخجيب في الفقيه والمتفقه ‪ )2 /100‬من جريق المســـعودي‪ ،‬عن عاصـــم به‪،‬‬
‫إال أنـه قـال‪ :‬أبي وائـل) بـدل ر بن حبيع)‪ ،‬ثم أخرىـه من جريق عبـد الرحمن بن ي يـد‪ ،‬قـال‪:‬‬
‫قال عبد هللا‪ :‬فذكره‪ ،‬وإســناده صــحيح‪ .‬وقد روي مرفوعًا‪ ،‬ولكن في إســناده كذاب كما بينته آنفًا‪.‬‬
‫ان ر‪ :‬األحادي الضــعيفة ‪ )18 -17 /2‬حدي ‪ ،)533‬وقال العىلوني في كشــف الخفاء ‪/2‬‬
‫نقال عن الحاف بن عبد الهادي‪ :‬إســناده ســاقج‪ ،‬واألصــح وقفه على ابن مســعود‪ .‬وقال‬ ‫‪ً )263‬‬
‫السخاوي في المقاصد الحسنة‪ :‬موقوف حسن‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫بهــذا‬ ‫‪ : −‬إن من عىــائــب الــدنيــا أن يحتج بعس النــا‬ ‫‪)1‬‬


‫قــال األلبــاني‬
‫الحدي ‪ ،‬على أن في الدين بدعة حسـنة‪ ،‬وأن الدليل على حسـنها اعتياد المسـلمين لها‪،‬‬
‫ولقد صــار من األمر المعهود أن يبادر هتالء إلى االســتدالل بهذا الحدي عندما تثار‬
‫هذه المسهلة‪ ،‬وخفي عليهم‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن هذا الحدي موقوف‪ ،‬فال يىو أن يضحتج به في معارضـــة النصـــو‬
‫القاجعة في أن كل بدعة ضاللة‪ ،‬كما صح عنه ﷺ ‪.‬‬
‫ب‪ -‬على افتراس صــــالحية االحتىا به‪ ،‬فإنه ال يعارس تلك النصــــو‬
‫ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن المراد به إىماع الصحابة واتفاقهم على أمر‪ ،‬كما يدل عليه السياق‪،‬‬
‫ويتيده اســـتدالل ابن مســـعود به على إىماع الصـــحابة على انتخاب أبي بكر خليفة‪،‬‬
‫وعليه فالالم في المسلمون» لي لالستغراق كما يتوهمون‪ ،‬بل للعهد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬سـلمنا أنه لالسـتغراق‪ ،‬ولكن لي المراد به قجعًا كل فرد من المسـلمين‬
‫لو كـان ى ً‬
‫ـاهال ال يفقـه من العلم شـــــيئ ًـا‪ ،‬فالبـد إذن من أن يحمـل على أهـل العلم منهم‪،‬‬
‫وهذا مما ال مفر لهم منه ‪-‬فيما أ ن‪.-‬‬
‫فإذا صـح هذا‪ ،‬فمن هم أهل العلم؟‪ ،‬وهل يدخل فيهم المقلدون الذين سـدوا على‬
‫أنفســـــهم باب الفقـه عن هللا ورســـــوله‪ ،‬و عموا أن باب االىتهـاد قد أضغلق؟‪ .‬كال لي‬
‫هتالء‪.)2 .‬‬
‫ثم قال‪ :‬وخالصــة القول‪ ،‬أن حدي ابن مســعود هذا الموقوف‪ ،‬ال متمســك به‬
‫أشـد الصـحابة محاربة للبدعة والنهي عن اتباعها؟! وأقواله‬ ‫للمبتدعة‪ ،‬وكيف وهو ‪‬‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬ا مام العالمة‪ :‬محمد بن ناصر الدين األلباني‪ ،‬ولد سنة ‪1914‬م) في مدينة أشقودرة) في‬
‫ذلك الوقت عاصـمة ألبانيا‪ ،‬ونشـه في بيت علم وتقون‪ ،‬كان يغلب عليه المذهب الحنفي‪ ،‬ثم رحل‬
‫إلى الشـــام‪ ،‬فتهثر بمنهج السـ ـلف الصـــالح فســـلك جريقه‪ ،‬ثم اتىه لعلم الحدي ‪ ،‬وبرع فيه حتى‬
‫أصبح إمامه‪ ،‬لــه ىهود ع يمة‪ ،‬ولــه في ذلك متلفات ع يمة‪ ،‬و ل مىاهدًا بسنانه وبنانه‪ ،‬حتى‬
‫فىعت األمة برحيله في عام ‪1420‬هـــــــ ‪2000 -‬م)‪ .‬ان ر‪ :‬عدد خا عن األلباني في مىلة‬
‫التوحيد السنة الثامنة والعشرون‪ ،‬العدد ‪ )8‬سنة ‪1420‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )2‬سلسلة األحادي الضعيفة للشيإل األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المعارف بالرياس‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪28‬‬

‫وقصـصـه في ذلك معروفة‪ ،‬ومنها قولــــــه ‪ :‬اتبعوا وال تبتدعوا‪ ،‬فقد كفيتم» ‪.)1‬‬
‫فعليكم أيها المسلمون بالسنة‪ ،‬تهتدوا وتفلحوا ‪.)2‬‬
‫حســنو البدع‪ ،‬فما ىاءت البدع إال من فهم‬‫وهذه هي األدلة التي يتشـــب بها ضم ع‬
‫ســــقيم‪ ،‬وإال فاألحادي المحكمة الواضــــحة يىب أن تكون مخصــــصــــة لغيرها من‬
‫األحادي وااثار التي قد يكون في فهمهما إشكال عند بعس النا ‪.‬‬
‫والذي يترىح بعد هذه المناقشــة‪ ،‬أن كل ما خالف الســنة‪ ،‬ولي لـــــــه أصــل‬
‫شــرعي من كتاب‪ ،‬أو ســنة‪ ،‬أو إىماع الصــحابة؛ فإنه من البدع التي ال يىو العمل‬
‫بها‪ ،‬لقول الرسول ﷺ‪ :‬من أحد في أمرنا هذا ما لي منه فهو رد» ‪.)3‬‬
‫قال القاســمي ‪ :− )4‬فالبدع الحســنة المتفق على ىوا فعلها‪ ،‬واالســتحباب‬
‫لها‪ ،‬ورىاء الثواب لمن حسـنت نيته فيها‪ ،‬هي كل مبتدع موافق لقواعد الشـريعة‪ ،‬غير‬
‫مخـالف لشـــــيء فيهـا‪ ،‬وال يل م من فعلـه محـذور شـــــرعي‪ ،‬وذلـك نحو بنـاء المنـابر‬
‫والمدار وخانات السـبل‪ ،‬وغير ذلك من األنواع التي لم تعهد في الصـدر األول‪ ،‬فإنه‬
‫موافق لما ىاءت به الشــريعة من اصــجناع المعروف والمعاونة على البر والتقون»‬
‫‪.)5‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ −‬ر ًّدا على من قس ـم البدع إلى حســنة وســيئة‪ :‬ما أكثر ما قد‬
‫يحتج بعس من يتمي من المنتسـبين إلى علم أو عبادة‪ ،‬بحىج ليسـت من أصـول العلم‬
‫التي يضعتمد في الدين عليها‪.‬‬
‫والغرس‪ :‬أن هذه النصـو الدالة على ذم البدع معارضـة بما دل على حسـن‬
‫بعس البدع‪ ،‬إما من األدلة الشـرعية الصـحيحة‪ ،‬أو من حىج بعس النا التي يعتمد‬
‫عليها بعس الىاهلين‪ ،‬أو المتهولين في الىملة‪.‬‬
‫ثم إن هتالء المعارضين لهم مقامان هنا‪:‬‬

‫‪.)30 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬سلسلة األحادي الضعيفة والموضوعة ‪ ،)18 -17 /2‬حدي ‪.)533‬‬
‫‪.)34 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬هو محمد ىمال الدين القاســــمي‪ ،‬عالمة الشــــام‪ ،‬ونادرة األيام‪ ،‬ومىدد علوم ا ســــالم‪ ،‬محيي‬
‫السـنة‪ ،‬توفي سـنة ‪1332‬هــــــ)‪ ،‬ترىم لــــــه في المفسـرون ‪ ،)647 /2‬ومىلة المنار في العدد‬
‫‪.)558 /‬‬ ‫الساب عشر‬
‫‪ ،)16 /‬لمحمد ىمال الدين القاسمي‪.‬‬ ‫‪ )5‬إصال المساىد من البدع والعوائد‬
‫‪29‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫أحدهما‪ :‬أن يقولوا‪ :‬إذا ثبت أن بعس البدع حسـن‪ ،‬وبعضـها قبيح‪ ،‬فالقبيح‪ :‬ما‬
‫نهانا عنه الشـارع‪ .‬وما سـكت عنه من البدع فلي بقبيح‪ ،‬بل قد يكون حسـنًا‪ ،‬فهذا مما‬
‫قد يقوله بعضهم‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬أن يقال عن بدعة معينة‪ :‬ســـيئة‪ .‬وهذه البدعة حســـنة؛ ألن فيها‬
‫من المصلحة كيت وكيت‪ ،‬وهتالء المعارضون يقولون‪ :‬ليست كل بدعة ضاللة‪.‬‬
‫والىواب‪ :‬إما أن القول‪ :‬إن شــر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضــاللة‪ ،‬وكل‬
‫ضــاللة في النار» ‪ .)1‬والتحذير من األمور المحدثات‪ ،‬فهذا ن رســول هللا ﷺ؛ فال‬
‫ي حـل ألحـد أن يـدف داللتـه على ذم البـدع‪ ،‬ومن نـا ع في داللتـه فهو مراغم‪ ،‬وأمـا‬
‫المعارضات‪ ،‬فالىواب عنها بهحد ىوابين‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إمـا أن يقـال‪ :‬أن مـا ثبـت ضح ِســــنـه فلي من البـدع‪ ،‬فيبقى العموم محفو ـا ال‬
‫خصو فيه‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن يقال‪ :‬ما ثبت حسنه فهو مخصو من العموم‪ ،‬والعام المخصو‬
‫دليل فيما عدا صـــورة التخصـــي ‪ ،‬فمن اعتقد أن بعس البدع مخصـــو من هذا‬
‫العموم‪ ،‬احتا إلى دليل يصــــلح للتخصــــي ‪ ،‬وإال كان ذلك العموم اللف ي المعنوي‬
‫موىبًا للنهي‪.‬‬
‫نص ـا‬
‫ثم إن المخصــ ‪ :‬هو األدلة الشــرعية‪ ،‬من الكتاب والســنة وا ىماع‪ً ،‬‬
‫جا‪ ،‬وأما عادة بعس البالد‪ ،‬أو أكثرها‪ ،‬أو قول كثير من العلماء‪ ،‬أو العباد‪ ،‬أو‬ ‫واسـتنبا ً‬
‫معارضـــا لكالم الرســـول ﷺ حتى‬ ‫ً‬ ‫أكثرهم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فلي مما يصـــلح أن يكون‬
‫يعارس به‪.‬‬
‫ومن اعتقـد أن أكثر هـذه العـادات المخـالفـة للســـــنن مىم عليهـا‪ ،‬بنـاء على أن‬
‫األمة أقرتهـا‪ ،‬ولم تنكرها‪ ،‬فهو مخجس في هذا االعتقـاد؛ فإنه لم ي ل‪ ،‬وال ي ال في كل‬
‫وقـت من ينهى عن عـامـة العـادات المحـدثـة المخـالفـة للســــنـة‪ ،‬ومـا يىو دعون إىمـاع‬
‫بعمل بلد أو بالد من بالد المســــلمين‪ ،‬فكيف بعمل جوائف منهم؟‪ ،‬وإذا كان أكثر أهل‬
‫العلم لم يعتمـدوا على عمـل علمـاء أهـل المـدينـة وإىمـاعهم في عصـــــر مـالـك‪ ،‬بـل رأوا‬
‫الســنة حىة عليهم‪ ،‬كما هي حىة على غيرهم‪ ،‬م ما أوتوه من العلم وا يمان‪ ،‬فكيف‬
‫يعتمـد المتمن العـالم على عـادات أكثر من اعتـادهـا عـامـة‪ ،‬أو من قيـدتـه العـامـة‪ ،‬أو قوم‬
‫مترأســـون بالىهالة‪ ،‬لم يرســـخوا في العلم‪ ،‬ال يعدنون من أولي األمر‪ ،‬وال يصـــلحون‬
‫للشورن‪ ،‬ولعلهم لم يتم إيمانهم باهلل ورسوله ﷺ ‪.‬‬

‫‪.)30 /‬‬ ‫‪ ،)29 /‬وان ر‪:‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪30‬‬

‫ثم قال‪ :‬ال يىو حمل قولــه ﷺ‪ :‬كل بدعة ضاللة» على البدعة التي نهى‬
‫عنهـا بخصـــــوصــــهـا؛ ألن هـذا تعجيـل لفـائـدة هـذا الحـديـ ‪ .‬فـإنمـا نهى عنـه من الكفر‬
‫والفسـوق وأنواع المعاصـي‪ ،‬قد علم بذلك النهي أنه قبيح محرم‪ ،‬سـواء أكان بدعة‪ ،‬أو‬
‫لم يكن بدعة‪ ،‬فإذا كان ال منكر في الدين إال ما نهى عنه بخصـــوصـــه‪ ،‬ســـواء أكان‬
‫مفعوال على عهده ﷺ‪ ،‬أو لم يكن‪ ،‬وما نهى عنه‪ ،‬فهو منكر‪ ،‬ســــواء أكان بدعة أو لم‬ ‫ً‬
‫‪)1‬‬
‫يكن‪ ،‬صار وصف البدعة عديم التهثير» ‪.‬‬
‫ىو نا على هللا أن يفوس بعس الدين إلى اسـتحسـاننا؛ لىا‬ ‫أيضـا‪ :‬لو َّ‬
‫ً‬ ‫ويقال‬
‫عليه سـبحانه أن يفوس من يتصـرف في دينه وشـريعته‪ ،‬والتجاول على أمره ونهيه‪،‬‬
‫ولو كان هذا بحذف شـيء من الدين بحىة البدعة الحسـنة؛ ألن االبتداع يصـح بال يادة‬
‫والنقصان‪.‬‬
‫‪)2‬‬
‫قول الرسـول ﷺ‪ :‬كل بدعة ضـاللة» قاعدة كلية عامة تسـتغرق ىمي‬
‫ى ئيات وأفراد البدع‪ ،‬وبرهان ذلك ما يلي‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬لف كـل) من ألفـا العموم‪ ،‬وقـد ى م أهـل اللغـة بـهن فـائـدة هـذا اللف هو‬ ‫ً‬
‫رف احتمال التخصي إذا ىاء مضافًا إلى نكرة‪ ،‬أو ىاء للتهكيد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من أحكام لف كل) عند أهل اللغة واألصول أن كل) ال تدخل إال على‬
‫ذي ى ئيـات وأى اء‪ ،‬ومـدلولهـا في الموضـــــعين ا حـاجـة بكـل فرد من الى ئيـات أو‬
‫األى اء‪.‬‬
‫ضا عندهم أنها إذا أضيفت إلى نكرة‪ ،‬كقولــه تعالى‪ ( :‬ﮔ‬ ‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬ومن أحكامها أي ً‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الجور‪ ،]21 :‬وقولــــه سبحانه‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [القمر‪ ،]52 :‬وقولــــه‬
‫ىال وعال‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ) [ا ســراء‪ ،]13 :‬وقولـــــــه تعالى‪ ( :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)‬
‫[البقرة‪ ،]20 :‬وقولـه تعالى‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ) [آل عمران‪ ،185 :‬واألنبياء‪ ،35 :‬والعنكبوت‪.]57 :‬‬
‫نص ـا في كل فرد‬
‫فإنها تدل على العموم المســتغرق لســائر الى يئات‪ ،‬وتكون ً‬
‫دلـت عليـه تلـك النكرة‪ ،‬مفردًا كـان أو تثنيـة أو ىم ًعـا‪ ،‬ويكون االســـــتغراق للى ئيـات‬
‫بمعنى أن الحكم ثـابـت لكـل ى ء من ى ئيـات النكرة‪ ،‬وقـد يكون م ذلـك الحكم على‬
‫المىموع ال ًما لــــــه‪ ،‬وعند تجبيق هذا الحكم اللغوي األصـولي على الحدي النبوي‪:‬‬
‫كل بدعة ضـاللة» نىد أن كل) أضـيفت إلى نكرة‪ ،‬وهو لف بدعة» فيجبق عليها‬
‫المعنى الذي ذكره أهل األصــول وأهل اللغة‪ ،‬وعليه فال يمكن أن تخر أي بدعة عن‬
‫وصــف الضــالل‪ ،‬و كل) الواردة على لف بدعة هي نفســها الواردة على لف امرى‪،‬‬

‫‪ )1‬اقتضاء الصراج المستقيم‪.)587 ،586 /2 ،‬‬


‫‪.)29 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪31‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المحســن للبدع أن ي عم‬


‫ع‬ ‫وشــيء‪ ،‬وإنســان‪ ،‬ونف ‪ ،‬في اايات الســابقة‪ ،‬فهل يســتجي‬
‫وىود فارق بين لف كل) في قولـــــــه‪ :‬كل بدعة ضــاللة»‪ ،‬ولف كل) في اايات‬
‫السابقة وما شابهها؟‬
‫وهل يستجي أن يقول بخرو شيء من عموم قولــــه سبحانه‪ ( :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ) [البقرة‪ .]20 :‬كما يقول بخرو البدعة الحســـنة ‪-‬على حد عمه‪ -‬من عموم‬
‫قولـه ﷺ‪ :‬كل بدعة ضاللة» ‪)1‬؟ ‪.)2‬‬
‫ومما اســتدل به من قالوا بالبدع الحســنة‪ :‬قول الشــافعي الذي ســبق ذكره ‪،)3‬‬
‫والشـــــافعي ‪ −‬هو الـذي نقـل عنـه أصــــحـابـه‪ :‬أن قول الصــــحـابي إذا انفرد لي‬
‫بحىة» ‪.)4‬‬
‫فكيف يكون قولــه حىة‪ ،‬وهو الذي نفى حىية الصحابي عند انفراده؟! كما أن‬
‫الشــافعي ‪ −‬من أشــد النا على أهل البدع‪ ،‬حي قال‪ :‬إنما االســتحســان تلذذ» ‪.)5‬‬
‫فصال في إبجال االستحسان ‪.)6‬‬ ‫ً‬ ‫وهو الذي عقد في كتابه األم»‬
‫فعلى من أراد أن يســـتدل بكالم هذا ا مام‪ ،‬عليه أن يلت م بقواعده التي قعدها‬
‫كنفيه لالســتحســان‪ ،‬ووصــفه لمن اســتحســنوا بهنهم قد شــرعوا‪ ،‬والذي يىب أن يحمل‬
‫عليه قول الشافعي‪ ،‬هو نفسه ما يحمل عليه كالم أمير المتمنين عمر ‪.‬‬
‫وقـد أثر عن ا مـام مـالـك ‪ − )7‬أنـه كـان يقول‪ :‬من ابتـدع في ا ســـــالم بـدعة‬
‫يراهـا حســــنـة؛ فقـد عم أن محمـدًا ﷺ خـان الرســـــالـة؛ ألن هللا يقول‪ ( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)‬
‫[المائدة‪ ،]3 :‬فما لم يكن يومئ ٍذ دينًا؛ فال يكون اليوم دينًا» ‪.)8‬‬
‫وبهـذا يتبين لنـا‪ :‬أن تقســـــيم البـدع إلى حســــنـة وقبيحـة‪ ،‬ال يعود إلى األم ىـة‬
‫والعقول‪ ،‬بل البد أن يضبج بضوابج الدين‪.‬‬

‫‪.)29 /‬‬ ‫‪ )1‬الحدي سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬حقيقة البدعة‪.)145 ،144 /2 ،‬‬
‫‪ ،)328 /‬تحقيق‪ :‬خالد السب العلمي‪ ،‬و هير السبكي‪.‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬الرسالة لإلمام الشافعي‪،‬‬
‫‪ ،)179 /‬جبعة متسسة الرسالة د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪ )4‬تخريج الفروع على األصول لل نىاني‪،‬‬
‫‪.)507 /‬‬ ‫‪ )5‬الرسالة للشافعي‬
‫‪ )6‬األم للشافعي ‪.)293 /7‬‬
‫‪ )7‬هو شيإل ا سالم وإمام دار الهىرة‪ ،‬مالك بن أن بن مالك األصبحي‪ ،‬ولد سنة ‪93‬هـــــ)‪ ،‬كان‬
‫كثيرا‪ ،‬توفي‪ −‬ســـــنـة‬
‫ً‬ ‫إمـامـا في نقـد الرىـال‪ ،‬ومن أع م تـتليفـه الموجـه)‪ .‬أثنى عليـه العلمـاء‬
‫ً‬
‫‪179‬هـــ) ولـــه من العمر ‪ )89‬سنة‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ ،)48 /8‬وصفة الصفوة ‪/2‬‬
‫‪ ،)177‬والكامل البن األثير ‪.])147 /6‬‬
‫‪ )8‬ان ر‪ :‬االعتصام للشاجبي‪.)65 ،64 /1 ،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪32‬‬

‫الفصل‬
‫األول‬
‫أسباب االفتتان بالقبور‬
‫* وفيه عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬الىهل بحقيقة هذا الدين‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬نشر أحادي مكذوبة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬ما يروىه السدنة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الرابع‪ :‬سكوت علماء السنة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الخامس‪ :‬تشىي بعس الحكومات لهذه البدعة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث السادس‪ :‬ما يبثه علماء السوء‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث السابع‪ :‬تحول البدع إلى عادة يصعب تركها‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثامن‪ :‬األخذ بغير ما اعتبره الشرع جريقًا ثبات الحكم‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث التاسع‪ :‬الىهل بهساليب لغة العرب‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث العاشر‪ :‬الىهل بمقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الحادي عشر‪ :‬الغلو في العقل‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثاني عشر‪ :‬سوء الفهم للقرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثالث عشر‪ :‬الغلو في الصالحين‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الرابع عشر‪ :‬تقليد الكفرة‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الخامس عشر‪ :‬تع يم ااثار‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث السادس عشر‪ :‬اتباع الهون‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث السابع عشر‪ :‬وسائل ا عالم‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل األول‬
‫أسباب االفتتان بالقبور‬
‫لقـد ىـاء ا ســـــالم بتوحيـد األلوهيـة‪ ،‬وذلـك بـدعوتـه إلى عبـادة هللا وحـده‪ ،‬ونبـذ‬
‫عبادة كل من سـواه‪ ،‬ال فرق في ذلك بين بشـر أو حىر‪ ،‬إن أو ىن‪ ،‬سـواء أكان من‬
‫عوالم المخلوقات العلوية أم السفلية‪.‬‬
‫إن رو ا ســـالم التوحيد‪ ،‬الذي هو إفراد هللا في العبادة؛ ألنه هو المقصـــود‬
‫األع م من بعـ الرســـــل وإن ال الكتـب‪ ،‬قال تعـالى‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ) [األعراف‪ ،]59 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ) [األعراف‪ ،]65 :‬وقال‬
‫تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [األنبيـاء‪ ،]25 :‬واايـات في هـذا المعنى‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫لذا كان أول واىب على المكلف النجق بالشهادتين‪.‬‬
‫إن توحيـد األلوهيـة معنـاه ع يم؛ ألنـه إفراد الخـالق ىـل وعال) بـالعبـادة‪،‬‬
‫وإخال الدين لـه وحده‪.‬‬
‫قال شــــيإل ا ســــالم ‪ :−‬إن ا له هو الذي تهله القلوب عبادةً‪ ،‬واســــتعاذةً‪،‬‬
‫ً‬
‫وإىالال‪ ،‬وإكرا ًما‪ ،‬وهللا ‪ ‬لــــــه حق ال يشـرك فيه‬ ‫ومحبةً‪ ،‬وتع ي ًما‪ ،‬وخوفًا‪ ،‬ورىا ًء‪،‬‬
‫‪)1‬‬
‫غيره‪ ،‬فال يضعبد إال هللا‪ ،‬وال يضدعى إال هللا‪ ،‬وال يضخاف إال هللا‪ ،‬وال يضجاع إال هللا» ‪.‬‬
‫إن ال إلـه إال هللا) كلمـة ع يمـة؛ ألن معنـاهـا ع يم‪ ،‬وذلـك ألنـه ال معبود بحق‬
‫إال هللا‪ ،‬فكـل من عبـد غير هللا فقـد أضعجي مـا ال يســـــتحقـه‪ ،‬وقـد لم ل ًمـا ع ي ًمـا‪ .‬إن‬
‫العبـادة حق هلل وحـده‪ ،‬ولم ال؟‪ ،‬وهو الخـالق والرا ق‪ ،‬والمحيي والمميـت‪ ،‬مســـــخر‬
‫السموات واألرس‪ ،‬ولم ال؟‪ ،‬وهو القائل‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات‪.]56 :‬‬
‫لذا وىب على العباد أن ينصــرفوا لعبادته وحده‪ ،‬وأن ينبذوا ويتبرتوا من كل‬
‫إلــه سواه‪ ،‬وأن ينصاعوا ألمره الذي هيههم لــه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة‪-21 :‬‬
‫‪.]22‬‬
‫لهذا ىاء الرسـول ﷺ ليحقق هذا المعنى‪ ،‬وليشـدعد على الشـرك وأهله‪ ،‬لقد ىاء‬
‫ا سـالم بحرب الشـرك‪ ،‬وقعد لــــــه كل مرصـد‪ ،‬وقرر أنه ىرم ع يم وضـالل بعيد‪،‬‬
‫وذنـب ال يغفره هللا يوم القيـامـة‪ ،‬قـال تعـالى‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫‪ )1‬الفتاون ‪.)365 /1‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪34‬‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النســاء‪ ،]48 :‬وقال‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬


‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النساء‪.]116 :‬‬
‫وفي الصـــحيحين‪ ،‬عن عبد هللا بن مســـعود ‪ ‬قال‪ :‬ســـهلت النبي ﷺ‪ :‬أي‬
‫الـذنـب أع م عنـد هللا؟ قـال‪ :‬أن تىعـل هلل نـدًا وهو خلقـك»‪ .‬قلـت‪ :‬إن ذلـك لع يم ‪.)1‬‬
‫وقال ﷺ‪ :‬من مات وهو يدعو من دون هللا دخل النار» ‪.)2‬‬
‫وعن ىابر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا ﷺ يقول‪ :‬من لقي هللا ال يشرك به شيئًا‬
‫دخل الىنة‪ ،‬ومن لقيه يشــــرك به دخل النار» ‪ .)3‬واايات واألحادي في هذا المعنى‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫إن الشـــــرك دنيء وحقير؛ ألن فيـه كـذب على الحقيقـة وت وير للواق ‪ ،‬قـال‬
‫تعالى‪ :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ) [الحج‪.]31 -30 :‬‬
‫وبهـذا يتبين أن توحيـد األلوهيـة ال يقوم إال على ا خال هلل ىـل وعال)‬
‫وعدم إشـــراك أحد من خلقه به؛ ولذا وقف الرســـول ﷺ حاميًا أمينًا لىناب التوحيد‪،‬‬
‫ضمغ علقًا أي ذريعة قد تتدي إلى االنحراف عنه؛ لذا رفس بكل شـدة وصـراحة ووضـو‬
‫الغلو بشــــخصــــه‪ ،‬والمبالغة في تع يمه‪ ،‬وقال ألصــــحابه‪ :‬ال تجروني كما أجرت‬
‫النصارن ابن مريم‪ ،‬فإنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد هللا ورسوله» ‪.)4‬‬
‫رىال قال للنبي ﷺ‪ :‬ما شــاء هللا وشــئت‪ .‬فقال‪ :‬ىعلتني‬ ‫ً‬ ‫وعن ابن عبا أن‬
‫‪)5‬‬ ‫هلل ً‬
‫عدال‪ ،‬ما شاء هللا وحده» ‪.‬‬
‫وقال ﷺ‪ :‬فمن كان حالفًا فال يحلف إال باهلل» ‪.‬‬
‫‪)6‬‬

‫وقال ﷺ‪ :‬من حلف بغير هللا فقد أشرك» ‪.)7‬‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب التفســير‪ ،‬ســورة البقرة‪ ،‬باب قوله تعالى‪ ( :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)‪ ،‬رقم‪،)4477 /‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب ا يمان‪ ،‬رقم‪.)85 /‬‬
‫‪ )2‬البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب ‪.)153 /5 )22‬‬
‫‪ )3‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب ا يمان‪ ،‬باب من مات ال يشرك باهلل شيئًا دخل الىنة‪ ،‬ومن مات مشر ًكا دخل‬
‫النار‪ ،‬رقم‪.)93 /‬‬
‫‪ )4‬أخرىه البخاري في كتاب‪ ،‬باب قوله تعالى‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ )‪ ،‬رقم‪.)3445 /‬‬
‫‪ )5‬رواه أحمد ‪ ،)214 /1‬والبخاري في األدب المفرد ‪ ،)783‬وصــــححه األلباني في صــــحيح‬
‫‪ ،)292 /‬صـــــحيح األدب المفرد لإلمـام البخـاري بقلم‪ :‬محمـد نـاصـــــر الـدين‬ ‫األدب المفرد‪،‬‬
‫األلباني‪.‬‬
‫‪ )6‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األيمان‪ ،‬باب النهي عن الحلف بغير هللا تعالى ‪ )1267 /3‬رقم‪.)1646 /‬‬
‫‪ )7‬أخرىـه الترمـذي‪ ،‬كتـاب النـذور واأليمـان‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في كراهيـة الحلف بغير هللا حـديـ‬
‫‪ ،)1535‬وقال‪ :‬هذا حدي حسن‪ .‬وصححه األلباني في الصحيحة ‪.)155 /3‬‬
‫‪35‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وكـذلـك نهى عن اتخـاذ المســـــاىـد على القبور؛ لمـا فيـه من ذريعـة لتع يمهـا‬
‫وعبـادتهـا‪ ،‬وقـد أكـد هـذا المعنى أكثر من مرة؛ ولـذا دعـا ﷺ‪ ،‬فقـال‪ :‬اللهم ال تىعـل‬
‫قبري وثنًا يعبد» ‪.)1‬‬
‫ولذا نفذ أصــحابه أوامره ووصــاياه‪ ،‬فهذا عمر يضقبعل الحىر األســود ثم يقول‪:‬‬
‫وهللا إني ألقبعلـك‪ ،‬وإني أعلم أنـك حىر‪ ،‬وأنـك ال تضـــــر وال تنف ‪ ،‬ولوال أني رأيـت‬
‫رسول هللا ﷺ قبَّلك ما قبَّلتك» ‪.)2‬‬
‫وهذا علي ‪ ‬يهمر أحد أصـحابه بقولــــــه‪ :‬أال أبعثك على ما بعثني رسـول‬
‫قبرا مشرفًا إال سويته» ‪.)3‬‬ ‫ً‬
‫تمثاال إال جمسته‪ ،‬وال ً‬ ‫هللا ﷺ‪ ،‬أال تدع‬
‫وبناء على هذا النهج السـليم لحماية ىناب التوحيد‪ ،‬سـار السـلف الصـالح‪ ،‬فلم‬
‫يســـــمحوا ألحد أن يخترق ىنـابه‪ ،‬حتى بضليـت األمة بجوائف الشـــــيعـة والمتصـــــوفة‪،‬‬
‫فـاخترقوا هـذا الىنـاب بمعـاول يفهم وبـاجلهم‪ ،‬بتع يم علمـائهم وشـــــيوخهم‪ ،‬والغلو‬
‫بصـالحيهم‪ ،‬فبنوا القباب على األضـرحة‪ ،‬وسـار النا من بعدهم يقلدونهم حتى وصـل‬
‫حال النا في هذا ال مان إلى ما وصلوا إليه من تع يم للقبور‪.‬‬
‫وقددد فتاوا عنددد الشدددددددا ددد *** كما يهتف المضطر بالصمد الارد‬
‫باسمها‬
‫أعدددددددددد دادوا بها معنى سواع *** يددغددوث وود لدديددس ذلك مددن ود‬
‫ومثله‬
‫الر ية‬‫ع علم أن َّ‬ ‫ومن شــــاهدهم في الموالد َّ‬
‫رق لحالهم‪ ،‬وأســــف لوضــــعهم‪ ،‬و م‬
‫ع يمة والفتنة كبيرة‪ ،‬ثم تســـاءل‪ :‬لماذا هذه األوضـــاع؟‪ ،‬وما أســـباب هذا االفتتان؟‪،‬‬
‫ت كثيرة‪ ،‬سـاهم بعضـها أو ضىلنها‬ ‫والىواب‪ :‬إن لالفتتان بالقبور أسـبابًا ع يمة‪ ،‬ومسـببا ٍ‬
‫لوصول هذه الفئات إلى ما وصلت إليه من انحجاج وتدهور‪.‬‬
‫ولعل من أع م أسباب هذا االنحراف‪:‬‬

‫‪ )1‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب األمر بتسوية القبر‪ ،‬رقم‪.)969 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب تقبيل الحىر األسود‪ ،‬رقم‪.)1270 /‬‬
‫‪ )3‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب األمر بتسوية القبر‪ ،‬رقم‪.)969 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪36‬‬

‫المبح األول‬
‫الىهل بحقيقة هذا الدين‬
‫من هللا‬‫فالنا قبل مبعثه ﷺ كانوا في ىاهلية ىهالء‪ ،‬وضـاللة عمياء‪ ،‬حتى َّ‬
‫عليهم بخيرهم‪ ،‬قـال تعـالى‪( :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) } [آل عمران‪ ،]164 :‬فمـا مـات ﷺ حتى بلَّغ الرســـــالـة‪ ،‬وأدَّن األمـانـة‪،‬‬
‫ونصـح األمة‪ ،‬وتركهم على المحىَّة البيضـاء‪ ،‬ثم قام أصـحابه من بعده بهداء الواىب‪،‬‬
‫وورثوه لتالمذتهم‪ ،‬ولكن حكمة هللا قضــت أن يكون كل ىيل أقل ممن ســبقه في العلم‬
‫والتقون‪ ،‬وكلمــا تقــادم ال مــان نق العلم‪ ،‬وكثر الىهــل‪ ،‬قــال ﷺ‪ :‬يضقبس العلم‪،‬‬
‫وي هر الىهل والفتن» ‪.)1‬‬
‫وقد حصـل ما أخبر به الرسـول ﷺ‪ ،‬فانتشـر الىهل‪ ،‬وق َّل العلم‪ ،‬وذلك بقبس‬
‫عا ينت عه من النا ‪ ،‬ولكن يقبس العلم‬ ‫العلماء‪ ،‬قال ﷺ‪ :‬إن هللا ال يقبس العلم انت ا ً‬
‫فســـئلوا‪ ،‬فهفتوا بغير‬
‫اال‪ ،‬ض‬ ‫بقبس العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبقم عالم اتخذ النا رتســـاء ى َّه ً‬
‫علم‪ ،‬فضلوا وأضلوا» ‪.)2‬‬
‫وقـال ﷺ‪ :‬ســـــيكون في أمتي د ـَّى الون كـ َّذابون يـهتونكم ببـدع من الحـديـ لم‬
‫تسمعوا أنتم وال آباتكم‪ ،‬فإيَّاكم وإيَّاهم‪ ،‬ال يفتنونكم» ‪.)3‬‬
‫عبـَّاد القبور في االفتتـان بهـا م‬ ‫قـال ابن القيم ‪ :−‬فـإن قيـل‪ :‬فمـا الـذي أوق ض‬
‫نشورا؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ضرا وال نفعًا وال موتا وال حياة وال‬ ‫العلم بهن ساكنيها أموات ال يملكون لهم ًّ‬
‫قيـل‪ :‬أوقعهم في ذلـك أمور‪ ،‬منهـا‪ :‬الىهـل بحقيقـة مـا بعـ هللا بـه رســـــولـه‪ ،‬بـل‬
‫ىمي الرســل‪ ،‬من تحقيق التوحيد‪ ،‬وقج أســباب الشــرك‪ ،‬فقل نصــيبهم ىدًّا من ذلك‪،‬‬
‫ودعاهم الشيجان إلى الفتنة‪ ،‬ولم يك عندهم من العلم ما يبجل دعوته» ‪.)4‬‬
‫وقال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬ما أضحد في ا ســالم من المســاىد والمشــاهد على‬
‫القبور وااثار‪ ،‬فهو من البدع المحدثة في ا ســـــالم‪ ،‬عمن فعل ممن لم يعرف شـــــريعة‬
‫ا سالم‪ ،‬وما بع هللا به محمدًا ﷺ من كمال التوحيد وإخال الدين هلل‪ ،‬وسد أبواب‬
‫الشـرك التي يفتحها الشـيجان لبني آدم‪ ،‬ولهذا يوىد ممن كان أبعد عن التوحيد وإخال‬
‫الدين هلل ومعرفة دين ا ســالم‪ ،‬هم أكثر تع ي ًما لمواضــ الشــرك‪ ،‬فالعارفون بســنة‬
‫رســـــول هللا ﷺ وحـديثـه أولى بـالتوحيـد وإخال الـدين هلل‪ ،‬وأهـل الىهـل بـذلـك أقرب‬
‫إلى الشرك والبدع» ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب من أىاب الفتيا بإشارة اليد والرأ ‪ ،‬رقم‪.)85 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب كيف يقبس العلم‪ ،‬رقم‪ ،)100 /‬ومســــلم‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب‬
‫رف العلم وقبضه‪ ،‬رقم‪.)2673 /‬‬
‫‪ )3‬أخرىه مسلم في مقدمة الصحيح‪ ،‬باب النهي عن الرواية عن الضعفاء‪ ،‬رقم‪.)7 /‬‬
‫‪.)220 /‬‬ ‫‪ )4‬إغاثة اللهفان‪،‬‬
‫‪ ،)264 /‬تفسير سورة ا خال البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور حامد العلي‪.‬‬ ‫‪ )5‬ان ر‪:‬‬
‫‪37‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫إذن فالىهل بحقيقة الدين الذي ىاء بحماية ىناب التوحيد‪ ،‬هو الســبب الرئي‬
‫في حصول هذه الفتن‪ ،‬وهو األصل وما بعده فرع‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪38‬‬

‫المبح الثاني‬
‫نشر أحادي مكذوبة‬
‫نشـر أحادي مكذوبة ومختلقة على الرسـول ﷺ وضـعها أشـباه عباد األصـنام‬
‫من القبوريين على رسـول الهدن ﷺ تضناقس دينه‪ ،‬ومنها‪ :‬إذا أعيتكم األمور فعليكم‬
‫ضا‪ :‬لو أحسن أحدكم نه بحىر لنفعه» ‪ .)2‬وأمثال‬ ‫بهصحاب القبور» ‪ ،)1‬ومنها أي ً‬
‫هذه األحادي التي هي مناقضـــة لدين ا ســـالم وضـــعها المشـــركون‪ ،‬وراىت على‬
‫سـن ننه باألحىار‪ ،‬وىنَّب‬ ‫ض الل‪ ،‬وهللا بع رسـوله بقتل من مح ض‬ ‫أشـباههم من الىنهال ال ـن‬
‫أمتـه الفتنـة بـالقبور بكـل جريقـة» ‪ .)3‬فـإن أمثـال هـذه األحـاديـ ‪-‬على مـا هو معلوم‪ -‬ال‬
‫يضبنى عليها حكم‪ ،‬وال تضىعل أصــ ًـال في التشـــري أبدًا‪ ،‬ومن ىعلها كذلك فهو ىاهل أو‬
‫مخجس في نقل العلم‪ ،‬فلم ينقل ااخ ضذ بشــــيء منها ع َّمن يعتمد به في جريقة العلم‪ ،‬وال‬
‫جريقة الســــلوك» ‪ .)4‬فمثل هذه األحادي التي تضختلق وتضصــــن يضخدع بها البســــجاء‬
‫ويرو لها الســدنة الفىرة لتحقيق متربهم لعبادة ســاكني‬‫ع‬ ‫والعامة‪ ،‬ويخدع بها الىهلة‪،‬‬
‫المقلدين المخدوعين‪ ،‬كفانا‬
‫ع‬ ‫األضــرحة‪ ،‬وكل هدفهم أن يضهدم التوحيد‪ ،‬وين ع من قلوب‬
‫شرهم‪.‬‬
‫هللا َّ‬

‫‪ )1‬قال شـــيإل ا ســـالم ‪ :−‬هذا الحدي كذب مفترن على النبي ﷺ بإىماع العارفين بالحدي ‪ ،‬وال‬
‫‪ ،)174 /‬قاعدة في التوسـل والوسـيلة البن‬ ‫يوىد في شـيء من كتب الحدي المعتمدة‪ ،‬ان ر‪:‬‬
‫تيمية‪ .‬وقال عنه ابن القيم‪ :‬وهو من األحادي المكذوبة‪ .‬إغاثة اللهفان‪.)220 :‬‬
‫‪ )2‬قال في تميي الجيب من الخبي ‪ :‬قال ابن تيمية‪ :‬إنه موضـوع‪ ،‬وقال ابن حىر‪ :‬ال أصـل لــــــه‪،‬‬
‫‪ ،)220 /‬ان ر‪ :‬كشـــــف‬ ‫‪ ،)133 /‬وقـال عنـه ابن القيم‪ :‬مكـذوب مختلق‪ ،‬إغـاثـة اللهفـان‪،‬‬
‫الخفاء ‪ ،)152 /2‬والمقاصد الحسنة ‪.)883‬‬
‫‪.)220 /‬‬ ‫‪ )3‬إغاثة اللهفان‪،‬‬
‫‪ )4‬االعتصام ‪.)287 /1‬‬
‫‪39‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثال‬
‫ما يروىه السدنة‬
‫ما يروىه الســـدنة الذين يضسـ ـ َّمون خلفاء األضـــرحة وخدامها‪ ،‬ســـلف ســـدنة‬
‫األصـنام‪ ،‬من قصـ وحكايات‪ .‬قال ابن القيم ‪ :−‬ومنها حكايات حكيت لهم عن تلك‬
‫القبور‪ ،‬أن فالنًا اســـتغا بالقبر الفالني في شـــدة ف ضخ عل منها‪ ،‬وفالنًا دعاه أو دعا به‬
‫ضره‪،‬‬‫في حاىة فقضيت لــه‪ ،‬وفالنًا ن ل به ضر فاسترىى صاحب ذلك القبر فكشف َّ‬
‫وعند الســـدنة وال ضمقابرة من ذلك شـــيء كثير يجول في ذكره‪ ،‬وهم من أكذب خلق هللا‬
‫تعالى على األحياء واألموات‪ ،‬والنفو مولعة بقضــاء حوائىها‪ ،‬وإ الة ضــرورتها‪،‬‬
‫تلجف في الدعوة‪ ،‬فيدعوهم ً‬
‫أوال‬ ‫مىرب‪ ،‬والشيجان لـــــه َّ‬ ‫َّ‬ ‫ويسم بهن قبر فالن ترياق‬
‫إلى الـدعـاء عنـده‪ ،‬فيـدعو العبـد عنـده بحرقـة وانكســـــار وذلـة‪ ،‬فيىيـب هللا دعوتـه لمـا قـام‬
‫بقلبـه ال ألىـل القبر‪ ،‬فـإنـه لو دعـاه كـذلـك في الحـانـة والخمـارة والســـــوق أىـابـه‪ .‬في ن‬
‫تهثيرا في إىابة تلك الدعوة‪ ،‬وهللا ‪ ‬يىيب دعوة المضــــجر ولو كان‬ ‫ً‬ ‫الىاهل أن للقبر‬
‫كافرا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [ا ســــراء‪ ،]20 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ً‬
‫(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰈ ﰉ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰎ ﰀ ﰀ ﰀ‬
‫ﰒ ﰀ ﰀ ﰀ) [البقرة‪ .]126 :‬فلي كـل من أىـاب هللا دعـاءه يكون راضــــيـًا عنـه‪ ،‬أو‬
‫محبًّا لـــــــه‪ ،‬أو راضــيًا بفعله؛ فإنه يىيب البر والفاىر‪ ،‬والمتمن والكافر‪ ،‬وكثير من‬
‫النا يدعو دعاء يعتدي فيه‪ ،‬أو يشــترج في دعائه‪ ،‬أو يكون مما ال يىو أن يضســهل‪،‬‬
‫رس هلل‪ ،‬ويكون بمن لة من أضملي‬ ‫يحصل لـــــه ذلك أو بعضه‪ ،‬في ن أن عمله صالح ضم ٍ‬
‫لـــــه وأضمد بالمال والبنين‪ ،‬وهو ي ن أن هللا تعالى يسارع لـــــه في الخيرات‪ ،‬وقد قال‬
‫تعـالى‪( :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰈ ﰉ ﰀ ﰀ ﰀ) [األنعـام‪)]44 :‬‬
‫‪.)1‬‬
‫وقال الشـوكاني ‪ :−‬وقد يىعل الشـيجان جائفة من إخوانه من بني آدم يقفون‬
‫على ذلــك القبر يخــادعون من يــهتي إليــه من ال ائرين‪ ،‬ويهولون عليهم األمر‪،‬‬
‫أمورا من أنفسـهم وينسـبونها إلى الميت على وىه ال يفجن لها ممن كان عمن‬‫ً‬ ‫ويصـنعون‬
‫المغفلين‪ ،‬وقد يصــنعون أكاذيب مشــتملة على أشــياء يســمونها كرامات لذلك الميت‪،‬‬
‫ويبثنونها في النا ‪ ،‬ويكررون ذكرها في مىالســـهم‪ ،‬وعند اىتماعهم بالنا ‪ ،‬فتشـــي‬
‫وتســـــتفيس ويتلقـاهـا ممن يضحســـــن ال ن بـاألموات‪ ،‬ويقبـل عقلـه مـا يرون عنهم من‬

‫‪.)221 ،220 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬إغاثة اللهفان‪،‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪40‬‬

‫األكاذيب‪ ،‬فيرويها كما سـمعها‪ ،‬ويتحد بها في مىالسـه‪ ،‬فيق الى َّهال في بليَّ ٍة ع يمة‬
‫من االعتقاد الشـركي‪ ،‬وينذرون على ذلك الميت بكرائم أموالهم‪ ،‬ويحبسـون على قبره‬
‫خيرا‬
‫من أمالكهم مـا هو أحبهـا إلى قلوبهم؛ العتقـادهم أنهم ينـالون بىـاه ذلـك الميـت ً‬
‫كبيرا‪ ،‬ويعتقدون أن ذلك قربة ع يمة‪ ،‬وجاعة نافعة‪ ،‬وحسنة متقبلة‪)...‬‬ ‫ً‬ ‫وأىرا‬
‫ً‬ ‫ع ي ًما‬
‫‪ )1‬إلى آخر ما قاله‪.‬‬
‫أيضـا‪ :‬وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق‬ ‫ً‬ ‫وقال صـاحب شـفاء الصـدور‬
‫العادات التي توىد عند قبور األنبياء والصــــالحين‪ ،‬مثل ن ول األنوار عندها‪ ،‬وتوقي‬
‫غر هتالء مشـاهدتهم بعس األحيان‬ ‫الشـياجين والبهائم لها‪ ،‬واندفاع النار عنها‪ ...‬إنما َّ‬
‫اســتىابة الدعاء‪ ،‬وقضــاء حوائىهم في بعس األوقات‪ ،‬ومنها نشــه وىه الضــالالت‬
‫والشــــبهات لقاصــــري العقول‪ ،‬وىاهلي المنقول‪ ،‬وحىىهم في ذلك دائرة بين نقل ال‬
‫يىو إثبات الشــرع به‪ ،‬أو قيا ال يىو اســتحباب العبادات بمثله‪ ...‬بل المشــركون‬
‫الذين بضع إليهم رسول هللا ﷺ كانوا يدعون عند أوثانهم فيستىاب لهم أحيانًا‪.)2 »...‬‬
‫ومن ذلك ما يذكر من كرامات لمن يضدعى بهم لوالية‪ ،‬كما في كتاب عن سـيرة البدوي‬
‫حي ذكر متلفه‪:‬‬
‫م‬
‫أن ابن اللبان لما قدم من الشـام يريد مصـر دخل إلى الرملة‪ :‬أي رملة لد»‬
‫فبـات في ىـامعهـا الـذي يقـال لـه الىـام األبيس‪ ،‬فســـــم المتذن يقول بعـدمـا فر من‬
‫األذان‪ :‬الصـالة والسـالم عليك يا سـيدي يا رسـول هللا‪ ،‬والسـالم عليك يا سـيدي أحمد يا‬
‫بدوي‪ .‬فشق ذلك على ابن اللبان‪ ،‬وأمسك ذلك المتذن و ىره‪ .‬وقيل‪ :‬قال الشيإل شم‬
‫الدين بن اللبان لقاضـي القضـاة‪ :‬من هذا الذي ىم في السـالم بين سـيد المرسـلين وبين‬
‫غيره؟‪ ،‬ومن هذا أحمـد البـدوي؟‪ ،‬فوهللا إن هذا لمســـــتحق التع ير؛ حيـ يضشـــــرك م‬
‫رســول هللا ﷺ غيره‪ .‬فقال له قاضــي القضــاة‪ :‬إنه شــيخه وغلب عليه حبه‪ ،‬وال ال‬
‫يســتعجف بابن اللبان وهو ال يقبل‪ ،‬وقال‪ :‬وهللا ال بد من تع يره في غداة غد‪ .‬فلما نام‬
‫الشــيإل شــم الدين رأن في النوم أن ســقف الىام قد فض عر ‪ ،‬ون ل منه رىالن ىل‬
‫أحدهما عند رأســه وااخر عند رىليه‪ ،‬فقال الذي عند رأســه للذي عند رىليه‪ :‬اســلبه‬
‫ا يمان‪ .‬فقال‪ :‬ال بل نسـلبه العلم والقرآن ونبقي له ا يمان‪ ،‬فإنه أنكر على سـيدي أحمد‬
‫البدوي‪ .‬ثم أمســــكه أحدهما من رىليه‪ ،‬وااخر من رأســــه وه اه ه ة جم هللا بها‬
‫عـا مرعوبـًا ال يعرف مســـــهلـة في دين هللا‬‫قلبـه‪ ،‬وانت ع منـه العلم والقرآن‪ ،‬فـانتبـه ف ً‬

‫‪ .)33 ،32 /‬تحقيق‪ :‬محمد صـــبحي‬ ‫‪ )1‬شـــر الصـــدور في تحريم رف القبور‪ ،‬للشـــوكاني‪،‬‬
‫حالق‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ )353 - 351 :‬بتصرف‪ ،‬شفاء الصدور في يارة المشاهد والقبور‪ ،‬للمرعي الكرمي‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫تعالى‪ ،‬فلما ال الفىر ونهس للصــالة‪ .‬لم يىد نفســه يحف آية من القرآن‪ .‬والذي في‬
‫ترىمة الىالل السـيوجي لسـيدي أحمد ‪ :‬أنه دخل المحراب ليصـلي إما ًما‪ ،‬فلم يىد‬
‫نفســه يحف آية من القرآن‪ ،‬فهمر إمام المســىد بالصــالة وخر هو وقاضــي القضــاة‬
‫ـر إليه في أذنه وحكى له القصــة‪ ،‬وقال‪ :‬البد لنا من الذهاب‬ ‫ي ن أنه يريد الح َّمام‪ ،‬فهسـ َّ‬
‫إلى اوية األحمدية‪ ،‬فســــار هو وإياه حتى وصــــال إلى ال اوية؛ فإذا على بابها رىل‬
‫ىال على برع من خو ‪ ،‬وبين يديه شــــيء من الخو فســــلما عليه‪ ،‬فرد عليه‬
‫السـالم وقال البن اللبان‪ :‬وهللا يا محمد ما بيدي حل وال ربج)‪ .‬فقال له قاضـي القضـاة‬
‫ســـ علب العلم والقرآن)‪ .‬فقال‪ :‬كرامة هلل‪ .‬وصـــار‬ ‫بالديار المصـــرية‪ :‬ما الخبر؟‪ .‬قال‪ :‬ض‬
‫يتذلل له‪ ،‬ويتملق بين يديه‪ ،‬ويسـهله الصـفح‪ ،‬ثم صـار ابن اللبان يبكي ويقول‪ :‬أنا تائب‬
‫إلى هللا‪ ،‬وال أعود لمثل ذلك أبدًا‪ .‬فقال ذلك الفقير‪ :‬إن كان والبد فقم‪ ،‬وســــافر في هذه‬
‫رىال من أولياء هللا تعالى يسـمى ياقوت العرع‪ ،‬فما‬ ‫ً‬ ‫السـاعة إلى ا سـكندرية؛ فإن بها‬
‫يكون الفر إال على يديه‪ .‬فقال‪ :‬ســــم ًعا وجاعة‪ ،‬وتىه للســــفر في ذلك اليوم‪ .‬وهذا‬
‫الســياق‪ :‬أي قوله ســافر في هذه الســاعة إلى ناحية ا ســكندرية) ربما يدل على أن‬
‫اوية األحمدية كانت بمصــــر ال برملة لد‪ ،‬كما يدل ذلك على أن ابن اللبان اســــتمر‬
‫يعرف شـيئًا من العلم‪ ،‬وال من القرآن‪ ،‬إلى أن وصـل إلى مصـر‪ ،‬ثم إلى أن وصـل إلى‬
‫ا سكندرية‪ ،‬واىتمـ بسيدي ياقـوت‪ ،‬بـل إلى أن وصـل إلى مقـام سيـدي البدوي على‬
‫ما سيهتي‪.‬‬
‫‪)1‬‬
‫فلما وصـل إلى ا سـكندرية‪ ،‬اىتم بسيدي ياقوت ‪ ،‬فلما سلم عليه قال له‪ :‬يا‬
‫محمد ما الذي أوقعك في مثل هذه الورجة؟! ادخل الخلوة فما ثم إال الخير إن شــاء هللا‬
‫تعالى‪ .‬فقال‪ :‬يا ســيدي ال أحف من القرآن شــيئًا‪ .‬فقال‪ :‬اشــتغل بالتوحيد‪ .‬ففي أول ليلة‬
‫قـال لـه‪ :‬مـا رأيـت؟‪ .‬قـال‪ :‬مـا رأيـت شـــــيئـًا‪ .‬وفي الليلـة الثـانيـة قـال‪ :‬رأيـت ً‬
‫نورا‪ .‬فقـال لـه‪:‬‬
‫أبشـــر بالخير‪ .‬وفي الليلة الثالثة رأن النبي ﷺ وهو ىال على كرســـي من النور‪،‬‬
‫وحولـه ىمـاعـة من األنبيـاء على كراســـــي من النور‪ ،‬وســــيـدي أحمـد ‪ ‬بين يـدي‬
‫المصـــــجفى ﷺ‪ ،‬وإذا بـالنبي ﷺ يقول‪ :‬يـا أحمـد جيـب خـاجرك على محمـد بن اللبـان‬
‫ألىلي‪ ،‬ثم التفـت النبي ﷺ إلى ابن اللبـان وقـال لـه‪ :‬أمـا علمـت أن من األوليـاء من هو‬
‫مســرورا‪ ،‬وبادر‬
‫ً‬ ‫تحت ىناحي األيســر‪ ،‬وأن أحمد تحت ىناحي األيمن؟‪ .‬فانتبه فر ًحا‬
‫الباب فإذا هو بســيدي ياقوت‪ ،‬وهو يهمهم ويهدر كالفحل من ا بل وله ئير كاألســد‪.‬‬

‫‪ )1‬هو أىل خلفاء أبي العبا المرسـي الشـاذلي‪ .‬توفي سـنة ‪732‬هــــــ)‪ .‬وله مسـىد مشـهور في‬
‫ا سكندرية قرب مسىد المرسي‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪42‬‬

‫ضـيت حاىتضك‪ ،‬فإني سـقت على سـيدي أحمد ىمي‬ ‫فلما رآه قال له‪ :‬يا محمد أبشـر فقد قض ع‬
‫األولياء فلم يقبل‪ ،‬وأنت رأيت بعينك‪ ،‬ولكن ســـافر إلى ناحية جنجا‪ ،‬وادخل ضـــريحه‬
‫ـتغفرا‪ ،‬وجف حول تابوته وأقم عنده ثالثة أيام‪ ،‬فقبَّل يد ســيدي ياقوت‪ ،‬وســار‬‫تائبًا مسـ ً‬
‫إلى مقام ســـيدي أحمد ‪ ،‬فدخل الضـــريح ودار حول التابوت تائبًا مســ ً‬
‫ـتغفرا‪ ،‬وفي‬
‫بعس الروايات‪ :‬أنه ىاء هو وسـيدي ياقوت إلى مقام سـيدي أحمد ‪ ،‬وصـار سـيدي‬
‫ياقوت يكلمه‪ ،‬ويســتعجف خاجره‪ ،‬وابن اللبان يبكي ويتضــرع‪ ،‬وأقام عنده ثالثة أيام‪،‬‬
‫وكان إذا نام‪ ،‬ينام تحت رىلي ســـيدي أحمد ‪ ،‬ورأن ســـيدي أحمد وقد صـــر له‬
‫بـالعفو عنـه‪ ،‬ووضــــ يـده على صـــــدره‪ ،‬فعـاد لـه مـا كـان عليـه ب يـادة وقـال لـه‪ :‬اقرأ‬
‫التحيات هلل‪ .‬فلما وصـل إلى قوله‪ :‬السـالم عليك أيها النبي ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬السـالم‬
‫علينا وعلى عباد هللا الصـالحين‪ ،‬قال له‪ :‬كيف تنكر من سـلم علينا بعد النبي ﷺ على‬
‫ـرورا يقرأ‬‫المئذنة‪ ،‬م أن النا مهمورون بذلك في الصــالة؟‪ .‬فقام من نومه فر ًحا مسـ ً‬
‫القرآن‪ ،‬فقرأ من أوله إلى آخره‪ ،‬وأهدن ثوابه لسيدي أحمد البدوي» ‪.)1‬‬
‫وبمثـل هـذه األســـــجورة األ َّفـاكـة يضخـ مدع النـا ‪ ،‬فيىعلون مغفرة الـذنوب بـالـدنيـا‬
‫وااخرة بيـد البـدوي‪ ،‬فهـل النبي ﷺ يلجف األىواء م البـدوي؟! ال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪.‬‬
‫سرنا الفرنج‬ ‫وأما مىيء األسارن‪ ،‬فقد ذكر أن ىماعة من أهل بيروت قالوا‪ :‬أ م‬ ‫ض‬
‫رىال‪ ،‬فهقمنا في بالد الفرنج يسـتخدمونا في األعمال الشـاقة حتى كدنا‬ ‫ً‬ ‫وكنا اثني عشـر‬
‫نموت‪ .‬فـهلهمنـا الحق ‪ ‬يو ًمـا أننـا قلنـا‪ :‬يـا ســــيـدي أحمـد يـا بـدوي‪ :‬إن النـا يقولون إنك‬
‫تهتي باألسرن إلى بالدهم‪ .‬وقد سهلناك بالنبي ﷺ أن تردنا إلى بالدنا‪ ،‬قالوا‪ :‬ففي ذلك‬
‫اليوم ن لنا مركبا لي فيها أحد وىدفنا فلم يشـعر بنا الفرنج حتى سـرنا في البحر نحو‬
‫ميلين‪ ،‬فخرىوا وراءنا فلم يدركونا إلى أن وصــلنا إلى بالدنا ببركة ســيدي أحمد ‪‬‬
‫‪.)2‬‬
‫ومنه ما حكاه عبد الوهاب الشـــعراني قال‪ :‬أخبرني شـــخ يقال له الشـــيإل‬
‫أسـيرا في بالد الفرنج‪ ،‬فكان الفرنىي الذي أنا عنده يقول‪ :‬إن سـمعتك‬ ‫ً‬ ‫سـالم‪ :‬قال كنت‬
‫تقول‪ :‬يا أحمد يا بدوي‪ .‬ضـــربتك وعاقبتك‪ ،‬ثم خاف أن يخجفني فصـــار يتويني في‬
‫صــــنـدوق كبير ويقفلـه علي بقفـل وينـام فوقه‪ .‬فقلـت في نفســـــي في ليلـة من الليـالي‪ :‬يا‬

‫‪ ،)122 -120 /‬سيرة السيد أحمد البدوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد ع الدين خلف هللا‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬
‫‪.)126 ،125 /‬‬ ‫‪ )2‬المرى السابق‪،‬‬
‫‪43‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ســيدي أحمد يا بدوي‪ ،‬أنىدني‪ .‬فما اســتتم القول إال وىاء ســيدي أحمد البدوي‪ ،‬وحمل‬
‫الصــندوق بي وبالفرنىي‪ ،‬فصــرت أســم دويًا ع ي ًما‪ ،‬فما أصــبح الصــبا إال وأنا‬
‫كثيرا‪ ،‬ففتحوا الصــندوق‪ ،‬وأخرىوني منه‪ ،‬فوىدت نفســي في‬ ‫ً‬ ‫أســم أصــواتًا وكال ًما‬
‫سـاحل القيروان‪ ،‬والفرنىي واقف والنا حوله‪ ،‬فحكى لهم القصـة‪ ،‬ثم أسـلم الفرنىي‬
‫وىاء مقام سيدي أحمد ‪ ،‬و اره ثم سافر إلى القد ‪.)1‬‬
‫أيضــــا عبد الوهاب الشــــعراني قال‪ :‬ومما رأيته ســــنة ثال‬ ‫ً‬ ‫ومنه ما حكاه‬
‫ىالســا في مقام ســيدي أحمد البدوي‪ ،‬فســمعت ضــىَّة‬ ‫ً‬ ‫وأربعين وتســعمائة‪ :‬أني كنت‬
‫ع يمة في منارة ســــيدي عبد العال‪ ،‬آخر الليل فجلعت‪ ،‬فإذا أســــير مقيد مغلول وهو‬
‫ـيرا في بالد الفرنج‪،‬‬ ‫غـائـب ال نلـب‪ ،‬فن لوا بـه فمكـ ثالثـة أيـام ثم أفـاق‪ .‬فقـال‪ :‬كنـت أســــ ً‬
‫فبينما أنا على ســجح‪ ،‬إذ توســلت بســيدي أحمد‪ ،‬فهتاني شــيء فخجفني‪ ،‬وجار بي في‬
‫الهواء‪ ،‬حتى ن لت على هذه المنارة‪ ،‬فجــاع عقلي مــن شدة الخجفة والجيران‪ ،‬ففكوا‬
‫قيوده‪ ،‬وىاور في المقام إلى أن مات ‪.)2‬‬
‫قال الشـعراني‪ :‬ما سـمعت تابوته يقرق وي عق‪ ،‬إال ويحد في المملكة أمر‪،‬‬
‫ـخص ـا هرب منهم‪ ،‬ودخل‬ ‫وقد وق أن ىماعة من ىماعة الباشــا أرادوا أن يضخرىوا شـ ً‬
‫مقام ســــيدي أحمد‪ ،‬فدار الهالل وصــــار التابوت يقرق كالرعد‪ ،‬فخافوا وخرىوا ولم‬
‫يتعرضوا له‪ ،‬فىاء الخبر بع ل ذلك الباشا في ذلك الوقت‪.‬‬
‫أيضـا‪ :‬وهو أن بعس الىند أرادوا أن يقتلوا صـبيًّا من أتباعه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ووق مثل ذلك‬
‫فهرب ودخل المقـام األحمـدي‪ ،‬فىم الىنـدي ىمـاعة من الىنـد‪ ،‬ودخلوا المقـام‪ ،‬وهددوا‬
‫أهل المقام بما ال جاقة لهم به‪ ،‬فخلوا بينهم وبين الصـبي‪ ،‬فىاء الصـبي وأدخل يده في‬
‫حلقة من حلق باب القبة صـغيرة ضـيقة‪ ،‬فالنت واتسـعت بحي دخلت يد الصـبي كلها‬
‫نـه أهـل البالد‬ ‫فيهـا‪ ،‬وقرق التـابوت قرقعـة ع يمـة‪ ،‬وخر نور وارتف ‪ ،‬بحيـ‬
‫المىاورة أنه حريق‪ ،‬فحصــــل ألولئك الىند من الرعب ما ال م يد عليه‪ ،‬فتركوا ذلك‬
‫الصبي وذهبوا‪ ،‬وهم على غاية من االعتقاد في سيدي أحمد ‪.)3 ‬‬
‫وهكـذا يـدف الســـــدنـة المريـدين وال ضى َّهـال إلى هـذه األمكنـة‪ ،‬بمثـل هـذه األكـاذيـب‬
‫والقص الموضوعة‪ ،‬التي اهر الدىل فيها يغني عن التعليق عليها‪.‬‬

‫‪.)126 ،125 /‬‬ ‫‪ )1‬سيرة السيد أحمد البدوي‪،‬‬


‫‪.)126 /‬‬ ‫‪ )2‬المرى السابق‪،‬‬
‫‪.)128 /‬‬ ‫‪ )3‬سيرة السيد أحمد البدوي‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪44‬‬

‫المبح الراب‬
‫سكوت علماء السنة‬
‫الســنة في بعس البالد عن بيان الحق‪ ،‬وتبليغ شــرائ‬ ‫علماء أهل ن‬
‫ع‬ ‫إن ســكوت‬
‫الدين وأحكامه‪ ،‬وتقاعســهم عن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وتفر بعضــهم‬
‫لبعس‪ ،‬ومـا أصـــــابهم من خوف وذعر‪ ،‬فمـا تىـد أحـدهم إال ويحـذعر أخـاه من إنكـار‬
‫ويخوفـه من ســـــجوة المبتـدعـة‪ ،‬ولو أن علمـاء أهـل الســــنـة تكـاتفوا‪ ،‬وتـت روا‬
‫ع‬ ‫المنكر‪،‬‬
‫وأمروا بالمعروف‪ ،‬ونهوا عن المنكر بحكمة وحنكة‪ ،‬لتغيَّر كثير من األوضــــاع‪ .‬كما‬
‫إن من واىب أهل السـنة أن ينشـروا السـنة الصحيحة بين النا ‪ ،‬وأن يبيعنوا لهم أن هذا‬
‫الدين قد مك ضمل‪ ،‬وأنه ال تضاد بين آيات القرآن‪ ،‬وال تعارس بين العقل الصريح والن‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫إن ســــكوت بعس العلماء عن بيان الحق أثره ع يم‪ ،‬خاصــــة على العامة؛‬
‫ألنهم إذا رأوا ســـكوت العالم على أمر حســـبوا أن ذلك األمر مما ىاء به الشـــرع وال‬
‫يخالفه‪ .‬إن سكوت العلماء مىلبة لهوانهم وإنقا لقدرهم‪.‬‬
‫وما أحسن قول الشاعر‪:‬‬
‫*** ولو عظموه في الناوس‬ ‫ولو أن أفل العلم صانوه‬
‫لعظما‬ ‫صاندهم‬
‫صرما‬
‫محياه باألطماع حتى تد ّ‬ ‫***‬ ‫ولكدددن أفانددددوه فهانوا‬
‫(‪)1‬‬
‫ودندددسوا‬

‫ســـنَّة لم عالم بدعة؛ ولهذا تكثر البدع في البالد التي يقل‬


‫فكلما ســـكت عالم ض‬
‫فيها علماء السنة كما هو معروف ومشاهد‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫‪ )1‬قاله الىرىاني‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الخام‬
‫تشىي بعس الحكومات لهذه البدع‬
‫حي تهبى كثير من الحكومات ا سـالمية األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫وترفضـــه‪ ،‬بل شـــىعت على نشـــر البدع‪ ،‬وقربت أهلها‪ ،‬وع مت علماء الوثنية‪ ،‬إما‬
‫عا لىماهير النا ‪ ،‬بحي تتملق ‪-‬بمساندتها للبدع‪ -‬للعوام‪.‬‬ ‫محاربة للسنة‪ ،‬أو اتبا ً‬
‫وكــان كثير من الملوك والحكــام في ذلــك ال من يلىتون إلى عمــارة تلــك‬
‫األضــــرحة‪ ،‬وا نفاق عليها‪ ،‬لي إيمانًا بها بقدر ما كان إرضــــا ًء لمشــــاعر النا ‪،‬‬
‫ومحاولة لكســـب والئهم‪ ،‬والعمل على إلهائهم بتلك األضـــرحة التي تعبد من دون هللا‬
‫تعـالى‪ ،‬واجمئنـا ًنـا على األقـل من ثوراتهم وتمردهم؛ نتيىـة لمـا كـان يمـارســـــه هتالء‬
‫الحكام من لم وجغيان ‪.)1‬‬
‫عبَّاد األصـنام من‬
‫كبيرا يهرع إليه سـدنة الجواغيت‪ ،‬و ض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محفال‬ ‫في كل ربي يقام‬
‫الصــوفية‪ ،‬فيقيمون ثمم الســرادقات وينحرون فيها الذبائح‪ ...‬إن الصــوفية يىمعون ذلك‬
‫سـيدهم‪ ،‬أو دسـوقيهم‪ ،‬أو رفاعيهم من أتباعهم‪ ،‬والمسـاكين‬ ‫السـن حت باسـم مح َّمدهم‪ ،‬أو ع‬
‫الغالبة والدراويع الغالبة‪ ،‬قد يبي أحدهم قوت أبنائه وثيابه‪ ،‬وما يســتر عورة امرأته‬
‫حتى يتدي لشيخه عوائده‪ ...‬وكنت أحسب الحكومة تحتفل بميالد محمد ﷺ‪ ،‬ولنفرس‬
‫أنـه ىـائ ‪ ،‬فتحـارب مـا كـان يحـارب رســـــول هللا ﷺ‪ ،‬وتحيي مـا كـان يضحيي‪ ،‬فتحـارب‬
‫المنكر وتهدم المواخير‪ ،‬وتحجم أصنام الىاهلية‪ ،‬وتحيي علم رسالته وعقيدته الصادقة‬
‫في إيمـانه بربه‪ ،‬وحكمـه الصـــــالح بمـا أن ل عليـه ربه‪ ،‬ولكن الحكومة تحتفل بالميالد‪،‬‬
‫فتعين على بدعة وثنية‪ ،‬وآثام تهلك أو ارها الدين والفضــيلة والحياء‪ ،‬تحتفل الحكومة‬
‫بالميالد‪ ،‬واالحتفال به شــر بدعة منيت بها األمة‪ ،‬وبهذه الصــور الماىنة المســرفة في‬
‫المىون مي هر خلل وفســاد في العقيدة‪ ،‬فعلى الحكومات أن تصــلحه بســلجان من دين‬
‫هللا الحق وهداه‪ ،‬يشـرق من القرآن ويرف نوره من السـنة‪ ،‬وفي األخالق عو أعو ‪،‬‬
‫فعلى الحكومات أن تقومه باألخالق ا سالمية الصافية) ‪.)2‬‬
‫إن ت عمبني الحكومـات للبـدع يـهتي بـتثـار وخيمـة على الـدين والمىتم ‪ ،‬وأقرب‬
‫مثال على ذلك ما فعله المهمون ‪ )3‬عندما أل م النا بالقول بخلق القرآن مســـ ً‬
‫ـتغال في‬
‫ذلك سلجته‪ ،‬وتولى هذه البدعة الخلفاء من بعده‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬االنحرافات العقدية والعلمية‪ ،‬لعلي ال هراني‪.)284 /1 ،‬‬


‫‪ )30 -26 /‬بتصرف‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬بدعة المولد‪ ،‬لعبد الرحمن الوكيل‪،‬‬
‫‪ )3‬هو عبدهللا بن هارون الرشــيد العباســي‪ ،‬ينتهي نســبه إلى بني هاشــم من قريع أحد خلفاء بني‬
‫العبا ‪ ،‬ولد سـنة ‪170‬هــــــ)‪ ،‬وتوفي سـنة ‪218‬هــــــ) وعمره ثمان وأربعون سـنة‪ ،‬اسـتمر في‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪46‬‬

‫إن الحكومات بسـلجتها تسـتجي القضـاء على البدع أو إحيائها‪ ،‬ومما يدل على‬
‫ـرا المريسـي ‪ )1‬لما قال مقولته‪ ،‬وصـلت إلى الخليفة هارون الرشـيد ‪ )2‬فقال‪:‬‬ ‫ذلك أن بش ً‬
‫بشرا عم أن القرآن مخلوق‪ ،‬علي إن أ فر في هللا به ألقتلنه شر قتلة‪ .‬فكان‬ ‫بلغني أن ً‬
‫بشـر متواريًا أيام هارون عشـرين سـنة حتى مات هارون‪ ،‬ف هر ودعا إلى الضـاللة‪،‬‬
‫وكان من المحنة ما كان ‪.)3‬‬
‫ومن مصــــائب الخلفاء ما فعله العبيديون الباجنيون الذين أحدثوا من البدع ما‬
‫ال يضحصى‪ ،‬فع موا األضرحة‪ ،‬ونشروا االحتفال بالموالد‪.‬‬
‫وهذا يثبـت لنـا أن تمبنعي الخلفـاء للبـدع يىعلهـا بين النـا ســـــننًـا تىـب المحـاف ـة‬
‫عليها‪ ،‬وعندما ىاء محمد بن عبد الوهاب ‪ −‬أيَّدته الدولة الســـعودية‪ ،‬وســـاهمت معه‬
‫في هـدم القبـاب التي على األضـــــرحـة‪ ،‬فحمى هللا ى يرة العرب من أدران الىـاهليـة‪،‬‬
‫ومـا الـت هـذه الـدولـة ‪-‬وفَّقهـا هللا‪ -‬في منـهن عن مالعـب الوثنيـة‪ ،‬لتتكـد لنـا من ىـديـد أن‬
‫الحكومة تستجي أن تكون داعية خير أو داعية شر‪.‬‬
‫وصـــــدق رســـــول هللا ﷺ حينمـا قـال‪ :‬إنمـا أخـاف على أمتي من األئمـة‬
‫المضلين» ‪.)4‬‬
‫وقال ابن مســـعود ‪ :‬كيف أنتم إذا لبســـتكم فتنة يهرم فيها الكبير‪ ،‬ويربو‬
‫فيها الصــغير‪ ،‬ويتخذها النا ســنة‪ ،‬فإذا غيرت قالوا‪ :‬غيرت الســنة‪ .‬قالوا‪ :‬ومتى ذلك‬
‫يـا أبـا عبـدالرحمن؟‪ .‬قـال‪ :‬إذا كثرت قراتكم وقلـت فقهـاتكم‪ ،‬وكثرت أمراتكم وقلـت‬
‫أمناتكم‪ ،‬واضلت ض ِ‬
‫مست الدنيا بعمل ااخرة» ‪.)5‬‬

‫الخالفة قرابة ‪ )21‬ســنة‪ ،‬كان محبًّا للعلم‪ ،‬ولكن التفاف ابن أبي دتاد وغيره من المعت لة حوله‬
‫صـرفه عن العلم الشـرعي إلى كتب المعت لة والشـيعة‪ ،‬وتضرىمت في عهده كتب اليونان‪ ،‬وكانت‬
‫الفاىعة الكبرن في عصـــره عندما أل م النا بالقول بخلق القرآن‪ ،‬وتعرس ا مام أحمد لمحنة‬
‫شديدة‪ ،‬البداية والنهاية ‪ ،)311 /10‬واألعالم ‪.)142 /4‬‬
‫‪ )1‬هو‪ :‬بشـر بن الغيا المريسـي‪ ،‬من رمو المبتدعة‪ ،‬تبنَّى مقولة الىهم‪ ،‬وقال بخلق القرآن‪ ،‬هلك‬
‫غير مهسوف عليه عام ‪218‬هـ)‪ ،‬مي ان االعتدال ‪.)322 /1‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬هارون الرشــيد بن محمد المهدي العباســي‪ ،‬ينتهي نســبه إلى بني هاشــم من قريع‪ ،‬أشــهر‬
‫خلفاء بني العبا ‪ ،‬ولد سنة ‪149‬هــــ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪193‬هــــ)‪ ،‬اضشتضهر عنه أنه كان يغ و عا ًما‬
‫ويحج عا ًما‪ ،‬وعضرف بىوده وعلمه‪ .‬البداية والنهاية ‪.)242 /10‬‬
‫‪ ،)385 /‬مناقب ا مام أحمد‪ ،‬البن الىو ي‪.‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )4‬رواه أحمـد‪ ،‬رقم‪ ،)21359 /‬والترمـذي في كتـاب الفتن‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في األئمـة المضـــــلين‪،‬‬
‫رقم‪ ،)2229 /‬وقال‪ :‬حســن صــحيح‪ ،‬وصــححه األلباني‪ ،‬رقم‪ .)2229 /‬وأبو داود في كتاب‬
‫الفتن والمالحم‪ ،‬باب ذكر الفتن ودالئلها في الحدي الجويل‪ ،‬رقم‪ ،)4252 /‬وصـــححه األلباني‬
‫في صحيح سنن أبي داود‪ ،‬رقم‪.)3577 /‬‬
‫‪ )5‬سنن الدارمي‪ ،‬باب تغير ال مان وما يحد فيه‪ ،‬رقم‪.)185 /‬‬
‫‪47‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ولـذا عقـد ا مـام المىـدعد محمـد بن الوهـاب ‪ −‬في كتـاب التوحيـد‪ :‬بـاب من‬
‫أجـاع العلمـاء واألمراء في تحريم مـا أحـل هللا‪ ،‬أو تحليـل مـا حرم هللا‪ ،‬فقـد اتخـذهم أربـابًا‬
‫من دون هللا» ‪.)1‬‬
‫إن الحكومات بما وهبها ربي من ســلجة وقوة‪ ،‬تســتجي أن تقم البدعة ومن‬
‫دعـا إليهـا‪ ،‬وتســـــتجي بمـا أوتيـت من قوة أن ت رع للبـدع وأهلهـا قيمـة ومهـابـة ومنعـة‬
‫وع ة‪ .‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ )149 /2 :‬القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح العثيمين‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪48‬‬

‫المبح الساد‬
‫ما يبثنه علماء السوء‬
‫فقد تواترت األحادي ببيان خجر علماء السـوء‪ ،‬من خالل ما يبثنونه من شـبه‪،‬‬
‫ودعم باجلهم بما يروق لهم‪ ،‬غير متحرىين من كون ما يقولونه مدعو ًما بهدلة‪ ،‬ســواء‬
‫أكانت أدلة صـــحيحة غير صـــريحة‪ ،‬أو أدلة صـــريحة غير صـــحيحة‪ ،‬بل ال يتورع‬
‫علماء الضاللة من اختالق أحادي أو تغيير ألفا ها ليستدلوا به على باجلهم‪.‬‬
‫ولذلك مم ِن ته َّمل في حالهم وســــيرهم وىد وصــــف عمر ‪ ‬ينجبق عليهم‪،‬‬
‫عندما وصــــفهم بهنهم أعداء الســــنن» ‪ ،)1‬وي هر ذلك بعدم تســــليمهم للنصــــو‬
‫الشـرعية من خالل رد األحادي التي ال توافق مذهبهم‪ ،‬إما بالقد في الرواة‪ ،‬أو بنفي‬
‫حىية خبر ااحاد‪ ،‬أو صـرفها عن واهرها بتهويالت فاسـدة‪ ،‬وكذلك باتباع المتشـابه‪،‬‬
‫وذلك بحمل النصــو المحكمة على المتشــابهة‪ ،‬أو ىعل المحكم من األدلة متشــاب ًها‪،‬‬
‫أو معارضـة النصـو الشـرعية باألهواء‪ ،‬أو االسـتدالل ببعس النصـو دون الن ر‬
‫في غيرها‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬ما فعله الســــيد محمد المالكي في كتابه ال يارة الشــــرعية)‬
‫عندما أورد حدي بصــــرة الغفاري م أبي هريرة‪ ،‬نىده أعرس عن األحادي التي‬
‫تفيد قدوم أبي هريرة من مســىد الجور‪ ،‬وىاء بالرواية التي لم تضصـ عـر بهن أبا هريرة‬
‫كـان يريـد الـذهـاب‪ ،‬أو أنـه كـان قـاد ًمـا‪ ،‬بـل اد على ذلـك جـامـة كبرن عنـدمـا اد من‬
‫نفســـــه‪ :‬وم ذلـك لم يرى أبو هريرة»‪ .‬م أنـه ال توىـد روايـة واحـدة فيهـا هـذه‬
‫ال يادة‪ ،‬ثم اســـتمر في تلبيســـه عندما قال‪ :‬إن النهي في الحدي ال يفيد التحريم عند‬
‫أبي هريرة) ‪.)2‬‬
‫قال شـــيإل ا ســـالم ‪ −‬عن هتالء العلماء الذين يتلفون كتبًا تدعو إلى تع يم‬
‫القبور‪ ،‬كما صــنف أحد الرافضــة كتابًا أســماه‪ :‬مناســك المشــاهد) وىعل فيه قبور‬
‫المخلوقين تضح نج كما تضح نج الكعبة‪ ،‬وهتالء الذين صـنفوا هذه الكتب لهم أغراس فاسـدة‪،‬‬
‫منهـا‪ :‬التقرب إلى األئمـة‪ ،‬وإضـــــالل األمـة‪ ،‬حيـ قـال‪ :‬وهـذا إنمـا ابتـدعـه وافتراه في‬
‫األصـل قوم من المنافقين وال نادقة؛ ليصـدوا به النا عن سـبيل هللا‪ ،‬ويفسـدوا عليهم‬
‫دين ا ســالم‪ ،‬وابتدعوا لهم أصــل الشــرك المضــاد خال الدين هلل؛ ولهذا صــنف‬
‫جائفة من الفالسـفة الصـابئين المشـركين في تقرير هذا الشـرك ما صـنفوه‪ ،‬واتفقوا هم‬

‫‪ )1‬ان ر‪ )123 /1 :‬شر أصول اعتقاد أهل السنة والىماعة لاللكائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الغامدي‪.‬‬
‫‪ )119 /‬من هذا البح ‪.‬‬ ‫‪ ،)15 /‬وان ر‪:‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬ال يارة النبوية‪،‬‬
‫‪49‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫والقرامجة الباجنية على المحادة هلل ورسوله‪ ،‬حتى فتنوا أم ًما كثيرة وصدوهم عن دين‬
‫ـعارا لهم تعجيل المسـاىد وتع يم المشاهد‪ ،‬فإنهم يهتون من تع يم‬ ‫هللا‪ ،‬وأقل ما صـار ش ً‬
‫المشـاهد وحىها وا شـراك بها ما لم يهمر هللا به وال رسـوله‪ ،‬وال أحد من أئمة الدين‪،‬‬
‫بل نهى هللا عنه ورسـوله عباده المتمنين‪ ،‬وأما المسـاىد فيخربونها‪ ،‬فتارة ال يصـلون‬
‫ىمعة وال ىماعة بناء على ما أصـلوه من شـعب النفاق‪ ،‬وهو أن الصـالة ال تصـح إال‬
‫خلف معصوم ونحو ذلك من ضاللتهم» ‪.)1‬‬
‫فال عىب إذن‪ ،‬إذا كان هذا هو منهج أئمة الضــاللة أن يتهثر بهم أتباعهم وأن‬
‫ضـا‪ :‬أني عندما التقيت م أحد مشـايخهم الشـيإل د‪.‬‬ ‫يلبسـوا على غيرهم‪ .‬ومن تلبيسـهم أي ً‬
‫ىودة‪ ،‬عند ضريح البدوي‪ ،‬وبينت لــــه خجورة التوسل باألموات وحرمتها‪ ،‬وأنها من‬
‫صور الشرك الصريح‪ ،‬ودللتض لــــه بفعل عمر عندما ترك التوسل بالرسول ﷺ؛ ألنه‬
‫ميـت‪ ،‬وتوســـــل بعمـه العبـا ؛ ألنـه حي ‪ ،)2‬فقـال أمـام المئـات من أتبـاعـه ومريـديـه بكـل‬
‫حـدة وغل ـة‪ ،‬ورغبـة منـه في إثـارة العـامـة علي‪ :‬إن المشـــــرك الحقيقي هو الـذي يعتقـد‬
‫ىوا التوسـل بالحي‪ ،‬وعدم ىوا ه بالميت؛ ألنه ربج الفعل بالمخلوق‪ ،‬فإذا كان الفعل‬
‫لي من المخلوق‪ ،‬وإنما المخلوق ســبب‪ ،‬فال فرق إذن بين التوســل بالحي أو التوســل‬
‫بالميت‪ .‬فانجلق أتباعه يقبلون يده ويكبرون‪ .‬ومن المتســــف أنه كان من بينهم دكاترة‬
‫وخريىوا ىامعات‪.‬‬
‫حرم هللا بكـل ىرأة ووقـاحـة‪ ،‬ال يردعهم عن ذلـك‬ ‫ن‬
‫فعلمـاء الضـــــاللـة يحلون مـا َّ‬
‫رادع‪ ،‬فلـذا كـان دورهم في ت يين البـاجـل ع يم‪ ،‬ففتنوا النـا لهـذه األفعـال بـالقبور‪،‬‬
‫وهللا المستعان على ما يصفون!‪.‬‬
‫إن العلماء إذا فسـدت نياتهم‪ ،‬وآثروا الدنيا على ااخرة؛ أفسـدوا البالد والعباد‪،‬‬
‫ومما ي يد النا في الضــالل عمل العالم بالبدعة‪ ،‬مما يتدي إلى تقليد العامة لـــــــه؛‬
‫مثاال على ذلك‪ ،‬ما‬‫ألنهم على قناعة بهن العا علم ال يعمل إال ما فيه الصـواب‪ .‬ولنضـرب ً‬
‫ذكره أحـد علمـاء الشـــــيعـة عنـدمـا قـال‪ :‬هـل النبي الـذي ال ينجق عن الهون يـهمر بهـدم‬
‫القبور ويـهمر ب يـارتهـا؟! يـهمر بهـدمهـا ثم هو ي ورهـا؟! ثم قـال‪ :‬كال ثم كال ثم كال‪ ،‬مـا‬
‫كنتض أحسب أن أدنى من لـــه ح من فهم التراكيب العربية والتصاريف اللغوية يخفى‬
‫عليه الفرق بين التسوية) و المساواة)‪.‬‬

‫‪ )1‬الفتاون ‪ )518 - 517 /4‬بتصرف‪.‬‬


‫ا مام االســـتســـقاء إذا قحجوا‪ ،‬رقم‪/‬‬ ‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب االســـتســـقاء‪ ،‬باب ســـتال النا‬
‫‪.)1010‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪50‬‬

‫قبرا مشرفًا إال سويته»‪ :‬إلى معنى‬ ‫إن الذين يصرفون قولـــــه ﷺ‪ :‬وال تدع ً‬
‫وضــلَّت‬
‫مت أذهانهم‪ ،‬م‬ ‫وســ عخف ِ‬ ‫ســاويته باألرس أي‪ :‬هدمته)‪ ،‬أولئك قوم أم عيف ِ‬
‫مت أفهامهم‪ ،‬م‬
‫ألبابهم‪ ،‬ولم يكن من العربية لهم وال قالمة فر فكيف بعلمائهم؟!‪.‬‬
‫وال يخفى على عوام العرب أن تســـوية الشـــيء عبارة عن تعديل ســـجحه أو‬
‫سـجوحه‪ ،‬وتسـجيحه في قبال تقعيره أو تحديبه أو تسـنيمه أو ما أشـبه ذلك من المعاني‬
‫قبرا مشرفًا ‪-‬أي‪ :‬مسن ًما‪ -‬إال‬ ‫المتقاربة‪ ،‬واأللفا المترادفة‪ ،‬فمعنى قولــــه ﷺ‪ :‬التدع ً‬
‫ســــويته ‪-‬أي‪ :‬ســــجحته وعدلته‪ .»-‬ولي معناه‪ :‬إال هدَّمته وســــاويته باألرس‪ ،‬كي‬
‫يعـارس مـا ورد من الحـ على يـارة القبور واســـــتحبـاب إتيـانهـا‪ ،‬والترغيـب في‬
‫تشـييدها‪ ،‬والتنويه بها‪ ،‬وذلك المعنى ‪-‬أعني أن المراد من تسـوية القبر تسـجيحه وعدم‬
‫تســـنيمه‪ -‬كان هو الذي فهمته من الحدي أول ما ســـمعته بادى بدء‪ ،‬وعند أول وهلة)‬
‫‪.)1‬‬
‫وبمثل هذا التدلي والتلبي يضـلل علماء الضالل على مريديهم حي تالعب‬
‫بالحدي ‪ ،‬وبين أن التســوية هي التعديل والتســجيح؛ ليىد في ذلك ذريعة للوقوف أمام‬
‫من يفتون بهـدم القبـاب واألبنيـة‪ .‬وهـذا من القول في الـدين بغير علم‪ ،‬قـال هللا تعـالى‪( :‬ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [األعراف‪:‬‬
‫‪ ،]33‬فكفى بمن قال على هللا بغير علم أن هللا ىل وعال) قد عجف فعله على ا شراك‬
‫باهلل‪ ،‬وقال تعالى‪ ( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ) [األنعام‪ ،]144 :‬فالقول بغير علم كذب‪،‬‬
‫واتبـاع للشـــــيجـان‪ ،‬و لم وبهتـان‪ ،‬وقـد وردت أحـاديـ تضحـذعر من الفضتيـا‪ :‬قـال ﷺ‪ :‬من‬
‫ض‬
‫ي بغير علم كان إثمه على من أفتاه» ‪.)2‬‬ ‫أ ِفتع م‬
‫فالقول في الدين بغير علم إضـالل‪ ،‬وعلى من أضـل إثم من وق في الضـالل‬
‫بسـبب إضـالله‪ ،‬فض ًـال عن إثمه لوقوعه في الضـالل‪ ،‬فيىب على من ال يعلم أن يقول‪:‬‬
‫فتي في الدين ضل وأضل‪ ،‬وهللا المستعان على ما يصفون!‪.‬‬ ‫ض‬
‫ال أدري‪ .‬فإن الىاهل إذا أ م‬

‫‪ )19 ،18 /‬نقس فتاون الوهابية‪ ،‬لمحمد كاشف الغجاء‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )2‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب التوخي في الفضتيا‪ ،‬رقم‪ ،)3657 /‬ورواه الحاكم في المسـتدرك‬
‫‪ ،)126 /1‬كتاب العلم‪ ،‬وقال‪ :‬على شـرجهما‪ .‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وحسـنه األلباني في صـحيح سـنن‬
‫أبي داود رقم‪.)696 /2 ،)3105 /‬‬
‫‪51‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الساب‬
‫تحول البدع إلى عادة يصعب تركها بسبب تقليد العلماء وااباء‬
‫لقد انتشـــر في بعس البالد عادات تع يم األضـــرحة وإقامة الموالد‪ ،‬وورثها‬
‫ىيل عن ىيل‪ ،‬وعندما يناقشـــون يقولون‪ :‬هذا ما اعتدنا عليه ووىدنا آباءنا عليه‪ .‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ) [البقرة‪.]170 :‬‬
‫إن توار النا تع يم األضـــرحة ىعل االفتتان بها ع ي ًما‪ ،‬والتخل منها‬
‫صـعبًا‪ ،‬ومناقشـة فاعليها ومناصـحتهم ىهادًا ع ي ًما؛ ولذا على العلماء أن يحذروا من‬
‫السكوت عن البدع حتى ال تتحول إلى عادة يصعب الفكاك منها والخال من شرها‪.‬‬
‫ومن أمثـال العوائـد مـا اعتـاده النـا في بعس البالد من إقـامـة الموالـد لءوليـاء‬
‫والصـالحين في كل عام‪ ،‬تقليدًا ابائهم وعلمائهم‪ .‬قال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬وال ريب أن‬
‫كثيرا من النـا يحتـا إلى تقليـد العلمـاء في األمور العـارضـــــة التي ال يســـــتقـل هو‬ ‫ً‬
‫بمعرفتها‪ ،‬ومن ســـالكي جريق ا رادة والعبادة‪ ،‬والفقر والتصـــوف ممن يىعل شـــيخه‬
‫كذلك‪ ،‬بل قد يىعله كالمعصوم‪ ،‬وال يتلقى سلوكه إال عنه»‪.‬‬
‫عالمــــ ـا أو شـي ًخا أو‬
‫ً‬ ‫كثيرا من النا يحب خليفةً أو‬
‫ً‬ ‫وقال في مقام آخر‪ :‬إن‬
‫أميرا فيىعلـه نـدًا هلل‪ ،‬وإن كـان قـد يقول‪ :‬إنـه يحبـه هلل‪ .‬فمن ىعـل غير الرســـــول تىـب‬ ‫ً‬
‫جـاعتـه في كـل مـا يـهمر بـه وينهى عنـه‪ ،‬وإن خـالف أمر هللا ورســـــولـه؛ فقـد ىعلـه نـدًّا‪،‬‬
‫وربما صـن به ما تصـن النصـارن بالمسـيح‪ ،‬ويدعوه ويسـتغي به‪ ،‬ويوالي أولياءه‪،‬‬
‫ويعـادي أعـداءه‪ ،‬م إىـابـة جـاعتـه في كـل مـا يـهمر بـه وينهى عنـه‪ ،‬ويحللـه ويحرمـه»‬
‫‪.)1‬‬
‫ولذا فيىب على الدعاة اىتذاذ العادات المخالفة للدين من أصــولها‪ ،‬والقضــاء‬
‫على أسبابها ومسبباتها قبل أن تستفحل‪ ،‬كما يىب أن يرى إلى الوحيين عند الخالف‪.‬‬
‫وعلى الـداعيـة إذا كـانـت عنـده بـدعـة‪ ،‬ويعلم من داخلـه أنهـا بـدعـة‪ ،‬أن يعترف بهـا‪ ،‬وأال‬
‫يىعل عمل أســــالفه حىة‪ ،‬حتى ولو كانوا من أهل الخير والســــنة‪ ،‬فالدين هلل‪ ،‬ولي‬
‫ـوال أال يخالفها فيجبعق على قوم‪،‬‬ ‫ألحد من البشــــر‪ ،‬كما على الداعية إذا وضــ ـ أصـــ ً‬
‫ويغمس عن قوم‪ ،‬فهذا يســهل إســقاجه‪ ،‬ورفس ما ىاء من الحق على لســانه‪ ،‬وهذا‬
‫يحتا إلى تقون وصال وصبر وىهاد‪.‬‬

‫‪ )1‬الفتاون ‪.)267 ،266 /10 ،)273 ،272 /19‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪52‬‬

‫المبحـ الثامن‬
‫األخذ بغير ما اعتبره الشرع جريقًا ثبات األحكام‬
‫ومن أسـباب حدو البدع‪ :‬الىهل بمصـادر التشـري ‪ ،‬ومثال هذا‪ :‬ا سـتناد إلى‬
‫رتيا الرســـول ﷺ في النوم‪ ،‬وأخذ األحكام عنه‪ ،‬ونشـــرها بين النا ‪ ،‬أو العمل بها‬
‫دون ن ر إلى موافقتهـا للشـــــريعـة أو عـدم الموافقـة‪ ،‬وهـذا خجـه؛ ألن الرتيـا من غير‬
‫عـا على حـال‪ ،‬حتى تعرس على مـا في أيـدينـا من األحكـام‬ ‫األنبيـاء ال يحكم بهـا شـــــر ً‬
‫ع عمل بمقتضـــاها‪ ،‬وإال وىب تركها وا عراس عنها‪ ،‬وإنما‬ ‫الشـــرعية‪ ،‬فإن ســـوغتها ض‬
‫فائدتها البشارة أو النذارة خاصة‪ ،‬وأما استفادة األحكام فال‪.‬‬
‫وأيضــا‪ :‬إن المخبعر‬
‫ً‬ ‫فإن قيل‪ :‬إن الرتيا من أى اء النبوة‪ ،‬فال ينبغي أن تهمل‪،‬‬
‫في المنــام قــد يكون النبي ﷺ‪ ،‬وهو قــد قــال‪ :‬من رآني في النوم فقــد رآني‪ ،‬فــإن‬
‫الشيجان ال يتمثل بي» ‪.)1‬‬
‫فـالىواب على ذلـك بمـا يـهتي‪ :‬إن كـانـت الرتيـا من أى اء النبوة‪ ،‬فليســـــت إلينـا‬
‫من كمـال الوحي‪ ،‬بـل ى ء من أى ائـه‪ ،‬الى ء ال يقوم مقـام الكـل في ىمي الوىوه‪ ،‬بل‬
‫ص عرفت إلى وىه البشارة والنذارة وهذا كاف‪.‬‬ ‫إنما يقوم مقامه في بعس الوىوه‪ ،‬وقد ض‬
‫وأيضــــا‪ :‬فـإن الرتيـا التي هي ى ء من أى اء النبوة من شـــــرجهـا أن تكون‬ ‫ً‬
‫صالحة من الرىل الصالح‪ ،‬وحصول الشرج مما ين ر فيه‪ ،‬فقد تتوفر وقد ال تتوفر‪.‬‬
‫وأيض ـا‪ :‬فهي منقســمة إلى الحلم‪ ،‬وهو من الشــيجان‪ ،‬وإلى حدي النف ‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬
‫تكون بســبب هيىان بعس أخالج‪ ،‬فمتى تتعين الصــالحة حتى يحكم بها‪ ،‬وتترك غير‬
‫الصالحة؟‪.‬‬
‫أيضــا على ذلك‪ :‬أن يكون تىديد وحي بحكم بعد النبي ﷺ‪ ،‬وهو منهي‬ ‫ً‬ ‫ويل م‬
‫‪)2‬‬
‫عنه با ىماع ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ −‬في معنى حدي ‪ :‬من رآني في المنام فقد رآني»‪ :‬أن رتيته‬
‫صــحيحة‪ ،‬وليســت من أضــغا األحالم وتلبي الشــيجان‪ ،‬ولكن ال يىو إثبات حكم‬
‫شــرعي بها؛ ألن حالة النوم ليســت حالة ضــبج وتحقيق لما يســمعه الرائي‪ ،‬وقد اتفق‬
‫ىمهور المحدثين على أن من شــــرج من ت ض ِق مب ِل روايته وشــــهادته أن يكون متيق ًا‪ ،‬ال‬
‫مغفال وال سـيس الحف ‪ ،‬وال كثير الخجه‪ ،‬وال مخت َّل الضـبج‪ ،‬والنائم لي بهذه الصـفة‪،‬‬ ‫ً‬

‫‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب التعبير‪ ،‬باب من رأن النبي ﷺ في المنام‪ ،‬رقم‪ ،)6994 /‬ورواه مســـلم‪،‬‬
‫كتاب الرتيا‪ ،‬باب قول النبي ﷺ من رآني في المنام فقد رآني‪ ،‬رقم‪.)2266 /‬‬
‫‪ )2‬يراى ‪ :‬االعتصام‪ ،‬للشاجبي ‪.)333 /1‬‬
‫‪53‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫فلم تقبـل روايتـه الختالل ضـــــبجـه‪ .‬هذا كلـه في منـام يتعلق بإثبـات حكم على خالف ما‬
‫يحكم به الوالة‪.‬‬
‫أمـا إذا رأن النبي ﷺ يـهمره بفعـل مـا هو منـدوب إليـه‪ ،‬أو ينهـاه عن منهي‬
‫عنه‪ ،‬أو يرشـده إلى فعل مصـلحة‪ ،‬فال خالف في اسـتحباب العمل على وفقه؛ ألن ذلك‬
‫تقرر من أصل ذلك الشيء‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)1‬‬ ‫لي حك ًما بمىرد المنام‪ ،‬بل بما َّ‬
‫فممـا يىـب الحـذر منـه مـا يق لبعس النـا ‪ ،‬وهو أن يرن النبي ﷺ في‬
‫منـامه‪ ،‬فيـهمره بشـــــيء أو ينهـاه عن شـــــيء‪ ،‬فينتبـه من نومه فيض ِقـدعم على فعلـه أو تركه‬
‫بمىرد المنام‪ ،‬دون أن يعرضـه على كتاب هللا وسـنة رسـوله ﷺ وعلى قواعد السـلف‬
‫‪-‬رحمهم هللا‪ -‬قال تعالى‪ ( :‬ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ) [النساء‪ ،]59 :‬ومعنى قولـــه‪:‬‬
‫( ﰀ ﰀ ﰀ ) أي‪ :‬إلى كتاب هللا‪ ،‬ومعنى قولـــــه‪ ( :‬ﰀ)‪ :‬أي إلى الرسول في حياته‪،‬‬
‫وإلى ســـــنتـه بعـد وفـاتـه‪ ،‬على مـا قـالـه العلمـاء ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬وإن كـانـت رتيـا النبي ﷺ‬
‫حقًّا ال شـك فيها لقولــــــه ﷺ‪ :‬من رآني في المنام فقد رآني‪ ،‬فإن الشـيجان ال يتمثل‬
‫بي» ‪ ،)2‬لكن لم يكلف هللا تعالى عباده بشـــيء مما يق لهم في منامهم‪ .‬قال ﷺ‪ :‬رف‬
‫القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يســتيق ‪ ،)3 »...‬وع َّد فيها النائم حتى يســتيق ؛ ألنه إذا‬
‫كان نائ ًما فلي من أهل التكليف‪ ،‬فال يعمل بشيء يراه في نومه‪ .‬هذا وىه‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬أن العلم والرواية ال يتخذان إال من متيق حاضر العقل‪ ،‬والنائم‬
‫لي كذلك‪.‬‬
‫الوىه الثال ‪ :‬أن العمل بالمنام مخالف لقول صــاحب الشــريعة ﷺ‪ :‬تركت‬
‫فيكم الثقلين‪ ،‬لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كتاب هللا وسنتي» ‪.)4‬‬
‫فىعل ﷺ النىاة من الضـــاللة في التمســـك بهذين الثقلين فقج ال ثال لهما‪،‬‬
‫ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد اد لهما ثالثًا‪.‬‬
‫فعلى هذا من رأن النبي ﷺ في منامه وأمره بشـيءٍ أو نهاه عن شـيء فيتعين‬
‫عليه عرس ذلك على الكتاب والســـنة؛ إذ أنه عليه الصـــالة والســـالم إنما كلف أمته‬

‫‪ )1‬شر النووي على صحيح مسلم ‪ )115 /1‬المقدمة‪.‬‬


‫‪.)76 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬رواه أحمد في مسـنده ‪ ،)100 /6‬وأبو داود في سـننه‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب في المىنون يسـرق‬
‫أو يصــيب أحدًا‪ ،‬رقم‪ ،)4398 /‬والترمذي في ســننه‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب ما ىاء فيمن ال يىب‬
‫عليه الحد‪ ،‬رقم‪ ،)1423 /‬وقال‪ :‬حدي حسـن غريب‪ .‬وصـححه األلباني في صـحيح سـنن أبي‬
‫داود‪.‬‬
‫‪ )4‬رواه الحاكم في المستدرك‪ ،‬كتاب العلم ‪ )93 /1‬وسكت عنه ولم يعلق عليه الذهبي‪ ،‬ورواه ابن‬
‫عبد البر في بيان العلم وفضــله ‪ )24 /2‬باب‪ :‬معرفة أصــول العلم‪ .‬ولم ترد في روايتهما كلمة‬
‫غا ‪ )899 /2‬كتاب القدر‪ .‬وصـــححه األلباني في صـــحيح‬ ‫الثقلين)‪ .‬ورواه مالك في الموجه بال ً‬
‫الىام الصــغير ‪ )39 /3‬رقم‪ ،)2934 /‬وســلســلة األحادي الصــحيحة ‪،)361 - 355 /4‬‬
‫رقم‪.)1761 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪54‬‬

‫ع عل مم أن الرتيا حق‪ ،‬وأن‬


‫باتباعهما‪ .‬فإذا عرس رتياه على شــــريعته ﷺ فإن وافقتها م‬
‫ع عل مم أن الرتيا حق‪ ،‬وأن الكالم الذي‬ ‫سا لـــه‪ ،‬وإن خالفتها م‬ ‫الكالم حق‪ ،‬وتبقى الرتيا تهني ً‬
‫وق لــه فيها ألقاه الشيجان لــه في ذهنه والنف األمارة؛ ألنهما يوسوسان لــه في حال‬
‫يق ته‪ ،‬فكيف في حال نومه؟‪.‬‬
‫ولو كـان المنـام ممـا يضتعبـد بـه‪ ،‬لبيَّنـه ﷺ‪ ،‬أو نبـَّه عليـه‪ ،‬أو أشـــــار إليـه ولو مرة‬
‫واحدة‪ ،‬كما فعل في غيره‪.‬‬
‫‪)2‬‬ ‫‪)1‬‬
‫ويحكــى أن شريــك بــن عبد هللا القــاضــي ‪ ،‬دخــل علــى المهدي ‪ ،‬فلما‬
‫ـم يا أمير المتمنين؟‪ .‬قال‪ :‬رأيت في منامي‬ ‫ي بالسـيف والنَّج ‪ ،‬قال‪ :‬مو علـــــ م‬ ‫رآه‪ ،‬قال‪ :‬عل َّ‬
‫كهنك تجه بســاجي وأنت معرس عني‪ ،‬فقصــصــت رتياي على من عبَّرها‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫يض هر لك جاعة‪ ،‬ويضضـمر معصـية‪ .‬فقال لــــــه شـريك‪ :‬وهللا ما رتياك برتيا إبراهيم‬
‫الخليـل ‪ ‬وال أن معبرك بيوســـــف الصـــــديق ‪ ،‬فبـاألحالم الكـاذبـة تضـــــرب أعنـاق‬
‫المتمنين؟! فاستحيا المهدي‪ ،‬وقال‪ :‬اخر عني ثم صرفه وأبعده» ‪.)3‬‬
‫ولذلك فضتن الصــــوفية في المنامات‪ ،‬وخمدعوا بها أتباعهم‪ ،‬وكما بيَّنا أن الرتيا‬
‫مصـــدرا للحكم لو كانت صـــحيحة‪ ،‬فما بالك وهي صـــادرة من أفَّاك دىَّال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ليســـت‬
‫اخترعها ليخدع بها بسجاء النا وى َّهالهم‪.‬‬
‫أيضــا‪ :‬أن القيا ال يرى إليه في‬ ‫ً‬ ‫ومن الىهل بمصـــادر األحكام والتشـــري‬
‫أحكام العبادات؛ ألن من أركانه معرفة العلة‪ ،‬والعبادات مبناها على التعبند‪.‬‬
‫والخالصـة‪ :‬أن اسـتحدا مصـادر للتشـري غير كتاب هللا‪ ،‬وسـنة رسـوله ﷺ‪،‬‬
‫ومـا أىمعـت عليـه األمـة‪ ،‬محـادة هلل ولرســـــولـه‪ ،‬وقول على هللا بغير علم‪ ،‬واتهـام للـدين‬
‫بعدم الكمال‪.‬‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬شــــريك بن عبد هللا بن الحار النخعي الكوفي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬أحد األئمة األعالم‪ ،‬اشــــتهر‬
‫بقوة ذكائه‪ ،‬وسرعة بديهته‪ ،‬واله الخليفة المنصور العباسي القضاء على الكوفة سنة ‪153‬هـــ)‪،‬‬
‫عادال في أحكامه وقضائه‪ ،‬ولد في بخارن سنة ‪95‬هـــ)‪ ،‬وتوفي‬ ‫ً‬ ‫ثم ع له وأعاده المهدي‪ ،‬وكان‬
‫بالكوفة سنة ‪177‬هـ)‪ .‬البداية والنهاية ‪ ،)195 /10‬وتذكرة الحفا ‪.)232 /1‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬محمد بن عبد هللا‪ ،‬أمير المتمنين المهدي بن المنصــور‪ ،‬ثال خلفاء بني العبا ‪ ،‬ولد ســنة‬
‫صابًا لل نادقة‪ ،‬وكان ملكه عشر سنين‬ ‫‪127‬هــــ)‪ ،‬كان ىوادًا‪ ،‬مليح الشكل‪ ،‬محببًا إلى الرعية‪ ،‬ق َّ‬
‫هرا‪ ،‬تولى الخالفة بعد أبيه سنة ‪158‬هـــــ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪169‬هـــــ)‪ ،‬وعاع ثالثًا وأربعين‬ ‫وش ً‬
‫سنة‪ .‬فوات الوفيات ‪ ،)402 - 400 /3‬والبداية والنهاية ‪.)179 -174 /10‬‬
‫‪.)66 - 36 /‬‬ ‫‪ )3‬االعتصام ‪ .)334 /1‬وان ر‪ :‬البدع الحولية‬
‫‪55‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح التاس‬
‫الىهل بهساليب لغة العرب‬
‫لقد ىعل العلماء ل ا ًما على كل من أراد أن ين ر في الكتاب والســنة أن يتعلم‬
‫قلت نصــــو الشــــريعة‪ ،‬وأن ين ر في أســــاليبهم‬ ‫لســــان العرب الذي به أضد ِ‬
‫عيت ونض ِ‬
‫واستعماالتهم ‪.)1‬‬
‫إن الىهل بلغة العرب أدن إلى فهم بعس النصـو على غير وىهها‪ ،‬وهذا‬
‫ـاهر ىلي في كالم المبتـدعـة‪ ،‬حيـ تىـد في كالمهم الخرو على لســـــان العرب‬
‫واســـتعماالتهم‪ ،‬أو الصـــرف إلى ما هو قليل شـــاذ‪ ،‬أو ا عراس عن اعتبار األلفا‬
‫المنتقلة إلى االســتعمال الشــرعي‪ ،‬وغير ذلك) ‪ ،)2‬لذا يىب على النا ر في الشــريعة‬
‫عا‪ ،‬أمرين‪:‬‬ ‫ً‬
‫أصوال وفرو ً‬ ‫والمتكلم فيها‪،‬‬
‫أحدهما‪ :‬أال يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربيًا كالعربي‪ ،‬عالمـ ً ـا بلسان‬
‫العرب بـال ًغـا فيـه مـا بلغ العرب‪ ،‬أو مـا بلغ أئمـة اللغـة المتقـدمين‪ ،‬ولي المراد أن يكون‬
‫حاف ًا كحف هم‪ ،‬وىام ًعا كىمعهم‪ ،‬وإنما المراد أن يصير فهمه عربيًا في الىملة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬إذا أشــكل عليه لف في الكتاب أو في الســنة‪ ،‬فال يض ِقدعم على القول فيه‬
‫دون أن يست هر بغيره ممن لـــه علم بالعربية‪ ،‬فقد يكون إما ًما فيها‪ ،‬ولكنه يخفى عليه‬
‫األمر في بعس األوقات‪ ،‬فاألولى في حقه االحتياج؛ إذ قد يذهب على العربي المحس‬
‫معنى قولـــــــه‬ ‫بعس المعاني الخاصــة حتى يســهل عنها؛ كما خفي على ابن عبا‬
‫تعالى‪( :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ) [فاجر‪ ،]1 :‬حتى اختصـــم إليه أعرابيان على بئر‪ ،‬فقال أحدهما‪:‬‬
‫أنا فجرتها‪ .‬أي‪ :‬أنا ابتدأتها ‪ ،)3‬واألمثلة على تحريف المعاني القرآنية‪ ،‬للقصــــور في‬
‫اللغة وفي فهم أساليبها كثيرة ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬مقدمة تفسير الجبري ‪.)75 /1‬‬


‫‪ )2‬حقيقة البدعة ‪.)338 /1‬‬
‫‪ )3‬تفسير ابن كثير ‪ )546 /3‬تفسير سورة فاجر آية‪.1 :‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪ )39 /‬البـدع الحوليـة‪ ،‬لعبـد هللا التويىري‪ ،‬وحقيقـة البـدعة ‪ ،)340 /1‬وان ر‪:‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )201 /‬من هذا الكتاب‪.‬‬ ‫‪ )44‬علم أصول البدع‪ ،‬لعلي بن حسن األثري‪ .‬وان ر‪:‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪56‬‬

‫المبح العاشر‬
‫الىهل بمقاصد الشريعة‬
‫على كل مســلم أن يعلم ويتمن ويعتقد أن الدين قد مك ضملم‪ ،‬وأن الشــريعة كاملة‪،‬‬
‫وأن محمدًا ﷺ ما مات إال وقد وضـح كل شـيء‪ ،‬بشـهادة القرآن‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [المـائـدة‪ ،]3 :‬والرســـــول ﷺ خـاتم النبيين قـد ىـاء بـالرســـــالـة‬
‫الىـامعـة الخـاتمـة‪ ،‬قـال هللا تعـالى‪( :‬ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ) [األح اب‪ ،]40 :‬فـإذا‬
‫اعتقد المسـلم هذا الشـيء‪ ،‬ل م عليه االنقياد لهذه الشـريعة‪ ،‬وأن ين ر إلى من ن ر إليها‬
‫بغير هذا الن ر بهنه مارق مبتدع‪.‬‬
‫أما النوا ل الحادثة‪ ،‬والوقائ المتىددة‪ ،‬فإنها تنضــــوي تحت ضك عليات الشــــرع‬
‫وقواعده‪ .‬قال الشاجبي‪ :‬فلم يبق للدين قاعدة يحتا إليها في الضروريات والحاىيات‬
‫أو التكميليات‪ ،‬إال وقد بضيعنت غاية البيان» ‪.)1‬‬
‫قـال في حقيقـة البـدعـة‪ :‬والنوا ل والى ئيـات التي تســـــتىـد تـدخـل تحـت هـذه‬
‫القواعد‪ ،‬ويضن ر في كل نا لة بمن ار الشـرع‪ ،‬فإنه والبد أن يكون لها ضحك ًما بالقبول أو‬
‫الرد‪ ،‬ســـــواء أكـان ذلـك في مىـال العبـادات أم في المعـامالت‪ ،‬ومن كليـات هـذا الـدين‬
‫وقواعده األساسية التي تن م كل الى ئيات الحادثة‪ ،‬قولـــه ﷺ‪ ... :‬وإياكم ومحدثات‬
‫األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪.)3 )2 »...‬‬
‫ع عمل بهذه القاعدة الشــرعية هرت لنا مقاصــد شــرعية أغفلها المبتدعة‬ ‫فإذا ض‬
‫فضلوا وأضلوا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫اعتبارا كليًّا في‬
‫ً‬ ‫أ ـ الن ر إلى الشرع بعين الكمال ال بعين النقصان‪ ،‬ويعتبرها‬
‫العبـادات والعـادات‪ ،‬وال يخر عنهـا البتـة‪ ،‬وال يتقـدم بين يـدي هللا ورســـــولـه بشـــــيء‬
‫يخترعه‪ ،‬فإن ال ائد في الشــريعة والمن عق منها هو المبتدع المنحرف عن الىادة إلى‬
‫عبينـات الجرق‪ ،‬وعنـدمـا أغفـل المبتـدعـة هـذا المقصـــــد الشـــــرعي اســــتـدركوا بـهقوالهم‬
‫وأفعالهم على الشرع الكريم‪ ،‬فاتهموه ‪-‬بواق حالهم أو بمقالهم‪ -‬بالنق ‪.)4‬‬
‫عـا مـا الـت قـائمـة‪ ،‬ومـا الـت آثـارهـا‬ ‫ولـذلـك أحـد المبتـدعـة في دين هللا بـد ً‬
‫تخرم في ىسد األمة‪.‬‬

‫‪ )1‬االعتصام ‪.)816 /2‬‬


‫‪ )2‬حقيقة البدعة ‪.)341 /1‬‬
‫‪.)29 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬االعتصام ‪ )822 /2‬بتصرف‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ب‪ -‬إن من كمال الشـــريعة اليقين الىا م بهن القرآن ال تضـــاد بين آياته‪ ،‬وال‬
‫بين األحادي النبوية‪ ،‬وال بين أحدهما م ااخرين‪ ،‬بل الىمي مصـــدرهم واحد‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النىم‪ ،]3 :‬وقال تعالى‪ ( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء‪.]82 :‬‬
‫‪)1‬‬
‫يتيــد هذا المعنى ما أخرىــه البخــاري‪ ،‬عــن سعيــد بن ىبير ‪−‬‬
‫ومــمــا ع‬
‫ي‪ ،‬قال‪ :‬قولــــــــه‬
‫قال‪ :‬قال رىل البن عبا ‪ :‬إني أىد في القرآن أشـــياء تختلف عل َّ‬
‫تعالى‪ ( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المتمنون‪ ،]101 :‬وقولـه تعالى‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الصافات‪:‬‬
‫‪ ،]27‬وقولـه تعالى‪ ( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء‪ ،]42 :‬وقولـه تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [األنعام‪:‬‬
‫‪ ،]23‬فقد كتموا في هذه ااية‪ ،‬وقال تعالى‪ ( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النا عات‪ ،]27 :‬إلى قولـه‪:‬‬
‫(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النا عات‪ ،]30 :‬فذكر خلق السـماء قبل خلق األرس‪ ،‬ثم قال‪ ( :‬ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [فصلت‪ ،]9 :‬إلى قولــه‪ ( :‬ﯰ) [فصلت‪ ،]11 :‬فــذكر في هذه خلــق األرس قبــل‬
‫خلــق السمــاوات‪ ،‬وقــال تعالى‪ ( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ) [النساء‪( ،]96 :‬ﮌ ﮍ ) [النساء‪ ( ،]165 :‬ﰀ‬
‫ﰀ) [النســـــاء‪ ،]134 :‬فكـهنـه كـان ثم مضـــــى‪ .‬فقـال ابن عبـا ‪ ( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ )‬
‫[المتمنون‪ ،]101 :‬في النفخة األولى‪ ،‬ثم ينفإل في الصـــور‪ ،‬فصـــعق من في الســـموات‬
‫ومن في األرس‪ ،‬إال من شـــاء هللا‪ ،‬فال أنســـاب بينهم عند ذلك وال يتســـاءلون‪ ،‬ثم في‬
‫النفخة ااخرة أقبل بعضهم على بعضهم يتساءلون‪.‬‬
‫وأما قولــه‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)‪ ،‬وقولــه‪ ( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)‪ :‬فإن هللا يغفر ألهل ا خال‬
‫ذنوبهم‪ ،‬وقال المشـــركون‪ :‬تعالوا نقول‪ :‬لم نكن مشـــركين‪ .‬ف ضختم على أفواهم‪ ،‬فتنجق‬
‫عرف أن هللا ال يضكت ضم حـديثـًا‪ ،‬وعنـده‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫أيـديهم‪ ،‬فعنـد ذلـك ض‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء‪.]42 :‬‬
‫وخلق األرس في يومين‪ ،‬ثم خلق السـماء‪ ،‬ثم اسـتون إلى السـماء فس َّـواهن في‬
‫يومين آخرين‪ ،‬ثم دحــا األرس‪ ،‬ودحوهــا‪ :‬أن أخر منهــا المــاء والمرعى‪ ،‬وخلق‬
‫الىبال والىمال وااكام وما بينهما في يومين آخرين‪ ،‬فذلك قولـه‪ ( :‬ﮞ)‪ ،‬وقولـه‪ ( :‬ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ)‪ ،‬فىعلت األرس وما فيها من شيء في أربعة أيام‪ ،‬وخلقت السموات في يومين‪.‬‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬سـعيد بن ىبير بن هشـام األسـدي‪ ،‬موالهم‪ ،‬الكوفي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو محمد‪ .‬من أئمة‬
‫السـلف‪ ،‬كان عابدًا فاض ًـال ورعًا‪ ،‬خر م ابن األشع على الحىا ‪-‬والي بني أمية‪ -‬فلما تمكن‬
‫منه الحىا قتله‪ ،‬وذلك سـنة ‪95‬هــــــ) وعمره ‪ )49‬سـنة‪ .‬وقيل ‪ )47‬سـنة‪ .‬الجبقات البن سـعد‬
‫‪ ،)267 ،256 /6‬وتهذيب التهذيب ‪.)14 -11 /4‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪58‬‬

‫( ﯢ ﯣ ﯤ )‪ :‬سـمى نفسـه ذلك‪ ،‬وذلك قولــــــه‪ :‬أي لم ي ل كذلك‪ ،‬فإن هللا لم يرد‬
‫كال من عند هللا) ‪.)2 )1‬‬ ‫شيئًا إال أصاب به الذي أراد‪ ،‬فال يختلف عليك القرآن‪ ،‬فإن ً‬
‫فلو علم المبتدعة هذه القاعدة لما عارضـوا بين حدي ‪ :‬من سـن في ا سـالم‬
‫وس ـلَّموا‪،‬‬
‫فس ـ علموا م‬
‫ســنة حســنة»‪ ،‬وبين ىمي األحادي التي تحذر من البدعة وتذ نمها‪ ،‬م‬
‫ولكنهم ادَّعوا التناقس بلســان الحال وإن تهربوا عنه بلســان المقال‪ ،‬فوقعوا بما وقعوا‬
‫فيه من بدع وانحرافات‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري معلقًا‪ ،‬كتاب التفســير‪ ،‬تفســير ســورة حم‪ ،‬الســىدة‪ ،‬فصــلت) أول حدي في‬
‫الكتاب قبل ‪.)4816‬‬
‫‪ ،)43 - 41 /‬وحقيقـة البـدعـة ‪ ،)344 - 342 /1‬واالعتصـــــام‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬البـدع الحوليـة‬
‫للشاجبي ‪ ،)304 /2‬والبدعة والمصالح المرسلة ‪ ،)142 -133‬لتوفيق الواعي‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الحادي عشر‬


‫الغلو في العقل‬
‫إن من أع م أســــبـاب حـدو البـدع تحســـــين ال ن بـالعقـل‪ ،‬وإن الـه من لة ال‬
‫يســـــتحقهـا‪ ،‬بـل ىعلوا العقـل مقـ َّد ًمـا على الشـــــرع‪ ،‬ومـا القـانون الىـائر الـذي اخترعـه‬
‫الرا ي ‪ )1‬بغريـب عن أهـل العلم‪ ،‬عنـدمـا قـال للتوفيق بين العقـل والنقـل‪ :‬إذا مـا‬
‫تعارضـــا‪ ،‬فإما أن يىم بينهما‪ ،‬وهذا محال؛ ألنه ىم بين النقيضـــين‪ ،‬وإما أن يردا‬
‫ىميعًا‪ ،‬وإما أن يقدم الســم ‪ ،‬وهو محال؛ ألن العقل أصــل النقل‪ ،‬فلو قدمناه عليه كان‬
‫ذلك قد ًحا في العقل الذي هو أصـل النقل‪ ،‬والقد في أصـل الشـيء قد فيه‪ ،‬فكان تقديم‬
‫النقـل قـد ًحـا في النقـل والعقـل ىمي ًعـا‪ ،‬فوىـب تقـديم العقـل‪ ،‬ثم النقـل إمـا أن يضتـمهول‪ ،‬وإمـا أن‬
‫يضف َّموس‪ ،‬وأما إذا تعارضـا تعارس الضـدين امتن الىم بينهما‪ ،‬ولم يمتن ارتفاعهما)‬
‫‪.)2‬‬
‫وهذه القاعدة اعتمدها المبتدعة واستحسنوها‪ ،‬وبنوا على هذا االستحسان تقديم‬
‫العقل على الشــرع‪ ،‬والعمل بما اســتحســنه العقل‪ ،‬ورد النصــو التي هر لعقولهم‬
‫أنهـا تعـارس العقـل‪ ،‬ولو علم المبتـدعـة أن هللا ىـل وعال) هو خـالق العقول‪ ،‬وقـد ىعـل‬
‫سبيال إلى ا دراك في كل مجلوب‪ ،‬إذ لو كانت كذلك؛‬ ‫ً‬ ‫لها حدًّا ال تتعداه‪ ،‬ولم يىعل لها‬
‫الستوت م البارى في إدراك ىمي ما كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما ال يكون‪ ،‬إذ لو كان كيف‬
‫يكون‪ ،‬فعلم هللا ال ينتهي‪ ،‬وعلم العبد ينتهي‪ ،‬وما ينتهي ال يساوي ما ال ينتهي‪.‬‬
‫فإن ا نسان مهما ن أنه أتقن‪ ،‬وأىاد‪ ،‬وأبدع في أمر من األمور‪ ،‬وتبين لـــه‬
‫قصوره‪ ،‬ويتمنى أن يعيد هذا العمل‪ ،‬ويلح فيه ما غاب عنه‪ ،‬وهذا يدل على القصور‬
‫الذي يعتري العقل‪ ،‬فال ينبغي بنا ًء على هذا أن يتقدم العقل بين يدي الشــرع؛ ألنه تقدم‬
‫بين يدي هللا ورسوله‪.‬‬
‫إن أصـــحاب البدع حينما قدَّموا العقل على الشـــرع‪ ،‬قادهم إلى المهالك‪ ،‬فكل‬
‫من ىاء ببدعة‪ ،‬وســئل عن دليلها‪ ،‬قال‪ :‬إن هذا مما اســتحســنه العقل‪ .‬فاســتحســن يد‬
‫بعقله ما لم يســتحســنه عمرو‪ ،‬واســتحســن عمرو بعقله ما ال يقره عقل يد‪ ،‬ولو علم‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬فخر الدين أبو عبد هللا بن عمر بن الحســـن بن الحســـين‪ ،‬التيمي البكري الرا ي‪ ،‬ويعرف‬
‫بابن الخجيب‪ ،‬وبابن خجيب الري‪ ،‬ولد ســنة ‪544‬هـــــــ)‪ ،‬وتوفي ســنة ‪606‬هـــــــ)‪ .‬من أئمة‬
‫األشــــاعرة الذين م ىوا المذهب األشــــعري بالفلســــفة واالعت ال‪[ .‬ان ر‪ :‬ترىمته في‪ :‬وفيات‬
‫األعيان ‪ ،)385 -381 /3‬وشـذرات الذهب ‪ ،)21 /5‬وجبقات الشـافعية ‪ ،)40 -33 /5‬لسـان‬
‫المي ان ‪.])249 -246 /4‬‬
‫‪ )2‬درء تعارس العقل والنقل البن تيمية ‪ ،)4 /1‬تحقيق الدكتور محمد رشاد السالم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪60‬‬

‫ىمي النا أن القاعدة الحقيقية تقول كما قال شــــيإل ا ســــالم‪ :‬إذا تعارس دليالن‪،‬‬
‫سـواء أكانا سـمعيين أو عقليين‪ ،‬أو أحدهما سـمعيًا وااخر عقليًّا‪ ،‬فالواىب أن يقال‪ :‬ال‬
‫يخلو إمـا أن يكونـا قجعيين‪ ،‬أو يكونـا نيين‪ ،‬وإمـا أن يكون أحـدهمـا قجعيـًّ ا وااخر‬
‫نيًّا‪.‬‬
‫فهما القجعيان‪ ،‬فال يىو تعارضــــهما‪ :‬ســــواء أكانا عقليين أو ســــمعيين‪ ،‬أو‬
‫أحـدهمـا عقليـًا‪ ،‬وااخر ســـــمعيـًا‪ ،‬وهـذا متفق عليـه بين العقالء؛ ألن الـدليـل القجعي هو‬
‫الذي يىب ثبوت مدلوله‪ ،‬وال يمكن أن تكون داللته باجلة‪.‬‬
‫وحينئـذ فلو تعـارس دليالن قجعيـان‪ ،‬وأحـدهمـا ينـاقس مـدلول ااخر‪ ،‬لل م‬
‫الىم بين النقيضـين‪ ،‬وهو محال‪ .‬بل كل ما يعتقد تعارضـه من الدالئل التي يعتقد أنها‬
‫قجعيـة؛ فالبـد من أن يكون الـدليالن أو أحـدهمـا غير قجعي‪ ،‬أو أال يكون مـدلوالهمـا‬
‫متناقضين‪ ،‬فهما م تناقس المدلولين المعلومين فيمتن تعارس الدليلين‪.‬‬
‫وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قجعيًا دون ااخر؛ فإنه يىب تقديمه باتفاق‬
‫العقالء‪ ،‬سواء أكان هو السمعي أو العقلي‪ ،‬فإن ال ن ال يرف اليقين‪.‬‬
‫وأما إن كانا ىميعًا نيين‪ :‬فإنه يصار إلى جلب ترىيح أحدهما‪ ،‬فهيهما ترىَّح‬
‫عبَّاد العقول بقول‬ ‫كان هو المقدَّم‪ ،‬ســـواء أكان ســـمعيًا أو عقليًا» ‪ .)1‬وي هر ضـــالل ض‬
‫أحـدهم‪ ،‬مىي ً ا التوســـــل بنـا ًء على أدلـة عقليـة‪ ،‬قـال‪ :‬إن البـدن يضـــــعف وقـت النوم‪،‬‬
‫وضعفه ال يقتضي ضعف النف ‪ ،‬بل النف تقون وقت النوم‪ ،‬فتشاهد األحوال‪ ،‬وتجل‬
‫على المغيبات‪ ،‬فإذا كان ضـــعف البدن ال يوىب ضـــعف النف ‪ ،‬فهذا يقوي ال ن بهن‬
‫موت البـدن ال يســـــتعقـب موت النف ‪ .‬وإن كثرة األفكـار ســــبـب ‪-‬كمـا يقول الرا ي‪-‬‬
‫لىفـاف الـدمـا ‪ ،‬وىفـافـه يتدي إلى الموت؛ وهـذه األفكـار ســــبـب الســـــتكمـال النف‬
‫بالمعارف ا لهية‪ ،‬وهو غاية كمال النف ‪ ،‬فما هو ســـبب في كمال النف فهو ســـبب‬
‫لنقصــــان البدن‪ ،‬وهذا يقوي ال ن في أن النف ال تموت بموت البدن‪ ،‬إلى غير ذلك‪،‬‬
‫ثم ذكر أدلة عقلية أخرن) ‪ .)2‬إن اســتحســان األشــياء من خالل العقل‪ ،‬فتح للبدع بابًا‬
‫خجرا‪ ،‬فقادهم ومقلديهم إلى التهلكة‪ .‬اللهم اعصمنا‬ ‫ً‬ ‫مغلقًا‪ ،‬وورد بسـببه المبتدعة موردًا‬
‫من ال لل‪.‬‬
‫المبح الثاني عشر‬
‫سوء الفهم للقرآن والسنة‬

‫‪ )1‬درء التعارس ‪.)79 /1‬‬


‫‪ )89 ،88 /‬التوسل باألنبياء والصالحين‪ ،‬لحسن الشيإل الفاتح قريب هللا‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫مر معنا شيء من هذا القبيل‪ ،‬ولكن ال مان من إعادته؛ لم يد من‬ ‫وإن كان قد َّ‬
‫الفائدة‪ ،‬فههل البدع واألهواء وق الكثير منهم بســــوء فهمه للقرآن‪ ،‬أو تفســــير القرآن‬
‫برأيه‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬ما استدل به أهل البدع لالستغاثة‪ ،‬بقولـــــه تعالى‪ ( :‬ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النسـاء‪ ،]64 :‬فىعل المبتدعة هذه ااية عمدة لهم على ىوا‬
‫التوسل بالرسول ﷺ‪ ،‬م أن هذا خا بحياته ﷺ‪ ،‬قال صدعيق حسن خان ‪ :)1‬وهذا‬
‫المنور بعـد‬
‫َّ‬ ‫المىيء يخت ب مـان حيـاتـه ﷺ‪ ،‬ولي المىيء إليـه يعني إلى مرقـده‬
‫وفاته ﷺ مما تدل عليه هذه ااية‪ ،‬لذا ىاء في الصـــارم المنكي) ولهذا لم يذهب إلى‬
‫هذا االحتمال البعيد أحد من ســـلف األمة وأئمتها‪ ،‬ال من الصـــحابة‪ ،‬وال من التابعين‪،‬‬
‫وال ممن تبعهم با حسان» ‪.)2‬‬
‫ومن الفهم الســقيم الذي ىعلوه عمدة لهم وحىة للتوســل بالقبور وأهلها فهمهم‬
‫القاصــر لقولـــــــه تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة‪ ،]35 :‬ىاء في‬
‫كتاب‪ :‬التوســـل باألنبياء والصـــالحين)‪ :‬إن هذه ااية معناها أن الوســـيلة بعمومها‬
‫تشـمل التوسـل باألشـخا ‪ ،‬والتوسـل باألعمال‪ ،‬بل المتبادر من التوسـل في الشـرع هو‬
‫تقول كـل مفتر أفَّـاك‪ ،‬والفرق بين الحي ع والميـت ال يصـــــدر إال ممن‬ ‫هـذا‪ ،‬وذلـك رغم ن‬
‫ينجوي على اعتقــاد فنــاء األروا ‪ ،‬المتدي إلى إنكــار البعـ ‪ ،‬وعلى ادععــاء انتفــاء‬
‫ا دراكات الى ئية من النف بعد مفارقتها البدن‪ ،‬المسـتل م نكار األدلة الشـرعية في‬
‫ذلك‪ ،‬هذا وشــمول الوســيلة في ااية المذكورة للتوســل باألشــخا لي برأي مىرد‪،‬‬
‫وال هو مهخوذ من العموم اللغوي فحسب» ‪.)3‬‬
‫فـان ر كيف فهم هـذا أن المقصـــــود بهـذه اايـة التوســـــل بـاألحيـاء واألموات‪،‬‬
‫وفهمهمـا بغير فهم الســـــلف الصـــــالح؟! قـال ابن كثير ‪ ( :)4‬ﯕ ﯖ ﯗ)‪ :‬أي تقربوا إليـه‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬أحد علماء الهند المىددين والسـالكين سـبيل السـلف الصـالحين‪ ،‬محمد صـديق خان بن حسـن‬
‫بن علي بن لجف هللا الحســيني البخاري القنوىي أبو الجيب‪ ،‬ولد ونشــه في قنو بالهند‪ ،‬وت و‬
‫بملكة بهوبال‪ ،‬وأضخذ عليه مداراته لإلنىلي ‪ ،‬وتولى بعس األمور لهم‪ ،‬توفي سـنة ‪1307‬هــــــ)‪.‬‬
‫‪ ،)48 /‬األعالم ‪.)167 /6‬‬ ‫ىالء العينين‪،‬‬
‫‪ )2‬فتح البيان في مقاصد القرآن ‪ )106 /2‬تفسير سورة النساء‪ .64 :‬لصديق حسن‪.‬‬
‫‪.)90 ،89 /‬‬ ‫‪ )3‬التوسل باألنبياء والصالحين‪،‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬إســـماعيل بن عمر بن كثير بن درع القرشـــي الدمشـــقي‪ ،‬الشـــهير بهبي الفداء‪ ،‬ولد ســـنة‬
‫‪701‬هــ)‪ ،‬جلب العلم على أئمة أثبات ومنهم شيإل ا سالم ‪ ،−‬توفي سنة ‪774‬هــ) بعدما خلف‬
‫وراءه تراثًا ع ي ًما؛ كتفسيره‪ ،‬والبداية والنهاية‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬شذرات الذهب ‪ ،)231 /6‬األعالم ‪ ،)320 /1‬البداية ‪.])31 /14‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪62‬‬

‫ضـا‪ :‬علم‬ ‫بجاعته والعمل بما يرضـيه‪ ،‬وال خالف بين المفسـرين فيه‪ .‬وقال‪ :‬والوسـيلة أي ً‬
‫على أعلى من لة في الىنة‪ ،‬وهي من لة رســول هللا ﷺ وداره في الىنة‪ ،‬وهي أقرب‬
‫األمكنة بالىنة من العرع» ‪.)1‬‬
‫وقال الشـوكاني‪ :‬والوسـيلة‪ :‬هي القربة التي ينبغي أن تجلب‪ ،‬ثم ذكر ما قاله‬
‫ابن كثير» ‪.)2‬‬
‫وقال السـمعاني ‪ :)3‬والوسـيلة‪ :‬القربى‪ .‬وقيل‪ :‬هو درىة في الىنة لي فوقها‬
‫ضا‪ :‬الوسيلة بمعنى المحبة‪ ،‬أي‪ :‬تح َّببضوا هلل تعالى» ‪.)4‬‬
‫درىة‪ .‬وقيل أي ً‬
‫فان ر إلى الفهم الســــقيم عند المبتدعة كيف أدَّن بهم إلى الضــــالل؟‪ ،‬وقارنه‬
‫بفهم الســلف أهل الحدي الذي بمتابعتهم النىاة والصــال ‪ ،‬ولقد حشــد صــاحب كتاب‬
‫التوســـل باألنبياء والصـــالحين) من اايات واألحادي وااثار الكثير والكثير‪َّ ،‬أولها‬
‫بفهمه القاصر ‪-‬هدانا هللا وإياه‪ -‬عن غير مقصودها‪.‬‬
‫وفي الىملة‪ ،‬إن سـوء الفهم للقرآن والسـنة‪ ،‬وعدم عرضـه على أقوال العلماء‬
‫الموثوقين يتدي إلى الضــياع‪ .‬قال شــيإل ا ســالم ‪ ... :−‬عامة هتالء المختلفين في‬
‫الكتاب لم يعرفوا القول السـديد قول السـلف‪ ،‬بل وال سـمعوه‪ ،‬وال وىدوه في كتاب من‬
‫الكتب التي تداولوها؛ ألنهم ال يتداولون ااثار الســلفية‪ ،‬وال معاني الكتاب والســنة‪ ،‬إال‬
‫ً‬
‫أقواال مبتـدعـة‪ :‬إمـا قولين وإمـا‬ ‫بتحريف بعس المحرفين لهـا‪ ،‬ولهـذا إنمـا يـذكر أحـدهم‬
‫ثالثة وإما أربعة وإما خمسـة‪ ،‬والقول الذي كان عليه السـلف‪ ،‬ودل عليه الكتاب والسـنة‬
‫ال يذكره؛ ألنه ال يعرفه‪.)5 »...‬‬
‫فترك المبتدعة لكالم السلف وىهلهم به‪ ،‬وإعراضهم عن فهم السلف لنصو‬
‫الكتاب والسنة أحد األسباب الكبيرة لوقوعهم في االبتداع ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬تفسير ابن كثير ‪.)200 /5‬‬


‫‪ )2‬فتح القدير ‪ )38 /2‬لمحمد بن إسماعيل الشوكاني‪.‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬أبو الم فر منصور بن محمد التميمي المرو ي‪ ،‬ولد في خراسان سنة ‪426‬هــــــ)‪ ،‬لـــــه‬
‫متلفات ع ام‪ ،‬منها‪ :‬تفسير القرآن الع يم الذي سلك فيه مسلك السلف الصالح‪ ،‬ولــــه األحادي‬
‫األلف الحســان‪ ،‬ومتلفاته كثيرة‪ ،‬قال عنه الذهبي‪ :‬ا مام العالمة مفتي خراســان‪ .‬توفي ‪ −‬ســنة‬
‫‪489‬هـ) في يوم الىمعة‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])114 /19‬‬
‫‪ )4‬تفسير القرآن للسمعاني ‪ )35 /2‬ألبي الم فر السمعاني‪ ،‬تحقيق ياسر إبراهيم‪.‬‬
‫‪ )5‬الفتاون ‪.)309 /12‬‬
‫‪ )6‬للم يد ان ر‪ :‬درء التعارس ‪ ،)381 /7‬االعتصــــام ‪ ،)285 ،252 ،237 /1‬الفتاون ‪/15‬‬
‫‪.)336‬‬
‫‪63‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪64‬‬

‫المبح الثال عشر‬


‫الغلو في الصالحين‬
‫الغلو‪ :‬هو مىـاو ة الحـد ‪ .)1‬وهـذا يعتبر من أع م األســـــبـاب التي أدَّت إلى الفتنـة‬
‫بهصــحاب القبور‪ ،‬عندما غال بعس النا في تع يم الشــيوأل واألشــخا إلى درىة‬
‫أنهم أن لوهم من لة ال يســتحقونها‪ ،‬وقد ىاء النهي صــري ًحا في القرآن عن الغلو‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [المائدة‪ ،]77 :‬قال ا مام ابن كثير في تفســـيرها‪:‬‬
‫ينهى هللا تعـالى عن الغلو وا جراء‪ ،‬وهذا كثير في النصـــــارن‪ ،‬فإنهم تىـاو وا الحـد‬
‫في عيســــى‪ ،‬حتى رفعوه فوق المن لة التي أعجاه هللا إياها‪ ،‬فنقلوه من محيع النبوة إلى‬
‫أن اتخـذوه إل ًهـا من دون هللا‪ ،‬يعبـدونـه كمـا يعبـدونـه‪ ،‬بـل قـد غلوا في أتبـاعـه وأشــــيـاعـه‬
‫ممن عموا أنهم على دينه‪ ،‬فادعوا فيهم العصـــمة‪ ،‬واتبعوهم في كل ما قالوه‪ ،‬ســـواء‬
‫ضـالال أو رشـادًا‪ ،‬أو صـحي ًحا أو كذبًا؛ ولذا قال هللا‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬‫ً‬ ‫ً‬
‫باجال‪ ،‬أو‬ ‫أكان حقًا أو‬
‫‪)2‬‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ) [التوبة‪ .]31 :‬وان ر‪[ :‬تفســير ابن كثير ‪ ، ])590/1‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ) [المائدة‪ ،]77:‬فههـل الكتاب تىاو وا‬
‫أيضـا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الحد‪ ،‬والخجاب وإن كان موى ًها إلى أهل الكتاب فإن أمة محمد ﷺ موىَّه لها‬
‫ب البخاري ‪ −‬في صــحيحه باب‪ :‬ما يكره من التعمق‬ ‫ألن القرآن هو شــرعها؛ لذا بم َّو م‬
‫والتنـا ع والغلو في الـدين والبـدع)؛ لقولــــــــــه تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)‬
‫[المـائـدة‪ .]77 :‬فقـال الحـاف ‪ : −‬واســـــتـداللـه بـاايـة ينبني على أن لف أهـل الكتـاب‬
‫للتعميم؛ ليتنـاول غير اليهود والنصـــــارن‪ ،‬أو يضحتمـل على أن تنـاولهـا من عـدا اليهود‬
‫والنصارن با لحاق» ‪.)3‬‬
‫وقـال ﷺ‪ :‬إيـَّاكم والغلو في الـدين؛ فـإنمـا أهلـك من كـان قبلكم الغلو في الـدين»‬
‫‪.)4‬‬

‫‪ ،)365 ،364 /‬تحقيق محمـد ســــيـد‬


‫‪ )1‬المفردات في غريـب القرآن‪ ،‬للراغـب األصـــــفهـاني‪،‬‬
‫كيالني‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تفسير ااية ‪ 77‬من سورة المائدة عند ابن كثير ‪.)1212 /3‬‬
‫‪ )3‬فتح الباري ‪.)287 /13‬‬
‫‪ )4‬أخرىه النســائي‪ ،‬كتاب مناســك الحج‪ ،‬باب التقاج الحصــى‪ ،‬رقم‪ )3057 /‬وغيره‪ ،‬وصــححه‬
‫شـيإل ا سـالم في االقتضـاء‪ ،‬وقال‪ :‬هذا إسـناد صـحيح على شـرج مسـلم ‪ ،)293 /1‬وصـححه‬
‫األلباني في الصحيحة ‪.)1282‬‬
‫‪65‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال شـــيإل ا ســـالم ‪ :−‬والشـــرك في بني آدم أكثره عن أصـــلين‪ ،‬أوالهما‪:‬‬


‫تع يم قبور الصـــالحين‪ ،‬وتصـــوير تماثيلهم للتبرك بها‪ ،‬وهذا أول األســـباب التي بها‬
‫ابتدع اادمينون‪.)1 »...‬‬
‫لذا ح َّذر الرسـول ﷺ من تع يمه‪ ،‬فقال‪ :‬ال تجروني كما أجرت النصـارن‬
‫ابن مريم‪ ،‬فـإنمـا أنـا عبـد‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبـد هللا ورســـــولـه» ‪ ،)2‬قـال في تيســـــير الع ي‬
‫الحميد»‪ :‬أي ال تمدحوني‪ ،‬فتغلوا في مدحي‪ ،‬كما غلت النصــارن في عيســى فادَّعوا‬
‫فيه الربوبية‪ ،‬وإنما أنا عبد هللا‪ ،‬فصـفوني بذلك كما وصـفني به ربي‪ ،‬قولوا‪ :‬عبد هللا‬
‫عبـَّاد القبور إال مخـالفـة ألمره‪ ،‬وارتكـابـًا لنهيـه‪ ،‬ونـاقضـــــوه أع م‬
‫ورســـــولـه»‪ .‬فـهبى ض‬
‫المناقضــة‪ ،‬و نوا أنهم إذا وصــفوه بهنه عبد هللا ورســوله‪ ،‬وأنه ال يضدعى وال يضســتغا‬
‫به‪ ،‬وال ينذر لــــه‪ ،‬وال يجاف بحىرته‪ ...‬أن في ذلك هض ًما لىنابه‪ ،‬وغضًّا من قدره‪،‬‬
‫فرفعوه فوق من لته‪ ،‬وادَّعوا فيه ما ادعت النصـارن في عيسـى‪ ،‬أو قريبًا منه‪ ،‬فسـهلوه‬
‫مغفرة الذنوب وتفريج الكروب) ‪.)3‬‬
‫وقـد نهى ﷺ أمتـه عن الغلو في حقـه بعـد وفـاتـه‪ ،‬فقـال‪ :‬ال تىعلوا بيوتكم‬
‫قبورا‪ ،‬وال تىعلوا قبري عيدًا» ‪.)4‬‬ ‫ً‬
‫فإذا كان هذا النهي الشــــديد عن الغلو في شــــهن رســــول هللا ﷺ‪ ،‬م رفعة‬
‫مرتبته‪ ،‬وعلو من لته‪ ،‬فكيف بغيره؟!‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم ‪ :−‬إن من أع م مكائد الشيجان التي كاد بها أكثر النا ‪،‬‬
‫ومـا نىـا منهـا إال من لم يرد هللا تعـالى فتنتـه‪ ،‬مـا أوحـاه قـدي ًمـا وحـديثـًا إلى ح بـه وأوليـائـه‬
‫عبـدت قبورهم‪ ،‬واتنخـذت أوثـانًا‪،‬‬ ‫من الفتنـة بـالقبور إلى أن عبـدوا أربـابهـا من دون هللا‪ ،‬و ض‬
‫وص ـ عورت صــور أربابها فيها‪ ،‬ثم ضىعلت تلك الصــور أىســادًا لها‬ ‫ض‬ ‫وبضنيت لها الهياكل‪،‬‬
‫‪)5‬‬
‫ل‪ ،‬ثم ىعلت أصنا ًما‪ ،‬وعبدت م هللا تعالى‪ ،‬وكان هذا أول الداء الع يم» ‪.‬‬
‫وكـان أول هـذا الشـــــرك والتع يم والـداء الخجير في قوم نو ‪ ،‬كمـا أخبر هللا‬
‫عنهم في قولــه‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ‬

‫‪ )1‬الفتاون ‪.)460 /17‬‬


‫‪.)50 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )273 ،272 /‬لســـليمان بن عبد هللا بن‬ ‫‪ )3‬تيســـير الع ي الحميد‪ ،‬في شـــر كتاب التوحيد‪،‬‬
‫محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫س ن إسـناده شـيإل ا سـالم في االقتضـاء ‪/2‬‬ ‫‪ )4‬أخرىه أبو داود‪ ،‬باب يارة القبور‪ )534 /2 ،‬وح ـَّ‬
‫‪.)654‬‬
‫‪ ،)189 /‬البن القيم الىو ية‪.‬‬ ‫‪ )5‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيجان‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪66‬‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ) [نو ‪ ،]24 -21 :‬فهتالء الخمســـــة كـانوا عبـادًا‬


‫صالحين من قوم نو ‪ ،‬وكان لهم أتباع يقتدون بهم‪ ،‬فلما ماتوا أوحى الشيجان ألتباعهم‬
‫أن انصــبوا لهم أنصــابًا‪ ،‬وســ نموها بهســمائهم‪ ،‬واعكفوا عليها؛ لتتذكروهم وتقتدوا بهم‬
‫وبهعمالهم الصـــالحة‪ ،‬حتى ذهب هذا الىيل وأتى ىيل بعده‪ ،‬فهوحى الشـــيجان لهم أن‬
‫أســـالفكم كانوا يعبدونهم‪ ،‬فافعلوا كما كانوا يفعلون‪ ،‬ففعلوا؛ فوق الشـــرك في بني آدم‬
‫من جريق الغلو في الصالحين‪.‬‬
‫فعن ابن عبا ‪ ‬أنه قال‪ :‬إن هذه أســماء رىال صــالحين من قوم نو ‪،‬‬
‫فل َّما هلكوا‪ ،‬أوحى الشــيجان إلى قومهم أن انصــبوا إلى مىالســهم التي كانوا يىلســون‬
‫وتنســـإل العلم‬
‫َّ‬ ‫أنصـــابًا‪ ،‬وســـ نموها بهســـمائهم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فلم ت ض معبد؛ حتى إذا هلك أولئك‪،‬‬
‫عبدت» ‪.)1‬‬ ‫ض‬
‫قال ابن القيم‪ :‬إن ســبب عبادة ود ويغو ويعوق ونســر والالت‪ ،‬إنما كانت‬
‫من تع يم قبورهم‪ ،‬ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها ‪-‬ثم ذكر قول شــيإل ا ســالم‪ -‬وهذه‬
‫كثيرا‬
‫العلة التي ألىلها نهى الشـارع عن اتخاذ المسـاىد على القبور‪ ،‬هي التي أوقعت ً‬
‫من األمم‪ ،‬إما في الشــرك األكبر‪ ،‬أو فيما دونه من الشــرك‪ ،‬فإن النفو قد أشــركت‬
‫بتمـاثيـل القوم الصـــــالحين‪ ،‬وتمـاثيـل ي عمون أنهـا جالســـــم للكواكـب ونحو ذلـك‪ ،‬فـإن‬
‫الشـرك بقبر الرىل الذي يعتقد صـالحه أقرب إلى النفو من الشـرك بخشـبة أو حىر؛‬
‫ـرعون عندها‪ ،‬ويخشــعون ويخضــعون‪ ،‬ويعبدونهم‬ ‫كثيرا يتضـ َّ‬
‫ً‬ ‫ولهذا نىد أهل الشــرك‬
‫بقلوبهم عبـادة ال يفعلونهـا في بيوت هللا‪ ،‬وال وقـت الســـــحر‪ ،‬ومنهم من يســــىـد لهـا‪،‬‬
‫وأكثرهم يرىون من بركة الصالة عندها والدعاء ما ال يرىونه في المساىد» ‪.)2‬‬
‫ولما ذكرت أم سلمة ‪ ،)3‬للرسول ﷺ كنيسة بهرس الحبشة‪ ،‬يقال لها‪ :‬مارية‪،‬‬
‫فذكرت لـــــــــه ما رأته من الصــــور‪ ،‬فقال ﷺ لها‪ :‬إن أولئك إذا كان فيهم الرىل‬
‫صـور‪ ،‬أولئك شـرار الخلق‬ ‫على قبره مسـىدًا‪ ،‬وصـوروا فيه تلك ال ع‬ ‫الصـالح‪ ،‬فمات‪ ،‬بنوا‬
‫عند هللا يوم القيامة» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب وال تذرن ودًا وال سواعًا‪ ،‬رقم‪.)4920 /‬‬
‫‪ )2‬إغاثة اللهفان‪.)191 :‬‬
‫‪ )3‬هي‪ :‬أم المتمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة‪ ،‬المخ ومية القرشية‪ ،‬ت وىها النبي ﷺ في السنة‬
‫الرابعة من الهىرة‪ ،‬عاشت تسعين سنة‪ ،‬وتوفيت سنة ‪59‬هـــ)‪[ .‬سير أعالم النبالء ‪،)201 /2‬‬
‫أسد الغابة ‪.])340 /7‬‬
‫‪ )4‬رواه البخـاري‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب بنـاء المســــىـد على القبر‪ ،‬رقم‪ .)1341 /‬ومســـــلم‪ ،‬كتـاب‬
‫المســاىد ومواضــ الصــالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المســاىد على القبور‪ ،‬واتخاذ الصــور فيها‪،‬‬
‫والنهي عن اتخاذ القبور مساىد‪ ،‬رقم‪.)528 /‬‬
‫‪67‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ومن شـــــاهـد مـا يق عنـد قبور هتالء الصـــــالحين والجـالحين‪ ،‬والمعروفين‬


‫والمىهولين‪ ،‬أســف على حال األمة‪ ،‬فهذا أحد المفتونين يقف عند ضــريح البدوي ‪،)1‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫خطب أفاج القلب من حسراته‬ ‫رحماك أبغي يا أبا الادتيان ***‬
‫في‬
‫أو أرتجي إن ضقت من‬ ‫***‬ ‫من لي سواك أرومه في‬
‫وثددباته‬ ‫كدشاه‬
‫قصر الاؤاد عليك في حاجدداته‬ ‫***‬ ‫عار عليك إذا رددت‬
‫(‪)2‬‬
‫خويد ًما‬
‫المخرفين يعمـد إلى مىـامعـة وىتـه عند‬
‫ع‬ ‫وىاء في كتـاب التبرك»‪ :‬أن بعس‬
‫أضـــرحة األولياء بدعون نيل البركة‪ ،‬وأن يكون ما قضدعر لهما من ولد صـــالح ‪ .)3‬فال‬
‫شـك أن الغلو في الصـالحين‪ ،‬أو من ض عع مم فيهم الصـال ‪ ،‬والمبالغة في تع يمهم قد أدَّن‬
‫إلى عبادة قبورهم‪.‬‬
‫وأختتم هـذا المبحـ بكالم لإلمـام ابن القيم ‪ −‬حيـ قـال‪ :‬فتع يم األنبيـاء‬
‫والصـــالحين ومحبتهم إنما هي باتباع ما دعوا إليه من العلم الناف ‪ ،‬والعمل الصـــالح‪،‬‬
‫واقتفـاء آثـارهم‪ ،‬وســـــلوك جريقتهم‪ ،‬فـإن من اقتفى آثـارهم؛ كـان متســـــببـًا في تكثير‬
‫أىورهم باتباعه لهم‪ ،‬ودعوته النا إلى اتباعهم‪ ،‬فإذا أعرس عما دعوا إليه‪ ،‬واشتغل‬
‫بضده حرم نفسه وحرمهم ذلك األىر‪ ،‬فهي تع يم واحترام في هذا؟! ‪.)4‬‬
‫فبـان بهـذا خجر الغلو‪ ،‬ووىوب االعتـدال عنـد محبـة أهـل العلم والفضـــــل‪ ،‬م‬
‫معرفة أن عدم عبادتهم‪ ،‬ال يقتضـــي نق قدرهم‪ ،‬ولكن الغلو في تقديســـهم يقتضـــي‬
‫ـارا‪ ،‬وهللا‬
‫هضـــــم حق البـاري ســـــبحـانـه‪ ،‬وهـذا من أع م ال لم عنـدمـا ال ترىو هلل وق ً‬
‫المستعان‪.‬‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬أحمد بن علي الحسـيني أبو العبا البدوي‪ ،‬الصـوفي الشـهير‪ ،‬عضرف بالبدوي لل ومه اللثام‪،‬‬
‫وأصــله من المغرب‪ ،‬دخل مصــر أيام ال اهر بيبر ‪ ،‬قدَّســه أتباعه‪ ،‬وبنوا على ضــريحه مقا ًما‬
‫في جنجا‪ ،‬ونسبوا لــــه مناقب مليئة بالدىل والكذب‪ ،‬توفي سنة ‪675‬هــــ)‪ .‬شذرات الذهب ‪/5‬‬
‫‪ ،)345‬األعالم ‪ ،)175 /1‬والسيد البدوي بين الحقيقة والخرافة في المقدمة‪.‬‬
‫‪ )319 /‬أحمد صبحي منصور‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة‪،‬‬
‫‪ )474 ،473 /‬لناصر بن عبد الرحمن الىدي ‪.‬‬ ‫‪ )3‬التبرك؛ أنواعه وأحكامه‪،‬‬
‫‪ )4‬إغاثة اللهفان ‪ ،)214 ،213‬بتصرف‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪68‬‬

‫المبح الراب عشر‬


‫تقليد الكفرة‬
‫لقد ىاء القرآن الكريم والسـنة النبوية وإىماع األمة بوىوب مخالفة الكافرين؛‬
‫لما ينشـه عن مشـابهتهم واالقتداء بهم من األضـرار الع يمة ماال يحصـى‪ ،‬لذا حذر هللا‬
‫ىـل وعال) من مواالتهم‪ ،‬فقـال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ) [الممتحنـة‪:‬‬
‫‪ ،]1‬وبين هللا تعالى أن اليهود والنصــارن لن ترضــى عنا حتى نســلك مســلكهم ونتب‬
‫جرقهم‪ ،‬قال تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة‪ ،]120 :‬وكـذا نهى هللا تعـالى عن متـابعـة أهواء الكـافرين‪،‬‬
‫فقال هللا ســـبحانه‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الىاثية‪.]19 -16 :‬‬
‫قال شـــيإل ا ســـالم ‪ :−‬إن هللا قد ىعل محمدًا ﷺ على شـــريعة من األمر‬
‫شــرعها لـــــــه‪ ،‬وأمره باتباعها‪ ،‬ونهاه عن اتباع أهواء الذين ال يعلمون‪ ،‬وقد دخل في‬
‫الذين ال يعلمون كل من خالف شريعته‪ ،‬وأهواتهم هي ما يهوونه وما عليه المشركون‬
‫من هـديهم ال ـاهر‪ ،‬الـذي هو من موىبـات دينهم البـاجـل‪ ،‬وتواب ذلـك فهم يهوونـه‪،‬‬
‫وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه‪ )...‬إلى آخر ما قاله ‪.)1 »−‬‬
‫ولهذا فقد ح َّذر الرســــول ﷺ من مشــــابهتهم‪ ،‬فقال‪ :‬من تشــــبَّه بقوم فهو‬
‫منهم» ‪ ،)2‬والنهي عن التشــبه بهم أق نل درىاته التحريم‪ ،‬ولذا فضتن النا بالقبور تشــب ًها‬
‫بـاألمم الضـــــالـة‪ ،‬ومنهـا‪ :‬قوم أصــــحـاب الكهف‪ ،‬قـال تعـالى‪ ( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)‬
‫[الكهف‪.)3 ]21 :‬‬
‫قال شيإل ا سالم ‪ −‬معل ًقا على ااية‪ :‬فكان الضالون‪ ،‬بل والمغضوب عليهم‬
‫يبنون المساىد على قبور األنبياء والصالحين» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬االقتضاء ‪ )86 ،85 /1‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫‪ )2‬أخرىه أبو داود‪ ،‬كتاب اللبا ‪ ،‬باب في لب الشــهرة ‪ ،)4031‬وأخرىه أحمد في مســنده ‪/2‬‬
‫‪ ،)50‬وقال ابن تيمية‪ :‬وهذا إسـناد ىيد‪ .‬اقتضـاء الصـراج المسـتقيم ‪ ،)240 /1‬وصـححه األلباني‬
‫في صحيح سنن أبي داود‪.‬‬
‫‪ )3‬االقتضاء ‪.)241 /1‬‬
‫‪ )4‬االقتضاء ‪.)78 /1‬‬
‫‪69‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫أيض ـا‪ :‬والذين يع مون القبور والمشــاهد لهم شــبه شــديد بالنصــارن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫َّ‬
‫حتى إني لمـا قـدمـت القـاهرة‪ ،‬اىتم بي بعس مع ميهم من الرهبـان‪ ،‬ونـا رني في‬
‫المسيح ودين النصارن‪ ،‬حتى بيَّنت لـه سبب فساد ذلك‪ ،‬وأىبته عما يدَّعيه من الحىة‪،‬‬
‫وبلغني بعد ذلك أنه صــــنَّف كتابًا في الرد على المســــلمين‪ ،‬وإبجال نبوة محمد ﷺ‪،‬‬
‫وأحضــره إلي بعس المســلمين‪ ،‬وىعل يقرته علي ألىيب عن حىج النصــارن وأضبيعن‬
‫فسادها‪ ،‬وكان من أواخر ما خاجبت به النصراني‪ ،‬أن قلت لــه‪ :‬أنتم مشركون‪ ،‬وبينت‬
‫من شــركهم ما هم عليه من العكوف على التماثيل والقبور‪ ،‬وعبادتها واالســتغاثة بها‪،‬‬
‫قال لي‪ :‬نحن ما نشـــرك بهم وال نعبدهم‪ ،‬وإنما نتوســـل بهم‪ ،‬كما يفعل المســـلمون إذا‬
‫ىاتوا إلى قبر الرىل الصالح‪ ،‬فيتعلقون بالشباك الذي عليه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫أيض ـا من الشــرك‪ ،‬لي هذا من دين المســلمين‪ ،‬وإن فعله‬ ‫ً‬ ‫فقلت لـــــــه‪ :‬وهذا‬
‫حاضرا في هذه المسهلة‪ ،‬فلما سمعها قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫سا كان‬
‫فهقر أنه شرك‪ ،‬حتى أن قسي ً‬‫ال ضى َّهال‪َّ ،‬‬
‫نعم‪ ،‬على هذا التقدير نحن مشركون‪.‬‬
‫وكان بعس النصــارن يقول لبعس المســلمين‪ :‬لنا ســيعد وســيعدة‪ ،‬ولكم ســيعد‬
‫وسيعدة‪ ،‬لنا السيد المسيح والسيدة مريم‪ ،‬ولكم السيد الحسين ‪ ،)1‬والسيدة نفيسة ‪.)2‬‬
‫فالنصــــارن يفرحون بما يفعله أهل البدع والىهل من المســــلمين‪ ،‬مما يوافق‬
‫دينهم ويشــابهونهم فيه‪ ،‬ويحبون أن يىعلوا رهبانهم مثل عبَّاد المســلمين‪ ،‬وقســيســيهم‬
‫مثل علماء المســـلمين‪ ،‬ويضـــاهئون المســـلمين‪ ،‬فإن عقالءهم ال ينكرون صـــحة دين‬
‫ا سالم‪ ،‬بل يقولون‪ :‬هذا جريق إلى هللا‪ ،‬وهذا جريق إلى هللا» ‪.)3‬‬
‫ولو تـهملـت في بعس مـا يفعلـه القبوريون؛ لعلمـت أنهـا امتـداد لعـادات وثنيـة‬
‫كانت سـائدة قبل ا سـالم‪ ،‬وكل ما يدور حول قبور األولياء والمشـايإل ما هو إال امتداد‬
‫لما يضفعل في معابد غير المســـلمين؛ ألنهم يســـتغيثون ويســـتعينون بهم ويجلبون منهم‬
‫المدد‪ ،‬وذكر الشـيإل محمد رشـيد رضـا عن مشـاهداته في الهند‪ ،‬فقال‪ :‬في نبار ‪-‬في‬
‫الهند‪ -‬قبر أبي البشــــر آدم ‪ ،‬وقبر وىته‪ ،‬وقبر أمه! ويقال‪ :‬إنهم يعبرون بهمه عن‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬الحســين بن أمير المتمنين علي بن أبي جالب القرشــي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬ســبج رســول هللا ﷺ‬
‫وريحانته‪ ،‬كان كثير العبادة‪ ،‬وقد قضتل بكربالء بالعراق يوم عاشـوراء سـنة ‪61‬هــــــ) رضـي هللا‬
‫تعالى عنه‪[ .‬أسد الغابة ‪ ،)495 /1‬سير أعالم النبالء ‪.])280 /3‬‬
‫‪ )2‬هي‪ :‬نفيسـة بنت الحسـن بن يد بن الحسـن بن علي‪ ،‬صـاحبة المشـهد الكبير الموىود بالقاهرة‪،‬‬
‫كانت من الصالحات مستىابات الدعاء‪ ،‬توفيت بمصر سنة ‪286‬هــ)‪[ .‬سير أعالم النبالء ‪/10‬‬
‫‪ ،)106‬البداية والنهاية ‪.])262 /10‬‬
‫‪ )3‬الفتاون ‪.)462 ،461 /27‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪70‬‬

‫الجبيعة) وقبور قضــاته‪ ،‬وهي تحت قباب مصــفحة بالذهب‪ ،‬كقبة أمير المتمنين علي‬
‫في النىف وقباب غيره‪ .‬وىمي هذه القبور تضعبد بالجواف حولها والتمسـح بها‪ ،‬وتالوة‬
‫األدعيـة واألوراد عنـدهـا كغيرهـا من تمـاثيـل معبوداتهم‪ ،‬م الخشـــــوع‪ ،‬وبـذل األموال‬
‫والنذور لها ولســـدنتها وكهنها‪ ،‬فال يحســـبن الىاهل بالتاريإل وبعقائد الملل والنحل أو‬
‫التعبدات فيها‪ ،‬أن علماء وثني ع الهند يعتقدون أن هذه األشـــياء تنف وتضـــر بنفســـها‪،‬‬
‫وأنهم لي لهم فلسفة في عبادتها» ‪.)1‬‬
‫وقد مر معنا إخبار الرســول ﷺ عن فعل النصــارن بصــالحيهم في خبر أم‬
‫ســلمة‪ ،‬لما أخبرته عن التصــاوير التي رأتها بإحدن كنائ الحبشــة‪ ،‬حي قال‪ :‬إن‬
‫أولئك إذا كان فيهم الرىل الصالح فمات بنوا على قبره مسىدًا» ‪.)2‬‬
‫ومن هنا يتبين لنا خجر مشــابهة الكافرين؛ ألن الغلو في األنبياء والصــالحين‬
‫ما ىاءنا إال منهم‪ ،‬وكذلك االحتفال بالموالد‪ ،‬وبناء المساىد على القبور‪.‬‬
‫وهـذه قصـــــة مح نـة ألحـد ضى َّهـال المســـــلمين في بالد الهنـد‪ ،‬حيـ رتي وهو‬
‫تقديرا وتع ي ًما‪ ،‬وهذا بسـبب احتكاكهم‬
‫ً‬ ‫يمشـي حفًا ل يارة قبر ولي‪ ،‬ويرى على قفاه‬
‫بالبوذيين ‪ ،)3‬فتهثر بهم هذا المفتون المسكين‪ ،‬فقلَّدهم ‪.‬‬
‫‪)4‬‬

‫فتقليد الكفرة مشـرب خجير‪ ،‬ولذا إقامة الموالد للرسـول ﷺ تقليد للموالد التي‬
‫عا‪ ،‬يرد ويقول‪:‬‬ ‫تقام في تاريإل ميالد المســيح أعياد رأ الســنة‪ ،‬وعندما تخاجب مبتد ً‬
‫هل النصـارن يحبون المسـيح ‪ ‬أكثر من محبتنا للرسـول ﷺ ؟ فيا سـبحان هللا! ومتى‬
‫كـان القوم على الحق حتى يضقتـ مدي بهم؟! بـل وىـاء األمر بمخـالفتهم‪ ،‬ولكن دعـا أئمـة‬
‫الضـاللة إلى مشـابهتهم‪ ،‬فاقتدن بهم أتباعهم‪ ،‬فتتب األتباع الضـالل‪ ،‬وتركوا هدي خير‬
‫األنام ﷺ ‪.‬‬

‫‪.)81 /‬‬ ‫نقال من مىلة البيان عدد ‪،)131‬‬ ‫‪ )1‬مىلة المنار‪ ،‬م‪ً )218 -216 /3 ،33‬‬
‫‪.)99 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬نسبة إلى البوذية‪ ،‬وهي ديانة أسسها رىل يدعى بوذا) في الهند في القرن الخام قبل الميالد‪،‬‬
‫كانت في بدايتها تدعو إلى التصــوف والخشــونة والتحلي بالفضــائل‪ ،‬ولكن بعد موت متســســها‬
‫ألَّهوه وعبدوه‪ ،‬وديانته منتشـرة في الهند واليابان والفلبين‪ ،‬وغالب سـكان ىنوب شـرق آسـيا‪ ،‬وقد‬
‫ضح عجم أع م أصـنامه عام ‪1422‬هــــــ) على يد حكومة جالبان في أفغانسـتان‪ ،‬ان ر‪ :‬الموسـوعة‬
‫الميسَّرة في األديان والمذاهب المعاصرة ‪.)107‬‬
‫‪.)478 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬هذه القصة في كتاب التبرك‪،‬‬
‫‪71‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الخام عشر‬


‫تع يم ااثار‬
‫وهـذا المبحـ لــــــــــه تعلق بمـا قبلـه‪ ،‬ولكن ألهميتـه أفردتـه؛ فـإن تع يم ااثـار‬
‫المكانية يىعلها عرضـة للعبادة‪ ،‬وإن لم يقصـد من وضـعوا هذه ااثار أو حاف وا عليها‬
‫مر معنـا مـا فعلـه قوم نو ‪ ،‬فـإن الـذين‬
‫هـذا األمر‪ ،‬بـل ولم يخجر ببـالهم‪ ،‬وقـد ســـــبق أن َّ‬
‫‪)1‬‬
‫ضـا ‪ ،‬ولكن تعاقب األىيال يتدي إلى‬ ‫وضـعوا التصـاوير للصـالحين كانوا صـالحين أي ً‬
‫تع يم ااثـار‪ ،‬ولـذلـك ال يخفى على أحـد خجورة حف آثـار الصـــــالحين والعنـايـة‬
‫بـهضـــــرحتهم ومخلَّفـاتهم؛ ألن من فعـل هـذا قـد فتح بـاب شـــــر على األمـة واقتـدن‬
‫كثيرا ما يع مون آثار القديسـين منهم‪،‬‬ ‫بالنصـارن‪ ،‬قال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬والنصـارن ً‬
‫فال يضســـــتبعـد أنهم ألقوا إلى بعس ضى َّهـال المســـــلمين أن هـذا قبر بعس من يع مـه‬
‫كثيرا من ضى َّهـال‬
‫ً‬ ‫المســـــلمون ليوافقوهم على تع يمــه‪ ،‬كيف ال؟‪ ،‬وهم قــد أضـــــلوا‬
‫ضعمدون أوالدهم‪ ،‬وي عمون أن ذلك يوىب جول العمر للولد‪،‬‬ ‫المسلمين‪ ،‬حتى صاروا ي ع‬
‫وحتى ىعلوهم ي ورون مـا يع مونـه من الكنـائ والبي ‪ ،‬وصـــــار كثير من ضى َّهـال‬
‫المســلمين ينذرون للمواضــ التي يع مها النصــارن‪ ،‬كما قد صــار كثير من ىهالهم‬
‫ي ورون كنائ النصارن‪ ،‬ويتل َّمسون البركة من قسيسيهم ورهبانيهم ونحوهم) ‪.)2‬‬
‫لـذا‪ ،‬فال يىو تع يم األحىـار واألشـــــىـار؛ ألن تع يمهـا وتىليلهـا وىعلهـا‬
‫ارا ســــيتدي إلى عكوف بعس البســــجاء عندها وتع يمها‪ ،‬ومن أدلة عدم تع يم‬ ‫م ً‬
‫ااثـار‪ ،‬وأنـه من فعـل األمم الســـــابقـة مـا رواه أبو واقـد الليثي ‪ ،)3 ‬حيـ قـال‪ :‬إن‬
‫‪)4‬‬
‫مر بشـــىرة للمشـــركين يقال لها‪ :‬ذات أنواج)‬‫رســـول هللا ﷺ لما خر إلى حنين َّ‬
‫يعلقون عليها أسـلحتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسـول هللا‪ ،‬اىعل لنا ذات أنواج كما لهم ذات أنواج‪.‬‬
‫فقال النبي ﷺ‪ :‬ســــبحان هللا! هذا كما قال قوم موســــى‪ :‬اىعل لنا إل ًها كما لهم آلهة‪.‬‬

‫‪.)78 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬الفتاون ‪.)461 ،460 /27‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬الحـار بن عوف الكنـاني الليثي‪ ،‬وقيـل‪ :‬عوف بن الحـار ‪ .‬وقيـل‪ :‬الحـار بن مـالـك‪.‬‬
‫صـحابي ىليل‪ ،‬شـهد فتح مكة واليرموك وفتو الشـام‪ ،‬توفي سـنة ‪68‬هــــــ)‪ ،‬وقيل‪85 :‬هــــــ)‪.‬‬
‫ان ر‪ :‬أسد الغابة ‪ ،)325 /5‬ا صابة ‪.)212 /4‬‬
‫ينوجون بها سـالحهم‪ ،‬أي يعلقونه بها‪ ،‬ويعكفون حولها‪.‬‬‫‪ )4‬هي اسـم شـىرة بعينها كانت للمشـركين ع‬
‫ان ر‪ :‬النهاية البن األثير ‪.)128 /5‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪72‬‬

‫والذي نفســي بيده لتركبن ســنة من كان قبلكم» ‪ .)1‬وقد كان المشــركون يعكفون عند‬
‫تلك الشـىرة معلقين عليها أسـلحتهم رىاء بركتها‪ ،‬فسـهل بعس الصـحابة الرسـول ﷺ‬
‫أن يىعـل لهم مثلهـا‪ًّ ،‬نـا منهم أن هـذا أمر محبوب عنـد هللا تعـالى‪ ،‬فـهنكر عليهم ﷺ‬
‫ذلك‪ ،‬وشبَّهه بما جلبه بنو إسرائيل من موسى‪.‬‬
‫وبهـذا يتبين أن تع يم ااثـار من األشـــــىـار واألحىـار من ســـــنن اليهود‬
‫والنصـــــارن‪ ،‬ومـدعـاة لتع يمهـا وعبـادتهـا‪ .‬قـال شـــــيإل ا ســـــالم ‪ :−‬فـهمـا العكوف‬
‫والمىاورة عند شــىرة أو حىر‪ ،‬تمثال أو غير تمثال‪ ،‬أو العكوف والمىاورة عند قبر‬
‫نبي‪ ،‬أو غير نبي‪ ،‬أو مقام نبي أو غير نبي‪ ،‬فلي هذا من دين المســـلمين‪ ،‬بل هو من‬
‫ىن دين المشركين» ‪.)2‬‬
‫وممـا يـدل على أن من منهج ا ســـــالم تحريم تع يم ااثـار مـا فعلـه عمر ‪‬‬
‫فيما رواه المعرور بن ســـويد ‪ )3 −‬حي قال‪ :‬خرىنا م عمر ‪ ‬فعرس لنا في‬
‫بعس الجريق مســىد‪ ،‬فابتدره النا يصــلون فيه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما شــهنهم؟‪ .‬فقالوا‪ :‬هذا‬
‫مســــىد صــــلَّى فيه رســــول هللا ﷺ ‪ .‬فقال عمر‪ :‬أيها النا إنما هلك من كان قبلكم‬
‫ـل‪ ،‬ومن لم‬‫عرضـت لــــــه فيه صـالة فليص ع‬‫باتباعهم مثل هذا‪ ،‬حتى أحدثوها بي ًعا‪ ،‬فمن ض‬
‫تضعرس لـه فيه صالة فليمس» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬أخرىه الترمذي‪ ،‬رقم‪ ،)2180 /‬وصـححه األلباني في صـحيح سـنن الترمذي‪ ،‬رقم‪،)1771 /‬‬
‫‪.)235 /2‬‬
‫‪ )2‬االقتضاء ‪.)827 /2‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬المعرور بن سـويد األسـدي تابعي ىليل من أهالي الكوفة‪ ،‬كان من الثقات األثبات المكثرين‬
‫جويال ‪ ،−‬حي عاع ‪ )120‬سـنة‪ .‬ان ر‪ :‬تهذيب الكمال ‪ 262 /28‬ترىمة‬ ‫ً‬ ‫من الحدي ‪ ،‬ع عضمر‬
‫رقم ‪.)6085‬‬
‫‪ )4‬أخرىه ابن أبي شـيبة في المصنف ‪ )377 ،376 /2‬كتاب الصلوات‪ .‬وقال عنه ابن تيمية‪ :‬كما‬
‫ثبت با سـناد الصـحيح‪ .‬ان ر‪ :‬المىموع ‪ .)281 /1‬وقال األلباني‪ :‬رواه سـعيد بن منصـور في‬
‫سـننه‪ ،‬وابن وضـا بإسـناد صـحيح على شـرج الشـيخين‪ .‬تخريج أحادي فضـائل الشـام ودمشـق‬
‫‪.)49 /‬‬ ‫للربعي‪،‬‬
‫‪73‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وورد في قصــة أخرن أن عمر ‪ ‬بلغه أن ً‬


‫ناســا يهتون الشــىرة التي بوي‬
‫سدَّد بقج‬
‫المــــ م‬ ‫ِ‬ ‫‪)1‬‬
‫تحتها النبي ﷺ‪ ،‬فهمر بها فقجعت ‪ ،‬فهكذا فعل ذلك الصحابي الملهم ض‬
‫هـذا األثر؛ ألن بقـاءه مـدعـاة لالفتتـان بـه‪ ،‬والمصـــــيبـة الكبرن أن هـذه ااثـار التي تع م‬
‫كثيرة‪ ،‬وغالبها غير ثابتة‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىها ابن أبي شــيبة في المصــنف ‪ ،)375 /2‬وابن ســعد في الجبقات ‪ .)100 /2‬وقال ابن‬
‫حىر‪ :‬إســــنادها صــــحيح‪[ .‬ان ر‪ :‬فتح الباري ‪ ،)448 /7‬وقال األلباني‪ :‬رىال إســــناده ثقات‪.‬‬
‫‪.])94 ،93 /‬‬ ‫تخريج أحادي فضائل الشام ‪ .)49‬وضعفه في تحذير الساىد‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪74‬‬

‫عشر‬ ‫المبح الساد‬


‫اتباع الهون‬
‫الهون‪ :‬هو ما تهواه النف وتريده‪ ،‬ومحبة ا نسـان الشـيء‪ ،‬وغلبته على قلبه؛‬
‫لذا أثنى هللا ىل وعال) على من حارب هواه بقهر نفسـه‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النا عات‪.]40 :‬‬
‫سمي أهل البدع بههل األهواء؛ ألنهم اتبعوا أهواءهم‪ ،‬فلم يهخذوا األدلة‬ ‫وكذلك ض‬
‫الشرعية مهخذ االفتقار إليها‪ ،‬والتعويل عليها‪ ،‬حتى يصدروا عنها‪ ،‬بل قدموا أهواءهم‪،‬‬
‫ورا فيها من وراء ذلك ‪.)1‬‬ ‫واعتمدوا على آرائهم‪ ،‬ثم ىعلوا األدلة الشرعية من ً‬
‫وذكر محمود شلتوت‪ :‬أن النا ر في األدلة الشرعية إذا كان من أهل األهواء‪،‬‬
‫فإن هواه سـيدفعه إلى تقرير الحكم الذي يحقق غرضـه‪ ،‬ثم يهخذ في تل نم الدليل الذي‬
‫ً‬
‫أصــال تحمل األدلة عليه‪ ،‬ويضحكم‬ ‫يعتمد عليه ويىادل به‪ ،‬وهذا في الواق يىعل الهون‬
‫به على األدلة‪ ،‬وهو قلب لقضــية التشــري وإفســاد لغرس الشــارع من نصــب األدلة‪،‬‬
‫ومتابعة الهون أصـل ال يغ عن صـراج هللا المسـتقيم‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ) [القصــــ ‪ .]50 :‬والواق أنـه بمتـابعـة الهون تضكتســـــح األديـان ويضقتـل كـل خير‪،‬‬
‫واالبتـداع بـه أشـــــد أنواع االبتـداع إث ًمـا عنـد هللا‪ ،‬وأع م ىر ًمـا على الحق‪ ،‬فكم خرق‬
‫الهون من شرائ ‪ ،‬وبدَّل من ديانات‪ ،‬وأوق ا نسان في ضالل مبين ‪.)2‬‬
‫خجرا أنه يتدي إلى‪:‬‬
‫ً‬ ‫واتباع الهون يتىلى في م اهر‪ ،‬من أع مها‬
‫أ‪ -‬اتباع المتشـابه وترك المحكم؛ ألن أرباب الهون يهتون إلى النصـو التي‬
‫اهرها التشــــابه والتعارس‪ ،‬وال يفهمونها وال يفقهونها‪ ،‬ثم يحتىون بها‪ ،‬ويوردونها‬
‫من غير فهم لمعنـاهـا‪ ،‬قـال تعـالى‪ ( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ) [آل عمران‪.]7 :‬‬
‫ب‪ -‬االنحراف عن الصـــــراج المســـــتقيم‪ ،‬يتيد هذا قول الحق تبـارك وتعـالى‬
‫لرســـوله ﷺ‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الىاثية‪ ،]18 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الشــــورن‪ ،]15 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ) [األنعام‪.]150 :‬‬
‫فقـد أمر هللا رســـــولـه ﷺ أن يتب الشـــــريعـة وال يتب الهون‪ ،‬وال يركن إلى‬
‫أهواء النا ؛ فإنه إذا مال إلى أهوائهم انحرف عن الصراج المستقيم‪.‬‬

‫‪ )1‬االعتصام ‪.)683 /2‬‬


‫‪ )14 ،13 /‬بتصرف يسير‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬أسباب البدع ومضارها وأنواعها‪ ،‬لمحمود شلتوت‪،‬‬
‫‪75‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ىــــ‪ -‬التقيد بالشهوات والعمل لها‪ ،‬والسير وراء م اهر الحياة ال ائفة‪ ،‬وترك‬
‫مـا أمرهم هللا ‪ )‬بـه‪ ،‬قـال تعـالى‪ ( :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النىم‪:‬‬
‫‪.]23‬‬
‫خيرا‪ ،‬وال يســم نصــ ًحا‪ ،‬وال‬‫د‪ -‬صــاحب الهون أعمى أصــم أبكم‪ ،‬ال يرن ً‬
‫خيرا‪ ،‬قـال تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ )‬ ‫ينجق ً‬
‫‪)1‬‬
‫[الىاثية‪. ]23 :‬‬
‫فالهون أعمى ويضعمي‪ ،‬ان ر إلى صـــاحب الهون‪ ،‬كيف عب به هواه إلى أن‬
‫منتصـرا ألرباب القبور وعبَّادها؟‪ .‬حي قال عمن يدعون‬ ‫ً‬ ‫قد بهئمة ا سـالم وأعالمه‬
‫إلى التوحيـد‪ ،‬ونبـذ الشـــــرك‪ ،‬وترك تع يم المقـامـات والم ارات‪ :‬إن أول من نثر في‬
‫أرس ا ســـالم تلك البذور الســـامة‪ ،‬والىراثيم المهلكة‪ ،‬هو ابن تيمية الذي خر في‬
‫القرن الســاب ‪ ،‬ولما أح َّ أهل ذلك القرن ‪-‬بفضــل كفاءاتهم‪ -‬أن ىمي تعاليمه ومبادئه‬
‫شر وبالء على ا سالم‪ ،‬حبسوه برهة ثم قضتل) ‪.)2‬‬
‫وان ر إلى هواه‪ ،‬كيف عبـ بـه؟‪ ،‬وقـاده إلى وصـــــف التوحيـد بـالىرثومـة؟‪،‬‬
‫وكيف كذب ‪-‬عامله هللا بما يستحق‪ -‬عندما عم أن شيإل ا سالم قد قضتل؟! سبحانك هذا‬
‫بهتان ع يم! ووهللا لو كان قد قضتل؛ لكانت شهادة‪ ،‬فاحتسبها عند هللا‪.‬‬
‫ثم قال هذا األفَّاك‪ :‬ولكن بقيت تلك البذور دفينة تراب‪ ،‬وكمينة بالء وعذاب‪،‬‬
‫حتى انجوت ثالثـة قرون‪ ،‬فنبع ابن عبـد الوهـاب تلـك الـدفـائن‪ ،‬واســـــتخر هـاتيـك‬
‫الكوامن‪ ،‬وســـقى تلك الىرائم الميتة‪ ،‬بل المميتة‪ ،‬والبذور المهلكة‪ ،‬فســـقاها بمياه من‬
‫ت ويق لسانه‪ ،‬و خرف بيانه‪ ،‬فهثمرت‪ ،‬ولكن بقجف النفو ‪ ،‬وقج الرتو ‪ ،‬وهالك‬
‫ا سـالم والمسـلمين‪ ،‬وراىت تلك السـلعة الكاسـدة‪ ،‬واألوهام الفاسـدة على أمراء نىد‪،‬‬
‫شـــن الغارات‪ ،‬ومداومة الحروب والغ وات»‪،‬‬ ‫ع‬ ‫هيرا لما اعتادوا عليه من‬
‫ً‬ ‫واتخذوها‬
‫ثم قـال‪ :‬ولي للقوم ‪-‬يعني‪ :‬ا مـام محمـد بن عبـد الوهـاب وأتبـاعـه ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬حىـة‬
‫عليهــا مســـــحــة من العلم»‪ .‬إن المســـــلمين في يــارتهم للقبور‪ ،‬وجوافهم حولهــا‪،‬‬
‫واسـتغاثتهم بها وتوسـل ال ائر بالملحود في تلك المقابر‪ ،‬قد صـاروا كالمشـركين الذين‬
‫كانوا يعبدون األصـنام‪ ،‬وأصـبحوا يعبدون غير هللا‪ ،‬ليقربوهم إلى هللا تعالى‪ ،‬كما حكى‬
‫ســبحانه حي يقول عنهم‪ ( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [ال مر‪ ،)3 ]3 :‬ثم قال كال ًما ممىو ًىا‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬البدع الحولية ‪.)47 ،46‬‬


‫‪.)39 /‬‬ ‫‪ )2‬نقس فتاون الوهابية‪،‬‬
‫‪ )3‬للم يد‪ :‬نقس الوهابية ‪ )46 -39‬وغيرها‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪76‬‬

‫عليه ضح َّلة إبلي وتلبيســه ال يتســ المقام لذكره من عب باايات‪ ،‬وتالعب بالعبارات‬
‫ما يىعلك تتهكد بهن الهون قد عب به ولعب‪.‬‬
‫حرف في النصـو ‪ ،‬رىاء مصـلحة شـخصـية‪ ،‬وذلك‬ ‫ويدخل في الهون‪ ،‬من َّ‬
‫كمـا يفعلـه مشـــــايإل الجرق‪ ،‬وخلفـاء األضـــــرحـة‪ ،‬وســـــدنـة القبور وخـدَّامهـا‪ ،‬من بـ ٍ‬
‫للكرامات المختلفة؛ ليع َّموا عند النا ويض مىلنوا‪ ،‬وليحصـــلوا على األموال التي تضق َّد م‬
‫بين يدي صــــاحب القبر‪ .‬حي أن النف تهون األموال ومتاع الدنيا‪ ،‬وعند ضــــعفاء‬
‫النفو استعداد ليشتروا بتيات هللا ثمنًا ً‬
‫قليال‪ .‬وال حول وال قوة إال باهلل تعالى‪.‬‬
‫قـال الشـــــوكـاني ‪ : −‬وربمـا يقف ىمـاعـة من المحتـالين على قبر‪ ،‬ويىلبون‬
‫ويســــتدروا منهم األر اق‪،‬‬
‫ع‬ ‫النا بهكاذيب عن ذلك الميت‪ ،‬ليســــتىلبوا منهم النذور‪،‬‬
‫يهولون على ال ائر لـذلـك الميـت بتهويالت‪ ،‬ويىعلون قبره بمـا يع م في عين‬ ‫وربمـا ع‬
‫‪)1‬‬
‫الواصلين إليه‪ ،‬ويوقدون في المشهد الشموع‪ ،‬ويوقدون فيه األجياب» ‪.‬‬
‫وقد التقيت م أحد مشائإل الجرق الصوفية‪ ،‬وقلت لـــــه‪ :‬إنكم تشىعون النا‬
‫على يارة هذه األضرحة لتحصلوا على المال‪.‬‬
‫ثم أشرت لــــه إلى أحد الصناديق الموىودة أمام أحد األضرحة‪ ،‬والنا تدف‬
‫ً‬
‫متوســــال إلى هللا كما ي عمون! فقال‬ ‫فيه األموال‪ ،‬رىاء أن يغفر لهم المقبور ذنوبهم‪،‬‬
‫لي‪ :‬إن العمليـة من َّمـة‪ ،‬حيـ يـذهـب ى ء من تلـك األموال للحكومـة‪ ،‬وى ء منهـا‬
‫لمشــــايإل الجرق‪ ،‬وال ينالنا منها إال القليل‪ .‬والقليل هذا يقدر بالماليين‪ ،‬وما أدري بهي‬
‫حق يــذهــب لهم؟ هــل ألنهم فقراء؟ فليــهخــذوا مــا يكفيهم‪ .‬ولكن الحقيقــة تقول‪ :‬إنهم‬
‫يهخذون؛ ألنهم ما ع َّموا هذه األضرحة؛ إال من أىل تحقيق هذه المكاسب والمجام ‪.‬‬
‫وقد اعترف حســن الشــناوي) شــيإل مشــايإل الجرق الصــوفية بهن ا عانات‬
‫المقدمة لـه من الدولة‪ ،‬عبارة عن عشرة بالمائة من إىمالي صناديق النذور بالمساىد‪،‬‬
‫على مســـتون ىمهورية مصـــر العربية‪ ،‬وعليك أن تحســـب ذلك‪ ،‬إذا علمت أن عدد‬
‫األضـــرحة في مصـــر يربو على ألف ضـــريح‪ ،‬ولســـوف ي ول تعىبك عندما ترن‬
‫حر هتالء المشايإل على تذكير النا بالموالد‪ ،‬وتشىيعهم على الذهاب لها‪.‬‬
‫أيضــــا بهن الكثير من األفراد يدفعون لهم هبـات وافرة‪ ،‬ورفس‬ ‫ً‬ ‫ولقـد اعترف‬
‫ذكر المبلغ الذي يتقاضـاه شـهريًّا‪ ،‬متكدًا أن هدفه لي ماديًّا‪ .‬وما أدري لماذا يخفي ما‬
‫يتقاضاه؟! لعله يخشى من افتضا أمره ‪.)2‬‬

‫‪ )1‬الدر النضيد ‪.)94 ،93‬‬


‫‪ )2‬صحيفة الخمي » العدد ‪ )152‬السنة الثالثة‪ ،‬بتاريإل ‪ 5‬يوليو ‪2001‬م)‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وفي اعتراف آخر ألحد ســدنة األضــرحة ذكر حســن الرفيعي ســادن مســىد‬
‫ا مام علي بالعراق بقوله‪ :‬أنا اان أقوم بعمل السادن؛ ألن والدي وهن ع مه‪ ،‬وجعن‬
‫كبيرا من‬
‫قادرا على القيام بهعباء الســدانة‪ ،‬وأتقاضــى عنها مرتبًا ً‬‫في الســن‪ ،‬ولم يعد ً‬
‫الدولة‪ ،‬وبالذات من و ارة األوقاف‪ ،‬وقد تولت أســرتنا ســدانة مســىد ا مام علي منذ‬
‫‪ )170‬ســنة‪ ،‬بمرســوم ملكي في ذلك الوقت‪ .‬أما عن قج الذهب والفضــة والدنانير‬
‫التي يضــــعها ال ائرون في المقصــــورة‪ ،‬فإنها كانت إلى عهد قريب تعجى للســــادن‬
‫وحـده‪ ،‬بـالرغم من وىود عـاملين بـالمســـــىـد يقومون على رعـايتـه‪ ،‬وبـالرغم من أن‬
‫الســــادن يتقاضــــى مرتبًا شــــهريًا من الدولة؛ ولذلك رأت الدولة تمشــــيًا م العدالة‬
‫االىتماعية أال ينفرد إنسـان بهذا الدخل الذي يبلغ كل شـهر حوالي خمسـين ألف دينار‬
‫‪ ،)1‬فقررت تو يعه على عدة ىهات ‪.)2‬‬
‫ومن صــور الهون؛ اســتغالل أصــحاب الشــهوات لهذه المشــاهد؛ لما يىدون‬
‫عنـدهـا من اختالج ونســـــاء متبرىـات مـائالت مميالت‪ ،‬فيجلق الن ر‪ ،‬ويقف في وىـه‬
‫كل من ينهاه‪.‬‬

‫‪ )1‬في تلـك ااونـة كـان الـدينـار العراقي يعـادل ‪ )12‬لاير تقريبـًا أي مـا يســـــاون ‪ )600‬ألف لاير‬
‫ســعودي‪ ،‬فيكون الدخل الســنوي من هذا الصــنم ســبعة ماليين ومئتي ألف لاير ســعودي!! وهذا‬
‫المبلغ مقن ضعاف النفو ليبيعوا من أىله دينهم‪.‬‬
‫‪ )2‬اللواء ا ســـالمي‪ ،‬العدد ‪ ،)66‬الســـنة الثانية‪ ،‬بتاريإل ‪ 15‬من رىب ‪1403‬هــــــــ‪ 28 ،‬إبريل‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪78‬‬

‫المبح الساب عشر‬


‫وسائل ا عالم‬
‫إن لوســـــائـل ا عالم المختلفـة‪ ،‬من تلفـا ‪ ،‬وإذاعـة‪ ،‬وصـــــحف‪ ،‬ومجبوعـات‪،‬‬
‫دورا ع ي ًما في تع يم القبور‪ ،‬من خالل ما تبثنه بوســـائلها المختلفة‬ ‫وأفالم‪ ،‬وإنترنت‪ً ،‬‬
‫من أخبار كاذبة‪ ،‬وتذكير النا بالموالد‪.‬‬
‫إن إشــاعة الفكر المســموم‪ ،‬وإذاعته عبر قنوات ا عالم‪ ،‬من العناصــر الهامة‬
‫في نشر القبورية ومحاربة التوحيد‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومن أمثلـة مـا تبثـه وســـــائـل ا عالم من تع يم للقبور‪ :‬مـا بثـه التليف يون‬
‫المصري في شهر نوفمبر عام ‪1985‬م عندما قدَّم حلقة عن كرامات الدسوقي بمناسبة‬
‫عا عندما قال‪ :‬إن هذا القول يقتضـــــي أن‬ ‫االحتفـال بمولده‪ ،‬ووىه أحد الكتاب نقدًا الذ ً‬
‫الدســوقي ولد في آخر شــهر شــعبان‪ ،‬وكان يرضــ الليل حتى الفىر‪ ،‬ويصــوم جيلة‬
‫النهار‪ ،‬أي أنه صـــام رمضـــان وهو رضـــي ‪ ،‬وهذه خرافة تذاع في التلفا ) ‪ .)1‬ومن‬
‫األمثلة‪ :‬فيلم الورثة الذي قام ببجولته حســين فهمي وع ت العاليلي ‪-‬هداهم هللا‪ -‬حي‬
‫يحكي قصــة ذلك الرىل الصــالح الذي هر صــالحه وبان تقاه‪ ،‬من خالل إكثاره من‬
‫يارة ضـريح البدوي في جنجا! وكذلك قصـة ذلك التاىر الذي إذا أراد أن يعقد صـفقة‬
‫تىـاريـة‪ ،‬بعـ أحـد المتـدينين من مو فيـه للبـدوي؛ ليجلـب منـه العون والتوفيق‪ ،‬في رع‬
‫في عقول المشـــاهدين فضـــل هذه األضـــرحة‪ ،‬ودورها ومكانتها‪ ،‬وبهنها ىالبة للخير‬
‫والتوفيق‪ ،‬وأنها أماكن للعبادات‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫وذكرت ىريدة األهرام‪ :‬أن الدسـوقي كان يىل في مكان‪ ،‬فلما ىاء فيضـان‬
‫النيل كان يصــل الماء إلى مكان ىلوســه‪ ،‬فقال الدســوقي للنيل‪ :‬إما أن ترحل أنت‪ ،‬أو‬
‫أيضـا‪ :‬أن امرأة من‬ ‫ً‬ ‫أرحل أنا‪ .‬فانحســرت مياه النيل ومضــت صــاغرة) ‪ ،)2‬وذكرت‬
‫أهالي الىي ة قصدته؛ لتحدثه أن ابنها كان يستحم م مالئه في النيل‪ ،‬فابتلعه تمسا ‪،‬‬
‫أمرا إلى التمسـا أن يضعيد الولد الذي ابتلعه؛ فانصـاع لءمر‪ ،‬وقذف‬ ‫فهرسـل الدسـوقي ً‬
‫بالولد من فمه) ‪.)3‬‬
‫فعندما تذي وسـائل ا عالم من صـحافة وتلفا مثل هذه االفتراءات؛ فال شـك‬
‫أنهـا ســـــتخـدع البســــجـاء‪ ،‬وســــتـدف بهم أفرادًا وىمـاعـات راىلين وركبـا ًنـا إلى هـذه‬

‫‪ )1‬ىريدة األهرام ‪ 28‬صفر ‪1406‬هـ)‪.‬‬


‫‪ )2‬ىريدة األهرام ‪ 28‬صفر ‪1406‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )3‬المرى السابق‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫األضــرحة‪ ،‬ليرموا عند أربابها بحاىاتهم‪ ،‬وكذلك عندما يضقدعم التلفا أفال ًما تعرس في‬
‫أثنائها قصـة ومهسـاة‪ ،‬ثم نىد األم تذهب ومعها صـغارها ليشـكوا عند البدوي والحسـين‬
‫وغيرهمـا همومهم‪ ،‬فيتربى النـاشــــئـة على ذلـك‪ ،‬بـل تىـد أن األفالم عنـدمـا تحـدثنـا عن‬
‫قصـة شـاب الت م‪ ،‬فإنها تحدثنا عن ذلك الشـاب الذي فتح هللا على قلبه عند قبر الولي‪،‬‬
‫ثم بدأ يعتاد يارته كم هر من م اهر االستقامة‪.‬‬
‫ـكورا بحذف بعس الصـــور المنافية للشـــرع‬ ‫إن الرقيب ا عالمي‪ ،‬يقوم مشــ ً‬
‫واألخالق من بعس المســلســالت واألفالم‪ ،‬ثم يضعرس بكل بســاجة وســذاىة ع َّما هو‬
‫أع م وأشـر‪ ،‬مثل‪ :‬إقرار أفالم تدعو لتع يم القبور‪ ،‬وأفالم عن الموالد؛ كفيلم المولد)‬
‫لعادل إمام‪.‬‬
‫إن القبوريين في عـالمنـا المعـاصـــــر أصـــــبحـت أدوارهم خجيرة‪ ،‬وأصــــبح‬
‫اسـتغاللهم لإلعالم ال يخفى على أحد‪ ،‬بل ها هي صـحيفة الخمي تىري لقا ًء م أحد‬
‫مشــايإل الجرق الصــوفية‪ ،‬والذي أنجقه هللا ‪-‬الذي أنجق كل شــيء خلقه‪ -‬بهن يعترف‬
‫بهن أصــــول الجرق الصــــوفية يرى إلى القرن الراب الهىري‪ ،‬ليتكد على رتو‬
‫األشـــهاد أنها فرقة مبتدعة‪ ،‬محدثة في الدين‪ ،‬ما أن ل هللا بها من ســـلجان‪ ،‬فقوله‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫نشـــــهتهـا بعـد مبعـ محمـد ﷺ بـهربعـة قرون‪ .‬إقرار منـه بـهنهـا ىـاءت بعـد القرون‬
‫ســبقوا إليه‪،‬‬
‫خيرا ما ض‬
‫المفضــلة‪ ،‬وأن الرســـول ﷺ وصـــحابته أبرياء منها‪ ،‬ولو كان ً‬ ‫َّ‬
‫والذي يهمنا هنا ما قاله في هذه الصــحيفة من دعوة للنا لتشــىي هذه البدع‪ ،‬ثم قال‬
‫سـئل عن خرو النسـاء للموالد‪ :‬الموالد اهرة اىتماعية وسـياحة دينية‪ ،‬بمعنى‬ ‫عندما ض‬
‫أن أي فرد ال يستجي الذهاب إلى الشواجس‪ ،‬ويكون المولد هو البديل لــــه‪ ،‬وللتعارف‬
‫على ا خوان‪ ،‬وكذلك للتىارة بمعنى آخر‪ ،‬أنه يكون موســم حج صــغير م الخالف؛‬
‫ألن الحج فريضـة للمسـتجي ‪ ،‬ولكن المولد لي فريضـة ولكنها سـياحة دينية‪ ،‬وخرو‬
‫النســـــاء يكون م أ واىهن‪ ،‬أو ذوي رحم من المحـارم‪ ،‬وذلـك للترفيـه عن النف من‬
‫عناء العمل المن لي جوال العام‪ ،‬وفي هذا المقام البد لنا أن نعرف أن كل صـوفي البد‬
‫ً‬
‫عامال‪.‬‬ ‫أن يكون‬
‫‪ -‬ولما سئل عن تقبيل يد الشيإل من أتباعه‪ ،‬أىاب بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تقبيـل يـد الشـــــيإل من أتبـاعـه من الرىـال إنمـا يكون للتبرك‪ ،‬أو ألن العـالم‬
‫الرىل‪ ،‬أو السىود‬ ‫والشيإل يعمل بعلمه‪ ،‬وال حر في ذلك‪ ،‬ولكن الذي يحرم هو تقبيل ع‬
‫أقر تقبيل المرأة ليد شــيخها؛ ألن‬
‫لشــخ غير هللا مهما كان‪ ،‬أما بالنســبة للنســاء فال ن‬
‫الرسـول ﷺ لم يصـافح امرأة في حياته قج‪ ،‬وقد أخذ البيعة في العقبة األولى والثانية‬
‫م نسـاء األنصـار‪ ،‬بهن وضـ إناء فيه ماء‪ ،‬ووضـ يده في جرف ا ناء‪ ،‬وممثلة نسـاء‬
‫األنصار في الجرف ااخر لإلناء ولقنها العهد المعروف‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪80‬‬

‫‪ -‬وعندما سـئل عن رأيه في اعتراس البعس على الصـالة في المسـاىد التي‬


‫بها قبور؟ كان ىوابه‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا؟! فالمســىد النبوي به قبر الرســول ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬وقبر أبي‬
‫بكر‪ ،‬وقبر عمر‪ ،‬ولو كان الصــالة باجلة في المســاىد التي بها قبور‪ ،‬لم يكن ليصــلي‬
‫أحد في المســىد النبوي الشــريف‪ ،‬والحدي الذي يعتمد عليه المعترضــون‪ ،‬وهو قول‬
‫الرسول ﷺ ‪ :‬لعن هللا اليهود والنصارن اتخذوا من قبور أنبيائهم مساىد» ‪ )1‬البد لنا‬
‫نبين ســـبب اللعن‪ ،‬حي أنهم كانوا يصـــلون على القبور‪ ،‬أو متىهين إليها‪ ،‬أما‬ ‫هنا أن ع‬
‫نحن ‪-‬معاشـــر المســـلمين‪ -‬فإننا نتىه إلى القبلة في الصـــالة‪ ،‬وننوي الصـــالة إلى هللا‬
‫تعالى‪ ،‬والرسول يقول‪ :‬إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرى ما نون» ‪.)3 ،)2‬‬
‫وهذا شـيإل آخر من مشـايخهم يحاول في ىريدة أخرن أن يضـلل النا ويلبع‬
‫عليهم األمر من خالل حوار أىرتـه معـه ىريـدة اللواء ا ســـــالمي)‪ ،‬وهـذه مقتجفـات‬
‫من أقواله‪:‬‬
‫‪ -‬كيف نشـه االنفصـال شـبه الواضـح بين الشـريعة والحقيقة أي التصـوف) في‬
‫واقعنا المعاصر؟‪.‬‬
‫‪ -‬فـهىـاب‪ :‬نشـــــهت المشـــــكلـة من أن البعس ‪-‬ن ًرا لعـدم تحققهم من الىـانـب‬
‫الروحي كمـا يىـب‪ -‬ن روا إلى التصـــــوف ن رة ريبـة‪ ،‬وقـالوا‪ :‬إن مـا يتحـد عنـه‬
‫الصوفية من المقامات واألحوال‪ ،‬كل هذا كالم غريب!‪.‬‬
‫متفع بين كثير‬ ‫ع‬ ‫‪ -‬وسـبب آخر‪ ،‬هو ىهل النا بحقيقة التصـوف‪ ،‬وهذا الىهل‬
‫من النا ‪ ،‬والنا أعداء ما ىهلوا‪ ،‬وأئمة التصوف الكبار كانوا أئمة في الشريعة‪.‬‬
‫وعندما سئل عن مفهوم الوالية) ومعنى الولي) في المفهوم الصوفي‪ ،‬أىاب‬
‫‪-‬هداه هللا‪ -‬بقولــــــه‪ :‬الولي هو من والى هللا بالجاعات‪ ،‬فهنت تكون وليًّا هلل؛ فيكون هللا‬
‫وليـًّ ا لـك‪ .‬وهللا تعـالى يقول‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]257‬وكـذلـك قـال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يون ‪ ،]64 -62 :‬فـاايـة‬
‫تشـــــير إلى أن ركني الواليـة همـا‪ :‬ا يمـان‪ ،‬والتقون‪ .‬أمـا كرامـات األوليـاء فهي حق؛‬
‫ألنها وردت في القرآن في قولـــه تعالى‪ ( :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ) [آل عمران‪،]37 :‬‬

‫‪ )1‬سيهتي تخريىه‪.‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رســــول هللا ﷺ‪ ،‬رقم‪،)1 /‬‬
‫وأخرىه مسلم‪ ،‬كتاب ا مارة‪ ،‬باب قوله ﷺ‪ :‬إنما األعمال بالنيات» رقم‪.)1907 /‬‬
‫‪ )3‬ىريدة الخمي المصرية» العدد ‪ )152‬السنة الثالثة‪ ،‬بتاريإل ‪ 5‬يوليو ‪2001‬م)‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ومريم لم تكن نبية‪ .‬ثم يشـــرع في تهوين أمر الذكر المبتدع م الرق والتمايل الذي‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ارتبج بالجرق الصوفية‪ ،‬فيذكر أنه نوع من التنفنل‪ ،‬وقد ورد الذكر في القرآن‬
‫والذكر يكون بجريقة شـرعية معينة‪ ،‬هي أن يىل النا على وضـوء‪ ،‬وفي‬
‫مكان جاهر‪ ،‬ويرددون أســماء هللا الحســنى‪ ،‬أو يذكرونه وقوفًا م التمايل القليل الذي‬
‫يحد عن وىد‪ ،‬ال الرق الذي نشــــاهده أحيانًا‪ ،‬فهذا باجل‪ ،‬ولي من الشــــرع في‬
‫ً‬
‫مقبوال‪ ،‬وقد ينشــد عليهم شــيء من‬ ‫شــيء؛ فإذا كان مىل الذكر على هذا النحو كان‬
‫‪)1‬‬
‫رقائق التصوف‪ ،‬وهو تمرين على استشعار وىود هللا وع مته ‪.‬‬
‫ونىد سـدنة القبور يسـتغلون ا عالم‪ ،‬فينشـئون لهم صـحفًا ومىالت مثل مىلة‬
‫ويـذكرون النـا فيهـا‬
‫ع‬ ‫التصـــــوف ا ســـــالمي)‪ ،‬التي يعلنون من خاللهـا برامىهم‪،‬‬
‫بالموالد‪ ،‬ويحثنونهم على يارة األضــرحة‪ ،‬وهذا ما نىده في ىمي أعداد تلك المىلة‪،‬‬
‫وسـهذكر لك مقتجفات من أحد أعدادها‪ ،‬حي ىاء فيه‪ :‬أن ثالثة ماليين يحتفلون بمولد‬
‫البدوي‪ ،‬وذكر الشـيإل حسـن الشـناوي) في هذا العدد كلمة عن البدوي ذكر فيها بعس‬
‫كرامـاتـه‪ ،‬والتي فيهـا من االفتراءات مـا ال يعلمـه إال هللا‪ ،‬وكـل هـدفـه وغرضـــــه حـ‬
‫النـا على االرتبـاج بهـذا الوثن؛ ليـدعوه من دون هللا‪ ،‬وذكر في كلمتـه بعس هـذه‬
‫يجل على‬ ‫الكرامات‪ ،‬حي قال‪ :‬إن ابن دقيق العيد لما سـم بسـيرة البدوي‪ ،‬أرسـل من َّ‬
‫واليته ويختبره‪ ،‬فقال البدوي للمختبعر‪ :‬ارى إلى شيخك‪ ،‬وقل لـــه أن ين ر المصحف‬
‫الموىود في حىرة كذا‪ ،‬ســيىد فيه غلجتين‪ ،‬إحداهما في ســورة ي » واألخرن في‬
‫ســـورة الرحمن» فليصـــححهما‪ .‬فرى المختبعر وأخبر الشـــيإل ابن دقيق‪ ،‬فوىد ابن‬
‫دقيق الغلجتين كما حددهما البدوي‪ .‬ثم بيَّن أن ابن دقيق ‪ )2‬أصبح من مريدي البدوي‪.‬‬
‫ومـا أدري من أين ىـاء بهـذه القصـــــة؟! والكتـب التي ترىمـت البن دقيق مـا‬
‫تعرضت لمثل هذا‪ ،‬ال من قريب وال من بعيد!!‬ ‫َّ‬
‫ثم تحد في نف هذا العدد أحد مشــــايإل الجرق الصــــوفية‪ ،‬فقال‪ :‬إن أهمية‬
‫مولد سيدي أحمد البدوي تكمن في شقين‪:‬‬

‫‪ )1‬من حوار أىرته ىريدة اللواء ا سـالمي» م شـيإل مشـايإل الجرق الصـوفية الدكتور أبي الوفا‬
‫التفتا اني‪ ،‬في عددها ‪ ،)628‬السـنة الثالثة عشـرة‪ ،‬بتاريإل‪ 22 :‬من شـعبان ‪1414‬هـــــ‪ 3 -‬من‬
‫فبراير ‪1994‬م)‪.‬‬
‫‪ )2‬هو ا مام أبو الفتح القشـــيري محمد بن علي المنفلوجي‪ ،‬المعروف بابن دقيق العيد‪ ،‬ولد ســـنة‬
‫‪625‬هـ)‪ ،‬ولي القضاء بمصر‪ ،‬من أهم كتبه‪ :‬شر العمدة‪ ،‬توفي سنة ‪702‬هـ)‪ .‬ان ر‪ :‬شذرات‬
‫الذهب ‪.)13 -11 /8‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪82‬‬

‫‪ -‬شـق اقتصـادي؛ الشـتماله على أهم حد اقتصـادي في السـنة‪ ،‬لوىود أكثر‬


‫من ثالثة ماليين يتبايعون‪ ،‬فت دهر الفنادق والمواصـالت‪ ،‬وتضفتمح آالف البيوت بمناسبة‬
‫مولده‪.‬‬
‫‪)1‬‬
‫‪ -‬والشق الثاني هو حدو تتلف بين الجرق الصوفية ‪.‬‬
‫والتضـــرعات يفعلونها أمام هذا الوثن الذي يضعبد‬
‫ن‬ ‫وكل هذه الكلمات والعبادات‬
‫من دون هللا‪ ،‬وهللا المستعان على ما يصفون!‪.‬‬
‫وهذه أهم األسباب‪ ،‬وهناك أسباب أخرن ال تخر عن هذه األسباب غالبًا‪.‬‬

‫‪ )45 -42 /‬بتصــرف‪ ،‬شــهر شــعبان‬ ‫‪ )1‬مىلة التصــوف ا ســالمي‪ ،‬العدد ‪ )8‬الســنة ‪،)22‬‬
‫‪1420‬هـ)‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل الثاني‬
‫صفة البدع خار القبر‬
‫وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬تعريف القبر وصفته الشرعية‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬صفة القبر الشرعية‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫س ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أن يضع َّمق ويضو َّ‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬اللحد والشق‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬نصب اللبن وتسويته على اللحد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬تسنيم القبر وتسجيحه‪.‬‬
‫شبرا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬رف القبر ً‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬وض الحصباء على القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬رع الماء على القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثامن‪ :‬تعليم القبر حتى يضعرف‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬المخالفات خار القبر‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬التفريق بين قبر الرىل والمرأة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬الكتابة على القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬رف القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬التىصي ‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬تجيين القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬وض الستور على القبر‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪84‬‬

‫المبح األول‬
‫تعريف القبر وصفته الشرعية‬
‫* المجلب األول‪ :‬تعريف القبـر‪:‬‬
‫القبر‪ :‬حفرة في األرس يوارن فيها الميت‪ .‬والقبر أصــل صــحيح‪ ،‬يدل على‬
‫غمو في شـيء وتجامن ‪ ،)1‬فهو مدفن ا نسـان‪ ،‬وىمعه قبور‪ ،‬وموضـعها‪ :‬المقبرة‪:‬‬
‫بفتح الباء وضمها ‪.)2‬‬
‫الفراء ‪ )3‬أي‪ :‬ىعـل لـه ً‬
‫قبرا يوارن فيـه إكرا ًمـا‪ ،‬ولم يىعلـه ممـا يلقى على‬ ‫قـال َّ‬
‫‪)4‬‬
‫وىه األرس تهكله الجير ‪ ،‬وورد القبر في السـنة في قوله ﷺ‪ :‬اللهم إني أعوذ بك‬
‫من عذاب القبر» الحدي ‪ ،)5‬وقد وردت لف ة القبر في الســنة فيما ال يحصــى‪ ،‬ورد‬
‫بعضها في هذه الرسالة‪.‬‬
‫وورد ذكر القبر في الشعر‪:‬‬
‫أعجاز عليه ركود‬
‫ٍ‬ ‫رمس‬ ‫سوى‬ ‫***‬ ‫أزور وأعتاد القبددددددور و‬
‫أرى‬
‫(‪)6‬‬
‫لدددددددددددددددكددددددل أناس مقبر *** فهم ينقصون والقبور تزيدد‬
‫بانا هدم‬
‫قال األعشى ‪:)7‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مادة قبر في مقايي اللغة‪ ،‬ألبي الحسن أحمد بن فار ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬قبر‪.‬‬
‫‪ )3‬أبو كريـا يحيى بن يـاد بن عبـد هللا بن من ور األســـــدي‪ ،‬موالهم الكوفي الفراء‪ ،‬ولـد ســــنـة‬
‫‪144‬هـــ)‪ ،‬والفراء‪ :‬نسبة إلى خياجة الفرو وبيعه‪ ،‬وقيل‪ :‬عرف بالفراء؛ ألنه كان يفري الكالم‪،‬‬
‫مات بجريق الحج سنة ‪207‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])121 -118 /10‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬تفسير الجبري ‪.)190 /19‬‬
‫‪ )5‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب التعوذ من عذاب القبر‪ ،‬رقم‪.)1311 /‬‬
‫‪ )6‬هو لعبد هللا بن ثعلبة الحنفي كما في الصــحا ‪ ،‬واللســان‪ :‬قبر) ورواه الىوهري‪ :‬ســون رم‬
‫أعىا عليه ركود‪.‬‬
‫‪ )7‬هو أبو بصـير‪ ،‬ميمون بن قي ‪ ،‬من سـعد بن ضـبيعية بن قي ‪ ،‬من فحول شـعراء الىاهلية‪ ،‬كان‬
‫يســمى‪ :‬صــناىة العرب؛ لىودة شــعره‪ ،‬وكان أعمى‪ ،‬أدرك ا ســالم في آخر عمره‪ ،‬ورحل إلى‬
‫النبي ﷺ؛ ليسـلم‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنه يحرم الخمر وال نا‪ ،‬فقال‪ :‬أتمت بهما سـنة ثم أسـلم‪ ،‬فمات قبل ذلك‬
‫باليمامة‪ ،‬مات سنة ‪6‬هـ) تقريبًا‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الشعر والشعراء ‪ )257 /1‬البن قتيبة‪ ،‬وان ر‪ :‬خ انة األدب ‪.])175 /1‬‬
‫‪85‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ولددم ينقددل إلى قابددر‬ ‫عددا‬ ‫***‬ ‫لدو أسندت ميت ًا إلى نحرفدا‬
‫(‪)1‬‬

‫معان متعددة‪ ،‬من أشـــهرها‪ :‬الضـــريح ‪،)2‬‬


‫ٍ‬ ‫والقبر في لغة العرب له‬
‫‪ ،)3‬ومنها‪ :‬الىد ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [القمر‪:‬‬ ‫ومنها‪ :‬الرم‬
‫‪.)4 ]7‬‬
‫معان كثيرة أعرضت عنها خشية ا جالة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫والقبر له في لغة العرب‬

‫‪.)93 /‬‬ ‫ر‪ :‬ديوان األعشى‪،‬‬ ‫‪ )1‬ان‬


‫‪ ،‬ألبي الحسين ابن سيده‪.‬‬ ‫ر‪ :‬كتاب السالم‪ ،‬باب القبر والدفن في المخص‬ ‫‪ )2‬ان‬
‫ر‪ :‬المرى السابق ومقايي اللغة رم )‪.‬‬ ‫‪ )3‬ان‬
‫ر‪ :‬القامو مادة ىد )‪.‬‬ ‫‪ )4‬ان‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪86‬‬

‫المبح الثاني‬
‫صفة القبر الشرعية‬
‫قبل أن نتح َّد عن الصــفة الشــرعية للقبر‪ ،‬يىدر بنا التمهيد لهذا الموضــوع‬
‫ببيـان الحكمـة من الـدفن؛ ألن هللا ىـل وعال) ال يشـــــرع لعبـاده إال مـا فيـه حكمـة‪ ،‬ألنـه‬
‫ىل وعال) من َّ ه عن العب ‪.‬‬
‫والحكمة من الدفن واضـــحة و اهرة ال تحتا إلى تكلف أو تشـــدد أو تعنت‪،‬‬
‫ومن الحكم الىليَّة التي شهدت لها األدلة الشرعية‪:‬‬
‫‪ )1‬ســـــتر الم عيـت‪ :‬قـال تعـالى‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المـائـدة‪،]31 :‬‬
‫والسـوءة هنا‪ :‬إما العورة‪ ،‬وإما ىسـد الميت؛ ألن الحي إذا رآه على هذه الصـورة سـاءه‬
‫المن ر وأوحشه ‪.)1‬‬
‫‪ )2‬تكريم الميـت وصــــيـانـة حرمتـه؛ ألن تركـه بـدون دفن فيـه هتـك لحرمتـه‪،‬‬
‫وإساءة لـه‪.‬‬
‫‪ )3‬حتى ال يتذن األحيـاء بىيفتـه؛ ألنـه إذا تضرك على هيئتـه التي مـات عليهـا‪،‬‬
‫ته َّذن النا من رائحته ‪.)2‬‬
‫ولـذا أىم العلمـاء على وىوب دفن أموات المســـــلمين‪ ،‬كمـا حكـاه ابن المنـذر‬
‫‪ ،)3‬حيـ قــال‪ :‬لم يختلف مم ِن أحف ض عنهم من أهــل العلم‪ ،‬أن دفن الموتى واىــب‬
‫وال م على النا ‪ ،‬ال يســعهم ترك ذلك عند ا مكان ووىود الســبيل إليه‪ ،‬ومن قام به‬
‫سقج فرس ذلك عن سائر المسلمين» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬أحكام القرآن البن العربي ‪ ،)589 /2‬وتفسير المنار ‪ ،)346 /6‬لمحمد رشيد رضا‪ ،‬ومحاسن‬
‫التهويل ‪ )162 /6‬للقاسمي‪.‬‬
‫‪ )2‬المىموع شـــــر المهـذب ‪ )281 /5‬لإلمـام محيي الـدين النووي‪ ،‬والمحلى بـااثـار ‪)117 /5‬‬
‫لإلمام ابن ح م علي األندلسي‪ ،‬وشر منتهى ا رادات ‪ )348 /1‬للبهوتي‪.‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬محمد بن إبراهيم بن المنذر‪ ،‬ولد سنة ‪242‬هـــ)‪ ،‬وقد تلقى العلم على علماء عصره‪ ،‬فبرع‬
‫بالحدي والفقه‪ ،‬قال عنه النووي‪ :‬بلغ االىتهاد المجلق‪ .‬لـــــه متلفات ع ام‪ ،‬منها‪ :‬تفسير القرآن‬
‫في بضعة عشر مىلدًا‪ ،‬وغيره من الكتب‪ ،‬توفي سنة ‪318‬هـ) بمكة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ ،)490 /14‬وفيات األعيان ‪ )207 /4‬الن خلكان]‪.‬‬
‫‪ )4‬األوسـج في السـنن وا ىماع واالختالف ‪ )450 /5‬البن المنذر‪ ،‬تحقيق الدكتور‪ :‬صـغير أحمد‬
‫حنيف‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقال النووي ‪ :−‬أما األحكام ففيه مســــائل‪ ،‬أحدها‪ :‬دفن الميت فرس كفاية‬
‫جـل؛ أثم بـه كـل من دخـل في ذلـك الفرس‬ ‫علم أن فرس الكفـايـة إذا تع َّ‬ ‫بـا ىمـاع‪ ،‬قـد ض‬
‫‪)1‬‬
‫دون غيرهم» ‪.‬‬
‫‪)2‬‬
‫ولقد ثبت عنه ﷺ األمر في ذلك‪ ،‬فيما رواه أبو ســـعيد الخدري ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ﷺ‪ :‬اذهبوا فادفنوا صاحبكم» ‪.)3‬‬
‫واألحادي في ذلك كثيرة؛ لذا شـــــرع هللا دفن الموتى‪ ،‬فهصـــــبح من ســـــنن‬
‫المســلمين بعد أن ضــلَّت عنه كثير من األمم؛ فالفراعنة المصــريون كانوا يضــيقون‬
‫بموتاهم فيضـجرون لتحنيجهم‪ ،‬وبعس األمم البائدة في شـرق الى يرة كانوا يضـعون‬
‫أمواتهم في الفخار‪ ،‬وبعضــهم يربجون موتاهم على هيئة القرفصــاء‪ ،‬ويضىلســونهم في‬
‫غرف مبنية على هيئة القباب‪ ،‬وبعضـهم يسـتعمل التابوت‪ ،‬ومن الشـعوب الضـالة من‬
‫يحرق ىثـ الموتى بـالنـار‪ ،‬وفي بعس واليـات أمريكـا أفران خـاصـــــة لحرق ىثـ‬
‫الموتى‪.‬‬
‫وفي رســـــالـة األحـاديـ الواردة» ذكر متلفهـا أنـه رأن في إحـدن المـدن‬
‫األمريكية بعس هذه األفران‪ ،‬وبيَّن أن جول الفرن نحو مترين‪ ،‬وعرضــــه متر وكذا‬
‫ارتفـاعـه‪ ،‬ولــــــــــه بـاب من أحـد جرفيـه يفتح آليـًّا‪ ،‬وتوضــــ فيـه ىثـة الم عيـت‪ ،‬ثم يغلق‬
‫ويســـتغرق الحرق أق َّل من ســـاعة‪ ،‬ثم يمك حتى يبرد‪ ،‬وبعد مضـــي ثال ســـاعات‬
‫أوان‬
‫ٍ‬ ‫يضكن الرماد والع ام ويجحن بمجحنة خاصـة حتى يصـبح كالدقيق‪ ،‬ويوضـ في‬
‫خاصـة معدنية أو بالسـتيكية كالىرار‪ ،‬ذات أشـكال ىمالية‪ ،‬يختار أولياء الميت منها ما‬
‫يروق لهم‪ ،‬وقـد تختم تلـك األواني فال يمكن فتحهـا‪ ،‬وقـد يترك لهـا غجـاء قـابـل للفتح‬
‫بحســــب الجلب‪ ،‬وقد يقوم أولياء الميت بدفن هذه اانية‪ ،‬أو االحتفا بها وعرضــــها‬
‫ضمن ما يعرس من تحف المن ل للذكرن ‪.)4‬‬
‫أيضـــــا‪ :‬إن بعس القبـائـل الوثنيـة في إفريقيـا ال ي الون يـهكلون ىثـ‬‫ً‬ ‫وقـال‬
‫موتاهم ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬المىموع شر المهذب ‪.)282 /5‬‬


‫‪ )2‬هو‪ :‬سـعيد بن مالك بن سـنان الخ رىي األنصـاري‪ ،‬ضر َّد يوم أحد لصـغر سـنه‪ ،‬ثم أىي بعد ذلك‪،‬‬
‫توفي بالمدينة سنة ‪64‬هـ)‪ ،‬وقيل‪74 :‬هـ)‪ .‬أسد الغابة ‪.)451 /2‬‬
‫‪ )3‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬باب قتل الحيات وغيرها‪ ،‬رقم‪.)2236 /‬‬
‫‪ )4‬األحادي الواردة في القبور ‪ )124 ،123‬لصال بن عبد اللجيف العيسى‪ ،‬رسالة ماىستير‪.‬‬
‫‪ )5‬المصدر السابق‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪88‬‬

‫ولذا فال عىب أن يتمي ا ســـالم عن غيره في أســـلوب الدفن‪ ،‬فما الصـــفة‬
‫الشـرعية للدفن؟‪ ،‬وما الصـفة الشـرعية للقبر؟‪ ،‬هذا ما سـوف نتناوله ‪-‬بمشـيئة هللا‪ -‬في‬
‫السجور القادمة‪.‬‬
‫س ‪:‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬أن يضع َّمق ويو َّ‬
‫وذلك لقولــــــه ﷺ‪ :‬احفروا وأوسـعوا‪ ،‬واىعلوا الرىلين والثالثة في القبر»‬
‫‪.)1‬‬
‫س من عقبل رىليه‬ ‫ولذا أوصـى عمر أن يع َّمق القبر قدر قامة وبسـجة‪ ،‬وأن يو ـَّ‬
‫ورأسه ‪ ،)2‬والمراد بقولــه‪ :‬قامة وبسجة)‪ :‬أن يقف فيه رىل معتدل القامة ويرف يديه‬
‫إلى فوق رأسه ما أمكنه‪.‬‬
‫وقال النووي‪ :‬وقدَّر أصــحابنا القامة والبســجة بهرب أذرع ونصــف‪ ،‬هذا هو‬
‫المشـهور في قدرهما‪ ،‬وبه قج الىمهور‪ ،‬وذهب الحنابلة‪ :‬إلى أن التعميق لي لــــــه‬
‫حـد؛ ألن األحـاديـ لم تحـدد مقـدار العمق‪ ،‬وهنـاك من حـددهـا بثالثـة أذرع ونصـــــف‪،‬‬
‫وهناك من حددها بقدر نصـــف القامة‪ ،‬وعلَّة من حدَّدوها؛ أن في ذلك صـــيانة للميعت‪،‬‬
‫وأال ينبشه سب وال ت هر رائحته‪ ،‬وأن يصعب نبشه على من يريد سرقة كفنه ‪.)3‬‬
‫والـذي ي هر ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬عـدم تحـديـده بمقـدار معيَّن؛ ألن في التحـديـد مشــــقـة‬
‫اهرة وتحكم بال دليل‪ ،‬قال مالك ‪ :−‬لم يبلغني في عمق قبر الميت شـــيء موقوف‬
‫ي أال يكون عميقـة ىـدًّا‪ ،‬وال قريبـة من أعلى األرس ىـدًّا» ‪ .)4‬وأمـا مـا‬ ‫عليـه‪ ،‬وأحـبن إل َّ‬
‫ورد عن عمر أنه أوصـى أن يعمق قبره قامة وبسـجة‪ ،‬فهو ضـعيف كما مر معنا؛ فال‬
‫يصح االحتىا به‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬توسي القبر من قعبل الرأ والرىلين‪:‬‬
‫ويســتحب أن يوس ـ القبر من قعبل الرأ والرىلين؛ لقولـــــــه ﷺ لحافر القبر‪:‬‬
‫أوس من قبل رىليه‪ ،‬أوس من قبل رأسه» ‪.)5‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬اللَّحد والشق‪:‬‬

‫‪ )1‬رواه أبو داود‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب في تعميق القبر‪ ،‬رقم‪ .)3215 /‬وصـــــححـه األلبـاني في‬
‫ا رواء رقم‪ .)743 /‬وأورد عدة روايات بهلفا مختلفة في الموض نفسه‪.‬‬
‫‪ )2‬أورده ابن أبي شيبة ‪ ،)207 /3‬وابن المنذر في األوسج ‪.)454 /5‬‬
‫‪ )3‬المىموع ‪ ،)287 /5‬وكشـــــاف القنـاع على متن ا قنـاع ‪ )605 /1‬للبهوتي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫واألوسج ‪ ،)454 /5‬واللباب في تهذيب األنساب ‪ )105 /1‬للى ري‪.‬‬
‫‪ )4‬األوسج ‪ .)454 /5‬هكذا وىدتها في األوسج‪.‬‬
‫‪ )5‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب في اىتناب الشــــهوات‪ ،‬رقم‪ ،)3332 /‬وأحمد في المســــند ‪/5‬‬
‫‪ ،)408‬وصــححه النووي في المىموع ‪ ،)286 /5‬والحاف ابن حىر في التلخي ‪ ،‬رقم‪،)780 /‬‬
‫واأللباني في السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم‪.)754 /‬‬
‫‪89‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫واللَّحـد هو‪ :‬أن يضحفر في أرس القبر ممـا يلي القبلـة مكـان يوضــــ فيـه الميـت‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أن يضحفر في حائج من أسفله إلى ناحية القبلة قدر ما يوض الميت فيه ويستره‪ .‬هذا‬
‫معناه في االصجال ‪.)1‬‬
‫شق‪ ،‬بفتح الشين‪ ،‬فهو أن يحفر إلى أسفل كالنهر‪.‬‬ ‫وأما ال َّ‬
‫وقد أىم العلماء على أن الدفن في اللحد وفي الشق ىائ ان‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬ولكن إن كانت األرس صـلبة ال ينهار ترابها فاللحد أفضـل‪ ،‬وإال‬
‫فالشق أفضل» ‪.)2‬‬
‫ضوضـــ ض فيه‬
‫شـــق ي م‬ ‫وقال ابن قدامة ‪ :)3‬ومعنى َّ‬
‫الشـــق أن يضحِ ف ممر في أرس القبر م‬
‫ف عليه بشيء) ‪.)4‬‬ ‫سقَّ ض‬
‫الميتض ‪ ،‬ويض م‬
‫هذا هو معنى اللحد والشـــق‪ ،‬أما ما ورد فيهما من الســـنة‪ ،‬فاألحادي كثيرة‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ )1‬ما ورد عن سعد بن أبي وقا ‪ )5 ‬أنه قال في مرضه الذي هلك فيه‪:‬‬
‫ص ـن برســول هللا ﷺ »‬
‫ألحدوني لحدًا‪ ،‬وانصــبوا علي اللبن نص ـبًا‪ ،‬كما ض‬
‫‪.)6‬‬
‫‪ )2‬ومـا رواه أن بن مـالـك ‪ ،)7‬قـال‪ :‬لمـا تضوفي النبي ﷺ كـان بـالمـدينـة رىـل‬
‫يم ِلح ضد وآخر يم ِ‬
‫ض ـ مر ض ‪ ،‬فقالوا‪ :‬نســتخير ربنا ونبع إليهما‪ ،‬فهيهما ســبق تركناه‪ .‬فهرســل‬

‫‪ )1‬المىموع ‪ ،)287 /5‬والمغني ‪.)427 /3‬‬


‫‪ )2‬مختصر المىموع شر المهذب ‪ )159 /5‬اختصار الشيإل سالم عبد الغني الرافعي‪.‬‬
‫ســنة ‪540‬هـــــــ)‪،‬‬ ‫‪ )3‬هو‪ :‬موفق الدين أبو محمد عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة‪ ،‬ولد ‪ −‬بنابل‬
‫وتلقى العلم على علماء عصـره‪ ،‬وقد شـغل ‪ −‬بالتهليف في أصـول الدين‪ ،‬وأصـول الفقه‪ ،‬والتفسـير‪،‬‬
‫أىل كتبه المغني) توفي ‪620‬هـ)‪.‬‬
‫والحدي ‪ ،‬ومن ع‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ ،)165 /22‬ومقدمة المغني]‪.‬‬
‫‪ )4‬المغني ‪.)482 /3‬‬
‫‪ )5‬هو‪ :‬الصـحابي الىليل سـعد بن أبي وقا بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن هرة‪ ،‬القرشـي‪.‬‬
‫أحد العشـرة المبشـرين بالىنة‪ ،‬وهو أول من رمى بسـهم في سـبيل هللا‪ ،‬وأحد السـتة الذين عينهم‬
‫عمر للشورن‪ ،‬مناقبه كثيرة‪ ،‬توفي ‪ ‬سنة ‪ 55‬هـ) في المدينة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬ا صابة ‪ ،)32 /2‬التقريب ‪.])2272‬‬
‫‪ )6‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب في اللحد ونصب اللبن على الميت‪ ،‬رقم‪.)966 /‬‬
‫‪ )7‬هو‪ :‬صــاحب رســول هللا ﷺ‪ ،‬أن بن مالك بن النضــر‪ ،‬من بني النىار‪ ،‬خادم رســول هللا ﷺ‪،‬‬
‫وآخر أصــــحابه موتًا‪ ،‬رون الكثير من أحادي رســــول هللا ﷺ‪ ،‬بلغت حوالي ‪ )2286‬حدي ‪،‬‬
‫مات سنة ‪93‬هـــــ) ولـــــه من العمر ‪ )103‬سنة‪ ،‬وكان مولده قبل الهىرة بعشر سنين‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫سير أعالم النبالء ‪ ،)395 /3‬جبقات ابن سعد ‪.])17 /7‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪90‬‬

‫إليهما فســبق صــاحب اللحد‪ ،‬فلحدوا للنبي» ‪ ،)1‬وفي رواية أخرن‪ :‬أنه كان بالمدينة‬
‫رىالن أحدهما مي ِلحد وااخر يشق» ‪.)2‬‬
‫شق لغيرنا» ‪ ،)3‬ولما ورد‬ ‫واللحد أفضل من الشق؛ لقولـــه ﷺ‪ :‬اللَّحد لنا وال َّ‬
‫‪)4‬‬
‫عن عمر أنه قال‪ :‬إذا ىعلتموني في اللحد‪ ،‬فهفضوا بخدي إلى األرس» ‪.‬‬
‫قال أحمد‪ :‬وال أحب الشق» ‪.)5‬‬
‫وألن هللا ىل وعال) ال يختار لنبيه إال األفضل واألكمل‪.‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬نصب اللَّبعن وتسويته على اللحد‪:‬‬
‫َّ‬
‫وبعد أن يوضــ الميت في قبره‪ ،‬ويوضــ عليه اللبعن‪ .‬قال في المغني‪ :‬وإن‬
‫ىعـل مكـان اللَّ عبن قصــــبـًا ‪ )6‬فحســـــن‪ ،‬وكان أبو عبـد هللا يميـل إلى اللَّ عبن ويختـاره على‬
‫القصــب‪ ،‬ثم ترك ذلك‪ ،‬ومال إلى اســتحباب القصــب‪ ،‬وأما الخشــب فكرهه على كل‬
‫حال‪ ،‬ور َّخ فيه عند الضـرورة إذا لم يوىد غيره‪ ،‬وأكثر الروايات عن أبي عبد هللا‬
‫اسـتحباب اللَّبعن وتقديمه على القصـب؛ لقول سـعد‪ :‬انصـبوا علي اللَّبعن نصـبًا كما صـن‬
‫برســـــول هللا ﷺ » ‪ .)7‬وقـال حنبـل ‪ : )8‬قلـت ألبي عبـد هللا‪ :‬فـإن لم يكن لبن؟ قـال‪:‬‬
‫ينصب عليه القصب والحشيع‪ ،‬وما أمكن من ذلك‪ ،‬ثم يهال عليه التراب» ‪.)9‬‬

‫‪ )1‬رواه ابن ماىه‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في الشـــق‪ ،‬رقم‪ ،)1557 /‬وصـــححه األلباني في‬
‫صحيح ابن ماىه‪ ،‬رقم‪.)1264 /‬‬
‫‪ )2‬قال الحاف ‪ :‬رواه أحمد وابن ماىه‪ ،‬وإسناده حسن‪ ،‬تلخي الحبير ‪.)782‬‬
‫‪ )3‬أخرىـه أبوداود‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب في اللحـد‪ ،‬رقم‪ ،)3208 /‬وابن مـاىـه‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب‬
‫مـا ىـاء في اســـــتحبـاب اللحـد‪ ،‬رقم‪ ،)1555 /‬وقـال األلبـاني في أحكـام الىنـائ وبـدعهـا‪ :‬أخرىـه‬
‫أبوداود‪ .‬ثم قال‪ :‬بسند ضعيف‪ ،‬كما قال الحاف ‪ ،‬وصححه ابن السَّكن‪ ،‬ولعله لشواهده وجرقه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬وارتقى إلى درىة الحســن‪ ،‬بل الصــحيح‪ .‬أحكام الىنائ ‪ ،)184‬كما صــححه في صــحيح‬
‫ابن ماىه ‪ ،)1261 ،1261‬وقد أىاد الشـيإل صـال العيسـى في تخريج هذا الحدي في رسـالته‬
‫‪.)436-427 /‬‬ ‫األحادي الواردة في القبور» وأجال النف‬
‫‪ )4‬أورده في المغني‪ ،‬وبحثت في مصــــدره فلم أىده‪ ،‬وكذلك أعرس عن تخريىه المغني‪ .‬المغني‬
‫‪.)428 /3‬‬
‫‪ )5‬المرى السابق‪.‬‬
‫ضــرب من‬ ‫‪ )6‬اللَّ عبن‪ :‬واحدها‪ :‬اللبنة‪ ،‬بفتح الالم وكســر الباء‪ ،‬وهي التي يبنى بها الىدار‪ ،‬وهي ما ض‬
‫آىرا‪ .‬النهاية ‪،)230 ،229 /4‬‬ ‫الجين مربعًا للبناء قبل أن يشــون بالنار‪ ،‬فإذا شــون بها ســمي ً‬
‫وكشـــاف القناع ‪ .)606 /1‬والقصـــب‪ :‬كل نبات ذي أنابيب‪ ،‬واحدتها قصـــبة) وكل نبات كان‬
‫ساقه أنابيب وكعوبًا‪ ،‬فهو قصب‪ .‬اللسان‪ ،‬في‪ :‬قصب)‪.‬‬
‫‪.)133 /‬‬ ‫‪ )7‬سبق تخريىه‬
‫‪ )8‬هو‪ :‬حنبل بن إســـحاق بن حنبل بن هالل‪ ،‬الشـــيباني‪ .‬أبو علي من حفا الحدي ‪ ،‬وهو ابن عم‬
‫ا مام أحمد بن حنبل وتلميذه‪ ،‬وهو من المحدثين الثقات األثبات‪ ،‬ولـــــه مسائل كثيرة عن أحمد‪،‬‬
‫فيها تفرد وإغراب‪ ،‬خر من بغداد إلى واسج‪ ،‬فمات سنة ‪273‬هـــــ)‪ .‬سير أعالم النبالء ‪/13‬‬
‫‪.)51‬‬
‫‪ )9‬المغني ‪ ،)429 /3‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقال النووي ‪ :−‬والسـنة أن ينصـب اللَّ عبن على المنفتح من اللحد؛ بحي يسـد‬
‫ىمي المنفتح‪ ،‬ويسـد الفض مر بقج اللَّبعن ونحوه‪ ،‬ويسـد الفض مر ع‬
‫اللجاف بحشـيع أو نحوه‪،‬‬
‫وقال ىماعة من أصحابنا‪ :‬أو بجين‪ ،‬وهللا أعلم) ‪.)1‬‬
‫وذلك لحدي سـعد المتقدم ‪ )2‬وغيره من األحادي التي أعرضـتض عنها خشـية‬
‫ا جالة‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬ال به من اســـــتخـدام ا ع ذخر) ‪ ،)3‬وذلك لمـا روي عن ابن عبـا‬
‫حرم هللا م َّكـة فلم تحـ َّل ألحـد قبلي‪ ،‬وال أحـد بعـدي‪ ،‬أضح َّلـت لي‬
‫َّ‬ ‫عن النبي ﷺ‪ ،‬أنـه قـال‪:‬‬
‫ضـد شـىرها‪ ،‬وال يضنمــــ ـ َّفر صـيدها‪ ،‬وال ت ض ِلتقج‬
‫سـاعة من نهار‪ ،‬ال ي ِضختملى خالها‪ ،‬وال يض ِع م‬
‫‪ )4‬إال ا ع ِذ عخــر‪ ،‬لصاغتنا ‪ ،)5‬وقبورنا؟ فقال‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫لضقجتها إال ض‬
‫لمــعم عرف‪ ،‬فقــال العبــا‬
‫إال ا ذخر» ‪.)6‬‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬تسنيم القبر وتسجيحه وعدم ال يادة على ترابه‪:‬‬
‫وبعد الفرا من وضـــ اللَّبعن‪ ،‬يضشـــرع بالدَّفن‪ ،‬ويضشـــرع أال يض اد على تراب‬
‫القبر؛ لما رواه ىابر‪ ،‬قال‪ :‬نهى رســــول هللا ﷺ أن يض ِبنمى على القبر أو يض اد عليه»‬
‫‪.)7‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬أحب أال يض اد في القبر تراب غيره؛ ألنه ارتف ىدًّا» ‪.)8‬‬

‫‪ )1‬المىموع ‪.)293 /5‬‬


‫‪.)135 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬وهو حشيع أخضر‪ ،‬جيب الرائحة‪ ،‬يسقف به البيوت فوق الخشب‪ .‬النهاية ‪.)33 /1‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬العبا بن عبد المجلب‪ ،‬عم رســول هللا ﷺ‪ ،‬قيل‪ :‬إنه أســلم قبل الهىرة وكتم إســالمه‪ .‬كان‬
‫شـــري ًفا مهابًا‪ ،‬جلب منه عمر ‪ ‬االســـتســـقاء‪ ،‬ولد قبل عام الفيل بثال ســـنين‪ ،‬وتوفي ســـنة‬
‫‪32‬هـ)‪ ،‬ولـه ست وثمانون سنة‪ .‬سير أعالم النبالء ‪ ،)87 /2‬جبقات ابن سعد ‪.)5 /4‬‬
‫سـبمكه سـباكة‪ .‬اللسـان‪،‬‬
‫غا وصـياغة‪ ،‬أي‪ :‬م‬ ‫غه صـو ً‬‫يصـو ض‬
‫صـوا الحلي‪ ،‬من صـا الشـيء ض‬ ‫‪ )5‬أي‪ :‬ض‬
‫والقامو في صو )‪.‬‬
‫‪ )6‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب ى اء الصـيد‪ ،‬باب ال ينفر صـيد الحرم‪ ،‬رقم‪ ،)1833 /‬ومسـلم‪ ،‬كتاب‬
‫الحج‪ ،‬باب تحريم مكة‪ ،‬رقم‪.)1353 /‬‬
‫‪ )7‬رواه النســــائي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ال يادة على القبر‪ ،‬رقم‪ ،)2027 /‬وصــــححه األلباني في‬
‫سنن النسائي رقم‪.)2027 /‬‬
‫‪ )8‬األم ‪.)245 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪92‬‬

‫وقال أحمد‪ :‬ال يض اد على القبر من تراب غيره إال أن يســــتوي باألرس فال‬
‫يعرف فكهنه رخ بذلك» ‪.)1‬‬
‫أما مسهلة التسنيم والتسجيح‪ ،‬فقد اختلف العلماء أيهما أفضل؟‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬ذهب بعس أهل العلم إلى أن التســـجيح أفضـــل؛ لما روي عن‬
‫القاســم بن محمد ‪ ،)2‬أنه قال‪ :‬دخلت على عائشــة فقلت‪ :‬يا عأمي اكشــفي لي عن قبر‬
‫النبي ﷺ وصــــاحبيه فكشــــفت لي عن ثالثة قبور‪ ،‬ال ضم ِشــــ عرفمة ‪ ،)3‬وال ع‬
‫الجئمة ‪،)4‬‬
‫ص عة ‪ )5‬الحمراء» ‪.)6‬‬‫اء العم ِر م‬ ‫جو محة بعبم ِ‬
‫ج مح ع‬ ‫مم ِب ض‬
‫وفي رواية في المسـتدرك»‪ :‬فرأيتض رسـول هللا ﷺ ضمقم َّد ًما‪ ،‬وأبا بكر رأ ض‬
‫سـهض‬
‫سهض عند عرىِ علي النبي ع ﷺ » ‪.)7‬‬ ‫بين مكتعفم ِي رسول هللا ﷺ‪ ،‬و ض‬
‫ع ممر رأ ض‬
‫والقول الثـاني‪ :‬أن التســـــنيم أفضـــــل‪ ،‬وبـه قـال مـالـك وأبو حنيفـة‪ ،‬وهو مـذهـب‬
‫الحنابلة‪ .‬ويستدلون بما رواه سفيان التمار ‪ ،)8‬أنه قال‪ :‬رأيت قبر النبي ﷺ مسنَّ ًما»‬
‫‪.)9‬‬
‫وعند اسـتعراس هذه األقوال يتضـح ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن التسـنيم أفضـل؛ ألن هذه‬
‫ااثار فيما ي هر أنها ال تضــاد بينها‪ ،‬قال ابن القيم ‪ :−‬وهذه ااثار ال تضــاد بينها‪،‬‬

‫‪ ،)158 /‬تحقيق‪ :‬السيد محمد رضا‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مسائل ا مام أحمد ألبي داود‪،‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬القاسـم بن محمد بن أبي بكر الصـديق‪ ،‬من الفقهاء السـبعة‪ ،‬ولد في خالفة علي‪ ،‬وتوفي سـنة‬
‫‪ .)105‬سير أعالم النبالء ‪ ،)53 /5‬وجبقات ابن سعد ‪.)187 /5‬‬
‫‪ )3‬ليست مرتفعة‪ ،‬وقيل‪ :‬ليست عالية أكثر من شبر‪ .‬ان ر‪ :‬المىموع ‪.)296 /5‬‬
‫س‪ ،‬كمن ‪ ،‬وفر ‪ ،‬باألرس‪ ،‬أي‪ :‬لصــق بها‪،‬‬ ‫جهم‪ ،‬ولمجع م‬
‫‪ )4‬ليســت مســتوية على وىه األرس‪ ،‬يقال‪ :‬لم م‬
‫جو ًءا‪ .‬الفـائق في غريـب الحـديـ ‪ ،)74 /2‬النهـايـة ‪ ،)83 /1‬المىموع ‪،)296 /5‬‬ ‫جـا‪ ،‬ولض ض‬
‫لم ً‬
‫ان ر‪ :‬الفائق في غريب الحدي ‪ )74 /2‬لل مخشري‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم شم الدين‪.‬‬
‫صـة‪،‬‬
‫‪ )5‬مبجوحة‪ :‬أي ملقاة فيها البجحاء‪ ،‬وهي الحصـى الصـغار‪ ،‬وبجحاء العرصـة‪ :‬أي رمل العم ِر م‬
‫صـات‪ ،‬والبجحاء‪ :‬مسـيل‬ ‫ع مر م‬
‫وهي موضـ ‪ ،‬والعم ِرصـة‪ :‬كل موضـ واسـ ال بناء فيه‪ ،‬والىم ‪ :‬م‬
‫واســ فيه دقاق الحصــى‪ ،‬والحمراء‪ :‬صــفة للبجحاء‪ ،‬أو العرصــة‪ .‬ان ر‪ :‬عون المعبود شــر‬
‫حدي رقم‪.)3204 /‬‬
‫‪ )6‬أخرىه أبو داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب في تســـوية القبر‪ ،‬رقم‪ )3220 /‬وقد ضـــعفه األلباني في‬
‫نقوالت بيت األفكار على سنن أبي داود نف رقم الحدي ‪.‬‬
‫‪ )7‬الحاكم في المســتدرك ‪ .)525 /1‬وقال الحاكم‪ :‬صــحيح‪ .‬وأقم َّره الذهبي‪ ،‬وصــححه النووي في‬
‫المىموع ‪.)296 /5‬‬
‫‪ )8‬هو‪ :‬ســفيان بن دينار التمار‪ ،‬أبو ســعيد الكوفي‪ ،‬قال عنه يحيى بن معين‪ :‬ســفيان ثقة‪ .‬كذلك قال‬
‫أبو رعة‪ .‬تهذيب الكمال‪.)215 /3 :‬‬
‫‪ )9‬أخرىـه البخـاري‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في قبر النبي ﷺ وأبي بكر وعمر ‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪ .)1389‬وان ر‪ :‬هذه األقوال في المغني ‪ ،)437 /3‬والمىموع ‪.)297 ،296 /5‬‬
‫‪93‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫واألمر بتســوية القبور إنما هي تســويتها باألرس‪ ،‬وأال ترتف مشــرفة عالية‪ ،‬وهذا ال‬
‫ـيرا عن األرس‪ ،‬ولو قضدعر تعارضـها‪ ،‬فحدي سـفيان بن دينار‬‫يناقس تسـنيمها شـيئًا يس ً‬
‫‪)1‬‬
‫التمار أصح من حدي القاسم» ‪.‬‬
‫قال المعلمي ‪ :− )2‬إن الهيئة المشـــروعة التســـنيم‪ ،‬وال اهر أن تلك الحال‬
‫َّ‬
‫مسجحة» ‪.)3‬‬ ‫هي التي وضعت عليها القبور؛ ألنه لم يثبت أنها كانت‬
‫شبرا‪:‬‬
‫* المجلب الساد ‪ :‬رف القبر ً‬
‫لحد لـــــــه لحد‪،‬‬‫ض‬
‫ويســتحب رف القبر قدر شــبر؛ لحدي ىابر أن النبي ﷺ أ ع‬
‫نحوا من شبر ‪.)4‬‬
‫ورف قبره من األرس ً‬ ‫ونضصب عليه ع‬
‫اللبعن نصبًا‪ ،‬ض‬
‫* المجلب الساب ‪ :‬وض الحصباء على القبر‪:‬‬
‫الحصــباء‪ :‬هي صــغار الحصــى‪ ،‬وال به من وضــعها على القبر؛ ألن ذلك‬
‫أثبت لــــــه‪ ،‬وأبعد عن اندراسـه‪ ،‬كما أن فيه محاف ة عليه من أن تضذهعب الريح ترابه‪،‬‬
‫وذلـك لمـا ورد عنـه ﷺ‪ :‬أنـه رع على قبر ابنـه المـاء‪ ،‬ووضــــ عليـه حصــــبـاء من‬
‫حصباء العرصة ‪ ،)5‬ورف قبره قدر شبر) ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬معالم السنن ‪ .)338 /4‬بيروت‪ ،‬الجبعة األولى ‪1411‬هـ‪.‬‬


‫‪ )2‬هو‪ :‬عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلعمي العتمي اليماني‪ ،‬ولد ســــنة ‪1312‬هـــــــــ)‪ ،‬وتوفي ســــنة‬
‫‪1386‬هـــ)‪ ،‬كان ‪ −‬من األئمة األعالم في عصره‪ ،‬لـــه كتب ىلها في مخجوجات مكتبة الحرم المكي‪،‬‬
‫ومن أهم كتبه‪ :‬التنكيل)‪ .‬للم يد راى ‪ :‬مقدمة كتاب عمارة القبور)‪.‬‬
‫‪.)140 /‬‬ ‫‪ )3‬عمارة القبور‬
‫‪ )4‬رواه ابن حبان في صــــحيحه‪ ،‬رقم‪ .)2160 /‬صــــحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان‪ ،‬لءمير عالء الدين‬
‫علي بن بلبان‪ ،‬وقال األلباني‪ :‬ولــه شاهد مرسل عن صالح بن أبي األخضر‪ ،‬قال‪ :‬رأيت قبر رسول هللا‬
‫ـبرا أو نحو شـبر»‪ .‬رواه أبو داود في المراسـيل‪ .‬وصـالح هذا ضـعفه يحيى القجان وغيره‪ ،‬ويتيده ما‬ ‫ﷺش ً‬
‫سيهتي من النهي عن ال يادة على التراب الخار من القبر‪ ،‬فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر‬
‫التراب الذي أضخر من اللحد الذي شـ ـغملمه ىســـم الميت وذلك يســـاوي القدر المذكور في الحدي تقريبًا‪،‬‬
‫‪ )195 /‬لمحمـد نـاصــــر الـدين األلبـاني‪ ،‬والتلخي الحبير في تخريج‬ ‫ان ر‪ :‬أحكـام الىنـائ وبـدعهـا‬
‫أحادي الرافعي الكبير‪ ،‬البن حىر العسقالني‪ ،‬حدي رقم‪ ،)789 /‬تحقيق‪ :‬عبد هللا المدني‪.‬‬
‫‪ )5‬العرصــة‪ :‬هل كل موض ـ واس ـ ال بناء فيه‪ .‬ان ر‪ :‬شــر الجيبي على مشــكاة المصــابيح ‪/3‬‬
‫‪.)386‬‬
‫‪ )6‬أخرىه البيهقي في الســنن الكبرن‪ ،‬باب ال ي اد القبر على أكثر من ترابه ‪ ،)411 /3‬وإســناده‬
‫مرســــل ورىاله ثقات‪ .‬كما ذكر صــــاحب رســــالة األحادي الواردة ‪ ،)1042 ،1041‬وقال‬
‫المعلمي‪ :‬إبراهيم بن محمد ‪-‬أحد رىال ا سـناد‪ -‬أىمعت األمة على تضـعيفه إال ابن األصـبهاني‬
‫والشــافعي‪ .‬ثم قال‪ :‬وعلى كل حال فالرىل ضــعيف‪ ،‬وم هذا فالحدي مرســل‪ ،‬وفي االحتىا‬
‫بالمرسـل خالف ال حاىة لذكره‪ .‬عمارة القبور ‪ ،)121 ،120‬وقال األلباني‪ :‬وهو ضـعيف ىدًا‬
‫من أىل إبراهيم‪ ،‬ثم ذكر لــــــه جرقًا أخرن وقال عن أحدها‪ :‬هو صـحيح ا سـناد‪ ،‬إرواء الغليل‬
‫حدي ‪.)206 ،)754‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪94‬‬

‫وقال النووي‪ :‬ويســـتحب أن يوضـــ على القبر حصـــباء؛ وهو الحصـــى‬


‫قليال وإلقاء الحصى عليه‪ ،‬مشروع» ‪.)2‬‬ ‫الصغار» ‪ .)1‬وقال المعلمي‪ :‬رف القبر ً‬
‫* المجلب الثامن‪ :‬رع الماء على القبر‪:‬‬
‫وبعد دفن الميت‪ ،‬ووضــ الحصــباء‪ ،‬فال به من رع الماء على القبر؛ ألن‬
‫في رع الماء على القبر تسوية لــــه‪ ،‬ولما ورد في الحدي السابق أنه ﷺ رع على‬
‫قبر ابنه الماء ‪ .)3‬قال ابن قدامة‪ :‬ويســـتحب أن يرع على القبر ماء؛ ليلت ق ترابه»‬
‫‪.)4‬‬
‫وقـال النووي‪ :‬ويســـــتحـب أن يرع عليـه المـاء» ثم قـال‪ :‬ويكره أن يرع‬
‫عليه ماء الورد‪ ،‬وأن يجلى بالخلوف؛ ألنه إضاعة مال» ‪.)5‬‬
‫وقال المعلمي‪ :‬إن رع القبر مشروع» ‪.)6‬‬
‫ي أن الرع على القبر كـان‬ ‫وممـا يـدل على ىوا رع القبر بـالمـاء‪ ،‬مـا ضر عو م‬
‫ع على قبر النبي ﷺ‬ ‫على عهد رســــول هللا ﷺ‪ ،‬فعن ىابر بن عبد هللا ‪ ‬قال‪ :‬ضر َّ‬
‫رشـــا» قال‪ :‬وكان الذي رع الماء على قبره بالل بن ربا » ‪ ،)7‬وفي الحدي ‪:‬‬ ‫الماء ًّ‬
‫أن النبي ﷺ ضرع على قبره الماء» ‪.)8‬‬
‫* المجلب التاس ‪ :‬تعليم القبر حتى يضعرف‪:‬‬
‫ال به أن يوضـ على القبر عالمة؛ حتى يعرف فيض ار‪ ،‬وقد فعل ذلك رسـول‬
‫هللا ﷺ‪ ،‬وذلك أنه لما مات عثمان بن م عون ‪ ،)9‬وض ـ رســول هللا ﷺ على رأســه‬
‫حىارة وقال‪ :‬أتعلَّم بها قبر أخي‪ ،‬وأدفن إليه من مات من أهلي» ‪.)10‬‬

‫‪ )1‬المىموع ‪.)298 /5‬‬


‫‪ )2‬عمارة القبور ‪.)139‬‬
‫‪.140‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬المغني ‪.)436 /3‬‬
‫الجالء‪[ .‬ان ر‪ :‬المىموع ‪.])298 /5‬‬
‫‪ )5‬نوع من الدهان أو ع‬
‫‪ )6‬عمارة القبور ‪.)143‬‬
‫‪ )7‬أخرىه البيهقي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب رع الماء على القبور‪ )411 /3 ،‬السـنن الكبرن للبيهقي‪،‬‬
‫ورواه ابن حىر في التلخي ‪ ،‬وقـال‪ :‬فيـه الواقـدي‪ )133 /2 .‬رقم‪ ،)793 /‬وقـال األلبـاني في‬
‫ا رواء‪ :‬والواقـدي ضمتهم‪ )206 /3 .‬كـذلـك أورده األثر الـذي قبلـه‪ ،‬وقـال صـــــاحـب األحـاديـ‬
‫الواردة»‪ :‬إسناده ضعيف فيه الواقدي‪ ،‬وهو متروك‪.)1043 .‬‬
‫‪ )8‬ذكره ابن سعد في الجبقات الكبرن ‪ .)306 /2‬وذكر في األحادي الواردة لـــــه عدة مصادر‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬إسناده مرسل‪ ،‬ورىاله ثقات‪.)1043 ،1042 .‬‬
‫‪ )9‬هو عثمان بن م عون بن حبيب بن وهب الىمعي كان من ســــادة المهاىرين‪ ،‬أســــلم بعد ثالثة‬
‫رىال‪ ،‬وهاىر الهىرتين‪ ،‬توفي بعد بدر‪ ،‬وكان أول من دفن بالبقي ‪ ،‬ســـير أعالم النبالء‬ ‫ً‬ ‫عشـــر‬
‫‪ ،)153 /1‬وجبقات ابن سعد ‪.)286 /1‬‬
‫‪ )10‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب في ىم الموتى في قبر‪ ،‬والقبر يعلم‪ ،‬رقم‪،)3206 /‬‬
‫وقال األلباني في صـحيح سـنن أبي داود ‪ :)2745‬حسـن‪ .‬وقال صـاحب بدع القبور‪ :‬وإسـناد أبي‬
‫‪95‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وعن أن أن رســول هللا ﷺ أعلم قبر عثمان بن م عون بصــخرة ‪ ،)1‬وقال‬


‫يعلم‬
‫ابن قـدامـة‪ :‬وال بـه من تعليم القبر بحىر أو خشــــبـة‪ ،‬قـال أحمـد‪ :‬ال بـه أن ع‬
‫القبر عالمة يعرف بها) ‪.)2‬‬
‫م‬ ‫الرى ضل‬
‫وقال النووي ‪ −‬والســنة أن يىعل عند رأســه عالمة شــاخصــة من حىر أو‬
‫خشبة أو غيرهما‪ ،‬هكذا قاله الشافعي‪ ،‬والمصنف‪ ،‬وسائر األصحاب» ‪.)3‬‬
‫وقال المعلمي‪ :‬إن من المشروع إعالم القبر‪ ،‬إذ اضحتيج إلى معرفته بعد ذلك؛‬
‫جا‪ ،‬وذلك بهال توضـ فوق القبر‪ ،‬بل بىانبه عند الرأ ‪،‬‬ ‫لقصـد شـرعي‪ ،‬ثم ذكر شـرو ً‬
‫وأال ت يـد عن قـدر الحـاىـة ال في القـدر وال في الهيئـة‪ ،‬فـإن اختـل شـــــرج من هـذه‬
‫الشـــــروج‪ ،‬لم يكن في الحـديـ داللـة على الىوا ‪ ،‬وفي غيره من األدلـة التي ذكرنـا‬
‫بعضها في هذه الرسالة ما يدل على المن » ‪.)4‬‬
‫وقـد ذكره بعس أهـل العلم كراهيـة التعليم على القبر‪ .‬فعن إبراهيم ‪ )5‬قـال‪:‬‬
‫كانوا يكرهون أن يعلم الرىل قبره» ‪.)6‬‬
‫وذكر في كتـاب من بـدع القبور)‪ :‬إن تعليم القبر لم يـهت في الكتـاب‪ ،‬وال في‬
‫سـنة صـحيحة ثابتة‪ ،‬ولم أعلم أن صحابيًا من صحابة رسول هللا ﷺ علَّم على قبر من‬
‫القبور‪ ،‬الـذين هم أحر النـا على فعـل الخير بعـد األنبيـاء والمرســـــلين‪ ،‬أين هـذه‬
‫السنة عنهم؟! بل لم يثبت أن رسول هللا ﷺ علَّم قبر أحد سون قبر عثمان في الحدي‬

‫سـئل عن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬لي بذاك القوي‪ .‬وقال‬ ‫داود فيه كثير بن يد األسـلمي‪ ،‬قال عنه أبو حاتم‪ :‬ض‬
‫ســــئـل أبي عنـه‪ ،‬فقـال‪ :‬صـــــالح لي بـالقوي‪ ،‬يكتـب حـديثـه‪ .‬وقـال عنـه أبو رعـة‪ :‬هو‬
‫أبو حـاتم‪ ،‬ض‬
‫صــــدوق فيه لين‪ .‬وقال عنه أحمد‪ :‬ما أرن به به ‪ .‬ثم قال‪ :‬فتبين مما تقدم بهنه لي بالقوي وال‬
‫‪ .)66 /‬وقال الحاف ‪ :−‬إســناده حســن لي فيه إال كثير بن يد‬ ‫يحتج به‪ .‬من بدع القبور‪،‬‬
‫مخبرا أخبره ولم يسـمه‪ ،‬وال يضـر إيهام‬
‫ً‬ ‫راويه عن المجلب‪ ،‬وهو صـدوق‪ .‬وقد بين المجلب أن‬
‫الصحابي‪ .‬التلخي الحبير ‪ )133 /2‬رقم‪.)794 /‬‬
‫‪ )1‬رواه ابن ماىه في الســــنن‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في العالمة على القبر‪ ،‬رقم‪،)1561 /‬‬
‫وقول البوصـيري‪ :‬هذا إسـناد حسـن‪ ،‬كثير بن يد مختلف فيه‪ ،‬وله شـاهد من حدي المجلب بن‬
‫أبي وداعة‪[ .‬ان ر‪ :‬مصــبا ال ىاىة ‪ )509 /1‬وصــححه األلباني في صــحيح ســنن ابن ماىه‬
‫‪.])464 /‬‬ ‫‪ ،)260 /1‬رقم‪ .)1267 /‬وقال في األحادي الواردة»‪ :‬إسناده حسن‪،‬‬
‫‪ )2‬المغني ‪.)436 /3‬‬
‫‪ )3‬المىموع ‪.)298 /5‬‬
‫‪ )4‬عمارة القبور ‪ ،)145 ،144‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ )5‬إبراهيم بن ي يد بن قي بن األسود أبو عمران النخعي‪ ،‬ولد سنة ‪46‬هـــــ)‪ ،‬من أكابر التابعين‬
‫صال ًحا وصدق رواية وحف ًا للحدي ‪ .‬من أهل الكوفة‪ ،‬مات متخفيًا من الحىا عام ‪96‬هـــــ)‪،‬‬
‫وكان إما ًما مىتهدًا له مذهب‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم لل ركلي ‪.])80 /1‬‬
‫‪ )6‬مصنف ابن أبي شيبة ‪[ .)11738‬ان ر‪ :‬ااثار أيضًا ‪.])11743 ،11739‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪96‬‬

‫المتقدم الضــــعيف‪ .‬لماذا لم يعلم على قبر حم ة ‪ )1‬والشــــهداء؟‪ ،‬وغير ذلك من باقي‬
‫الصــحابة الذين ماتوا في حياة الرســول ﷺ ؟‪ ،‬بل دلت النصــو على نهيه عن ذلك‬
‫حينما أمر بتســـوية القبور‪ ،‬وحدي عثمان يخالف ذلك»‪ .‬ثم قال‪ :‬وعمل النا لي‬
‫حىة إال إذا ىاء دليل ينصره ثابت ال يقبل المراء وال الىدل‪ ،‬بل آل األمر إلى ا نكار‬
‫وحىرا عند رىليه» ‪.)2‬‬ ‫ً‬ ‫حىرا عند رأسه‪،‬‬
‫ً‬ ‫على من لم يض‬
‫الترىـيـح‪ :‬والراىح ىوا التعليم؛ لما ورد عنه ﷺ‪ ،‬والحدي تعددت جرقه‪ ،‬وقد‬
‫صححه أئمة أثبات‪ ،‬ون على هذه السننية من هم أغير منا على السننة؛ كا مام أحمد ‪،−‬‬
‫والســنة يعمل بها‪ ،‬ولو لم تثبت إال مرة واحدة‪ ،‬وكون الرســول ﷺ علَّم على قبر عثمان‪،‬‬ ‫ن‬
‫ـدخال للجعن في ثبوت الحـديـ ‪ ،‬ولي‬ ‫ولم يعلَّم على قبر غيره؛ فهـذا لي بحىـة‪ ،‬ولي م ً‬
‫هناك تعارس بين األمر بتســـويتها وتعليمها‪ ،‬وكون النا خالفوا في ذلك‪ ،‬فلي في ذلك‬
‫مـدخـل لتبـدي وضــــ عالمـات على القبور‪ ،‬إن كـانـت من ىن مـا فعلـه ﷺ‪ ،‬ولكن ينبغي‬
‫االبتعاد عما يخالف الســنة من خالل مبالغات بعس النا بالتعليم؛ وذلك كوضــ ألوان‪،‬‬
‫أو ا كثار من األحىار‪ ،‬أو وضــ ـ أخشــــاب وحديد وأعالم‪ ،‬وما شــــابه ذلك؛ ألنها من‬
‫األمور التي لم تثبت عن الرسول ﷺ‪.‬‬
‫وهذه هي القبور المشـروعة للمسـلمين‪ ،‬وهذه هي الصـفة الشـرعية لها‪ ،‬وما عداها‬
‫فيىب أن يض ال‪.‬‬
‫فعن أبي الهيا األسدي ‪ ،)3‬قال‪ :‬قال لي علي بن أبي جالب‪ :‬أال أبعثك على ما‬
‫سويته» ‪.)5‬‬ ‫قبرا مشرفًا إال َّ‬
‫تمثاال ‪ )4‬إال جمسته‪ ،‬وال ً‬ ‫ً‬ ‫بعثني عليه رسول هللا ﷺ؛ أال تدع‬
‫‪)6‬‬
‫كثيرا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫رفعـ‬
‫ً‬ ‫األرس‬ ‫عن‬ ‫ضرف‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫القبر‬ ‫أن‬ ‫ـنـة‬
‫ـ‬ ‫الســـ‬ ‫وقـال النووي‪ :‬وفيـه أن‬
‫وكان فضـالة بن عبيد ‪ ‬بهرس الروم‪ ،‬فتو‪)8‬في صـاحب لــــــه‪ ،‬فهمر بقبره فس ع‬
‫‪)7‬‬
‫ـوي‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول هللا ﷺ يهمر بتسويتها» ‪.‬‬

‫‪ )1‬هو أســـد هللا‪ ،‬وعم رســـول هللا ﷺ‪ :‬حم ة بن عبد المجلب بن هاشـــم‪ ،‬أ ضخو رســـول هللا ﷺ من‬
‫الرضاعة‪ ،‬أع هللا به ا سالم حينما أسلم‪ ،‬وقصة إسالمه معروفة ومشهورة‪ ،‬كان أول من بار‬
‫وأرضـاه‪[ .‬سـير أعالم النبالء‬ ‫في بدر‪ ،‬وقتل عتبة بن ربيعة‪ ،‬قضتعل في أحد على يدي وحشـي ‪‬‬
‫‪ ،)171 /1‬وشذرات الذهب ‪.])10 /1‬‬
‫‪ )73 ،72 /‬بتصرف يسير‪ ،‬حمد بن عبد هللا الحميدي‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬من بدع القبور‪،‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬حيان بن الحصــــين األســــدي الكوفي‪ ،‬تابعي ثقة‪ .‬كان كاتب عمار ‪ ‬رون عن علي وعمار‪.‬‬
‫[تهذيب التهذيب ‪.])59 /3‬‬
‫ـورا في رقم‬
‫‪ )4‬التمثال هو‪ :‬ما كان مثال صــورة ما فيه رو ‪ ،‬وهو يع نم ما كان متىس ـدًا‪ ،‬وما كان مصـ ً‬
‫أو نقع‪ .‬وقيل‪ :‬هو ما كان لـــه شخ وىسد‪ .‬وقيل‪ :‬صور ذوات األروا ‪ ،‬ومعنى جمسها‪ :‬تغييرها‬
‫بقج رتوسـها وتغيير وىوهها‪ ،‬وغير ذلك مما يذهبها‪ ،‬ذكر ذلك القرجبي في المفهم‪ ،‬رقم‪،)834 /‬‬
‫والنووي في شر مسلم ‪.)36 /7‬‬
‫‪ )5‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب األمر بتسوية القبر‪ ،‬رقم‪.)969 /‬‬
‫‪.)51 /‬‬ ‫‪ )6‬سبق تخريىه‬
‫‪ )7‬هو‪ :‬الصـحابي الىليل فضـالة بن عبيد بن نافذ بين قي األنصـاري األوسـي‪ ،‬شـهد أضحدًا وما بعدها‪،‬‬
‫وكان ممن باي تحت الشىرة‪ ،‬توفي سنة ‪58‬هـ)‪ .‬ا صابة ‪ ،)206 /3‬والتقريب ‪.)5430‬‬
‫‪ )8‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب األمر بتسوية القبر‪ ،‬رقم‪ ،)968 /‬وغيره‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثال‬
‫المخالفات خار القبر‬
‫ومن البدع المنتشــرة بعس المخالفات التي تحد خار القبر‪ ،‬ولعلنا في هذا‬
‫المبح أن نتناول بعس هذه المخالفات‪ ،‬وسوف يكون من خالل المجالب التالية‪.‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬التفريق بين قبر الرىل والمرأة‪:‬‬
‫إن من األمور التي لم تمثِبـض ت عنـه ﷺ مـا يفعلـه بعس العوام بـهن يفرقوا في‬
‫عالمـة القبر بين الرىـل والمرأة‪ ،‬حتى يعرف أن هـذا قبر رىـل‪ ،‬وهـذا قبر امرأة؛‬
‫حىرا واحدًا‪ ،‬فهذا لم ترد به السـنة‪،‬‬
‫ً‬ ‫فيضـ على قبر الرىل حىرين‪ ،‬وعلى قبر المرأة‬
‫ولي بمشــروع‪ ،‬ولي له أصــل؛ بل العلماء يتنا عون في مســهلة تعليم القبر كما مر‬
‫فضــــال عن تخصــــي المرأة بعالمة‪ ،‬والرىل بعالمة‪ ،‬وممن ن على عدم‬ ‫ً‬ ‫معنا‪،‬‬
‫التفريق بين عالمة قبر الرىل وعالمة قبر المرأة‪ ،‬الشــــيإل ابن عثيمين ‪ −‬حي قال‪:‬‬
‫إن هذا التفريق لي بمشروع‪ ،‬والعلماء قالوا‪ :‬إن وض حىر أو حىرين‪ ،‬أو لبنة أو‬
‫لبنتين‪ ،‬من أىـل العالمـة على أنـه قبر لئال يضحفمر مرة ثـانيـة‪ ،‬ال بـه بـه‪ .‬وأمـا التفريق‬
‫بين الرىل والمرأة في ذلك؛ فال أصل له» ‪.)1‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬الكتابة على القبر‪:‬‬
‫من المصـــــائـب والبـدع التي بليـت بهـا األمـة‪ :‬الكتـابـة على القبور‪ ،‬م ورود‬
‫النهي الصـريح عن ذلك‪ ،‬حي ورد عن ىابر ‪ :‬أنه قال‪ :‬نهى رسول هللا ﷺ أن‬
‫يضبنى على القبر‪ ،‬أو يض اد عليه‪ ،‬أو يضىصـــ » اد ســــليمان بن موســــى‪ :‬أو يضكتب‬
‫عليه» ‪ ،)2‬وقد اختلف العلماء في حكم الكتابة على القبور‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬كراهية الكتابة على القبور‪ ،‬ســواء اســم صــاحب القبر أم غيره‪،‬‬
‫وهذا قول ىمهور العلماء‪ ،‬وحملوا النهي الوارد في الحدي على الكراهية ‪.)3‬‬
‫القول الثـاني‪ :‬ىوا الكتـابـة‪ ،‬وبـه قـال األحنـاف‪ :‬ال بـه بـالكتـابـة على القبر إن‬
‫اضحتيج إليهـا‪ ،‬حتى ال يـذهـب األثر وال يضمتهن؛ ألن النهي وإن صـــــح فقـد وىـد ا ىمـاع‬

‫‪ ،)204 /‬حمود عبد هللا المجر‪.‬‬ ‫‪ )1‬البدع والمحدثات وماال أصل له‪،‬‬
‫‪ )2‬أخرىـه الترمـذي‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في كراهيـة تىصـــــي القبور والكتـابـة عليهـا‪،‬‬
‫رقم‪ ،)1052 /‬وقال‪ :‬حسـن صـحيح‪ .‬وأخرىه النسـائي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ال يادة على القبر‪،‬‬
‫رقم‪ ،)2027 /‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب في البناء على القبر‪ ،‬رقم‪ ،)3226 /‬وصــــححه‬
‫األلباني في سنن أبي داود‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬الفقه ا سالمي وأدلته ‪ )524 /2‬لوهبة ال حيلي‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪98‬‬

‫العملي بها‪ ،‬فقد أخر الحاكم النهي عنها من جريق‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه األســانيد صــحيحة‪،‬‬
‫ولي العمل عليها؛ فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم‪،‬‬
‫وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ‪.)1‬‬
‫كما ذهب األحناف إلى أن الكتابة بغير عذر ال تىو ‪.)2‬‬
‫ً‬
‫جائال وال نعلم صــــحابيًا فعل‬ ‫وقد رد الذهبي ‪ −‬على الحاكم بقوله‪ :‬ما قلت‬
‫‪)3‬‬
‫ذلك‪ ،‬وإنما هو شيء أحدثه بعس التابعين فمن بعدهم‪ ،‬ولم يبلغهم النهي» ‪.‬‬
‫القول الثـالـ ‪ :‬تحريم الكتـابـة على القبر‪ .‬وهو قول المـالكيـة ‪ :)4‬وقول ابن القيم‬
‫‪ :−‬ونهي عن الكتابة عليها» ‪.)5‬‬
‫وقول الشــــوكاني ‪ :−‬وتحريم الكتابة على القبور‪ ،‬و اهره عدم الفرق بين‬
‫كتابة اسم الميت على القبر وغيرها» ‪.)6‬‬
‫‪)7‬‬
‫وســـئل الشـــيإل‪ :‬عبد هللا أبا بجين ‪ ،‬عن كتابة اســـم الميت على القبر فقال‪:‬‬‫ض‬
‫داخل في عموم النهي عن الكتابة على القبور» ‪.)8‬‬
‫وقـال المعلمي ‪ :−‬النهي عن الكتـابـة لم يرد إال في الروايـات التي عنعن فيهـا‬
‫ابن ىريج‪ ،‬وهو مدل ‪ ،‬ولكن يتخذ النهي عنها من األحادي بجريق القيا » ‪.)9‬‬
‫وقـال العالمـة ابن بـا ‪ :−‬ال يىو أن يضكتـب على قبر الميـت‪ ،‬ال آيـات‬
‫قرآنية‪ ،‬وال غيرها‪ ،‬ال في حديدة وال لو وال في غيرهما‪.)10 »...‬‬
‫الترىيـــــح‪ :‬أما الكتابة على القبر فال تىو ؛ لحدي ىابر المتقدم‪ ،‬سوا ًء أكان‬
‫بذكر اســم الميت أو غيره‪ ،‬وال يصــح ما ذهب إليه بعس أهل العلم من اســتثناء كتابة‬

‫‪ )1‬رد المحتار على الدر المختار ‪ )170 /3‬حاشـــية ابن عابدين على شـــر الشـــيإل عالء الدين‬
‫محمد بن علي وان ر‪ :‬المستدرك ‪.)252 /1‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬رد المحتار ‪ ،)171 /3‬وحواشي الشرواني ‪.)189 /4‬‬
‫‪ )3‬المستدرك ‪.)525 /1‬‬
‫‪ )4‬مواهب الىليل ‪.)247 /2‬‬
‫‪ )5‬إغاثة اللهفان ‪.)170 /1‬‬
‫خر أحاديثه خليل مهمون شيحا‪.‬‬ ‫‪ )6‬نيل األوجار شر منتقى األخبار ‪َّ )533 /4‬‬
‫‪ )7‬عبد هللا بن عبد الرحمن أبا بجين ‪1194‬هــــ ‪1282 -‬هــــ) فقيه الديار النىدية في عصره‪ ،‬ولد في‬
‫الروضــة من قرن ســدير) ورحل إلى الشــام‪ ،‬وعاد فولي قضــاء الجائف‪ ،‬ثم قضــاء عني ة‪ ،‬وبلدان‬
‫القصــيم ســنة ‪1248‬هـــــ ـ له مىموعة رســائل وفتاون) و مختصــر بدائ الفوائد) وغيرها‪ .‬ان ر‪:‬‬
‫األعالم لل ركلي ‪.)97 /4‬‬
‫‪ ) 136 /5 )8‬الدرر السنية في األىوبة النىدية‪ ،‬ىم الفقير إلى ربه‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪.‬‬
‫‪ )9‬عمارة القبور ‪ .)286‬قال األلباني ‪ :−‬وأعلها المنذري ‪-‬أي ال يادة عن الكتابة‪ -‬وغيره باالنقجاع‬
‫بين سـليمان بين موسـى وىابر‪ ،‬لكن هذا الن ر لجريق أبي داود وغيره‪ ،‬وإال فقد أخرىها الحاكم من‬
‫جريق ابن ىريح‪ ،‬عن أبي ال بير‪ ،‬عن ىابر‪ ،‬وهذا ســند على شــرج مســلم‪ .‬وقد صــر ابن ىريج‬
‫بسماعه من أبي ال بير‪ ،‬وهذا من ىابر؛ ف ال بذلك شبهة تدليسها»‪ ،‬كتاب الىنائ ‪.)261 -260‬‬
‫‪ )10‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن با ‪ ،‬إعداد عبد هللا الجيار‪ ،‬وأحمد بن با ‪.)337 /4 ،‬‬
‫‪99‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫اســم الميت؛ حي قال الشــوكاني‪ :‬وقد اســتثنت الهادوية ‪ )1‬رســم االســم فىو وه‪ ،‬ال‬
‫قياسـ ـا على وضـــعه ﷺ الحىر على قبر عثمان كما تقدم‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬ ‫على وىه ال خرفة‪،‬‬
‫من التخصي بالقيا ‪ ،‬وقد قال الىمهور به» ‪.)2‬‬
‫وقـد علَّق األلبـاني على هـذا القول بقولـه‪ :‬والـذي أراه ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن القول‬
‫بصــــحة هذا القيا على إجالقه بعيد‪ ،‬والصــــواب تقييده بما إذا كان الحىر ال يحقق‬
‫ضــــ رســــول هللا ﷺ ال مح مىر‪ ،‬أال وهي التعرف عليه‪ ،‬وذلك‬ ‫الغاية التي من أىلها مو م‬
‫المعرفة؛ فحينئ ٍذ يىو كتابة االســم بقدر ما‬
‫ع‬ ‫مثال‪ ،‬وكثرة األحىار‬ ‫بســبب كثرة القبور ً‬
‫‪)3‬‬
‫تتحقق به الغاية المذكورة‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وقال صـاحب شـر الصـدور‪ :‬ولهذا القول ح من القوة والحىة؛ وذلك ألن‬
‫وض الصخرة على القبر في هذا العصر‪ ،‬متعدد لتشابه العالمات وكثرتها‪ ،‬وإن علمه‬
‫بعالمة أخرن قد يكرر نف العالمة شــخ ثان‪ ،‬فلم يبقم ســبيل إال االســم؛ ألنه علم‬
‫يعرف به صاحبه‪ ،‬بل هو من أبر العالمات في ا نسان‪.‬‬
‫لذا القيا على حدي عثمان بن م عون مجلقًا‪ ،‬فيه شــــيء في النف ‪ ،‬وإنما‬
‫يسـمح بالكتابة في نجاق ضـيق ىدًا ىدًا‪ :‬كهن يكتب فالن بن فالن فقج‪ ،‬وذلك عند عدم‬
‫مبررا لىوا كتابة االسـم على القبر؛ ألن‬ ‫ً‬ ‫نف أي إشـارة أخرن» ‪ .)4‬قلت‪ :‬وهذا لي‬
‫علة كثرة األحىار‪ ،‬والتشــــابه بينها علة موىودة من أيام القرون المفضــــلة‪ ،‬ولم تكن‬
‫مســـــو ً‬
‫غـا بـدال األحىـار بـالكتـابـة‪ ،‬م أن التعليم بـاألحىـار من المســـــائـل الخالفيـة‪،‬‬
‫والراىح‪ :‬عدم ىوا كتابة االســم على القبر؛ لورود النهي المجلق عن الكتابة‪ ،‬والذي‬
‫يفرق فيه بين كتابة االسم وغيره‪ ،‬فد َّل على تحريم الكتابة مجلقًا‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫لم َّ‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬رف القبر‪:‬‬
‫لقد سـبق ذكر السـنة عند بناء القبر‪ ،‬وهي أال يضرف أكثر من شـبر‪ ،‬وأما ال يادة‬
‫على القدر المهذون فيه فمحرم؛ ألنه من أخجر الوســائل الموصــلة إلى الشــرك‪ ،‬ولذا‬
‫أمر الصـــحابي الىليل علي بن أبي جالب بإ التها‪ ،‬فعن أبي هيا األســـدي عن علي‬

‫‪ )1‬الهادوية‪ :‬فرقة يدية منتشـــرة في اليمن والحىا وما والها‪ ،‬وهي نســـبة إلى الهادي إلى الحق‬
‫يحيى بن الحسين بن القاسم ‪298 -245‬هــــــ) الذي عقدت له ا مامة باليمن‪ ،‬فكان ممن حارب‬
‫القرامجة فيها‪ .‬ان ر‪ :‬الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب واألح اب المعاصرة ‪.)82 /1‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬نيل األوجار في منتقى األخيار للشوكاني‪ ،‬تحقيق خليل مهمون‪.)533 /4 ،‬‬
‫‪.)263 /‬‬ ‫‪ )3‬أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫‪.)146 /‬‬ ‫‪ )4‬شر الصدور بيان بدع الىنائ والقبور‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪100‬‬

‫قبرا‬ ‫ً‬
‫تمثاال إال جمســـته‪ ،‬وال ً‬ ‫قال‪ :‬أبعثك على ما بعثني عليه رســـول هللا ﷺ‪ :‬ال تدع‬
‫مشرفًا إال سويته» ‪.)1‬‬
‫قبرا مشــرفًا إال ســويته‪ :‬فيه أن الســنة أن القبر ال‬
‫قال الشــوكاني‪ :‬قوله‪ :‬وال ً‬
‫فاضــال ومن كان غير فاضــل‪ ،‬وال اهر‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من غير فرق بين من كان‬
‫ً‬ ‫يرف رف ًعا‬
‫أن رف القبور يادة على القدر المهذون فيه محرم‪ ،‬وقد صــر بذلك أصــحاب أحمد‪،‬‬
‫وىماعة من أصحاب الشافعي ومالك» ‪.)2‬‬
‫أيضــا‪ :‬اعلم أنه قد اتفق النا ‪ ،‬ســابقهم والحقهم‪ ،‬وأولهم وآخرهم من‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫لـدن الصــــحـابـة ﭫ إلى هـذا الوقـت‪ ،‬أن رف القبور والبنـاء عليهـا بـدعـة من البـدع التي‬
‫ثبت النهي عنها‪ ،‬واشـتد وعيد رسـول هللا ﷺ لفاعلها‪ ،‬كما يهتي بيانه‪ ،‬ولم يخالف في‬
‫ذلك أحد من المسـلمين أىمعين‪ ،‬لكنه وق لإلمام يحيى بن حم ة ‪ )3‬مقالة تدل على أنه‬
‫يرن أنه ال به بالقباب والمشـاهد على قبور الفضـالء‪ ،‬ولم يقل بذلك غيره‪ ،‬وال روي‬
‫عن أحد سواه» ‪.)4‬‬
‫وقال في المغني‪ :‬ويكره البناء على القبر وتىصـــيصـــه‪ ،‬والكتابة عليه؛ لما‬
‫رون مسـلم في صـحيحه‪ ،‬قال‪ :‬نهى رسـول هللا ﷺ أن يىصـ القبر‪ ،‬وأن يقعد عليه‬
‫وأن يبنى عليه» ‪.)6 )5‬‬
‫وقـال النووي‪ :‬يســـــتحـب أال ي اد القبر على التراب الـذي أخرىـه منـه‪ ،‬قـال‬
‫كثيرا» ‪.)7‬‬
‫عا ً‬ ‫الشــــافعي ‪ :−‬وإنما قلنا أنه يســــتحب أال ي اد؛ لئال يرتف القبر ارتفا ً‬
‫وسوف يهتي م يد من ذلك في مبح بناء المساىد على القبور‪.‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬الـتـىـصـيـ ‪:‬‬
‫ومن البدع التي انتشـــرت تىصـــي القبور‪ ،‬وذلك بجليها بالى ‪ ،‬ويشـــمل‬
‫خرفتها‪ ،‬أو صـــبغها باأللوان‪ ،‬م ورود النهي الصـــحيح الصـــريح؛ وذلك لما رواه‬

‫‪.)51 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬نيل األوجار ‪.)530 /4‬‬
‫‪ )3‬يحيى بن حم ة بن علي الحســيني ولد في مدينة صــنعاء‪ 27 ،‬صــفر ‪669‬هـــــــ) ومات ســنة‬
‫‪705‬هـــــ) بمدينة ذمار ودفن بها‪ .‬ان ر‪ :‬البدر الجال بمحاسن من بعد القرن الساب » للعالمة‬
‫الشوكاني ‪ -231 /2‬رقم ‪.)576‬‬
‫‪.)20 /‬‬ ‫‪ )4‬شر الصدور في تحريم رف القبور‪،‬‬
‫‪ )5‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب النهي عن تىصي القبر والبناء عليه‪ ،‬رقم‪.)970 /‬‬
‫‪ )6‬المغني ‪.)439 /3‬‬
‫‪ )7‬المىموع ‪.)261 /5‬‬
‫‪101‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫القبور»‪ .‬وفي رواية‪:‬‬ ‫مسـلم عن ىابر ‪ ‬قال‪ :‬نهى رسـول هللا ﷺ عن تىصـي‬
‫نهى عن تىصي القبر» ‪.)1‬‬
‫قال القرجبي في شــر مســلم‪ :‬التىصــي ‪ :‬هو البناء بالى ‪ ،‬هو الق ‪،‬‬
‫صا ‪ ،‬والقصا واحد‪ ،‬فإذا خلج الى بالرماد‪ ،‬فهو الىيار» ‪.)2‬‬ ‫والقصة‪ ،‬والى َّ‬
‫والعلة في تحريم التىصي على القبور واضحة وىلية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ )1‬أن ذلك مبـاهاة‪ ،‬واســـــتعمـال ينـة الدنيـا في أول منـا ل ااخرة‪ ،‬وال حاىة‬
‫للميت بها‪.‬‬
‫عـا من ال ضخيالء‪ ،‬والخيالء محرمـة إال في حـاالت‪ ،‬ولي الموت‬ ‫‪ )2‬أن فيـه نو ً‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ )3‬إضاعة للمال بال فائدة‪ ،‬بل إنها ىالبة للمضرة‪.‬‬
‫‪ )4‬أنها وسـيلة وذريعة للشـرك؛ ولذا نهى رسـول هللا ﷺ عنها‪ ،‬ولقد مر معنا‬
‫خبر أهل الكنيســـة الذين يضـــعون فيها التصـــاوير‪ ،‬فالتصـــاوير تدعو لتع يم من في‬
‫القبر‪ ،‬وهذا ال شــــك داعٍ من دواعي الشــــرك‪ ،‬وكلما بضولغ في ال خرفة اهت ت أفئدة‬
‫العوام لهذه القبور‪ ،‬فيىلونها ويع مونها عن غيرها؛ مما يتدي إلى عبادتها‪ ،‬وال حول‬
‫وال قوة إال باهلل ‪.)3‬‬
‫أقوال العلماء في تىصي القبر‪ :‬تتاب العلماء بالتحذير منه‪ ،‬ف مع ِن مون لــه مسلم‬
‫في صــــحيحه في باب‪ :‬النهي عن تىصــــي القبر والبناء عليه»‪ ،‬وكذلك فعل ابن‬
‫القبور» ‪.)4‬‬ ‫سئل مالك ‪ −‬عنها قال‪ :‬أكره تىصي‬
‫ماىه‪ ،‬ولما ض‬

‫‪.)151 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬المفهم لما أشكل من تلخي كتاب مسلم للقرجبي ‪ ،)627 ،626 /2‬تحقيق محيي الدين‬
‫وأحمد محمد ويوسـف بديوي ومحمود إبراهيم‪ ،‬وان ر‪ :‬صـحيح مسـلم م شـرحه المسـمى إكمال‬
‫إكمال المعلم لإلمام محمد األبي وشــرحه المســمى مكمل إكمال ا كمال‪ ،‬لإلمام محمد الحســيني‬
‫‪ ،)383 /3‬تحقيق‪ :‬محمد هاشم‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ )474 /1 :‬بدائ الصــنائ في ترتيب الشــرائ لإلمام عالء الدين الحنفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫حلبي‪.‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬المدونة الكبرن لإلمام مالك ‪ ،)189 /1‬ويليها مقدمات ابن رشد‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪102‬‬

‫أر قبور المهاىرين واألنصـار‬‫وقال الشـافعي ‪ :−‬أحب أن ال يىصـ ‪ ،‬ولم م‬


‫مىصـصـة» ‪ ،)1‬ونهى أبو حنيفة عن تىصـي القبور‪ ،‬كما نقل ذلك تالمذته» ‪،‬‬
‫‪)2‬‬
‫َّ‬
‫وقال ا مام ابن ح م‪ :‬وال يحل أن يىص القبر» ‪.)3‬‬
‫ونهى عمر بن عبد الع ي أن يضبنى على القبر بتىر‪ .‬كذلك أوصــى األســود‬
‫آىرا» ‪.)4‬‬
‫بن ي يد‪ ،‬فقال‪ :‬ال تىعلوا على قبري ً‬
‫‪)5‬‬
‫وقال ابن القيم‪ :‬ورد النهي عن تىصـي القبر» ‪ ،‬وقال إمام الدعوة شـيإل‬
‫ا سالم محمد بن عبد الوهاب ‪ :−‬وال يىو تىصيصه» ‪.)6‬‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬تجيين القبر‪:‬‬
‫ن ًرا ألن التجيين لم يرد فيه ن ‪ ،‬كما ورد في النهي عن تىصـــي القبر؛‬
‫لذا اختلف العلماء في حكمه على أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ال به بفعله‪ ،‬ورخ في ذلك ا مام الشـــافعي‪ ،‬وا مام أحمد‪،‬‬
‫ودليلهم ما رواه أحمد بإسناده‪ ،‬عن ناف قال‪ :‬توفي ابن لعبد هللا بن عمر وهو غائب‪،‬‬
‫فقدم فســـهلنا عنه‪ ،‬فدللناه عليه‪ ،‬فكان يتعاهد القبر‪ ،‬ويهمر بإصـــالحه» ‪ .)7‬ولما روي‬
‫شبرا‪ ،‬وجين بجين أحمر من العرصة» ‪.)8‬‬ ‫أن النبي ﷺ ضرف قبره من األرس ً‬
‫قال في الشـر الكبير‪ :‬ال به بتجيينه»‪ ،‬وقال في ا نصـاف‪ :‬هذا المذهب‬
‫وعليه أكثر األصحاب» ‪.)9‬‬
‫وسئل أحمد عن تجيين القبور فقال‪ :‬أرىو أن ال يكون به به » ‪.)10‬‬

‫‪ )1‬األم ‪.)316 /1‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬كتاب ااثار لإلمام محمد بن الحسن ‪ )191 /2‬قام بالتعليق عليه أبو الوفاء األفغاني‪.‬‬
‫‪ )3‬المحلى ‪.)356 /3‬‬
‫‪ )4‬المغني ‪.)439 /3‬‬
‫‪ )5‬إغاثة اللهفان ‪.)170‬‬
‫‪ )6‬متلفات الشـــيإل محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬القســـم الثاني‪ ،‬الفقه ‪ )40 /2‬صـــالة الىنائ ‪ ،‬متلفات‬
‫الشيإل محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬صنفها عبد الع ي يد الرومي‪ ،‬ومحمد بلتاىي‪ ،‬وسيد حىاب‪.‬‬
‫‪ )7‬أورده في المغني ‪ )439 /3‬عن ا مام أحمد بإسناده‪ ،‬عن ناف ‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬وبحثت عنه في‬
‫مسائل ا مام فلم أىده‪.‬‬
‫‪ )8‬ان ر‪ :‬التلخي الحبير ‪ )173 /2‬رقم‪.)791 /‬‬
‫‪ )9‬ان ر‪ )231 /6 :‬الشر الكبير وا نصاف والمقن ‪ ،‬تحقيق الدكتور‪ :‬عبد هللا التركي‪.‬‬
‫‪ )10‬المغني ‪.)439 /3‬‬
‫‪103‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫القبور‪ :‬وفي هـذا‬ ‫قـال ابن قـدامـة حينمـا أورد حـديـ النهي عن تىصـــــي‬
‫الحدي دليل على الرخصة في جين القبر» ‪.)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬تحريم تجيين القبر‪ ،‬وهو مذهب األحناف ‪ .)2‬واســتدل أصــحاب‬
‫عا‪ :‬ال ي ال الميت يســم األذان ما لم يجين‬ ‫هذا المذهب بما رواه ابن مســعود مرفو ً‬
‫قبره» ‪.)3‬‬
‫المناقشـــة‪ :‬عند مناقشـــة هذه األقوال‪ ،‬نىد أن من رأوا ىوا تجيينه اســـتدلوا‬
‫بهدلة لي فيها حىة قوية‪ ،‬فدليل نهي رســـول هللا ﷺ عن التىصـــي ‪ ،‬ال يضفهم منه‬
‫ىوا التجيين‪ ،‬وفعـل عبـد هللا بن عمر‪ ،‬عنـدمـا تعـاهـد قبر ابنـه‪ ،‬ال يقتضـــــي أن يقوم‬
‫بتجيينـه‪ ،‬بـل ال ـاهر عـدم التجيين‪ ،‬وأمـا خبر ابن مســـــعود فال حىـة فيـه؛ ألنـه بـاجـل‪،‬‬
‫وأما خبر ىعفر بن محمد‪ ،‬فهو مرســل وىمي من رووا صــفة قبره ﷺ لم يرووا أنه‬
‫جين‪ ،‬قـال األلبـاني ‪ : −‬إن كـان المقصـــــود من التجيين المحـاف ـة على القبر وبقـاءه‬
‫عا قدر ما ســـمح به الشـــرع‪ ،‬وأال تنســـفه الريا وال تبعثره األمجار فهو ىائ‬‫مرفو ً‬
‫بدون شــــك؛ ألنه يحقق غاية مشــــروعة‪ ،‬ولعل هذا هو وىه من قال من الحنابلة أنه‬
‫يستحب‪.‬‬
‫وإن كان المقصــــود ال ينة ونحوها مما ال فائدة فيه‪ ،‬فال يىو ؛ ألنه ضمحد »‬
‫‪.)4‬‬
‫قلـت‪ :‬والراىح عـدم ىوا التجيين مجل ًقـا؛ ألنـه لي من منهج الســـــلف‪ ،‬ولم‬
‫يفعله الرسول ﷺ‪ ،‬وال أصحابه‪ ،‬وفيه سد لذريعة البناء‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الساد ‪ :‬وض الستور على القبر‪:‬‬
‫إن من البدع التي انتشـرت هي كسـو القبور باألقمشـة الفاخرة تشـب ًها ببيت هللا‬
‫تعـالى‪ ،‬وهـذا ال شـــــك م هر من م ـاهر الشـــــرك؛ ألنـه يفضـــــي إلى تقـدي القبور‬
‫وتع يمهـا‪ ،‬ويقـا على ذلـك وضــــ األعالم واألقشــــمـة على التوابيـت في الىنـائ‬
‫الرسـمية تع ي ًما لها‪ ،‬وإعالء من شـهنها؛ وهذه كلها من األمور التي نهى عنها الرسـول‬
‫ﷺ‪ ،‬وىاء ا سـالم بتحريمها‪ ،‬فها هي قبور أصـحاب الرسـول ﷺ‪ ،‬وقبل ذلك قبره‪ ،‬ما‬

‫‪ )1‬المرى السابق‪.‬‬
‫‪.)45 /‬‬ ‫‪ )2‬ااثار‪ ،‬محمد بن حسن‪،‬‬
‫‪ )3‬ع اه الحـاف ابن حىر إلى الـديلمي وقـال‪ :‬إســــنـاده بـاجـل‪ ،‬وإنـه من روايـة محمـد بن القـاســــم‬
‫الجايلكاني‪ ،‬وقد رموه بالوضــ ‪ ،‬التلخي الحبير ‪ ،)132 /2‬وابن الىو ي في الموضـــوعات‬
‫‪ )238 /3‬وأقره السيوجي في الآللس المصنوعة ‪.)439 /2‬‬
‫‪.)262 /‬‬ ‫‪ )4‬أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪104‬‬

‫ضوضــ عليها شــيء من هذا‪ ،‬بل ها هو الرســول ﷺ يبين أن هللا لم يهمرنا أن نكســو‬
‫جا فســــترته على الباب‪ ،‬فلما قدم‬‫الحىارة والجين؛ فعن عائشــــة ‪ ‬قالت‪ :‬أخذت نم ً‬
‫فرأن النمج عرفـت الكراهيـة في وىهـه‪ ،‬فىـذبـه حتى هتكـه أو قجعـه‪ ،‬وقـال‪ :‬إن هللا لم‬
‫يهمرنا أن نكسو الحىارة والجين» ‪.)1‬‬
‫قـال النووي ‪ :−‬عنـد تعليقـه على الحـديـ ‪ :‬وأمـا قولـه ﷺ حين ىـذب النمج‬
‫وأ اله‪ :‬إن هللا لم يهمرنا أن نكســــو الحىارة والجين»‪ ،‬فاســــتدلوا على أنه يمن من‬
‫ســـــتر ا لحيجـان وتنىيـد البيوت بـالثيـاب‪ ،‬وهو من كراهـة تن يـه ال تحريم‪ .‬هـذا هو‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫وقال الشـيإل أبو الفتح المقدسـي من أصـحابنا‪ :‬هو حرام‪ .‬ولي في هذا الحدي‬
‫ما يقتضــي تحريمه؛ ألن حقيقة اللف ‪ :‬أن هللا تعالى لم يهمرنا بذلك»‪ ،‬وهذا يقتضــي‬
‫أنه لي بواىب وال مندوب‪ .‬فال يقتضي التحريم‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)2‬‬
‫فهـا هو رســـــول هللا ﷺ يبين ألمتـه عـدم أمر هللا تعـالى بـذلـك‪ ،‬وهي بيوت‬
‫أحياء‪ ،‬فما بالك بالمقابر؟‪ ،‬إن وضـ السـتارة خاصـية الكعبة المشـرفة‪ ،‬ال يقا عليها‬
‫غيرها؛ قال شـيإل ا سـالم ابن تيمية‪ :‬ومن المحرمات العكوف عند القبر‪ ،‬والمىاورة‬
‫عنده وسدانته‪ ،‬وتعليق الستور عليه كهنه بيت هللا الكعبة» ‪.)3‬‬
‫وقال في كشـــاف القناع‪ :‬وتغشـــية قبور األنبياء والصـــالحين أي‪ :‬ســـترها‬
‫عا في الدين‪ ،‬قاله الشــيإل‪ ،‬وقال في موضـ آخر في كســوة القبر‬ ‫بغاشــية‪ ،‬لي مشــرو ً‬
‫ض‬
‫بـالثيـاب‪ :‬اتفق األئمـة على أن هـذا منكر‪ ،‬إذا فعـل بقبور األنبيـاء والصـــــالحين‪ ،‬فكيف‬
‫بغيرهم؟» ‪.)4‬‬
‫وقال محمد بن إســــماعيل الصــــنعاني ‪ :−‬فإن هذه القباب والمشــــاهد التي‬
‫صــارت أع م ذريعة إلى الشــرك وا لحاد‪ ،‬وأكبر وســيلة إلى هدم ا ســالم وخراب‬
‫بنيانه‪ ،‬غالب بل كل من يعمرها هم الملوك والســـالجين والرتســـاء والوالة‪ ،‬إما على‬
‫قريب لهم‪ ،‬أو على من يحســنون ال ن فيه‪ ،‬من فاضــل أو عالم أو صــوفي أو فقير أو‬
‫شــــيإل كبير‪ ،‬وي وره النا الذين يعرفونه يارة األموات من دون توســــل وال هتف‬

‫‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اللبا ‪ ،‬باب تحريم الصور‪ ،‬رقم‪.)5486 /‬‬


‫‪ )2‬شر مسلم للنووي ‪ )313 /14‬كتاب اللبا ‪ ،‬باب تحريم الصور‪.‬‬
‫‪ )3‬اقتضاء الصراج المستقيم ‪.)747 /2‬‬
‫‪ )4‬كشاف القناع عن متن ا قناع للبهوتي‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫باســمه‪ ،‬بل يدعون لـــــــه ويســتغفرون حتى ينقرس من يعرفه أو أكثرهم‪ ،‬فيهتي من‬
‫قبرا قد شـيد عليه البناء‪ ،‬وأسـرىت عليه الشـموع‪ ،‬وفرع بالفراع الفاخر‪،‬‬ ‫بعدهم فيىد ً‬
‫وأرخيـت عليـه الســـــتور‪ ،‬وألقيـت عليـه األوراد وال هور‪ ،‬فيعتقد أن ذلك بيده النف ‪ ،‬أو‬
‫دف ضـــرر‪ ،‬ويهتيه الســـدنه يكذبون على الميت بهنه فعل وفعل‪ ،‬وأن ل بفالن الضـــر‬
‫وبفالن النف ‪ ،‬حتى يغرســـوا في ىبلته كل باجل‪ ،‬واألمر ما ثبت في األحادي النبوية‬
‫لعن مم ِن أســـــر على قبور وكتـب عليهـا‪ ،‬وبنى عليهـا‪ ،‬وأحـاديـ ذلـك واســــعـة‬ ‫عم ِن ٍ‬
‫‪)1‬‬
‫معروفة‪ ،‬فإن ذلك في نفسه منهي عنه‪ ،‬ثم هو ذريعة إلى مفسدة ع يمة ‪.‬‬
‫وقيل في ا بداع‪ :‬ومن البدع السـتور التي توضـ على األضـرحة‪ ،‬ويتناف‬
‫فيها‪ ،‬والشـيالن التي توضـ كالعمامة على تابوت األولياء والعلماء‪ ،‬فإن هذا م ما فيه‬
‫من صـرف المال في غير غرس شـرعي‪ ،‬وفعل العب وتضـليل البسـجاء من العامة‬
‫على ما سـيهتي‪ ،‬قد ورد ما يفيد النهي عنه صـري ًحا‪ ،‬ففي الصـحيحين عن عائشـة ‪:‬‬
‫أن النبي ﷺ خر في غ اة فـهخـذت نم ً‬
‫جـا ‪ )2‬فســـــترتـه على البـاب‪ ،‬فلمـا قـدم رأن‬
‫النمج فىذبه حتى هتكه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هللا لم يهمرنا أن نكسو الحىارة والجين» ‪.)3‬‬
‫فـالتعليـل في الحـديـ إيمـاء إلى أن هـذه الســـــتور خلقـت لينتف بهـا األحيـاء‪،‬‬
‫فاســتعمالها في ســتر الىماد تعجيل وعب ‪ ،‬ولكن مخ مدمة األضــرحة ين لهم الشــيجان‬
‫ذلك؛ ليفتح لهم بابًا من االرت اق الخبي ‪ ،‬فتراهم إذا احتاىوا لتىديد ثوب التابوت لكل‬
‫عـام أو إذا بلي‪ ،‬أوهموا العوام أنهـا بهـا من البركـة مـا ال يحـاج بـه‪ ،‬وأنهـا نـافعـة في‬
‫الشــــفاء من األمراس‪ ،‬ودف الحســــاد‪ ،‬وىلب األر اق‪ ،‬والســــالمة من كل المكاره‪،‬‬
‫واألمن من ىمي المخـاوف‪ ،‬فمتمهـافـت عليهـا البســــجـاء‪ ،‬وهـان عليهم بـذل األموال في‬
‫الحصـــول على اليســـير منها‪ ،‬وكيف تق البركة وهذه الســـتور على ما عهدت‪ ،‬وبناء‬
‫القبور على ما علمت‪ ،‬ورفعها وت يينها على ما سمعت!» ‪.)4‬‬
‫ولما ســئل عنها الشــيإل محمد بن إبراهيم ‪ −‬قال‪ :‬وهي بدعة شــنيعة منكرة‬
‫بـاتفـاق األئمـة‪ ،‬لم تكن موىودة في عهـد رســـــول هللا ﷺ‪ ،‬وال في عهـد الصـــــحـابـة‬
‫والتابعين‪ ،‬ولم يتثر فيها شـيء عن أئمة المسـلمين‪ ،‬ال األئمة األربعة وال غيرهم‪ ،‬وهم‬

‫‪ ،)61 /‬لإلمـام الصـــــنعـاني‪ ،‬تحقيق محمـد صـــــبحي‬‫‪ )1‬تجهير االعتقـاد عن أدران ا لحـاد‪،‬‬
‫الحالق‪.‬‬
‫‪ )2‬والنمج و ن حىر واحد األنماج وهي ضرب من البسج لـه خمل رقيق‪.‬‬
‫‪.)157 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ ،)182 /‬وان ر‪ :‬المىموع المفيـد في نقس القبوريـة‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬ا بـداع في مضـــــار االبتـداع‪،‬‬
‫‪.)296 /‬‬ ‫ونصر التوحيد‪ ،‬لمحمد عبد الرحمن الخمي ‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪106‬‬

‫على كشــفها كانوا أقون‪ ،‬وبالفضــل لو كان فيها أحرن‪ ،‬وإنما ضو عىدت هذه البدعة أول‬
‫ما ضو عىدت في أثناء القرن السـاد من فعل بعس السـالجين‪ ،‬وقد ن أهل العلم على‬
‫إنكارها وتحريمها حالما وىدت» ‪.)1‬‬
‫وىـاء في تقـاليـد يىـب أن ت ول)‪ :‬النهي عن ســـــتر القبور‪ ،‬ال يحـل ســـــتر‬
‫األضرحة وكسوتها‪ ،‬ووض العمائم الضخمة عليها‪ ،‬وعمل المقاصير الفخمة‪ ،‬كما هو‬
‫مشـــاهد اان؛ لما فيه من العب وصـــرف المال في غير غرس شـــرعي‪ ،‬وتضـــليل‬
‫العامة والتلبي عليهم‪ .‬وقد شــذ ‪-‬لءســف‪ -‬الشــيإل محمد أبو هرة ‪ :)2‬بوىوب وضـ‬
‫الســتائر لمقصــورة النبي ﷺ‪ ،‬مما ال يقول به أىهل النا بالتوحيد؛ لي يد في تضــليل‬
‫العامة والتلبي عليهم‪ ،‬م العلم أن القبر الشــريف داخل مقصــورة من معدن ال يرن‬
‫داخلها» ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬فتـاون ابن إبراهيم‪ )143 /1 ،‬وقـد وق هـذه الفتون عـدد من العلمـاء‪ ،‬منهم‪ :‬عبـد هللا بن حميـد‪،‬‬
‫وعبد الع ي بن با ‪ ،‬وعبد اللجيف بن إبراهيم‪ ،‬ومحمد الحركان‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ )2‬وهو‪ :‬محمد بن أحمد بن مصــجفى بن أحمد بن عبد هللا‪ ،‬المعروف بهبي هرة‪ ،‬المولود في عام‬
‫‪1316‬هــــــ)‪ ،‬ولد بمدينة المحلة الكبرن‪ ،‬محاف ة العربية إحدن محاف ات مصـر‪ ،‬وكان شـيإل‬
‫األ هر‪ .‬ان ر‪ :‬أبو هرة إمام عصره ألبي بكر عبد الر اق‪.‬‬
‫‪ ،)43 /‬لمحمد مهدي استانبولي‪.‬‬ ‫‪ )3‬تقاليد يىب أن ت ول‪،‬‬
‫‪107‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل الثال‬
‫صفة البدع داخل القبر‬
‫وفيه عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبحـ األول‪ :‬أخـذ حفنـة من تراب القبر وحثوهـا على الكفن بعـد قراءة‬
‫القرآن عليها‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬وض المصاحف وغيرها داخل القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬دفن الميت‪ .‬وفيه مجلبان‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬دفن الميت في تابوت‪.‬‬
‫ً‬
‫تفاتال به‪.‬‬ ‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬دفن الميت بىانب الجفل‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪108‬‬

‫المبح األول‬
‫أخذ حفنة من تراب القبور‪ ،‬وحثوها على الكفن‬
‫أو الكتابة عليه بتيات قرآنية أو أدعية أو أذكار‬
‫من األمور المنكرة التي فشـــــت بين النـا الكتـابـة على كفن الميـت رىـاء أن‬
‫يغفر لــــــه؛ حي يوصـي بعضـهم أقاربه أن يذكروا اسـم هللا على كفنه‪ ،‬حي يوصـي‬
‫بعضـهم أن يكتب على ىبهته أو على كفنه بسـم هللا الرحمن الرحيم»‪ ،‬وحىتهم التي‬
‫ـوال‪ ،‬ومن‬‫يعتمدون عليها‪ ،‬وأصــولهم التي يعتدون بها‪ ،‬قص ـ ورتن فيىعلونها أصـ ً‬
‫رىال أوصـى أن يكتب في ىبهته وصـدره بسـم هللا الرحمن الرحيم»‬ ‫ً‬ ‫ذلك حكاية‪ :‬أن‬
‫ففعل‪ ،‬ثم رتي في المنام فســئل‪ :‬فقال‪ :‬لما وضــعت في القبر‪ ،‬ىاءتني مالئكة العذاب‪،‬‬
‫فلمـا رأوا مكتوبـًا على ىبهتي بســـــم هللا الرحمن الرحيم» قـالوا‪ :‬أمنـت من عـذاب هللا‬
‫‪.)1‬‬
‫ومن صور هذا‪ :‬ما يسمى كتابة العهد على الكفن‪ ،‬وصيغته هو ال إله إال هللا‬
‫وهللا أكبر ال إله إال هللا وحده ال شريك لــــه‪ ،‬لــــه الملك ولــــه الحمد‪ ،‬ال إله إال هللا وال‬
‫حول وال قوة إال باهلل العلي الع يم»‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه اللهم فاجر السموات واألرس‪ ،‬عالم‬
‫الغيب والشــهادة الرحمن الرحيم‪ ،‬إني أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشــهد أنك أنت هللا‬
‫ال إله إال أنت وحدك ال شـــريك لك‪ ،‬وأن محمدًا عبدك ورســـولك ﷺ‪ ،‬فال تكلني إلى‬
‫نفسي‪ ،‬تقربني من الشر‪ ،‬وتبعدني من الخير‪ ،‬وأنا ال أثق إال برحمتك‪ ،‬فاىعل لي عهدًا‬
‫عندك توفينيه يوم القيامة إنك ال تخلف الميعاد» ‪.)2‬‬
‫وقـد ن ابن الصـــــال ‪ :)3‬على عـدم ىوا أن يكتـب على الكفن ي )‪،‬‬
‫والكهف‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬خوفًا من صديد الميت» ‪.)4‬‬
‫وكتـابـة اايـات القرآنيـة أو األحـاديـ النبويـة على ىســـــد أو كفن الميـت؛ ن‬
‫ىمـاعـة من علمـاء الســـــلف ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬عنـد كالمهم على ااداب الخـاصـــــة بـالقرآن‬

‫‪ )1‬رد المحتار على الدر المختار ‪.)186 /3‬‬


‫‪ )2‬رد المحتار على الدر المختار ‪.)186 /3‬‬
‫‪ )3‬وهو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشــهر وي الموصــلي الشــافعي المعروف بابن‬
‫الصـال من الفقهاء األصـوليين وصـاحب تحدي وتفسـير‪ ،‬ولــــــه مشـاركة في علوم أخرن ولد‬
‫بشهر ور سنة ‪577‬هــ) وتفقه على والده‪ ،‬وأفتى وتوفي بدمشق سنة ‪643‬هــ)‪ ،‬ولــه مصنفات‪:‬‬
‫شـــر مشـــكل الوســـيج للغ الي» علوم الحدي » الشـــهير بمقدمة ابن الصـــال و معرفة‬
‫المتتلف والمختلف في أسماء الرىال»‪[ .‬ان ر‪ :‬شذرات الذهب ‪.])383 /7‬‬
‫‪ )4‬حاشية ابن عابدين ‪.)186 /3‬‬
‫‪109‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ا لكريم‪ ،‬على كراهيـة كتـابـة القرآن الكريم على الىـدران‪ ،‬وعلى الثيـاب على ســـــبيـل‬
‫ا جالق؛ قال البغوي ‪ :−‬ويكره تنقيع الىدار‪ ،‬والخشـــب‪ ،‬والثياب‪ ،‬بالقرآن وبذكر‬
‫هللا تعالى» ‪.)1‬‬
‫وقـد أفتـت اللىنـة الـدائمـة للبحو العلميـة في المملكـة العربيـة الســـــعوديـة عن‬
‫حكم كتابة القرآن وتعليقه وما شابه ذلك‪ ،‬بىعله حر ً ا أو غيره فقالت‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أن ل هللا تعـالى) القرآن موع ـة وشــــفـاء لمـا في الصـــــدور‪ ،‬وهـدن‬ ‫ً‬
‫ونورا وبصيرة لمن فتح قلبه لـــــه‪ ،‬يتلوه‬
‫ً‬ ‫ورحمة للمتمنين‪ ،‬وليكون حىةً على النا ‪،‬‬
‫ويتعبد به‪ ،‬ويتدبره‪ ،‬ويتعلم منه أحكام العقائد والعبادات والمعامالت‪ ،‬ويعتصـــم به في‬
‫كـل أحوالـه‪ ،‬ولم ين ل ليعلق على الىـدران ينـة لهـا‪ ،‬وال ليىعـل حرو ً ا وتمـائم تعلق‬
‫في البيوت أو المحالت التىارية ونحوها‪ ،‬صـيانة وحف ًا لها من الحريق واللصـو ‪،‬‬
‫وما أشبه ذلك مما يعتقده بعس العامة‪ ،‬وخاصة المبتدعة‪ ،‬وما أكثرهم‪.‬‬
‫فمن انتف بالقرآن فيما أن ل من أىله‪ ،‬فهو على بينة من ربه وهدن وبصيرة‪،‬‬
‫ومن كتبه على الىدران أو على خرق تعلق عليها ونحو ذلك ينة أو حر ً ا وصـــيانة‬
‫للسـكان واألثا وسـائر المتاع‪ ،‬فقد انحرف بكتاب هللا أو بتية أو بسـورة منه عن ىادة‬
‫الهدن‪ ،‬وحاد عن الجريق السـوي والصـراج المسـتقيم‪ ،‬وابتدع في الدين ما لم يهذن به‬
‫قوال أو ً‬
‫عمال‪ ،‬ولم يعمل به الخلفاء الراشــدون‪ ،‬وســائر الصــحابة‬ ‫ً‬ ‫هللا وال رســوله ﷺ‬
‫‪ ‬وال أئمة الهدن في القرون‪ ،‬الثالثة التي شهد لها النبي ﷺ بهنها خير القرون وم‬
‫ذلـك فقـد عرس آيـات القرآن أو ســـــوره لإلهـانـة عنـد االنتقـال من بيتـه إلى مكـان آخر‪،‬‬
‫بجر هذه الخرق في األثا المتراكم‪ ،‬وكذا الحـال عنـد بالها وجرحهـا هنـا وهنـا ما ال‬
‫ينبغي‪ ،‬وىدير بالمسـلم أن يرعى القرآن وآياته‪ ،‬والمحاف ة على حرمته‪ ،‬وال يعرضـه‬
‫لما قد يكون فيه امتهان لـه ‪.)2‬‬
‫وبهـذا يتبين لنـا أن كتـابـة اايـات القرآنيـة على الكفن أو على ىســـــد الميـت من‬
‫البـدع الحـادثـة التي ال يىو فعلهـا‪ ،‬ويحرم اقترافهـا‪ ،‬كـذلـك من البـدع أخـذ حفنـة من‬
‫تراب القبر‪ ،‬وقراءة بعس آيـات القرآن عليهـا‪ ،‬ومن ثمم نثرهـا على كفن الميـت‪ ،‬لكي ال‬
‫يعذب بقبره‪ ،‬وهذا ال أصـل لــــــه فال يقي من عذاب هللا إال األعمال الصـالحة برحمة‬
‫على بدعية هذا الفعل‪ :‬الشيإل عبد الع ي بن با ‪ −‬حي‬ ‫أرحم الراحمين‪ ،‬وممن ن‬

‫‪ )1‬شر السنة للبغوي ‪ ،)529 /4‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناتوج‪.‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬فتون اللىنـة الـدائمـة‪ ،‬للبحو العلميـة وا فتـاء ‪ )46 /4‬ىم وترتيـب‪ :‬الشـــــيإل أحمـد بن‬
‫عبد الر اق الدويع‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪110‬‬

‫قال‪ :‬هذا شيء ال أصل لـــه‪ ،‬بل هو بدعة منكرة ال يىو فعلها‪ ،‬وال فائدة منها؛ ألن‬
‫النبي ﷺ لم يشـــرع ذلك ألمته‪ ،‬وإنما المشـــروع أن يضغســـل المســـلم إذا مات‪ ،‬ويضكفَّن‬
‫ويضصلى عليه‪ ،‬ثم يضدفن في مقابر المسلمين ويشرع لمن حضر الدفن أن يدعو لــه ‪-‬بعد‬
‫الفرا من الـدفن‪ -‬بـالمغفرة والثبـات على الحق‪ ،‬كمـا كـان النبي ﷺ يفعـل ذلـك‪ ،‬ويـهمر‬
‫به وباهلل التوفيق» ‪.)1‬‬
‫ولو كانت كتابة اايات تقي من عذاب القبر؛ ألرشـد إلى ذلك خير البشـر ﷺ‪،‬‬
‫ولفعل أصــحابه ذلك من بعده‪ ،‬ولو كان فيه نف في هذا الموضــ ‪ ،‬لســبقونا إليه‪ .‬فنف‬
‫قراءة القرآن وذكر هللا يحصــــل في من الحياة‪ ،‬ويحصــــل األىر بعد الممات‪ .‬وهللا‬
‫المستعان‪.‬‬

‫‪ )1‬فتاون إسالمية ‪ ،)51 /2‬للشيإل ابن با ‪.‬‬


‫‪111‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثاني‬
‫وض المصاحف وغيرها داخل القبر بقصد وغرس التبرك‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬البد أن يعلم المســــلم أن الخير كله بيد هللا‪ ،‬قال هللا تعالى)‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [آل عمران‪.]26:‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :)1 −‬أنت المتصــرف في خلقك‪ ،‬الفعال لما تريد‪ ،‬كما رد تعالى على‬
‫من تحكم عليه في قوله‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [ال خرف‪ ،]32:‬أي‪ :‬نحن نتصـــــرف في خلقنـا كمـا نريـد بال ممـان وال‬
‫مداف ‪ ،‬ولنا الحكمة والحىة في ذلك» ‪.)2‬‬
‫وقـال ﷺ‪ :‬إن هللا تعـالى يقول‪ :‬يـا آدم‪ ،‬فيقول‪ :‬لبيـك وســــعـديـك‪ ،‬والخير في‬
‫يديك» ‪.)3‬‬
‫ومن هنـا يتبين لنـا أن الخير كلـه في يـد هللا ‪ ،‬والبركـة كلهـا هلل تعـالى) ومنـه‪،‬‬
‫وهو المبارك ىل وعال)‪ ،‬فال يىو أن ينســب لشــيء بركة‪ ،‬إال إذا ىاء الدليل بذلك‪.‬‬
‫كمـا أن الشـــــيء قد يكون مبـار ًكا في موجن‪ ،‬وال يكون في موجن آخر‪ ،‬كالدعاء على‬
‫صـــعيد عرفات‪ ،‬مبارك في منه‪ ،‬وأما في غير منه فال خصـــوصـــية في صـــعيد‬
‫عرفات‪ ،‬قال ابن القيم ‪ :−‬كل كمال وخير في الموىودات‪ ،‬فهو مســتفاد من خير هللا‬
‫تعالى) وكماله في نفسـه‪ ،‬وهي تضسـتمد منه‪ ،‬وهو ال يسـتمد منها‪ ،‬وهي فقيرة إليه‪ ،‬وهو‬
‫غني عنها‪ ،‬كل منها يسهله كماله» ثم قال‪ :‬لــــه كل كمال‪ ،‬ومنه كل خير‪ ،‬لــــه الحمد‬
‫كله‪ ،‬ولـــه الثناء كله‪ ،‬وبيده الخير كله‪ ،‬وإليه يرى األمر كله‪ ،‬تبارك اسمه‪ ،‬وتباركت‬

‫‪ )1‬ابن كثير هو ا مام الحاف إســماعيل بن عمر بن كثير القرشــي‪ .‬ولد في ســنة ‪701‬هـــــــ) في‬
‫دمشـق‪ ،‬جلب العلم وهو صـغير على عدد من أهل العلم‪ ،‬كشـيإل ا سـالم ابن تيمية‪ ،‬وابن عسـاكر‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬لـــــــه العديد من المتلفات منها‪ :‬التفســير»‪ ،‬البداية والنهاية»‪ ،‬ىام المســانيد»‪،‬‬
‫وغيرها من الكتب‪ ،‬توفي‪ −‬سنة ‪774‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬شذرات الذهب ‪ ،)231 /6‬الدرر الكامنة ‪ ،)373 /1‬والبدر الجال بمحاسن من بعد القرن‬
‫الساب ‪ )153 /1‬للشوكاني]‪.‬‬
‫‪ )2‬تفسير ابن كثير ‪.)697 /2‬‬
‫‪ )3‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األنبياء‪ ،‬باب قصة يهىو ومهىو ‪ ،‬رقم‪.)3348 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪112‬‬

‫أوصـــافه‪ ،‬وتباركت أفعاله‪ ،‬وتباركت ذاته‪ ،‬فالبركة كلها لــــــــه ومنه‪ ،‬ال يتعا م خير‬
‫سئله‪ ،‬وال تنق خ ائنه على كثرة عجائه وبذله» ‪.)1‬‬ ‫ض‬
‫ثانيًا‪ :‬البد أن نعلم أن هللا اخت بعس خلقه بما شــــاء من الفضــــل والبركة‪،‬‬
‫وإذا كـانـت البركـة كلهـا هلل تعـالى) ومنـه‪ ،‬فهو المبـارك‪ ،‬ومن ألقى عليـه بركتـه فهو‬
‫المبارك‪ ،‬ولهذا كان كتابه الذي أن له مبار ًكا‪ ،‬ورسوله مبار ًكا‪ ،‬وبيته مبار ًكا‪ ،‬واأل منة‬
‫واألمكنة التي شــــرفها واختصــــها مباركة‪ ،‬وليلة القدر مباركة‪ ،‬وما حول المســــىد‬
‫األقصـى مبار ًكا‪ ،‬وأرس الشـام وصـفها بالبركة في أربعة مواضـ من كتابه أو خمسـة‪،‬‬
‫فهو المتبارك في ذاته‪ ،‬الذي يبارك فيمن شـــاء من خلقه وعليه‪ ،‬فيصـــير بذلك مبار ًكا‬
‫‪.)2‬‬
‫والبركة‪ :‬هي ثبوت الخير ا لهي في الشــيء‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [األعراف‪.]96 :‬‬
‫فســــمي بـذلـك لثبوت الخير فيـه‪ ،‬ثبوت المـاء بـالبركـة‪ ،‬والمبـارك مـا فيـه ذلـك‬ ‫ض‬
‫ً‬
‫الخير‪ ،‬لذا قال ابن ىرير في تفســير تلك ااية‪ :‬أي‪ :‬التي ىعلنا فيها الخير ثابتا دائ ًما‬
‫ألهلها» ‪.)3‬‬
‫فالتبرك هو جلب البركة‪ ،‬والتبرك بالشيء جلب البركة بواسجته‪ ،‬فالتبرك في‬
‫عا على ا جالق‪ ،‬فهناك تبرك مشـروع‪،‬‬ ‫أصـله مشـروع في ا سـالم‪ ،‬ولكنه لي مشـرو ً‬
‫وهناك تبرك محرم ممنوع‪ ،‬وال يشـــك المســـلم بهن القرآن الع يم مبارك‪ ،‬وصـــفه هللا‬
‫بذلك في أربعة مواض ‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال تعالى‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [األنعام‪.]155 :‬‬
‫‪ - 2‬وقـال تعـالى‪ ( :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ) [األنعام‪.]92 :‬‬
‫‪ - 3‬وقال تعالى‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [األنبياء‪.]50 :‬‬
‫‪ - 4‬وقـال تعـالى‪( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [ ‪ .]29 :‬فـالقرآن الكريم ىعلـه‬
‫هللا مبـار ًكا؛ لكثرة خيره ومنـافعـه الشـــــتمـاله على منـاف الدنيـا وااخرة‪ ،‬وعلوم األولين‬
‫وااخرين‪ ،‬وهذا ما ن عليه علماء التفسير عند تفسير هذه ااية‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ )73 /2 :‬بتصـرف يسـير‪ ،‬شـفاء العليل في مسـائل القضـاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬البن‬
‫القيم‪ ،‬تخريج وتعليق‪ :‬مصجفى أبو النصر الشلبي‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬بدائ الفوائد‪ ،‬البن القيم ‪ )187 ،186 /2‬بتصرف‪.‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬تفســـــير الجبري ‪ ،)43 /9‬والمفردات في غريـب القرآن للراغـب األصـــــبهـاني‪،‬‬
‫‪.)44‬‬
‫‪113‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال في اد المسير‪ :‬المبارك الذي يهتي من قبله الخير الكثير» ‪.)1‬‬


‫والمعنى‪ :‬أن لنـاه للبركـة وا نـذار‪ .‬قـال في رو المعـاني‪ :‬أي كثير الفـائـدة‬
‫والنف ؛ الشتماله على مناف الدارين‪ ،‬وعلوم األولين وااخرين صفة بعد صفة» ‪.)2‬‬
‫فهـذه اايـات كلهـا بينـت بركـة القرآن ومـا فيـه من خير‪ ،‬ولكن ال يىو أن‬
‫يوضــــ القرآن م الميـت في قبره من أىـل بركتـه‪ ،‬بحىـة تثبيتـه وتجمينـه؛ ألن هـذا‬
‫اسـتخدام لــــــه في غير موضـعه‪ ،‬وإهانة لــــــه‪ ،‬فبركة القرآن تعرف من خالل منهج‬
‫أمر لم يهت به الرسـول ﷺ فهو‬ ‫الرسـول ﷺ وسـيرته‪ ،‬وسـيرة السـلف الصـالح‪ ،‬وكل ٍ‬
‫‪)3‬‬
‫عمال لي عليه أمرنا فهو رد» ‪.‬‬ ‫مردود على صاحبه‪ ،‬قال ﷺ‪ :‬من عمل ً‬
‫فإن وضـ المصـاحف أو غيرها من الكتب م الميت في قبره‪ ،‬من البدع التي‬
‫ما أن ل هللا بها من سـلجان‪ ،‬وقد ضوىه سـتال للىنة الدائمة للبحو العلمية وا فتاء في‬
‫المملكة العربية السعودية هذا نصه‪:‬‬
‫سـتال‪ :‬عندنا هنا اهرة نريد معرفة رأي الدين فيها وهي‪ :‬يضـعون في القبر‬
‫م الميت كتابًا اسـمه الدوشـان) أو القدوة)‪ ،‬ويقول كاتبو هذا الكتاب إنه يثبعت الميت‬
‫في الىواب عن األسئلة‪.‬‬
‫ىواب‪ :‬ال يىو أن يوضـ م الميت كتاب لغرس تثبيته عند السـتال من الملكين‪ ،‬أو‬
‫ألي غرس كـان؛ ألن التثبيـت من هللا ىـل وعال)‪ ،‬كمـا قـال تعـالى‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [إبراهيم‪ ،]27:‬وألن هـذا بـدعـة‪ ،‬وقـد ثبـت عن‬
‫رســـــول هللا ﷺ أنـه قـال‪ :‬من أحـد في أمرنـا هـذا مـا لي منـه فهو رد»‪ .‬وبـاهلل‬
‫التوفيق‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد» ‪.)4‬‬
‫ولعل مما يســـتهن به في تحريم هذا األمر‪ ،‬ما أوصـــى به أبو موســـى حين‬
‫حضــره الموت؛ فقال‪ :‬إذا انجلقتم بىنا تي فهســرعوا المشــي‪ ،‬وال يتبعني مىمر ‪،)5‬‬
‫وال تىعلوا في لحـدي شـــــيئ ًـا يحول بيني وبين التراب‪ ،‬وال تىعلوا على قبري بنـاء‪،‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬اد المسير البن الىو ي ‪.)84 /3‬‬


‫‪ )2‬رو المعاني لءلوسي ‪.)221 /7‬‬
‫‪ )3‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب نقس األحكام الباجلة ورد محدثات األمور‪ ،‬رقم‪،)1718 /‬‬
‫وعند البخاري‪ ،‬كتاب الصـلح‪ ،‬باب إذا اصـجلح على صـلح ىور فالصـلح مردود‪ ،‬رقم‪)2697 /‬‬
‫بلف من أحد »‪.‬‬
‫‪ )4‬مىموع فتاون اللىنة الدائمة للبحو العلمية‪ ،‬فتاون ‪.)3596‬‬
‫‪ )5‬مىمر‪ :‬نار‪ .‬ان ر‪ :‬سنن ابن ماىه بشر السندي م حاشية البوصيري‪ ،‬حدي رقم ‪.)1487‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪114‬‬

‫وأشـهدكم أنني بريء من كل حالقة ‪ )1‬أو سـالقة ‪ ،)2‬أو خارقة ‪ ،)3‬قالوا‪ :‬أو سـمعت فيه‬
‫شيئًا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬من رسول هللا ﷺ » ‪.)4‬‬
‫فهذا الصـــحابي الىليل‪ ،‬يوصـــي بهال يىعل في لحده شـــيء‪ ،‬ولكن ما ع َّم في‬
‫بعس األمصـار تىاو الوصـف‪ ،‬حي انتشـرت بعس البدع التي توضـ م األموات‬
‫في قبورهم‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ )1‬أنه إذا مات الميت‪ ،‬يتخذ من مالبســـه ثوب‪ ،‬ويوضـ ـ فيه من شـــعره أو‬
‫شعرها الذي يهتي بعد التميشج‪ ،‬ويوض تحت رأ الميت في قبره‪.‬‬
‫‪ ) 2‬ذبح ىامو أو غيره‪ ،‬ثم يتتى بدم هذه الذبيحـة‪ ،‬ويوضــــ م الميـت في‬
‫قبره‪.‬‬
‫‪ )3‬ىعل وسادة أو نحوها تحت رأ الميت في القبر‪.‬‬
‫‪ ) 4‬في بعس البلـدان إذا مـات عنـدهم الميـت يـهخـذون ثال جينـات‪ ،‬ويىعلون‬
‫األولى تحت خده األيمن‪ ،‬والثانية تحت فخذه‪ ،‬والثالثة تحت كعبه‪.‬‬
‫‪ )5‬وض الحناء م الميت في القبر‪.‬‬
‫‪ )6‬في بعس البلدان إذا توفي الميت‪ ،‬ومضــى على وفاته أربعون يو ًما‪ ،‬تقوم‬
‫األسـرة ب يارة القبر من نسـاء وولدان‪ ،‬فيقومون بفتح القبر‪ ،‬ومعهم حبوب‬
‫وذرة ينشــرونها على الميت‪ .‬ونىد هذا العمل البدعي الذي ىم عدة بدع‪،‬‬
‫وما كان الصحابة يفتحون القبر إال لحاىة‪ ،‬كهن ينسى العمال بعس أدوات‬
‫الدفن‪ ،‬أو سقوج شيء لـه قيمة‪ ،‬أما عدا ذلك فال يىو ‪.‬‬
‫‪ )7‬أخـذ حفنـة من تراب القبر‪ ،‬وقراءة القرآن عليهـا‪ ،‬ثم حثوهـا على كفنـه حتى‬
‫ال يعذب في قبره ‪.)5‬‬
‫‪ )8‬وض قجيفة م الميت في قبره‪.‬‬
‫‪)6‬‬
‫حيـ ذهـب عـامـة أهـل العلم إلى تحريم ذلـك‪ ،‬وهو قول الىمـاهير ‪ .‬وذهـب‬
‫بعس أهل العلم إلى ىوا ذلك‪ ،‬واســـتدلوا بما رواه مســـلم‪ ،‬عن ابن عبا ‪ ،‬أنه قال‪:‬‬

‫‪.)410 /‬‬ ‫‪ )1‬الحالقة‪ :‬التي تحلق وىهها لل ينة‪ .‬ان ر‪ :‬النهاية في غريب الحدي ‪،‬‬
‫‪.)351 /‬‬ ‫‪ )2‬السالقة‪ :‬التي ترف صوتها عند المصيبة‪ ،‬المرى السابق‪،‬‬
‫‪ )3‬الخارقة‪ :‬التي تخرق ثيابها‪[ .‬ان ر‪ :‬نيل األوجار ‪.])556 /4‬‬
‫‪ )4‬أخرىـه أحمـد ‪ )397 /4‬والبيهقي ‪ )395 /3‬الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في الىنـا ة ال تتخر إذا‬
‫‪.)18 /‬‬ ‫حضرت وال تتب بنار ‪ )1487‬وحسن إسناده األلباني في أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪ ،)366 ،365 ،343 ،312 ،275 /‬وأحكـام الىنـائ وبـدعهـا‪،‬‬ ‫‪ )5‬البـدع والمحـدثـات‪،‬‬
‫‪.)317‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬حواشي الشرواني ‪.)184 /4‬‬
‫‪115‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ىعـل في قبر النبي ﷺ قجيفـة حمراء» ‪ .)1‬ورد النووي هـذا‪ ،‬حيـ قـال‪ :‬ن‬
‫الشـافعي وىمي أصـحابنا وغيرهم من العلماء‪ ،‬على كراهة وضـ قجيفة‪ ،‬أو مضـربة‪،‬‬
‫أو مخدة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬تحت الميت في القبر‪ ،‬وشذ بعضهم لهذا الحدي ‪-‬ىعل في قبر‬
‫النبي ﷺ قجيفـة حمراء‪ .‬والصـــــواب‪ :‬كراهيتـه كمـا قـالـه الىمهور‪ ،‬وأىـابوا عن هـذا‬
‫الحدي بهن شــــقران ‪ )2‬انفرد بفعل ذلك‪ ،‬ولم يوافقه غيره من الصــــحابة‪ ،‬وال علموا‬
‫بذلك‪ ،‬وإنما فعله شـقران من كراهته أن يلبسـها أحد بعد النبي ﷺ؛ ألن النبي ﷺ كان‬
‫يلبسـها ويفترشـها‪ ،‬فلم تجب نف شـقران أن يسـتبدلها أحد بعد الرسـول ﷺ‪ ،‬وورد عن‬
‫ابن عبا أنه كره أن يىعل تحت الميت ثوبًا في قبره‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)3‬‬
‫الترجيددددد د ‪ :‬لي ألحد أن يىي وضـ ثياب‪ ،‬أو قجيفة‪ ،‬م الميت في قبره‪،‬‬
‫مستدال بخبر شقران مولى رسول هللا ﷺ لما يهتي‪:‬‬ ‫ً‬
‫‪َّ )1‬‬
‫أن هذا اىتهـاد من شـــــقران‪ ،‬فعلـه دون علم الصــــحـابة‪ ،‬ولم يضوافق عليه‪،‬‬
‫‪)4‬‬
‫كره أن يىعل تحت الميت ثوبًا في قبره» ‪ ،‬ففعل شـقران‬ ‫ودليل ذلك أن ابن عبا‬
‫ضخولف بقول ابن عبا ‪.‬‬
‫‪ )2‬لم يثبـت عن رســـــول هللا ﷺ أنـه فعـل ذلـك‪ ،‬أو أمر بـه‪ ،‬م كثرة مم ِن دفن‬
‫من أصـحابه‪ ،‬ولو فعل ذلك ‪-‬ولو لمرة واحدة‪ -‬لنقل إلينا ذلك‪ ،‬فدل هذا على عدم ىوا‬
‫الفعل‪.‬‬
‫‪ )3‬قد يقول قائل‪ :‬إن ما فعله شــــقران ‪ -‬وإن كان في اىتهاده‪ -‬ال يصــــح أن‬
‫أن أحدًا أنكر ذلك على شـقران‪ ،‬فيىاب على ذلك‪ :‬بهن هذا‬ ‫يضبدَّع‪ ،‬خاصـةً أنه لم يعرف َّ‬
‫ـاصـــ ـا بـالنبي ﷺ‪ ،‬ومـا يكون خـا بـالنبي ﷺ ال يقـا بـه غيره‪،‬‬ ‫الفعـل قـد يكون خ ً‬
‫صا به ﷺ؛ لما يهتي‪:‬‬ ‫ولعل األ هر أن هذا الفعل الذي فعله شقران خا ً‬

‫‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ىعل القجيفة في القبر‪ ،‬رقم‪.)2238 /‬‬
‫‪ )2‬وهو صـــــالح بن عـدي‪ ،‬كـان غال ًمـا لرســـــول هللا ﷺ‪ ،‬وكـان قبلـه عبـدًا لعبـد الرحمن بن عوف‪،‬‬
‫بدرا وكان ممن حضــروا دفن الرســول ﷺ‪ .‬ان ر‪:‬‬ ‫فهعىب به الرســول ﷺ فاشــتراه منه‪ ،‬حضــر ً‬
‫الجبقات الكبرن ‪.)36 /3‬‬
‫‪ )3‬صـــحيح مســـلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ىعل القجيفة في القبر‪ ،‬رقم‪[ .)2238 /‬ان ر‪ :‬مختصـــر‬
‫المىموع ‪.])163 /5‬‬
‫‪.])247 /‬‬ ‫‪ )4‬رواه البيهقي في الىنائ ‪ )408 /3‬ومسلم م شر النووي‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪116‬‬

‫أ‪ -‬لقولـه ﷺ‪ :‬افرشـــــوا لي قجيفتي في لحـدي‪ ،‬فـإن األرس لم تســـــلج على‬


‫أىساد األنبياء» ‪.)2 )1‬‬
‫ب‪ -‬ألن النبي ﷺ ال يختار لـه ربه إال األفضل‪.‬‬
‫ىـــــ‪ -‬ألن هناك من أهل العلم من ىعله خصـوصـية للرسـول ﷺ ‪ .‬قال وكي ‪:‬‬
‫صا برسول هللا ﷺ » ‪ .)3‬قلت‪ :‬وهذا هو األرىح‬ ‫وكان هذا خا ً‬
‫فائدة‪ :‬علل بعس أهل العلم فعل شــــقران‪ :‬ألن أرس المدينة كانت ســــبخة‬
‫ندية» ‪ .)4‬والتعليل هذا غير منضـــبج‪ ،‬حي لو كان هو العلة؛ لفضعل هذا م ىمي مم ِن‬
‫دضفن في المدينة‪ .‬وهللا أعلم‪ .‬وقيل‪ :‬إن العبا وعليًا تنا عاها‪ ،‬فبســـجها شـــقران تحته‬
‫ﷺ لقج التنا ع ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬كن العمال في ســــنن األقوال واألفعال‪ ،‬ترتيب‪ :‬العالمة عالء الدين الهندي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إســــحاق‬
‫الجيبي‪ ،‬الحدي رقم‪ )42245 /‬وقد ع اه البن ســعد‪ ،‬وقال عنه الحســن‪ :‬إنه مرســل‪ ،‬قال في‬
‫األحادي الواردة‪ :‬هذا اللف منكر لم أىد من تابعه عليه‪.‬‬
‫‪ ،)1006 /‬والجبقات ‪ )228 /2‬والبداية والنهاية‪.])143 /8 :‬‬ ‫[ان ر‪:‬‬
‫‪ )323 /‬من هـذا‬ ‫‪ )2‬ورد حـديـ صـــــحيح حول تحريم أكـل األرس أىســـــاد األنبيـاء‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫البح ]‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬جبقات ابن سعد ‪ ،)228 /2‬البداية والنهاية ‪.)143 /8‬‬
‫‪ )4‬السـبخة‪ :‬هي األرس ذات الملح‪ ،‬والسـبإل‪ :‬المكان يسـبإل فينبت الملح وتسـوأل فيه األقدام‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫لســـــان العرب البن من ور ‪ ،)24 /3‬النهـايـة في غريـب الحـديـ ‪ ،)300 /2‬البـدايـة والنهـايـة‬
‫حي ورد فيها قول الحســــن حول كون فعل شــــقران نداوة األرس وســــبختها ‪ ،)143 /8‬رد‬
‫المحتار ‪.])165 /3‬‬
‫‪ )5‬المصدر السابق ‪.)165 /3‬‬
‫‪117‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثال‬
‫دفن الميت في تابوت‪ ،‬أو دفنه بىانب جفل تفاتالً به‬
‫* المجلب األول‪ :‬دفن الميت في تابوت‪:‬‬
‫مر معنا فيما سبق حكم ا سالم في الدفن ومشروعيته‪ ،‬وأن األصل فيه أن‬ ‫لقد َّ‬
‫يضدفن في األرس كما هي الســنة‪ ،‬حي لم يثبت عن النبي ﷺ وال عن أصــحابه أنهم‬
‫دفنوا ميتًا في صـندوق‪ ،‬وإنما الدفن في التوابيت من سـنن النصـارن‪ ،‬ولي من سـنن‬
‫ا سالم‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪ :‬وال يضستحب الدفن في تابوت؛ ألنه لم يضنقل عن النبي ﷺ وال‬
‫أصحابه‪ ،‬وفيه تشبه بههل الدنيا‪ ،‬واألرس أنشف لفضالته» ‪.)1‬‬
‫قـال النووي‪ :‬يضكره أن يـضدفن الميـت في تـابوت إال إذا كـانـت رخوة‪ ،‬أو نـديـة‪.‬‬
‫عا» ‪.)2‬‬‫وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة‪ ،‬وأ نه إىما ً‬
‫وقيل في حاشــية رد المحتار‪ :‬وال به باتخاذ تابوت ولو من حىر أو حديد‬
‫لـــه عند الحاىة‪ ،‬كرخاوة األرس» كما قال شارحه‪ :‬إال في أرس رخوة فيخير بين‬
‫الشــق واتخاذ التابوت‪ ،‬ومثله في النهر‪ ،‬ومقتضــى المقابلة أنه يضلحد‪ ،‬ويضوض ـ التابوت‬
‫في اللحد؛ ألن العدول إلى الشــــق لخوف انهيار اللحد كما صــــر به في الفتح‪ ،‬فإذا‬
‫وضـ التابوت في اللحد أمن انهياره على الميت‪ ،‬فلو لم يمكن حفر اللحد تعين الشـ َّ‬
‫ـق‪،‬‬
‫ولم يحتج إلى التـابوت‪ ،‬إال إن كـانـت األرس نـديـة يســـــرع فيهـا بالء الميـت‪ .‬قـال في‬
‫الحلية عن الغاية‪ :‬ويكون التابوت من رأ المال إذا كانت األرس رخوة أو ندية‪ ،‬م‬
‫كون التابوت في غيرها مكروهًا في قول العلماء قاجبة» وقد يقال‪ :‬يوضـ ـ التابوت‬
‫في الشق إذا لم يكن فوقه بناء؛ لئال يدم الميت في التراب‪ ،‬أما إذا كان لــه سقف‪ ،‬أو‬
‫بناء معقود فوقه‪ ،‬كقبور بالدنا‪ ،‬ولم تكن األرس ندية ولم يضلحد؛ فيكره التابوت» ‪.)3‬‬
‫سـئلت اللىنة الدائمة في المملكة العربية السـعودية عن حكم هذه المسـهلة‪،‬‬ ‫وقد ض‬
‫‪)4‬‬
‫فهىابت بعدم الىوا ‪ .‬وممن رأن عدم الىوا الشــيإل عبد هللا الىبرين‪ ،‬ون على‬
‫بدعيته ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬المغني ‪.)435 /3‬‬


‫‪ )2‬مختصر المىموع ‪.)159 /5‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ )254 /2 :‬حاشية رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬شر تنوير األبصار‪.‬‬
‫‪ )4‬اللىنة الدائمة ‪.)432 - 431 /8‬‬
‫‪ )5‬البدع والمحدثات ‪.)321‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪118‬‬

‫ومما ســـبق يتبين لنا‪ :‬أن الدفن في التابوت لي من عادة أهل ا ســـالم‪ ،‬وال‬
‫يىو إال في حاالت مســــتثناة‪ ،‬كهن يموت الميت وهو في ســــفينة‪ ،‬وســــوف يتهخر‬
‫وصــولهم للســاحل‪ ،‬فال به هنا أن يوض ـ في تابوت‪ ،‬وكذلك عند نداوة األرس‪ ،‬أو‬
‫عندما يكون الميت في بالد الكفر‪ ،‬والقانون يمن الدفن ويتعســــر نقله؛ إما لصــــعوبة‬
‫النقـل‪ ،‬أو لغالء التكـاليف‪ ،‬حيـ أنـه في بعس بالد الغرب توىـد قوانين تل م بـهن يـدفن‬
‫الميت في صــندوق‪ .‬وقد ضوىه ســتال للىنة الدائمة في المملكة العربية الســعودية هذا‬
‫نصه‪:‬‬
‫‪ :‬يوىب قانون في هذه البالد أمريكا) أن يدفن الشــــخ بصــــندوق‪ ،‬فما‬
‫حكم هذا؟‪.‬‬
‫ىــــ‪ -‬إن تيسر أن يدفن الميت المسلم بال تابوت وال صندوق‪ ،‬فهو السنة؛ ألن‬
‫النبي ﷺ لم ينقل عنه وال عن أصـــحابه ‪ ‬أنهم دفنوا ميتًا في صـــندوق‪ ،‬والخير إنما‬
‫هو في اتباعهم‪ ،‬وألن دفن الميت في صــندوق تشــبه بالكفار والمترفين من أهل الدنيا‪،‬‬
‫والموت مدعاة للعبرة والموع ة‪ ،‬وإن لم يتيسر دفنه إال بذلك‪ ،‬فال حر ؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫( ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحج‪ ،]78 :‬وقوله‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪.]286 :‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬دفن الميت بىانب جفل تفاتال به‪:‬‬
‫كمــا أن من البــدع‪ ،‬اعتقــاد بعس النــا أن الــدفن بىوار األجفــال مفيــد‪،‬‬
‫ســــئـل‬
‫ويتفـاءلون في دفن موتـاهم عنـدمـا تكون قبورهم مىـاورة لقبور األجفـال‪ ،‬وقـد ض‬
‫ً‬
‫ستاال هذا نصه‪:‬‬ ‫الشيإل ابن عثيمين ‪−‬‬
‫‪ :‬بعس من يموت لــــهم ميت يحرصون أن يدفنوه بىانب جفل‪ ،‬ويتفاءلون‬
‫بذلك بهن لـه م ية‪ ،‬ما حكم هذا الشيء؟‪.‬‬
‫ى ـ‪ -‬هذا الشيء ال أصل لــه‪ ،‬وا نسان في قبره يعذب أو ينعم بحسب عمله ال‬
‫ىارا لــه‪ ،‬فلذلك ال أصل لهذه المسهلة إجالقًا‪ ،‬فا نسان في الحقيقة في‬
‫بحسب من كان ً‬
‫قبره يضعذب أو ينعم بحســب أعماله‪ ،‬ســواء أكان ىاره من أهل الخير‪ ،‬أم من غير أهل‬
‫الخير ‪ .)1‬فموق القبر وىماله ومن بىواره ال يغير من عذاب هللا شــيئًا‪ ،‬بل المان من‬
‫العذاب هو تقون هللا والعمل الصــالح‪ .‬أما الفرار من العذاب بمثل هذه الخرافات‪ ،‬فهذا‬
‫تلبي إبلي وتدليسه‪ .‬وهللا المستعان على ما يصفون‪.‬‬

‫‪.)33 /‬‬ ‫‪ )1‬مىموع الفتاون لمحمد بن صالح العثيمين‪،‬‬


‫‪119‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل الرابـ‬
‫البدع الحادثة فيما يتعلق فـي المقابر‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬ت يين المقابر وتىميلها وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬ت يين المقبرة وتىميلها‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬وض األشىار في المقابر لغرس شرعي‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬وض م الت للتع ية‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬وض قفل على سور المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬م الع ام وقرضها‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬أكل العيدان الموىودة في المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬رمي الحبوب على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثامن‪ :‬وض الجيب على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب التاس ‪ :‬إلقاء عرائس الشكون على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬إنارة المقابر‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪120‬‬

‫المبح األول‬
‫ت يين المقابر وتىميلها‬
‫يعتبر تشـــىير المقابر‪ ،‬وإقامة الم الت أو المباني للتع ية؛ من البدع الحادثة‬
‫التي انتشــرت في بعس البلدان ا ســالمية‪ ،‬فيضلىه إلى راعة األشــىار داخل المقابر‬
‫ألهداف مختلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬ت يين المقبرة وتىميلها‪.‬‬
‫وهذا ينافي الحكمة الشـــرعية في القبور‪ ،‬فالقبور ليســـت مكانًا للمترفين‪ ،‬وال‬
‫مـهون للمتن هين‪ ،‬وإنمـا هي دار للمتع ين‪ ،‬وت يين المقـابر وتىميلهـا يتدي ألن يفتن‬
‫النا بها وبهصــــحابها‪ ،‬حي نىد من المســــلمين اليوم من يحرصــــون على ت يين‬
‫مىاال للت اهر والتفاخر‪ ،‬ويمضــي بعضــهم في الشــجج حتى يقيم‬ ‫ً‬ ‫القبور‪ ،‬ويىعلونها‬
‫هارا للميت بهنه من أولياء هللا‪ ،‬بل نىد من األغنياء من يتباهى‬ ‫ً‬ ‫الضــريح على القبر إ‬
‫بت يين وتىميـل المكـان المعـد لـدفنـه‪ ،‬أو المكـان الـذي دفن فيـه والـده أو قريبـه‪ ،‬حيـ نىـد‬
‫بعضـــــهم يىعـل المكـان الـذي فيـه قبور أقـاربـه تحفـةً من البنـاء والحـدائق الغنـاء ال مثيـل‬
‫لها‪ ،‬حي يقومون بترصــــي الفســــيفســــاء‪ ،‬واألحىار الكريمة على ىدران المقبرة‪،‬‬
‫ويقومون بوض ـ الرخام الضــخم الباه الثمن في أراضــيها‪ ،‬وال شــك أن فعل هتالء‬
‫األغنياء قد ىاء ا سـالم بتحريمه؛ ألن فيه إسـرافًا ووضـ األموال في غير موضـعها‪،‬‬
‫وفيه مخالفة لىوهر ا ســالم‪ ،‬وحكمة المقبرة‪ ،‬فشــمخت القباب واألضــرحة في أنحاء‬
‫العالم ا سالمي‪ ،‬وسابقت المتذن‪ ،‬وأقيمت الموالد‪ ،‬ولذا عرف المستعمرون والمحتلون‬
‫هذه النقجة من الضـعف‪ ،‬فعنوا بتشـييدها‪ ،‬وهذا يدل داللة أكيدة على مخالفة هذا الفعل‬
‫ألصل ا سالم وروحه‪ ،‬وسوف ألقي بإذن هللا م يدًا من التفاصيل في الفصل الخام ‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬هناك من يض األشىار في المقابر بغرس شرعي‪.‬‬
‫حي يعتقد بهن األشـىار الرجبة وال هور‪ ،‬تتدي إلى التخفيف على األموات‪،‬‬
‫مر النبي ﷺ على قبرين فقـال‪ :‬إنهمـا‬ ‫حيـ قـال‪َّ :‬‬ ‫مســــتـدلين بمـا رواه ابن عبـا‬
‫ليعـذبـان ومـا يعـذبـان في كبير‪ .‬ثم قـال‪ :‬بلى‪ ،‬أمـا أحـدهمـا فكـان يســـــعى بـالنميمـة‪ ،‬وأمـا‬
‫ااخر فكان ال يســـتتر من بوله‪ .‬قال‪ :‬ثم أخذ عودًا رجبًا فكســـره باثنتين‪ ،‬ثم غر كل‬
‫واح ٍد منهما على قبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» ‪.)1‬‬

‫‪ )1‬البخـاري‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب عـذاب القبر من الغيبـة والبول‪ ،‬رقم‪ ،)1378 /‬ومســـــلم‪ ،‬كتـاب‬
‫الجهارة‪ ،‬باب الدليل على نىاسة البول ووىوب االستبراء منه‪ ،‬رقم‪.)292 /‬‬
‫‪121‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ونام‬
‫ف نوا أن األمر يتعلق ببركـة األشــــىـار‪ ،‬والحكمـة في ذلـك أن كـل حي ٍ‬
‫يسـبح هللا دون الميت والياب ‪ ،‬وفي الحدي الشـريف إشـارة إلى أنهما يسـبحان ما دامتا‬
‫رجبتين لم تيبســـا‪ ،‬وهذا ا شـــراق الروحي للرســـول ﷺ حي يشـــاهد تســـبيح النبات‬
‫والىماد من خصـوصـياته‪ ،‬وقد يكشـف الحىاب لبعس األجهار من أمته؛ حتى يسـم‬
‫تســــبيح الكائنات‪ ،‬كما حصــــل ذلك لبعس الخوا من أهل الجريق‪ ،‬وال الت هذه‬
‫العادة عند العامة في ىمي البالد متهسـية بالرسـول الجاهر ﷺ ثم أبدلت بال هور عند‬
‫الخـاصـــــة ‪-‬والتســـــبيح من كليهمـا واق ‪ -‬والتخفيف على الترىي بيـد هللا تعـالى وهو‬
‫الرحمن الرحيم» ‪.)1‬‬
‫أيضــ ـا النبات الرجب والحشــــيع من المقبرة‬
‫ً‬ ‫وقيل في الدر المختار‪ :‬يضكره‬
‫دون اليـاب ‪ ،‬ثم قـال‪ :‬بـهنـه مـادام رجبـًا يســـــبح هللا تعـالى‪ ،‬فيتن الميـت‪ ،‬وتن ل بـذكره‬
‫الرحمة»‪.‬‬
‫أيضـــا‪ :‬ولما في األخضــــر من نوع الحياة‪ ،‬وعليه فكراهة قج ذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقيل‬
‫وإن نبـت بنفســـــه ولم يملـك؛ ألن فيـه تفويـت حق الميـت‪ .‬ويتخـذ من ذلـك ومن الحـديـ‬
‫ندب وضـ ـ ذلك لالتباع‪ ،‬ويقا عليه ما اعتيد في ماننا من وضـ ـ أغصـــان اا‬
‫أيض ـا ىماعة من الشــافعية‪ ،‬وهذا أولى مما قاله بعس المالكية‬ ‫ً‬ ‫ونحوه‪ ،‬وصــر بذلك‬
‫من أن التخفيف عن القبرين إنما حصـــل ببركة يده الشـــريفة ﷺ أو دعائه لهما‪ ،‬فال‬
‫يقا عليه غيره» ‪.)2‬‬
‫وقيل في التوســــل‪ :‬إن الفتنة التي يح بها الميت في قبره يضعفى منها متقتًا‬
‫مســتها يد صــالح‪ ،‬كذلك يضعفى منها من أكرمه هللا‬
‫من وضــ على قبره ىريدة رجبة‪َّ ،‬‬
‫بقبس روحه يوم الىمعة أو ليلتها» ‪.)3‬‬
‫‪)4‬‬
‫أيضـا ما أوصـى به الصـحابي الىليل بريدة بن الحصـيب‬ ‫ً‬ ‫ومما اسـتدلوا به‬
‫حي أوصى ‪ ‬أن توض في قبره ىريدتان ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬مىلة الرسالة والرواية العدد ‪.)836‬‬


‫‪ )2‬حاشية ابن عابدين ‪.)184 /3‬‬
‫‪.)76 /‬‬ ‫‪ )3‬التوسل باألنبياء والصالحين‪،‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬بريدة بن الحصـيب بن عبد هللا بن الحار من بني عدي بن سـهم‪ ،‬أسـلم عام الهىرة هاىر‬
‫إلى رســـــول هللا ﷺ بعـد بـدر وغ ا معـه مغـا يـه‪ ،‬توفي ‪ ‬في خالفـة ي يـد بن معـاويـة ســــنـة‬
‫‪63‬هــــــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬الجبقات الكبرن ‪ )5 /7‬والتاريإل الكبير ‪ )141 /1 /2‬وسـير أعالم النبالء‬
‫‪.])469 /2‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬الجبقات الكبرن ‪ )6 /7‬وفتح الباري في كتاب الىنائ عند شر الحدي ‪.)1361‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪122‬‬

‫قيـل في الفتح‪ :‬يحتمـل أن يكون بريـدة أمر أن يغر في هر القبر‪ ،‬اقتـدا ًء‬
‫بـالنبي ﷺ في وضــــعـه الىريـدتين في القبرين‪ ،‬ويحتمـل أن يكون أمر أن يىعـل في‬
‫داخـل القبر؛ لمـا في النخلـة من البركـة‪ ،‬لقولـه تعـالى‪ ( :‬ﯺ ﯻ) [إبراهيم‪ ،]24 :‬واألول‬
‫أ هر‪ ،‬ويتيده إيراد المصنف حدي القبرين في آخر الباب‪ ،‬وكهن بريدة حمل الحدي‬
‫خاصــا بذينك الرىلين‪ ،‬ثم قال‪ :‬وي هر من تصــرف البخاري‬ ‫ً‬ ‫على عمومه‪ ،‬ولم يره‬
‫‪)1‬‬
‫أن ذلك خا بهما لذلك عقبه بقول ابن عمر إنما ي له عمله» ‪.‬‬
‫وقد علق الشـيإل ابن با ‪ −‬على هذا الحدي بقوله‪ :‬القول بالخصـوصـية هو‬
‫الصـواب؛ ألن الرسـول ﷺ لم يغر الىريدة إال على قبور علم تعذيب أهلها‪ ،‬ولم يفعل‬
‫ســــنـةً لفعلـه بـالىمي ‪ ،‬وألن الخلفـاء الراشـــــدين وكبـار‬
‫ذلـك لســـــائر القبور‪ ،‬ولو كـان ض‬
‫عا لبادروا إليه‪ .‬أما ما فعله بريدة فهو اىتهاد‬ ‫الصــحابة لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ولو كان مشــرو ً‬
‫‪)2‬‬
‫منه‪ ،‬واالىتهاد يخجس ويصيب‪ ،‬والصواب م ترك ذلك كما تقدم‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.‬‬
‫أن ما ذهب إليه البخاري هو الصـواب؛ لما سـبق‬ ‫وقال األلباني ‪ :−‬وال شـك َّ‬
‫بيـانـه‪ ،‬ورأي بريـدة ال حىـة فيـه؛ ألنـه رأي‪ ،‬والحـديـ ض ال يـدل عليـه حتى لو كـان عـا ًمـا؛‬
‫فإن النبي ﷺ لم يضــــ الىريدة في القبر‪ ،‬بل عليه كما ســــبق‪ .‬وخير الهدي هدي‬
‫محمد» ‪.)3‬‬
‫وأمـا الحـديـ األول الـذي اعتمـدوا عليـه‪ ،‬وهو حـديـ مرور الرســـــول ﷺ‬
‫بالقبرين ‪ ،)4‬فال حىة للمىي ين به؛ لما يلي‪:‬‬
‫إن الرسول ﷺ بيَّن بهن الشىر الذي وضعه على القبر ال تهثير لــه من حي‬
‫أنه شـىر‪ ،‬وإنما التهثير بفعل شـفاعة الرسـول ﷺ؛ حي قال كما عند مسـلم من حدي‬
‫ىـابر‪ :‬إنني مررت بقبرين يعـذبـان‪ ،‬فـهحببـت‪ ،‬بشــــفـاعتي أن ي ِضرفـه ‪ )5‬عنهمـا مـا دام‬
‫الغصنان رجبين» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬فتح الباري ‪.)264 /3‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬المرى السابق ‪.)264 /3‬‬
‫‪.)258 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫‪.)181 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪ )5‬أي يخفف عنها العذاب شر النووي للحدي ‪.)7337‬‬
‫‪ )6‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب ال هد‪ ،‬باب حدي ىابر الجويل وقصة أبي اليسر‪ ،‬رقم‪.)3012 /‬‬
‫‪123‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال ابن الملقن ‪ :)1‬وضعه ﷺ الىريدتين على القبر يحتمل أوى ًها‪:‬‬
‫أحـدهـا‪ :‬أنـه ســـــهل الشــــفـاعـة لهمـا‪ ،‬ورىـا إىـابتهـا وارتفـاع العـذاب‪ ،‬أو تخفيفـه‬
‫عنهما مدة رجوبتهما؛ لبركته ﷺ‪ ،‬فهىيبت شــــفاعته بالتخفيف عنهما إلى أن ييبســــا‪،‬‬
‫ويتيده رواية مســـلم من حدي ىابر الجويل أحببت بشـــفاعتي أن يرفه عنهما مادام‬
‫الغصنان رجبين» ‪ ،)2‬وإن كانت قضية أخرن‪ ،‬فيكون المعنى فيهما واحدًا‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنه كان يدعو لهما تلك المدة‪.‬‬
‫‪)3‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنه أوحي إليه التخفيف عنهما في تلك المدة» ‪.‬‬
‫أما احتىاىهم بهن البركة بســبب تســبيح الىريدتين ما دامتا رجبتين‪ ،‬وأن علة‬
‫التخفيف هي رجوبة الىريدتين؛ ألنهما في حالة تســـبيح‪ ،‬فتنال الميت بركة من ىراء‬
‫تسـبيحهما‪ ،‬ولذا فال حر من وضـ األغصـان الرجبة واألشـىار الندية على القبور؛‬
‫ليخفف عن أهلها‪ ،‬فالرد عليه من أوىه‪:‬‬
‫مر معنا أن الرسـول ﷺ ع ا ذلك لشـفاعته؛ حي قال‪ :‬فهحببت‬ ‫‪ )1‬سـبق أن َّ‬
‫‪)4‬‬
‫بشـفاعتي أن يرفه عنهما مادام الغصـنان رجبين» فهذا صـريح في أن رف العذاب‪،‬‬
‫إنما هو بسـبب شـفاعته ﷺ ودعائه‪ ،‬ال بسـبب النداوة‪ ،‬وسـواء اتحدت قصـة ابن عبا‬
‫م ىـابر‪ ،‬أم تعـددت‪ ،‬فـإنـه على كال االحتمـالين العلَّـة واحـدة في القصـــــتين؛ للتشـــــابـه‬
‫الموىود بينهمـا‪ ،‬وألن كون النـداوة ســـــببـًا لتخفيف العـذاب عن الميـت‪ ،‬ممـا ال يعرف‬
‫عقال‪ ،‬ولو كـان األمر كـذلـك؛ لكـان أخف النـا عـذابـًا في قبورهم الكفـار‬ ‫عـا وال ً‬ ‫شـــــر ً‬
‫‪)5‬‬
‫الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالىنان ‪.‬‬
‫إن حصـــول العذاب على الميت من األمور الغيبية التي ال يجل عليها إال هلل‪،‬‬
‫أو من أجلعـه هللا‪ ،‬قـال تعـالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ‬
‫ﰈ ﰉ ﰀ) [الىن‪ .]27 ،26 :‬فحينما توضــ األشــىار على القبور بقصــد التخفيف‪ ،‬فال‬

‫‪ )1‬هو ا مام عمر بن علي بن أحمد سـرا الدين المشـهور بابن النحوي‪ .‬وكان يغضـب بتلقيبه بابن‬
‫الملقن‪ ،‬ولد في القاهرة سنة ‪ ،)723‬تتلمذ على ىم من العلماء من أبر هم السبكي وأبو حيان‪،‬‬
‫ابن حىر‪ ،‬توفي ‪−‬‬ ‫ولـــــــه عدد من التالميذ ال يحصــون من أبر هم الحاف العراقي‪ ،‬والحاف‬
‫بعدما قدم لءمة تراثًا من أشــهره ا عالم بفوائد عمدة األحكام» توفي ســنة ‪ )804‬عن عمر‬
‫يناه الحادي والثمانين‪[ .‬ان ر‪ :‬شذرات الذهب ‪ )44 /7‬والبدر الجال ‪.])508 /1‬‬
‫‪.)139 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬ان ر‪ )536 /1 :‬ا عالم بفوائـد عمـدة األحكـام البن الملقن عمر األنصـــــاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبـد‬
‫الع ي المشيقح‪.‬‬
‫‪.)184 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‪،‬‬
‫‪ )5‬ا عالم بفوائد عمدة األحكام ‪.)537 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪124‬‬

‫شــك أن هذا يع ند رى ًما بالغيب؛ ألنه يحكم على أن من في القبر يعذب‪ ،‬فالرســول ﷺ‬
‫وضعها وخ بها قبرين دون بقية القبور؛ لعلمه بهنهما يع َّذبان‪.‬‬
‫احتىـاىهم بـهن ســــبـب تـهثير النـداوة بـالتخفيف عن ال ضمعـ َّذب في قبره كونهـا‬
‫تسـبح هللا‪ ،‬فإذا يبسـت انقج تسـبيحها‪ ،‬فهذا قول قد أوهنه الضـعف؛ ألن التسـبيح لي‬
‫خاص ـا بالكائنات الحية‪ ،‬بل كل موىود يســبح هللا‪ ،‬قال تعالى (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ً‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [ا ســراء‪ ،]44 :‬فدلت هذه ااية على وهن هذا القول‪ ،‬ومما ي يد في‬
‫وهنه أن في حدي ابن عبا ما يشــير إلى أن الســر لي في النداوة‪ ،‬وليســت هي‬
‫ً‬
‫جوال‪،‬‬ ‫السـبب في تخفيف العذاب‪ ،‬وذلك قوله‪ :‬ثم دعا بعسـيب فشـقه اثنين» ‪ )1‬يعني‬
‫فإن من المعلوم أن شــقَّه ســبب لذهاب النداوة من الشــق ويضبســه بســرعة‪ ،‬فتكون مدة‬
‫التخفيف أقل مما لو لم يشـق‪ ،‬فلو كانت هي العلة؛ ألبقاه ﷺ بدون شـق‪ ،‬ولوضـ على‬
‫كل قبر عسيبًا أو نصفه على األقل‪ ،‬فإذا لم يفعل دل على أن النداوة ليست هي السبب‪،‬‬
‫وتعين أنها عالمة على مدة التخفيف الذي أذن هللا به اســـتىابة لشـــفاعة نبيه ﷺ‪ ،‬كما‬
‫هو مصـر به في حدي ىابر ‪ ،)2‬وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السـبب‪ ،‬وإن احتمل‬
‫اختالفهما في الواقعة وتعددها» ‪.)3‬‬
‫‪ )2‬لو كانت النداوة مقصـــودة؛ لفهمها الســـلف الصـــالح‪ ،‬ولعملوا بمقتضـــاها‬
‫ولرأيناها تتناقـــل وتتواتـــر‪ ،‬وأما االستناد على خبر أن أبا بر ة األسلمي ‪  )4‬كان‬
‫يوصي أن توض في قبره ىريدتان ‪ ،)5‬فالرد عليه من وىوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن األثر ال يصح إسناده‪.‬‬

‫‪.)139 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬سبق تخريىه ‪.)139‬‬
‫‪.)258 /‬‬ ‫‪ )3‬أحكام الىنائ‬
‫‪ )4‬هو نضـلة بن عبد هللا‪ ،‬وقيل‪ :‬ابن عبيد بن الحار من بني أسـلم‪ ،‬أسـلم قدي ًما‪ ،‬شـهد م الرسـول‬
‫ﷺ الفتح وما بعده‪ ،‬مات بمرو‪[ .‬الجبقات الكبرن ‪ )6 /7‬والتقريب ‪.])394 /2‬‬
‫‪ )5‬قال األلباني‪ :‬وهذا األثر ال يصــح إســناده‪ ،‬فقد أخرىه الخجيب في تاريإل بغداد‪ ،‬ألبي بكر أحمد‬
‫بن علي الخجيـب البغـدادي ‪ ،)183 - 182 /1‬ومن جريقـه أخرىـه ابن عســـــاكر في تـاريإل‬
‫دمشـق‪ ،‬في آخر ترىمة رقم نضـلة بن عبيد بن أبي بر ة األسـلمي عن الشـاه عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو صـالح سـليمان بن صـالح الليثي‪ ،‬قال‪ :‬أنبهنا النضـر بن المنذر بن ثعلبة العبدي عن حماد ابن‬
‫سلمة به‪ .‬قلت‪ :‬فهذا إسناد ضعيف‪ ،‬ولــــه علتان‪ :‬األولى‪ :‬ىهالة الشاه والنضر‪ ،‬فإني لم أىد لهما‬
‫ترىمة رقم‪ .‬واألخرن‪ :‬عنعنة قتادة‪ ،‬فإنهم لم يذكروا لــــــــه رواية عن أبي بر ة‪ ،‬ثم هو مذكور‬
‫‪.])257 /‬‬ ‫بالتدلي فيخشى من عنعنته في مثل إسناده هذا»‪[ .‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫‪125‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ب‪ -‬أن الحدي الذي اسـتدلوا به على ىوا وضـ األشـىار على القبور لي‬
‫كخبر أبي بر ة؛ ألن فعل الرســول ﷺ هو وضــ الىريد فوق القبر‪ ،‬وأما خبر أبي‬
‫بر ة فهو وض الىريد داخل القبر‪ ،‬فقياسهم ال يصح‪ ،‬ناهيك عن ضعف الخبر‪.‬‬
‫‪ )3‬قال الخجابي ‪ :− )1‬وأما غرسـه شـق العسـيب على القبر‪ ،‬وقوله‪ :‬ولعله‬
‫يخفف عنهمـا مـا لم ييبســـــا)؛ فـإنـه من نـاحيـة التبرك بـهثر النبي ﷺ ودعـائـه بـالتخفيف‬
‫عنهما‪ ،‬وكهنه ﷺ ىعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًا بما وقعت به المســــهلة من تخفيف‬
‫العـذاب عنهمـا‪ ،‬ولي ذلـك من أىـل أن في الىريـد الرجـب معنى لي في اليـاب ‪،‬‬
‫والعـامـة في الكثير من البلـدان تفرع الخو في قبور موتـاهم‪ ،‬وأراهم ذهبوا إلى‬
‫هذا‪ ،‬ولي لما تعاجوه في ذلك وىه‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)2‬‬
‫ـرارا على هذا‬ ‫وقال أحمد شـاكر ‪ :−‬وصـدق الخجابي‪ ،‬وقد ا داد العامة إص ً‬
‫صر‪ ،‬تقليدًا للنصارن‪ ،‬حتى‬ ‫صا في بالد عم ِ‬ ‫العمل الذي ال أصل لـــه‪ ،‬وغلوا فيه‪ ،‬خصو ً‬
‫صـــاروا يضـــعون ال هور على القبور‪ ،‬ويتهادونها بينهم‪ ،‬فيضـــعها النا على قبور‬
‫أقاربهم ومعارفهم تحيَّة لهم‪ ،‬ومىاملة لءحياء‪ ،‬حتى صـارت عادة ً شـبيهة بالرسـمية في‬
‫المىامالت الدولية‪ ،‬فتى ضد الكبراء من المسـلمين إذا ن لوا بلدة من بالد أوربا ذهبوا إلى‬
‫قبور ع مائها‪ ،‬أو إلى قبر من يسـمونه الىندي المىهول)‪ ،‬ووضـعوا عليها ال هور‪،‬‬
‫عا لسـنن من‬ ‫وبعضـهم يضـ ال هور الصـناعية التي ال نداوة فيها تقليدًا لإلفرنج‪ ،‬واتبا ً‬
‫قبلهم‪ ،‬وال ينكر ذلك العلماء أشـــباه العامة‪ ،‬بل تراهم أنفســـهم يضـــعون ذلك في قبور‬
‫موتـاهم‪ ،‬ولقـد علمـت أن أكثر األوقـاف التي تســـــمى أوقـا ًفـا خيريـة موقوف مر ِيعض مهـا على‬
‫الخو والريحان الذي يوضـ على القبور‪ ،‬وكل هذه بدع ومنكرات ال أصـل لها في‬
‫الدين‪ ،‬وال سـند لها في الكتاب والسـنة‪ ،‬ويىب على أهل العلم أن ينكروها‪ ،‬وأن يبجلوا‬
‫هذه العادات ما استجاعوا» ‪.)3‬‬
‫ويتبين لنا‪ ،‬من خالل هذا االسـتعراس ألقوال أهل العلم أن تشـىير المقابر أو‬
‫وضـ ـ ال هور على القبور بدعة‪ ،‬ما أن ل هللا بها من ســـلجان‪ ،‬ويشـــتد إثمها ويع م‬
‫و رها؛ إذا صـاحبتها نية التخفيف على الميت‪ ،‬فربما وضـعت على قبر رىل أمن من‬

‫‪ )1‬هو ا مام العالمة الحاف اللغوي أبو ســـليمان حمد بن محمد بن خجاب البســـتي الخجابي‪ ،‬ولد‬
‫سنة بض عشر وثالثمائة‪ ،‬كان من فقهاء الشافعية لــــه تصانيف كثيرة من أبر ها معالم السنن‪،‬‬
‫وله شر األسماء الحسنى‪ ،‬توفي في سنة ‪388‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ ،)23 /17‬العبر ‪.])39 /3‬‬
‫‪ )2‬معالم السنن ‪.)18 /1‬‬
‫‪ )3‬أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي ‪.)103 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪126‬‬

‫عذاب القبر‪ ،‬يهتيه من نعيم الىنة وريحها‪ ،‬وربما وضـــعت على قبر مم ِن يضســـام ســـوء‬
‫غدوا وعشـ ـيًّا‪ ،‬فمن أنبه واضـ ـ ال هور واألشـــىار عن‬ ‫ضعرس على النار ً‬ ‫العذاب‪ ،‬وي م‬
‫حال مم ِن في القبور؟‪.‬‬
‫إن هذه البدعة مســـتوردة من اليهود والنصـــارن الذين يضـــعون على قبور‬
‫موتاهم ال هور والورود‪ .‬أما ىعلها سـنة من بض عع م رحمة للعالمين‪ ،‬فدونها ودون الحق‬
‫خرج القتاد‪ .‬وهللا المستعان‪.‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬وض م الت للتع ية‪:‬‬
‫يعتبر وضــــ م الت في المقـابر بقصـــــد أن يىتم فيهـا أهل الميـت‪ ،‬ليتلقوا‬
‫عا من البناء الذي سنتعرس لـه بالتفصيل‬ ‫الع اء أو ليخفف عنهم من وهج الشم ‪ ،‬نو ً‬
‫‪-‬إن شـــــاء هللا‪ -‬في الفصـــــل الخـام ‪ .‬ولكني أفردت هـذه الى ئيـة ألهميتهـا؛ ألنـه أمر‬
‫ضمح مد ‪ ،‬وســـــببه موىود في من النبي ﷺ ولم يفعله؛ فدل على بدعيته‪ ،‬وممن ن‬
‫على بدعية هذا األمر الشـــيإل محمد بن إبراهيم ‪ −‬حي وىه ســـماحته هذا الخجاب‪:‬‬
‫من محمد بن إبراهيم إلى حضـرة المكرم رئي ديوان ىاللة الملك وفقه هللا‪ .‬السـالم‬
‫عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ .‬وبعد‪،.‬‬
‫فـبـــا شـــــــارة إلـى الـمـعـــامـلـــة الـواردة إلـيـنـــا مـنـكـم بـرقـم‪ .../11/15 :‬فـي‪:‬‬
‫‪1377/2/19‬هــــــــ‪ ،‬والمختصـــة بجلب بلدية الجائف بناء م لة عند المقبرة الواقعة‬
‫ىنوب مســىد ابن عبا ‪ ،‬وما عارضــت به رئاســة القضــاء‪ ،‬ورئي هيئة األمر‬
‫مىلس ـا لع اء المصــاب بالميت‪ ،‬وهو‬‫ً‬ ‫بالمعروف بالجائف معللين بقصــد اتخاذ الم لة‬
‫عا؛ وألنه لم يكن على عهد الســلف‪ ،‬وربما يكون ذريعة إلى مفاســد‬ ‫أمر ال ينبغي شــر ً‬
‫أخرن‪ ،‬وبتـهمل ذلك وىدت تلـك المعـارضـــــة في محلهـا‪ ،‬وحينئـذ ينبغي من البلـدية من‬
‫بناء تلك الم لة‪ ،‬وهللا يحف كم ‪ .)1‬فوضـــ م الت التع ية إحدا في دين هللا‪ ،‬وبناء‬
‫في المقابر‪ ،‬وقد ورد النهي عن البناء فيها‪ ،‬فيحرم‪ ،‬مهما كانت العلة أو الســــبب‪ .‬وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬وض قفل على سور المقبرة‪:‬‬
‫يلح من يــــــ ور المقابر ‪-‬وبالذات قبور الصـحابة أو من يسـمون باألولياء‪-‬‬
‫وىود بعس األقفال على شـــبابيك وأســـوار المقبرة‪ ،‬وذلك يعود إلى اعتقاد ال ائر أنه‬
‫بفعل هذا يربج بين قلبه وبين الميت‪ ،‬جالما أن القفل ال ي ال موىودًا بمكانه‪ ،‬وبعضهم‬
‫يىعلهـا من بـا ب الـذكرن التي تـذكر الميـت ب ائره‪ ،‬وال شـــــك أن هـذا منكر ع يم‪ ،‬نتج‬
‫عن اعتقاد الىهال بهن هتالء األموات يملكون النف والضـــر؛ فلذا ربجوا فيما ي نون‬
‫بين قلوبهم وبين قلوب األموات بهـذا الفعـل الشـــــني ؛ وهـذه البـدعـة لم أرهـا دونـت في‬

‫‪.)94 ،93 /‬‬ ‫‪ )1‬من بدع القبور‪،‬‬


‫‪127‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫كتاب‪ ،‬وإنما شــاهدتها بعيني في مقبرتي البقي والشــهداء‪ ،‬واســتفســرت من القائمين‬


‫عليها عن العلة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬م الع ام وقرضها‪:‬‬
‫يعتبر م الع ام التي توىد في المقابر‪ ،‬أو قرضــها من المنكرات الع يمة‪،‬‬
‫ومن البدع الحادثة التي تنبس عما وصــــل إليه بعس هذه األمة من ىهل ع يم‪ .‬حي‬
‫توىد بعس المقابر الضــــيقة صــــغيرة الحىم‪ ،‬والتي يحر النا على الدفن بها‪،‬‬
‫وبالذات مقبرة البقي ؛ حي قســـمت هذه المقبرة إلى مربعات‪ ،‬وكلما امتء مرب انتقل‬
‫إلى المرب ااخر‪ ،‬فـإذا امتءت المقبرة نضبعشـــــت قبور من في المرب األول‪ ،‬وهكـذا‪.‬‬
‫ويصدف أن يقوم الحفار بنبع القبر‪ ،‬ويرمي بعس الع ام البالية التي قد اختفت داخل‬
‫الجينـة‪ .‬وبعـد مرور أيـام قـد تن ل األمجـار‪ ،‬أو تهـب الريـا ‪ ،‬فتفصـــــل الع مـة عن‬
‫التربة‪ ،‬فينكشـــف الع م لل وار‪ ،‬فيتســـابق إليه بعس الىهال من ال وار ويســـارعون‬
‫لل فر به‪ ،‬ويبادر ال افر به إلى مصــــه أو لعقه إن كان قاســـيًا‪ ،‬فإن كان ع ًما رقيقًا‬
‫صــغيرا بادر لقرضــه‪ ،‬أو دقه وأكله؛ العتقاده أن هناك بركة في هذا الع م‪ ،‬بل ربما‬‫ً‬
‫ن أن هذا الع م لصــحابي أو تابعي‪ ،‬وال شــك أن هذا منكر ع يم‪ ،‬وحرمته اهرة‬
‫وواضحة من خالل أن هذا أكل لىسد آدمي‪ .‬وأكل ىسد اادمي ال يىو ‪ ،‬وإنما تنا ع‬
‫العلماء في أكله عند االضــجرار‪ ،‬قال المالكية ‪ :)1‬ال يىو تناول اادمي ســواء أكان‬
‫حيًّا أو ميتًا ‪ ،)2‬واستدلــــوا بقوله تعالى‪( :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [ا سراء‪.]70 :‬‬
‫‪)3‬‬
‫وبقوله ﷺ‪ :‬كسر ع م الميت ككسره حيًّا» ‪.‬‬
‫وهناك من العلماء من أىا أكله عند االضــــجرار وذلك عند الشــــافعية‪ ،‬قال‬
‫النووي ‪ : −‬فإن ىو نا األكل من اادمي الميت‪ ،‬فال يىو أن يهكل منه إال ما يســـد‬
‫شيه‪ ،‬بل أكله نيئًا؛ ألن الضرورة تندف‬
‫الرمق بال خالف‪ ،‬ثم قال‪ :‬ولي لـه جبخه وال ع‬
‫بذلك» ‪.)4‬‬
‫فيلح أن من أىا أكل لحم ميت‪ ،‬أىا ه للضـرورة القصـون‪ ،‬فهين الضـرورة‬
‫عند أولئك الذين يتســابقون ألكل ع ام األموات بقصــد التبرك؟! فال شــك أنهم ىمعوا‬

‫‪ )1‬ان ر‪ )184 /2 :‬الشر الصغير‪ ،‬م بلغة السالك للصاوي‪.‬‬


‫‪ )2‬المغني م الشر الكبير ‪.)79 /11‬‬
‫‪ )3‬رواه أحمـد في المســــنـد ‪ )58 /1‬وابن ماىه‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬باب في النهي عن كســـــر ع ـام‬
‫الميت‪ ،‬رقم‪ )1616 /‬وصــححه األلباني في صــحيح ســنن ابن ماىه‪ ،‬رقم‪ )1320 /‬وا رواء‬
‫‪.)763‬‬
‫‪ )4‬المىموع ‪.)44 /9‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪128‬‬

‫منكرات ع يمة من هتك لحرمة مســلم ميت‪ ،‬وأكل لع م ميت لغير ضــرورة‪ ،‬و عم‬
‫بركة فيما لم يهذن به هللا‪ .‬فاهلل المستعان‪.‬‬
‫* المجلب الساد ‪ :‬أكل العيدان الموىودة في المقبرة‪:‬‬
‫بلغ هو عباد القبور منتهاه‪ ،‬وذلك عندما وصـــل اعتقادهم إلى أن كل ما في‬
‫القبور قد حلت به البركة من ىراء وىوده في قبور الصـــحابة أو الصـــالحين‪ .‬ويلح‬
‫ذلك من يقوم ب يارة مقبرة البقي ؛ حي ترمي الريا بقج من األخشـــاب الصـــغيرة‬
‫إلى سـاحة المق برة‪ ،‬وتق على بعس القبور‪ ،‬وما إن يرها مفتون إال ويبادر بهخذها‪ ،‬ثم‬
‫يقوم بمصــــها‪ ،‬أو لعقها‪ ،‬أو علكها‪ ،‬أو مضــــغها‪ ،‬أو تقبيلها؛ باعتقاد نفعها‪ ،‬أو برىاء‬
‫بركتها‪ ،‬ودليله‪ :‬أنه لو لم تكن مباركة ونافعة‪ ،‬لم توىد في المقبرة‪ .‬وال شــــك بهن هذه‬
‫والمحرمـات ال ـاهرة‪ ،‬والمخـالفـات البينـة التي ال أصـــــل لهـا في‬
‫َّ‬ ‫من البـدع المحـدثـة‬
‫ا سالم‪ .‬وهللا المستعان‪.‬‬
‫* المجلب الساب ‪ :‬رمي الحبوب على القبور‪:‬‬
‫يقوم بعس وار القبور برمي حبوب من القمح على القبور؛ وذلك ألســــباب‬
‫متعددة‪:‬‬
‫شـفوا من‬‫ض‬ ‫‪ )1‬النذر حي يقوم بعس المرضـى بالنذر هلل ىل وعال) بهنهم إذا ض‬
‫مرضــــهم‪ ،‬أو حضــــر غائبهم‪ ،‬يقومون برمي حبوب القمح أو الذرة على‬
‫القبور‪ ،‬هدية منهم لساكني هذه القبور‪.‬‬
‫‪ ) 2‬يوصـــــي بعس المفتونين رفيقــه أو قريبــه الــذي ســـــوف يقوم ب يــارة‬
‫األضـــرحة‪ ،‬بهن يرمي عند الضـــريح أو في المقبرة حبوب القمح‪ ،‬كهدية‬
‫منه لصاحب الضريح‪.‬‬
‫‪ )3‬يقوم بعضــهم بوضــعها؛ حتى إذا رأتها الجير ىاءت‪ ،‬فهكلت منها وتكون‬
‫أيضــا تســـبح هلل عند أكلها‪،‬‬‫ً‬ ‫عند األكل مســـبحة هلل‪ .‬ويعتقدون بهن الحبوب‬
‫فيستفيد الميت من تسبيحها‪.‬‬
‫‪ )4‬يض يَّن لبعس النا أن هذه القبور مباركة‪ ،‬فيقوم بوضــــ الحبوب عليها؛‬
‫حتى تنـالهـا البركـة‪ ،‬فـإذا ار المريس القبر ووىـد هـذه الحبوب قـام بـهكلهـا‪،‬‬
‫مهىورا باعتقاده؛ ألنه‬
‫ً‬ ‫فيبرأ من مرضـه‪ ،‬ويشـفى من علته‪ ،‬فيكون واضـعها‬
‫عندما وضـــعها حلت بها البركة فاســـتفاد منها وار القبور‪ ،‬فيشـــفى منها‬
‫المريس‪ ،‬وتحمل ببركتها العاقر‪ ،‬وتن رع بفضـــلها المحبة بين ال وىين‪،‬‬
‫وت ول الخصومة بين المتشاىرين‪ .‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫‪ )5‬يعتقد بعس ال وار أنه إذا رمى الحبوب رضـي عنه صـاحب القبر‪ ،‬وأذن‬
‫لـــه ب يارته‪ ،‬فتحصل لـــه من ىراء هذا بركة تكرار ال يارة‪ ،‬وال شك أن‬
‫هذا الفعل ال أصل لـه وال مسو ‪ ،‬بل هو من ت يين الشيجان‪.‬‬
‫* المجلب الثامن‪ :‬وض الجيب على القبور‪:‬‬
‫‪129‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وحرصـا على تكرار ياراتهم‪ ،‬واسـتن افًا ألموالهم‪،‬‬


‫ً‬ ‫مبالغةً في خداع ال وار‪،‬‬
‫يقوم بعس حرا المقابر أو خدام األضـرحة بوضـ األجياب والعجور على القبور‪،‬‬
‫فيتوهم ال ائر بهن هذه الرائحة مصــــدرها هذا القبر فيعتقد فيه‪ ،‬ويســــتغل الحار أو‬
‫الخادم أو البواب الفرصة‪ ،‬ويعرس على ال ائر خدماته من خالل قيامه بالتوسج لــــه‬
‫عند صــاحب الضــريح أو ســاكن القبر؛ ليقضــي حوائىه مقابل مبلغ يدفعه ال ائر لهذا‬
‫الحار ‪ ،‬وهكذا يخدع عوام المسـلمين‪ ،‬وتضـي عقيدتهم‪ ،‬وتهدر أموالهم مقابل دراهم‬
‫معدودة‪ ،‬فإلى هللا المشتكى‪.‬‬
‫* المجلب التاس ‪ :‬إلقاء عرائس الشكون على القبور‪:‬‬
‫إن من أع م البدع ما يفعله العامة من تقديم عرائس الشــكاون وإلقائها داخل‬
‫الضـريح‪ ،‬اعمين أن صـاحب الضـريح يفصـل فيها‪ ،‬وبيده حلها وربجها‪ .‬فلربما قدموا‬
‫شـــ ِع ًرا من المعتدي؛ من أىل أن يضحد‬ ‫م هذه الخجابات نقودًا؛ من أىل تحفي ه‪ ،‬أو م‬
‫ضررا‪ ،‬فال يعود ال الم بمثله‪.‬‬
‫ً‬ ‫له صاحب الضريح‬
‫والغريب أن هذه العرائس ليســـت من العامة أو ىاهالت النســـاء فقج‪ ،‬بل قد‬
‫مهندس ـا أو صــاحب‬
‫ً‬ ‫المرس ـلين من يحف القرآن الكريم‪ ،‬أو أســتا ًذا ىامعيًا أو‬
‫ع‬ ‫تىد من‬
‫تخص نادر‪.‬‬
‫ـورا شــكاون‪ ،‬وكهنه حي‬‫يلقون إلى الميت الذي ال يملك موتًا وال حياة وال نشـ ً‬
‫يســـــم ويقرأ‪ ،‬وبين أيـديهم واقف يحكم ويفصـــــل‪ ،‬يخـاجبون الميـت خجـاب الواثق‬
‫بنصــره‪ ،‬بل ويذكرونه بما أســدن لهم من معروف ســابق أو تفريج لكرب قد مضــى‪،‬‬
‫نفعـا لغيره لبـادر بنف نفســـــه‪ ،‬ومن عنهـا‬ ‫ويخلعون على هـذا الميـت ‪-‬الـذي لو ملـك ً‬
‫الموت‪ -‬صـفات التبىيل فتىد في رسـائل هتالء المقبورين الكلمات الكفرية والعبارات‬
‫والنداءات الشــركية‪ ،‬ويخلعون على هذا المســكين الضــعيف ألقاب التع يم وخجابات‬
‫التفخيم‪ ،‬وكهنه ع يم من الع ماء وســلجان من الســالجين‪ ،‬يقف بينهم ينادونه‪ ،‬وكهنه‬
‫ذو قدرة تخرق الحىب‪.‬‬
‫تىد من هتالء من يتوسـل بصـاحب الضـريح إلى هللا ىل وعال)‪ ،‬أو يتوسـل‬
‫األمر واألشـد مرارة أنك تىد منهم من يتوسـل‬ ‫ن‬ ‫بصـاحب الضـريح إلى الرسـول ﷺ‪ ،‬بل‬
‫بربه إلى صــاحب الضــريح‪ ،‬أو بنبيه‪ ،‬كقول بعضــهم‪ :‬يا إمام‪ ،‬وســجت هللا عليك‪ ،‬أو‬
‫كقول بعضهم‪ :‬يا صاحب الضريح‪ ،‬أتوسل إليك بالنبي فهن لوا صاحب الضريح من لة‬
‫فوق من لة ربه سبحانه‪.‬‬
‫ولقد يسـر هللا لي يارة بعس المشـاهد في العالم ا سـالمي‪ ،‬ورأيت الكثير من‬
‫الخجابات والعرائس التي تقدم ألصــحاب األضــرحة بلغات مختلفة وخجوج متفاوتة‪،‬‬
‫ولقد حصــلت على كتاب ع يم النف لباح مصــري‪ ،‬ىم لعدة أشــهر ما يضلقى على‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪130‬‬

‫ضريح ا مام الشافعي‪ ،‬وقد ىم عشرات الرسائل‪ ،‬وقام بتحليلها من ناحية اىتماعية‪.‬‬
‫وســوف أورد بعس النماذ من هذه الرســائل التي تتكد شــدة اعتقاد ضى َّهال ا ســالم‬
‫بهتالء األموات‪ ،‬وإليك هذه النماذ ‪:‬‬
‫‪ -1‬سـيدي البجل الشـهير أنا في عرس هللا وعرضـك‪ ،‬وببركة هللا وبركتك‪،‬‬
‫تبين لنا في هذا ســـرق الديوك الرومي‪ ،‬وببركة هللا وبركتك‪ ،‬وإن هللا حاكم عادل بيننا‬
‫وبينه يصـرف ف يه هو هللا ال إله إال هو الحي القيوم وهو على كل شـيء قدير‪ ،‬وحسـبنا‬
‫هللا ونعم الوكيـل‪ ،‬وال حول وال قوة إال بـاهلل العلي الع يم‪ ،‬وحســـــبنـا هللا ونعم الوكيـل‬
‫على كل من ســــرق هذا الديوك تبين لنا فيه‪ .‬هللا يا ســــيدي يا إمام يا شــــافعي‪ .‬ياللي‬
‫شرعت بين أمك وأبوك‪ ،‬تبين لنا في الذي أخذ هذا الديوك الرومي‪ ،‬وال إذا كان الدعو‬
‫كاذب تبين في هذا الشخ الذي ادعى هذا الكذب يا إمام يا شافعي» ‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬صـاحب الفضـيلة‪ ،‬سـيدنا وموالنا قاضـي شـريعة ا سـالم‪ ،‬ا مام على‬
‫الشــافعي ‪ ‬وأرضــاه وىعل مســكنه الرفيق األعلى‬ ‫التحقيق ســيدنا محمد بن إدري‬
‫بىواره ‪ ‬آمين‪.‬‬
‫يتشـــرف بعرس هذا لفضـــيلتكم العبد الفقير الذليل المقر بالعى والتقصـــير‬
‫المحسـوب على هللا ثم على فضـيلتكم فالن من البتانون‪ ،‬مرك شـبين الكوم‪ ،‬المنوفية‪.‬‬
‫أعرس ااتي ضــد فالن بن فالنة‪ :‬إن المذكور أعاله اغتالني في مبلغ ‪ 900‬تســعمائة‬
‫مرارا يماجل‪ ،‬ولم يدف وأمبمى عن الدف ‪ .‬ولكوني رىل من حملة‬ ‫ً‬ ‫قرع صــا وجالبته‬
‫القرآن الشريف لم يكن لي ىاه إال هللا وسركم الذي عم الكون بادرت بتقديم هذا الجلب‬
‫والشــكون إلى فضــيلتكم‪ ،‬وقد توســلت إلى هللا ‪ ‬بســركم الذي عم الكون وأنتم أهل‬
‫البصـيرة‪ ،‬والشـكون لكم عيب تن روا في قضـيتي هذه‪ ،‬وتحكموا فيها بما يرضـي هللا‬
‫ورســوله‪ ،‬ويرضــي فضــيلتكم‪ ،‬حي أني ضــعيف الحيلة والقوة‪ ،‬ويكون ذلك بهقرب‬
‫ىلسة‪ ،‬والحكم بالنفاذ» ‪.)2‬‬
‫‪ -3‬لحضـــرة ىناب المحترم الســـيد ا مام الشـــافعي حف ه هللا آمين من بعد‬
‫التحية‪ .‬أحيج حضـرتكم وسـيادتكم وع تكم عل ًما بهنه كان يوىد عندنا بالمن ل بالناحية‬
‫المذكورة بعاليه مبلغًا من النقود فما كان من الخائن إال أن دخل من لنا وأخذ هذا المبلغ‬
‫ســرقة مني ومن أهل المن ل بغير وىودنا وبدون ما نشــعر وال يشــعر أحد منا نهائيًا‬

‫‪.)152 /1‬‬ ‫‪)1‬المىموعة الكاملة لسيد عوي‬


‫‪.)159 /1‬‬ ‫‪ )2‬المىموعة الكاملة لسيد عوي‬
‫‪131‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫بهذا الخائن وهذا المبلغ هو أمانة هللا تعالى‪ .‬بناء عليه) قدمت هذه لع تكم ولســـيادتكم‬
‫بخصو الن ر نحو شكواي هذه‪.)1 »...‬‬
‫‪ -4‬صــــاحب الكرامة والمىد الع ي ‪ ،‬وصــــاحب المنصــــب العالي‪ ،‬وقابل‬
‫شــكوت شــكون) كل م لوم وانتا وأنت) من رىال هللا الصــالحين‪ ،‬باســمك ومقامك‬
‫العالي االسـم المفضـل الشـيإل ا مام الشـافعي صـاحب المقام المفضـل ندهتلك ناديتك)‬
‫بخال ) حقي‪ ...‬وانتا وأنت) الوكيل المصـــرف‬ ‫في أع ضـــيق وكرب بإخال‬
‫المتصـرف) ورفعت شـكواي لصـاحب الموكب الع يم والوىه السـميح السـمح) ال ي‬
‫الذي) حكم بين أمه وأبيه وأنا رفعت م لمتي للمنصــب العالي‪ ،‬ورب العرع الع ي‬
‫في خال ) حقي في‬ ‫القادر على العباد‪ ،‬ووكلت الشــيإل ا مام الشــافعي في إخال‬
‫ىمي من اعتـدا علي‪ ...‬وهـدم من لي وأنـا لم أعرف أي شـــــخ وأنتـا وأنـت) الحر‬
‫المتصرف» ‪.)2‬‬
‫‪ -5‬سـيدنا محمد ‪-‬موى ًها خجابه إلى ا مام الشافعي‪ -‬بعد تقبيل يدك الكريمة‪،‬‬
‫وهللا يىعلنا متمتعين ببركاتك‪ ،‬وإن شــــاء هللا عندما تحضــــر كرماتك عندنا وتبين لنا‬
‫فيمن لمنا‪ ،‬سـهحضـر ل يارتك وأنفق على خدامك والفقراء إلى هللا‪ ،‬أقسـم باهلل عندما‬
‫تـهخـذ حقي و لمي من فالنـة بنـت فالن وبنتهـا فالنـة المعتـدين علي بـالمســــبـة وا هـانـة‬
‫بدون أي نب ذنب) عملته فيهم ألعمل لك خاتمة لوىه هللا‪.)3 »..‬‬
‫‪ -6‬يا سيدي يا إمام يا شفعي‪ ،‬يلي شرعت بين أمك وأبوك‪ ،‬اشرع بين فالنة‬
‫بنت فال نة مرسلة الرسالة) وبين فالن ابن فالنة‪ ،‬وفالن ابن فالنة‪ ،‬اشرع بيني وبينهم‬
‫بالحق؛ ألنهم أهانوني آخر إهانة وسـبوني واشـتكوني‪ ،‬وأنا أرملة لي لي معين غيرك‬
‫وغير رب السـموات واألرس‪ ،‬ومعهم فالنة بنت فالنة وفالنة وكل من اعترس علي‬
‫ويهني ويهينني) باهلل عليك ت هر حقي أنا أصــدتك قصــدتك) وأصــدت وقصــدت)‬
‫ربي في حقي هذا هم ال لمة والم لومة فالنة بنت فالنة مرسـلة الرسـالة) أنا الم لمة‬
‫الم لومة) باهلل عليك ت هر لي حقي؛ ألني ســبق أن أرســلت لكم‪ ،‬ولم تخل حقي؛‬
‫ألنهم أهانوني وسبوني وعروني‪ ،‬وإذا كان يخلصك كده‪ ،‬يبقى بالع تشرع بين النا‬
‫باهلل عليك» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬المرى السابق ‪.)160 /1‬‬


‫‪.)172 /1‬‬ ‫‪ )2‬المىموعة الكاملة لسيد عوي‬
‫‪ )3‬المرى السابق ‪.)177 /1‬‬
‫‪ )4‬المرى السابق ‪.)185 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -7‬مددك مددك يا سـيدي يا إمام يا شـافعي‪ .‬مددك مددك يا سـيدي يا إمام يا‬
‫شــافعي‪ .‬مددك مددك يا ســيدي يا إمام يا شــافعي‪ .‬العارف ال يعرف والشــكون ألهل‬
‫البصيرة عيب‪ .‬مددك مددك يا سيدي يا إمام يا شافعي‪.‬‬
‫أنا اليوم محسـوب عليك والمحسـوب منسـوب والشـكون ألهل البصـيرة عيب‬
‫أني أســــتحلفك بالنبي وآل بيته بحق ما حكمت بين األم وأبيه أمه وأبيه) أن تحكم لي‬
‫بيني وبين فالن ابن حون حواء) وآدم الذي تســــبب في ضــــرري ويعاملني معاملة‬
‫بالقسوة‪.)1 »...‬‬
‫‪ -8‬إلى ا مام الشافعي‪ :‬اللهم إني بقدرة المنتقم الىبار المجل على كل شيء‬
‫خـالق خلقـه‪ ،‬ىعـل القوي والضـــــعيف‪ ،‬فىعـل الضـــــعيف يتوىـه بوىـه هللا وأوليـائـه‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫إني وكلتك يا سـيدي يا إمام الشـافعي وسـئت وسـجت) عليك ا له ىل وعال‪،‬‬
‫والحبيب محمد ابن عبد هللا خير األنبياء والمرســلين‪ ،‬كما ســئت عليك أبيك وأمك أني‬
‫ً‬
‫توكيال شــــرعيًا‪ :‬على اســــم فالنة بنت فالنة بالمحلة الكبرن وأمها فالنة بنت‬ ‫وكلتك‬
‫حواء وآدم بما قاموا علي به في يوم الىمعة»‪.‬‬
‫وهكـذا تلقى هـذه العرائس على األموات‪ ،‬ويهمـل دعـاء الىبـار‪ ،‬وال شـــــك أن‬
‫هذه األمور من المنكرات الشنيعة والبدع المخيفة‪ .‬فاللهم حف ك ورحمتك‪.‬‬

‫‪.)202 /1‬‬ ‫‪)1‬المىموعة الكاملة لسيد عوي‬


‫‪133‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثاني‬
‫إنارة المقابر‬
‫من البـدع الموىودة إنـارة المقـابر بوســـــائـل ا نـارة المتعـددة‪ ،‬ســـــواء أكـانـت‬
‫بـالســـــر أو بـالشـــــموع أو بـالكهربـاء‪ ،‬فكلهـا حكمهـا واحـد‪ .‬وإنـك لتعىـب من أولئـك‬
‫المفتونين الذين يســــارعون ببذل األموال من أىل إنارة المقابر‪ ،‬وهم يحســــبون أنهم‬
‫يحســنون صــنعًا‪ ،‬وعندما يناقع الواحد منهم في حكم هذه المســهلة‪ ،‬يســتدل لك على‬
‫ىوا إنارة المقابر بإنارة المســاىد‪ .‬وبجالن هذا واضــح من خالل أن قيا المســاىد‬
‫على القبور قيا باجل‪ ،‬ولكنهم بنوه من خالل أنهم ىعلوا المقابر كالمســــاىد‪ ،‬تتدن‬
‫المحرم للســـــر وال اىتهـاد م الن ؛ فـإيقـاد‬ ‫ع‬ ‫بهـا العبـادات‪ .‬كـذلـك أنـه قيـا م الن‬
‫السر من المنكرات التي عمت وجمت‪ ،‬وتحريمها واضح وىلي‪:‬‬
‫‪)1‬‬
‫قال ﷺ‪ :‬لعن هللا وارات القبور والمتخذين عليها المساىد والسنر » ‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب في يـارة النســـــاء القبور‪ ،‬رقم‪ ،)3236 /‬وأخرىـه‬
‫‪،)320 /‬‬ ‫الترمـذي‪ ،‬كتـاب الصـــــالة‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في كراهيـة أن يتخـذ على القبر مســــىـد‪،‬‬
‫وحســـنه‪ ،‬وقال في األحادي الواردة في القبور‪ :‬إســـناده صـــحيح‪ ،‬ورىاله رىال الشـــيخين‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الحدي حســنه الترمذي‪ ،‬قال‪ :‬حدي ابن عبا حدي حســن» وتبعه البغوي وســكت عنه أبو‬
‫داود‪ ،‬وذكر الحاكم إنه حدي متداول فيما بين األئمة‪ ،‬ولذلك أخرىه في المســـتدرك‪ ،‬وقال أحمد‬
‫شـاكر‪ :‬إنه على أقل حاالته حسـن‪ ،‬والشـواهد ترفعه إلى درىة الصـحة لغيره‪ ،‬إن لم يكن صـحي ًحا‬
‫بهذا ا سناد‪ ،‬وصحح إسناده في تعليقه على المسند‪.‬‬
‫وقال المنذري‪ :‬قال الترمذي حسن‪ ،‬وفيما قاله ن ر)‪ ،‬وضعف األلباني الىملة األخيرة من الحدي ‪،‬‬
‫بعد أن ذكر ما يشــهد للعن ائرات القبور‪ ،‬والمتخذين عليها مســاىد‪ ،‬فقال‪ :‬وأما لعن المتخذين‬
‫عليها الســر ‪ ،‬فلم نىد في األحادي ما يشــهد لـــــــه‪ ،‬فهذا القدر من الحدي ضــعيف‪ ،‬وإن لهج‬
‫إخواننا السـلفيون باالسـتدالل به‪ ،‬ونصـيحتي إليهم أن يمسـكوا عن نسـبته إليه ﷺ لعدم صـحته‪ ،‬وأن‬
‫يسـتدلوا على من السـر على القبور بعمومات الشـريعة‪ ،‬مثل قوله ﷺ‪ :‬كل بدعة ضـاللة‪ ،‬وكل‬
‫ضـاللة في النار»‪ ،‬ونهيه ﷺعن إضـاعة المال‪ ،‬ونهيه عن التشـبه بالكفار‪ ،‬ونحو ذلك) ويبالغ في‬
‫موضـ ـ آخر‪ ،‬فقال‪ :‬الحدي صـــحيح لغيره‪ ،‬إال اتخاذ الســـر ‪ ،‬فإنه منكر‪ ،‬لم يهت إال من هذا‬
‫الجريق الضــعيف)‪ ،‬قلت‪ :‬هذا االختالف في الحكم على الحدي ‪ ،‬مبناه عندهم أن أبا صــالح هو‪:‬‬
‫مولى أم هـانس‪ ،‬وهو مختلف فيـه‪ ،‬ومنهم من وثقـه‪ ،‬وقـد تقـدم أن األرىح في أبي صـــــالح‪ ،‬أنـه‬
‫ذكوان الســــمـان‪ ،‬وهو من رىال الىمـاعة‪ ،‬متفق على توثيقـه‪ ،‬فالحـدي صـــــحيح على شـــــرج‬
‫الشــيخين‪ ،‬وأما إجالق القول‪ :‬بهن لف الســر ) منكر‪ ،‬فمبالغة فيها ن ر؛ ألن المعنى صــحيح‪،‬‬
‫ولي فيه أدنى نكارة‪ ،‬وقد ذكر األلباني أن عمومات الشريعة تشهد لـــه‪ ،‬فكان األولى ‪-‬على أقل‬
‫األحوال‪ -‬تحسـينه ألىل ذلك‪ ،‬كيف وقد صح فيه ا سناد على شرج الشيخين! وهللا أعلم»‪ .‬ان ر‪:‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪134‬‬

‫فهذا الحدي صــريح بتحريم إنارة المقابر‪ ،‬بل فيه اللعن لمن فعل هذا‪ ،‬لذا عد‬
‫بعس أهل العلم إيقاد الســـر من الكبائر‪ .‬قال في ال واىر‪ :‬الكبيرة الحادية والثانية‬
‫والثالثة والعشرون بعد المائة اتخاذ المساىد أو السر على القبور» ثم قال‪ :‬ال ينتف‬
‫فيه مقيم وال ائر‪ ،‬وفيه إسراف وإضاعة المال‪ ،‬والتشبه بالمىو » ‪.)1‬‬
‫وقـال في المغني‪ :‬وال يىو اتخـاذ الســـــر على القبور‪ .‬وذكر الحـديـ ثم‬
‫قـال‪ :‬ولو أضبيح لم يلعن النبي ﷺ مم ِن فعلـه؛ وألن فيـه تضـــــيي ًعـا للمـال في غير فـائـدة‪،‬‬
‫جا في تع يم القبور أشبه تع يم األصنام» ‪.)2‬‬ ‫وإفرا ً‬
‫قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬إيقاد المصــابيح في هذه المشــاهد مجلقًا ال يىو بال‬
‫خالف أعلمه للنهي الوارد» ‪.)3‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ :−‬ومن ذلك اشـــتراج إيقاد ســـرا أو قنديل على القبر؛ فال‬
‫يحل للواقف اشــتراج ذلك‪ ،‬وال للحاكم تنفيذه‪ ،‬وال للمفتي تســويغه‪ ،‬وال للموقوف عليه‬
‫فعلـه والت امه‪ ،‬فقـد لعن رســـــول هللا ﷺ المتخـذين الســـــر على القبور‪ ،‬فكيف يحل‬
‫للمسـلم أن يل م أو يسـو فعل ما لعن رسـول هللا ﷺ فاعله؟‪ ،‬وحضـرت بعس قضـاة‬
‫ا ســــالم يو ًما وقد ىاءه كتاب وقف على تربة ليثبته‪ ،‬وفيه وأنه يوقد على القبر كل‬
‫ليلة قنديل»‪ ،‬فقلت لــــــه‪ :‬كيف يحل لك أن تثبت هذا الكتاب وتحكم بصـحته م علمك‬
‫بلعنة رســول هللا ﷺ للمتخذين الســر على القبور؟ فهمســك عن إثباته‪ .‬وقال‪ :‬األمر‬
‫كما قلت‪ ،‬أو كما قال» ‪.)4‬‬
‫وقال الشـــوكاني ‪ :)5‬وفيه دليل على تحريم اتخاذ الســـر على المقابر‪ ،‬لما‬
‫يفضي إليه ذلك من االعتقادات الفاسدة» ‪.)6‬‬

‫‪/‬‬ ‫‪ ،)44 ،43 /‬وان ر‪ :‬كالم األلباني‪،‬‬ ‫‪ ،)927 /‬وتحذير الســاىد‬ ‫األحادي الواردة‬
‫‪ ،)927 ،926‬تخريج الحدي ‪ )761‬في ا رواء‪.‬‬
‫‪ )1‬ان ر‪ )273 ،272 /1 :‬ال واىر البن حىر الهيثمي‪.‬‬
‫‪.)441 ،440 /3 )2‬‬
‫‪ )3‬االقتضاء ‪.)677 /2‬‬
‫‪ )4‬إعالم الموقعين البن القيم الىو ية ‪.)139 ،138 /4‬‬
‫‪ )5‬هو محمد بن علي بن محمد الشوكاني في ولد في سنة ‪1172‬هــ) لــه العديد من المتلفات‪ ،‬من‬
‫أبر ها نيل األوجار وشر الصدور‪ ،‬وإرشاد الفحول‪ .‬توفي سنة ‪1250‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )6‬نيل األوجار ‪.)540 /3‬‬
‫‪135‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقال في المدخل‪ :‬ونهى عليه الصـالة والسـالم‪ ،‬عن أن يتب الميت بنار حين‬
‫تشــــييعه إلى قبره؛ ألنه تفاتل رديء‪ ،‬وهتالء يوقدون الشــــموع وغيرها عنده م ما‬
‫يوقدونه من األحجاب لجعامهم‪ .‬اللهم عافنا من قلب الحقائق» ‪.)1‬‬
‫وقال الشــيإل محمد بن إبراهيم ‪ :− )2‬وأما إضــاءة المقبرة فيخشــى أن يىر‬
‫ذلك إلى إسـرا القبور الذي لعن رسـول هللا ﷺ فاعله‪ .‬والسـيما نفو ال ضى َّهال تتعلق‬
‫كثيرا بالخرافات‪ ،‬فت ال هذه األنوار سدًا للذريعة» ‪.)3‬‬
‫ً‬
‫وقـال الشـــــيإل ابن عثيمين ‪ :−‬والحـديـ يـدل على تحريم اتخـاذ المســـــاىـد‬
‫والســـــر عليهـا‪ ،‬وهو كبيرة من كبـائر الـذنوب عللم ِع عن فـاعلـه»‪ .‬ثم قـال‪ :‬وفي قولـه‪:‬‬
‫المتخذين عليها المســاىد والســر » هل يدخل في اتخاذ الســر على المقابر ما لو‬
‫وض فيها مصابيح كهرباء نارتها؟‪.‬‬
‫الىواب‪ :‬أمـا في المواجن التي ال يحتـا النـا إليهـا‪ ،‬كمـا لو كـانـت المقبرة‬
‫واســــعة‪ ،‬وفيها موضــ ـ قد انتهى النا من الدفن فيه‪ ،‬فال حاىة إلى إســــراىه‪ ،‬أما‬
‫الموضــ ـ الذي يقبر فيه‪ ،‬فيســــر ما حولها‪ ،‬فقد يقال‪ :‬بىوا ه؛ ألنها ال تســــر إال‬
‫بـالليـل‪ ،‬فلي في ذلـك مـا يـدل على تع يم القبر‪ ،‬بـل اتخـذت للحـاىـة‪ .‬ولكن الـذي نرن‬
‫أنه ينبغي المن مجلقًا لءسباب ااتية‪:‬‬
‫‪ )1‬أنه لي هناك ضرورة‪.‬‬
‫‪ ) 2‬أن النـا إذا وىـدوا ضـــــرورة لـذلـك‪ ،‬فعنـدهم ســــيـارات يمكن أن يوقـدوا‬
‫األنوار التي فيها ويتبين لهم األمر‪ ،‬ويمكنهم أن يحملوا سرا ًىا معهم‪.‬‬
‫‪ )3‬أنه إذا فتح هذا الباب فإن الشـر سـيتَّسـ في قلوب النا ‪ ،‬وال يمكن ضـبجه‬
‫فيما بعد‪ ،‬فلو فرضـنا أنهم ىعلوا المصـبا بعد صـالة الفىر‪ ،‬ودفنوا الميت‬
‫فمن الذي يتولى قفل هذه ا ضاءة؟‪.‬‬
‫الىواب‪ :‬أنـه يمن نهـائيـً ا‪ .‬أمـا إذا كـان في المقبرة حىرة يوضــــ فيهـا اللبن‬
‫ونحوه‪ ،‬فال به من إضــاءتها؛ ألنها بعيدة عن القبور‪ ،‬وا ضــاءة داخلها ال تشــاهد‪،‬‬

‫‪ )1‬المدخل البن الحا محمد الفا ‪.)182 /1‬‬


‫‪ )2‬هو ســماحة ا مام محمد بن إبراهيم بن عبد اللجيف آل الشــيإل مفتي الديار الســعودية‪ ،‬ولد عام‬
‫‪1311‬هـــــ)‪ ،‬وتلقى العلم على يد علماء عصره‪ ،‬تولى عددًا من المناصب الدينية توفي ‪ −‬عام‬
‫‪1389‬هــ)‪ ،‬وكانت وفاته فاىعة للعالم ا سالمي‪ ،‬ان ر‪ :‬موسوعة أسبار للعلماء والمتخصصين‬
‫في الشريعة ا سالمية‪ ،‬الرياس‪.‬‬
‫‪.)81 ،80 /‬‬ ‫‪ )3‬من بدع القبور‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪136‬‬

‫فهذا نرىو أن ال يكون به به ‪ ،‬والمهم‪ :‬أن وسائل الشرك يىب على ا نسان أن يبتعد‬
‫يمـا‪ ،‬وال يقـدر لل من الـذي هو فيـه اان‪ ،‬بـل يقـدر لء مـان البعيـدة‪،‬‬
‫عنهـا ابتعـادًا ع ً‬
‫‪)1‬‬
‫فالمسهلة ليست هينة» ‪.‬‬
‫وقال صـــاحب من بدع القبور) تعليقًا على قول الشـ ـيإل ‪ :−‬وهذا هو واق‬
‫كثير من المقـابر اليوم؛ فـإنـه إذا كـان هنـاك ىنـا ة يريـدون أن يصـــــلوا عليهـا العشـــــاء‬
‫ااخر؛ فإنهم يقومون با ضـــاءة في المقابر من بعد صـــالة المغرب أو قبل ذلك‪ ،‬وإذا‬
‫كانوا يريدون أن يصـلوا عليها المغرب تىدهم يقومون با ضـاءة والشـم حية‪ ،‬فهل‬
‫هناك داعٍ ل مثل هذا؟‪ ،‬إن هذا من قبيل البدع التي أشـربت في القلوب‪ ،‬وتىدهم يبالغون‬
‫ضا‪ ،‬أليست الضرورة تقدر بقدرها؟! ‪.)2‬‬ ‫في قوة ا ضاءة لغير حاىة أي ً‬
‫وبهذا تبين لنا أن الحكم الشـــرعي وموقف الســـلف والخلف من هذه األمة هو‬
‫المن من إيقاد الســر أو المصــابيح في المقابر‪ ،‬ســواء هرت العلة أو لم ت هر ‪-‬م‬
‫أنها اهرة وهلل الحمد‪ -‬فعلى العلماء الغيورين ووالة أمور المســلمين أن يقضــوا على‬
‫هذا المنكر‪ ،‬وأن يغلقوا هذا الباب وأي باب يفضــي إلى الشــرك‪ ،‬أو يتدي إلى تع يم‬
‫من في القبور‪ ،‬وإعجائهم من الصفات التي ال تليق إال باهلل ىل وعال)‪.‬‬

‫‪ )1‬القول المفيد على كتاب التوحيد ‪ ،)437 ،436 /1‬لمحمد العثيمين‪.‬‬


‫‪.)81 /‬‬ ‫‪ )2‬من بدع القبور‪،‬‬
‫‪137‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل الخام‬
‫بناء المساىد على القبور والصالة فيها‬
‫* وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬بناء القباب وال وايا والمقامات على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبحـ الثـاني‪ :‬بنـاء القبور في المســـــاىـد والمســـــاىـد على القبور‪ ،‬وفيـه‬
‫مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أدلة التحريم‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬موقف العلماء من البناء على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬الشبه التي يثيرها من يرن ىوا البناء على القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬قبر الرسول ﷺ وما يثار عنه‪ ،‬وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أين دفن النبي ﷺ؟‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬سد الصحابة ﭫ ىمي الجرق المتدية لعبادة القبر‪.‬‬
‫ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن القبر ما كان في المسىد‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬متى أضيفت الحىرة للمسىد؟‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬رد دعون عدم ا نكار على الوليد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الســاد ‪ :‬إثبات االحتياجات التي حدثت في عهد الوليد تحاش ـيًا من‬
‫إدخال الحىرة في المسىد‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساب ‪ :‬القبة التي فوق قبر النبي ﷺ ‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الراب ‪ :‬حكم الصالة في المساىد التي فيها القبور‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬أدلة تحريم الصالة في القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الصالة عند القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬هل أىا بعس أهل العلم الصالة في المقبرة؟‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬حكم من صلى في المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬علة النهي عن الصالة في المقابر‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪138‬‬

‫الفصل الخام‬
‫بناء المساىد على القبور والصالة فيها‬
‫لقـد مر معنـا الفصـــــل الثـاني في المبحـ الثـاني‪ ،‬حكم رف القبر والبنـاء عليـه‪.‬‬
‫ولعلنا في هذا الفصـل ‪-‬إن شـاء هللا‪ -‬أن نتعرس بشـيء من التفصـيل لحكم هذه المسـهلة؛‬
‫ألن البناء على القبور يعد من أع م المنكرات التي ع م شـرها‪ ،‬واشـتد خجبها‪ ،‬وبان‬
‫خجرها‪ ،‬وج َّم بالتها‪ ،‬وعم ضـــررها‪ .‬فهناك من يبني المســـاىد على القبور‪ ،‬وهناك‬
‫من يبني المقامات ويشــــيد األضــــرحة‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي الع يم‪ ،‬وقد‬
‫قسمت هذا الفصل إلى أربعة مباح ‪:‬‬
‫‪139‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح األول‬
‫بناء القباب وال وايا والمقامات على القبور‬
‫القبة هي‪ :‬من الخيام وهي بيت صغير مستدير» ‪.)1‬‬
‫ومن األمور المســلم بها لدن الباحثين‪ :‬هو أن القبة من العناصــر المعمارية‬
‫السـابقة على ا سـالم‪ ،‬ون ًرا لوىود نماذ لها قديمة في أماكن عدة متباعدة‪ ،‬فإنه من‬
‫الصـــــعوبـة بمكـان التعرف على كيفيـة هورهـا‪ .‬ولكن ممـا ال ريـب فيـه‪ ،‬أن العرب‬
‫المسلمين قد اقتبسوا القبة واستخدموها في المباني التي شادوها» ‪.)2‬‬
‫وأول قبة عرفت في ا ســالم هي القبة المعروفة باســم القبة الصــليبية وتوىد‬
‫في مدينة سامراء في العراق ‪.)3‬‬
‫واختلفـت األهـداف التي من أىلهـا توضــــ القبـاب وال وايـا والمقـامـات عنـد‬
‫القبور‪ ،‬فلم يكن القصـــد من بناء المشـــاهد والترب‪ ،‬الدفن أو تخليد ذكرن من دفنوا‬
‫تحتها فحسـب‪ ،‬بل تعداهما إلى مقاصـد أخرن كثيرة؛ فقد أوصـى بعضـهم بىعل تربته‬
‫ي‪ ،‬ومنهم من ألحق‬ ‫على الجريق‪ً ،‬‬
‫قـائال‪ :‬لكي يمر بهـا الصـــــادر والوارد فيترحم عل َّ‬
‫بتربته أماكن ن هة متنسـة ال تخلو من الروعة والوقار‪ ،‬تنشـر لها الصـدور‪ ،‬وتنبسـج‬
‫لها الســـرائر‪ ،‬بعيدة عن كتبة القبور ووحشـــة المقابر»‪ ،‬فهضـــحت مثل هذه المشـــاهد‬
‫والترب مقصـــــد النا لل يارة والتن ه‪ .‬وعند تل توبة مشـــــهد ي ار ويتفر فيه أهل‬
‫الموصـل كل ليلة ىمعة‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا ضـاقت الصـدور عليكم ب يارة القبور» وقد حبذ‬
‫قائال‪ :‬أال إني قد نهيتكم عن يارة القبور ف وروها؛ ألنها‬ ‫الرســـول الكريم يارتها‪ً ،‬‬
‫ـاال في نواحي الحياة‬ ‫متثرا وفع ً‬
‫ً‬ ‫تذكر الموت» ‪ )4‬بر ت هذه المنشـــــتت‪ ،‬ولعبـت ً‬
‫دورا‬
‫المختلفـة خالل تـاريإل ا ســـــالم‪ ،‬وعلى األخ أواخر أيـام بني العبـا ‪ ،‬وهي نواحي‬
‫دينيـة وثقـافيـة‪ ،‬واىتمـاعيـة واقتصـــــاديـة‪ ،‬غير أنـه على رغم الخـدمـات التي قـدمتهـا‬
‫للمىتم ‪ ،‬فـإنهـا في ذات الوقـت عمقـت الرو الجـائفيـة‪ ،‬التي عـانى منهـا المىتم‬
‫دورا بار ً ا في فتح ثغرات‪ ،‬نفذت من‬ ‫ا ســــالمي والســــيما العراقي‪ ،‬كما أنها لعبت ً‬
‫خاللهـا العنـاصـــــر األىنبيـة‪ ،‬وتمكنـت من تســـــلم مقـاليـد األمور‪ ،‬ومن ثم تحكمـت في‬
‫الرقـاب‪ ،‬وســـــلبـت الخيرات‪ ،‬وعبثـت بـالمقـدرات‪ ،‬واألدهى من ذلـك‪ ،‬أنهـا رعـت في‬

‫‪ )1‬لسان العرب ‪.)659 /1‬‬


‫‪ ،)80 /‬لعالء الدين أحمد العاني‪.‬‬ ‫‪ )2‬المشاهد ذات القباب المخروجة في العراق‪،‬‬
‫‪[ .)81 /‬وان ر‪ :‬مســاىد مصــر وأولياتها الصــالحون ‪ )46 /1‬لســعاد‬ ‫‪ )3‬المرى الســابق‪،‬‬
‫ماهر]‪.‬‬
‫‪ )4‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب استئذان النبي ﷺ ربه في يارة قبر أمه‪ ،‬رقم‪.)977 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪140‬‬

‫أبنـاء البلـد الواحـد رو الفرقـة والتنـاحر‪ ،‬ولوال ذلـك مـا ســـــادت‪ .‬ومن األمور الملفتـة‬
‫ب خجئًا‪ ،‬أو بسـبب دواف معينة‪ ،‬إلى شـخصـيات من‬ ‫كثيرا من المشـاهد ت ض ِن م‬
‫سـ ض‬ ‫ً‬ ‫للن ر‪ ،‬أن‬
‫آل البيت‪ ،‬ومن تلك الدواف ‪ :‬اســتغالل والء النا وحبهم ألهل البيت النبوي‪ ،‬للكســب‬
‫والحصــول على المغانم‪ .‬ففي ســنة ‪535‬هـــــــ‪1140 /‬م‪ :‬قدم بغداد رىل من الســواد‪،‬‬
‫يســكن في قرية على باب بغداد‪ ،‬أ هر ال هد فقصــده النا من كل ىانب‪ ،‬واتفق أنه‬
‫مات لبعس أهل السـواد ولد‪ ،‬فدفنه قريبًا من قبر السـبتي‪ ،‬فمضـى ذلك المت هد‪ ،‬فنبع‬
‫الولد ودفنه في موضـ آخر‪ ،‬ثم أصــبح فىاء النا إليه و اروه‪ ،‬فقال‪ :‬رأيت البارحة‬
‫علي بن أبي جـالـب‪ ،‬فقـال لي‪ :‬إن بعس أوالدي في المكـان الفالني‪ ،‬وانقلبـت بغـداد‬
‫وىاء النا يهرعون إليه‪ ،‬وســـهلوه أن يريهم الموضــ ‪ ،‬فهخذهم وىاء إلى الموضــ‬
‫الذي دفن فيه‪ ،‬فقال في هذا الموضـــ ‪ ،‬فحضـــروا ف هر الصـــبي‪ ،‬وكان أمرد‪ ،‬فمن‬
‫وصـل إلى قجعة من أكفانه فكهنه قد ملك الدنيا‪ ،‬وىاتوا بالبخور والشـموع والماورد‪،‬‬
‫وأخـذوا تراب القبر للتبرك‪ ،‬وىعـل النـا يقبلون ال اهـد ويبكون ويخشـــــعون‪ ،‬وبقي‬
‫النـا أيـا ًمـا على هـذا‪ ،‬والميـت مكشـــــوف يراه كـل أحـد‪ ،‬فتغيرت رائحتـه‪ .‬وىـاء حـذاق‬
‫بغـداد‪ ،‬فقـالوا هذا منـذ أربعمـائة ســــنـة‪ ،‬وكيف تتغير رائحتـه؟‪ ،‬وىاء الســـــوادي ي ور‬
‫ال اهـد‪ ،‬فـاجل عليـه فعرفـه‪ ،‬وقـال‪ :‬ولـدي‪ .‬وهللا كنـت دفنتـه عنـد الســـــبتي‪ ،‬قوموا معي‪،‬‬
‫فقـاموا معـه‪ ،‬وىـاء إلى المكـان فنبشـــــوه‪ ،‬فلم يروا فيـه أحـدًا‪ ،‬وهرب ال اهـد‪ ،‬فتبعوه‬
‫فهخذوه وقرروه‪ ،‬فاعترف‪ ،‬وقال‪ :‬أنا عملت ذلك حيلة‪ ،‬فشـهروه على ىمل وع روه»‬
‫‪.)1‬‬
‫وبناء القباب وال وايا والمقامات على األضـرحة من عمل الشـيجان‪ ،‬ولذا اشـتد‬
‫جا على قبر‬ ‫نكير السـلف الصـالح على مثل هذه األمور‪ ،‬فهذا ابن عمر ‪ ‬رأن فسـجا ً‬
‫عبد الرحمن ‪ )2‬فقال‪ :‬ان عه يا غالم‪ ،‬فإنما ي له عمله» ‪.)3‬‬

‫‪.)134 /‬‬ ‫‪ )1‬المشاهد ذات القباب‪،‬‬


‫بدرا م المشـركين؛ ثم‬
‫‪ )2‬هو عبد الرحمن بن أبي بكر الصـديق‪ ،‬شـقيق أم المتمنين عائشـة‪ .‬حضـر ً‬
‫أسـلم وهاىر قبيل الفتح‪ .‬وكان أسـن أوالد الصـديق‪ .‬وكان من الرماة المذكورين‪ ،‬والشـىعان‪ .‬قتل‬
‫يوم اليمامة ســبعة من كبارهم‪ .‬لـــــــه أحادي نحو الثمانية‪ .‬اتفق الش ـيخان على ثالثة منها‪ .‬قيل‪:‬‬
‫توفي ســنة ثال وخمســين‪ ،‬والراىح أنه توفي بعدها‪ ،‬وهللا أعلم‪[ .‬ان ر‪ :‬ســير أعالم النبالء ‪/2‬‬
‫‪.])471‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب الىريدة على القبر‪ ،‬رقم‪.)1361 /‬‬
‫‪141‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال الحاف ‪ :−‬إن عبد هللا قال للغالم‪ :‬يا غالم‪ ،‬ان عه فإنما ي له عمله‪ .‬قال‬
‫الغالم‪ :‬تضــربني موالتي‪ .‬قال‪ :‬كال‪ .‬فن عه»‪ ،‬ويقصــد بذلك عائشــة ‪ ‬قال الحاف ‪:‬‬
‫أمرت بفســجاج على قبر أخيها‪ ،‬ووكلت به إنســانًا وارتحلت» ‪ ،)1‬وقد علق الشــيإل‬
‫ابن با ‪ −‬على نف الموضــــ بقوله‪ :‬هذا األثر ضــــعيف من أىل الرىل المبهم‪،‬‬
‫وعلى فرس صـحته‪ ،‬فالصـواب ما فعله ابن عمر؛ لعموم األحادي الدالة على تحريم‬
‫البناء على القبور‪ ،‬وهي تشـــمل بناء القباب وغيرها‪ ،‬وألن ذلك من وســـائل الشـــرك‬
‫بالمقبور‪ ،‬فحرم فعله كسائر وسائل الشرك‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)2‬‬
‫وأوصــى أبو موســى ‪ ‬أال يىعل على قبره بناء» ‪ ،)3‬كذلك أوصــى أبو‬
‫هريرة ‪ ‬أال يضـربوا على قبره فسـجا ً‬
‫جا» ‪ ،)4‬وعن سـعيد بن المسـيب أنه قال في‬
‫مرضه الذي مات فيه‪ :‬إذا ما مت فال تضربوا على قبري فسجا ً‬
‫جا» ‪.)5‬‬
‫أنـه قـال‪ :‬هـذه الفســـــاجيج التي على القبور‬ ‫وعن محمـد بن كعـب ‪ )6‬‬
‫محدثة» ‪.)7‬‬
‫وما ذاك إال أنها أشـبه ما تكون بمسىد الضرار‪ ،‬قال شيإل ا سالم ‪ :−‬وكان‬
‫مسـىد الضـرار قد بني ألبي عامر الفاسق ‪ )8‬الذي كان يقال لــــــه‪ :‬أبو عامر الراهب‪،‬‬
‫وكان قد تنصر في الىاهلية‪ ،‬وكان المشركون يع مونه‪ ،‬فلما ىاء ا سالم حصل لــــه‬
‫من الحســـد ما أوىب مخالفته للنبي ﷺ‪ ،‬فقام جائفة من المنافقين يبنون هذا المســـىد‪،‬‬
‫وقصـدوا أن يبنوه ألبي عامر هذا‪ ،‬والقصـة مشـهورة في ذلك‪ ،‬فلم يبنوه ألىل فعل ما‬
‫أمر هللا به ورســــوله‪ ،‬بل لغير ذلك‪ .‬فدخل في معنى ذلك من بنى أبنية يضــــاهي بها‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬الفتح ‪.)265 /3‬‬


‫‪ )2‬المرى السابق ‪.)265 /3‬‬
‫‪.)171 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬رواه ابن أبي شيبة ‪ )216 /3‬وصحح إسناده األلباني في تحذير الساىد‪.‬‬
‫‪ )5‬رواه ابن سعد ‪.)142 /5‬‬
‫‪ )6‬هو محمـد بن كعـب القرضـــــي المـدني تـابعي ىليـل‪ ،‬قيـل‪ :‬إنـه ولـد في حيـاة النبي ﷺ‪ ،‬وقيـل‪ :‬في‬
‫خالفة علي ‪ ،‬كان مىاب الدعوة‪.‬‬
‫‪ )7‬المرى السابق‪.)217 /3 ،‬‬
‫‪ )8‬وهو صـــيفي بن مالك بن أمية والد الصـــحابي الىليل حن لة‪ ،‬عرف في الىاهلية بالراهب‪ ،‬ثم‬
‫تنصـر بعد ذلك‪ ،‬ولما بع النبي ﷺعاداه وحسـده وقاتل م قريع ضـده‪ .‬مات في السـنة التاسـعة‬
‫وقيل العاشرة‪[ .‬ان ر‪ :‬ا صابة ‪.])191 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪142‬‬

‫مســاىد المســلمين لغير العبادات المشــروعة‪ ،‬من المشــاهد وغيرها‪ ،‬والســيما إذا كان‬
‫فيهـا من الضـــــرار والكفر والتفريق بين المتمنين‪ ،‬وا رصـــــاد ألهـل النفـاق والبـدع‬
‫المحادين هلل ورسوله‪ ،‬ما يقوي بها شبهها‪ ،‬كمسىد الضرار» ‪.)1‬‬
‫القباب التي بنيت على القبور يىب هدمها؛ ألنها أســــســــت على معصــــية‬
‫الرســول ومخالفته‪ ،‬وكل بناء أس ـ على معصــية الرســول ومخالفته فهو بالهدم أولى‬
‫من مسىد الضرار؛ ألنه ﷺ نهى عن البناء على القبور» ‪.)2‬‬
‫إن عمـارة المنـارة‪ ،‬والقبـاب والهالل وال خرفـة من عمـل غير المســـــلمين‪،‬‬
‫ونقلت عنهم‪ ،‬وفي فعلنا هذا مشابهة لهم في أصل أعمالهم ببناء أماكن عبادتهم» ‪.)3‬‬
‫إن المجـالبـة بهـدم هـذه القبـاب مجلـب شـــــرعي ضم علحٌّ؛ لمـا فيـه من األخجـار‬
‫الع يمة‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫‪ )1‬تع يم ساكني هذه األضرحة ولو بعد مدة؛ حتى لو كانوا قد عرفوا بفسقهم‬
‫وضـاللهم‪ ،‬فإن الفسـق والضـالل يندر م مرور األيام‪ ،‬خاصـة إذا لم يدون‪ ،‬ويبقى‬
‫الضريح م مرور األيام شاهدًا أمام النا ‪ ،‬فيع م ويبىل‪.‬‬
‫‪ )2‬فيه إسراف ووض للمال في غير موضعه‪.‬‬
‫‪ )3‬فيه مخالفة صــريحة لنهيه ﷺ عن البناء على القبور‪ ،‬وهذه وحدها كافية‬
‫لمن كان لـه قلب أو ألقي السم وهو شهيد‪ ،‬فكيف إذا قرنت بما يقويها؟‪.‬‬
‫‪ ) 4‬مـدعـاة للتبـاهي والتفـاخر؛ حيـ ىبـل الملوك واألثريـاء على المبـاهـاة‬
‫والمفـاخرة‪ ،‬فكـل يريـد أن يكون ضـــــريحـه من أرقى األضـــــرحـة وأفخمهـا‪ ،‬وكـذلـك‬
‫المولعون من عبدة القبور بهصــحاب األضــرحة؛ حي ينفقون األموال الجائلة لتىميل‬
‫ف في بنائها‪:‬‬‫أضرحة أوليائهم‪ ،‬ولعلي أذكر بعس النماذ لتلك القباب التي أضس عِر م‬
‫أ‪ -‬قبة المنصـــور قالوون ‪ )4‬التي تتكون من قاعدة مربعة يوىد في وســـجها‬
‫ثمـانيـة أعمـدة‪ ،‬أربعـة منهـا من الىرانيـت وهي متقـابلـة ومـذهبـة التيىـان‪ ،‬واألربعـة‬
‫األخرن دعـائم مبنيـة بـهركـان كـل منهـا أربعـة أعمـدة من الرخـام‪ .‬ويىم األعمـدة‬
‫الىرانيتية والدعائم من أعلى أفري رخامي دقيق الصن ‪ ،‬فوقه أفري به نقوع مذهبة‪،‬‬

‫‪ )1‬االقتضاء ‪.)813 /2‬‬


‫‪.)366 /‬‬ ‫‪ )2‬المىموع المفيد‪،‬‬
‫‪ )6 /‬المساىد بين االتباع واالبتداع لمحمد القسي‪.‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )4‬هو الملك المنصــور ســيف الدين األلفي الصــالحي‪ ،‬أحد المماليك األتراك‪ ،‬تولى الملك في ســنة‬
‫قتاال شديدًا‪ ،‬توفي خار القاهرة سنة ‪[ .689‬ان ر‪ :‬الخجج‬ ‫‪678‬هـــ‪ ،‬وأ ال المقو ‪ ،‬قاتل التتر ً‬
‫المقري ية ‪.])425 /3‬‬
‫‪143‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ويعلو ذلـك كلـه أفري ثـالـ بـه كتـابـات قرآنيـة وتـاريإل تىـديـد القبـة وذلـك بحروف مـذهبـة‬
‫ت بـاجن العقود التي تعلوهـا العمـد والـدعـائم الثمـانيـة‬ ‫على أرضــــيـة رقـاء‪ .‬وقـد ضح عل ميـ ِ‬
‫ب خارف ىصــــية‪ ،‬كما حليت حافتها بنقوع مذهبة‪ ،‬كما فتح بهضــــالع المثمن العليا‬
‫ت نهايتها ب خارف ىصية مروقة‬ ‫مت بالى وال ىا الملون‪ ،‬و ض ِخ عرفم ِ‬ ‫نوافذ قندلية ضم علئ ِ‬
‫ثم مقرنصـات‪ ،‬وفوق ذلك تقوم القبة الخشـبية‪ .‬أما الى ء األسـفل من المثمن فقد أحيج‬
‫بمقصــورة خشــ بية حليت بنقوع وكتابات‪ .‬الدنيا والدين قالوون الصــالحي ســلجان‬
‫ا ســالم والمســلمين قد هللا روحه ونور ضــريحه انتقل إلى رحمة هللا تعالى‪ ...‬وقد‬
‫خرف ىـدران القبـة المربعـة وأرضـــــيتهـا وفتحـات النوافـذ والـدواليـب الحـائجيـة التي‬
‫ت خر بها الىدران ب خارف متعددة‪ ،‬بعضــها من الفســيفســاء الرخامية ومن الصــدف‬
‫واأللبسـتر ومن الخشـب المجعم بالصـدف والعا ‪ ،‬كما خرف بمىموعة من الكتابات‬
‫المتعددة األســاليب؛ فقد اســتعمل فيها الخج الكوفي المرب الذي كتب به اســم محمد)‬
‫ﷺ اثنتي عشـر مرة‪ .‬كما ملئت النوافذ بالى المخرم وال ىا الملون‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫مما ال نستجي أن نحيج به الحصر» ‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬قبة ا مام الشـــافعي تعتبر من أشـــهر القباب التي تهفو إليها قلوب من بضلوا بعبادة‬
‫مترا مربعًا‬
‫مترا مربعًا من الداخل و‪ً 20.5‬‬ ‫األضــرحة‪ ،‬إذ تبلغ مســاحتها أكثر من ‪ً 15‬‬
‫من الخار ‪ ،‬ومعنى ذلك أن ســمك الحوائج يبلغ ‪2.75‬من المتر مما يثبت متانة البناء‬
‫ويتهلـه لتحمـل قبـة من الحىر أو ااىر‪ ،‬ولـذلـك فـإن إقـامـة قبـة من الخشـــــب كـان ومـا‬
‫ي ال موضـ الدهشـة‪ .‬ويتكون الضـريح من الخار من جابقين‪ ،‬األول ويبلغ ارتفاعه‬
‫‪ )10.62‬من المتر‪ ،‬هـذا بـا ضـــــافـة إلى شـــــرافـة يبلغ ارتفـاعهـا ‪ )1.08‬من المتر‪،‬‬
‫والجابق الثاني يبلغ ارتفاعه ‪ )6.16‬من المتر بما في ذلك الشرافات‪ ،‬وعلى ذلك يبلغ‬
‫مترا من ســـــجح األرس‪ .‬ونالح أن الىـدران األربعة‬ ‫ارتفـاع الىـدار كلـه ‪ً )16.78‬‬
‫الخـارىيـة ترتف إلى ‪ ) 6.30‬من المتر دون أن يتخللهـا أي خرفـة ثم تـهتي خرفـة‬
‫قالبية على شـــكل (‪ )Torus‬وذلك على المدماك الخام عشـــر‪ .‬وبعد ذلك بقليل نىد‬
‫أركان المبنى بها شـجف به مقرنصـات تشـبه الموىودة بالىام األقمر‪ ،‬ولكنها أقل منه‬
‫ىماال‪ .‬وبعد تلك المقرنصـــات ترتد األركان إلى أصـــلها وتصـــبح ذات وايا‪ .‬وفوق‬ ‫ً‬
‫ال خرفة القالبية مباشـرة وفي منتصـف كل حائج توىد نافذة ذات عقد مدبب يحيج بها‬
‫إجار مستجيل‪ ،‬وعلى ىانبي كل نافذة حنيتان عن اليمين وأخريان عن اليسار‪ .‬وينتهي‬
‫هذا الجابق بشـــرافة مكونة من شـــريجين بهما خارف هندســـية‪ ،‬الشـــريج الضـــيق‬
‫خارفه بســـــيجـة‪ ،‬أما الشـــــريج الثـاني فعريس و خارفه هنـدســــيـة معقـدة ومخرمة‬

‫‪ )1‬مساىد مصر وأولياتها الصالحون ‪.)72 ،71 /3‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪144‬‬

‫ويتخللها خم دعائم من ااىر موضـوعة على مسـافات غير متسـاوية‪ ،‬ويبدو أن هذه‬
‫األشـرجة الم خرفة أضـيفت فيما بعد‪ .‬ويبلغ اتسـاع المدخل الرئيسـي للضـريح ‪)1.58‬‬
‫من المتر‪ ،‬ويوىد بالقرب من الركن الىنوبي من الضــل الشــمالي الشــرقي‪ ،‬ولما كان‬
‫سـمك الحائج يبلغ عرضـه ‪ )2.76‬من المتر فقد أحد هذا السـمك ما يشـبه الردهة‪،‬‬
‫لهـا بـابـان في كـل جرف من أجرافهـا‪ .‬وقـد كســــيـت عتبـة البـاب وكـذا الردهـة بـالرخـام‬
‫األبيس‪ ،‬ولكن العتب من الخشب‪ .‬والباب الخارىي مصفح بالفضة» ‪.)1‬‬
‫ىــــــ‪ -‬القبة التي بنيت في المشــهد الحســيني في القاهرة‪ :‬ســوف أورد وصـفًا‬
‫مختصــرا عنها؛ حي تحتوي القبة على أربعة أبواب‪ ،‬بابين في الىهة الغربية يتديان‬ ‫ً‬
‫ســــد اان‪ ،‬مكتوب بهعاله بالخج الثلـ البـار‬ ‫َّ‬ ‫إلى المســــىـد‪ ،‬وباب بىوار المحراب ض‬
‫الىميـل المـذهـب على الرخـام ا ىـابـة تحـت قبتـه‪ ،‬والشــــفـاء في تربتـه‪ ،‬واألئمـة في‬
‫ذريتـه وعترتـه»‪ .‬وبـاب يتدي إلى غرفـة ااثـار كتـب بـهعاله ( ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ت كل األبواب والنوافذ بســتار من الحرير األخضــر الىميل‪ ،‬وفي وســج‬ ‫)‪ ،‬وقد ض‬
‫غ عجيم ِ‬
‫القبة توىد المقصـــورة‪ ،‬على بابها أرب حلقات من الفضـــة النقية الخالصـــة‪ .‬وحول‬
‫المقصـــورة توىد مشـــكاوات من ال ىا المموه بالميناء المنقوشـــة ب خارف ىميلة‬
‫ومكتوب عليها اسـم الملك ال اهر أبي سـعيد‪ ،‬كما تحتوي على كتابات قرآنية‪ ( :‬ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮪ) ويبلغ عدد هذه المشـــكاوات ثالثًا وعشـــرين‪ ،‬كانت قيمتها في ذلك الوقت أكثر من‬
‫ألفي دينار‪ ،‬وبالقبة قبلة قديمة محالة بقج من الفســيفســاء الرخامية‪ ،‬ويكتنفها عمودان‬
‫من حىر الســـماق‪ ،‬وبىانبهما قاعدتان من الرخام كانتا معدنين فيما مضـــى لوضـــ‬
‫الشماعة‪ ،‬ومكتوب فوق القبلة قصيدة مجلعها‪:‬‬
‫أ إن تددقددوى ر خدديددر *** ومن زم التقوى فليس بضا ع‬
‫البضا ع‬
‫ت‬‫ضــــ معـ ِ‬
‫أمـا حىرة التـابوت فهي تق في الجبقـة الثـالثـة من أرس القبـة‪ ،‬وقـد ضو ع‬
‫الرأ فيها على كرســـي من األبنو ‪ ،‬وهي ملفوفة في برن أخضـــر‪ ،‬وحولها نحو‬
‫نصـــــف أردب من الجيـب الـذي ال يفقـد رائحتـه بتوالي الســـــنين‪ .‬وفوق الحىرة جبقـة‬
‫أخرن يسلك إليها من فىوتين على كل فىوة باب متين‪ .‬والحىرة مسقوفة بقضبان من‬
‫الحديد الصــلب‪ ،‬وتحتوي على مكان فســيح‪ ،‬بحده الشــرقي باب يوصــل إلى الحىرة‬
‫المباركة التي تحتوي على تركيبة ع يمة على القبر الشـــريف‪ ،‬ويحيج بها تابوت من‬

‫‪ )1‬المصدر السابق ‪.)155 ،152 /1‬‬


‫‪145‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫خشــــب الســــا الهندي‪ ،‬ويحتوي التابوت على ثالثة ىوانب فقج‪ ،‬ألن التركيبة التي‬
‫تحيج به كانت ملتصقة بالىدار الشرقي» ‪.)1‬‬
‫ويوىد غيرها مئات من القباب بعضـــها لملوك وبعضـــها ألولياء‪ ،‬وبعضـــها‬
‫لءثرياء في كثير من بالد العالم ا سالمي‪ ،‬كذلك توىد ال وايا ‪.)2‬‬
‫وقد اشـتهرت في العالم ا سـالمي الكثير من ال وايا والتي ت ض م‬
‫وضـ ض في بعضـها‬
‫األضـرحة وأصـبحت محل يارات‪ ،‬ترمى عندها الحوائج‪ ،‬وترف الدعوات‪ ،‬وتسـكب‬
‫العبرات‪ ،‬وقـد ذكر المقري ي ‪ − )3‬ىملـة من ال وايـا المعروفـة‪ ،‬ومن هـذه ال وايـا‪:‬‬
‫اويـة الشـــــيإل خضـــــر ‪ ،)4‬حيـ بنـاهـا خـار القـاهرة‪ ،‬ووقف عليهـا أحك ً‬
‫ـارا تغـل في‬
‫السنة‪ ،‬وين ل إليها في األسبوع مرة أو مرتين ‪.)5‬‬
‫كما أن هناك ما يعرف بالمقام‪ ،‬والمقام‪ :‬هو الموضـ الذي تقيم فيه‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫المنبر ‪.)6‬‬
‫ومن أشـهر المقامات في العالم ا سـالمي‪ :‬مقام أبي الدرداء ‪ ،)7‬المقام بشـارع‬
‫أبي الدرداء با ســكندرية وهو عبارة عن بناء مســتجيل الشــكل‪ ،‬يتوســجه ممر يقســم‬
‫المســتجيل إلى قســمين شــرقي وغربي‪ ،‬ويتقدم الممر من جرفيهما عقد كبير نصــف‬
‫دائري يرتك على عمودين ملتصقين من الرخام المى ع‪.‬‬

‫‪ )1‬المصدر السابق ‪.)390 ،389 ،388 /1‬‬


‫‪ )2‬ال وايا ىم ال اوية‪ .‬و اوية البيت‪ :‬ركنه‪ .‬وت ون‪ :‬صــــار فيها‪ .‬ان ر‪ :‬لســــان العرب‪ ،‬مادة‪:‬‬
‫ون‪.‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد‪ ،‬ويعرف بابن المقري ي ‪ ،−‬ولد ســنة ‪766‬هـــــــ)‬
‫سم من ا مام البلقيني والعراقي‪ ،‬لـــه عدة تصانيف من أشهرها‪ :‬الخجج وااثار‪ ،‬ولـــه التاريإل‬
‫الكبير في ستة عشر مىلد‪ ،‬توفي سنة ‪845‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬البدر الجال ‪.])81 ،80 /1‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬خضــــر بن أبي بكر بن موســــى الهمداني العدوي‪ ،‬وكان مقربًا من الملك ال اهر بيبر ؛‬
‫هدم كنيسـة لليهود بدمشـق‪ ،‬وكنيسـة للنصـارن بدمشـق‪ ،‬واسـتمر مقربًا‪ ،‬وقد اختلف النا فيه من‬
‫بين مع م ومىل وبين من يرميه بالع ائم‪ .‬اعتقل في سنة‪671 :‬هـــ)‪ ،‬مات في محبسه في قلعة‬
‫الىبل سنة ‪676‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬المواع واالعتبار ‪.])308 ،307 /4‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬كتـاب المواع واالعتبـار بذكر الخجج وااثار المعروف بالخجج المقري ية ‪،)307 /4‬‬
‫لإلمام تقي الدين أبي العبا المقري ي‪ ،‬تحقيق خليل المنصور‪.‬‬
‫‪ )6‬لسان العرب ‪.)498 /12‬‬
‫بدرا وما بعدها‪ ،‬مات ســنة‬‫‪ )7‬هو عويمر بن مالك الخ رىي األنصــاري الصــحابي الىليل شــهد ً‬
‫‪32‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬ا صابة ‪.])621 /4‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪146‬‬

‫وينقســم كل من القســمين الشــرقي والغربي بكل من المقاصــير األربعة مقبرة‬


‫مسـماة باسـم أبي الدرداء وأوالده وأحفاده وأصـحابه‪ ،‬ويعلو كل مقصـورة قبة ضـحلة‬
‫تكاد ال ترن من الخار ‪ ،‬والمبنى بحالة ىيدة ىدًا تضحرق فيه البخور باسـتمرار؛ لكثرة‬
‫الوافدين عليه من أهل ا سكندرية وغيرها‪.‬‬
‫وبـالرغم أن مرى ًعـا لم يـذكر أن أبـا الـدرداء قـد دفن في ا ســـــكنـدريـة‪ ،‬إال أن‬
‫بعس أهل ا سكندرية يعتقدون اعتقادًا ال يقبل المناقشة في أنه مدفون داخل ضريحه‪،‬‬
‫ويبررون ذلك بكثرة الكرامات التي تحد لهم‪.‬‬
‫ويذكرون على ســـبيل المثال ما حد عندما أرادت بلدية ا ســـكندرية ســـنة‬
‫‪ 1947‬م نقل الضــــريح من مكان إلى آخر؛ حتى ال يتوســــج الجريق فيعوق المرور‪،‬‬
‫فعال في تنفيذ المشروع‪ ،‬ولكن واحدًا من العمال الذين يعملون في نقل الضريح‬ ‫وبدأت ً‬
‫توقفت يداه وأصـــيب بالشـــلل‪ ،‬فامتن باقي العمال عن العمل‪ ،‬وأيقنوا أن الصـــحابي‬
‫الىليـل يهبى أن ينقـل ىثمـانه من مرقده هذا‪ ،‬واضـــــجرت البلـدية أن ترضـــــإل العتقاد‬
‫العامة‪ ،‬وأبقت الضـريح كما هو‪ ،‬وتحايلت لتوسـي الشـارع من الىانبين ليسـهل تسـيير‬
‫الترام ‪.)1‬‬
‫وهـذه من األســـــاجير التي ترو لخـداع العـامـة‪ .‬وقـد أخبرني بعس أعيـان‬
‫ا ســـكندرية أن أيدي االســـتعمار الخفية هي التي أيدت بقاءه‪ ،‬وقاموا بصـــناعة ترام‬
‫قجار) خا صـغير الحىم‪ ،‬ليتمكن من االنحراف عند الوصـول إلى هذا الضـريح‪،‬‬
‫من أىـل أن يبقى معول هـدم لعقـائـد النـا ‪ ،‬وتحقق لهم مرادهم‪ ،‬ويلح ذلـك من ي ور‬
‫ـاهرا بار ً ا معل ًما‪ ،‬يقصـــده القاصـــي والداني‪ ،‬وهللا‬
‫ا ســـكندرية‪ ،‬ويرن هذا الوثن شــ ً‬
‫المستعان‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مساىد مصر وأولياتها الصالحون ‪ ،)33 /2‬للدكتورة سعاد ماهر محمد‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثاني‬
‫بناء القبور في المساىد‪ ،‬أو المساىد على القبور‬
‫لقد ىاء ا سـالم بحف ىناب التوحيد‪ ،‬وحمايته من أوضـار الشـرك وأضـراره‪،‬‬
‫ومن أع م الحماية أن تحمى المســاىد مما يصــرفها عن جريقها الشــرعي‪ ،‬فال تبنى‬
‫بهـا قبور‪ ،‬حتى ال يضع مم مم ِن في القبور‪ ،‬وت ض ِ‬
‫صــــ مرف لهم الجـاعـات والعبـادات‪ ،‬واألدلـة‬
‫ضا منها في المجلب األول‪.‬‬ ‫على تحريم البناء كثيرة ىدًا‪ ،‬وسوف نتناول بع ً‬
‫* المجلب األول‪ :‬أدلة التحريم‪:‬‬
‫‪ )1‬عن عائشــة ‪ ‬قالت‪ :‬لما اشــتكى النبي ﷺ ذكرت بعس نســائه كنيســة‬
‫رأينها في أرس الحبشـــة‪ ،‬يقال لهما مارية‪ ،‬وكانت أم ســـلمة ‪ )1‬وأم حبيبة ‪ )2‬أتيتا‬
‫أرس الحبشـة‪ ،‬فذكرتا من ضح ـِس نها‪ ،‬وتصـاوير فيها‪ .‬فرف رأسـه فقال‪ :‬أولئك إذا مات‬
‫منهم الرىل الصـالح بنوا على قبره مسـىدًا‪ ،‬وصـوروا فيه تلك الصـورة‪ ،‬أولئك شـرار‬
‫الخلق عند هللا» ‪.)3‬‬
‫قال الحاف ‪ :−‬وفائدة التنصــــي على من النهي‪ :‬ا شــــارة إلى أنه من‬
‫أيضـا‪ :‬إن‬‫ً‬ ‫األمر المحكم الذي لم ينسـإل؛ لكونه صـدر في آخر حياته ﷺ » ‪ ،)4‬وقال‬
‫ضصـنم بالقبر‪ ،‬كما صـن أولئك الذين لض ععنضوا‪ ،‬وأما‬
‫المن من ذلك إنما هو حال خشـية أن ي ِ‬
‫ً‬
‫إذا أمن ذلـك فال امتنـاع‪ ،‬وقـد يقول بـالمن مجلقـا من يرن ســـــد الـذريعـة وهو هنـا متىـه‬

‫‪ )1‬واسمها هند بنت أبي أمية واسمه سهيل اد الركب ابن المغيرة بن عبد هللا بن عمر بن مخ وم‪.‬‬
‫من أمهات المتمنين‪ ،‬ت وىها رسـول هللا ﷺ‪ ،‬رضـي هللا عنها وأرضـاها‪ -‬في ليال بقين من شـوال‬
‫سـنة أرب ‪ ،‬وتوفيت في ذي القعدة سـنة تسـعة وخمسـين رضـي هللا عنها وأرضـاها‪[ .‬ان ر‪ :‬جبقات‬
‫ابن سعد ‪.])69 /8‬‬
‫‪ )2‬هي أم حبيية بنت أبي ســفيان صــخر بن حرب بن أمية بن عبد شــم القرشــية األموية‪ .‬و‬
‫‪ .‬كنيتهـا بـابنتهـا حبيبـة بنـت خ يمـة الهالليـة‪ .‬توفيـت ســــنـة‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬إحـدن أمهـات المتمنين ‪‬‬
‫أرب وأربعين‪  .‬وأرضاها‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬أسد الغابة ‪.])316 /7‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب بناء المســـىد على القبر‪ ،‬رقم‪ ،)1341 /‬ومســـلم‪ ،‬كتاب‬
‫المساىد ومواض الصالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المساىد على القبور‪ ،‬رقم‪.)528 /‬‬
‫‪ )4‬الفتح ‪.)625 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪148‬‬

‫قوي»‪ .‬وقد علق الشـيإل ابن با ‪ −‬على هذا القول بقوله‪ :‬هذا هو الحق ‪-‬يعني المن‬
‫مجلقًا‪-‬؛ لعموم األحادي الواردة بالنهي عن اتخاذ القبور مسـاىد‪ ،‬ولعن من فعل ذلك؛‬
‫وألن بناء المسـاىد على القبور من أع م وسـائل الشـرك بالمقبورين فيها‪ ،‬وهللا أعلم»‬
‫‪.)1‬‬
‫قال ابن عبد البر ‪ :− )2‬هذا يحرم على المســــلمين أن يتخذوا قبور األنبياء‬
‫والصالحين مساىد» ‪.)3‬‬
‫‪ )2‬عن عبد هللا بن مســعود ‪ ‬قال‪ :‬ســمعت رســول هللا ﷺ يقول‪ :‬إن من‬
‫شرار النا من تدركهم الساعة وهم أحياء‪ ،‬ومن يتخذ القبور مساىد» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬الفتح ‪.)247 /3‬‬


‫‪ )2‬هو‪ :‬حاف المغرب أبو عمر يوسـف بن عبد هللا بن عبد البر القرجبي‪ ،‬صـاحب التصـانيف‪ ،‬ولد‬
‫‪ −‬سنة ‪368‬هــ)‪ ،‬قال عنه الذهبي‪ :‬كان إما ًما ثقة‪ ،‬لــه مصنفات كثيرة من أهمها‪ :‬التمهيد‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪463‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ ،)153 /18‬وفيات األعيان ‪.])72 - 66 /7‬‬
‫‪ )3‬فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر ‪.)266 /1‬‬
‫‪ )4‬أخرىــه أحمــد ‪ )435 ،405 /1‬والجبراني ‪ ،)10413‬والب ار ‪ ،)3420‬من جرق عن‬
‫ائدة‪ ،‬وصـححه ابن خ يمة ‪ ،)789‬و ادوا بعد قوله‪ :‬تدركه السـاعة»‪ :‬وهم أحياء‪ .‬قال شـيإل‬
‫ا ســالم‪ :‬إســناده ىيد‪[ .‬ان ر‪ :‬االقتضــاء ‪ .)674 /3‬وأخرىه ابن حبان ‪ ،)2325‬وقال محقق‬
‫صحيح ابن حبان شعيب األرناتوج‪ :‬إسناده حسن»]‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )3‬عن أبي عبيـدة ‪ : )1‬قـال‪ :‬آخر مـا تكلم بـه النبي ﷺ‪ :‬أخرىوا يهود‬
‫أهل الحىا وأهل نىران من ى يرة العرب‪ ،‬واعلموا أن شــــرار النا الذين اتخذوا‬
‫قبور أنبيائهم مساىد» ‪.)2‬‬
‫‪ )4‬عن عائشة ‪ ،‬عن النبي ﷺ أنه قال في مرضه الذي مات فيه‪ :‬لعن هللا‬
‫اليهود والنصـارن اتخذوا قبور أنبيائهم مسـاىد‪ ،‬قالت‪ :‬ولوال ذلك؛ ألبر وا قبره‪ ،‬غير‬
‫ي‪ ،‬أو ضخ عشــي أن‬ ‫أني أخشــى أن يضتِخمذ مســىدًا» ‪ .)3‬وفي رواية أخرن‪ :‬غير أن خ ع‬
‫مشــ م‬
‫يضتِخمذ مسىدًا» ‪.)4‬‬
‫قـــاال‪ :‬لمـــا ن ل برسول هللا ﷺ‪ ،‬جفق يجر‬ ‫‪ )5‬عن عائشة‪ ،‬وابن عبا‬
‫خميصـــــة على وىهـه‪ ،‬فـإذا اغتم كشـــــفهـا عن وىهـه‪ ،‬فقـال وهو كـذلـك‪ :‬لعنـة هللا على‬
‫اليهود والنصارن‪ ،‬اتخذوا قبور أنبيائهم مساىد» يحذر ما صنعوا ‪.)5‬‬
‫‪ )6‬عن أبي هريرة ‪ ‬أن رســـــول هللا ﷺ قـال‪ :‬قـاتـل هللا اليهود‪ ،‬اتخـذوا‬
‫قبور أنبيائهم مساىد» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬عامر بن عبد هللا بن الىرا بن هالل القرشـي الفهري‪ ،‬مشـهور بكنيته وبالنسـبة إلى ىده‪،‬‬
‫أمين هذه األمة‪ ،‬أحد العشـرة‪ ،‬أسلم قدي ًما قبل دخول النبي ﷺ دار األرقم‪ ،‬هاىر الهىرتين‪ ،‬وشهد‬
‫بدرا وما بعدها‪ .‬أمه من بني الحار بن فهر‪ ،‬أدركت ا سالم وأسلمت‪ ،‬آخى النبي ﷺ بينه وبين‬ ‫ً‬
‫ســـعد بن معاذ‪ ،‬كان فتح أكثر الشـــام على يديه‪ ،‬ومات شـــهيدًا بجاعون عموا بالشـــام ســـنة‬
‫‪،476 /‬‬ ‫‪18‬هــ)‪ .‬ولــه ثمان وخمسون سنة‪[ .‬ان ر‪ :‬ا صابة ‪ ،)254 - 252 /2‬والتقريب‬
‫‪ ،)477‬رقم‪.])3115 /‬‬
‫‪ )2‬رواه أحمد والجبراني في األوسـج‪ ،‬ورىال أحمد رىال الصـحيح‪ ،‬غير ابن إسـحاق‪ ،‬وقد صـر‬
‫بالسـماع‪ .‬ان ر‪ :‬مىم ال وائد ‪ ،)325 /5‬وصـححه األلباني في الصـحيحة‪ ،‬وقال‪ :‬إسـناده حسـن‬
‫أو صحيح‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سلسلة األحادي الصحيحة لءلباني ‪ )124 /3‬رقم الحدي ‪.])1132‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما يكره من اتخاذ المســـاىد على القبور‪ ،‬رقم‪،)1330 /‬‬
‫ومســـلم‪ ،‬كتاب المســـاىد ومواضــ الصـــالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المســـاىد على القبور‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.)529‬‬
‫‪ )4‬البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في قبر النبي ﷺ‪ ،‬وقبر أبي بكر وعمر‪ ،‬رقم‪.)1390 /‬‬
‫‪ )5‬البخـاري‪ ،‬كتـاب أحـاديـ األنبيـاء‪ ،‬بـاب مـا ذكر عن بني إســـــرائيـل‪ ،‬رقم‪.)3454 ،)3453 /‬‬
‫ومســـلم‪ ،‬كتاب المســـاىد ومواضــ الصـــالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المســـاىد على القبور‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪ .)531‬والخميصة‪ :‬كساء أسود مرب لـه علمان‪[ .‬ان ر‪ :‬القامو في خم )]‪.‬‬
‫‪ )6‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصــالة‪ ،‬باب ولم يعنون لـــــــه‪ ،‬رقم‪ ،)437 /‬وأخرىه مســلم‪ ،‬كتاب‬
‫المساىد ومواض الصالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المساىد على القبور‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪150‬‬

‫‪ )7‬عن ىنـدب ‪  )1‬قـال‪ :‬ســـــمعـت النبي ﷺ قبـل أن يموت بخم ‪ ،‬وهو‬


‫ً‬
‫خليال‪ ،‬كمـا اتخـذ‬ ‫يقول‪ :‬إني أبرأ إلى هللا أن يكون لي منكم خليـل‪ ،‬فـإن هللا قـد اتخـذني‬
‫ً‬
‫خليال‪ ،‬أال وإن مم ِن‬ ‫خليال؛ التخـذت أبـا بكر‬‫ً‬ ‫خليال‪ ،‬ولو كنـت متخـ ًذا من أمتي‬
‫ً‬ ‫إبراهيم‬
‫كـان قبلكم كـانوا يتخـذون قبور أنبيـائهم وصـــــالحيهم مســـــاىـد‪ ،‬أال فال تتخـذوا القبور‬
‫مساىد؛ فإني أنهاكم عن ذلك» ‪.)2‬‬
‫واألحادي في الباب كثيرة‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬موقف العلماء من البناء على القبور‪:‬‬
‫اشــتد نكير العلماء والســلف الصــالح على من بنى على القبور أي بناء‪ ،‬وكان‬
‫نكيرهم على من بنى مسـىدًا أشـد‪ ،‬بل لما مات الحسـن بن الحسـن بن علي ‪ )3‬ضـربت‬
‫امرأته القبة على قبره سـنة ثم رفعت‪ ،‬فسـمعوا صـائ ًحا يقول‪ :‬أال هل وىدوا ما فقدوا؟‪.‬‬
‫فهىابه ااخر‪ :‬بل يئسوا فانقلبوا ‪.)4‬‬
‫قال الحاف ‪ :−‬ومناســبة هذا األثر لحدي الباب أن المقيم في الفســجاج ال‬
‫يخلو من الصـالة هناك؛ فيل م اتخاذ المسـىد عند القبر‪ ،‬وقد يكون القبر في ىهة القبلة‬
‫فت داد الكراهة‪ ،‬فىاءت الموع ة على لســان الهاتفين بتقبيح ما صــنعوا‪ ،‬وكهنهما من‬
‫المالئكة‪ ،‬أو من متمني الىن‪ ،‬وإنما ذكره البخاري لموافقته لءدلة الشـــرعية‪ ،‬ال ألنه‬
‫دليل برأسه» ‪.)5‬‬
‫وقال شيإل ا سالم ‪ :−‬فهما بناء المساىد على القبور فقد صر عامة علماء‬
‫الجوائف بالنهي عنه متابعة لءحادي ‪ ،‬وصـر أصـحابنا وغيرهم من أصـحاب مالك‬

‫‪ )1‬هو ىندب بن عبد هللا بن سفيان البىلي ثم ال معلمقي ‪-‬بفتحتين ثم قاف‪ -‬أبو عبدهللا‪ ،‬وربما نسب إلى‬
‫ىده‪ ،‬ولـــــــه صــحبة‪ ،‬ســكن الكوفة ثم البصــرة‪ ،‬قدمها م مصــعب بن ال بير‪ ،‬ورون عنه أهل‬
‫المصرين‪ ،‬ومات بعد ‪60‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )203 /‬رقم‪.])982 /‬‬ ‫[ان ر‪ :‬ا صابة ‪ ،)349 - 348 /1‬التقريب‬
‫‪ )2‬مســـلم‪ ،‬كتاب المســـاىد ومواضـ ـ الصـــالة‪ ،‬باب النهي عن بناء المســـاىد على القبور‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.)532‬‬
‫‪ )3‬هو ابن سـبج رسـول هللا ﷺ‪ ،‬أبو محمد الحسـن بن الحسـن بن علي بن أبي جالب‪ ،‬رون عن أبيه‬
‫وعبد هللا بن ىعفر‪ ،‬وهو مقل الرواية‪ ،‬توفي ســـنة ‪99‬هــــــــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬ســـير أعالم النبالء ‪/4‬‬
‫‪.])483‬‬
‫ً‬
‫معلقـا قبـل الحـديـ‬ ‫‪ )4‬البخـاري‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا يكره من اتخـاذ المســـــاىـد على القبور‪،‬‬
‫‪.)1330‬‬
‫‪ )5‬الفتح ‪.)238 /3‬‬
‫‪151‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫والشـــــافعي وغيرهمـا بتحريمـه‪ .‬ثم قـال‪ :‬فهـذه المســـــاىـد المبنيـة على قبور األنبيـاء‬
‫والصـــــالحين والملوك وغيرهم‪ ،‬يتعين إ التهـا بهـدم أو بغيره‪ ،‬وهـذا ممـا ال أعلم فيـه‬
‫خالفًا بين العلماء المعروفين» ‪.)1‬‬
‫أيضـــ ـا‪ :‬ولهـذا لمـا لم يكن بنـاء المســـــاىـد على القبور التي تســـــمى‬
‫ً‬ ‫وقـال‬
‫المشـاهد) وتع يمها من دين المسـلمين‪ ،‬بل من دين المشـركين؛ لم يحف ذلك‪ ،‬فإن هللا‬
‫ضمن لنا أن يحف الذكر الذي أن له‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحىر‪:‬‬
‫‪ ]9‬فما بع هللا به رسوله من الكتاب والحكمة محفو » ‪.)2‬‬
‫جا على‬ ‫وكان الصــــحابة ﭫ ينهون عن مثل هذا؛ فقد رأن ابن عمر فســــجا ً‬
‫قبر‪ ،‬فهمر بن عه ‪.)3‬‬
‫قـال النووي ‪ −‬قـال العلمـاء‪ :‬إنمـا نهى النبي ﷺ عن اتخـاذ قبره وقبر غيره‬
‫مســــىـدًا‪ ،‬خو ًفـا من المبـالغـة في تع يمـه واالفتتـان بـه‪ ،‬فربمـا أدن ذلـك إلى الكفر‪ ،‬كمـا‬
‫ىرن لكثير من األمم الخالية» ‪.)4‬‬
‫أيضـ ـا‪ :‬وأما البناء عليه فإن كان في ملك الباني فمكروه‪ ،‬وإن كان في‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫مقبرة مســبلة فحرام‪ ،‬ن عليه الشــافعي واألصــحاب‪ ،‬قال الشــافعي في األم‪ :‬رأيت‬
‫قبرا مشـــرفًا إال ســـويته»‬
‫األئمة بمكة يهمرون بهدم ما يبنى‪ ،‬ويتيد الهدم قوله‪ :‬وال ً‬
‫‪.)6 ،)5‬‬
‫أيضـا‪ :‬واتفقت نصـو الشـافعي واألصـحاب على كراهة بناء مسـىد‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫‪)7‬‬
‫مشهورا بالصال أم غيره» ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫على القبر سواء أكان الميت‬
‫قال األلباني ‪ :−‬ال أسـتبعد حمل الكراهة في عبارة الشـافعي المتقدمة خاصـة‬
‫على الكراهة التحريمية؛ ألنه هو المعني الشــرعي المقصــود في االســتعمال القرآني‪،‬‬
‫وال شـك أن الشـافعي متهثر بهسـلوب القرآن غاية التهثر‪ ،‬فإذا وقفنا في كالمه على لف‬
‫لــــه معنى خا في القرآن الكريم‪ ،‬وىب حمله عليه‪ ،‬ال على المعنى المصجلح عليه‬

‫‪ )1‬االقتضاء باختصار ‪.)675 ،674 /2‬‬


‫‪ )2‬الفتاون ‪.)170 /27‬‬
‫‪.)211 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬شر مسلم للنووي ‪.)17 /5‬‬
‫‪ )5‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب األمر بتسوية القبر‪ ،‬رقم‪.)9 /‬‬
‫‪ )6‬شر مسلم للنووي ‪.)17 /5‬‬
‫‪ )7‬مختصر المىموع ‪.)182 /5‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪152‬‬

‫عنـد المتـهخرين‪ .‬فقـد قال تعـالى‪ ( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ) [الحىرات‪ ،]7 :‬وهذه كلهـا محرمات‪ ،‬فهـذا‬
‫المعنى ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬هو الذي أراده الشافعي ‪.−‬‬
‫‪)1‬‬
‫ولذلك فإني أقج بهن التحريم هو مذهب الشافعي ‪.‬‬
‫عند تفســيره آية الكهف‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الكهف‪:‬‬ ‫وقال القرجبي ‪− )2‬‬
‫‪ : ]21‬وتنشـه هنا وسـائل ممنوعة وىائ ة؛ فاتخاذ المسـاىد على القبور‪ ،‬والصـالة فيها‪،‬‬
‫والبناء عليها‪ ،‬إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه‪ ،‬ممنوع ال يىو »‪ .‬ثم‬
‫أورد األحـاديـ الواردة على التحريم‪ ،‬ثم قـال‪ :‬فـإن ذلـك يتدي إلى عبـادة من كـان‬
‫فيها‪ ،‬كما كان السـبب في عبادة األصـنام‪ ،‬فحذر النبي ﷺ عن مثل ذلك‪ ،‬وسـ َّد الذرائ‬
‫المتدية إلى ذلك»‪.‬‬
‫ثم قـال‪ :‬وأمـا تعليـة البنـاء الكثير على نحو مـا كـانـت الىـاهليـة تفعلـه‪ ،‬تفخي ًمـا‬
‫وتع ي ًمـا‪ ،‬فـذلـك يضهـدم ويض ال؛ فـإن فيـه اســـــتعمـال ينـة الـدنيـا في أول منـا ل ااخرة‪،‬‬
‫وتشبه بمن كان يع م القبور ويعبدها» ‪.)3‬‬
‫وقــــال ابن الملقن ‪ −‬عند شر حدي عائشة ڤ لما اشتكى النبي ﷺ ‪»...‬‬
‫أيضـ ـا على من بناء المســـاىد على القبور‪ ،‬وهو‬‫ً‬ ‫الحدي ‪ .)4‬قال‪ :‬في الحدي دليل‬
‫من يقتضـــي التحريم‪ ،‬كيف وقد ثبت في الحدي ااتي‪ :‬لعن هللا اليهود والنصـــارن‬
‫اتخـذوا قبور أنبيـائهم مســـــاىد» ‪ ،)5‬وقوله‪ :‬اللهم ال تىعـل قبري وث ًنـا يعبـد» ‪ ،)6‬وقد‬
‫استىاب هللا دعاءه‪ ،‬فله الحمد والمنة» ‪.)7‬‬

‫‪ )37 -35 /‬بتصرف)‪.‬‬ ‫‪ )1‬تحذير الساىد‪،‬‬


‫‪ )2‬هو أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن مف ِر بإسـكان الراء وبالحاء المهملة) األنصـاري‬
‫الخ رىي األندلسـي القرجبي المفسـر‪ ،‬قال عنه الحاف عبد الكريم‪ :‬كان من عباد هللا الصـالحين‬
‫والعلماء العارفين الورعين‪ ،‬ال اهدين في الدنيا‪ ،‬المشـتغلين بما يعنيهم من أمور ااخرة» ولــــــه‬
‫متلفـات من أشـــــهرهـا‪ :‬ىـام أحكـام القرآن‪ ،‬التـذكرة بـهحوال الموتى وأحوال ااخرة‪ .‬وغيرهـا‪.‬‬
‫توفي سنة ‪671‬هـ) ‪ −‬ورضي عنه‪ .‬ان ر‪ :‬مقدمة تفسيره‪.‬‬
‫‪ )3‬الىام ألحكام القرآن ‪ ،)247 /10‬لإلمام أبو عبد هللا محمد بن أحمد األنصاري القرجبي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪1413‬هـ ‪1993 -‬م‪ .‬تفسير آية ‪ )21‬سورة الكهف‪.‬‬
‫‪.)222 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪.)223 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )6‬سيهتي تخريىه‬
‫‪ )7‬ا عالم بفوائد عمدة األحكام ‪.)499 /4‬‬
‫‪153‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقال الشــــيإل محمد بن عثيمين ‪ −‬لما شــــر حدي ‪ :‬لعنة هللا على اليهود‬
‫والنصارن» قال‪ :‬وفي هذا الحدي التحذير من اتخاذ قبور األنبياء وغيرهم مساىد‪،‬‬
‫وهم أفضـل الصـالحين؛ ألن مرتبة النبيين هي المرتبة األولى من المراتب األرب التي‬
‫قال هللا تعالى عنها‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ [النساء‪.)1 ]69 :‬‬
‫وقال األلبـاني ‪ −‬بعد أن ذكر أحادي النهي‪ :‬إن من يتهمل في تلك األحادي‬
‫الكريمة‪ ،‬ي هر لـــــــه بصــورة ال شــك فيها‪ ،‬أن االتخاذ المذكور حرام‪ ،‬بل كبيرة من‬
‫الكبائر؛ ألن اللعن الوارد فيها ووصـف المخالفين بهنهم شـرار الخلق عند هللا تعالى‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يكون في حق من يرتكب ما لي كبيرة‪ ،‬كما ال يخفى‪.‬‬
‫وقد اتفقت المذاهب األربعة على تحريم ذلك‪ ،‬ومنهم من صــــر بهنه كبيرة»‬
‫‪.)2‬‬
‫وقال األمير الصـــنعاني ‪ :− )3‬وهذه األخبار المعبر عنها باللعن والتشـــبيه‬
‫وثنـا يعبـد من دون هللا»‪ ،‬تفيـد التحريم للعمـارة‪ ،‬والت يين‪،‬‬‫بقولـه‪ :‬ال تىعلوا قبري ً‬
‫والتىصـي ‪ ،‬ووضـ الصـندوق الم خرف‪ ،‬ووضـ السـتائر على القبر وعلى سـمائه‪،‬‬
‫والتمسـح بىدار القبر‪ ،‬وأن ذلك قد يفضـي م بعد العهد وفشـو الىهل إلى ما كان عليه‬
‫األمم الســـــابقـة من عبـادة األوثـان؛ فكـان في المن عن ذلـك بـالكليـة قج لهـذه الـذريعـة‬
‫المفضـــية إلى الفســـاد‪ ،‬وهو المناســـب للحكمة المعتبرة في شـــرع األحكام من ىلب‬
‫المصالح ودف المفاسد‪ ،‬سواء أكانت بهنفسها‪ ،‬أم باعتبار ما تفضي إليه» ‪.)4‬‬
‫وهكـذا نىـد آراء العلمـاء المعتبرين الـذين لهم قـدم صـــــدق‪ ،‬قـد اتفقـت كلمتهم‪،‬‬
‫واتحد رأيهم على تحريم البناء على القبور‪ ،‬موافقة ومتابعة للرســول ﷺ في أحادي‬
‫صــحيحة صــريحة‪ ،‬تحرم هذا الفعل‪ ،‬وتلعن فاعليه من األمم الســالفة؛ لتحذر األمة أن‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬القول المفيد ‪.)404 /1‬‬


‫‪.)33 /‬‬ ‫‪ )2‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪ )3‬هو محمد بن إسـماعيل بن صـال بن محمد بن علي الكحالني ثم الصـنعاني المعروف باألمير‪،‬‬
‫صـاحب التصـانيف‪ .‬ولد سـنة ‪ )1099‬بكحالن‪ ،‬لــــــه مصـنفات كثيرة منها‪ :‬سـبل السـالم‪ ،‬شـر‬
‫الىام الصغير‪ ...‬وغيرها)‪ ،‬توفي سنة ‪1182‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬البدر الجال ‪.])137 - 134 /2‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬سبل السالم شر بلو المرام من ىم أدلة األحكام لإلمام الصنعاني ‪ )769 /2‬تحقيق‪:‬‬
‫حا م علي‪[ .‬ان ر‪ :‬الروضــة الندية شــر الدرر البهية ‪ )448 /1‬لمحمد حســن خان‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد صــــبحي حالق‪ ،‬ونيل األوجار ‪ ،)539 /4‬وتحذير الســــاىد من اتخاذ القبور مســــاىد‬
‫للخمي ]‪.‬‬
‫ع‬ ‫لءلباني‪ ،‬والبناء على القبور للمعلمي‪ ،‬والمىموع المفيد‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪154‬‬

‫تحذو حذوها‪ ،‬وأن تســير في ركبها‪ ،‬ولعلنا في المجلب القادم نتعرس ألدلة المبجلين‪،‬‬
‫وشبه المىي ين‪ ،‬وهللا الموفق‪.‬‬
‫وقـال ســــمـاحـة الشـــــيإل ابن بـا ‪ −‬بعـد أن ذكر األحـاديـ التي أوردنـاهـا في‬
‫المبح األول من هذا الفصـل‪ :‬فهذه األحادي الصـحيحة‪ ،‬وما ىاء في معناها؛ كلها‬
‫تدل على تحريم الصـالة بالمسـاىد التي بها قبور‪ ،‬كما تدل على تحريم اتخاذ المسـاىد‬
‫على القبور‪ ،‬ولعن من فعـل ذلـك‪ ،‬وقـد ثبـت عنـه ﷺ من حـديـ ىـابر أنـه نهى عن‬
‫تىصي القبور‪ ،‬والبناء عليها‪.‬‬
‫فالواىب على والة أمر المســلمين في ىمي الدول ا ســالمية أن يمنعوا البناء‬
‫على القبور‪ ،‬واتخاذ المســاىد عليها‪ ،‬كما يىب عليهم أن يمنعوا تىصــيصــها والقعود‬
‫عمال بهذه األحادي الصــحيحة‪ ،‬وســدًا لذرائ الغلو في أهلها‪،‬‬ ‫عليها‪ ،‬والكتابة عليها‪ً ،‬‬
‫والشرك بهم‪.‬‬
‫نســــهل هللا أن يوفق والة أمر المســــلمين لما فيه صــــال العباد والبالد‪ ،‬وأن‬
‫ينصر بهم دينه‪ ،‬ويحمي بهم شريعته مما يخالفها‪ ،‬إنه سمي مىيب» ‪.)1‬‬
‫شبه التي يثيرها من يرن ىوا البناء على القبور‪:‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬ال ض‬
‫شــبهٍ‪ ،‬ىعلوها أدلة وركائ يحســنون‬ ‫لقد أثار من يرن البناء على القبور عدة ض‬
‫من خاللها فعلهم‪ ،‬وهي شــبهات أوهى ‪-‬وربي‪ -‬من بيت العنكبوت‪ ،‬فما يهتي صــاحب‬
‫سا المتشابه؛ لينصر باجله ويقوي حىته‪ ،‬إال وفي الوحيين ما ينقضه‪ ،‬ويهتي‬ ‫باجل ملتم ً‬
‫عليه من أساسه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفرقان‪.]33 :‬‬
‫قال ا مام محمد بن عبد الوهاب ‪ :−‬قال بعس المفســـرين‪ :‬هذه ااية عامة‬
‫في كل حىة يهتي بها أهل الباجل إلى يوم القيامة» ‪.)2‬‬
‫فههل الباجل اســتندوا على باجلهم بحىج واهية‪ ،‬اتبعوا من خاللها المتشــابه‪،‬‬
‫وتركوا المحكم‪ ،‬قـال تعـالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ) [آل عمران‪ ،]7 :‬وقـد اســـــتنـد أهـل البـاجـل ممن فتن بـالقبور وعبـادتهـا وأ ض ِو عل‬
‫خصــوصــا وقد‬
‫ً‬ ‫بتشــييد المســاىد والقباب عليها بهدلة عديدة ال حىة فيها لمن تهملها‪،‬‬
‫ىاءت األحادي الصـحيحة الصـريحة بردها فيا سـبحان هللا!! يعرضـون عن الصـريح‬
‫الذي ال لب فيه‪ ،‬ويتبعون المتشابه‪ ،‬ومن شبههم‪:‬‬

‫‪ )1‬مىموع فتاون ابن با ‪.)759 - 758 /2‬‬


‫‪ ،)147 /‬تهليف‪ :‬محمد بن عبد هللا‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬التوضــيحات الكاشــفات على كشــف الشــبهات‪،‬‬
‫الهبدان‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشبهة األولى‪ :‬آية الكهف‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الكهف‪.]21 :‬‬


‫قال أهل الباجل‪ :‬معنى ااية‪ :‬لنتخذن على باب الكهف مســــىدًا‪ ،‬يصــــلي فيه‬
‫المسلمون‪ ،‬ويتبركون بمكانهم؛ وهذا يدل على الىوا ‪.‬‬
‫‪)1‬‬
‫وهذا الدليل اســـتدل به كثير ممن ينتمي لإلســـالم كالرافضـــة والبريلوية ‪،‬‬
‫والديوبندية ‪.)3 ،)2‬‬
‫والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫أو ً ‪ :‬اختلف علماء السـلف في تفسـير هذه ااية فقد قال الجبري ‪ :−‬اختلف‬ ‫ّ‬
‫في قـائـل هـذه المقـالـة أهم الرهج المســـــلمون أم هم الكفـار؟» ثم ذكر قول ابن عبـا ‪:‬‬
‫يعني عدوهم» أي الكفار ‪.)4‬‬
‫وقال ابن كثير ‪ :−‬وال اهر أن الذين قالوا ذلك هم أصـحاب الكلمة والنفوذ‪،‬‬
‫ولـكـن هـــل هـم مـحـمـودون؟‪ .‬فـيـــه نـ ـر؛ ألن الـنـبـي ﷺ قـــال‪ :‬لـعـن هللا الـيـهـود‬
‫والنصــارن‪ )5 »...‬الحدي ‪ ،)6‬وجالما هناك خالف فال يصــح االســتدالل به‪ ،‬فالدليل‬
‫إذا جرقه االحتمال‪ ،‬فسد به االستدالل‪.‬‬
‫ولكنهم أصـــــروا على رأ يهم بـهن الـذين غلبوا على أمرهم هم أهـل ا يمـان‪،‬‬
‫أمرا مسـلَّ ًما‪ ،‬ال يجرقه شـك وال يعتريه احتمال‪ ،‬ومسـتندهم أن هللا ىل وعال)‬ ‫وىعلوه ً‬
‫قد أقرهم‪ ،‬والدليل بهن هللا قد أقرهم؛ أنه لم يرد عليهم‪ ،‬ولم يشــــن عليهم‪ ،‬بل رضـــي‬
‫صنيعهم‪.‬‬
‫ويرد على هذا بما يلي‪:‬‬
‫إقرارا لهم‪ ،‬إال إذا أثبتنـا أنهم كـانوا‬
‫ً‬ ‫أ‪ -‬ال يصـــــح أن يعتبر عـدم الرد عليهم‬
‫مسـلمين وصـالحين متمسـكين بشـريعة نبيهم‪ ،‬ولي في ااية ما يشـير أدنى إشـارة إلى‬

‫‪ )1‬البريلوية‪ :‬فرقة صـوفية نشـهت في شـبه القارة الهندية الباكسـتانية في مدينة بريلي‪ ،‬وقد اشـتهرت‬
‫بمحبة وتقدي األنبياء واألولياء بعامة‪ ،‬والنبي ﷺ بخاصة‪ ،‬متسسها أحمد رضخان بن تقي علي‬
‫خان‪[ .‬ان ر‪ :‬الموسوعة الميسرة ‪.])303 /1‬‬
‫‪ )2‬الـديوبنـديـة‪ :‬تننتســـــب إلى ىـامعـة ديوبنـد في الهنـد‪ ،‬وهي حنفيـة في الفقـه‪ ،‬مـاتريـديـة في االعتقـاد‪،‬‬
‫تهثرت بالجرق الصـوفية النقشـبندية والقادرية‪ ،‬ومن أبر أعالمها أبو الحسـن الندوي‪ ،‬والمحد‬
‫حبيب الرحمن األع مي‪[ .‬المرى السابق ‪.])310 - 308 /1‬‬
‫‪ )3‬ىهود علماء الحنفية في إبجال عقائد القبورية ‪ ،)1650 /3‬لشم الدين السلفي األفغاني‪.‬‬
‫‪ )4‬ىام البيان ‪ )205 /8‬عند تفسير آية ‪ )21‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير ‪.)2153 /5‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪156‬‬

‫ـارا‬
‫أنهم كـانوا كـذلـك‪ ،‬بـل تحتمـل أنهم لم يكونوا كـذلـك‪ ،‬وهـذا هو األقرب؛ ألنهم كـانوا كف ً‬
‫ـارا؛ ألن حكـاية‬‫إقرارا‪ ،‬بـل إنك ً‬
‫ً‬ ‫ـارا ‪-‬كمـا ســــيـهتي‪ ،-‬وحينئـذ فعـدم الرد عليهم ال يضعـد‬
‫وفى ً‬
‫إقرارا‬
‫ً‬ ‫القول عن الكفار والفىار يكفي في رده ع وه إليهم! فال يعتبر الســـكوت عليهم‬
‫كما ال يخفى‪ ،‬ويتيده الوىه ااتي‪:‬‬
‫ب‪ -‬أن االسـتدالل المذكور إنما يسـتقيم على جريقة أهل األهواء من الماضـين‬
‫والمعـاصـــــرين‪ ،‬الـذين يكتفون بـالقرآن فقج دي ًنـا‪ ،‬وال يقيمون للســــنـة و ًنـا‪ ،‬وأمـا على‬
‫جريقـة أهـل الســــنـة والحـديـ الـذين يتمنون بـالوحيين؛ فهـذا االســــتـدالل عنـدهم بـاجل‬
‫اهر البجالن» ‪.)1‬‬
‫ثدانيدا ‪ :‬الـذي ي هر أن الـذين غلبوا على أمرهم هم الكفـار‪ ،‬وهـذا مـا رىحـه‬ ‫ً‬
‫بعس الســـــلف؛ حيـ قـال الحـاف ابن رىـب ‪ −‬عنـدمـا شـــــر حـديـ ‪ :‬لعن هللا‬
‫اليهود‪ »...‬قـال‪ :‬وقـد دل القرآن على مثـل مـا دل عليـه الحـديـ ‪ ،‬وهو قول هللا تعـالى‬
‫في قصـــة أصـــحاب الكهف‪ ( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الكهف‪ ،]21:‬فىعل اتخاذ القبور‬
‫على المسـاىد من فعل أهل الغلبة على األمور‪ ،‬وذلك يشـعر بهن مسـتنده القهر والغلبة‬
‫وا تبـاع الهون‪ ،‬وأنـه لي من فعـل أهـل العلم والفضـــــل المنتصـــــر لمـا أن ل هللا على‬
‫رسوله بالهدن» ‪.)2‬‬
‫قـــال المـعـلـمـي ‪ : −‬إن الـــذين غلـبـوا علـى أمرهم هم أهـــل البـجـر والبغي‬
‫والعدوان»‪ ،‬وقد أجال النف في هذه المسهلة ‪.)3‬‬
‫ومما يتيد أنهم الكفار‪ :‬أن الرســول ﷺ لعن اليهود والنصــارن ‪ ،)4‬وهم أمم‬
‫سالفة قبل ا سالم‪ ،‬وذمهم التخاذهم القبور مساىد‪.‬‬
‫فهو يدل على أن الشرائ السماوية ىاءت بتحريم هذا‪.‬‬

‫‪ ،)57 /‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪ )1‬تحذير الساىد‪،‬‬


‫‪ )2‬فتح الباري في شـــر صـــحيح البخاري‪ ،‬البن رىب من الكواكب الدراري وقد ع اه األلباني‬
‫‪ ،)49 /‬وقد رىعت إلى النســخة التي أصــدرتها مكتبة الغرباء‬ ‫إليه‪ ،‬كما في تحذير الســاىد‪،‬‬
‫في المدينة المنورة ولم أىدها‪ ،‬فلعلها في نسخة غيرها‪.‬‬
‫نقال عن عمارة القبور عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬باختصــار شــديد‪ ،‬ولالســت ادة ارى إلى مبحثها‬ ‫‪ً )3‬‬
‫‪.)289 /‬‬
‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪157‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ثالثًا ‪ :‬لو ســلمنا بهن الذين غلبوا على أمرهم هم أهل ا يمان‪ ،‬وأن المســىد قد‬
‫فعال برغبتهم؛ فهذا ال يمكن أن يكون ً‬
‫دليال ومســــتندًا يعتمده من يرن بناء القبور‬ ‫بني ً‬
‫على المساىد؛ ألمور‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنه فعل أمة ســالفة عن ا ســالم‪ ،‬وشــرعها لي مل ًما ألهل ا ســالم‪ ،‬وقد‬
‫تعرس علماء األصــــول لهذه المســــهلة‪ ،‬وبينوا ما فيها من خالف‪ ،‬وأوضــــحوا بهن‬
‫الخالف في هـذه المســـــهلـة ال يترتـب عليـه اختالف في العمـل؛ ألنـه مـا من حكم في‬
‫الشرائ السابقة إال ىاء ا سالم بنفيه أو إثباته ‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬لو فرضــنا أن شــرع من قبلنا شــرع لنا؛ فإن األمة اتفقت على أال يكون‬
‫ذلك مخالفًا لما ىاء به شـــرعنا‪ ،‬وقد ىاء في شـــرعنا صـــراحة ما يحرم البناء على‬
‫القبور‪ ،‬ويهدم ما اسـتدل به المبجلون الذين ارتك وا على آية الكهف‪ ،‬وىعلوها مسـلَّمة‬
‫وقجعية‪ ،‬وقد ىاء في شــرعنا ما يحرم البناء؛ ولذا شــن العلماء على من اســتدل بهذه‬
‫ااية‪ ،‬وأعرس عن الســـنة النبوية‪ ،‬وممن شـــن عليهم العالمة األلوســـي ‪ − )2‬حي‬
‫قال‪ :‬وقد اسـتدل بااية على ىوا البناء على قبور الصـلحاء‪ ،‬واتخاذ المسـاىد عليها‪،‬‬
‫الشــهاب الخفاىي ‪ )3‬في حاشــيته على البيضــاوي ‪ ،)4‬وهو قول باجل‪ ،‬عاجل‪ ،‬فاســد‪،‬‬
‫كاســـد‪ .‬ثم أورد بعس األحادي التي مرت معنا في بداية المبح وتحريم البناء على‬
‫القبور ‪.)5‬‬

‫‪ ،)265 /‬للدكتور عبد الكريم يدان‪.‬‬ ‫‪ )1‬راى الوىي في أصول الفقه‪،‬‬


‫‪ )2‬هو محمود بن عبد هللا الحسـيني األلوسـي شـهاب الدين‪ ،‬أبو الثناء‪ ،‬أديب بهر المىددين‪ ،‬من أهل‬
‫بغداد‪ ،‬ولد في الكرأل سنة ‪1217‬هــــ)‪ ،‬وكان شيإل العلماء في العراق‪ ،‬سلفي االعتقاد‪ ،‬مىتهدًا‪،‬‬
‫نادرة من النوادر‪ ،‬اشـتغل بالتدري والتهليف وهو ابن ثال عشـرة سـنة‪ ،‬وقلد إفتاء الحنفية سـنة‬
‫‪1248‬هـــ)‪ ،‬توفي ‪ −‬سنة ‪1270‬هـــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬ترىمته في مقدمة تفسيره‪ ،‬التفسير والمفسرون‬
‫‪.])352 /1‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬أحمد بن محمد بن شهاب الدين رئي القضاء المصري صاحب التصانيف‪ .‬ان ر‪ :‬ترىمته‬
‫في‪ :‬خالصة األثر ‪.)343 - 331 /1‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬القاضــي ناصــر الدين أبي ســعيد عبد هللا بن عمر بن محمد التبري ي البيضــاوي الشــافعي‬
‫األشعري ‪ )685‬أو ‪691‬هــــ)‪ ،‬صاحب المتلفات‪[ .‬ان ر‪ :‬ترىمته في جبقات الشافعية للسبكي‬
‫‪.])158 ،157 /8‬‬
‫‪ )5‬رو المعاني في تفســـير القرآن الع يم والســـب المثاني‪ ،‬تفســـير ســـورة الكهف اايتان‪،21 :‬‬
‫‪ )343 /9 ،)22‬لإلمام محمود األلوسي‪ ،‬قراءة وتصحيح‪ :‬محمد حسين الع ب‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪158‬‬

‫ومما ســـبق ي هر لنا بوضـــو ‪-‬وهلل الحمد‪ -‬أن هذه الشـــبهة واهية‪ ،‬ال يمكن‬
‫بحال من األحوال أن تكون مســـتندًا‪ ،‬يرو من خاللها أهل البدع لبدعتهم‪ ،‬وهللا غالب‬
‫على أمره‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬أن النبي ﷺ صلى في مسىد الخيف‪ ،‬وقد ورد في الحدي أن‬
‫فيه قبر سـبعين نبيًّا‪ ،‬فما دام أن هذا المسـىد الذي صـلى فيه الرسـول ﷺ جوال مكثه‬
‫في منى م وىود هذه القبور؛ فدل هذا على أن بناء المســـاىد على القبور والصـــالة‬
‫فيها أمر مشـروع‪ ،‬ودليلهم حدي ابن عمر ﭬ أنه قال‪ :‬قال رسـول هللا ﷺ‪ :‬في مسـىد‬
‫الخيف قبر سبعين نبيًّا» ‪.)1‬‬
‫وهذا الحدي ال يمكن االستدال به ألمور‪:‬‬

‫‪ )1‬أورده الهيثمي في مىم ال وائـد‪ ،‬وقـال‪ :‬رواه الب ار ورىـالـه ثقـات ‪ ،)297 /3‬قـال األلبـاني‪:‬‬
‫أيضـــ ـا كمـا‬
‫ً‬ ‫معلقًـا على تخريج الهيثمي‪ :‬وهـذا قصـــــور منـه في التخريج‪ ،‬فقـد أخرىـه الجبراني‬
‫أيضـــــا غير عبـدان بن أحمـد وهو األهوا ي كمـا ذكر‬ ‫ً‬ ‫رأيـت‪ ،‬قلـت‪ :‬ورىـال الجبراني ثقـات‬
‫‪ )136 /‬ولم أىد لــــه ترىمة رقم‪ ،‬وهو غير عبدان بن محمد‬ ‫الجبراني في المعىم الصغير‬
‫‪ )136 /‬وغيره‪ ،‬وهو ثقة حاف ‪ ،‬لـــه‬ ‫المرو ي وهو من شيوأل الجبراني أيضًا في الصغير‬
‫ترىمة رقم في تاريإل بغداد ‪ )135 /11‬وتذكرة الحفا ‪ )230 /2‬وغيرها‪ .‬لكن في رىال هذا‬
‫ا ســناد من يروي الغرائب مثل عيســى بن شــاذان‪ ،‬قال فيه ابن حبان في الثقات»‪ :‬يغرب»‪.‬‬
‫وإبراهيم بن جهمان‪ ،‬قال فيه ابن عمار الموصـلي‪ :‬ضـعيف الحدي مضـجرب الحدي » وهذا‬
‫على إجالقه وكان مردودًا على ابن عمار‪ ،‬فهو يدل على أن في حدي ابن جهمان شـيئًا‪ ،‬ويتيده‬
‫قول ابن حبان في الثقات‪ ،‬اتباع التابعين» ‪ .)10 /2‬أمره مشــــتبه‪ ،‬لـــــــــه مدخل في الثقات‪،‬‬
‫ومدخل في الضــعفاء‪ ،‬وقد رون أحادي مســتقيمة تشــبه أحادي ا ثبات‪ ،‬وقد تفرد عن الثقات‬
‫بهشـياء معضـالت‪ .‬ولذلك قال فيه الحاف ابن حىر في التقريب‪ :‬ثقة يغرب»‪ .‬وشـيخه منصـور‬
‫‪-‬وهو ابن المعتمر‪ -‬ثقة وقد رون لـه ابن جهمان حديثًا آخر في مشيخته ‪ )244 /2‬فالحدي من‬
‫‪.])71 /‬‬ ‫غرائبه‪ ،‬أو من غرائب ابن شاذان‪[ .‬ان ر‪ :‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪159‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫أو ً ‪ :‬أن الحدي ضــــعيف‪ ،‬ويحتمل أن يكون الحدي فيه تحريف؛ ألن اللف‬
‫المشـهور‪ :‬صـلى في مسـىد الخيف سـبعون نبيًا» ‪ .)1‬فيخشـى أن يكون اللف أصـابه‬
‫تحريف فقال‪ :‬قضبـع مر» بدل صلى) ‪.)2‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬لو فرضــــنا صــــحة الحدي ‪ ،‬وانتفاء ضــــعفه‪ ،‬و وال علته‪ ،‬فال يمكن‬
‫االستدالل به؛ ألن القبور فيه غير اهرة‪.‬‬
‫ولذا نىـد أن من تحـدثوا عن تاريإل مكـة‪ ،‬وتحـدثوا عن تاريإل مســــىـد الخيف‪،‬‬
‫نىـدهم لم يتجرقوا إلى وىود مثـل هـذه القبور‪ ،‬فجـالمـا أن هـذه القبور منـدرســـــة غير‬
‫اهرة؛ فإن الخجر الذي يخشى قد ال‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن الذي نكاد نى م به‪ ،‬أن الحدي ضــعيف؛ ألن مســىد الخيف قد بضنع م‬
‫ي‬
‫بناية ضـــخمة‪ ،‬وهذه البناية تحتا إلى تعمق في األرس يصـــل إلى أمتار عدة‪ ،‬وم‬
‫ذلـك لم ي هر لمن حفروه ىثـة واحـدة‪ ،‬م أن المقجوع بـه أن أىســـــاد األنبيـاء محرمة‬
‫على األرس‪ ،‬ومـا عرف أحـد بـهن لهم أىســـــادًا في هـذا المكـان‪ ،‬ولوال هـذا الخبر‬
‫الضـعيف الذي سـعد به أهل االرتياب‪ ،‬لما أثيرت هذه القضـية‪ ،‬ولعله هر فيما سـبق‬
‫أن هذا المستند واهٍ‪ ،‬والدليل باجل‪ ،‬وهلل األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬ومن الشبه التي يثيرها من يرن البناء على القبور الخبر الذي‬
‫يبين بهن إسـماعيل ڠ وأمه قد قبرا في الحىر من المسـىد الحرام‪ ،‬وهو أفضـل مسـىد‬
‫على وىه األرس‪ ،‬فجالما أن هذا المســىد المبارك فيه قبر‪ ،‬والصــالة فيه أفضــل من‬
‫غيره‪ ،‬فغيره من باب أولى‪ ،‬ومسـتندهم ما أخرىه صـاحب أخبار مكة؛ حي ذكر سـندًا‬

‫‪ )1‬قال األلباني ‪ −‬أخرىه الجبراني في الكبير ‪ )1 /155 /3‬بإســــناد رىاله ثقات عن ابن عبا‬
‫مرفوعًا‪ :‬وصـلى في مسـىد الخيف سـبعون نبيًا‪ »..‬الحدي ‪ ،‬كذلك رواه الجبراني في األوسـج‬
‫‪ 119 /1‬وائده» وعنه المقدســي في المختارة ‪ ،)249 /2‬والمخل في الثال من الســاد‬
‫من المخلصـيات ‪ )70 /1‬وأبو محمد بن شـيبان العدل في الفوائد ‪ ،)2 /222 /2‬وقال المنذري‬
‫‪ :)116 /2‬رواه الجبراني في األوسج وإسناده حسن»‪ .‬وال شك في حسن الحدي عندي‪ ،‬فقد‬
‫‪ ،)35 /‬عنه موقوفًا‬ ‫وىدت لــه جريقًا أخرن عن ابن عبا ‪ ،‬رواه األ رقي في أخبار مكة‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬وإسـناده يصـلح لالسـتشـهاد به‪ ،‬كما بينته في كتابي الكبير حىة الوداع ‪-‬ولم ينى بعد‪ -‬ثم‬
‫‪ ،)38 /‬من جريق محمد بن إسحاق قال‪ :‬حدثني به من ال أتهم‪ ،‬عن عبد هللا‬ ‫رواه األ رقي‪،‬‬
‫‪.)73 /‬‬ ‫بن عبا به موقوفًا‪ .‬فهذا هو المعروف في هذا الحدي ‪ ،‬وهللا أعلم‪ .‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪ ،)72 /‬حي أورده الهيثمي بلف قضبع مر ســبعون» نبيَّا مىم ال وائد ‪/3‬‬ ‫‪ )2‬المرى الســابق‪،‬‬
‫‪ )298‬وقال‪ :‬رواه الب ار‪ ،‬ورىاله ثقات‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪160‬‬

‫ً‬
‫جويال ثم قال‪ :‬فماتت أم إسماعيل قبل أن يرفعه إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬ودفنت في مكان‬
‫الحىر» ‪ ،)1‬وكذلك ما أورده السيوجي ‪ :− )2‬أن قبر إسماعيل في الحىر‪.‬‬
‫والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬لم يثبت في حدي مرفوع أن إسماعيل ڠ‪ ،‬أو غيره من األنبياء الكرام‬ ‫ّ‬
‫قـد دفنوا في المســــىـد الحرام‪ ،‬وأمـا مـا أورده الســـــيوجي وغيره من روايـات‪ ،‬فهي‬
‫روايات هالكة وواهية‪ ،‬ناهيك عن أنها موقوفة‪ ،‬فكيف تىعل هذه الروايات معارضـــة‬
‫لما في الصحا ؟!‪.‬‬
‫وقد ف َّند األلباني ‪ −‬هذه الروايات في كتابه تحذير السـاىد)‪ ،‬بقوله‪ :‬إن عدم‬
‫ورود هذه الروايات في الكتب الستة‪ ،‬ومسند أحمد‪ ،‬ومعاىم الجبراني الثالثة‪ ،‬وغيرها‬
‫من الدواوين الثالثة‪ ،‬وذلك من أع م عالمات كون الحدي ضــعيفًا بل موضــو ً‬
‫عا‪ ،‬ثم‬
‫قـال‪ :‬مـا أحســـــن قول ابن الىو ي ‪ :)3‬إذا رأيـت الحـديـ يبـاين المعقول‪ ،‬أو يخـالف‬
‫المنقول‪ ،‬أو يناقس األصـول؛ فاعلم أنه موضـوع) قال‪ :‬ومعنى مناقضـته لءصـول‪ :‬أن‬
‫يكون خار ًىا عن دواوين ا سالم من المسانيد والكتب المشهورة» ‪ ،)4‬وغاية ما روي‬
‫في ذلك آثار معضــالت بهســانيد واهيات موقوفات‪ ،‬فال يلتفت إليها‪ ،‬وإن ســاقها بعس‬
‫المبتدعة مساق ال ضمسلممات» ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬أخبـار مكـة وما ىاء فيهـا من ااثار ‪ )56 /1‬ألبي الوليد األ رقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬رشـــــدي الصـــــالح‬
‫ملح ‪ ،‬كما أن لـه في ‪ )220 ،219 /1‬بعس الروايات‪.‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬أبو الفضـــل ىالل الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن ســـابق‪ ،‬الخضـــري‬
‫األسيوجي الشافعي‪ .‬ولد في مستهل رىب سنة تس وأربعين وثمانمائة ‪849‬هــ) لــه الكثير من‬
‫المتلفات من أفضلها الىام الصغير‪ ،‬وألفية الحدي ‪ ،‬وتدريب الراوي‪ .‬توفي ‪ −‬سنة ‪911‬هـ)‪.‬‬
‫ان ر‪ :‬ترىم ة رقم وافية له في أكثر من عشرين صفحة في تدريب الراوي ‪.)29 - 10 /1‬‬
‫‪ )3‬هو أبو الفر بن علي بن محمد بن علي يرى نسـبه إلى خليفة رسـول هللا ﷺ أبي بكر الصـديق‬
‫صـاحب التصـانيف‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬ولد سـنة ‪510 ،509‬هــــــ)‪ ،‬أول سـنة سـت عشـرة‪ ،‬قال عن‬ ‫‪‬‬
‫نفســه أنه كتب بإصــبعيه ألفي مىلدة‪ ،‬توفي ســنة ‪597‬هـــــــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬ســير أعالم النبالء ‪/21‬‬
‫‪.])365‬‬
‫‪ )4‬تـدريـب الراوي في شـــــر تقريـب النواوي ‪ )277 /1‬للســـــيوجي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبـد الوهـاب عبـد‬
‫اللجيف‪.‬‬
‫‪.)76 ،75 /‬‬ ‫‪ )5‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪161‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الثاني ‪ :‬أن منهج األنبياء السـابقين تحريم بناء المسـاىد على القبور‪ ،‬وأول من‬
‫ارتكب ذلك مخالفين ألنبيائهم هم اليهود والنصــــارن؛ ولذا لعنهم الرســــول ﷺ‪ ،‬وما‬
‫ورا في شــريعتهم‪ ،‬وهذا يدل داللة أكيدة أن إســماعيل وغيره من‬ ‫لعنهم إال لفعلهم مح ً‬
‫أنبياء هللا ممن ىاءوا قبله أو بعده قد حذروا أممهم وأتباعهم من اتخاذ القبور مســاىد‪،‬‬
‫فال يمكن بحال أن يضقبمر إسـماعيل في المسـىد الحرام‪ ،‬ناهيك عن كونه من باشـر الدفن‬
‫بنفســــه‪ ،‬كما مر معنا أنه قد دفن أمه في المســ ـىد الحرام‪ ،‬فهذا ال يســــتقيم م دعوة‬
‫التوحيد التي ىاء بها‪.‬‬
‫ض‬
‫الثالث‪ :‬لو فرضـنا صـحة هذه ااثار الموقوفة‪ ،‬وبهن إسـماعيل وغيره قد قبعروا‬
‫في المســىد الحرام‪ ،‬أو في غيره من المســاىد؛ فإنها ال يمكن أن تكون مســو ً‬
‫غا لبناء‬
‫المســـــاىـد على القبور‪ ،‬وذلـك يعود إلى أنهـا قبور غير بـار ة‪ ،‬ف ال الضـــــرر من‬
‫وىودهـا؛ ألن علـة التحريم منتفيـة‪ ،‬ألن القبور المشــــيـدة على المســـــاىـد تكون بـار ة‬
‫ومشـــــاهـدة لل ائرين‪ ،‬فتصـــــرف العبـادة لهم من دون هللا تعـالى‪ ،‬ولي غريبـًا أن في‬
‫قبورا‪ .‬قال تعالى‪( :‬ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [المرسالت‪ ،‬اايتان‪،]26 ،25 :‬‬ ‫ً‬ ‫غالبية األرس‬
‫قال الشـــعبي ‪ :− )1‬بجنها ألمواتكم‪ ،‬و هرها ألحيائكم‪ ،‬فلي المســـلم مجالبًا بتفتيع‬
‫األرس‪ ،‬والبح فيها عن قبور؛ حتى يتهكد من صـــالحيتها‪ ،‬فلي لــــــــه إال ال اهر‬
‫قبورا مندرسة‪ ،‬ولم يمنعها ذلك أن تشييد على هذه‬ ‫ً‬ ‫والعرب تعلم أن في غالبية األرس‬
‫األراضي‪ ،‬قال الشاعر ‪:)2‬‬
‫صدددداح فددذي قبدورنا تمأل *** ضَ فأين القبور من عهد عاد‬
‫األر‬
‫ض إ مدددن فدددذه األجدساد‬ ‫ِ‬ ‫خاف الوطء مدددا أظن أديم ***‬
‫األَر‬
‫اختيا ً على رفات العدباد‬ ‫سر إن استطعت في الهواء ***‬
‫رويدًا‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬عامر بن شراحبيل بن عبد بن ذي كبار ‪-‬وذو كبار‪ :‬قميِل من أقيال اليمن‪ -‬ا مام‪ ،‬أبو عمرو‬
‫الهمذاني ثم الشـعبي‪ .‬ولد في إمرة عمر بن الخجاب‪ ،‬لسـت سـنين خلت منها‪ .‬فهذه رواية‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ولد ســنة إحدن وعشــرين‪ .‬قال‪ :‬أدركت خم مئة من أصــحاب النبي ﷺ‪ .‬قال أحمد بن عبد هللا‬
‫العىلي‪ :‬سـم الشـعبي من ثمانية وأربعين من أصـحاب رسـول هللا ﷺ‪ .‬مات سـنة ‪104‬هــــــ)‪.‬‬
‫وقيل‪105 :‬هــــــ)‪ .‬وقيل أول سـنة ‪106‬هــــــ)‪ ،‬واألول أشـهر‪[ .‬ان ر‪ :‬سـير أعالم النبالء ‪/4‬‬
‫‪.])294‬‬
‫‪ )2‬أبو العالء المعري‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪162‬‬

‫ومما يتكد معنى أنها مندرسـة فال يصـح أن تكون ً‬


‫دليال ومسـو ً‬
‫غا ألهل البدع؛‬
‫قول المال علي قارى ‪ :− )1‬وأما ما ذكر بهن صـــورة قبر إســـماعيل ڠ في الحىر‬
‫تحت المي اب‪ ،‬وأن في الحجيم بين الحىر األســـود و م م قبر ســـبعين نب ًّيا‪ ،‬وفيه أن‬
‫صورة قبر إسماعيل ڠ مندرسة‪ ،‬فال يصح االستدالل به» ‪.)2‬‬
‫معلقـا على هـذا القول‪ :‬وهـذا ىواب عـالم نحرير‪ ،‬وفقيـه‬ ‫ً‬ ‫قـال األلبـاني ‪−‬‬
‫خريت‪ ،‬وفيه ا شـارة إلى أن العبرة في هذه المسـهلة بالقبور ال اهرة‪ ،‬وأن ما في بجن‬
‫األرس من القبور‪ ،‬فال يرتبج به حكم شـــرعي من حي ال اهر‪ ،‬بل الشـــريعة تتن ه‬
‫عن مثل هذا الحكم؛ ألننا نعلم بالضـرورة والمشـاهدة أن األرس كلها مقبرة األحياء»‬
‫‪.)3‬‬
‫قال صــديق حســن خان‪ :‬كون قبر إســماعيل ڠ وغيره من األنبياء‪ ،‬ســواء‬
‫أكان ســـبعون أو أقل أو أكثر‪ ،‬لي من فعل هذه األمة المحمدية‪ ،‬وال هو وال هم دفنوا‬
‫لهـذا الغرس هنـاك‪ ،‬وال نبـه على ذلـك رســـــول هللا ﷺ وال عالمـات لقبورهم منـذ عهـد‬
‫قبرا من تلك القبور على قصــــد المىاورة بهذه األروا‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬وال تحرن نبينا ﷺ ً‬
‫المباركة‪ ،‬وال أمر به أحدًا‪ ،‬وال تلب بذلك أحد من ســـلف هذه األمة وأئمتها؛ بل الذي‬
‫أرشـــــدنـا إليـه‪ ،‬وحثنـا عليـه‪ ،‬أن ال نتخـذ قبور األنبيـاء مســـــاىـد‪ ،‬كمـا اتخـذت اليهود‬
‫والنصارن‪ ،‬وقد لعنهم على هذا االتخاذ ‪.)4‬‬
‫وبهذا يتبين لنا سقوج هذه الشبهة كما سقج غيرها‪ ،‬وهلل الحمد والمنة‪.‬‬

‫‪ )1‬هو نور الدين علي بن سـلجان المكي الحنفي‪ ،‬وقد عرف بالقارى؛ ألنه كان إما ًما في القراءات‪،‬‬
‫في خراسان‪ ،‬تلقى العلم على يد ابن حىر الهيثمي والسندي‪ ،‬لــــه عدة متلفات تربو على‬ ‫ولد ‪−‬‬
‫مئة وخمسة وعشرين‪ ،‬ومن أشهرها‪ :‬شر المشكاة‪ .‬توفي ‪ −‬سنة ‪1014‬هـ) في مكة المكرمة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬ترىمة رقم مستوفاة في مقدمة مرقاة المفاتيح]‪.‬‬
‫‪ )2‬مرقاة المفاتيح ‪ )416 /2‬للمال علي قاري‪.‬‬
‫‪.)77 /‬‬ ‫‪ )3‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫نقال من تحفة األحوذي ‪.)227 /2‬‬ ‫‪ )4‬الدين الخال ‪ً ،‬‬
‫‪163‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشبهدددة الرابعدددة‪ :‬ومـــن الشبهة التي استدلوا بها ما فعلـــه أبو ىنـــدل ‪ )1‬ﭬ‬
‫حينمـا بنى مســــىـدًا على قبر أبي بصـــــير ﭬ ‪ .)4‬في عهـد النبي ﷺ‪ ،‬والرد على هـذه‬
‫الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن القصــــة وردت في م انها الصــــحيحة‪ ،‬من غير هذه ال يادة؛ فدل‬
‫على ضـــــعف هذه الرواية‪ .‬وقد ســـــبق الكالم في الهـامع فيمـا ال م يد عليـه في بيان‬
‫علتها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لو فرضــــنا صــــحة هذه الرواية‪ ،‬وأثبتنا فعل أبي ىندل‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫يكون في ذلك حىة لمن أىا البناء على القبور ألمور‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ )1‬أن هذا فعل صـحابي‪ ،‬والصـحابي إذا فعل شـيئا وىاءت السـنة بخالفه‪ ،‬فال‬
‫يعتد بفعله‪.‬‬
‫‪ )2‬لم يثبت م ذلك أن الرسول ﷺ قد علم بفعل أبي ىندل؛ ألن هذه الرواية‬
‫الضعيفة لم تثبت‪ ،‬ولم تورد ما يتكد أو يشير إلى علم الرسول ﷺ بذلك‪.‬‬
‫‪ )3‬لو تنا لنا م الخصـــم‪ ،‬وقلنا بصـــحة فعل أبي ىندل وعلم الرســـول ﷺ‬
‫بذلك؛ فال يمكن م ذلك أن تكون ً‬
‫دليال على صـــحة بناء القبور على المســـاىد‪ ،‬ألنها‬
‫والحالة هذه تكون منسـوخة؛ ألن الثابت أن الرسـول ﷺ قد نهى عن ذلك‪ ،‬وأكد النهي‬
‫في مرضـــــه الذي مات به‪ ،‬حيـ نهى عن ذلك قبـل موتـه بخم ليـال‪ ،‬فتكون الرواية‬
‫عن فعـل أبي ىنـدل منســـــوخـة‪ .‬وبهـذا يتبين لنـا أن لي ألهـل البـدع في هـذه الروايـة‬
‫ممسك‪.‬‬
‫الشـــبهة الخامســـة‪ :‬يســـتدل من يرن البناء على القبور بهن األمة ا ســـالمية‬
‫اســـــتمرار لءمم الســـــابقـة‪ ،‬فهم ىـاتوا بـدعوة واحـدة‪ ،‬ولقـد ع مـت تلـك األمم مقـامـات‬
‫أنبيائها‪ ،‬وشـيدت حولها المسـاىد‪ ،‬وبنت حولها المقامات‪ .‬ومن هتالء حسـن بن صـدر‬

‫‪ )1‬اسـمه عتيبة بن أسـيد بن ىارية بن أسـيد بن عبد هللا بن سـلمة بن عبد هللا بن غيرة بن عوف بن‬
‫ثقيف وقيل‪ :‬اســمه عتبة بن أســيد بن ىارية‪ .‬وقيل‪ :‬عبيد‪ ،‬وهو الذي ىاء إلى رســول هللا ﷺ بعد‬
‫صلح الحديبية‪ ،‬فرده م رسولي قريع‪ ،‬فقتل أحدهما وهرب ااخر‪ ،‬فخر أبو بصير حتى ن ل‬
‫بالعي ‪ ،‬فصار يقج الجريق على أهل مكة وقوافلهم هو ومن اىتم لـــــه من مستضعفي مكة‬
‫من المســلمين‪ ،‬حتى كتبت قريع إلى رســول هللا ﷺ يســهلونه بهرحامهم لما آواهم‪ ،‬فال حاىة لنا‬
‫بهم‪ ،‬ففعل رســـول هللا ﷺ فما بلغهم كتاب رســـول هللا إال وأبو بصـــير مريس فمات‪ ،‬فدفنه أبو‬
‫ىندل وصلى عليه‪.‬‬
‫مختصرا]‪.‬‬
‫ً‬ ‫[ان ر‪ :‬أسد الغابة ‪)35 /6‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪164‬‬

‫الدين الكا مي ‪... : )1‬ثم قال‪ :‬إن في ااثار القائمة حول قبور األنبياء السابقين‪ ،‬كقبر‬
‫دانيال النبي في شــوســتر‪ ،‬وقبر هود وصــالح ويون ‪ ،‬وذي الكفل‪ ،‬ويوشــ في بابل‬
‫والقرن‪ ،‬وكقبور األنبيـاء المـدفونين عنـد البيـت المقـد ‪ ،‬بـل في بنـاء الحىر على قبر‬
‫إســــمـاعيـل وأمـه هـاىر‪ ،‬ألكبر دليـل على أن اهتمـام األمم الســـــابقـة في تع يم مراقـد‬
‫أنبيائهم‪ ،‬لم يكن بهقل من اهتمام المسلمين في تع يم مرقد نبيهم‪ ،‬ومراقد أوليائهم ‪.)2‬‬
‫كذلك أورد عبد الغني النابلسـي ‪ )3‬في كتابه الحضـرة ا نسـية) الكثير من هذه‬
‫الضـالالت‪ ،‬حي ذكر الم ارات التي ارها‪ .‬ومن ذلك قوله بعد كالم جويل‪ :‬ثم رنا‬
‫نبي هللا أعرابيل من أوالد يعقوب ڠ‪ ،‬وهو في م ار لجيف‪ ،‬عليه قبة ع يمة‪ ،‬ولـــــــه‬
‫باب وغلق بقرب الجريق على االســتقالل‪ ،‬وقرأنا الفاتحة ودعونا هللا تعالى هناك بهن‬
‫روىوا على العامة مثل هذه األمور‪ ،‬والرد على شــبهتهم هذه‬ ‫يصــلح األحوال ‪ .)4‬وقد َّ‬
‫من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬ثبت عنه ﷺ أنه لعن اليهود والنصـــارن؛ ألنهم بنوا على قبور أنبيائهم‬
‫مســاىد‪ ،‬وما لعنهم إال ألنهم ىاتوا بما يخالف شــرعهم‪ ،‬فدل على أن بناء القبور على‬
‫المسـاىد سـنة شـيجانية‪ ،‬ال يقرها شـرع‪ ،‬ولم يهمر بها نبي‪ ،‬ولذا تضـرع الرسـول ﷺ‬
‫إلى ربه بهن ال يىعل قبره وثنًا يعبد ‪.)5‬‬
‫الثاني‪ :‬أن هذه القبور المنســوبة إلى األنبياء ليســت بصــحيحة‪ ،‬حي لم يثبت‬
‫لنبي قبر‪ ،‬إال النبي ﷺ‪ ،‬وأما قبر الخليل فمختلف فيه‪ ،‬قال شـــيإل ا ســـالم‪ :‬أما قبور‬
‫األنبيـاء‪ ،‬فـالـذي اتفق عليـه العلمـاء هو قبر النبي ﷺ‪ ،‬أمـا قبر الخليـل فمختلف فيـه‪،‬‬
‫والصــحيح الذي عليه الىمهور‪ :‬أنه قبره‪ ،‬وأما يون وإليا وشــعيب فال يعرف‪ .‬ثم‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬حسن بن هادي بن محمد الحسيني المعروف بحسن الصدر‪ ،‬ولد سنة ‪1272‬هــــ)‪ ،‬وتوفي‬
‫سنة ‪1354‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬األعالم لل ركلي ‪.])224 /2‬‬
‫‪ ،)286 /‬وكـذلـك‪:‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬كتـاب الرد على الوهـابيـة‪ ،‬حيـ أوردهـا صـــــاحـب عمـارة القبور‬
‫‪.)24 /‬‬ ‫كتاب نقس فتاون الوهابية‬
‫‪ )3‬هو عبد الغني بن إســماعيل بن عبد الغني بن إســماعيل النابلســي‪ ،‬ولد بدمشــق‪ ،‬وتوفي بها عام‬
‫ارا‪ .‬خالصة األثر ‪.)408 /1‬‬ ‫‪1126‬هـ)‪ .‬وقد بني لـه مقام وأصبح قبره م ً‬
‫‪ ،)69 /‬عبد الغني النابلسـي‪ ،‬وكتابه هذا مليء بمثل‬ ‫‪ )4‬الحضـرة ا نسـية في الرحلة القدسـية‪،‬‬
‫هذه الضالالت‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الصفحات‪،296 ،135 ،72 ،175 ،44 ،243 ،127 ،69 ،125 ،261 ،254 ،282 /‬‬
‫‪.])220 ،209 ،89 ،233 ،70‬‬
‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )5‬سيهتي تخريىه‬
‫‪165‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال‪ :‬وقد اتفق أئمة ا ســــالم على أنه ال يشــــرع بناء هذه المشــــاهد على القبور‪ ،‬وال‬
‫يشـرع اتخاذها مسـاىد‪ ،‬ثم قال‪ :‬وإنما دين هللا تع يم بيوت هللا وحده ال شـريك لــــــه‪،‬‬
‫وهي المساىد التي تشرع فيها الصلوات ىماعة وغير ىماعة» ‪.)1‬‬
‫وقد ذهب بعس أهل العلم إلى إنكار ىمي القبور المنســــوبة إلى األنبياء‪ ،‬إال‬
‫قبر النبي ﷺ‪ ،‬حيـ أنكر ذلـك جـائفـة‪ ،‬وحكي ا نكـار عن مـالـك‪ ،‬أنـه قـال‪ :‬لي في‬
‫الدنيا قبر يضعرف‪ ،‬إال قبر نبينا ﷺ ‪.)2‬‬
‫ومن هذه القبور التي فضتن العامة بها‪ ،‬وهي مكذوبة‪ ،‬ال يعلم مستند لتعيينها‪:‬‬
‫‪ ) 1‬قبر نو ڠ بالكرك من العراق‪ ،‬وقيل‪ :‬في ىبل لبنان‪ ،‬كذب مختلق‪.‬‬
‫‪ )2‬قبر الخليل بالشام‪ ،‬ويقال‪ :‬مغارة الخليل ڠ ال أصل لـــــه‪ ،‬وما يحصل من‬
‫قصــة للدعاء عنده‪ ،‬وتفريق العد عند الســدنة والفقراء‪ ،‬وإقامة الســماع‬
‫عنده باسم‪ :‬نوبة الخليل‪ .‬كل هذه محدثات ال تشرع‪.‬‬
‫‪ )3‬الموض الذي يقال لـه‪ :‬قبر هود ڠ شرقي ىام دمشق‪.‬‬
‫‪ ) 4‬تمثال الخشـب في الىام األموي‪ ،‬الذي يقال‪ :‬إن تحته رأ نبي هللا يحيى‬
‫بن كريا ڠ‪ ،‬ويسمى المقام اليحيوي‪.‬‬
‫‪ )5‬قبر شعيب ڠ في األغوار من األردن‪ ،‬كذب ال أصل لـه‪.‬‬
‫‪ ) 6‬ااثار الثالثة التي تنســـب إلى األنبياء في ىبل قاســـيون‪ ،‬والدعاء عندها‬
‫‪.)3‬‬
‫الثال ‪ :‬لقد كان منهج الصــحابة ﭫ القضــاء على أي م هر يتدي إلى هور‬
‫الوثنيـة‪ ،‬وي هر ذلـك ىليـًّا فيمـا أورده ابن كثير حيـ قـال‪ :‬إنـه لمـا ضوىـد قبر دانيـال في‬
‫العراق في مـان عمر أمر أن يضخفى عن النـا وأن ت ضـدفن تلـك الرقعـة التي وىـدهـا‬
‫عنده‪ ،‬فيها شيء من المالحم وغيرها ‪.)4‬‬
‫وفي روايـة عنـد غيره‪ :‬عن أبي العـاليـة ‪ )5‬قـال‪ :‬لمـا فتحنـا تضســــتمر) ‪ ،)6‬وىـدنـا‬
‫سريرا عليه رىل ميت عند رأسه مصحف لـــــه‪ ،‬فهخذنا المصحف‪ ،‬فحملناه إلى عمر‬ ‫ً‬

‫‪ )1‬مىموع الفتاون ‪ ،)449 - 444 /27‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ )2‬المرى السابق ‪.)144 /27‬‬
‫‪.)102 ،101 /‬‬ ‫‪ )3‬تصحيح الدعاء‪ ،‬لبكر أبو يد‪،‬‬
‫‪ )4‬تفسير ابن كثير لسورة الكهف‪.)2153 /5 5 ،21 :‬‬
‫‪ )5‬هو‪ :‬رفي بن مهران الرياحي أدرك الىاهلية وأســــلم بعد وفاة النبي ﷺ بســــنتين‪ ،‬كان من أعلم‬
‫النا بالقراءة‪ .‬توفي سنة ‪90‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬مي ان االعتدال ‪ ،)54 /2‬ا صابة ‪.])528 /1‬‬
‫‪ )6‬مدينة بخوذ سكان‪ ،‬وهي قريبة من البصرة‪[ .‬ان ر‪ :‬معىم البلدان ‪.])386 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪166‬‬

‫بن الخجاب ﭬ فدعا لــــــه كعب األحبار‪ ،‬فنسـخه بالعربية‪ ،‬فهنا أول رىل قرأه‪ ،‬فقلت‬
‫ألبي العـاليـة‪ :‬مـا كـان فيـه‪ .‬قـال‪ :‬ســـــيرتكم وأموركم‪ ،‬و لحون) كالمكم‪ ،‬ومـا هو كـائن‬
‫قبرا متفرقة‪ ،‬فلما كان‬
‫بعد‪ ،‬قلت فما صــنعتم بالرىل؟ قال‪ :‬حفرنا بالنهار ثالثة عشــر ً‬
‫الليل دفناه في أحدها‪ ،‬وســـوينا القبور كلها للتعمية على النا ال ينبشـــونه‪ .‬قلت‪ :‬وما‬
‫يرىون منه؟‪ .‬قال‪ :‬كانت الســـماء إذا ىليت عنهم بر وا بســـريره) فيمجرون‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫من كنتم ت نون الرىل؟‪ .‬قال‪ :‬رىل يقال لــه دانيال ‪ .)1‬فقلت‪ :‬منذ كم وىدتموه؟‪ .‬قال‪:‬‬
‫منذ ثالثمائة سـنة‪ .‬قلت‪ :‬كان تغير منه شـيء؟‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬إال شـعيرات من قفاه‪ ،‬إن لحوم‬
‫األنبياء ال تبليها األرس‪ ،‬وال تهكلها السباع ‪.)2‬‬
‫وأما قوله بهن لحوم األنبياء محرمة على األرس فمســتنده‪ :‬قول الرســول ﷺ‪:‬‬
‫‪ ...‬إن هللا تبارك وتعالى) حرم على األرس أن تهكل أىسـاد األنبياء» ‪ ،)3‬قال شـيإل‬
‫ا ســالم ‪ :−‬ولم يكن على عهد الصــحابة قبر نبي اهر ي ار‪ ،‬ال بســفر‪ ،‬وال بغير‬
‫ســفر‪ ،‬ال قبر الخليل‪ ،‬وال غيره‪ ،‬ثم ذكر حادثة ت ض ِســتمر‪ ،‬ثم قال‪ :‬ولم تدع الصــحابة في‬
‫اهرا من قبور األنبياء يفتتن به النا ؛ وال يســافرون إليه وال يدعونه‪،‬‬
‫ً‬ ‫قبرا‬
‫ا ســالم ً‬
‫وال يتخذونه مســىدًا؛ بل قبر نبينا ﷺ حىبوه في الحىرة‪ ،‬ومنعوا النا منه بحســب‬
‫ا مكان‪ ،‬وغيره من القبور عفوه بحسـب ا مكان؛ إن كان النا يض ِفتمنضون به‪ ،‬وإن كانوا‬
‫ال يض ِفتمنضون به فال يضر معرفة قبره» ‪.)4‬‬
‫وي هر لنا مما ســبق ضــاللة تلك الشــبهة‪ ،‬وأن هذا العمل توارثته األمة ً‬
‫ىيال‬
‫عن ىيل دونه ودون الحق خرج القتاد‪.‬‬
‫وليس يصددد في األذفان *** إذا احتاج النهار إلى دليدل‬
‫شيء‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬دانيـال بن ح قيـل نبي من األنبيـاء ۏ ‪ ،‬كـان بعـد داود وســـــليمـان ڽ بـهرس بـابـل بـالعراق‪،‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬ولكن إن كان تاريإل وفاته محفو ًا من ثالثمائة ســــنة‪ ،‬فلي بنبي‪ ،‬بل هو رىل‬
‫صالح؛ ألن عيسى ابن مريم لي بينه وبين رسول هللا ﷺ نبي‪ ،‬بن الحدي الذي في البخاري‪،‬‬
‫والفترة التي كانت بينهما أربعمائة ســنة‪ ،‬وقيل‪ :‬ســتمائة وعشــرون ســنة‪ ،‬وقد يكون تاريإل وفاته‬
‫من ثمانمائة سنة وهو قريب من وقت دانيال»‪[ .‬ان ر‪ :‬البداية والنهاية ‪.])42 /40 /2‬‬
‫‪ )2‬ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية وع اه البن إســحاق وقال‪ :‬إســناده صــحيح إلى أبي العالية‪.‬‬
‫[المرى السابق ‪.])42 -40 /2‬‬
‫‪ .)1531 ،1047‬وقد صــححه األلباني ‪−‬‬ ‫‪ )3‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الصــالة وكتاب الوتر‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫في صحيح سنن أبي داود‪ ،‬وقد أجال التخريج في ا رواء ‪.)34 /1‬‬
‫‪ )4‬الفتاون ‪.)271 -270 /27‬‬
‫‪167‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشبهة السادسة‪ :‬عم بعس القبورية أن النهي الوارد هو بناء المساىد على‬
‫ي المسـىد بىوار قبر ولي‪ ،‬فال‬ ‫القبور‪ ،‬أي‪ :‬فوق القبور بدليل كلمة على)‪ ،‬ولكن لو بضنع م‬
‫حر في ذلك؛ ألن النهي في تلك األحادي ال يشـــمل ذلك‪ ،‬ألن ذلك النهي مقيد بكلمة‬
‫على)‪ ،‬فقيد علي) يفيد أن اتخاذ المسىد بىنبها ال به به ‪.)1‬‬
‫الرد على هذه الشبهة من وىهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬هذه شـبهة يتمسـك بها من ال يعرف العربية‪ ،‬ومن هىر القرآن والسـنة‪،‬‬
‫بمعان‬
‫ٍ‬ ‫ولم ي ع نصــــوصــــها وقواعدها؛ ألن كلمة على) في الكتاب والســــنة قد تهتي‬
‫مختلفة‪:‬‬
‫قـال تعـالى‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة‪ ،]259 :‬فهـل المعنى أن هـذا المـار مر على‬
‫حيجانها وىدرانها؟‪ ،‬وقال تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ) [التوبة‪.]84 :‬‬
‫فهـل معنى هـذه اايـة أن النهي محـدَّد بـالقيـام فوق قبور المنـافقين‪ ،‬وىوا‬
‫مىاورتها‪ ،‬وهل فهم علماء التفسـير هذا المعنى كما فهمه هذا المعترس؟‪ ،‬لنن ر لقول‬
‫إمام المفســرين ابن ىرير ‪ :−‬يقول ىل ثناته لنبيه ﷺ‪ :‬وال تصــل يا محمد على أحد‬
‫مـات من هتالء المنـافقين الـذين تخلفوا عن الخرو معـك أبـدًا‪ ( ،‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ) يقول‪ :‬وال‬
‫تتولى دفنـه وتقبيره ‪ .)2‬وهكـذا نىـد معنى على) في اايـة ال يفيـد االســـــتعالء بمعنى‬
‫فوق كما عم‪ ،‬بل شمل حتى الدفن‪.‬‬
‫لقد كان منهج رسـول هللا ﷺ القيام على قبر المتمن‪ ،‬أي يىاور قبر المتمن‪،‬‬
‫ويقف بىواره‪ .‬عن عثمـان ﭬ قـال‪ :‬كـان النبي ﷺ إذا فر من دفن الرىـل وقف‬
‫عليه‪ ،‬وقال‪ :‬اســتغفروا ألخيكم‪ ،‬واســهلوا لـــــــه التثبيت؛ فإنه اان ي ِضس ـهل» ‪ .)3‬وهنا‬
‫ـاورا للقبر قج ًعـا‪ ،‬ال فوقـه يقي ًنـا؛ ألنـه قـد نهى عن ذلـك وحـذر‬
‫الرســـــول ﷺ وقف مى ً‬
‫و ىر‪ ،‬فعن أبي هريرة ﭬ قال‪ :‬قال رســـول هللا ﷺ‪ :‬ألن يىل أحدكم على ىمرة‬
‫فتحرق ثيابه‪ ،‬حتى تخل إلى ىلده خير لــــــه من أن يىل على قبر» ‪ ،)4‬بل ونىد‬

‫‪ )1‬أور هذه الشـبهة صـاحب ىاء الحق) مفتي البريلوية أحمد خان ‪ .)304 /1‬نقلها عنه صـاحب‬
‫ىهود علماء الحنفية ‪.)1648 /3‬‬
‫‪ )2‬تفسير الجبري المسمى ىام البيان في تهويل القرآن‪ ،‬تفسير سورة التوبة‪.)439 /6 84 :‬‬
‫‪ )3‬أخرىه أبو داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب االســــتغفار عند القبر للميت‪ ،‬رقم‪ .)3221 /‬وصــــححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود ‪.)305 /2‬‬
‫‪ )4‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب كراهيـة القعود على القبر‪ ،‬رقم‪ ،)3228 /‬وصـــــححـه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،‬نف الرقم ‪.)306 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪168‬‬

‫أن الرســول ﷺ في حدي ا ســراء قال‪ :‬فرىعت بذلك فمررت على موســى» ‪،)1‬‬
‫فهل هذا يعني أن النبي ﷺ مر على ىســـد موســـى ڠ أو على رأســـه؟‪ ،‬فهذه اايات‬
‫واألحادي كلها تشهد بهن على) ال يقصد بها الفوقية فقج‪.‬‬
‫فلغة العرب تمتا عن ســـائر اللغات ببيانها وســـعتها؛ إذ ال يعبر عن المعنى‬
‫بكلمـة دون أخرن‪ ،‬إال لمعنى لجيف يتوافر فيمـا دون غيرهـا من الكلمـات‪ ،‬ممـا ىعلهـا‬
‫متغن بلجائفها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لغةً معى ة ً بحق‪ ،‬ال يك نل باح دقائقها‪ ،‬وال‬
‫ومـا حروف الىر بمنـهن عن هـذه المي ة‪ ،‬إذ تتعـدد في العربيـة لتعـدد احتيـا‬
‫يعبر عنـه بـاختالف األحوال وال روف‪ .‬فكـل حرف من حروف الىر لـه‬ ‫المعبر عمـا ع‬
‫ع‬
‫معان عدة‪ ،‬وال يعني هذا عدم نيابتها عن بعضها في شتى االستعماالت اللغوية‪ ..‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫قول مشهور عند ىمهرة النحاة والمفسرين‪.‬‬
‫وســـــهعرس لفي ًفـا من مبـاحـ هتالء النحـاة‪ ،‬تتكـد للقـارى صـــــدق الـدعون‪،‬‬
‫يدعمها ما أورده المفسرون في تفاسير القرآن المعتبرة‪:‬‬
‫يكاد يضىم المتكلمون في معاني الحروف من مفســـرين ونحاة وبالغيين على‬
‫معـان أخر‪ ،‬وهـذا كثير في القرآن الكريم نحو‬ ‫ٍ‬ ‫خرو هـذه الحروف عن معـانيهـا إلى‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [جه‪.]71 :‬‬
‫يقول ابن ىرير ‪ )2‬في تفســـــيره لهـا‪ :‬يعني على ىـذع نخلـة» ‪ .‬وذكره‬
‫‪)3‬‬

‫الشوكاني ‪ )4‬في تفسيره ‪ .)5‬ونحوه من شعر العرب‪.‬‬


‫قال الشاعر ‪:)6‬‬
‫فم صدددددلبوا العبددي في جدذع *** فال عطست شيبان إ بأجدعا (‪.)7‬‬
‫نخل ٍة‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كيف فرضت الصالة في ا سراء‪ ،»...‬رقم‪.)349 /‬‬
‫‪ )2‬أبو ىعفر بن ىرير الجبري ولد ســنة ‪240‬هـــــــ) بتمل‪ ،‬ورحل لجلب العلم‪ ،‬واســتقر ببغداد‪،‬‬
‫وتوفي فيها سنة ‪310‬هـ)‪.‬‬
‫[جبقات المفسرين للداودي ‪.])114 -106 /2‬‬
‫‪ )3‬تفسير الجبري ‪.)141 /16‬‬
‫‪ )4‬محمد بن علي بن محمد الشوكاني ثم الصنعاني ولد سنة ‪1173‬هــ) وتوفي سنة ‪1250‬هــ) له‬
‫نيل األوجار‪ ،‬شر منتقى األخبار في الحدي ‪ ،‬األعالم ‪.)298 /6‬‬
‫‪ )5‬فتح القدير ‪.)537 /3‬‬
‫‪ )6‬هو ســويد بن أبي كاهل غجيف أو شــبيب) بن حارثة اليشــكري‪ ،‬وقيل‪ :‬الفراء بن حنع‪ .‬وقيل‬
‫أيضًا المرأة من العرب كما ذكر صاحب اللسان‪ .‬ان ر‪ :‬مغني اللبيب‪.‬‬
‫‪ )7‬فتح القدير ‪.)537 /3‬‬
‫‪169‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ومن هـذه الحروف على) حيـ تتعـدد معـانيهـا بتعـدد اســـــتعمـاالتهـا في اللغـة‪.‬‬
‫وقد ذكر لها ســـيبويه ‪ )1‬من المعاني‪ :‬االســـتعالء‪ ،‬حي قال‪ :‬أما على) فاســـتعالء‬
‫الشـــيء‪ ،‬تقول هذا على هر الىبل‪ ،‬وهي على رأســـه» ‪ )2‬يقصـــد بهذا‪ :‬االســـتعالء‬
‫الحقيقي‪ .‬وكذلك تخر الســــتعالءٍ مىا ي نحو‪ :‬علينا أمير‪ .‬فقد ىرن هذا كالمثل ‪.)3‬‬
‫والستعالئه من ىهة األمر ‪.)4‬‬
‫ويكون مررت عليـه‪ ،‬أن يريـد مروره على مكـانـه» ‪ .)5‬وكقولـه تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [البقرة‪ .)6 ]253 :‬فالتفضــــيل هنا بالمرتبة والمن لة لما اخت هللا به كل‬
‫نبي‪ ،‬ونبينا محمد ﷺ أفضلهم‪ ،‬و على) هنا تفيد االستعالء المعنوي‪.‬‬
‫ضـا‪ :‬المصـاحبة‪ ،‬بمعنى م ‪ .‬نحو‪ ( :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) [البقرة‪( .]177 :‬‬ ‫ومن معانيها أي ً‬
‫‪)7‬‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ) [الرعد‪. ]6 :‬‬
‫ومنهـا‪ :‬التعليـل‪ ،‬كـالالم‪ .‬نحو‪ ( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة‪ ،]185 :‬أي لهـدايتـه إيـاكم‪،‬‬
‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫كرت‬‫عدالم تدقدول الدرمد يدثدقدددل *** إذا أنددا لم أطعن إذا الخيددل ّ‬
‫(‪)8‬‬
‫عاتقي‬
‫عالم) أصــلها على) مضــافة إليها ما االســتفهامية‪ ،‬ثم حذفت ألف ما) في‬ ‫م‬
‫مثل هذه الحالة‪ ،‬و على) هنا بمعنى الم التعليل فكهنه قال‪ :‬عل مم)‪.‬‬
‫وال رفية بمعنى في)‪ ،‬نحو‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ) [القص ‪.)9 ]15 :‬‬
‫ومنها المىاو ة بمعنى عن) كقول الشاعر ‪:)10‬‬

‫‪ )1‬عمرو بن عثمان بن قنبر‪ ،‬فارســي األصــل‪ ،‬ينتمي إلى الحار بن كعب وال ًء‪ ،‬نشــه بالبصــرة‪،‬‬
‫من شـيوخه‪ :‬حماد بن سـلمة‪ ،‬واألخفع األكبر‪ ،‬والخليل‪ ،‬توفي سـنة ‪180‬هــــــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم‬
‫‪.])81 /5‬‬
‫‪ )2‬كتاب سـيبويه‪ ،‬تحقيق وشـر ‪ :‬عبد السـالم هارون‪[ .‬سـيبويه ‪ )230 /4‬باب عدة ما يكون عليه‬
‫الكلم]‪.‬‬
‫‪ )3‬سيبويه ‪ )230 /4‬باب عدة ما يكون عليه الكلم‪.‬‬
‫‪ )4‬المفصل لموفق الدين بن يعيع النحوي ‪.)37 /8‬‬
‫‪ )5‬المرى السابق‪.‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬الىنى الداني‪.‬‬
‫‪ )7‬ان ر‪ :‬مغني اللبيب‪.‬‬
‫‪ )8‬عمر بن معد يكرب‪.‬‬
‫‪ )9‬ان ر‪ :‬مغني اللبيب كتب‪.‬‬
‫‪ )10‬القحيف بن سليم العقيلي‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪170‬‬

‫لعمر أبيدك أعجبني‬ ‫***‬ ‫إذا رضيت علي بنو‬


‫رضافدا‬ ‫قشيدر‬
‫‪)1‬‬
‫أي‪ :‬عني ‪.‬‬
‫ومنهـا‪ :‬موافقـة البـاء‪ .‬كقولـه تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [األعراف‪ ]105 :‬أي‪ :‬بـهال‬
‫بهن»‪ .‬وقالت العرب‪ :‬اركب على اسم هللا‪ .‬أي‪ :‬باسم هللا ‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫‪)2‬‬
‫أقول‪ ،‬وقرأ أبي‬
‫‪)5‬‬ ‫‪)4‬‬
‫وتهتــــــي على بمعنى عند) ‪ .‬ن َّ على ذلك من أهل اللغة‪ :‬ابن من ور‬
‫في اللسـان‪ ،‬عند حديثه عن على) ‪ .)6‬وذكر ذلك ىماعة من المفسـرين عند تفسـيرهم‬
‫لقولـه تعـالى‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البرو ‪ .]6 :‬منهم القرجبي ‪ .)7‬قـال‪ :‬ومعنى عليهـا أي‪:‬‬
‫عنـدهـا‪ ،‬وعلى بمعنى عنـد» ‪ .)8‬وذكر ذلـك الواحـدي ‪ ،)9‬قـال‪ :‬وذلـك أنهم قعـدوا عنـد‬
‫تلك النار» ‪.)10‬‬
‫ويقول ا مـام الشـــــوكـاني‪ :‬إذ هم عليهـا قعود» العـامـل في ال رف قض عتـل‪ :‬أي‪:‬‬
‫لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين على ما يدنو منها ويقرب إليها‪.‬‬

‫‪ )1‬الىنى الـداني في حروف المعـاني ‪ ،)477‬للحســـــن بن قـاســـــم المرادي‪ ،‬تحقيق الـدكتور‪ :‬فخر‬
‫قباوه‪.‬‬
‫‪ )2‬أبي بن كعب بن قي بن مالك بن النىار سـيد القراء يكنى بهبي الجفيل‪ ،‬شـهد العقبة وبدر‪ ،‬ىم‬
‫القرآن الكريم في حياة الرســـول ﷺ‪ ،‬توفي في خالفة عثمان ســـنة ‪32‬هــــــــ) بالمدينة‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫األعالم ‪.])82 /1‬‬
‫‪ )3‬الىنى الداني ‪.)478‬‬
‫‪ )4‬دراسات ألسلوب القرآن الكريم ‪ ،)201 /2‬لمحمد عبد الخالق ع يمة‪.‬‬
‫‪ )5‬محمد بن مكرم بن علي األنصاري المولود سنة ‪630‬هـــ) والمتوفى سنة ‪711‬هـــ)‪[ .‬األعالم‬
‫‪.])108 /7‬‬
‫‪ )6‬اللسان ‪.)380 /9‬‬
‫‪ )7‬محمد بن أحمد بن أبي بكر األنصـاري الخ رىي األندلسـي من كبار المفسـرين من أهل قرجبة‪.‬‬
‫له الىام ألحكام القرآن والتذكرة بهمور ااخرة والتذكار في أفضـــل األذكار‪ ،‬توفي في شـــوال‬
‫سنة ‪671‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.])322 /5‬‬
‫‪ )8‬تفسير القرجبي ‪ .)257 /19‬الىام ألحكام القرآن‪ ،‬ألبي عبد هللا القرجبي‪.‬‬
‫‪ )9‬علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري‪ ،‬توفي في شهر ىمادن ااخرة سنة ‪468‬هــ)‪ ،‬له‬
‫أسباب الن ول والوسيج في تفسير القرآن المىيد‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.])255 /4‬‬
‫‪ )10‬الوىي في تفسير الكتاب الع ي ‪ ،)1190 /2‬ألبي الحسن الواحدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬صفوان عدنان‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال مقاتل ‪ :)1‬يعني عند النار قعود يعرضونهم على الكفر ‪.)2‬‬
‫وقـال بـه أبو حيـان ‪ )3‬في تفســـــيره لقولـه تعـالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)‬
‫[النساء‪ .]17 :‬قال‪ :‬وقيل‪ :‬على بمعنى عند» ‪.)4‬‬
‫ونىـد ممـا تقـدَّم من اايـات الكريمـة واألحـاديـ الشـــــريفـة وأقوال المفســـــرين‬
‫والنحـاة أن على) ال تفيـد االســـــتعالء الحقيقي بمعنى فوق) دائ ًمـا‪ ،‬وتخر عن هـذا‬
‫معان أخرن ســبق ذكرها‪ ،‬وبالتالي فال حىة لمن الذ باللغة على غير علم‬ ‫ٍ‬ ‫المعنى إلى‬
‫وال هدن‪ ،‬فهبا بنـاء المســـــاىد بىوار القبور محتىـًّا بهن النهي في اللغـة يخ ن البنـاء‬
‫على القبور أي فوقها‪ .‬وهذا غير صحيح‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫ومن معانيها موافقة من) ‪ ،)5‬نحو قوله تعالى‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [المجففين‪:]2:‬‬
‫كامال‪ ،‬فىاءت على بمعنى من)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أي إذا أخذوا الكيل من النا أخذوه وافيًا‬
‫أيضـــا االســـتدراك وا ضـــراب‪ ،‬كما قال الشـــاعر عبد هللا بن‬ ‫ً‬ ‫ومن معانيها‬
‫الدمينة‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫خير من الو ِ ّد‬ ‫دف ما *** على أن قرب الدار ٌ‬ ‫بك ّل تداوينا فلم يُشددد َ‬
‫بندا‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫عدلدى أن قدرب الددددار لديدس *** إذا كان من تهواه ليس بذي وا ِ ّد‬
‫افع‬
‫بندد ٍ‬
‫ـف ما بنا» فقال‪ :‬بلى إن فيه شــفا ًء ما‪،‬‬ ‫أبجل بعلى األولى عموم قوله‪ :‬لم يشـ م‬
‫‪)7‬‬
‫ثم أبجل بالثانية قوله‪ :‬على أن قرب الدار خير من البعد ‪.‬‬

‫ض َّعفه البخاري‪ ،‬قال مقاتل‪ :‬ال شيء ألبتة‪ .‬توفي سنة‬


‫‪ )1‬مقاتل بن سليمان البلخي ‪-‬كبير المفسرين‪ -‬م‬
‫نيف وخمسين ومائة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬األعالم ‪.])281 /7‬‬
‫‪ )2‬فتح القـدير الىـام بين فنَّي الروايـة والـدرايـة من علم التفســـــير ‪ ،)412 /5‬لمحمـد بن علي‬
‫الشوكاني‪.‬‬
‫‪ )3‬محمد بن يوسف بن علي األندلسي ولد سنة ‪654‬هــــ) بغرناجة وله عدة تصانيف منها التذكرة‬
‫في النحو توفي سنة ‪745‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬األعالم ‪.])152 /7‬‬
‫‪ )4‬البحر المحيج ‪ )207 /3‬ألبي حيان محمد يوسف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبد الىواد‪ ،‬وآخرون‪.‬‬
‫‪.)191 /‬‬ ‫‪ )5‬ان ر‪ :‬مغني اللبيب معاني على)‬
‫بكل‪ :‬بالقرب وبالبعد‪[ .‬ان ر‪ :‬مغني اللبيب الشاهد ‪.])253‬‬ ‫‪ٍ )6‬‬
‫‪.)193 /‬‬ ‫‪ )7‬مغني اللبيب في تعليقه على الشاهد ‪،253‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪172‬‬

‫ت من الســــنة إال هذا اللف وهو النهي عن البناء على القبور‪،‬‬


‫الثاني‪ :‬لو لم يه ع‬
‫لما كان لحىتهم أي قيمة‪ .‬فكيف وقد ىاءت ألفا أخرن كلف ‪ :‬أال لعنة هللا على اليهود‬
‫والنصـارن؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مسـاىد‪ ،‬فهنا الرسـول ﷺ أورد لف اتخذوا» قبور‬
‫أنبيائهم مسـاىد‪ ،‬قال صـديق حسـن خان ‪ :−‬ومعنى اتخاذ قبورهم مسـاىد‪ ،‬أنهم يبنون‬
‫ً‬
‫مكـانـا‬ ‫ً‬
‫مكـانـا للصـــــالة‪ ،‬أو يتخـذون حواليهـا‬ ‫العمـائر على القبور‪ ،‬أو يتخـذون عليهـا‬
‫للصالة‪.‬‬
‫وإن لم يكن السـىود نفسـه على ذلك القبر‪ ،‬إذ يضجلق المسـىد على المكان الذي‬
‫صليت الصالة في بعضها ‪.)1‬‬ ‫ض‬
‫ومن هنا يتبين لنا أن هذه شـــبهة باجلة‪ ،‬ما أن ل هللا بها من ســـلجان‪ ،‬وحىة‬
‫داحضة لي ألهل الضالل فيها ممسك‪.‬‬
‫الشـــــبهـة الســـــابعـة‪ :‬الجعن في بعس أحـاديـ النهي عن البنـاء على القبور‪،‬‬
‫ضســــودون بهذا الســــواد البياس‪ ،‬ويملتون به األوراق؛ حتى يضشــــ عغلضوا أتباعهم عن‬
‫ع‬ ‫وي‬
‫األحادي الصـحا ‪ ،‬ويوهموهم بهذا القد بهن ىمي األحادي ضـعاف؛ وال يسـتحيون‬
‫من هللا‪ ،‬وال يخــافون منــه‪ ،‬وال يتقون هللا في خلقــه‪ .‬وهم يبحثون عن أي مجعن‬
‫ينصرون به بدعتهم‪ ،‬وير عوىون به ضاللتهم‪ .‬ومن نماذ ذلك‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما أورده الكوثري ‪ )2‬في مقاالته؛ حي جعن فيها بحدي ‪ :‬نهى رسول‬ ‫ً‬
‫هللا ﷺ أن يىص القبر‪ ،‬وأن يقعد عليه‪ ،‬وأن يبنى عليه» ‪ ،)3‬حي قال‪ :‬فيه عنعنة‬
‫أبي ال بير ‪ ،)4‬والنهي عن الكتابة‪ ،‬يد في بعس الروايات ‪.)5‬‬
‫وقد رد عليه صاحب ىهود الحنفية‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪ ،)431 /‬اعتنى به الدكتور‪ :‬محمد العثمان السـلفي‪،‬‬ ‫‪ )1‬فتاون صـديق حسـن القنوىي البخاري‪،‬‬
‫ونقله من الفارسية إلى العربية‪ :‬لي آل محمد‪.‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬محمد بن اهد الكوثري الحنفي‪ :‬ولد سنة ‪1296‬هـ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪1391‬هـ)‪ ،‬سلك منهج‬
‫أبي منصـــور الماتريدي‪ ،‬ولــــــــه ضـــالالت ع يمة‪ ،‬وىرأة قبيحة على أئمة الســـلف والخلف‪،‬‬
‫ووصفهم بهبش األلفا ‪ ،‬وأخرىهم من ىملة األخيار‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.])129 /6‬‬
‫‪.)147 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬محمد بن مسلم بن تدر ا مام الحاف الصدوق‪ ،‬أبو ال بير القرشي األسدي المكي مولى‬
‫حكيم بن ح ام‪ ،‬توفي سنة ‪128‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])380 /5‬‬
‫‪ ،)159 /‬نقلها عنه صاحب ىهود علماء الحنفية ‪.)1624 /3‬‬ ‫‪ )5‬مقاالت الكوثري‪،‬‬
‫‪173‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )1‬إن الكوثري في كالمه هذا ملب ؛ ألن أبا ال بير قد صــر بالتحدي عند‬
‫مسلم وأحمد وغيرهما‪ ،‬ف الت تهمة الكوثري ألبي ال بير بالتدلي ‪.‬‬
‫‪)1‬‬
‫‪ )2‬إن أبا ال بير لم ينفرد برواية هذا الحدي ‪ ،‬بل تابعه سليمان بن موسى ‪،‬‬
‫ضا ال تضره؛ لوىود متابعة‪.‬‬‫فلو كان أبو ال بير رواه بالعنعنة أي ً‬
‫‪ )3‬أن هذا الحدي لـــــه شاهدان‪ :‬األول‪ :‬عن أم سلمة ڤ قالت‪ :‬نهى رسول‬
‫هللا ﷺ أن يضبنى على القبر‪ ،‬أو يضىصــ ـ » ‪ ،)2‬والثاني‪ :‬عن أبي ســــعيد‬
‫الخدري‪ :‬نهى نبي هللا ﷺ أن يضبنى على القبور» ‪.)3‬‬
‫‪ )4‬إن أبا ال بير ممن يحتمل تدليسهم‪.‬‬
‫‪ ) 5‬إن مــا ــاهره ا نقجــاع من أحــاديـ الصـــــحيحين‪ ،‬فهو محمول على‬
‫االتصال‪.‬‬
‫‪ )6‬إن هـذا الحـديـ الصـــــحيح من أحـاديـ مســـــلم‪ ،‬ولي هو من األحـاديـ‬
‫المنتقدة عنده‪.‬‬
‫‪)4‬‬
‫وقد أجال صـاحب ىهود علماء الحنفية في الرد على هذه المسـهلة ‪ ،‬كما يرد‬
‫أيضــ ـا بهن أحادي النهي عن البناء على القبور كثيرة متواترة‪ ،‬وبعضــــها ممن‬ ‫ً‬ ‫عليه‬
‫اتفق عليـه البخـاري ومســـــلم‪ .‬فـإن وىـد مجع ًنـا في حـديـ لي فيـه مجعن! فـإن هنـاك‬
‫أحـاديـ لن يىـد فيهـا مجع ًنـا واحـدًا‪ .‬والمتمن يكفيـه حـديـ ل ىره فمـا بـالـك واألحـاديـ‬
‫ضكــــثضر‪ .‬وااثار أكثر‪ .‬قال ابن ح م ‪ :− )5‬من عم أنه ليه السالم) أراد بذلك قبور‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬ا مام الكبير مفتي دمشـــق‪ ،‬أبو أيوب‪ ،‬ويقال‪ :‬أبو هشـــام‪ ،‬أبو الربي الدمشـــقي‪ ،‬مولى آل‬
‫معـاويـة بن أبي ســـــفيـان‪ ،‬قـال ابن عـدي عنـه‪ :‬هو فقيـه را ٍو‪ ،‬حـد عنـه الثقـات وهو أحـد العلمـاء‪،‬‬
‫رون أحادي ينفرد بها ال يرويها غيره‪ ،‬وهو عندي ثبت صــدوق‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬عنده مناكير‪.‬‬
‫وقال النسـائي‪ :‬هو أحد الفقهاء ولي بالقوي في الحدي ‪ .‬وقال مرة‪ :‬في حديثه شـيء‪ .‬مات سـنة‬
‫‪115‬هـ)‪ ،‬وقيل ‪119‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])433 /5‬‬
‫‪ )2‬رواه أحمد ‪ ،)299 /6‬قال الهيثمي‪ :‬وفي ا سناد ابن لهيعة‪ ،‬وفيه كالم‪ ،‬وقد وثق‪.‬‬
‫‪ )3‬رواه ابن مـاىـه‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في النهي عن البنـاء على القبور وتىصـــــيصــــهـا‬
‫والكتـابـة عليهـا‪ ،‬رقم‪ ،)1564 /‬وأورده الهيثمي في مىم ال وائـد ‪ .)191 /3‬قـال الهيثمي‪:‬‬
‫رون ابن ماىه النهي عن البناء عليها فقج‪ .‬رواه أبو يعلى ورىاله ثقات‪ .‬وصـــححه األلباني في‬
‫تصحيحه لسنن ابن ماىه‪.‬‬
‫‪ )4‬ىهود علماء الحنفية ‪.)1627 -1624 /3‬‬
‫‪ )5‬هو‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن ســعيد بن ح م القرجبي‪ ،‬ولد عام ‪384‬هـــــــ)‪ ،‬كان في بداية‬
‫حياته مالكيًا‪ ،‬ثم شـــافعيًا‪ ،‬ثم تحول إلى المذهب ال اهري حتى صـــار إمامه‪ .‬لــــــــه الكثير من‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪174‬‬

‫بذمه‬
‫المشـركين فقد كذب على رسـول هللا ﷺ؛ ألنه ﷺ ع َّم بالنهي ىمي القبور‪ ،‬ثم أكد ع‬
‫من فعل ذلك في قبور األنبياء والصـــالحين‪ ،‬ثم قال علي‪ :‬فهذه آثار متواترة توىب ما‬
‫ذكرناه حرفًا حرفًا‪ ،‬وال يس أحد تركها‪ ،‬وبه يقول جوائف من السلف ﭫ» ‪.)1‬‬
‫ثـانيـًا‪ :‬كـذلـك مـا فعلـه الكوثري وغيره‪ ،‬في حـديـ قول علي ألبي الهيـا ‪ :‬أال‬
‫قبرا مشــرفًا‬ ‫ً‬
‫تمثاال إال جمســته وال ً‬ ‫أبعثك على ما بعثني عليه رســول هللا ﷺ‪ ،‬أال تدع‬
‫أال سويته» ‪ ،)2‬فقد قد في الحدي من ىهتين‪:‬‬
‫الىهة األولى‪ :‬في صحته؛ حي أعلَّه بعنعنة حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬واختالف‬
‫‪)3‬‬
‫في ســــنـده‪ .‬وأمـا درايـة؛ فرده على أنـه مخـالف لتعـامـل األمـة وإىمـاعهـا ‪ ،)4‬ومثـل ذلـك‬
‫فعـل الغمـاري ‪ ، )5‬حيـ قـال في تعليقـه على هـذا الحـديـ ‪ :‬فالبـد من أحـد أمرين‪ :‬إمـا‬
‫أن يكون غير ثابت في نفسه‪ ،‬أو هو محمول على غير اهره‪ ،‬والبد» ‪.)6‬‬
‫الرد على الشـبهة‪ :‬ومن يلح هذه الشـبهة يىدها كسـابقاتها‪ ،‬لي ألهل الباجل‬
‫فيها ممسك‪ ،‬وال بها على أهل الحق مجعن‪ ،‬والرد عليها من وىوه‪:‬‬
‫‪ )1‬إن هذا الحدي من أحادي صـحيح مسـلم‪ ،‬التي أىمعت األمة على قبولها؛‬
‫بل ولي من األحادي المنتقدة في صــــحيح مســــلم‪ ،‬فهو حدي قد ىاو‬
‫القنجرة‪ .‬وأما من قال بتضعيفه فدونه ودون الحق خرج القتاد‪.‬‬

‫المتلفات‪ .‬من أب رها‪ :‬المحلى في ااثار‪ ،‬وإحكام األحكام‪ ،‬توفي ‪ −‬ســنة ‪456‬هـــــــ)‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫ترىمته مفصلة في مقدمة المحلى ‪.])10 -5 /1‬‬
‫‪ )1‬المحلى ‪.)348 /2‬‬
‫‪.)51 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬ا مام الحاف فقيه الكوفة‪ ،‬أبو يحيى القرشــي األســدي موالهم‪ ،‬واســم أبيه قي بن دينار‪،‬‬
‫وقيـل‪ :‬قي بن هنـد‪ ،‬ويقـال‪ :‬هنـد‪ .‬وحـد عن ابن مر‪ ،‬وابن عبـا ‪ ،‬وأم ســـــلمـة وغيرهم من‬
‫الصحابة ‪ -‬على خالف في سماعه من بعضهم‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])288 /5‬‬
‫‪ .)159 /‬بتعليق البنوري‪.‬‬ ‫‪ )4‬مقاالت الكوثري‪،‬‬
‫‪ )5‬هو‪ :‬أحمد بن محمد بن صديق الحسني الغماري المغربي‪ ،‬ولد سنة ‪1320‬هـــ) بالمغرب‪ ،‬تلقى‬
‫العلم على يـد والـده وغيره من علمـاء بلـده‪ ،‬تنقـل بين المـذهبين المـالكي والشـــــافعي‪ ،‬ودر في‬
‫األ هر علم الحدي ‪ ،‬لــــه الكثير من الكتب‪ ،‬بعضها أوغل فيها بالضالل‪ .‬ككتاب‪ :‬إحياء المقبور‬
‫في أدلة بناء المســاىد والقباب على القبور‪ .‬تهثر بالصــوفية‪ ،‬توفي ســنة ‪1380‬هـــــــ) بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ )50 /‬من مقـدمـة كتـابـه عواجف اللجـائف من أحـاديـ عوارف‬ ‫[ان ر‪ :‬ترىمتـه وافيـة في‬
‫المعارف» تخريج ا مام الحاف أحمد بن محمد المغربي‪ ،‬ومعه تقدمته مسـامرة الصـديق ببعس‬
‫أحوال أحمد بن الصـديق‪ ،‬بقلم محمود سـعيد‪ ،‬اعتنى بهذا الى ء‪ :‬أديب الكمداني ومحمد محمود‪،‬‬
‫مراىعة وتدقيق‪ :‬سيد المهدي أحمد]‪.‬‬
‫‪ ،)47 /‬تـهليف‪ :‬أحمـد عبـد هللا‬ ‫‪ )6‬إحيـاء المقبور من أدلـة ىوا بنـاء المســـــاىـد على القبور‪،‬‬
‫الصـــديق الغماري‪ ،‬ويليه إعالم الراك الســـاىد باتخاذ القبور مســـاىد‪ ،‬تهليف‪ :‬الشـــيإل عبد هللا‬
‫الغماري‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الصـــــحيحين‪ ،‬فهو محمول على‬ ‫‪ )2‬إن مـا ـاهره ا نقجـاع من أحـاديـ‬


‫االتصال» ‪.)1‬‬
‫جعن فيه ‪.)2‬‬ ‫‪ )3‬أن لهذا الحدي جرقًا أخرن‪ ،‬لي فيها من ض‬
‫‪ ) 4‬أن هـذا الحـديـ لي وحـده الـذي اعتمـد عليـه أهـل الســــنـة في تحريم البنـاء‬
‫على القبور؛ بل هذا حدي من بين عشـــــرات األحادي ‪ ،‬ووهللا لو لم يكن‬
‫في البـاب إال هـذا الحـديـ ؛ لقـامـت بـه الحىـة على األمـة بوىوب هـدم القبـاب‬
‫واألبنية والمســاىد المبينة على األضــرحة‪ ،‬فهو صــحيح من حي ثبوته‪،‬‬
‫صريح من حي مدلوله‪ .‬فما بالك وقد ىاء معه ما يقويه ويعضده؟!‪.‬‬
‫الجهدة الثدانيدة ‪ :‬من خالل معنـاه‪ .‬فلمـا علم أهـل البـاجـل بـهن جعنهم في قوة‬
‫الحدي وثبوته ضـعيف مخىل‪ ،‬وسـاقج وهالك‪ ،‬فتَّشـوا عن مجعن آخر؛ يلتمسـون من‬
‫خالله إســقاجه وذلك من خالل مخالفتهم ألهل الســنة في فهم معناه‪ ،‬فهذا أحدهم يقول‬
‫عند تعليقه على الحدي ‪ :‬ماكنت أحســـب أن أدنى من لــــــــه ح من فهم التراكيب‬
‫العربية والتصاريف اللغوية يخفى عليه الفرق بين التسوية» و المساواة»‪ .‬إن الذين‬
‫قبرا مشـرفًا إال سـويته» ‪ )3‬إلى معنى سـاويته باألرس)‬ ‫يصـرفون قوله ﷺ‪ :‬وال تدع ً‬
‫أي‪ :‬هدمته» أولئك قوم أيفت أفهامهم‪ ،‬وســـخفت أذهانهم‪ ،‬وضـــلت ألبابهم‪ ،‬ولم يكن‬
‫من العربية لهم وال قالمة فر؛ فكيف بعلمائهم!‪.‬‬
‫وال يخفى على عوام العرب أن تســوية الشــيء عبارة عن تعديل ســجحه‪ ،‬ذو‬
‫سـجوحه‪ ،‬وتسـجيحه في قبال تقعيره أو تحديبه أو تسـنيمه‪ ،‬وما أشـبه ذلك من المعاني‬
‫قبرا مشـــــرفًا ‪-‬أي‪ :‬مســــنَّ ًما‪ -‬إال‬
‫المتقاربة‪ ،‬واأللفا المترادفة‪ ،‬فمعنى قوله‪ :‬ال تدع ً‬
‫ســـــويته ‪-‬أي‪ :‬ســـــجحتـه وعدلتـه‪ »-‬ولي معناه‪ :‬إال هدمته وســـــاويته باألرس؛ كي‬
‫يعـارس مـا ورد من الحـ على يـارة القبور واســـــتحبـاب إتيـانهـا‪ ،‬والترغيـب في‬
‫تشـييدها‪ ،‬والتنويه بها‪ ،‬وذلك المعنى ‪-‬أعني‪ :‬أن المراد من تسـوية القبر تسـجيحه وعدم‬

‫‪ ،)384 /‬وفتح الباري ‪ ،)457 /13‬كما إن هناك بح نفي للشيإل‪:‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬هدي الساري‪،‬‬
‫‪ )192 -162‬رد فيـه على من جعن في صـــــحـة‬ ‫عبـدالرحمن المعلمي في عمـارة القبور‪،‬‬
‫الحدي ‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مسـند ا مام أحمد ‪ )317 /2‬حدي ‪ .)1239 ،1064‬وقال األلباني في تحذير السـاىد‪:‬‬
‫ولـــــــــه جرق عن الجيالســــي وأحمد ‪،1238 ،1177 ،1176 ،1175 ،889 ،658 ،657‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪ ،)29 /‬تحذير السـاىد‪،‬‬ ‫‪ )1283‬وابن أبي شـيبة ‪ ،)139 /4‬والجبراني في الصـغير‬
‫‪.)89‬‬
‫‪.)51 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪176‬‬

‫تســنيمه‪ -‬كان هو الذي فهمته من الحدي أول ما ســمعته بادى بدء‪ ،‬وعند أول وهلة»‬
‫‪.)1‬‬
‫ســـــائرا على نهج هـذا الهـالـك‪ :‬إنـه خبر متروك ال ـاهر‬‫ً‬ ‫وقـال الغمـاري‬
‫بـاالتفـاق؛ ألن األئمـة متفقون على كراهـة تســـــويـة القبر‪ ،‬وعلى اســـــتحبـاب رفعـه قـدر‬
‫شبر» ‪.)2‬‬
‫الرد على الشــــبهة‪ :‬المنهج الشــــرعي الذي يىب أن يتصــــف به أهل العدل‬
‫وا نصــاف هو الىم بين األحادي ‪ ،‬ال معارضــة بعضــها ببعس‪ ،‬فإن أمر علي ﭬ‬
‫بتســـوية القبور‪ ،‬لي المقصـــود منه مســـاواتها باألرس‪ ،‬فيىعل ذلك لهم مجعنًا في‬
‫الحدي ‪ ،‬بحىة أن ذلك معارس لرف القبر‪ ،‬حي ثبت أن قبر الرســــول ﷺ وغيره‬
‫من أصـــحابه‪ ،‬قد رف قيد شـــبر‪ ،‬واألمر بتســـوية القبور مخالف لســـنية الرف ‪ ،‬وهذا‬
‫يقتضـي عندهم أن حدي علي ﭬ إما ضـعيف وإما قد سـيء فهمه‪ ،‬وقصـده من التسـوية‬
‫في أمره ألبي الهيا هو التعديل‪ .‬وذلك ‪-‬وربي‪ -‬قمة المراء والمماحكة‪.‬‬
‫والرد عليهم ال يحتـا كثير كالم‪ ،‬وال فرد أوراق‪ ،‬وال بري أقالم‪ ،‬وإنمـا يرد‬
‫عليهم من خالل ما يلي‪:‬‬
‫مام النووي ‪−‬‬ ‫العلماء العاملين الشـارحين لهــــــذا الحدي ؛ فقد قال ا‬
‫ع‬ ‫‪ )1‬فم ِه ضم‬
‫قبرا مشـرفًا إال سـويته» فيه أن السـنة أن القبر ال‬‫عندما شـر هذا الحدي ‪ :‬قوله‪ :‬وال ً‬
‫‪)3‬‬
‫كثيرا‪ ،‬وال يسنم‪ ،‬بل يرف نحو شبر ويسجح» ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يرف على األرس رفعًا‬
‫فلم يرد عند النووي هذا ا شــكال الذي ورد عندهم؛ ألن هذا إشــكال ال حقيقة‬
‫لـــــــه‪ .‬وقال صــاحب المرقاة‪ :‬يســتحب أن يرف القبر قدر شــبر ويكره فوق ذلك‪،‬‬
‫ويستحب الهدم‪ ،‬ففي قدره خالف‪ .‬قيل‪ :‬إلى األرس تغلي ًا‪ ،‬وهذا أقرب إلى اللف ‪ ،‬أي‬
‫لف الحدي من التسوية»‪ .‬ثم قال‪ :‬وهذا الحدي محمول على ما كانوا يفعلونه من‬
‫تعليـة القبور بـالبنـاء العـالي‪ ،‬ولي مرادنـا ذلـك بتســـــنيم القبر‪ ،‬بـل بقـدر مـا يبـدو من‬
‫األرس‪ ،‬ويتمي عنها‪ ،‬وهللا تعالى أعلم» ‪.)4‬‬
‫بل نىد أن الغماري ‪-‬عفا هللا عنا وعنه‪ -‬قد ر َّد على نفســـه بنفســـه ‪-‬وكفى هللا‬
‫المتمنين القتـال‪ -‬وذلـك بتنـاقضـــــه‪ ،‬فتىـده يـدعو إلى البنـاء على القبور بال هوادة‪ ،‬ثم‬

‫‪.)19 /‬‬ ‫‪ )1‬نقس فتاون الوهابية‪،‬‬


‫‪.)47 /‬‬ ‫‪ )2‬إحياء المقبور‪،‬‬
‫‪ )3‬شر النووي على صحيح مسلم ‪.)40 /7‬‬
‫‪ )4‬مرقاة المفاتيح ‪.)177 /4‬‬
‫‪177‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫يدعوه عقله إلى نقس حدي علي‪ ،‬فال تىده ينقضــــه إال ب عمه أن األمر بالتســــوية‬
‫يقتضــي المســاواة باألرس‪ ،‬وهذا خالف للســنة وما عليه اتفقت األمة‪ ،‬فينجق بالحق‬
‫رغ ًمـا عنـه‪ ،‬ويرد على الغمـاري ببنـان الغمـاري‪ ،‬فنقس الغمـاري كالم الغمـاري‪ ،‬حيـ‬
‫قال‪ :‬لم يرد تسـويته باألرس‪ ،‬وإنما أراد تسـجيحه‪ ،‬ىمعًا بين األحادي »‪ ،‬والغماري‬
‫هنا ال يقول بوىوب تسجيحه ىمعًا بين األحادي كما ي عم‪ ،‬بل يقول باستحباب رفعه‬
‫بال حد‪ ،‬واســتحباب بناء قبة أو مســىد عليه‪ .‬بل نىده يعترف بهن فعله وقوله مخالف‬
‫ىماع األمة؛ حي قال صراحة في تعليقه على حدي علي وأمره ألبي الهيا ‪ .‬إنه‬
‫خبر متروك ال ـاهر بـاالتفـاق؛ ألن األئمـة متفقون على كراهـة تســـــويـة القبر‪ ،‬وعلى‬
‫اسـتحباب رفعه قدر شـبر» ‪ ،)1‬وهنا نىد أن الغماري قد اعترف بهن كتابه الذي حسـَّن‬
‫فيه ما يفعله الجغام‪ ،‬وأهل الضالل مخالف ىماع األمة على استحباب أال يرف القبر‬
‫يرس الغماري بما رضـيته األمة؟ و عل مم يخالف صـفها‪ ،‬ويشـاقق‬ ‫م‬ ‫أكثر من شـبر‪ ،‬لماذا لم‬
‫ىمعهـا؟! قـال تعـالى‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)‬
‫[النسـاء‪ . ]115 :‬أال يعد الغماري نفسـه‪ ،‬قد سـلك غير سـبيل المتمنين بلسـان مقاله؛ ومن‬
‫فمـه أدينـه‪ ،‬حينمـا نقـل ا ىمـاع وخـالفـه‪ ،‬فـإنهـا ال تضعمى األبصـــــار‪ ،‬ولكن تضعمى القلوب‬
‫التي في الصدور‪.‬‬
‫‪ )2‬وأم َّولــــوا بع علي ٍ ﭬ ألبي الهيــــا بهنه كبع رسول هللا ﷺ لعلي ﭬ‪،‬‬
‫بهدم قبور المشــــركين خاصــــة‪ .‬قال الغماري‪ :‬وهو الصــــحيح عندنا‪ ،‬أنه أراد قبور‬
‫المشــركين التي كانوا يقدســونها في الىاهلية‪ ،‬وفي بالد الكفار التي افتتحها الصــحابة‬
‫ﭫ‪ ،‬بدليل ذكر التماثيل معها ‪.)2‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫لمـا أعيـا من فتنوا بـالقبور مواىهـة الحق‪ ،‬ف عوا لكـل مخل ‪ ،‬وتعلقوا بكـل‬
‫ســـراب؛ وبحثوا عن قشـــة؛ ليســـقجوا من خاللها أحادي التحريم أو يتولوها‪ ،‬فهذه‬
‫الشبهة ضعيفة كسابقاتها‪ ،‬والرد عليها بما يلي‪:‬‬
‫‪ ) 1‬إن في بعس جرق الحـديـ ‪ :‬أن بعـ علي ﭬ؛ إنمـا كـان إلى بعس نواحي‬
‫المدينة حينما كان رسول هللا ﷺ فيها‪.‬‬
‫‪ ) 2‬لو فرضـــنا أن بع رســـول ﷺ عليًّا ﭬ كان لهدم قبور الكفار‪ ،‬فهذا ال‬
‫أيضــا؛ ألن البناء على القبور‬
‫ً‬ ‫يقتضــي أن عليًّا ﭬ بع أبا الهيا ‪ −‬إلى قبور الكفار‬
‫يقتضـي إ التها‪ ،‬بغس الن ر عمن بضنيت عليه أو من بناها‪ ،‬ولكن الذي ي هر‪ :‬أن عليًا‬

‫‪.)47 /‬‬ ‫‪ )1‬إحياء المقبور للغماري‪،‬‬


‫‪.)47 /‬‬ ‫‪ )2‬إحياء المقبور للغماري‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪178‬‬

‫بع أبا الهيا رئي شـرجته إلى الكوفة؛ ألن قصـر إمارة علي الكوفة‪ ،‬والكوفة بضنيت‬
‫ي عامل الشرجة لما رأن ‪-‬أو علم‪ -‬أن القبور قد رفعت‪ ،‬فهمره‬ ‫على ا سالم‪ ،‬وبع عل ٌّ‬
‫بتسويتها‪.‬‬
‫‪ ) 3‬مما ال شــك فيه أن القبور التي أمره بتســويتها مجلقة‪ ،‬ولم يقل لـــــــه إذا‬
‫فسوها‪ .‬بل لو كان المقصود قبور أهل الشرك لقال لــه‪ :‬اذهب‬ ‫رأيت قبور أهل الشرك ع‬
‫فاهدمها‪ ،‬أو اذهب فسـوها؛ ألن األصـل في قبورهم االرتفاع‪ ،‬فلما قال لــــــه‪ :‬أال تدع‬
‫قبرا مشـرفًا‪ ،‬يقتضـي أن تكون قبور أهل ا سـالم هي التي أمر بتسـويتها؛ ألن األصـل‬ ‫ً‬
‫فيهـا عـدم االرتفـاع‪ ،‬فـهمره بـهن يمر عليهـا ويعيـد مـا خـالف الســــنـة منهـا إلى مـا يوافقهـا‪،‬‬
‫فتقييـد القبور التي أمر أبو الهيـا بهـدمهـا بقبور أهـل الشـــــرك‪ ،‬تحكم بال دليـل‪ ،‬ورىم‬
‫للغيب بال براهين‪ ،‬ولكن هذا ال يســــتغرب ممن منهىهم مخالفة التن يل‪ ،‬وتحريف ما‬
‫ىاء به الرسول األمين؛ لما يوافق أهواء أتباع الشياجين‪.‬‬
‫‪ ) 4‬ناقس الغماري نفسه‪ .‬فما ندري ألحدي عنده ضعيف فيىب عليه هدمه‪،‬‬
‫أم صــــحيح فيل م أن يســــلم ب اهره؟‪ ،‬وأريد من أهل الحق وا نصــــاف أن يحكموا‬
‫بـهنفســـــهم‪ ،‬فهو يقول معلقًـا على هـذا الحـديـ ‪ :‬إنـه خبر متروك ال ـاهر بـاالتفـاق» ثم‬
‫يقول في نف الصـفحة؛ حي لم يكلف نفسـه عناء مناقضـة نفسـه بصـفحة أخرن‪ ،‬حتى‬
‫ـجرا‪ :‬الصــحيح‬ ‫يتمكن مخالفه من إســقاج قوله بســهولة‪ ،‬حي قال بعد أحد عشــر سـ ً‬
‫عندنا‪ :‬أنه أراد قبور المشــــركين التي كانوا يقدســــونها في الىاهلية‪ ،‬وفي بالد الكفار‬
‫التي افتتحها الصحابة ﭫ بدليل ذكر التماثيل معها» ‪.)1‬‬
‫فهل رأيت أصـر من هذا التناقس وأعىب منه؟! فهول األمر يقول‪ :‬إنه خبر‬
‫ولكن قصـــــر ـاهره على قبور‬ ‫َّ‬ ‫متروك ال ـاهر‪ ،‬ثم ينـاقس نفســـــه ويـدعو همـالـه؛‬
‫المشــــركين تناقس لي لنا الســــكوت عنه‪ ،‬فإن كان الحدي عنده ضــــعيفًا و اهره‬
‫مترو ًكا‪ ،‬فعالم االىتهاد لتهويل ما لم ين ل هللا به من سلجان؟!‪.‬‬
‫‪ ) 5‬وقال أحدهم‪ :‬ليت شــعري لو كان المقصــود من القبور التي أمر علي ﭬ‬
‫بتسويتها‪ ،‬هي عامة القبور على ا جالق‪ ،‬فهين كان ﭬ وهو الحاكم المجلق يومئذ عن‬
‫قبور األنبياء التي كانت مشـــيدة على عهده‪ ،‬وال ت ال مشـــيدة إلى اليوم في فلســـجين‬
‫وسورية والعراق وإيران؟ ‪.)2‬‬
‫كثيرا وهو يقوم على عدة محاور‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مر معنا‬
‫والرد على هذا سبق أن َّ‬

‫‪.)47 /‬‬ ‫‪)1‬إحياء المقبور للغماري‪،‬‬


‫‪ ،)265 /‬ولم يع ه ألحد‪.‬‬ ‫‪ )2‬عمارة القبور‪،‬‬
‫‪179‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ ) 1‬مر معنا أن الصــحيح أن قبور األنبياء مىهولة المكان‪ ،‬واســتثني من ذلك‬


‫قبر الرســـــول ﷺ‪ ،‬واختلف في قبر إبراهيم‪ ،‬وأمـا البقيـة فـدونهـا ودون الحقيقـة خرج‬
‫القتاد‪.‬‬
‫‪ ) 2‬عمهم بهن قصـــد علي قبور المشـــركين؛ ألنه لم يهمر بهدم ما بني على‬
‫قبور األنبياء في الشام‪ ،‬هي أوهى من أن يرد عليها لسببين‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬أن هذه القبور الم عومة لم تكن موىودة‪.‬‬
‫السـبب الثاني‪ :‬لو كانت موىودة‪ ،‬ما كان لعلي سـلجة عليها؛ ألنها موىودة في‬
‫ســـــوريـا وفلســـــجين‪ ،‬وهمـا ليســــتـا تحـت حكم علي‪ ،‬بـل كـانتـا تحـت حكم معـاويـة ﭬ؛‬
‫فاحتىاىهم بهن عليًا قصـــد قبور المشـــركين‪ ،‬ألنه ســـكت عن مقامات األنبياء واهن‬
‫ساقج‪ ،‬وبهذا يتبين لنا أن ما قالوه لي بينه وبين الحقيقة حسب وال نسب‪.‬‬
‫الشـــــبهـة الثـامنـة‪ :‬حـاول المفتونون في القبور البحـ عن مخر كعـادتهم؛‬
‫ليتولوا به األحادي المحرمة للبناء على القبور‪ ،‬والتمسـوا الشبه‪ ،‬ومن هذه الشبه التي‬
‫ال تسـتحق أن يفرد عليها رد‪ ،‬ولكن من أىل إكمال الموضـوع بسـد ىمي ما يوسـو‬
‫به سـهوردها‪ ،‬وهي قولهم‪ :‬أن النهي معلل بخشـية العبادة كما تقدم‪ ،‬وكما هو مصـر‬
‫به في الحدي نفســه‪ ،‬فال يكون تشــريعًا عا ًما في كل مان‪ ،‬بل هو التشــري المتقت‬
‫ب من خشـية وىود العلة‪ ،‬وهو من قرب عهد النا با شـراك‪ ،‬دون ال مان الذي لم‬
‫يعرف أهله شـــر ًكا‪ ،‬وال دار في خلدهم شـــيء منه‪ ،‬بل نشـــتوا على ا يمان واليقين‬
‫والتوحيـد‪ ،‬واعتقـاد انفراد هللا تعـالى بـالخلق والتـدبير‪ ،‬وأنـه ال فـاعـل إال هللا تعـالى‪ ،‬فهو‬
‫غير معارس لدليل الكتاب العام في كل مان‪ ،‬بل هو مخص لعمومه ب من ارتفاع‬
‫خشـية العبادة‪ ،‬وهو من اسـتقرار ا يمان وانتشـار التوحيد ورسـوأل العقيدة رسـو ًخا ال‬
‫يتجرق معـه أدنى خلـل وال شـــــك في وحـدانيـة هللا تعـالى وتفرده بكـل معـاني األلوهيـة‬
‫والربوبية» ‪.)1‬‬
‫الرد على هـذه الشـــــبهـة‪ً :‬‬
‫أوال‪ :‬هـذه الشـــــبهـة أثـارهـا الغمـاري‪ ،‬والعىيـب في‬
‫الغماري أنه يناقس نفسـه بنفسـه‪ ،‬فنىده هنا قد بين أن علة الشـرك التي من أىلها ىاء‬
‫النهي عن بناء القبور على المساىد قد ال باستقرار التوحيد في النفو ‪ ،‬ثم تىده قبل‬
‫ذلك وبعده قد اعترف بوقوع الشــــرك بهذه األمة‪ ،‬وال تدري أهو يدري أم ال يدري؟‪،‬‬
‫حي قال‪ :‬وكون بعس ىهلة العوام يهتي عند قبور الصــالحين من التع يم ما يشــبه‬
‫صـــــورته صـــــورة العبـادة‪ ،‬ال يكون موىبـًا لكراهيـة البناء؛ ألن ذلك لم يهت من ىهة‬
‫عا‪ ،‬ولو‬ ‫البناء وال هو العلة فيه‪ ،‬وإنما علته الىهل بجرق التع يم والحد الالئق به شــر ً‬

‫‪.)26 /‬‬ ‫‪ )1‬إحياء المقبور‪،‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪180‬‬

‫كـان البنـاء هو علـة ذلـك لل م أال يتخلف عنـد وىوده‪ ،‬م أن ىـل من ي ور األوليـاء‬
‫المتخذ عليهم القباب والمسـاىد ال يوىد منه ذلك‪ ،‬وإنما يوىد من قليلين ىدًا من بعس‬
‫ىهلـة العوام ك مـا أنـه يل م أن ال يوىـد إال عنـد القبور المبني عليهـا‪ ،‬م أننـا نرن بعس‬
‫أيضـ ـا ببعس قبور األولياء التي لم يضبنم عليها مســـىد وال قبة ولي‬ ‫ً‬ ‫الىهلة يفعل ذلك‬
‫عليهم بناء أصـ ًـال‪ ،‬ونراهم يحلقون بهم وينجقون في حقهم بما اهره الكفر الصــرا ‪،‬‬
‫بـل هو الكفر حقيقـة بال ريـب وال شـــــك‪ .‬وهم م ذلـك بعيـدون عن قبورهم‪ ،‬بـل وعن‬
‫مدنهم وعن أقجارهم؛ فكثير من ىهلة العوام بالمغرب ينجق بما هو كفر صـــرا في‬
‫حق موالنـا عبـد القـادر الىيالني ﭬ الموىود ضـــــريحـه ببغـداد‪ ،‬وبض ِعـ ضد مـا بين العراق‬
‫والمغرب بض ِعـ ضد مـا بين المشـــــرق والمغرب‪ ،‬وكلهم لم يروا قبر الىيالني وال رأوا من‬
‫رآه وال من رأن من رآه إلى ما شـئت من ا ضـافات‪ ،‬وكذلك نرن بعضـهم يفعل ذلك‬
‫م من يعتقده من األحياء‪ ،‬فيسىد لـه ويقبل األرس بين يديه في حال سىوده‪ ،‬ويىعل‬
‫يديه من ورائه عالمة على التســــليم وفرج التضــــرع وااللتىاء‪ ،‬ويجلب منه في تلك‬
‫الحال الشـفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما ال يجلب إال من هللا تعالى» ‪ .)1‬وهذا من‬
‫رد الغماري على نفســه‪ .‬حي اعترف صــراحة بوقوع الشــرك‪ ،‬فكيف يناقس نفســه‪،‬‬
‫ويىعل الحدي يتعلَّق بحقبة منية معيَّنة م اعترافه الصريح؟!‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المتتب للقرآن الكريم والســــنة النبوية يىد التحذير الدائم من الوقوع في‬
‫الشرك على ألسنة أنبياء هللا وأوليائه‪:‬‬
‫‪ )1‬فهذا إبراهيم ڠ يقول‪ ( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [إبراهيم‪.]35:‬‬
‫‪ )2‬ونىد لقمان يقول‪ ( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان‪.]13:‬‬
‫‪ )3‬وفي الســــنة النبوية‪ ،‬نىد الرســــول ﷺ حذر صــــراحةً من الوقوع في‬
‫الشرك‪ ،‬وبيَّن صراحةً بهن الشرك واق في هذه األمة ال محالة في أحادي كثيرة‪.‬‬
‫أ‪ -‬قال ﷺ‪ :‬ال تقوم الســاعة حتى تضــجرب أملمياتض ‪ )2‬نســاء دو على ذي‬
‫الخلصـة» ‪ ،)3‬قال الحاف ‪ :−‬فيه ا خبار بهن نسـاء دو يركبن الدواب من البلدان‬
‫إلى الصــنم المذكور‪ ،‬فهو المراد باضــجراب ألياتهن‪ .‬قلت‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد‪:‬‬

‫‪.)19،20 /‬‬ ‫‪ )1‬إحياء المقبور‪،‬‬


‫‪ )2‬أليات بفتح الهم ة والالم‪ ،‬ومعناه أعىا هن‪ :‬ىم ألية‪[ .‬ان ر‪ :‬المنها في شـر صـحيح مسـلم‬
‫للنووي حدي ‪.])2906‬‬
‫‪ )3‬أخرىـه البخـاري‪ ،‬كتـاب الفتن‪ ،‬بـاب تغير ال مـان حتى تعبـد األوثـان‪ ،‬رقم‪ ،)7116 /‬وأخرىـه‬
‫مســــلم‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ال تقوم الســــاعة حتى تعبد دو ذا الخصــــلة‪ ،‬رقم‪ ،)2906 /‬وذو‬
‫الخلصة‪ :‬صنم قبيلة دو الذي كانت تعبده في الىاهلية‪ ،‬فتح الباري ‪.)82 /13‬‬
‫‪181‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫أنهن يت احمن بحي تضـــرب عىي ة بعضـــهن األخرن عند الجواف حول الصـــنم‬
‫المذكور ‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬عن عائشة ڤ قالت‪ :‬سمعت رسول هللا ﷺ يقول‪ :‬ال يذهب الليل والنهار‬
‫حتى تعبد الالت والع ن‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا! إن كنت أل ن حين أن ل هللا‪( :‬ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [التوبة‪ ،]33:‬أن ذلك تا ًما قال‪ :‬إنه سيكون من ذلك ما‬
‫شاء هللا‪ ،‬ثم يبع هللا ري ًحا جيبة‪ ،‬فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان‪،‬‬
‫فيبقى من ال خير فيه‪ ،‬فيرىعون إلى دين آبائهم» ‪.)2‬‬
‫ى ـ‪ -‬وقال ﷺ‪ :‬ال تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين‪ ،‬وحتى‬
‫تعبد قبائل من أمتي األوثان» ‪.)3‬‬
‫إن ما ذكر من األحادي وغيرها م ما تشــــاهده من واق األمة من شــــرك‬
‫صـرا وكفر بوا ‪-‬وقد اعترف المعترس بذلك‪ -‬لكافٍ لهدم بدعته من أسـاسـها‪ ،‬قال‬
‫األلبـاني ‪ : −‬وقد ي ن بعس النـا ‪ ،‬وخاصـــــة من كان منهم ذا ثقـافة عصـــــرية أن‬
‫الشرك قد ال‪ ،‬وأنه ال رىعة لــه بسبب انتشار العلوم واستنارة العقول بها! وهذا ن‬
‫باجل‪ ،‬فإن الواق يخالفه‪ ،‬إذ أن المشـاهد أن الشـرك على اختالف أنواعه وم اهره ال‬
‫ي ال ضـــاربًا أجنابه في أكثر بقاع األرس‪ ،‬والســـيما في بالد الغرب عقر دار الكفر‬
‫وعبادة األنبياء والقديسين‪ ،‬واألصنام والمادة‪ .‬وع ماء الرىال واألبجال ومن أبر ما‬
‫ي هر ذلك للعيان انتشار التماثيل بينهم‪ ،‬وأن مما يتسف لــه أن هذه ال اهرة قد أخذت‬
‫تنتشر رويدًا في بعس البالد ا سالمية دون أي نكير من علماء المسلمين!‪.‬‬
‫وما لنا نذهب بالقراء بعيدًا؟ فكثير من بالد المســلمين وخاصــة الشــيعة منهم‪،‬‬
‫ففيها عديد من م اهر الشــرك والوثنية كالســىود‪ ،‬ودعائهم من دون هللا تعالى‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما سـبق ذكره‪ ،‬على أننا لو فرضـنا أن األرس قد جهرت من أدران الشـركيات‬
‫والوثنيات على اختالف أنواعها‪ ،‬فال يىو لنا أن نبيح اتخاذ الوســائل التي يضخشــى أن‬

‫‪ )1‬فتح الباري ‪.)82 /13‬‬


‫‪ )2‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ال تقوم الساعة حتى تعبد دو ذا الخلصة‪ ،‬رقم‪.)2907 /‬‬
‫‪ )3‬رواه أحمد في المسـند ‪ ،)284 /5‬وأبو داود في الفتن ‪ ،)4252‬وصـححه األلباني في صـحيح‬
‫سـنن أبي داود بنف الرقم‪ ،‬وقال في تحذير السـاىد‪ :‬على شـرج مسـلم‪ ،‬حي أخر هذا الحدي‬
‫في صــحيحه ‪ )171 /8‬ولـــــــه شــاهد من حدي أبي هريرة عند الجيالســي ‪ )2501‬تحذير‬
‫‪.)120 /‬‬ ‫الساىد‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪182‬‬

‫تتدي إلى الشـرك؛ ألننا ال نهمن أن تتدي هذه الوسـائل ببعس المسـلمين إلى الشـرك‪،‬‬
‫بل نحن نقج بهن الشرك سيق في هذه األمة في آخر ال مان» ‪.)1‬‬
‫ولعلي هنا أن أذكر بعس األدلة التي يعتمدون عليها في أن الشــــرك لن يعود‬
‫في هذه األمة وهي ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬قوله ﷺ‪ :‬وهللا ما أخاف عليكم أن تشـــركوا بعدي‪ ،‬ولكن أخاف عليكم أن‬
‫تنافســــوا فيها» ‪ ،)2‬ووىه اســــتداللهم بهذا الحدي أن الرســــول ﷺ ما خاف علينا‬
‫الشرك فكيف يق الشرك في هذه األمة؟‪.‬‬
‫والرد على هذا من وىوه‪:‬‬
‫‪ )1‬مر معنا إخبار الرســــول ﷺ بوقوع الشــــرك في هذه األمة في أحادي‬
‫صـــــريحـة واضــــحـة‪ ،‬والواق قـد أثبتهـا‪ .‬والمنهج الحق أن األحـاديـ التي ـاهرهـا‬
‫التعارس‪ ،‬األولى أن يضىم بينها‪ ،‬ال أن يضعمل ببعضـها ويضهمل البعس دون مسـو أو‬
‫مرىح‪ ،‬وهـذه األحـاديـ التي اســــتـدلوا بهـا ـاهرهـا التعـارس م أحـاديـ ا خبـار‬
‫بوقوع الشـــــرك األكبر في هـذه األمـة‪ ،‬والىم بينهـا وبين هـذه األحـاديـ أولى من‬
‫إهمالها‪ .‬خاصــة إذا كان الهون ‪-‬أعاذنا هللا من شــره‪ -‬هو المتحكم في إعمال بعضــها‬
‫وإهمال بعضها ااخر‪.‬‬
‫الشرا المتبحرين في العلم‪ ،‬فهذا الحاف ابن حىر‬‫َّ‬ ‫‪ )2‬البد أن يضن ر إلى كالم‬
‫‪ −‬إمام الشــرا عند ش ـرحه لهذا الحدي ؛ قال‪ :‬قوله‪ :‬ما أخاف عليكم أن تشــركوا»‬
‫أي‪ :‬على مىموعكم؛ ألن ذلـك قـد وق من البعس‪ ،‬أعـاذنـا هللا تعـالى» ‪ ،)3‬فـالحـاف هنـا‬
‫يبين أن المقصـود من هذا الحدي وقوع الشـرك من الصـحابة أو من األمة بمىموعها‪،‬‬
‫ال عن عدم وقوعه فيها‪.‬‬
‫‪ )3‬لعـل النبي ﷺ قـال ذلـك قبـل أن يعلم‪ ،‬ويوحى إليـه بـهن جوائف من األمـة‬
‫سيضلون ويشركون ‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬قول الرســول ﷺ‪ :‬إن الشــيجان قد أي أن يعبده المصــلون في ى يرة‬
‫العرب‪ ،‬ولكن في التحريع بينهم» ‪ ،)5‬وقد اســــتدل محمد علوي مالكي بهذا الحدي ؛‬
‫ليـدل على النـا ‪ ،‬وليقروه على بـاجلـه؛ حيـ قـال‪ :‬نحن على ذلـك العهـد قـائمون‪،‬‬

‫‪ ،)116 /‬للشيإل األلباني‪.‬‬ ‫‪ )1‬تحذير الساىد‪،‬‬


‫‪ )2‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب الصالة على الشهيد‪ ،‬رقم‪.)1344 /‬‬
‫‪ )3‬فتح الباري ‪.)250 /3‬‬
‫‪ )4‬الصراع بين ا سالم والوثنية للقصيمي ‪.)118 /2‬‬
‫‪ )5‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب صفات المنافقين‪ ،‬باب تحريع الشيجان‪ ،‬رقم‪.)7034 /‬‬
‫‪183‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وبتلك الذمة موفون‪ ،‬انجالقًا من إيماننا الصـــافي‪ ،‬وعقيدتنا الســـلفية ومنهىنا النبوي؛‬
‫ألن هذه البالد بفضــل هللا جاهرة من كل رى ‪ ،‬ســالمة من كل شــرك بإخبار رســول‬
‫هللا ﷺ » ‪.)1‬‬
‫أمن من الشــرك؛ ليســتمر هو وأضــرابه‬ ‫فهو يحاول أن يوهم الىمي بهننا في ٍ‬
‫في نشــر ضــاللهم‪ ،‬وبع صــوفيتهم‪ ،‬وإحياء الموالد‪ ،‬وعبادة من في المالحد‪ .‬والرد‬
‫على شبهته فيما يلي‪:‬‬
‫بعضـا‪ ،‬كما سـبق ذكره في‬
‫ً‬ ‫‪ )1‬أن رسـول هللا ﷺ أحاديثه ال يعارس بعضـها‬
‫الفقرة األولى‪ ،‬في الحدي الذي قبله‪.‬‬
‫أن الرسول ﷺ قد أخبرنا بهن الشيجان قد يئ ؛ ألن الشيجان مخلوق ال يعلم‬
‫الغيب‪ ،‬وإنما يحكم على األمور بحســب الحالة التي هو فيها‪ ،‬والرســول ﷺ ذكر هذا‬
‫عن حال الشـيجان حينما رأن النا يدخلون في دين هللا أفوا ًىا‪ ،‬أما الرسـول ﷺ فقد‬
‫أخبرنا بخالف ن الشــيجان عندما بيَّن أن الشــرك ســيعود في األمة‪ .‬ويه الشــيجان‬
‫ن ير يـه الكفـار‪ ،‬حيـ قـال‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ) [المـائـدة‪ ،]3 :‬قـال البغوي في تفســـــير‬
‫كفارا‪ ،‬وذلك أن الكفار كانوا يجمعون في عود المسلمين‬ ‫ااية‪ :‬أن ترىعوا إلى دينهم ً‬
‫‪)2‬‬
‫إلى دينهم‪ ،‬فلما قوي ا ســـالم يئســـوا‪ ،‬ويئ وأي بمعنى واحد» ‪ .‬وقال في رو‬
‫المعاني‪ :‬أي ال مان الحاضـر وما يتصـل بــــــه من األ منة ااتية‪ ،‬وقيل‪ :‬يوم ن ول‬
‫اايـة‪ .‬واليـه انقجـاع الرىـاء وهو ضـــــد الجم ‪ ،‬والمراد انقج رىـاتهم من إبجـال‬
‫دينكم ورىوعكم عنـه بتحليـل هـذه الخبـائـ وغيرهـا‪ ،‬أو من أن يغلبوكم عليـه؛ لمـا‬
‫شـــــاهدوا أن هللا تعـالى وفى بوعده‪ ،‬حيـ أ هره على الدين كلـه» ‪ ،)3‬فهـذه ااية تبين‬
‫أيضـا حال الكفار م أهل ا يمان وما أصـابهم من يه م أن الوقائ التاريخية تثبت‬ ‫ً‬
‫أن الردة قد حدثت من بعس أصحاب الرسول ﷺ م ما أصاب الكفار من يه ‪.‬‬
‫‪ ) 2‬أن الواق على خالف يه الشــــيجان‪ ،‬حي رأينا الشــــرك قد ضــــرب‬
‫بهجنابه في أى اء من ى يرة العرب إن الشـــيجان ييه إذا رأن التمســـك بالتوحيد‬
‫وا قرار به والت امه‪ ،‬واتباع الرســــول ﷺ‪ ،‬وهو حري على أن يصــــد النا عن‬
‫هـذا؛ ولـذا تمكن من هـذا في فترات مختلفـة‪ ،‬فعبـده القرامجـة عبـادة جـاعـة‪ ،‬وهم في‬
‫عبم مده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة» ‪.)4‬‬ ‫الى يرة‪ ،‬وأفسدوا ما أفسدوا‪ ،‬و م‬

‫‪ ،)5 /‬لمحمد بن علوي مالكي‪.‬‬ ‫‪ )1‬مقدمة مفاهيم يىب أن تصحح‪،‬‬


‫‪ )2‬تفسير البغوي‪.)12 /6 ،‬‬
‫‪ )3‬رو المعاني ‪.)90 ،89 /4‬‬
‫‪ .)198 ،197 /‬مجاب القصيم بالرياس د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪ )4‬هذه مفاهيمنا لصالح آل الشيإل‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪184‬‬

‫‪ )3‬ال يبعد أن يقال‪ :‬مراد النبي ﷺ بقوله‪ :‬إن الشــيجان‪ »..‬أن الشــيجان ال‬
‫يجم أن يعبده المتمنون في ى يرة العرب‪ ،‬وهم المصـدقون بما ىاء به الرسـول من‬
‫عند ربه‪ ،‬المذعنون لـــه والممتثلون ألوامره‪ ،‬والشك أن من كان على هذه الصفة فهو‬
‫على بصيرة ونور من ربه‪ ،‬فال يجم الشيجان أن يعبدوه‪ .‬ووىود مثل هذا في ى يرة‬
‫العرب ال ينافي الحدي الصحيح‪ ،‬كما ال يخفى على من لـــــه قلب سليم وعقل راىح‪،‬‬
‫وإجالق لف المصلين على المتمنين كثير في كالم العارفين ‪.)1‬‬
‫‪ )4‬قال ابن رىب‪ :‬إنه يئ أن يىتم كلهم على الكفر األكبر» ‪.)2‬‬
‫‪ ) 5‬ويحتمـل أن يراد بـالمصـــــلين أنـا معلومون‪ ،‬بنـاء على أن تكون أل)‬
‫للعهـد‪ ،‬وأن يراد بهم الكـاملون فيهـا‪ ...‬وهم خير القرون‪ ،‬يتيـد ذلـك قول النبي ﷺ في‬
‫آخر الحـديـ ‪ :‬ولكن في التحريع بينهم» يقول الجيبي‪ :‬لعـل المصـــــجفى ﷺ أخبر‬
‫بما يكون بعده من التحريع الواق بين صـحبه ﭫ‪ ،‬أي أي أن يعبد فيها‪ ،‬ولكن يجم‬
‫في التحريع ‪ .)3‬والدليل متى جرقه االحتمال بجل به االستدالل‪.‬‬
‫‪ ) 6‬أو يقـال‪ :‬إن الحـديـ يقول‪ :‬إن الشـــــيجـان أي أن يعبـد»‪ .‬و ـاهر لف ـه‪:‬‬
‫أنه أي من أن يضعبد هو نفسـه‪ ،‬ال من أن يضعبد غيره من المخلوقات كاألنبياء والمالئكة‬
‫والصـــالحين واألشـــىار واألحىار والقبور‪ .‬فإن الشـــيجان إن أجي في عبادة بعس‬
‫المخلوقات‪ ،‬وقد تضــــاف إليه هذه العبادة؛ ولكنها إضــــافة غير حقيقية‪ ،‬والعالقة في‬
‫ا ضـافة كونه هو اامر بها‪ ،‬وحقيقة عبادة الشـيجان نفسـه‪ :‬أن توىه إليه العبادة كفا ًحا‬
‫مباشرا ‪.)4‬‬
‫ً‬
‫‪ )7‬وقـد يقـال‪ :‬إن الشـــــيجـان قـد أي من أن يعبـد‪ ،‬أو تعبـد األصــــنـام في بالد‬
‫العرب في كل وقت و مان فهذا لن يكون ‪-‬إن شــــاء هللا‪ ،-‬ويشــــهد لهذا التوىيه قول‬
‫الرسول ﷺ في رواية أخرن‪ :‬أال إن الشيجان قد أي أن يض ِع مب مد في بالدكم هذه أبدًا»‬
‫‪.)5‬‬

‫‪ )1‬الشرك في القديم والحدي ‪.)633 /1‬‬


‫‪ )2‬مىموعة الرسائل والمسائل النىدية ‪.)487 ،482 /4‬‬
‫‪ ،)499 -497 /‬باختصار‪ ،‬محمود شكري األلوسي‪.‬‬ ‫‪ )3‬فتح المنان تتمة منها التهسي ‪،‬‬
‫‪ )4‬الشرك في القديم والحدي ‪ ،)634 /1‬تهليف أبو بكر محمد كريا‪.‬‬
‫‪ )5‬أخرىه الترمذي‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ما ىاء في أن دماتكم وأموالكم عليكم حرام‪ ،‬رقم‪)2159 /‬‬
‫‪/‬‬ ‫وابن ماىه‪ ،‬كتاب المناسـك‪ ،‬باب الخجبة يوم النحر‪ ،‬رقم‪ )3055 /‬وصـححه األلباني في‬
‫‪[ .)331‬ان ر‪ :‬الشرك في القديم والحدي ‪.])634 /1‬‬
‫‪185‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ ) 8‬قـال في التحفـة في شـــــر الحـديـ من خالل الروايـة الســـــابقـة أال وإن‬


‫الشــــيجان) وهو إبلي الرئي أو الىن الخســــي قد أي ) أي قنج أن يعبد) قال‬
‫القـاري‪ :‬أي من أن يجـاع في عبـادة غير هللا تعـالى؛ ألنـه لم يعرف أنـه عبـده أحـد من‬
‫الكفـار انتهى‪ .‬وقيـل معنـاه‪ :‬إن الشـــــيجـان أي أن يعود أحـد من المتمنين إلى عبـادة‬
‫الصــنم‪ ،‬وال يرد على هذا مثل أصــحاب مســيلمة وما نعي ال كاة وغيرهم ممن ارتد؛‬
‫ألنهم لم يعبدوا الصــنم‪ ،‬ويحتمل معنى آخر‪ :‬وهو أنه أشــار ﷺ إلى أن المصــلين من‬
‫أمتي ال يىمعون بين الصــالة وعبادة الشــيجان كما فعلته اليهود والنصــارن‪ ،‬ولك أن‬
‫تقول معنى الحدي ‪ :‬أن الشـــيجان أي من أن يتبدل دين ا ســـالم‪ ،‬وي هر ا شـــراك‬
‫ويســـــتمر ويصـــــير األمر كمـا كـان من قبـل‪ ،‬وال ينـافيـه ارتـداد من ارتـد‪ ،‬بـل لو عبـد‬
‫أيضـــا لم يضـــر في المقصـــود فافهم ‪ ،)1‬وعلى كل حال‪ ،‬أعود فهكرر إن‬ ‫ً‬ ‫األصـــنام‬
‫األحـاديـ الصـــــريحـة في واق األمـة المرير ينـافي هـذا الفهم القـاصـــــر للحـديـ ‪ .‬فلقـد‬
‫ضرب الشرك بهجنابه وكثر أتباعه‪ ،‬ونض عك مر مخالفه ومىافيه‪.‬‬
‫وقد فتاوا عند الشدا د *** كما يهتف المضطر بالصمد‬
‫الار ِد‬ ‫باسمها‬
‫أعادوا بها معنى سواع *** يددغددوث َو ُو ٌّد ليس ذلك مدن‬
‫ُو ّدِي‬ ‫ومدددثلُدهُ‬
‫وبهذا يتبين لنا أن شــبهتهم هذه أم ِوهمن من بيت العنكبوت‪ ،‬وال يمكن أن تنجلي‬
‫على األمة من أىل ت يين الباجل وتعمية أبصــارها بحىة أنها في مهمن من الشــرك‪،‬‬
‫وهللا المستعان‪.‬‬
‫ىــــــ‪ -‬ومما اسـتدلوا به قول الرسـول ﷺ‪ :‬إن أخوف ما أتخوف على أمتي‬
‫ً‬
‫أعماال لغير‬ ‫قمرا وال وثنًا‪ ،‬ولكن‬ ‫سا وال ً‬ ‫ا شراك باهلل‪ ،‬أما إني لست أقول‪ :‬يعبدون شم ً‬
‫هللا‪ ،‬وشهوة خفية» ‪.)2‬‬
‫فهذا من األدلة التي اعتمدوا عليها في قولهم بعدم وقوع الشـرك في هذه األمة‬
‫‪ .)3‬ويىاب على هذه الشبهة بما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬تحفة األحوذي بشر ىام الترمذي ‪ )314 /6‬حدي ‪ ،)2247‬لإلمام محمد المباركفوري‪.‬‬
‫‪ )2‬أخرىه ابن ماىه‪ ،‬كتاب ال هد‪ ،‬باب الرياء والســــمعة‪ ،‬رقم‪ ،)4205 /‬وضــــعفه األلباني في‬
‫ضـعيف سـنن ابن ماىه‪ ،‬رقم‪ )4974 /‬كذلك ضـعفه محقق سنن ابن ماىه بقوله‪ :‬هذا إسناد فيه‬
‫مقال‪ ،‬عامر ابن عبد هللا لم أر من تكلم فيه بىر وال غيره‪ ،‬وباقي رىاله ثقات‪ ،‬ســنن ابن ماىه‬
‫‪ ،)471 /4‬شـر ا مام أبي الحسـن الحنفي وبحاشـيته تعليقات مصـبا ال ىاىة في وائد ابن‬
‫ماىه‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل مهمون‪.‬‬
‫‪ )3‬ممن استدل به محمد علوي المالكي المكي في كتابه‪ :‬مفاهيم يىب أن تصحح)‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪186‬‬

‫‪ )1‬أن الحدي ضــعيف‪ ،‬والضــعيف ال يحتج به ابتدا ًء‪ ،‬فكيف وقد عارس ما‬
‫هو أصح منه‪.‬‬
‫‪ )2‬لو فرضـنا صـحة الحدي ؛ فإنه محمول على خوف النبي ﷺ من الشـرك‬
‫الخفي الذي يق به ا نســــان‪ ،‬بعك الشــــرك األكبر ال اهر الىلي‪ ،‬فإن الوقوع فيه‬
‫واضــــح وىلي‪ ،‬فعبادة الشــــم والقمر والوثن من ال واهر التي ال يخفى ضــــالل‬
‫مرتكبها‪ ،‬ولكن الشـرك بهعمال القلوب؛ ً‬
‫مثال المحبة لغير هللا‪ ،‬والذل والخضـوع لغيرا‬
‫هلل‪ ،‬واعتقاد أشــياء مخصــوصــة هلل ىل وعال) لغير هللا تعالى‪ ،‬هذه كلها من ضــمن‬
‫األعمال ومما تبقى خفية)‪.‬‬
‫‪)1‬‬ ‫ً‬
‫أيضــــا قوله ﷺ‪ :‬اللهم ال تىعل قبري وثنا يعبد» ‪،‬‬‫ً‬ ‫د‪ -‬ومما اســــتدلوا به‬
‫‪)2‬‬
‫حي قال المالكي في مفاهيم يىب أن تصــحح)‪ :‬ودعاته مســتىاب» ‪ ،‬فاســتدلوا‬
‫بهذا الحدي على عدم وقوع الشــرك على هذه األمة‪ ،‬وبهنها معصــومة‪ .‬الىواب على‬
‫هذه الشبهة بما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬أننا ال نختلف معكم بهن دعاء الرســــول ﷺ مســــتىاب‪ ،‬وهذا منهج أهل‬
‫السنة والىماعة ال يختلفون فيه وال يتمارون‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪:−‬‬
‫فأجاب رب العالمين *** فأحاطه بثالثة الجدران (‪.)3‬‬
‫دعاءه‬
‫ولذا أحيج قبره ﷺ بىدران تمن أن يعبد القبر مباشــرة‪ ،‬فال يمكن لكائن من‬
‫كان أن يســىد للقبر الشــريف‪ ،‬ولكن هذا ال يمن من أن يق من بعس الغالين الشــركض‬
‫األكبر في ادعاء خصــائ الربوبية للرســول ﷺ‪ ،‬ومن ذلك ما فعله صــاحب البردة‬
‫البوصيري ‪ )4‬عند قوله‪:‬‬
‫يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ *** سواك عند حلول الحادث العمم‬
‫به‬

‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )1‬سيهتي تخريىه‬


‫‪.)6 /‬‬ ‫‪ )2‬مفاهيم يىب أن تصحح‪،‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬الكافية الشافية المعروفة بنونية ابن القيم‪.‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬محمد بن سـعيد بن حماد بن محسـن بن عبد هللا الصـنهاىي البوصـيري مشـرف الدين أبو‬
‫عبد هللا» صوفي من أهل الجرق‪ ،‬نا م‪ ،‬ولد سنة ‪608‬هــ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪694‬هــ)‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة‬
‫‪695‬هـ)‪ ،‬من آثاره‪ :‬قصيدة الكواكب الدرية في مد خير البرية المعروفة بالبردة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬ترىمته فيما ذكره عمر رضا كحالة في معىم المتلفين ‪.])28 /10‬‬
‫‪187‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقوله‪:‬‬
‫ولن يضيق رسول ر جافلي *** إذا الكدددريم تخلى باسم مدددنتقم‬
‫به‬
‫وقوله‪:‬‬
‫إن آت ذنبًا فما عهدي بددمقتض *** مددن الددنبي و حبلي بدمنصرم‬
‫فإن لددددددي ذمدددددددددة مدددددددددنه *** محمدًا وفو أوفى الخلق بالذمم‬
‫بددتسددميتي‬
‫ً‬
‫إن لم يكن في معادي آخذ بيدي *** فدددضال وإ فدددقل يا زلة القدم‬
‫حددداشددددددداه أن يدحدرم الدراجدي *** أو يرجع الجدار منده رير محترم‬
‫(‪)1‬‬
‫مكارمه‬
‫‪)2‬‬
‫ومن ذلك ما ذكره النبهاني في قصيدته‪:‬‬
‫يا مالذي يا مدددددد دنجدددددد ددي يا *** يا معاذي يا مدقصدي يا رجا ي‬
‫مددنا ي‬
‫يا نصيري يا عددددددددمدددددتي يا *** يا خصيري يا عدتي يا شددداا ي‬
‫مجبري‬
‫أدرك أدرك أرددددددددددث أردث يدا *** عند ربي واعطف وجد بالرضاء‬
‫شايعي‬
‫أندددد دت عدددد دوندددددددددد دي وملج ي *** وجددددددددددددال كرمني وأنت رنا ي‬
‫(‪)3‬‬
‫ورياثي‬
‫فهل يختلف اثنان ويتخاصــم مســلمان بهن هذه األبيات من الغلو والشــرك في‬
‫الرســـــول ﷺ‪ ،‬وهي م ذلـك تنـافي دعـاءه بـهال يكون قبره وث ًنـا يعبـد؛ ألن عبـادة قبره‬
‫مباشـرة صـورة من صـور الشـرك‪ ،‬وعبادته ﷺ بعيدًا عن قبره صـورة أخرن‪ ،‬فهنتم‬

‫‪ )1‬البردة ‪ .)35 /30‬الكواكـب الـدريـة في مـد خير البريـة‪ ،‬لمحمـد ســـــعيـد البوصـــــيري‪ ،‬مكتبـة‬
‫مصجفائي بدلهي د‪ .‬ت‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬القصيدة الهم ية في مد خير البرية‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬شارع األ هر‪ .‬د‪ .‬ت]‪.‬‬
‫‪ )2‬هو يوسـف بن إسـماعيل بن يوسـف النبهاني الشـافعي‪ ،‬أبو المحاسـن‪ ،‬أديب‪ ،‬شـاعر‪ ،‬صـوفي‪ ،‬من‬
‫القضاة‪ ،‬ولد سنة ‪1265‬هـــــ) بفلسجين‪ ،‬توفي سنة ‪1350‬هـــــ)‪ ،‬من تصانيفه الكثيرة‪ :‬األنوار‬
‫المحمـديـة من المواهـب اللـدنيـة‪ ،‬حىـة هللا على العـالمين في معى ات ســــيـد المرســـــلين‪ ،‬ىـام‬
‫كرامـات األوليـاء‪[ .‬ان ر‪ :‬ترىمتـه فيمـا ذكره عمر رضـــــا كحـالـة‪ :‬معىم المتلفين ‪،275 /13‬‬
‫‪.])276‬‬
‫‪ .)355 /‬يوسف النبهاني‪.‬‬ ‫‪ )3‬شواهد الحق في االستغاثة بسيد الخلق‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪188‬‬

‫لم تمنعوا وقوع الشـــرك عند القبر فقج‪ ،‬بل منعتم وقوعه في مان ومكان من ى يرة‬
‫العرب‪.‬‬
‫‪ )2‬كون قبر الرسـول ﷺ لم يعبد‪ ،‬ولن يعبد بفضـل دعاء الرسـول ﷺ‪ ،‬فهذا‬
‫ال ينفي وقوع الشـرك في هذه األمة؛ ألن من دعا بهال يكون قبره وثنًا يضعبد‪ ،‬فاسـتىاب‬
‫هللا دعاءه‪ ،‬هو الذي قال لنا بهن الشـرك سـيق ‪ ،‬وبهن الالت والع ن سـتضعبد‪ ،‬وقد وق ما‬
‫أخبر بـه ﷺ ! فـإن قبيلـة دو ومـا حولهـا من العرب قـد افتتنوا بـذي الخلصـــــة عنـدما‬
‫عـاد الىهـل إلى تلـك البالد‪ ،‬فـهعـادوا ســـــيرتهـا األولى‪ ،‬وعبـدوهـا من دون هللا‪ ،‬حتى قـام‬
‫من الدين‪ ،‬وقام‬ ‫بالدعوة إلى التوحيد‪ ،‬وىدد ما اندر‬ ‫الشيإل محمد بن عبد الوهاب ‪−‬‬
‫ىمـاعـة من الـدعـاة إلى ذي‬ ‫وبعـ‬ ‫بن محمـد بن ســـــعود ‪− )1‬‬
‫ا مـام عبـد الع ي‬
‫الخلصة‪ ،‬فخربوها وهدموا بعس بنائها ‪.)2‬‬
‫وبهذا يتبين لنا سـقوج هذه الحىة‪ ،‬وأنها حىة واهية‪ ،‬ال يمكن أن يسـتند عليها‬
‫أهل الضــالل في ت يين ضــاللهم من خالل دعوة النا لعبادة القبور‪ ،‬وإيهامهم أن ما‬
‫ً‬
‫ضالال‪ ،‬بل ديانة وعبادة؛ ألنهم في مهمن من الوقوع في الشرك‪،‬‬ ‫فعلوه لي شر ًكا وال‬
‫‪)3‬‬
‫والرسـول ﷺ يقول‪ :‬وهللا ما أخاف عليكم أن تشـركوا بعدي‪ ، »...‬ويقول‪ :‬اللهم‬
‫ال تىعل قبري وثنًا يعبد» ‪.)4‬‬
‫هـــــــ‪ -‬ومما اســتدلوا به قوله ﷺ‪ :‬ال يىتم دينان في ى يرة العرب» ‪،)5‬‬
‫حي اعتمد المالكي على هذا الحدي ؛ لتجمين األمة بصـحة ما يفعله ويدعو لــــــه هو‬

‫‪ )1‬عبد الع ي بن محمد بن سعود ‪1218 -1132‬هــ) إمام من أمراء آل سعود في دولتهم األولى‬
‫كانت عاصــمته الدرعية» بنىد ولي بعد وفاة أبيه ســنة ‪1179‬هـــــــ) واتسـ نجاق الدولة في‬
‫مغوارا شـــــديـد البـه ‪ .‬اغتـالـه رىـل من أهـل العمـاديـة من ديـار الى يرة) في ىـام‬
‫ً‬ ‫أيـامـه‪ .‬وكـان‬
‫الدرعية‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.])27 /4‬‬
‫‪ )2‬الشـــــرك في القـديم والحـديـ ‪[ .)600 /1‬وان ر‪ :‬عنوان المىـد في تـاريإل نىـد في أحـدا‬
‫‪ 1217‬هــــ)‪ ،‬تهليف‪ :‬العالمة المحقق عثمان بن بشر النىدي الحنبلي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬محمد بن ناصر‬
‫الشثري]‪.‬‬
‫‪.)276 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )4‬سيهتي تخريىه‬
‫‪ )5‬أخرىـه مـالـك في الموجـه‪ ،‬كتـاب الىـام ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في إلىـاء اليهود من المـدينـة‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪[ .)1651‬ان ر‪ :‬التمهيـد لمـا في الموجـه من المعـاني واألســـــانيـد مرتبـً ا على األبواب الفقهيـة‬
‫للموجه‪ .‬تهليف‪ :‬ابن عبد البر ‪462 :268‬هــ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسامة بن إبراهيم‪ ،‬وتخريج‪ :‬حاتم بن أبو‬
‫‪189‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وأضرابه من إحياء الموالد‪ ،‬وعبادة من في المالحد‪ ،‬حي قال‪ :‬فنحن على هذا العهد‬
‫قائمون‪ ،‬وبتلك الذمة موفون‪ ،‬انجالقًا من إيماننا الصـــافي‪ ،‬وعقيدتنا الســـلفية ومنهىنا‬
‫النبوي‪ ،‬ألن هذه البالد؛ بفضـل هللا جاهرة من كل رى ‪ ،‬سـالمة من كل شـرج بإخبار‬
‫رسول هللا ﷺ ‪.)1‬‬
‫الرد على الشبهة‪ :‬من يالح هذه الشبهة يىدها واهية‪ ،‬فإن كان ما قبلها واهيًا‬
‫جا فهي أســـقجها‪ .‬والىواب عليها من‬ ‫فهي أوهاها‪ ،‬وإن كان ما قبلها من الشـــبه ســـاق ً‬
‫وىوه‪:‬‬
‫‪ ) 1‬أن الحـديـ بروايـاتـه الصـــــحيحـة يـدل على خالف مـا أورده هـذا المفتون‬
‫الضـــال‪ ،‬حي إن رواية هذا المفتون تخالف الروايات الصـــحيحة‪ ،‬التي تدل على أن‬
‫المراد هو النهي ال النفي؛ حي قال ﷺ‪ ،‬كما عند البخاري‪ :‬أخرىوا المشــركين من‬
‫ى يرة العرب» ‪ ،)2‬وعن عمر بن الخجـاب ﭬ أنـه ســـــم رســـــول هللا ﷺ يقول‪:‬‬
‫ألخرىن اليهود والنصارن من ى يرة العرب‪ ،‬حتى ال أدع إال مسل ًما» ‪.)3‬‬
‫‪ )2‬لـذا فهم الصــــحـابـة ﭫ الحـديـ على أنـه أمر ال خبر‪ ،‬فلـذلـك قـال عمر بن‬
‫الخجـاب ﭬ‪ :‬لئن عشـــــت ‪-‬إن شـــــاء هللا‪ -‬ألخرىن اليهود والنصـــــارن من ى يرة‬

‫‪ ،)335 /‬والبيهقي في الســــنن الكبرن ‪ ،)208 /9‬ولكنه من‬ ‫يد‪ ،‬الى ء الراب عشــــر)‬
‫مراسيل ال هري ومعلوم‪ :‬أنها ضعيفة ذكر ذلك في الشرك في القديم والحدي ‪.])627 /1‬‬
‫‪.)5 /‬‬ ‫‪ )1‬مفاهيم يىب أن تصحح‪،‬‬
‫‪ )2‬أخرىـه البخـاري‪ ،‬كتـاب الىهـاد والســـــير‪ ،‬بـاب ىوائ الوفـد‪ ،‬رقم‪ .)3053 /‬قدال الحدافظ ابن‬
‫حجر‪ :‬وقال ال بير بن بكار أخبار المدينة» أخبرت عن مالك‪ ،‬عن ابن شـــهاب‪ ،‬قال‪ :‬ى يرة‬
‫العرب المدينة‪ .‬قال ال بير‪ :‬قال غيره‪ :‬ى يرة العرب ما بين الندب إلى حضــرموت‪ ،‬قال‪ :‬وبحر‬
‫الحبشة والفرات ودىلة أحاجت بها‪ ،‬وهي أرس العرب ومعدنها‪.‬‬
‫وقال األصدمعي‪ :‬هي ما لم يبلغه ملك فار من أقصـى عدن إلى أجراف الشـام‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬من‬
‫ً‬
‫جوال‪ ،‬ومن ىدة إلى ما واالها من الســـاحل إلى أجراف الشـــام‬ ‫أقصـــى عدن إلى ريف العراق‬
‫عرضـ ـا‪ .‬قوله‪ :‬قال يعقوب‪ :‬والعر أول تهامة) العر بفتح المهملة وســـكون الراء بعدها ىيم‬ ‫ً‬
‫موض بين مكة والمدينة‪ ،‬وهو غير العر بفتح الراء الذي من الجائف‪.‬‬
‫جوال‪ ،‬ومن ىدة وما‬‫ً‬ ‫وقال األصدددددمعي‪ :‬ى يرة العرب ما بين أقصـــــى عدن أبين إلى ريف العراق‬
‫عرضــا‪ ،‬وســميت ى يرة العرب حاجة البحر بها‪ ،‬يعني بحر الهند‬ ‫ً‬ ‫واالها إلى أجراف الشــام‬
‫وبحر قل م وبحر فار ‪ ،‬وبحر الحبشــة‪ ،‬وأضــيفت إلى العرب؛ ألنها كانت بهيديهم قبل ا ســالم‬
‫وبها أوجانهم ومنا لهم‪[ .‬ان ر‪ :‬الفتح ‪.])197 /6‬‬
‫‪ )3‬أخرىه مســلم‪ ،‬كتاب الىهاد والســير‪ ،‬باب إخرا اليهود والنصــارن من ى يرة العرب‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.)4569‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪190‬‬

‫العرب» ‪ .)1‬قال شــــيإل ا ســــالم ‪ :−‬فإن النبي ﷺ عهد بذلك في مرضــــه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أخرىوا اليهود والنصـــــارن من ى يرة العرب» ‪ ،)2‬وإنمـا لم ينفـذه أبو بكر ﭬ؛‬
‫الشـــــتغـالـه عنـه بقتـال أهـل الردة‪ ،‬وشـــــروعـه في قتـال فـار والروم‪ ،‬وكـذلـك عمر لم‬
‫يمكنه فعله في أول األمر؛ الشـــــتغاله بقتال فار والروم‪ ،‬فلما تمكن من ذلك فعل ما‬
‫أمر به النبي ﷺ ‪.)3‬‬
‫‪ ) 3‬أن الواق يكـذب فهم هـذا المفتون‪ ،‬فلو حملنـا الحـديـ على الخبر؛ لكـان‬
‫إخبار الرسـول ﷺ لي بصـحيح على فهمه‪ ،‬حي إن ى يرة العرب ‪-‬وإن اختلف في‬
‫تحديدها‪ -‬إال أن ما اتفق عليه منها حالها يضنبس عن بجالن هذا الفهم؛ ألننا نشــاهد اليوم‬
‫كثيرا من األديــان والملــل‪ ،‬بــل وهي مليئــة بــالكنــائ‬
‫ً‬ ‫في كثير من أى اء الى يرة‬
‫والمعابد المعادية والمحاربة هلل ورسوله ﷺ‪.‬‬
‫‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ض‬
‫و مح ند ى يرة العرب كما ذكره شــــيإل ا ســــالم‪ :‬من بحر القل م م ‪ ،‬إلى بحر‬
‫البصـــرة ‪ ،)5‬ومن أقصـــى عحىِ ر اليمن إلى أوائل الشـــام؛ بحي كانت تدخل اليمن في‬
‫‪)6‬‬
‫دارهم‪ ،‬وال تدخل فيه الشــام‪ ،‬وفي هذه األرس كانت العرب حين المبع وقبله‪....‬‬
‫فهل ينفي المالكي أن الواق يكذب فهمه؟‪ ،‬وهل يىو لــــــه أن يىعل هذا الخبر حىةً‬
‫يســـــو بهـا بـاجلـه بـذريعـة أنـه لن يىتم في ى يرة العرب دينـان؟ فلتجمئن النفو ‪،‬‬
‫ولتســتقر القلوب بهن مهما فعلوا من أمور بدعية وشــركية فليســت بكفر‪ ،‬وال بشــرك؛‬
‫ألنه لن يىتم في ى يرة العرب دينان وهذا وربي آفة الفهم السقيم) ‪.)7‬‬

‫‪ )1‬أخرىـه الترمـذي‪ ،‬كتـاب الســـــير‪ ،‬بـاب إخرا اليهود والنصـــــارن من ى يرة العرب‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪ .)1657‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪ ،‬رقم‪.)1606 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه مســلم بلف ألخرىن اليهود والنصــارن من ى يرة العرب حتى ال أدع إال مســل ًما»‪،‬‬
‫كتاب الىهاد والسير‪ ،‬باب إخرا اليهود والنصارن من ى يرة العرب‪ ،‬رقم‪.)1767 /‬‬
‫‪ )3‬اقتضاء الصراج المستقيم ‪.)595 /2‬‬
‫‪ )4‬القض ِل م)‪ :‬مدينة على جرفه الشــمالي‪ ،‬ويقال‪ :‬بحر الحبشــة‪ ،‬وهو المعروف اان باســم‪ .‬البحر‬
‫األحمر)‪[ .‬معىم البلـدان ليـاقوت بن عبـد هللا الحموي‪ ،)344 /1 ،‬ان ر‪ :‬خصـــــائ ى يرة‬
‫‪.])17 /‬‬ ‫العرب للشيإل بكر أبو يد‪،‬‬
‫‪ )5‬بحر البصرة هو المسمى بالخليج العربي‪ .‬ويسمى قدي ًما بحر فار ‪ ،‬المرى السابق ‪،343 /1‬‬
‫‪.)344‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬اقتضـاء الصـراج المسـتقيم ‪ ،)406 /1‬ولالسـت ادة ان ر‪ :‬كتاب خصـائ ى يرة العرب‬
‫للشيإل بكر أبو يد‪ ،‬وكتاب ى يرة ا سالم للشيإل سلمان بن فهد العودة‪.‬‬
‫‪ )7‬للم يـد ان ر‪ :‬ىهود علمـاء الحنفيـة ‪ )1675 ،1613 /3‬والشـــــرك في القـديم والحـديـ ‪/1‬‬
‫‪.)643 ،626‬‬
‫‪191‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫خاصـا وهو‬
‫ً‬ ‫الشـبه التي أثاروها‪ :‬قبر الرسـول ﷺ‪ ،‬وقد أفردت لها مبحثًا‬
‫ومن ض‬
‫المبح الثال ااتي‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪192‬‬

‫المبح الثال‬
‫قبر الرسول ﷺ وما يثار عنه‬
‫من األدلة التي يسـتدل بها أهل القبور‪ ،‬دفن الرسـول ﷺ في المسـىد النبوي‪،‬‬
‫وتغافال عن األخبار الصـــحيحة الصـــريحة‪ .‬ولعلي في هذا المبح أن‬ ‫ً‬ ‫ل ًما وبهتانًا‪،‬‬
‫أتحد عن هذه المسهلة من خالل المجالب ااتية‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬أين دفن النبي ﷺ ؟‬
‫لما توفي رســول هللا ﷺ اختلف المســلمون في أين يدفن؟)‪ ،‬فاىتهد بعضــهم‬
‫َّ‬
‫صــــاله ‪ ،)1‬واســــتمر‬ ‫فقال‪ :‬يدفن عند المنبر‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بالبقي ‪ .‬وقال قائل‪ :‬في ضم‬
‫االىتهاد حتى ىاء الصــديق ﭬ فقال‪ :‬ســمعت من رســول هللا ﷺ شــيئًا ما نســيته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما قبس هللا نبيًّا‪ ،‬إال في الموضـــ الذي يحب أن يدفن فيه‪ ،‬ادفنوه في موضـــ‬
‫فراشه» ‪.)2‬‬
‫داخال في المسـىد‬ ‫ً‬ ‫ومما يتكد أن دفنه ً‬
‫أوال كان في بيت عائشـة‪ ،‬قبل أن يكون‬
‫وآخ ًذا اوية منه؛ ما أخرىه البخاري‪ ،‬عن عائشــــة قالت‪ :‬إن كان رســــول هللا ﷺ‬
‫ليتعذر في مرضــه‪ ،‬أين أنا اليوم‪ ،‬أين أنا غدًا؟ اســتبجاء ليوم عائشــة‪ .‬فلما كان يومي‬
‫أيضـ ـا‪ ،‬عن‬
‫ً‬ ‫قبضـــه هللا بين ســـحري ونحري‪ ،‬ودفن في بيتي» ‪ ،)3‬وأخرىه البخاري‬
‫عمر بن الخجـاب أنـه قـال‪ :‬يـا عبـد هللا بن عمر‪ ،‬اذهـب إلى أم المتمنين عـائشـــــة ڤ‬
‫ي‪ .‬قالت‪ :‬كنت‬ ‫فقل‪ :‬يقرأ عمر بن الخجاب عليك الســالم‪ ،‬ثم ســلها أن أدفن م صــاحب َّ‬
‫أريده لنفسي‪ ،‬فءضوثعرنَّه اليوم على نفسي‪ .‬فلما أقبل‪ ،‬قال لــــه‪ :‬ما لديك؟‪ .‬قال‪ :‬أذنت لك‬
‫ى من ذلك المضى ‪ .‬فإذا قض عبضِتض فاحملوني‪،‬‬ ‫يا أمير المتمنين‪ .‬قال‪ :‬ما كان شيء أهم إل َّ‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬الجبقات الكبرن البن سعد ‪.)224 ،223 /2‬‬


‫‪ )2‬أخرىه الترمذي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب آخر‪ ،‬وقبله باب‪ :‬ما ىاء في قتلى أحد وذعكر حم ة‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫ضضـععفه من قبل‬
‫‪ ،)1018‬قال أبو عيسـى‪ :‬هذا حدي غريب‪ .‬وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ي م‬
‫حف ه‪ .‬وقد روي هذا الحدي من غير هذا الوىه‪ :‬فرواه ابن عبا ‪ ،‬عن أبي بكر الصـديق‪ ،‬عن‬
‫النبي ﷺ أيضـً ا‪ ،‬وقد صـحح األلباني ‪ −‬هذا الحدي في صـحيح سـنن الترمذي ‪ )518 /1‬رقم‪/‬‬
‫‪ )1018‬كما صـــححه األرناتوج في الموســـوعة الحديثية لمســـند ا مام أحمد حي قال‪ :‬حدي‬
‫قوي بجرقه ‪.)207 /1‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في قبر النبي ﷺ وأبي بكر وعمر‪ ،‬رقم‪.)1389 /‬‬
‫‪193‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ثم سـلموا‪ ،‬ثم قل‪ :‬يسـتهذن عمر بن الخجاب‪ ،‬فإن أذنت لي فادفنوني‪ ،‬وإال فردنوني إلى‬
‫مقابر المسلمين» ‪.)1‬‬
‫فعائشــة ڤ بيَّنت العلة بيانًا شــافيًا‪ ،‬وما خشــي الصــحابة أن يتخذ مســىدًا إال‬
‫اسـتىابة من هللا ىل وعال) لرسـوله ﷺ حي دعا‪ :‬اللهم ال تىعل قبري وثنًا يضعبد‪،‬‬
‫اشتد غضب هللا على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساىد» ‪.)2‬‬
‫وقـد اســـــتىـاب هللا ىـل وعال) دعـاءه ﷺ فلم يضتخـذ ‪-‬وهلل الحمـد‪ -‬وث ًنـا‪ ،‬كمـا‬
‫اتخذ قبر غيره‪ ،‬بل وال يتمكن أحد من الدخول إلى حىرته بعد أن بنيت الحىرة‪ ،‬وقبل‬
‫ذلك ما كانوا يمكنون أحدًا من أن يدخل إليه ليدعو عنده‪ ،‬وال يصــــلي عنده‪ ،‬وال غير‬
‫ذلك مما يفعل عند قبر غيره؛ لكن من ال ضى َّهال من يصلي إلى حىرته‪ ،‬أو يرف صوته‪،‬‬
‫أو يتكلم بكالم منهي عنـه‪ ،‬وهـذا إنمـا فعـل خـار ًىـا عن حىرتـه ال عنـد قبره‪ ،‬وإال فهو ‪-‬‬
‫وهلل الحمد‪ -‬اسـتىاب هللا دعوته‪ ،‬فلم يمكن أحد قج أن يدخل إلى قبره فيصـلي عنده‪ ،‬أو‬
‫يدعو‪ ،‬أو يشــرك به كما فعل بغيره‪ ،‬حي اتخذ قبره وثنًا‪ ،‬فإنه في حياة عائشــة ڤ ما‬
‫كان أحد يدخـل إال ألىلهـا‪ ،‬ولم يكن يمكن أحد أن يفعـل عنـد قبره شـــــيئـًا ممـا ينهى عنه‬
‫‪.)3‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :−‬قد علم بالتواتر أنه ﷺ دفن في حىرة عائشــة التي كانت‬
‫تخت بها‪ ،‬شــــرقي مســــىده في ال اوية الغربية القبلية من الحىرة‪ ،‬ثم دفن فيها أبو‬
‫بكر‪ ،‬ثم عمر ﭭ» ‪.)4‬‬
‫وقال األلباني ‪ :−‬والسنة الدفن في المقبرة؛ ألن النبي ﷺ كان يدفن الموتى‬
‫في مقبرة البقي ‪ ،‬كما تواترت األخبار بذلك‪ ،‬ولم يضنقمل عن أحد من الســلف أنه دفن في‬
‫ضـا أن النبي ﷺ دضفن في حىرته‪ ،‬وذلك من خصـوصـياته‬ ‫غير المقبرة‪ ،‬إال ما تواتر أي ً‬
‫عليه الصـالة والسـالم كما دل عليه حدي عائشـة ڤ‪ ،‬قالت‪ :‬لما قبس رسـول هللا ﷺ‬
‫اختلفوا في دفنه‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ســمعت من رســول هللا ﷺ شــيئًا ما نســيته قال‪ :‬ما‬
‫قبس هللا نبيًّا إال في الموضــ الذي ي عضحب أن يض ِدفمن فيه»‪ ،‬فدفنوه في موضــ فراشــه»‬
‫‪.)5‬‬

‫‪ )1‬الحـديـ بجولـه في صـــــحيح البخـاري‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في قبر النبي ﷺ وأبي بكر‬
‫وعمر‪ ،‬رقم‪.)1392 /‬‬
‫‪.345‬‬ ‫‪ )2‬سيهتي تخريىه‬
‫‪.)173 /‬‬ ‫‪ )3‬الىواب الباهر‪،‬‬
‫‪ )4‬البداية والنهاية ‪ )153 /8‬فصل في صفة قبره عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪.)290 /‬‬ ‫‪ )5‬الحدي سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪194‬‬

‫وبهذا يتبين لنا أن النبي ﷺ ما ضدفعنم أصــ ًـال في المســـىد‪ ،‬وإنما دضفن في بيته‪،‬‬
‫ولعل الحكمة في دفنه في بيته أال يكون بار ً ا للعوام؛ فيفتن فيه ال ضى َّهال‪ ،‬وقد أفصــحت‬
‫عائشـة ڤ عن هذه الحكمة‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسـول هللا ﷺ في مرضـه الذي لم يقم منه‪:‬‬
‫لعن هللا اليهود والنصـارن؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مسـاىد‪ ،‬لوال ذلك أبر قبره‪ ،‬غير أنه‬
‫مخ عشي أو ضخ عشي أن يتخذ مسىدًا» ‪.)1‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬س َّد الصحابة ﭫ ىمي الجرق المتدية لعبادة القبر‪.‬‬
‫لقد كانت أول توســـعة للمســـىد النبوي في عهد عمر ﭬ‪ ،‬فلم يدخل الحىرات‬
‫إلى المسىد‪.‬‬
‫ولما كثر المسـلمون في عهد عمر ضـاق بهم المسـىد‪ ،‬فاشـترن عمر ما حول‬
‫المســــىد من الدور‪ ،‬إال دار العبا بن عبد المجلب وحىرات أمهات المتمنين‪ .‬فقال‬
‫عمر للعبا ‪ :‬يا أبا الفضـل‪ ،‬إن مسـىد المسـلمين قد ضـاق بهم‪ ،‬وقد ابتعت ما حوله من‬
‫المنا ل‪ ،‬نوسـ به على المسـلمين في مسـىدهم‪ ،‬إال دارك وحىرات أمهات المتمنين‪،‬‬
‫فهما ضح مىر أمهات المتمنين فال ســبيل إليها‪ ،‬وأما دارك فبعنيها بما شــئت من بيت مال‬
‫المسـلمين أوسـ بها في مسـىدهم‪ ،‬فقال العبا ‪ :‬ما كنت ألفعل‪ ،‬قال‪ :‬فقال لــــــه عمر‪:‬‬
‫اختر مني إحـدن ثال ‪ :‬إمـا أن تبيعنيهـا بمـا شــــئـت من بيـت مـال المســـــلمين‪ ،‬وإمـا أن‬
‫أخججك حي شــئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المســلمين‪ ،‬وإما أن تتصــدق‬
‫بها على المســـلمين فتوسـ ـ بها في مســـىدهم» ‪ ،)2‬فان ر إلى دقة فقه عمر ﭬ حي‬
‫حينما وسـ ـ المســـىد لم يقرب الحىرات بما فيها حىرة عائشـــة‪ ،‬وقال‪ :‬لي إليهن‬
‫َّ‬
‫أكن النا‬ ‫سـبيل»؛ لعلمه بخجورة ذلك‪ ،‬بل وحينما أمر بالبناء قال لمن يقوم بالبناء‪:‬‬
‫من المجر‪ ،‬وإيـاك أن تحمر أو تصـــــفر فتفتن النـا ‪ ،‬وقـال أن ‪ :‬يتبـاهون بهـا ثم ال‬
‫يع ضم ِرنها إال قليل‪ .‬وقال ابن عبا ‪ :‬لت خرفنها كما خرفت اليهود والنصارن ‪.)3‬‬
‫ثم اد الصحابة في عهد عثمان هذا البناء‪ ،‬قال عبد هللا بن عمر‪ :‬إن المسىد‬
‫باللبن‪ ،‬وســقفه الىريد‪ ،‬وعمده خشــب النخل‪ ،‬فلم‬ ‫كان على عهد رســول هللا ﷺ مبنيًّا ع‬
‫ي د فيه أبو بكر شــيئًا‪ ،‬و اد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رســول هللا ﷺ ع‬
‫باللبن‬

‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬الجبقـات الكبرن ‪ ،)15 /4‬دارا لكتـب العلميـة‪ ،‬قـال األلبـاني ‪ :−‬قـال الســـــيوجي في‬
‫ـالمـــــا أبا النصر لم يدرك عمر»‪[ .‬تحذير‬
‫الىام الكبير ‪ )2 /272 /3‬وسـنده صـحيح‪ ،‬إال أن س ً‬
‫‪.])65 /‬‬ ‫الساىد من اتخاذ القبور مساىد لءلباني‪ .‬المكتب ا سالمي‪،‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب بنيان المسىد‪ ،‬رقم‪.)445 /‬‬
‫‪195‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫والىريـد‪ ،‬وأعـاد عمـده خشـــــبـً ا‪ .‬ثم غيره عثمـان ف اد فيـه يـادة كثيرةً‪ ،‬وبنى ىـداره‬
‫صة‪ ،‬وىعل عمده من حىارة منقوشة وسقفه بالسا » ‪.)1‬‬ ‫بالحىارة المنقوشة والقم َّ‬
‫فنىد هنا أن عثمان ﭬ وس ـ كما وس ـ عمر‪ ،‬ولكنه لم يقرب حىرات أمهات‬
‫المتمنين بما فيها حىرة عائشــة التي فيها القبر الشــريف؛ لعلمهم أنه ال ســبيل لهم إلى‬
‫ذلك حي كانت حىر نســائه في شــرقي المســىد وقبليه» ولم تكن حىرة عائشــة ڤ‬
‫وال غيرهـا من أمهـات المتمنين داخالت في المســــىـد» ‪ ،)2‬و ضك َّن بىـانـب مســــىـده‪،‬‬
‫وكان يفصـــــل بينهمـا ىدار فيـه باب‪ ،‬كان ﷺ يخر منـه إلى المســـــىد‪ ،‬وهذا أمر‬
‫معروف مقجوع به عند العلماء‪ ،‬ال خالف في ذلك بينهم» ‪.)3‬‬
‫فهنت تالح هنا أن الصـحابة ﭫ لما وسـعوا المسـىد تحاشـوا إدخال الحىرات‬
‫إلى المســـىد؛ لعلمهم بهن ال ســـبيل لهم إلى ذلك‪ .‬وما قال أحد قج أن هذا قد حد في‬
‫من الخلفاء الراشـــدين‪ ،‬وأما قول بعضـــهم‪ :‬فمســـىد النبي ﷺ وســـعه عثمان ﭬ‬
‫وأدخل في المســىد ما لم يكن منه‪ ،‬فصــارت القبور الثالثة محاجة بالمســىد‪ ،‬لم ينكر‬
‫أحد من الســـلف ذلك» ‪ ،)4‬فهو فرية على التاريإل‪ ،‬بل نىد الصـــحابة ﭫ أنكروا على‬
‫عثمان ما فعله من توســـعة في المســـىد غير فيها بهســـلوب البناء‪ ،‬وهذا يتكد حدو‬
‫دخـال الحىرات‪ ،‬ولكن لمـا حـد من المبـالغـة في البنـاء‪.‬‬ ‫مخـالفـة لعثمـان‪ ،‬ولكن لي‬
‫وقد مر معنا في الحدي السابق أسلوب عثمان في البناء‪ ،‬قال ابن حىر‪ :‬هذا يدل على‬
‫أن الســنة في بنيان المســىد القصــد وترك الغلو في تحســينه‪ ،‬فقد كان عمر م كثرة‬
‫الفتو في أيامه وســـعة المال عنده لم يغير المســـىد عما كان عليه‪ ،‬وإنما احتا إلى‬
‫تىـديـده؛ ألن ىريـد النخـل كـان قـد نخر في أيـامـه‪ ،‬ثم كـان المـال في مـان عثمـان أكثر‪،‬‬
‫فحسنه بما ال يقتضي ال خرفة‪ ،‬وم ذلك فقد أنكر بعس الصحابة عليه» ‪.)5‬‬
‫ومما يتكد ا نكار الذي حد لعثمان من الصــــحابة‪ ،‬ما أخرىه البخاري في‬
‫صـحيحه بسـنده‪ ،‬أنه سـم عثمان بن عفان يقول ‪-‬عند قول النا فيه حين بنى مسـىد‬

‫صـة بالفتح‪ :‬الى ‪ ،‬لغة‬


‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصـالة‪ ،‬باب بنيان المسـىد‪ ،‬رقم‪ .)446 /‬والق َّ‬
‫‪ .])538 /‬والســـا ‪ :‬نوع من الخشـــب‬ ‫حىا ية‪[ .‬ان ر‪ :‬مختار الصـــحا مادة قصـــ )‬
‫معروف يتتى به من الهند‪[ .‬ان ر‪ :‬فتح الباري ‪.])644 /1‬‬
‫‪.)164 /‬‬ ‫‪ )2‬الىواب الباهر‪،‬‬
‫‪ )59 ،58 /‬تحذير الساىد من اتخاذ القبور مساىد‪ ،‬لءلباني‪.‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪:‬‬
‫‪.)60 /‬‬ ‫‪ )4‬تحذير الساىد من اتخاذ القبور مساىد لءلباني‪،‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ )644 /1 :‬فتح الباري بشــر صــحيح البخاري‪ ،‬البن حىر العســقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫فتاد عبدالباقي‪ ،‬ومحب الدين الخجيب‪ ،‬وقصي محب الدين الخجيب‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪196‬‬

‫الرسـول ﷺ‪ :‬إنكم أكثرتم‪ ،‬وإني سـمعت النبي ﷺ يقول‪ :‬من بنى مسـىدًا ‪-‬قال بكير‪:‬‬
‫حسبتض أنه قال‪ -‬يبتغي به وىه هللا‪ ،‬بنى هللا لـه مثله في الىنة» ‪.)1‬‬
‫وأخر مسـلم في صـحيحه‪ ،‬أن عثمان بن عفان أراد بناء المسـىد‪ ،‬فكره النا‬
‫ذلـك‪ ،‬وأحبوا أن يـدعـه على هيئتـه‪ .‬فقـال‪ :‬ســـــمعـت رســـــول هللا ﷺ يقول‪ :‬من بنى‬
‫مسىدًا هلل بنى هللا لـه في الىنة مثله» ‪.)2‬‬
‫قال البغوي ‪ :−‬وكان المسـىد على عهد رسـول هللا ﷺ مبنيًا باللبن‪ ،‬وسـقفه‬
‫الىريد‪ ،‬وعمده خشـــب النخل‪ ،‬فلم ي د فيه أبو بكر شـــيئًا‪ ،‬و اد فيه عمر‪ ،‬وبناه على‬
‫بنيانه في عهد رســــول هللا ﷺ باللبن والىريد وأعاد عمده خشــ ـبًا‪ ،‬ثم غيره عثمان‪،‬‬
‫والقصـــ ـة‪ ،‬وىعـل عمـده من‬
‫َّ‬ ‫ف اد فيـه يـادة كثيرة وبنى ىـداره بـالحىـارة المنقوشـــــة‬
‫حىارة منقوشـــة وســـقفه بالســـا ‪ ،‬قلت‪ :‬لعل الذي كره منه الصـــحابة هذا‪ ،‬وال يىو‬
‫تنقيع المساىد بما ال إحكام فيه» ‪.)3‬‬
‫الحرم الشـريف يحتوي اان على مسـىده ﷺ وعلى بيت عائشـة التي دخل‬

‫‪‬‬
‫عليها فيه في الشهر الساب للهىرة‪ ،‬وعلى حىرات وىاته م ال يادة التي يدت‬
‫فيه‪ ،‬وكان يحيج بمسـىده الشـريف في مدته ﷺ مسـاكن وىاته وأصـحابه ﭫ فكانت‬
‫مســاكن أ واىه في الىهة الىنوبية وفي بعس الشــرقية من الحرم‪ .‬وكان يفصــل بينه‬
‫وبينها جريق عرضه خمسة أذرع‪ ،‬وكانت دار أبي أيوب األنصاري‪ ،‬ودار عثمان بن‬
‫عفان ‪ ‬في ىهة الشـرق‪ ،‬وال ت االن موىودتين إلى اان‪ ،‬وإن كانت صـورتهما قد‬
‫اختلفـت عمـا كـانـت عليـه في صـــــدر ا ســـــالم‪ ،‬وفي اويـة دار عثمـان المقـابلـة للحرم‬
‫الشــــريف حىرة‪ ،‬فيها شــــباك عليه لوحة من الخار مكتوب فيها‪ :‬مقتل عثمان بن‬
‫عفان ‪ ،»‬ويسـكن شـيإل الحرم عادة في هذه الدار ‪ ،)4‬وهذه كلها تثبت أن الحىرات‬
‫أيضــا‪ :‬ما ذكره شــيإل ا ســالم من حال‬
‫ً‬ ‫ما كانت في المســىد النبوي‪ ،‬ومما يتكد ذلك‬
‫الذين كانوا يقومون ب يارة عائشـــة ‪ ‬حي قال‪ :‬ففي حياة عائشـــة ‪ ‬كان‬ ‫النا‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصــالة‪ ،‬باب من بنى مســىدًا‪ ،‬رقم‪ ،)450 /‬ومســلم‪ ،‬كتاب الصــالة‪،‬‬
‫باب فضل بناء المساىد‪ ،‬رقم‪.)1189 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب فضل بناء المساىد‪ ،‬رقم‪.)1190 /‬‬
‫‪ )3‬شر السنة للبغوي ‪ ،)349 /2‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناتوج‪.‬‬
‫‪ ،)320 /‬تهليف‪ :‬محمد لبيب البتنوني‪.‬‬ ‫‪ )4‬الرحلة الحىا ية‪،‬‬
‫‪197‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫النا يدخلون عليها لسـماع الحدي والسـتفتائها و يارتها‪ ،‬من غير أن يكون إذا دخل‬
‫أحد يذهب إلى القبر المكرم‪ ،‬ال لصـالة وال لدعاء‪ ،‬وال غير ذلك‪ ،‬بل ربما جلب بعس‬
‫النا منها أن تريه القبور فتريه إياهن ‪.)1‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬بيان أن القبر ما كان في المسىد‪.‬‬
‫اء ما‬
‫ىر ع‬ ‫ً‬
‫حي قد يتوهم بعضــهم بهن قبره ﷺ كان أصــال في المســىد‪ ،‬من َّ‬
‫بوب لـه البخاري ‪ −‬حي قال في كتاب فضل الصالة في مسىد مكة والمدينة‪ :‬باب‬
‫فضـل ما بين القبر والمنبر‪ .‬ثم أورد قول الرسـول ﷺ‪ :‬ما بين بيتي ومنبري روضـة‬
‫من رياس الىنة» ‪.)2‬‬
‫بوب لــــــه مسـلم بنف تبويب البخاري‪ ،‬وأورد الحدي السـابق ذكره‪ ،‬ثم‬
‫كما َّ‬
‫في روايـة واحـدة القبر» قـال القرجبي ‪:− )3‬‬ ‫أورد عـدة روايـات تحـت العنوان‪ :‬لي‬
‫الصحيح من الرواية بيتي» ‪.)4‬‬
‫قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬ولف قبري ‪ ،)5‬لي في الصــحيح فإنه حينئذ لم يكن‬
‫قبرا‪ ،‬ومســــىده إنما فضــــل به؛ ألنه هو بناه وأســــســــه على التقون‪ ،‬وقد ثبت في‬
‫ً‬
‫الصـحيحين عنه أنه قال‪ :‬صـالة في مسـىدي هذا خير من ألف صـالة فيما سـواه من‬

‫‪.)165 /‬‬ ‫‪ )1‬الىواب الباهر‪،‬‬


‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب فضـل الصـالة في مسـىد مكة والمدينة‪ ،‬باب فضـل ما بين القبر والمنبر‪،‬‬
‫رقم‪ ،)1195 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما بين القبر والمنبر‪ ،‬رقم‪.)1391 /‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬أحمد بن عمر األنصاري األندلسي القرجبي‪ ،‬ولد في قرجبة األندلسية سنة ‪578‬هــ)‪ ،‬وقد‬
‫عرف بابن الم ين تتلمذ على يد أبي الحسـن اليحيى وغيره من علماء العصـر‪ ،‬من أبر تالميذه‬
‫ا مـام أبو عبـد هللا القرجبي صـــــاحـب كتـاب الىـام ألحكـام القرآن‪ .‬والتـذكرة في بيـان أحوال‬
‫مســـــلم‪ ،‬توفي ‪ −‬في عـام‬ ‫ااخرة‪ .‬من أبر كتـب ا مـام‪ :‬المفهم فيمـا أشــــكـل من كتـاب تلخي‬
‫‪1656‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬شذرات الذهب ‪ ،)473 /7‬مقدمة المفهم ‪ ،)40 ،31 /1‬ففيها ترىمة رقم وافية إن شاء‬
‫هللا]‪.‬‬
‫‪.)502 /3 )4‬‬
‫‪ )5‬هي عند ا مام أحمد ‪ )533 ،465 ،438 ،397 ،)236 /2‬وابن أبي عاصــم في الســنة ‪/2‬‬
‫‪ )339‬حدي رقم‪ )731 /‬وصححه األلباني في السنة البن أبي عاصم ‪.)325 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪198‬‬

‫المســاىد‪ ،‬إال المســىد الحرام» ‪ ،)1‬وىمهور العلماء على أن المســىد الحرام أفضــل‬
‫المساىد ‪.)2‬‬
‫وقـال الحـاف ‪ : −‬وأورد الحـديثين بلف البيـت؛ ألن القبر صـــــار في البيـت‪.‬‬
‫وقـد ورد في بعس جرقـه بلف القبر‪ ،‬قـال القرجبي‪ :‬الروايـة الصـــــحيحـة بيتي»‬
‫ويرون‪ :‬قبري» وكهنه بالمعنى؛ ألنه دفن في بيت سكناه» ‪.)3‬‬
‫قـال األلبـاني ‪ −‬في تعليقـه على روايـة قبري»‪ :‬إن المراد بـالقبر هو البيـت‪،‬‬
‫وهو الصـــــواب [يعني أن المراد بـالقبر هو البيـت] الـذي ال يرتـاب فيـه بـاحـ التفـاق‬
‫ىمي الروايــات المتقــدمــة وغيرهــا عليهــا؛ وألن القبر النبوي لم يكن موىودًا‪ ،‬وال‬
‫معروفًا عند الصــحابة إال بعد وفاته ﷺ‪ ،‬فكيف يعقل أن يحدد لهم الروضــة الشــريفة‬
‫بما بين المنبر المعروف والقبر غير المعروف» ‪ ،)4‬فالرســــول ﷺ حينما قال‪ :‬بيتي‬
‫ومنبري يخبرهم بشـيء يشـاهدوه ويحضـهم عليه‪ ،‬ولم يخبرهم بهمر غيبي حتى يتوهم‬
‫ي بالقيا الفاســـد أنه ما هناك ما يمن أن يخبرهم الرســـول ﷺ بهن ما بين‬ ‫متوهم بض عل م‬
‫قبره ومنبره روضــة من رياس الىنة كمعى ة نبوية‪ ،‬يخبرهم من خاللها بهنه ســيدفن‬
‫إخبارا بهمر سـيحد ‪ ،‬كخبر‬
‫ً‬ ‫في بيته؛ ألن األمر ح مباشـر منه ﷺ ألصـحابه‪ ،‬ولي‬
‫فتح بالد كسرن وقيصر حتى يقال‪ :‬وما الذي يمن من إخباره عن مكان قبره؟‪.‬‬
‫ولقـد تبين لنـا أن الروايـات الصـــــحيحـة اتفقـت على لف بيتي‪ ،‬ومـا تبويـب أئمـة‬
‫الحدي بلف قبري إال يضـــا أن القبر أصـــبح في البيت‪ ،‬فيعبر أحدهما بااخر‪ ،‬ال‬
‫على وىود اللف ة في أصــــل الحدي ؛ وإنما من أىل أن يفهم النا موق الروضــــة‬
‫الشريفة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬متى أضيفت الحىرة للمسىد؟‬
‫هر لنا أن المسـىد النبوي لم تضـم لــــــه الحىرات في من الصـحابة‪ ،‬وأن‬
‫الصحابة لــ َّما احتاىوا إلى توسعة المسىد‪ ،‬تحر وا من إدخال الحىرات؛ بل إن عمر‬
‫ً‬
‫فيصـــال بين أهل الحق والباجل إلى أن تقوم‬ ‫‪ ‬قال كلمه في المســـهلة التي ســـت ل‬
‫الساعة‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ال سبيل إليها» ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1190 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬رقم‪.)1399 /‬‬


‫‪.)169 ،168 /‬‬ ‫‪ )2‬الىواب الباهر‪،‬‬
‫‪ )3‬فتح الباري‪.)84 /3 ،‬‬
‫‪ )4‬السنة البن أبي عاصم‪ ،‬ومعه الل الىنة في تخريج السنة لءلباني ‪.)326 /2‬‬
‫‪.)294 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪199‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫فإ ًذا متى أضيفت الحىرات إلى المسىد؟‪.‬‬


‫قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬كانت حىرة عائشــة وســائر حىر أ واىه من ىهة‬
‫شــرقي المســىد‪ ،‬ولكن في خالفة الوليد وســ المســىد‪ ،‬وكان يىب عمارة المســىد‪،‬‬
‫وع َّمر المســىد الحرام ومســىد دمشــق وغيرهما‪ ،‬فهمر نائبه عمر بن عبد الع ي أن‬
‫يشـتري ال ضح مى مر من أصـحابها الذين ورثوا أ وا النبي ﷺ‪ ،‬وي يدها في المسـىد‪ ،‬فمن‬
‫حينئذ دخلت الحىرة في المسـىد‪ ،‬وذلك بعد موت الصـحابة بعد موت ابن عمر‪ ،‬وابن‬
‫عبا ‪ ،‬وأبي سعيد الخدري‪ ،‬وبعد موت عائشة‪ ،‬بل بعد موت عامة الصحابة‪ ،‬فلم يكن‬
‫ي أن سـعيد بن المسـيب كره ذلك ‪ .)1‬ثم قال ‪ :−‬فإن‬ ‫بقي في المدينة منهم أحد‪ ،‬وقد ضر عو م‬
‫الوليد بن عبد الملك ‪ )2‬تولى بعد موت أبيه ســـنة بضـــ وثمانين من الهىرة وكان قد‬
‫مات هتالء الصــحابة كلهم‪ ،‬وتوفي عامة الصــحابة في ىمي األمصــار‪ ،‬ولم يكن بقي‬
‫باألمصـار إال قليل ىدًا‪ ،‬مثل‪ :‬أن بن مالك بالبصـرة‪ ،‬فإنه توفي في خالفة الوليد سـنة‬
‫بضــ وتســعين‪ ،‬وىابر بن عبد هللا‪ ،‬مات ســنة ثمان وســبعين بالمدينة‪ ،‬وهو آخر من‬
‫مات بها‪ ،‬والوليد أدخل الحىرة بعد ذلك بمدة جويلة نحو عشــر ســنين‪ .‬وبناء المســىد‬
‫وإن كـان بعـد موت ىـابر‪ ،‬فلم يكن قـد بقي بـالمـدينـة أحـد» ثم قـال‪ :‬ومن ذلـك الوقـت‬
‫دخلت الحىرة في المسىد» ‪.)3‬‬
‫وقال ابن عبد الهادي‪ :‬وإنما أدخلت الحىرة في المســىد في خالفة الوليد بن‬
‫عبد الملك بعد موت عامة الصــحابة الذين كانوا بالمدينة‪ ،‬وكان من آخرهم موتًا ىابر‬
‫بن عبد هللا‪ ،‬وتوفي في خالفة عبدالملك ‪ ،)4‬فإنه توفي ســــنة ثمان وســــبعين‪ ،‬والوليد‬
‫تولى سـنة سـت وثمانين‪ ،‬وتوفي سـنة سـت وتسـعين‪ ،‬فكان بناء المسـىد وإدخال الحىرة‬
‫فيه فيما بين ذلك» ‪.)5‬‬

‫‪ ،)61 /‬في‬ ‫‪ )1‬وقد نقل ذلك ابن كثير ‪ ،)415 /12‬وان ر‪ :‬كالم األلباني في تحذير الســـاىد‪،‬‬
‫تعليقه على هذه المسهلة‪.‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬الخليفة‪ ،‬أبو العبا بن عبد الملك بن مروان بن الحكم األموي الدمشــقي‪ ،‬الذي أنشــه ىام‬
‫بني أمية‪ ،‬مات سنة ‪96‬هـ)‪ ،‬وقبره بباب الصغير‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])347 /4‬‬
‫‪-284 /‬‬ ‫‪ )3‬مختصـــر من كالم شـــيإل ا ســـالم في كتابه‪ :‬الىواب الباهر في وار المقابر»‬
‫‪.)287‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬عبـد الملـك بن مروان بن الحكم بن أبي العـا بن أميـة‪ ،‬الخليفـة الفقيـه‪ ،‬أبو الوليـد األموي‪.‬‬
‫ولد سـنة ‪ .)26‬تولى الخالفة بعد أبيه‪ ،‬وتوفي في شـوال سـنة ‪[ .)86‬ان ر‪ :‬سـير أعالم النبالء‬
‫‪.])246 /4‬‬
‫‪ ،)136 /‬لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي‪.‬‬ ‫‪ )5‬الصارم المنكي في الرد على السبكي‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪200‬‬

‫وقـال األلبـاني ‪ −‬تعـالى‪ :‬وإنمـا العمـدة على اتفـاق المترخين على أن إدخـال‬
‫الحىرة إلى المســىد كان في والية الوليد‪ ،‬وهذا القدر كافٍ في إثبات أن ذلك كان بعد‬
‫موت الصــحابة الذين كانوا في المدينة» ثم قال‪ :‬وخالصــة القول أنه لي لدينا ن‬
‫تقوم به الحىة على أن أحدًا من الصــحابة كان في عهد عملية التغيير هذه‪ ،‬فمن ادَّعى‬
‫خالف ذلك؛ فعليه الدليل» ‪.)1‬‬
‫واختلف في سبب إدخال الوليد للحىرة في المسىد‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه قد قدم الوليد بن‬
‫عبـد الملـك حـا ًىـا‪ ،‬فبينمـا هو يخجـب النـا على منبر رســـــول هللا ﷺ‪ ،‬إذ حـانـت منـه‬
‫التفاتة‪ ،‬فإذا بحسن بن الحسن بن علي بن أبي جالب في بيت فاجمة في يده مرآة ين ر‬
‫فيها‪ ،‬فلما ن ل أرســل إلى عمر بن عبد الع ي فقال‪ :‬ال أرن هذا قد بقي بعد‪ ،‬اشــتر‬
‫هذه المواض ‪ ،‬وأدخل بيت النبي ﷺ في المسىد واسدده»‪ .‬وفي رواية أخرن‪ :‬كان‬
‫ً‬
‫رىال إلى المـدينـة يـهتيـه بـهخبـار النـا ‪ ،‬ومـا يحـد‬ ‫الوليـد بن عبـد الملـك يبعـ كـل عـام‬
‫أمرا‪ ،‬ال وهللا مـا لـك معـه‬
‫بهـا‪ ،‬قـال‪ :‬فـهتـاه في عـام من ذلـك‪ ،‬فســـــهلـه‪ ،‬فقـال‪ :‬لقـد رأيـت ً‬
‫سـلجان‪ ،‬وال رأيت مثله قج‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟‪ .‬قال‪ :‬كنت في مسـىد النبي ﷺ‪ ،‬فإذا من ل‬
‫عليه كلَّة؛ فلما أقيمت الصـالة‪ ،‬رفعت الكلة وصـلى صـاحبه فيه بصـالة ا مام هو ومن‬
‫معه‪ ،‬ثم أرخيت الكلة‪ ،‬وأتي بالغداء فتغدن هو وأصحابه‪ ،‬فلما أقيمت الصالة فعل مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وإذا هو يهخذ المرآة والكحل وأنا أن ر‪ ،‬فســهلت‪ ،‬فقيل‪ :‬إن هذا حســن بن حســن‪،‬‬
‫قـال‪ :‬ويحـك! فمـا أصـــــن ؟‪ .‬هو بيتـه وبيـت أمـه‪ ،‬فمـا الحيلـة في ذلـك؟‪ .‬قـال‪ :‬ت ض يـد في‬
‫المســىد وتضدخل هذا البيت فيه‪ ،‬قال‪ :‬فكتب إلى عمر بن عبد الع ي يهمره بال يادة في‬
‫المســىد‪ ،‬ويشــتري هذا المن ل‪ ،‬قال‪ :‬فعرس عليهم أن يبتاع منهم فهبوا‪ ،‬وقال حســن‪:‬‬
‫وهللا ال نهكل لــــه ثمنًا أبدًا‪ ،‬قال‪ :‬وأعجاهم به سبعة آالف دينار أو ثمانية‪ ،‬فهبوا‪ ،‬فكتب‬
‫إلى الو ليـد بن عبـدالملـك في ذلـك فـهمره بهـدمـه وإدخـالـه‪ ،‬وجر الثمن في بيـت المـال‪،‬‬
‫ففعل» ‪.)2‬‬
‫وذكر ابن كثير ذلــك فقــال‪ :‬قــدم كتــاب الوليــد على عمر بن عبــد الع ي‬
‫بالمدينة‪ ،‬يهمره بهدم المســىد النبوي‪ ،‬وإضــافة حىر أ وا رســول هللا ﷺ فيه‪ ،‬وأن‬
‫يوســعه من قبلته وســائر نواحيه‪ ،‬حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع‪ ،‬فمن باعك‬
‫ملكه‪ ،‬فاشتر منه‪ ،‬وإال فقومه لــه قيمة عدل‪ ،‬ثم اهدم وادف إليهم أثمان بيوتهم‪ ،‬فإن لك‬
‫في ذلك سـلف صـدق‪ ،‬عمر وعثمان‪ ،‬فىم عمر بن عبد الع ي وىوه النا والفقهاء‬

‫‪.)60 /‬‬ ‫‪ )1‬تحذير الساىد‪،‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬وفاء الوفا بهخبار دار المصجفى نور الدين علي بن أحمد السمهودي ‪.)514 /2‬‬
‫‪201‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫العشــرة أهل المدينة ‪ ،)1‬وقرأ عليهم كتاب الوليد‪ ،‬فشــق عليهم ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه حىر‬
‫قصــــيرة الســــقوف‪ ،‬وســــقوفها من ىريد النخل‪ ،‬وحيجانها من اللبن‪ ،‬وعلى أبوابها‬
‫المســـو ‪ ،‬وتركها على حالها أولى؛ لين ر إليها الحىا وال وار والمســـافرون‪ ،‬إلى‬
‫بيوت النبي ﷺ فينتفعوا بـذلـك ويعتبروا بـه‪ ،‬ويكون ذلـك أدعى لهم إلى ال هـد في‬
‫يعمرون فيها إال بقدر الحاىة‪ ،‬وهو ما يستر ويكن‪ ،‬ويعرفون أن هذا البنيان‬ ‫الدنيا‪ ،‬فال ع‬
‫العالي إنما هو من أفعال الفراعنة واألكاسـرة‪ ،‬وكل جويل األمل راغب في الدنيا وفي‬
‫الخلود فيها‪ ،‬فعند ذلك كتب عمر بن الع ي إلى الوليد بما أىم عليه الفقهاء العشـــرة‬
‫المتقدم ذكرهم‪ ،‬فهرســــل إليه يهمره بالخراب وبناء المســــىد على ما ذكر‪ ،‬وأن يعلي‬
‫سـقوفه‪ .‬فلم يىد عمر بدًا من هدمها‪ ،‬ولما شـرعوا في الهدم‪ ،‬صـا األشـراف ووىهاء‬
‫النا من بني هاشـم وغيرهم‪ ،‬وتباكوا مثل يوم مات النبي ﷺ‪ ،‬فهىاب من لــــــه ملك‬
‫متاخم للمســـىد إلى بيعه‪ ،‬فاشـــترن منهم عمر‪ ،‬وشـــرع في بنائه وشـــمر عن إ اره‪،‬‬
‫واىتهـد في ذلـك‪ ،‬وىـاءتـه فعول كثيرة من قبـل الوليـد‪ ،‬فـهدخـل فيـه الحىرة النبويـة ‪-‬‬
‫حىرة عائشـة‪ -‬فدخل القبر في المسـىد‪- ،‬وكان حده من الشـرق‪ -‬وسـائر حىر أمهات‬
‫المتمنين‪ ،‬كما أمر الوليد ‪.)2‬‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬رد دعون عدم ا نكار على الوليد‪.‬‬
‫لما قام الوليد بتوســعة المســىد‪ ،‬عم البعس بهنه لم يحد إنكار‪ ،‬والرد على‬
‫هذه من وىوه‪:‬‬
‫‪ )1‬دعون عدم ا نكار ليســـت بصـــحيحة؛ ألن إنكاره يحتا إلى دليل‪ ،‬وم‬
‫ذلك فقد نقل المترخون أنه قد حد إنكار من ســــعيد بن المســــيب حي قال‪ :‬وهللا‬
‫لوددت أنهم تركوها على حالها ‪ ،)3‬وقد أورد شـيإل ا سـالم ‪ −‬إنكار سـعيد‪ ،‬لبيان عدم‬
‫تواىـد الصــــحـابـة في ذلـك الوقـت حيـ قـال‪ :‬فلهـذا لم يتكلم فيمـا فعلـه الوليـد‪ ،‬هـل هو‬
‫أىل‬
‫ىائ أو مكروه؟ إال التابعون‪ :‬كسـعيد بن المسـيب وأمثاله‪ ،‬وكان سـعيد إذ ذاك من ع‬
‫التابعين‪ ،‬قيل ألحمد بن حنبل‪ :‬أي التابعين أفضـل؟» قال‪ :‬سـعيد بن المسـيب‪ ،‬فقيل‬

‫‪ )1‬وقال علي بن المديني عن يحيى بن ســعيد القجا‪ :‬كان فقهاء المدينة عشــرة‪ ،‬قلت ليحيى‪ :‬عدهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬ســـعيد بن المســـيب‪ ،‬وأبو ســـلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬والقاســـم‪ ،‬وســـالم‪ ،‬وعروة بن ال بير‪،‬‬
‫وسـليمان بن يسـار‪ ،‬وعبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة‪ ،‬وقتيبة بن ذتيب‪ ،‬وأبان بن عثمان‪ ،‬وخارىه‬
‫بن يد بن ثابت‪[ .‬ان ر‪ :‬تهذيب الكمال في أســـماء الرىال ‪ ،)17 /2‬للحاف ىمال بن يوســـف‬
‫الم ي]‪.‬‬
‫‪ )2‬البداية والنهاية ‪413 /12‬ـ ‪.)414‬‬
‫‪ .)372 /‬وان ر‪ :‬وفاء الوفا ‪.)517 /2 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪:‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪202‬‬

‫لــــه‪ :‬فعلقمة ‪ )1‬واألسود ‪)2‬؟ فقال سعيد بن المسيب‪ :‬علقمة واألسود هذان كانا قد ماتا‬
‫قبل ذلك بمدة ‪.)3‬‬
‫وفي رواية‪ :‬أن أحمد قال‪ :‬أفضــل التابعين‪ :‬ســعيد بن المســيب‪ ،‬فقال له رىل‪:‬‬
‫أيضـا لما سـئل عنه‪:‬‬
‫ً‬ ‫فعلقمة واألسـود‪ .‬فقال‪ :‬سـعيد بن المسـيب وعلقمة واألسـود‪ .‬وقال‬
‫ومن مثل ســعيد بن المســيب‪ ،‬ثقة من أهل الخير‪ .‬ثم قال‪ :‬إذا لم يقبل ســعيد عن عمر‪،‬‬
‫فمن يقبل؟!‪.‬‬
‫وقال علي بن المديني ‪ :)4‬ال أعلم في التابعين أحدًا أوسـ عل ًما من سـعيد بن‬
‫المســـيب‪ ،‬وإذا قال ســـعيد‪ :‬مضـ ـت الســـنة‪ .‬فحســـبك به»‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهو عندي أى نل‬
‫التابعين» ‪.)5‬‬
‫فـهنـت تالح هنـا أن أعلى النـا في منـه وأىلهم عل ًمـا‪ ،‬قـد أنكر‪ ،‬بـل وردت‬
‫رواية بهن الحسـن بن الحسـن‪ ،‬وفاجمة بنت الحسـين أبوا أن يخرىوا منه‪ ،‬فهرسـل إليهم‬
‫الوليـد بن عبـد الملـك‪ :‬إن لم تخرىوا منـه هـدمتـه عليكم‪ ،‬فـهبوا أن يخرىوا‪ ،‬فـهمر بهـدمـه‬
‫عليهم‪ ،‬وهما فيه وولدهما‪ ،‬فن ع أســـا البيت وهم فيه‪ ،‬فلما ن ع أســـا البيت قالوا‬
‫لهم‪ :‬إن لم تخرىوا قوضــــناه عليكم‪ ،‬فخرىوا منه» ‪ ،)6‬وقد يفهم من هذه الرواية بهن‬
‫رفضــهما للخرو بســبب اعتراضــهم على هدم دارهم‪ ،‬ولكن ال ن بهما أنه اعتراس‬
‫على هدم الحىرات‪ ،‬فال يمكنهما أن يعرضــــا نفســــيهما للهالك من أىل الدنيا‪ ،‬وقال‬
‫معترضــا على من ادعى عدم ا نكار‪ :‬وما أدراكم بذلك؟! فإن من‬‫ً‬ ‫األلباني ‪ −‬تعالى‬
‫أصـعب األشـياء على العقالء إثبات نفي شـيء يمكن أن يق ولم يضعلم‪ ،‬كما هو معروف‬
‫عند العلماء؛ ألن ذلك يســـتل م االســـتقراء التام وا حاجة به لما ىرن‪ ،‬وما قيل حول‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬علقمـة بن قي النخعي‪ ،‬ولـد في حيـاة النبي ﷺ‪ ،‬رون عن ىم م الصــــحـابـة‪ ،‬قـال عنـه‬
‫أحمد‪ :‬ثقة من أهل الخير»‪ .‬توفي في خالفة ي يد بن معاوية سـنة إحدن وسـتين‪[ .‬ان ر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال ‪ ،)300 /20‬وسير أعالم النبالء ‪.])61 - 53 /4‬‬
‫‪ )2‬األسـود هو‪ :‬األسـود بن ي يد بن قي ‪ ،‬ا مام القدوة‪ ،‬أبو عمرو النخعي الكوفي‪ ،‬وكان مخضـر ًما‬
‫ً‬
‫أقواال‪ ،‬أرىحها‪ ،‬سـنة خم وسـبعين‬ ‫أدرك الىاهلية وا سـالم‪ ،‬وقد نقل العلماء في وفاة األسـود‬
‫وهللا يرحمه‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])53 -50 /4‬‬
‫‪.)287 ،286 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬الىواب الباهر‪،‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬علي بن عبد هللا بن ىعفر بن نىيح بن المديني البصــــري مولى عروة بن عجية‪ ،‬إمام من‬
‫ً‬
‫تبىيال لــــــه‪ .‬من أبر تالمذته ا مام البخاري‪ .‬ولد‬ ‫أئمة الحدي ‪ ،‬كان أحمد ال يسـميه إنما يكنيه‬
‫سنة ‪161‬هـ)‪ ،‬وتوفي ‪ −‬سنة ‪234‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])60 -41 /11‬‬
‫‪ )5‬تهذيب الكمال ‪.)73 /11‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬وفاء الوفا بهخبار دار المصجفى ‪.)514 ،513 /2‬‬
‫‪203‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الحـادثـة التي يتعلق األمر المراد نفيـه عنهـا‪ ،‬وأنى لمثـل هـذا البعس المشـــــار إليـه أن‬
‫يفعلوا ذلك لو اســتجاعوا‪ ،‬ولو أنهم راىعوا بعس الكتب لهذه المســهلة؛ لما وقعوا في‬
‫تلك الىهالة الفاضـــحة‪ ،‬ولوىدوا ما يحملهم على أن ال ينكروا ما لم يحيجوا بعلمه‪ .‬ثم‬
‫كثيرا صــحة هذه الرواية‪ ،‬أو‬ ‫أورد إنكار ســعيد الذي مر معنا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنا ال يهمني ً‬
‫عدم صــحتها؛ ألننا ال نبني عليها حك ًما شــرعيًا‪ ،‬لكن ال ن بســعيد بن المســيب وغيره‬
‫من العلمـاء الـذين أدركوا ذلـك التغيير‪ ،‬أنهم أنكروا ذلـك أشـــــد ا نكـار؛ لمنـافـاتـه تلـك‬
‫األحادي المتقدمة منافاة بينة‪ ،‬وخاصــــة منها رواية عائشــــة التي تقول‪ :‬فلوال ذاك‬
‫أبر قبره‪ ،‬غير أنه خشــي أن يتخذ مســىدًا» ‪ )1‬فما خشــي الصــحابة ﭫ قد وق ‪-‬م‬
‫األســف الشــديد‪ -‬بإدخال القبر في المســىد‪ ،‬إذ ال فارق بين أن يكونوا دفنوه ﷺ حين‬
‫مات في المســـىد‪ ،‬وحاشـــاهم عن ذلك‪ ،‬وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في‬
‫المســـىد بتوســـيعه‪ ،‬فالمح ور حاصـــل على كل حال‪ .‬ثم قال‪ :‬ويتيد هذا ال ن أن‬
‫ســعيد بن المســيب أحد رواة الحدي الثاني كما ســبق‪ ،‬فهل الالئق بمن يعترف بعلمه‬
‫وفضــــلـه وىرأتـه في الحق أن ي ن بـه أنـه أنكر على من خـالف الحـديـ الـذي هو أحـد‬
‫رواته‪ ،‬أم أن ينســــب إليه عدم إنكاره ذلك‪ .‬كما عم هتالء المشــــار إليهم حين قالوا‪:‬‬
‫اهرا ‪-‬لو‬
‫ً‬ ‫لمن ينكر أحد من الســـلف ذلك»! والحقيقة أن قولهم هذا يتضـــمن جعنًا‬
‫كانوا يعلمون‪ -‬في ىمي السلف؛ ألن إدخال القبر إلى المسىد منكر اهر عند كل من‬
‫علم بتلك األحادي المتقدمة وبمعانيها‪ ،‬ومن المحال أن ننسب إلى ىمي السلف ىعلهم‬
‫بـذلـك فهم‪ ،‬أو على األقـل بعضـــــهم يعلم ذلـك يقينًـا‪ ،‬وإذا كـان األمر كـذلـك؛ فال بـد من‬
‫القول بـهنهم أنكروا ذلـك‪ ،‬ولو لم نقف فيـه على ن ؛ ألن التـاريإل لم يحف لنـا كـل مـا‬
‫غفرا» ‪ ،)2‬وهـب أنـه لم ينقـل ا نكـار‬ ‫وق ‪ ،‬فكيف يقـال‪ :‬إنهم لم ينكروا ذلـك؟! اللهم ً‬
‫أحد‪ ،‬فإن المعتمد هو قول الرســول ﷺ وكون ما يخالف الرســول ﷺ يحد ‪ ،‬ثم ال‬
‫مصــدرا من مصــادر األدلة الشــرعية ثبات‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دليال شــرعيًا‪ ،‬و‬ ‫ينكر فعدم ا نكار لي‬
‫صحة الفعل وعدمه‪.‬‬
‫* المجلب الســـاد ‪ :‬إثبات االحتياجات التي حدثت في عهد الوليد تحاشـ ـيًا من إدخال‬
‫الحىرة في المسىد‪.‬‬
‫التوسـعة التي حدثت في عهد الوليد لم تدخل الحىرات في وسـج المسـىد‪ ،‬بل‬
‫عملوا احتياجات تمن أن ي هر في المسـىد‪ .‬قال النووي ‪ :−‬ولما احتاىت الصـحابة‬

‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪.)62 /‬‬ ‫‪ )2‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪204‬‬

‫ﭫ‪ ،‬والتابعون إلى ال يادة في مســىد رســول هللا ﷺ حين كثر المســلمون‪ ،‬وامتدت‬
‫مـدفن‬ ‫يـادة إلى أن دخلـت بيوت أمهـات المتمنين فيـه‪ ،‬ومنهـا حىرة عـائشـــــة ‪‬‬ ‫ال‬
‫رســول هللا ﷺ‪ ،‬وصــاحبيه أبي بكر وعمر بنوا على القبر حيجانًا مرتفعة مســتديرة‬
‫حولـه؛ لئال ي هر في المســــىـد فيصـــــلي إليـه العوام‪ ،‬ويتدي إلى المحـذور‪ ،‬ثم بنوا‬
‫ىـدارين من ركني القبر الشــــمـاليين‪ ،‬وحرفوهمـا حتى التقيـا؛ حتى ال يتمكن أحـد من‬
‫اسـتقبال القبر‪ ،‬ولهذا قال في الحدي ‪ :‬ولوال ذلك ألبر قبره‪ ،‬غير أنه خشـي أن يتخذ‬
‫مسىدًا» ‪ .)1‬وهللا تعالى أعلم بالصواب) ‪.)2‬‬
‫ولعل قصــــد النووي ‪ −‬بقوله‪ :‬الصــــحابة» أي ب من الصــــحابة) ال أن‬
‫الصـحابة قد أمروا بذلك أو أقروه» أو أنهم كانوا متواىدين في المدينة؛ ألن الحقائق‬
‫التاريخية تثبت أن الفعل كان بهمر الخليفة الوليد‪ ،‬أو لعل النووي ‪ −‬موهعم في المسـهلة‪،‬‬
‫والشاهد أنه ‪ −‬قد بيَّن ما فعل من احتياجات تمن أن تكون الحىرة في داخل المسىد؛‬
‫س َّد بابها‪ ،‬وبضنع م‬
‫ي عليها حائج آخر‪ ،‬صيانة لـــه ﷺ‪،‬‬ ‫ألن الحىرة لما أدخلت في المسىد ض‬

‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬النووي بشـر مسـلم ‪ )17 /5‬وقد علق األلباني ‪ −‬على قول النووي‪ :‬ولما احتاىت الصـحابة‬
‫والتابعون إلى ال يادة في مسـىد الرسـول ﷺ » بقوله‪ :‬لعل مسـتنده ما رواه أبو عبد هللا الرا ي‬
‫في مشــيخته ‪ )218 /1‬عن محمد بن الربي الىي ي‪ :‬توفي ســهل بن ســعد بالمدينة وهو ابن‬
‫مئة ســنة‪ ،‬وكانت وفاته ســنة إحدن وتســعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصــحاب النبي ﷺ‪.‬‬
‫لكن الىي ي هـذا لم أعرفـه ثم هو معضـــــل‪ ،‬وقـد ذكر مثلـه الحـاف ابن حىر في ا صـــــابـة ‪/2‬‬
‫أيضـــا أو مرســـل‪ ،‬ثم عقبه بقوله‪ :‬وقيل قبل ذلك‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ ،)87‬عن ال هري من قوله‪ ،‬فهو معضـــل‬
‫و عم ابن أبي داود أنه مات با سكندرية»‪ ،‬وى م في التقريب أنه مات سنة ‪ ،)88‬فاهلل أعلم‪.‬‬
‫وخالصدددة القول‪ :‬إنه لي لدينا ن تقوم به الحىة على أن أحدًا من الصـــحابة كان في عهد عملية‬
‫التغيير هذه‪ ،‬فمن ادعى خالف ذلك فعليه الدليل‪ ،‬فما ىاء في شـر مسـلم ‪ )14 ،13 /5‬أن ذلك‬
‫كان في عهد الصــحابة‪ ،‬لعل مســتنده تلك الرواية المعضــلة أو المرســلة‪ ،‬وبمثلها ال تقوم حىة‪،‬‬
‫على أنها أخ من الدعون‪ ،‬فإنها لو صـــحت إنما تثبت وىود واحد من الصـــحابة حينذاك‪ ،‬ال‬
‫الصحابة)»‪.‬‬
‫‪.])60 /‬‬ ‫[ان ر‪ :‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪205‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫أن يتخذ بيته عيدًا وقبره وثنًا‪ ،‬كما قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬بنوا عليها حائ ً‬
‫جا وســنموه‬
‫وحرفوه؛ لئال يصل أحد إلى قبره المكرم» ‪.)1‬‬
‫قال الحاف ‪ :−‬ولما ضو عســـ م المســـىد ىعلت حىرتها ‪-‬يعني عائشـــة‪ -‬مثلثة‬
‫يصلي إلى ىهة القبر م استقبال القبلة ‪.)2‬‬
‫ع‬ ‫الشكل محددة؛ حتى ال يتهتى ألحد‪ ،‬أن‬
‫أيضـــا ى ًء من حىرة عائشــــة أدخله في‬‫ً‬ ‫وقال في مرآة الحرمين‪ :‬واقتج‬
‫المسـىد النبوي‪ ،‬وذلك من ىهة الروضـة وأقام على الحىرة ذلك البناء الخماسـي الذي‬
‫ً‬
‫عدوال به سـنن الكعبة حتى ال يتخذه النا‬ ‫تسـدل عليه الكسـوة اليوم‪ ،‬ولم يىعله مربعًا‬
‫قبلة» ‪.)3‬‬
‫وقال األلباني ‪ :−‬فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المســىد النبوي‬
‫الشريف احتاجوا لءمر شيئًا ما‪ ،‬فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم» ‪.)4‬‬
‫وقال الشــيإل صــالح الفو ان ‪-‬حف ه هللا‪ :-‬إن النبي ﷺ لم يدفن في المســىد‪،‬‬
‫وإنما دفن في بيته خار المســىد‪ ،‬والحكمة في ذلك ما ذكرته أم المتمنين أنه خشــي‬
‫أن يضتِخمذ مســـىدًا‪ ،‬فالبيت منفرد عن المســـىد‪ ،‬وفي مع ل عن المســـىد‪ ،‬وإنما أضد عِخل‬
‫البيت في المســـىد بعد عهد الخلفاء الراشـــدين في وقت الوليد بن عبد الملك؛ لما أراد‬
‫أن يوسـ المســىد ع َّمم التوســعة من ىهة المشــرق‪ ،‬فهدخل حىرة النبي ﷺ‪ ،‬ولم يكن‬
‫هذا بمشـورة أهل العلم‪ ،‬وإنما هذا عمل الخليفة بدون مشـورة أهل العلم‪ ،‬ولكن م هذا‬
‫فالبيت ال ي ال على شــكله وحيا ته‪ ،‬والمســىد ال ي ال على وضــعه والحمد هلل‪ ،‬وما‬
‫يحصل من النا ال ضى َّهال إنما يكون في مسىد الرسول ﷺ ولي عند القبر؛ ألن القبر‬
‫بعيد عنهم‪ ،‬ومصــــون عنهم‪ ،‬وال يرونه‪ ،‬ولهذا لما دعا النبي ﷺ ربه قال‪ :‬اللهم ال‬
‫تىعل قبري وثنًا يضعبد» اســتىاب هللا دعاءه‪ ،‬وصــانه في بيته‪ ،‬ولهذا يقول العالمة ابن‬
‫القيم‪:‬‬
‫وأحاجه بثالثة الىدران‬ ‫***‬ ‫فهىاب رب العالمين دعاءه‬
‫يعني‪ :‬صـــار القبر داخل الىدران‪ ،‬فال يضرن أبدًا‪ ،‬وذلك صـــيانة له عن الغلو‬
‫عليه الصالة والسالم ‪.)5‬‬

‫‪.)172 /‬‬ ‫‪ )1‬الىواب الباهر‪،‬‬


‫‪ )2‬الفتح ‪.)238 /3‬‬
‫‪ )3‬مرآة الحرمين ‪ ،)463 /1‬اللواء إبراهيم رفعت باشا‪.‬‬
‫‪.)65 /‬‬ ‫‪ )4‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪ )5‬إعانة المستفيد بشر كتاب التوحيد‪ ،‬صالح الفو ان ‪.)402 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪206‬‬

‫* المجلب الساب ‪ :‬القبة التي فوق قبر النبي ﷺ ‪.‬‬


‫من الحىج التي يحتج بهـا من يرن البنـاء على القبور‪ ،‬القبـة التي فوق قبره‬
‫ﷺ‪ ،‬والىواب على هذه الشبهة بما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن العبرة بفعلـه ﷺ وقولـه‪ ،‬ولقـد نهى ﷺ عن البنـاء على القبور‪ ،‬فلو‬ ‫ً‬
‫خـالف من خـالف؛ لمـا كـان فعلـه حىـة‪ ،‬فـإذا ضو عىـ مد الن بجـل االىتهـاد‪ ،‬فال اىتهـاد م‬
‫الن ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لما وســـ الصــــحابة المســــىد كما مر معنا‪ ،‬اىتنبوا الحىرات‪ ،‬وعلى‬
‫رأســها حىرة عائشــة المســىى فيها الىســد الجاهر‪ ،‬والقبر المكرم‪ ،‬فلم يمســوها ولم‬
‫يغيروا من وضعها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عندما أخجه الوليد بن عبد الملك ومن وافقه بضم الحىرات إلى المسىد‪،‬‬
‫أيضـا ‪-‬م أن أسـا فعلهم خجه‪ ،-‬حي وضـعوا سـيا ًىا وحرفوا القبر تحر ً ا‬ ‫ً‬ ‫احتاجوا‬
‫َّ‬
‫صلى إليه‪.‬‬ ‫من أن يض م‬
‫ســالم ‪−‬‬ ‫واســتمر الوض ـ على ما هو عليه حتى حد الحريق‪ ،‬قال شــيإل ا‬
‫ت حىرته على عهد التابعين ‪-‬بهبي هو وأمي‪ -‬ﷺ‪ ،‬تركوا في أعالها‬ ‫تعـالى‪ :‬ولمـا بض عن ميـ ِ‬
‫‪)1‬‬
‫كوة إلى الســـماء‪ ،‬وهي إلى اان باقية فيها‪ ،‬موضـــوع عليها مشـــم ‪ ،‬على أجرافه‬
‫‪)2‬‬
‫حىارة تمســكه‪ ،‬وكان الســقف بار ً ا إلى الســماء‪ ،‬وبضني كذلك لما احترق المســىد‬
‫والمنبر سـنة بضـ وخمسـين وسـتمئة ‪ ،)3‬و هرت النار بهرس الحىا التي أضـاءت‬
‫لهـا أعنـاق ا بـل عببضصـــــرن ‪ ،)4‬وىرت بعـدهـا فتنـة التتـار ببغـداد ‪ .)5‬وغيرهـا‪ ،‬ثم ض‬
‫ع عم مر‬
‫المسـىد والسـقف كما كان‪ ،‬وأضح عد م حول الحىرة الحائج الخشـبي‪ ،‬ثم بعد ذلك بسـنين‬
‫متعددة بنيت القبة على السقف‪ ،‬وأنكرها من كره» ‪.)6‬‬
‫قال صـاحب وفاء الوفا)‪ :‬احترق المسـىد في سـنة ‪654‬هــــــ)‪ ،‬حي دبت‬
‫ال نار في الســقف بســرعة وأحرقته بســرعة مذهلة‪ ،‬حتى لم تبق خشــبة واحدة‪ ،‬وتلف‬

‫‪ )1‬المشم ‪ :‬هو ما عولج بالشم من النسيج ونحوه‪ ،‬المعىم الوسيج‪ ،‬مادة شم ‪.‬‬
‫‪ )2‬ذكرها ابن كثير في البداية في حواد ‪654‬هـ)‪.)187 /13 ،‬‬
‫‪ )3‬ذكرها ابن كثير في حواد ‪654‬هـــ) ‪ ،)193 /13‬وهي من معى ات الرسول ﷺ حي قال‪:‬‬
‫ال تقوم الساعة حتى تخر نار من أرس الحىا تضيء أعناق ا بل ببصرن»‪.‬‬
‫‪ )4‬أخرىه البخاري رقم‪ ،)7118 /‬ومسلم رقم‪[ .)2902 /‬ان ر‪ :‬ابن كثير حواد ‪654‬هـ)]‪.‬‬
‫‪ )5‬تحـد ابن كثير عن دور التتـار في إنهـاء الخالفـة العبـاســــيـة في البـدايـة ‪)204 - 200 /13‬‬
‫حواد ‪656‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )6‬االقتضاء ‪.)685 /2‬‬
‫‪207‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ىمي مـا احتون عليـه المســــىـد الشـــــريف من المنبر النبوي‪ ،‬واألبواب‪ ،‬والخ ائن‪،‬‬
‫وىمي ما في المسـىد‪ .‬وقد علل بعس أهل العلم أن ذلك بسـبب تلك ال خارف‪ ،‬وأورد‬
‫بعضهم أبياتًا فقال‪:‬‬
‫لم يددددددد دحد دترق حرم النبي *** يخشدددى عليه وما به من‬
‫عار‬
‫ِ‬ ‫لريب ٍة‬
‫لددكددنددده أيددددي الددروافددض *** تدلدددك الدرسدددددوم فدطدهرت‬
‫بالنار‬ ‫ست‬ ‫َم َ‬
‫ووردت بلف ‪:‬‬
‫لم يدددددددددددددحترق حرم النبي *** يخشدددددى عليده و دفداء‬
‫العار‬ ‫لحادث‬
‫النار‬
‫ُ‬ ‫ست *** ذاك الجناب فطهرته‬ ‫لكنما أيدي الروافض َم َ‬
‫وأورد بعدها بيتين آخرين هما‪:‬‬
‫قل للروافض بالمدينة مدددا بكم *** لددقيادكم للذم كدل سدددايه‬
‫محرقا *** إ لددددددسبكم الصددددددحابة‬ ‫ّ‬ ‫ما أصب الحرم الشريف‬
‫فيه‬
‫وهذا يعود ألن االسـتيالء على المسـىد والمدينة‪ ،‬كان في ذلك ال مان للشـيعة‪.‬‬
‫وكـان القـاضـــــي والخجيـب منهم‪ ،‬فحـاول بعس الخلفـاء إىراء بعس ا صـــــالحـات‪،‬‬
‫واســـتمر الوضــ على ما هو عليه بال قبة؛ ألن القبة لم تكن قبل حريق المســـىد وما‬
‫بعده على الحىرة الشريفة قبة واستمر على هذا الوض حتى سنة ‪678‬هـــــ) في أيام‬
‫الملك المنصـور قالوون الصـالحي‪ ،‬فعمل تلك القبة‪ ،‬وكانت رقاء اللون‪ ،‬وهي مربعة‬
‫وســ عم مر عليها‬ ‫من أســفلها مثمنة من أعالها بهخشــاب أقيمت على رتو الســواري‪ ،‬ض‬
‫ألوا من خشــب‪ ،‬ومن فوقها ألوا الرصــا ‪ ،‬وفيها جاقة إذا أبصــر الشــخ منها‬
‫رأن سـقف المسـىد األسـفل الذي فيه الجابق‪ ،‬وعليه المشـم المتقدم ذكره‪ ،‬وحول هذه‬
‫القبة على ســقف المســىد ألوا رصــا مفروشــة فيما قرب منها‪ ،‬ويحيج به وبالقبة‬
‫ضـا بين السـقفين شـباك خشـب‬ ‫دراب ين من الخشـب ىعل مكان الح ير ااىر‪ ،‬وتحته أي ً‬
‫ت هذه‬ ‫يحكيه محيج بالســقف الذي فيه الجابق‪ ،‬وعليه المشــم المتقدم ذكره‪ .‬وقد ضى عد مد ِ‬
‫القبة في أيام الملك الناصــر حســن بن محمد بن قالوون‪ ،‬فاختلت األلوا الرصــا‬
‫ت» ‪.)1‬‬ ‫ت وأضحِ عك مم ِ‬
‫عن وضعها‪ ،‬فخشوا من كثرة األمجار‪ ،‬ف ضى عد مد ِ‬

‫‪ )1‬وفاء الوفاء ‪ ،)610 ،598 /2‬بتصرف واختصار‪.‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪208‬‬

‫واســتمر الوض ـ م بعس التعديالت والتغييرات اليســيرة التي يقوم بتعديلها‬


‫وترميمها حكام المسـلمين‪ ،‬و لت القبة تحمل اللون األ رق حتى ىاء السـلجان محمود‬
‫بن الســلجان عبد الحميد ‪ )1‬فهمر بتىديدها فهدم أعاليها وأ ض ععيد بناتها متقنًا وذلك ســنة‬
‫‪ 1233‬هــــــ)‪ ،‬ثم أمر بصـبغها فصـبغت باللون األخضـر وكان لونها قبل أ رق لون‬
‫الرصــا الذي عليها‪ ،‬ثم صــارت تصــبغ باللون نفســه كلما خســف ســابقه من تهثير‬
‫الشم ‪.)2‬‬
‫قال ا مام الصــنعاني‪ :‬فإن هذه القبة لي بناتها منه ﷺ‪ ،‬وال من أصــحابه‬
‫وال من تـابعيهم‪ ،‬وال من تـابعي التـابعين‪ ،‬وال من علمـاء أمتـه وأئمـة ملتـه‪ ،‬بـل هـذه القبـة‬
‫المعمولــة على قبره ﷺ من أبنيــة بعس ملوك مصـــــر المتــهخرين‪ ،‬وهو قالوون‬
‫الصالحي‪ ،‬المعروف بالملك المنصور في سنة ثمان وسبعين وستمئة» ‪.)3‬‬
‫وبهـذا يتضـــــح لنـا أن بنـاء القبـة إنمـا حـد في عهـد أحـد الخلفـاء الىهـال‪ ،‬وهو‬
‫قالوون الذي هر بهن فعله ذلك من ىراء ىهله وتهثره بما رآه في مصــــر والشــــام‪.‬‬
‫وهذا مشــــابه لما فعله الوليد بن عبد الملك الذي قام بالبناء األول وتهثر بالنصــــارن‪.‬‬
‫ومما يتكد ذلك ما ذكره بعس المترخين مما ىرن بين الخليفة الوليد وأبان بن عثمان‬
‫قال صـــاحب وفاء الوفاء)‪ :‬حي قدم الوليد إلى الحج‪ ،‬وىعل يجوف في المســـىد‪،‬‬
‫وين ر إليه ويصــيح بعمر‪ :‬هاهنا‪ ،‬ومعه أبان بن عثمان‪ ،‬فلما اســتنفذ الوليد الن ر إلى‬
‫المســــىـد‪ ،‬التفـت إلى أبـان ‪ ، )4‬وقـال‪ :‬أين بنـاتنـا من بنـائكم؟ قـال أبـان‪ :‬إنـا بنينـاه بنـاء‬
‫المساىد‪ ،‬وبنيتموه بناء الكنائ ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬هو‪ :‬السلجان العثماني محمود الثاني ابن السلجان عبد الحميد األول تولى الحكم عام ‪1223‬هـ)‬
‫وعمره أرب وعشــرون ســنةً واســتمر حتى عام ‪1255‬هــــــ) وكانت فترة حكمه اثنين وثالثين‬
‫عا ًما‪ ،‬كان أول من غير ال ي ا ســالمي الســائد في البالد‪ ،‬فلب ال ي األوربي وفرضــه على‬
‫الىيع كمـا خل العمـامـة وأبـدلهـا بجربوع‪ .‬ان ر‪ :‬الـدولـة العثمـانيـة‪ ،‬عوامـل النهوس وأســــبـاب‬
‫‪.)555 ،541 /‬‬ ‫السقوج‪ ،‬لعلي محمد الصالبي‬
‫‪ )2‬مرآة الحرمين ‪.)474 /1‬‬
‫‪.)62 /‬‬ ‫‪ )3‬تجهير االعتقاد عن أدران ا لحاد للصنعاني‪،‬‬
‫‪ )4‬هو‪ :‬أبان بن عثمان بن عفان القرشـي األموي والدته بنت عبد هللا بن عامر ضك مر ِي ‪ ،‬قال عنه عبد‬
‫الحكيم بن فروة عن عمر بن شــــعيب‪ :‬ما رأيت أحدًا أعلم بحدي وال فقه منه‪ ،‬توفي في ســــنة‬
‫‪105‬هـ) بعد ما أصابه الفالج‪.‬‬
‫[ان ر‪ )16 /2 :‬تهذيب الكمال في أسماء الرىال للحاف الم ي]‪.‬‬
‫‪ )5‬وفاء الوفاء ‪.)523 /2‬‬
‫‪209‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وبهذا يتضـــح لنا أن هذا العمل الشـــني والمنكر الف ي من بناء القبة لي هو‬
‫من عمل الصــــحابة‪ ،‬بل ولي من عمل أهل القرون الفاضــــلة‪ ،‬وال من عمل األئمة‬
‫المهتدين؛ بل هو من صن الملوك الىاهلين الذين يصدق فيهم قول ابن المبارك‪:‬‬
‫وما أفسد الدين إ الملوك *** وأحبدار سدوء ورفباندها‬
‫رابعًا‪ :‬ولولي أمر المســـلمين إعادة الوضـ ـ إلى ما كان عليه في عهد النبوة‪،‬‬
‫وإ الة ال خارف والنقوع التي في المســاىد‪ ،‬متى رأن المصــلحة تقتضــي ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يترتـب على ذلـك فتنـة أكبر؛ فـإن ترتـب عليـه فتنـة أكبر فلولي األمر التريـ م الع م‬
‫على اسـتغالل الفرصـة متى سـنحت‪ ،‬ومما يسـتهن به قولــــــه ﷺ لعائشـة ‪ :‬يا‬
‫عائشة‪ ،‬لوال أن قومك حديثو عهد بىاهلية؛ ألمرت بالبيت فهدم‪ ،‬فهدخلت فيه ما أ ض ِخ عر م‬
‫منه‪ ،‬وأل قته باألرس‪ ،‬وىعلت لـــــــه بابين بابًا شــرقيًّا وبابًا غربيًّا‪ ،‬فبلغت به أســا‬
‫إبراهيم» ‪.)1‬‬
‫قـال النووي ‪ : −‬وفي هـذا الحـديـ دليـل لقواعـد من األحكـام‪ ،‬منهـا‪ :‬إذا‬
‫تعارضـت المصـالح‪ ،‬أو تعارضـت مصـلحة ومفسـدة‪ ،‬وتعذر الىم بين فعل المصـلحة‬
‫وترك المفســـدة بضدعى باألهم؛ ألن النبي ﷺ أخبر أن نقس الكعبة وردها إلى ما كانت‬
‫عليه من قواعد إبراهيم ﷺ مصـلحة‪ ،‬ولكن تعارضـه مفسـدة أع م منه‪ ،‬وهي‪ :‬خوف‬
‫فتنة بعس من أســلم قريبًا‪ ،‬وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضــل الكعبة‪ ،‬فيرون تغييرها‬
‫ع ي ًمـا‪ ،‬فتركهـا النبي ﷺ ‪ .‬ومنهـا‪ :‬فكر ولي األمر في مصـــــالح رعيتـه‪ ،‬واىتنـابـه مـا‬
‫يخـاف منـه تولـد ضـــــرر عليهم في دين أو دنيـا‪ ،‬إال األمور الشـــــرعيـة‪ ،‬كـهخـذ ال كـاة‪،‬‬
‫وإقـامـة الحـدود‪ ،‬ونح و ذلـك‪ ،‬ومنهـا تـتلف قلوب الرعيـة‪ ،‬وحســـــن حيـاجتهم‪ ،‬وأن ال‬
‫ينفروا‪ ،‬وال يتعرس لما يخاف تنفيرهم بســـببه‪ ،‬ما لم يكن فيه ترك أمر شـــرعي كما‬
‫سبق» ‪.)2‬‬
‫ولقد كان منهج علماء ا سـالم هد ضم ما فيه مخالفة ألصـول ا سـالم‪ ،‬ومما يذكر‬
‫في ذلـك‪ :‬أن الســـــلجـان الملـك ال ـاهر ‪ )3‬أراد هـدم أبنيـة القرافـة ‪ )4‬كلهـا‪ ،‬لكونهـا مـدفن‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1586 /‬ومسلم‪ ،‬رقم‪.)1333 /‬‬


‫‪ )2‬شر النووي لمسلم ‪.)94 /9‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬أبو منصور غا ي بن صال الدين يوسف بن أيوب‪ ،‬كان من خيار الملوك وأسدهم سيرة‪،‬‬
‫ولكن كان فيه عسـف‪ ،‬وكان يكرم العلماء والشـعراء والفقراء‪ ،‬ودام في الملك ‪ 30‬سـنة وحضـر‬
‫كثيرا من الغ وات م أبيه‪ ،‬ولد سنة ‪569‬هـ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪613‬هـ)‪.‬‬ ‫ً‬
‫[ان ر‪ :‬البداية والنهاية ‪.])112 ،107 ،71 /13‬‬
‫‪ )4‬هي‪ :‬مقبرة في مصر دفن فيها ابن جولون وغيره‪ ،‬والقرافة أيضًا موض با سكندرية‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬معىم البلدان لياقوت الحموي ‪.])44 ،43 /7‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪210‬‬

‫الموتى‪ ،‬وأفتاه علماء عصــــره على لســــان واحد‪ :‬أنه يىب على ولي األمر هدم ذلك‬
‫كله‪ ،‬ثم شغله سفره إلى الشام للىهاد‪ ،‬فمات به ‪ −‬تعالى ‪.)1‬‬
‫ولقد هدم األئمة القباب واألضــرحة‪ ،‬قال صــاحب عنوان المىد)‪ :‬ثم دخلت‬
‫السـنة السـادسـة عشـرة بعد المئتين واأللف‪ ،‬وفيها سـار سـعود ‪ )2‬بالىيوع المنصـورة‪،‬‬
‫والخيل العتاق المشــهورة‪ ،‬من ىمي حاضــر نىد وباديها‪ ،‬والىنوب والحىا وتهامة‬
‫وغير ذلك‪ ،‬وقصد أرس كربالء‪ ،‬ونا ل أهل بلد الحسين‪ ،‬وذلك في ذي القعدة‪ ،‬فحشد‬
‫عليها المســلمون وتســوروا ىدرانها‪ ،‬ودخلوها عنوة‪ ،‬وقتلوا غالب أهلها في األســواق‬
‫والبيوت‪ ،‬وهدموا القبة الموضـوعة ب عم من اعتقد فيها على قبر الحسـين‪ ،‬وأخذوا ما‬
‫في القبة وما حولها‪ ،‬وأخذ النصــــيبة التي وضــــعوها على القبر‪ ،‬وكانت مرصــــوفة‬
‫بـال مرد واليـاقوت والىواهر» ‪ ،)3‬وكـذلـك بـادر ‪ −‬بهـدم القبـاب التي في مكـة‪ .‬ثم قـال‬
‫صــاحب عنوان المىد)‪ :‬فلما فر ســعود والمســلمون من الجواف والســعي‪ ،‬فرق‬
‫أهل النواحي يهدمون القباب التي بضنيت على القبور والمشاهد الشركية‪.‬‬
‫وكـان في مكـة من هـذا النوع شـــــيء كثير‪ ،‬في أســـــفلهـا وأعالهـا ووســـــجهـا‬
‫وبيوتها‪ ،‬فهقام فيها أكثر من عشـــرين يو ًما‪ ،‬ولب المســـلمون في تلك القباب بضـــعة‬
‫عشــر يو ًما يهدمون‪ ،‬يباكرون إلى هدها كل يوم‪ ،‬وللواحد األحد يتقربون‪ ،‬حتى لم يبق‬
‫في مكة شيء من تلك المشاهد والقباب إال أعدموه‪ ،‬وىعلوه ترابًا» ‪.)4‬‬
‫قـال ﷺ‪ :‬من أحـد في أمرنـا هـذا مـا لي منـه فهو رد» ‪ .)5‬متفق عليـه من‬
‫حدي عائشــة‪ ،‬ولمســلم عنها رضــي هللا عنهما عن النبي ﷺ‪ :‬من عمل ً‬
‫عمال لي‬
‫عليه أمرنا فهو رد»‪ ،‬ولقوله تعالى‪ ( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ) [الحشر‪.]7:‬‬
‫وبعد هذا المشـــوار حول بناء القبور في المســـاىد‪ ،‬والمســـاىد على القبور‪،‬‬
‫مىاال لباح عن حق‬ ‫ً‬ ‫ومناقشـة حىج المعارضـين‪ ،‬وتفنيد أدلتهم بما ال يدع ‪-‬بإذن هللا‪-‬‬
‫غ عرر به‪ ،‬وأقن على‬ ‫أن يتراى عنه‪ ،‬بعدما أضقن بما شــرعه الرســول ﷺ‪ ،‬وبان له ما ض‬
‫أنه شـرع سـيد المرسـلين ﷺ وهو لي بصـحيح بل هو باجل م هوق‪ ،‬بل وهذه القبة‬
‫عا ال يىو به المسـا ‪ ،‬ما هو إال سـراب في‬ ‫التي ىعلوها ً‬
‫دليال ال يقبل النقاع‪ ،‬وشـر ً‬
‫ســـراب‪ ،‬وأن مم ِن سـ ـنَّها ملك ىاهل ال يعتد بفعله‪ ،‬وال يلتفت لقوله‪ ،‬وأما من صـــبغها‬
‫بـالخضـــــار فهو ملـك مه وم مخـذول فهـل مثـل هتالء يقتـدن بـهفعـالهم؟ وهي من وحي‬

‫‪.)188 /‬‬ ‫‪ )1‬شفاء الصدور في يارة المشاهد والقبور‪،‬‬


‫‪ )2‬هو ا مام سعود بن عبد الع ي بن محمد بن سعود يعرف بسعود الكبير‪ ،‬ولد عام ‪1163‬هـــ)‪،‬‬
‫وتوفي ســنة ‪1229‬هـــــــ)‪ ،‬تولى الحكم بعد مقتل أبيه‪ ،‬أخضــ ى يرة العرب له‪ ،‬األعالم ‪/3‬‬
‫‪.)90‬‬
‫‪ )3‬عنوان المىد ‪.)217 /1‬‬
‫‪ )4‬المرى السابق ‪.)220 /1‬‬
‫‪.)34 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪211‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشــــيـاجين‪ ،‬و خرفـة المبجلين‪ ،‬وعمـل المفســـــدين المخـالفين لمنهج المبلغ عن رب‬
‫العالمين؟! فإلى هللا المشتكى وعلى خجا نبيه يضسار ويقتدن‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪212‬‬

‫المبح الراب‬
‫حكم الصالة في المساىد التي فيها قبور‬
‫من األمور التي ىاء بها ا سـالم‪ ،‬وشـرعها خير األنام ﷺ سـد ىمي وسـائل‬
‫الشــــرك؛ صــــيانة لىناب التوحيد‪ ،‬وحماية لحو ة الدين‪ ،‬وإغالق األبواب أمام أفعال‬
‫األمم الماضــية والملل الســالفة التي توصــل من خاللها إلى فســاد توحيدهم‪ ،‬وانحراف‬
‫اعتقادهم؛ لذا حرم بناء القبور على المســاىد‪ ،‬بل حرم البناء على القبور مجلقًا‪ ،‬ولكن‬
‫خالف الكثير ما ىاء به ا ســالم‪ ،‬فبنوا القبور على المســاىد‪ ،‬وشــيدوا المســاىد على‬
‫القبور م ورود األدلة الصريحة الصحيحة عنه ﷺ التي تحرم ذلك‪ .‬فما حكم الصالة‬
‫في المســــاىد التي فيها قبور؟ هذا ما ســــوف يتم بحثه في هذا المبح من خالل عدة‬
‫مجالب‪.‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬أدلة تحريم الصالة في القبور‪.‬‬
‫حيـ انجلق األئمـة والعلمـاء ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬على تحريم الصـــــالة في المقـابر‬
‫انجالقًا من نهيه ﷺ‪ ،‬حي نهى ﷺ عن بناء المســــاىد على القبور‪ ،‬أو اتخاذ القبور‬
‫مسـاىد‪ ،‬وقد مرت معنا ىمي هذه األحادي في أول هذا الفصـل‪ ،‬وال حاىة في إعادة‬
‫تكرارها‪ ،‬كذلك ورد منه ﷺ النهي الصريح عن الصالة في المقابر‪:‬‬
‫‪ -1‬فعن أبي مرثـد الغنوي ‪ )1‬قـال‪ :‬قـال رســـــول هللا ﷺ‪ :‬ال تىلســـــوا على‬
‫القبور وال تصلوا إليها» ‪.)2‬‬
‫قال النووي ‪ −‬في شــر هذا الحدي قوله ﷺ‪ :‬ال تىلســوا على القبور وال‬
‫تصـلوا إليها» فيه تصـريح بالنهي عن الصـالة إلى القبر‪ ،‬قال الشـافعي ‪ :−‬وأكره أن‬
‫يضع م مخلوق حتى يىعل قبره مســـىدًا؛ مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من النا »‬
‫‪.)3‬‬

‫‪ )1‬هو الصــحابي الىليل مرثد بن مرثد الغنوي صــاحبي وأبو صــحابي واســمه كنا بن الحصــين‬
‫بدرا‪ ،‬اســتشــهد في الســنة الثالثة من الهىرة في غ وة الرىي ‪[ .‬ان ر‪ :‬ا صــابة ‪،57 /6‬‬
‫شــهد ً‬
‫‪ ،)58‬وأسد الغابة ‪.])138 ،137 /5‬‬
‫‪ )2‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب النهي عن الىلو على القبر والصالة عليه‪ ،‬رقم‪.)972 /‬‬
‫‪ )3‬المنها في شر صحيح مسلم ‪.)619‬‬
‫‪213‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقال الصـــنعاني ‪ :−‬وفيه دليل على النهي عن الصـــالة إلى القبر‪ ،‬كما نهى‬
‫عن الص ـالة على القبر‪ ،‬واألصــل التحريم‪ ،‬ولم يذكر المقدار الذي يكون به النهي عن‬
‫مستقبال له عرفًا ‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫الصالة إلى القبر‪ ،‬وال اهر أنه ما يعد‬
‫ـذيرا ألمتـه أن يع موا‬
‫وقـال المنـاوي‪ :‬نهى ﷺ عن الصـــــالة إلى القبور تح ً‬
‫قبر غيره ‪ )2‬من األوليــاء؛ فربمــا تغــالوا فعبــدوه‪ ،‬فنهى أمتــه عنــه‪ ،‬غيرة عليهم من‬
‫ركونهم إلى غير هللا‪ ،‬فيتهكد الحذر؛ لما فيه من المفاســــد التي منها‪ :‬إيذاء أصــــحابها‪،‬‬
‫فإنهم يتهذون بالفعل عند قبورهم من اتخاذها مســـاىد‪ ،‬وإيقاد الســـر فيها‪ ،‬ويكرهونه‬
‫غاية الكراهة‪ ،‬لما كان المسيح يكره ما يفعله النصارن معه» ‪.)3‬‬
‫وقال الشــيإل علي القاري‪ :‬لو كان هذا التع يم حقيقة للقبر ولصــاحبه؛ لكفر‬
‫المع ع م‪ ،‬فالتشــــبه به مكروه‪ ،‬وينبغي أن يكون كراهة تحريم‪ ،‬وفي معناه بل أولى منه‬
‫الىنا ة الموضـوعة‪ ،‬وهو مما ابتلي به أهل مكة‪ ،‬حي يضـعون الىنا ة عند الكعبة ثم‬
‫يستقبلون إليها» ‪.)4‬‬
‫قبورا» ‪.)5‬‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬وقال ﷺ‪ :‬اىعلوا في بيوتكم من صالتكم‪ ،‬وال تتخذوها‬
‫قال ابن رىب ‪ −‬في شــــر صــــحيح البخاري‪ :‬إن النبي ﷺ أمرهم بهن‬
‫قبورا بترك الصـــالة فيها‪ ،‬فدل على أن القبور لي‬
‫ً‬ ‫يصـــلوا في بيوتهم‪ ،‬وال يتخذوها‬
‫فيها صــالة‪ ،‬وإن البيت يضكره إخالته من الصــالة؛ لما فيه من تشــبيهه بالمقابر الخالية‬
‫عن الصـالة‪ ،‬ولكن قد يقال‪ :‬النهي عن تشـبيه البيوت بالمقابر في إخالئها عن الصـالة‬
‫إنما يراد منه أن المقابر تخلو عن الصــالة فيها في الواق المشــاهد؛ فإنها ليســت ً‬
‫محال‬
‫لصـالة األحياء عادة‪ ،‬ومن فيها من األموات ال يقدرون على الصـالة‪ ،‬فصـارت خالية‬
‫عن الصالة عادة» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬سبل السالم ‪.)314 /1‬‬


‫‪ )2‬ال يقتضي تع يم قبره ﷺ‪.‬‬
‫‪ )3‬فيس القدير شر الىام الصغير من أحادي البشير النذير ‪ ،)412 /6‬لمحمد المناوي‪.‬‬
‫‪ )4‬المرقاة ‪.)372 /2‬‬
‫‪ )5‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كراهية الصالة في المقابر‪ ،‬رقم‪ ،)432 /‬وأخرىه مسلم‪،‬‬
‫رقم‪.)777 /‬‬
‫‪ )6‬فتح الباري شر صحيح البخاري للحاف ابن رىب ‪.)232 /3‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪214‬‬

‫وقـال ابن حىر ‪ :−‬إن القبور ليســـــت بمحـل للعبـادة‪ ،‬فتكون الصـــــالة فيهـا‬
‫مكروهة‪ ،‬ثم ذكر ما قاله البخاري على كراهة الصالة في المقابر ‪.)1‬‬
‫وقـال ابن بجـال ‪ )2‬عنـد شـــــرحـه للحـديـ الســـــابق‪ :‬وفي هـذا دليـل على أن‬
‫المقبرة ليست بموض للصالة» ‪.)3‬‬
‫في معالم الســـنن‪ ،‬بعد ذكر الحدي ‪ :‬فدل ذلك على أن المقبرة ليســـت بمحل‬
‫للصالة» ‪.)4‬‬
‫بمحـل‬ ‫بعـد ذكر الحـديـ ‪ :‬فـدل على أن محـل القبر لي‬ ‫وقـال البغوي ‪−‬‬
‫للصالة» ‪.)5‬‬
‫القبر‬
‫م‬ ‫بن مـالـك يضصـــــلي عنـد قبر‪ ،‬فقـال‪:‬‬ ‫وروي عن عمر أنـه رأن أن‬
‫‪ -3‬ض‬
‫القبر» ‪.)6‬‬
‫م‬
‫‪ :‬أن النبي ﷺ نهى عن الصالة بين القبور» ‪.)7‬‬ ‫‪ -4‬وعن أن‬
‫‪ -5‬وعن أبي ســعيد الخدري ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪ :‬األرس كلها مســىد‬
‫إال المقبرة والحمام» ‪.)8‬‬

‫‪ )1‬فتح الباري للحاف ابن حىر ‪.)630 /1‬‬


‫‪ )2‬هو أبو الحسـن علي بن خلف بن بجال البكري القرجبي‪ ،‬له شـر ع يم لصـحيح البخاري‪ ،‬وقد‬
‫أكثر فيه من التهويل‪ ،‬توفي سنة ‪.)449‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])47 /18‬‬
‫‪ )3‬شر صحيح البخاري ‪.)86 /2‬‬
‫‪.)268 /1 )4‬‬
‫‪ )5‬شر السنة ‪ ،)413 /2‬وان ر‪ :‬المرقاة ‪ )417 /2‬المكتبة التىارية‪.‬‬
‫‪ )6‬أخرىـه البخـاري تعليقًـا‪ ،‬كتـاب الصـــــالة‪ ،‬بـاب هـل تنبع قبور مشـــــركي الىـاهليـة؟ قبـل حـديـ‬
‫ً‬
‫موصــوال في كتاب الصــالة ألبي نعيم شــيإل البخاري‪[ .‬ان ر‪ :‬فتح‬ ‫‪ ،)427‬قال الحاف ‪ :‬رويناه‬
‫الباري ‪.])624 /1‬‬
‫‪ )7‬قال الهيثمي‪ :‬رواه الب ار ورىاله رىال الصـحيح‪ ،‬مىم ال وائد ‪ ،)26 /2‬وقد أورده األلباني‬
‫في أحكام الىنائ ‪.)270‬‬
‫‪ )8‬رواه ا مام أحمد ‪ )96 ،83 /3‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب في المواض التي ال تىو فيها‬
‫‪ ،)492 /‬والترمذي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما ىاء أن األرس كلها مسىد إال المقبرة‬ ‫الصالة‪،‬‬
‫‪ ،)317 /‬وقد صــحح شــيإل ا ســالم ابن تيمية هذا الحدي فقال‪ :‬رواه أحمد وأبو‬ ‫والحمام‪،‬‬
‫‪215‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ولقد فهم العلماء ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬من نهيه ﷺ التحريم كما بيَّن ذلك ال ن‬
‫ش َّرا ‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الصالة عند القبور‪:‬‬
‫ذكر ابن حىر‬ ‫عـ َّد أهـل العلم الصـــــالة في المقـابر من كبـائر الـذنوب‪ ،‬حيـ‬
‫الهيثمي ‪ −‬ذلـك من كبـائر الـذنوب‪ ،‬حيـ قـال‪ :‬الكبيرة الثـالثـة والرابعـة والخـامســـــة‬
‫والســادســة والســابعة والثامنة والتســعون‪ :‬اتخاذ القبور مســاىد‪ ،‬وإيقاد الســر عليها‪،‬‬
‫واتخاذها أوثانًا‪ ،‬والجواف بها واســتالمها‪ ،‬والصــالة إليها» ثم قال ‪ :−‬واتخاذ القبر‬
‫مســىدًا معناه الصــالة عليه أو إليه‪ ،‬وقد أورد ‪ −‬عددًا من األحادي التي مرت معنا‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬تحرم الصالة إلى قبور األنبياء واألولياء تبر ًكا وإع ا ًما» ‪.)1‬‬
‫والنا ر اان في حال المسـاىد التي يصـلى فيها‪ ،‬وفيها قبور‪ ،‬ما وضـعت فيها‬
‫هذه القبور إال لتع م وتبىل‪.‬‬
‫وقـد ورد تحريم الصـــــالة في المقـابر عن عـامـة أهـل العلم‪ ،‬وعلى رأســـــهم‬
‫أصحاب محمد ﷺ ‪.‬‬
‫فروي عن عمر بن الخجاب‪ ،‬وعلي بن أبي جالب‪ ،‬وعبد هللا بن عمرو‪ ،‬وعبد‬
‫هللا بن عبا ﭫ أنهم كرهوا الصـالة إلى القبر‪ .‬قال ابن عبا ‪ :‬ال تصـلين إلى ضحع‬
‫‪ )2‬وال في حمام وال في مقبرة» ‪.)3‬‬
‫قال ابن ح م‪ :‬ما نعلم البن عبا في هذا مخالفًا من الصحابة ﭫ هم يع مون‬
‫مثل هذا إذا وافق تقليدهم» ‪.)4‬‬

‫داود والترمذي وابن ماىه والب ار وغيرهم بهســــانيد ىيدة‪ ،‬ومن تكلم فيه فما اســــتوفى جرقه‪،‬‬
‫االقتضاء ‪.)677 /2‬‬
‫كما صــححه األلباني ‪ −‬حي قال‪ :‬وهذا إســناد صــحيح على شــرج الشــيخين‪ ،‬وقد صــححه كذلك‬
‫الحاكم والذهبي‪ ،‬وأعله بعضـــهم بما ال يقد ‪ ،‬وقد أىبنا عن ذلك في صـــحيح أبي داود ‪،)507‬‬
‫وذكرت له هناك جريقًا آخر صحي ًحا هو في منىاة من العلة الم عومة‪ .‬ولذلك قال شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية‪ :‬أسانيده ىيدة ومن تكلم فيه فما استوفى جرقه‪ ،‬وقد أشار إلى صحته ا مام البخاري‬
‫‪ .)4 /‬انتهى كالمه ‪[ .»−‬ان ر‪ :‬ا رواء ‪.])320 /1‬‬ ‫في ى ء القراءة‬
‫‪ )1‬ال واىر عن اقتراف الكبائر ‪ )287 ،286 ،285 /1‬باختصار‪.‬‬
‫‪.])376 /2‬‬ ‫‪ )2‬ال ضحع‪ :‬هو الكنيف الذي تقضى فيه الحاىة‪[ .‬ان ر‪ :‬النهاية في غريب الحدي‬
‫‪ )3‬أخرىه البيهقي في السنن الكبرن ‪.)435 /2‬‬
‫‪ )4‬المحلى ‪.)349 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪216‬‬

‫كمـا ورد النهي عن نـاف بن ىبير بن مجعم‪ ،‬وعن عجـاء‪ ،‬والنخعي‪ ،‬وأبي‬
‫حنيفة‪ ،‬والثوري‪ ،‬واألو اعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبي ثور‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬الذي عليه األكثر من أهل العلم كراهية الصـالة في المقبرة‪،‬‬
‫وكذلك نقول» ‪.)1‬‬
‫وقال ا مام الشــافعي ‪ :−‬وأكره أن يضبنى على القبر مســىد‪ ،‬وأن يســون أو‬
‫يصـلى عليه وهو غير مسـون‪ ،‬أو يصـلى إليه‪ .‬قال‪ :‬وإن صـلى إليه أى أه وقد أسـاء‪،‬‬
‫أخبرنـا مـالـك أن رســـــول هللا ﷺ قـال‪ :‬قـاتـل هللا اليهود والنصـــــارن‪ ،‬اتخـذوا قبور‬
‫أنبيائهم مســــاىد‪ ،‬ال يبقى دينان بهرس العرب» ‪ ،)2‬قال‪ :‬وأكره هذا ض‬
‫للســ ـنة وااثار‪،‬‬
‫وأنه كره ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن يضع مم أحد من المســـلمين‪ ،‬يعني‪ :‬أن يضتخذ قبره مســـىدًا‪ ،‬ولم‬
‫تضت ممن في ذلك الفتنة والضالل على من يهتي بعده» ‪.)3‬‬
‫وقـد علق صـــــاحـب كتـاب القبوريـة في اليمن) على هـذا القول بقولـه‪ :‬ولمن‬
‫تضت ممن في ذلك الفتنة والضـالل على من يهتي بعده‪ ،‬إذن ليسـت العلة أن في ذلك تضـييقًا‬
‫على المســـــلمين في مقابرهم‪ ،‬وإن كان ذلك ال ًما من اتخاذ مقابر المســـــلمين العامة‬
‫مســاىد على بعس القبور‪ ،‬وليســت العلة الخوف من تنى األرس؛ ألن الحكم عام‬
‫في القبر الـذي ابتـدى حفره كمـا هو في القبر المنبوع؛ وإنمـا العلـة عنـد الشـــــافعي ‪−‬‬
‫خشـــية الفتنة والضـــالل على من يهتي بعده‪ ،‬وأي فتنة أو ضـــالل أع م من أن يع م‬
‫المخلوق حتى يصرف لقبره من العبادة والتقدي ما ال يليق إال باهلل تعالى ‪.)4‬‬
‫قال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬وال تصـح الصـالة في المقبرة‪ ،‬وال إليها‪ ،‬والنهي عن‬
‫ذلك إنما هو لسـد ذريعة الشـرك‪ ،‬وذكر جائفة من أصـحابنا أن وىود القبر والقبرين ال‬
‫يمن من الصـــالة؛ ألنه ال يتناولهما اســـم المقبرة‪ ،‬وإنما المقبرة ثالثة قبور فصـــاعدًا؛‬
‫ولي في كالم أحمد وعامة أصحابه هنا الفرق‪ ،‬بل عموم كالمهم وتعليلهم واستداللهم‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬المحلى بااثار ‪ ،)349 /2‬واألوســـج البن المنذر ‪ ،)185 ،184 /2‬وشـــر صـــحيح‬
‫البخاري البن بجال ‪ ،)86 /2‬ومعالم السنن ‪ ،)268 /1‬المغني ‪.)468 /2‬‬
‫َّ‬
‫الموجه‪ ،‬باب ما ىاء في إىالء اليهود من المدينة‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وهو مقجوع‪،‬‬ ‫‪ )2‬أخرىه مالك في‬
‫وهو يتصــل من وىوه حســان‪ ،‬عن النبي ﷺ‪ ،‬من حدي أبي هريرة‪ ،‬وعائشــة‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأســامة‪.‬‬
‫ان ر‪ :‬التمهيد لما في الموجه من المعالي‪ ،‬نسـخة أسـامة إبراهيم المرتبة فقي ًها ‪ .)325 /14‬قلت‪:‬‬
‫‪ )180 -178 /‬من هذه الرسالة‪.‬‬ ‫وتشهد له األحادي في‬
‫‪ )3‬األم لإلمام محمد بـن إدريـ الشافعي ‪.)465 /1‬‬
‫‪.)15 /‬‬ ‫‪)4‬‬
‫‪217‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫يوىب من الصـالة عند قبر واحد من القبور‪ ،‬وهو الصـواب‪ .‬والمقبرة كل ما قضبع مر فيه‪،‬‬
‫ولي ىم قبر‪.‬‬
‫وقال أصـحابنا‪ :‬وكل ما دخل في اسـم المقبرة مما حول القبور ال يضصـلى فيه‪،‬‬
‫فهـذا يعين أن المن يكون متن ً‬
‫ـاوال تحريم القبر المنفرد‪ ،‬وفنـائـه المضـــــاف إليـه‪ .‬وذكر‬
‫اامدي ‪ )1‬وغيره‪ :‬أنه ال تىو الصـــالة فيه أي المســـىد الذي قبلته إلى القبر) حتى‬
‫يكون بين الحائج وبين المقبرة حائل آخر‪ .‬وذكر بعضهم‪ :‬هذا منصو أحمد‪.)2 .‬‬
‫وقال ابن ح م ‪ :−‬وال تحل الصــالة في حمام‪ ،‬ســواء في ذلك مبدأ بابه إلى‬
‫منتهى ىمي حدوده‪ ،‬وال على سـجحه‪ ،‬ومسـتوقده‪ ،‬وسـقفه وأعالي حيجانه‪ ،‬خربًا كان‬
‫أو قائ ًما‪ ،‬فإن سـقج من بنائه شـيء سـقج عنه اسـم حمام» ىا ت الصـالة في أرضـه‬
‫حينئذ‪ ،‬وال في مقبرة ‪-‬مقبرة مسـلمين كانت أو مقبرة كفار‪ -‬فإن نبشـت وأخر ما فيها‬
‫من الموتى ىا ت الصالة فيها‪.‬‬
‫وال إلى قبر‪ ،‬وال عليه‪ ،‬ولو أنه قبر نبي أو غيره!‬
‫فـإن لم يىـد إال موضــــ قبر‪ ،‬أو مقبرة‪ ،‬أو حمـا ًمـا‪ ،‬أو عج ًنـا‪ ،‬أو م بلـة‪ ،‬أو‬
‫موضعًا فيه شيء أمر باىتنابه‪ ،‬فليرى وال يصلي هنالك ىمعة وال ىماعة» ‪.)3‬‬
‫وقال ابن الملقن ‪ -−-‬عندما شـر حدي عائشـة الذي رواه البخاري ومسـلم‪:‬‬
‫ضا على كراهة الصالة في‬ ‫أولئك إذا مات فيهم الرىل الصالح» ‪ ،)4‬قال‪ :‬فيه دليل أي ً‬
‫القبور‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال فرق في الكراهة في المقبرة بين أن يصــــلى على القبر أو بىانبه‬
‫أو إليه» ‪.)5‬‬
‫قال شــــيإل ا ســــالم ‪ :−‬تكره الصــــالة في المقابر من غير خالف أعلمه‪،‬‬
‫وتحرم في مذهب ا مام أحمد‪ ،‬وال تصــح في اهر المذهب‪ ،‬وعليه ىمهور الحنابلة‪،‬‬
‫وبه يضفتى» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬هو العالمة سـيف الدين علي بن علي بن محمد اامدي ثم الحنبلي ثم الشـافعي ولد سـنة ‪)550‬‬
‫تبحر في عدة علوم وكان أصــــوليًا بارعًا‪ ،‬قال عنه شــــيإل ا ســــالم‪ :‬يغلب على اامدي الحيرة‬
‫والوقف‪ .‬من كتبه أبكار األفكار في علم الكالم‪ ،‬توفي سنة ‪.)631‬‬
‫[سير أعالم النبالء ‪.])364 /22‬‬
‫‪ ،)68 ،67 /‬م تعليقـات‬ ‫‪ )2‬األخبار العلميــة من االختيـارات الفقهية لشيإل ا سالم ابن تيمية‪،‬‬
‫ابن عثيمين‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد بن محمد بن الخليل‪.‬‬
‫‪ )3‬المحلى البن ح م ‪.)345 ،344 /3‬‬
‫‪.)222 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪ )5‬ا عالم بفوائد عمدة األحكام ‪.)502 /4‬‬
‫‪.)189 /‬‬ ‫‪ )6‬شفاء الصدور في يارة المشاهد والقبور‪ ،‬لمرعي الكرمي‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪218‬‬

‫وقال الماوردي ‪ :−‬فهما الصــــالة على المقبرة أو على قبر فمكروهة» ‪.)1‬‬
‫في الحاشية‪ :‬وتضكره في أماكن‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومى رة ومقبرة» ‪.)2‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ :−‬فقد رأيت أن ســبب عبادة ود‪ ،‬ويغو ‪ ،‬ونســر‪ ،‬والالت؛‬
‫إنما كانت من تع يم قبورهم‪ ،‬ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها‪.‬‬
‫كما أشار إليه النبي ﷺ ‪.‬‬
‫قال شـــيخنا‪ :‬وهذه العلة التي ألىلها نهى الشـــارع عن اتخاذ المســـاىد على‬
‫كثيرا من األمم‪ :‬إمـا في الشـــــرك األكبر‪ ،‬أو فيمـا دونـه من‬‫ً‬ ‫القبور‪ ،‬هي التي أوقعـت‬
‫الشرك‪ .‬فإن النفو قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين‪ ،‬وتماثيل ي عمون أنها جالسم‬
‫للكواكب ونحو ذلك‪ .‬فإن الشـــرك بقبر الرىل الذي يعتقد صـــالحه أقرب إلى النفو‬
‫كثيرا يتضــــرعون عندها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫من الشــــرك بخشــــبة أو حىر‪ .‬ولهذا نىد أهل الشــــرك‬
‫ويخشــعون ويخضــعون‪ ،‬ويعبدونهم بقلوبهم عبادة ال يفعلونها في بيوت هللا‪ ،‬وال وقت‬
‫السـحر‪ ،‬ومنهم من يسـىد لها‪ ،‬وأكثرهم يرىون من بركة الصـالة عندها والدعاء ما ال‬
‫يرىونه في المســــاىد‪ .‬فءىل هذه المفســــدة حســــم النبي ﷺ مادتها‪ ،‬حتى نهى عن‬
‫الصــالة في المقبرة مجلقًا‪ ،‬وإن لم يقصــد المصــلي بركة البقعة بصــالته‪ ،‬كما يقصــد‬
‫بصــالته بركة المســاىد‪ ،‬كما نهى عن الصــالة وقت جلوع الشــم وغروبها؛ ألنها‬
‫أوقات يقصـد المشـركون الصـالة فيها للشـم ‪ ،‬فنهى أمته عن الصـالة حينئذ‪ ،‬وإن لم‬
‫يقصد المصلي ما قصده المشركون سدًا للذريعة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما إذا قصـد الرىل الصـالة عند القبور متبر ًكا بالصـالة في تلك البقعة‪،‬‬
‫فهذا عين المحادة هلل ولرسوله‪ ،‬والمخالفة لدينه‪ ،‬وابتداع دين لم يهذن به هللا تعالى‪.‬‬
‫فــإن المسلمين قــد أىمعوا على ما علموه باالضجرار من دين رسول هللا ﷺ‬
‫أن الصـالة عند القبور منهي عنها‪ ،‬وأنه لعن من اتخذها مسـاىد؛ فمن أع م المحدثات‬
‫وأسـباب الشـرك الصـالة عندها‪ ،‬واتخاذها مسـاىد‪ ،‬وبناء المسـاىد عليها‪ ،‬وقد تواترت‬
‫النصـــــو عن النبي ﷺ بـالنهي عن ذلـك والتغلي فيـه؛ فقـد صـــــر عـامـة الجوائف‬
‫بال نهي عن بناء المســـاىد عليها متابعة منهم للســـنة الصـــحيحة الصـــريحة‪ .‬وصـــر‬
‫أصـــحاب أحمد وغيرهم من أصـــحاب مالك والشـــافعي بتحريم ذلك‪ ،‬وجائفة أجلقت‬
‫الكراهة‪ .‬والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم‪ ،‬إحســـــانًا لل ن بالعلماء‪ .‬وأن ال‬
‫فعال ما تواتر عن رسول هللا ﷺ لعن فاعله والنهي عنه» ‪.)3‬‬ ‫ي ن أن يىو وا ً‬

‫‪ )1‬الحاوي ‪ ،)336 /2‬لإلمام أبي الحسن الماوردي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمود مجرىي‪.‬‬
‫‪ )2‬حاشية رد المحتار على الدر المختار على شر تنوير األبصار ‪.)409 /1‬‬
‫‪ )3‬إغاثة اللهفان ‪.)192 ،191‬‬
‫‪219‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫* المجلب الثال ‪ :‬هل أىا بعس أهل العلم الصالة في المقبرة؟‬


‫قال البغوي ‪ :−‬اختلف أهل العلم في الصــــالة في المقبرة والحمام‪ ،‬فرويت‬
‫الكراهية فيهما عن ىماعة من الســـلف‪ ،‬وإليه ذهب أحمد وإســـحاق وأبو ثور ل اهر‬
‫الحـديـ ‪ ،‬وإن كـانـت التربـة جـاهرة والمكـان ن يفًـا‪ ،‬وقـالوا‪ :‬قـد قـال النبي ﷺ‪ :‬اىعلوا‬
‫قبورا» ‪ ،)1‬فدل على أن محل القبر لي بمحل‬ ‫ً‬ ‫في بيوتكم من صـــالتكم‪ ،‬وال تتخذوها‬
‫للصالة‪.‬‬
‫ومنهم من ذهب إلى أن الصــالة فيهما ىائ ة‪ ،‬إذا صــلى في موض ـ ن يف‬
‫منه» ‪.)2‬‬
‫ضحرم على المســـــلمين أن يتخـذوا قبور األنبيـاء‬‫وقـال ابن عبـد البر ‪ :−‬هـذا ي ع‬
‫والعلماء والصـالحين مسـاىد‪ ،‬وقد احتج من لم ير الصـالة في المقبرة‪ ،‬ولم يى ها بهذا‬
‫الحدي » ‪.)3‬‬
‫وبقوله ﷺ‪ :‬إن شــرار النا الذين يتخذون القبور مســاىد» ‪ .)4‬وبقوله ﷺ‪:‬‬
‫قبورا» ‪.)5‬‬
‫ً‬ ‫صلوا في بيوتكم‪ ،‬وال تىعلوها‬
‫‪)6‬‬
‫وجهورا» ‪.‬‬‫ً‬ ‫وهذه ااثار قد عارضها قوله ﷺ‪ :‬ضىعلت لي األرس مسىدًا‬
‫وتلك فضــيلة ضخ َّ بها رســول هللا ﷺ وال يىو على فضــائله النســإل‪ ،‬وال‬
‫أمرا أو نهيًا‪ ،‬أو في‬ ‫الخصـو ‪ ،‬وال االسـتثناء‪ ،‬وذلك ىائ في غير فضـائله إذا كانت ً‬
‫معنى األمر والنهي‪ ،‬وبهـذا يتبين عنـد تعـارس ااثـار في ذلـك أن النـاســـــإل منهـا قولـه‬
‫وجهورا»‪ ،‬وقوله ألبي ذر‪ :‬حيثما أدركتك الصــالة‬ ‫ً‬ ‫ﷺ‪ :‬ضىعلت لي األرس مســىدًا‬
‫‪)7‬‬
‫وجهورا» ‪.‬‬
‫ً‬ ‫فصل‪ ،‬فقد ضىعلت لي األرس مسىدًا‬

‫‪.)324 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬شر السنة للبغوي ‪.)411 /2‬‬
‫‪.])304 ،303 /‬‬ ‫‪ )3‬حدي ‪ :‬قاتل هللا اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساىد»‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫‪.)223 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪.)324 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪ ،)335 /‬ومســلم‪ ،‬كتاب‬ ‫‪ )6‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب التيمم‪ ،‬أول أحادي الكتاب‪ ،‬الباب األول‪،‬‬
‫المساىد ومواض الصالة‪ ،‬رقم‪.)521 /‬‬
‫‪ )7‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب أحادي األنبياء‪ ،‬باب قوله تعالى‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [ ‪،]30:‬‬
‫رقم‪.)3425 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪220‬‬

‫وقال في موضــ آخر بعد ما أورد شـــر حدي ‪ :‬اللهم ال تىعل قبري وث ًنا‬
‫يعبد» ‪ : )1‬وقد احتج بعس من ال يرن الصالة في المقبرة بهذا الحدي ‪ ،‬وال حىة له‬
‫فيه» ‪.)2‬‬
‫الرد على هذا القول‪ :‬لقد وضــــح صــــديق حســــن خان أيهما الخا بقوله‪:‬‬
‫وجهورا»‪ .‬حدي صـحيح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ينبغي أن نعرف أن حدي ‪ :‬ضىعلت لي األرس مسـىدًا‬
‫ويدل على ىوا الصـــالة في ىمي المواضـ ـ إال ما خصـــصـــه الحدي الصـــحيح‪،‬‬
‫والمخصـ من هذا الحكم عدة مواضـ ‪ ،‬واختلفوا في تعدادها‪ ،‬منها‪ :‬المقبرة‪ ،‬والمراد‬
‫قبرا ويدفنون فيها األموات‪ ،‬ثم قال‪ :‬الحاصـــل أن اســـم‬ ‫بها‪ :‬المكان الذي يتخذون فيها ً‬
‫المقبرة يصـدق على مكان فيه قبر‪ ،‬ولو كان متسـعًا‪ ،‬بدون تفريق بين أن يكون فيه قبر‬
‫أو عدَّة قبور‪ .‬والمراد بالمكان الذي يصدق عليه اسم المقبرة‪ :‬مكان له حائج‪ ،‬أو حدود‬
‫معلومة‪ ،‬أو نحوها مما يمتا به عن غيره‪ ،‬فعندما يخصــــصــــون قجعة من األرس‬
‫ً‬
‫وعرفـا‪ :‬إنهـا مقبرة‪.‬‬ ‫التخـاذ القبور‪ ،‬ثم يـدفنون فيهـا ً‬
‫ميتـا واحـدًا‪ ،‬يقولون عنهـا لغـة‬
‫والمســـىد الذي دفنوا فيه واحدًا يكون من هذا القبيل؛ وغلبة اســـم المســـىد عليه لي‬
‫براف يصــدق اســم المقبرة عليه‪ ،‬وإال ل م أنه لو ســموا المقبرة باســم خا غير اسـم‬
‫مثال التي هي مقبرة صـنعاء‪ ،‬لينبغي أال يثبت لها حكم المقبرة‪،‬‬ ‫المقبرة مثل خ يمة» ً‬
‫والال م باجل‪ ،‬فالمل وم مثله‪ .‬والتال م اهر بنفسه‪ ،‬وبجالن الال م من ىهة أنه لي‬
‫لءسـماء بإىماع المسـلمين تهثير في تحويل األحكام الشـرعية‪ .‬وإلى هنا انتهى المراد‪،‬‬
‫وفيه كفاية لمن له هداية‪ .‬وهللا أعلم» ‪.)3‬‬
‫قال الشـيإل ابن با ‪ −‬في تعليقه على الفتح‪ :‬عليه تكون المقبرة ونحوها مما‬
‫صـح النهي عن الصـالة فيها مخصـوصـة من عموم حدي ىابر ضىعلت لي األرس‬
‫وجهورا» ‪ .)4‬وهللا أعلم»‪.‬‬
‫ً‬ ‫مسىدًا‬

‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )1‬سيهتي تخريىه‬


‫‪ )2‬فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر ‪ )283 /2 ،266 /1‬باختصـــار‪ .‬رتبه‪ :‬محمد‬
‫المغراوي‪.‬‬
‫‪ )438 ،437 ،435 /‬باختصار‪.‬‬ ‫‪ )3‬فتاون صديق حسن خان‪،‬‬
‫‪ )4‬فتح الباري ‪.)135 /1‬‬
‫‪221‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قـال ابن ح م ‪ :−‬وكره الصـــــالة إلى القبر‪ ،‬وفي المقبرة‪ ،‬وعلى القبر‪ :‬أبو‬
‫بهســـا‪ ،‬واحتج له بعس مقلديه‪ ،‬بهن‬ ‫حنيفة‪ ،‬واألو اعي‪ ،‬وســــفيان‪ .‬ولم ير مالك بذلك ً‬
‫رسول هللا ﷺ صلى على قبر المسكينة السوداء ‪.)1‬‬
‫قـال ابن ح م‪ :‬وهـذا عىـب‪ ،‬نـاهيـك بـه أن يكون هتالء القوم يخـالفون هـذا‬
‫الخبر فيمـا ىـاء فيـه‪ ،‬فال يىي ون أن تصـــــلى صـــــالة الىنـا ة على من قـد دفن‪ ،‬ثم‬
‫يســــتبيحون بما لي فيه من أثر وال إشــــارة‪ ،‬مخالفة للســــنة الثابتة‪ ،‬ونعوذ باهلل من‬
‫الخذالن!‪.‬‬
‫وكل هذه ااثار حق‪ ،‬فال تحل الصــالة حي ذكرنا‪ ،‬إال صــالة الىنا ة؛ فإنها‬
‫تصـــلى في المقبرة‪ ،‬وعلى القبر الذي قد دفن فيه صـــاحبه‪ ،‬كما فعل رســـول هللا ﷺ‪،‬‬
‫ونحرم مـا نهى عنـه‪ ،‬ونعـد من القرب إلى هللا تعـالى أن نفعـل مثلمـا فعـل؛ فـهمره ونهيـه‬
‫ﷺ حق‪ ،‬وفعله حق‪ ،‬وما عدا ذلك باجل‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين» ‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬وأما مالك فقد اختلفت الرواية عنه‪ ،‬فحكى ابن القاســـم عنه أنه قال‪ :‬ال‬
‫به بالصـــالة في المقابر»‪ ،‬وحكى عن أبي مصـــعب‪ ،‬عن مالك‪ ،‬أنه قال‪ :‬ال أحب‬
‫الصالة في المقابر» ‪.)3‬‬
‫والذين أىا وا وهم قلة ‪-‬والحمد هللا‪ -‬انجلقوا من أمور‪:‬‬
‫عدم ثبوت حدي النهي عن الصـــــالة في المقبرة والحمـام عنـدهم‪ ،‬وقد ثبـت ‪-‬‬
‫وهلل الحمد‪ -‬فقامت الحىة على من بعدهم‪.‬‬
‫االعتماد على دليل ال يصح بــــه االستدالل وهــــو خبــــر ناف ‪ :‬بهن أبا هريرة‬
‫‪ ‬أ َّم النا على عائشة في البقي ‪ .)4‬وهذا كما هو واضح أنها صالة الىنا ة‪ ،‬وهي‬
‫ليست محل الخالف‪ ،‬بل الخالف في صالة الفريضة والنافلة ذات الركوع والسىود‪.‬‬
‫‪)5‬‬
‫خاصـا وأحادي‬
‫ً‬ ‫وجهورا»‬
‫ً‬ ‫ضىعلت لي األرس مسـىدًا‬ ‫ومنها ىعل حدي‬
‫النهي عامة بدعون أن خصـائ الرسـول ﷺ ال يىو عليها النسـإل‪ ،‬وال شـك أن هذا‬
‫الكالم متفق عليه‪ ،‬ولكن أين قضية النسإل؟‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1337 /‬ومسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب الصالة على القبر‪ ،‬رقم‪.)956 /‬‬
‫‪ )2‬المحلى ‪.)351 ،350 /2‬‬
‫‪ )3‬األوســـج البن المنذر في الســـنن وا ىماع واالختالف ألبي بكر بن المنذر النيســـابوري ‪/2‬‬
‫‪ ،)185‬تحقيق‪ :‬الدكتور صغير حنيف‪ .‬والمدونة الكبرن ‪.)90 /1‬‬
‫‪ )4‬رواه عبـد الر اق في المصـــــنف‪ ،‬رقم‪ ،)1593 /‬كـذلـك أورده ابن المنـذر في األوســـــج ‪/2‬‬
‫‪.)185‬‬
‫‪.)334 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪222‬‬

‫وجهورا‪ ،‬ولكن األماكن النىســة هل‬


‫ً‬ ‫فاهلل قد ىعل لهذه األمة األرس مســىدًا‬
‫تىو الصـالة فيها؟ أليسـت جهارة المكان من شـروج الصـالة؟ فيقولون‪ :‬نعم ال تىو‬
‫ىعلت لي األرس» حدي خا ‪ .‬فسيقولون‪:‬‬ ‫الصالة فيها‪ ،‬فسيقال لهم‪ :‬ولكن حدي‬
‫أيضـــا مســـتثنى‪.‬‬
‫ً‬ ‫لكن هذا مســـتثنى‪ .‬فيقال لهم‪ :‬وكذلك المقبرة والحمام وما في حكمه‬
‫وستبقى لهذه األمة م يتها عن سائر األمم وال يضيرها استثناء مقبرة أو حمام‪.‬‬
‫كمـا أن الىـدير بـالـذكر‪ ،‬أن من أىـا وا الصـــــالة في المقبرة على قلتهم‪ ،‬ال‬
‫يىي ون بهن تكون الصــالة في المقبرة‪ ،‬أو عند الضــريح؛ من أىل تع يم المقبرة‪ ،‬أو‬
‫صاحب الضريح‪ ،‬ألن هذا من باب المحادة هلل ورسوله ﷺ ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪:−‬‬
‫وأما إذا قصـــد الرىل الصـــالة عند القبور متبر ًكا بالصـــالة في تلك البقعة؛‬
‫فهذا عين المحادة هلل‪ ،‬ولرسوله ﷺ‪ ،‬والمخالفة لدينه‪ ،‬وابتداع دين لم يهذن به هللا تعالى‬
‫‪.)1‬‬
‫ً‬
‫معلال النهي‪ :‬لمـا فيـه من التع يم البـالغ‪ ،‬كـهنـه من‬ ‫وقـال الشـــــيإل علي القـاري‬
‫‪)2‬‬
‫مرتبة المعبود‪ ،‬ولو كان هذا التع يم حقيقة للقبر‪ ،‬أو لصاحبه؛ لكفر المع م» ‪.‬‬
‫والنا ر في عالمنا ا سـالمي يىد أن النا ال يصـلون في المقابر العامة‪ ،‬بل‬
‫في مســـاىد شـــيدت بداخلها أضـــرحة‪ ،‬فيض ِن مذر لهم‪ ،‬ويضجاف حولهم‪ ،‬ويضتمبم مرك بهم‪ ،‬فهل‬
‫هناك تع يم أع م من هذا؟ وإذا لم يكن هذا هو التع يم والشـــرك األكبر‪ ،‬فمتى يكون‬
‫الشـــرك األكبر؟! فما من قبر وضـــ عليه مســـىد إال كان تع يم المقبور هو الهدف‬
‫األول‪ .‬قال صـديق حسـن خان ‪ :−‬إن نهي النبي ﷺ عن اتخاذ قبره الشـريف وقبر‬
‫غيره مســــىدًا‪ ،‬كان خوف المبالغة في التع يم واالفتتان به‪ ،‬ويعد كثير من أهل العلم‬
‫هذا االتخاذ متديًا إلى الكفر‪ ،‬كما اتفق لكثير من األمم الخالية هكذا» ‪.)3‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬حكم من صلَّى في المقبرة‪:‬‬
‫مر معنا تحريم الصــــالة في المقابر عند عامة أهل العلم‪ ،‬وأن الصــــالة فيها‬ ‫َّ‬
‫ي عن عمر بن‬ ‫فر عو م‬
‫حرام‪ .‬قـال ابن بجـال‪ :‬اختلف العلمـاء في الصـــــالة في المقبرة‪ ،‬ض‬
‫الخجاب‪ ،‬وعلي بن أبي جالب‪ ،‬وابن عبا ‪ ،‬وعبد هللا بن عمرو أنهم كرهوا الصـــالة‬
‫ي عن عجـاء‪ ،‬والنخعي‪ ،‬وبـه قـال أبو حنيفـة‪ ،‬والثوري‪ ،‬واألو اعي‪،‬‬ ‫ور عو م‬
‫في المقبرة‪ ،‬ض‬

‫‪ )1‬إغاثة اللهفان ‪.)192 ،191‬‬


‫‪ )2‬المرقاة ‪.)372 /2‬‬
‫‪.)432 /‬‬ ‫‪ )3‬فتاون صديق حسن خان‪ ،‬المسمى بدليل الجالب‪،‬‬
‫‪223‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫والشـــافعي‪ ،‬واختلف فيه قول مالك‪ ،‬فرون عنه أبو المصـــعب أنه قال‪ :‬ال أحبن ذلك‪.‬‬
‫ورون عنه ابن القاسـم أنه قال‪ :‬ال به بالصـالة فيها‪ .‬وكل من كره الصـالة من هتالء‬
‫ال يرن على من صلَّى فيها إعادة ‪.)1‬‬
‫وحىـة هتالء بـهنـه لي عليـه إعـادة م حرمـة فعلـه‪ :‬مـا رواه البخـاري ضمعلَّقًـا‪:‬‬
‫القبر» ‪.)2‬‬
‫م‬ ‫القبر‬
‫م‬ ‫أن عمر بن الخجاب رأن أن بن مالك يصلي عند قبر فقال‪:‬‬
‫القبر‪ ،‬ف ن‬ ‫م‬ ‫القبر‬
‫م‬ ‫قال الحاف ‪ :‬ولف ه‪ :‬بينما أن يصــــلي إلى قبر ناداه عمر‬
‫أنه يعني القمر‪ ،‬فلما رأن أنه يعني القبر ىاو القبر وصـــلى‪ ،‬وله جرق أخرن بينتها‬
‫في تغليق التعليق» فقـال بعس من يليني‪ :‬إنمـا يعني القبر‪ ،‬فتنحيـت عنـه‪ ،‬وقولـه‪:‬‬
‫ولم يهمره با عادة» من كالم البخاري‪ ،‬قال الحاف ‪ :‬اسـتنبجه من تمادي أن على‬
‫الصالة‪ ،‬ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقجعها واستهنف» ‪.)3‬‬
‫وذهب بعس أهل العلم إلى أن صـــــالته باجلة‪ ،‬وعليه ا عادة‪ .‬قال أحمد ابن‬
‫حنبل‪ :‬من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدًا» ‪.)4‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :−‬مسـهلة قال‪ :‬وكذلك إن صـلَّى في المقبرة‪ ،‬أو في الحع‪،‬‬
‫أو في الحمام‪ ،‬أو في أعجان ا بل أعاد»‪.‬‬
‫في الصـــــالة في هـذه المواضــــ ‪ ،‬فرون‪ :‬أن‬ ‫اختلفـت الروايـة عن أحمـد ‪−‬‬
‫الصالة ال تصح فيها بحال ‪.)5‬‬
‫قال ابن ح م‪ :‬وكل هذه ااثار حق‪ ،‬فال تحل الصـالة حي ذكرنا‪ ،‬إال صـالة‬
‫الىنا ة فإنها تصلى في المقبرة‪ ،‬وعلى القبر الذي قد دفن فيه صاحبه‪ ،‬كما فعل رسول‬
‫هللا ﷺ‪ ،‬ونحرم مـا نهى عنـه‪ ،‬ونعـد من القرب إلى هللا تعـالى أن نفعـل مثـل مـا فعـل؛‬
‫فهمره ونهيه حق‪ ،‬وفعله حق‪ ،‬وما عدا ذلك فباجل‪ ،‬والحمد هللا رب العالمين» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬شر صحيح البخاري البن بجال ‪.)86 /2‬‬


‫‪.)325 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬فتح البـاري ‪ ،)624 /1‬والحـديـ أخرىـه البخـاري‪ ،‬بـاب هـل تنبع قبور مشـــــركي‬
‫الىاهلية‪ ،‬ويتخذ مكانها مسىدًا؟ ترىمة رقم الباب‪ ،‬رقم‪.)427 /‬‬
‫‪ )4‬المحلى بااثار البن ح م ‪.)350 /2‬‬
‫‪ )5‬المغني ‪.)468 /2‬‬
‫‪ )6‬المحلى بااثار ‪.)351 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪224‬‬

‫وسـئل شـيإل ا سـالم ابن تيمية ‪ :−‬هل تصـح الصـالة في المسـىد إذا كان فيه‬
‫قبر‪ ،‬والنـا تىتم فيـه لصـــــالتي الىمـاعة والىمعـة أم ال؟ وهل يمهـد القبر‪ ،‬أو يعمل‬
‫عليه حاى ‪ ،‬أو حائج؟‪.‬‬
‫فـهىـاب‪ :‬الحمـد هلل‪ ،‬اتفق األئمـة أنـه ال يبنى مســــىـد على قبر؛ ألن النبي ﷺ‬
‫قال‪ :‬إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مســاىد‪ ،‬أال فال تتخذوا القبور مســاىد؛‬
‫فإني أنهاكم عن ذلك» ‪ ،)1‬وأنه ال يىو دفن ميت في مســـىد‪ .‬فإذا كان المســـىد قبل‬
‫ي بعد‬ ‫الدفن ض‬
‫غيعر‪ :‬إما بتســـوية القبر‪ ،‬وإما بنبشـــه إن كان ىديدًا‪ ،‬وإن كان المســـىد بضنع م‬
‫القبر‪ :‬فإما أن يض ال المسـىد‪ ،‬وإما أن ت ض ال صـورة القبر‪ ،‬فالمسـىد الذي على القبر ال‬
‫يصلى فيه فرس‪ ،‬وال نفل؛ فإنه منهي عنه» ‪.)2‬‬
‫وقال الشــيإل ابن با ‪ :−‬المســاىد التي فيها قبور ال يضصــلى فيها‪ ،‬ويىب أن‬
‫تنبع القبور وينقـل رفـاتهـا إلى المقـابر العـامـة‪ ،‬كـل قبر في حفرة كســـــائر القبور‪ ،‬وال‬
‫يىو أن يبقى فيها قبور ال ولي وال غيره؛ ألن الرســـول ﷺ نهى وحذر وذم اليهود‬
‫والنصــارن على عملهم ذلك‪ ،‬ثم أورد أحادي النهي التي مرت معنا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومعلوم‬
‫أن من صـلى عند قبر فقد اتخذه مسـىدًا‪ ،‬ومن بنى عليه ليصـلي فيه فقد اتخذه مسـىدًا‪،‬‬
‫ً‬
‫امتثاال ألمر الرســول ﷺ‪،‬‬ ‫فالواىب أن تضبعد القبور عن المســاىد وأال يضىعل فيها قبور‬
‫وحذرا من اللعنة التي صــدرت من ربنا تعالى لمن بنى المســاىد على القبور؛ ألنه إذا‬ ‫ً‬
‫صـــلى في مســـىد فيه قبور قد ي ين له الشـــيجان دعوة الميت‪ ،‬أو االســـتغاثة به‪ ،‬أو‬
‫الصـــــالة لـه‪ ،‬أو الســـــىود لـه؛ فيق في الشـــــرك األكبر‪ ،‬وألن هـذا من عمـل اليهود‬
‫والنصــــارن‪ ،‬فوىب أن نخالفهم ونبتعد عن جريقهم وعن عملهم الســــيعس‪ ،‬وهللا ولي‬
‫التوفيق» ‪.)3‬‬
‫وقال األلباني ‪ :−‬أما شــــمول األحادي للنهي عن الصــــالة في المســــاىد‬
‫المبنية على القبور‪ ،‬فداللتها على ذلك أوضـح؛ وذلك ألن النهي عن بناء المسـاىد على‬
‫القبور يسـتل م النهي عن الصـالة فيها‪ ،‬من باب‪ :‬النهي عن الوسـيلة يسـتل م النهي عن‬
‫المقصــود بها‪ ،‬والمتوســل بها إليه‪ .‬مثاله‪ :‬إذا نهى الشــارع عن بي الخمر‪ ،‬فالنهي عن‬
‫شربه داخل في ذلك كما ال يخفى‪ ،‬بل النهي عنه من باب أولى‪.‬‬

‫‪.)225 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬الفتاون ‪.)195 ،194 /22‬‬
‫‪ )3‬مىموع فتاون ابن با ‪.)760 ،759 /2‬‬
‫‪225‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ومن البيعن ىدًا أن النهي عن بناء المسـاىد على القبور لي مقصـودًا بالذات‪،‬‬
‫كما أن األمر ببناء المســـاىد في الدور والمحالت لي مقصـــودًا بالذات‪ ،‬بل ذلك كله‬
‫ً‬
‫رىال بنى مسىدًا‬ ‫من أىل الصالة فيها سلبًا أو إيىابًا‪ ،‬يوضح ذلك المثال ااتي‪ :‬لو أن‬
‫في مكـان قفر غير مههول‪ ،‬وال يهتيـه أحد للصـــــالة فيـه؛ فلي لهذا الرىل أي أىر في‬
‫بنائه لهذا المسىد‪ ،‬بل هو عندي آثم ضاعته المال‪ ،‬ووضعه الشيء في غير محله‪.‬‬
‫فإذا أمر الشـــارع ببناء المســـاىد‪ ،‬فهو يهمر ضـــمنًا بالصـــالة فيها؛ ألنها هي‬
‫المقصـــــودة بـالبنـاء‪ ،‬وكـذلـك إذا نهى عن بنـاء المســـــاىـد على القبور‪ ،‬فهو ينهى عن‬
‫ضـا‪ ،‬وهذا بيعن ال يخفى على العاقل إن شـاء‬‫الصـالة فيها؛ ألنها هي المقصـودة بالبناء أي ً‬
‫هللا تعالى» ‪.)1‬‬
‫ال تصـــلوا إلى القبور» ‪ :)2‬وفيه دليل‬ ‫أيضـــا في تعليقه على حدي‬
‫ً‬ ‫وقال‬
‫‪)3‬‬
‫على تحريم الصالة إلى القبر؛ ل اهر النهي» ‪.‬‬
‫قال الشـيإل ابن عثيمين ‪ −‬وقوله‪ :‬وال تصـح الصـالة في مقبرة» نفي الصـحة‬
‫يقتضي الفساد؛ ألن كل عبادة إما أن تكون صحيحة‪ ،‬وإما أن تكون فاسدة‪ ،‬وال واسجة‬
‫عا‪ ،‬فإذا انتفت الصــحة ثبت الفســاد‪ .‬وقوله‪ :‬الصـالة» يعم‬ ‫بينهما‪ ،‬فهما نقيضــان شــر ً‬
‫كل ما يسـمى صـالة سـواء أكانت فريضـة أم نافلة‪ ،‬وسـواء أكانت الصـالة ذات ركوع‬
‫وسـىود أم لم تكن؛ ألنه قال‪ :‬الصـالة» وعليه فيشـمل صـالة الىنا ة‪ ،‬كما سـنذكره ‪-‬‬
‫إن شـاء هللا‪ -‬وعلى هذا؛ فالمراد بالصـالة ما سـون صـالة الىنا ة‪ .‬ثم قال‪ :‬وهل المراد‬
‫بالمقبرة هنا ما أضعد للقبر وإن لم يضدفن فيه أحد‪ ،‬أم ما دضفن فيه أحد بالفعل؟‪.‬‬
‫الىواب‪ :‬المراد مـا دضفن فيـه أحـد‪ ،‬أمـا لو كـان هنـاك أرس اشـــــتريـت؛ لتكون‬
‫مقبرة‪ ،‬ولكن لم يدفن فيها أحد؛ فإن الصـالة فيها تصـح‪ ،‬فإن دضفن فيها أحد‪ ،‬فإن الصـالة‬
‫ال تصح فيها؛ ألنها كلها تسمى مقبرة» ‪.)4‬‬
‫وقال الشـيإل صـالح الفو ان ‪-‬حف ه هللا‪ :-‬المسـهلة السـادسـة‪ :‬في الحدي دليل‬
‫على بجالن الصـالة عند القبور‪ ،‬أو في المسـاىد المبنية على القبور؛ ألن الرسـول ﷺ‬
‫نهى عن ذلك‪ ،‬والنهي يقتضـي الفسـاد عند األصـوليين‪ ،‬فالذي يصـلي عند القبر صـالته‬
‫غير صـحيحة‪ ،‬فعليه أن يعيد الفريضـة؛ ألن صـالته عند القبر‪ ،‬أو في المسـىد المبني‬

‫‪.)31 ،30 /‬‬ ‫‪ )1‬تحذير الساىد من اتخاذ القبور مساىد‪،‬‬


‫‪.323‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪.)269 /‬‬ ‫‪ )3‬أحكام الىنائ وبدعها‬
‫‪ )4‬الشر الممت على اد المستقن ‪ ،)285 ،284 /2‬لمحمد بن صالح العثيمين‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪226‬‬

‫عليـه القبر غير صـــــحيحـة؛ ألنهـا صـــــالة منهي عنهـا‪ ،‬والصـــــالة المنهي عنهـا غير‬
‫مشروعة‪ ،‬فهي ال تصح» ‪.)1‬‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬علة النهي عن الصالة في المقابر‪:‬‬
‫والصــالة في المقابر منهي عنها؛ ألنها من عادات اليهود والنصــارن‪ ،‬وألنها‬
‫تتدي إلى الشــرك باهلل تعالى‪ ،‬فإن العوام ولو كانوا من حملة أعلى الشــهادات إذا رأوا‬
‫هذا القبر يصــلى عنده‪ ،‬فإن ذلك مدعاة الفتتانهم به‪ .‬وقد ذهب بعس أهل العلم إلى أن‬
‫العلة هي نىاســة المكان‪ ،‬ىاء في حاشــية رد المحتار‪ :‬واختلف في علته‪ :‬فقيل‪ :‬ألن‬
‫فيها ع ام الموتى وصـديدهم‪ ،‬وهو نى ‪ ،‬وفيه ن ر‪ ،‬وقيل‪ :‬ألن أصـل عبادة األصـنام‬
‫اتخاذ قبور الصالحين مساىد‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنه تشبه باليهود ‪.)2‬‬
‫وقال صاحب الحاوي‪ :‬وألن تراب المقبرة قد خالجته النىاسة إذا نبع رميم‬
‫ـاهرا‪ ،‬فمـا في ىوفـه لي‬
‫الميـت‪ ،‬فلو قيـل‪ :‬فـالميـت عنـدكم جـاهر‪ ،‬قيـل‪ :‬هو‪ ،‬وإن كـان ج ً‬
‫بجاهر» ‪.)3‬‬
‫وقال الشـــافعي ‪ :−‬لي ألحد أن يصـــلي على أرس نىســـة؛ ألن المقبرة‬
‫مختلجـة بلحوم الموتى وصـــــديـدهم‪ ،‬ومـا يخر منهم‪ ،‬وذلـك ميتـة‪ .‬وإن الحمـام مـا كـان‬
‫ً‬
‫مدخوال يىري عليه البول والدم واألنىا » ‪.)4‬‬
‫قال شيإل ا سالم ‪ :−‬واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصالة‬
‫في المقبرة لي إال كونها م نة النىاسـة‪ ،‬لما يختلج بالتراب من صـديد الموتى‪ .‬وبنا ًء‬
‫على هذا االعتقاد الفرق بين المقبرة الىديدة والعتيقة‪ ،‬وبين أن يكون بينه وبين التراب‬
‫حائل‪ ،‬أو ال يكون‪ .‬ونىاسـة األرس مان من الصـالة عليها‪ ،‬سـواء أكانت مقبرة أو لم‬
‫تكن‪ ،‬لكن المقصـود األكبر بالنهي عن الصـالة عند القبور لي هو هذا‪ .‬فإنه قد بين أن‬
‫اليهود والنصــارن كانوا إذا مات فيهم الرىل الصــالح بنوا على قبره مســىدًا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وروي‬ ‫لعن هللا اليهود والنصـارن اتخذوا قبور أنبيائهم مسـاىد» ‪ ،)5‬يضحذر ما فعلوا‪ ،‬ض‬

‫‪ )411 /1 )1‬إعانة المستفيد بشر كتاب التوحيد‪ ،‬صالح الفو ان‪.‬‬


‫‪.)410 ،409 /1 )2‬‬
‫‪.)337 /2 )3‬‬
‫‪ )4‬األم ‪.)187 /1‬‬
‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪227‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫عنه ﷺ أنه قال‪ :‬اللهم ال تىعل قبري وثنًا يعبد‪ ،‬اشــتد غضــب هللا على قوم اتخذوا‬
‫قبور أنبيائهم مساىد» ‪.)1‬‬
‫ثم قال ‪ −‬بعدما ذكر أحادي النهي عن البناء على المســـاىد‪ :‬فهذا كله يبين‬
‫لـك أن الســــبـب لي هو م نـة النىـاســـــة‪ ،‬وإنمـا هو م نـة اتخـاذهـا أوثـا ًنـا»‪ .‬كمـا قـال‬
‫الشــــافعي ‪ :‬وأكره أن يع م مخلوق حتى يىعل قبره مســــىدًا مخافة الفتنة عليه‬
‫وعلى من بعده من النا » ‪ .)2‬فإن قبر النبي أو الرىل الصــالح لم يكن ينبع‪ ،‬والقبر‬
‫الواحد ال نىاسة عليه‪.‬‬
‫وقـد نبـه ﷺ عن العلـة بقولـه‪ :‬اللهم ال تىعـل قبري وث ًنـا يعبـد» ‪ ،‬وبقولـه‪:‬‬
‫‪)3‬‬

‫إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساىد؛ فال تتخذوها مساىد» ‪.)4‬‬
‫قبورا ال نىاســـة عندها؛ وألنه قد رون مســـلم في‬
‫ً‬ ‫وأولئك إنما كانوا يتخذون‬
‫صـــــحيحـه‪ ،‬عن أبي مرثـد الغنوي‪ ،‬أن النبي ﷺ قـال‪ :‬ال تصـــــلوا إلى القبور‪ ،‬وال‬
‫تىلسـوا عليها» ‪ ،)5‬وأنه ﷺ قال‪ :‬كانوا إذا مات فيهم الرىل الصـالح بنوا على قبره‬
‫مســىدًا وصــوروا فيه تلك التصــاوير‪ ،‬أولئك شــرار الخلق عند هللا يوم القيامة» ‪،)6‬‬
‫فىم بين التماثيل والقبور‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :−‬وهذه العلة التي ألىلها نهى الشارع» ‪.)7‬‬

‫‪ )1‬رواه مالك في الموجه‪ ،‬كتاب قصـر الصـالة في السـفر ‪ ،)172 /1‬عن عجاء بن يسـار مرس ًـال‪،‬‬
‫وأخرىـه ابن ســــعـد بـالجبقـات ‪ ،)241 ،240 /2‬من جريق مـالـك‪ ،‬وأخرىـه عبـد الر اق ‪/1‬‬
‫‪ )1587 ،406‬وابن أبي شـيبه ‪ )7544 ،150 /2‬كلهم عن يد بن أسـلم مرس ًـال بسـند صـحيح‪.‬‬
‫ووصــــله أحمد ‪ ،)246 /2‬والحميدي ‪ .)1025‬وأبو نعيم في الحلية» ‪)317 /7 ،283 /6‬‬
‫عن أبي هريرة بسـند صـحيح‪ ،‬وصـححه الب ار‪[ .‬ان ر‪ :‬النهج السـديد في تخريج أحادي تيسـير‬
‫‪ .)115 /‬وقد أجال األلباني ‪ −‬في تخريج هذا الحدي ‪ ،‬وصـححه في تحذير‬ ‫الع ي الحميد‪،‬‬
‫الساىد من اتخاذ القبور مساىد ‪.])19 /18‬‬
‫‪ )2‬األم ‪.)465 /1‬‬
‫‪.345‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪.)223 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪.)258 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪.)222 /‬‬ ‫‪ )6‬سبق تخريىه‬
‫‪ )7‬اقتضاء الصراج المستقيم ‪.)680 ،679 ،678 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪228‬‬

‫وقال ابن القيم ‪ :−‬فرون مســـلم في صـــحيحه‪ ،‬عن أبي مرثد الغنوي ‪ −‬أن‬
‫رسول هللا ﷺ قال‪ :‬ال تىلسوا على القبور وال تصلوا إليها» ‪.)1‬‬
‫وفي هذا إبجال قول من عم أن النهي عن الصــالة فيها ألىل النىاســة‪ ،‬فهذا‬
‫أبعد شيء عن مقاصد الرسول ﷺ ‪ .‬وهو باجل من عدة أوىه‪:‬‬
‫منهـا‪ :‬أن األحـاديـ كلهـا لي فيهـا فرق بين المقبرة الحـديثـة والمنبوشـــــة‪ ،‬كمـا‬
‫يقول المعللون بالنىاسة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه صــــلى هللا تعالى عليه وعلى آله وصــــحبه وســــلم) لعن اليهود‬
‫والنصـارن على اتخاذ قبور أنبيائهم مسـاىد‪ ،‬ومعلوم قجعًا أن هذا لي ألىل النىاسة؛‬
‫فإن ذلك ال يخت بقبور األنبياء‪ ،‬وألن قبور األنبياء من أجهر البقاع‪ ،‬ولي للنىاسـة‬
‫عليها جريق البتة‪ ،‬فإن هللا حرم على األرس أن تهكل أىســــادهم ‪ ،)2‬فهم في قبورهم‬
‫جريون‪.‬‬
‫‪)3‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه أخبر أن األرس كلها مسىد‪ ،‬إال المقبرة والحمام ‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫ألىل النىاسة لكان ذكر الحشوع والمىا ر ونحوها أولى من ذكر القبور‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن موضـــ مســـىده صـــلى هللا عليه وعلى آله وســـلم) كان مقبرة‬
‫للمشــركين‪ ،‬فنبع قبورهم وســواها واتخذه مســىدًا‪ ،‬ولم ينقل ذلك التراب‪ ،‬بل ســون‬
‫األرس ومهدها‪ ،‬وصــلى فيه‪ ،‬كما ثبت في الصــحيحين‪ ،‬عن أن بن مالك ‪ :‬قدم‬
‫فسـويت‪،‬‬‫ت‪ ،‬ثم بالخرب ‪ )4‬ض‬ ‫النبي ﷺ المدينة فهمر النبي ﷺ بقبور المشـركين فنض عبشـم ِ‬
‫وبالنخل فقضج ‪ ،‬فصفوا النخل قبلة المسىد» ‪.)5‬‬
‫ومنها‪ :‬أن فتنة الشـــرك بالصـــالة في القبور‪ ،‬ومشـــابهة عباد األوثان‪ ،‬أع م‬
‫بكثير من مفســدة الصــالة بعد العصــر والفىر؛ فإذا نهى عن ذلك س ـدًا لذريعة التشــبه‬
‫كثيرا مـا تـدعو‬
‫ً‬ ‫التي ال تكـاد تخجر ببـال المصـــــلي‪ ،‬فكيف بهـذه الـذريعـة القريبـة التي‬
‫صــاحبها إلى الشــرك ودعاء الموتى‪ ،‬واســتغاثتهم‪ ،‬وجلب الحوائج منهم‪ ،‬واعتقاد أن‬
‫الصـــالة عند قبورهم أفضـــل منها في المســـاىد‪ ،‬وغير ذلك مما هو محادة اهرة هلل‬

‫‪.)258 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪.)250 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪.)326 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬ال ضخرب‪ :‬هو ما تخرب من البناء وهي الخروق في األرس‪ ،‬ان ر‪ :‬المنها في شـــر صـــحيح‬
‫‪.)404 /‬‬ ‫مسلم‪،‬‬
‫‪ )5‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬رقم‪ ،)428 /‬ومسلم‪ ،‬رقم‪.)524 /‬‬
‫‪229‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ورســوله‪ .‬فهين التعليل بنىاســة البقعة من هذه المفســدة؟ ومما يدل على أن النبي ﷺ‬
‫قصد من هذه األمة من الفتنة بالقبور‪ ،‬كما افتتن بها قوم نو ومن بعدهم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه لعن المتخذين عليها المسـاىد‪ ،‬ولو كان ذلك ألىل النىاسـة؛ ألمكن‬
‫أن يتخذ عليها المسىد م تجيينها بجين جاهر‪ ،‬فت ول اللعنة‪ ،‬وهو باجل قجعًا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه قرن في اللعن بين متخذي المساىد عليها‪ ،‬وموقدي السر عليها‪.‬‬
‫فهما في اللعنة قرينان‪ ،‬وفي ارتكاب الكبيرة صــنوان‪ .‬فإن كل ما لعن رســول‬
‫هللا ﷺ فهو من الكبائر‪ ،‬ومعلوم أن إيقاد الســر عليها إنما لعن فاعله‪ ،‬لكونه وســيلة‬
‫إلى تع يمها وىعله نصـبًا يضوفد إليه المشـركون‪ ،‬كما هو الواق ‪ ،‬وكذلك اتخاذ المسـاىد‬
‫عليهـا‪ ،‬ولهـذا قرن بينهمـا؛ فـإن اتخـاذ المســـــاىـد عليهـا تع يم لهـا‪ ،‬وتعريس للفتنـة بهـا؛‬
‫ولهـذا حكى هللا ‪ )‬عن المتغلبين على أمر أصــــحـاب الكهف أنهم قـالوا‪ ( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)‬
‫[الكهف‪.]21:‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه ﷺ قال‪ :‬اللهم ال تىعل قبري وثنًا يعبد‪ .‬اشـــتد غضـــب هللا على‬
‫قــوم اتخــذوا قبــور أنبيائهم مساىد» ‪ .)1‬فذكر ذلك عقب قوله‪ :‬اللهم ال تىعل قبري‬
‫وثنًا يعبد» تنبيه منه على ســبب لحوق اللعن لهم‪ ،‬وهو توصــلهم بذلك إلى أن تصــير‬
‫أوثانًا تعبد‪.‬‬
‫وبالىملة‪ :‬فمن له معرفة بالشــرك وأســبابه وذرائعه‪ ،‬وفهم عن الرســول ﷺ‬
‫مقاصـــده‪ ،‬ى م ى ًما ال يحتمل النقيس أن هذه المبالغة منه باللعن والنهي بصـــيغته‪:‬‬
‫صــيغة ال تفعلوا» وصــيغة إني أنهاكم» لي ألىل النىاســة‪ ،‬بل هو ألىل نىاسـة‬
‫الشـرك الالحقة بمن عصـاه‪ ،‬وارتكب ما عنه نهى‪ ،‬واتب هواه ولم يخع ربه ومواله‪،‬‬
‫وقل نصــيبه أو عدم في تحقيق شــهادة أن ال إله إال هللا‪ .‬فإن هذا وأمثاله من النبي ﷺ‬
‫صـيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشـرك ويغشـاه‪ ،‬وتىريد له وغضـب لربه أن يعدل به‬
‫سواه‪.‬‬
‫فهبى المشــركون إال معصــية ألمره وارتكابًا لنهيه‪ ،‬وغرهم الشــيجان‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫بل هذا تع يم لقبور المشـــايإل والصـــالحين‪ ،‬وكلما كنتم أشـــد لها تع ي ًما‪ ،‬وأشـــد فيهم‬
‫غلوا‪ ،‬كنتم بقربهم أسعد‪ ،‬ومن أعدائهم أبعد‪.‬‬ ‫ً‬
‫ولعمر هللا‪ ،‬من هـذا البـاب بعينـه دخـل على عبـاد يغو ويعوق ونســـــر‪ ،‬ومنـه‬
‫دخل على عباد األصـــنام منذ كانوا إلى يوم القيامة‪ .‬فىم المشـــركون بين الغلو فيهم‬
‫والجعن في جريقهم وهدن هللا أهل التوحيد لســـــلوك جريقتهم‪ ،‬وإن الهم منا لهم التي‬
‫أن لهم هللا إياها‪ :‬من العبودية‪ ،‬وســلب خصــائ األلوهية عنهم‪ ،‬وهذا غاية تع يمهم‬

‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪230‬‬

‫وجاعتهم‪ ،‬فهما المشــركون فعصــوا أمرهم‪ ،‬وتنقصــوهم في صــورة التع يم لهم‪ .‬قال‬
‫الشافعي‪ :‬أكره أن يع م مخلوق حتى يىعل قبره مسىدًا مخافة الفتنة عليه وعلى من‬
‫بعده من النا » ‪.)1‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن حســــن‪ :‬النهي عن الصــــالة فيها لتنىســــها بصــــديد‬
‫األموات‪ ،‬وهذا كله باجل‪ ،‬لوىوه‪:‬‬
‫منها‪ :‬أنه من القول على هللا بال علم‪ ،‬وهو حرام بن الكتاب‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ما قالوه ال يقتضـي لعن فاعله والتغلي ‪ ،‬وما المان له من أن يقول‪:‬‬
‫من صـلى في بقعة نىسـة فعليه لعنة هللا؟ وما يل م على ما قاله هتالء أن النبي ﷺ لم‬
‫يضبين العلـة‪ ،‬وأحـال األمـة في بيـانهـا على من يىيء بعـده ﷺ وبعـد القرون المفضــــلـة‬
‫عا‪ ،‬لما يل م عليه من أن الرســول ﷺ عى عن‬ ‫واألئمة‪ .‬وهذا باجل قجعًا ً‬
‫عقال وشــر ً‬
‫البيـان‪ ،‬أو قصـــــر في البال ‪ .‬وهـذا من أبجـل البـاجـل؛ فـإن النبي ﷺ بلغ البال المبين‪،‬‬
‫وقدرته في البيان فوق قدرة كل أحد‪ ،‬فإذا بجل الال م بجل المل وم‪.‬‬
‫أيضــــا‪ :‬هـذا اللعنض والتغلي الشـــــديـد إنمـا هو فيمن يتخـذ قبور األنبيـاء‬
‫ً‬ ‫ويقـال‬
‫مسـاىد‪ ،‬وىاء في بعس النصـو ما يعم األنبياء وغيرهم‪ ،‬فلو كانت هذه هي العلة؛‬
‫لكانت منتفية في قبور األنبياء‪ ،‬لكون أىســــادهم جرية ال يكون لها صــــديد يمن من‬
‫الصـــــالة عنـد قبورهم‪ .‬فـإذا كـان النهي عن اتخـاذ المســـــاىـد عنـد القبور يتنـاول قبور‬
‫األنبياء بالن ‪ ،‬علم أن العلة ما ذكره هتالء العلماء الذين نقلتض أقوالهم» ‪.)2‬‬
‫قال الشــنقيجي ‪ :−‬واألحادي في هذا الباب كثيرة صــحيحة ال مجعن فيها‪،‬‬
‫وهي تدل داللة واضــحة على تحريم الصــالة في المقبرة؛ ألن كل موض ـ صــلي فيه‬
‫يجلق عليه اسم المسىد‪ ،‬ألن المسىد في اللغة مكان السىود‪ ،‬ويدل لذلك قوله ﷺ في‬
‫الحدي الصـــــحيح‪ :‬وىعلت لي األرس مســـــىدًا» ‪ .)3‬الحدي ‪ .‬أي كل مكان منها‬
‫تىو الصـالة فيه‪ .‬و اهر النصـو المذكورة العموم‪ ،‬سـواء نبشـت المقبرة‪ ،‬واختلج‬
‫ترابها بصــديد األموات أو لم تنبع؛ ألن علة النهي ليســت بنىاســة المقابر كما يقول‬
‫الشـــــافعيـة‪ ،‬بـدليـل اللعن الوارد من النبي ﷺ على من اتخـذ قبور األنبيـاء مســـــاىـد‪،‬‬
‫ومعلوم أن قبور األنبياء صـلوات هللا وسـالمه عليهم) ليسـت نىسـة؛ فالعلة في النهي‬

‫‪ )1‬إغاثة اللهفان‪.‬‬
‫‪ )273 /‬فتح المىيد لشـــر كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حســـن‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬الوليد‬ ‫‪ )2‬ان ر‪:‬‬
‫آل فريان‪.‬‬
‫‪.)334 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪231‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ســــد الذريعة؛ ألنهم إذا عبدوا هللا عند القبور آل بهم األمر إلى عبادة القبور‪ .‬فال اهر‬
‫من النصو المذكورة من الصالة عند المقابر مجلقًا ‪.)1‬‬
‫وقـال ابن عثيمين ‪ : −‬أمـا من علـل ذلـك بـهن علـة النهي عن الصـــــالة في‬
‫المقبرة خشــية أن تكون المقبرة نىســة‪ ،‬فهذا تعليل عليل‪ ،‬بل ميت لم تحل فيه الرو ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ألنها ربما تنبع وفيها صديد من األموات ينى التراب‪.‬‬
‫فيىاب عنه بما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن نبع المقبرة األصل عدمه‪.‬‬ ‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬من يقول إنك ستصلي على تراب فيه صديد؟‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬من يقول‪ :‬إن صديد ميتة اادمي نى ؟‪.‬‬
‫راب ًعـا‪ :‬إنـه ال فرق عنـد هتالء بين المقبرة القـديمـة‪ ،‬والمقبرة الحـديثـة التي يعلم‬
‫أنها لم تنبع؛ فكل هذه المقدمات ال يستجيعون الىواب عنها‪ ،‬فيبجل التعليل بها ‪.)2‬‬
‫وقـال الشـــــيإل صـــــالح الفو ان ‪-‬حف ـه هللا‪ :-‬في الحـديـ دليـل على تحريم‬
‫الصـالة عند القبور وبناء المسـاىد عليها؛ ألن قوله ﷺ‪ :‬فال تتخذوا القبور مسـاىد»‬
‫‪ ،)3‬يشـمل المعنيين‪ :‬الصـالة المىردة عن البناء‪ ،‬أو البناء على القبر‪ ،‬كله من اتخاذها‬
‫مسـاىد‪ ،‬وذلك سـدًا لذريعة الشـرك‪ ،‬ال كما يقول من ن أن العلة هي‪ :‬نىاسـة المكان‪،‬‬
‫فهذه علة غير صحيحة؛ ألن المكان لي فيه نىاسة» ‪.)4‬‬
‫الترىيـح‪ :‬وبعد هذه الىولة الجويلة ي هر لنا ما يلي‪:‬‬
‫أن الصالة في المساىد التي فيها قبر أو قبور محرمة؛ لنهيه ﷺ‪ ،‬ولخصو‬
‫حدي نهي رســـول هللا ﷺ عن الصـــالة في المقبرة أو الحمام ‪ ،)5‬وعمومية حدي ‪:‬‬
‫وجهورا» ‪ .)6‬وإعمـال حـديـ النهي عن الصـــــالة في‬ ‫ً‬ ‫ىعلـت لي األرس مســــىـدًا‬
‫المقبرة أو الحمام ال يقتضـــي ســـلب أمة محمد ﷺ من م يتها في الصـــالة في ىمي‬
‫الصـقاع والبقاع‪ ،‬فاألمم السـالفة ال تصـح منهم الصـالة إال في البي والكنائ ‪ ،‬وأما أمة‬
‫محمد ﷺ ولو منعت من الصــالة في المقبرة أو الحمام اســتثنا ًء من العموم‪ ،‬ت ل لها‬

‫‪ )1‬أضواء البيان ‪ )153 /3‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ج ‪1413‬هـ)‪.‬‬


‫‪ )2‬الشر الممت ‪.)287 /2‬‬
‫‪.)223 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬إعانة المستفيد بشر كتاب التوحيد‪ )411 /1 ،‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪.)261 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪.)334 /‬‬ ‫‪ )6‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪232‬‬

‫م ية الصـالة في الدور وفي الصـحاري والجرقات والحدائق والجائرات والسـفن‪ ،‬وال‬


‫ينق من م يتها تحريم الصالة في موجن يفضي إلى الشرك وقد يوصل إليه‪.‬‬
‫‪ )1‬اتضـح لنا بهن علة النهي عن الصـالة في القبور لي سـببه تهثرها بنىاسـة‬
‫ما يخر من األموات من صديد أو نحوه‪ ،‬وذلك ألسباب منها‪:‬‬
‫أن الصـديد مختلف في نىاسـته‪ ،‬ولو فرضـنا نىاسـته‪ ،‬وسـلَّمنا لقائل هذا القول‪،‬‬
‫فإن السبب الثاني‪ :‬لي له مخر ‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫حرم‬
‫أن اللعن قد حصــل لمن اتخذوا قبور أنبيائهم مســاىد‪ ،‬ومعلوم بهن هللا قد َّ‬
‫على األرس أىســاد األنبياء‪ ،‬فهىســادهم جاهرة‪ ،‬وليســت نىســة‪ ،‬فانتفت هذه العلة‪،‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن نهيه ﷺ عن الصـــالة في المقبرة لم يبيعن فيها في حدي واحد العلة‪ ،‬فدل‬
‫على أن هذه العلة ضعيفة‪.‬‬
‫محرمة‪ ،‬وعلى من صلى في القبر ا عادة؛ ألن النهي‬ ‫َّ‬ ‫‪ )2‬أن الصالة في القبر‬
‫يقتضـي الفسـاد والبجالن‪ ،‬أما تمادي أن في الصـالة عند القبر عندما نهاه‬
‫عمر‪ ،‬فكان كما صـر شـيإل البخاري ‪ −‬كان لسـبب تصـحيف الكلمة عند‬
‫أن فكـان ي ن أن المقصـــــود القمر فلمـا فهم أنـه القبر توقف‪ ،‬وابتعـد عن‬
‫القبر؛ لعلمه بعدم صـــــحة الصـــــالة عنده كذلك‪ ،‬يادة على أن هذا الخبر‬
‫موقوف على صــحابي والمرفوع للرســول ﷺ النهي الصــريح الواضــح‪.‬‬
‫وهذا هو الراىح فيما هر لي من أقوال أهل العلم‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬وصــلى هللا‬
‫على نبينا محمد‪.‬‬
‫الفصل الساد‬
‫ال يـارة‬
‫وفيها عدة مباح ‪:‬‬ ‫*‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬حكم يارة الرىال للقبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬حكم يارة النساء للقبور‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬شد الرحال ل يارة القبور والرد على ض‬
‫شبه المىي ين‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الراب ‪ :‬حكم اتخاذ القبور عيدًا‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫المجلب األول‪ :‬تعريف العيد‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬األدلة التي تبين حرمة اتخاذ القبور أعيادًا‪.‬‬
‫المجلب الثال ‪ :‬من م اهر اتخاذ القبور أعيادًا‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -‬المبح الخام ‪ :‬شد الرحال ل يارة قبر الرسول ﷺ‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬


‫المجلب األول‪ :‬حكم يارة قبر الرسول ﷺ ‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬حكم شد الرحال ل يارة قبره ﷺ والرد على أدلة المىو ين‪.‬‬
‫المجلب الثال ‪ :‬آداب يارة قبر الرسول ﷺ ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪234‬‬

‫المبح األول‬
‫حكم يارة الرىال للقبور‬
‫تعتبر يـارة القبور من األمور التي اعتـادهـا البشـــــر‪ ،‬وكـان أهـل الىـاهليـة‬
‫يتفـاخرون في يـارة المقـابر‪ ،‬فىـاء ا ســـــالم وحرم ال يـارة؛ حتى يقج على القلوب‬
‫التعلق بها‪ ،‬فلما اسـتقر ا يمان بقلوب الصـحابة أذن لهم النبي ﷺ ب يارتها حي قال‬
‫ﷺ‪ :‬نهيتكم عن يارة القبور ف وروها» ‪.)1‬‬
‫قـال النووي ‪ : −‬هـذا من األحـاديـ التي تىم النـاســـــإل والمنســـــوأل‪ ،‬وهي‬
‫صــريحة في نســإل نهي الرىال عن يارتها‪ ،‬وأىمعوا على أن يارتها ســنة لهم ‪.)2‬‬
‫وقـال الحـاف ‪ −‬عنـدمـا علق على حـديـ مرور النبي ﷺ بـالمرأة تبكي عنـد قبر ‪،)3‬‬
‫قولـه‪ :‬بـاب يـارة القبور أي مشـــــروعيتهـا‪ ،‬وكـهنـه لم يصـــــر بـالحكم؛ لمـا فيـه من‬
‫الخالف كما ســــيهتي‪ ،‬وكان المصــــنف لم يثبت على شــــرجه األحادي المصــــرحة‬
‫بـالىوا ‪ ،‬ثم حكى قول النووي بـهنهم اتفقوا على أن يـارة القبور للرىـال ىـائ ة‪ .‬كـذا‬
‫أجلقوا‪ ،‬وفيه ن ر؛ ألن ابن أبي شـيبة وغيره رووا عن ابن سـيرين‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪،‬‬
‫والشـعبي‪ :‬الكراهة مجلقًا‪ ،‬حتى قال الشـعبي‪ :‬لوال نهي النبي ﷺ ل رت قبر ابنتي ‪.)4‬‬
‫فلعل من أجلق أراد باالتفاق ما اســــتقر عليه األمر بعد هتالء‪ ،‬وكهن هتالء لم يبلغهم‬
‫الناسإل‪ .‬وهللا أعلم ‪.)5‬‬
‫قال شـــيإل ا ســـالم معلقًا على قوله ﷺ‪ :‬ف وروها» ‪ ،)6‬وهذا يدل على أن‬
‫النهي كان لما كان يقال عندها من األقوال المنكرة سدًا للذريعة ‪.)7‬‬
‫وقـال ابن بجـال‪ :‬النهي عن يـارة القبور إنمـا كـان في أول ا ســـــالم عنـد‬
‫قربهم بعبادة األوثان واتخاذ القبور مســاىد ‪-‬وهللا أعلم‪-‬؛ فلما اســتحكم ا ســالم وقوي‬

‫‪ )1‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب استئذان النبي ﷺ ربه في يارة قبر أمه‪ ،‬رقم‪.)977 /‬‬
‫‪ )2‬المنها في شر صحيح مسلم بن الحىا ‪[ .)622‬ان ر‪ :‬المفهم للقرجبي ‪.])632 /2‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب يارة القبور‪ ،‬رقم‪.)1283 /‬‬
‫‪.)359 /‬‬ ‫‪ )4‬سيهتي تخريىه‬
‫‪ )5‬فتح الباري ‪.)177 /3‬‬
‫‪.)210 /‬‬ ‫‪ )6‬سبق تخريىه‬
‫‪ )7‬الىواب الباهر ‪ ،)234‬ىهود شــيإل ا ســالم في الرد على القبوريين‪ ،‬م تحقيق كتابه الىواب‬
‫البـاهر في وار المقـابر‪ ،‬إعـداد‪ :‬إبراهيم الخلف‪ ،‬رســـــالـة الىـامعـة ا ســـــالميـة في المـدينـة‬
‫‪1420‬هـ)‪ ،‬لم تجب ‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫في قلوب النا ‪ ،‬وأمنت عبادة القبور والصــالة إليها‪ ،‬نض عســ مإل النهي عن يارتها؛ ألنها‬
‫تذكر ااخرة‪ ،‬وت هد في الدنيا» ‪.)1‬‬
‫وقال ابن ح م‪ :‬ويستحب يارة القبور‪ ،‬وهي فرس ولو مرة» ‪.)2‬‬
‫قـال ابن القيم ‪ :−‬وكـان رســـــول هللا ﷺ قـد نهى الرىـال عن يـارة القبور‬
‫ســـ ـدًا للـذريعـة؛ فلمـا تمكن التوحيـد في قلوبهم أذن لهم في يـارتهـا على الوىـه الـذي‬
‫هىرا‪ ،‬فمن ارها على غير الوىه المشـروع الذي يحبه هللا‬ ‫ً‬ ‫شـرعه‪ ،‬ونهاهم أن يقولوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورسوله؛ فإن يارته غير مهذون فيها‪ ،‬ومن أع م الهىر‪ :‬الشرك عندها قوال وفعال‪.‬‬
‫ضـا‪ :‬فهذه ال يارة التي شـرعها رسـول هللا صـلى هللا تعالى عليه وعلى‬ ‫وقال أي ً‬
‫َّ‬
‫آله وصــحبه وســلم) ألمته‪ ،‬وعلمهم إياها‪ ،‬هل تىد فيها شــيئًا مما يعتمده أهل الشــرك‬
‫والبدع؟ أم تىدها مضادة لما هم عليه من كل وىه؟» ‪.)3‬‬
‫وقال المناوي ‪ )4‬في شــر الحدي ‪ :‬كنت نهيتكم عن يارة القبور» لحدثان‬
‫عهدكم بالكفر‪ ،‬وأما اان حي انمحت آثار الىاهلية‪ ،‬واسـتحكم ا سـالم‪ ،‬وصـرتم أهل‬
‫يقين وتقون‪ ،‬ف وروا القبور) أي‪ :‬بشــــرج أال يقترن بذلك تمســــح بالقبر أو تقبيل أو‬
‫سـىود عليه أو نحو ذلك‪ ،‬فإنه كما قال السـبكي‪ :‬بدعة منكرة‪ ،‬إنما يفعلها ال ضى َّهال فإنها‬
‫ت هـد في الـدنيـا وتـذكر ااخرة) ونعم الـدواء لمن قســـــا قلبـه‪ ،‬ول مـه ذنبـه؛ فـإن انتف‬
‫با كثار منها فذاك‪ ،‬وإال أكثر من مشــــاهدة المحتضــــرين؛ فلي الخبر كالعيان‪ ،‬قال‬
‫القـاضـــــي‪ :‬الفـاء متعلق بمحـذوف؛ أي‪ :‬نهيتكم عن يـارتهـا مبـاهـاة بتكـاثر األموال فعـ مل‬
‫ور ض رقة‬ ‫الىاهلية‪ ،‬وأما اان فقد ىاء ا سالم‪ ،‬وهدم قواعد الشرك‪ ،‬ف وروها؛ فإنها ت ض ع‬
‫القلب‪ ،‬وتذكر الموت والبلى» ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬شــر صــحيح البخاري البن بجال ‪ ،)271 /3‬ضــبج نصــه وعلق عليه‪ :‬أبو تميم ياســر بن‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫‪ )2‬المحلى ‪.)388 /3‬‬
‫‪.)206 ،205 /‬‬ ‫‪ )3‬إغاثة اللهفان‪،‬‬
‫‪ )4‬العالمـة الشـــــيإل محمـد عبـد الرتوف بن تـا العـارفين المنـاوي القـاهري‪ ،‬لـه متلفـات كثيرة منهـا‬
‫فيس القدير شر الىام الصغير‪ ،‬ولد سنة ‪952‬هــ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪1031‬هــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم‬
‫‪.])204 /6‬‬
‫‪ )5‬فيس القدير ‪.)71 /5‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪236‬‬

‫وقال الصــنعاني ‪ :−‬وهذا يدل على مشــروعية يارة القبور وبيان الحكمة‬
‫فيهـا‪ ،‬وأنهـا لالعتبـار‪ ،‬فـإن في لف حـديـ ابن مســـــعود‪ :‬فـإنهـا عبرة وذكر لآلخرة‪،‬‬
‫والت هيد في الدنيا» ‪.)1‬‬
‫عا‪ ،‬وحدي بريدة ‪ )2‬ىم فيه بين ذكر‪:‬‬ ‫فإن خلت من هذه‪ ،‬لم تكن مراده شــر ً‬
‫أوال عن يـارتهـا‪ ،‬ثم أذن فيهـا أخرن‪ ،‬وفي قولـه‪ :‬ف وروهـا» أمر‬ ‫أنـه ﷺ كـان نهى ً‬
‫للرىال بال يارة‪ ،‬وهو أمر ندب اتفاقًا‪ ،‬ويتهكد في حق الوالدين اثار في ذلك ‪.‬‬
‫‪)3‬‬

‫وقال الشــوكاني عند شــر الحدي ‪ :‬فيها مشــروعية يارة القبور‪ ،‬ونســإل‬
‫النهي من ال يـارة‪ ،‬وقـد حكى النووي‪ :‬اتفـاق أهـل العلم على أن يـارة القبور ىـائ ة‪.‬‬
‫قال الحاف ‪ :‬كذا أجلقوه وفيه ن ر؛ ألن ابن أبي شـــيبة وغيره رووا عن ابن ســـيرين‪،‬‬
‫وإبراهيم النخعي‪ ،‬والشـعبي أنهم كرهوا ذلك مجلقًا‪ ،‬حتى قال الشـعبي‪ :‬لوال نهي النبي‬
‫ﷺ ل رت قبر ابنتي‪ ،‬فلعل من أجلق‪ ،‬أراد باالتفاق ما اســـتقر عليه األمر بعد هتالء‪،‬‬
‫وكهن هتالء لم يبلغهم الناســإل‪ ،‬وهللا أعلم‪ .‬وذهب ابن ح م إلى أن يارة القبور واىبة‬
‫ولو مرة واحـدة في العمر لورود األمر بـه‪ .‬وهـذا يتن ل على الخالف في األمر بعـد‬
‫النهي‪ ،‬هــل يفيــد الوىوب أو مىرد ا بــاحــة فقج‪ ،‬والكالم في ذلــك مســـــتوفي في‬
‫األصول» ‪.)4‬‬
‫ف يارة القبور مجلقًا‪ ،‬فيها عدة أقوال ألهل العلم‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬الكراهة‪ ،‬وعلة هتالء أن أحادي النهي لم تنســــإل؛ ألن أحادي‬
‫النسـإل ليسـت مشـهورة‪ ،‬ولهذا لم يخر أبو عبد هللا البخاري ما فيه نسـإل عام ‪ ،)5‬وهذا‬
‫ب للشـعبي؛ حي قال‪ :‬لوال أن رسـول ﷺ نهى عن يارة القبور‪ ،‬ل رت‬ ‫القول يض ِن م‬
‫سـ ض‬
‫‪)6‬‬
‫قبر ابنتي» ‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىـه ابن مـاىـه‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في يـارة القبور‪ ،‬رقم‪ .)1593 /‬وقـد ضـــــعفـه‬
‫األلباني وقال‪ :‬ضــعيف‪ .‬وقد صــح في أحادي أخرن دون ىملة الت هيد‪[ .‬ان ر‪ :‬ضــعيف ســنن‬
‫‪ ،)122 /‬حدي ‪.])307‬‬ ‫ابن ماىه‪،‬‬
‫‪ )2‬أخرىه مســلم‪ ،‬و اد الترمذي لف ه فإنها تذكر ااخرة)‪ ،‬وصــحح هذه ال يادة‪ .‬ســنن الترمذي‪،‬‬
‫كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في الرخصة في يارة القبور‪ ،‬رقم‪.)1054 /‬‬
‫‪ )3‬سبل السالم ‪[ .)774 /2‬ان ر‪ :‬الفتح ‪.])177 /3‬‬
‫‪ )4‬نيل األوجار ‪.)564 /4‬‬
‫‪.)234 /‬‬ ‫‪ )5‬الىواب الباهر في وار المقابر‪،‬‬
‫‪ )6‬أخرىـه عبـد الر اق‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب في يـارة القبور‪ ،)6706 ،‬وابن أبي شـــــيبـة‪ ،‬كتـاب‬
‫الىنائ ‪ ،‬باب من كره يارة القبور‪ ،‬رقم‪ )11 /‬في الباب‪ ،‬وأورده ابن بجال ‪.)269 /3‬‬
‫‪237‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ً‬
‫معلال‪ :‬وأ ن‬ ‫كمـا وردت الكراهيـة عن ابن ســـــيرين ‪ ،)1‬وقـال ابن بجـال‬
‫الشعبي والنخعي لم تبلغهم أحادي ا باحة‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)2‬‬
‫ضضعف يارتها» ‪.)3‬‬ ‫وحكي عن مالك ‪ :−‬أنه كان ي ع‬
‫وقـال ابن بجـال معلقًـا على مـا حكي عن مـالـك‪ :‬وقولـه‪ :‬الـذي تعضـــــد ااثـار‬
‫وعمل به السلف‪ ،‬أولى بالصواب» ‪.)4‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن يارة القبور مباحة‪ :‬قال شـيإل ا سـالم‪ :‬ثم قال جائفة منهم‪:‬‬
‫إنما نســـإل إلى ا باحة‪ ،‬ف يارة القبور مباحة ال مســـتحبة‪ ،‬وهذا قول في مذهب مالك‪،‬‬
‫وأحمد قالوا‪ :‬ألن صيغة افعل بعد الح ر إنما تفيد ا باحة» ‪.)5‬‬
‫وكقولـه ﷺ‪ :‬كنـت نهيتكم عن يـارة القبور ف وروهـا» ‪ ،)6‬وهـذا يـدل على‬
‫أن النهي لما كان يقال عندها من األقوال المنكرة سدًا للذريعة ‪.)7‬‬
‫وقـد بوب الترمـذي في ىـامعـه بقولـه‪ :‬بـاب مـا ىـاء في الرخصـــــة في يـارة‬
‫القبور» ‪ )8‬وهذا يوحي بهن األصل عنده ا باحة‪ ،‬ولي االستحباب‪.‬‬
‫القول الثال ‪ :‬إن يارتها أمر مســتحب‪ :‬قال شــيإل ا ســالم‪ ،‬وقال األكثرون‪:‬‬
‫يارة قبور المتمنين مســـتحبة للدعاء للموتى م الســـالم عليهم‪ ،‬كما كان النبي ﷺ‬
‫يخر إلى البقي فيدعو لهم‪ .‬وكما ثبت عنه ﷺ في الصـحيحين‪ ،‬أنه خر إلى شـهداء‬
‫أحد‪ ،‬فصلَّى عليهم صالته على الموتى‪ ،‬كالمودع لءحياء واألموات» ‪.)9‬‬
‫ضعلم أصـــحابه إذا اروا القبور أن يقولوا‪ :‬الســـالم‬ ‫وثبت عنه ﷺ أنه كان ي ع‬
‫عليكم أهل الديار من المتمنين‪ ،‬وإنا ‪-‬إن شــاء هللا‪ -‬بكم الحقون‪ ،‬يرحم هللا المســتقدمين‬

‫‪ )1‬مصنف أبي شيبة نف الكتاب والباب‪ ،‬وابن بجال في شر صحيح البخاري ‪.)270 /3‬‬
‫‪ )2‬المرى السابق ‪.)270 /3‬‬
‫‪ )3‬المرى السابق‪ ،‬والىواب الباهر لشيإل ا سالم ‪.)232‬‬
‫‪ )4‬شر ابن بجال لصحيح البخاري ‪.)270 /3‬‬
‫‪ )5‬وهذه من المسـائل المبحوثة في أصـول الفقه‪ .‬ان ر‪ :‬ن هة الخاجر العاجر‪ ،‬وىنة المنا ر‪ ،‬لعبد‬
‫الرحمن الدمشـــقي‪ ،‬واألصـــل البن قدامة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬شـــر روضـــة النا ر البن قدامة ‪،121 /1‬‬
‫‪ ،)175 -169 /‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول‪،‬‬ ‫‪ ،)122‬وإرشاد الفحول للشوكاني‪،‬‬
‫لمحمد بن علي الشوكاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد البدري‪.‬‬
‫‪.)210 /‬‬ ‫‪ )6‬سبق تخريىه‬
‫‪.)234 /‬‬ ‫‪ )7‬الىواب الباهر‪،‬‬
‫‪ )8‬ان ر‪ :‬ىام الترمذي المشـــهور بســـنن الترمذي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في الرخصـــة في‬
‫يارة القبور‪ ،‬رقم‪.)1054 /‬‬
‫‪.)292 /‬‬ ‫‪ )9‬ستهتي هذه األحادي وتخريىها‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪238‬‬

‫منا ومنكم والمســتهخرين‪ ،‬نســهل هللا لنا ولكم العافية‪ ،‬اللهم ال تحرمنا أىرهم‪ ،‬وال تفتنا‬
‫بعدهم‪ ،‬واغفر لنا ولهم» ‪.)1‬‬
‫وحكى النووي ا ىماع على أن يارة القبور مســـتحبة حي قال‪ :‬وأىمعوا‬
‫ســنَّة» ‪ ،)2‬ودعون ا ىماع هذه ليســت صــحيحة‪ ،‬كما مر معنا من‬ ‫على أن يارتها ض‬
‫اختالف أهل العلم‪.‬‬
‫ً‬
‫مجلقـا ن عليـه‪ ،‬وعليـه‬ ‫ويســـــتحـب للرىـال يـارة القبور‪ .‬هـذا المـذهـب‬
‫ىماهير األصحاب» ‪ .)3‬وهناك قول راب وهو وىوبها مرة في العمر ‪.‬‬
‫‪)4‬‬

‫وال شــك أن األقوال الثالثة األولى لها ح من الن ر‪ ،‬قال شــيإل ا ســالم ‪:−‬‬
‫أمرا محر ًما من شرك‬ ‫واألقوال الثالثة صحيحة باعتبار ‪ ،)5‬فإن ال يارة إذا تضمنت ً‬
‫أو كذب أو ندب أو نيـاحة أو قول هىر) فهي محرمة با ىمـاع‪ ،‬ك يارة المشـــــركين‬
‫باهلل‪ ،‬والســـاخجين لحكم هللا؛ فإن هتالء يارتهم محرمة‪ ،‬فإنه ال يقبل دين ا ســـالم‪،‬‬
‫وهو االسـتسـالم لخلقه وأمره فيسـلم لما قدره وقضـاه‪ ،‬ويسـلم لما يهمر به ويحبه‪ ،‬وهذا‬
‫نفعله وندعو له‪ ،‬وذاك نســـلمه ونتوكل فيه عليه‪ ،‬فنرضـــى باهلل ربًا‪ ،‬وبا ســـالم دينًا‪،‬‬
‫وبمحمد نبيًا‪ ،‬ونقول في صــالتنا‪ ( :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الفاتحة‪ .]4 :‬مثل قوله تعالى‪( :‬ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ) [هود‪ .]123 :‬وقولـه تعـالى‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة‪( .]153 :‬ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [هود‪.]115 ،114 :‬‬
‫والنوع الثـاني‪ :‬يـارة القبور لمىرد الح ن على الميـت لقرابتـه أو صـــــداقتـه؛‬
‫فهـذه مبـاحـة‪ ،‬كمـا يبـا البكـاء على الميـت‪ ،‬بال نـدب وال نيـاحـة‪ ،‬كمـا ار النبي ﷺ قبر‬
‫أمه‪ ،‬فبكى وأبكى ‪ )6‬من حوله وقال‪ :‬وروا القبور؛ فإنها تذكركم بااخرة» ‪.)7‬‬

‫‪ )1‬أصــــل هذا الحدي عند مســــلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما يقال عند دخول القبور‪ ،‬رقم‪.)974 /‬‬
‫ونصـــه‪ :‬الســـالم عليكم دار قوم متمنين‪ ،‬وأتاكم ما توعدون غدًا‪ ،‬متىلون وإن شـــاء هللا بكم‬
‫الحقون‪ ،‬اللهم اغفر ألهل بقي الغرقد»‪.‬‬
‫‪ )622 /‬المنها في شـــر مســـلم بن الحىا ‪ ،‬للنووي‪ ،‬جب بيت األفكار الدولية للنشـــر‬ ‫‪)2‬‬
‫والتو ي ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ )3‬ا نصاف ‪.)264 /6‬‬
‫‪ )4‬المحلى ‪.)388 /3‬‬
‫‪ )5‬النوع األول‪.‬‬
‫‪.)365 /‬‬ ‫‪ )6‬سيهتي تخريىه‬
‫‪.)285 /‬‬ ‫‪ )7‬سبق تخريىه‬
‫‪239‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ثم قـال‪ :‬فهـذه ال يـارة كـان نهى عنهـا؛ لمـا كـانوا يفعلون) من المنكر‪ ،‬فلمـا‬
‫عرفوا ا ســـالم أذن فيها؛ ألن فيها مصـــلحة‪ ،‬وهي تذكر الموت‪ ،‬فكثير من النا إذا‬
‫رأن قريبـه وهو مقبور ذكر الموت واســـــتعـد لآلخرة‪ ،‬وقـد يحصـــــل منـه ى ع‪،‬‬
‫فيتعـارس) األمران ونف الىن مبـا ‪ ،‬إن قصـــــد بـه جـاعـة كـان جـاعـة‪ ،‬وإن عمـل‬
‫معصية كان معصية‪.‬‬
‫وأما النوع الثال ‪ :‬فهو يارتها للدعاء لها‪ ،‬كالصــــالة على الىنا ة‪ ،‬فهذا هو‬
‫يعلم‬
‫المســــتحب الذي دلت عليه الســــنة على اســــتحبابه؛ ألن النبي ﷺ فعله‪ ،‬وكان ع‬
‫أصحابه ما يقولون إذا اروا القبور ‪.)1‬‬
‫الترىيـــــح‪ :‬وال شك بهن يارة القبور إذا كانت وفق األهداف الشرعية؛ فإنها‬
‫مسـتحبة‪ ،‬ولو كان لف ف وروها» صـدر بصـيغة األمر‪ ،‬والذي عليه علماء األصـول‬
‫أن األمر بعد الح ر يقتضـــي الحلة وا باحة‪ ،‬ولكن الندب واالســـتحباب أ ض عخ مذ من غير‬
‫هـذا الن ‪ ،‬وإنمـا أ ض عخـ مذ من أفعـالـه ﷺ وأفعـال أصــــحـابـه؛ فقـد ثبـت عنـه ﷺ يـارة‬
‫القبور‪ ،‬فعن عقبة بن عامر قال‪ :‬صــلى رســول هللا على قتلى أحد بعد ثماني ســنين‬
‫كالمودع لءحياء واألموات» ‪.)2‬‬
‫وعن عائشـة أنها قالت‪ :‬كان رسـول هللا ﷺ كلما كان ليلتها من رسـول هللا ﷺ‬
‫يخر من آخر الليل إلى البقي ‪ ،‬فيقول‪ :‬السالم عليكم دار قوم متمنين‪.)3 »...‬‬
‫وفي البـاب أحـاديـ أخرن‪ ،‬كلهـا تتيـد مـا ذهـب إليـه الىمهور من اســـــتحبـاب‬
‫دليال‪ ،‬وال قرينـة‪ ،‬فـإن في وروده‬‫ً‬ ‫يـارة القبور‪ ،‬وعـدم ورود الحـديـ في البخـاري لي‬
‫عنـد مســــلم وغيره غنيـة ‪-‬وهلل الحمـد‪ -‬فـإن صـــــحيح ا مـام البخـاري م ىاللـة قـدره‬
‫وكتابه‪ ،‬لي هو المصـدر الوحيد لءحادي الصـحيحة؛ فدواوين ا سـالم كمسـند أحمد‪،‬‬
‫وصــحيح مســلم‪ ،‬والســنن األربعة‪ ،‬وموجه مالك وغيرها مليئة باألحادي الصــحيحة‬
‫التي لم يخرىهـا البخـاري‪ ،‬ال لعـدم صـــــحتهـا ولكن لعـدم موافقتهـا لشـــــرجـه‪ ،‬أو عـدم‬
‫وصولها إليه‪ ،‬وهو قد بين ذلك ‪ .−‬ويتفرع من هذه المسهلة‪:‬‬
‫مســـهلة‪ :‬هل ي ار قبر الكافر كما ي ار قبر المســـلم؟‪ .‬الذي عليه الىمهور بهن‬
‫يارة قبور المشركين مستحبة انجالقًا من إذنه ﷺ ا ذن العام في يارة القبور‪ ،‬قال‬

‫‪.)237 ،236 /‬‬ ‫‪ )1‬الىواب الباهر‪،‬‬


‫‪ )2‬أخرىـه البخـاري‪ ،‬كتـاب المغـا ي‪ ،‬بـاب غ وة أحـد‪ ،‬رقم‪ .)4042 /‬وأخرىـه مســـــلم‪ ،‬كتـاب‬
‫الفضائل‪ ،‬باب إثبات حوس النبي ﷺ وصفاته‪ ،‬رقم‪.)2296 /‬‬
‫‪ )3‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما يقال عند دخول القبور‪ ،‬رقم‪.)974 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪240‬‬

‫شـــــيإل ا ســـــالم‪ :‬فقـد أذن النبي ﷺ في يـارتهـا بعـد النهي‪ ،‬وعلـل ذلـك بـهنهـا تـذكر‬
‫الموت‪ ،‬والدار ااخرة‪ ،‬وأذن إذنًا عا ًما في يارة قبر المسلم والكافر» ‪.)1‬‬
‫أن ي ور المسلم قبر حميمه المشرك» ‪.)2‬‬ ‫قال ابن ح م ‪ :−‬وال به‬
‫يـارة المشـــــركين في الحيـاة وقبورهم بعـد الوفـاة»‬ ‫وقـال النووي ‪ :−‬ىوا‬
‫‪.)3‬‬
‫ً‬
‫رىال أو امرأة‪،‬‬ ‫وقال ابن حىر ‪ :−‬بىوا يارة القبور‪ ،‬سـواء أكان ال ائر‬
‫كافرا؛ لعدم االســـتفصـــال في ذلك»‪ ،‬وقال صـــاحب‬‫ً‬ ‫وســـواء أكان الم ور مســـل ًما أو‬
‫الحـاوي‪ :‬ال تىو يـارة قبر الكـافر‪ ،‬وهو غلج‪ .‬انتهى‪ .‬وحىـة المـاوردي ( ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫)‪ ،‬وفي االستدالل به ن ر» ‪.)4‬‬
‫والـدليـل الـذي اعتمـد عليـه الىمهور في ىوا يـارة قبر الكـافر؛ مـا رواه أبو‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رســــول هللا ﷺ‪ :‬اســــتهذنت ربي أن أســــتغفر ألمي فلم يهذن لي‪،‬‬
‫واستهذنته أن أ ور قبرها فهذن لي» ‪.)5‬‬
‫وفي روايـة أخرن عن أبي هريرة قـال‪ :‬ار النبي ﷺ قبر أمـه‪ ،‬فبكى وأبكى‬
‫من حوله‪ ،‬فقال‪ :‬اســـتهذنت ربي في أن أســـتغفر لها فلم يتذن لي‪ ،‬واســـتهذنته في أن‬
‫أ ور قبرها فهذن لي‪ ،‬ف وروا القبور؛ فإنها تذكر الموت» ‪.)6‬‬
‫وهـذا الحـديـ واضـــــح الـداللـة بىوا يـارة قبور المشـــــركين؛ ألن الع ـة‬
‫واالعتبار تحصل في يارة قبر الكافر‪ ،‬كما تحصل في يارة قبر المسلم‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ )1‬اقتضاء الصراج المستقيم ‪.)670 /2‬‬


‫‪ )2‬المحلى ‪.)388 /3‬‬
‫‪.)622 /‬‬ ‫‪ )3‬المنها في شر صحيح مسلم‪ ،‬للنووي‪،‬‬
‫‪ )4‬فتح الباري ‪.)178 /3‬‬
‫‪ )5‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب استئذان النبي ﷺ ربه تعالى في يارة قبر أمه‪ ،‬رقم‪.)976 /‬‬
‫‪ )6‬المرى السابق‪ ،‬رقم‪.)976 /‬‬
‫‪241‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثاني‬
‫حكم يارة النساء للقبور‬
‫من األمور التي حد فيها ن اع وخالف بين أهل العلم مســهلة يارة النســاء‬
‫للقبور؛ فـالىمي قـد اتفقوا على أن يـارة القبور في أول ا ســـــالم كـانـت محرمـة على‬
‫الـذكور وا نـا ‪ ،‬ثم ىـاء ا ذن في ذلـك من الرســـــول ﷺ ألصــــحـابـه بـال يـارة بعـد‬
‫اســـتقرار التوحيد في قلوبهم؛ ففهم منه بعس أهل العلم أن ا ذن خا للرىال‪ ،‬وأما‬
‫النســــاء فهن باقيات على أصــــل التحريم‪ ،‬وفهم بعضــــهم ااخر بهن الخجاب للذكور‬
‫وا نا ‪ .‬وســـوف أتجرق ‪-‬بإذن هللا‪ -‬في هذه الرســـالة إلى هذه المســـهلة في تفصـــيل‬
‫واس ‪.‬‬
‫فلقـد اختلف أهـل العلم في هـذه المســـــهلـة في عـدة أقوال‪ :‬قـال النووي ‪ −‬في‬
‫مىموعه‪ :‬وأما النســاء‪ ،‬فقال المصــنف وغيره‪ :‬ال تىو لهن ال يارة‪ ،‬وهو اهر‬
‫هـذا الحـديـ ‪ ،‬ولكن الـذي قج بـه الىمهور أنهـا مكروهـة لهن كراهـة تن يـه‪ ،‬وليســـــت‬
‫حرا ًما» ‪.)1‬‬
‫وقال ابن ح م ‪ :−‬ونســتحب يارة القبور‪ ،‬وهي فرس ولو مرة‪ ،‬وال به‬
‫بهن ي ور المسلم قبر حميمه المشرك‪ ،‬والرىال والنساء سواء» ‪.)2‬‬
‫ويضســـتحب للرىال يارة القبور‪ .‬وهل تضكره للنســـاء؟» ‪ ،)3‬فاختلفوا في هذه‬
‫المسهلة على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫‪)4‬‬
‫القول األول‪ :‬ا باحة ‪ ،‬واستدل هتالء بما يلي‪:‬‬
‫‪)5‬‬
‫‪ )1‬قولـه ﷺ‪ :‬نهيتكم عن يـارة القبور ف وروهـا» ‪ .‬فقـالوا‪ :‬الخجـاب هنـا‬
‫للرىال والنساء‪.‬‬
‫‪ )2‬أن الرســـــول ﷺ مر بـامرأة تبكي عنـد قبر‪ ،‬فقـال‪ :‬اتقي هللا واصـــــبري‪:‬‬
‫قالت‪ :‬إليك عني‪ ،‬فإنك لم تصــب بمصــيبتي ولم تعرفه‪ .‬فقيل لها‪ :‬إنه النبي ﷺ‪ ،‬فهتت‬

‫‪ )1‬المىموع ‪.)180 /5‬‬


‫‪ )2‬المحلى ‪.)388 /3‬‬
‫‪ )3‬المقن ‪.)264 /6‬‬
‫‪ )4‬المحلى ‪ ،)388 /3‬والمقن ‪.)264 /6‬‬
‫‪.)210 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪242‬‬

‫النبي ﷺ‪ ،‬فلم تىد عنده بوابين‪ ،‬فقالت‪ :‬لم أعرفك‪ .‬فقال‪ :‬إنما الصـــبر عند الصـــدمة‬
‫األولى» ‪.)1‬‬
‫قـال الحـاف ابن حىر ‪ :−‬فال مـان من ا ذن؛ ألن تـذكر الموت يحتـا إليـه‬
‫أيضـــا معلقًا على الحدي ‪ :‬واســـتدل به على ىوا يارة‬
‫ً‬ ‫الرىال والنســـاء»‪ .‬وقال‬
‫‪)2‬‬ ‫ً‬
‫القبور سواء أكان ال ائر رىال أو امرأة» ‪.‬‬
‫‪ )3‬عن ابن أبي مليكة قال‪ :‬أن عائشــة ‪ ‬أقبلت‪ ،‬فقلت لها‪ :‬يا أم المتمنين‪،‬‬
‫من أين أقبلت؟‪ .‬قالت‪ :‬من قبر أخي عبد الرحمن‪ .‬فقلت لها‪ :‬ألي قد نهى رســــول هللا‬
‫ي عن عبـد هللا بن أبي‬ ‫ور عو م‬‫ﷺ عن يـارة القبور؟‪ .‬قـالـت‪ :‬نعم ثم أمر ب يـارتهـا» ‪ .)3‬ض‬
‫مليكة قال‪ :‬توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بال ضحبِشـــي ع ‪ ،)4‬ف ضح عم مل إلى مكة‪ ،‬ف ضدفعنم ‪ ،‬فلما‬
‫قدمت عائشة‪ ‬أتت قبر عبد الرحمن‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫وكنددا كندددمدداني جددذيمددة *** من الدفر حتى قيل‪ :‬لن‬
‫يتصدعا‬ ‫حدددقبة‬
‫فلمددا تارقنددددددددددددا كددأني *** لطول اجتماع لم نبت ليلةً‬
‫(‪)5‬‬
‫معدًا‬ ‫ومدددددالدددكًا‬
‫ثم قالت‪ :‬لو حضرتضكم ما دضفنتم إال حي ضمتَّ ‪ ،‬ولو شهدتك ما رتك» ‪.‬‬
‫‪)6‬‬

‫‪ )1‬صـحيح البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1283 /‬وأخرىه مسـلم‪ ،‬باب في الصـبر على المصـيبة عند الصـدمة‬
‫األولى‪ ،‬رقم‪.)926 /‬‬
‫‪ )2‬فتح الباري ‪.)178 /3‬‬
‫‪ )3‬أخرىه الحاكم في المســــتدرك‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬رقم‪ ،)1392 /‬وصــــححه الذهبي‪ ،‬وصــــححه‬
‫األلباني في إرواء الغليل ‪.)233 /3‬‬
‫‪ )4‬وهو ىبل بهسفل مكة على ستة أميال منها‪.‬‬
‫‪ )5‬البيتان لمتمم بن نويرة يرثي أخاه مال ًكا من قصيدة مجلعها‪:‬‬
‫ع مما أصاب فهوىعـا‬‫لـعـمـري ومـــا دهـري بـتـــهبـيـن *** وال ى ٍ‬
‫مالكٍ‬
‫أوردها بتمامها صاحب المفضليات) ذكر ذلك محقق شر السنة ‪.)466 /5‬‬
‫‪ )6‬أخرىه الترمذي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب يارة النســاء للقبور‪ ،‬رقم‪ .)1055 /‬وقال محقق شــر‬
‫الســــنـة‪ :‬رىـالـه ثقـات‪ ،‬إال أن فيـه عنعنـة ابن ىريج‪ ،‬وهو مـدل ‪ ،‬وذكر الهيثمي في المىم ‪/3‬‬
‫‪ ،)60‬عن الجبراني في الكبير‪ ،‬وقال‪ :‬ورىاله رىال الصـــحيح‪ ،‬وأخرىه عبد الر اق ‪)6535‬‬
‫من حدي ابن ىريج‪ ،‬قال‪ :‬سـمعت ابن أبي مليكة يقول‪ :‬قالت عائشـة‪ :‬لو حضـرت عبد الرحمن‬
‫‪243‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وعن عـائشـــــة ‪ ‬في الحـديـ الجويـل أنهـا قـالـت‪ :‬قلـت‪ :‬كيف أقول لهم؟ يـا‬
‫رسـول هللا! قال‪ :‬قولي‪ :‬السـالم على أهل الديار من المتمنين والمسـلمين‪ ،‬ويرحم هللا‬
‫المستقدمين منا والمستهخرين‪ ،‬وإنا إن شاء هللا بكم لالحقون» ‪.)1‬‬
‫فلو كانت ال يارة للمرأة ضمحرمة؛ لما سهلت عائشة عن ماذا تقول عند ال يارة‪،‬‬
‫وما أىابها الرسول ﷺ ؛ فدل ذلك على ىوا يارة المرأة للقبور‪.‬‬
‫وهـذا الخجـاب يتنـاول النســـــاء بعمومـه‪ ،‬بـل هن المراد بـه‪ ،‬فـإنـه إنمـا علم نهيـه‬
‫عن يارتها للنســاء‪ ،‬دون الرىال‪ ،‬وهذا صــريح في النســإل؛ ألنه صــر فيه بتقديم‬
‫النهي‪ ،‬وال ريب في أن المنهي عن يارة القبور هو المهذون له فيها‪ ،‬والنساء قد نهين‬
‫فيتناولهن ا ذن ‪.)2‬‬
‫أن فـاجمـة ‪ ‬كـانـت ت ور قبر عمهـا حم ة كـل ىمعـة‪ ،‬فتصـــــلي وتبكي عنـده‬
‫‪.)3‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الكراهيـة‪ :‬وهو قول الىمهور كما حكاه النووي ‪.)4‬‬
‫ويستدل أصحاب هذا المذهب بعدة أدلة‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أم عجية ‪  )5‬قالت‪ :‬نض عهينا عن اتباع الىنائ ‪ ،‬ولم يضع م علينا» ‪.)6‬‬

‫تعني أخاها) ما دفن إال حي مات‪ ،‬وكان مات بالحبشــي‪ ،‬ودفن بهعلى مكة‪ ،‬وإســناده صــحيح‪،‬‬
‫فقد صـــر ابن ىريج بســـماعه من ابن أبي مليكة‪ ،‬فانتفت تهمة تدليســـه‪ ،‬وتابعه أيوب عند عبد‬
‫أيضــ ـا ‪ ،)6539‬ان ر‪ :‬شــــر الســــنة ‪ ،)466 /5‬وقال األلباني‪ :‬لوال أن ابن ىريج‬ ‫ً‬ ‫الر اق‬
‫مدل ‪ ،‬وقد عنعنه لحكمت عليه بالصحة‪ ،‬وهللا أعلم‪ .‬إرواء الغليل ‪.)235 /3‬‬
‫‪ )1‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء ألهلها‪ ،‬رقم‪.)974 /‬‬
‫‪ )2‬مختصر سنن أبي داودو وتهذيب ا مام ابن القيم ‪.)348 /4‬‬
‫‪ )3‬أخرىه الحاكم في المســــتدرك وقال‪ :‬رواته عن آخرهم عمن أخرىهم ثقات‪ ،‬وقال الذهبي‪ :‬هذا‬
‫منكر ىدًا‪ ،‬وسـليمان هذا ضـعيف‪ .‬المسـتدرك ‪ )533 /1‬حدي رقم‪ ،)1396 /‬وضـعفه األلباني‬
‫في أحكام الىنائ ‪ ،‬وقال ال يثبت ذلك عنها ثم أسهب في بيان علة ضعفه ‪.)233‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ )180 /5 :‬مختصـــر المىموع شـــر المهذب لإلمام النووي‪ ،‬قام باختصـــاره وتخريج‬
‫أحاديثه والتعليق عليه‪ :‬الدكتور سالم الرافعي‪.‬‬
‫‪ )5‬هي نســيبة بنت كعب‪ ،‬وقيل بن الحار ‪ ،‬غ ت م النبي ﷺ ســب غ وات‪ ،‬تمرس المرضــى‪،‬‬
‫وتداوي الىرحى‪ ،‬روت عن النبي ﷺ أربعين حديثًا‪ ،‬منها تسـعة في الصـحيحين‪ ،‬ال يضعرف تاريإل‬
‫وفاتها‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬جبقات بن سعد ‪ ،)455 /8‬وا عالم ‪.])249 /4‬‬
‫‪ )6‬أخرىـه البخـاري‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـاب اتبـاع النســـــاء الىنـائ ‪ ،‬رقم‪ ،)1278 /‬ومســـــلم‪ ،‬كتـاب‬
‫الىنائ ‪ ،‬باب نهي النساء عن اتباع الىنائ ‪ ،‬رقم‪.)938 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪244‬‬

‫قال النووي ‪ :−‬معناه نهانا رســــول هللا ﷺ عن ذلك نهي كراهة تن يه‪ ،‬ال‬
‫نهي ع يمة تحريم‪ ،‬ومذهب أصحابنا أنه مكروه لي بحرام لهذا الحدي » ‪.)1‬‬
‫وقال ابن الملقن‪ :‬وعندنا‪ :‬أنه مكروه ولي بحرام لهذا الحدي » ‪.)2‬‬
‫وقـال الحـاف ابن حىر ‪ : −‬قولـه‪ :‬ولم يع م علينـا» أي‪ :‬ولم يتكـد علينـا في‬
‫المن كمـا أكـد علينـا في غيره من المنهيـات‪ ،‬فكـهنهـا قـالـت‪ :‬كره لنـا اتبـاع الىنـائ من‬
‫غير تحريم‪ ،‬وقـال القرجبي‪ :‬ـاهر ســــيـاق أم عجيـة أن النهي نهي تن يـه‪ ،‬وبـه قـال‬
‫ىمهور أهل العلم» ‪.)3‬‬
‫أيضــا‪ :‬فصــل المصــنف بين هذه الترىمة وبين فضــل اتباع الىنائ ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫تراىم كثيرة تشــعر بالتفرقة بين النســاء والرىال‪ ،‬وأن الفضــل الثابت في ذلك يخت‬
‫بـالرىـال دون النســـــاء؛ ألن النهي يقتضـــــي التحريم والكراهـة‪ ،‬والفضـــــل يـدل على‬
‫االســـــتحبـاب‪ ،‬وال يىتمعـان‪ ،‬وأجلق الحكم هنـا لمـا يتجرق إليـه من االحتمـال‪ ،‬ومن ثم‬
‫اختلف العلماء في ذلك‪ ،‬وال يخفى أن محل الن اع إنما هو حي تتمن المفسدة» ‪.)4‬‬
‫‪ -2‬قـال الترمـذي‪ :‬إنمـا كره يـارة القبور للنســـــاء لقلـة صـــــبرهن وكثرة‬
‫ى عهن» ‪.)5‬‬
‫وقـال بعس من يقول بـالكراهـة‪ :‬إن اللعن قـد ىـاء بلف ال َّوارات» وهن‬
‫المكثرات ل ل يـارة‪ ،‬فـالمرة الواحـدة في الـدهر ال تتنـاول ذلـك وال تكون المرأة ائرة‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬عائشة ارت مرة واحدة‪ ،‬ولم تكن وارة» ‪.)6‬‬
‫وقال الشـــوكاني‪ :‬اللعن المذكور في الحدي إنما هو للمكثرات من ال يارة؛‬
‫لما تقتضــيه الصــيغة من المبالغة‪ ،‬ولعل الســبب ما يفضــي إليه ذلك من تضــيي حق‬
‫ال و والتبر ‪ ،‬وما ينشه من الصيا ونحو ذلك» ‪.)7‬‬

‫‪.)603 /‬‬ ‫‪ )1‬المنها في شر صحيح مسلم‪،‬‬


‫‪ )2‬ا عالم ‪.)463 /4‬‬
‫‪ )3‬فتح الباري ‪.)173 /3‬‬
‫‪ )4‬فتح الباري ‪.)173 /3‬‬
‫‪ )5‬الســنن‪ ،‬حدي ‪ ،)1058‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في كراهية يارة القبور للنســاء‪ ،‬حدي‬
‫‪.)1056‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون ‪.)354 /24‬‬
‫‪ )7‬نيل األوجار ‪ ،)566 /4‬وع اه للقرجبي‪.‬‬
‫‪245‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫لعن َّوارت القبور»‪ :‬ولعـل‬ ‫وقـال المال علي قـارى في تعليقـه على حـديـ‬
‫المراد كثيرات ال يارة» ‪.)1‬‬
‫وأقره على هذا القول صاحب التحفة ‪.)2‬‬
‫القول الثال ‪ :‬التحريم‪:‬‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن رســول هللا ﷺ لعن وارات القبور‪ .‬قال أبو عيســى‪ :‬حدي حســن‬
‫صحيح» ‪.)3‬‬
‫ائرات القبور والمتخذين‬ ‫قال‪ :‬لعن رســـول هللا ﷺ‬ ‫‪ -2‬وعن ابن عبا‬
‫عليها المساىد والسر » ‪.)4‬‬
‫فقالوا اللعن على الفعل من أدل الدالئل على تحريمه‪ ،‬والســــيما وقد قرنه في‬
‫اللعن بالمتخذين عليها السر ‪ ،‬وقد لعن في مرس موته من فعله‪.‬‬
‫‪ -3‬عن عبد هللا بن عمرو بن العا ‪ ‬قال‪ :‬بينما نحن نمشـي م رسـول‬
‫هللا ﷺ إذ بصــــر بامرأة ال ن ن أنه عرفها‪ ،‬فلما توســــج الجريق‪ ،‬وقف حتى انتهت‬
‫إليه‪ ،‬فإذا فاجمة بنت رســول هللا ﷺ‪ ،،‬فقال‪ :‬ما أخرىك من بيتك يا فاجمة؟» قالت‪:‬‬
‫أتيـت أهـل هـذا البيـت‪ ،‬فرحمـتض إليهم ميتهم‪ ،‬وع يتهم‪ ،‬فقـال‪ :‬فلعلـك بلغـت معهم ال ضكـدن‬

‫‪ )1‬مرقاة المفاتيح ‪ ،)256 /4‬كتاب الىنائ ‪ ،‬حدي ‪.)1770‬‬


‫‪ )2‬تحفة األحوذي ‪ )136 /4‬حدي ‪.)1061‬‬
‫‪ )3‬أخرىه أحمد ‪ )164 /14‬رقم‪ ) 8449 /‬وحســـن شـــعيب إســـناده في ‪ ،)164 /14‬وأخرىه‬
‫الترمذي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في كراهية يارة القبور للنسـاء‪ ،‬رقم‪ ،)1056 /‬وصـححه‬
‫شيإل ا سالم في الفتاون ‪ ،)360 /24‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي ‪.)537 /1‬‬
‫‪ )4‬أخرىه أحمد ‪ )471 /3‬رقم‪ )2030 /‬وحســنه شــعيب دون الىملة األخيرة ان ر‪ :‬الموســوعة‬
‫‪ .)471 /3‬وأخرىـه الترمـذي‪ ،‬كتـاب الصـــــالة‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في كراهيـة أن يتخـذ على القبر‬
‫مسـىد‪ ،‬رقم‪ ،)320 /‬وقال أبو عيسـى‪ :‬حدي ابن عبا حدي حسـن‪ ،‬وحسـنه البغوي‪ ،‬شـر‬
‫الســنة ‪ .)417 /2‬وقال أحمد شــاكر‪ :‬إنه على أقل حاالته حســن‪ ،‬والشــواهد ترفعه إلى درىة‬
‫الصـحة لغيره‪ ،‬إن لم يكن صـحي ًحا بهذا ا سـناد‪ ،‬وصـححه في تعليقه على المسـند‪[ .‬ان ر‪ :‬تعليقه‬
‫على الترمذي‪ ،‬رقم‪ ،)320 /‬والمسند ‪ .)2030‬وضعف األلباني الىملة األخيرة من المتخذين‬
‫عليها السر » وقال‪ :‬الحدي صحيح لغيره‪ ،‬إال اتخاذ السر ‪ ،‬فإنه منكر‪ ،‬تحذير الساىد ‪.])43‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪246‬‬

‫‪ ،»)1‬قالت‪ :‬معاذ هللا أن أكون بلغتها معهم‪ ،‬وقد ســـمعتك تذكر في ذلك ما تذكر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لو بلغتها معهم ما رأيت الىنة حتى يراها ىد أبيك» ‪.)2‬‬
‫‪ -4‬وعن علي ‪ ‬قال‪ :‬خر رســـول هللا ﷺ‪ ،‬فإذا نســـوة ىلو ‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫يىلسـكن؟» قلن‪ :‬ننت ر الىنا ة‪ ،‬قال‪ :‬هل تغسـلن؟» قلن‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هل‬
‫تحملن؟» قلن‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هل تضدلين فيمن يضدلي؟» قلن‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فارىعن‬
‫مه ورات‪ ،‬غير مهىورات» ‪.)3‬‬
‫‪ -5‬قال عمر ‪ :‬نهينا النساء؛ ألنا ال نىد أضل من ائرات القبور» ‪.)4‬‬
‫‪ -6‬ورأن عمر نســــوة م ىنا ة‪ ،‬فقال‪ :‬ارىعن مه ورات غير مهىورات‪،‬‬
‫فوهللا ما تحملن وال تدفن يا موذيات األموات‪ ،‬و ضم ِفتنات األحياء» ‪.)5‬‬
‫‪ -7‬وقد رأن ابن مسـعود ‪ ‬نسـاء في ىنا ة فجردهن‪ ،‬وقال‪ :‬وهللا ألرى‬
‫إن لم ترىعن‪ ،‬وحصبهن بالحىارة» ‪.)6‬‬
‫للنساء في الىنائ نصيب» ‪.)7‬‬ ‫‪ -8‬قال ابن عمر ‪ :‬لي‬

‫‪ )1‬وهي القجعة الصـلبة من األرس‪ ،‬والقبور إنما تحفر في المواضـ الصـلبة؛ لئال تنهار‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )288 /4‬مختصـر سـنن أبي داود للمنذري‪ ،‬ومعالم السـنن ألبي سـليمان الخجابي‪ ،‬وتهذيب ابن‬
‫القيم الىو ية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي]‪.‬‬
‫‪ )2‬أخرىه أحمد ‪ ،)6574 -136 /11‬واللف له‪ ،‬وضــعفه شــعيب في الموســوعة ‪،)136 /11‬‬
‫والنسـائي‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب البغي‪ ،‬رقم‪ ،)1880 /‬وضـعفه األلباني في ضـعيف سـنن النسـائي‬
‫رقم‪.)1879 /‬‬
‫‪ )3‬أخرىه ابن ماىه‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء في اتباع النساء الىنائ ‪ ،‬رقم‪ ،)1578 /‬وضعفه‬
‫األلباني في السـلسـلة الضـعيفة‪ ،‬رقم‪ ،)2742 /‬قال البوصـيري‪ :‬إسـناده مختلف فيه‪ ،‬وأصـله في‬
‫صـــحيح مســـلم من حدي أم عجية‪ ،‬مصـــبا ال ىاىة ‪ ،)517 /1‬وقال في رســـالة األحادي‬
‫الواردة في القبور‪ :‬إســناده ضــعيف‪ ،‬لضــعف إســماعيـــــــل بن ســلمان الكوفي‪ ،‬والحدي حســن‬
‫قال‪ :‬خرىنا م رســــول هللا ﷺ في ىنا ة فرأن نســــوة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫لشــــواهده‪ ،‬منها‪ :‬حدي أن‬
‫أتحملنـه؟» قلن‪ :‬ال‪ ،‬قـال‪ :‬تـدفنـه؟» قلن‪ :‬ال‪ ،‬قـال‪ :‬فـارىعن مـه ورات‪ ،‬غير مـهىورات»‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬األحادي الواردة ‪.])8435‬‬
‫‪ )4‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب من كره يارة القبور ‪.)226 /3‬‬
‫‪ )5‬مصنف عبد الر اق‪ ،‬حدي ‪.)457 /3 ،)6299‬‬
‫‪ )6‬المدخل البن الحا ‪.)181 /1‬‬
‫‪ )7‬رواه ابن أبي شيبة ‪ )284 /3‬وعبد الر اق ‪.)456 /3‬‬
‫‪247‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وكان الحسن يجردهن‪ ،‬فإذا لم يرىعن لم يرى ‪ ،‬ويقول‪ :‬ال ندع حقًا لباجل»‬
‫‪.)1‬‬
‫وكان مســـــروق يحثو في وىوههن التراب ويجردهن‪ ،‬فإن رىعن وإال رى‬
‫‪.)2‬‬
‫وممن ذهب إلى القول بالتحريم أبو إسـحاق الشـيرا ي ‪ .)3‬وهو قول للمالكية‪،‬‬
‫ورواية عند الحنابلة ‪ .)4‬وهو اختيار شــيإل ا ســالم ‪ ،)5‬واختيار ابن القيم ‪،)6‬‬
‫واختيار الشـيإل ابن با ‪ ،)7‬واختيار الشـيإل بكر أبو يد ‪ ،)8‬ونسـب هذا القول‬
‫للســيوجي‪ ،‬والســندي‪ ،‬وابن حىر الهيثمي‪ ،‬وصــديق حســن الغنوىي‪ ،‬وأحمد‬
‫شاكر‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم ‪.)9‬‬
‫مناقشة األقوال‪:‬‬
‫ومن خالل مـا هر لنـا من عرس أقوال أهـل العلم‪ ،‬تبين لنـا‪ :‬أن كال منهم قـد‬
‫انجلق لنصــرة مذهبه من خالل ما صــح عنده من أحادي الرســول ﷺ‪ ،‬فالمىي ون‬
‫للنســـاء‪ ،‬انجلقوا من خالل ا ذن العام من الرســـول ﷺ في يارة القبور‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه‬
‫خجاب عام للذكور وا نا وهذا القول عليه مداخل‪:‬‬
‫‪ -1‬إن قوله ﷺ ف وروها» صــــيغة تذكير‪ ،‬وصــــيغة التذكير إنما تتناول‬
‫أيض ـا على ســبيل التغليب‪ ،‬كما ذكر‬‫ً‬ ‫الرىال بالوض ـ ‪ ،‬وقد تتناول النســاء‬
‫ذلك شيإل ا سالم ‪.)10‬‬
‫ودخول النســـــاء في الخجـاب الموىه للرىال معلوم ومعروف‪ ،‬لكنـه هنا غير‬
‫داخل‪ ،‬وهذا ما سيتبين في المدخل الثاني‪.‬‬

‫‪ )1‬ا عالم البن الملقن ‪ ،)465 /4‬ومصنف عبد الر اق‪ ،‬رقم‪.)457 /3 ،)6301 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه عبد الر اق في المصنف ‪ ،)457 /3‬وابن أبي شيبة ‪.)169 /3‬‬
‫‪ )3‬هو إبراهيم بن علي بن يوســف الفيرو آبادي الشــيرا ي من كبار مىتهدي المذهب الشــافعي‪،‬‬
‫من أبر متلفاته المهذب الذي قام بشرحه ا مام النووي‪ ،‬توفي سنة ‪476‬هــ)‪ ،‬جبقات الشافعية‬
‫‪.)244 /2‬‬
‫‪ )4‬مواهب الىليل ‪ ،)237 /2‬وا نصاف ‪.)536 /2‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬الفتاون ‪.)360 /24‬‬
‫‪ )6‬عون المعبود ‪.)62 - 58 /9‬‬
‫‪ )7‬مىموع فتاون مقاالت متنوعة البن با ‪ ،‬ىم ‪ :‬محمد الشويعر ‪.)344 /4‬‬
‫‪.)45 /‬‬ ‫‪ )8‬ى ء في يارة النساء للقبور‪،‬‬
‫‪.)55 -53 ،52 /‬‬ ‫‪ )9‬المرى السابق‪،‬‬
‫‪ )10‬الفتاون ‪.)344 /24‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪248‬‬

‫‪ -2‬إن أحادي لعن ائرات القبور يدل داللة واضحة على عدم دخول النساء‪،‬‬
‫ومما يتكد ذلك قول عائشــة ‪ ‬عندما ارت قبر أخيها‪ :‬لو شــهدتك لما‬
‫رتك» ‪.)1‬‬
‫اســـتقر عندها ‪ ‬أن النســـاء ال يشـــرع لهن يارة القبور‪ ،‬وإال لما كان‬
‫َّ‬ ‫فقد‬
‫لقولهـا هـذا م يـد فـائـدة‪ ،‬كـذلـك حـديـ أم عجيـة حيـ قـالـت ‪ :‬نضهينـا عن‬
‫يارة القبور‪ ،‬ولم يع م علينا» ‪ ،)2‬وهذا دليل صـحيح صـريح بهن النسـاء‬
‫لم يدخلن با ذن العـام؛ ألن قولهـا نهينـا يدل على بقـاء النســـــاء في أصـــــل‬
‫التحريم؛ وهـذا يبين أن يـارة النســـــاء للقبور ال تعـدو في أفضـــــل حـالتهـا‬
‫الكراهية؛ فهحادي اللعن‪ ،‬وحدي أم عجية‪ ،‬وقول عائشـة لو شـهدتك ما‬
‫رتك» ‪ )3‬مسقج لقول من قالوا بالىوا ‪.‬‬
‫‪ - 3‬لو كانت النسـاء داخالت في الخجاب؛ السـتحب لهن ال يارة‪ ،‬كما اسـتحب‬
‫للرىال‪ ،‬كما هو رأي الىمهور؛ ألنه ﷺ علل بعلة تقتضـــي االســـتحباب وهي قوله‪:‬‬
‫فـإنهـا تـذكركم ااخرة»‪ ،‬ولهـذا تىو يـارة قبور المشـــــركين لهـذه العلـة؛ فلو كـانـت‬
‫يارة القبور مهذون فيها للنســــاء‪ ،‬الســــتحب لهن كما اســــتحب للرىال؛ لما فيها من‬
‫الدعاء للمتمنين‪ ،‬وتذكر الموت‪ .‬قال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬وما علمنا أن أحدًا من األئمة‬
‫اسـتحب لهن يارة القبور‪ ،‬وال كان النسـاء على عهد النبي ﷺ وال خلفائه الراشـدين‬
‫يخرىن ل يارة القبور كما يخر الرىال» ‪.)4‬‬
‫لذا قال الحاف ‪ :−‬فصــــل المصــــنف بين هذه الترىمة وبين فضــــل اتباع‬
‫الىنائ بتراىم كثيرة تشـعر بالتفرقة بين النسـاء والرىال‪ ،‬وأن الفضـل الثابت في ذلك‬
‫يخت بالرىال دون النســـاء؛ ألن النهي يقتضـــي التحريم أو الكراهة‪ ،‬والفضـــل يدل‬
‫على االستحباب‪ ،‬وال يىتمعان»‪.‬‬
‫وأجلق الحكم هنـا لمـا يتجرق إليـه من االحتمـال‪ ،‬ومن ثم اختلف العلمـاء في‬
‫ذلـك‪ ،‬وال يخفى أن محـل الن اع إنمـا هو حيـ تتمن المفســـــدة ‪ ،)5‬بـل قـال أحـد أعالم‬

‫‪.)368 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪.)370 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪.)368 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬مىموع الفتاون ‪.)345 /24‬‬
‫‪ )5‬فتح الباري ‪.)173 /3‬‬
‫‪249‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫التصــوف في هذا العصــر الدكتور عبد الحليم محمود ‪ :)1‬ال مان من يارة النســاء‬
‫للقبور إذا لم يخرىن عن حد الخشــوع وســترة العورة وآداب ا ســالم‪ ،‬وخرىن إليها‬
‫محتشــــمات يردن الع ة والعبرة‪ ،‬وكفى بالموت واع ًا‪ ،‬فإذا خرىت متعجرة مت ينة‬
‫ليشـــــم النـا عجرهـا‪ ،‬ويرون ينتهـا؛ فـإن ذلـك حرام‪ ،‬وعليهـا لعنـة هللا ورســـــولـه‬
‫ومالئكته» ‪.)2‬‬
‫أما قول بعس المىي ين أن قوله ﷺ كنت نهيتكم» إنما كان للنساء خاصة‪،‬‬
‫فلي بمقبول لعلل‪:‬‬
‫خاصـا بالنســاء فقج م عدم‬ ‫ً‬ ‫أن الخجاب صــدر بصــيغة التذكير‪ ،‬فكيف يكون‬
‫دخول الرىال بالخجاب؟‪ ،‬م أن المتكلم به أفصـح من نجق بلغة الضـاد‪ ،‬فكيف يوىه‬
‫للنساء خجاب خا بهن وال دخل للرىال به؟‪ ،‬ثم يصدره بصيغة التذكير‪.‬‬
‫أن قول عائشــة ‪ ‬لو شــهدتك لما رتك» ‪ ،)3‬وقول أم عجية متكدان بهن‬
‫النهي في حق النســـــاء ثـابـت غير منســـــوأل بقولـه ﷺ‪ :‬نهيتكم عن يـارة القبور‬
‫ف وروها» ‪.)4‬‬
‫وأما استداللهم بحدي عائشة بهنها ارت قبر أخيها‪ ،‬فال حىة فيه من وىوه‪:‬‬
‫أنها بيَّنت بهنها لو شـهدته ما ارته؛ فهذا يدل على أن ال يارة عندها مكروهة‬
‫على أقل األحوال؛ ألنها قالت‪ :‬لو شهدتك لما رتك» ‪ .)5‬فبينت أن علة ال يارة عدم‬
‫شــهوده‪ .‬ولو كانت ال يارة عندها مباحة ومســتحبة ما قالت مثل هذا القول‪ ،‬إذ ال فائدة‬
‫منه‪.‬‬
‫قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬وال حىة في حدي عائشــة‪ ،‬فإن المحتج عليها احتج‬
‫بالنهي العام‪ ،‬فدفعت ذلك بهن النهي منســـوأل‪ .‬وهو كما قالت ‪ ‬ولم يذكر لها المحتج‬
‫النهي المخت بـالنســـــاء الـذي فيـه لعنهن على ال يـارة‪ ،‬يبين ذلـك قولهـا‪ :‬قـد أمر‬
‫أمرا يقتضـي االسـتحباب‪ ،‬واالسـتحباب إنما هو ثابت‬‫ب يارتها»‪ ،‬فهذا يبين أنه أمر بها ً‬
‫للرىال خاصــة‪ ،‬ولكن عائشــة بينت أن أمره الثاني نســإل نهيه األول‪ ،‬فلم يصــلح أن‬

‫‪ )1‬هو عبد الحليم محمود أحد شــــيوأل األ هر ولد بمصــــر‪ .‬ان ر‪ :‬مقدمة فتاون ا مام عبد الحليم‬
‫محمود‪.‬‬
‫‪ )2‬فتاون عبد الحليم محمود ‪.)276 /2‬‬
‫‪.)368 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪.)210 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪.)368 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪250‬‬

‫يحتج به‪ ،‬وهو النسـاء على أصـل ا باحة‪ ،‬ولو كانت عائشـة تعتقد أن النسـاء مهمورات‬
‫ب يارة القبور؛ لكانت تفعل ذلك كما يفعله الرىال‪ ،‬ولم تقل ألخيها‪ :‬لما رتك» ‪.)1‬‬
‫وأمـا اســــتـداللهم بحـديـ البـاكيـة عنـد القبر ‪ ،)2‬وىعلـه ً‬
‫دليال على اســـــتحبـاب‬
‫ال يارة‪ ،‬فهو غير منضبج؛ لعدة أمور‪:‬‬
‫أن هـذا الحـديـ ال يعلم تـهريخـه‪ ،‬فقـد يكون قبـل اللعن‪ ،‬وقـد يكون بعـده‪ ،‬والـدليـل‬
‫إذا جرقه االحتمال بجل به االستدالل‪.‬‬
‫أن الرســـول ﷺ نهاها عما تفعله عند القبر‪ ،‬وأمرها بالصـــبر؛ فقد يكون من‬
‫الصـــــبر أال ت ور القبر؛ لئال يىـدد األح ان‪ ،‬ويقلـب األوىـاع‪ ،‬قـال ابن القيم‪ :‬وأمـا‬
‫حـديـ أن فهو حىـة لنـا‪ ،‬فـإنـه لم يقرهـا بـل أمرهـا بتقون هللا التي هي فعـل مـا أمر بـه‬
‫وترك ما نهى عنه‪ ،‬ومن ىملتها‪ :‬النهي عن ال يارة‪ ،‬وقال لها‪ :‬اصـــبري»‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن مىيئها إلى القبر وبكاءها مناف للصبر‪ ،‬فلما أبت أن تقبل منه‪ ،‬ولم تعرفه انصرف‬
‫عنهـا‪ ،‬فلمـا علمـت أنـه ﷺ هو اامر لهـا ىـاءتـه تعتـذر إليـه من مخـالفـة أمره‪ .‬فـهي دليـل‬
‫في هذا على ىوا يارة النساء؟‪.‬‬
‫وبعـد؛ فال يعلم أن هـذه القضــــيـة أكـانـت بعـد لعنـه ﷺ ائرات القبور أم ال؟‪،‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬إما أن تكون دالة على الىوا ‪ ،‬فال داللة على تهخرها عن أحادي المن ‪،‬‬
‫أو تكون دالــة على المن بــهمرهــا بتقون هللا‪ ،‬فال داللــة فيهــا على الىوا ‪ ،‬فعلى‬
‫التقديرين‪ :‬ال تعارس أحادي المن ‪ ،‬وال يمكن دعون نسخها بها‪ ،‬وهللا أعلم ‪.)3‬‬
‫أما اســتداللهم بســتال عائشــة للرســول ﷺ‪ :‬ماذا تقول إذا ارت القبور؟ ‪،)4‬‬
‫فهـذا ال يمكن بحـال من األحوال أن يكون بحىـة لمن أىـا يـارة القبور‪ ،‬أو يعـارس‬
‫ألحادي اللعن‪ ،‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫‪ )1‬أن عائشة ‪ ‬مجالبة بإبال ما يتلى في بيتها من التن يل والحكمة؛ ولذلك‬
‫سهلت الرسول ﷺ عن ماذا تقول حتى تقوم بتبليغه للنا ‪.‬‬
‫‪ )2‬أن عائشة ‪ ‬مرى يرى إليه عند اختالف الصحابة في بعس أمورهم‪،‬‬
‫كما حصـل من ابن عمر م أبي هريرة ‪ ‬عندما قال أبو هريرة ‪ :‬سـمعت رسـول‬
‫هللا ﷺ يقول‪ :‬من تب ىنـا ة فلـه قيراج من األىر» فقـال ابن عمر‪ :‬أكثر علينـا أبو‬

‫‪ )1‬فتاون شيإل ا سالم ‪.)354 ،353 /24‬‬


‫‪.)285 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬مختصر سنن أبي داود م تهذيب ابن القيم ‪.)69 /9 ،)350 /4‬‬
‫‪.)369 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪251‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫هريرة‪ ،‬فبع إلى عائشـة‪ ،‬فسـهلها‪ ،‬فصـدقت أبا هريرة‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬لقد فرجنا‬
‫في قراريج كثيرة» ‪ .)1‬أنت كما تلح أن عائشـة ‪ ‬أيدت أبا هريرة وصـدقته‪ ،‬وكان‬
‫السائل لها عبدهللا بن عمر‪ ،‬وهذا يدل على مكانتها‪ ،‬وبهنها موض للفتيا‪.‬‬
‫ً‬
‫احتماال قويًا أنه كان على البراءة األصــلية‪ ،‬ثم‬ ‫إن حدي عائشــة هذا يحتمل‬
‫نقل عنها إلى التحريم العام‪ ،‬فنســـإل نهي الرىال عن ال يارة‪ ،‬وبقي نهي النســـاء على‬
‫عمومه» ‪.)2‬‬
‫وقد أشــــار إلى ذلك المنذري بقوله‪ :‬قد كان النبي ﷺ نهى عن يارة القبر‬
‫نهيًا عا ًما للرىال والنسـاء‪ ،‬ثم أذن للرىال في يارتها‪ ،‬واسـتمر النهي في حق النسـاء؛‬
‫لورود ما يقتضي تخصيصهن في ذلك الحكم من أحادي اللعن وغيرها» ‪.)3‬‬
‫قال الشـيإل بكر أبو يد‪ :‬حمل سـتالها للرسـول ﷺ وتعليمه إياها على ما إذا‬
‫اىتا ت بقبر في جريقها بدون قصـد لل يارة‪ ،‬ولف الحدي لي فيه تصـريح بال يارة‬
‫عنـد من خرىـه‪ ،‬بـل قـالـت‪ :‬مـاذا أقول لهم؟ ولـذلـك صـــــر العلمـاء ‪-‬رحمهم هللا تعـالى‪-‬‬
‫بهنه يىو لها أن تدعو بهذا الدعاء في هذه الحال‪ ،‬بل وال تســـمى ائرة والحالة هذه‪،‬‬
‫فكهنها ‪ ‬قالت‪ :‬ماذا أقول إذا ى ت بقبر في الجريق؟ فقال‪ :‬السالم على أهل الديار‬
‫من المسلمين والمتمنين» ‪ )4‬الحدي ‪ ..‬وال أدل على ذلك من قولها في يارتها ألخيها‬
‫عبد الرحمن‪ :‬لو شـــــهدتك لما رتك» ‪ ،)5‬وإال لما كان لقولها هذا كبير معنى‪ ،‬وإن‬
‫في حمل الحدي على هذا ىم بينه وبين أدلة المن ‪ ،‬ودف للتعارس عن سـنة رسـول‬
‫هللا ﷺ ؛ فـإن الىم بين الـدليلين متى أمكن‪ ،‬فهو أولى من جر أحـدهمـا‪ ،‬أو دعون‬
‫التعارس بينهما» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬أخرىه مسـلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب فضـل الصـالة على الىنا ة واتباعها‪ ،‬رقم‪ .)945 /‬وأخرىه‬
‫البخاري قريبًا من هذا اللف ‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب فضل اتباع الىنائ ‪ ،‬رقم‪.)1324 ،1323 /‬‬
‫‪.)42 /‬‬ ‫‪ )2‬ى ء في يارة النساء للقبور‪ ،‬لبكر أبو يد‪،‬‬
‫‪.)247 /‬‬ ‫‪ )3‬صحيح الترغيب والترهيب ‪ ،)388 /3‬حدي ‪ ،)3544‬وفتح المىيد‪،‬‬
‫‪.)369 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪.)368 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪.)42 ،41 /‬‬ ‫‪ )6‬ى ء في يارة النساء للقبور‪ ،‬بكر أبو يد‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪252‬‬

‫ضا‪ :‬إن أحادي النهي تضمنت حك ًما منجوقًا به‪ ،‬وحدي عائشة عند‬ ‫وقال أي ً‬
‫مسـلم صـحيح غير صـريح فيما اسـتدل به عليه‪ ،‬إذ لم تقل‪ :‬ماذا أقول إذا رت القبور‪،‬‬
‫بل قالت‪ :‬ما أقول لهم؟ وهذا يحتمل ال يارة وغيرها» ‪.)1‬‬
‫وكما قال محمد صـــديق حســـن‪ :‬ال اهر من ســـياق الحدي أن تعليم دعاء‬
‫ال يارة لعائشـة‪ ،‬كان في الحقيقة تعلي ًما لرىال األمة؛ فإنهم يقولون كذلك عند يارتها‪،‬‬
‫ولي فيه األمر لها أو لغيرها من النســــاء ب يارة القبور‪ ،‬فاالســــتدالل بهذا على هذا‬
‫أىنبي عن المقام‪ ،‬وخار عن محل الن اع» ‪.)2‬‬
‫فهـذه األدلـة التي اعتمـد عليهـا في ىوا يـارة القبور لي فيهـا واحـد يســـــتقيم‬
‫لوىود المعارس األقون‪.‬‬
‫وأما القائلين بالكراهية؛ فاســـتدلوا بحدي أم عجية‪ :‬نهينا عن اتباع الىنائ ‪،‬‬
‫ولم يع م علينا» ‪.)3‬‬
‫قـال شـــــيإل ا ســـــالم ‪ :−‬وأمـا قول أم عجيـة‪[ :‬ولم يع م علينـا]‪ ،‬فقـد يكون‬
‫مرادهـا لم يتكـد النهي‪ .‬وهـذا ال ينفي التحريم‪ .‬وقـد تكون هي نـت أنـه لي بنهي‬
‫تحريم‪ ،‬والحىة في قول النبي ﷺ‪ ،‬ال في ن غيره» ‪.)4‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :−‬وقولها ولم يع م علينا» إنما نفت فيه وصــف النهي‪ ،‬وهو‬
‫جا في اقتضـاء التحريم‪ ،‬بل مىرد النهي كاف‪،‬‬ ‫النهي المتكد بالع يمة‪ ،‬ولي ذلك شـر ً‬
‫ولما نهاهن انتهين‪ ،‬لجواعيتهن هلل ولرسـوله‪ ،‬فاسـتغنين عن الع يمة عليهن‪ ،‬وأم عجية‬
‫لم تشــــهـد الع يمـة في ذلـك النهي‪ ،‬وقـد دلـت أحـاديـ لعنـة ال ائرات ‪ )5‬على الع يمـة‪،‬‬
‫فهي مثبتة للع يمة‪ ،‬فيىب تقديمها‪ ،‬وباهلل التوفيق» ‪.)6‬‬
‫يمـة‪ ،‬فهي تحـدثـت عن مبلغ علمهـا ‪‬‬ ‫فـهم عجيـة ‪ ‬أكـدت النهي ونفـت الع‬
‫وهو النهي غير المتكـد‪ .‬ورواة حـديـ اللعن أكـدوا النهي المتكـد‪ ،‬فتضـــــافرت األدلـة‬
‫على نفي ا باحة والكراهية واالستحباب من باب أولى‪.‬‬

‫‪.)47 /‬‬ ‫‪ )1‬المرى السابق‪،‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬الدين الخال للسيد محمد صديق حسن ‪.)608 /3‬‬
‫‪.)370 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬مىموع الفتاون ‪.)355 /24‬‬
‫‪.)372 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫‪ )6‬مختصر سنن أبي داود م تهذيب ابن القيم ‪.)350 /4‬‬
‫‪253‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫فيه حىة لمن أىا ال يارة؛‬ ‫وخبر فاجمة بهنها كانت ت ور قبر عمها ‪ ،)1‬لي‬
‫لعلل‪:‬‬
‫أن الخبر ضعيف كما مر معنا في تخريىه؛ فال يصح االستدالل به‪.‬‬
‫أن فعل فاجمة ‪ ‬ولو صــح‪ ،‬ال يمكن أن يعارس بقول الرســول ﷺ حي‬
‫لعن ائرات القبور ‪ ،)2‬والمعتمد عند الن اع وفصل الشقاق قوله ﷺ ‪.‬‬
‫إن من إحســـــان ال ن بفـاجمـة ‪ ‬أال تفعـل مـا يخـالف هـديـه ﷺ؛ فقـد ورد عنـه‬
‫يـارتهـا‪ ،‬فكيف تخـالفـه ‪‬‬ ‫النهي عن الصـــــالة إلى القبور‪ ،‬وعن اتخـاذهـا عيـدًا‪ ،‬وعن‬
‫بثال مخالفات في وقت واحد؟‪ .‬وهي‪:‬‬
‫أنها ت ور القبر كل أسبوع‪.‬‬
‫أنها تصلي إلى القبر‪.‬‬
‫أنها ت ور القبر‪.‬‬
‫بل وبنا ًء على هذا الخبر؛ فإنها من المكثرات‪ ،‬و يادة على ذلك‪ ،‬أن الى ع قد‬
‫أصــابها‪ ،‬فهي تبكي عنده كل أســبوع‪ .‬وما أحد له مقام عند فاجمة كمقام أبيها ﷺ‪ ،‬فلم‬
‫يرد عنهـا أنهـا فعلـت مثـل هـذا عنـد قبره‪ ،‬ومـا ى عـت عليـه‪ ،‬وهو أحق من يضى ع عليـه‪،‬‬
‫كما ى عت على حم ة ‪ ‬وعنها؛ فهذا الخبر ال حىة فيه كما تبين‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وأما قول بعضهم‪ :‬بهن الكراهية إنما هي تخت بكثيرات ال يارة‪ ،‬فال ينضبج‬
‫ألمور‪:‬‬
‫‪ -1‬أن لف ض َّوارات القبور ىـاء بضـــــم ال اي ىم ض َّوارة بمعنى ائرة كمـا‬
‫ذكر ذلك السيوجي ‪.)3 −‬‬
‫وقـال ابن من ور في لســـــان العرب‪ :‬وامرأة ائرة من نســـــوة ض ور‪ ،‬عن‬
‫ســيبويه‪ ،‬وقال الىوهري‪ :‬نســوة ض َّور مو م ِور‪ ،‬مثل نض َّو ٍ ون ِمو ٍ و ائرات‪ ،‬ورىل َّوار‬
‫و تور ‪.)4‬‬
‫وقال الفيرو آبادي في قاموسه‪ :‬ال ائر وال ائرون كال ن وار وال ور ‪.)5‬‬

‫‪.)369 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪.)372 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‬
‫‪ )3‬شر سنن ابن ماىه للسندي عند شر الحدي رقم‪ ،)1574 /‬في كتاب الىنائ ‪.)254 /2 ،‬‬
‫‪ )4‬لسان العرب البن من ور‪ ،‬مادة م مو مر‪.‬‬
‫‪ )5‬القامو المحيج للفيرو آبادي ‪ )61 /2‬مادة ور‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪254‬‬

‫وقال بكر أبو يد الدائر على األلسـنة ضـم ال اي من ض َّوارات‪ ،‬ىمعه ض وار‬
‫سا‪ .‬وقيل‪ :‬ض َّوارات للمبالغة فال يقتضي وقوع اللعن على‬ ‫عا‪ ،‬و ائر قيا ً‬‫ىم ائرة سما ً‬
‫ـادرا‪ .‬ونو ع بـهنـه إنمـا قـابـل المقـابلـة بىمي القبور‪ ،‬ومن ثم ىـاء في‬ ‫وقوع ال يـارة إال ن ً‬
‫‪)1‬‬
‫رواية أبي داود ائرات بال مبالغة ‪.‬‬
‫فعلى هـذا الضـــــبج فهي بمعنى ائرات‪ ،‬ال للمبـالغـة كمـا نـه كثير من جلبـة‬
‫العلم‪ ،‬فصـيغة المبالغة بفتح ال اي ال بضـمها‪ ،‬كما أن الصـيغة الدالة على النسـب بالفتح‬
‫ضـا كقوله تعالى‪ ( :‬ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ) [فصـلت‪ ،]46:‬وذلك معلوم عند أهل التصـريف‪،‬‬ ‫أي ً‬
‫قال ابن مالك في ألفيته‪:‬‬
‫فَعا ٌل أو ِماعَا ٌل أو فعُو ُل *** بكَث َر ٍة عن فا ِعددد ٍل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫بَددديدد ُل‬
‫وقال في النسب‪:‬‬
‫ب أرنى عن اليا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ومع فاع ٍل وفعا ٍل *** في ن َ‬
‫َ ُ (‪)3‬‬
‫فقبِل‬ ‫فَ ِعدل‬
‫فيكون معنى وارات القبور ذوات يارة القبور على أن الصــــيغة للنســــب‪،‬‬
‫فـاتفقـت الروايتـان على من النســـــاء من يـارة القبور مجلقًـا‪ ،‬وعلى هـذا لي في هـذه‬
‫الرواية دليل على ىوا يارة النســـاء للقبور إن لم تتكرر كما يقول به بعس النا ‪،‬‬
‫م أن صحة رواية ائرات» كما تقدم‪ ،‬ن صريح في أن ض َّوارات ليست للمبالغة‪،‬‬
‫بل إما أن تكون هذه الصـيغة على ما تقدم من أنها بالضـم‪ ،‬وإما أن تكون للنسـب توفيقًا‬
‫بين الـدليلين‪ ،‬فـإن الىم بين الـدليلين متى أمكن فهو أولى من جر أحـدهمـا‪ ،‬أو دعون‬
‫التعارس بينهما ‪.)4‬‬
‫‪ -2‬إن تقييـد التحريم بـالمكثرات من ال يـارة يحتـا إلى ضـــــبج‪ ،‬حيـ لم يبين‬
‫الشارع العدد الذي إذا تىاو ته المرأة صار محر ًما عليها‪ ،‬وال يمكن أن يىعل ا سالم‬
‫لمرة واحــدة أو‬
‫الضــــــابج أذواق النــا وأهواءهم وعقولهم‪ ،‬فيكون النهي لل ائرة َّ‬
‫للمكثرة‪ ،‬وكلما كثرت ال يارة ع م ا ثم‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪.)25 ،24 /‬‬ ‫‪ )1‬ى ء في يارة النساء للقبور‪ ،‬لبكر أبو يد‪،‬‬
‫‪ .)29 /‬وشـر ابن عقيل على ألفية‬ ‫‪ )2‬ألفية ابن مالك في النحو والصـرف‪ ،‬إعمال اسـم الفاعل‬
‫ابن مالك‪ ،‬باب إعمال اسم الفاعل ‪ ،)111 /2‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫‪.)58 /‬‬ ‫‪ )3‬ألفية ابن مالك‪ ،‬النسب‬
‫‪ )4‬ى ء في يارة النساء للقبور‪ ،‬بكر بن عبد هللا أبو يد‪ ،‬ج‪1415 ،)2 .‬هـ)‪ ،‬دار العاصمة‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قــال شـــــيإل ا ســـــالم‪ :‬وأمــا القــائلون بــالتحريم‪ ،‬فيقولون‪ :‬قــد ىــاء بلف‬
‫ال وارات» ولف ال وارات قـد يكون بتعـددهن كمـا يقـال فتحـت األبواب‪ ،‬إذ لكـل بـاب‬
‫فتح يخصــــه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [ال مر‪ ،]73:‬ومعلوم أن لكل باب فت ًحا‬
‫واحدًا‪ ،‬قالوا‪ :‬وألنه ال ضــابج في ذلك بين ما يحرم وما ال يحرم‪ ،‬واللعن صــريح في‬
‫التحريم» ‪.)1‬‬
‫وأما القائلون بالتحريم فهدلتهم واضـحة وصـريحة‪ ،‬وقد أخذ على بعس األدلة‬
‫أن فيها ضـــعفًا ومنها حدي اللعن‪ ،‬وقد ثبت من خالل تحقيق أئمة الحدي بهن حدي‬
‫اللعن ثابت‪ ،‬فإذا كان ثابتًا؛ فال مىال لمعارضــتها بهقوال بشــر أو بهفعالهم‪ ،‬ولو كانوا‬
‫من أصـحاب محمد ﷺ‪ ،‬حي ثبت أن بعضـهم‪ ،‬بل غالبهم يرن التحريم وبقاءه في حق‬
‫النســـاء‪ ،‬فعضـــدت أقوالهم وأفعالهم ما فهمه األئمة المحققون من أن التحريم في حق‬
‫المرأة ثـابـت لم يتغير؛ فـالـذي يترىح بعـد هـذا النقـاع‪ ،‬وترتـا إليـه النف ‪ ،‬وتبرأ بـه‬
‫الذمة‪ ،‬أن يارة النسـاء للقبور محرمة؛ لوىود النهي الصـريح‪ ،‬ولما يترتب عليها من‬
‫مفاســـد وعدم حصـــول مصـــلحة إال دعاءها للميت‪ ،‬وذلك ممكن في بيتها‪ .‬ومن عحكمم‬
‫التحريم ما يلي‪:‬‬
‫ومن أصـول الشـريعة أن الحكمة إذا كانت خفية‪ ،‬أو غير منتشـرة علق الحكم‬
‫بم نتهـا‪ ،‬فيحرم هـذا البـاب ســــدًّا للـذريعـة‪ ،‬كمـا حرم الن ر إلى ال ينـة البـاجنـة؛ لمـا في‬
‫ذلـك من ال فتنـة‪ ،‬وكمـا حرم الخلوة بـاألىنبيـة وغير ذلـك من الن ر‪ ،‬ولي في ذلـك من‬
‫المصــلحة ما يعارس هذه المفســدة‪ ،‬فإنه لي في ذلك إال دعاتها للميت‪ ،‬وذلك ممكن‬
‫في بيتها‪ ،‬ولهذا قال الفقهاء‪ :‬إذا علمت المرأة من نفسها أنها إذا ارت المقبرة بدا منها‬
‫ما ال يىو من قول أو عمل‪ ،‬لم تى لها ال يارة بال ن اع» ‪.)2‬‬
‫وقال في المدخل‪ :‬واعلم أن الخالف المذكور بين العلماء‪ ،‬إنما هو في نســــاء‬
‫ذلك ال مان‪ ،‬وكن على ما يعلم من عادتهن في االتباع كما تقدم‪.‬‬
‫وأمـا خروىهن في هـذا ال مـان‪ ،‬فمعـاذ هللا أن يقول أحـد من العلمـاء أو من لـه‬
‫مروءة أو غيره في الدين بىوا ذلك‪ .‬فإن وقعت ضـــرورة للخرو ؛ فليكن ذلك على‬
‫ما يضعلم في الشرع من الستر كما تقدَّم؛ ال على ما يضعلم من عادتهن الذميمة في هذا ‪.)3‬‬
‫إن من المعلوم من قواعد الشــــرع أن درء المفاســــد مقدَّم على ىلب المناف ‪،‬‬
‫وخاصـة إذا كانت المفسـدة ع يمة‪ ،‬كمفسـدة خرو المرأة من دارها ل يارة األموات‪،‬‬

‫‪ )1‬فتاون شيإل ا سالم ‪.)355 ،354 /24‬‬


‫‪ )2‬مىموع الفتاون ‪.)356 /24‬‬
‫‪ )3‬المدخل ‪.)181 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪256‬‬

‫ففيه مفســــدة الخرو ‪ ،‬وفيه مفســــدة الى ع وتىدد الح ن‪ ،‬وقد يتدي ذلك إلى مناهي‬
‫شـرعية‪ ،‬كشـق الىيوب المفضـي إلى كشـف عورتها وسـترها‪ ،‬ولجم الخدود والنو ‪،‬‬
‫ت عليها النســـاء‪ ،‬وما خبر المرأة التي رآها رســـول هللا ﷺ تبكي عند‬ ‫وهذه أمور ضى عبلم ِ‬
‫قبر‪ ،‬فنهاها فما انتهت لقلة صبرها‪ ،‬وهي صحابية‪ ،‬فما بالك في نساء اليوم اللواتي قل‬
‫ا يمان عند غالبهن؟‪.‬‬
‫‪ )1‬إن الحكم على الشـيء فرع من تصـوره‪ ،‬ولي الخبر كالمعاينة‪ ،‬ولي من‬
‫رأن كمن ســـم ‪ ،‬فمن شـــاهد النســـاء في البلدان التي ال تمن فيها من ال يارة‪ ،‬لرأن‬
‫والمحرمات‪ ،‬ولقج بهن ذلك لي من دين هللا بشيء‪ ،‬فإغالق الباب‬ ‫َّ‬ ‫التبر واالختالج‬
‫أولى من فتحـه‪ .‬فعلى ولي األمر أن يمنعهن من الخرو إلى القبور ‪-‬وإن كـان لهن‬
‫ي عنه‪ ،‬فمن ال يارة أولى‪ ،‬وكما قال شــــيإل ا ســــالم‪:‬‬‫ميت‪ -‬فإذا كان التشــــيي قد نض عه م‬
‫ومجلق االتباع أع م من مصـلحة ال يارة؛ ألن في ذلك الصـالة عليه التي هي أع م‬
‫من مىرد الـدعـاء‪ ،‬وألن المقصـــــود بـاالتبـاع الحمـل والـدفن‪ ،‬والصـــــالة فرس على‬
‫ضـا على الكفاية ‪-‬وذلك الفرس يشـترك فيه الرىال‬ ‫الكفاية‪ ،‬ولي شـيء من ال يارة فر ً‬
‫والنســاء؛ بحي لو مات رىل ولي عنده إال نســاء؛ لكان حمله ودفنه والصــالة عليه‬
‫ضـا عليهن‪ ،‬وفي تغسـيلهن للرىال ن اع وتفصـيل‪ .‬وكذلك إذا تعذر غسـل الميت هل‬ ‫فر ً‬
‫يتيمم؟‪ .‬فيـه ن اع معروف‪ ،‬وهو قوالن في مـذهـب أحمـد وغيره‪ -‬فـإذا كـانـت النســـــاء‬
‫منهيات عما ىنســه فرس على الكفاية‪ ،‬ومصــلحته أع م إذا قام به الرىال‪ ،‬فما لي‬
‫بفرس على أحد أولى» ‪ .)1‬فحكمة التحريم واضــحة وىلية‪ ،‬ر قنا هللا االتباع وىنبنا‬
‫االبتداع‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ )1‬مىموع الفتاون‪.)347 /24 ،‬‬


‫‪257‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثال‬
‫شـد الرحال ل يارة القبور‬
‫لقـد تبين لنـا فيمـا مضـــــى أن يـارة القبور للرىـال مســـــتحبـة؛ إذا كـانـت وفق‬
‫الضــوابج الشــرعية‪ ،‬وخلت من المحاذير والمنهيات‪ ،‬وكذلك هر لنا أن يارة المرأة‬
‫للقبر ال تىو ؛ فمن باب أولى أن ال يىو أن تشـــد الرحال إليها‪ ،‬ولكن ما حكم شـــد‬
‫الرحال من قبل الرىال ل يارة القبور؟‪.‬‬
‫هـذه من المســـــائـل التي جـال فيهـا النقـاع‪ ،‬وكثر فيهـا الن اع‪ ،‬و هر فيهـا‬
‫الخالف‪ .‬ولعلي في هذا المبح أســــلج الضــــوء عليها؛ حتى أم ِخلض م إلى ما تبرأ فيه‬
‫الذمة‪ ،‬ويكون فيه نصــــح لءمة‪ ،‬وهللا المســــتعان والموفق‪ ،‬واألمر والخير كله بيده‪،‬‬
‫جا بين ال يارة للقبور‪ ،‬وبين شــــد‬ ‫فهســــهله ا عانة‪ ،‬فهقول مســــتعينًا باهلل‪ :‬إن هناك خل ً‬
‫الرحال إليها‪ ،‬حي أن يارة القبور كما هر لنا مســـتحبة للرىال‪ ،‬وأما شـــد الرحال‬
‫إليهـا فنوع آخر؛ حيـ الح ـت أن الكثير ممن حصــــلـت منهم مخـالفـة‪ ،‬ال يفرقون بين‬
‫ال يارة المىردة وشــد الرحال؛ لذلك نقموا على مخالفيهم‪ ،‬وهذا أمر البد أن يكون في‬
‫حســـاب القارى‪ ،‬والذي ذهب إليه عامة أهل العلم‪ :‬أن شـــد الرحال ل يارة القبور غير‬
‫ىائ ة‪ .‬قال شــيإل ا ســالم‪ :‬وقد ذكر أصــحاب الشــافعي‪ ،‬وأحمد في الســفر ل يارة‬
‫القبور قولين‪ :‬التحريم وا باحة‪ .‬وقدماتهم وأئمتهم قالوا‪ :‬إنه محرم‪ ،‬وكذلك أصـــحاب‬
‫مـالـك وغيرهم‪ ،‬وإنمـا وق الن اع بين المتـهخرين؛ ألن قولـه ﷺ‪ :‬ال تشـــــد الرحـال إال‬
‫لثالثة مسـاىد‪ :‬المسـىد الحرام‪ ،‬ومسـىد الرسـول ﷺ‪ ،‬والمسـىد األقصـى» ‪ ،)1‬صـيغة‬
‫خبر‪ ،‬ومعناه النهي‪ ،‬فيكون حرا ًما» ‪.)2‬‬
‫ال تشـد الرحال‪ :»...‬قوله‪ :‬ال تشـد‬ ‫وقال الحاف ابن حىر عند شـر حدي‬
‫الرحال» بضـم أوله بلف النفي‪ ،‬والمراد النهي عن السـفر إلى غيرها‪ ،‬قال الجيبي‪ :‬هو‬
‫أبلغ من صـــــريح النهي‪ ،‬كـهنـه قـال‪ :‬ال يســـــتقيم أن يقصـــــد بـال يـارة إال هـذه البقـاع‬
‫الختصـــاصـــها بما اختصـــت به‪ ،‬والرحال بالمهملة ىم رحل وهو للبعير كالســـر‬
‫للفر ‪ ،‬وكنى بشـــد الرحال عن الســـفر؛ ألنه ال مه وخر ذكرها مخر الغالب في‬
‫ركوب المســـــافر‪ ،‬وإال فال فرق بين ركوب الرواحـل‪ ،‬والخيـل‪ ،‬والبغـال‪ ،‬والحمير‪،‬‬
‫والمشي في المعنى المذكور» ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب فضـل الصـالة في مسـىد مكة والمدينة‪ ،‬باب فضـل الصـالة في مسـىد مكة‬
‫والمدينة‪ ،‬رقم‪ ،)1189 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬إال لثالثة مساىد‪ ،‬رقم‪.)1397 /‬‬
‫‪ )2‬الىواب الباهر‪.)182 ،‬‬
‫‪ )3‬فتح الباري ‪.)76 /3‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪258‬‬

‫وهـذا الحـديـ ‪ ،‬إذا عرفـت قصـــــة إيراده‪ ،‬ال الكثير من الخلج واللب ‪ .‬فـإن‬
‫ســبب إيراده هو ما حد بين أبي بصــرة وأبي هريرة‪ .‬فعن أبي بصــرة الغفاري‪ :‬أنه‬
‫لقي أبا هريرة وهو ىاء من الجور‪ ،‬فقال‪ :‬من أين أقبلت؟‪ .‬فقال‪ :‬من الجور‪ ،‬صــــليت‬
‫فيه‪ .‬قال‪ :‬لو أدركتك قبل أن ترتحل ما ارتحلت‪ .‬إني سمعت رسول هللا يقول‪ :‬ال تشد‬
‫الرحال إال إلى ثالثة مساىد‪ ،‬المسىد الحرام‪ ،‬ومسىدي هذا‪ ،‬والمسىد األقصى» ‪.)1‬‬
‫عن ق عـة ‪ )2‬قـال‪ :‬أردت الخرو إلى الجور فســـــهلـت ابن عمر‪ ،‬فقـال‪ :‬أمـا‬
‫علمت أن النبي ﷺ قال‪ :‬ال تشــــد الرحال إال إلى ثالثة مســــاىد‪ :‬المســــىد الحرام‪،‬‬
‫ومسىدي النبي ﷺ‪ ،‬والمسىد األقصى» دع عنك الجور فال تهته» ‪.)3‬‬
‫فهنا فهم أصـحاب الرسـول ﷺ أن شـد الرحال إلى الصـقاع والبقاع بقصـد التعبد‬
‫لغير هـذه األمـاكن محرم؛ ف يـارة ىبـل الجور الـذي كلم هللا عنـده موســـــى‪ ،‬مـا أىـا ه‬
‫أصـحاب محمد ﷺ ونضهوا عنه‪ ،‬أما إن كان الغرس السـفر للتىارة وما في حكمها‪ ،‬فال‬
‫يدخلها التحريم‪ ،‬قال شـيإل ا سـالم‪ :‬تلك األسـفار ال يقصـد بها العبادة‪ ،‬بل يقصـد بها‬
‫مصــلحة دنيوية مباحة‪ ،‬والســفر إلى القبور إنما يقصــد بها العبادة‪ ،‬والعبادة إنما تكون‬
‫بواىب أو مســـتحب‪ ،‬فإذا حصـــل االتفاق على أن الســـفر إلى القبور لي بواىب وال‬
‫عا‪ ،‬مخالفًا لإلىماع‪ ،‬والتعبد بالبدعة لي‬ ‫مسـتحب‪ ،‬كان من فعله على وىه التعبد مبتد ً‬
‫بمبـا ‪ ،‬لكن من لم يعلم أن ذلـك بـدعـة فـإنـه قـد يضعـذر؛ فـإذا بينـت لـه الســــنـة لم يى لـه‬
‫مخالفة النبي ﷺ وال التعبد بما نهى عنه» ‪.)4‬‬
‫أيضـ ـا‪ :‬فقد فهم الصـــحابي الذي رون الحدي ‪ ،‬أن الجور وأمثاله من‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫مقامات األنبياء مندرىة في العموم‪ ،‬وأنه ال يىو الســـفر إليها‪ ،‬كما ال يىو الســـفر‬

‫‪ )1‬أخرىه أحمد ‪ )270 /39‬حدي ‪ ،)23850‬وقال شـعيب إسـناده صـحيح في الموسـوعة ‪/39‬‬
‫‪ )270‬وقـال الهيثمي‪ ،‬رواه أحمـد والب ار بنحوه والجبراني في الكبير واألوســـــج ورىـال أحمـد‬
‫ثقـات أثبـات‪ ،‬مىم ال وائـد ‪ .)3 /4‬وقـال األلبـاني وإســــنـاده صـــــحيح ولـه عنـد أحمـد جريقـان‬
‫‪.)287 /‬‬ ‫آخران‪ ،‬إسناد األول منهما حسن وااخر صحيح‪ ،‬من أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫‪ )2‬ابن يحيى وقيل ابن األســود الفادية البصــري مولى ياد بن أبي ســفيان رون عن عبد هللا ابن‬
‫عمر‪ ،‬قال عنه العىلي تابعي ثقة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬تهذيب الكمال في أسماء الرىال للم ي ‪.])597 /23‬‬
‫‪ ،)304 /‬بـإســــنـاد صـــــحيح رىـالـه رىـال‬ ‫‪ )3‬قـال األلبـاني أخرىـه األر قي في أخبـار مكـة‪،‬‬
‫‪ ،)287 /‬وقـال الهيثمي عن آخر الحـديـ ‪ :‬رواه الجبراني في‬ ‫الصـــــحيح‪ ،‬أحكـام الىنـائ ‪،‬‬
‫الكبير واألوسج ورىاله ثقات‪ ،‬مىم ال وائد ‪.)4 /4‬‬
‫‪.)183 /‬‬ ‫‪ )4‬الىواب الباهر‪،‬‬
‫‪259‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وأيضـا فإذا كان السـفر إلى بيت من بيوت هللا ‪-‬غير‬


‫ً‬ ‫إلى مسـىد غير المسـاىد الثالثة‪،‬‬
‫‪)1‬‬
‫الثالثة‪ -‬ال يىو ؛ فالسفر إلى بيوت عباده أولى أن ال يىو » ‪.‬‬
‫قال الحاف ‪ :−‬وأما قصـد غير المسـاىد ل يارة صـالح أو قريب أو صـاحب‬
‫أو جلب علم أو تىارة أو ن هة‪ ،‬فال يدخل في النهي» ‪.)2‬‬
‫قال شيإل ا سالم‪ :‬وقد أىا بعس المتهخرين السفر ل يارة القبور‪ ،‬منهم أبو‬
‫ً‬
‫منقوال عن أحد من المتقدمين‪ ،‬بناء على‬ ‫حامد ‪ ،)3‬وأبو محمد المقدسـي ‪ .)4‬وما علمته‬
‫أن الحدي لم يتناول النهي عن ذلك‪ ،‬كما لم يتناول النهي عن الســفر إلى األمكنة التي‬
‫فيها الوالدان‪ ،‬والعلماء والمشــايإل‪ ،‬وا خوان‪ ،‬أو بعس المقاصــد‪ ،‬من األمور الدنيوية‬
‫المباحة ‪.)5‬‬
‫قال الحاف ‪ :‬والصـحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشـافعية أنه ال يحرم»‬
‫‪.)6‬‬
‫الشبه التي أوردها من أىا شد الرحال‪ ،‬والرد عليها‪:‬‬
‫الشبهة األولى‪ :‬قالوا إن المراد أن الفضيلة التامة‪ ،‬إنما هي في شد الرحال إلى‬
‫هـذه المســـــاىـد‪ ،‬بخالف غيرهـا؛ فـإنـه ىـائ ‪ ،‬وممـا يتكـد ذلـك أنـه وق في روايـة ألحمـد‬
‫ال ينبغي للمجي أن تعمل» ‪ .)7‬والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬

‫‪ )1‬اقتضاء الصراج المستقيم البن تيمية ‪.)671 /2‬‬


‫‪ )2‬الفتح ‪.)79 /3‬‬
‫‪ )3‬هو محمد بن محمد الغ الي الجوسـي المعروف بحىة ا سـالم‪ ،‬ولد سـنة ‪ ،)450‬له مصـنفات‬
‫عدة من أبر ها إحياء علوم الدين‪ ،‬والمستصفى‪ ،‬توفي سنة ‪505‬هـــ)‪ ،‬ولو تفر للكتاب والسنة‬
‫وتخلى عن الفلســــفة والتصــــوف لكان له شــــهن آخر‪ ،‬ولكن هلل األمر من قبل ومن بعد‪ ،‬وفيات‬
‫األعيان ‪.)219 ،216 /4‬‬
‫‪ )4‬قال الشيإل ناصر العقل من يعرف بهذه الكنية‪:‬‬
‫‪ -1‬عبـد الغني بن عبـد الواحـد بن علي بن مرور الىمـاعيلي المقـدســـــي‪ ،‬تقي الـدين أبو محمـد‬
‫الحاف المحد الفقيه الحنبلي‪ ،‬ولد سنة ‪541‬هـــ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪600‬هـــ)‪ ،‬وله مصنفات‬
‫كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬العمدة في األحكام‪ ،‬واألحكام‪ ،‬والكمال في معرفة الرىال‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الذيل على جبقات الحنابلة ‪.])29 ،5 /2‬‬
‫‪ -2‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة المقدســي ثم الدمشــقي‪ ،‬موفق الدين أبو محمد‪ ،‬صــاحب كتاب المغني‬
‫في الفقه الحنبلي‪ ،‬وصاحب التصانيف الكثيرة‪ ،‬ولد سنة ‪541‬هـ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪620‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الذيل على جبقات الحنابلة ‪ ،)133،149 /2‬االقتضاء ‪.])672 /2‬‬
‫‪ )5‬االقتضاء ‪ )672 /2‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ )6‬الفتح ‪.)78 /3‬‬
‫‪ )7‬أخرىـه أحمـد ‪ ،)52 /8‬حـديـ ‪ ،)11609‬وهو من جريق شـــــهر بن حوشـــــب ‪ ،−‬قـال عنه‬
‫الحاف ‪ :‬وشــهر حســن الحدي ‪ ،‬وإن كان فيه بعس الضــعف‪ .‬الفتح ‪ .)79 /3‬وضــعف األلباني‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪260‬‬

‫األول‪ :‬أن الحدي ضــــعيف بهذه ال يادة؛ فال يصــــح االحتىا بهذا الحدي‬
‫الضعيف‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬قال الشـيإل ابن با ‪ −‬معلقًا على قول الحاف ال ينبغي للمجي) هو لف‬
‫اهر في غير التحريم؛ حي قال‪ :‬ولي األمر كما قال‪ :‬بل هو اهـــر في التحريم‬
‫والمن ‪ ،‬وهذه اللف ة في عرف الشارع شهنها ع يم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪( :‬ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ) [مريم‪ ،]92 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ) [الفرقان‪.)2 ،)1 ]18 :‬‬
‫وىاء في الســنة‪ :‬هذا اللف بســياقه ينبس بالتحريم‪ ،‬كقوله ﷺ ال ينبغي لعبد أن‬
‫يقول أنا خير من يون بن متى» ‪.)3‬‬
‫فهذه الشــبهة التي أوردها ال تســتقيم لمن قالها‪ ،‬وليســت حىة لمن أىا شــد‬
‫الرحال ل يارة القبور‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫ال تشـد الرحال‪ :»...‬هذا‬ ‫الشـبهة الثانية‪ :‬قال ابن بجال ‪ −‬عند شـرحه حدي‬
‫الحدي في النهي عن إعمال المجي‪ ،‬إنما هو عند العلماء فيمن نذر على نفسه الصالة‬
‫في مسىد من سائر المساىد غير الثالثة المذكورة ‪.)4‬‬
‫والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫ت فيـه لف النـذر‪ ،‬أو تقييـده بـالنـذر؛‬‫أن هـذا الحـديـ بكـافـة جرقـه وألفـا ـه لم يـه ع‬
‫فال دليل قريبًا أو بعيدًا يتيد تخصـيصـه بمن نذر على نفسـه‪ ،‬فإذا كان دليل التخصـي‬
‫معدو ًما‪ ،‬فالواىب البقاء على العموم‪.‬‬
‫لقــــد فهم الصحابــــة الكرام الذيــــن رووا الحدي كهبي بصرة وابن عمر‪ ،‬أن‬
‫الحدي على عمومه ال يىو تخصــيصــه‪ ،‬بل أنت ال تىد أن أبا هريرة ‪ ‬قد لب‬
‫عليه األمر‪ .‬فعندما وضـح له خجه ذهابه إلى الجور من قبل أبي بصـرة ‪ ،‬واسـتدل‬
‫ال تشــد الرحال‪ »....‬فهمه ‪ ‬كما فهمه غيره من الصــحابة بهن الحدي‬ ‫له بحدي‬

‫هذه الرواية‪ ،‬وقال‪ :‬وشـــهر ضـــعيف‪ ،‬وقد تفرد بهذه ال يادة إلى مســـىد‪[ .‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ ‪،‬‬
‫‪ ،)286 /‬وقال شــعيب‪ :‬حدي صــحيح‪ ،‬وهذا إســناد ضــعيف لضــعف شــهر بن حوشــب‪،‬‬
‫والموسوعة ‪.])153 /8‬‬
‫‪ )1‬وان ر‪ :‬تعليق الشيإل على فتح الباري في الهامع ‪.)79 /3‬‬
‫‪ )2‬فتح الباري ‪.)79 /3‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب األنبياء‪ ،‬باب قوله تعالى‪ ( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‪ ،‬رقم‪.)3395 /‬‬
‫‪ )4‬شر صحيح البخاري ‪.)178 /3‬‬
‫‪261‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫لنيل بركتها‪ ،‬بل وأصـــبح يحد به‪،‬‬ ‫عام بكل الصـــقاع والبقاع التي يقصـــدها النا‬
‫وينهى عنه ‪.)1‬‬
‫صـا بمن نذر لرأينا الصـحابة الذين خار المدينة‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫لو كان المن خا ً‬
‫بإحسان‪ ،‬يرحلون ل يارة مسىد قباء الذي ال يخفى فضله على أحد‪ ،‬وهو المسىد الذي‬
‫صا‪.‬‬
‫أس على التقون‪ ،‬وهذا يتكد أن الحدي عام ولي خا ًّ‬
‫الشــبهة الثالثة‪ :‬قال ابن حىر ‪ :−‬أن المراد حكم المســاىد فقج‪ ،‬وأنه ال تشــد‬
‫الرحال إلى مسـىد من المسـاىد للصـالة فيه غير هذه الثالثة‪ ،‬وأما قصـد غير المسـاىد‬
‫ل يـارة صـــــالح أو قريـب أو صـــــاحـب أو جلـب علم أو تىـارة أو ن هـة فال يـدخـل في‬
‫النهي‪ ،‬ويتيده ما رون أحمد من جريق شـــهر بن حوشـــب قال‪ :‬ســـمعت أبا ســـعيد‪،‬‬
‫وذكرت عنده الصـالة في الجور‪ ،‬فقال‪ :‬قال رسـول هللا ﷺ‪ :‬ال ينبغي للمصـلي أن يشد‬
‫رحاله إلى مسىد تبتغى فيه الصالة غير المسىد الحرام والمسىد األقصى ومسىدي»‬
‫وشهر حسن الحدي ‪ ،‬وإن كان فيه بعس الضعف ‪.)2‬‬
‫والرد على هذه الشـبهة من وىوه‪ :‬أن منشـه الخالف بيننا‪ ،‬لي حول من سـافر‬
‫لجلـب علم أو تىـارة أو عال أو يـارة أأل أو صـــــديق أو قريـب أو بعيـد‪ ،‬فـإن هـذه‬
‫ال يارة ليســـت داخلة في الحدي ‪ ،‬فهي إما يارة دنيوية محضـــة كتىارة‪ ،‬أو دينية ال‬
‫يقصد بها موق أو مكان‪ ،‬بل يقصد فيها شخ بذاته‪ ،‬فهذا ال حر فيه وال ىرم‪ ،‬فإن‬
‫يارة أهل الخير األحياء ال به بها‪ ،‬وليســت محل ن اع‪ ،‬إنما محل الن اع هو يارة‬
‫المحرم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫األماكن األثرية‪ ،‬والمواق وااثار بقصد التعبد والتقرب إلى هللا‪ ،‬فهذا هو‬
‫أن هذا الحدي الذي قيَّده في المســــاىد قد مر على أصــــحاب محمد ﷺ‪ ،‬فما‬
‫قيـدوه بمـا قيـده بـه غيرهم‪ ،‬ودليـل ذلـك‪ :‬لوم أبي بصـــــرة ألبي هريرة م أنـه ‪ ‬لم‬
‫يذهب إلى مســـىد‪ ،‬بل ذهب إلى الجور‪ ،‬وهو ىبل ورد ذكره في القرآن‪ ،‬وما قال أبو‬
‫هريرة لمن المه‪ :‬أنا ما ذهبت إلى مسـىد‪ ،‬والحدي خا بالمسـاىد‪ ،‬بل كان الحدي‬
‫خـافيـًا عنـه ‪ ،‬فلمـا بـان لـه وعرف بـه امتن عن الـذهـاب‪ ،‬وبـدأ يحـد بـالحـديـ ‪ ،‬أفال يكفينـا‬
‫ويسعنا ما وس أصحاب محمد ﷺ؟‪.‬‬
‫لو كان الصــحابة ﭫ قد فهموا أن الحدي مقصــور على مســاىد الصــلوات‪،‬‬
‫لرأيناهم قد شــدَّوا الرحال ل يارة القبور والمشـــاهد؛ فما علمنا بهن صـــحابيًا واحدًا قد‬

‫‪ ،)7191‬وورد عن أبي هريرة النهي عن شد الرحال‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬المسند ‪ )116 /12‬حدي‬


‫‪ )2‬فتح الباري ‪.)79 /3‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪262‬‬

‫مرة واحـدة‪ ،‬وهم أعلم منـا بـالهـدي‪،‬‬


‫ار قبر الخليـل أو القبر المنســـــوب إلى هود ولو َّ‬
‫خيرا لسبقونا إليه‪.‬‬
‫وأسبق منا إلى الخير‪ ،‬فلو كان ً‬
‫أن الحدي بهذه اللف ة ضـعيف‪ ،‬وقد بينت تضـعيف األلباني له‪ ،‬بل وقول ابن‬
‫حىر عن راويـه في التقريـب‪ :‬أنـه كثير األوهـام‪ ،‬وقـال عن الحـديـ في الفتح‪ :‬وإن كـان‬
‫فيه بعس الضـعف ‪ ،)1‬فالحدي ال يحتج به لضـعفه؛ ولو كان صـحي ًحا لكان ما أوردته‬
‫من الرد على هذه الشبهة كافيًا لبيان ضعف هذه الحىة وعدم استقامتها‪.‬‬
‫الشـبهة الرابعة‪ :‬احتج من أىا ال يارة وشـد الرحال ل يارة قبور الصـالحين؛‬
‫بهنه ﷺ كان ي ور قباء وي ور القبور ‪.)2‬‬
‫الرد على هذه الشــبهة من وىوه‪ :‬أن الخالف لي في مســهلة فضــيلة مســىد‬
‫على آخر‪ ،‬وإنما الخالف حول شـــد الرحال ل يارة مســـىد غير الثالثة‪ ،‬أو مشـــهد أو‬
‫موق أثري؛ بقصد العبادة والتقرب إلى هللا‪.‬‬
‫‪ )1‬ال يختلف اثنان في فضــيلة مســىد قباء‪ ،‬وبهنه المســىد الذي أســ على‬
‫التقون‪ ،‬بل قال عنه ﷺ‪ :‬الصــالة في مســىد قباء كعمرة» ‪ .)3‬كما أنه ﷺ كان ي ور‬
‫مسـىد قباء؛ حي كان يهتي مسـىد قباء راكبًا وماشـيًا كل سـبت‪ ،‬ويصـلي فيه ركعتين‬
‫‪ .)4‬فهذا لي منشه الخالف‪ ،‬وإنما الخالف في شد الرحال‪.‬‬
‫‪ )2‬قال الشــيإل ابن با ‪ :−‬والىواب عن حدي قباء أن المراد بشــد الرحل‬
‫في أحادي النهي‪ ،‬الكناية عن الســــفر‪ ،‬ال مىرد شــــد الرحل‪ ،‬وعليه فال إشــــكال في‬
‫ركوب النبي ﷺ إلى مســـىد قباء» ‪ .)5‬فالرســـول ﷺكان ي ور مســـىد قباء وهو في‬
‫ال تشـــــد‬ ‫المـدينـة‪ ،‬ولي فيـه شـــــد للرحـال‪ ،‬والغريـب أن المىي ين أعملوا حـديـ‬
‫ال رحـال» بـهنـه خـا في المســـــاىـد؛ حيـ قـالوا‪ :‬إن االســـــتثنـاء إنمـا يكون من ىن‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬الفتح ‪.)79 /3‬‬


‫‪ )2‬أوردها الحاف في الفتح ‪ ،)84 /3‬كما أورد هذه الشـــبهة صـــاحب بدع القبور‪ ،‬وع اها ألبي‬
‫‪.)127 /‬‬ ‫محمد المقدسي‪،‬‬
‫‪،)324 /‬‬ ‫‪ )3‬أخرىه الترمذي‪ ،‬كتـاب الصـــــالة‪ ،‬باب ما ىاء في الصـــــالة في مســــىـد قبـاء‪،‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي ‪.)324 /1‬‬
‫‪ )4‬صــحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضــل الصــالة في مســىد مكة والمدينة‪ ،‬باب من أتى مســىد قباء كل‬
‫ســبت‪ ،‬رقم‪ ،)1193 /‬ومســلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضــل مســىد قباء‪ ،‬رقم‪ .)1399 /‬ومىيئه‬
‫ﷺكل ســـبت إلى قباء كان لمواصـــلة األنصـــار وتفقد حالهم وحال من تهخر منهم عن حضـــور‬
‫الىمعة‪ ،‬وهذا السر في تخصي ذلك في السبت‪ ،‬فتح الباري ‪.)84 /3‬‬
‫‪ )5‬فتح الباري ‪.)84 /3‬‬
‫‪263‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المسـتثنى منه‪ ،‬فمعنى الحدي عندهم‪ :‬ال تشـد الرحال إلى مسـىد من المسـاىد‪ ،‬أو إلى‬
‫مكان من األمكنة؛ ألىل ذلك المكان‪ ،‬إال إلى الثالثة المذكورة) ‪.)1‬‬
‫ونىدهم يســـتدلون بحدي يارته ﷺ لقباء‪ ،‬بىوا شـــد الرحال إلى غير هذه‬
‫المسـاىد الثالثة‪ ،‬وهذا يدل على اضـجرابهم‪ ،‬وعدم وضـو حىتهم؛ فهسـقجوا حىىهم‬
‫بحىىهم‪ ،‬وكما يضقال‪ :‬من فمك أدينك‪.‬‬
‫وقال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬ولو سـافر من بلد إلى بلد‪ ،‬مثل أن سـافر إلى دمشـق‬
‫من مصــر ألىل مســىدها أو بالعك ‪ ،‬أو ســافر إلى مســىد قباء من بلد بعيد‪ ،‬لم يكن‬
‫يف بنذره باتفاق األئمة‬
‫عا باتفاق األئمة األربعة وغيرهم‪ .‬ولو نذر ذلك لم ع‬
‫هذا مشـــرو ً‬
‫‪)2‬‬
‫األربعة وغيرهم‪ ،‬إال خالف شاذ» ‪.‬‬
‫الشــبهة الخامســة‪ :‬قال الحاف ‪ :−‬قال الســبكي الكبير‪ :‬وقد التب ذلك على‬
‫بعضــهم‪ ،‬ف عم أن شــد الرحال إلى ال يارة لمن في غير الثالثة داخل في المن ‪ ،‬وهو‬
‫خجه؛ ألن االستثناء إنما يكون من ىن المستثنى منه‪ ،‬فمعنى الحدي ‪ :‬ال تشد الرحال‬
‫إلى مســىد من المســاىد‪ ،‬أو إلى مكان من األمكنة؛ ألىل ذلك المكان‪ ،‬إال إلى الثالثة‬
‫المذكورة» ‪.)3‬‬
‫والرد على هذه الشــبهة‪ :‬تلك الشــبهة ىاءت باســم اللغة العربية‪ ،‬واللغة منها‬
‫براء‪ ،‬وهي بحر ال تكدر الدالء‪ ،‬وتربه بنفسها عن مثل هذه الشوائب وفق ما هو آت‪:‬‬
‫ال تشـــد الرحال‪ ،»....‬ىاء بهســـلوب االســـتثناء المفرع؛ ألنه بدأ‬ ‫إن حدي‬
‫بنفي‪ ،‬وحذف منه المسـتثنى منه‪ ،‬فتفرع ما قبل إال) للعمل بما بعدها‪ ،‬ولم يشـغله عنه‬
‫شـيء‪ ،‬فيعرب االسـم بعد إال) بحسـب موقعه من الكالم كما لو أن إال) لم تكن‪ ،‬يقول‬
‫ابن مالك في ألفيته‪:‬‬
‫ق (إ ) *** بع ُد يكن كما لو (إ ) عدمددددا‬ ‫وإن يادرع سابد ٌ‬
‫(‪)4‬‬
‫لما‬
‫وتصـــــبح إال) في هـذه الحـالـة أداة حصـــــر‪ ،‬وبـالتـالي تكون في الحـديـ قـد‬
‫حصـرت فضـل شـد الرحال في ثالثة مسـاىد فقج‪ :‬أما ما عداها من مسـاىد أو غيرها‪،‬‬

‫‪ )1‬أورد هذا الحاف ابن حىر في الفتح ‪.)80 /3‬‬


‫‪ )2‬مىموع الفتاون ‪.)333 /27‬‬
‫‪ )3‬فتح الباري ‪.)80 /3‬‬
‫‪.)22 /‬‬ ‫‪ )4‬ألفية ابن مالك‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪264‬‬

‫فال تشـد الرحال إليه وفق مفهوم الحصـر من ىهة‪ ،‬ومن ىهة أخرن وفق مفهوم النفي‬
‫الذي يفيد العموم بال خالف عند أهل اللغة‪.‬‬
‫ويشــــد عضــــد النحاة فيما تقدم من الرد‪ ،‬أه ضل البالغة‪ ،‬فيقولون‪ :‬إن النفي في‬
‫ـورا عليـه‪،‬‬
‫الحـديـ م االســـــتثنـاء يفيـدان القصـــــر‪ ،‬فتكون المســـــاىـد الثالثـة مقصــــ ً‬
‫والمقصـور‪ :‬شـد الرحال)‪ ،‬وبالتالي؛ فال يىو التىاو في الحكم لما عداها المسـاىد‬
‫الثالثة) سواء أكان مسىدًا‪ ،‬أم غيره من األماكن‪.‬‬
‫وبقي أن أقول لصـاحب تلك الشـبهة‪ :‬الحدي مفهوم وواضـح بدون تقدير كما‬
‫تقدم‪ ،‬وإذا استون التقدير وعدم التقدير‪ ،‬فعدمه أولى هذا عند أولي النهى‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫الشـبهة السـادسـة‪ :‬قالوا‪ :‬إن قوله ﷺ‪ :‬ال تشـد الرحال» إنه محمول على نفي‬
‫االسـتحباب؛ حي قالوا‪ :‬إن المراد الفضـيلة التامة‪ ،‬إنما هي في شـد الرحال إلى هذه‬
‫المساىد‪ ،‬بخالف غيرها؛ فإنه ىائ » ‪.)1‬‬
‫والرد عليها من وىوه‪ :‬إن الواق يخالف ذلك‪ ،‬فإن نفي االســـتحباب ‪-‬وإن كنا‬
‫ال نسـلم له في ذلك‪ -‬يىعله مكروهًا‪ ،‬والمكروه عمل لي صـال ًحا‪ ،‬وال قربى‪ ،‬فهصـبح‬
‫ال م ية لمن شــد الرحال‪ ،‬وال يرىو أن يكون عمله هذا من الحســنات‪ ،‬إن لم يكن من‬
‫السـيئات‪ ،‬فلماذا إذن يشـد الرحال ويقج الفيافي والقفار ل يارة قبر ولي أو نبي؟‪ ،‬فإن‬
‫وهدرا لءوقات واألموال‪ ،‬وكفى‬ ‫ً‬ ‫كان لي واىبًا‪ ،‬وال مستحبًّا؛ فال يعدو أن يكون عبثًا‬
‫بها من مثلبة‪.‬‬
‫ســــفرا نفى عنه‬
‫ً‬ ‫إن من يســــافرون يعتقدون أنها قربة وجاعة‪ ،‬ومن ســــافر‬
‫الرســـول ﷺ االســـتحباب وىعله جاعة وقربة‪ ،‬فقد شـــرع في الدين ما لم يهذن به هللا‪،‬‬
‫وأصـبح سـفره حرا ًما‪ ،‬ال من حي سـفره‪ ،‬إنما من حي أنه ىعله سـفر جاعة مسـتحبًا‪،‬‬
‫والرسول ﷺ قد نفى عنه االستحباب‪ ،‬وكفى بهذا إث ًما إذا جبقنا الحدي على مفهومهم‪.‬‬
‫ال يســـلم لصـــاحب هذا القول‪ :‬بهن ال تشـــد الرحال» بهنه محمول على نفي‬
‫االس تحباب؛ ألن ال تشد) بلف النفي المفيد للنهي في المعنى‪ ،‬والنهي يقتضي التحريم؛‬
‫ما لم تهت قرينة تصــــرفه عن ذلك‪ ،‬كما هو مقرر عند علماء األصــــول ‪ ،)2‬ولم تهت‬
‫قرينـة تصـــــرف هـذا النهي عن التحريم إلى الكراهيـة‪ ،‬بـل القرائن كلهـا متكـدة للتحريم‬
‫العام كما هر لنا من أفعال وأقوال أصحاب محمد ﷺ‪.‬‬

‫‪ )1‬أوردها الحاف ‪ −‬في الفتح ‪.)78 /3‬‬


‫‪ ،)302 /‬للدكتور عبد الكريم‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تفصــــيل مســــهلة النهي في الوىي في أصــــول الفقه‬
‫يدان‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشـبهة السـابعة‪ :‬قالوا إنما أنكر أبي بصـرة ‪ ‬على أبي هريرة خروىه إلى‬
‫الجور؛ ألن أبـا هريرة كـان من أهـل المـدينـة التي فيهـا أحـد المســـــاىـد الثالثـة التي أمر‬
‫بإعمال المجي إليها‪ ،‬ومن كان كذلك؛ فمسىده أولى با تيان ‪.)1‬‬
‫والرد على هذه الشــــبهة من وىوه‪ :‬أن الحدي لم يقيد النهي ألهل هذه البقاع‬
‫الثالثة؛ وإنما خجاب لعموم األمة المســلمة‪ ،‬بهن ال تشــد الرحال إال إلى ثالثة مســاىد‪،‬‬
‫وقصـــر هذا الحدي على مصـــر من األمصـــار أو قجر من األقجار تحكم بال دليل‪،‬‬
‫وقول على هللا بغير علم‪.‬‬
‫هل كان خافيًا على صــاحب محمد ﷺ أن يقول لصــاحبه‪ :‬كيف تشــد الرحال‬
‫إلى ىبل الجور وأنت من أهل المدينة؟‪ .‬ألي هو أفصــح منا بالعربية وأعلم منا بقول‬
‫الرسـول ﷺ؟‪ .‬والخالصـة‪ :‬أن حمل الحدي على هذا الوىه غير مسـتسـا ‪ ،‬فغفر هللا لنا‬
‫ولمن أورده‪.‬‬
‫الترىيــــــح‪ :‬والذي ي هر أن شـد الرحال ل يارة القبور ال تىو ‪ ،‬وأنها ليسـت‬
‫داخلة في عموم قوله ﷺ‪ :‬نهيتكم عن يارة القبور ف وروها»‪ ،‬فال يارة شـيء‪ ،‬وشـد‬
‫الرحال وقصد السفر شيء آخر‪.‬‬
‫وكما قال شـيإل ا سـالم‪ :‬كان ابن عمر يهتي من الحىا فيدخل فيصـلي في‬
‫بيت المقد )‪ ،‬ثم يخر وال يشـرب فيه ماء لتصـيبه دعوة سـليمان ‪ ،)2‬وكان الصـحابة‬
‫ثم التابعون يهتون وال يقصـــدون شـــيئًا مما حوله من البقاع‪ ،‬وال يســـافرون إلى قرية‬
‫الخليل وال غيرها» ‪.)3‬‬
‫ال تشـد الرحال» على ىبل الجور‪،‬‬ ‫كذلك نىد الصـحابة ﭫ قد أعملوا حدي‬
‫وهو لي مسـىدًا فشـملوه بالنهي‪ .‬فدل ذلك على حرمة شـد الرحال لموق مكاني رىاء‬
‫بركته أو التقرب إلى هللا ب يارته غير األماكن الثالثة التي شـملها الحدي ‪ ،‬كما أن من‬
‫َّأول الداللة على التحريم أن النهي إذا كان قد شمل غير المساىد الثالثة بما فيها مسىد‬
‫قضبـاء الـذي ال تخفى فضـــــيلتـه‪ ،‬فمن بـاب أولى أن يشــــمـل القبور وغيرهـا‪ .‬وهللا أعلم‬
‫بالصواب‪.‬‬

‫‪ )1‬شر صحيح البخاري البن بجال ‪.)179 /3‬‬


‫‪ )2‬حي ســهل ســليمان ڠ ربه ثالثًا‪ :‬ســهله مل ًكا ال ينبغي ألحد من بعده‪ ،‬وســهله حك ًما يوافق حكمه‪،‬‬
‫وســـهله أنه ال يتم هذا المســـىد أحد ال يريد إال الصـــالة فيه إال غفر له‪[ .‬مىموع الفتاون ‪/27‬‬
‫‪.])258‬‬
‫‪ )3‬مىموع الفتاون ‪.)258 /27‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪266‬‬

‫المبح الراب‬
‫حكم اتخاذ القبور عيدًا‬
‫ومن األمور المحـدثـة اتخـاذ القبور أعيـادًا‪ ،‬وال شـــــك أن الواىـب على الخلق‬
‫قاجبة اتباع ما بع هللا به المرسـلين‪ ،‬واالنقياد لما أمروا به‪ ،‬أو نهوا عنه‪ ،‬وإن خالف‬
‫جباعهم وعاداتهم؛ فإن في اتباعهم خيري الدنيا وااخرة‪.‬‬
‫ومن األمور التي خـالف فيهـا كثير من النـا اتخـاذ القبور أعيـادًا‪ ،‬وســـــوف‬
‫نتناول في هذا المبح بإذن هللا عدة مجالب‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬في تعريف العيد‪:‬‬
‫فالعيد في اللغة‪ :‬كل يوم فيه ىم ‪ .‬واشـتقاقه‪ ،‬من عاد يعود‪ ،‬كهنهم عادوا إليه‪،‬‬
‫وقيل اشــتقاقه من العادة؛ ألنهم اعتادوه‪ ،‬وعيَّد المســلمون‪ :‬أي شــ عهدوا عيدهم‪ ،‬فىعلوا‬
‫العيد من عاد يعود‪ ،‬وسمي العيد عيدًا؛ ألنه يعود كل سنة بفر مىدد ‪.)1‬‬
‫أما في االصـــجال ‪ :‬فهو اســـم لما يعود من االىتماع العام على وىه معتاد‪،‬‬
‫أمورا‪:‬‬
‫ً‬ ‫عائد‪ :‬إما بعود السنة‪ ،‬أو بعود األسبوع‪ ،‬أو الشهر أو نحو ذلك‪ .‬فالعيد يىم‬
‫‪ - 1‬منهـا يوم عـائـد‪ ،‬كيوم الفجر ويوم الىمعـة ‪ ،)2‬فعلى هـذا‪ ،‬كـل اىتمـاع عـام‬
‫يحدثه النا ‪ ،‬أو يعتادونه في مان معين‪ ،‬أو مكان معين‪ ،‬أو هما معًا‪ ،‬وكذلك كل أثر‬
‫أو مشــــهد أو مقام يعتاد النا مىيئه ســــواء أكان قدي ًما أو حديثًا‪ ،‬فإنه يصــــدق عليه‬
‫مسـمى العيد‪ ،‬وي هر لك التوافق واالرتباج بين المعنى اللغوي والمعنى االصـجالحي؛‬
‫حي اتفقا على أن مسـمى العيد يصـدق على كل ما اعتاد النا االىتماع فيه‪ .‬ومبحثنا‬
‫هنـا حول اتخـاذ القبور أعيـادًا‪ ،‬يعتـاد النـا شـــــهودهـا وحضـــــورهـا‪ ،‬م ورود النهي‬
‫الصريح الواضح‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬األدلة التي تبين حرمة اتخاذ القبور أعيادًا‪:‬‬
‫ثبت عنه ﷺ النهي الصريح عن ذلك في أدلة صحيحة صريحة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬مادة عود‪.‬‬


‫‪ )2‬اقتضاء الصراج المستقيم ‪.)442 /1‬‬
‫‪267‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قبورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ - 1‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رســــول هللا ﷺ‪ :‬ال تىعلوا بيوتكم‬
‫ي فإن صالتكم تبلغني حي كنت» ‪.)1‬‬ ‫وال تىعلوا قبري عيدًا‪ ،‬وصلوا عل َّ‬
‫قال شــــيإل ا ســــالم في شــــر الحدي ‪ .. :‬فمن هذه األمكنة قبور األنبياء‬
‫عمومـا‬
‫ً‬ ‫والصـــــالحين‪ ،‬وقـد ىـاء عن النبي ﷺ والســـــلف النهي عن اتخـاذهـا عيـدًا‪،‬‬
‫صا‪ ،‬وبينوا معنى العيد» ‪.)2‬‬ ‫وخصو ً‬
‫قـال ابن القيم فـاتخـاذ القبور عيـدًا هو من أعيـاد المشـــــركين التي كـانوا عليهـا‬
‫قبل ا سالم‪ .‬وقد نهى عنه رسول هللا ﷺ في سيد القبور‪ ،‬منب ًها به على غيره» ‪.)3‬‬
‫وقـال في فيس القـدير‪ :‬معنـاه النهي عن االىتمـاع ل يـارتـه اىتمـاعهم للعيـد‪،‬‬
‫إما لدف المشــقة‪ ،‬أو كراهة أن يتىاو وا حد التع يم‪ .‬وقيل‪ :‬العيد ما يعاد إليه‪ .‬أي‪ :‬ال‬
‫تىعلوا قبري عي ـدًا تعودون إليــه متى أردتم أن تصـــــلوا علي‪ ،‬ف ــاهره منهي عن‬
‫المعاودة‪ ،‬والمراد المن عما يوىبه‪ ،‬وهو نهم بهن دعاء الغائب ال يصل إليه‪.‬‬
‫وقـال‪ :‬ويتخـذ منـه أن اىتمـاع العـامـة في بعس أضـــــرحـة األوليـاء في يوم أو‬
‫شـهر مخصـو من السـنة‪ ،‬ويقولون هذا يوم مولد الشـيإل‪ ،‬ويهكلون ويشـربون‪ ،‬وربما‬
‫عا‪ ،‬وعلى ولي الشـرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم‬ ‫يرقصـون فيه‪ ،‬منهي عنه شـر ً‬
‫وإبجاله» ‪.)4‬‬
‫رىال يىيء إلى فرىة كانت عند قبر‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬وعن علي بن الحســين ‪ :)5‬أنه رأن‬
‫النبي ﷺ فيدخل فيدعو‪ ،‬فدعاه فقال‪ :‬أال أحدثك حديثًا سـمعته‪ ،‬عن أبي‪ ،‬عن ىدي‪ ،‬عن‬

‫‪ )1‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب المنـاســـــك‪ ،‬بـاب يـارة القبور‪ ،‬رقم‪ ،)2026 /‬وفي بعس النســــإل‬
‫‪ ،)2042‬قال شـيإل ا سـالم‪ :‬وهذا إسـناد حسـن‪ ،‬فإن رواته كلهم ثقات مشـاهير‪ ،‬لكن عبد هللا بن‬
‫ناف الصائغ الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين ال يقد في حديثه‪.‬‬
‫[اقتضاء الصراج المستقيم ‪ .)659 /2‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ‪.])571 /1‬‬
‫‪ )2‬االقتضاء ‪.)659 /2‬‬
‫‪.)197 /‬‬ ‫‪ )3‬إغاثة اللهفان‪،‬‬
‫‪ )4‬فيس القدير ‪ ،)263 /4‬وأيده في عون المعبود ‪.)33 /6‬‬
‫‪ )5‬هو ين العابدين علي بن الحســـــين بن علي بن أبي جالب الهاشـــــمي‪ ،‬قال ال هري‪ :‬ما رأيت‬
‫قرشـ ـيًا أفضـــل منه‪ ،‬كان م أبيه ‪ ‬يوم قتل وهو مريس فســـلم‪ ،‬وهو ثقة ثبت فقيه فاضـــل‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬التهذيب ‪.])307 ،304 /7‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪268‬‬

‫قبورا‪ ،‬فإن تســــليمكم يبلغني‬


‫ً‬ ‫رســــول هللا ﷺ قال‪ :‬ال تتخذوا قبري عيدًا‪ ،‬وال بيوتكم‬
‫أينما كنتم» ‪.)1‬‬
‫‪ -3‬وعن سـهيل ابن أبي سـهيل ‪ )2‬قال‪ :‬رآني الحسـن بن الحسـن بن علي ابن‬
‫أبي جـالـب ‪  )3‬عنـد القبر فنـاداني‪ ،‬وهو في بيـت فـاجمـة يتعشـــــى‪ ،‬فقـال‪ :‬هلم إلى‬
‫العشـــاء‪ ،‬فقلت‪ :‬ال أريده‪ ،‬فقال‪ :‬ما لي رأيتك عند القبر‪ ،‬فقلت‪ :‬ســـلمت على النبي ﷺ‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إذا دخلت المســىد فســلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن رســول هللا ﷺ قال‪ :‬ال تتخذوا بيتي عيدًا‪،‬‬
‫وال بيوتكم مقـابر‪ ،‬لعن هللا اليهود اتخـذوا قبور أنبيـائهم مســـــاىـد‪ ،‬وصـــــلوا علي فـإن‬
‫صالتكم تبلغني حي ما كنتم‪- ،‬ما أنت ومن باألندل إال سواء‪.)4 »-‬‬
‫قال شـيإل ا سـالم‪ :‬فهذان المرسـالن من هذين الوىهين المختلفين يدالن على‬
‫ثبوت الحدي ‪ ،‬السـيما وقد احتج من أرسـله به‪ ،‬وذلك يقتضـي ثبوته عنده‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫ي من وىوه مسندة غير هذين‪ ،‬فكيف وقد تقدم مسندًا؟‪.‬‬ ‫ضر عو م‬
‫ووىه الداللة‪ :‬أن قبر رســول هللا ﷺ أفضــل قبر على وىه األرس‪ ،‬وقد نهى‬
‫ً‬
‫كـائنـا من كـان‪ ،‬ثم إنـه قرن ذلـك بقولـه ﷺ‪:‬‬ ‫عن اتخـاذه عيـدًا؛ فقبر غيره أولى بـالنهي‬
‫قبورا» أي‪ :‬ال تعجلوهـا عن الصـــــالة فيهـا‪ ،‬والـدعـاء والقراءة‪،‬‬‫ً‬ ‫وال تتخـذوا بيوتكم‬
‫فتكون بمن لة القبور؛ فهمر بتحري العبـادة في البيوت‪ ،‬ونهى عن تحريهـا عند القبور»‬
‫‪.)5‬‬

‫‪ )1‬رواه أبو يعلى في مسـنده ‪ ،)362 ،361 /1‬وابن شـيبه في المصـنف في كتاب الصـلوات ‪/2‬‬
‫‪ ،)375‬قال عنه شـــيإل ا ســـالم رواه أبو عبد هللا محمد بن عبد الواحد المقدســـي الحاف ‪ ،‬فيما‬
‫اختاره من األحادي الىياد ال ائدة على الصــحيحين‪ ،‬وشــرجه فيه أحســن من شــرج الحاكم في‬
‫صحيحه‪ ،‬االقتضاء ‪ )661 /2‬وصححه األلباني في صحيح الىام ‪ ،)706 /2‬تحذير الساىد‪،‬‬
‫‪.)95 /‬‬
‫‪ )2‬هو أبو ي يد ســــهيل بن أبي صــــالح ذكوان الســــمان المدني أحد رواة الحدي عن ســــعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬ورون عنه األعمع وغيره‪ ،‬توفي في خالفة المنصور سنة ‪140‬هـ)‪ ،‬مي ان االعتدال‬
‫‪.)244 ،243 /2‬‬
‫‪ )3‬هو أبو المثنى الحســن بن الحســن بن علي بن أبي جالب‪ ،‬ولد ســنة ‪40‬هـــــــ)‪ ،‬وتوفي ســنة‬
‫‪97‬هـ)‪ ،‬حضر م عمه كربالء‪ ،‬جبقات ابن سعد ‪ ،)244 /5‬سير أعالم النبالء ‪.)483 /4‬‬
‫‪،38 /‬‬ ‫‪ )4‬أخرىه إسـماعيل بن إسـحاق الىهضـمي في فضـل الصـالة على النبي ﷺرقم ‪،)30‬‬
‫‪ ،)39‬وما أنتم ومن باألندل إال سـواء‪ ،‬فمن كالم الحسـن‪ ،‬وليسـت من كالم الرسـول ﷺ‪ ،‬وع اه‬
‫شــيإل ا ســالم إلى ســنن ســعيد بن منصــور‪ .‬االقتضــاء ‪ ،)663 ،662 ،661 /2‬ولم أىده في‬
‫النسخة المجبوعة‪.‬‬
‫‪ )5‬االقتضاء ‪.)662 /2‬‬
‫‪269‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقد حاول بعس من بلي بتع يم القبور وتقديســها أن يىعل هذا الحدي حىة‬
‫له‪ ،‬بإثارة شبهة ال لون لها وال جعم وال رائحة‪.‬‬
‫الشـبهة‪ :‬هذا أمر بمال مة قبره والعكوف عنده‪ ،‬واعتياد قصـده وانتيابه‪ ،‬ونهى‬
‫أن يضىعـل كـالعيـد الـذي إنمـا يكون في العـام مرة أو مرتين‪ ،‬فكـهنـه قـال‪ :‬ال تىعلوه بمن لـة‬
‫العيد الذي يكون من الحول إلى الحول‪ ،‬واقصدوه كل ساعة وكل وقت ‪.)1‬‬
‫والرد على هذه الشـــبهة‪ :‬إن هذه مراغمة ومحادة هلل‪ ،‬ومناقضـــة لما قصـــده‬
‫الرســـول ﷺ؛ حي إن فيه تحريفًا للن ‪ ،‬وعبثًا به ورميًا للرســـول ﷺ بالىهل‪ ،‬وعدم‬
‫القدرة على إيضـا البيان؛ حي لو كان المقصـد ما قالوا‪ ،‬ألوضـحه الرسـول ﷺ وهو‬
‫أبلغ البلغاء‪ ،‬وأفصح الفصحاء‪.‬‬
‫لو أراد الرســــول ﷺ ما قاله هتالء الضــــالل‪ ،‬لم ينه عن اتخاذ قبور األنبياء‬
‫مســـاىد‪ ،‬ويلعن فاعل ذلك؛ فإنه إذا لعن من اتخذها مســـاىد يعبد هللا فيها‪ ،‬فكيف يهمر‬
‫بمال متها والعكوف عندها‪ ،‬وإن اعتاد قصــدها وانتيابها وال تضىعل كالعيد الذي يىيء‬
‫من حول إلى حول‪.‬‬
‫لو كان هذا قصــد الرســول ﷺ لما دعا ربه أال يىعل قبره وثنًا يعبد ‪ ،‬وقول‬
‫‪)2‬‬

‫عائشة ‪ :‬ولوال ذلك ألبر قبره ‪.)3‬‬


‫لم يفهم الصـحابة ﭫ ما فهمه هذا المفتون‪ ،‬وما علم عن أحد من الصـحابة أنه‬
‫اعتاد يارة القبر في العام عدة مرات‪ ،‬فض ًـال من أن ي وره في اليوم اثني عشـرة مرة‬
‫على األقل في فهم هذا المفتون‪.‬‬
‫لقد فهم الصـــــحابة والتابعون الحدي وفق مراد الرســـــول ﷺ‪ ،‬فهذا علي بن‬
‫الحسـين ينهى ذلك الرىل أن يتحرن الدعاء عند قبر الرسـول ﷺ‪ ،‬واسـتدل بالحدي‬
‫الضـ ـالل‪ ،‬كذلك فهم الحســـن بن الحســـن الحدي بما‬ ‫الذي هو أعلم بمعناه من هتالء ع‬
‫فهمه أهل العلم والفضــل؛ حي كره أن يقصــد الرىل القبر‪ ،‬إذا لم يكن يريد المســىد‪،‬‬
‫ورأن أن ذلك من اتخاذها عيدًا ‪.)4‬‬
‫وقـد اســـــتـدل من أىـا وا يـارة القبور وىعلهـا عيـدًا بعـدة أدلـة‪ ،‬ال يصــــح‬
‫االحتىا بواحد منها‪:‬‬

‫‪.)198 /‬‬ ‫‪ )1‬إغاثة اللهفان‪،‬‬


‫‪.)345 /‬‬ ‫‪ )2‬سبق تخريىه‪،‬‬
‫‪.)224 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‪،‬‬
‫‪ )4‬هذه الردود مستفادة من االقتضاء‪.)199 ،198 ،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪270‬‬

‫قـال رســـــول هللا ﷺ‪ :‬من ار قبر والـديـه أو أحـدهمـا يوم ىمعـة‪ ،‬فقرأ ي )‬
‫غفر له» ‪.)1‬‬
‫قـال رســـــول هللا ﷺ ‪ :‬من ار قبر أبويـه أو أحـدهمـا في كـل ىمعـة‪ ،‬غفر لـه‬
‫برا» ‪.)2‬‬ ‫وكتب ًّ‬
‫قال ﷺ ‪ :‬إذا أعيتكم األمور؛ فعليكم بهصحاب القبور» وفي لف ‪ :‬إذا تحيرتم‬
‫في األمور؛ فاستعينوا بههل القبور» ‪.)3‬‬
‫فهـذه األحـاديـ التي ىعلوهـا األصـــــل الـذي يعتمـدون عليـه‪ ،‬ويحـاىون بـه‬
‫ويتحـاكمون إليـه؛ هر ضـــــعفهـا وبـان وضـــــعهـا‪ ،‬بـل وثبتـت معـارضـــــتهـا لءحـاديـ‬
‫الصــريحة الصــحيحة التي تضحرم صــنيعهم وتىرم أفعالهم‪ ،‬ولكن كما قال هللا تعالى‪( :‬‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الحج‪ ،]46:‬وكما قال ســبحانه‪ ( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [محمد‪:‬‬
‫‪.]25‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬من م اهر اتخاذها عيدًا‪:‬‬
‫األول‪ :‬إقـامـة الموالـد الموســـــميـة‪ ،‬كقولهم‪ :‬هـذا مولـد الولي الفالني‪ ،‬أو العـالم‬
‫الفالني) ومثال ذلك‪ :‬مولد الحسـين‪ ،‬حي شـاهدت عند المشـهد الحسـيني الم عوم في‬
‫القـاهرة مـا ينـدي الىبين‪ ،‬ويقر قلوب الموحـدين؛ حيـ يبـدأ االســـــتعـداد قبـل المولـد‬
‫بهسـبوع بنصـب السـرادق في السـاحات المحيجة حول المسـىد؛ السـتقبال ىموع النا‬
‫المتوافدين ل يارة الضـريح الم عوم‪ ،‬حي يبدأ مشـايإل الجرق الصـوفية باالنتشـار في‬
‫هذه الســـاحات‪ ،‬وحولهم األتباع‪ ،‬ويبدتونه بالرق والجرب‪ ،‬ويصـــلون إلى مراحل‬
‫سـكر والهيىان وا غماء حتى أذان الفىر‪ ،‬ال يوقفهم عن غيهم أذان‪ ،‬وال صـالة‪،‬‬ ‫من ال ض‬
‫بـل تىـد المغلوبين على أمرهم‪ ،‬المغرر بهم يـهتونـه بـالقرابين والنـذور والهبـات؛ لترمى‬
‫عند الضـــــريح وحوله‪ ،‬رىاء تفريج الكربات‪ ،‬فيتلقاها الســـــدنة األفَّاكون‪ ،‬ويعجونهم‬
‫الوعود بهن مجالبهم ســـتتحقق‪ ،‬ورســـائلهم وحوائىهم إلى صـــاحب المقام والضـــريح‬

‫‪ )1‬هذا الحدي موضــوع‪ ،‬أخرىه أبو نعيم األصــبهاني في تاريإل أصــبهان ‪ )345 /2‬وابن عدي‬
‫‪ )365 /‬الســــيوجي في كتابة الآللس المنثورة في األحادي‬ ‫في الكامل ‪ ،)260 /6‬وان ر‪:‬‬
‫الموضـوعة‪ ،‬وقال عنه األلباني‪ :‬موضـوع‪ ،‬وقد أسهب في بيان ضعفه‪ .‬سلسلة األحادي الضعيفة‬
‫والموضوعة ‪.)66 /1‬‬
‫‪ ،)199 /‬وفي‬ ‫‪ )2‬هذا الحدي موضــــوع‪ ،‬قال عنه األلباني‪ :‬أخرىه الجبراني في الصــــغير‪،‬‬
‫األوســـج ‪ ،)84 /1‬وقد أســـهب في بيان ضـــعفه ‪ )65 /1‬كما أورده الســـيوجي في األحادي‬
‫‪.)366 /‬‬ ‫الموضوعة‪،‬‬
‫‪ )3‬أورده العىلوني في كشـــــف الخفـاء وم يـل اللبـا ‪ )85 /1‬حـديـ ‪ ،)213‬قـال عنـه شـــــيإل‬
‫ا سالم‪ :‬هو كذب باتفاق أهل المعرفة‪ ،‬الفتاون ‪.)293 /11‬‬
‫‪271‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫عا‪ ،‬أما العيد األسبوعي فعنه‬ ‫سـترف ‪ ،‬وهكذا يتكرر هذا العيد الشـركي في كل عام أسبو ً‬
‫حد وال حر ‪ ،‬فلقد شـاهدت عند الصـنم الذي يعبد في جنجا المسـمى بضـريح أو مقام‬
‫الســيد البدوي ما يفتت الكبود؛ حي يتوافد في صــبيحة كل يوم ىمعة من كل أســبوع‬
‫عشـرات ااف من مدن وقرن وأرياف مصـر إلى هذا الصـنم؛ ليعكفوا عنده‪ ،‬ويجوفوا‬
‫حوله‪ ،‬ويتمســحون بحوائجه وىدرانه‪ ،‬ولقد شــاهدت امرأة تقف أمام الضــريح في كل‬
‫خشـوع تتضـرع إليه‪ ،‬وتتوسـل‪ ،‬وترىوه رىاء الخائف الضـرير‪ ،‬وتدعوه دعاء المذنب‬
‫الذليل‪ ،‬قد رأيتها وقد أبكت القلوب من شــــدة بكائها‪ ،‬وهي ترىوه أن يفر همها‪ ،‬وما‬
‫ـرا‪ ،‬وال موتًا‪ ،‬وال حياة‪ ،‬وال نشـ ً‬
‫ـورا‪.‬‬ ‫علمت أنها تدعو من ال يملك لنفســه نفعًا وال ضـ ً‬
‫وإليك ما يحد عند هذا الضـــريح في عيده الســـنوي‪ ،‬كما يحكيه شـــاهد عيان‪ ،‬حي‬
‫قال‪ :‬إذا ما صـدر التصـريح بإقامة المولد األحمدي وأعلن ذلك في كافة البالد‪ ،‬توافد‬
‫النا من شتى الىهات في الموعد المحدد‪ ،‬فيقيمون الخيام‪ ،‬ويضربون السرادقات في‬
‫ســاحة المولد‪ ،‬ويرضــى أصــحاب العوائد بدف أي أىر يجلبه منهم المالكون لءرس؛‬
‫قامة خيامهم عليها‪ ،‬وتقام الخيام والســـرادقات الخاصـــة بههل الريف‪ ،‬حول ســـاحة‬
‫المولد والضــواحي المىاورة لها‪ ،‬أما الخيام والســرادقات الخاصــة بالحكومة وشــيوأل‬
‫الجرق وأرباب العوائد‪ ،‬فإنها تقام في الســـاحة‪ ،‬تقام ســـارية خشـــبية عالية‪ ،‬تســـمى‬
‫بالصـــاري‪ ،‬ويقدر متوســـج ما يقام في الخيام عادة في هذا المولد بنحو خمســـة آالف‬
‫خيمـة‪ .‬وفي اليوم األول للمولـد يجوف مـهمور البولي بجنجـا في موكـب من الىنود‬
‫معلنًا افتتا المولد‪ ،‬ويسمى هذا الموكب بركبة الحاكم‪.‬‬
‫ومن أول ليلة للمولد تقام حلقات الذكر حول الصــاري‪ ،‬ويعتبر هذا الصــاري‬
‫ىامعة المناكر والمفاســــد‪ ،‬وللنا فيه عقائد عىيبة مريبة‪ ،‬فبينما يعتقد بعضــــهم أن‬
‫يارة هذه الخشـبة تعادل يارة السـيد البدوي نفسـه؛ إذ يعتقد آخرون أن السـيد يىل‬
‫فوقها أيام المولد؛ ليشرف على واره ويتعرف عليهم‪.‬‬
‫قيـامـا‬
‫ً‬ ‫ويى م الكثيرون بـهن النبي ﷺ ي ور هـذه الخشـــــبـة فىر يوم االثنين‬
‫بواىب السيد البدوي عليه‪.‬‬
‫ولن يردعك في حياتك أسوأ مما تشهد من هول حول هذا الصاري‪ ،‬إذ يتراكم‬
‫ً‬
‫عاقال من العقالء‪ ،‬وال متدينًا بهي‬ ‫حوله خليج من الكتل البشــرية على حال ال ترضــي‬
‫دين‪ ،‬فيختلج الرىال والنســـاء والكبار والصـــغار‪ ،‬ويتحلق حول الصـــاري كثير من‬
‫المســاليب والحمقى ورواد الفســوق‪ ،‬وكبار العصــاة المىرمين المدمنين للحشــيع وما‬
‫إليـه من الكيوف‪ ،‬ويســـــمي العـامـة هتالء بـالمىـاذيـب‪ ،‬ويعتقـدون أن لهم عنـد ربهم مـا‬
‫يشـاتون‪ ،‬وينخرج هتالء كل ليلة في مىال الذكر التي يقيمونها حول هذا الصـاري‪،‬‬
‫وهي أشبه ما تكون بحفالت الرق الخلي ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪272‬‬

‫وقبل هذا يعمدون حال وصــــولهم إلى ضــــريح البدوي‪ ،‬فيجوفون به جواف‬
‫القـدوم‪ ،‬على نحو مـا يفعـل القـاصـــــدون لحج بيـت هللا الحرام‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن هـذه كـانـت‬
‫سـنة الشـيإل عبد العال خليفة السـيد‪ ،‬ولهم في هذا االحتفال بدع شـتى» ‪ ،)1‬وهذه صـورة‬
‫من صور اتخاذ القبور أعيادًا‪.‬‬
‫وهـذا الفعـل محـاكـاة لليهود والنصـــــارن بـاتخـاذ قبور أنبيـائهم وصـــــالحيهم‬
‫مســاىد‪ ،‬حي يقصــدون العبادة عندها‪ ،‬وهو بعينه ما نهى عنه ﷺ‪ ،‬فهرباب الموالد ال‬
‫يقصــــدون المشــــاهد والقبور إال جلبًا للبركة أو االســــتغاثة أو الدعاء‪ ،‬فيذبحون لها‪،‬‬
‫ويجوفون بهـا‪ ،‬ويمرغون الخـدود على أعتـابهـا‪ ،‬وهـذا الفعـل محـادة هلل ولرســـــولـه ﷺ‪،‬‬
‫عا من أنواعها‪،‬‬ ‫مناف لكلمة التوحيد؛ ألن العبادة ال تكون إال هلل تعالى‪ ،‬ومن صرف نو ً‬
‫فقد وق فيما يناقس ال إله إال هللا)‪.‬‬
‫ومـا يفعلـه أولئـك نـاب من عقيـدة أن األوليـاء لهم التـهثير في الكون كمـا ي عم‬
‫الصـــوفية»‪ ،‬وأن االحتفال بمولد األولياء والعكوف على قبورهم من الدين وأنه قربة‪،‬‬
‫فـالـذين ال يحتفلون بـاألوليـاء‪ ،‬وال ي ورون قبورهم‪ ،‬وال يقـدمون النـذور لهـا محىوبون‬
‫من رحمة هللا وبركته‪ ،‬بل من لم يفعل هذه الموالد قد يســــلب منه ا يمان‪ ،‬وتصــــيبه‬
‫األمراس واألسقام‪ ،‬بسبب امتناعه أو اعتراضه على حد عمهم‪.‬‬
‫تىن على أصحاب الموالد‪ ،‬أو هو من نسج الخيال‪ ،‬بل‬ ‫وال ت ن أن هذا القول ٍ‬
‫ً‬ ‫‪)2‬‬
‫هذه هي حقيقة تلك االحتفاالت‪ ،‬ولنسـم ما يرويه الشـعراني في جبقاته معلال سـبب‬
‫حضـوره لمولد سـيده البدوي في كل عام‪ ،‬حي قال‪ :‬وسـبب حضـوري مولده كل سـنة‬
‫أن شــيخي العارف باهلل تعالى محمد الشــناوي ‪  )3‬أحد أعيان بيته ‪ ،−‬قد كان أخذ‬
‫ي العهـد عنـد القبـة تىـاه وىـه ســــيـدي أحمـد ‪ ‬وســـــلمني إليـه بيـده‪ ،‬فخرىـت اليـد‬
‫عل َّ‬
‫الشـريفة من الضـريح‪ ،‬وقبضـت على يدي‪ ،‬وقال سـيدي‪ :‬يكون خاجرك عليه‪ ،‬واىعله‬

‫‪.)136 -131 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬السيد البدوي ودولة الدراويع في مصر‪ ،‬لمحمد فهمي عبد اللجيف‬
‫ً‬
‫وقـامو العـادات والتقـاليـد والتعـابير المصـــــريـة‪ ،‬ألحمـد أمين ‪ .)388 ،387‬نقال عن كتـاب‬
‫األعياد ‪.)441 ،440‬‬
‫‪ )2‬هو‪ :‬عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشـعراني أبو محمد من علماء المتصـوفين صـاحب الجبقات‬
‫الكبرن‪ ،‬ولد في قلقشند بمصر سنة ‪898‬هـــــ)‪ ،‬وكانت وفاته بالقاهرة سنة ‪972‬هـــــ)‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫شذرات الذهب ‪ ،)732 /8‬واألعالم ‪.])180 /4‬‬
‫‪ )3‬محمد الشــناوي شــيإل الشــعراني‪ ،‬توفي بالقاهرة ســنة ‪932‬هـــــــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬الجبقات الكبرن‬
‫للشعراني ‪.])122 -120 /1‬‬
‫‪273‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫تحت ن رك‪ .‬فسـمعت سـيدي أحمد ‪ ‬من القبر يقول‪ :‬نعم‪ ،‬ثم إني رأيته بمصـر مرة‬
‫أخرن هو وســـــيـدي عبـد العـال‪ ،‬وهو يقول‪ :‬رنـا بجنجـا‪ ،‬ونحن نجبإل لـك ملوخيـة‬
‫ضيافتك» ‪.)1‬‬
‫هذه بعس األســــرار التي ىعلت عبد الوهاب الشــــعراني يهتم بمولد ســــيده‪.‬‬
‫أيض ـا في تخريفاته وتعليالته لحضــور المولد‪ ،‬وال تســتغرب‪ ،‬فهذا حال من‬
‫ً‬ ‫ويمضــي‬
‫اســتحوذ عليه الشــيجان واتب الهون‪ ،‬حي قال‪ :‬تخلفت عن ميعاد حضــوري للمولد‬
‫سنة ‪948‬هـــــ)‪ ،‬وكان هناك بعس األولياء‪ ،‬فهخبرني‪ :‬أن سيدي أحمد ‪ ‬كان ذلك‬
‫اليوم يكشف الستر عن الضريح‪ ،‬ويقول أبجه عبد الوهاب‪ ،‬ما ىاء» ‪.)2‬‬
‫ولم يكتف الشـــــعراني بـذلـك‪ ،‬حتى عم أن األحيـاء واألموات يحضـــــرون‬
‫االحتفال بمولد ســيده عند ضــريحه‪ ،‬بل ويحضــره النبي ﷺ‪ ،‬وســائر األنبياء واألولياء‬
‫‪.)3‬‬
‫وقد اســــتجرد الشــــعراني في ســــرد هذا الهراء وهذه الحكايات الخرافية في‬
‫الدعون إلى حضور مولد سيده البدوي‪ ،‬ولنن ر في حال من ينكر المولد‪ ،‬أو حضوره‬
‫شـخصـا أنكر‬
‫ً‬ ‫عند الشـعراني حي قال‪ :‬أخبرني شـيخنا الشـيإل محمد الشـناوي ‪ ‬أن‬
‫حضــور مولده‪ ،‬فســلب ا يمان‪ ،‬فلم يكن فيه شــعرة تحن إلى دين ا ســالم‪ ،‬فاســتغا‬
‫بسيدي أحمد ‪ ‬فقال‪ :‬بشرج أال تعود‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ .‬فرد عليه ثوب إيمانه‪.‬‬
‫فهــذه نتيىــة من ينكر مولــد البــدوي‪ ،‬أو يمتن عن حضـــــوره‪ ،‬كمــا ي عم‬
‫الشـعراني‪ ،‬أما من يحضـره فالبدوي يحف ه‪ ،‬ويرعاه ويشـمله بشـفاعته‪ ،‬ويغفر خجيئته؛‬
‫حي قال‪ :‬وع ة ربي‪ ،‬ما عصى أحد في مولدي‪ ،‬إال تاب وحسنت توبته ‪.)4‬‬
‫بمثل هذا الهراء والكذب الصـرا انتشـر صيت البدوي‪ ،‬وهذا هو أسلوب كافة‬
‫الصـــــوفيـة الـدراويع في إثبـات كرامـات من ي عمون لـه الواليـة‪ ،‬وبهـذه الـدعـايـات‬
‫الخرافية األسـجورية اسـتجاعوا أن يىعلوا لمولد البدوي قداسـة في النفو المريضـة‪،‬‬
‫كهنها قداسة الحج إلى بيت هللا الحرام بل أشد‪.‬‬

‫‪ )1‬الجبقات الكبرن ألحمد بن علي الشعراني ‪.)161 /1‬‬


‫‪ )2‬المرى السابق ‪.)161 /1‬‬
‫‪ )3‬المرى السابق‪ ،‬نف الموض ‪.‬‬
‫‪ )4‬الجبقات الكبرن للشعراني ‪.)162 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪274‬‬

‫ومن الـذي ال يتلهف على حضـــــور مولـد البـدوي بعـد أن يعلم أنـه كمـا ي عم‬
‫الشـعراني وأضـرابه يكون مىم ًعا للنبي ﷺ‪ ،‬واألنبياء والصـالحين من مشـارق األرس‬
‫ومغاربها‪ ،‬ومن وراء البحار والىبال؟» ‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬يارة القبور في ليلة النصـف من شـعبان‪ ،‬وإيقاد السـرا عندها‪ ،‬وأخذ‬
‫تراب القبور المع م‪ ،‬وتوىيه خجابات الشكون لءموات‪.‬‬
‫وقـال ابن عقيـل ‪ : )2‬وهم كفـار عنـدي بهـذه األوضـــــاع‪ ،‬مثـل‪ :‬تع يم القبور‬
‫وإكرامهـا بمـا نهى الشـــــرع عنـه من إيقـاد النيران‪ ،‬وتقبيلهـا وتخليقهـا وأخـذ التراب‬
‫تبر ًكا‪.)3 »...‬‬
‫الثـالـ ‪ :‬ومن اتخـاذهـا أعيـادًا يـارة القبور بعـد صـــــالة العيـد التي حـدثـت في‬
‫بعس البلدان‪ ،‬سـواء في العرب أو العىم‪ ،‬وال شـك أن هذا االىتماع ل يارة القبور من‬
‫دسـائ الشـيجان‪ ،‬ومن البدع المحدثة في ا سـالم‪ ،‬بل هو من وسـائل الشـرك وذرائعه؛‬
‫ألن هذا الصـني لم يكن يفعله أصـحاب رسـول هللا ﷺ وهم أسـبق النا إلى كل خير‪،‬‬
‫وال يىو ألحد أن يعتقد أن هللا خصـه بمعرفة هذه الفضـيلة‪ ،‬وحرمها أصـحاب رسـول‬
‫عمال لي عليه أمرنا‪ ،‬فهو رد» ‪.)4‬‬ ‫هللا ﷺ‪ ،‬وقد قال ﷺ‪ :‬من عمل ً‬
‫فـإذا فهمنـا هـذا‪ ،‬علمنـا أن هـذا الفعـل الـذي يعتـاده أهـل بعس البالد في يوم العيـد‬
‫في كل ســـنة بعد صـــالة العيد ل يارة القبور أمر مبتدع محد ؛ لم يكن يفعله أحد من‬
‫أمرا مسـتحبًا أو مندوبًا إليه؛ لكان أسـبق إليه أصـحاب رسـول هللا‬ ‫الصـحابة‪ ،‬ولو كان ً‬
‫خيرا؛ لكـان الصـــــحـابـة أولى بفعلـه منـا‪،‬‬
‫ﷺ‪ ،‬وإذا كـان كـذلـك فهو بـدعـة‪ ،‬إذ لو كـان ً‬
‫وأرغب فيه‪ ،‬وهللا أعلم ‪.)5‬‬
‫من مفاسد اتخاذ القبور أعيادًا‪:‬‬
‫‪ -‬الصالة إليها‪.‬‬
‫‪ -‬الجواف بها‪.‬‬
‫‪ -‬تقبيلها واستالمها‪.‬‬

‫‪.)444 -442 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬األعياد وأثرها على المسلمين للدكتور‪ :‬سليمان بن سالم السحيمي‬
‫‪ )2‬ا مـام العالمـة البحر‪ ،‬أبو الوفـاء علي بن عقيـل بن محمـد بن عقيـل بن عبـد هللا البغـدادي ال فري‬
‫شيإل الحنابلة‪ ،‬ولد سنة ‪431‬هــــ)‪ ،‬توفي سنة ‪513‬هــــ)‪ ،‬وكان الىم يفوق ا حصاء‪ ،‬ولشيإل‬
‫ا ســــالم كالم نفي عنه وتهثره بعلم الكالم‪ ،‬الدراء ‪ )61 ،60 /8‬ومن أع م كتبه الفنون وهو‬
‫من عشرات المىلدات ولم يجب ‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ )443 /19‬وما بعدها]‪.‬‬
‫‪.)201 /‬‬ ‫‪ )3‬كالم ابن القيم حول تكفير ابن عقيل لهم في إغاثة اللهفان‪،‬‬
‫‪ )4‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)2697 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬رقم‪.)1718 /‬‬
‫‪ )5‬بدع القبور وحكمها ‪.)104 ،103‬‬
‫‪275‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -‬تعفير الخدود على ترابها‪.‬‬


‫‪ -‬عبادة أصحابها من خالل االستغاثة بهم وستالهم خيري الدنيا وااخرة‪.‬‬
‫‪ -‬الســفر إليها من مكان بعيد‪ .‬قال ابن القيم ‪ :−‬فلو رأيت غالة المتخذين لها‬
‫عيـدًا وقـد ن لوا عن الـدواب إذا رأوهـا من مكـان بعيـد‪ ،‬فوضـــــعوا لهـا الىبـاه‪ ،‬وقبلوا‬
‫األرس وكشــفوا الرتو ‪ ،‬وارتفعت أصــواتهم بالضــىيج‪ ،‬وتباكوا حتى تســم لهم‬
‫النشـيج‪ ،‬ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحىيج‪ ،‬فاسـتغاثوا بمن ال يبدي وال يعيد‪،‬‬
‫ونادوا ولكن من مكان بعيد‪ ،‬حتى إذا دنوا منها‪ ،‬صــلوا عند القبر ركعتين‪ ،‬ورأوا أنهم‬
‫قد أحر وا من األىر وال أىر من صــلى إلى القبلتين‪ ،‬فتراهم حول القبر ركعًا ســىدًا‬
‫فضــال من الميت ورضــوانًا‪ ،‬وقد ملتوا أكفهم خيبة وخســرانًا‪ ،‬فلغير هللا؛ بل‬‫ً‬ ‫يبتغون‬
‫‪)1‬‬
‫للشيجان يراق ما هناك من العبرات‪ ..‬الإل» ‪.‬‬
‫‪ -‬إماتة السنة وإحياء البدعة‪.‬‬
‫‪ -‬إنفاق األموال في غير ما وض لها‪.‬‬
‫‪ -‬شـرب الخمور وال نا واللواج والتبر واالنحراف األخالقي‪ .‬قال المقري ي‬
‫عنـدمـا حكى مـا يحـد بمولـد إســــمـاعيـل بن يوســـــف األنبـابي ‪ ،)2‬ومـا يحصـــــل عنـد‬
‫ضـريحه‪ ،‬فقال‪ :‬كان فيه من المفاسـد ما ال يوصـف‪ ،‬ووىد في الم ارع مائة وخمسـون‬
‫ىرة فـارغـة من ىرار الخمر التي شـــــربـت في الخيم‪ ،‬ســـــون مـا حكي عن ال نـا‬
‫واللياجة» ‪.)3‬‬
‫وقـال الىبرتي ‪ )4‬عنـد ترىمـة عبـد الوهـاب العفيفي ‪ :)5‬ابتـدعوا لـه موســــ ًمـا‬
‫وعيدًا في كل سـنة يدعون إليه النا ‪ ،‬فيملتون الصـحراء والبسـتان‪ ،‬فيجتون القبور‪،‬‬
‫ويوقــدون النيران‪ ،‬ويصـــــبون عليهــا القــاذورات‪ ،‬ويبولون ويتغوجون‪ ،‬وي نون‬
‫ويلوجون‪ ،‬ويلعبون ويرقصون» ‪.)6‬‬

‫‪ )1‬ا غاثة ‪ )200‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ )2‬هو إســــماعيل بن يوســــف بن محمد األنبابي كان أبوه صــــاحب ال اوية بامبابة على الجريقة‬
‫الجحاوية‪ ،‬توفي سنة ‪.)790‬‬
‫[ان ر‪ :‬أنباء الضمر بهبناء العمر البن حىر ‪.)97 /2‬‬
‫‪ )3‬السلوك لمعرفة الملوك ‪ )576 /3‬لتقي الدين أحمد المقري ي‪ ،‬تصحيح محمد مصجفى‪.‬‬
‫‪ )4‬عبد الرحمن بن حســن الىبرتي‪ ،‬أحد أعالم مصــر ومترخيها‪ ،‬ولد ســنة ‪ ،)1167‬وتوفي في‬
‫القاهرة سنة ‪[ .)1237‬األعالم ‪.])304 /3‬‬
‫‪ )5‬هو أحد األولياء الم عومين بمصر‪ ،‬عبد الوهاب بن عبد السالم المالكي‪ ،‬توفي سنة ‪.)1172‬‬
‫[ان ر‪ :‬تاريإل عىائب ااثار في التراىم واألخبار‪ ،‬عبد الرحمن الىبرتي]‪.‬‬
‫‪ )6‬تاريإل الىبرتي ‪.)304 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪276‬‬

‫ولقد شـــاهدت من المنكرات االنحرافات عند مولد الحســـين وغيره‪ ،‬ما يفتت‬
‫الكبود ويىري المدام من العيون‪.‬‬
‫إن ني أدعو ىمي من لهم يــد وقوة وإقنــاع‪ ،‬أن يفتحوا حوارات معهم‪ ،‬وأن‬
‫يضعيدوهم إلى الىادة أو المن بالقوة‪ ،‬والضـــرب بيد من حديد على من شـــوه صـــورة‬
‫ا ســالم وأهله‪ ،‬وعرضــوا أمام الثقلين ما يشــمت األعداء ويفر اليهود والنصــارن‬
‫وبقايا الملل والنحل على أهل ا سالم والمنتمين له‪ ،‬وهللا المستعان‪ ،‬وعليه التكالن‪.‬‬
‫‪277‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الخام‬
‫شد الرحال ل يارة قبر الرسول ﷺ‬
‫مما ال شـك فيه أن رسـول هللا ﷺ هو أفضـل البشـر وسـيد ولد آدم‪ ،‬وال شـك أن‬
‫محبتـه واىبـة على ىمي أتبـاعـه‪ ،‬بـل ومقـدمـة على محبـة النف واألوالد‪ ،‬وال يعرف‬
‫قدره ﷺ إال من آمن به واتبعه‪ ،‬وأهل الســـنة والىماعة هم أعرف البشـــر بحقوقه ﷺ‪،‬‬
‫ومكـانتـه عنـدهم عـاليـة‪ ،‬وقـدره ع يم‪ ،‬ومن محبتـه ولوا مهـا فعـل مـا أمر‪ ،‬واىتنـاب مـا‬
‫ـنن ما أن ل هللا بها من ســـلجان‪ ،‬إما‬
‫بسـ ـ عن ســ ٍ‬
‫قد نهى عنه و ىر‪ ،‬وليســـت محبته ﷺ م‬
‫غلوا بشــــخصــــه ﷺ‬
‫عا للهون‪ ،‬أو اعتمادًا على أحادي موضــــوعة وواهية‪ ،‬أو ً‬ ‫اتبا ً‬
‫ً‬
‫ومخالفة لهديه‪.‬‬
‫وســـيكون الحدي في هذا المبح بإذن هللا عن شـــد الرحال ل يارة قبره ﷺ‪،‬‬
‫وســـــوف يكون هـذا المبحـ قـائ ًمـا على عـدة مجـالـب‪ ،‬ولكن قبـل الـدخول إلى صــــلـب‬
‫الموضوع البد أن نعرف أن قبر الرسول ﷺ عند أهل السنة والىماعة‪ ،‬هو أفضل قبر‬
‫على وىه األرس‪ ،‬وقد ضم في ىنباته أفضل ىسد وكما قال حسان ‪: )1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫بالد ثوى فيها الرشيد المسد ُد‬ ‫***‬ ‫فبوركت يا قبر الرسول‬
‫وبوركت‬
‫(‪)3‬‬
‫عليه بناء مدن صاي منضد ُد‬ ‫***‬ ‫وبورك لحد منك ضمدن‬
‫طددددديبدًا‬
‫يقول شيإل ا سالم ‪ :−‬قبر رسول هللا ﷺ أفضل قبر على وىه األرس» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬حسان بن ثابت بن المنذر‪ ،‬واسمه تيم هللا بن ثعلبة بن عمرو بن الخ ر األنصاري الخ رىي‪،‬‬
‫يكنى أبا الوليد‪ ،‬وقيل أبو الحسـام لمناضـلته عن رسـول هللا ﷺ‪ ،‬ويقال له‪ :‬شـاعر رسـول هللا ﷺ‪،‬‬
‫توفي ســـنة خمســـين في خالفة علي ‪ ‬واختلف في تاريإل وفاته بعد أن عمر مائة وعشـــرين‬
‫سنة‪ ،‬منها ستون سنة في ا سالم‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬أسد الغابة البن األثير الى ري ‪ )5 /2‬ترىمة رقم‪.])1153 /‬‬
‫‪ )2‬المسدد‪ :‬يقال سدده هللا وفقه للسداد وهو الصواب‪ ،‬والقصد منه القول والعمل‪.‬‬
‫‪ )3‬الصـفيح‪ :‬الحىر الرقيق العريس‪ ،‬والبناء المنضـد‪ :‬ما رصـف وىعل بعضـه على بعس‪ ،‬تقول‬
‫‪.])144 /‬‬ ‫نضدته ونضدته‪ .‬شر ديوان حسان لعبد الرحمن البرقوني‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )4‬االقتضاء ‪.)662 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪278‬‬

‫أيضـ ـا‪ :‬ما في قبور األنبياء والصـــالحين من كرامة هللا ورحمته‪ ،‬وما‬
‫ً‬ ‫وقال‬
‫‪)1‬‬
‫لها عند هللا من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهم أكثر الخلق» ‪.‬‬
‫ولي في هذا خالف عندنا‪ ،‬ولي مىال بحثنا أفضـليته ﷺ‪ ،‬أو أفضـلية قبره‪،‬‬
‫أو استحباب يارته‪ ،‬وإنما الحوار والنقاع حول شد الرحال ل يارة قبره ﷺ‪.‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬حكم يارة قبر رسول هللا ﷺ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم في يارة قبره ﷺ‪ ،‬هذه المسهلة على عدة أقوال‪:‬‬
‫‪)2‬‬
‫ســـنة قد أىم عليها المســـلمون‪ ،‬قال القاضـــي عياس ‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أنه ض‬
‫‪)3‬‬
‫و يارة قبره ﷺ من سنن المسلمين مىم عليها‪ ،‬وفضيلة مرغب فيها» ‪.‬‬
‫وقال الحاف ابن حىر‪ :‬فإنها من أفضـل األعمال‪ ،‬وأىل القربات الموصـولة‬
‫إلى ذي الىالل‪ ،‬وأن مشــروعيتها محل إىماع بال ن اع‪ .‬وهللا الهادي إلى الصــواب»‬
‫‪ ،)4‬وقال النووي‪ :‬ويستحب يارة قبر النبي ﷺ» ‪.)5‬‬
‫ســــنـة متكدة قريبـة من الواىبـات‪ ،‬وهو قول األحنـاف حيـ قال‬‫القول الثـاني‪ :‬ض‬
‫في شـر المختار‪ :‬إنها أفضل المندوبات والمستحبات‪ ،‬بل تقرب من درىة الواىب؛‬
‫لما ورد فيها من الفضل الع يم» ‪.)6‬‬
‫القول الثال ‪ :‬وىوب يارة قبر النبي ﷺ ‪ ،)7‬واحتج أصـحاب هذا القول بقوله‬
‫تعالى‪ ( :‬ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النساء‪.]64 :‬‬
‫المناقشــــة‪ :‬وال شــــك أن هذه األقوال الثالثة‪ ،‬تبين أن أقل األحوال في يارة‬
‫قبره ﷺ هو االســـتحباب‪ ،‬وهو أعدل األقوال‪ ،‬فإذا كانت يارة القبور مســـتحبة‪ ،‬فقبر‬

‫‪ )1‬المرى السابق ‪.)736 /2‬‬


‫‪ )2‬هو عياس بن موسى اليحصبي ولد سنة ‪496‬هـــ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪544‬هـــ)‪ ،‬له تصانيف عديدة‬
‫من أهمها‪ :‬الشـــفا بتعريف حقوق المصـــجفى ﷺ‪[ .‬ان ر‪ :‬ترىمته وافية في ســـير أعالم النبالء‬
‫‪ )212 /20‬وما بعدها]‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ )83 /2 :‬الشــفا بتعريف حقوق المصــجفى‪ ،‬للقاضــي عياس دار الكتب العلمية بيروت‪،‬‬
‫بدون تاريإل جب ‪.‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬فتح الباري ‪.)80 /3‬‬
‫‪ )5‬مختصر المىموع‪ ،‬شر المهذب لإلمام النووي‪ ،‬اختصار سالم الرافعي ‪.)99 /7‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ )175 /1 :‬االختيـار لتعليـل المختـار‪ ،‬تـهليف عبـد هللا بن محمود بن مودود الموصـــــل‬
‫الحنفي‪ ،‬وعليه تعليقات لحمود أبو دقيقة‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬هداية السالك إلى المذاهب األربعة في المناسك‪ ،‬لإلمام ع الدين ابن ىماعة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الدكتور نور الدين العتر]‪.‬‬
‫‪ )7‬ان ر‪ :‬هداية السالك ‪.)1371 /3‬‬
‫‪279‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الرسـول ﷺ أولى؛ ولكن بشـرج أال تضشـمد إليه الرحال‪ ،‬بل تشـد إلى مسـىده ﷺ‪ ،‬ثم تكون‬
‫عندئ ٍذ يارة قبره الشـريف‪ ،‬وأن تكون وفق ااداب والضـوابج الشـرعية والتي سـيهتي‬
‫بحثها في مجلب كيفية يارته ﷺ)‪ .‬وأما القول بهنها سنة متكدة تكاد تقارب الوىوب‪،‬‬
‫فلي له مسـتند ال من كتاب وال سـنة‪ ،‬أما القول بهنها واىبة اسـتنادًا على قوله تعالى‪( :‬‬
‫ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ) ااية‪ ،‬فهذه ااية خاصة بحياته ﷺ‪ ،‬ولي المىيء إلى مرقده المنور‪.‬‬
‫قـال ابن ىرير الجبري ‪ )1‬في تفســـــير هـذه اايـة‪ :‬ولو أن هتالء المنـافقين‬
‫الذين وصـــف صـــفتهم في هاتين اايتين‪ ،‬الذين إذا دعوا إلى حكم هللا وحكم رســـوله‬
‫صــــدوا صــــدودًا‪ .‬ثم قال‪ :‬عنى بذلك اليهودي والمســــلم اللذين تحاكما إلى كعب بن‬
‫األشرف ‪.)3 »)2‬‬
‫وقال أبو الم فر السـمعاني ‪ :)4‬ولو أنهم يعني المنافقين) إذا لموا أنفسـهم‬
‫بتحاكمهم إلى الجاغوت ىاتوا مســـــتغفرين‪ ،‬وإنما ىاتوا متعذرين باألعذار الكاذبة»‬
‫‪.)5‬‬
‫وقال صـــــديق حســـــن خال‪ :‬وهذا المىيء يخت ب مان حيـاته ﷺ‪ ،‬ولي‬
‫المىيء إليـه يعني إلى مرقـده المنور بعـد وفـاتـه ﷺ‪ ،‬ممـا تـدل عليـه هـذه اايـة‪ ،‬كمـا قرره‬
‫في الصـــــارم المنكي؛ ولهـذا لم يـذهـب إلى هـذا االهتمـام البعيـد أحـد من ســـــلف األمـة‬
‫وأئمتها‪ ،‬ال من الصـحابة وال من التابعين‪ ،‬وال ممن تبعهم با حسـان» ‪ .)6‬فهنت تلح‬
‫هنا‪ ،‬أن الدليل الذي اعتمدوا عليه ال يصــح االحتىا به على الوىوب فااية خاصــة‬

‫‪ )1‬هو ا مـام أبو ىعفر محمـد بن ىرير بن ي يـد الجبري‪ ،‬ا مـام المفســـــر المحـد ‪ ،‬ولـد ســــنـة‬
‫‪225‬هــــــ)‪ ،‬وتوفي سـنة ‪310‬هــــــ)‪ ،‬من كتبه تفسـير ىام البيان وتاريإل األمم والملوك‪ ،‬سـير‬
‫أعالم النبالء ‪.)267 /14‬‬
‫‪ )2‬هو كعب بن األشـــرف من بني جي أحد أشـــراف اليهود الذين آذوا هللا ورســـوله‪ ،‬وكان يعلن‬
‫بالعداوة‪ ،‬ويحرس النا على حرب الرسول ﷺ‪ .‬وقد أرا هللا المسلمين من شره على يد محمد‬
‫بن مســـلمة‪ ،‬حي ذكرها البخاري في صـــحيحه مجولة‪ ،‬رقم‪[ .)4037 /‬ان ر‪ :‬البداية والنهاية‬
‫‪.])326 /5‬‬
‫‪ )3‬تفسير الجبري‪ ،‬سورة النساء‪.)160 /4 ،64 :‬‬
‫‪ )4‬منصــور بن محمد التميمي المرو ي‪ ،‬ولد ســنة ‪426‬هـــــــ)‪ ،‬له الكثير من المصــنفات‪ ،‬ومن‬
‫أشـهرها تفسـير القرآن والرد على القدرية‪ ،‬توفي ‪ −‬سـنة ‪489‬هــــــ)‪[ .‬ان ر‪ :‬سـير أعالم النبالء‬
‫‪.])144 /19‬‬
‫‪ )433 /1 )5‬تفسير سورة النساء‪ ،64 :‬تفسير القرآن لإلمام أبي الم فر السمعاني‪.‬‬
‫‪ )6‬فتح البيان في مقاصد القرآن تفسير سورة النساء‪ )166 /3 ،64 :‬فتح البيان في مقاصد القرآن‬
‫لإلمام أبي الجيب صديق حسن خان‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا بن إبراهيم األنصاري‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪280‬‬

‫بحياته ﷺ‪ ،‬وكما أنها من باب الندب وا رشـــاد‪ ،‬وليســـت من باب الوىوب وا ل ام‪،‬‬
‫والذي ي هر‪ :‬أن يارة قبره ﷺ ســــنة مســــتحبة‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم‪،‬‬
‫وكما أورد القاضي عياس‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬شد الرحال ل يارة قبر الرسول ﷺ‪:‬‬
‫أىـا بعس أهـل العلم شـــــد الرحـال ل يـارة قبر الرســـــول ﷺ‪ ،‬بـل ىعلوه من‬
‫متممات الحج ومندوباته‪.‬‬
‫قـال النووي‪ :‬اعلم أنـه ينبغي لكـل من حج أن يتوىـه إلى يـارة رســـــول هللا‬
‫ﷺ‪ ،‬ســـــواء أكـان ذلـك في جريقـه أو لم يكن‪ ،‬فـإن يـارتـه ﷺ من أهم القربـات‪ ،‬وأرف‬
‫المســاعي‪ ،‬وأفضــل الجلبات‪ ،‬فإذا توىه لل يارة أكثر من الصــالة عليه ﷺفي جريقه»‬
‫‪.)1‬‬
‫وقال في هداية السالك‪ :‬إذا انصرف الحىا والمعتمرون عن مكة ‪-‬شرفها هللا‬
‫تعالى وع مها‪ -‬اســتحب لهم اســتحبابًا متكدًا أن يتوىهوا إلى مدينة ســيدنا رســول هللا‬
‫ﷺ للفو ب يـارتـه ﷺ‪ ،‬فـإنهـا من أهم القرب‪ ،‬وأنىح المســـــاعي ‪ ،)2‬بـل ألف تقي الـدين‬
‫السـبكي ‪ )3‬رسـالة‪ ،‬اسـمها‪ :‬شـفاء السـقام في يارة خير األنام) وعرفت بعنوان‪ :‬شـن‬
‫الغارة على من أنكر ســفر ال يارة) رد فيها على ما أفتى به شــيإل ا ســالم من تحريم‬
‫ىورا ع ي ًمـا‪ .‬وقـد انبرن لـه ا مـام‬
‫ً‬ ‫شـــــد الرحـال ل يـارة القبر المكرم‪ ،‬وقـد ىـار فيهـا‬

‫‪ )216 /‬األذكار من كالم سيد األبرار لإلمام النووي‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬هـدايـة الســـــالـك إلى المـذاهـب األربعـة في المنـاســـــك ‪ )1396 /3‬وللم يـد ان ر‪ :‬كتـاب‬
‫‪ ،)448 /‬لإلمام النووي وعليه ا فصـا على مسـائل‬ ‫ا يضـا في المناسـك والحج والعمرة‪،‬‬
‫ا يضا لعبد الفتا حسين المكي‪[ .‬وان ر‪ :‬إثارة الترغيب والتشويق إلى المساىد الثالثة والبيت‬
‫العتيق ‪ )329 /2‬لإلمـام محمـد بن إســــحـاق ويليـه يـارة بيـت المقـد ألحمـد ابن تيميـة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫دكتور مصــــجفى محمد حســــين الذهبي‪ ،‬والفقه ا ســــالمي وأدلته للدكتور وهبة ال حيلي ‪/3‬‬
‫‪.])337‬‬
‫‪ )3‬علي بن عبد الكافي بن علي تقي الدين السـبكي‪ ،‬ولد في مصـر سـنة ‪683‬هــــــ)‪ ،‬وتوفي سـنة‬
‫‪756‬هــــ)‪ ،‬ودفن في مقابر الصوفية‪ ،‬ألف كتابًا أسماه‪ :‬شفاء السقام في يارة خير األنام‪ ،‬أورد‬
‫فيه أحادي أسانيدها ضعيفة‪ ،‬اع ًما ب نه أنه قد انتصر للحق‪ ،‬برده على شيإل ا سالم‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الجبقات الشافعية ترىمة رقم‪ ،)190 /2 )603 /‬والدرر الكامنة ‪ )63 /3‬ترىمة رقم‪/‬‬
‫‪.])148‬‬
‫‪281‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫محمـد بن أحمـد بن عبـدالهـادي ‪ )1‬في الرد عليـه‪ ،‬فرد عليـه في كتـاب ع يم أســــمـاه‪:‬‬
‫الصـارم المنكي في الرد على السـبكي)‪ ،‬وهو فريد في بابه ال يسـتغني عنه من جلب‬
‫العلم وولج أبوابه‪.‬‬
‫وقد اسـتدل من أىا السـفر لل يارة بعدة أدلة تتهرىح بين الوضـ والضـعف‪،‬‬
‫أو ال حىة فيها‪ .‬وإليك هذه األدلة التي اعتمدوا عليها م تفنيدها‪:‬‬
‫‪)2‬‬
‫الحدي األول‪ :‬قال ﷺ‪ :‬من ار قبري وىبت لي شفاعتي» ‪.‬‬
‫والرد على هذا الحدي من وىوه‪:‬‬
‫الوىه األول‪ :‬أن هذا الحدي ضعيف ال يىو االحتىا به‪.‬‬
‫ً‬
‫الوىه الثاني‪ :‬لو فرضــــنا أن الحدي صــــحيح‪ ،‬فإنه ال يعتبر دليال في محل‬
‫الن اع‪ ،‬فنحن ال ننكر مشـروعية يارة قبر الرسـول ﷺ واسـتحبابه‪ ،‬وإنما الخالف في‬
‫مسـهلة شـد الرحال بقصـد القبر‪ ،‬فالحدي أكد فضـيلة يارة القبر ولم يتكد أو يتعرس‬
‫ً‬
‫فيصال في محل الن اع‪.‬‬ ‫لمسهلة شد الرحال‪ ،‬فهو لي‬
‫‪)3‬‬
‫الحدي الثاني‪ :‬قال الرسول ﷺ‪ :‬من ار قبري حلت له شفاعتي» ‪ .‬والرد‬
‫على هذا الحدي من وىهين‪:‬‬
‫عا؛ فال يىو االحتىا‬ ‫الوىه األول‪ :‬أن الحدي ضــعيف إن لم يكن موضــو ً‬
‫به‪.‬‬

‫‪ )1‬هو ا مام شــم الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدســي‪ ،‬المحد الفقيه‪ ،‬ال م‬
‫شــيإل ا ســالم‪ ،‬والذهبي‪ ،‬اعتنى بالرىال والعلل‪ ،‬من آثاره الع يمة‪ :‬الصــارم المنكي‪ ،‬والمحرر‬
‫في الحدي ‪ ،‬ولد سنة ‪704‬هـ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪744‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الدرر الكامنة ‪ ،)3373‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة البن حىر العسقالني]‪.‬‬
‫‪ )2‬رواه الـدار قجني ‪ ،)278 /2‬قـال عنـه ابن عبـد الهـادي هو حـديـ منكر عنـد أئمـة هـذا الشـــــهن‬
‫ضــعيف ا ســناد عندهم ال يقوم بمثله حىة‪ ،‬وال يعتمد على مثله في االحتىا إال للضــعفاء في‬
‫هذا العلم‪ .‬الصـارم المنكي في الرد على السـبكي لمحمد أحمد بن عبد الهادي‪ .‬وقد أسـهب صـاحب‬
‫‪ ،)584 ،583 /‬األحادي‬ ‫كتـاب األحادي الواردة في فضـــــائل المـدينـة في بيـان ضـــــعفـه‪،‬‬
‫الواردة في فضـائل المدينة‪ ،‬ىم ودراسـة الدكتور‪ :‬صـالح الرفاعي‪ ،‬كما أجال النف األأل عمرو‬
‫عبدالمنعم صـــاحب كتاب هدم المنارة لمن صـــحح أحادي التوســـل وال يارة‪ ،‬في بيان علل هذا‬
‫‪.)263 -230 /‬‬ ‫الحدي وضعفه‪،‬‬
‫‪ )3‬أخرىه الب ار في كشـــف األســـتار ‪ ،)1198‬قال ا مام ابن عبد الهادي‪ :‬هذا حدي ضـــعيف‬
‫منكر سـاقج ا سـناد‪ ،‬وال يىو االحتىا بمثله عن أحد من أئمة الحدي وحفا األثر‪ ،‬ثم أجال‬
‫النف ‪.‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪ ،)37 -33 /‬وحكم صاحب هدم المنارة بهن الحدي موضوع‪،‬‬ ‫[ان ر‪ :‬الصارم المنكي‪،‬‬
‫‪.])305‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪282‬‬

‫الوىـه الثـاني‪ :‬لو فرضــــنـا صــــحـة الحـديـ ‪ ،‬فـإنـه لي في محـل الن اع‪ ،‬فـإن‬
‫الحدي يبين فضيلة يارة القبر‪ ،‬ال مشروعية شد الرحل ل يارة القبر‪.‬‬
‫الحدي الثال ‪ :‬عن عبد هللا بن عمرو –‪ ‬قال‪ :‬قال رسول ﷺ‪ :‬من ىاءني‬
‫ائرا ال تعملـه حاىة إلى يارتي‪ ،‬كان حقًـا عل َّ‬
‫‪)1‬‬
‫ي أن أكون له شـــــفي ًعـا يوم القيـامة»‬ ‫ً‬
‫‪ .)2‬والرد على هذا الحدي من وىوه‪:‬‬
‫الوىه األول‪ :‬أن هذا الحدي ضعيف‪ ،‬ال يىو االحتىا به‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬أن الحدي لو فرضـــنا صـــحته‪ ،‬فيىب أن ال يضحمل على شـــد‬
‫الرحل ل يارة قبره ﷺ‪ ،‬حي لم يرد فيه لف القبر‪ ،‬ولي فيه ما يبين أن ال يارة له ﷺ‬
‫بعد وفاته‪ ،‬وكما قال ابن عبد الهادي‪ :‬إن الحدي لي فيه ذكر يارة القبر‪ ،‬وال ذكر‬
‫يارة بعد الموت» ‪.)3‬‬
‫الحدي الراب ‪ :‬عن عبد هللا بن عمر ‪ ‬قال‪ :‬قال رســــول هللا ﷺ‪ :‬من حج‬
‫ف ار قبري بعد موتي‪ ،‬كمن ارني في حياتي» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬أي ليســـت له حاىة تحثه على المســـير إلى المدينة إال ال يارة‪ ،‬وهو بمعنى الرواية ااتية لم‬
‫تن عه حاىة إلى يارتي»‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة عمل]‪.‬‬
‫‪ )2‬رواه الجبراني في الكبير ‪ ،)13149‬قال عنه الهيثمي‪ :‬وفيه مســلمة بن ســالم‪ ،‬وهو ضــعيف‪،‬‬
‫مىم ال وائـد ‪ )2 /4‬مىم ال وائـد ومنب الفوائـد لإلمـام علي الهيثمي‪ ،‬وقـال ابن عبـد الهـادي‪:‬‬
‫هذا حدي ضــعيف ا ســناد منكر المتن‪ ،‬ال يصــلح االحتىا به‪ ،‬وال يىو االعتماد على مثله‪،‬‬
‫‪ ،)54 -41 /‬كما حكم على ضــعفه صــاحب األحادي الواردة في فضــائل‬ ‫الصــارم المنكي‬
‫‪.)585 /‬‬ ‫المدينة‪،‬‬
‫‪.)41 /‬‬ ‫‪ )3‬الصارم المنكي‪،‬‬
‫‪ )4‬رواه الجبراني في الكبير ‪ ،)13497‬والــدارقجني‪ ،‬وأخرىــه البيهقي في الســـــنن الكبرن‬
‫‪ ،)10274‬السنن الكبرن ألبي بكر أحمد البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عجا‪ ،‬ويليه تعليقات‬
‫ابن التركا ضــمن حواشــي الكتاب‪ ،‬وأخرىه البيهقي في الىام لشــعب ا يمان‪ ،‬رقم‪،)3858 /‬‬
‫الىام لشـــعب ا يمان‪ ،‬تهليف‪ :‬أبي بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مختار الندوي‪ ،‬قال ابن عبدالهادي بعد‬
‫أن ذكر عدة ألفا للحدي ‪ ،‬وفي أحدها يادة لف وصــــحبني)‪ :‬واعلم أن هذا الحدي ال يىو‬
‫االحتىا به‪ ،‬وال يصـلح االعتماد على مثله‪ ،‬فإنه حدي منكر المتن‪ ،‬سـاقج ا سـناد‪ ،‬لم يصـححه‬
‫أحـد من الحفـا وال احتج بـه أحـد من األئمـة؛ بـل ضـــــعفوه وجعنوا فيـه‪ ،‬وذكر بعضـــــهم أنـه من‬
‫األحـاديـ الموضـــــوعـة واألخبـار المكـذوبـة‪ ،‬وال ريـب في كـذب ال يـادة هـذه ال يـادة فيـه‪ ،‬وأمـا‬
‫‪ ،)55 /‬وحكم عليه األلباني بالوضـ في سـلسـلة‬ ‫الحدي بدونها منكر ىدًا‪ ،‬الصـارم المنكي‪،‬‬
‫‪283‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وهذا الحدي كما هر لنا أنه باجل وموضــوع ال يصــلح االحتىا به‪ ،‬وكما‬
‫قال ابن عبد الهادي ً‬
‫ناقال عن ابن تيمية ‪-‬رحمهما هللا‪ :-‬فالىهاد والحج ونحوهما أفضل‬
‫من يارة قبره باتفاق المسـلمين‪ ،‬وال يكون الرىل بهما كمن سـافر إليه في حياته ورآه‬
‫‪.)1‬‬
‫الحدي الخام ‪ :‬عن عبد هللا بن عمر ‪ ‬قال‪ :‬قال ﷺ‪ :‬من حج البيت ولم‬
‫ي رني فقد ىفاني» ‪ .)2‬وهذا الحدي الرد عليه من وىهين‪:‬‬
‫عا‪ ،‬ال يىو االحتىا به‪.‬‬ ‫األول‪ :‬أن هذا الحدي ضعيف إن لم يكن موضو ً‬
‫الثـاني‪ :‬أن هـذا الحـديـ ‪ ،‬لو ثبتـت صـــــحتـه‪ ،‬فهو يقتضـــــي أن عـدم يـارة قبر‬
‫كفرا بوا ًحا‪ ،‬وكما قال األلباني‪ :‬ومما‬‫الرسول ﷺ يكون من كبائر الذنوب‪ ،‬إن لم يكن ً‬
‫كفرا»‪.‬‬‫يدل على وضعه أن ىفاء الرسول ﷺ من الذنوب الكبائر‪ ،‬إن لم يكن ً‬
‫كبيرا‪ ،‬وذلك يســتل م أن ال يارة‬‫ً‬ ‫وعليه فمن ترك يارته ﷺ يكون مرتكبًا ذنبًا‬
‫واىبة كالحج‪ ،‬وهذا مما ال يقوله مســــلم؛ ذلك ألن يارته ﷺوإن كانت من القربات‪،-‬‬
‫فـإنهـا ال تتىـاو عنـد العلمـاء حـدود المســـــتحبـات‪ ،‬فكيف يكون تـاركهـا مىـافيـًا للنبي ﷺ‬
‫ضا عنه؟» ‪.)3‬‬ ‫ومعر ً‬
‫الحدي الســاد ‪ :‬عن علي بن أبي جالب ‪ ‬قال‪ :‬قال رســول هللا ﷺ‪ :‬من‬
‫ار قبري بعـد موتي‪ ،‬فكـهنمـا ارني في حياتي‪ ،‬ومن لم ي رني فقد ىفاني» ‪ .)4‬والرد‬
‫على هذا الحدي ‪ ،‬كالرد على ما سبق من األحادي ‪.‬‬

‫األحادي الضــعيفة والموضــوعة‪ ،‬رقم‪ .)47 /‬وان ر‪ :‬ما ذكره محقق شــعب ا يمان حول هذا‬
‫‪.)586 /‬‬ ‫الحدي ‪ )93 /8‬وكذلك الواردة في فضائل المدينة‬
‫‪.)67 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬الصارم المنكي‬
‫‪ )2‬أخرىه ابن حبان في المىروحين ‪ )73 /3‬قال شـــيإل ا ســـالم ‪ :−‬هذه األحادي كلها مكذوبة‬
‫موضــــوعة‪ .‬االقتضــــاء ‪ )773 /2‬وقال ابن عبد الهادي‪ :‬واعلم أن هذا الحدي المذكور منكر‬
‫‪،)79 /‬‬ ‫ىدًا‪ ،‬ال أصــل له‪ ،‬بل هو من المكذوبات والموضــوعات‪ ،‬ان ر‪ :‬الصــارم المنكي‪،‬‬
‫وقد حكم عليه األلباني بالوضـ في سـلسـلة األحادي الضـعيفة‪ ،‬رقم‪ ،)61 /1 ،)45 /‬كما أجال‬
‫النف فيه كل من صــاحب األحادي الواردة في فضــائل المدينة ‪ ،)588‬وصــاحب كتاب هدم‬
‫‪.)303 /‬‬ ‫المنارة‪،‬‬
‫‪ )3‬سلسلة األحادي الضعيفة والموضوعة‪ ،‬رقم‪.)61 /1 )45 /‬‬
‫‪ )39 /‬ألبي الحسـن الحسـيني في كتاب أخبار‬ ‫‪ )4‬هذا الحدي ع اه السـبكي في شـفاء السـقام‪،‬‬
‫المدينة‪ .‬شــفاء الســقام في يارة خير األنام‪ ،‬أو شــن الغارة على من أنكر ســفر لل يارة‪ ،‬تهليف‪:‬‬
‫ا مام تقي الدين السـبكي‪ .‬قال ابن عبد الهادي‪ :‬هذا الحدي من الموضـوعات المكذوبة على علي‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪284‬‬

‫الحدي السابـ ‪ :‬عـن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬من حج حىة‬
‫ا سالم‪ ،‬و ار قبري‪ ،‬وغ ا غ وة‪ ،‬وصلى في بيت المقد ؛ لم يسهله هللا فيما افترس‬
‫عليه» ‪.)1‬‬
‫وهذا الحدي ال يىو االحتىا به؛ ألنه باجل وموضـوع‪ ،‬وقد هر الوضـ‬
‫في ســـنده وفاحت رائحة التصـــوف من خالل متنه؛ حي أن فيه إشـــارة إلى إســـقاج‬
‫ً‬
‫أفعاال بما فيها يارة قبر الرســول ﷺ‪،‬‬ ‫األعمال عن العباد‪ ،‬فالحدي يبين بهن من فعل‬
‫فإن له أن يدع العمل؛ ألن هللا لن يسهله عما افترس عليه‪ ،‬فاهلل حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫مرفوعـا قـال‪ :‬من ارني بعـد موتي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الحـديـ الثـامن‪ :‬عن أبي هريرة ‪‬‬
‫فكهنما ارني وأنا حي» ‪ .)2‬والرد على هذا الحدي من وىوه‪:‬‬
‫‪ )1‬أن هذا الحدي باجل ال يىو االحتىا به‪.‬‬
‫‪ ) 2‬لو فرضــنا صــحة الحدي ‪ ،‬فإنه ال مقام وال داللة به في موضــ خالفنا‪،‬‬
‫فالحدي تحد عن أىر من ار القبر وال خالف عندنا وال معارضــــة الســــتحباب‬
‫يـارة القبر‪ ،‬وإنمـا الخالف حول شـــــد الرحـل ل يـارة قبره ﷺ‪ ،‬وهو مـا ال يتيـده هـذا‬
‫الحدي وال يســنده‪ ،‬بل غاية ما فيه اســتحباب ال يارة‪ ،‬ال ىوا ال يارة المقترنة بشـ عـد‬
‫الرحال‪.‬‬
‫ع‬

‫‪ ،(171 /‬للم يد ان ر‪ :‬األحادي الواردة في فضــائل‬ ‫الصــارم المنكي‪،‬‬‫‪‬‬ ‫بن أبي جالب‬
‫‪.)589 /‬‬ ‫المدينة‪،‬‬
‫‪ ،)102 /‬وذكره الذهبي في لســان المي ن ‪ )7 /2‬وأبو‬ ‫‪ )1‬أورده الســخاوي في القول البدي ‪،‬‬
‫الفتح األ دي في الثـامن من فوائـده ‪ )7 /2‬قـال ابن عبـد الهـادي‪ :‬هـذا الحـديـ موضـــــوع على‬
‫رســــول هللا ﷺ بالشــــك وال ريب عند أهل المعرفة بالحدي ‪ .‬ثم أجال في بيان علته‪ ،‬الصــــارم‬
‫‪ ،)156 /‬وقال عنه األلباني‪ :‬الحدي موضــوع‪ ،‬وأبان علته في ســلســلة األحادي‬ ‫المنكي‪،‬‬
‫الضـعيفة والموضـوعة‪ ،‬رقم‪ ،)242 /1 ،)204 /‬وللم يد ان ر‪ :‬األحادي الواردة في فضـائل‬
‫المدينة ‪ ،)590‬وهدم المنارة ‪.)300‬‬
‫‪ )2‬قال ابن عبد الهادي‪ :‬رواه أبو الفتو اليعقوبي في ى ء له‪ ،‬فيه فوائد مشتملة على بعس شمائل‬
‫ســـيدنا رســـول هللا ﷺ وآثاره‪ .‬ثم قال‪ :‬وهذا حدي منكر ال أصـــل له‪ ،‬بل هو حدي موضـــوع‪.‬‬
‫‪ )159 ،158 /‬باختصار‪.‬‬ ‫الصارم المنكي‪،‬‬
‫‪285‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الحدي التاسـ ‪ :‬عن عمر قال‪ :‬سـمعت رسـول هللا ﷺ يقول‪ :‬من ار قبري‬
‫‪-‬أو قال‪ :‬من ارني‪ -‬كنت له شــفيعًا‪ ،‬أو شــهيدًا‪ ،‬ومن مات في أحد الحرمين بعثه هللا‬
‫من اامنين يوم القيامة» ‪ .)1‬وهذا الحدي ال يصح االحتىا به لوىوه‪:‬‬
‫‪ ) 1‬أن هذا الحدي ضــــعيف ال يىو االحتىا به‪ ،‬وال يمكن أن يمثبضت حكم‬
‫شرعي بمثله‪.‬‬
‫‪ ) 2‬لو فرضـنا صـحة الحدي ؛ فإنه ال يصـح االحتىا به في موضـ الخالف‬
‫بيننا‪ ،‬حي أن الحدي بين فضــــل يارة القبر التي ال نعترس عليها‪ ،‬بل‬
‫شــد الرحل‪ ،‬وقصــد الســفر ل يارة قبر‬‫نقول باســتحبابها‪ ،‬ولم يتحد عن ع‬
‫خير البشر ﷺ‪.‬‬
‫الحدي العاشــــر‪ :‬وعنه ﷺ أنه قال‪ :‬من ارني متعمدًا كان في ىواري يوم‬
‫القيـامـة» ‪ .)2‬والحـديـ عن هـذا الحـديـ ‪ ،‬كمـا في الحـديـ عن الحـديـ الـذي قبلـه‪ ،‬حـدي‬
‫ضعيف ال يحتج بمثله‪ ،‬وال يستشهد به في محل الن اع‪.‬‬
‫الحدي الحادي عشـــر‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬ما من‬
‫ي عند قبري إال و َّكل هللا به مل ًكا يبلغني‪ ،‬و ضكفي أمر آخرته ودنياه‪ ،‬وكنتض‬‫عبد يســلم عل َّ‬
‫‪)3‬‬
‫له شــهيدًا وشــفي ًعا يوم القيامة» ‪ .‬وهذا الحدي ضــعيف ال يمكن االحتىا به‪ ،‬ولو‬
‫صــح فإنه لي حىة؛ ألن الحدي يبين فضــيلة من ســلم عليه ﷺ عند القبر‪ ،‬وال ينكر‬
‫أحد اســـتحباب يارة القبر‪ ،‬وإنما الخالف كما مب َّينَّا فيما ســـبق‪ ،‬ذكره في مســـهلة شـــد‬
‫الرحـل ل يـارة القبر‪ ،‬ومن أوردوا هـذا الحـديـ ‪ ،‬أوردوه ليـدعموا بـه رأيهم حول ىوا‬
‫شــد الرحل ل يارة القبر‪ ،‬وهذا الحدي لي به حىة لهم‪ ،‬فبان ســقوج االســتدالل بهذا‬
‫الحدي ‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىه أبو داود الجيالسـي في مسـنده‪ ،‬رقم‪ ،)66 /1 ،)65 /‬في مسـند عمر بن الخجاب مسـند‬
‫أبي داود الجيالسـي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن عبد المحسـن التركي‪ .‬قال ابن عبد الهادي‪ :‬هذا الحدي‬
‫‪ ،)89 /‬وقال محقق‬ ‫لي بصـحيح النقجاعه‪ ،‬وىهالة إسـناده واضـجرابه‪ .‬الصـارم المنكي‪،‬‬
‫مسند أبي داود الجيالسي‪ :‬إسناده ضعيف ىدًا ‪ )66 /1‬وللم يد ان ر‪ :‬هدم المنارة ‪.)292‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البيهقي في الىام لشـعب ا يمان‪ ،‬رقم‪ ،)91 /8 )3856 /‬قال ابن عبد الهادي‪ :‬وهذا‬
‫التاسـ ـ في هذه الرســـالة»‪ ،‬بعينه فىعل‬ ‫الحدي الذي احتج به الســـبكي هو الحدي الســـاد‬
‫المعترس له حديثين‪ ،‬بل ثالثة أحادي ‪ ،‬وهو حدي واحد ضــعيف مضــجرب مىهول ا ســناد‬
‫‪ ،)94 /‬وقد ضــعفه محقق الىام لشــعب‬ ‫من أوهى المراســيل وأضــعفها‪ .‬الصــارم المنكي‪،‬‬
‫ا يمان عند حديثه رقم‪ .)3856 /‬وان ر‪ :‬األحادي الواردة في فضائل المدينة ‪.)595 ،594‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البيهقي في الىام لشـعب ا يمان‪ ،‬رقم‪ ،)94 /8 )3859 /‬وقال محققه‪ :‬إسـناده تالف‬
‫ي عند قبري‪ ،‬وإسناده تالف أيضًا‪.‬‬‫وله رواية أخرن من صلى عل َّ‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪286‬‬

‫ي روحي‬ ‫ي إال رد هللا عل َّ‬ ‫الحدي الثاني عشــر‪ :‬قال ﷺ‪ :‬ما من أحد يســلم عل َّ‬
‫حتى أرد عليه» ‪.)1‬‬
‫فهذا الحدي أصــح من الحدي الذي قبله‪ ،‬ولي فيه لف عند قبري‪ ،‬فهصــبح‬
‫احتىا من أىا وا شد الرحال ل يارة القبر بهذا الحدي احتىا ًىا واهيًا ‪.)2‬‬
‫الحدي الثال عشـر‪ :‬عن أن قال ﷺ‪ :‬من ارني بالمدينة محتسـبًا كنت له‬
‫شهيدًا يوم القيامة» ‪ .)3‬وهذا الحدي ال يصح االحتىا به لوىوه‪:‬‬
‫‪ )1‬أن هذا الحدي ضعيف‪ ،‬فال يىو االحتىا به‪.‬‬
‫‪ )2‬لو فرضـنا صـحة الحدي ‪ ،‬فال يصـح االسـتدالل به؛ ألن الحدي لم ين‬
‫على مـا احتج بـه هتالء‪ ،‬حيـ لم ين على يـارتـه بعـد موتـه؛ بـل أجلق‪ ،‬وال ـاهر أن‬
‫المقصـود من اره في حياته‪ ،‬على افتراس صـحة الحدي ‪ .‬كما لم ين الحدي ‪-‬م‬
‫عدم ثبوته‪ -‬ال على القبر‪ ،‬وال على شد الرحال إليه‪.‬‬
‫فيتبين مما ســبق أن هذا الحدي ضــعيف في ثبوته‪ ،‬واهن باالســتدالل به‪ ،‬فال‬
‫يىو االحتىا به‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫الحدي الراب عشـــر‪ :‬عن أن بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رســـول هللا ﷺ‪ :‬من‬
‫ارني ميتًا‪ ،‬فكهنما ارني حيًا‪ ،‬ومن ار قبري وىبت له شــــفاعتي يوم القيامة‪ ،‬وما‬

‫‪ )1‬أخرىه أحمــد ‪ )527 /2‬وأبــو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬بــاب يارة القبــور‪ ،‬رقم‪ ،)2041 /‬قال‬
‫ابن القيم ‪ :−‬وقد صــح إســناد هذا الحدي ‪ ،‬وســهلت شــيخنا عن ســماع ي يد بن عبد هللا من أبي‬
‫هريرة ‪ ‬فقال‪ :‬كهنه أدركه‪ ،‬وفي ســمعه ن ر‪ ،‬وفي بعس النســإل ما كهنه أدركه‪ .‬ان ر‪ :‬ىالء‬
‫‪ ،)108 /‬خر أحاديثه‪ :‬مشـهور‬ ‫األفهام في فضـل الصـالة والسـالم على محمد خير األنام‪،‬‬
‫بن حســن‪ .‬وأخرىه البيهقي في شــعب ا يمان‪ ،‬رقم‪ )211 /4 )1479 /‬وقال محققه‪ :‬إســناده‬
‫حسن‪ .‬وقال األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ :‬إسناده حسن‪ .‬عند تعليقه على الحدي ‪،)2041‬‬
‫صحيح سنن أبي داود للشيإل األلباني‪.‬‬
‫‪ ،)107 /‬وفيه كالم نفي حول هذه المسهلة‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬الصارم المنكي‬
‫‪ )3‬أخرىه البيهقي في شعب ا يمان ‪ ،)94 /8 ،)386‬وقال عنه محققه‪ :‬إسناده ضعيف‪ .‬قال ابن‬
‫عبدالهادي‪ :‬هذا الحدي لي بصــحيح وال ثابت‪ ،‬بل ضــعيف ا ســناد منقج ‪ ،‬الصــارم المنكي‬
‫‪ ،)163 /‬وضــعفه األلباني في ضــعيف الىام ‪ ،‬رقم‪ ،)5609 /‬ضــعيف الىام الصــغير‬
‫و يـادتـه الفتح الكبير‪ ،‬لإلمـام محمـد نـاصـــــر الـدين األلبـاني‪ ،‬للم يـد ان ر‪ :‬األحـاديـ الواردة في‬
‫فضائل المدينة ‪ ،)275‬وهدم المنارة ‪.)275‬‬
‫‪287‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ال يمكن‬ ‫لـه عـذر» ‪ .)1‬فهـذا الحـديـ‬ ‫من أحـد من أمتي لـه ســــعـة‪ ،‬ثم لم ي رني فلي‬
‫االحتىا به لوىهين‪:‬‬
‫الوىه األول‪ :‬أنه ضعيف بل موضوع‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬أنه لي فيه ن على شــد الرحل‪ ،‬وقصــد الســفر ل يارة القبر‪.‬‬
‫وغاية ما فيه لو كان صـــحي ًحا اســـتحباب يارة القبر التي نوافقهم عليها‪ ،‬وال نخالفهم‬
‫فيها؛ وإنما الخالف في إنشاء السفر من أىل يارة القبر‪.‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬من‬ ‫الحدي الخام عشر‪ :‬عن عبد هللا بن عبا‬
‫ارني في ممـاتي كـان كمن ارني في حيـاتي‪ ،‬ومن ارني حتى ينتهي إلى قبري‬
‫كنت له شهيدًا يوم القيامة» ‪ .)2‬وهذا الحدي ال يىو االحتىا به؛ ألنه موضوع‪.‬‬
‫الحدي الساد عشر‪ :‬من ارني و ار أبي إبراهيم في عام واحد‪ ،‬ضمنت‬
‫له الىنة» ‪.)3‬‬
‫وهـذا الحـديـ بـاجـل موضـــــوع‪ ،‬ال يصـــــح االحتىـا بـه‪ .‬وقـانـا هللا وىمي‬
‫المسلمين شر الهون إذا عصف‪.‬‬

‫‪ ،)344 /‬الـدرة الثمينـة في أخبـار المـدينـة‪ ،‬لمحـب الـدين‬ ‫‪ )1‬أخرىـه ابن النىـار في الـدرة الثمينـة‬
‫محمـد بن محمود النىـار‪ ،‬تحقيق‪ :‬صـــــالح ىمـال‪ ،‬قـال ابن عبـد الهـادي‪ :‬هـذا حـديـ موضـــــوع‬
‫‪ ،)165 /‬وللم يد ان ر‪ :‬األحادي الواردة في فضـــائل المدينة‪،‬‬ ‫مكذوب‪ .‬الصـــارم المنكي‪،‬‬
‫‪.)591 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه أبو ىعفر العقيلي في الضعفاء ‪ ،)457 /3‬الضعفاء ألبي ىعفر محمد بن عمر العقيلي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الـدكتور عبـد المعجي قلعىي‪ .‬وقـال عنـه الـذهبي‪ :‬هـذا موضـــــوع على ابن ىريج‪ .‬عنـد‬
‫ترىمته لف له بن ســعيد المهربي في مي ان االعتدال ‪ .)423 ،422 /5 )6715 -6591‬قال‬
‫ابن عبد الهادي‪ :‬وهو حدي منكر ىدًا‪ ،‬لي بصحيح وال ثابت‪ ،‬بل هو حدي موضوع‪ .‬الصارم‬
‫‪.)169 /‬‬ ‫المنكي‪،‬‬
‫‪ )3‬قال النووي في المىموع‪ :‬وهذا باجل لي هو مرويًا عن النبي ﷺوال يعرف في كتاب صــحيح‬
‫وال ضـعيف بل وضـعه بعس الفىرة‪ ،)209 /8 .‬المىموع للنووي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد نىيب‪ ،‬وقال‬
‫ابن تيمية‪ :‬فهذا لي في شيء في الكتب ال بإسناد موضوع‪ ،‬وغير موضوع‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن هذا لم‬
‫يسـم في ا سـالم حتى فتح المسـلمون بيت المقد في من صـال الدين‪ ،‬فهذا لم يذكر أحد من‬
‫العلماء ال هذا وال هذا‪ ،‬ال على سـبيل االعتضـاد وال على سـبيل االعتماد‪ ،‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون‬
‫‪ ،)217 /27‬وان ر‪ :‬االقتضـاء ‪ ،)273 ،272 /2‬وذكر ىم من أهل العلم وضـ هذا الحدي‬
‫فيما ال حاىة من ذكره‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪288‬‬

‫ً‬
‫رىال ار أ ًخا له‬ ‫الحدي الســاب عشــر‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي ﷺ‪ :‬أن‬
‫درىتـه ‪ )2‬مل ًكـا‪ ،‬فلمـا أتى عليـه قـال‪ :‬أين‬ ‫‪)1‬‬
‫في قريـة أخرن‪ ،‬فـهرصـــــد هللا لـه على ممـ م‬
‫تريـد؟‪ .‬قـال‪ :‬أريـد أ ًخـا لي في هـذه القريـة‪ ،‬قـال‪ :‬هـل لـك عليـه من نعمـة تربهـا ‪ .)3‬قـال‪ :‬ال‬
‫غير أني أحببته في هللا تعالى‪ ،‬قال‪ :‬فإني رســول هللا إليك‪ ،‬بهن هللا قد أحبك كما أحببته‬
‫فيه» ‪.)4‬‬
‫ووىـه الـداللـة من هـذا الحـديـ ‪ :‬أن فيـه فضـــــيلـة يـارة ا خوان‪ ،‬ومـا أعـد هللا‬
‫لل ائر ين بها من الفضــل وا حســان‪ ،‬فكيف ب يارة من هو حي الدارين‪ ،‬وإمام الثقلين‬
‫الـذي ىعـل هللا حرمتـه في حـال ممـاتـه كحرمتـه في حـال حيـاتـه‪ ،‬ومن شـــــرفـه الحق بمـا‬
‫أعجاه من ىميل صــفاته‪ ،‬ومن هدانا ببركته إلى الصــراج المســتقيم‪ ،‬وعصــمنا به من‬
‫الشـــيجان الرىيم‪ ،‬ومن هو آخذ بحى نا أن نقتحم في نار الىحيم‪ ،‬ومن هو بالمتمنين‬
‫رتوف رحيم‪ ،‬وقد أورد هذه ا خنائي ‪ )5‬في رده على شـيإل ا سـالم ‪ .)6‬وقد رد شـيإل‬
‫ا ســـالم على هذا الدليل برد مجول‪ ،‬ســـهورده باختصـــار على شـــكل نقاج‪ ،‬وهو رد‬
‫ع يم الفائدة‪ ،‬وإليك أبر ما فيه‪:‬‬
‫إنـه ىعـل يـارة القبر ك يـارة الحي؛ فهـذا قيـا مـا علمـت أحـدًا من علمـاء‬
‫المســــلمين قاســــه‪ ،‬وال علمت أحدًا منهم احتج في يارة قبره ﷺ بالقيا على يارة‬
‫الحي المحبوب في هللا‪ .‬وهذا من أفسد القيا ‪.‬‬
‫إن من ار الحي‪ ،‬حصـل له بمشـاهدته‪ ،‬وسـماع كالمه‪ ،‬ومخاجبته‪ ،‬وسـتاله‪،‬‬
‫وىوابه‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ما ال يحصل لمن لم يشاهده‪ ،‬ولم يسم كالمه‪.‬‬

‫‪.)1539 /‬‬ ‫‪ )1‬أي‪ :‬أقعده يرقبه‪ ،‬ان ر‪ :‬المنها في شر صحيح مسلم‪،‬‬


‫‪ )2‬أي الجريق ســـميت بذلك؛ ألن النا يدرىون عليها أي‪ :‬يمضـــون ويمشـــون‪ .‬ان ر‪ :‬المرى‬
‫السابق ‪.)1539‬‬
‫‪ )3‬أي‪ :‬تقوم بإصالحها‪ ،‬وتنهس إليه بسبب ذلك‪ .‬ان ر‪ :‬المرى السابق ‪.)1539‬‬
‫‪ )4‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة وااداب‪ ،‬باب في فضل الحب في هللا‪ ،‬رقم‪.)2567 /‬‬
‫‪ )5‬هو تقي الدين محمد بن أبي بكر السـعدي المصـري‪ ،‬المعروف بابن ا خنائي المالكي‪ ،‬ولد سـنة‬
‫‪658‬هـــ)‪ ،‬توفي سنة ‪ ،)750‬تولى القضاء مدة ت يد عن ثالثين سنة‪ .‬ان ر‪ :‬الدرة الكامنة ‪/3‬‬
‫‪.)407‬‬
‫‪ )6‬جبعت هذه المقالة‪ :‬ضـــمن مىموع البراهين الســـاجعة في رد بعس البدع الشـــائعة‪ ،‬لســـالمة‬
‫القضاعي الهند ‪1376‬هـ)‪ً ،‬‬
‫نقال من كتاب ىهود علماء الحنفية في إبجال عقائد القبورية‪ .‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،‬تهليف الدكتور‪ :‬شم السلفي األفغاني ‪.)1826 /3‬‬
‫‪289‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫لي في رتيـة قبره أو رتيـة ـاهر الىـدار الـذي بني على بيتـه‪ ،‬بمن لـه رتيتـه‬
‫ومشــاهدته ومىالســته وســماع كالمه‪ ،‬ولو كان هذا مثل هذا؛ لكان من ار قبره مثل‬
‫واحد من أصحابه‪ .‬ومعلوم أن هذه من أبجل الباجل‪.‬‬
‫ال هىرة بعد‬ ‫كان السفر إليه في حياته‪ ،‬إما للهىرة إلى ما قبل الفتح؛ لحدي‬
‫الفتح» ‪ ،)1‬أو من أىل السـالم عليه والتعلم منه‪ ،‬فما كان السـفر إليه في حياته إال لتعلم‬
‫محضــا‪ ،‬أما الذين ي ورون‬‫ً‬ ‫خيرا‬
‫ا ســالم والدين ولمشــاهدته وســماع كالمه‪ ،‬وكان ً‬
‫القبور‪ ،‬فيفعلون عنـدهـا من أنواع المنكرات ممـا ال يضـــــبج‪ ،‬كمـا يفعـل النصـــــارن‬
‫والمشركو ن وأهل البدع عند قبر من يع مونه من أنواع الشرك والغلو‪.‬‬
‫لو كان ﷺ حيًا في المســـىد؛ لكان قصـــده في المســـىد من أفضـــل العبادات‪،‬‬
‫وقصد القبر الذي اضتِ عخ مذ مسىدًا مما نهى عنه ولعن أهل الكتاب على فعله‪ ،‬وأي ً‬
‫ضا فلي‬
‫عند قبره مصــلحة من مصــالح الدين وقربة إلى رب العالمين؛ إال وهي مشــروعة في‬
‫ىمي البقـاع‪ ،‬فال ينبغي أن يكون صـــــاحبهـا غير مع م للرســـــول ﷺ التع يم التـام‬
‫والمحبة التامة إال عند قبره‪ ،‬بل هو مهمور بهذا في كل مكان‪ ،‬فكانت يارته في حياته‬
‫مصــلحة راىحة ال مفســدة فيها‪ ،‬والســفر إلى القبر لمىرده بالعك مفســدة راىحة ال‬
‫مصـــلحة فيها‪ ،‬بخالف الســـفر إلى مســـىده؛ فإنه مصـــلحة راىحة‪ ،‬وهناك يفعل من‬
‫حقوقه ما يشرع كما في سائر المساىد‪.‬‬
‫وال يارة الشـرعية لقبر الميت مقصـودها الدعاء له واالسـتغفار؛ كالصـالة على‬
‫ىنا ته‪ ،‬والدعاء المشـــروع المهمور به في حق نبينا‪ ،‬كالصـــالة عليه والســـالم عليه‪،‬‬
‫وجلب الوســيلة له؛ مشــروع في ىمي األمكنة ال يخت بقبره‪ ،‬فلي عند قبره عمل‬
‫صـالح تمتا به تلك البقعة‪ ،‬بل كل عمل صـالح يمكن فعله هناك‪ ،‬يمكن فعله في سـائر‬
‫البقاع‪ ،‬لكن مسـىده أفضـل من غيره‪ ،‬فالعبادة فيه فضـيلة بكونها في مسـىده‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫صــالة في مســىدي هذا خير من ألف صــالة فيما ســواه‪ ،‬إال المســىد الحرام» ‪.)2‬‬
‫والعبادات المشـــروعة فيه بعد دفنه مشـــروعة فيه قبل أن يض ِدفمن النبي ﷺ في حىرته‪،‬‬
‫وقبل أن تدخل حىرته في المســــىد‪ ،‬ولم يتىدد بعد ذلك فيه عبادة غير العبادات التي‬
‫كـانـت على عهـد النبي ﷺ‪ ،‬وغير مـا شـــــرعـه هو ألمتـه ورغبهم فيـه ودعـاهم إليـه‪ ،‬وما‬
‫يشـرع لل ائر من صـالة وسـالم ودعاء له وثناء عليه‪ ،‬كل ذلك مشـروع في مسـىده في‬
‫حياته‪ ،‬وهي مشـــروعة في ســـائر المســـاىد؛ بل وفي ســـائر البقاع التي تىو فيها‬
‫الصالة‪.‬‬

‫‪ )1‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب الىهاد والسير‪ ،‬باب فضل الىهاد والسير‪ ،‬رقم‪.)3 /2 ،7 /2 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1190 /‬ومسلم رقم‪.)1394 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪290‬‬

‫سـا من العبادة لم تكن مشـروعة في المسـىد‬ ‫‪ )1‬من ن يارة القبر تخت ىن ً‬


‫‪)1‬‬
‫وإنما شرعت من قبر؛ فقد أخجه‪ ،‬ولم يقل هذا أحد من الصحابة والتابعين ‪.‬‬
‫وبالىملة فإن ىمي األدلة التي اعتمدوا عليها ضـعيفة أو موضـوعة‪ ،‬قال شـيإل‬
‫ا سالم‪ :‬إن ذكر ىملة منها كلها أحادي ضعيفة‪ ،‬بل موضوعة‪ ،‬ليست في شيء من‬
‫دواوين ا ســـــالم‪ ،‬التي يعتمـد عليهـا‪ ،‬وال نقلهـا إمـام من أئمـة المعلمين‪ ،‬ال األئمـة‬
‫األربعة‪ ،‬وال نحوهم ولكن رون بعضـــها الب ار ‪ ،)2‬والدارقجني ‪ )3‬ونحوهم بهســـانيد‬
‫ضـعيفة ‪ . )4‬ومن األدلة التي يعتمدون عليها؛ الحكاية التي ذكرها القاضـي عياس‪ ،‬أنه‬
‫قال‪ :‬نا ر أبو ىعفر ‪ )5‬أمير المتمنين مال ًكا في مسـىد رسـول هللا ﷺ فقال له مالك‪ :‬يا‬
‫أمير المتمنين‪ ،‬ال ترف صـوتك في هذا المسىد‪ ،‬فإن هللا أدب قو ًما‪ ،‬فقال‪ ( :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫) ااية [الحىرات‪ ،]2 :‬ومد قو ًما فقال‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) ااية [الحىرات‪ .]3 :‬وذم قو ًما‬
‫فقال‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ) [الحىرات‪ .]4 :‬وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًا‪ ،‬فاســتكان لها أبو‬
‫ىعفر وقال‪ :‬يا أبا عبد هللا‪ ،‬أسـتقبل القبلة وأدعو‪ ،‬أم أسـتقبل رسـول هللا ﷺ؟‪ .‬فقال‪ :‬ولم‬
‫تصــرف وىهك عنه‪ ،‬وهو وســيلتك‪ ،‬ووســيلة أبيك آدم إلى هللا تعالى يوم القيامة‪ ،‬بل‬
‫اســتقبله واســتشــف به‪ ،‬فيشــفعه هللا‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ( :‬ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) ااية‬

‫‪ )379 -361 /‬بتصــــرف‪ ،‬واختصــــار ا خنائية أو الرد على ا خنائي‪،‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬ا خنائية‬
‫تهليف‪ :‬شيإل ا سالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد مون العن ي‪.‬‬
‫‪ )2‬هو ا مام الحاف الكبير أبو بكر أحمد بن عمرو البصري الب ار‪ ،‬ولد سنة نيف عشرة ومائتين‪،‬‬
‫تتلمذ على يد عدد من العلماء‪ ،‬ي يدون على الثالثين عالــــــ ًما من أشـهر متلفاته‪ :‬المسـند الكبير‪،‬‬
‫توفي ‪ −‬سنة ‪292‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])554 /13‬‬
‫‪ )3‬هو ا مام الحاف علي بن عمر بن أحمد البغدادي المقرى المحد ‪ ،‬ولد سنة ‪306‬هـــــ)‪ ،‬تتلمذ‬
‫على يد ا مام البغوي وغيره من أهل العلم‪ ،‬من أهم كتبه السنن‪ ،‬توفي سنة ‪385‬هـــــ)‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫سير أعالم النبالء ‪ ،)449 /16‬ومقدمة سننه ففيها ترىمة رقم وافية عنه]‪.‬‬
‫‪ ،)99 ،98 /‬منسـك شـيإل ا سـالم بيَّن فيه صـفة الحج والعمرة وأحكام‬ ‫‪ )4‬منسـك شـيإل ا سـالم‬
‫ال يارة‪ ،‬تهليف‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي بن محمد العمران‪.‬‬
‫‪ )5‬أبو ىعفر المنصــور عبد هللا بن محمد بن علي‪ ،‬ثاني خلفاء بني العبا ‪ ،‬ولد ســنة ‪95‬هـــــــ)‪،‬‬
‫وتولى الخالفة ســـنة ‪ ،)193‬وتوفي ســـنة ‪[ .)158‬ان ر‪ :‬ترىمته في ســـير أعالم النبالء ‪/7‬‬
‫‪.])133‬‬
‫‪291‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫[النســاء‪ ،)1 ]64 :‬وهذه الرواية من األدلة التي يعتمدون عليها في االنتصــار إلى قولهم‪،‬‬
‫وكما هر لك أنه ال يمكن االحتىا بها؛ ألمور‪:‬‬
‫‪ -‬أنها قصة ضعيفة‪.‬‬
‫وهب أنها صحيحة‪ ،‬فال يمكن االحتىا بها؛ ألمرين‪:‬‬
‫‪ -‬أنه لي فيها شد الرحل ل يارة القبر‪.‬‬
‫‪ -‬أنها منســـوبة إلى ا مام مالك‪ ،‬فليســـت مرفوعة إلى النبي ﷺ‪ ،‬وال موقوفة‬
‫على أحد الصــــحابة؛ وإنما نســــبت إلى ا مام مالك‪ ،‬وقوله لي بحىة إن لم يعضــــد‬
‫بدليل‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وبالىملة‪ ،‬فإن شــد الرحل ل يارة قبره ﷺ إذا كان القصــد القبر فقج ال يىو ‪،‬‬
‫ولم يعرف أن أحدًا من الســلف شــد الرحل ل يارة قبره ﷺ‪ ،‬ال من الصــحابة‪ ،‬وال من‬
‫التـابعين؛ بـل المعلوم عنهم والمحفو النهي عن مثـل هـذا‪ ،‬كمـا في خبر أبي بصـــــرة‬
‫كثيرا‪ ،‬وكما هر بهن األحادي التي اعتمدوا عليها سـواء التي‬ ‫الغفاري الذي مر معنا ً‬
‫توىب ب يارة القبر أو تندب إليه‪ ،‬ىميعها ضعيفة‪ ،‬فإما موضوعة‪ ،‬وإما واهية‪.‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬آداب يارة القبر الشريف‪:‬‬
‫وبعدما تبين لك بهن قبره ﷺ ال يىو شــد الرحل إليه‪ ،‬وبهن يارته مســتحبة‬
‫لمن كان في المدينة‪ ،‬سـواء من سـاكنيها أو من ائري المسـىد النبوي على صـاحبه ﷺ‬
‫أفضـل الصـلوات وأتم التسـليم‪ ،‬فالبد أن تكون هذه ال يارة وفق ااداب الشـرعية‪ ،‬وأن‬
‫يصاحبها الخشوع واألدب‪ .‬وآداب ال يارة كثيرة‪:‬‬
‫يســلم كما كان الســلف يســلمون‪ ،‬بال صــراأل وال‬
‫ع‬ ‫‪ -1‬أن يهتي إلى القبر وأن‬
‫ضــىيج؛ بل يفعل كما فعل ابن عمر ‪ ‬حي كان يقول إذا دخل المســىد‪ :‬الســالم‬
‫عليك يا رســول هللا‪ ،‬الســالم عليك يا أبا بكر‪ ،‬الســالم عليك يا أبتع» ‪ .)2‬وإذا قال في‬
‫ق‬
‫ســالمه‪ :‬الســالم عليك يا رســول هللا‪ ،‬يا نبي هللا‪ ،‬يا خيرة هللا من خلقه‪ ،‬يا أكرم الخل ع‬
‫على ربعه‪ ،‬يا إمام المتقين‪ ،‬فهذا كلنه من صـفاته‪ ،‬بهبي هو وأمي‪ ،‬وكذلك إذا صـلى عليه‬

‫‪ )1‬أوردها القاضــي عياس في كتابه الشــفاء فصــل‪ :‬واعلم أن حرمة النبي‪ ،)40 /2 .‬قال شــيإل‬
‫ا سـالم‪ :‬إن هذه الرواية كذب على مالك‪ .‬منسـك شـيإل ا سـالم ‪ ،)94‬وقال عنها في االقتضـاء‪:‬‬
‫فهـذه الحكـايـة على هـذا الوىـه‪ ،‬إمـا أن تكون ضـــــعيفـة‪ ،‬أو مغيرة‪ )765 ،764 /2 .‬وقـد بين‬
‫األلباني ضـعف نسـبة القصـة إلى مالك في سـلسـلة األحادي الضـعيفة والموضـوعة‪ ،‬رقم‪،)25 /‬‬
‫‪.)45 /‬‬ ‫وان ر‪:‬‬
‫‪ )2‬رواه مالك في الموجه‪ ،‬كتاب قصـر الصـالة‪ ،‬باب ما ىاء في الصـالة على النبي ﷺ ‪،)166 /1‬‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫رقم‪)68 /‬‬
‫‪.])727 /‬‬ ‫[ان ر‪ :‬الموجه‪ ،‬بترقيم محمد فتاد عبد الباقي‪ ،‬وصححه شيإل ا سالم في االقتضاء‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪292‬‬

‫م الســالم عليه‪ ،‬فهذا مما أمر هللا به ‪ .)1‬وعليه أن يهتي بخشــوع وأدب وكما قال ابن‬
‫القيم ‪:−‬‬
‫دددر الدددددددددشددددددريددددددف ولو على‬ ‫ثددددددددددددد دم انثنينا للزيارة نقصد ***‬
‫األجدددداان‬ ‫الدددقبد‬
‫مددددددد دد دتدددد دذلدددد دل فد ددددد دي الدددد دسر‬ ‫فدددددددددددددد دنقوم دون القبر وقاة ***‬
‫واإلعدددددالن‬ ‫خاضدع‬
‫ف د د دال د د دواق د د دا د دون ن د دواكددددددس‬ ‫فددددددددكددددددددأندددددده في القبر حي ***‬
‫األذقان‬ ‫نددداطق‬
‫ولدد دطدددددد دالما راضدددددددددد دت على‬ ‫مددددددددددددلكددددددددتهم تلك العيون ***‬
‫األزمددددان‬ ‫بدددما ها‬
‫ووقدددددددددار ذي عدددددددددلددددددم وذي‬ ‫وأنددددنددددي المددسددلددم بددالسالم ***‬
‫إيدددمددددان‬ ‫بهيبة‬
‫كددددددال ولددددددم يددددددسددددجددد على‬ ‫لدم يدرفدع األصددددددوات حدول ***‬
‫األذقان‬ ‫ضريحه‬
‫ددددبوعًا كدددأن الدددقدددبدددر بدديددت‬ ‫ً‬
‫ك دال ول د دم ي د در ط د دا داا بالقبر ***‬
‫ثان‬ ‫أسد‬
‫هلل ندددددددددد دحددددددد دو البدددد ديدددد دت ذي‬ ‫ثددددددم انددددددثددددنى بدددددعددددا ه ***‬
‫األركددددان‬ ‫متوجددها‬
‫لدددددددددشدددريددددددعددددددة اإلسددددددالم‬ ‫فدددددد دذي زيدددددد دارة مدد دن ردا ***‬
‫واإليدددددمان‬ ‫متمسكًا‬
‫رة وفددددددددي يددوم الددحددشددر في‬ ‫من أفضل األعمال فاتيك الزيا ***‬
‫الميزان‬
‫سددددنددددن الددددرسددددول بددأعددظم‬ ‫***‬ ‫تلبسوا الحق الذي جادت به‬
‫البرفان‬
‫وى البدددع المضدددددلددة يددا أولي‬ ‫***‬ ‫ف د د د دذي زي د د دارت د دنا ول دم ننكر‬
‫العدوان‬ ‫سد‬

‫‪ ،)216 /‬وان ر‪:‬‬ ‫‪ ،)93 /‬وان ر‪ :‬األذكار للنوري‪،‬‬ ‫‪ )1‬منســـك شـــيإل ا ســـالم ابن تيمية‪،‬‬
‫كذلك إلى التحقيق وا يضا لكثير من مسائل الحج والعمرة وال يارة‪ ،‬تهليف‪ :‬عبدالع ي بن با‬
‫‪ ،)20 /‬الجبعة العشرون‪.‬‬ ‫‪−‬‬
‫‪293‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وحددددددددددددديث شد الرمل نص *** يددددددددجددددددددب الددمددصيدددددر إلدديدده‬


‫بالبرفان‬ ‫ثابت‬
‫قال شــارحها‪ :‬ثم بعد الفرا من الصــالة نميل إلى القبر الشــريف لل يارة‪،‬‬
‫ولو نمشـي على رتوسـنا‪ ،‬فنقف قريبًا من القبر في ذلة وخضـوع وأدب واحتشـام‪ ،‬فإن‬
‫حرمتـه ﷺ ميتـًا كحرمتـه حيـًا‪ ،‬فكـهنـه حي يـهمر وينهى ويتكلم بـالوحي‪ ،‬فيىـب الســـــكون‬
‫وإجراق الرأ م اســتشــعار الهيبة واالحترام‪ ،‬وم اســتدرار الدم من عيون جالما‬
‫غا ماتها وتىمد في متقيه‪ ،‬ثم نسـلم على النبي في سـكينة ووقار‪ ،‬ال نرف الصـوت‬
‫عاليًا كفعل الىاهلين‪ ،‬فقد أمرنا هللا بغس الصوت عنده‪ ،‬وىعل ذلك عالمة على كمال‬
‫التقون» ‪.)1‬‬
‫وعليه عند ال يارة أن يتهدب بتدابها‪ ،‬فال يرف الصــوت‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الحىرات‪.]2 :‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وقال العلماء‪ :‬يضكره رف الصـوت عند قبره‪ ،‬كما كان يضكره في‬
‫حياته؛ ألنه محترم حيًا وفي قبره صلوات هللا وسالمه عليه دائ ًما» ‪.)2‬‬
‫‪ -2‬وعندما يهتي لل يارة فعليه أال يســتقبل القبر حينما يدعو لنفســه‪ ،‬قال شــيإل‬
‫ا ســالم ابن تيمية‪ :‬إذا ســلم عليه‪ ،‬وأراد الدعاء لنفســه‪ ،‬ال يســتقبل القبر بل يســتقبل‬
‫القبلة» ‪ .)3‬وسيهتي الكالم حول هذه المسهلة في فصل الدعاء ‪-‬إن شاء هللا‪.-‬‬
‫‪ -3‬وإذا أراد أن يسـلم عليه‪ ،‬فالذي عليه أكثر أهل العلم على أنه يسـتقبل القبر‬
‫ويســتدبر القبلة‪ ،‬وهذا مذهب الىمهور‪ ،‬وذهب أبو حنيفة ‪ −‬إلى أنه يســتقبل القبلة ‪.)4‬‬
‫والصـحيح أنه إذا أراد السـالم‪ ،‬فعليه أن يسـتقبل القبر‪ ،‬ويسـتدبر القبلة‪ ،‬ويسـلم كسـائر‬
‫القبور‪.‬‬
‫كره مالك ‪−‬‬ ‫‪ -4‬وال يضســــن له أن يكرر يارة القبر‪ ،‬قال شــــيإل ا ســــالم‪:‬‬
‫وغيره من أهل العلم ألهل المدينة كلما دخل أحدهم المسـىد أن يىيء‪ ،‬فيسـلم على قبر‬
‫سفرا‪ ،‬أو نحو‬
‫النبي وصاحبيه‪ ،‬وقال‪ :‬إنما يكون ذلك ألحدهم إذا قدم من سفر‪ ،‬أو أراد ً‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ )220 ،218 /2 :‬شـر القصـيدة النونية لإلمام ابن القيم‪ ،‬شـر وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد خليل‬
‫هرا ‪.‬‬
‫‪ )2‬تفسير القرآن الع يم ‪ )3263 /7‬البن كثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد إبراهيم البنا‪.‬‬
‫‪ )3‬مىموع الفتاون ‪.)31 ،30 /27‬‬
‫‪.)451 ،450 /‬‬ ‫‪ )4‬المرى السابق ‪ .)31 /27‬وان ر‪ :‬كتاب ا يضا لعبد الفتا المكي‪،‬‬
‫[ان ر‪ :‬إحياء علوم الدين ألبي حامد الغ الي ‪.])387 ،386 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪294‬‬

‫ورخ بعضـــهم في الســـالم عليه إذا دخل المســـىد للصـــالة ونحوها‪ ،‬وأما‬
‫قصـده دائ ًما للصـالة والسـالم‪ ،‬فما علمت أحدًا رخ فيه؛ ألن ذلك النوع من اتخاذها‬
‫عـا من اتخـاذ‬
‫عيـدًا‪ ...‬فخـاف مـالـك وغيره أن يكون فعـل ذلـك عنـد القبر كـل ســـــاعـة؛ نو ً‬
‫القبر عيدًا‪.‬‬
‫وأيضــــا فإن ذلك بدعة؛ فقد كان المهاىرون واألنصــــار على عهد أبي بكر‬ ‫ً‬
‫وعمر وعثمان وعلي ﭫ يىيئون إلى المســــىد كل يوم خمي مرات يصــــلون‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا يهتون م ذلك إلى القبر يسـلمون عليه‪ ،‬لعلمهم ﭫ بما كان النبي ﷺ يكرهه من‬
‫ذلك‪ ،‬وما نهاهم عنه» ‪.)1‬‬
‫وقـال مـالـك‪ :‬لي من دخـل المســــىـد وخر منـه من أهـل المـدينـة الوقوف‬
‫أيضــا‪ :‬وال به لمن قدم من ســـفر أن يقف على قبر‬ ‫ً‬ ‫بالقبر‪ ،‬وإنما ذلك للغرباء‪ ،‬وقال‬
‫‪)2‬‬
‫النبي ﷺ ويدعو له وألبي بكر وعمر» ‪.‬‬
‫‪ -5‬ال يىو له أن يجوف بقبر النبي ﷺ‪ ،‬ويضكره إلصـاق البجن وال هر بىدار‬
‫القبر‪ ،‬ويضكره مســـحه باليد وتقبيله‪ ،‬بل األدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضـــر في‬
‫حياته ﷺ‪ ،‬هذا الذي قاله العلماء‪ ،‬واتفقوا عليه ‪.)3‬‬
‫قال شـيإل ا سـالم‪ :‬واتفقوا على أنه ال يسـتلم الحىرة‪ ،‬وال يقبلها‪ ،‬وال يجوف‬
‫يصلي إليها» ‪.)4‬‬
‫ع‬ ‫بها‪ ،‬وال‬
‫الســــنـة أن يم الىـدار وال أن يقبلـه‪ ،‬بـل الوقوف‬ ‫وقـال الغ الي‪ :‬ولي من ض‬
‫من بعد أقرب لالحترام» ‪.)5‬‬
‫هذا هو منهج الســــلف الصــــالح ﭫ فعلى المســــلم أال يغتر بمخالفة كثير من‬
‫العوام‪ ،‬وىهال العلماء‪ ،‬وإنما السـعادة بفعل سـلف هذه األمة‪ ،‬وكما قال مالك ‪ :−‬وال‬
‫ص علح آخر هذه األمة إال ما أصلح أولها» ‪.)6‬‬
‫يض ِ‬
‫وقال الفضــيل‪ :‬اتب جرق الهدن وال يضــرك قلة الســالكين‪ ،‬وإياك وجرق‬
‫ال ضــــاللة وال تغتر بكثرة الهالكين‪ ،‬ومن خجر بباله أن المســــح باليد ونحوه أبلغ في‬

‫‪ )1‬االقتضاء ‪ )724 ،723 /2‬باختصار يسير‪.‬‬


‫‪.)355 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬الشفاء ‪ ،)84 ،83 /2‬وا خنائية‪،‬‬
‫‪.)456 /‬‬ ‫‪ )3‬ا يضا ‪ ،‬للنووي‪،‬‬
‫‪ ،)93 /‬ومىموع الفتاون ‪.)31 /27‬‬ ‫‪ )4‬منسك شيإل ا سالم‪،‬‬
‫‪ )5‬إحياء علوم الدين ‪.)386 /1‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬الشفاء ‪.)88 /2‬‬
‫‪295‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫البركة‪ ،‬فهو من ىهالته وغفلته؛ ألن البركة إنما هي فيما وافق الشـــرع‪ ،‬وكيف يبتغي‬
‫الفضل في مخالفة الصواب» ‪.)1‬‬
‫وهذه هي الكيفية الشــرعية لل يارة‪ ،‬فعلى المســلم أن يتحرن موافقة الســلف‪،‬‬
‫ويىتهد باللحوق بركبهم؛ عسى هللا أن يحشره معهم‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مختصر المىموع‪ ،‬شر المهذب ‪.)101 /8‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪296‬‬

‫الفصل الساب‬
‫األذكار واألدعية في المقـابـر‬
‫وفيه مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬قراءة القرآن‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫المجلب األول‪ :‬هل تصل األعمال التي يعملها الحي إلى الميت؟‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬إهداء ثواب قراءة القرآن للميت‪.‬‬
‫المجلب الثال ‪ :‬هل ينتف الميت بقراءة القرآن‪.‬‬
‫المجلب الراب ‪ :‬قراءة القرآن في المقابر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬الوع واألذان‪ ،‬وفيه مجلبان‪:‬‬
‫المجلب األول‪ :‬الموع ة عند القبر‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬األذان وا قامة عند القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬الدعاء عند القبر‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫المجلب األول‪ :‬إثبات بهن الدعاء عبادة من خالل األدلة‪.‬‬
‫المجلب الثاني‪ :‬شبهات القبورية‪.‬‬
‫المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم في حكم دعاء األموات‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل الساب‬
‫األذكار واألدعية في المقبرة‬
‫ـل العبـادات التي شـــــرعهـا هللا لعبـاده‪ ،‬فـهمر هللا ســـــبحـانـه‬
‫يعتبر الـدعـاء من أى ع‬
‫بتحقيق هذه العبادة حي قال في محكم التن يل‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ)‬
‫[غافر‪ .]60 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان‪.]77 :‬‬
‫فال خير في العبد إذا تخلى عن هذه العبادة الىليلة السـهلة‪ ،‬الميسـورة‪ ،‬المجلقة‬
‫غير المقيدة ال ب مان وال بمكان‪ .‬وال يسـتجي كائن من كان أن يمن مسـل ًما من أدائها‪،‬‬
‫فال يمنعوه منهـا إال لـداعي الهون والشـــــيجـان؛ ولهـذا فـالـدعـاء عبـادة توقيفيـة كغيره في‬
‫ـلم أن يىتهد فيه م وىود ن ٍ فيه شــــروج وقواعد‬ ‫ســــائر العبادات‪ ،‬ال يىو لمســـ ٍ‬
‫ولعلي في هذا‬ ‫وآداب‪ .‬وهو باختصـــار يشـــتمل على دعاء مشـــروع وغير مشـــروع ع‬
‫الفصـــل أتعرس لءذكار واألدعية في المقابر‪ ،‬حي يشـــتمل هذا الفصـــل على عدَّة‬
‫مباح ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪298‬‬

‫المبح األول‬
‫قراءة القرآن‬
‫يعتبر القرآن هو أع م الكتب الســماوية‪ ،‬وقراءته من أفضــل القربات إلى هللا‬
‫‪ ،‬ولكن هذه القربة يىب أن تضضـِ بمج بضـوابج الشـرع‪ .‬وسـوف نناقع في هذا المبح‬
‫عدة مجالب‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬هل تصل األعمال التي يعملها الحي ويهديها إلى الميت؟‬
‫فمـا من قـارى للقرآن في المقبرة إال وهمـه أن ينتف الميـت بهـذا العمـل‪ .‬فبحـ‬
‫هذه القضـية ومناقشـة هذه المسـهلة من أهم المسـائل التي تمهد لمسـهلة قراءة القرآن في‬
‫المقبرة‪ .‬فهل يا ترن عندما يعمل عامل شـيئًا من األعمال‪ ،‬هل يصـل لءموات نفعها أم‬
‫ال؟‪ .‬الذي اتفق عليه أهل الســــنة والىماعة أن األموات ينتفعون من ســــعي األحياء‪،‬‬
‫بهمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما تسـبب إليه الميت في حياته كالصـدقة الىارية‪ ،‬والعلم الناف ‪ ،‬والولد‬
‫الصـالح؛ ودليل هذا قوله ﷺ‪ :‬إذا مات ا نسـان انقج عنه عمله إال من ثالثة‪ :‬إال من‬
‫صدقة ىارية‪ ،‬أو علم ينتف به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له» ‪.)1‬‬
‫قـال النووي ‪ :−‬قـال العلمـاء‪ :‬معنى الحـديـ أن عمـل الميـت ينقج بموتـه‪،‬‬
‫وينقج تىدد الثواب له إال في هذه األشـــياء الثالثة؛ لكونه كان ســـببها‪ ،‬فإن الولد من‬
‫كســـبه‪ ،‬وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصـــنيف‪ ،‬وكذلك الصـــدقة الىارية وهي‬
‫الوقف‪ ،‬وفيه فضيلة ال وا لرىاء ولد صالح» ‪.)2‬‬
‫قـال ابن الق يم‪ :‬فبـاســـــتثنـاء هـذه الثال من عملـه يـدل على أنهـا منـه؛ فـإنـه هو‬
‫الذي تسبب إليها» ‪.)3‬‬
‫الثاني‪ :‬دعاء المســلمين واســتغفارهم له‪ .‬قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬أما الصــدقة‬
‫عن الميـت فـإنـه ينتف بهـا بـاتفـاق المســـــلمين‪ ،‬وقـد وردت بـذلـك عن النبي ﷺ أحـاديـ‬
‫صـحيحة‪ ،‬وذكر منها عن عائشـة‪ ،‬أن رى ًال أتى النبي ﷺ فقال‪ :‬يا رسـول هللا‪ ،‬إن أمي‬
‫قتلت نفسـها‪ ،‬ولم تو ع ‪ ،‬وأ نها لو تكلمت تصـدقت‪ ،‬أفلها أىر إن تصـدقت عنها؟ قال‪:‬‬
‫نعم» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الوصية‪ ،‬باب ما يلحق ا نسان من الثواب بعد وفاته‪ ،‬رقم‪.)1631 /‬‬
‫‪.)1038 /‬‬ ‫‪ )2‬المنها لشر صحيح مسلم للنووي‬
‫‪ )298 /‬الرو لإلمام ابن القيم الىو ية‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف علي بديوي‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫‪ )4‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)2760 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬رقم‪.)1004 /‬‬
‫‪299‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وكذلك ينفعه الحج عنه‪ ،‬واألضـــحية عنه‪ ،‬والعتق عنه‪ ،‬والدعاء واالســـتغفار‬
‫له‪ ،‬فال ن اع بين األمة ‪.)1‬‬
‫وقال النووي‪ :‬وفي هذا الحدي ىوا الصــدقة عن الميت واســتحبابها‪ ،‬وأن‬
‫ضا‪ ،‬وهذا كله أىم عليه المسلمون» ‪.)2‬‬ ‫ثوابها يصله وينفعه وينف المتصدق أي ً‬
‫وأما الدعاء فقوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ) [الحشر‪.]10 :‬‬
‫قال البغوي ‪ :−‬قوله ‪ ( ‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ )‪ :‬يعني التـابعين‪ ،‬وهم الذين يىيئون بعـد‬
‫المهـاىرين واألنصـــــار إلى يوم القيـامـة‪ ،‬ثم ذكر أنهم يـدعون ألنفســـــهم ولمن تبعهم‬
‫با يمان والمغفرة» ‪.)3‬‬
‫قال ابن القيم ‪ : −‬وقد يمكن أن يقال‪ :‬إنما انتفعوا باســـتغفارهم؛ ألنهم ســـنوا‬
‫لكم ا يمان بسبقهم إليه‪ ،‬فلما اتبعوهم فيه كانوا كالمستنين في حصوله لهم‪.‬‬
‫لكن قد دل على انتفاع الميت بالدعاء إىماع األمة على الدعاء له في صــــالة‬
‫الىنا ة‪ ،‬وفي الســنن من حدي أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رســول هللا ﷺ‪ :‬إذا صــليتم‬
‫على الميت فهخلصوا له الدعاء» ‪.)4‬‬
‫وفي صــحيح مســلم في حدي عوف بن مالك ‪ :)5‬قال‪ :‬صــلى النبي ﷺ على‬
‫ىنـا ة‪ ،‬فحف ـت من دعـائـه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اللهم اغفر لـه وارحمـه‪ ،‬وعـافـه واعف عنـه‪،‬‬
‫وأكرم ن له‪ ،‬ووس ـ مدخله‪ ،‬واغســله بالماء والثلج والبرد‪ ،‬ونقه من الخجايا كما نقيت‬
‫خيرا من أهلـه‪ ،‬و و ًىـا‬ ‫ً‬
‫وأهال ً‬ ‫خيرا من داره‪،‬‬
‫دارا ً‬‫الثوب األبيس من الـدن ‪ ،‬وأبـدلـه ً‬
‫‪)6‬‬
‫خيرا من وىه‪ ،‬وأدخله الىنة‪ ،‬وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار» ‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن تيمية ‪.)315 /24‬‬


‫‪.)1038 /‬‬ ‫‪ )2‬المنها في شر صحيح مسلم بن الحىا‬
‫‪ )3‬معالم التن يل ‪.)79 /8‬‬
‫‪ )4‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب لىنـائ ‪ ،‬بـاب الـدعـاء للميـت‪ ،‬رقم‪ ،)3199 /‬قـال المنـذري‪ :‬وحســـــن‬
‫إســناده األلباني في صــحيح ســنن أبي داود ‪ ،)299 /2‬وابن ماىه‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب ما ىاء‬
‫في الدعاء في الصالة على الىنا ة‪ ،‬رقم‪.)1497 /‬‬
‫سـنة ‪73‬هــــــ)‬‫‪‬‬ ‫‪ )5‬وهو عوف بن مالك بن أبي عوف األشـىعي‪ ،‬شـهد خيبر وفتح مكة‪ ،‬توفي‬
‫تهـذيـب الكمـال ترىمـة رقم‪ ،)443 /22 ،)4547 /‬وأســـــد الغـابـة ‪ )312 /4‬ترىمـة رقم‪/‬‬
‫‪ ،)4124‬أســـــد الغـابة في معرفة الصــــحـابة لع الدين بن األثير الى ري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمـد البنـا‪،‬‬
‫وآخرون‪.‬‬
‫‪ )6‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب الدعاء للميت في الصالة‪ ،‬رقم‪.)963 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪300‬‬

‫وفي الســــنن عن واثلة بن األســــق ‪ ،)1‬قال‪ :‬صــــلى النبي ﷺ على رىل من‬
‫المســلمين فســمعته يقول‪ :‬اللهم إن فالنًا بن فالن في ذمتك وحبل ىوارك ‪ ،)2‬فقه من‬
‫فتنـة القبر وعـذاب النـار‪ ،‬وأنـت أهـل الوفـاء الحق‪ ،‬فـاغفر لـه‪ ،‬وارحمـه‪ ،‬إنـك أنـت الغفور‬
‫الرحيم» ‪ .)3‬وهذا كثير في األحادي ‪ ،‬بل هو المقصود بالصالة على الميت ‪.)4‬‬
‫وكـذلـك ورد الـدعـاء للميـت عنـد الوفـاة‪ ،‬فعن عثمـان بن عفـان ‪ ،‬قـال‪ :‬كـان‬
‫النبي ﷺ إذا فر من دفن الميـت وقف عليـه فقـال‪ :‬اســـــتغفروا ألخيكم‪ ،‬واســـــهلوا له‬
‫التثبيت؛ فإنه اان يضسهل» ‪.)5‬‬
‫فهذه داللة واضــــحة على انتفاع الميت بدعاء الحي وصــــدقته‪ ،‬وكذلك الحج‬
‫عنه‪ ،‬واألضــحية عنه‪ ،‬والعتق عنه‪ ،‬بال ن اع بين األئمة‪ ،‬كما ذكر ذلك شــيإل ا ســالم‬
‫قد هللا روحه ونور ضريحه وأعلى مقامه ‪.)6‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬إهداء ثواب قراءة القرآن للميت‪:‬‬
‫قرر إنسـان قراءة وأهداها للميت‪ ،‬فهل تصـل إليه؟‪ ،‬وهل ينتف بها كانتفاعه‬ ‫لو َّ‬
‫بالدعاء والصـدقة والحج والصـوم؟‪ .‬هذه من المسـائل الخالفية‪ ،‬قال شـيإل ا سـالم ‪:−‬‬
‫وأما الصيام عنه‪ ،‬وصالة التجوع عنه‪ ،‬وقراءة القرآن عنه‪ ،‬فهذا فيه قوالن للعلماء‪:‬‬
‫‪ -1‬أحـدهمـا‪ :‬ينتف بـه‪ ،‬وهو مـذهـب أحمـد‪ ،‬وأبي حنيفـة‪ ،‬وغيرهمـا‪ ،‬وبعس‬
‫أصحاب الشافعي وغيرهم‪.‬‬

‫‪ )1‬هو الصحابي الىليل واثلة بن األسق بن كعب بن عامر بن لي ‪ ،‬أسلم قبل تبوك وشهدها‪ ،‬وكان‬
‫من أهل الصفة‪.‬‬
‫[وان ر‪ :‬تهذيب الكمال ‪ ،)394 /30‬ترىمة رقم‪.])6659 /‬‬
‫بعض ـا‪ .‬فكان‬
‫ً‬ ‫‪ )2‬ومعنى حبل ىوارك كما قال الخجابي‪ :‬كان من عادة العرب‪ :‬أن تخيف بعضــها‬
‫ـفرا أخـذ عهـدًا من يـد كـل قبيلـة‪ ،‬فيـهمن بـه مـا دام في حـدودهـا‪ ،‬حتى ينتهي إلى‬
‫الرىـل إذا أراد ســــ ً‬
‫مىاورا أرضـه‪ ،‬أو هو من ا ىارة‪ ،‬وهو‬‫ً‬ ‫األخرن‪ ،‬فيهخذ مثل ذلك‪ .‬فهذا حبل الىوار‪ ،‬أي ما دام‬
‫األمن والنصرة‪[ .‬ان ر‪ :‬معالم السنن ‪ ،)331 /4‬رقم‪.])3073 /‬‬
‫‪ )3‬أخرىه أبو داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬رقم‪ ،)3199 /‬وصــححه األلباني في صــحيح ســنن أبي داود‬
‫‪.)300 /2‬‬
‫‪.)300 /‬‬ ‫‪ )4‬الرو‬
‫‪ )5‬أخرىه أبو داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب االســـتغفار عن القبر للميت في وقت االنصـــراف‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪ )3221‬وصـححه األلباني في صـحيح سـنن أبي داود ‪ )305 /2‬عند التعليق على الحدي رقم‪/‬‬
‫‪.)3221‬‬
‫‪ ،)452 /‬شـــــر العقيـدة الجحـاويـة‬ ‫‪ )6‬ان ر‪ :‬مىموع فتـاون ابن تيميـة ‪ )315 /24‬وان ر‪:‬‬
‫للعالمـة ابن أبي الع الحنفي‪ ،‬خر أحاديثـه‪ :‬محمد ناصـــــر الدين األلباني‪ ،‬وان ر‪،)644 /2 :‬‬
‫شر العقيدة الجحاوية لعلي بن أبي الع الحنفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد المحسن التركي‪ ،‬وشعيب‬
‫‪.)297 /‬‬ ‫األرناتوج‪ .‬والرو البن القيم‬
‫‪301‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -2‬والثاني‪ :‬ال تصـل إليه‪ ،‬وهو المشـهور في مذهب مالك والشـافعي ‪ .)1‬وقال‬
‫في موضـ آخر‪ :‬يصــل إلى الميت قراءة أهله‪ ،‬وتســبيحهم‪ ،‬وتكبيرهم‪ ،‬وســائر ذكرهم‬
‫هلل تعالى‪ ،‬إذا أهدوه إلى الميت وصل إليه‪ ،‬وهللا أعلم ‪.)2‬‬
‫عـا بغير أىرة‪ ،‬فهـذا‬‫قـال ابن القيم ‪ :−‬وأمـا قراءة القرآن وإهـداتهـا لـه تجو ً‬
‫يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج‪.‬‬
‫فـإن قيـل‪ :‬فهـذا لم يكن معروفًـا في الســـــلف‪ ،‬وال يمكن نقلـه عن واحـد منهم م‬
‫شـــدة حرصـــهم على الخير‪ ،‬وال أرشـــدهم النبي ﷺ إليه‪ ،‬وقد أرشـــدهم إلى الدعاء‪،‬‬
‫واالستغفار‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والحج ‪ ،)3‬والصوم ‪.)4‬‬
‫فلو كان ثواب القراءة يصل ألرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه‪.‬‬
‫فالىواب‪ :‬أن مورد هذا السـتال إن كان معترفًا بوصـول ثواب الحج والصـيام‬
‫والدعاء واالستغفار‪.‬‬
‫قيل له‪ :‬ما هذه الخاصـية التي منعت وصـول ثواب القرآن‪ ،‬واقتضـى وصـول‬
‫ثواب هـذه األعمـال؟‪ .‬وهـل هـذا إال تفريق بين المتمـاثالت؟‪ .‬وإن لم يضعترف بوصــــول‬
‫تلك األشياء إلى الميت‪ ،‬فهو محىو بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وا ىماع‪ ،‬وقواعد الشرع‪.‬‬
‫وأما السـبب الذي ألىله لم ي هر ذلك في السـلف‪ ،‬فهو أنهم لم يكن لهم أوقاف‬
‫على من يقرأ ويهـدي إلى الموتى‪ ،‬وال كـانوا يعرفون ذلـك البتـة‪ ،‬وال كـانوا يقصـــــدون‬
‫القبر للقراءة عنده‪ ،‬كما يفعله النا اليوم‪ ،‬وال كان أحدهم يضشـهد من حضـره من النا‬
‫على أن ثواب هذه القراءة لفالن الميت‪ ،‬بل وال ثواب هذه الصدقة والصوم‪.‬‬
‫ثم يضقال لهذا القائل‪ :‬لو ضك علفت أن تنقل عن واح ٍد من السلف أنه قال‪ :‬اللهم ثواب‬
‫هذا الصـوم لفالن‪ ،‬لعى ت‪ ،‬فإن القوم كانوا أحر شـيء على كتمان أعمال البر‪ ،‬فلم‬
‫يكونوا يشهدون على هللا بإيصال ثوابها إلى أمواتهم‪.‬‬

‫‪ )1‬مىموع الفتاون ‪.)322 /24 ،)316 /24‬‬


‫‪ )2‬المرى السابق ‪.)324 /24‬‬
‫‪ )3‬لما في صحيح البخاري أن امرأة من ىهينة ىاءت إلى النبي ﷺ‪ ،‬فقالت‪ :‬إن أمي نذرت أن تحج‬
‫فلم تحج حتى ماتت‪ ،‬أفهحج عنها؟‪ .‬قال‪ :‬حىي عنها»‪ .‬الحدي في االعتصــام بالكتاب والســنة‪،‬‬
‫ً‬
‫أصـال معلو ًما بهصـل مبين‪ ،‬رقم‪ ،)7314 /‬وان ر‪ :‬صـحيح البخاري‪ ،‬كتاب ى اء‬ ‫باب من شـبه‬
‫العيد‪ ،‬باب الحج والنذور عن الميت‪ ،‬رقم‪ ،)1852 /‬وفي الباب أحادي أخرن‪.‬‬
‫أن رسـول هللا ﷺ‪ ،‬قال‪ :‬من مات وعليه صـيام صـامه عنه‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )4‬لما في الصـحيحين عن عائشـة‬
‫وليه» البخاري‪ ،‬كتاب الصــــوم‪ ،‬باب من مات وعليه صــــوم‪ ،‬رقم‪ ،)1952 /‬ومســــلم‪ ،‬كتاب‬
‫الصيام‪ ،‬باب قضاء الصيام عن الميت‪ ،‬رقم‪.)1147 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪302‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فرسول هللا ﷺ أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة‪.‬‬
‫قيل‪ :‬هو ﷺ لم يبتدئهم بذلك‪ ،‬بل خر ذلك منه فخر الىواب لهم‪ ،‬فهذا ســهله‬
‫عن الحج عن ميته فهذن له فيه‪ ،‬وهذا ســهله عن الصــيام عنه فهذن له‪ ،‬وهذا ســهله عن‬
‫الصدقة فهذن له‪ ،‬ولم يمنعهم مما سون ذلك‪.‬‬
‫وأي فرق بين وصــــول ثواب الصــــوم الذي هو ضمىرد نية وإمســــاك‪ ،‬وبين‬
‫وصول ثواب القراءة والذكر ‪.)1‬‬
‫وسـ ـئل الشـــيإل عبد الع ي بن با ‪ −‬عن ىعل ثواب قراءة القرآن للوالدين‪،‬‬ ‫ض‬
‫فذكر فيه الخالف بين أهل العلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬واألفضـل أنه ال يفعل ذلك‪ ،‬بل يىعل ثوابه‬
‫لنفســـه؛ ألن تثويب القرآن للغير لم ينقل عن النبي ﷺ وال عن أصـــحابه ﭫ وذكر في‬
‫موضـ آخر‪ :‬أن األرىح عدم وصـولها؛ ألن النبي ﷺ لم يفعلها ألمواته من المسـلمين‪،‬‬
‫كبناته الالتي متن في حياته عليه الصالة والسالم» ‪.)2‬‬
‫سـا‪ .‬وال شـك أن‬ ‫الترىيــــــح‪ :‬الذي ي هر أن من أىا إهداء القضرب‪ ،‬أىا ه قيا ً‬
‫عا؛ ولكن القيا في هذه المســـهلة فيه ن ر؛ ألن القيا في األمور‬ ‫القيا يعتبر شـــر ً‬
‫التعبدية ال يصـح‪ .‬ومما يتكد عدم صـحة هذا القيا ‪ ،‬عدم ثبوت هذا الفعل عن أي من‬
‫مبر ًرا‬
‫ع‬ ‫أصـــــحابه ﷺ‪ ،‬ومن تبعهم‪ .‬أما كون هذا الفعل مما عليه عمل النا ‪ ،‬فهذا لي‬
‫لىوا ه؛ ألن األصـــــل في العبـادات الح ر والمن ‪ ،‬حتى يقوم الـدليـل على ثبوتهـا‪ ،‬لـذا‬
‫فالراىح ‪-‬وهللا أعلم‪ :-‬عدم صحة إهداء القراءة للميت؛ لعدم ورود الدليل‪ ،‬وعدم صحة‬
‫القيا ‪ ،‬ولتوســ النا في هذه المســائل فض عتحت أبواب من البدع‪ ،‬كما يحد في كثير‬
‫من البلدان؛ حي يىتم أقارب الميت وأصـــدقاته في المســـىد أو في بيت أحدهم‪ ،‬ثم‬
‫يثوبون هذه القراءة للميت‪ ،‬أو يقومون باسـتئىار مقرى‪ ،‬ليقوم بقراءة بعس السـور أو‬ ‫ع‬
‫كامل المصــحف‪ ،‬ثم يقوم من دف األىرة بإهداء ثوابه للميت‪ .‬وقد ن شــيإل ا ســالم‬
‫على عدم صــــحة االســــتئىار لنف القراءة وا هداء في مىموع الفتاون ‪ .)3‬وكذلك‬

‫‪ ،)458 /‬وحاشــية ابن عابــديــن‬ ‫‪ )1‬الــرو ‪ ،)346 ،345‬ان ر‪ :‬شــر العقيــدة الجحاويــة‬
‫‪.)3 /180‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون سماحة الشيإل ابن با ‪.)379 ،374 /1‬‬
‫‪.)315 /24 )3‬‬
‫‪303‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشــيإل ابن عثيمين ‪ .)1‬حي ن على حرمة هذا الفعل‪ ،‬وقال‪ :‬ومن أخذ أىرة على‬
‫قراءة القرآن فهو آثم‪ ،‬وال ثواب له» ‪.)2‬‬
‫والخالصـــة‪ :‬أن إىا ة هذا الفعل م عدم ورود الدليل‪ ،‬فتح أبوابًا للبدع كانت‬
‫موصدة‪ ،‬فالراىح عدم صحة مثل هذا الفعل‪ .‬وهللا أعلم وأحكم‪.‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬هل ينتف الميت بسماع القرآن؟‬
‫من المعروف أن ا نسـان الحي ينال األىر على قراءة القرآن وعلى سـماعه؛‬
‫ولكن ما الحكم لو قرأ القرآن في المقبرة‪ ،‬ونون القراءة أن لينال الميت أىر الســماع‪،‬‬
‫هل يصل إليه أم ال؟‪.‬‬
‫قال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬ومن قال‪ :‬إن الميت ينتف بسـماع القرآن‪ ،‬ويتىر على‬
‫ذلك فقد غلج؛ ألن النبي ﷺ قال‪ :‬إذا مات ابن آدم انقج عمله إال من ثال ‪ :‬صـــدقة‬
‫ىارية‪ ،‬أو علم ينتف به‪ ،‬أو ولد صــالح يدعو له» ‪ ،)3‬فالميت بعد الموت ال يثاب على‬
‫سـماع‪ ،‬وال غيره‪ .‬وإن كان الميت يسـم قرع نعالهم‪ ،‬ويسـم سـالم الذي يسـلم عليه‪،‬‬
‫ويســـم غير ذلك‪ ،‬لكن لم يبق له عمل غير ما اســـتثنى» ‪ .)4‬وقال في موضــ آخر‪:‬‬
‫إن الميت يســــم في الىملة كالم الحي‪ ،‬وال يىب أن يكون الســــم له دائما‪ ،‬بل قد‬
‫يســـــم في حـال دون حـال‪ ،‬كمـا قـد يعرس للحي؛ فـإنـه قـد يســـــم أحيـانـا خجـاب من‬
‫يخاجبه‪ ،‬وقد ال يسـم لعارس يعرس له‪ ،‬وهذا السـم سـم إدراك‪ ،‬لي يترتب عليه‬
‫ى اء‪ ،‬وال هو الســــم المنفي بقوله تعالى‪( :‬ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ) [النمل‪]8 0:‬؛ فإن المراد بذلك‬
‫ســـــم القبول واالمتثـال‪ .‬فـإن هللا ىعـل الكـافر كـالميـت الـذي ال يســـــتىيـب لمن دعـاه‪،‬‬
‫وكالبهائم التي تسـم الصـوت‪ ،‬وال تفقه المعنى‪ .‬فالميت وإن سـم الكالم وفقه المعنى‪،‬‬
‫فـإنـه ال يمكنـه إىـابـة الـداعي‪ ،‬وال امتثـال مـا أمر بـه‪ ،‬ونهى عنـه‪ ،‬فال ينتف بـاألمر‬
‫والنهي‪ .‬كـذلـك الكـافر ال ينتف بـاألمر والنهي‪ ،‬وإن ســـــم الخجـاب‪ ،‬وفهم المعنى‪ .‬كمـا‬
‫قال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [األنفال‪ .]23 :‬وقال‪ :‬فهما اســتماع الميت لءصــوات‪،‬‬
‫‪-‬من القراءة أو غيرها‪ -‬فحق‪ ،‬لكن الميـت ما بقي يثاب بعد الموت على عمل يعمله هو‬

‫‪ )1‬هو العالمة محمد بن صالح العثيمين ولد في عام ‪1347‬هـ) في مدينة عني ة‪ ،‬وتلقى العلم على‬
‫الشـيإل السـعدي‪ ،‬وابن با ‪ ،‬والشـنقيجي‪ ،‬وأحد كبار العلماء بالسـعودية توفي عام ‪1422‬هــــــ)‪،‬‬
‫ان ر‪ :‬موسوعة أسبار ‪ )7101 /3‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ )33 /‬من بدع النا في القرآن‪ .‬إعداد‪ :‬على بن حسـين اللو ‪ ،‬وقد ع اه إلى فتاون الشـيإل‬ ‫‪)2‬‬
‫ابن عثيمين في برنامج نور على الدرب‪ ،‬الى ء األول إعداد‪ :‬د‪ .‬فاي موسى‪.‬‬
‫‪.)451 /‬‬ ‫‪ )3‬سبق تخريىه‬
‫‪ )4‬الفتاون ‪.)317 /24‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪304‬‬

‫بعـد الموت‪ ،‬من اســـــتمـاع أو غيره‪ ،‬وإنمـا ينعم أو يعـذب بمـا كـان عملـه هو‪ ،‬أو يعمـل‬
‫عليه بعد الموت من أثره» ‪.)1‬‬
‫وقـال‪ :‬ولم يقـل أحـد من األئمـة المعتبرين‪ :‬إن الميـت يتىر على اســـــتمـاعـه‬
‫للقرآن‪ ،‬ومن قـال‪ :‬إنـه ينتف بســــمـاعـه دون مـا إذا بعـد‪ ،‬فقولـه بـاجـل مخـالف لإلىمـاع»‬
‫‪ .)2‬وقـال ابن أبي الع ‪ )3‬في شـــــر الجحـاويـة ‪ :)4‬إن الميـت ينتف بقراءة القرآن‬
‫عنده‪ ،‬باعتبار سـماعه كالم هللا‪ ،‬فهذا لم يصـح عن أحد من األئمة المشـهورين‪ .‬وال شـك‬
‫في سـماعه‪ ،‬ولكن انتفاعه بالسـماع ال يصـح‪ ،‬فإن ثواب االسـتماع مشـروج بالحياة‪ ،‬فإنه‬
‫عمل اختياري‪ ،‬وقد انقج بموته‪ ،‬بل ربما يتضــــرر ويتهلم‪ ،‬لكونه لم يمتثل أوامر هللا‬
‫ونواهيه‪ ،‬أو لكونه لم ي دد من الخير» ‪.)5‬‬
‫ولعل من رأن اســـتفادة الميت في مســـهلة ســـماعه للقرآن في مســـهلة التلقين‪،‬‬
‫والتي اختلف أهـل العلم فيهـا‪ ،‬ولف ـه كمـا رف إلى رســـــول هللا ﷺ أنـه قـال‪ :‬إذا مـات‬
‫أحد من إخوانكم‪ ،‬فســـويتم التراب على قبره‪ ،‬فليقم أحدكم على رأ قبره‪ ،‬ثم ليقل‪ :‬يا‬
‫فالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه يسمعه وال يىيب‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا فالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه يستوي قاعدًا‪،‬‬
‫ثم يقول‪ :‬يا فالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه يقول‪ :‬أرشــدنا ‪-‬رحمك هللا‪ ،-‬لكن ال تشــعرون‪ ،‬فليقل‪:‬‬
‫اذكر ما خرىت عليه من الدنيا‪ :‬شـــهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن محمدًا عبده ورســـوله‪،‬‬
‫منكرا‬
‫ً‬ ‫وأنـك رضــــيـت بـاهلل ربـًا‪ ،‬وبـا ســـــالم دي ًنـا‪ ،‬وبمحمـد نبيـًا‪ ،‬وبـالقرآن إمـا ًمـا‪ .‬فـإن‬
‫ونكيرا يـهخـذ كـل واحـد منهمـا بيـد صـــــاحبـه‪ ،‬ويقول‪ :‬انجلق بنـا مـا نقعـد عنـد من تعن‬ ‫ً‬
‫حىته‪ ،‬فقال رىل‪ :‬يا رســـول هللا‪ ،‬فإن لم نعرف أمه‪ ،‬قال‪ :‬فينســـبه إلى أمه حواء‪ ،‬يا‬
‫فالن ابن حواء» ‪ .)6‬فاختلف أهل العلم في هذه المسهلة إلى ثالثة أقوال‪:‬‬

‫‪ )1‬االقتضاء ‪.)742 /2‬‬


‫‪ )2‬األخبار العلمية ‪.)136‬‬
‫‪ )3‬هو محمد بن عالء الدين ابن أبي الع الحنفي ولد سنة ‪731‬هـــ)‪ ،‬ولي القضاء في دمشق وفي‬
‫مصـر‪ .‬وتوفي سـنة ‪792‬هــــــ) من أع م آثاره‪ :‬شـرحه للعقيدة الجحاوية‪ .‬ان ر‪ :‬شـذرات الذهب‬
‫‪.)557 /8‬‬
‫‪ )4‬متلفها هو ا مام أبو ىعفر أحمد بن محمد الجحاوي ولد سنة ‪293‬هـ)‪ ،‬وتوفي سنة ‪321‬هـ)‪،‬‬
‫من آثاره‪ :‬شر مشكل ااثار‪ ،‬ومتن العقيدة الجحاوية‪ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.)27 /15‬‬
‫‪.)675-674 /‬‬ ‫‪ )5‬ان ر‪ :‬شر العقيدة الجحاوية‬
‫‪ )6‬رواه الجبراني في الكبير‪ ،‬رقم‪ ،)7979 /‬ان ر‪ :‬المعىم الكبير للحـاف أبي القـاســـــم ســـــليمان‬
‫الجبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمـدي عبـد الحميـد الســـــلفي‪ ،‬وقـال الهيثمي‪ :‬رواه الجبراني في الكبير وفي‬
‫أبي أمـامـة‬ ‫إســــنـاده ىمـاعـة لم أعرفهم‪ .‬ان ر‪ :‬مىم ال وائـد ‪ ،)45 /3‬قـال النووي ‪ :−‬حـديـ‬
‫‪305‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪)1‬‬
‫القول األول‪ :‬يســتحب تلقين الميت عقب دفنه‪ .‬قال أبو عمرو ابن الصــال‬
‫‪ :−‬التلقين هو الـذي نختـاره ونعمـل بـه»‪ ،‬قـال‪ :‬وروينـا فيـه حـديث ًـا من حـديـ أبي‬
‫أمامة لي إسناده بالقائم‪ ،‬ولكن اعتضد بشواهد‪ ،‬وبعمل أهل الشام قدي ًما» ‪.)2‬‬
‫وقال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬أما تلقين الميت‪ ،‬فقد ذكره جائفة من الخراســانيين‬
‫ضـا‪ .‬وقال‪ :‬ومن الصـحابة من كان يفعله‪ :‬كهبي‬ ‫من أصـحاب الشـافعي‪ ،‬واسـتحسـنوه أي ً‬
‫أمامة الباهلي‪ ،‬وواثلة بن األســـق ‪ ،‬وغيرهما من الصـــحابة‪ ،‬ومن أصـــحاب أحمد من‬
‫استحبه‪ .‬والتحقيق‪ :‬أنه ىائ ‪ ،‬ولي بسنة راتبة‪ ،‬وهللا أعلم» ‪.)3‬‬
‫وقـال ابن مفلح‪ :‬وقـال شـــــيخنـا‪ :‬تلقينـه بعـد دفنـه مبـا عنـد أحمـد وبعس‬
‫أصحابنا‪ ،‬واختاره شيخنا‪ ،‬وال يكره» ‪.)4‬‬
‫القول الثـاني‪ :‬ا بـاحـة‪ :‬قـال شـــــيإل ا ســـــالم‪ :‬تلقينـه بعـد موتـه لي واىبـًا‪،‬‬
‫با ىماع‪ .‬وال كان من عمل المسـلمين المشـهور بينهم على عهد النبي ﷺ وخلفائه‪ ،‬بل‬
‫ذلك مهثور عن جائفة من الصـــحابة‪ ،‬كهبي أمامة‪ ،‬وواثلة بن األســـق ‪ .‬فمن األئمة من‬
‫رخ فيه‪ ،‬كا مام أحمد‪ ،‬وقد اسـتحبَّه جائفة من أصـحابه‪ ،‬وأصـحاب الشـافعي‪ .‬ومن‬
‫العلمـاء من يكرهـه العتقـاده أنـه بـدعـة‪ .‬فـاألقوال فيـه ثالثـة‪ :‬االســـــتحبـاب‪ ،‬والكراهـة‪،‬‬
‫وا باحة‪ ،‬وهذا أعدل األقوال» ‪.)5‬‬

‫رواه أبو القاسـم الجبراني في معىمه بإسـناد ضـعيف‪ .‬مختصـر المىموع ‪ ،)170 /5‬وقال ابن‬
‫حىر‪ :‬وإســــناده صــــالح وقد قواه الضــــياء في أحكامه‪ .‬تلخي الحبير ‪ )135 /2‬عند تخريج‬
‫الحدي ‪ ،)796‬قال الشـوكاني‪ :‬وفي إسـناده عاصـم بن عبد هللا وهو ضـعيف‪ ،‬وقد اسـتشـهد في‬
‫التلخي لحدي أبي أمامة باألثر الذي رواه سـعيد بن منصـور‪ ،‬وذكر له شـواهد أخرن خارىة‬
‫عن البحـ ‪ ،‬ال حـاىـة إلى ذكرهـا‪ .‬نيـل األوجـار ‪ )538 /4‬عنـد شـــــر الحـديـ ‪ ،)1484‬وقـال‬
‫األلباني‪ :‬وهذا إسـناد ضـعيف ىدًا‪ ،‬وقد انتقد قول الحاف وإسـناده صـالح‪ ،‬فقال‪ :‬فهين هذا الصـال‬
‫والقوة‪ ،‬وفيـه هـذا الرىـل المىهول‪ ،‬بـل فيـه ىمـاعـة آخرون مثلـه في الىهـالـة‪ .‬وأجـال في نقـده‪،‬‬
‫‪.)65 ،64 /‬‬ ‫سلسلة األحادي الضعيفة والموضوعة‪ ،‬الحدي رقم‪ ،)599 /‬المىلد الثاني‬
‫‪ )1‬هو أبو عمر عثمان بن الصــال ‪ ،‬الموصــلي الشــافعي‪ ،‬صــاحب كتاب علوم الحدي ‪ ،‬ولد ســنة‬
‫‪577‬هـ) وتوفي سنة ‪643‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])140 /23‬‬
‫‪ )2‬مختصر المىموع شر المهذب ‪.)169 /5‬‬
‫‪ )3‬الفتاون ‪.)299 /24‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬الفروع البن مفلح ‪)276 /2‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون ابن تيمية ‪.)298 /24‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪306‬‬

‫القول الثـالـ ‪ :‬التحريم‪ :‬وعبر عنـه بعس أهـل العلم بـالكراهيـة‪ ،‬أي‪ :‬كراهيـة‬
‫التحريم‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪ :‬فهما التلقين بعد الدفن‪ ،‬فلم أىد فيه عن أحمد شـــيئًا‪ ،‬وال أعلم‬
‫قوال‪ ،‬سـون ما رواه األثرم ‪ ،)1‬قال‪ :‬قلت ألبي عبد هللا‪ :‬فهذا الذي يصـنعون‬‫فيه لءئمة ً‬
‫إذا دضفن الميت‪ ،‬يقف الرىل‪ ،‬ويقول‪ :‬يا فالن ابن فالنة‪ ،‬اذكر ما فارقت عليه‪ ،‬شــــهادة‬
‫أن ال إله إال هللا؟‪ .‬فقال‪ :‬ما رأيت أحدًا فعل هذا إال أهل الشام ‪ .)2‬وقال ابن مفلح ‪− )3‬‬
‫بعـد أن ذكر قولـه ﷺ‪ :‬لقنوا موتـاكم ال إلـه إال هللا» ‪ :)4‬احتج بـه بعس الفقهـاء هنـا‪،‬‬
‫وهذا وإن شــمله اللف لكنه غير مراد‪ ،‬وإال لنقله الخلف عن الســلف وشــاع» ‪ .)5‬وقد‬
‫ذكر شيإل ا سالم‪ :‬أن من العلماء من كرهه العتقاده أنه بدعة» ‪ .)6‬وقال الصنعاني‪:‬‬
‫يتحصــل من كالم أئمة التحقيق أنه حدي ضــعيف والعمل به بدعة‪ ،‬وال يغتر بكثرة‬
‫من يفعله» ‪.)7‬‬
‫وقـد ن بعس العلمـاء المعـاصـــــرين على بـدعيتـه‪ ،‬ومنهم األلبـاني قـال ‪:−‬‬
‫السـنة‪ ،‬فال فائدة منه؛ ألنه خر من‬ ‫وأما تلقينه بعد الموت‪ ،‬فم أنه بدعة لم ترد في ض‬
‫دار التكليف إلى دار الى اء‪ ،‬وألنـه غير قـابـل للتـذكير‪ .‬قـال تعـالى‪( :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ) [ي ‪:‬‬
‫‪.)8 ]70‬‬
‫وســــئلت اللىنة الدائمة في المملكة عن حكمه‪ ،‬فقالت‪ :‬الصــــحيح من قولي‬
‫العلماء في التلقين بعد الموت أنه غير مشـروع‪ ،‬بل بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضـاللة‪ ،‬ثم بينت‬
‫ضـــعف الحدي ‪ ،‬ثم قالت‪ :‬ولي مذهب إمام من األئمة األربعة ونحوهم‪ ،‬كالشـــافعي‬

‫‪ )1‬هو أحمـد بن محمـد ابن هـاني الجـائي‪ ،‬المعروف بـهبي بكر األثرم من أخ أصــــحـاب ا مـام‬
‫أحمد‪ ،‬من أشـهر كتبه‪ :‬علل الحدي ‪ ،‬وناسـإل الحدي ومنسـوخه‪ ،‬توفي سـنة ‪261‬هــــــ)‪ .‬األعالم‬
‫لآلبري ‪.)205 /1‬‬
‫‪ )2‬المغني البن قدامة ‪.)3 /437‬‬
‫‪ )3‬وهو أبو عبد هللا‪ ،‬محمد بن مفلح المقدسـي تتلمذ على يد شـيإل ا سـالم‪ ،‬وكان يقول له‪ :‬ما أنت‬
‫ابن مفلح‪ ،‬بل أنت مفلح»‪ ،‬له العديد من المتلفات من أبر ها الفروع‪ ،‬وااداب الشـــرعية‪ ،‬توفي‬
‫عام ‪763‬هـ)‪[ .‬شذرات الذهب ‪.])340 /8‬‬
‫‪ )4‬أخرىه مسلم‪،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب تلقين الموتى‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬رقم‪.)916 /‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬كتاب الفروع ‪.)276 /2‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬الفتاون ‪)298 /24‬‬
‫‪ )7‬سبل السالم ‪.)773 /2‬‬
‫‪ )8‬ان ر‪ :‬سلسلة األحادي الصحيحة وشيء من فقهها ‪.)759 /1‬‬
‫‪307‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫حىة في إثبات حكم شـــرعي‪ ،‬بل الحىة في كتاب هللا‪ ،‬وما صـــح من ســـنة النبي ﷺ‪،‬‬
‫وفي إىماع سـلف األمة‪ ،‬ولم يثبت في التلقين بعد الموت شـيء من ذلك‪ ،‬فكل مردود»‬
‫‪.)1‬‬
‫وقال الشـــيإل بكر أبو يد ‪ :− )2‬ومنها ‪-‬أي‪ :‬البدع بعد الدفن‪ :-‬تلقين الميت‬
‫في قبره بقولهم‪ :‬يـا فالن ابن فالنـة‪ ،‬إذا ىـاءك ملـك الموت‪ ،‬وقـال لـك‪ :‬من ربـك؟‪ .‬فقـل‪:‬‬
‫ربي هللا‪ ...‬إلإل‪ .‬بدعة‪ ،‬لعدم ثبوت الحدي به» ‪.)3‬‬
‫الترىيـــــح‪ :‬ومن خالل الن ر إلى هذه األقوال‪ ،‬وما اعتمدت عليه من األدلة‪،‬‬
‫فنىد أن من اســـتحبها‪ ،‬أو أباحها؛ بنى قوله على ما ثبت عنده مما يضرف إلى الرســـول‬
‫ﷺ‪ ،‬أو يضنســب إلى بعس أصــحابه‪ ،‬وقد هر ضــعف احتىاىهم به‪ ،‬والشــواهد التي‬
‫عضـــــدوا بهـا الحـديـ ‪ ،‬ال يمكن أن تكون مقويـة لـه ومىي ة للعمـل بـه‪ ،‬كحـديـ عثمـان‬
‫الذي مر معنا‪ :‬فاسـهلوا له التثبيت‪ ،‬فإنه اان يسـهل» ‪ ،)4‬فال يصـح االعتضـاد به؛ ألن‬
‫حدي عثمان فيه الدعاء للميت‪ ،‬وهذا أمر مشروع مفرو منه‪.‬‬
‫وكذلك اعتضادهم ببعس ااثار التي ال تصح‪ ،‬والتي لو صحت‪ ،‬فال يسلم لهم‬
‫االحتىـا بهـا‪ ،‬وكـذلـك احتىـاىهم بعمـل بعس النـا واعتيـادهم عليـه‪ ،‬فـإنـه لي بحىـة‬
‫يحتج بها‪ ،‬بل الحىة بفعله ﷺ وفعل أصــحابه من بعده أئمة الهدن والنور‪ .‬والحاصـل‪:‬‬
‫أن القول بكراهيـة هـذا الفعـل كراهيـة تحريم؛ هو الـذي ترتـا إليـه النف وتجمئن لـه‪،‬‬
‫وتبرأ به الذمة؛ لعدم ثبوته عن النبي ﷺ‪ ،‬وال عن أصــحابه‪ ،‬م قيامهم بدفن عشــرات‬
‫ااالف‪ ،‬إن لم ي يـدوا‪ ،‬ولم ينقـل عنهم هـذا الفعـل‪ ،‬وهـذا لوحـده دليـل كـافٍ شـــــافٍ على‬
‫عدم مشروعيته وبدعيته‪ ،‬وهللا أعلم وأحكم‪.‬‬
‫المجلب الراب ‪ :‬قراءة القرآن في المقبرة‪.‬‬
‫وســوف نناقع في هذا المبح مســهلة قراءة القرآن في المقبرة)‪ ،‬من خالل‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ىوا قراءة القرآن وقت الدفن‪ ،‬حي ذهب بعس أهل العلم إلى ىوا ه‪،‬‬ ‫ً‬
‫واســـــتـدلوا بمـا نضقـل عن ابن عمر ‪ ،‬عن النبي ﷺ أنـه قـال‪ :‬إذا مـات أحـدكم فال‬
‫تحبســوه‪ ،‬أســرعوا به إلى قبره‪ ،‬وليقرأ عند رأســه بفاتحة الكتاب‪ ،‬وعند رىليه بخاتمة‬
‫البقرة في قبره» ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪ ،)93 /9‬رقم الفتون ‪.)3159‬‬


‫‪ )2‬هو الشــيإل العالمة بكر بن عبد هللا بن محمد أبو يد ولد عام ‪1364‬هـــــــ)‪ ،‬أحد كبار العلماء‬
‫وعضو اللىنة الدائمة لإلفتاء بالمملكة العربية السعودية له متلفات عديدة‪ − ،‬تعالى‪.‬‬
‫‪.)498 /‬‬ ‫‪ )3‬تصحيح الدعاء‬
‫‪.)252 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪ )5‬أخرىـه الجبراني في المعىم الكبير‪ ،‬رقم‪ ،)13613 /‬قـال الحـاف ابن حىر‪ :‬أخرىـه الجبراني‬
‫بإســــناد حســــن» الفتح ‪ .)219 /3‬وقال الهيثمي في المىم ‪ :‬رواه الجبراني في الكبير وفيه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪308‬‬

‫وبمـا رون أبو أمـامـه البـاهلي ‪  )1‬قـال‪ :‬لمـا وضــــعـت أم كلثوم ‪ )2‬ابنـة‬
‫رسول هللا ﷺ في القبر‪ ،‬قال رسول هللا ﷺ‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [جه‪.)3 ]55 :‬‬
‫قال شـيإل ا سـالم بعد ما حكى األقوال‪ :‬والثالثة‪ :‬أن القراءة عند الدفن ال به‬
‫بهـا‪ ،‬ثم قـال‪ :‬وهـذه الروايـة لعلهـا أقون من غيرهـا‪ ،‬لمـا فيهـا من التوفيق بين الـدالئـل»‬
‫‪.)4‬‬

‫يحيى بن عبد هللا البابلتي وهو ضـــعيف»‪ .‬مىم ال وائد ‪ .)44 /3‬قال األلباني‪ :‬وهذا إســـناد‬
‫ضــعيف ىدًا‪ ،‬وله علتان‪ :‬األولى‪ :‬البابلتي‪ ،‬وهو ضــعيف كما قال الحاف في التقريب‪ ،‬والثانية‪:‬‬
‫شـيخه أيوب بن نهيل‪ ،‬فإنه أشـد ضـعفًا منه‪ ،‬ضـعفه أبو حاتم وغيره‪ ،‬وقال األ دي‪ :‬متروك‪ .‬وقال‬
‫‪ .])23 /‬وضـــــعفـه بكر أبو يـد‪،‬‬ ‫أبو رعـة‪ :‬منكر الحـديـ ‪[ .‬ان ر‪ :‬أحكـام الىنـائ وبـدعهـا‬
‫‪.])501 /‬‬ ‫وقال‪ :‬ال تقوم به حىة‪[ .‬ان ر‪ :‬تصحيح الدعاء‬
‫‪ )1‬هو ابن عىالن بن وهب مشــهور بكنيته‪ ،‬شــهد حىة الوداع م النبي ﷺ وهو ابن ثالثين ســنة‪،‬‬
‫شهد حنين م علي توفي سنة ‪86‬هــ)‪ ،‬وهو آخر الصحابة ﭫ وفاة بالشام‪[ .‬ان ر‪ :‬ا صابة ‪/2‬‬
‫‪ ،)182‬والتقريب ترىمة رقم‪.])2939 /‬‬
‫‪ ،‬ت وىهـا عتبـة بن أبي لهـب‬ ‫‪‬‬ ‫‪ )2‬هي أم كلثوم بنـت رســـــول هللا ﷺ وأمهـا خـديىـة بنـت خويلـد‬
‫وجلقهـا قبـل أن يـدخـل بهـا‪ ،‬وت وىهـا عثمـان في الســــنـة الثـالثـة من الهىرة بعـد وفـاة أختهـا رقيـة‪،‬‬
‫ماتت في السـنة التاسـعة من الهىرة‪ ،‬ولم تنىب ڤ‪[ .‬ان ر‪ :‬الجبقات الكبرن البن سـعد ‪)30 /8‬‬
‫ترىمة رقم‪.])4100 /‬‬
‫‪ )3‬أخرىـه أحمـد ‪ ،)524 /36‬رقم‪ ،)22187 /‬وقـال محققوه‪ :‬إســـــنـاد ضـــــعيف ىـدًا‪ .‬ان ر‪:‬‬
‫الموســوعة الحديثية لمســند ا مام أحمد بن حنبل‪ ،‬المشــرف الدكتور‪ :‬عبد هللا بن عبد المحســن‬
‫التركي‪ ،‬وشــعيب األرناتوج‪ ،‬وشــارك في التحقيق‪ :‬ىم من أهل العلم‪ .‬والحاكم في المســتدرك‬
‫‪ ،)411 /2‬رقم‪ ،)3433 /‬تفســـير ســـورة جه‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬لم يتكلم عليه ‪-‬يعني الحاكم‪ -‬وهو‬
‫خبر واحد؛ ألن علي بن ي يد متروك‪[ .‬المســـتدرك ‪ ،)411 /2‬وقال الحاف بن حىر‪ :‬إســـناده‬
‫ضــــعيف‪ .‬التلخي الحبير ‪ )261 /2‬حدي رقم‪ ،)787 /‬وكذلك ضــــعفه الهيثمي في مىم‬
‫ال وائد ‪.])43 /3‬‬
‫قال األلباني‪ :‬إن الحدي ضـعيف ىدًا‪ ،‬بل هو موضـ في نقد ابن حبان‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأحسـن أحوال هذا‬
‫‪ ،)194 /‬وقال بكر أبو يد‪ :‬وهو ضـــعيف‬ ‫الحدي أنه ضـــعيف ىدًا‪ .‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ‬
‫‪.])501 /‬‬ ‫ىدًا‪ ،‬وعبد هللا بن حر يروي الموضوعات‪[ .‬تصحيح الدعاء‬
‫‪ )4‬االقتضـاء ‪ ،)744 /2‬وان ر‪ :‬كتاب الفروع ‪ )304 /2‬و ‪ ،)145 /4‬حواشـي الشـرواني وابن‬
‫قاســم العبادي على تحفة المحتا بشــر المنها ‪ ،‬ضــبجه وصــححه‪ :‬الشــيإل محمد عبد الع ي‬
‫الخالدي‪.‬‬
‫‪309‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫القول الثاني‪ :‬ىوا القراءة مجلقًا‪ :‬وهذه هي رواية أحمد وجائفة من أصـحاب‬
‫أبي حنيفة وغيرهم‪ ،‬وهي اختيار الخالل ‪ )1‬وصاحبه ‪.)2‬‬
‫وقال النووي‪ :‬ويستحب لل ائر ا كثار من قراءة القرآن والذكر» ‪.)3‬‬
‫وقـد ذكر أصــــحـاب هـذا القول بـهن ا مـام أحمـد ‪ −‬كـان ال يرن القراءة على‬
‫ـريرا أن يقرأ‬
‫عا أبان به عن نفسـه‪ ،‬فرون ىماعة أن أحمد نهى ض ً‬ ‫القبر‪ ،‬ثم رى رىو ً‬
‫‪)4‬‬
‫عنـد القبر‪ ،‬وقـال لـه‪ :‬إن القراءة عنـد القبر بـدعـة‪ .‬فقـال لـه محمـد بن قـدامـة الىوهري ‪:‬‬
‫يا أبا عبد هللا‪ ،‬ما تقول في مبشـر الحلبي؟ ‪ .)5‬قال‪ :‬ثقة‪ .‬قال‪ :‬فهخبرني مبشـر عن أبيه‪،‬‬
‫أنه أوصـى إذا دضفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها‪ ،‬وقال‪ :‬سـمعت ابن عمر يوصـي‬
‫بـذلـك‪ .‬قـال أحمـد بن حنبـل‪ :‬فـارى ‪ ،‬فقـل للرىـل يقرأ ‪ .)6‬وممـا يتكـد أن هـذا قول ا مـام‬

‫‪ )1‬أبو بكر أحمـد بن محمـد بن هـارون‪ ،‬ىـام علم ا مـام أحمـد ومرتبـه‪ ،‬من أهم كتبـه‪ :‬الســــنـة»‪،‬‬
‫ولد سنة ‪ ،)234‬وتوفي سنة ‪311‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬األعالم ‪ )206 /1‬والشذرات ‪.])261 /2‬‬
‫‪ )2‬هو أبو بكر عبـد الع ي بن ىعفر بن ي داد‪ ،‬يعرف بغالم الخالل وكـان تلميـذًا لـه‪ ،‬فقيـه حنبلي‪،‬‬
‫ومحد ومفسـر‪ ،‬توفي سـنة ‪363‬هــــــ)‪ ،‬وله من العمر ثمان وسـبعين سـنة‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪/4‬‬
‫‪.])5‬‬
‫‪.)179 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬األذكار‬
‫‪ )4‬هو أبو ىعفر األنصــــاري اللتلتي البغدادي‪ ،‬رون عن ابن عيينة ووكي وغيرهم‪ ،‬ورون عنه‬
‫ابن أبي الـدنيـا وأبو يعلى وغيرهم‪ ،‬توفي ســـــنـة ‪[ .)237‬ان ر‪ :‬تهـذيـب الكمـال ‪.)310 /26‬‬
‫ترىمة رقم‪.])5555 /‬‬
‫‪ )5‬هو مبشــر بن إســماعيل الحلبي أبو إســماعيل رون عنه أحمد بن حنبل‪ ،‬وإبراهيم الرا ي توفي‬
‫سنة ‪200‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬تهذيب الكمال في أسماء الرىال ‪ ،)190 /27‬ترىمة رقم‪.])5768 /‬‬
‫‪ )65 /‬قـال األلبـاني ‪-‬بعـدمـا أورد‬ ‫‪ )6‬ان ر‪ :‬المغنى ‪ ،)518 /3‬وأوردهـا ابن القيم في الرو‬
‫هذه القصة وأنكر نسبتها ألحمد‪ :-‬فالىواب من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬في ثبوت هذه القصــة عن أحمد ن ًرا؛ ألن شــيإل الخالل الحســن بن أحمد الوراق لم أىد له‬
‫ترىمة رقم فيما عندي اان من كتب الرىال‪ ،‬وكذلك شـــيخه علي بن موســـى الحداد لم أعرفه‪،‬‬
‫وإن قيل في هذا الســــند أنه كان صــــدوقًا‪ ،‬وقال‪ :‬ال اهر أن القائل هو الوراق هذا‪ ،‬وقد عرفت‬
‫حاله‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه إن ثبت ذلك عنه؛ فإنه أخ مما رواه أبو داود عنه‪ ،‬وينتج من الىم بين الروايتين عنه‬
‫‪.])243 /‬‬ ‫أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إال عند الدفن‪[ .‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ لءلباني‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪310‬‬

‫سئل عن رىل يقرأ عند القبر على‬ ‫أحمد؛ ما رواه ابنه عبد هللا ‪ .)1‬أنه قال‪ :‬سمعت أبي ض‬
‫الميت‪ .‬قال‪ :‬أرىو أن ال يكون به به ‪ .)2‬وذكر ابن القيم في الرو ‪ :‬أن الحســــن بن‬
‫الصبا ال عفراني ‪ )3‬سهل الشافعي عن القراءة عند القبر‪ ،‬فقال‪ :‬ال به به ‪.)4‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي‪:‬‬
‫األول‪ :‬بهن ابن عمر أوصـى أن يضقرأ عند قبره بفواتح سـورة البقرة وخواتيمها‬
‫‪.)6 ،)5‬‬
‫الثاني‪ :‬قال ﷺ‪ :‬البقرة ســــنام القرآن وذوروته‪ ،‬ن ل م كل آية منها ثمانون‬
‫مل ًكا‪ ،‬واســـتخرىت (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ) [البقرة‪ ،]255 :‬من تحت العرع‪ ،‬فوصـــلت بها‪ ،‬أو‬
‫فوصــلت بســورة البقرة‪ ،‬وي قلب القرآن ال يقرتها رىل يريد هللا والدار ااخرة إال‬
‫غفر له‪ ،‬واقرتوها على موتاكم» ‪.)7‬‬
‫الدليل الثال ‪ :‬وقال الرسول ﷺ‪ :‬اقرتوها على موتاكم» يعني‪ :‬ي ‪.)8‬‬

‫‪ )1‬هو عبد هللا بن أحمد بن حنبل ولد سنة ‪213‬هـ) ومات سنة ‪290‬هـ)‪ ،‬يعتبر من أخل تالمذة‬
‫أبيه‪ ،‬وناقل عنه أع م كتاب للســــنة بين أيدي النا المســــند ومن آثاره‪ :‬كتاب الســــنة‪ .‬ان ر‪:‬‬
‫ترىمتـه في مقـدمـة مســـــائـل ا مـام أحمـد بن حنبـل روايـة ابنـه عبـد هللا بن أحمـد‪ .‬تحقيق‪ :‬هير‬
‫الشاويع‪.‬‬
‫‪.)145 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مسائل ا مام أحمد بن حنبل البنه عبد هللا‬
‫‪ )3‬هو الحســن بن محمد بن صــبا ال عفراني‪ ،‬رون عنه البخاري وأصــحاب الســنن‪ ،‬توفي ســنة‬
‫‪259‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬تهذيب الكمال في أسماء الرىال ‪ )310 /6‬ترىمة رقم‪.])1270 /‬‬
‫‪.)66 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬الرو‬
‫‪ ،)158 /‬كتاب مسائل ا مام أحمد لإلمام أبي داود‪ ،‬قدم له‪ :‬السيد محمد رشيد رضا‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫‪.)466 /‬‬ ‫‪ )6‬سبق تخريىه‬
‫‪ )7‬أخرىه أحمد ‪ ،)417 /33‬رقم‪ .)20300 /‬قال شـعيب‪ :‬إسـناده ضـعيف؛ لىهالة الرىل وأبيه‪،‬‬
‫وســمي في الرواية التالية بهبي عثمان‪ ،‬وال يعرف‪ .‬عا م‪ :‬هو محمد بن الفضــل الســدوســي أبو‬
‫النعمان‪ ،‬ومعتمر‪ :‬هو ابن سـليمان بن جرخان التيمي‪ .‬وأخرىــــــه النسـائي في عمل اليوم والليلة‬
‫‪ ،)1075‬والجبراني ‪ )511 /20‬من جريق محمـد بن عبـد األعلى‪ ،‬و ‪ )541 /20‬من جريق‬
‫محمد بن أبي بكر المقدمي‪ ،‬كالهما عن معتمر بن ســـليمان‪ ،‬بهذا ا ســـناد‪[ .‬ان ر‪ :‬الموســـوعة‬
‫الحـديثيـة لمســــنـد ا مـام أحمـد بن حنبـل ‪ .)417 /33‬وأوردهـا أبو داود بلف اقرتوا ي على‬
‫موتاكم» وهذا لف ابن العالء في ســـنن أبي داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب القراءة عند الميت‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪ ،)3121‬وقال األلباني‪ :‬ضعيف‪ .‬ضعيف سنن أبي داود]‪.‬‬
‫‪ )8‬قـال محقق المســــنـد‪ :‬إســــنـاده ضـــــعيف؛ لىهـالـة أبي عثمـان وأبيـه‪ .‬ونقـل الحـاف ابن حىر في‬
‫‪ )104 /2‬عن ابن القجـان أنـه أعلـه‪ ،‬ونقـل عن أبي بكر بن العربي‪ ،‬عن الـدارقجني‪،‬‬ ‫التلخي‬
‫‪311‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الـدليـل الراب ‪ :‬قـال ﷺ‪ :‬من مر بـالمقـابر وقرأ إحـدن عشـــــرة مرة قـل هو هللا‬
‫أحد‪ ،‬ثم وهب أىره األموات أعجي من األىر بعدد األموات» ‪.)1‬‬
‫الدليل الخام ‪ :‬كانت األنصـار إذا مات فيهم ميت‪ ،‬اختلفوا إلى قبره‪ ،‬يقرتون‬
‫عنده القرآن» ‪.)2‬‬
‫القول الثال ‪ :‬تحريم القراءة عند القبر مجلقًا‪:‬‬
‫قال شـــــيإل ا ســـــالم‪ :‬وأما القراءة الدائمـة على القبور‪ ،‬فلم تكن معروفة عند‬
‫الســلف‪ ،‬وقد تنا ع النا في القراءة على القبر‪ ،‬فكرهها أبو حنيفة ومالك‪ ،‬وأحمد في‬
‫أكثر الروايات عنه ‪.)3‬‬
‫قال عبد هللا‪ :‬ســــهلت أبي عن الرىل يحمل معه المصــــحف إلى القبر يقرأ‬
‫عليه‪ .‬قال‪ :‬هذه بدعة‪ .‬قلت ألبي‪ :‬وإن كان يحف القرآن يقرأ؟‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬يىيء ويسـلم‪،‬‬
‫ويدعو‪ ،‬وينصــرف‪ .‬ال يارة بعد حين رخ النبي ﷺ فيها‪ .‬يقولون ذاك» ‪ .)4‬قال في‬

‫أنه قال‪ :‬هذا حدي ضــعيـــــــف ا ســناد‪ ،‬مىهول المتن‪ ،‬وال يصــح في الباب حدي ‪ ،‬وأخرىه‬
‫الجبراني ‪ ،)510 /20‬والحاكم ‪ )565 /1‬من جريق عارم محمد بن الفضــــل بهذا ا ســــناد‪،‬‬
‫‪ ،)253 ،252 /‬وابن أبي شــيبة‬ ‫وأخرىه الجيالســي ‪ ،)931‬وأبو عبيد في فضــائل القرآن‬
‫‪ ،)237 /3‬وأبو داود ‪ ،)3121‬وابن مــاىــه ‪ ،)1448‬والنســــــائي في عمــل اليوم والليلــة‬
‫‪ ،)1074‬وابن حبـان ‪ ،)3002‬والبيهقي ‪ ،)383 /3‬والبغوي ‪ )1464‬من جريق عن عبـد‬
‫هللا بن المبارك به‪ ،‬ولم يسـم الجيالسـي أبا عثمان‪ ،‬وإنما قال‪ :‬عن رىل عن أبيه‪ ،‬وبعضـهم لم يقل‬
‫‪ .])148 ،147 /‬قد ضــعفت‬ ‫فيه‪ :‬عن أبيه‪[ .‬ان ر‪ :‬الموســوعة الحديثية لمســند ا مام أحمد‬
‫اللىنة الدائمة للبحو في المملكة هذا الحدي ‪[ .‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪.])42 /9‬‬
‫‪ )1‬ان ر‪ :‬كشـــــف الخفـاء وم يـل ا لبـا حـديـ رقم‪ ،)371 /2 ،)2630 /‬قـال العىلوني‪ :‬رواه‬
‫الرافعي في تاريخه‪ ،‬عن علي‪ .‬كشـــــف الخفاء وم يل ا لبا عما اشـــــتهر من األحادي على‬
‫ألسـنة النا ‪ .‬لإلمام‪ :‬إسـماعيل العىلوني‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد القالع‪ .‬وقال األلباني‪ :‬حدي موضـوع‪.‬‬
‫ثم أجال في بيان وضــعه‪[ .‬ان ر‪ :‬ســلســلة األحادي الضــعيفة والموضــوعة‪ ،)452 /3 ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.])502 /‬‬ ‫‪ ،)1290‬وقال بكر أبو يد‪ :‬والحدي موضوع‪ .‬تصحيح الدعاء‬
‫‪ .)66 /‬قال األلباني‪ :‬فنحن في‬ ‫‪ )2‬أورده ابن القيم في الرو وقال‪ :‬ذكره الخالل عن الشـعبي‪،‬‬
‫شــك من ثبوت ذلك عن الشــعبي بهذا اللف ‪ ،‬فقد رأيت الســيوجي قد أورده في شــر الصــدور)‬
‫‪ ،)15 /‬بلف ‪ :‬كانت األنصار يقرتون عند الميت سورة البقرة»‪ .‬وقال‪ :‬رواه ابن أبي شيبة‬
‫والمرو ي‪ .‬وأورده في باب ما يقول ا نســـان في مرس الموت‪ ،‬وما يقرأ عنده)‪ .‬ثم رأيته في‬
‫المصــنف البن أبي شــيبة ‪ ،)74 /4‬وترىم له بقوله‪ :‬باب ما يقال عند المريس إذا حضــر»‪.‬‬
‫‪.])244 /‬‬ ‫[ان ر‪ :‬أحكام الىنائ‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬مىموع فتـاون ابن تيميـة ‪ ،)301 ،317 /24‬واالقتضـــــاء ‪ ،)343 /2‬والفروع ‪/2‬‬
‫‪ ،)458 /‬تحقيق‪ :‬األلباني‪.‬‬ ‫‪ ،)304‬وشر العقيدة الجحاوية‬
‫‪.)145 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬مسائل ا مام أحمد رواية ابنه عبد هللا‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪312‬‬

‫المغني‪ :‬وروي عنـه ‪-‬يعني أحمـد‪ -‬أنـه قـال‪ :‬القراءة عنـد القبر بـدعـة» ‪ .)1‬وعن أبي‬
‫داود ‪ )2‬قال‪ :‬سئل ا مام أحمد عن القراءة عند القبر‪ ،‬فقال‪ :‬ال ‪.)3‬‬
‫وقال مالك‪ :‬ما علمت أحدًا يفعل ذلك» فعلم أن الصـــحابة والتابعين ما كانوا‬
‫يفعلونه ‪ .)4‬وقال ابن الحا ‪ :)5‬وال يقرأ عند قبر الميت لما تقدم من شـــغله بما ذكر‬
‫من االعتبار‪ ،‬وقراءة القرآن يحتا صـــاحبها إلى التدبر وإحضـــار الفكرة فيما يتلوه‪،‬‬
‫وفكر ثان في قلـب واحد في محـل واحد ال يىتمعـان‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬أنا أعتبر في وقت‪،‬‬
‫وأقرأ في وقـت آخر‪ ،‬والقراءة إذا قرئـت تن ل الرحمـة إذ ذاك‪ ،‬فلعـل أن يلحق الميـت‬
‫من تلك الرحمة شيء ينفعه‪ ،‬فالىواب عنه من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن السنة لم ترد بذلك‪ ،‬وكفى بها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬شــغله بما تقدم من الفكرة واالعتبار في حال الموت‪ ،‬وســتال الملكين‬
‫وغير ذلـك‪ ،‬والوقـت محـل هـذا فقج‪ ،‬وال يخر من عبـادة إلى عبـادة أخرن‪ ،‬الســــيمـا‬
‫ألىل الغير‪.‬‬
‫الثال ‪ :‬أنه لو قرأ في بيته وأهدن إليه لوصـلت‪ ،‬وكيفية وصـولها‪ :‬أنه إذا فر‬
‫من تالوته وهب ثوابها له‪ ،‬أو قال‪ :‬اللهم اىعل ثوابها له‪ ،‬فإن ذلك دعاء بالثــــــــواب؛‬
‫ألنه يصــــل إلى أخيه‪ ،‬والدعــــاء يصل بال خالف‪ ،‬وإذا كان ذلك‪ ،‬فال يحتا أن يقرأ‬
‫على القبر‪ ،‬وهذا عند من أىا وا إهداء القراءة‪.‬‬
‫الراب ‪ :‬أنه قد تكون قراءة القرآن على قبره ســببًا لعذابه‪ ،‬أو ل يادته منه؛ ألنه‬
‫كلمـا مرت بـه آيـة لم يعمـل بهـا‪ ،‬فيقـال لـه‪ :‬أمـا قرأتهـا؟ أمـا ســـــمعتهـا؟ فكيف خـالفتهـا؟‬
‫فيعذب أو ي اد في عذابه ألىل مخالفته لها‪ ،‬كما نقل عن بعس من اتصـف بشـيء مما‬
‫ذكر‪ ،‬أنـه رتي في عـذاب ع يم‪ ،‬فقيـل لـه‪ :‬أمـا تنفعـك القراءة التي تضقرأ عنـدك ً‬
‫ليال‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬المغني ‪.)518 /3‬‬


‫‪ )2‬هو ا مام سـليمان بن األشـع بن شداد األ دي السىستياني ولد سنة ‪202‬هــــــ)‪ ،‬له مصنفات‪،‬‬
‫منها‪ :‬كتاب سنن أبو داود توفي ‪ −‬سنة ‪275‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])203 /13‬‬
‫‪ ،)158 /‬كتاب مسائل ا مام أحمد لإلمام أبي داود‪ ،‬قدم له‪ :‬السيد محمد رشيد رضا‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫‪ )4‬االقتضاء ‪.)744 /2‬‬
‫‪ )5‬هو محمـد بن محمـد بن محمـد ابن الحـا أبو عبـد هللا‪ ،‬ســـــم الموجـه من الحـاف األســـــعردي‪،‬‬
‫وحد به وغيره وله من الكتب‪ :‬المدخل‪ ،‬وهو كثير الفوائد‪ ،‬كشـــف فيه عن معايب وبدع يفعلها‬
‫النا ‪ ،‬توفي سنة ‪737‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ .)237 /4 :‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة]‪.‬‬
‫‪313‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ونهارا؟ فقال‪ :‬إنها ســبب ل يادة عذابي‪ ،‬وذكر ما تقدم ســواء بســواء» ‪ ،)1‬وإن كان ال‬ ‫ً‬
‫يسلم لهذا القول لعدم صحة السماع‪ ،‬وإال لما ثبت له الدليل‪.‬‬
‫وســــئلت اللىنة الدائمة في المملكة العربية الســــعودية عن هذا العمل‪ :‬فبينت‬
‫بدعيته ‪ ،)2‬كما بين بدعيتها الشـيإل محمد بن صـالح العثيمين ‪ .)3‬ومسـتند هتالء العلماء‬
‫في تحريم وتبدي هذا الفعل‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫أنـه لم يثبـت عنـه ﷺ مثـل هـذا الفعـل‪ .‬والرســـــول ﷺ هو أعلم الخلق بـالحالل‬
‫والحرام‪ ،‬ولم يفعـل هذا‪ ،‬ولم يهمر به‪ ،‬كذلك أصــــحـابـه‪ ،‬وهم أعلم النا بهديه ﷺ‪ ،‬أن‬
‫الرسـول ﷺ أرشـدهم إلى ما يقولون عند يارة القبور‪ ،‬ولم يصـح أنه قال لهم ولو مرة‬
‫واحدة‪ :‬اقرتوا‪ ،‬أو أرشدهم إلى ذلك‪.‬‬
‫إن ااثـار التي وردت في القراءة ال تصـــــح‪ ،‬وهي تتـهرىح بين الوضــــ‬
‫والضعف‪.‬‬
‫قبورا‪ ،‬فدل‬
‫ً‬ ‫إن الرســول ﷺ ندب الصــالة في البيوت‪ ،‬ونهى أن تىعل البيوت‬
‫على أن المقـابر ال تتدن فيهـا من العبـادات إال مـا ثبـت نفعهـا‪ ،‬واحتـا إليهـا الميـت‪،‬‬
‫وهي‪ :‬دفنه‪ ،‬والصـالة عليه لمن فاتته الصـالة‪ ،‬والدعاء له بالتثبيت‪ ،‬وكذلك السـالم إذا‬
‫دخل المقابر؛ لورود ن ‪ .‬وما عدا ذلك فلي بىائ ‪.‬‬
‫الترىيح ومناقشــة األقوال‪ :‬وبعد هذه الىولة‪ ،‬يســتحســن مناقشــة هذه األقوال‪،‬‬
‫وبيــان الراىح منهــا‪ :‬فــالقول األول الــذي أىــا القراءة عنــد الــدفن‪ ،‬وقيــده بوقــت‬
‫مخصـو ‪ ،‬انجلق من خالل بعس األحادي التي هر ضـعفها وهو خبر وصـية ابن‬
‫عمر ‪ )4‬وخبر أبي أمامة الباهلي ‪ ،)5‬وىميعها ال تقوم بها حىة؛ ألن الحدي الضعيف‬
‫ال يثبـت بـه حكم شـــــرعي‪ ،‬وأمـا الفريق ااخر الـذي أىـا ه مجل ًقـا؛ فقـد اعتمـد على أدلـة‬
‫عا‪ ،‬وهو حدي ‪ :‬من ار المقابر) وأضاف‬ ‫الفريق األول‪ ،‬وأضاف إليها حديثًا موضو ً‬
‫إليه حدي اقرتوا سورة ي )‪ ،‬وهذا الحدي البد من الوقوف معه وقفات‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬إن الحدي ضعيف‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لو كان الحدي صـحي ًحا‪ ،‬فإنه ال يحتج به في موضـ االسـتشـهاد‪ ،‬فنىد‬
‫أن الحـاف أبـا داود بوب لـه‪ :‬بـاب القراءة عنـد الميـت) كمـا في كتـاب الىنـائ ‪ ،‬بـل نىـد‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬المدخل ‪.)192 /2 ،1‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪ )39 /9‬فتون رقم‪.)1333 /‬‬
‫علي بن حســـــن أبو‬ ‫‪ ،)38 /‬بـدع النـا في القرآن‪ .‬إعـداد‪ :‬أبو أن‬ ‫‪ )3‬بـدع النـا في القرآن‬
‫لو ‪.‬‬
‫‪.)466 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪.)467 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪314‬‬

‫أن ابن ماىه بوب له باب أصـر حي بوب له في كتاب الىنائ ‪ :‬باب فيما يقال عند‬
‫المريس إذا حضـــــر) فهمـا في هـذا أ هرا بـهن قراءة ي لو ىـا ت؛ فـإنهـا تقـال عنـد‬
‫المحتضـــر‪ ،‬وليســـت عند القبر‪ ،‬أو عند يارة المقابر‪ ،‬ولذا قال في عون المعبود عند‬
‫شـــر الحدي ‪ :‬على موتاكم» أي الذي حضـــرهم الموت‪ .‬ولعل الحكمة في قراءتها‬
‫أن يستهن المحتضر بما فيها من ذكر هللا وأحوال القيامة والبع » ‪.)1‬‬
‫ولو فهم الصــــحـابـة أن اقرتوا ي عنـد موتـاكم) أن يقرتوهـا على القبور؛‬
‫لكانوا أســـــبق النا إلى تنفيذها‪ ،‬ولنضقل لنا ذلك عنهم ً‬
‫نقال صـــــحي ًحا‪ ،‬كما نضقلت عنهم‬
‫سـائر األحكام‪ .‬والحاصـل‪ :‬أن قراءة القرآن في المقابر سـوا ًء عند ال يارة أو عند الدفن‬
‫ال تىو بحال من األحوال‪ ،‬وهي بدعة‪ ،‬وعلى المســـلم إذا ار القبور أن يلت م بهديه‬
‫ﷺ الذي أرشــــد األمة إلى ما يقولون في يارة القبور‪ ،‬وعلمهم ااداب واألدعية التي‬
‫يقولونهـا عنـد يـارة القبور‪ ،‬ولم يـذكر فيهـا اســـــتحبـاب القراءة أو النـدب إليهـا‪ .‬والـذي‬
‫تميل إليه النف بدعية هذا العمل وحرمته‪ ،‬وبخاصةً أن النا قد توسعوا به من خالل‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ ) 1‬اســـــتئىـار قوم يقرتون القرآن‪ ،‬ويهدونه للميت‪ .‬وال شـــــك أن هذا العمل‬
‫بدعي‪ ،‬حيـ أن قارى القرآن الذي تم اســـــتئىـاره من أىل أن يقرأ القرآن‪ ،‬ثم يضدف له‬
‫ثمن القراءة مقابل أن يثوب هذه القراءة للميت ال تصـل قراءته‪ ،‬كما قال شـيإل ا سـالم‪:‬‬
‫اســـتئىار النا ليقرتوا‪ ،‬ويهدوه إلى الميت؛ لي بمشـــروع‪ ،‬وال اســـتحبه أحد من‬
‫العلماء‪ ،‬فإن القرآن الذي يصل ما قرى هلل‪ .‬فإذا كان قد استتىر للقراءة هلل‪ ،‬والمستهىر‬
‫لم يتصدق عن الميت‪ ،‬بل استهىر من يقرأ عبادة هلل تعالى‪ ،‬لم يصل إليه» ‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي الع ‪ :‬وأما استئىار قوم يقرتون القرآن‪ ،‬ويهدونه للميت؛ فهذا‬
‫لم يفعله أحد من السـلف‪ ،‬وال أمر به أحد من أئمة الدين‪ ،‬وال رخ فيه‪ ،‬واالسـتئىار‬
‫على نف التالوة غير ىائ بال خالف‪ ،‬وإنما اختلفوا في ىوا االستئىار على التعليم‬
‫ونحوه‪ ،‬مما فيه منفعة تصـل إلى الغير‪ .‬والثواب ال يصـل إلى الميت إال إذا كان العمل‬
‫هلل‪ ،‬وهذا لم يق عبادة خالصة‪ ،‬فال يكون ثوابه مما يهدن إلى الموتى» ‪.)3‬‬
‫وقد أفتى ىم من أهل العلم بحرمة االستئىار ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬عون المعبود شر سنن أبي داود ‪.)390 /8‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن تيمية ‪.)300 /24‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬شر الجحاوية ألبي الع ‪ ،‬تحقيق‪ :‬التركي ‪.)673 ،672 /2‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬المىموع ‪ )278 /15‬واالختيـار في تعليـل المختـار ‪ )101 /5‬فتـاون اللىنـة الـدائمـة ‪/9‬‬
‫‪.)66 /‬‬ ‫‪ ،)40‬وان ر‪ :‬شر الصدور ببيان بدع القبور‪،‬‬
‫‪315‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )2‬وضــــ المصـــــاحف في المقـابر؛ حيـ اعتيـد في بعس البلـدان وضــــ‬


‫المصـــــاحف من أىـل أن يقرأ بهـا النـا القرآن‪ ،‬من أىـل نف األموات‪ ،‬إمـا بـإهـداء‬
‫القراءة‪ ،‬أو بهىر االســتماع‪ ،‬قال شــيإل ا ســالم‪ :‬وأما ىعل المصــحف عند القبور‪،‬‬
‫وإيقـاد القنـاديـل هنـاك‪ ،‬فهـذا مكروه منهي عنـه‪ ،‬ولو كـان قـد ضىعـل للقراءة فيـه هنـالـك‪،‬‬
‫فكيف إذا لم يضقرأ فيه؟» ‪.)1‬‬
‫بل بين ا مام أحمد بدعية حمل المصحف إلى المقابر ‪.)2‬‬
‫وقـال محمـد رشــــيـد رضـــــا ‪ :)3‬كـل مـا ىرت بـه العـادة‪ :‬من قراءة القرآن‪،‬‬
‫واألذكار‪ ،‬وإهداء ثوابها إلى األموات‪ ،‬واســــتئىار القراء‪ ،‬وحب األوقاف على ذلك‪،‬‬
‫بدع غير مشـروعة‪ ،‬ومثلها ما يسـمونه إسـقاج الصـالة‪ ،‬ولو كان لها أصـل في الدين لما‬
‫ىهلها السلف‪ ،‬ولو علموها‪ ،‬لما أهملوا العمل بها» ‪.)4‬‬
‫وهكذا تولد كل بدعة بدعة‪ ،‬فتحيا البدع وتموت السـنن‪ .‬ونخل مما سـبق إلى‬
‫حرمة قراءة القرآن مجلقًا‪ ،‬وبهنه بدعة حادثة من بعد عصــــر النبوة‪ ،‬وهذا يقتضــــي‬
‫تحريم ىمي الوســــائل المتدية إليها كوضـــ المصــــاحف في المقابر‪ ،‬أو اســــتئىار‬
‫المقرئين‪ .‬وهللا أعلم وأحكم‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن تيمية ‪ ،)300 /24‬وان ر‪ :‬الفروع ‪.)305 /2‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مسائل ا مام أحمد البنه عبد هللا‪ ،‬مسهلة رقم‪.)544 /‬‬
‫‪ )3‬هو محمد بن رشــيد بن علي بن رضــا البغدادي األصــل‪ ،‬ولد في جرابل عام ‪1282‬هـــــــ)‪،‬‬
‫وهاىر إلى مصـر ‪1315‬هــــــ)‪ ،‬وتتلمذ على يد محمد عبده‪ ،‬أنشـه مىلة المنار‪ ،‬من أهم آثاره‪:‬‬
‫تفسير المنار‪ ،‬توفي في القاهرة عام ‪1345‬هـ)‪ ،‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.)126 /6‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ )249 /8 :‬تفسير المنار‪ ،‬تهليف‪ :‬السيد رشيد رضا‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪316‬‬

‫المبح الثاني‬
‫الوع واألذان‬
‫* المجلب األول‪ :‬الموع ة عند القبر‪:‬‬
‫فقـد ثبـت عنـه ﷺ أنـه وع عنـد القبر‪ ،‬ولكن كثر كالم النـا حولهـا‪ ،‬فهـل هي‬
‫سنة دائمة؟‬
‫سنة أم ليست ب ض‬
‫ض‬
‫القول األول‪ :‬بسنية الوع عند القبر‪ ،‬واألدلة على هذا ما يلي‪:‬‬
‫عن علي ‪ ‬قال‪ :‬كنا في ىنا ة في بقي الغرقد‪ ،‬فهتانا النبي ﷺ فقعد‪ ،‬وقعدنا حوله‪،‬‬
‫ومعه مخصـرة ‪ )1‬فنك ‪ ،)2‬فىعل ينكت بمخصـرته‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما منكم من أحدٍ‪ ،‬ما من‬
‫نف منفوســـة إال كتب مكانها من الىنة والنار‪ ،‬وإال قد كتبت شـــقية أو ســـعيدة‪ .‬فقال‬
‫رىل‪ :‬يا رسـول هللا أفال نتكل على كتابنا وندع العمل‪ ،‬فمن كان منا من أهل السـعادة‪،‬‬
‫فسيصير إلى عمل أهل السعادة‪ ،‬وأما من كان منا من أهل الشقاوة‪ ،‬فسيصير إلى عمل‬
‫الشـقاوة؟‪ .‬قال‪ :‬أما أهل السـعادة فيسـيرون لعمل السـعادة‪ ،‬وأما أهل الشـقاوة فيسـيرون‬
‫لعمل الشقاوة‪ ،‬ثم قرأ (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الليل‪.)3 »]5:‬‬
‫قــال ابن بجــال‪ :‬فيــه ىوا القعود عنــد القبور‪ ،‬والتحــد عنــدهــا بــالعلم‬
‫والمواع » ‪.)4‬‬
‫قـال الحـاف في ترىمـة البـاب‪ :‬قولـه بـاب موع ـة المحـد عنـد القبر وقعود‬
‫أصـحابه حوله»‪ :‬كهنه يشـير إلى التفضـيل بين أحوال القعود‪ ،‬فإن كان لمصـلحة تتعلق‬
‫بالحي أو الميت لم يكره‪ ،‬ويحمل النهي الوارد عن ذلك على ما يخالف ذلك» ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬هي عصــا أو قضــيب يمســكه الرئي ليتو َّكه عليه‪ ،‬ويدف به عنه‪ ،‬ويشــير به لما يريد‪ .‬وســميت‬
‫بذلك؛ ألنها تحمل تحت الخصــــر غالبًا لالتكاء عليها‪ .‬وفي اللغة‪ :‬اختصــــر الرىل‪ :‬إذا أمســــك‬
‫المخصرة‪[ .‬ان ر‪ :‬فتح الباري ‪.])505 /11‬‬
‫‪ )2‬فنك ‪ :‬أي‪ :‬أجرق‪ ،‬لخشــوعه وتفكره في أمر ااخرة‪ .‬ينكت‪ :‬يضــرب األرس بعود أو عصــا‬
‫يتثر فيها‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬الفتح ‪ )505 /11‬رقم‪ )6605 /‬وعمدة القارى ‪.])106 /7‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1362 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬رقم‪.)2647 /‬‬
‫‪ )348 /3 )4‬شر صحيح البخاري البن بجال‪.‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬الفتح ‪.)267 /3‬‬
‫‪317‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وعن البراء بن عـا ب ‪ )1‬قـال‪ :‬خرىنـا م النبي ﷺ في ىنـا ة رىـل من‬


‫األنصار‪ ،‬فانتهينا إلى القبر‪ ،‬ولما يضلحد‪ ،‬فىل رسول هللا ﷺ‪ ،‬وىلسنا حوله‪ ،‬كهن على‬
‫رتوسـنا الجير‪ ،‬وفي يده عود ينكت به في األرس‪ ،‬فرف رأسـه فقال‪ :‬اسـتعيذوا باهلل‬
‫من عـذاب القبر»‪ .‬مرتين أو ثالثـًا‪ ،‬ثم قـال‪ :‬إن العبـد المتمن إذا كـان في انقجـاع من‬
‫الدنيا وإقبال من ااخرة‪.)2 »...‬‬
‫وعن أبي سـعيد الخدري قال‪ :‬شهدت م رسول هللا ﷺ ىنا ة‪ ،‬فقال رسول هللا‬
‫ﷺ‪ :‬يـا أيهـا النـا ‪ ،‬إن هـذه األمـة تضبتلى في قبورهـا‪ ،‬فـإذا ا نســـــان دضفن‪ ،‬فتفرق عنـه‬
‫أصحابه‪ ،‬ىاءه ملك في يده مجراق‪ ،‬فهقعده‪.)3 »...‬‬
‫وهذه األدلة من الســـنة الثابتة‪ ،‬بل نىد أن هذه األحادي من أجول األحادي ‪،‬‬
‫بالذات حدي البراء الذي اقتجعت منه محل الشـــاهد‪ ،‬وهذا المنهج هو منهج الســـلف‬
‫الصــــالح‪ ،‬وقد ثبت عن كثير منهم مىل الوع عند القبر‪ ،‬وهذا موىود في الســــير‬
‫وفي الكتب التي تتحد عن القبور وأهوالها‪.‬‬
‫وقد أورد صــــاحب الحلية ‪ )4‬الكثير منها‪ ،‬ومنها الموع ة التي قالها عمر بن‬
‫عبـد الع ي ‪ ،‬وهي أن عمر بن عبـد الع ي شـــــي ىنـا ة‪ ،‬فلمـا انصـــــرف تـهخر عمر‬
‫وأصـــحابه ناحية عن الىنا ة‪ ،‬فقال له أصـــحابه‪ :‬يا أمير المتمنين‪ ،‬ىنا ة أتت وليها‪،‬‬
‫وتـهخرت عنهـا فتركتهـا؟ فقـال نعم! نـاداني القبر من خلفي يـا عمر بن عبـد الع ي ‪ ،‬أال‬
‫تسهلني ما صنعت باألحبة؟ قلت بلى! قال خرقت األكفان‪ ،‬وم قت األبدان‪ ،‬ومصصت‬
‫الدم‪ ،‬وأكلت اللحم‪ ،‬أال تسـهلني ما صـنعت باألوصال؟‪ .‬قلت بلى! قال ن عت الكفين من‬
‫الذراعين‪ ،‬والذراعين من العضــدين‪ ،‬والعضــدين من الكتفين‪ ،‬والوركين من الفخذين‪،‬‬
‫والفخذين من الركبتين‪ ،‬والركبتين من الســـاقين‪ ،‬والســـاقين من القدمين‪ ،‬ثم بكى عمر‬
‫فقال‪ :‬أال إن الدنيا بقاتها قليل‪ ،‬وع ي ها ذليل‪ ،‬وغنيها فقير‪ ،‬وشــــبابها يهرم‪ ،‬وىيهها‬

‫بدرا لصـغر سـنه‪ ،‬شـهد م النبي ﷺ‬


‫‪ )1‬هو البراء بن عا ب بن مالك األوسـي األنصـاري‪ ،‬لم يشـهد ً‬
‫سنة ‪72‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬ا صابة ‪ )411 /1‬ترىمة رقم‪.])611 /‬‬ ‫‪‬‬ ‫خم عشرة غ وة‪ ،‬مات‬
‫‪ )2‬والحدي بجوله‪ ،‬أخرىه أحمد ‪ ،)499 /30‬رقم‪ ،)18534 /‬وقال محقق المســــند‪ :‬إســــناده‬
‫صـحيح‪ .‬وأخرىه أبوداود‪ ،‬رقم‪ ،)3212 /‬وقال األلباني‪ :‬إسـناده صـحيح‪[ .‬ان ر‪ :‬صـحيح سـنن‬
‫أبي داود‪ ،‬كتاب الىنائ ‪ ،‬باب الىلو عند القبر‪ ،‬رقم‪.])3212 /‬‬
‫‪ )3‬والحـديـ بجولـه‪ ،‬أخرىـه أحمـد ‪ ،)32 /17‬رقم‪ ،)11000 /‬وقـال محقق المســـــنـد‪ :‬حـديـ‬
‫صــحيح‪ ،‬وإســناده حســن‪[ .‬ان ر‪ :‬الموســوعة الحديثية للمســند ‪ ،)32 /17‬وأورده الهيثمي في‬
‫المىم ‪ ،‬وقال‪ :‬رواه أحمد‪ ،‬والب ار‪ ،‬ورىاله رىال الصحيح‪.])48 /3 .‬‬
‫‪ )4‬هو أحمد بن عبد هللا بن أحمد األصبهاني أبو نعيم‪ ،‬ولد سنة ‪336‬هـــــ)‪ ،‬له عدد من الكتب من‬
‫أشهرها‪ :‬حلية األولياء‪ ،‬توفي سنة ‪430‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])453 /71‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪318‬‬

‫يموت‪ ،‬فال يغرنكم إقبالها م معرفتكم بســـرعة إدبارها‪ ،‬والمغرور من اغتر بها‪ ،‬أين‬
‫ســـكانها الذين بنو حدائقها‪ ،‬وشـــققوا أنهارها وغرســـوا أشـــىارها‪ ..‬إلى نهاية خجبته‬
‫المتثرة الجويلة ‪.)1‬‬
‫بســــنيـة الوع عنـد القبر‪ ،‬هو قول عـامـة أهـل العلم‪ ،‬بـل لم أىـد من‬ ‫والقول ض‬
‫ســـنتيها عالمة العصـــر‪ ،‬العالمة ا مام‬ ‫ســـنيتها‪ .‬وممن يرن ض‬‫المتقدمين من ناقع في ض‬
‫الراحل الشيإل عبد الع ي بن با في كثير من دروسه ولقاءاته‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ىوا ها‪ .‬وهذا ما قاله محد العصــر العالمة محمد بن ناصــر‬
‫الـدين األلبـاني ممن يرون ىوا الوع واســــتـدل بحـديـ البراء‪ ،‬حيـ قـال‪ :‬ويىو‬
‫الىلو عنده أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده ‪.)2‬‬
‫س ـنيته‪ ،‬وإنما ىوا ها إذا خلت من أســلوب الخجابة‪ ،‬وإنما‬ ‫القول الثال ‪ :‬عدم ض‬
‫ً‬
‫وردت بهســلوب المىال ‪ ،‬وهذا هو قول الشــيإل محمد صــالح العثيمين معلقا على ما‬
‫أورده ا مام النووي في كتابه رياس الصالحين‪ ،‬باب الموع ة عند القبر؛ حي أورد‬
‫حـديـ علي‪ ،‬حيـ قـال‪ :‬كنـا في ىنـا ة في بقي الغرقـد ‪ ،)3‬فـهتـانـا رســـــول هللا ﷺ‪ ،‬فقعـد‬
‫‪.)4‬‬
‫حيـ قـال ‪ : −‬هـذه هي الموع ـة عنـد القبر‪ ،‬أمـا أن يقوم القـائم عنـد القبر‬
‫يتكلم كهنه يخجب‪ ،‬فهذا لم يكن من هدن الرســول ﷺ‪ ،‬ولي من هدن الرســول ﷺ أن‬
‫الســنة أن تفعل كما‬‫الســنة‪ ،‬ض‬
‫ا نســـان يقف بين النا يتكلم كهنه يخجب‪ ،‬هذا لي من ض‬
‫ىلوســـا ولم يضدفن الميت‪ ،‬فاىل في انت ار‬ ‫ً‬ ‫فعل الرســـول هللا ﷺ فقج‪ ،‬إذا كان النا‬
‫دفنـه‪ ،‬وتحـد في المىـال حـديث ًـا عـاديـًا‪ ،‬بعس النـا أخـذ من هـذه الترىمـة‪ ،‬ترىمـة‬
‫النووي ‪ −‬وقد ترىم بمثلهـا قبلـه البخـاري في صـــــحيحه‪ :‬باب الموع ة عند القبر»‬
‫أخذ من هذا أن يكون خجيبًا في النا يخجب النا برف الصـوت‪ ،‬ويا عباد هللا‪ ،‬وما‬
‫أشبه ذلك من الكلمات التي تقال في الخجب‪ ،‬وهذا فهم خاجس غير صحيح‪ ،‬فالموع ة‬
‫عند القبر تضقيد بما ىاء في ض‬
‫السـ ـنة فقج؛ لئال تتخذ المقابر منابر‪ ،‬فالمواع هادئة يكون‬

‫‪ )1‬ان ر‪ )263 ،261 /5 :‬حلية األولياء وجبقات األصفياء‪ ،‬لإلمام الحاف أبي نعيم األصفهاني‪.‬‬
‫‪.)198 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ وبدعها‬
‫‪ )3‬البقي هو الموق المعروف اان في المدينة وهو مدفن األموات هناك‪ ،‬والغرقد نوع من الشــىر‬
‫معروف‪ ،‬وســمي بقي الغرقد؛ لكثرة وىود هذا النوع من الشــىر به‪[ .‬ان ر‪ ،)209 /3 :‬شــر‬
‫رياس الصالحين للشيإل محمد بن عيثمين]‪.‬‬
‫‪.)481 /‬‬ ‫‪ )4‬سبق تخريىه‬
‫‪319‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ىالسـا وبدون صـبحكم ومسـاكم‪ ،‬لكن فضـل هللا يتتيه من يشـاء‪ ،‬فبعس‬ ‫ً‬ ‫ا نسـان فيها‬
‫ً‬
‫النا يفهم شــيئا من النصـو فهي غير مراد بها‪ ،‬وهللا يهدي من يشــاء إلى صــراج‬
‫مستقيم» ‪.)1‬‬
‫الترىيــــح‪ :‬والمتهمل في هذه األقوال يىد أنها متفقة على ىوا الموع ة عند‬
‫سـنة ثابتة‪ ،‬أو أنها عندما تكون هناك حاىة أو فرصـة‬ ‫القبر‪ ،‬ولكن االختالف في كونها ض‬
‫‪-‬م شــرج االبتعاد عن أســلوب الخجابة‪ -‬وإنما تقال بهســلوب الحدي العادي المتثر‬
‫سنة‪ ،‬يىب أال يختلف فيها اثنان؛ لثبوتها عن الرسول‬ ‫الهادي‪ .‬والصواب‪ :‬أن الموع ة ض‬
‫ﷺ‪ .‬والفعل إذا ثبت عن الرســول ﷺ ولو لمرة واحدة‪ ،‬ولم يىد ما يخالفه؛ يىب العمل‬
‫سنة‪.‬‬
‫سنة فهو ض‬
‫به‪ ،‬فإن كان واىبًا فهو واىب‪ ،‬وإن كان ض‬
‫الســـنية‪ ،‬فإن ال ضحىة بفعله ﷺ وقوله‪ .‬وعدم‬
‫وعدم نقل فعل الصـــحابة ال يلغي ض‬
‫ســنة الســلف الصــالح‪ ،‬وعمل أهل ا يمان؛‬ ‫ثبوت النقل ال ينفي عدم حدوثه‪ .‬والوع ض‬
‫ولكن على الواع االبتعـاد عن التكلف‪ ،‬وأن يـهخـذ من هـدي النبي ﷺ في الوع عنـد‬
‫القبر‪ ،‬وأن يضراعى الموقف وإقبال القلوب‪ ،‬وبهذا تىتم األقوال‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬األذان وا قامة عند القبر‪:‬‬
‫ومن البـدع الحـادثـة مـا يفعلـه كثير من الىهـال من األذان وا قـامـة عنـد القبر‪،‬‬
‫نًا منهم أن ذلك ينفعه‪ ،‬وهتالء لو علموا معنى األذان وسـببه‪ ،‬لما فعلوا ذلك إن كانوا‬
‫للســـنة متبعين‪ ،‬فاألذان هو ا عالم بدخول وقت الصــــالة‪ .‬قال ابن الملقن‪ :‬هو ذكر‬ ‫ض‬
‫‪)2‬‬
‫مخصو ‪ ،‬ش عرع في األصل لإلعالم بدخول وقت الصالة المفروضة» ‪.‬‬ ‫ض‬
‫قال ابن حىر‪ :‬هو ا عالم بوقت الصالة بهلفا مخصوصة» ‪.)3‬‬
‫قال ابن عثيمين‪ :‬هو التعبد هلل بذكر مخصــــو بعد دخول وقت الصــــالة‬
‫شـ عرع لإلعالم بدخول وقت الصـالة‪ ،‬ودعوة النا إليها‪ .‬فهو‬ ‫لإلعالم به» ‪ .)4‬فاألذان ض‬
‫ذكر له وقته وخاصــيته‪ .‬وما يتكد ذلك‪ ،‬ما أخرىه البخاري في صــحيحه‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫المســـلمون حين قدموا المدينة‪ ،‬يىتمعون فيتحينون الصـــالة‪ ،‬لي ينادن لها‪ ،‬فتكلموا‬
‫ناقوس ـا مثل ناقو النصــارن‪ ،‬وقال بعضــهم‪ :‬بل‬‫ً‬ ‫يو ًما في ذلك‪ ،‬فقال بعضــهم اتخذوا‬

‫ر‪ :‬شر رياس الصالحين ‪.)211 ،210 /3‬‬ ‫‪ )1‬ان‬


‫ر‪ :‬ا عالم بفوائد عمدة األحكام ‪.)419 /2‬‬ ‫‪ )2‬ان‬
‫ر‪ :‬فتح الباري ‪.)92 /2‬‬ ‫‪ )3‬ان‬
‫ر‪ :‬الشر الممت ‪.)47 /2‬‬ ‫‪ )4‬ان‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪320‬‬

‫بوقًا مثل قرن ‪ )1‬اليهود‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أوال تبعثون رى ًال ينادي بالصــالة‪ ،‬فقال رســول‬
‫هللا ﷺ‪ :‬يا بالل‪ ،‬قم فناد بالصالة» ‪.)2‬‬
‫شـ عرع من أىل الصـالة؛ لإلعالن بدخول وقتها‪ ،‬وح‬ ‫فهنا يتضـح بهن األذان ض‬
‫ضشـرع إال‬
‫ضشـرع في المقابر‪ ،‬وال الموالد‪ ،‬وال المتتم‪ ،‬بل ال ي َّ‬‫النا للحضـور إليها‪ ،‬ولم ي َّ‬
‫في الصـالة المفروضـة‪ ،‬فال ينادن بها لصـالة العيد‪ ،‬وال الكسـوف‪ ،‬وال الخسـوف‪ ،‬وال‬
‫شرعها هللا تعالى‪ ،‬وم ذلك فال يىو ا عالن‬ ‫االسـتسـقاء‪ ،‬وال الىنا ة‪ ،‬وهي صلوات َّ‬
‫بهـا وقو ًفـا على الن ‪ .‬والحـاصـــــل‪ :‬أن األذان عنـد إدخـال الميـت قبره بـدعـة‪ .‬وهي من‬
‫البدع الحادثة‪ ،‬ومما ن على بدعيته الشيإل عبد الع ي بن با ‪ ،‬حي قال عندما سئل‬
‫عن حكمه‪ :‬ال ريب أن ذلك بدعة ما أن ل هللا بها من ســـلجان؛ ألن ذلك لم ينقل عن‬
‫رسـول هللا ﷺ‪ ،‬وال عن أصحابه ﭫ‪ ،‬والخير كله في اتباعهم‪ ،‬وسلوك سبيلهم‪ ،‬كما قال‬
‫هللا تعـالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ) [التوبـة‪ .)3 ]100 :‬كـذلـك ا مـام األلبـاني ‪،)4‬‬
‫والشيإل محمد بن عثيمين ‪ ،)5‬والشيإل بكر أبو يد‪ ،‬حي قال‪ :‬األذان في أذن ع‬
‫الميت‪،‬‬
‫واألذان لإلعالم بـه‪ ،‬واألذان وا قـامـة عنـد إدخـالـه في قبره‪ ،‬واألذان عليـه في قبره‪،‬‬
‫وهذه بدع أرب ال أصل لواحدة منها» ‪.)6‬‬
‫كمـا أفتـت اللىنـة الـدائمـة للبحو ببـدعتيـه‪ ،‬حيـ قـالـت‪ :‬لم يثبـت عنـد النبي ﷺ‬
‫أنه شــــي ىنا ة م التهليل وال األذان بعد وضــــ لميت في لحده‪ ،‬وال ثبت ذلك عن‬
‫أصحابه ﭫ فيما نعلم‪ ،‬فكان بدعة محدثة‪ ،‬وهي مردودة» ‪.)7‬‬
‫وبهذا يتضـح لنا بدعية هذا الفعل‪ ،‬وعدم ىوا ه‪ ،‬ومخالفته لهدي النبي ﷺ عند‬
‫تشيي الىنائ ‪ .‬وهللا أعلم وأحكم‪.‬‬

‫‪ )1‬والبوق والقرن معروفـان‪ ،‬والمراد أنـه ينفإل فيـه‪ ،‬فيىتمعون عنـد ســــمـاع صـــــوتـه‪[ .‬ان ر‪ :‬فتح‬
‫الباري ‪.])96 /2‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)604 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬رقم‪.)377 /‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن با ‪.)757 /2‬‬
‫‪.)317 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ‬
‫‪.)9 /‬‬ ‫‪ )5‬ان ر‪ :‬فتاون التع ية‬
‫‪.)496 /‬‬ ‫‪ )6‬ان ر‪ :‬تصحيح الدعاء‬
‫‪ )7‬ان ر‪ ،)22 /9 :‬فتون رقم‪ )5782 /‬فتاون اللىنة الدائمة للبحو ‪.‬‬
‫‪321‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثال‬
‫الدعاء عند القبر‬
‫من األمور التي فشــت فيما بعد القرون المفضــلة‪ ،‬وانتشــرت‪ ،‬دعاء أصــحاب‬
‫القبور من دون هللا ىل وعال) بســبب اعتقاد الىهال بهن التوســل في أصــحاب القبور‬
‫مقرب إلى هللا لفى‪ ،‬فهتفوا بـهصــــحـاب القبور‪ ،‬وىروا على قواعـد وثنيـة بـدعوة غير‬
‫هللا‪ .‬ولعلنا في هذا المبح أن نصل إلى حكم هذا الفعل من خالل المجالب ااتية‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬إثبات أن الدعاء عبادة من خالل أدلة الكتاب والسنة‪:‬‬
‫أىل العبادات‪ ،‬فال يضرف إال هلل‪ ،‬وال يضدعى إال هللا‪ .‬فمن‬ ‫يعتبر الدعاء عبادة من ع‬
‫ـرعت دعاء‬ ‫تهمل نصــو الوحيين‪ ،‬لم يىد آية واحدة ندبت أو دعت أو أىا ت أو شـ َّ‬
‫غير هللا وال حـديثـًا؛ بـل أمر هللا عبـاده المتقين بـهال يـدعوا إال إيـاه‪ .‬وكـذلـك أمر رســـــولـه‬
‫فال يضدعى ملك مقرب‪ ،‬وال نبي مرسـل‪ ،‬وال ولي‪ ،‬بل يدعى هللا‪ .‬واألدلة كثيرة‪ ،‬سـهورد‬
‫ضا منها‪:‬‬‫بع ً‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ [غافر‪ .]60 :‬قال ابن كثير‬
‫‪ :−‬من فضله تبارك وتعالى وكرمه‪ :‬أنه ندب عباده إلى دعائه‪ ،‬وتكفل لهم با ىابة‪،‬‬
‫كما كان سـفيان الثوري ‪ )1‬يقول‪ :‬يا من أحب عباده إليه من سـهله فهكثر سـتاله‪ ،‬ويا من‬
‫أبغس عباده إليه من لم يســـهله‪ ،‬ولي أحد كذلك غيرك يا رب‪ .‬قال ابن كثير في هذا‬
‫المعنى‪:‬‬
‫ر يغضددددددب إن تركددت *** وبُني آدم حين يُسأل يغضب‬
‫سؤاله‬
‫وقوله‪ ( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [غافر‪.]60:‬‬
‫أي‪ :‬عن دعـائي وتوحيـدي‪ ( ،‬ﮢ ﮣ ﭪ ) [غـافر‪ ]60:‬أي‪ :‬صـــــاغرين حقيرين‪ ،‬ثم‬
‫ذكر قصـة رىل أنه قال‪ :‬كنت أسـير ذات يوم في أرس الروم‪ ،‬فسـمعت هاتفًا من فوق‬
‫رأ ىبـل وهو يقول‪ :‬يـا رب‪ ،‬عىبـت لمن عرفـك كيف يرىو أحـدًا غيرك! يـا رب‪،‬‬
‫عىبـت لمن عرفـك كيف يجلـب حوائىـه إلى أحـد غيرك!‪ .‬قـال‪ :‬ثم ذهبـت‪ ،‬ثم ىـاءت‬
‫الجـامـة الكبرن‪ ،‬قـال‪ :‬ثم عـاد الثـانيـة‪ ،‬فقـال‪ :‬يـا رب‪ ،‬عىبـت لمن عرفـك كيف يتعرس‬
‫لشـــيء من ســـخجك برضـــا غيرك!‪ .‬قال وهيب‪ :‬وهذه الجامة الكبرن‪ .‬قال‪ :‬فناديته‪:‬‬
‫أىني أنت أم إنسي؟‪ .‬قال‪ :‬بل إنسي‪ ،‬اشغل نفسك بما يعنيك عما ال يعنيك» ‪.)2‬‬

‫‪ )1‬هو ا مام سـفيان بن سـعيد بن مسـروق الثوري من همدان من أئمة المتمنين في الحدي ‪ ،‬رون‬
‫عن خلق من الثقـات‪ :‬كتـب عن ألف ومـائـة شـــــيإل‪ ،‬مـا كتـب عن أفضـــــل من ســـــفيـان‪ ،‬رون له‬
‫الىماعة‪ .‬توفي في البصرة سنة ‪161‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬تهذيب الكمال ‪ ،)154 /11‬ترىمة رقم‪.])2407 /‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير تفسير‪ ،‬سورة غافر آية ‪.)3086 ،3084 /7 60‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪322‬‬

‫وحدوني واعبدوني‪ ،‬أتقبل‬ ‫قال الشـــوكاني ‪ :−‬قال أكثر المفســـرين المعنى‪ :‬ع‬
‫عبادتكم وأغفر لكم‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالدعاء السـتال بىلب النف ودف الضـر‪ .‬قيل األول‬
‫أولى؛ ألن الـدعـاء في أكثر اســـــتعمـاالت الكتـاب الع ي هو العبـادة‪ .‬قلـت‪ :‬بـل الثـاني‬
‫عا هو الجلب‪ ،‬فإن اســــتعمل في غير ذلك‪ ،‬فهو‬ ‫أولى؛ ألن معنى الدعاء حقيقة وشــــر ً‬
‫مىا ‪ ،‬على أن الدعاء في نفسـه باعتبار معناه الحقيقي هو عبادة‪ ،‬فاهلل سـبحانه قد أمر‬
‫عبـاده بـدعـائـه‪ ،‬ووعـدهم بـا ىـابـة‪ ،‬ووعـده الحق‪ ،‬ومـا ي مضبـ مد ضل القول لـديـه‪ ،‬وال يخلف‬
‫الميعاد‪ .‬ثم صــر ســبحانه بهن هذا الدعاء باعتبار معناه الحقيقي وهو الجلب هو من‬
‫عبـادتـه‪ ،‬فقـال‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ) [غـافر‪ ]60:‬أي‪ :‬أذلـة صـــــاغرين‪ ،‬وهـذا وعيـد‬
‫شـــديد لمن اســـتكبر عن دعاء هللا‪ ،‬فيه لجف بعباده ع يم‪ ،‬إحســـان إليهم ىليل‪ ،‬حي‬
‫توعد من ترك جلب الخير منه واســــتدفاع الشــــر به بهذا الوعيد البالغ‪ ،‬وعاقبه بهذه‬
‫وعولوا في كل جلباتكم على من أمركم‬ ‫ع‬ ‫العقوبة الع يمة‪ .‬فيا عباد هللا وىهوا رغباتكم‪،‬‬
‫بتوىيهها إليه‪ ،‬وأرشـــدكم إلى التعويل عليه‪ ،‬وكفل لكم ا ىابة به بإعجاء الجلبة‪ .‬فهو‬
‫الكريم المجلق الـذي يىيـب دعوة الـداعي إذا دعـاه‪ ،‬ويغضـــــب على من لم يجلـب من‬
‫فضله الع يم وملكه الواس ما يحتاىه من أمور الدنيا والدين» ‪.)1‬‬
‫‪ -2‬قـال تعـالى‪( :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]186‬قال صـديق حسـن في تفسـير ااية‪ :‬أقبل عبادة من عبدني بدعاء؛ لما ثبت عنه ﷺ‬
‫من أن الدعاء هو العبـادة) ‪ .)2‬وال ـاهر أن ا ىابة هنا هي باقية على معناها اللغوي‪،‬‬
‫وكون الدعاء من العبادة ال يســــتل م أن ا ىابة هي القبول للدعاء‪ ،‬أي‪ :‬ىعله هنا هي‬
‫باقية على معناها اللغوي‪ ،‬وكون الدعاء من العبادة ال يســــتل م أن ا ىابة هي القبول‬
‫للـدعـاء‪ ،‬أي‪ :‬ىعلـه عبـادة متقبلـة‪ .‬فـا ىـابـة أمر آخر غير قبول هـذه العبـادة‪ ،‬والمراد‪ :‬أن‬
‫هللا ‪ ‬يىيب بما شــاء‪ ،‬وكيف شــاء‪ ،‬فقد يحصــل المجلوب قريبًا‪ ،‬وقد يحل بعيدًا‪ ،‬وقد‬
‫يدف عن الداعي من البالء ما ال يعلمـه بســــبـب دعائه‪ ،‬وهذا مقيـد بعـدم اعتـداء الداعي‬
‫في دعـائـه‪ ،‬كمـا في قولـه ســـــبحـانـه‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [األعراف‪ ]55 :‬ومن‬
‫االعتداء أن يجلب ماال يســتحقه‪ ،‬وال يصــلح له‪ ،‬كمن يجلب من لة في الىنة مســاوية‬
‫لمن لة األنبياء‪ ،‬أو فوقها ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬فتح القدير للشوكاني‪ ،‬تفسير سورة غافر آية ‪.)617 /40 60‬‬
‫‪.)403 /‬‬ ‫‪ )2‬سيهتي تخريىه‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬فتح البيان في مقاصد القرآن تفسير سورة البقرة آية ‪.)372 /1 ،186‬‬
‫‪323‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫واايـات في هـذا البـاب كثيرة‪ ،‬والمقـام لي مقـام إثبـات وىوب دعـاء هللا فقج‪،‬‬
‫بل ومقام إيراد األدلة التي تبين النهي الصرا ؛ حي ىاء في القرآن الكريم العديد من‬
‫اايـات التي تحـذر من دعـاء غير هللا‪ ،‬وتنهى عن ذلـك‪ ،‬وتخـاجـب أصــــحـاب األفئـدة‬
‫والعقول بهن عليهم أال يدعوا غيره‪ ،‬وال يلىتوا إلى سواه ومن هذه األدلة‪:‬‬
‫‪ -1‬قـال تعـالى‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [األنعـام‪ .]64 ،63 :‬ففي هـذه اايـة يقول هللا لعبـاده ممت ًنـا عليهم في إنىـائـه‬
‫المضـجرين منهم الحائرين الواقعين في المهامه البرية‪ ،‬وفي اللىج البحرية إذا هاىت‬
‫الريح العاصفة‪ ،‬فحينئذ يفردون الدعاء له وحده ال شريك له ‪.)1‬‬
‫‪ -2‬قال تعالى‪( :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰈ ﰉ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰎ‬
‫ﰀ ﰀ ﰀ ﰒ) [النحـل‪ ]54 ،53 :‬أي‪ :‬لعلمكم أنـه ال يقـدر على إ التـه إال هو‪ ،‬فـإنكم عنـد‬
‫الضرورات تلىتون إليه‪ ،‬وتسهلونه وتلحون في رغبه مستغيثين به» ‪.)2‬‬
‫هذا عند أهل الشـــرك في القديم عندما كانوا يخلصـــون هلل‪ ،‬عندما تهب عليهم‬
‫الريا ‪ ،‬وتن ل بهم الشـــــدائد‪ ،‬كمـا قال تعـالى‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ) [العنكبوت‪]65 :‬؛ ألن أهل الشرك في القديم يعلمون من هو الخالق الذي تضرمى عنده‬
‫الحوائج‪ ،‬ويضلىـه إليـه لتفريج الكربـات؛ فـاألولون ال يشـــــركون وال يـدعون المالئكـة أو‬
‫األولياء أو األوثان إال في الرخاء‪ ،‬أما في الشدة فكما قال هللا‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [ا ســراء‪ .]67 :‬أما مشــركوا ماننا فيشــركون في الســراء‬
‫والضراء‪ ،‬بل يشتد شركهم عند ما تن ل المصيبة بالواحد منهم‪:‬‬
‫وكم هتفوا عند الشدائد باسمها *** كما يهتف المضجر بالصمد الفرد‬
‫والقص ـ في التىاء مشــركي هذا ال مان كثيرة‪ ،‬وذكر أحد المشــائإل ‪ )3‬هذه‬
‫ـافرا في البحر م أكثر من ثمانين راكبًا في سفينة‬ ‫القصـة التي حدثت له عندما كان مس ً‬
‫صـغيرة‪ ،‬وها بهم المو ‪ ،‬وصـارت السـفينة تهبج بهم بين األموا ‪ ،‬وفوىس في تلك‬
‫الســاعة العصــيبة بضــىيج من القبوريين‪ ،‬بجلب العون والمدد من أموات ال يملكون‬
‫ضــــرا وال نفعًا‪ ،‬وأخذوا يتســــابقون بنذر النذور لهم والتعهد بتقديمها عند‬
‫ً‬ ‫ألنفســــهم‬
‫‪)4‬‬
‫قبورهم إذا هم نىوا من الغرق‪ ،‬وكـهن أمرهم بـهيـديهم ‪ .‬فـهنـت ترن هـذه القصـــــة‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير تفسير سورة األنعام آية ‪.)1307 /3 .64 ،63‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير تفسير سورة النحل آية ‪.)1994 /5 .54 ،53‬‬
‫‪ ،)13 /‬اايات البينات في‬ ‫‪ )3‬هو أحمد بن محمد باشــميل‪ ،‬أحد مشــائإل اليمن نقلت قصــته من‬
‫تحريم دعاء األموات للشيإل علي بابكر‪ ،‬بدون دار نشر‪.‬‬
‫‪.)13 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬كامل القصة في المرى السابق‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪324‬‬

‫وغيرها ااالف من القص ـ التي تبين شــناعة شــرك مشــركي هذا العصــر‪ ،‬وبهنهم‬
‫ما لوا أهل الىاهلية القدماء الذين يشركون في الرخاء‪ ،‬ويخلصون في الشدة‪.‬‬
‫‪ -3‬قال تعالى‪( :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰈ ﰉ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ) [يون ‪.]107 ،106 :‬‬
‫‪ -4‬قـال تعـالـى‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ) [األنعام‪:‬‬
‫‪.]17‬‬
‫‪ -5‬قال تعالى‪ ( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ) [ال مر‪.]38 :‬‬
‫‪ -6‬قال تعالى‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الىن‪:‬‬
‫‪.]22 ،21‬‬
‫‪ -7‬قـال تعـالى‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ‬
‫ﰀ ﰀ ﰀ ﰈ ﰉ ﰀ) [سبه‪.]22 :‬‬
‫‪ -8‬قال تعالى‪( :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاجر‪.]14 ،13 :‬‬
‫‪ -9‬قـال تعـالى‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [فاجر‪.]40:‬‬
‫‪ -10‬قال تعـالـى‪( :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [األعراف‪.]197 :‬‬
‫‪ -11‬قال تعالى‪ ( :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ) [الرعد‪.]14 :‬‬
‫‪ -11‬قال تعالى‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الرعد‪.]14 :‬‬
‫‪ - 12‬قال تعالى‪ ( :‬ﰎ ﰀ ﰀ ﰀ ﰒ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ) [الشورن‪.]31 :‬‬
‫‪ -13‬قال تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ) [النمل‪.]62 :‬‬
‫‪ -14‬قال تعالى‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [األعراف‪.]194 :‬‬
‫‪ -15‬قال تعالى‪ ( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ) [الرعد‪.]16 :‬‬
‫‪ -16‬قال تعـالـى‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [النساء‪.]117 :‬‬
‫‪ -17‬قـال تعـالى‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)‬
‫[األحقاف‪.]5 :‬‬
‫‪ -18‬قــال تعالى‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحىر‪ ،]21 :‬فهذه اايات كلها‬
‫ضا منها‪:‬‬
‫تدل على تحريم دعاء غير هللا‪ .‬وأما األدلة من السنة فهي كثيرة‪ .‬وسهورد بع ً‬
‫‪325‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -1‬عن النعمان بين بشـــير ‪ )1‬أن الرســـول ﷺ قال‪ :‬إن الدعاء هو العبادة ثم‬
‫قرأ‪ ( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) [غافر‪.)2 »]60 :‬‬
‫‪)3‬‬
‫‪ -2‬قال ﷺ‪ :‬من لم يسهل هللا يغضب عليه» ‪.‬‬
‫‪ -3‬عن ابن عبـا قـال‪ :‬كنـت خلف رســـــول هللا ﷺ يو ًمـا فقـال‪ :‬يـا غالم إني‬
‫أعلمك كلمات‪ :‬احف هللا يحف ك‪ .‬احف هللا تىده تىاهك‪ .‬إذا ســـهلت فاســـهل هللا‪ ،‬وإذا‬
‫اســتعنت فاســتعن باهلل‪ ،‬واعلم أن األمة لو اىتمعت على أن ينفعوك بشــيء لم ينفعوك‬
‫إال بشـيء قد كتبه هللا لك‪ ،‬ولو اىتمعوا على أن يضـروك بشـيء لم يضـروك إال بشـيء‬
‫قد كتبه هللا عليك‪ ،‬رفعت األقالم وىفت الصحف» ‪.)4‬‬
‫فهـذا الحـديـ من أع م األحـاديـ التي تـدل على أن هللا ىـل وعال) هو وحـده‬
‫المتصـــــرف في الكون‪ ،‬بـل ويـدل على أن ىمي الخلق من أنبيـاء ومالئكـة وأوليـاء ال‬
‫نشـورا؛ فاهلل هو وحده ىالب‬ ‫ً‬ ‫ضـرا‪ ،‬وال موتًا‪ ،‬وال حياة‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫يملكون ألنفسـهم نفعًا وال‬
‫النف وداف الضر ومفر الهم ومنف الكرب‪.‬‬
‫‪ -4‬حدي عبد هللا بن حواله األ دي ‪ ،)5‬قال‪ :‬بعثنا رسـول هللا ﷺ لنغنم على‬
‫أقـدامنـا‪ ،‬فرىعنـا فلم نغنم شـــــيئ ًـا‪ ،‬وعرف الىهـد في وىوهنـا‪ ،‬فقـام فينـا‪ ،‬فقـال‪ :‬اللهم ال‬
‫تكلهم إلي‪ ،‬فـهضـــــعف عنهم‪ ،‬وال تكلهم إلى أنفســـــهم‪ ،‬فيعى وا عنهـا‪ ،‬وال تكلهم إلى‬
‫النا ‪ ،‬فيسـتهثروا عليهم‪ ،‬ثم وضـ يده على رأسـي ‪-‬أو قال على هامتي‪ ،)6 -‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫ابن حوالـة‪ ،‬إذا رأيـت الخالفـة قـد ن لـت األرس المقـدســـــة فقـد دنـت ال ال ل والبالبـل‬
‫واألمور الع ام‪ ،‬والساعة يومئذ أقرب من النا من يدي هذه من رأسك» ‪.)7‬‬

‫‪ )1‬هو الصـحابي ىليل نعمان بن بشـير بن سـعد الخ رىي األنصـاري ولد بعد قدوم الرسـول ﷺ إلى‬
‫سنة ‪.)66‬‬ ‫‪‬‬ ‫شهرا وهو أول مولود ولد لءنصار بعد الهىرة‪ ،‬قتل‬‫ً‬ ‫المدينة بعد أربعة عشر‬
‫[ان ر‪ :‬تهذيب الكمال ‪ )411 /29‬ترىمة رقم‪ ،)6438 /‬وسير أعالم النبالء ‪.])411 /3‬‬
‫‪ )2‬أخرىه أحمد‪ ،)298 /30 ،‬رقم‪ .)18352 /‬قال الحاف في الفتح‪ :‬أخرىه أصـــحاب الســـنن‬
‫بـإســــنـاد ىيـد‪ ،)64 /1 .‬والترمـذي‪ ،‬كتـاب الـدعوات‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في فضـــــل الـدعـاء‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪ ،)3372‬وصححه األلباني في صحيح الترمذيو نف الباب‪ ،‬وقال محقق المسند‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪.)298 /30‬‬
‫‪ )3‬أخرىـه الترمـذي‪ ،‬كتـاب الـدعوات‪ ،‬بـاب مـا ىـاء في فضـــــل الـدعـاء‪ ،‬رقم‪ ،)3373 /‬وحســــنـه‬
‫األلباني في صـحيح سـنن الترمذي في نف الكتاب والباب‪ ،‬وأورده ابن ماىة بلف ‪ :‬من لم يدع‬
‫هللا سبحانه غضب عليه»‪ .‬أخرىه ابن ماىه‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬باب فضل الدعاء‪ ،‬رقم‪.)3827 /‬‬
‫‪ )4‬أخرىه أحمد ‪ ،)409 /4‬رقم‪ .)2669 /‬وقال محقق المســند‪ :‬إســناده قوي‪ ،‬وأخرىه الترمذي‬
‫واللف له‪ ،‬كتاب صـفة القيامة‪ ،‬باب ما ىاء في صـفة أواني الحوس‪ ،‬رقم‪ .)2516 /‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حدي حسن صحيح‪ .‬وصححه األلباني في صحيح سنن الترمذي‪.‬‬
‫‪ )5‬هو الصــحابي الىليل عبد هللا بن حوالة األ دي كنيته أبو حوالة صــحب النبي ﷺ ن ل األردن‪،‬‬
‫ومات فيها سنة ‪58‬هـ)‪ .‬تهذيب الكمال ‪ ،)440 /14‬ترىمة رقم‪.)3238 /‬‬
‫‪ )6‬الهامة رأ كل شيء ان ر‪ :‬عون المعبود ‪.)210 /7‬‬
‫‪ )7‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب الىهـاد‪ ،‬بـاب في الرىـل يغ و يلتم األىر والغنيمـة‪ ،‬رقم‪،)2535 /‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ‪ ،)106 /2‬رقم‪.)2535 /‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪326‬‬

‫فهتالء الصـحابة بعثهم الرسـول ﷺ على األقدام راىلين ليغ وا في سـبيل هللا‪،‬‬
‫فهصــابهم تعب وكدر؛ فلما رأن الرســول ﷺ ما أصــابهم‪ ،‬دعا هللا أال يكلهم إليه؛ ألنه‬
‫عاى عن بذل متنتهم‪ ،‬ودعا هللا أال يكلهم إلى أنفســهم‪ ،‬فإذا عى الرســول ﷺ عنهم؛‬
‫فمن باب أولى أن يعى وا هم عن أنفســـهم‪ ،‬وإذا عى الصـــحابة‪ ،‬وهم خير األولياء؛‬
‫فمن بـاب أولى أن يعى من هم دونهم في الواليـة والفضـــــل والتقون‪ ،‬بـل إذا عى‬
‫الرســول وأصــحابه وهم أحياء‪ ،‬فكيف يســتجي من في قبره والمحتا إلى رحمة ربه‬
‫أن ينف غيره؟‪ .‬فهذا الحدي ع يم ببيان عى النبي ﷺ‪ ،‬وعى أصــــحابه‪ ،‬وحاىتهم‬
‫إلى ربهم ىال وعال)‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬وعن ابن عبا ‪ :‬أن رىال قال للنبي ﷺ‪ :‬ما شـاء هللا وشـئت‪ .‬فقال له النبي‬
‫ﷺ‪ :‬أىعلتني وهللا ع ً‬
‫ـدال؟ بـل مـا شـــــاء هللا وحـده» ‪ )1‬في الحـديـ الع يم الـذي نهى‬
‫أمرا صـــرا ًحا‪،‬‬
‫الرســـول ﷺ من خالله هذا الصـــحابي أن يقرن مشـــيئة ربه‪ ،‬ويهمره ً‬
‫ويوضح له توضي ًحا شافيًا بهن المشيئة هلل‪ ،‬فال يشاء أحد غير ما يشاء هللا‪ .‬قال األلباني‬
‫‪ −‬ولقـد غفـل عن هـذا األدب الكريم كثير من العـامـة‪ ،‬غير قليـل من الخـاصـــــة الـذين‬
‫يبررون النجق بمثل هذه الشــــركيات‪ ،‬كمناداتهم غير هللا في الشــــدائد‪ ،‬واالســــتنىاد‬
‫باألموات من الصــالحين‪ ،‬والحلف بهم من دون هللا تعالى‪ ،‬وا قســام بهم على هللا ‪)‬‬
‫» ‪.)2‬‬
‫مىاال للشــك بهن الدعاء يىب أال‬‫ً‬ ‫توضــح بما ال يدع‬
‫ع‬ ‫وهذه اايات واألحادي‬
‫يضصرف إال هلل‪ .‬واايات واألحادي كثيرة‪ ،‬لم أذكرها كلها خشية ا جالة‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬الشـــبهات التي انجلق من خاللها القبورية؛ ثبات ىوا دعاء غير‬
‫هللا‪:‬‬
‫لقـد انجلق القبوريون ثبـات منهىهم البـاجـل من خالل ض‬
‫شــــبـ ٍه ال تغني‪ ،‬وال‬
‫تسـمن من ىوع؛ حي أىا وا دعاء األموات والتوسـل بهم من خالل بعس األحادي‬
‫واألخبار والقصــ واألدلة القياســية التي ال تتســ الرســالة لعرضــها‪ ،‬وإنما يكتفى‬
‫ببعس منها‪ ،‬وإليك بعس هذه الشبه‪:‬‬

‫‪ )1‬أخرىه أحمد ‪ ،)339 /3‬رقم‪ ،)1839 /‬وقال محقق المســند‪ :‬إســناده صــحيح لغيره‪ .‬أخرىه‬
‫البخـاري بلف ‪ :‬ىعلـت هلل ندًا‪ ،‬ما شـــــاء هللا وحده»‪ ،‬رقم‪ ،)783 /‬في صـــــحيح األدب المفرد‬
‫لإلمام البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصــــر الدين األلباني‪ ،‬وصــــححه األلباني في صــــحيح األدب‬
‫المفرد‪ ،‬رقم‪ )783 /‬وفي السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم‪ ،)139 /‬في ‪.)216 /1‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬سلسلة األحادي الصحيحة ‪.)217 /1‬‬
‫‪327‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الشـــبهة األولى‪ :‬فهمهم الســـقيم لقوله تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة‪:‬‬


‫‪ .]35‬قال المالكي‪ :‬والوسـيلة‪ :‬كل ما ىعله سـببًا في ال ض لفى عنده‪ ،‬ووصـله إلى قضـاء‬
‫الحوائج منه‪ ،‬والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه‪.‬‬
‫ولف الوسـيلة عام في ااية كما ترن‪ ،‬فهو شـامل للتوسـل بالذوات الفاضـلة من‬
‫األنبياء والصــالحين في الحياة وبعد الممات‪ ،‬وبا تيان باألعمال الصــالحة على الوىه‬
‫المهمور به‪ ،‬للتوسل بها بعد وقوعها ‪.)1‬‬
‫وهذه الشبهة التي تمسكوا بها شبهة باجلة‪ ،‬والرد عليها من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬معرفة معنى الوســيلة عند العرب‪ ،‬فهل هي التوســل بالذوات والتقرب‬
‫إلى هللا بهم‪ ،‬أم ماذا؟‪.‬‬
‫قـال ابن من ور‪ :‬الوســـــيلـة من لـة عنـد الملـك‪ .‬وقيـل‪ :‬الـدرىـة‪ .‬وقيـل‪ :‬القربـة‪.‬‬
‫عمال تقرب به إليه‪ .‬والواســل‪ :‬الراغب إلى هللا‪.‬‬ ‫ووســل فالن إلى هللا وســيلة‪ :‬إذا عمل ً‬
‫وتوسل إليه بوسيلة‪ :‬إذا تقرب إليه بعمل» ‪.)2‬‬
‫وقال في النهاية‪ :‬القرب من هللا تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬هي شــفاعة يوم القيامة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫من لة من منا ل الىنة» ‪.)3‬‬
‫فـهنـت تلح ههنـا أن معنى الوســـــيلـة لم يرد عنـد العرب‪ ،‬وال عنـد من يفهمون‬
‫معاني األحادي كما فهمه من يتشبثون بحىج هي أوهى من بيت العنكبوت‪.‬‬
‫دليال على ىوا التوسـل بذوات األشـخا ‪ ،‬وال شـك أن‬ ‫فهنا ىعلوا هذه ااية ً‬
‫هذا فهم خاجس لمعنى التوسل‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬فهم العلماء لآلية‪ .‬عند تفســـير هذه ااية‪ ،‬قال شـــيإل ا ســـالم‪:‬‬
‫فالوســيلة التي أمر هللا أن تبتغى إليه‪ ،‬وأخبر عن مالئكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه‪،‬‬
‫هي ما يتقرب به إليه من الواىبات والمســتحبات‪ .‬فهذه الوســيلة التي أمر هللا المتمنين‬
‫بابتغائها تتناول كل واىب ومسـتحب‪ ،‬وما لي بواىب وال مسـتحب ال يدخل في ذلك‪،‬‬
‫سـواء أكان محر ًما أو مكروهًا أو مبا ًحا‪ .‬فالواىب والمسـتحب هو ما شـرعه الرسـول‪،‬‬
‫فهمر به أمر إيىاب أو استحباب‪ ،‬وأصل ذلك ا يمان بما ىاء الرسول‪ .‬فىماع الوسيلة‬
‫التي أمر هللا الخلق بابتغائها هو التوســـل إليه باتباع ما ىاء به الرســـول‪ ،‬وال وســـيلة‬
‫ألحد إلى هللا إال ذلك ‪.)4‬‬

‫‪ )27 /‬حقيقة التوســل والوســيلة على‬ ‫‪ ،)61 /‬وان ر‪:‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مفاهيم يىب أن تصــحح‬
‫ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬لموسى محمد علي‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬لسان العرب مادة وسل)‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬النهاية في غريب الحدي البن األثير ‪.)161 /5‬‬
‫‪.)54 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬قاعدة ىليلة في التوسل والوسيلة لشيإل ا سالم ابن تيمية‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪328‬‬

‫آمرا عبـاده المتمنين بتقواه‪ ،‬وهي إذا قض عرنـ ِ‬


‫مت‬ ‫وقـال ابن كثير‪ :‬يقول هللا تعـالى ً‬
‫بـالجـاعـة كـان المراد بهـا االنكفـاف عن المحـارم وترك المنهيـات‪ ،‬وقـد قـال بعـدهـا‪ ( :‬ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ) وقال قتادة‪ :‬أي تقربوا إليه بجاعته والعمل بما يرضــيه‪ ،‬ال خالف بين المفســرين‬
‫فيه» ‪.)1‬‬
‫كما أن الوسـيلة ىاءت في السـنة ألعلى درىة في الىنة‪ ،‬ال ت ض ِبتمغمى إال لعبد من‬
‫عباد هللا‪ ،‬وهو الرسـول ﷺ‪ ،‬فهي علم على أعلى من لة في الىنة‪ .‬قال ﷺ‪ :‬إذا سـمعتم‬
‫ي‪ ،‬فإنه من صلى علي صالة صلى هللا عليه‬ ‫المتذن‪ ،‬فقولوا مثل ما يقول‪ ،‬ثم صلوا عل َّ‬
‫عشــرا‪ ،‬ثم ســلوا هللا لي الوســيلة‪ ،‬فإنها من لة في الىنة ال تنبغي إال لعبد من عباد‬ ‫ً‬ ‫بها‬
‫‪)2‬‬
‫هللا‪ ،‬وأرىو أن أكون أنا هو‪ ،‬فمن سهل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» ‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬وقد فســـرها ﷺ بهنها من لة في الىنة‪ ،‬قال أهل اللغة‪ :‬الوســـيلة‬
‫المن لة عند الملك ‪.)3‬‬
‫قال الشــــيإل صــــالح آل الشــــيإل ‪ :)4‬فالوســــيلة التقرب إلى هللا بهنواع القض مرب‬
‫والجاعات‪ ،‬وأعالها إخال الدين له‪ ،‬والتقرب إليه بمحبته‪ ،‬ومحبة رســـوله‪ ،‬ومحبة‬
‫دينه‪ ،‬ومحبة من شرع حبه‪ ،‬بهذا يىم ما قاله السلف وقولهم من اختالف التنوع‪.‬‬
‫وتـهمـل قولـه تعـالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ) [المـائـدة‪ ،]35:‬ففي تقـديم الىـار والمىرور‬
‫إليه» إفادة اختصا الوسائل باهلل‪ ،‬ال يشركه معه فيها أحد‪ ،‬كما في (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)‬
‫[الفـاتحـة‪ ،)5 ]5:‬ثم نقـل قول الشـــــنقيجي ‪ ،)6‬قولـه تعـالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ )‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،‬سورة المائدة‪.)1165 /3 ،35 :‬‬


‫‪ )2‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب استحباب القول مثل قول المتذن‪ ،‬رقم‪.)384 /‬‬
‫‪.)338 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬المنها في شر صحيح مسلم بن الحىا لإلمام النووي‪،‬‬
‫‪ )4‬هو الشيإل الدكتور‪ :‬صالح بن عبد الع ي بن محمد بن إبراهيم آل الشيإل‪ ،‬ولد في مدينة الرياس‬
‫عام ‪ ،)1378‬تخر من كلية أصـــول الدين بالرياس‪ ،‬وعمل معيدًا فيها‪ ،‬ثم واصـــل دراســـته‬
‫العليا واسـتمر أسـتاذًا في ىامعة ا مام إلى أن وصـل إلى منصـب و ير الشـتون ا سـالمية‪ ،‬وما‬
‫ي ال في منصــبه‪ ،‬له ىهود كثيرة في الدعوة إلى هللا وخدمة الدين‪ ،‬له مصــنفات عدة من أهمها‪:‬‬
‫هذه مفاهيمنا‪ ،‬والتكميل لما فات تخريىه من إرواء الغليل‪ ،‬والمن ار‪[ .‬ان ر‪ :‬موســـوعة أســـبار‬
‫‪.])396 /1‬‬
‫‪.)113 ،112 /‬‬ ‫‪ )5‬هذه مفاهيمنا‪،‬‬
‫‪ )6‬هو ا مام العالمة المفسـر األصـولي محمد األمين الشـنقيجي‪ ،‬ولد عام ‪1325‬هــــــ)‪ ،‬في مدينة‬
‫كيفار في موريتانيا‪ ،‬تبحر في العلوم وهو صــــغير وبالذات علم اللغة‪ ،‬انتقل إلى المملكة العربية‬
‫السـعودية وعمل أسـتاذًا في الىامعة ا سـالمية‪ ،‬له العديد من المصـنفات من أهمها‪ :‬تفسـير الع يم‬
‫‪329‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫[المائدة‪ ،]35:‬ااية‪ ،‬اعلم أن ىمهور العلماء على أن المراد بالوسـيلة هنا هو القربة إلى‬
‫هللا تعـالى بامتثـال أوامره‪ ،‬واىتنـاب نواهيـه على وفق ما ىاء به محمـد ﷺ بإخال في‬
‫ذلك هلل تعالى؛ ألن هذا وحده هو الجريق الموصـلة إلى رضـا هللا تعالى‪ ،‬ونيل ما عنده‬
‫من خير الـدنيـا وااخرة‪ .‬ثم قـال‪ :‬والتحقيق في معنى الوســـــيلـة هو مـا ذهـب إليـه عـامـة‬
‫العلمـاء من أنهـا التقرب إلى هللا تعـالى بـا خال لـه في العبـادة‪ ،‬على وفق مـا ىـاء بـه‬
‫الرســول ﷺ‪ ،‬وتفســير ابن عبا داخل في هذا؛ ألن دعاء هللا واالبتهال إليه في جلب‬
‫الحوائج من أع م أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته‪.‬‬
‫وبهذا التحقيق تعلم‪ :‬أن ما ي عمه كثير من مالحدة أتباع الىهال المدعين التصــــوف‪،‬‬
‫من أراد بالوســيلة في ااية الشــيإل الذي يكون له واســجة بينه وبين ربه‪ ،‬أنه تخبج في‬
‫الىهل والعمى‪ ،‬وضالل مبين‪ ،‬وتالعب بكتاب هللا تعالى‪ ،‬واتخاذ الوسائج من دون هللا‬
‫من أصـول كفر الكفار‪ ،‬كما صـر به هللا تعالى في قوله عنهم‪ ( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)‬
‫[ال مر‪ ،]3:‬وقولــه‪ ( :‬ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)‬
‫[يون ‪ ،]18:‬فيىب على كل مكلف أن يعلم أن الجريق الموصــلة إلى رضــا هللا وىنته‬
‫ورحمته هي اتباع رسـوله ﷺ‪ ،‬ومن حاد عن ذلك فقد ضـل سـواء السـبيل‪( ،‬ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ) [النساء‪ ]123:‬ااية ‪.)1‬‬
‫وبهـذا يتبين لنـا‪ :‬أن معنى اايـة والحـديـ وكالم العرب‪ ،‬ال يىو أن يحتج بـه‬
‫من أىا التوســــل بذوات األشــــخا ‪ ،‬وبان من ىعل ااية حىة له‪ ،‬فقد أبعد النىعة‬
‫وافتقد للحىة‪.‬‬
‫الوىه الثال ‪ :‬أال ننكر التوســــل وىوا ه؛ لكن بمفهوم غير مفهوم أهل البدع‪،‬‬
‫فههل الســـنة يىي ون التوســـل‪ ،‬كما قال شـــيإل ا ســـالم‪ :‬فلف التوســـل) به معنيان‬
‫ســــنة‪ .‬فهما المعنيان‬‫صــــحيحان باتفاق المســــلمين‪ ،‬ويراد به معنى ثال ‪ ،‬لم ترد به ض‬
‫األوالن ‪-‬الصــــحيحان باتفاق العلماء‪ -‬فهحدهما‪ :‬هو أصــــل ا يمان وا ســــالم‪ ،‬وهو‬
‫التوســـــل بـا يمـان بـه وبجـاعتـه‪ .‬والثـاني‪ :‬دعـاته وشــــفـاعتـه‪ .‬كمـا تقـدم‪ ،‬فهـذان ىـائ ان‬
‫بإىماع المسلمين ‪.)2‬‬
‫عا‪ .‬والمشـروع منه‬ ‫عا وقد يكون ممنو ً‬ ‫فالتوسـل عند أهل السـنة قد يكون مشـرو ً‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬التوسل إلى هللا باألعمال الصالحة‪ :‬كالتوسل با يمان‪ ،‬أو ببر الوالدين‪ ،‬أو‬
‫بعمل جيب يعمله العبد‪ .‬قال تعالى‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬

‫أضـواء البيان‪ ،‬توفي ‪ −‬عام ‪1393‬هــــــ) في مكة المكرمة‪[ .‬ان ر‪ :‬ترىمة الشـيإل محمد األمين‬
‫الشنقيجي صاحب أضواء البيان‪ ،‬ىمعها وصنفها‪ :‬عبد الرحمن بن عبد الع ي السدي ]‪.‬‬
‫‪ )1‬ان ر‪ :‬أضواء البيان تفسير سورة المائدة‪.)87 ،86 /2 - 35 :‬‬
‫‪.)55 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬قاعدة ىليلة في التوسل والوسيلة‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪330‬‬

‫ﯮ) [آل عمران‪ ،]193 :‬ففي هذه ااية الكريمة التي انجلق من خاللها أهل ا يمان‬
‫يتوسلون إلى هللا ويتقربون إليه بعملهم الصالح‪ ،‬وهو ا يمان‪ ،‬وهنا فهم يقولون‪ :‬يا‬
‫ربنا بسبب إيماننا واستىابتنا ألمرك وأمر نبيك‪ ،‬فاغفر لنا ذنوبنا‪ .‬فما نك يا أخي باهلل‬
‫الذي سم توسالت عباده‪ ،‬التوسالت التي يرضى عنها وهي التي أمرهم بها؟‪ .‬هتالء‬
‫العباد الجائعون المتمنون حقًا‪ ..‬أيستىيب هللا دعاءهم أم ال‪...‬؟ ال شك أنك ستقول‪ :‬بل‬
‫سيستىيب لهم دعاءهم وال شك‪ .‬ولذا ىاء قوله تعالى جبق ن عبده المتمن به‪ ،‬فقال‬
‫ع من قائل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [آل عمران‪.)1 ]195 :‬‬
‫ومن التوسل المشروع بالعمل الصالح من خالل السنة خبر الثالثة الذين كانوا‬
‫في الغار‪ ،‬فعن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬سـمعت رسـول هللا ﷺ يقول‪ :‬انجلق ثالثة رهج‬
‫ممن كـان قبلكم‪ ،‬حتى أووا المبيـت إلى غـار فـدخلوه‪ ،‬فـانحـدرت صـــــخرة من الىبـل‬
‫فســدت عليهم الغار‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه ال ينىيكم من هذه الصــخرة إال أن تدعوا هللا بصــالح‬
‫أعمالكم» ‪ .)2‬والحدي بجوله في الصـحيحين‪ ،‬والشـاهد منه أن هتالء الثالثة كل منهم‬
‫قد تقرب إلى هللا بعمله الصــــالح‪ .‬فاألول‪ :‬تقرب إلى هللا ببره لوالديه‪ ،‬وهذا بال شــــك‬
‫عمل صــــالح‪ ،‬والثاني‪ :‬تقرب إلى هللا بعفته ومن نفســــه عن الحرام‪ ،‬والثال ‪ :‬بإعادة‬
‫الحق إلى صــــاحبه‪ ،‬وكان دافعهم الخوف من هللا‪ ،‬ففر هللا عنهم ما هم به من كرب؛‬
‫وبهذا العمل الصالح الجيب‪.‬‬
‫فال شك أن هذا ىائ ‪ .‬فلو توسل مخلوق إلى ربه بعمل أخل فيه‪ ،‬فهو حري‬
‫بهن يستىاب له‪.‬‬
‫‪ - 2‬التوســل إلى هللا تعالى بهســمائه الحســنى وصــفاته العليا‪ ،‬وهذا من أع م‬
‫أنواع التوســل وأرىاها‪ ،‬وأمثلته أكثر من أن تضحصـــى؛ ألن هللا ىل وعال قد أمر بها‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ) [األعراف‪ ،]180 :‬وأرشــــد الرســــول ﷺ إلى ذلك‪ ،‬كما في‬
‫حدي ابن مســــعود الذي يرفعه لرســــول هللا ﷺ‪ :‬اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن‬
‫أمتك‪ ،‬ناصــيتي بيدك‪ ،‬ماس في حكمك‪ ،‬عدل في قضــاتك‪ ،‬أســهلك بكل اســم هو لك‬
‫ســميت به نفســك‪ ،‬أو علمته أحدًا من خلقك‪ ،‬أو أن لته في كتابك‪ ،‬أو اســتهثرت به في‬

‫‪ ،)82 ،81 /‬من التوصــــل إلى حقيقة التوســــل المشــــروع والممنوع‪ ،‬بقلم‪ :‬محمد‬‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬
‫الرفاعي‪.‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)2272 /‬وأخرىه مســـلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬باب قصـــة أصـــحاب‬
‫الغار الثالثة والتوسل بصالح األعمال‪ ،‬رقم‪.)2743 /‬‬
‫‪331‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫علم الغيب عندك‪ ،‬أن تىعل القرآن الع يم ربي قلبي‪ ،‬ونور صـــدري‪ ،‬وىالء ح ني‪،‬‬
‫وذهاب همي» ‪.)1‬‬
‫ضـا ما أرشـد به الرسـول ﷺ المريس إذا أصـابه المرس‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫مثال ذلك أي ً‬
‫ً‬
‫ضـ يدك على الذي تهلم من ىسـدك‪ .‬وقل‪ :‬بسـم هللا ثالثا‪ ،‬وقل سـب مرات‪ :‬أعوذ باهلل‬
‫وقدرته من شــر ما أىد وأحاذر» ‪ .)2‬ففي الحدي األول نىد الرســول ﷺ يرشــدنا أن‬
‫نتوسل إلى هللا بهسمائه حي قال‪ :‬أسهلك بكل اسم هو لك»‪.‬‬
‫وفي الحدي ااخر يرشــد النبي ﷺ األمة بهن تتوســل بصــفة من صــفات هللا‬
‫أىل أنواع التوســل‪ ،‬وقد وردت في‬ ‫وهي ع ة هللا تعالى وال شــك أن هذا التوســل من ع‬
‫كتاب هللا وســنة رســوله ﷺ الكثير من هذه األحادي واايات التي تندب إلى مثل هذا‪،‬‬
‫وهي موىودة في م انها‪.‬‬
‫‪ - 3‬التوسـل بدعاء الرىل الصـالح‪ ،‬ومثال ذلك ما أخرىه البخاري‪ ،‬عن أن‬
‫قال‪ :‬كان النبي ﷺ يخجب يوم ىمعة‪ ،‬فقام النا فصاحوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول هللا قحج‬
‫المجر‪ ،‬واحمرت الشــــىر‪ ،‬وهلكت البهائم‪ ،‬فادع هللا يســــقينا‪ .‬فقال‪ :‬اللهم اســــقنا»‪.‬‬
‫مرتين‪ ،‬وايم هللا‪ ،‬ما نرن في الســـماء ق عة ‪ )3‬فنشـــهت ســـحابة وأمجرت‪ ،‬ون ل عن‬
‫المنبر فصــــلى» ‪ .)4‬ففي هذا الحدي الجويل الذي أخذنا منه محل الشــــاهد‪ ،‬نىد أن‬
‫الصـــحابي ىاء إلى الرســـول ﷺ وجلب منه الدعاء‪ ،‬فهو توســـل إلى هللا بدعاء رىل‬
‫صـالح حي قادر‪ ،‬وهذا نوع من التوسـل المشـروع‪ ،‬ولذلك عمل الصـحابة بهذا المنهج‪،‬‬
‫وذلـك حينمـا جلـب عمر من العبـا الـدعـاء عنـدمـا أقحجـت األرس وأىـدبـت فقـال‪:‬‬
‫اللهم إنا كنا نتوســــل إليك بنبينا فتســــقينا‪ ،‬وإنا نتوســــل إليك بعم نبينا فاســــقنا‪ ،‬قال‬
‫فيسـقون» ‪ .)5‬بل في هذا الحدي من الفقه ما ال يخفى على ذوي األبصـار‪ ،‬حي بيَّن‬
‫عمر المنهج الحق‪ ،‬حينما قال‪ :‬اللهم إنا كنا نتوســل إليك بنبينا فتســقينا‪ ،‬وإنا نتوســل‬
‫إليك بعم نبينا فاســـقنا» فلو كان التوســـل بالميت ىائ ً ا لم يحتج عمر إلى أن يتوســـل‬
‫بالعبا ‪ ،‬والرسول ﷺ مدفون بين هرانيهم؛ فدل هذا على أمرين في غاية األهمية‪:‬‬

‫‪ )1‬أخرىه أحمد ‪ ،)246 /6‬رقم‪ ،)3712 /‬وقال محقق المســـند‪ :‬إســـناده ضـــعيف‪ .‬وقال أحمد‬
‫شــاكر في تحقيق المســند‪ :‬إســناده صــحيح‪ .‬عند تحقيق الحدي ‪ ،)3712‬وصــححه األلباني في‬
‫الصحيحة‪ ،‬عند الحدي رقم‪.)336 /1 ،)199 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب استحباب وض يده على موض األلم‪ ،‬رقم‪.)2202 /‬‬
‫‪ )3‬أي قجعة من الغيم‪ ،‬ان ر‪ :‬النهاية ‪.)52 /4‬‬
‫‪ )4‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1021 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬رقم‪.)897 /‬‬
‫‪ )5‬أخرىه البخاري‪ ،‬كتاب االســـتســـقاء‪ ،‬باب ســـتال النا ا مام االســـتســـقاء إذا قحجوا‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.)1010‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪332‬‬

‫أ) مشروعية التوسل بدعاء الرىل الصالح الحي‪.‬‬


‫ب) حرمة التوسل بالميت‪.‬‬
‫وبهذا يتبين لنا بعد هذه الىولة م هذه الشـبهة أن التوسـل ىائ ومشـروع إذا‬
‫كان وفق الضـوابج الشـرعية‪ ،‬وحرام إذا كان بواسـجة األموات‪ ،‬كما تبيَّن عدم صـحة‬
‫االسـتدالل بااية لمن أىا وا التوسـل بهم؛ ألن الدليل يعو هم‪ ،‬والسـنة تخالف منهىهم‪.‬‬
‫وهللا يهدينا وإياهم إلى جريق الحق والصواب‪.‬‬
‫‪)1‬‬
‫ىالسـا عند قبر‬
‫ً‬ ‫الشــبهة الثانية‪ :‬الحكاية المشــهورة عن العتبي ‪ ،‬قال‪ :‬كنت‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬فىاء أعرابي فقال‪ :‬الســالم عليك يا رســول هللا‪ ،‬ســمعت هللا يقول‪ ( :‬ﮫ ﮪ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النسـاء‪ ،]64 :‬وقد ىئتك مس ً‬
‫ـتغفرا لذنبي مسـتشـفعًا‬
‫بك إلى ربي‪ .‬ثم أنشه يقول‪:‬‬
‫*** فطاب من طيبهن القاع واألكم‬ ‫يا خير من دفنت بالقاع‬
‫أعظمه‬
‫فيه العااف وفيه الجود والكدرم‬ ‫***‬ ‫ناسي الاداء لقبر أنت‬
‫ساكنده‬
‫ثم انصـــــرف األعرابي‪ ،‬فغلبتني عيني‪ ،‬فرأيـت النبي ﷺ في النوم فقـال‪ :‬يـا‬
‫عتبي‪ ،‬الحق األعرابي فبشره أن هللا قد غفر له ‪.)2‬‬
‫وقد اســـتشـــهد أئمة القبورية بهذه القصـــة‪ ،‬وىعلوها بمقام الســـنة الثابتة‪ ،‬كما‬
‫ىعلوها حىة دامغة ينجلق من خاللها ىا ة التوســـل بالمقبور‪ .‬وممن اســـتشـــهد بها‬
‫السبكي وىعلها من حىىه الدامغة التي ذكرها المصنفون في مناسكهم ‪.)3‬‬
‫وكذلك المالكي في مفاهيمه‪ ،‬بل اســــتخدم إرهابًا فكريًّا حين أوحى للقراء بهن‬
‫عدم قبول الخبر يســتوىب عدم الثقة في كتب من أوردوها‪ ،‬بل وبهشــخاصــهم‪ ،‬حي‬

‫‪ )1‬هو محمد بن عبد هللا بن عمرو‪ ،‬ينتهي نســـبه إلى عتبة بن أبي ســـفيان‪ :‬كان من أفصـــح النا‬
‫‪ ،)245 /‬ولم أىد له‬ ‫وصــاحب رواية وأدب‪ ،‬توفي ســنة ‪ ،)228‬ان ر‪ :‬الصــارم المنكي‪،‬‬
‫ترىمة إال عنده‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تفســـير ابن كثير ســـورة النســـاء‪ ،)960 ،959 /2 ،64 :‬والمغني ‪.)466 ،465 /5‬‬
‫وفي‬ ‫‪‬‬ ‫وقال في الصـارم المنكي‪ :‬وقد وضـ لها بعس الكذابين إسـنادًا إلى علي بن أبي جالب‬
‫الىملة ليســــت هذه الحكاية المنكورة عن األعرابي مما يقوم به حىة‪ ،‬وإســــنادها م لم مختلف‬
‫‪ .)247 ،246 /‬وقد أجال الشــيإل صــالح آل‬ ‫ض ـا‪ .‬ان ر‪ :‬الصــارم المنكي‬
‫ولف ها مختلف أي ً‬
‫‪ ،)78 -75 /‬وقال صـاحب هدم‬ ‫الشـيإل بتفنيد هذه القصـة رواية ودراية‪ .‬ان ر‪ :‬هذه مفاهيمنا‬
‫‪ .)49 /‬وكذلك التوصـل إلى حقيقة التوسـل‪،‬‬ ‫المنارة‪ :‬هي حكاية غير صـالحة ا سـناد‪ ،‬ان ر‪:‬‬
‫‪.)289 -274 /‬‬
‫‪.)65 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬شفاء السقام‪،‬‬
‫‪333‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫قال‪ :‬إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فهي ثقـة فيهم أو في كتبهم؟؟ ســـــبحـانك هذا بهتـان ع يم»‬
‫‪ .)1‬وكذلك اسـتشـهد بها صـاحب حقيقة الوسـيلة ‪ ،)2‬فهذه الشـبهة الواهية‪ ،‬والرد عليها‬
‫من وىوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنها قصة باجلة من حي سندها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لو صـح ثبوت القصـة‪ ،‬فهل يىو لمسـلم أن يسـتشـهد بهذه القصـة التي‬
‫انبنت على رتية ليعارس بها أحادي صـــحا ؟ فهذا فعل من أعرابي لي صـــحابيًّا‬
‫وال تابعيًّا‪ ،‬وك ٌّل قولضه لي بحىة‪ ،‬فتسـود بها الصـفحات ويخدع بها العوام‪ ،‬ويلب بها‬
‫على الىهال‪ ،‬ويســتشــهد بها وكهنها وحي من ل‪ ،‬وقول ال يىو به الشــك وال يحل أن‬
‫يرد‪.‬‬
‫‪ )1‬كون بعس أهل العلم أورد هذه القصـة‪ ،‬إما مسـتشـهدًا بها وإما حاكيًا لها‪،‬‬
‫خبرا ســــهـا عن بحـ‬
‫فال يوىـب الجعن بـه‪ ،‬فكـل يتخـذ من قولـه ويرد‪ .‬وقـد يورد إمـام ً‬
‫كثيرا فال عصــــمة ال لكاتب وال كتاب‪ ،‬وإنما‬ ‫ً‬ ‫ســــنده أو التهمل في متنه‪ ،‬وهذا يحد‬
‫العصمة لكتاب هللا وسنة رسوله ﷺ‪.‬‬
‫‪ )2‬إن ااية التي اسـتشـهد بها األعرابي اسـتشـهد بها في غير محلها؛ حي أنها‬
‫ن لـت بـالمنـافقين الـذين لموا أنفســـــهم‪ ،‬قـال أبو الم فر الســـــمعـاني‪( :‬ﮫ ﮪ) يعني‪:‬‬
‫المنـافقين‪ ( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ) يعني‪ :‬بـالتحـاكم إلى الجـاغوت ( ﮰ ﮱ ﯓ)؛ ألنهم مـا ىـاءوا‬
‫مســـتغفرين‪ ،‬وإنما ىاتوا معتذرين باألعذار الكاذبة‪ .‬قوله‪( :‬ﮱ ﯓ) أي‪ :‬ســـهلوا مغفرة‬
‫هللا‪ ( ،‬ﯔ ﯕ ﯖ) أي‪ :‬دعا لهم الرســـول باالســـتغفار‪( ،‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) ‪ ،)3‬فااية ليســـت ً‬
‫محال‬
‫لالســتشــهاد‪ ،‬وإنما هي أمر للمنافقين بهن يســتغلوا وىود الرســول ﷺ بين هرانيهم؛‬
‫أمرا أو ندبًا تيانه بعد موته‪.‬‬‫ليســتغفر لهم‪ ،‬وليتوبوا من ذنوبهم‪ ،‬وليســت إرشــادًا أو ً‬
‫غا لفعله أصـحابه ﷺ‪ ،‬فيا سـبحان هللا‪ ،‬فاتت هذه الفضـيلة‬ ‫ولو كان هذا ىائ ً ا أو مسـتسـا ً‬
‫ف بشــدة تمســكه‬ ‫ع عر م‬
‫على الصــديق والفاروق وبقية الصــحابة! وعلى ابن عمر الذي ض‬
‫بالسـنة والحر عليها! وتمكن هذا األعرابي من ال فر بهذه الفضـيلة! سـبحانك اللهم‬
‫هذا بهتان ع يم‪.‬‬
‫الشـــبهة الثالثة‪ :‬خبر عائشـــة ‪ ‬ونصـــه‪ :‬قحج أهل المدينة قح ً‬
‫جا شـــديدًا‪،‬‬
‫فشـكوا إلى عائشـة فقالت‪ :‬ان روا قبر النبي ﷺ فاىعلوا منه كون ‪ )4‬إلى السـماء‪ ،‬حتى‬

‫‪.)96 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مفاهيم يىب أن تصحح‪،‬‬


‫‪.)57 /‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬تفسير القرآن‪ ،‬ألبي م فر السمعاني‪ ،‬تفسير سورة النساء‪.)443 /5 ،64 :‬‬
‫‪ )4‬أي‪ :‬نافذة‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪334‬‬

‫مجرا حتى نبت العشب‪ ،‬وسمنت‬ ‫ً‬ ‫ال يكون بينه وبين السماء سقف‪ ،‬قال‪ :‬ففعلوا فمجرنا‬
‫ا بل حتى تفتقت من الشحم‪ ،‬فسمي عام الفتق» ‪.)1‬‬
‫وقد اســتدل به البكري على ىوا التوســل بالنبي ﷺ ‪ ،)2‬وتبعه المالكي حي‬
‫قبرا‪ ،‬بل من حي كونه ضــــم ىســــد‬ ‫قال‪ :‬فهذا توســــل بقبره ﷺ ال من حي كونه ً‬
‫أشـــرف المخلوقين وحبيب رب العالمين‪ ،‬فتشـــرف بهذه المىاورة الع يمة واســـتحق‬
‫بذلك المنقبة الكريمة» ‪ .)3‬والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن هذا الخبر ضعيف‪ ،‬فال تقوم به الحىة‪.‬‬‫ً‬
‫عا أو لم‬ ‫ثانيًا‪ :‬أن هذا الفعل لي حىة على محل الن اع‪ ،‬ســـواء أكان مشـــرو ً‬
‫يكن‪ ،‬فـإن هـذا اســـــتن ال للغيـ على قبره؛ وهللا تعـالى ين ل رحمتـه على قبر أنبيـائـه‬
‫وعباده الصــالحين‪ ،‬ولي في ذلك ســتال لهم بعد موتهم‪ ،‬وال جلب وال اســتغاثة بهم‪،‬‬
‫عا‪ ،‬وال هو من صـالح‬ ‫واالسـتغاثة بالميت والغائب سـواء أكان نبيًا أو وليًا لي مشـرو ً‬
‫عا أو حسـ ـنًا من العمل؛ لكانوا به أعلم‪ ،‬وإليه أســـبق‪ ،‬ولم‬ ‫األعمال‪ ،‬إذ لو كان مشـــرو ً‬
‫يصح عن أحد من السلف أنه فعل ذلك‪.‬‬
‫ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشـة لم يكن للبيت كوة‪ ،‬بل كان بعضـه‬
‫باقيًا كما كان على عهد النبي ﷺ‪ :‬بعضـه مسـقوف وبعضـه مكشـوف‪ ،‬وكانت الشـم‬
‫تن ل فيه» ‪.)4‬‬
‫وأنت تلح هنا أن القبوريين اســـتدلوا بباجلهم بهذا الخبر الضـــعيف الواهي‪،‬‬
‫فلو صـح فلي بحىة في موضـ االسـتشـهاد‪ ،‬وحي أن عائشـة لم تقل لهم‪ :‬اسـتغيثوا‬
‫إلى القبر‪ ،‬أو الىتوا إلى صـــاحب القبر‪ ،‬وكل ما هنالك‪ :‬أنها أرشـــدت بفتح كوة‪ ،‬لعل‬
‫المجر أن ين ل‪.‬‬
‫الشــــبه التي يروىونها‪ ،‬ويكثرون الحدي حولها‪ ،‬أن‬ ‫الشــــبهة الرابعة‪ :‬ومن ض‬
‫الحوائج تقضى لهم بعس األوقات‪ ،‬وتستىاب لهم الدعوات عند األضرحة‪ .‬وهذا دليل‬
‫أكيد أن الدعاء عندها مقبول ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬أخرىه الدارمي‪ ،‬باب ما أكرم هللا تعالى به نبيه ﷺ بعد موته‪ ،‬رقم‪ .)93 /‬وقال شــيإل ا ســالم‪:‬‬
‫محمد بن بالة ال يحتج به‪ .‬ان ر‪ :‬االســتغاثة في الرد على البكري ‪ ،)145 /1‬وقد أجال محقق‬
‫الكتاب في بيان ضــعف الرواية‪ .‬ان ر‪ :‬االســتغاثة ‪ )402 /1‬وقد ضــعفه صــاحب هدم المنارة‪،‬‬
‫‪.)74 ،73 /‬‬ ‫‪ 208 /‬إلى ‪ ،)224‬وان ر‪ :‬هذه مفاهيمنا‬ ‫وأجال فيه النف ‪،‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬االستغاثة ‪.)144 /1‬‬
‫‪.)87 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬مفاهيم يىب أن تصحح‪،‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬االستغاثة ‪.)146 ،145 /1‬‬
‫‪ )5‬أورد هذه الشبهة ابن تيمية في الفتاون ‪ )172 /27‬وابن الحا في المدخل ‪.)184 /1‬‬
‫‪335‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وهذه الشبهة من أع م الشبه التي يستدلون بها‪ ،‬والرد عليها من ىوه‪:‬‬


‫‪ -1‬أن هللا ىـل وعال) قـد يختبر عبـاده‪ ،‬ويفتنهم بـإىـابـة مثـل هـذه الـدعوات؛ فقـد‬
‫تىري على يـد الفـاىر األمور الخـارقـة‪ ،‬وكمـا هو معلوم أن الـدىـال األكبر الـذي يخر‬
‫في آخر ال مـان تحـد منـه األمور الخـارقـة المخـالفـة ألعمـال البشـــــر‪ ،‬وهو أكفر من‬
‫على وىه األرس باتفاق العقالء‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الكثير من أهل الشـــرك يدعون ويســـتىاب لهم‪ ،‬ال لكونهم أهل خير‬
‫وصـال ‪ ،‬أو ألن الموجن موجن تسـتىاب فيه الدعوات‪ ،‬بل ألنهم صـدقوا في الدعاء‪،‬‬
‫وهللا يىيب المضـجر إذا دعاه‪ ،‬ولي إىابة دعواته ً‬
‫دليال على رضـا هللا عنه‪ .‬ونععمم هللا‬
‫قد تعجى للكفرة والعصـاة؛ ليشـتد عليهم النكال والعذاب‪ .‬فلي كل من أىاب هللا دعاءه‬
‫يكون راضــيًا عنه‪ ،‬وال محبًا له وال راضــيًا بفعله‪ ،‬فإنه يىيب البر والفاىر‪ ،‬والمتمن‬
‫والكافر‪ ،‬وكثير من النا يدعو دعا ًء يعتدي فيه‪ ،‬أو يشـــترج في دعائه‪ ،‬أو يكون مما‬
‫ال يىو أن يســهل‪ ،‬فيحصــل له ذلك أو بعضــه‪ ،‬في ن أن عمله صــالح مرضــي هلل‪،‬‬
‫ي له وأ ض عم َّد بالمال والبنيين‪ ،‬وهو ي ن أن هللا تعالى يسـارع له في‬ ‫ض‬
‫ويكون بمن لة من أم عل م‬
‫الخيرات‪ ،‬وقد قال تعالى‪( :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ) [األنعام‪ .]44 :‬فالدعاء قد يكون‬
‫عبادة‪ ،‬فيثاب عليه الداعي‪ ،‬وقد يكون مســهلة تقضــى به حاىته‪ ،‬ويكون مضــرة عليه‪،‬‬
‫إما أن يعاقب بما يحصــــل له‪ ،‬أو تنق به درىته‪ ،‬فيقضــــي حاىته ويعاقبه على ما‬
‫ىرت عليه من إضـاعة حقوقه واعتداء حدوده ‪ .)1‬وقال شـيإل ا سـالم‪ :‬وأكثر ما تىد‬
‫الحكايات المتعلقة بهذا عند السدنة والمىاورين لها الذين يهكلون أموال النا بالباجل‪،‬‬
‫رىال دعا‬‫ً‬ ‫ويصــدون عن ســبيل هللا‪ .‬وقد يحكي من الحكايات التي فيها تهثير‪ ،‬مثل‪ :‬أن‬
‫عندها فاســــتىيب له‪ ،‬أو نذر لها إن قضــــى هللا حاىته فقضــــيت حاىته‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وبمثل هذه األمور كانت تعبد األصــــنام‪ .‬فإن القوم كانوا أحيانًا يخاجبون من األوثان‪،‬‬
‫وربما تقضى حوائىهم إذا قصدوها ‪.)2‬‬
‫إن الكثير من األخبار التي تضرون عن هتالء ليسـت صـحيحة‪ ،‬والذين ينقلونها‬
‫غير ثقات‪ ،‬وإنما يروىها الســــدنة الغشــــاشــــون الدىلة؛ ليخدعوا بها العوام‪ ،‬بل قد‬
‫حيال ليمرروا به كيدهم‪.‬‬‫يستخدمون ً‬
‫بعضــــا منهـا حين قال‪ :‬فمن دعايتهم إلى ذلك أنهم‬
‫ً‬ ‫وذكر الشـــــيإل حاف ‪−‬‬
‫عا من المجالب‪ ،‬ويدخلونها القبر إلى القبة المبنية عليه في سـراديب معدة‬‫يىمعون أنوا ً‬
‫تحتهـا‪ ،‬فـإذا أتى إليهـا الىـاهـل المفتون‪ ،‬ووقف على الحـاىـب‪ ،‬فـإن لم يكن لـه مجلوب‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬ا غاثة ‪.)221‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬االقتضاء ‪.)657 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪336‬‬

‫معين‪ ،‬قـال لـه‪ :‬أدخـل يـدك فمـا خر فيهـا فهو البـاب الـذي تر ق منـه‪ ،‬ال تعـدوه إلى‬
‫غيره‪ ،‬فـإن خر في يـده تراب فحـار ‪ ،‬وإن خر قجن فحـائـك‪ ،‬وإن خر فحم أو‬
‫نحوه فحـداد أو صـــــائغ‪ ،‬وإن خر آلـة حىـامـة فحىـام‪ ،‬وإن خر كـذا فهو كـذا‪ ،‬على‬
‫قواعـدهم يعرفونهـا‪ ،‬ومحرفـة لهم يـهلفونهـا‪ ،‬وإن كـان لـه مجلوب معين قـال لـه مـا تريـد‬
‫من الشــيإل؟‪ .‬قال‪ :‬أريد كذا‪ ،‬فإن كان ذلك يوىد فيها أدخل القبر‪ ،‬وإال قال‪ :‬ارى اان‬
‫وموعدك الوقت الفالني‪ ،‬فإن الشـيإل اان مشـغول‪ ،‬أو نحو ذلك من األعذار م ما في‬
‫قلبـه من تع يم الشـــــيإل‪ ،‬فال يكرر الجلـب أدبـًا معـه‪ ،‬فال يـهتي في المرة الثـانيـة إال وقـد‬
‫اسـتعد له بمجلوبه‪ ،‬فإذا ىاء وأدخل يده خر فيها ذلك المجلوب‪ ،‬فحينئ ٍذ خر ينادي‪:‬‬
‫شــيء هلل يا شــيإل فالن‪ ،‬وكلما وىد أحدًا أراه ذلك وقال‪ :‬هذا من كرامات الشــيإل فالن‬
‫وعجاياه‪ ،‬فيىمعون من أموال النا بهذه الحيل والشـــعوذة ما ال يحصـــى‪ ،‬ولكنهم لم‬
‫يحتـالوا ألخـذ أموال النـا فحســـــب‪ ،‬بـل احتـالوا لســــلـب دينهم وأخرىوهم من دائرة‬
‫خاصـ ـا بقبور الصـــالحين الذين عرفوا في الدنيا‬ ‫ً‬ ‫ا ســـالم إلى دائرة الكفر‪ ،‬ولي هذا‬
‫باألمانة والديانة‪ ،‬بل أي قبر تمثل فيه الشـــيجان أو حكيت له حكاية أو رتيت له رتيا‬
‫صــدقًا كانت أو كذبًا‪ ،‬فقد اســتحق عندهم أن تضبنى عليه القباب‪ ،‬ويض ِعكمف عنده ويضنذر له‬
‫ويضذبح عليه‪ ،‬ويضســتشــفى به ويضســتن ل به الغي ‪ ،‬ويضســتغا به في الشــدائد ويضســهل منه‬
‫قضـاء الحوائج‪ ،‬ويضخاف ويضرىى ويضتخذ ندًا من دون هللا تعالى وتقد وتن ه عما يقول‬
‫كبيرا ‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫علوا‬
‫ال المون والىاحدون والملحدون ً‬
‫وقال ابن القيم‪ :‬ومنها حكايات حكيت لهم عن تلك القبور‪ :‬أن فالنًا اســـتغا‬
‫بالقبر الفالني في شــــدة فخل منها‪ .‬وفالنًا دعاه أو دعا به في حاىة‪ ،‬فقضــــيت له‪،‬‬
‫وفالنًا ن ل به ضـــر فاســـترىى صـــاحب ذلك القبر‪ ،‬فكشـــف ضـــره‪ ،‬وعند الســـدنة‬
‫والمــــــقابرة من ذلك شـيء كثير يجول في ذكره‪ .‬وهم من أكذب خلق هللا تعالى على‬ ‫ض‬
‫األحياء واألموات‪ .‬والنفو مولعة بقضــاء حوائىها‪ ،‬وإ الة ضــرورتها‪ ،‬يســم بهن‬
‫أوال إلى الـدعـاء‬‫قبر فالن تريـاق مىرب‪ .‬والشـــــيجـان لـه تلجف في الـدعوة‪ ،‬فيـدعوهم ً‬
‫عنده‪ ،‬فيدعو العبد عنده بحرقة وانكسار وذلة‪ ،‬فيىيب هللا دعوته لما قام بقلبه‪ ،‬ال ألىل‬
‫القبر‪ ،‬فإنه لو دعاه كذلك في الحانة والخمارة والحمام والســــوق أىابه‪ ،‬في ن الىاهل‬
‫ـهثيرا في إىـابـة تلـك الـدعوة‪ .‬وهللا ‪ ‬يىيـب دعوة المضـــــجر‪ ،‬ولو كـان ك ً‬
‫ـافرا‪.‬‬ ‫أن للقبر ت ً‬
‫وقد قال تعالى‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [ا سراء‪.]20 :‬‬

‫‪ )1‬معار القبول ‪.)570 /1‬‬


‫‪337‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقد قال الخليل‪ ( :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ) [البقرة‪ .]126 :‬فقال ‪( :‬ﰉ ﰀ‬


‫ﰀ ﰀ ﰀ ﰎ ﰀ ﰀ ﰀ ﰒ ﰀ ﰀ ﰀ) [البقرة‪.)1 ]126 :‬‬
‫‪ -3‬قال شـيإل ا سـالم‪ :‬قد تقضـى للمسـلم حاىة وكان قد دعا دعوة عند قبره‪،‬‬
‫تهثيرا في تلك الحاىة؟‪ .‬لي كل سبب نال به ا نسان حاىته‬ ‫ً‬ ‫فمن أين له أن لذلك القبر‬
‫عا إذا غلبت مصـلحته على مفسـدته‪.‬‬ ‫عا‪ ،‬بل وال مبا ًحا‪ ،‬وإنما يكون مشـرو ً‬‫يكون مشـرو ً‬
‫ورا‪ ،‬وإن حصـــل به بعس‬ ‫عا؛ بل مح ً‬ ‫أما إذا غلبت مفســـدته؛ فإنه ال يكون مشـــرو ً‬
‫الفائدة‪.‬‬
‫من هذا الباب تحريم الســحر‪ ،‬م ما له من التهثير وقضــاء بعس الحاىات»‬
‫‪.)2‬‬
‫‪ -4‬قد يكون ســبب إىابة الدعاء أمر لي ســببه الدعاء‪ ،‬وإنما هو أمر خار‬
‫عنه‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬قد يكون نســـان فر مريس بســـبب ا مســـاك الشـــديد‪ ،‬القبس‬
‫المتلم بحي ال يســـتجي أن يترو ‪ ،‬فيذهب به صـــاحبه إلى بعس القبور التي يكون‬
‫فاىرا‪ ،‬يعذب عذابًا شـــديدًا‪ ،‬ويصـــيح صـــيحات مرتفعة مخيفة‬‫ً‬ ‫كافرا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫المقبور فيه‬
‫ً‬
‫مهولة‪ ،‬فيســمعها ذلك‪ ،‬فيخاف خوفا شــديدًا بحي يســهل ويترو من شــدة الخوف‪،‬‬
‫في ول منه ا مسـاك فتيعافى‪ ،‬في ن ذلك الرىل ‪-‬صـاحب الفر ‪ -‬أن المقبور قد قضى‬
‫حاىته‪ ،‬وشــفى فرســه‪ ،‬م أن الفر قد تعافى بســبب ا ســهال الذي حد له ألىل‬
‫خوف شديد‪ ،‬لما سم من صراأل ذلك المقبور الذي كان يعذب في قبره» ‪.)3‬‬
‫‪ -5‬لي هناك أحد من األمة قال‪ :‬إن الدعاء عند القبور أفضــل من المســاىد‪،‬‬
‫ولو كان موجنًا لما فرج الســـلف فيه‪ ،‬قال شـــيإل ا ســـالم‪ :‬لي الدعاء عند القبور‬
‫بهفضـل من الدعاء في المسـاىد وغيرها من األماكن‪ ،‬وال قال أحد من السـلف واألئمة‪:‬‬
‫إنه مستحب أن يقصد القبور ألىل الدعاء عندها؛ ال قبور األنبياء وال غيرهم» ‪.)4‬‬
‫وفي الىملة هذه حىة داحضـة‪ ،‬وشـبهة واهية‪ ،‬وهي أقون الشـبه عندهم‪ ،‬وهللا‬
‫أعلم وأحكم‪.‬‬
‫فهـذه بعس ض‬
‫شــــبـه القبوريـة‪ ،‬وقـد ذكرت أبر مـا لـديهم‪ ،‬وهو األصـــــل الـذي‬
‫اعتمدوا عليه‪ ،‬اللىوء إلى قبره ﷺ بهن ىميعها ضعيفة وواهية‪ ،‬فإذا سقج األصل الذي‬

‫‪.)221 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬إغاثة اللهفان‪،‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون ‪.)177 ،176 /27‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬الشرك في القديم والحدي ‪ )1220 /2‬وقد نسبها لبعس كتب شيإل ا سالم‪.‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ‪ )180 /27‬وان ر‪ :‬إذا أردت الم يد على هذه الشــبهة مىموعة الفتاون‬
‫‪،)221 ،220 /‬‬ ‫‪ )181 ،172 /27‬واالقتضـــــاء ‪ )656 /2‬ومـا بعـدهـا‪ ،‬وإغـاثـة اللهفـان‪،‬‬
‫‪.)409 ،408 /‬‬ ‫والشرك في القديم والحدي ‪ ،)1222 ،1218 /2‬والتبرك‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪338‬‬

‫ض‬
‫الشـبه‪،‬‬ ‫انبنى عليه مذهبهم‪ ،‬سـقج الفرع‪ ،‬وهذه الرسـالة ال تسـتوعب اسـتعراس ىمي‬
‫فردت وهلل الحمد لهذه المواضــي‬ ‫وإال الحتاىت الرســالة إلى مئات الصــفحات‪ ،‬ولقد أ ض ع‬
‫الكتب والمىلدات‪ ،‬فيستجي راغب الم يد والتفصيل أن يرى إليها ‪.)1‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم في حكم دعاء األموات‪:‬‬
‫من لىه إلى قبر ميت ودعاه أن يكشـف ضـره‪ ،‬أو يقضـي حاىته‪ ،‬فال شـك أن‬
‫هذا شــــرك أكبر وكفر باهلل‪ .‬ولقد حذر أهل العلم من هذه القضــــية الشــــركية‪ ،‬وبينوا‬
‫حكمها‪ ،‬وموقف الشـــرع منها‪ ،‬وبينوها بيانًا واضــ ًحا شـــافيًا ال م يد عليه‪ .‬قال شـــيإل‬
‫ت يهت إلى قبر نبي أو صـالح‪ ،‬أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو‬ ‫ا سـالم ‪ :−‬أما من يه ع‬
‫رىل صالح ولي كذلك‪ ،‬ويسهله يستنىده‪ ،‬فهذا على ثال درىات‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬أن يسـهله حاىته‪ ،‬مثل أن يسـهله أن ي يل مرضـه‪ ،‬أو مرس دوابه‪ ،‬أو‬
‫يقضـــي دينه‪ ،‬أو ينتقم له من عدوه‪ ،‬أو يعافي نفســـه وأهله ودوابه‪ ،‬ونحو ذلك مما ال‬
‫يقدر عليه إال هللا تعالى؛ فهذا شـرك صـريح‪ ،‬يىب أن يسـتتاب صـاحبه‪ ،‬فإن تاب‪ ،‬وإال‬
‫قتل‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنا أســهله لكونه أقرب إلى هللا مني ليشــف لي في هذه األمور؛ ألني‬
‫أتوســــل إلى هللا به‪ ،‬كما يتوســــل إلى الســــلجان بخواصــــه وأعوانه؛ فهذا من أفعال‬
‫المشــــركين والنصــــارن‪ ،‬فإنهم ي عمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شــــفعاء‪،‬‬
‫يسـتشـفعون بهم في مجالبهم‪ ،‬وكذلك أخبر هللا عن المشـركين أنهم قالوا‪( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ) [ال مر‪ ]3 :‬وقول كثير من الضــــالل‪ :‬هذا أقرب إلى هللا مني‪ ،‬وأنا بعيد من هللا‬
‫ال يمكن أن أدعوه إال بهذه الواســجة‪ ،‬ونحو ذلك من أقوال المشــركين‪ ،‬وقد أخبر عن‬
‫المشــــركين أنهم قالوا‪( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ) ثم يقال لهذا المشــــرك‪ :‬أنت إذا دعوت‬
‫هـذا‪ ،‬فـإن كنـت ت ن أنـه أعلم بحـالـك‪ ،‬وأقـدر على عجـاء ســـــتالـك‪ ،‬أو أرحم بـك؛ فهـذا‬
‫ىهل وضــالل وكفر‪ ،‬وإن كنت تعلم أنه هللا أعلم وأقدر وأرحم‪ ،‬فلم عدلت عن ســتاله‬
‫إلى ستال غيره؟‬

‫‪ )1‬من هذه الكتب‪:‬‬


‫‪ -1‬االستغاثة في الرد على البكري لشيإل ا سالم‪.‬‬
‫‪ -2‬الصارم المنكي‪.‬‬
‫‪ -3‬شر كشف الشبهات‪.‬‬
‫‪ -4‬التوصل إلى حقيقة التوسل‪.‬‬
‫‪ -5‬مصبا ال الم في الرد على من كذب على شيإل ا سالم لعبد اللجيف آل الشيإل‪.‬‬
‫‪339‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الثـاني‪ :‬أال تجلـب منـه الفعـل وال تـدعوه‪ ،‬ولكن تجلـب أن يـدعو لـك‪ .‬كمـا تقول‬
‫لحي‪ :‬ادع لي‪ ،‬ثم قـال‪ :‬ومن أع م الشـــــرك أن يســـــتغيـ الرىـل بميـت أو غـائـب‪،‬‬
‫ويستغي به عند المصائب‪ ،‬يقول‪ :‬يا سيدي فالن! كهنه يجلب منه إ الة ضره أو ىلب‬
‫نفعه‪ ،‬وهذا حال النصــــارن في المســــيح وأمه وأحبارهم ورهبانهم‪ ،‬ومعلوم أن خير‬
‫الخلق وأكرمهم على هللا نبينا محمد ﷺ وأعلم النا بقدره وحقه أصــحابه‪ ،‬ولم يكونوا‬
‫يفعلون شــيئًا من ذلك‪ ،‬ال في مغيبه‪ ،‬وال بعد مماته‪ .‬وهتالء المشــركون يضــمون إلى‬
‫الشــــرك الكذب‪ ،‬فإن الكذب مقرون بالشــــرك وقد قال تعالى‪ ( :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ )‬
‫[الحج‪.]30 :‬‬
‫الثـالـ ‪ :‬وهو أن يقول‪ :‬اللهم بىـاه فالن عنـدك‪ ،‬أو ببركـة فالن‪ ،‬أو بحرمـة‬
‫فالن عندك‪ :‬افعل بي كذا‪ ،‬وكذا‪ .‬فهذا يفعله كثير من النا ‪ ،‬ولكن لم يضنقل عن أحد من‬
‫الصحابة والتابعين وسلف األمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء» ‪.)1‬‬
‫كما كان الصــحابة ﭫ يجلبون من النبي ﷺ الدعاء‪ ،‬فهذا مشــروع في الحي‪،‬‬
‫وأما الميت من األنبياء والصــــالحين وغيرهم‪ ،‬فلم يشــــرع لنا أن نقول‪ :‬ادع لنا‪ ،‬وال‬
‫اســهل لنا ربك‪ ،‬ولم يفعل ذلك أحد من الصــحابة قج‪ ،‬بل هو بدعة ما أن ل هللا بها من‬
‫سلجان‪.‬‬
‫ضا‪ :‬الدعاء عند القبور وغيرها من األماكن ينقسم إلى نوعين‪:‬‬ ‫وقال أي ً‬
‫أحدهما‪ :‬أن يحصــــل الدعاء في البقعة بحكم االتفاق‪ ،‬ال لقصــــد الدعاء فيها‪،‬‬
‫كمن يـدعو هللا في جريقـه‪ ،‬ويتفق أن يمر بـالقبور‪ ،‬أو كمن ي ورهـا‪ ،‬فيســـــلم عليهـا‪،‬‬
‫ويسهل هللا العافية له وللموتى‪ ،‬فهذا ونحوه ال به به‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يتحرن الدعاء عندها‪ ،‬بحي يســتشــعر أن الدعاء هناك أىوب منه‬
‫في غيره‪ ،‬فهـذا النوع منهي عنـه‪ ،‬إمـا نهي تحريم أو تن يـه‪ ،‬وهو إلى التحريم أقرب‪،‬‬
‫ولو تحرن الدعاء عند صــــنم أو صــــليب أو كنيســــة‪ ،‬يرىو ا ىابة بالدعاء في تلك‬
‫البقعة؛ لكان هذا من الع ائم» ‪.)2‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ :−‬ومن أنواعه يعني الشــــرك) جلب الحوائج من الموتى‪،‬‬
‫واالستغاثة بهم‪ ،‬والتوىه إليهم‪.‬‬
‫ـرا‬
‫وهذا أصـل شـرك العالم‪ ،‬فإن الميت قد انقج عمله‪ ،‬وهو ال يملك لنفسـه ض ً‬
‫فضـال عمن اسـتغا به‪ ،‬وسـهله قضـاء حاىته‪ ،‬أو سـهله أن يشـف له إلى هللا‬ ‫ً‬ ‫وال نفعًا‪،‬‬
‫‪)3‬‬
‫فيها‪ ،‬وهذا من ىهله بالشاف والمشفوع له عنده ‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون ‪ )83 -72 /27‬باختصار وتصرف‪.‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬االقتضاء ‪ )683 ،682 /2‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ )353 /1 :‬مدار السالكين بين منا ل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬لإلمام ابن القيم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪340‬‬

‫وقال ابن عبد الهادي‪ :‬لو ىاء إنســان إلى ســرير الميت يدعوه من دون هللا‪،‬‬
‫ويستغي به‪ ،‬كان هذا شر ًكا محر ًما بإىماع المسلمين» ‪.)1‬‬
‫وىهارا‪ ،‬وخوفًا وجمعًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـرا‬
‫ونهارا وسـ ً‬
‫ً‬ ‫وقال الصــنعاني‪ :‬ومن نادن هللا ً‬
‫ليال‬
‫أيضـــا‪ :‬فهذا‬
‫ً‬ ‫ثم نادن معه غيره‪ ،‬فقد أشـــرك في العبادة‪ ،‬فإن الدعاء من العبادة‪ .‬وقال‬
‫الذي يفعلونه ألوليائهم هو عين ما فعله المشـركون‪ ،‬وصـاروا به مشـركين‪ ،‬وال ينفعهم‬
‫قولهم‪ :‬فنحن ال نشرك باهلل شيئًا‪ ،‬ألن فعلهم أكذب قولهم» ‪.)2‬‬
‫وقـال مىـدد الـدعوة الشـــــيإل محمـد بن عبـد الوهـاب ‪ −‬في كتـابـه التوحيـد‪ :‬بـاب‬
‫من الشــرك أن يســتغي بغير هللا‪ ،‬أو يدعو غيره‪ .‬وقال الشــيإل عبد الرحمن بن حســن‬
‫‪ :)3‬اعلم أن الدعاء نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬دعاء عبادة‪.‬‬
‫‪ -2‬دعاء مســـهلة‪ .‬وهو جلب ما ينف الداعي‪ ،‬من ىلب نف أو كشـــف ضـــر؛‬
‫ـرا وال نفعًا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬‫ولهذا أنكر هللا على من يدعو أحدًا من دونه‪ ،‬ممن ال يملك ضـ ً‬
‫(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [األنعـام‪ ]71 :‬ثم قـال‪ :‬فـإن هللا هو المتفرد بـالملـك والقهر‪،‬‬
‫والعجـاء والمن ‪ ،‬والضـــــر والنف ‪ ،‬دون كـل مـا ســـــواه‪ ،‬فيل م من ذلـك‪ ،‬أن يكون هو‬
‫المـدعو وحـده‪ ،‬المعبود وحـده‪ ،‬فـإن العبـادة ال تصـــــلح إال لمـالـك النف ‪ ،‬فهو قـد تفرد‬
‫باأللوهية والربوبية‪ ،‬ونصـب األدلة على ذلك‪ ،‬فاعتقد عباد القبور والمشـاهد نقيس ما‬
‫أخبر به هللا‪ ،‬واتخذوهم شــــركاء هلل في اســــتىالب المناف ودف المكاره بســــتالهم‪،‬‬
‫وااللتىـاء إليهم بـالرغبـة والرهبـة والتضـــــرع‪ ،‬وغير ذلـك من أنواع العبـادة التي ال‬
‫يستحقها إال هللا‪ ،‬واتخذوهم شركاء هلل في ربوبيته وألوهيته ‪.)4‬‬
‫ضـا‪ :‬فمن دعا غير هللا جالبًا منه ما ال يقدر عليه إال هللا‬ ‫وقال الشـيإل محمد أي ً‬
‫من ىلب نف ‪ ،‬أو دف ضــر‪ ،‬فقد أشــرك في عبادة هللا‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [األحقاف‪.]6 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاجر‪:‬‬
‫‪ . ]14‬فهخبر تبـارك وتعـالى أن دعاء غير هللا شـــــرك‪ ،‬فمن قال‪ :‬يا رســـــول هللا‪ ،‬أو يا‬

‫‪.)328 /‬‬ ‫‪ )1‬الصارم المنكي‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تجهير االعتقاد ‪.)40 ،41‬‬
‫‪ )3‬هو عبـد الرحمن بن حســـــن بن محمـد بن عبـد الوهـاب‪ ،‬إمـام من أئمـة الـدعوة‪ ،‬ولـد في عـام‬
‫‪1193‬هـــ)‪ .‬له عدة متلفات من أهمها‪ :‬شرحه المفرد في الفتح المىيد‪ ،‬توفي عام ‪1285‬هـــ)‪.‬‬
‫ان ر‪ :‬األعالم ‪.)304 /3‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬فتح المىيد ‪ )202 ،193‬باختصار وتصرف‪.‬‬
‫‪341‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫اع ًما أنه يقضـي حاىته إلى هللا تعالى أو أنه شـفيعه عنده‪ ،‬أو وسـيلته‬ ‫عبدهللا بن عبا‬
‫‪)1‬‬
‫إليه‪ ،‬فهو الشرك الذي يهدر الدم‪ ،‬ويبيح المال‪ ،‬إال أن يتوب من ذلك» ‪.‬‬
‫وقال صـديق حسـن خان‪ :‬ذكر هللا أن الكفار إذا مسـهم الضـر تركوا غير هللا‬
‫من السـادة والقادة والجواغيت‪ ،‬فلم يدعوا أحدًا منهم‪ ،‬ولم يسـتعينوا بهم‪ ،‬بل أخلصـوا هلل‬
‫وحده ال شــريك له‪ .‬وأنت ترن المشــركين المدعين لإليمان من المســلمين‪ ،‬وفيهم من‬
‫يدعي أنه من أهل العلم والفضـل‪ ،‬وفيه الصـال وال هد واالىتهاد في العبادة‪ ،‬إذا مسـه‬
‫الضــر وأهمه أمر من أمور الدنيا‪ ،‬قام يســتغي بغير هللا من األولياء‪ ،‬وأشــن وأف‬
‫وأقبح وأع م ىر ًمـا وأجم ضـــــاللـة‪ ،‬أنهم يســـــتغيثون بـالجواغيـت‪ ،‬واألحـدا ‪ ،‬وأهـل‬
‫القبور» ‪.)2‬‬
‫وسئلت اللىنة الدائمة عن مثل هذه األمور فقالت‪ :‬دعاء غير هللا من األولياء‬
‫والصـالحين لكشـف ضـر‪ ،‬أو شـفاء مريس‪ ،‬أو تهمين جريق مخيف؛ شـرك أكبر يضخر‬
‫من ا سالم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الىن‪.]18 :‬‬
‫وقـال تعـالى‪( :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ ﰈ ﰉ ﰀ ﰀ ﰀ ﰀ) [يون ‪:‬‬
‫‪.]106‬‬
‫وإىـابـة عن ســـــتال آخر‪ ،‬فقـالـت‪ :‬دعـاء األموات‪ ،‬والغـائبين من األنبيـاء‬
‫واألولياء وغيرهم وحدهم‪ ،‬أو م هللا؛ شرك أكبر‪ ،‬ولو صام وصلى و كى» ‪.)3‬‬
‫وبـالىملـة‪ ،‬أقوال أهـل العلم من أئمـة التفســـــير‪ ،‬وأئمـة التوحيـد والـدعوة في كـل‬
‫الصــــقاع والبقاع‪ ،‬قد اتفقت على أن دعاء غير هللا شــــرك‪ ،‬فعلى أهل العلم أن يبذلوا‬
‫الىهود الع يمة نقاذ النا من هذا الكفر البوا ‪ ،‬والشـرك الصـرا ‪ ،‬ويا ويلهم إن لم‬
‫يتوبوا إلى ربهم وينيبوا‪ ،‬وهللا أعلم وأحكم‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬الدرر السنية ‪.)19 /2‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ )134 ،133 /1 :‬باختصار الدين الخال ‪ ،‬تهليف‪ :‬محمد صديق حسن القنوىي‪ ،‬ضبجه‬
‫وصححه‪ :‬محمد سالم هاشم‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة سـتال ‪ ،)6009 ،)5476‬في ‪ )141 ،140 /1‬وفي المىلد نفسـه‬
‫الكثير من هذه األسـئلة‪ .‬وان ر‪ :‬للم يد في هذه المسـهلة‪ :‬القول المفيد في شـر كتاب التوحيد ‪/1‬‬
‫‪ )290 - 252‬وإعانة المســتفيد للشــيإل صــالح الفو ان ‪ ،)290 ،267 /1‬والشــرك في القديم‬
‫‪ )156 -131 /‬نواقس ا يمـان القوليـة والعمليـة‪،‬‬ ‫والحـديـ ‪ ،)1274 ،1166 /2‬وان ر‪:‬‬
‫للدكتور‪ :‬عبد الع ي العبد اللجيف‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪342‬‬
‫‪343‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل الثامن‬
‫تع يم القبور‬
‫وفيه عدة مباح ‪:‬‬
‫‪ -‬المبح األول‪ :‬الجواف بالقبر‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬إثبات أن الجواف عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الجواف حول القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬شبه يوردها من يرون الجواف حول القبر‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثاني‪ :‬التبرك والتمسح بالقبور‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف التبرك‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬حكم التبرك‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬موقف أهل العلم من التبرك بقبره ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬المبح الثال ‪ :‬المىاورة عند قبور الصالحين‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف المىاورة واالعتكاف‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن االعتكاف عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن االعتكاف في غير المساىد منهج أهل الىاهلية‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬أقوال أهل العلم في العكوف عند القبور‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪344‬‬

‫المبح األول‬
‫الجواف بالقبر‬
‫يعتبر الجواف بـالقبور من البـدع المحـدثـات التي عمـت وجمـت؛ فمن ار‬
‫المقامات الم عومة‪ ،‬والمشــــاهد المكذوبة؛ لعلم ع م المصــــاب الذي بضليت به األمة‪.‬‬
‫وســـوف يكون الحدي في هذا المبح عن الجواف بالقبور‪ ،‬وســـوف يقوم على عدة‬
‫مجالب‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬إثبات أن الجواف عبادة‪:‬‬
‫يعتبر الجواف عبادة شــــرعها هللا ىل وعال) في منســــك وفي شــــعيرة من‬
‫شـعائره‪ ،‬فلقد شـرع هللا الجواف حول البيت العتيق‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫خاصــا في بيته؛ حي قال عن إحدن‬ ‫ً‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ) [الحج‪ .]125 :‬فاهلل تعالى ىعل الجواف‬
‫أركان الحج‪ ،‬وهو جواف ا فاضــــة للمنصــــرفين من م دلفة‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ) فىعل هللا‬
‫ىـل وعال) الجواف عبـادة‪ ،‬ال يكتمـل الحج إال بهـا؛ وألنـه عبـادة فقـد رتـب هللا األىر‬
‫الع يم على ذلك‪ .‬فعن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬ســمعت رســول هللا ﷺ يقول‪ :‬من جاف‬
‫بالبيت‪ ،‬وصلى ركعتين‪ ،‬كان كعتق رقبة» ‪.)1‬‬
‫وورد عنـد أحمـد في المســــنـد‪ ،‬قـال‪ :‬وســـــمعتـه يقول‪ :‬من جـاف بهـذا البيـت‬
‫ت له درىة‪ ،‬وكان‬ ‫ب له بكل خجوة حسـنة‪ ،‬و ضك عف مر عنه سـيئة‪ ،‬ض‬
‫ورفععم ِ‬ ‫عا يحصـيه‪ ،‬ضكتع م‬
‫أسـبو ً‬
‫‪)2‬‬
‫عدل عتق رقبة» ‪.‬‬
‫‪)3‬‬
‫وقال شيإل ا سالم‪ :‬وا كثار من الجواف بالبيت من األعمال الصالحة» ‪.‬‬
‫ومما سـبق يتبين لنا‪ :‬أن الجواف عبادة مخصـوصـة في مكان مخصـو ‪ ،‬فال‬
‫يىو أن يقا مشهد من المشاهد‪ ،‬ومقام من المقامات ببيت هللا‪ ،‬فاهلل تعالى قال‪ ( :‬ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ )‪ ،‬فال يىو أن يضجاف في غير البيت العتيق‪ ،‬ال عند قبر الرســـول ﷺ‪ ،‬وال عند‬
‫قبر غيره من باب أولى‪.‬‬
‫ونخل مما سبق إلـى ما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬أخرىه ابن ماىه‪ ،‬كتاب المناســك‪ ،‬باب فضــل الجواف‪ ،‬رقم‪ .)2956 /‬قال البوصــيري‪ :‬هذا‬
‫إسـناد رىاله ثقات‪ ،)20 /3 .‬مصـبا ال ىاىة في وائد ابن ماىه‪ ،‬لشـهاب الدين البوصـيري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬موسـى محمد علي‪ ،‬والدكتور‪ :‬ع ت علي عجية‪ ،‬وصـححه األلباني في صـحيح سـنن ابن‬
‫ماىه ‪ ،)24 /3‬رقم‪.)2411 /‬‬
‫‪ )2‬أخرىه أحمد ‪ ،)514 /9‬رقم‪ ،)5701 /‬وقال محقق المسند‪ :‬حدي حسن‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون البن تيمية ‪.)145 /26‬‬
‫‪345‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -1‬إن الجواف عبــادة ع يمــة‪ ،‬والعبــادات مبنــاهــا على التوقيف؛ ألن دين‬
‫ا سالم مبني على أصلين ع يمين‪ :‬قال شيإل ا سالم‪ :‬وىماع الدين شيئان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أال نعبد إال هللا تعالى‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن نعبده بما شــرع؛ ال نعبده بالبدع‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)؛‬
‫قال الفضـيل بن عياس‪ :‬أخلصـه وأصـوبه‪ .‬قيل له‪ :‬ما أخلصه وأصوبه؟ قال‪ :‬إن العمل‬
‫خالصــا لم يقبل؛‬
‫ً‬ ‫خالصــا ولم يكن صــوابًا لم يقبل؛ وإذا كان صــوابًا ولم يكن‬‫ً‬ ‫إذا كان‬
‫صا صوابًا‪ ،‬والخال أن يكون هلل‪ .‬والصواب أن يكون على السنة‪.‬‬ ‫حتى يكون خال ً‬
‫صـــــالحـا؛‬
‫ً‬ ‫وكـان عمر بن الخجـاب يقول في دعـائـه‪ :‬اللهم اىعـل عملي كلـه‬
‫صا‪ ،‬وال تىعل ألحد فيه شيئًا‪.‬‬ ‫واىعله لوىهك خال ً‬
‫وهذا هو دين ا سالم الذي أرسل هللا به رسله وأن ل به كتبه‪ ،‬وهو االستسالم‬
‫هلل وحده‪ .‬فمن لم يسـتسـلم له كان مسـتكب ًرا عن عبادته‪ ،‬وقد قال تعالى‪ ( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ‬
‫ﮣ ﭪ ﭫ) [غافر‪ ]60 :‬ومن استسلم هلل ولغيره كان مشر ًكا» ‪.)1‬‬
‫فلو كان الجواف حول األضـــرحة عبادة يتقرب بها إلى هللا؛ لشـــرعه هللا لنا‪،‬‬
‫ولندبنا إليه رسـوله‪ ،‬وعمله السـلف من بعده‪ ،‬فدل هذا على عدم مشـروعيته‪ ،‬بل وثبتت‬
‫حرمته وبدعيته‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الجواف حول القبر‪:‬‬
‫اشـتد نكير أهل العلم على إنكار هذه البدعة الع يمة التي يخشـى على صـاحبها‬
‫الخرو من الملة‪.‬‬
‫قال شـيإل ا سـالم ‪ :−‬الجواف ال يشـرع إال بالبيت العتيق باتفاق المسـلمين‪.‬‬
‫ولهذا اتفقوا على تضـليل من يجوف بغير ذلك‪ ،‬مثل من يجوف بالصـخرة‪ ،‬أو بحىرة‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬أو بالمســاىد المبنية بعرفة‪ ،‬أو منى‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬أو بقبر بعس المشــايإل‪،‬‬
‫أو بعس أهـل البيـت‪ ،‬كمـا يفعلـه كثير من ىهـال المســـــلمين‪ ،‬فـإن الجواف بغير البيـت‬
‫العتيق ال يىو باتفاق المســــلمين‪ ،‬بل من اعتقد ذلك وقربه؛ عرف أن ذلك لي بدين‬
‫باتفاق المسـلمين‪ ،‬وأن ذلك معلوم بالضـرورة من دين ا سـالم‪ ،‬فإن أصـر على اتخاذه‬
‫دينًا قضتل» ‪.)2‬‬
‫وقال النووي‪ :‬ال يىو أن يجاف بقبر النبي ﷺ» ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون البن تيمية ‪.)24 ،23 /28‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن تيمية ‪.)250 ،121 /26‬‬
‫‪.)456 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬كتاب ا يضا في مناسك الحج والعمرة‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪346‬‬

‫ً‬
‫متوســال‬ ‫قالت اللىنة الدائمة‪ :‬أما من اســتغا باهلل‪ ،‬وســهله ســبحانه وحده‪،‬‬
‫تـهثيرا‪ ،‬وإنمــا رىـا أن تكون‬
‫ً‬ ‫بىــاههم‪ ،‬أو جـاف حول قبورهم‪ ،‬دون أن يعتقــد فيهم‬
‫من لتهم عند هللا ســببًا في اســتىابة هللا له‪ ،‬فهو مبتدع آثم‪ ،‬مرتكب لوســيلة من وســائل‬
‫الشرك‪ ،‬ويخشى عليه أن يكون ذلك منه ذريعة إلى وقوعه في الشرك األكبر» ‪.)1‬‬
‫قال أبو شامة ‪ :)2‬وبلغني أن منهم من يجوف بقبة الصخرة؛ تشب ًها بالجواف‬
‫بالكعبة‪ .‬وقال‪ :‬وال يىو أن يجاف بالقبر» ‪.)3‬‬
‫وقال الشيإل علي بن محفو ‪ :)4‬ومن البدع السيئة الجواف حول األضرحة‪،‬‬
‫فإنه لم يعهد عبادة إال بالبيت‪ ،‬وكذا لم يشرع التقبيل واالستالم إال للحىر األسود» ‪.)5‬‬
‫وقال ابن الحا ‪ :‬فترن من ال علم عنده يجوف بالقبر الشــريف‪ ،‬كما يجوف‬
‫بـالكعبـة الحرام‪ ،‬ويتمســـــح بـه‪ ،‬ويقبلـه‪ ،‬ويلقون عليـه منـاديلهم وثيـابهم؛ يقصـــــدون بـه‬
‫التبرك‪ ،‬وذلك كله من البدع» ‪.)6‬‬
‫قال الشـيإل محمد بن إبراهيم‪ :‬وأما الجواف بالقبر وجلب البركة منه؛ فهو ال‬
‫يشــك عاقل في تحريمه‪ ،‬وأنه من الشــرك؛ فإن الجواف من أنواع العبادات‪ ،‬فصــرفه‬
‫لغير هللا شرك‪ ،‬وكذلك البركة ال تجلب إال من هللا‪ ،‬وجلبها من غير هللا شرك» ‪.)7‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬شبهة يوردها من يرون الجواف حول القبور‪:‬‬
‫يرددون دائ ًما عند مناقشـــتهم أننا ال نجوف حول القبر إال بقصـــد التقرب إلى‬
‫هللا بذلك العمل؛ ألن هللا قد ىعل لصـــاحب هذا القبر خصـــائ معينة‪ ،‬فهو ولي من‬
‫أوليـائـه‪ ،‬فمـا جفنـا حولـه‪ ،‬إال ألنـه قـد ىعلـه وليـًّا من أوليـائـه‪ ،‬فنحن نتقرب إلى هللا بـذلـك‬
‫العمل ‪-‬وهو الجواف حول القبر واألضرحة‪.-‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪ )106 ،105 /1‬رقم الفتون ‪.)4154‬‬


‫‪ )2‬هو ا مام الحاف شـهاب الدين أبو القاسـم عبدالرحمن بن إسـماعيل المقدسـي الدمشـقي‪ ،‬الشـافعي‪،‬‬
‫وقد عرف بـــــ ـ أبي شــامة) لشــام ٍة كبيرة فوق حاىبه األيســر‪ ،‬ولد ســنة ‪ ،)599‬ومن أشــهر‬
‫مصــنفاته‪ :‬مختصــر تاريإل بغداد‪ ،‬وتقييد األســماء المشــكلة‪ ،‬توفي ‪ −‬ســنة ‪665‬هـــــــ)‪ ،‬ان ر‪:‬‬
‫األعالم ‪.)299 /3‬‬
‫‪ )282 -120 /‬كتـاب البـاعـ على إنكـار البـدع والحواد ‪ ،‬لإلمـام أبي محمـد عبـد‬ ‫‪ )3‬ان ر‪:‬‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫‪ )4‬هو الشـــيإل الواع علي محفو ‪ ،‬تخر باأل هر‪ ،‬ثم أصـــبح من أعضـــاء هيئة كبار العلماء‪،‬‬
‫وأستاذ في كلية أصول الدين‪ ،‬ألف كتبًا قيمة‪ ،‬توفي سنة ‪1361‬هـ)‪ ،‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.)323 /4‬‬
‫‪ ،)174 /‬ا بداع في مضار االبتداع‪ ،‬للشيإل علي بن محفو ‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد بن نصر‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬المدخل ‪.)189 /1‬‬
‫‪ )7‬ان ر‪ :‬فتاون ابن إبراهيم ‪.)122 /1‬‬
‫‪347‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الرد على هذه الشـبهة‪ :‬هذه الشـبهة ‪-‬وربي‪ -‬أوهى من بيت العنكبوت لضـعفها‪.‬‬
‫والرد عليها واضح وىلي من ىوه‪:‬‬
‫الوىـه األول‪ :‬إن التقرب إلى هللا ىـل وعال) ال يكون إال بمـا شـــــرع‪ ،‬قـال‬
‫تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الشورن‪.]21 :‬‬
‫فليهتوا بدليل صــحيح أو ضــعيف عن الرســول ﷺ‪ ،‬أو عن أحد من أصــحابه‬
‫ليىعلوه حىـة لهم؛ بـل ليـهتوا بـهثر أو قول مقجوع عن تـابعي يســـــتنـدون إليـه‪ ،‬ويكون‬
‫غا لفعلهم‪ .‬ووهللا لو فتشــــوا الكتب آالف الســــنين لما وىدوا ممســ ـ ًكا‬
‫مبررا ومســــو ً‬
‫ً‬
‫يتمسكون به‪ ،‬فياويلهم إن لم يتوبوا‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬نقل الثبت الثقة شــيإل ا ســالم ‪ −‬إىماع ســلف األمة‪ ،‬واتفاقهم‬
‫على حرمـة هـذا األمر‪ ،‬بـل وىعلـه من األمور المعلومـة من الـدين بـالضـــــرورة‪ ،‬ون‬
‫على أنهـا من أع م البـدع المحرمـة‪ ،‬بـل ون على أن على فـاعلهـا التوبـة‪ ،‬وإال فحقـه‬
‫القتل ‪.)1‬‬
‫الوىـه الثـالـ ‪ :‬أمـا قولهم أن جوافهم بـالقبر قربـة إلى هللا‪ ،‬فهو ‪-‬وربي‪ -‬قول‬
‫أســالفهم من أهل الشــرك األوائل الذين قالوا كما حكى هللا عنهم‪ ( :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [ال مر‪.]3 :‬‬
‫فهـل هللا ىـل وعال) أل م الخلق‪ ،‬أو أوىـب على الخلق‪ ،‬أو أرشـــــد الخلق‬
‫ليىعلوا بينهم وبينه واســــجة؟‪ ،‬بل قال وهو أىل من قال‪( :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة‪ .]186 :‬فما قال هللا‪ :‬الىتوا إلى الوســيج‪ ،‬وادعوا‬
‫الوسيج‪ ،‬وجوفوا حول ضريح الوسيج من أىل أن يشف لكم عندي‪.‬‬
‫الوىه الراب ‪ :‬لقد اشــتد نكير األئمة‪ ،‬ومنهم بعس رمو التصــوف كالغ الي‬
‫على حرمة تقبيل ىدار قبره‪ ،‬ونهى أن يضم ىدرانه‪ ،‬قال الغ الي‪ :‬ولي من الســنة‬
‫أن يضم الىدار‪ ،‬وال أن يقبله‪ ،‬بل الوقوف من بعد أقرب لالحترام» ‪.)2‬‬
‫بـل قـال أحـد كبـار الصـــــوفيـة في هـذا ال مـان محمـد المـالكي ‪-‬هـدانـا هللا وإيـاه‪:-‬‬
‫اعلم أنه ينبغي لل ائر أال يقبل القبر الشــريف‪ ،‬وال يمســحه بيديه‪ ،‬وال يلصــق بجنه‬
‫و هره بىداره‪ ،‬أو بالحاى المســتور بالكســوة‪ ،‬أو الشــباك‪ .‬فإن كل ذلك مكروه؛ لما‬
‫فيه من استعمال خالف األدب في حضرته ﷺ» ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن تيمية ‪ )250 ،121 /26‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬إحياء علوم الدين ‪.)386 /1‬‬
‫‪.)229 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬مفاهيم يىب أن تصحح‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪348‬‬

‫أما أئمة أهل الســنة والىماعة‪ ،‬فقد أىمعوا صــراحةً على عدم ىوا الجواف‬
‫بقبر الرســول ﷺ‪ ،‬وهو ســيد ولد آدم‪ ،‬وأكرم الخلق عند هللا‪ ،‬وأعالهم في الىنة مقا ًما‪،‬‬
‫وأقربهم إلى هللا من لـة‪ ،‬فـإذن الجواف حول قبره ال يىو ‪ ،‬بـل بـدعـة يشـــــتـد حولهـا‬
‫النكير‪ ،‬فمن بـاب أولى قبور غيره‪ .‬وبعس الـذين يجـاف حولهم بررة أتقيـاء‪ ،‬وىلهم‬
‫فىرة خبثاء‪ ،‬وهلل األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫الـخـالصـة‪:‬‬
‫بهذا يتبين لنا‪ :‬أن الجواف حول القبور بدعة من أع م البدع‪ .‬أما إذا صــحبها‬
‫دعاء‪ ،‬فهو شــرك أكبر‪ ،‬مخر من الملة‪ ،‬فعســى هللا أن يرأف بحال األمة‪ ،‬وأن يبع‬
‫لها مىددًا يخرىها من غياهب ال الم‪.‬‬
‫‪349‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثاني‬
‫التبرك والتمسح بالقبور‬
‫من أع م البدع ما يفعله ىهال المسلمين‪ ،‬ولو كانوا من حملة أعلى الشهادات‪،‬‬
‫من يارة األضــرحة وممارســة ما لم يهذن به هللا‪ :‬من ســىود عند أعتابها‪ ،‬وتمســح‬
‫بحوائجهـا‪ ،‬وتقبيلهـا‪ ،‬وتمريغ للخـدود عنـدهـا رىـاء بركتهـا‪ ،‬ومنـاداة لســـــاكني اللحود‬
‫بنداءات شــركية‪ ،‬واســتغاثات وثنية‪ .‬ولعلنا في هذا المبح نناقع بعس هذه الم اهر‬
‫من خالل ما يلي‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬تعريف التبرك‪:‬‬
‫التبرك‪ :‬هو النمـاء وال يـادة‪ .‬وقـد جـال الحـدي‬
‫ن‬ ‫مر معنـا معنى‬‫حيـ ســـــبق أن َّ‬
‫حوله‪ .‬فليرى إليه في موجنه ‪.)1‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬حكم التبرك‪:‬‬
‫ال يخفى على أحـد من أهـل العلم أن التبرك فيـه مـا هو مشـــــروع‪ ،‬وفيـه مـا هو‬
‫ممنوع‪ ،‬ولي موضـوع هذه الرسـالة التبرك بشـقيه‪ ،‬وال قضـية التبرك الممنوع برمته‪،‬‬
‫وإنما قضـية التبرك بالقبور وحكمه‪ ،‬وهو داخل في التبرك الممنوع ‪-‬كما سـي هر بإذن‬
‫هللا‪ -‬فـالتب رك الممنوع هو‪ :‬مـا ن الشـــــرع على النهي عنـه‪ ،‬والتحـذير من فعلـه‪ ،‬ومـا‬
‫أصـال ‪ .)2‬واألصـل‬ ‫ً‬ ‫تىاو حدود التبرك المشـروع‪ ،‬وما لم يكن له مسـتند من الشـرع‬
‫ضشـرع منها إال ما شـرعه هللا ورسـوله‪ ،‬وإن اسـتحسـنه العقل‪ ،‬إذ ال‬ ‫في العبادات أن ال ي‪َّ )3‬‬
‫مدخل له في الدين ‪.‬‬
‫قال شــيإل ا ســالم‪ :‬فمن ندب إلى شــيء يتقرب به إلى هللا‪ ،‬أوىبه بقوله أو‬
‫شـــرع من الدين ما لم يهذن به هللا‪ ،‬ومن اتبعه في‬ ‫َّ‬ ‫فعله‪ ،‬من غير أن يشـــرعه هللا؛ فقد‬
‫‪)4‬‬
‫شـرع من الدين ما لم يهذن به هللا» ‪ .‬والمتهمل في التبرك‬ ‫ذلك؛ فقد اتخذه شـري ًكا هلل‪َّ ،‬‬
‫عـا لءدلـة‬‫بـالقبور يعلم بـهنهـا من البـدع الحـادثـة التي لم يـهذن بهـا هللا‪ .‬وال يىو شـــــر ً‬
‫ااتية‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ال يوىد ن ال في كتاب هللا‪ ،‬وال في ســـنة رســـول هللا ﷺ يندب إلى‬
‫مثـل هـذا العمـل أو يىي ه‪ ،‬فـإذا كـان مثـل هـذا العمـل ال يوىـد لـه دليـل‪ ،‬فهو مردود على‬
‫صاحبه‪ .‬قال ﷺ‪ :‬من أحد في أمرنا هذا ما لي منه‪ ،‬فهو رد» ‪.)5‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الشورن‪.]21 :‬‬

‫‪ )134 /‬مبح عن التبرك‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬


‫‪.)509 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬التبرك أنواعه وأحكامه‬
‫‪ )252 /‬التوضـــيح عن توحيد الخالق في ىواب أهل العراق‪ ،‬وتذكرة أولي األلباب‬ ‫‪ )3‬ان ر‪:‬‬
‫في جريقة الشيإل محمد بن عبد الوهاب المنسوب لسليمان بن عبد هللا بن محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬االقتضاء البن تيمية ‪.)583 /5 ،)582 /2‬‬
‫‪.)34 /‬‬ ‫‪ )5‬سبق تخريىه‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪350‬‬

‫‪ -2‬لقد حذر الرسـول ﷺ من البناء على القبور واتخاذها مسـاىد‪ ،‬وهذا يسـتل م‬
‫أال تضع م‪ ،‬وأال تضتدَّن عنـدهـا العبـادات‪ ،‬وال تضرىى منهـا البركـات كمـا تضرىى من بيوت‬
‫هللا‪.‬‬
‫‪ -3‬لم ينقل عن أحد من الصـحابة أنه فعل مثل ذلك‪ ،‬أو ندب إليه قال ابن القيم‬
‫‪ :−‬فهذه ســنة رســول هللا ﷺ في أهل القبور بض ـ ًعا وعشــرين ســنة‪ ،‬حتى توفاه هللا‬
‫تعـالى‪ ،‬وهـذه ســــنـة خلفـائـه الراشـــــدين‪ ،‬وهـذه جريقـة ىمي الصــــحـابـة والتـابعين لهم‬
‫بإحســان‪ ،‬هل يمكن لبشــر على وىه األرس أن يهتي عن أحد منهم بنقل صــحيح‪ ،‬أو‬
‫حســـن أو ضـــعيف‪ ،‬أو منقج ‪ :‬أنهم كانوا إذا كان لهم حاىة قصـــدوا القبور‪ ،‬فدعوا‬
‫ً‬
‫فضـال أن يصـلوا عندها‪ ،‬أو يسـهلوا هللا بهصـحابها‪ ،‬أو يسـهلوهم‬ ‫عندها‪ ،‬وتمسـحوا بها‪،‬‬
‫حوائىهم؟ فليوقفونـا على أثر واحـد‪ ،‬أو حرف واحـد في ذلـك‪ ،‬بـل يمكنهم أن يـهتوا عن‬
‫الخلوف التي خلفـت بعـدهم بكثير من ذلـك‪ ،‬وكلَّمـا تـهخر ال مـان وجـال العهـد‪ ،‬كـان ذلـك‬
‫أكثر‪ ،‬حتى لقـد وىـد في ذلـك عـدة مصـــــنفـات لي فيهـا عن رســـــول هللا ﷺ‪ ،‬وال عن‬
‫خلفـائـه الراشـــــدين‪ ،‬وال عن أصــــحـابـه حرف واحـد من ذلـك‪ ،‬بـل فيهـا من خالف ذلـك‬
‫كثير‪.‬‬
‫ثم قال ‪ : −‬لو كان الدعاء عند القبور والصـالة عندها والتبرك بها فضـيلة أو‬
‫سنة أو مبا ًحا‪ ،‬لنصب المهاىرون واألنصار هذا القبر عل ًما لذلك‪ ،‬ودعوا عنده‪ ،‬وسنوا‬
‫ذلك لمن بعدهم‪ ،‬ولكن كانوا أعلم باهلل ورســـوله ودينه من الخلوف التي خلفت بعدهم‪،‬‬
‫كذلك التابعون لهم بإحسـان راحوا على هذا السـبيل‪ ،‬وقد كان عندهم من قبور أصـحاب‬
‫رســول هللا ﷺ باألمصــار عدد كثير‪ ،‬وهم متوافرون‪ ،‬فما منهم من اســتغا عند قبر‬
‫صـاحب وال دعاه‪ ،‬وال دعا به‪ ،‬وال دعا عنده‪ ،‬وال اسـتسـقى به‪ ،‬وال اسـتشـفى به‪ ،‬وال‬
‫انتصـــــر بـه‪ ،‬ومن المعلوم أن مثـل هـذا ممـا تتوفر الهمم والـدواعي على نقلـه‪ ،‬بـل على‬
‫نقل ما هو دونه ‪.)1‬‬
‫قلت‪ :‬بل الثابت عن الصـــحابة أنهم ال يع مون إال ما أمر هللا بتع يمه؛ ومما‬
‫يتكـد ذلـك‪ :‬خبر عمر ‪ ‬عنـدمـا قبـَّل الحىر‪ ،‬وقـال‪ :‬لوال أني رأيـت رســـــول هللا ﷺ‬
‫قبَّلك ما قبَّلتك» ‪.)2‬‬

‫‪ )210 /‬باختصار‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬إغاثة اللهفان‬


‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)1610 /‬ومسلم‪ ،‬رقم‪.)1268 /‬‬
‫‪351‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫فنىـد أن عمر هنـا بيَّن العلـة التي دعتـه إلى تقبيـل الحىر‪ ،‬وهو أنـه رأن النبي‬
‫ﷺ يفعـل ذلـك‪ ،‬ولوال ذلـك مـا قبلـه‪ ،‬م أنـه الحىر الـذي ن ل من الســــمـاء‪ ،‬وفي أع م‬
‫بيـت موىود على األرس وهو في الكعبـة الشـــــريفـة التي هو لهـا يضجـاف‪ ،‬فمـا بـالـك‬
‫بهحىار ال تغني وال تســـمن من ىوع‪ ،‬فهي أشـــد بالحرمة‪ .‬وبهذا يتبين لنا حرمة مثل‬
‫هذا التبرك‪.‬‬
‫‪ - 4‬ومن أع م األدلة على عدم مشـــروعية التبرك‪ ،‬أن التبرك بقبر النبي ﷺ‬
‫عا‪ .‬وسـوف تهتي نقول عن أهل العلم في‬ ‫كالسـىود له والتمسـح بحوائجه ال يىو شـر ً‬
‫عا‪ ،‬فما بالك في‬ ‫محر ًما وممنو ً‬
‫َّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فإذا كان التبرك في أفضـل قبر على وىه األرس‬
‫قبر غيره؟ فهو أولى بالتحريم‪ ،‬وأىدر بالتحذير‪.‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬موقف أهل العلم من التبرك بقبر الرسول ﷺ وقبر غيره‪.‬‬
‫اشـــتد نكير العلماء على من أراد أن يتبرك بقبر الرســـول ﷺ‪ ،‬وبينوا أنه من‬
‫البدع‪ ،‬ومخالف للســـنة‪ .‬قال شـــيإل ا ســـالم‪ :‬ولهذا ال يضســـن باتفاق األئمة أن يقبل‬
‫الرىـل‪ ،‬أو يســـــتلم ركني البيـت اللـذين يليـان الحىر‪ ،‬وال ىـدران البيـت‪ ،‬وال مقـام‬
‫إبراهيم‪ ،‬وال صــخرة بيت المقد ‪ ،‬وال قبر أحد من األنبياء والصــالحين‪ .‬حتى تنا ع‬
‫الفقهاء في وضــ اليد على منبر ســيدنا رســول هللا ﷺ لما كان موىودًا‪ ،‬فكرهه مالك‬
‫وغيره؛ ألنه بدعة» ‪.)1‬‬
‫وقال‪ :‬واتفق العلماء على أن من ار قبر النبي ﷺ‪ ،‬أو قبر غيره من األنبياء‬
‫والصــالحين والصــحابة وأهل البيت وغيرهم أنه ال يتمســح به‪ ،‬وال يقبله‪ ،‬بل لي في‬
‫الدنيا من الىمادات ما يشرع تقبيلها إال الحىر األسود» ‪.)2‬‬
‫وقال‪ :‬وأما التمســح بقبر النبي ﷺ وتقبيله‪ ،‬فكلهم كره ذلك ونهى عنه؛ وذلك‬
‫ألنهم علموا ما قصــده النبي ﷺ من مادة الشــرك‪ ،‬وتحقيق التوحيد وإخال الدين هلل‬
‫رب العالمين» ‪.)3‬‬
‫وقال‪ :‬وأما التمســح بالقبر ‪-‬أي قبر كان‪ -‬وتقبيله‪ ،‬وتمريغ الخد عليه‪ ،‬فمنهي‬
‫عنه باتفاق المســــلمين‪ ،‬ولو كان ذلك من قبور األنبياء‪ ،‬ولم يفعل هذا أحد من ســــلف‬
‫األمة وأئمتها‪ ،‬بل هذا من الشرك» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون البن تيمية ‪.)79 /27‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون البن تيمية ‪.)79 /27‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬المرى السابق ‪.)80 /27‬‬
‫‪ )4‬المرى السابق ‪.)92 ،91 /27‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪352‬‬

‫نقال عن بعس أهل العلم قولهم‪ :‬أنه نهي عن إلصــاق البجن‬ ‫وقال أبو شــامة ً‬
‫‪)1‬‬
‫وال هر بىدار القبر ومسحه باليد‪ ،‬وذكر أن ذلك من البدع» ‪.‬‬
‫وقـال ابن الحـا ‪ :‬ترن من ال علم عنـده يجوف بـالقبر الشـــــريف كمـا يجوف‬
‫بالكعبة الحرام‪ ،‬ويتمســح به ويقبله ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم يقصــدون به التبرك‪،‬‬
‫وذلك كله من البدع؛ ألن التبرك إنما يكون باالتباع له عليه الصـالة والسـالم‪ ،‬وما كان‬
‫ســبب عبادة الىاهلية لءصــنام إال من هذا الباب؛ وألىل ذلك كره علماتنا ‪-‬رحمة هللا‬
‫عليهم‪ -‬التمســح بىدار الكعبة‪ ،‬أو بىدران المســىد‪ ،‬أو بالمصــحف‪ ،‬إلى غير ذلك مما‬
‫يتبرك به‪ ،‬سدًا لهذا الباب ولمخالفته للسنــة؛ ألن صفة التع يم موقــوف عليــه ﷺ‪ ،‬فكل‬
‫ما ع مـه رسول هللا ﷺ نع مه ونتبعه فيه» ‪.)2‬‬
‫وقال الشـيإل محمد بن إبراهيم‪ :‬وأما الجواف بالقبر‪ ،‬وجلب البركة منه‪ ،‬فهو‬
‫ال يشـك عاقل في تحريمه‪ ،‬وأنه من الشـرك؛ فإن الجواف من أنواع العبادات‪ ،‬فصـرفه‬
‫لغير هللا شرك‪ ،‬وكذلك البركة ال تجلب إال من هللا‪ ،‬وجلبها من غير هللا شرك» ‪.)3‬‬
‫وممن حـذر من جلـب البركـة الم عومـة الســـــمهودي؛ حيـ قـال عنـدمـا ذكر‬
‫آداب يـــارة قبره ﷺ ومنهـــا‪ :‬اىتناب االنحناء للقبر عند التسليم‪ .‬وأقبـــح منه تقبيـــل‬
‫األرس للقبــر‪ ،‬لم يفعلــه السلف الصالــح‪ ،‬والخير كلــه في اتباعه‪ ،‬ومن خجر بباله أن‬
‫تقبيـل األرس أبلغ من البركـة فهو من ىهـالتـه وغفلتـه؛ ألن البركـة إنمـا هي فيمـا وافق‬
‫الشرع‪ ،‬وأقوال السلف وعملهم» ‪.)4‬‬
‫فالتبرك باألضــرحة والقبور والمقامات والمشــاهد م اهره كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬تقبيل‬
‫الحيجان‪ ،‬ومســـح الىدران‪ ،‬وتقبيل األعتاب‪ ،‬وتقبيل األضـــرحة‪ ،‬والســـىود لها‪ .‬قال‬
‫الذهبي ‪ −‬عندما ترىم للســـيدة نفيســـة ‪ :)5‬ولىهلة المصـــريين فيها اعتقاد يتىاو‬
‫الوصف‪ ،‬وال يىو مما فيه من الشرك‪ ،‬ويسىدون لها‪ ،‬ويلتمسون منها المغفرة‪ ،‬وكل‬
‫ذلك في دسـائ دضعاة العبيدية» ‪ .)6‬وقال الشـيإل صـالح الفو ان‪ :‬السـىود على التربة‬

‫‪ )1‬كتاب الباع ‪.)282‬‬


‫‪ )2‬المدخل ‪.)189 /1‬‬
‫‪ )3‬فتاون ابن إبراهيم ‪.)122 /1‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬وفاء الوفاء ‪ )1406 /4‬باختصار‪.‬‬
‫‪ )5‬هي نفيســـة بنت الحســـن بن يد بن الحســـن بن علي بن أبي جالب ﭫ كانت من الصـــالحات‬
‫العابدات لها مقام في مصر يفد إليه العوام ويحىون‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬توفيت في مصر‬
‫سنة ‪[ .)208‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.])106 /10‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪.)106 /10‬‬
‫‪353‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المســــماة تربة الولي؛ إن كان المقصــــود منه التبرك بهذه التربة والتقرب إلى الولي؛‬
‫فهذا شـرك أكبر‪ ،‬وإن كان المقصـود التقرب إلى هللا‪ ،‬م اعتقاد فضـيلة هذه التربة وأن‬
‫في السـىود عليها فضـيلة‪ ،‬كالفضـيلة التي ىعلها هللا في األرس المقدسـة في المسـىد‬
‫الحرام والمســىد النبوي والمســىد األقصــى؛ فهذا ابتداع في الدين‪ ،‬وقول على هللا بال‬
‫علم‪ ،‬وشــرع دين لم يهذن به هللا‪ ،‬ووســيلة من وســائل الشــرك؛ ألن هللا لم يىعل لبقعة‬
‫من البقاع خاصـة على غيرها‪ ،‬غير المشـاعر المقدسـة‪ ،‬والمسـاىد الثالثة‪ ،‬وحتى هذه‬
‫المســاىد لم يشــرع لنا أخذ تربة منها‪ ،‬نســىد عليها‪ .‬ثم قال‪ :‬ولم يخصــ بقعة دون‬
‫بقعـة‪ ،‬وال تربـة دون تربـة؛ وإنمـا هـذا من افتراء الـذين ال يعلمون‪ ،‬وتضـــــليـل الـدىـالين‬
‫والمبجلين الذين يشرعون للنا ما لم يهذن به هللا» ‪.)1‬‬
‫وقـالـت اللىنـة الـدائمـة‪ :‬الســـــىود على المقـابر والـذبح عليهـا وثنيـة ىـاهليـة‪،‬‬
‫كال منهما عبادة‪ ،‬والعبادة ال تكون إال هلل وحده‪ ،‬فمن صــرفها لغير‬ ‫وشــرك أكبر‪ ،‬فإن ًّ‬
‫هللا فهو مشـــــرك‪ .‬قـال هللا تعـالى‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)‬
‫[األنعـام‪ ،]163 ،162 :‬وقال تعـالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الكوثر‪ ،]2 ،1 :‬إلى غير هذا من‬
‫اايات الدالة على أن الســــىود والذبح عبادة‪ ،‬وأن صــــرفهما لغير هللا شــــرك أكبر‪،‬‬
‫والشك أن قصد ا نسان إلى المقابر للسىود عليها‪ ،‬أو الذبح عندها‪ ،‬إنما هو ع امها‬
‫وإىاللها بالسىود وبالقرابين التي تذبح أو تنحر عندها» ‪.)2‬‬
‫ومن مخا ي التبرك ما حكي‪ :‬أن أصـحاب الحال بالغوا في التبرك به‪ ،‬حتى‬
‫كانوا يتمســــحون ببوله‪ ،‬ويتبخرون بعذرته‪ ،‬وهذا الشــــك من فرج حماقتهم‪ ،‬وســــوء‬
‫اعتقادهم ‪.)3‬‬
‫بل ن القبوريون أن في هذه األضــرحة شــفا ًء‪ .‬ومن العادات التي تقوم بها‬
‫النسـاء خاصـة‪ :‬مسـح ضـريح الولي بالمناديل والمالب ‪ ،‬ثم يمسـحون على رتوسـهن‪،‬‬
‫ورتو أبنائهن‪ ،‬وقد يحتف بهذه المناديل دون غسـلها لتمسـح بها بقية أفراد األسـرة‪،‬‬
‫ممن لم يتمكنوا من ال يارة؛ ألن االعتقـاد الســـــائد عنـد هتالء أن البركة تســـــري من‬
‫الولي إلى ضـــريحه‪ ،‬إلى المناديل والمالب التي مســـحت بها‪ ،‬واألغرب من ذلك ما‬
‫يحد عند تغيير كســـوة الضـــريح حي يســـعى الىمي للحصـــول على قج من هذه‬
‫الكسوة للتبرك» ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬المنتقى من فتاون الشيإل صالح الفو ان ‪.)86 /2‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪ ،)193 /1‬رقم الفتون ‪.)2450‬‬
‫‪.)177 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬ا بداع‬
‫‪.)399 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬مقال بعنوان موالد األولياء في مصر‪ً ،‬‬
‫نقال عن كتاب التبرك‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪354‬‬

‫* والـخـالصـة‪:‬‬
‫إن التبرك من أع م البدع‪ .‬فإن صـــحبه اعتقاد؛ فهو شـــرك أكبر مخر من‬
‫الملة‪ ،‬وإال فهو بدعة ع يمة‪ ،‬يخشى على صاحبها‪ ،‬وهللا الموفق‪.‬‬
‫‪355‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح الثال‬
‫المىاورة عند قبور الصالحين‬
‫عبَّاد القبور أرادوا نقل ما هلل‬ ‫ومن البدع المســــتحدثة التي بض عليم ِ‬
‫ت بها األمة‪ ،‬أن ض‬
‫من عبادات‪ ،‬وما ال يىو إال في بيوته‪ ،‬وال يىو صـــــرفها لغيره؛ فهرادوا نقلها إلى‬
‫آلهتهم الم عومة وأصنامهم المنصوبة‪.‬‬
‫وبعد ما عرفنا أنهم دعوا أصـحاب القبور‪ ،‬وقبَّلوا األعتاب‪ ،‬ومسـحوا الشـبابيك‬
‫واألبواب‪ ،‬بل فعلوا فيها ما ال يىو ‪ ،‬حتى في بيوت هللا كالتمسـح رىاء البركة وتقبيل‬
‫أيضـا يندبون إلى شـعيرة من الشـعائر‪ ،‬ويحثون عليها لتقدم‬ ‫ً‬ ‫األراضـي والتربة‪ ،‬فهاهم‬
‫ألصــــنامهم‪ ،‬وهذه الشــــعيرة شــــعيرة االعتكاف والمىاورة عند قبور أوليائهم وعند‬
‫أوثانهم وأصـــنامهم‪ .‬وســـوف نبح بإذن هللا هذه القضـــية من خالل هذا المبح ‪ ،‬في‬
‫عدة مجالب‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬تعريف المىاورة واالعتكاف‪:‬‬
‫المىاورة‪ :‬هي االعتكاف في المســــىد‪ .‬أما المىاورة بمكة والمدينة فيراد بها‬
‫المقـام مجل ًقـا‪ ،‬غير ملت م بشـــــرائج االعتكـاف الشـــــرعي ‪ .)1‬فلغـة العرب تبين بـهن‬
‫المىاورة‪ :‬هي االعتكاف في المسىد‪ .‬وما يتكد أن االعتكــاف يسمــى مىــاورة قــول‬
‫عائشـــة ‪ :‬كـــان الرسول ﷺ يصغـــي إلي رأسه‪ ،‬وهـــو مـــىـــاور في المسىـــد‪،‬‬
‫فهرىلـــه ‪ )2‬وأنـــا حائس» ‪ .)3‬وقوله ﷺ‪ :‬أني كنت أىاور هذه العشر‪ ،‬ثم بدا لي أن‬
‫أىاور العشر األواخر» ‪ .)4‬وقد ن الفقهاء على أن من مسميات االعتكاف المىاورة‬
‫‪ . )5‬فـالمىـاورة إذن ترد بمعنى االعتكـاف عنـد علمـاء اللغـة‪ :‬وهو ا قـامـة في المســــىـد‬
‫‪.)6‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬لسان العرب مادة ىور‪.‬‬


‫‪ )2‬ترىيل الشعر تسريحه ان ر‪ :‬المنها ‪.)294‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)2028 /‬وأخرىه مســــلم‪ ،‬كتاب الحيس‪ ،‬باب ىوا غســــل الحائس‬
‫وىها وترىيله‪ ،‬رقم‪.)297 /‬‬ ‫رأ‬
‫‪ )4‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)2018 /‬وأخرىه مســلم‪ ،‬كتاب الصــيام‪ ،‬باب فضــل ليلة القدر‪ ،‬رقم‪/‬‬
‫‪.)1167‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.4279 /5‬‬
‫‪ )6‬ان ر‪ :‬لسان العرب مادة عكف‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪356‬‬

‫واالعتكاف في الشــرع له عدة تعريفات‪ ،‬من أىمعها‪ :‬ل وم مســىد لعبادة هللا‬
‫تعالى‪ ،‬من شخ مخصو ‪ ،‬على صفة مخصوصة ‪.)1‬‬
‫فاتفقت التعاريف الشـرعية واللغوية على أن االعتكاف خا بالمسـاىد؛ ألنه‬
‫عبادة من العبادات‪ .‬وسوف نناقع في المجلب الثاني إثبات أن االعتكاف عبادة‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن االعتكاف عبادة‪:‬‬
‫يعتبر االعتكـاف عبـادة من العبـادات‪ ،‬والعبـادة ال يىو أن تضصـــــرف لغير هللا‬
‫ىل وعال)؛ بل واالعتكاف عبادة ال تصـح إال في المسـاىد‪ .‬قال تعالى‪( :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة‪ ،]125 :‬وقال تعالى‪ ( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة‪.]187 :‬‬
‫قال البغوي في تفسـيره‪ :‬وقد نويتم االعتكاف في المسـاىد‪ ،‬ولي المراد عن‬
‫مبـاشـــــرتهن في المســـــاىـد؛ ألن ذلـك ممنوع منـه في غير االعتكـاف‪ .‬والعكوف‪ :‬هو‬
‫ا قامة على الشــيء‪ ،‬واالعتكاف في الشــرع‪ :‬هو ا قامة في المســىد على عبادة هللا‪،‬‬
‫وهو سنة‪ ،‬وال يىو في غير المسىد‪ ،‬ويىو في ىمي المساىد» ‪.)2‬‬
‫من أدلة أنه عبادة؛ قول عائشـة ‪ :‬كان الرسـول ﷺ يعتكف العشـر األواخر‬
‫حتى توفاه هللا‪ ،‬ثم اعتكف أ واىه من بعده» ‪.)3‬‬
‫بل اختلف العلماء‪ :‬هل يصـح االعتكاف في ىمي المسـاىد أو أنه ال يصـح إال‬
‫في بعضـها؟‪ ،‬حي ذهب سـعيد بن مسـيب‪ :4‬أنه ال يصـح إال في المسـاىد الثالثة ‪ .)5‬بل‬
‫قال عجاء ‪ :)6‬أنه ال يصــح إال في مســىد مكة والمدينة ‪ .)7‬فإذا كان العلماء قد اختلفوا‬

‫‪ )25 /‬فقه االعتكاف‪ ،‬للشيإل‪ :‬خالد بن علي المشيقح‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬تفسير البغوي ‪ )209 /1‬تفسير سورة البقرة آية ‪.187‬‬
‫‪ )3‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)2026 /‬ومسلم‪ ،‬رقم‪.)1172 /‬‬
‫‪ )4‬هو ا مام ســعيد بن مســيب القرشــي المخ ومي‪ ،‬ولد لســنتين من خالفة عمر‪ ،‬يعتبر من أىل‬
‫التابعين‪ ،‬رون عن ىم من الصـــحابة من أضبي‪ ،‬وىابر‪ ،‬وســـعد بن أبي عبادة‪ ،‬وســـعد بن أبي‬
‫وقا ‪ ،‬ورون عنه ىم من الســـلف‪ ،‬أقســـم ابن عمر أنه أحد المفتين‪ ،‬رون له الىماعة توفى‬
‫عام ‪94‬هـ)‪[ .‬ان ر‪ :‬تهذيب الكمال ‪ ،)66 /11‬ترىمة رقم‪.])2358 /‬‬
‫‪ً ،)27 /‬‬
‫نقال‬ ‫‪ )5‬أخرىه ابن أبي شــيبة في مصــنفه ‪ ،)91 /3‬وصــححه األلباني في قيام الليل‬
‫‪.)114 /‬‬ ‫عن فقه االعتكاف‪،‬‬
‫‪ )6‬هو عجاء بن أبي ربا ‪ ،‬كان إما ًما حىة‪ ،‬انفرد بالفتون بمكة‪ ،‬وتعتبر مراســــيله من أضــــعف‬
‫المراسيل‪ ،‬وهو ثقة فاضل ولد سنة ‪27‬هــ)‪ ،‬وتوفى سنة ‪114‬هــ)‪ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪،)235 /4‬‬
‫والجبقات ‪.)386 /2‬‬
‫‪.])114 /‬‬ ‫‪ )7‬أخرىه عبد الر اق ‪ .)349 /4‬قال في فقه االعتكاف‪ :‬إسناده صحيح‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫‪357‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫في االعتكاف في المســاىد‪ ،‬فما بالك فيمن نقلها إلى غير المســاىد‪ ،‬فال شــك أنه منهج‬
‫أهل الشرك وأهل الىاهلية األولى‪ ،‬كما سيتبيَّن لنا في المجلب ااتي‪:‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن االعتكاف في غير المساىد منهج الىاهلية ودين الوثنية‪.‬‬
‫ولقد مضى معنا أن من أراد أن يعتكف قربة هلل وجاعة هلل‪ ،‬فال يىو له أن‬
‫يعتكف في غير المساىد التي تصح فيها الصلوات‪ .‬قال تعالى‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ) [الىن‪ .]18 :‬أما المساىد التي ال تصح فيها الصلوات‪ ،‬وهي المساىد التي شيدت‬
‫في الم ارات‪ ،‬ونصبت فيها المقامات‪ ،‬فال تصح الصالة بها‪ ،‬ومن لوا مه حرمة‬
‫االعتكاف بها‪ ،‬وتتهكد الحرمة إن قصد باالعتكاف ساكن اللحد والضريح‪ ،‬فاالعتكاف‬
‫في المساىد سنة أهل ا سالم‪ ،‬أما االعتكاف في المقابر وعند األشىار واألحىار فال‬
‫يىو ‪ ،‬كما قال شيإل ا سالم‪ :‬فهما العكوف والمىاورة عند شىرة أو حىر‪ ،‬تمثال أو‬
‫غير تمثال‪ ،‬أو العكوف والمىاورة عند قبر نبي‪ ،‬أو غير نبي‪ ،‬أو مقام نبي‪ ،‬أو غير‬
‫نبي؛ فلي هذا من دين المسلمين‪ .‬بل هو من ىن دين المشركين‪ ،‬الذين أخبر هللا بما‬
‫ذكره في كتابه‪.‬‬
‫(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯨﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [األنبياء‪ .]58 -51 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰀ ﰀ) [الشعراء‪ .]82 -69 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)‬
‫[األعراف‪.]140-138 :‬‬
‫فهـذا عكوف المشـــــركين‪ ،‬وذاك عكوف المســـــلمين‪ ،‬فعكوف المتمنين في‬
‫المسـاىد لعبادة هللا وحده ال شـريك له‪ ،‬وعكوف المشـركين على ما يرىونه‪ ،‬ويخافونه‬
‫من دون هللا‪ ،‬وما يتخذونهم شركاء وشفعاء» ‪.)1‬‬
‫قال صــــديق في تفســــير آيات الشــــعراء‪ ( :‬ﮞ ﮟ ﮠ) أي‪ :‬فنقيم ونداوم على‬
‫عبـادتهـا‪ ،‬مســـــتمري ن جوال النهـار‪ ،‬ال في وقـت معين‪ .‬يقـال‪ :‬ـل يفعـل كـذا‪ .‬إذا فعلـه‬
‫ـارا ال‬ ‫ـارا‪ ،‬وبـات يفعـل كـذا‪ ،‬إذا فعلـه ً‬
‫ليال‪ ،‬ف ـاهره أنهم يســـــتمرون على عبـادتهم نه ً‬ ‫نه ً‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬االقتضاء البن تيمية ‪.)828 ،827 /2‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪358‬‬

‫ليال‪ ،‬والمراد من العكوف لهـا‪ :‬ا قـامـة على عبـادتهـا‪ ،‬وإنمـا قـال لهـا»؛ فـادة أن ذلـك‬ ‫ً‬
‫‪)1‬‬
‫العكوف ألىلها ‪.‬‬
‫فـاالعتكـاف على األشــــىـار واألحىـار هو منهج أهـل الىـاهليـة‪ .‬فـههـل الىـاهليـة‬
‫هم الـذين يعتكفون لغير هللا ىـل وعال)‪ ،‬إنمـا يعتكفون ألفراد‪ ،‬وممـا يـذكر أن قبر حـاتم‬
‫الجـائي ‪ )2‬غـدا مقر الضـــــيفـان ومالذ التـائهين في الىـاهليـة‪ .‬وكـانـت جيء ت عم أنـه لم‬
‫ين ل بقبر حـاتم أحـد قج إال قراه‪ ،‬فهـا هو أبو البختري ‪ )3‬كمـا ذكروا‪ ،‬مر في نفر من‬
‫قومـه بقبر حـاتم الجـائي‪ ،‬فن لوا قريبـً ا منـه‪ ،‬فبـات أبو البختري ينـاديـه‪ :‬يـا أبـا الىعـد‪،‬‬
‫أقرنا ‪.)4‬‬
‫فـالعكوف عنـد القبور هو منهج أهـل الىـاهليـة أعـداء الـدين والملـة‪ ،‬وممـا يتكـد‬
‫ذلـك مـا رواه أبو واقـد الليثي‪ ،‬قـال‪ :‬خرىنـا م النبي ﷺ إلى حنين‪ ،‬ونحن حـدثـاء عهـد‬
‫بكفر‪ ،‬وللمشـركين سـدرة يعكفون عندها وينوجون بها أسـلحتهم‪ ،‬يقال لها‪ :‬ذات أنواج‪.‬‬
‫فمررنا بســـدرة‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رســـول هللا‪ ،‬اىعل لنا ذات أنواج‪ ،‬كما لهم ذات أنواج‪ .‬فقال‬
‫رســول هللا ﷺ‪ :‬هللا أكبر! إنها الســنن قلتم ‪-‬والذي نفســي بيده‪ -‬كما قالت بنو إســرائيل‬
‫لموســـــى‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ) [األعراف‪ ،]138 :‬لتركبن ســـــنن من كـان‬
‫قبلكم» ‪ ،)5‬قال عبدالرحمن بن حســـن‪ :‬وكان عكوف المشـــركين عند تلك الســـدرة‪،‬‬
‫تبر ًكا بها وتع ي ًما» ‪ ،)6‬فالعكوف في غير المســــاىد هو منهج أهل الشــــرك واليهود‬
‫والنصــارن‪ .‬فهل يىو لمســلم أن يعتكف عند المقابر واألضــرحة بحىة نف الميت؟‪.‬‬
‫واألخجر منه جلب النف منه‪ .‬وال يخلو المعتكف عند القبر من حالتين‪:‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬فتح البيان ‪ )386 /9‬في تفسير الشعراء‪.‬‬


‫‪ )2‬هو حاتم بن عبد هللا بن ســـعد الجائي القحجاني‪ ،‬توفي قبل الهىرة بســـت أو أربعين ســـنة كان‬
‫فارســا ىوادًا‪ ،‬يحب مكارم األخالق‪ ،‬يضــرب به المثل بالكرم وال أكرم من رســول هللا وأنبيائه‬
‫ً‬
‫أحد‪ ،‬وهو والد الصحابي الىليل عدي بن حاتم‪[ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.])151 /2‬‬
‫‪ )3‬هو العا بن هشـام بن الحار ‪ ،‬من عماء قريع في الىاهلين‪ ،‬وهو ممن نقضـوا الصـحيفة‪،‬‬
‫بدرا‪ ،‬ونهى النبي ﷺ عن قتله؛ ألنه كان يكف عنه‬ ‫لم يعرف بإيذائه للنبي ﷺ‪ .‬حضـــر م قريع ً‬
‫األذن ‪ ،‬ولكن أحد الصحابة قتله‪ .‬توفي في السنة الثانية للهىرة‪ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.)247 /3‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ ،)162 /2 :‬مرو الذهب ومعادن الىواهر‪ ،‬لعلي بن الحسين المسعودي‪.‬‬
‫‪ )5‬أخرىه الترمذي‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬رقم‪ ،)2180 /‬وصـــححه األلباني في صـــحيح ســـنن الترمذي‪،‬‬
‫رقم‪.)235 /2 ،)1771 /‬‬
‫‪.)159 /‬‬ ‫‪ )6‬ان ر‪ :‬فتح المىيد‬
‫‪359‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -1‬أن يكون غرضـه عبادة هللا؛ فهذا الشـك في بدعيته وحرمته‪ ،‬بل هو وسـيلة‬
‫من وسـائل الشـرك‪ ،‬وصـاحبها ىم من المعاصـي ما هللا به عليم‪ ،‬فهو قد اعتكف فيما‬
‫ال يىو له فيه االعتكاف‪ ،‬وشرع من الدين ما لم يهذن به هللا‪.‬‬
‫‪ -2‬وأما إن كان اعتكافه لصـــاحب القبر ودعائه‪ ،‬فويل له ثم ويل له‪ ،‬فقد وق‬
‫في الشرك األكبر؛ ألنه صرف عبادة ال تىو لغير هللا‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬أقوال أهل العلم في العكوف عند القبور‪.‬‬
‫سـبق أن ذكرنا قول شـيإل ا سـالم في المجلب السـابق‪ ،‬أن العكوف والمىاورة‬
‫ضـا‪ :‬ومن المحرمات‪ :‬العكوف عند القبر‬ ‫عند القبور من ىن دين المشـركين‪ .‬وقال أي ً‬
‫والمىاورة عنده‪ ،‬وسدانته ‪.)1‬‬
‫وقال الشـــيإل علي بن محفو عندما ذكر مفاســـد القبور‪ :‬ومن هذه المفاســـد‬
‫المبيت فيها» ‪ .)2‬فيا عىبًا لقوم يعكفون على قبور األموات الذين قد صــــاروا تحت‬
‫أجبـاق الثرن‪ ،‬ويجلبون منهم من الحوائج مـا ال يقـدر عليـه إال هللا تعـالى! كيف ال‬
‫يتيق ون لمـا وقعوا فيـه من الشـــــرك‪ ،‬وال ينتبهون لمـا حـل بهم من المخـالفـة لمعنى ال‬
‫إلـه إال هللا)‪ ،‬ومـدلول قـل هو هللا أحـد)؟! وأعىـب من هـذا اجالع أهـل العلم على مـا يق‬
‫من هتالء وال ينكرون عليهم‪ ،‬وال يحولون بينهم وبين الرىوع إلى الىـاهليـة األولى‪،‬‬
‫بـل إلى مـا هو أشـــــد منهـا‪ ،‬فـإن أولئـك يعترفون بـهن هللا ســـــبحـانـه هو الخـالق الرا ق‪،‬‬
‫المحيي المميت‪ ،‬الضــار الناف ‪ ،‬وإنما يىعلون أصــنامهم شــفعاء لهم عند هللا‪ ،‬ومقربين‬
‫لهم إليه‪ ،‬وهتالء يىعلون لهم قدرة على الضر والنف ‪ ،‬وينادونهم تارة على االستقالل‪،‬‬
‫وتارة م ذي الىالل‪ ،‬وكفاك من شـر سـماعه‪ ،‬وهللا ناصـر دينه‪ ،‬ومجهر شـريعته من‬
‫أوضـار الشـرك‪ ،‬وأدنا الكفر‪ ،‬ولقد توسـل الشـيجان ‪-‬أخ اه هللا‪ -‬بهذه الذريعة إلى ما‬
‫تقربه عينه‪ ،‬وينثلج به صـــدره‪ ،‬من كفر كثير من هذه األمة المباركة ( ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)‬
‫[الكهف‪ ،]104 :‬إنا هلل وإنا إليه راىعون» ‪.)3‬‬
‫وقال الشـــيإل حاف الحكمي ‪ − )4‬في كذا موضـــ من كتابه الع يم معار‬
‫القبول)‪ :‬إن فاعل ذلك مىددًا لدين اليهود والنصـارن في اتخاذهم قبور أنبيائهم مسـاىد‬
‫ويعكفون عليها‪ ،‬وأعياد لهم ينتابونها‪ ،‬ويترددون إليها ‪ .)5‬وفي الىملة اتفقت كلمة أهل‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬االقتضاء ‪.)747 /2‬‬


‫‪.)172 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬ا بداع‬
‫‪ .)13 /‬ان ر‪ :‬اايات البينات في عدم سماع األصوات عند الحنفية السادات‪ ،‬لإلمام محمود‬ ‫‪)3‬‬
‫االوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪.‬‬
‫‪ )4‬هو حاف بن علي بن أحمد الحكمي ولد سـنة ‪1342‬هــــــ)‪ ،‬حف القرآن الكريم وىوده في سـن‬
‫مبكرة‪ ،‬وتلقى العلم على علماء ىا ان‪ ،‬من أبر متلفاته‪ :‬معار القبول ووسـيلة الحصـول على‬
‫مهمات األصول‪ ،‬وغيرها كثير توفي ‪ −‬سنة ‪1377‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬مقدمة معار القبول]‪.‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬معار القبول ‪.)552 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪360‬‬

‫العلم على تبـدي وتحريم هـذا الفعـل‪ ،‬وبـهنـه يتـهرىح بين كونـه شـــــرك أكبر‪ ،‬أو بـدعـة‬
‫موصــــلـة إلى الشـــــرك األكبر‪ ،‬وبـهنـه عمـل غير المســـــلمين‪ ،‬ومنهج أهـل الشـــــرك‬
‫والمغضوب عليهم والضالين‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪361‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفصل التاس‬
‫القربات فـي المقابر‬
‫* وفيه مباح ‪:‬‬
‫المبح األول‪ :‬الذبح عند القبر‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬إثبات أن الذبح عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬أدلة تحريم الذبح عند القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن الذبح لغير هللا هو منهج أهل الىاهلية‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬شبهة يحتج بها من يرن ىوا الذبح‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬أقوال أهل العلم في الذبح لغير هللا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬حكم الذبح لغير هللا‪.‬‬
‫المبح الثاني‪ :‬النذر للقبور‪ ،‬وفيه مجالب‪:‬‬
‫‪ -‬المجلب األول‪ :‬تعريف النذر‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن النذر عبادة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم فيمن نذر لغير هللا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الراب ‪ :‬بعس الشبه التي يروىها عباد القبور‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الخام ‪ :‬حكم النذر لغير هللا‪.‬‬
‫‪ -‬المجلب الساد ‪ :‬تو ي المياه في المقابر‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪362‬‬

‫الفصل التاس‬
‫القـربات في المقابر‬
‫لقـد التب على بعس أهل هذا ال مان الحق بالبـاجل‪ ،‬وذلك بســــبـب ما أحدثه‬
‫وشـرعوا لهم من الدين ما لم يهذن به هللا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أهل الضـالل الذين لبسـوا على النا دينهم‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [األعراف‪ .]3 :‬فـهصبحت العبادات‬
‫في هذا ال من الخالصـــة هلل‪ ،‬تضتدَّن لغير هللا عند القبور واألضـــرحة التي اتخذت آلهة‬
‫من دون هللا‪ .‬فلها يضجاف ومن أىلها يضنذر ويضنحر‪.‬‬
‫وقددد فتاوا عنددد الشدددددددا ددد *** كما يهتف المضطر بالصمد الارد‬
‫(‪)1‬‬
‫باسددمها‬
‫ً‬
‫جهال على عدمدد‬ ‫وكم نحروا في سددددوحها من *** أفلت لغير ر‬
‫نحير ٍة‬
‫وكدم طدددا دف حدول الدقدبدور *** ويلتمس األركدان منهن بداأليددي‬
‫(‪)2‬‬ ‫مددد ً‬
‫قبدال‬
‫ومن البليات الىســــيمة‪ ،‬والمصــــائب الع يمة‪ ،‬تحويل المقابر واألضــــرحة‬
‫والمقامات والمشــاهد والم ارات إلى أماكن‪ ،‬تقدم فيها ألوان الجاعة وأصــناف العبادة‬
‫التي ال تقدم إال هلل‪ ،‬وفي أوقات وأ مان مخصـــوصـــة‪ .‬ومن هذه الجاعات التي تقدَّم‪:‬‬
‫القربـات في المقـابر‪ ،‬والتي اتفق أهـل العلم على عـدم ىوا هـا وحرمتهـا وبـدعتيهـا؛‬
‫ولكن ( ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الحج‪ ]46 :‬ومن القربـات التي تقـدم‪:‬‬
‫الذبائح‪ ،‬والنذور‪ ،‬والصـــدقات‪ ،‬واألجعمة‪ ،‬واألشـــربة‪ .‬ولعلنا في هذا الفصـــل نناقع‬
‫قضية الذبح والنذر في المقابر‪ ،‬وحكمها الشرعي من خالل المبحثين ااتيين‪:‬‬

‫من الكتاب وال السـنة‪ ،‬واألسـماء والصـفات توقيفية‬ ‫من أسـماء هللا؛ حي ال يوىد ن‬ ‫‪ )1‬الفرد لي‬
‫كما هو منهج أهل السنة والىماعة‪ ،‬فلعل ا مام قد غفل عن ذلك ‪.−‬‬
‫‪.)39 /‬‬ ‫‪ )2‬هذه األبيات قالها ا مام الصنعاني في كتابه تجهير االعتقاد‪،‬‬
‫‪363‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫المبح األول‬
‫الذبح عند القبر‬
‫* وفيه عدة مجالب‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬إثبات أن الذبح عبادة‬
‫أىل العبادات وأفضــل القربات وأع م الجاعات‪ .‬وقد أمر هللا‬ ‫يعتبر الذبح من ع‬
‫أن يضخل له عند أدائها‪ ،‬وال يضشرك معه عند تقديمها أحد غيره‬
‫قال تعالى‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [األنعام‪.]163 ،162 :‬‬
‫قال الشــــنقيجي‪ :‬قال بعس العلماء‪ :‬المراد بالنســــك هنا النحر؛ ألن الكفار‬
‫كانوا يتقربون ألصــنامهم بعبادة من أع م العبادات هي النحر‪ ،‬فهمر هللا تعالى نبيه أن‬
‫يقول‪ :‬إن صــــالته ونحره كالهما خال هلل تعالى‪ .‬ويدل لهذا قوله تعالى‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ )‪.‬‬
‫قال بعس العلماء‪ :‬النسك ىمي العبادات‪ ،‬ويدخل فيه النحر» ‪.)1‬‬
‫ناسـا كانوا يصـلون لغير هللا‪،‬‬ ‫وقال تعالى‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ) قال صـديق حسـن‪ :‬إن ً‬
‫‪)2‬‬
‫وينحرون لغير هللا‪ ،‬فهمر هللا نبيه ﷺ أن يكون صالته ونحره له» ‪.‬‬
‫وقال ابن ىرير‪ :‬وأولى هذه األقوال عندي بالصــــواب‪ ،‬قول من قال‪ :‬معنى‬
‫ذلك‪ :‬فاىعل صـالتك كلها لربك خالصـة دون ما سـواه من األنداد واالهة‪ ،‬كذلك نحرك‬
‫ـكرا لـه على مـا أعجـاك من الكرامـة والخير الـذي ال كفء‬ ‫اىعلـه لـه دون األوثـان‪ ،‬شــــ ً‬
‫له» ‪.)3‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬أدلة تحريم الذبح عند القبور‪.‬‬
‫لقد تضــافرت األدلة من كتاب هللا وســنة رســوله ﷺ على تحريم الذبح لغيره‬
‫ىـل وعال)‪ ،‬وبيَّن هللا ىـل وعال) حرمتـه في آيـات‪ .‬ومن ذلـك الـدليـل األول‪ :‬قولـه‬
‫تعـالى‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮢ ﮣ ) [المـائـدة‪ .]3 :‬ففي‬
‫عـا من الـذبـائح التي ال يحـل أكلهـا‪ ،‬وذكر‬
‫هـذه اايـة حرم هللا ىـل وعال) على عبـاده أنوا ً‬
‫منها ما ضذبح على النصـــب‪ .‬قال القرجبي ‪ :−‬والنصـــب حىر كان يضنصـــب‪ ،‬فيضعبد‬
‫وتضصب عليه دماء الذبائح» ‪.)4‬‬

‫ر‪ :‬أضواء البيان ‪.)354 /2‬‬ ‫‪ )1‬ان‬


‫ر‪ :‬تفسير سورة الكوثر آية ‪.)412 /15 ،2‬‬ ‫‪ )2‬ان‬
‫ر‪ :‬تفسير الجبري تفسير سورة الكوثر ااية ‪.)724 /12 ،2‬‬ ‫‪ )3‬ان‬
‫ر‪ :‬الىام ألحكام القرآن تفسير سورة المائدة آية ‪.)39 /6 ،3‬‬ ‫‪ )4‬ان‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪364‬‬

‫وقال صـديق حسـن خان‪ :‬في تفسـير قوله تعالى‪ :‬وما أهل لغير هللا به» أي‪:‬‬
‫ما ذكر على ذبحه أو عند ذبحه غير اســم هللا تعالى‪ .‬وا هالل رف الصــوت لغير هللا‬
‫كهن يقول‪ :‬باسـم الالت والع ن‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فحرمه هللا بهذه ااية وبقوله‪( :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ) ‪.)1‬‬
‫فهذه األدلة تبين حرمة الذبح لغير هللا‪ ،‬وأنه من أع م المحرمات‪ ،‬وأن الذبيحة‬
‫غير حالل‪.‬‬
‫‪)2‬‬
‫‪ -2‬قال ﷺ‪ :‬ال عقر في ا سالم» ‪.‬‬
‫والعقر هو‪ :‬قج إحـدن قوائم البعير‪ ،‬أو النـاقـة‪ ،‬أو الشـــــاة‪ ،‬بـالســـــيف؛ ألىـل‬
‫نحره‪ ،‬يفعل به ذلك كيال يشــرد عند النحر‪ ،‬والمراد من الحدي ‪ :‬النهي عما كان يفعله‬
‫أهل الىاهلية عند القبور‪ ،‬فكان من ســـنتهم أنهم يعقرون ا بل على قبور الموتى‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ينحرونها‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن صــــاحب القبر كان لءضــــياف في أيام حياته‪ ،‬فنكافئه بمثل‬
‫صنيعه بعد وفاته ‪.)3‬‬
‫لعن هللا من لعن والده‪،‬‬ ‫‪ -3‬قال علي ‪ :‬قال سـمعت رسـول هللا ﷺ يقول‪:‬‬
‫ولعن هللا من ذبح لغير هللا» ‪.)4‬‬
‫‪ -4‬وعند أبي داود أن امرأة ىاءت إلى الرسول ﷺ فقالت‪ :‬إني نذرت أن أذبح‬
‫بمكان كذا وكذا ‪-‬مكان كان يذبح فيه أهل الىاهلية‪ .-‬قال‪ :‬لصــــنم؟»‪ .‬قالت‪ :‬ال‪ .‬قال‪:‬‬
‫لوثن؟»‪ .‬قالت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬أوفي بنذرك» ‪.)5‬‬
‫‪ -5‬وعند أبي داود قال‪ :‬نذر رىل على عهد رســول هللا صــلى ﷺ أن ينحر‬
‫إبال ببوانـة ‪ .)6‬فـهتى النبي ﷺ فقـال‪ :‬إني نـذرت أن أنحر ً‬
‫إبال ببوانـة‪ .‬فقـال النبي ﷺ‪:‬‬ ‫ً‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬فتح البيان تفسير سورة المائدة آية ‪.)333 ،3‬‬


‫‪ )2‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب الىنـائ ‪ ،‬رقم‪ ،)3222 /‬وابن مـاىـه‪ ،‬كتـاب النكـا ‪ ،‬بـاب النهي عن‬
‫الشــغار‪ ،‬رقم‪ ،)1885 /‬قال البوصــيري‪ :‬هذا إســناده صــحيح ورىاله ثقات‪ .‬مصــبا ال ىاىة‬
‫‪ ،)58 /2‬وصححه األلباني وقال‪ :‬إسناده صحيح على شرج الشيخين‪.‬‬
‫‪.])259 /‬‬ ‫[ان ر‪ :‬أحكام الىنائر‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬النهاية ‪ ،)271 /3‬واللسان‪ ،‬مادة عقر)‪.‬‬
‫‪ )4‬أخرىه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب تحريم الذبح لغير هللا تعالى ولعن فاعله‪ ،‬رقم‪.)1978 /‬‬
‫‪ )5‬أخرىه أبو داود‪ ،‬رقم‪ ،)3312 /‬وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ .)328 /2 ،‬كما‬
‫صححه في ا رواء ‪.)4587‬‬
‫‪ )6‬هي ب مضوانمةض هضــبة وراء ينب قريبة من ســاحل البحر‪ ،‬وقريب منها ماءة تســمى القصــيبة‪ ،‬وماء‬
‫آخر يقال له المىا ‪ ،‬وقيل‪ :‬موضـ ـ بين الشـــام وديار بكر وقيل‪ :‬أســـفل مكة دون يلملم‪ .‬ان ر‪:‬‬
‫معىم البلدان ‪ ،)398 /1‬وعون المعبود ‪.)140 /9‬‬
‫‪365‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫هـل كـان فيهـا وثن من أوثـان الىـاهليـة يعبـد؟»‪ .‬قـالوا‪ :‬ال‪ .‬قـال‪ :‬هـل كـان فيهـا عيـد من‬
‫أعيادهم؟»‪ .‬قالوا‪ :‬ال‪ .‬قال رسـول هللا ﷺ‪ :‬أوف بنذرك‪ ،‬فإنه ال وفاء لنذر في معصـية‬
‫هللا‪ ،‬وال فيما ال يملك ابن آدم» ‪.)1‬‬
‫‪ -6‬عن جارق بن شــــهاب ‪ )2‬أن رســــول هللا ﷺ قال‪ :‬دخل الىنة رىل في‬
‫ذباب»‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف ذلك يا رســـــول هللا؟ قال‪ :‬مر رىالن على قوم لهم صـــــنم ال‬
‫قرب‪ ،‬قال‪ :‬لي عندي شــــيء‬ ‫يىو ه أحد حتى يقرب له شــــيئًا»‪ ،‬فقالوا ألحدهما‪ :‬ع‬
‫قرب‪ ،‬ولو ذبـابـًا؛ فقرب ذبـابـًا‪ ،‬فخلوا ســـــبيلـه‪ ،‬فـدخـل النـار‪ .‬وقـالوا‬
‫أقربـه» قـالوا لـه‪ :‬ع‬
‫ألقرب ألحد شــــيئًا دون هللا ‪ ،‬فضــــربوا عنقه؛ فدخل‬ ‫قرب‪ ،‬فقال‪ :‬ما كنت ع‬ ‫لآلخر‪ :‬ع‬
‫‪)3‬‬
‫الىنة» ‪.‬‬
‫وقد اسـتدل بهذا الحدي إمام الدعوة وحامل لواء التىديد شـيإل ا سـالم محمد‬
‫بن عبد الوهاب ‪ −‬في كتابه التوحيد عند باب‪ :‬ما ىاء في الذبح لغير هللا) ‪.)4‬‬
‫وهذه اايات واألحادي واضــــحة المعاني والداللة في تحريم الذبح لغير هللا‪،‬‬
‫وسـوف نعرف ‪-‬إن شـاء هللا‪ -‬في المجلب الراب أقوال أهل العلم حول هذه المسـهلة من‬
‫خالل فهم ما ثبت في الوحيين‪.‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن الذبح لغير هللا هو منهج أهل الىاهلية‪.‬‬
‫لقـد حرم ا ســـــالم فيمـا هر لنـا حرمـة الـذبح لغير هللا‪ ،‬بـل وحرمـة الـذبح ولو‬
‫كـان هلل‪ ،‬في أمـاكن يع مهـا أهـل الىـاهليـة‪ .‬ومن المعلوم أن أهـل الىـاهليـة القـديمـة‬
‫يع مون أصــــنـامهم وأوثـانهم وع مـائهم‪ ،‬وينحرون عنـدهـا ا بـل‪ .‬قـال الخجـابي ‪:−‬‬

‫‪ )1‬أخرىـه أبو داود‪ ،‬كتـاب األيمـان والنـذور‪ ،‬بـاب مـا يتمر بـه من الوفـاء بـالنـذر‪ ،‬رقم‪،)3313 /‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود‪ ،‬رقم‪.)328 /2 ،)3313 /‬‬
‫‪ )2‬هو جارق بن شـهاب البىلي األحمسـي رأن النبي ﷺ وهو رىل ويقال‪ :‬أنه لم يسـم منه شـيئًا‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬بهنه ليست له صحبة‪ .‬والحدي الذي يرويه مرسل‪ ،‬أخر له النسائي وأبو داود وغيرهم‪،‬‬
‫مات سنة ‪82‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬ا صابة ‪ )413 /3‬ترىمة رقم‪.])4245 /‬‬
‫‪ ،)15 /‬وأبو نعيم في الحليـة ‪ ،)203 /1‬وابن أبي شـــــيبـة في‬ ‫‪ )3‬أخرىـه أحمـد في ال هـد‬
‫‪ )37 /‬في كتابه المات تخريج أحادي‬ ‫المصـنف‪ )358 /12 ،‬قال الشـيإل فريح البهالل في‬
‫منتقدة في كتاب التوحيد‪ ،‬تهليف‪ :‬فريح بن صــالح البهالل‪ ،‬قال‪ :‬هذا إســناده صــحيح‪ ،‬وتكلم عن‬
‫‪ )42 -35 /‬في كتابه‬ ‫تخريىه بما يشـفي العليل‪ .‬كذلك قام بتصـحيحه‪ :‬الشـيإل ناصـر الفهد في‬
‫الرائ ‪ ،‬تنبيهات على كتب تخريج كتاب التوحيد‪ ،‬بقلم‪ :‬ناصر الفهد‪.‬‬
‫‪.)165 /‬‬ ‫‪ )4‬ان ر‪ :‬فتح المىيد‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪366‬‬

‫الىواد‪ ،‬يقولون‪ :‬نىا يه على فعله؛‬ ‫كان أهل الىاهلية يعقرون ا بل على قبر الرىل َّ‬
‫ألنه كان يعقرها في حياته‪ ،‬فيجعمها األضياف‪ .‬فنحن نعقرها عند قبره‪ ،‬فتهكلها السباع‬
‫والجير‪ ،‬فيكون مجع ًما بعد مماته‪ ،‬كما كان مجع ًما في حياته‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫بأبيض عضب أخلصته صياقله‬ ‫***‬ ‫عقرت على قبر النجاشي‬
‫ناقتي‬
‫لهانت عليه عند قبدري رواحله‬ ‫***‬ ‫على قبر من لو أنني مت‬
‫قبلدده‬
‫عقرت راحلته عند قبر حشــــر في‬ ‫ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى‪ ،‬أنه إذا ض‬
‫راىال‪ .‬وكان هذا على مذهب من يرن البع‬ ‫ً‬ ‫القيامة راكبًا‪ ،‬ومن لم يعقر عنه حشــــر‬
‫منهم بعد الموت» ‪.)1‬‬
‫أيضـــ ـا‪ ،‬مـا ىـاء في أشــــعـارهم‪ ،‬ومن ذلـك قول ىريبـة‬ ‫ً‬ ‫وممـا يـدل على ذلـك‬
‫الفقعسي ‪ :)2‬يدعو على ابنه إن هو لم يعقر على قبر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫حالب‬
‫ُ‬ ‫الدفر‬
‫َ‬ ‫فال قام في مال لك‬ ‫فدإن أنت لم تعقر علي مطيتي ***‬
‫هـذا هو حـال أهـل الىـاهليـة األولى‪ ،‬يـذبحون لغير هللا ىـل وعال)‪ ،‬وينحرون‬
‫عند األصـنام واألوثان‪ ،‬وعند الشـيوأل والع ماء‪ ،‬واقتدن بهم أهل الىاهلية المعاصـرة‪،‬‬
‫فصاروا ينحرون عند أصنامهم‪ ،‬فذاك ينحر عند قبر البدوي وذاك عند الشاذلي‪ ،‬وذاك‬
‫وذاك وذاك‪ ،‬كل يذبح عند من يعبده ويرىو نفعه ويخشـــى ضـــره‪ ،‬ويحتىون بشـــبه‬
‫واهية‪ ،‬وأدلة وحىج مدحوضة‪ ،‬سوف نفرد لها مبحثًا بإذن هللا‪.‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬شبهة يحتج بها من يرن ىوا الذبح‪.‬‬
‫الشـــبهة األولى‪ :‬قالوا إننا حينما ننحر عند األضـــرحة؛ فإننا ننحر باســـم هللا‪،‬‬
‫ومن أىل هللا‪ ،‬وبقصد نف الفقراء والمساكين ‪.)4‬‬
‫والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مختصر سنن أبي داود ‪.)340 ،339 /4‬‬


‫‪ )2‬هو ىريبـة بن األشـــــيم بن عمرو بن وهـب بن ديـان الفقعســـــي‪ ،‬كـان أحـد شـــــعراء الىـاهليـة‬
‫وشـياجينهم‪ ،‬ثم أسـلم ‪ -‬ان ر‪ :‬ا صـابة في معرفة الصـحابة البن حىر ‪ )634 /1‬ترىمة رقم‪/‬‬
‫‪.)1286‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬المسائل التي خالف فيها الرسول أهل الىاهلية ‪.)652 /2‬‬
‫‪.)39 /‬‬ ‫‪ )4‬أورد هذه الشبهة ا مام الصنعاني في كتابه تجهير االعتقاد‪،‬‬
‫‪367‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ -1‬لو كـان هـذا الفعـل ىـائ ً ا؛ لفعلـه من هم خير منـك وأفضـــــل منـك‪ ،‬وهم‬
‫أصـحاب محمد ﷺ‪ ،‬فهل ثبت عن واحد منهم بنقل صـحيح أو سـقيم أنه فعل مثل ذلك؟‪.‬‬
‫والىواب‪ :‬أنه لم يثبت‪ .‬فيقال‪ :‬أال يسعك ما وسعهم؟!‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكر اســــم هللا عند الذبح عند المشــــهد لي هو المبرر الوحيد لىوا أكل‬
‫الـذبيحـة‪ ،‬ولم ينهنـا هللا ىـل وعال) عن أكـل الـذبيحـة التي لم يـضذكر عليهـا اســــمـه عنـد‬
‫ذبحهـا فقج؛ فمـا لم يـضذكر اســـــم هللا عليـه ذبيحـة محرمـة‪ ،‬ومـا ذبح في أمـاكن يضع َّم فيهـا‬
‫أيضـــ ـا؛ ولـذلـك عنـدمـا ىـاء الرىـل الـذي أراد أن يـذبح ا بـل‬‫ً‬ ‫غير هللا ذبيحـة محرمـة‬
‫ببوانة‪ ،‬ما قال له الرسـول ﷺ‪ :‬هل سـتذكر اسـم هللا عليها أم ال؟‪ .‬ليقينه ﷺ أن هذه العلة‬
‫غير موىودة عند هذا الرىل‪ ،‬وإنما اســـــتفهام منه ﷺ عن بوانة‪ ،‬هل هي مكان مع م‬
‫عند النا ؟‪ .‬أو فيها من يضع م غير هللا؟‪ ،‬فلما أىابه بالنفي أمره ﷺ بالوفاء بنذره‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الواق يكـذب مثـل هـذا‪ ،‬فلو كـان قصـــــده الـذبح هلل‪ ،‬ثم لنف الفقراء؛ فـإن‬
‫هللا يـضذبح لـه في كـل مكـان غير محرم‪ ،‬والفقراء في كـل مكـان متوفعرون‪ ،‬فلمـاذا اختـار‬
‫هـذه البقعـة من دون بقـاع األرس؟‪ .‬فمـا اختـارهـا إال ألنهـا عنـده مع مـة‪ ،‬وكمـا قـال‬
‫الصــنعاني ‪-‬عليه ســحائب الرحمة‪ :-‬فإن قال‪ :‬إنما نحرت هلل وذكرت اســم هللا عليه‪،‬‬
‫قربت ما تنحره عند باب مشــهد من تفضــله وتعتقد‬ ‫فقل‪ :‬إن كان النحر هلل فءي شــيء َّ‬
‫فيه؟‪ ،‬هل أردت بذلك تع يمه؟‪ .‬إن قال‪ :‬نعم‪ .‬فقل‪ :‬هذا النحر لغير هللا‪ ،‬بل أشركت م‬
‫هللا تعالى غيره‪ ،‬وإن لم تضرد تع يمه‪ .‬فهل أردت توسيإل باب المشهد وتنىي الداخلين‬
‫أصــــال‪ ،‬وال أردت إال األول‪ ،‬وال خرىت من‬ ‫ً‬ ‫إليه؟‪ .‬أنت تعلم يقينًا أنك ما أردت ذلك‬
‫‪)1‬‬
‫بيتك إال قاصدًا له‪ .‬ثم كذلك دعاتهم له‪ .‬فهذا الذي عليه هتالء شرك بال ريب» ‪.‬‬
‫والخالصــــة‪ :‬أن هذه الشــــبهة واهية وســــاقجة‪ ،‬وال يىو االحتىا بها وال‬
‫اعتبارها‪.‬‬
‫الشــبهة الثانية‪ :‬جالما ردد أهل التصــوف هذه الشــبهة‪ ،‬وهي‪ :‬أننا عندما نذبح‬
‫عند األضــــرحة‪ ،‬فإننا نقصــــد نف هتالء الذين حضــــروا من كل مكان ل يارة هذه‬
‫المشـــاهد‪ ،‬فنقوم بإكرامهم وهو من األمور المســـتحبات؛ ألن الفقراء يحصـــلون عند‬
‫مىيئهم على هذه الفوائد‪.‬‬
‫والرد عليها من وىوه‪:‬‬
‫‪ -1‬إن دعون نف هتالء مرفوضــــة؛ ألن هتالء قد عصــــوا هللا ىل وعال)‬
‫بحضورهم‪ ،‬وكل متعاون معهم شريك لهم‪ .‬وقد أمر هللا أن نتعاون على البر والتقون‪،‬‬
‫ونهـانـا عن التعـاون على ا ثم والعـدوان‪ ،‬قـال تعـالى‪ ( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ )‬

‫‪.)39 /‬‬ ‫‪ )1‬تجهير االعتقاد‪،‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪368‬‬

‫[المـائـدة‪ .]2 :‬فعنـدمـا تنحر لهم‪ ،‬وتقـدم لهم في هـذا المكـان الشـــــركي‪ ،‬فقـد أعنتهم على‬
‫معصية هللا‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الفقراء في كــل مكــان‪ ،‬فلمــاذا اخترت هتالء لــدعمهم وعونهم؟‪ ،‬مــا‬
‫اخترتهم إال ألنهم على مذهبك‪ ،‬وىاتوا إلى أمر محبب إليك‪.‬‬
‫‪ -3‬لو كان قصـدك الفقراء‪ ،‬فلماذا نحرت عند هذا المكان واخترته؟‪ ،‬أال يمكن‬
‫أن تنف الفقراء بجعام تجهوه‪ ،‬ونقد تو عه؟‪ .‬ولكن عندما اخترت النحر؛ فءن قصـدك‬
‫التقرب لصـاحب الضـريح‪ ،‬ألنك أجعمت واره‪ ،‬وشـبهته بالكعبة ومشـاعر الحج الذي‬
‫أمر هللا ونـدب أن يجعموا؛ ألنهم واره‪ ،‬وكـل يجعم واره ومعبوده‪ ،‬م مالح ـة أننـا‬
‫ال نىي تو ي أي من الصـدقات عند أضـرحة األولياء واألنبياء‪ ،‬سـواء أكانت نقدية أم‬
‫عينية‪.‬‬
‫‪ -4‬إن هـذه الفوائـد التي ت عمهـا‪ ،‬وتقول بـهن النـا قـد نـالوا حـاىتهم‪ ،‬مردودة‬
‫دليال على ىوا ها‪ ،‬فقد يحصـل ا نسـان‬ ‫ً‬ ‫عليك؛ ألن حصـول ا نسـان على حاىته لي‬
‫على حاىته من غير جريق شـرعي‪ ،‬قال شـيإل ا سـالم‪ :‬فيقال‪ :‬لي كل سـبب نال به‬
‫عا إذا غلبت مصلحته‬ ‫عا‪ ،‬بل وال مبا ًحا‪ ،‬وإنما يكون مشرو ً‬ ‫ا نسان حاىته يكون مشرو ً‬
‫ورا‪ ،‬وإن حصـل‬ ‫عا؛ بل مح ً‬ ‫على مفسـدته‪ .‬أما إذا غلبت مفسـدته؛ فإنه ال يكون مشـرو ً‬
‫بـه بعس الفـائـدة» ‪ ،)1‬فيل م قولكم إبـاحـة شـــــرب الخمر والميســـــر؛ ألن فيهمـا منـاف‬
‫للنـا ‪ ،‬فلي كـل مـا فيـه منفعـة للنـا ىـائ ‪ .‬قـال تعـالى‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة‪.]219 :‬‬
‫الشــبهة الثالثة‪ :‬قالوا‪ :‬إننا عندما نذبح عند هذه األضــرحة؛ فإننا ال نقصــد فيها‬
‫التقرب إلى الميت‪ ،‬وإنما نقصد إهداء ثوابها له‪ ،‬كصدقة عنه‪.‬‬
‫والرد عليها من وىوه‪:‬‬
‫‪ -1‬لو كـان المقصـــــود إهـداء الثواب للميـت بصـــــدقـة عنـه كمـا ت عمون‪ ،‬فـإن‬
‫الصــدقة إن كانت خالصــة فإنها تقبل في أي مكان‪ ،‬فال فرق بين أن تقوم بنحرها عند‬
‫ضـــــريحـه أو في قـاع بيتـك‪ ،‬بـل لعلهـا في قـاع بيتـك يصـــــاحبهـا من ا خال مـا ال‬
‫يصاحبها عندما تنحرها أمام ىموع النا ‪.‬‬
‫‪ - 2‬لقـد ىـاء الن بتحريم الـذبح عنـد القبور‪ ،‬فال اىتهـاد م الن ‪ ،‬وهـذا ي مضر ند‬
‫بـه على ىمي مـا أوردوه من شــــبـه‪ .‬وبـالىملـة فـإن مـا تـذرعوا بـه ال يعـدو أن يكون‬
‫ت مردودة ً على أصحابها‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫شبها ٍ‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬أقوال أهل العلم في الذبح لغير هللا م حكمه‪:‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون ‪.)177 /27‬‬


‫‪369‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫تضــافرت أقوال أهل العلم في التحذير من الذبح لغير هللا وبيان حرمته‪ ،‬وبهنه‬
‫من أخجر األعمال التي تقدم عند األضرحة والمقامات‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال ا مام النووي ‪ −‬عند شــــرحه لحدي ‪ :‬لعن هللا من ذبح لغير هللا»‬
‫‪ :)1‬وأما الذبح لغير هللا فالمراد به‪ :‬أن يضذبح باسـم غير هللا تعالى‪ ،‬كمن ذبح للصـنم‪ ،‬أو‬
‫للصـــليب‪ ،‬أو لموســـى‪ ،‬أو لعيســـى عليهما الســـالم)‪ ،‬أو للكعبة ونحو ذلك‪ ،‬فكل هذا‬
‫حرام‪ ،‬وال تحل هذه الذبيحة‪ ،‬ســـواء أكان الذابح مســـل ًما أو نصـــرانيًا أو يهوديًا‪ ،‬ن‬
‫عليه الشــافعي‪ ،‬واتفق عليه أصــحابنا‪ ،‬فإن قصــد م ذلك تع يم المذبو له‪ .‬غير هللا‬
‫كفرا‪ ،‬فإن كان الذابح مسـل ًما قبل ذلك صـار بالذبح مرتدًا‪،‬‬ ‫تعالى والعبادة له‪ ،‬كان ذلك ً‬
‫وذكر الشـيإل إبراهيم المرو ي ‪ :)2‬إن ما يضذبح عند اسـتقبال السـلجان تقربًا إليه أفتى‬
‫أهل بخارن بتحريمه؛ ألنه مما أهل لغير هللا تعالى» ‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬قال شـــيإل ا ســـالم ‪ :−‬وال يضذبح عند القبر أضـــحية وال غيرها‪ ،‬وكان‬
‫المشـــــركون يـذبحون للقبور‪ ،‬ويقربون لهـا القرابين‪ ،‬وكـانوا في الىـاهليـة إذا مـات لهم‬
‫ع يم ذبحوا عنـد قبره الخيـل وا بـل‪ ،‬وغير ذلـك‪ ،‬تع ي ًمـا للميـت‪ .‬فنهى النبي ﷺ عن‬
‫جا‬‫نذرا لم يكن له أن يوفي به‪ .‬ولو شــــرجه واقف لكان شــــر ً‬ ‫ذلك كله‪ ،‬ولو نذر ذلك ً‬
‫فاسدًا‪.‬‬
‫وكذلك الصــدقة عند القبر كرهها العلماء‪ ،‬وشــرج الواقف ذلك شــرج فاســد‪.‬‬
‫وأنكر من ذلك أن يوضـ ـ على القبر الجعام والشـــراب ليهخذه النا ‪ ،‬فإن هذا ونحوه‬
‫من عمل كفار الترك‪ ،‬ال من أفعال المسلمين» ‪.)4‬‬
‫‪ -3‬وقال ابن كثير‪ :‬وقوله‪ ( :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي‪ :‬ما ضذبح ف ضذكر عليه اســم غير‬
‫هللا‪ ،‬فهو حرام؛ ألن هللا أوىـب أن تـضذبح مخلوقـاتـه على اســــمـه الع يم‪ ،‬فمتى ض‬
‫عـدعل بهـا‬
‫عن ذلك‪ ،‬و ضذكر عليها اســم غيره من صــنم أو جاغوت أو وثن أو غير ذلك من ســائر‬
‫المخلوقات؛ فإنها حرام با ىماع» ‪.)5‬‬
‫وقد أسـهب أئمة التفسـير ‪-‬عليهم سـحائب الرحمة‪ -‬في التحذير من هذا الشـرك‬
‫وبيان خجورته‪.‬‬

‫‪.)558 /‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪ )2‬ا مام إبراهيم بن أحمد الشهير بــ أبو إسحاق المرو ي‪ ،‬انتهت إليه رياسة الشافعية بالعراق‪ ،‬له‬
‫العديد من المتلفات منه شر المختصر في ثمانية أى اء توفي بمصر عام ‪340‬هـــــ)‪[ .‬ان ر‪:‬‬
‫جبقات الشافعية ‪ ،)106 /1‬واألعالم ‪.])28 /1‬‬
‫‪.)1258 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬المنها في شر صحيح مسلم بن الحىا ‪،‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬مىموع فتـاون ابن تيميـة ‪ ،)307 ،306 /26‬وان ر‪ :‬االقتضـــــاء ‪،)746 ،745 /2‬‬
‫‪.)563‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير تفسير سورة المائدة‪ ،‬آية ‪.)1093 /3 ،3‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪370‬‬

‫‪ -4‬حـذر مىـدد الـدعوة ‪ −‬من هـذا المنكر الع يم في كثير من كتبـه‪ ،‬ففي كتـابه‬
‫التوحيـد قـال‪ :‬بـاب‪ :‬مـا ىـاء في الـذبح لغير هللا‪ .‬وأفرد ببـاب آخر‪ ،‬بـاب‪ :‬ال يـضذبح هلل‬
‫بمكـان يـضذبح فيـه لغير هللا‪ ،‬وأورد األدلـة الـدالـة على حرمتـه‪ ،‬وقـال في كتـابـه الع يم‪:‬‬
‫المسـائل التي خالف فيها رسـول هللا أهل الىاهلية»‪ :‬المسـهلة الرابعة والثمانون‪ ،‬وفي‬
‫بعس النسإل السادسة والثمانون‪ ،‬وفي بعضها التاسعة والسبعون‪ :‬الذبح عندها» ‪.)1‬‬
‫‪ -5‬وقـال ا مـام الصـــــنعـاني ‪ :−‬تعلم أن كـل دم يراق لغير هللا فهو عبـادة‪،‬‬
‫وكل عبادة لغير هللا محرمة‪ ،‬وبه يضعرف أن الحق ما ذهب إليه الشـافعي في تحريم كل‬
‫مذبو أهل به لغير هللا» ‪.)2‬‬
‫‪ 6‬وقال الشــيإل محمد رشــيد رضــا ‪ :−‬قد يتوهم بعس الىاهلين من العامة‬
‫أن النهي عن الـذبح لتع يم معـاهـد الىـاهليـة ال يقتضـــــي تحريم الـذبح لتع يم أوليـاء‬
‫المسلمين‪ ،‬ونقول‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن الفقهاء أىمعوا على أنه ال يىو الذبح لغير هللا‪ ،‬كاألنبياء والكعبة‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن الحكمـة من ذلـك تجهير القلوب من التوىـه إلى غير هللا تعـالى في مثـل‬
‫هـذا العمـل الـذي يضراد بـه الخير والبر؛ ألن ذلـك من ا شـــــراك‪ ،‬وال يقبـل هللا تعـالى من‬
‫صا لوىهه ‪.)3‬‬ ‫العمل إال ما كان خال ً‬
‫‪ - 7‬وقالت اللىنة الدائمة عند إىابة ســـتال وىه لها‪ :‬الســـىود على المقابر‪،‬‬
‫والـذبح عليهـا وثنيـة ىـاهليـة وشـــــرك أكبر‪ ،‬فـإن ً‬
‫كال منهمـا عبـادة‪ ،‬والعبـادة ال تكون إال‬
‫هللا؛ فمن صـرفها لغير هللا فهو مشـرك‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [األنعام‪ .]163 ،162 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الكوثر‪ ،]2 ،1 :‬إلى‬
‫غير هذا من اايات الدالة على أن السـىود والذبح عبادة‪ ،‬وأن صـرفهما لغير هللا شـرك‬
‫أكبر‪ .‬وال شــك أن قصــد ا نســان إلى المقابر للســىود عليها أو الذبح عندها؛ إنما هو‬
‫ع امها‪ ،‬وإىاللها بالسىود والقرابين التي تضذبح أو تضنحر عندها ‪.)4‬‬
‫‪ - 8‬قال األلباني‪ :‬إذا كان الذبح هناك هلل تعالى‪ ،‬وأما إذا كان لصاحب القبر‪،‬‬
‫كما يفعله بعس الىهال فهو شـرك صـريح‪ ،‬وأكله حرام وفسـق‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﮀ ﮁ‬

‫‪ )1‬ان ر‪ ،)2 /650 :‬المسائل التي خالف فيها رسول هللا أهل الىاهلية‪.‬‬
‫‪ ،)42 /‬مســهلة في الذبائح على القبور وغيرها لإلمام الصــنعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عقيل بن‬ ‫‪ )2‬ان ر‪:‬‬
‫محمد المقجري‪.‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ )338 /1 :‬فتاون لإلمام محمد رشيد رضا‪ ،‬ىم وتحقيق‪ :‬د‪ .‬صال الدين المنىد‪.‬‬
‫‪ )4‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪ )397 ،396 /1‬رقم الفتون ‪.)189‬‬
‫‪371‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ) [األنعـام‪ : ]121 :‬أي والحـال أنـه كـذلـك بـهن الـذبح لغير هللا‪ ،‬إذ هـذا هو‬
‫الفسق هنا‪ ،‬كما ذكره هللا تعالى بقوله‪( :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ) ‪.)1‬‬
‫وبـالىملـة‪ ،‬فـإن أهـل العلم أجبقوا على تحريم الـذبح لغير هللا‪ ،‬فلو ضذبح لنبي أو‬
‫لملك؛ فإنه شـــرك‪ ،‬فما بالك فيمن يذبح لمن هو دونهم بالفضـــل‪ ،‬كمن يذبح لمن يعتقد‬
‫فيه الوالية كالبدوي‪ ،‬وغيره‪ ،‬فهذا يضــاهيه بالشــرك ويفوقه‪ ،‬وهذه البلية التي بضلي بها‬
‫أهل الىاهلية األولى استمرت في أهل الىاهلية المعاصرة‪.‬‬
‫* المجلب الساد ‪ :‬حكم الذبح لغير هللا‪:‬‬
‫يخلو الذب لغير ر من حالتين‪:‬‬
‫الحـالـة األولى‪ :‬إن كـان الـذبح هلل‪ ،‬ولكن عنـد القبور أو الم ارات والمقـامـات؛‬
‫فإنه من البدع الع يمة‪ ،‬ووسـائل الشـرك المخيفة‪ ،‬ومن المحرمات الواضـحة؛ لنهيه ﷺ‬
‫عن مثـل هـذا العمـل‪ ،‬ولقولـه لـذلـك الرىـل الـذي أراد أن يـذبح ً‬
‫إبال ببضوانـه‪ :‬هـل فيـه وثن‬
‫من أوثـان الىـاهليـة يعبـد‪...‬الإل»‪ ،‬فهـذا الحـديـ دل على أن الـذبح هلل في المكـان الـذي‬
‫يذبح فيه المشركون لغير هللا معصية‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون الذبح لغير هللا‪ ،‬كهن يضذبح لصــاحب ضــريح‪ ،‬أو مقام‪،‬‬
‫أو ولي؛ فهو الشـــرك األكبر الذي ال يقبل من صـــاحبه صـــرفًا وال ً‬
‫عدال‪ .‬وقد أىم‬
‫العلماء على كفره وخروىه من الملة‪ .‬وقد ســـبق أن مر معنا قول ا مام النووي‪ :‬بهنه‬
‫مرتد يســـتتاب‪ .‬وكذلك ما فعله غيره من أهل العلم؛ وعلى هذا فيىب على أهل الغيرة‬
‫أن يحذروا النا من خجورة مثل هذا الفعل ويبينوه‪ ،‬وهللا أعلم ‪.)2‬‬

‫‪.)260 ،259 /‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪ :‬أحكام الىنائ ‪،‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬االقتضاء ‪ )445 ،441 /1‬وفتاون محمد بن إبراهيم ‪.)131 /1‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪372‬‬

‫المبح الثاني‬
‫النذر للقبور‬
‫ومن البـدع الع يمـة والباليـة الىســـــيمـة مـا يفعلـه كثير من الىهـال من النـذر‬
‫للقبور‪ ،‬كهن يقول بعضــهم‪ :‬لك يا بدوي‪ ،‬إذا شــفي مريضــي؛ فســهذبح لك خروفًا‪ ،‬أو‬
‫نذرت لك يا شــافعي أن أنحر عند قبرك بقرة إذا حضــر غائبي‪ ،‬وذكر صــاحب كتاب‬
‫اعترافات كنت قبوريًا) قصة مح نة‪ ،‬ومن فصولها‪ :‬أنه ذكر قصته م ذلك الخروف‬
‫الذي قد نذر للبدوي‪ ،‬وذكر صـراعه م ذلك الخروف‪ ،‬وقال‪ :‬دخلت ابنة خالتي‪ ،‬وهي‬
‫في حالة ان عا كامل‪ ،‬فقد خيل لها أنني ســوف أقتله‪ ،‬وصــاحت ‪-‬وهي على يقين من‬
‫أنني سهصرعه‪ -‬حاسب‪ ،‬هذا خروف السيد البدوي)‪.‬‬
‫ونـادتـه فتقـدم إليهـا في دالل‪ ،‬وكـهنـه الجفـل المـدلـل‪ ،‬فـهمســــكـت بـه تضربـت على‬
‫رأســه‪ ،‬وروت لي‪ :‬أنها قدمت من الصــعيد‪ ،‬ومعها هذا الخروف البكر الرشــيق الذي‬
‫أنفقـت في تربيتـه ثالثـة أعوام‪ ،‬هي عمر ابنهـا؛ ألنهـا نـذرت للســــيـد البـدوي إذا عـاع‬
‫ابنها‪ ،‬أن تذبح على أعتابه خروفًا‪ ،‬وبعد غد يبدأ العام الثال موعد النذر ‪.)1‬‬
‫فهذه حكاية واحدة من عشـــرات ااالف من الحكايات التي يضخدع بها العوام ‪-‬‬
‫وال حول وال قوة إال بـاهلل‪ ، -‬ولعلنـا في هـذا المبحـ أن نـدر قضــــيـة النـذر لغير هللا‬
‫تعالى من خالل المجالب ااتية‪:‬‬
‫* المجلب األول‪ :‬تعريف النذر‪:‬‬
‫ـان كثيرة‪ .‬والـذي يهمنـا هنـا هو المعنى الموافق لمـا‬‫يـهتي النـذر في اللغـة في مع ٍ‬
‫نحن بصــــدد بحثه‪ ،‬فهو عند أهل اللغة‪ :‬ما ينذره ا نســــان‪ ،‬فيىعله على نفســــه نحبا‬
‫واىبًا‪ ،‬وىمعه نذور ‪.)2‬‬
‫ويهتي بمعنى ا يىاب الال م ‪.)3‬‬
‫وفي المعنى االصــــجالحي‪ :‬فهو يهتي بمعنى إذا أوىبت على نفســــك شــــيئًا‬
‫عا؛ من عبادة‪ ،‬أو صدقة أو غير ذلك ‪.)4‬‬ ‫تبر ً‬
‫والمعنى اللغوي والمعنى االصـجالحي يتفقان على أن النذر هو ا ل ام بما ال‬
‫يل م‪ ،‬وذلك بهن ا نسان يل م نفسه ويوىب عليها بما لم يوىب هللا عليه‪ ،‬وما لم يل مه‬

‫‪ ،)17 /‬اعترافات كنت قبوريًا‪ ،‬لءستاذ‪ :‬عبد المنعم الىداوي‪.‬‬ ‫ر‪:‬‬ ‫‪ )1‬ان‬
‫ر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة نذر‪.‬‬ ‫‪ )2‬ان‬
‫ر‪ :‬المعىم الوسيج‪ :‬مادة نذر‪.‬‬ ‫‪ )3‬ان‬
‫ر‪ :‬النهاية في غريب الحدي واألثر ‪.)33 /5‬‬ ‫‪ )4‬ان‬
‫‪373‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫بـه‪ .‬وبنـاء على مـا ســـــبق‪ ،‬هـل يعتبر النـذر من األمور المبـاحـة أم أنـه من األمور‬
‫التعبدية؟‪ .‬هذا ما سنعرضه ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬في المجلب القادم‪.‬‬
‫* المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن النذر عبادة‪:‬‬
‫يعتبر النـذر من األمور التي شـــــرعهـا هللا ىـل وعال) لعبـاده وإن اختلف في‬
‫حكمه‪ ،‬حي ىعله بعس أهل العلم مكروهًا‪ ،‬وبعضهم ااخر محر ًما ‪.)1‬‬
‫والـذي عليـه أكثر أهـل العلم أنـه مكروه؛ لمـا رواه ابن عمر ‪ ‬حيـ قـال‪:‬‬
‫نهى النبي ﷺ عن النذر‪ ،‬وقال‪ :‬إنه ال يرد شيئًا‪ ،‬وإنما يستخر به من البخيل» ‪.)2‬‬
‫وقال النووي‪ :‬يحتمل أن يكون ســـبب النهي عن النذر؛ كون الناذر يصـــير‬
‫ملت ًما له‪ ،‬فيهتي به تكلفًا بغير نشـاج‪ ،‬قال‪ :‬ويحتمل أن يكون سـببه؛ كونه يهتي بالقربة‬
‫التي الت مها في نذره على صـورة المعاوضـة لءمر الذي جلبه‪ ،‬فينق أىره‪ ،‬وشـهن‬
‫العبادة أن تكون متمحضــــة هلل تعالى‪ ،‬ويحتمل أن النهي؛ لكونه قد ي ن بعس الىهلة‬
‫أن النذر يرد القدر ويمن من حصــــول المقدر‪ ،‬فنهى عنه خوفًا من ىاهل يعتقد ذلك‪،‬‬
‫وسياق الحدي يتيد هذا‪ ،‬وهللا أعلم ‪.)3‬‬
‫وقـال ابن األ ثير‪ :‬وقـد تكرر في أحـاديثـه ذكر النهي عنـه‪ .‬وهو تـهكيـد ألمره‪،‬‬
‫وتحـذير عن التهـاون بـه بعـد إيىـابـه‪ ،‬ولو كـان معنـاه ال ىر عنـه حتى ال يفعـل؛ لكـان في‬
‫ذلك إبجال حكمه‪ ،‬وإســقاج ل وم الوفاء به‪ ،‬إذ كان بالنهي يصــير معصــية‪ ،‬فال يل م‪.‬‬
‫وإنما وىه الحدي أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر ال يىر لهم في العاىل نف ًعا‪ ،‬وال يصرف‬
‫ـرا‪ ،‬وال يرد قضـــاء‪ ،‬فقال‪ :‬ال تنذروا‪ ،‬على أنكم قد تدركون بالنذر شـــيئًا لم‬ ‫عنهم ضــ ً‬
‫يقدره هللا لكم‪ ،‬أو تصـرفون به عنكم ما ىرن به القضـاء عليكم‪ ،‬فإذا نذرتم ولم تعتقدوا‬
‫هذا؛ فهخرىوا عنه بالوفاء‪ ،‬فإن الذي نذرتموه ال م لكم ‪.)4‬‬
‫والذي يترىح أنه مكروه؛ ألن ا نسان قد أل م نفسه بما ىعله هللا في ح ٍل منه‪،‬‬
‫وفي ذلك تكليف من ا نســــان على نفســــه‪ ،‬وإيىاب لها ما لم يوىبه هللا‪ ،‬ولي بحثي‬
‫مناقشــة هذه القضــية الفقهية‪ ،‬وإنما عرىت عليها ألهميتها في موضــوع هذا المبح ‪.‬‬
‫والنذر في أصـله مكروه قبل عقد النية‪ ،‬ولكنه عند عقدها أصـبح مل ًما بها‪ ،‬وأصـبحت‬
‫عبادة واىبة بحقه‪ ،‬وعندما يلت م ا نســـان بهداء ما أوىبه على نفســـه؛ فإنه هنا يحمد‬
‫ويشكر‪ .‬وأدلة كونه عبادة كثيرة‪:‬‬

‫‪ )132 /‬كتاب األيمان والنذور‪ ،‬تهليف‪ :‬الدكتور محمد عبد القادر أبو فار ‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬
‫‪ )2‬أخرىه البخاري‪ ،‬رقم‪ ،)6608 /‬وأخرىه مسلم‪ ،‬رقم‪.)1639 /‬‬
‫‪.)1043 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬المنها في شر صحيح مسلم بن الحىا ‪،‬‬
‫‪ )4‬النهاية في غريب الحدي ‪.)33 /5‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪374‬‬

‫‪ -1‬قـال تعـالى‪( :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [ا نســـــان‪ ،]7 :‬وهنـا نىـد هللا قـد مـد‬
‫هتالء الذين وفوا بالنذر؛ فدل على أنه بعدما أوىبه ا نســان على نفســه أصــبح عبادة‬
‫واىبة‪ ،‬قال ابن العربي ‪ :)1‬يوفون ‪-‬بما اعتقدوه‪ -‬بما عقدوه على أنفســـــهم‪ ،‬وال ثناء‬
‫أبلغ من هـذا‪ ،‬كمـا أنـه ال فعـل أفضـــــل منـه؛ فـإن هللا قـد أل م عبـده و ـائف‪ ،‬وربمـا ىهـل‬
‫نذرا‪ ،‬فيتعين عليه الوفاء‬ ‫العبد عى ه عن القيام بما فرس هللا عليه‪ ،‬فنذر على نفســــه ً‬
‫أيضــــا‪ ،‬فـإذا قـام بحق األمرين‪ ،‬وخر عن واىـب النـذرين‪ ،‬كـان لـه من الى اء مـا‬ ‫ً‬ ‫بـه‬
‫‪)2‬‬
‫وصف هللا في آخر السورة» ‪.‬‬
‫‪)3‬‬
‫قال الشـيإل سـليمان بن عبد هللا بن محمد بن عبد الوهاب ‪ :‬يوفون بالنذر»‬
‫وىـه الـداللـة من اايـة على الترىمـة‪ :‬أن هللا تعـالى مـد الموفين بـالنـذر‪ ،‬وهللا تعـالى ال‬
‫يمـد إال على فعـل واىـب أو مســـــتحـب‪ ،‬أو ترك محرم‪ ،‬ال يمـد على فعـل المبـا‬
‫المىرد‪ ،‬وذلك هو العبادة‪ ،‬فمن فعل ذلك لغير هللا متقربًا إليه فقد أشرك» ‪.)4‬‬
‫‪ -2‬قال تعـالـى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ) [البقرة‪.]270 :‬‬
‫قـال ابن كثير ‪ : −‬يخبر تعـالى بـهنـه عـالم بىمي مـا يفعلـه العـاملون من‬
‫الخيرات ومن النفقـات والمنـذرات‪ ،‬وتضـــــمن ذلـك مىـا اتـه على ذلـك أوفر الى اء‬
‫للعـاملين لـذلـك ابتغـاء وىهـه ورىـاء موعوده‪ .‬وتوعـد من ال يعمـل بجـاعتـه‪ ،‬بـل خـالف‬
‫أمره‪ ،‬وكـذب خبره‪ ،‬وعبـد معـه غيره‪ ،‬فقـال‪ ( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ) أي‪ :‬يوم القيـامـة ينقـذونهم من‬
‫عذاب هللا ونقمته ‪.)5‬‬

‫‪ )1‬هو محمد بن عبد هللا بن محمد المعافري ا شبيلي المالكي‪ ،‬أبو بكر ابن العربي‪ ،‬ولد في إشبيلية‬
‫عام ‪ 468‬هــــــــ)‪ ،‬كان من حفا الحدي ‪ ،‬من أهم كتبه‪ :‬العواصـــم من القواصـــم‪ ،‬وعارضـــة‬
‫األحوذي‪ ،‬توفي ‪ −‬عام ‪543‬هـ)‪.‬‬
‫[ان ر‪ :‬األعالم ‪ .)230 /6‬وان ر‪ :‬مقدمه تفسيره]‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ ،)353 /4 :‬أحكـام القرآن ألبي بكر محمـد بن عبـد هللا‪ ،‬المعروف بـابن العربي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد عبد القادر عجا‪.‬‬
‫‪ )3‬هو‪ :‬ا مام سليمان بن عبد هللا بن محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ولد عام ‪1200‬هـــــ)‪ ،‬كان بارعًا في‬
‫التفســـير والحدي والفقه‪ ،‬من أهم كتبه‪ :‬تيســـير الع ي الحميد في شـــر كتاب الوحيد‪ ،‬وأوثق‬
‫عرن ا يمان‪ ،‬قتله إبراهيم باشا حقدًا وضغينة عام ‪1233‬هـ)‪ .‬ان ر‪ :‬األعالم ‪.)129 /3‬‬
‫‪ )169 /‬تيسـير الع ي الحميد في شـر كتاب التوحيد‪ ،‬للشـيإل سـليمان بن عبد هللا بن‬ ‫‪ )4‬ان ر‪:‬‬
‫محمد بن عبدالوهاب‪.‬‬
‫‪ )5‬ان ر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،‬تفسير سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.)644 /2 ،270‬‬
‫‪375‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫وقال ســـليمان بن عبد هللا‪ :‬وىه الداللة من ااية على الترىمة أن هللا تعالى‬
‫أخبر بـهن مـا أنفقنـاه من نفقـه‪ ،‬أو نـذرنـاه من نـذر؛ متقربين بـذلـك إليـه‪ ،‬أنـه يعلمـه‪،‬‬
‫ويىا ينا عليه؛ فدل ذلك أنه عبادة‪ ،‬وبالضـرورة يدري كل مسـلم أن من صـرف شـيئًا‬
‫من أنواع العبادة لغير هللا؛ فقد أشرك ‪.)1‬‬
‫فهذه اايات تدل داللة واضحة على أن النذر عبادة‪ ،‬والعبادة ال يىو صرفها‬
‫إال هلل ىـل وعال)‪ .‬ويتـهكـد لنـا بـهن مـا يفعلـه عبـاد القبور هو الشـــــرك بعينـه واســــمـه‬
‫ورسمه‪.‬‬
‫* المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم فيمن نذر لغير هللا ىل وعال‪:‬‬
‫قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬وأما النذر فهو نوعان‪ :‬جاعه‪ ،‬ومعصــية‪ .‬فمن نذر‬
‫صـــالة أو صـــو ًما أو صـــدقة؛ فعليه أن يوفي به‪ ،‬وإن نذر ما لي بجاعة مثل النذر‬
‫لبعس المقابر والمشاهد وغيرها يتا أو شمعًا أو نفقة أو غير ذلك؛ فهذا نذر معصية‪،‬‬
‫وهو شـــــبيـه من بعس الوىوه بـالنـذر لءوثـان‪ ،‬كـالالت والع ن ومنـاة الثـالثـة األخرن؛‬
‫فهذا ال يىو الوفاء باالتفاق» ‪.)2‬‬
‫وقال ابن نىيم‪ :‬وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام ‪-‬على ما هو مشـاهد‪ -‬كهن‬
‫يكون لإلنسـان غائب‪ ،‬أو مريس‪ ،‬أو له حاىة ضـرورية‪ ،‬فيهتي بعس قبور الصـلحاء‪،‬‬
‫فيىعل سـترة على رأسـه‪ ،‬فيقول‪ :‬يا سـيدي فالن! إن ضر َّد غائبي‪ ،‬أو عوفي مريضـي‪ ،‬أو‬
‫قضـــيت حاىتي؛ فلك من الذهب كذا‪ ،‬ومن الفضـــة كذا‪ ،‬ومن الجعام كذا‪ ،‬ومن الماء‬
‫كذا‪ ،‬ومن الشم كذا‪ ،‬ومن ال يت كذا؛ فهذا النذر باجل با ىماع؛ لوىوه‪:‬‬
‫منهـا‪ :‬أنـه نـذر لمخلوق‪ ،‬والنـذر للمخلوق ال يىو ؛ ألنـه عبـادة‪ ،‬والعبـادة ال‬
‫تكون للمخلوق‪.‬‬
‫ضرا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن المنذور له ميت‪ ،‬والميت ال يملك نفعًا وال ً‬
‫ومنهـا‪ :‬أنـه إن ن أن الميـت يتصـــــرف في األمور دون هللا تعـالى؛ فـاعتقـاده‬
‫ذلك كفر ‪.)3‬‬
‫قال ســــليمان بن عبد هللا‪ :‬الناذر لم ينذر هذا النذر لغير هللا‪ ،‬إال العتقاده في‬
‫المنذور له أنه يضــر وينف ‪ ،‬ويعجي ويمن ‪ ،‬إما بجبعه‪ ،‬وإما بقوة ســببية فيه‪ ،‬ويىلب‬
‫الخير والبركة‪ ،‬ويدف الشــر والعســرة‪ ،‬والدليل على اعتقاد هتالء الناذرين وشــركهم‪:‬‬
‫حكيهم وقولهم‪ :‬إنهم قـد وقعوا في شـــــدائـد ع يمـة‪ ،‬فنـذروا لفالن وفالن‪ ،‬فـانكشــــفـت‬

‫‪.)169 /‬‬ ‫‪ )1‬تيسير الع ي الحميد‪،‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن تيمية ‪ ،)354 /35‬وان ر‪.)147 ،146 /27 :‬‬
‫‪.)172 /‬‬ ‫‪ )3‬ان ر‪ :‬ىهود علماء الحنفية ‪ ،)1550 /3‬وقد ع اه البن نىيم‪ ،‬وان ر‪ :‬ا بداع‪،‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪376‬‬

‫شــدائدهم‪ ،‬واســتراحت خواجرهم‪ ،‬فقد قام في نفوســهم أن هذه النذور هي الســبب في‬
‫حصـــول مجلوبهم ودف مرهوبهم‪ ،‬ومن تهمل القرآن وســـنة المبعو رحمة للعالمين‬
‫ﷺ‪ ،‬ون ر أحوال السـلف الصـالح‪ ،‬علم أن هذا النذر ن ير ما ىعله المشـركون الهتهم‬
‫في قوله تعالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ) [األنعام‪ .]136 :‬انتهى كالمه ‪.)1‬‬
‫وقـال الصـــــنعـاني‪ :‬وأمـا النـذور المعروفـة في هـذه األ منـة على القبور‬
‫والمشــــاهد واألموات‪ ،‬فال كالم في تحريمها؛ ألن الناذر يعتقد في صــــاحب القبر أنه‬
‫ينف ويضـر‪ ،‬ويىلب الخير ويدف الشـر‪ ،‬ويعافي األليم‪ ،‬ويشـفي السـقيم‪ ،‬وهذا هو الذي‬
‫كان يفعله عباد األوثان بعينه‪ ،‬فيحرم كما يحرم النذر على الوثن‪ ،‬ويحرم قبضــه؛ ألنه‬
‫تقرير على الشـــــرك‪ ،‬ويىـب النهي عنـه‪ ،‬وإبـانـة أنـه من أع م المحرمـات‪ ،‬وأنـه الـذي‬
‫منكرا والمنكر معروفًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫كان يفعله عباد األصنام‪ ،‬لكن جال األمد حتى صار المعروف‬
‫وصارت تضعقد اللواءات لقابس النذور على األموات‪ ،‬ويضىعل للقادمين إلى محل الميت‬
‫الضــــيـافـات‪ ،‬ويضنحر في بـابـه النحـائر من األنعـام‪ ،‬وهـذا هو بعينـه الـذي كـان عليـه عبـاد‬
‫األصنام‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راىعون» ‪.)2‬‬
‫وقـالـت اللىنـة الـدائمـة‪ :‬النـذر نوع من أنواع العبـادة التي هي حق هلل وحـده‪ ،‬ال‬
‫عا من العبادة التي هي‬ ‫يىو صـرف شـيء منها لغيره‪ ،‬فمن نذر لغيره؛ فقد صـرف نو ً‬
‫نذرا‪ ،‬أو ذب ًحا‪ ،‬أو غير‬
‫عا من أنواع العبادة ً‬ ‫حق هللا تعالى لمن نذر له‪ ،‬ومن صـرف نو ً‬
‫داخال تحت عموم قول هللا ‪ ( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ً‬ ‫ذلك لغير هللا؛ يعتبر مشـــر ًكا م هللا غيره‪،‬‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة‪ .]72 :‬وكل من اعتقد من المكلفين المسـلمين ىوا‬
‫النذر والذبح للمقبورين؛ فاعتقاده هذا شـرك أكبر مخر عن الملة‪ ،‬ويسـتتاب صـاحبه‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬ويضيق عليه‪ ،‬فإن تاب وإال قضتل ‪.)3‬‬
‫عبَّاد القبور‪:‬‬
‫* المجلب الراب ‪ :‬بعس الشبه التي يروىها ض‬
‫الشبهة األولى‪ :‬عندما يضناقع عباد القبور بحرمة هذا الفعل‪ ،‬يقولون‪ :‬إن الواق‬
‫يثبـت أن النـذر لءموات نتـائىـه ملموســـــة‪ ،‬فكم رد لنـا من غـائـب‪ ،‬وكم شـــــفى لنـا من‬
‫مريس‪.‬‬
‫والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫الوىه األول‪ :‬أن الرسول ﷺ نهى أن ينذر لغير هللا‪ ،‬فال اىتهاد م الن ‪.‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬التوضيح عن توحيد الخالق ‪ ،)382‬وما بعدها باختصار‪.‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬سبل السالم ‪.)1899 /4‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬فتاون اللىنة الدائمة ‪ ،)180 /1‬رقم الفتون ‪.)2251‬‬
‫‪377‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الوىه الثاني‪ :‬من قال إن شـــفاء مريضـــكم وعودة غائبكم كان بســـبب هتالء‬
‫نشــورا‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫ضــرا وال موتًا وال حياة ً وال‬
‫ً‬ ‫األموات الذين ال يملكون ألنفســهم نفعًا وال‬
‫يكون رحمة من هللا بكم‪ ،‬أو دعاء قد استىيب لكم‪.‬‬
‫الوىه الثال ‪ :‬قد يسـتىاب لكم عند القبور‪ ،‬وتحصـل لكم من الخيرات‪ ،‬ويكون‬
‫واختبارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا ابتالء من هللا لكم‬
‫الوىه الراب ‪ :‬إن النذر ال يهتي بخير‪ ،‬قال شــيإل ا ســالم ‪ :−‬وأنه لي من‬
‫ً‬
‫أصـال‪ ،‬وإنما يوافق القدر موافقة توافقه سـائر‬ ‫األسـباب الىالبة للخير‪ ،‬أو الدافعة لشـر‬
‫األســــبـاب‪ ،‬فيخر من البخيـل حينئـ ٍذ مـا لم يكن يخرىـه قبـل ذلـك‪ .‬وم هـذا فـهنـت ترن‬
‫نذرا تكشـف شـدائدهم‪ ،‬أكثر ‪-‬أو قريبًا‪ -‬من‬ ‫الذين يحكون أنهم وقعوا في شـدائد‪ ،‬فنذروا ً‬
‫الـذين ي عمون أنهم دعوا عنـد القبور أو غيرهـا‪ ،‬فقضـــــيـت حوائىهم‪ ،‬بـل من كثرة‬
‫اغترار المضــلين بذلك‪ ،‬صــارت النذور المحرمة في الشــرع متكل لكثير من الســدنة‪،‬‬
‫والمىاورين‪ ،‬والعاكفين عند بعس المســــاىد أو غيرها‪ ،‬ويهخذون من األموال شــــيئًا‬
‫كثيرا‪ ،‬وأولئـك النـاذرون يقول أحـدهم‪ :‬مرضـــــت فنـذرت‪ ،‬ويقول آخر‪ :‬خر علي‬ ‫ً‬
‫المحـاربون فنـذرت‪ ،‬ويقول ااخر‪ :‬ركبـت البحر فنـذرت‪ ،‬ويقول ااخر‪ :‬ضحبســـــت‬
‫فنذرت‪ ،‬ويقول ااخر‪ :‬أصابتني فاقة فنذرت ‪.)1‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬إن ما يضقرب إلى القبور وأهلها من المنذورات ال يدخل في باب‬
‫عبادة غير هللا تعالى‪ ،‬فإن هذه النذور ليســت من قبيل العبادة؛ ألن العبادة ال تتحقق إال‬
‫باعتقاد الربوبية والخالقية في المخضوع له ‪.)2‬‬
‫وهذه شبهة واهية‪ ،‬والرد عليها من ىوه‪:‬‬
‫الوىه األول‪ :‬ســـبق وأن بضين أن النذر عبادة‪ ،‬والعبادة ال يىو صـــرفها لغير‬
‫هللا ىل وعال)‪ ،‬ومن صرفها لغيره؛ فقد أشرك‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬أن الواق يضكذعب من مر َّو لهذه الشـــبهة‪ ،‬فلماذا يختار الناذر هذا‬
‫الضريح‪ ،‬وينذر له؟‪ .‬ولو لم يكن في اعتقاده أنه قربة وجاعة لما فعل ذلك‪ ،‬فهذه شبهة‬
‫ساقجة ال و ن لها‪.‬‬
‫الشـــبهة الثالثة‪ :‬حي يقولون نحن إذا نذرنا لءولياء‪ ،‬فإن نذرنا في الحقيقة هلل‬
‫تعالى‪ ،‬وإنما قصدنا إيصال ثواب نذرنا إلى األولياء ‪ .)3‬والرد عليها من وىوه‪:‬‬

‫‪ )1‬ان ر‪ :‬االقتضاء ‪.)715 /2‬‬


‫‪ )2‬ان ر‪ :‬ىهود علماء الحنفية ‪.)1559 /3‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬ىهود علماء الحنفية ‪.)1564 /3‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪378‬‬

‫الوىه األول‪ :‬هذه من الشبه التي يحتالون بها على البضسجاء‪ ،‬وهي واهية؛ ألن‬
‫الواق يكذبهم‪ ،‬والحقيقة تخال فهم‪ ،‬فهو عندما ينذر يقول للبدوي‪ :‬مني كذا وكذا إذا شـفي‬
‫مريضـــي أو حصـــلت حاىتي‪ ،‬ولو كان هلل تعالى لقال‪ :‬علي كذا كذا؛ ولكن ىعل هذا‬
‫الصنم وغيره شري ًكا هلل ينذر له كما ينذر هلل‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬لو كان قصـده إيصـال األىر للمنذور له‪ ،‬لكان يكفيه أن يتصـدق‬
‫عنه في أي مكان ويصـل إليه‪ ،‬فلماذا اختار ضـريحه؟‪ ،‬فهذا دليل واضـح على أنه لغير‬
‫هللا ‪-‬عصمنا ربي من الشرك‪.-‬‬
‫الشـبهة الرابعة‪ :‬إننا عندما نضـ صـناديق النذور‪ ،‬ف مه نمنا تفريج ما عند الفقراء‬
‫من ضـائقات اقتصـادية ومشـاكل مالية‪ ،‬وهذه المبالغ التي تقدم مبالغ بسـيجة يسـيرة ال‬
‫تضر الداف ‪ ،‬وتنف المحتا ‪.)1‬‬
‫والرد على هذه الشبهة من وىوه‪:‬‬
‫الوىه األول‪ :‬لقد ثبت بهن النذر عبادة‪ ،‬والعبادة ال يىو صرفها لغير هللا‪.‬‬
‫الوىه الثاني‪ :‬كون المبالغ التي تقدم بســيجة‪ ،‬ال يعني عحلنها‪ ،‬فلقد ســبق أن مر‬
‫معنـا خبر من دخـل النـار بـذبـاب وهو الـذي يحصـــــل على الماليين منـه بـالمىـان‪ ،‬وم‬
‫حقارته ومىانيته دخل النار بسـببه رىل‪ ،‬وهذا رد واضـح على أن حقارة الشـيء وقلته‬
‫إذا صرف لغير وىه هللا تعالى ال يقتضي حله وإباحته‪.‬‬
‫مبررا لحله‬
‫ً‬ ‫الوىه الثال ‪ :‬كون الشــيء يحصــل به ا نســان على الخير لي‬
‫ً‬
‫وإبــاحتــه لىوا ه‪ ،‬فكون الفقراء ينــالون من هــذه النــذور مــا يغنيهم لي دليال على‬
‫الىوا ‪ ،‬وإال ألبحنا للسـارق أن يسـرق لكي يغني الفقراء‪ ،‬ولل اني أن ي ني كي يغني‬
‫البغي‪ ،‬وهكـذا تضهتـك محـارم هللا وتســـــتبـا حرمـاتـه؛ بحىـة أن الفقراء يحصـــــلون من‬
‫ىرائها على النف ‪ ،‬ولي عند أهل الخرافة من شبه إال وتضدحس بإذن هللا‪.‬‬
‫* المجلب الخام ‪ :‬حكم النذر لغير هللا‪:‬‬
‫تبين لنا فيما سبق أن النذر لغير هللا ال يخلو من حالتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن ينـذر هلل؛ ولكن يقوم بتو ي نـذره عنـد القبور واألضـــــرحـة؛ فهـذا‬
‫ىرم ع يم يضخشــى على صــاحبه‪ ،‬وهو وســيلة من وســائل الشــرك‪ ،‬وبدعة في الدين‬
‫محدثة‪.‬‬
‫الثـانيـة‪ :‬إن كـان النـذر لغير هللا؛ فهو شـــــرك أكبر مخر من الملـة‪ ،‬كمـا أفتى‬
‫بـذلـك العلمـاء ومر معنـا من أقوالهم‪ ،‬ولعلي أضـــــيف إليـه مـا أفتى بـه و ير األوقـاف‬
‫المصـري حي قال‪ :‬إن النذر ألصـحاب األضـرحة واألولياء الصـالحين باجل بإىماع‬

‫‪ ،)176 /‬الع ة واالعتبار‪ ،‬آراء في حياة السيد البدوي‪.‬‬ ‫‪ )1‬ان ر‪:‬‬


‫‪379‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الفقهـاء؛ ألنـه نـذر لمخلوق؛ والنـذر عبـادة‪ ،‬وهي ال تكون لمخلوق‪ ،‬وإنمـا تكون للخـالق‪،‬‬
‫والنـذر هلل من العبـادات القـديمـة‪ ،‬ويعـد وســـــيلـة من وســـــائـل التقرب إلى هللا‪ ،‬وقـد أقر‬
‫فضال عن أنه باجل‬ ‫ا سالم النذر هلل‪ ،‬وىعل الوفاء به مل ًما‪ ،‬أما النذر لغير هللا؛ فإنه ‪ً -‬‬
‫وغير مشروع‪ -‬ال يىو الوفاء به ‪ .)1‬وبهذا يتبين لنا خجورة هذه العبادات‪.‬‬
‫* المجلب الساد ‪ :‬تو ي المياه في المقابر‪:‬‬
‫ومن األمور الحـادثـة التي لم تكن معروفـة من منهـا الســـــلف‪ ،‬مـا يحـد في‬
‫المقـابر هـذه األيـام ‪-‬مقـابر الســـــلفيـة‪ -‬من الحر على الخير من خالل تو ي الميـاه‬
‫والعصــــائر على المشــــيعين للىنائ ‪ ،‬وهذا أمر محد في الدين‪ ،‬وغير معروف من‬
‫خيرا لسـبقونا إليه‪ ،‬وهم أعلم منا بههمية سـقاية المياه‪.‬‬‫مناهج السـلف الصـالح‪ ،‬ولو كان ً‬
‫وتنافسـهم المحمود على سـقايا الحىيج ال تخفى على أحد‪ ،‬وم ذلك لم يحف عنهم أنهم‬
‫أحضــــروا معهم مياهًا لتو يعها على المشــــيعين؛ ألن المقابر ليســــت موجنًا لتو ي‬
‫الصـــــدقـات‪ .‬وإن تنـاف األثريـاء المحموم على إحضـــــار الثالىـات الكبيرة‪ ،‬وحى‬
‫األمكنة بالمقابر لتو ي المياه والعصائر في بعس الىنائ ‪ ،‬ال يخفى على أحد‪.‬‬
‫وقد ســـئل شـــيإل ا ســـالم ‪-‬قد هللا روحه ونور ضـــريحه‪ -‬عن هذا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وأنكر‬
‫ض‬ ‫وكذلك الصــدقة عند القبر‪ ،‬كرهها العلماء‪ ،‬وشــرج الواقف ذلك شــرج فاســد‪.‬‬
‫من ذلك أ ن يوضـ على القبر الجعام والشـراب ليهخذه النا ‪ ،‬فإن هذا ونحوه من عمل‬
‫كفار الترك‪ ،‬ال من أفعال المسلمين» ‪.)2‬‬
‫وهذا هو الحاصـل بعينه في هذا ال مان من قيام التىار وبعس أهل الخير من‬
‫وضــــ الميـاه ليـهخذها النـا ‪ ،‬فالمقـابر ليســـــت مكانًا لعبادات النا ‪ ،‬وال ألكلهم‪ ،‬وال‬
‫ـجرا‪،‬‬
‫لشـربهم م وىوب التفريق بين من يحضـر معه مياهًا لتكفي حاىته إن كان مض ًّ‬
‫وبين أن يحضــــر النا معهم المبردات والثالىات الكبيرة‪ ،‬فذاك أحضــــره لنفســــه‪،‬‬
‫وااخر ىعل المقابر موضعًا ومكانًا لتو ي صدقته من الماء‪.‬‬
‫وقد ســئل ســماحة ا مام الراحل عبد الع ي بن با ‪ −‬عن األكل والشــرب‪،‬‬
‫فقـال‪ :‬وأمـا ا قـامـة عنـد القبر لءكـل والشـــــرب‪ ،‬أو للتهـاليـل‪ ،‬أو للصـــــالةو أو قراءة‬
‫القرآن؛ فكل هذا منكر ال أصل له في الشرع المجهر» ‪.)3‬‬

‫‪ )1‬وقد نشــرت ىريدة األخبار المصــرية فتون الدكتور محمود حمدي ق وق في العدد ‪)2733‬‬
‫بتاريإل ‪ 13‬ذي القعدة ‪1417‬هـ‪ -‬الموافق ‪1997 /3 /22‬م)‪.‬‬
‫‪ )2‬ان ر‪ :‬مىموع الفتاون ‪.)307 /26‬‬
‫‪ )3‬ان ر‪ :‬مىموع فتاون ابن با ‪.)746 /2‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪380‬‬

‫وقـالـت اللىنـة الـدائمـة‪ :‬بـهن إحضـــــار قوارير المـاء إلى المقبرة لشـــــرب‬
‫المشــيعين‪ ،‬فيه مشــقة وكلفة على أهل الميت‪ ،‬ولم يضعرف عن الســلف الصــالح‪ ،‬و من‬
‫الـدفن يســـــير ال يحتـا إلى ذلـك‪ ،‬وفيـه فتح بـاب لبـذل الصـــــدقـات في المقـابر وعليـه‬
‫عمال لي عليـه أمرنـا؛ فهو رد»‬ ‫ً‬ ‫عمال بقول النبي ﷺ‪ :‬من عمـل‬‫ً‬ ‫فـالواىـب ترك ذلـك‬
‫‪.)2 ،)1‬‬
‫وما خشـيت منه اللىنة قد وق ‪ ،‬فقد انفتح باب يىب المسـارعة غالقه‪ ،‬حي‬
‫لم يعد إحض ـار المياه من قبل أهل الميت ‪-‬م مخالفته لمنهج الســلف لو أحضــره أهل‬
‫الميت‪ -‬بل تسابق األثرياء على إحضاره‪ ،‬ونالح الثالىات الضخمة التي حى ت لها‬
‫في المقابر أماكن كما هو حاصــــل في مواجن تو ي المياه في الحج‪ ،‬فعلى الدعاة أال‬
‫يلتفتوا لكالم أولئك الذين يحسـنون الشـيء من خالل عقولهم؛ بل ال بد من التحاكم إلى‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬والرىوع لمنهج سلف األمة‪ ،‬الذين ما كان يعى هم أن يحضروا المياه‬
‫إلى المقابر‪ ،‬فلقد أحضـروه إلى ما هو أصـعب وأبعد حي كانوا يحضـرونه إلى عرفة‬
‫ومنى م وعورة الجرق ومشـــقاتها‪ ،‬وهي مناجق ىبلية‪ ،‬فهم أحر منا على الخير‬
‫وأرغب منا به‪.‬‬
‫وبهـذا يتبين لنـا خجورة مثـل هـذا العمـل‪ ،‬وأنـه يفتح بـاب شــــ ٍـر‪ ،‬والعيـاذ بـاهلل‪،‬‬
‫فعلى ا خوة الـدعـاة التحـذير من هـذا‪ ،‬وبـهنـه قـد يتدي إلى مـا هو أع م منـه‪ ،‬وكم من‬
‫مريد للخير لم يحســـن الجريقة للوصـــول إليه‪ .‬كذلك على البلديات أن تمن من دخول‬
‫المثلىات للمقابر سـ ـ ًدا لهذا الباب الذي يخشـــى أن ينفتح بفتحه باب للشـــرك‪ ،‬ودخول‬
‫الىهـال بتقـديم نـذور وصـــــدقـات تقـدم لءموات‪ ،‬ثم تتجور األمور‪ ،‬كمـا هو حـاد في‬
‫البالد التي حولنا‪ ،‬ومع م النار من مستصغر الشرر‪.‬‬
‫وبهذا المبح تتم الرسـالة وهلل الحمد والشـكر الذي بنعمه تتم الصـالحات‪ ،‬وهو‬
‫أعلم وأحكم‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪.)34/‬‬ ‫‪ )1‬سبق تخريىه‬


‫‪.)97 ،96 /‬‬ ‫‪ )2‬ان ر‪ :‬من بدع القبور‪،‬‬
‫‪381‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫اقتراحات وتوصيات‬
‫ولعلي في ختـام هـذا البحـ أن أقـدم بعس التوصــــيـات؛ لعـل هللا أن ينف بهـا‪،‬‬
‫ومن أهمها‪:‬‬
‫‪ )1‬على األمة االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬وااللت ام بالوحيين منه ًىا وجريقة‪،‬‬
‫ففيهما النىاة والســالمة في الدارين‪ ،‬فمن الت م بهما نىا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ )‬
‫[آل عمران‪ .]103 :‬وقـال تعـالى‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)‬
‫[األح اب‪.]21 :‬‬
‫‪ )2‬على األمة االلت ام بالشــــعيرة الع يمة الغائبة عن الكثير من المىتمعات‬
‫ا سـالمية‪ ،‬وهي شـعيرة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران‪ .]104 :‬فـإن األمر بـالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر صـــمام أمان‪ ،‬وســـفينة نىاة للمىتمعات‪ ،‬وكلما غابت هذه الشـــعيرة الع يمة‪،‬‬
‫انتشـــــرت البـدع كـاألموا الهـائىـة والىمـال الهـادرة‪ ،‬فعلى الـدعـاة في كـل مكـان دعوة‬
‫هتالء الىهال بالحكمة والموع ة الحسنة والصبر والتحمل‪ ،‬فمن صبر فر‪.‬‬
‫‪ )3‬االحترا من صــــغائر األمور جالما أن فيها خرو عن الســــنة‪ ،‬ومع م‬
‫النار من مسـتصـغر الشـرر‪ ،‬فعلى الدعاة إجفاء ىمرة البدعة قبل اشـتعالها‪ ،‬وإخمادها‬
‫قبل ثورانها؛ فمتى انتشـــرت صـــعب إجفاتها‪ ،‬ومتى كبرت صـــعب اىتذاذها‪ ،‬ومتى‬
‫تغلغلت صـعب اقتالعها‪ ،‬فمتى ما الح الداعية بدعة؛ فعليه المبادرة في التحذير منها‬
‫ووأدها‪.‬‬
‫منبرا‬
‫‪ )4‬على الدعاة أال يســـتهينوا بوســـائل ا عالم وأهميتها‪ ،‬وأال يىعلوها ً‬
‫ألعداء الدين يصولون فيه ويىولون‪ ،‬ويبثون من خالله أفكارهم المسمومة‪ ،‬كما عليهم‬
‫التحذير مما يب وأكثره شــر‪ ،‬والتصــدي لما يرو من خالله من شــبه‪ ،‬بســرعة الرد‬
‫و عدم التكاسل والتهاون والتسويف‪ ،‬ورمي التبعة على غيرهم‪.‬‬
‫‪ )5‬على ىمي الدعاة في العالم ا ســـالمي مناصـــحة الحكام بوىوب تســـوية‬
‫ىمي القبور‪ ،‬وهدم ما اد منها عن الســــنة‪ ،‬وأن يدعموا كالمهم باألدلة الشــــرعية‪،‬‬
‫وأقوال األئمة األربعة الذين لهم اعتبارهم في البلدان ا ســالمية‪ .‬وما من بلد إســالمي‬
‫إال وينســـــب لواحد منهم‪ ،‬وىميعهم ‪-‬وهلل الحمـد‪ -‬اتفقـت كلمتهم على حرمة هذه البـدع‪،‬‬
‫وحذروا منها‪ ،‬وسار على منهىهم كبار أتباعهم بفضله ورحمته‪.‬‬
‫‪ ) 6‬على الـدعـاة وأهـل الخير أن يســـــتغلوا المواســـــم الـدينيـة التي يتوافـد فيهـا‬
‫المســلمون من شــتى الصــقاع والبقاع إلى بالد الحرمين ببيان حقيقة التوحيد‪ ،‬والدعوة‬
‫إليه بالحكمة والموع ة الحسـنة‪ ،‬وتو ي الكتب واألشـرجة النافعة‪ ،‬وتفعيل دور دعاة‬
‫هذه البلدان؛ ألن الثقة بهم عند أتباعهم أكثر‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪382‬‬

‫‪ )7‬على الـدعـاة إعجـاء ىـانـب التوحيـد‪ ،‬وقضــــيـة القبور‪ ،‬مســـــاحـة أكبر عنـد‬
‫شبه الخصوم‪.‬‬ ‫المشاركات في الصحف والمىالت‪ ،‬وفي كتابة المقاالت‪ ،‬والرد على ض‬
‫‪ )8‬يىب أن تشـــعر الىامعات بدورها الع يم‪ ،‬ومســـتولياتها الىســـيمة حول‬
‫تصــحيح مفاهيم النا في قضــايا العقيدة‪ :‬من خالل إقامة الدورات والندوات المكثفة؛‬
‫نقاذ النا من وحل الشـــرك وأوضـــاره‪ ،‬كذلك إعجاء الرســـائل العلمية التي تناقع‬
‫مث ل هذه القضايا أهمية كبرن؛ ألن ا نسان متى سلم توحيده سلم من الخلود في ىهنم‪.‬‬
‫وهذه أبر ما لدي من توصيات‪.‬‬
‫‪ ) 7‬وإنني من خالل هذا الكتاب أدعو ىمي من لهم يد وقوة وإقناع‪ ،‬أن يفتحوا‬
‫حوارات معهم‪ ،‬وأن يضعيدوهم إلى الىادة أو المن بالقوة والضــــرب بيد من حديد على‬
‫وعرضــوا إمام الثقلين ما يشــمت األعداء‪ ،‬ويفر‬
‫ن‬ ‫من شــوه صــورة ا ســالم وأهله‪،‬‬
‫اليهود والنصارن وبقايا الملل والنحل على أهل ا سالم والمنتمين له‪.‬‬
‫‪ ) 8‬إنـه ممـا ينبغي على أهـل العلم أن يبـذلوا الىهود الع يمـة نقـاذ النـا من‬
‫هذا الكفر البوا والشرك الصرا ‪ ،‬ويا ويلهم إن لم يتوبوا إلى ربهم وينيبوا إليه‪.‬‬
‫‪ )9‬إن الواىب على والة أمور المسـلمين في ىمي الدول ا سالمية أن يمنعوا‬
‫البناء على القبور‪ ،‬واتخاذ المســـاىد عليها‪ ،‬كما يىب عليهم أن يمنعوا تىصـــيصـــها‬
‫عمال بهذه األحادي الصـحيحة‪ ،‬وسـدًا لذرائ الغلو في‬ ‫والقعود عليها‪ ،‬والكتابة عليها‪ً ،‬‬
‫أهله ا والشـــرك بهم‪ .‬نســـهل هللا أن يوفق والة أمور المســـلمين لما فيه صـــال العباد‬
‫والبالد‪ ،‬وأن ينصر بهم دينه‪ ،‬ويحيي بهم شريعته‪ ،‬مما يخالفها إنه سمي مىيب‪.‬‬
‫‪ )10‬إنه من واىب العلماء الغيورين ووالة أمور المســـلمين أن يقضـــوا على‬
‫هذا المنكر‪ ،‬وأن يغلقوا هذا الباب‪ ،‬وأي باب يفضــي إلى الشــرك‪ ،‬أو يتدي إلى تع يم‬
‫من في القبور‪ ،‬وإعجائهم من الصفات التي ال تليق إال باهلل ىل وعال)‪.‬‬
‫‪383‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫الـخـاتـمـة‬
‫ونهارا‪ ،‬والصــــالة‬
‫ً‬ ‫وىهارا‪ً ،‬‬
‫ليال‬ ‫ً‬ ‫اهرا وباجنًا‪ ،‬ســـ ً‬
‫ـرا‬ ‫ً‬ ‫وآخرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل ً‬
‫أوال‬
‫والسالم على الرحمة المسداة والقدوة المهداة وعلى آله وصحبه وبعد‪.‬‬
‫فقـد يســـــر هللا لي بحولـه وجولـه وىوده ولجفـه ورحمتـه وكرمـه وتفضــــلـه‬
‫وإحســـانه إتمام هذه الرســـالة التي ما كانت لتتم لوال عجاته الع يم‪ ،‬وقد هر لي من‬
‫خاللها بعس النتائج‪ ،‬التي من أهمها‪:‬‬
‫‪ )1‬خجورة البدعة على المســــلم‪ ،‬وبهنها باب كل شــــر ومولج يخشــــى على‬
‫صــــاحبه الخجر‪ ،‬وبهن البدعة يتفاوت حىمها‪ ،‬فكلما كبرت تعا م شــــرها‪ ،‬وهي إما‬
‫بدعة صـغيرة أو بدعة كبيرة‪ ،‬وبعضـها قد أخر صـاحبها من الملة‪ ،‬وقذف به خار‬
‫حدود الديانة‪ ،‬وضــمه إلى إبلي وح به‪ ،‬وبعضــها أبقى صــاحبها في دائرة ا ســالم‪،‬‬
‫وهو على خجر االنضـمام إلى رى الشـيجان‪ ،‬كما هر لي االختالف في الحكم بين‬
‫المبتدعة‪ ،‬وبين متهول وعالم وىاهل‪ ،‬وكل يضحكم عليه من خالل وصفه‪.‬‬
‫‪ )2‬توصـلت الرسـالة إلى وىوب التفريق بين العمل والعامل‪ ،‬فقد يكون العمل‬
‫شركيًّا وكفريًّا؛ لكن ال يحكم على صاحبه بالكفر والردة؛ لوىود موان ذلك‪ ،‬كعدم قيام‬
‫الحىة‪ ،‬فعلى جالب العلم أال يتســرع في الحكم على ممارســي البدع‪ ،‬وإنما يحكم على‬
‫أفعالهم‪ ،‬وأما على أشخاصهم‪ ،‬فكل يضحكم عليه بحسبه وبعينه‪.‬‬
‫‪ )3‬هر من خالل هذه الرســـالة أن بدع القبور من أخجر البدع التي هرت‬
‫في التاريإل ا ســــالمي‪ ،‬بل وأثبتت الرســــالة‪ ،‬أن القبور وم اهر تع يمها في العالم‬
‫ا سـالمي ما هو إال امتداد لىاهلية قديمة‪ ،‬وقد أوردت الرسـالة نماذ من هذا‪ :‬كمسـهلة‬
‫العكوف عند القبور‪ ،‬والذبح لها‪ ،‬ودعائها‪ .‬وأثبتت بهنه امتداد لىاهلية ما قبل ا سالم‪.‬‬
‫‪ )4‬توصـلت الرسـالة إلى الكيفية الشـرعية للقبور التي ىاء بها ا سـالم‪ ،‬و هر‬
‫من خاللها بهن من تمســكوا بمنهىية الشــريعة بصــفات القبور في ا ســالم قلة قليلة‪،‬‬
‫وهكذا ا سالم ال يتمسك به إال الصفوة‪.‬‬
‫‪ )5‬توصـــلت الرســـالة إلى أســـباب افتتان النا بالقبور‪ ،‬و هر لها أســـباب‬
‫كثيرة‪ ،‬لعل من أخجرها دور وسـائل ا عالم من صـحافة وتلفا في الترويج للبضـاعة‬
‫الم ىاة‪ ،‬وهي عبادة القبور‪ .‬وقد ورد في الرسالة نماذ من ذلك‪.‬‬
‫‪ )6‬توصــلت الرســالة إلى أهم البدع المنتشــرة والمتفشــية بالعالم ا ســالمي‪،‬‬
‫وحذرت منها‪.‬‬
‫‪ )7‬لعل أبر ما في الرســــالة‪ ،‬أنها حاولت قدر المســــتجاع التعرس لشــــبه‬
‫القبورية‪ ،‬وقامت بتفنيدها تفنيدًا مدعو ًما بكالم أئمة السـلف‪ ،‬وعلى رأسـهم شـيإل ا سـالم‬
‫‪-‬قد هللا روحه‪.-‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪384‬‬

‫‪ )8‬أثبتت الرســـالة الىهود الع يمة التي بذلها شـــيإل ا ســـالم ابن تيمية ‪،−‬‬
‫وقـد روحـه‪ ،‬وىمعنـا وإيـاه م قـدوتنـا ﷺ حيـ ثبـت كـالىبـل في وىوه أهـل البـدع‪ ،‬فلم‬
‫تســتج أمواىهم وحيلهم وكيدهم ومكرهم‪ ،‬أن ت ع ه‪ ،‬أو أن تغيره عن موقفه‪ ،‬فوقف‬
‫أمام ىموعهم وأصــناف بدعهم‪ ،‬ينافح عن الوحيين‪ ،‬ويذب عن ســنة أبي القاســم ﷺ‪،‬‬
‫فعلى األمة أن تنهل من معينه الصــافي وعلمه المتصــل وعمله الدتوب‪ ،‬ووســجيته‪.‬‬
‫كمـا هر بـالرســـــالـة ع م مـا قـام بـه ا مـام المىـدد محمـد بن عبـدالوهـاب ‪ −‬والـذي مـا‬
‫ال خيره يعم‪ ،‬وهـدايـاه على األمـة تتىـدد‪ ،‬ومنهـا كتبـه الع يمـة‪ :‬كـالتوحيـد‪ ،‬وكشــــف‬
‫الشـبهات‪ ،‬كما هر من الرسـالة الىهود المشـكورة للعلماء والدعاة في شـتى الصـقاع‬
‫والبقاع الذين بينوا خجورة البدع وع يم شـرها‪ ،‬كا مام الصـنعاني‪ ،‬والشـوكاني‪ ،‬وابن‬
‫با ‪ ،‬واأللباني‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،‬والكثير ممن ال أحصــــيهم‪ ،‬فى اهم عن ا ســــالم خير‬
‫الى اء‪ ،‬وأى ل لهم من ع يم العجاء‪.‬‬
‫وفي الختـام هـذا ىهـد مقـل‪ ،‬وعمـل مقصـــــر‪ ،‬وىهـد دخيـل على العلم وأهلـه‪،‬‬
‫يرىو نفعه‪ ،‬ويتمل حصـول خيره‪ ،‬ويعترف بضـعفه وتقصـيره‪ ،‬وهللا أعلم وأحكم‪ .‬فما‬
‫كان من صـــواب فمن هللا‪ ،‬وما كان من خجه وتقصـــير فمن نفســـي ومن الشـــيجان‪،‬‬
‫فهســتغفر هللا وأســتعيذ به من شــر الشــيجان ووســاوســه‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪،‬‬
‫وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫تمت هذا الرسالة في شهر شوال لعام ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪385‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ملحـق الصـور‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪386‬‬

‫* أحد المفتونين وهو في وض ـ الســىود على أحد األضــرحة‪ ،‬كما يســىد هلل‬
‫ىل وعال‪.‬‬
‫‪387‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫يلىه إلى صاحب الضريح ويدعو عنده‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪388‬‬

‫مىموعة من الىهال يتنافســــون للحصــــول على صــــدقة تو ع عند القبر؛‬


‫العتقادهم بهنها قد حلت بها البركة في إحدن البالد ا سالمية‪.‬‬
‫‪389‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫ضــريح وضــ داخل مبنى بشــكل مخالف لما يىب أن تكون عليه القبور في‬
‫ا سالم‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪390‬‬

‫أحد الىهال في وضعية سىود صريحة على الضريح‪.‬‬


‫‪391‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫لقبر كتب عليه اسم صاحب الضريح‪.‬‬ ‫وض حىر أسا‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪392‬‬

‫أحد المفتونين وهو يقبل مقام أحد األولياء‪.‬‬


‫‪393‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫نموذ من خجابات الشكاون والحاىات التي تقدم لصاحب الضريح‪.‬‬


‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪394‬‬

‫المراى والمصادر‬ ‫فهر‬


‫‪ )1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ )2‬أحكام الىنائ وبدعها‪ ،‬لإلمام محمد ناصــر الدين األلباني‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )3‬أحكام القرآن البن العربي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 4‬إحيـاء المقبور من أدلـة ىوا بنـاء المســـــاىـد على القبور‪ ،‬ويليـه إعالم‬
‫الراك السـاىد باتخاذ القبور مسـاىد‪ ،‬تهليف‪ :‬الشـيإل عبد هللا الصـديق الغماري‪ ،‬الناشـر‪:‬‬
‫مكتبة القاهرة‪ ،‬ج‪1422 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 5‬إحياء علوم الدين ألبي حامد الغ الي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الهدن‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ج‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )6‬أخبار مكة وما ىاء فيها من ااثار ألبي الوليد األ رقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬رشــــدي‬
‫الصالح‪ ،‬الناشر‪ :‬مجاب دار الثقافة‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ج‪1416 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )7‬إرشـاد الفحول إلى تحقيق علم األصـول لمحمد بن علي الشـوكاني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد البدري‪ ،‬الناشر‪ :‬متسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت ج‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )8‬إرواء الغليل في تخريج أحادي منار الســـبيل‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشـــر‪ :‬المكتب‬
‫ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪1405 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )9‬أســــا التقدي لفخر الدين الرا ي‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مكتبة الكليات األ هرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ج ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ )10‬أســباب البدع ومضــارها وأنواعها‪ ،‬لمحمود شــلتوت‪ ،‬الناشــر‪ :‬ىماعة‬
‫أنصار السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )11‬أســد الغابة في معرفة الصــحابة‪ ،‬لع الدين بن األثير الىو ي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد البنا وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الشعب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )12‬إصـــــال المســـــاىـد من البـدع والعوائـد‪ ،‬لمحمـد ىمـال‪ ،‬خر أحـاديثـه‪:‬‬
‫األلباني‪ ،‬المكتب ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪1403 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ )13‬أضـواء البيان‪ ،‬للعالمة محمد أمين الشـنقيجي‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬
‫ج ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ )14‬إعانة المسـتفيد بشـر كتاب التوحيد‪ ،‬لصـالح الفو ان‪ ،‬الناشـر‪ :‬متسـسـة‬
‫الرسالة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 15‬أعالم الموقعين عن رب العــالمين‪ ،‬البن القيم‪ ،‬النــاشـــــر‪ :‬دار الكتــب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1411 ،1‬هـ‪ ،‬ج‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪395‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )16‬إغاثة اللهفان من مصـايد الشـيجان لإلمام ابن القيم الىو ية‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار‬
‫الحدي ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )17‬ألفية ابن مالك‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ا يمان‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 18‬أنبـاء الضـــــمر بـهبنـاء العمر البن حىر‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )19‬إيثـار الحق على الخلق‪ ،‬لليمـاني‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )20‬إثارة الترغيب والتشــــويق إلى المســــاىد الثالثة والبيت العتيق‪ ،‬لإلمام‪:‬‬
‫محمـد بن إســـــحـاق‪ ،‬ويليـه يـارة بيـت المقـد ‪ ،‬ألحمـد بن تيميـة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الـدكتور‬
‫مصجفى الذهبي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة ن ار مصجفى البا ‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )21‬اعترافـات كنـت قبوريـًا‪ ،‬لءســــتـاذ‪ :‬عبـد المنعم الىـداوي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار‬
‫المدني‪ ،‬ىدة‪ ،‬ج‪1411 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ )22‬اقتضـاء الصـراج المسـتقيم‪ ،‬لشـيإل ا سـالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬ناصـر‬
‫العقل‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1417 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ )23‬ا بداع في مضــار االبتداع لعلي محفو ‪ ،‬تحقيق‪ :‬ســعيد‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1421 1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )24‬ااثـار لإلمـام محمـد بن الحســـــن‪ ،‬قـام بـالتعليق عليـه أبو الوفـاء األفغـاني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )25‬األحادي الواردة في القبور لصـــال بن عبد اللجيف العيســـى‪ ،‬رســـالة‬
‫ماىستير‪.‬‬
‫‪ )26‬األحادي الواردة في فضـــائل المدينة ىم ودراســـة‪ :‬الدكتور صـــالح‬
‫الرفاعي‪ ،‬الناشر‪ :‬مىم الملك فهد‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ج‪1415 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )27‬األخبار العلمية من االختيارات الفقهية لشـــيإل ا ســـالم ابن تيمية‪ ،‬لعالء‬
‫الدين أبي الحســــن علي البعلي م تعليقات البن عثيمين‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار العاصــــمة‪،‬‬
‫الرياس‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )28‬األخنائية أو الرد على األخنائي لشــيإل ا ســالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬
‫مون العن ي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الخرار‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )29‬األذكار لإلمام النووي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )30‬ا سـماعيلية تاريإل وعقائد‪ ،‬حسـان إلهي هير‪ ،‬الناشر‪ :‬ترىمان السنة‪،‬‬
‫باكستان‪ ،‬ج‪1401 ،1‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪396‬‬

‫‪ )31‬ا صـابة في تميي الصـحابة‪ ،‬البن حىر العسـقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل أحمد‬
‫وعلي محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 32‬ا عالم بفوائـد عمـدة األحكـام البن الملقن عمر األنصـــــاري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبدالع ي المشيقح‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 33‬األعالم‪ ،‬لخير الـدين ال ركلي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ج‪2002 ،15‬م‪.‬‬
‫‪ )34‬األعمال الكاملة‪ ،‬للدكتور ســــيد عوي ‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مرك المحروســــة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )35‬األعياد وأثرها على المســلمين‪ ،‬للدكتور‪ :‬ســليمان بن ســالم الســحيمي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مرك البح العلمي‪ ،‬الىامعة ا سالمية بالمدينة المنورة‪ ،‬ج‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )36‬األم‪ ،‬لإلمام محمد بن إدري الشـافعي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 37‬األوســـــج في الســـــنن وا ىمــاع واالختالف‪ ،‬ألبي بكر بن المنــذر‬
‫النيســــابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور صــــغير حنيف‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار جيبة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ )38‬اايات البينات في تحريم دعاء األموات‪ ،‬للشيإل علي بابكر‪ ،‬بدون ناشر‪،‬‬
‫ج‪1421 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )39‬اايات والبينات في عدم ســماع األصــوات عند الحنفية الســادات‪ ،‬لإلمام‬
‫محمد االوســي‪ ،‬تحقيق‪ :‬ا مام األلباني‪ ،‬الناشــر‪ :‬المكتب ا ســالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ج‪1405 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )40‬االســتقامة‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن رشــاد‪ ،‬الناشــر‪ :‬ىامعة ا مام‪،‬‬
‫ج‪1403 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )41‬االسـتيعاب في أسـماء األصـحاب للقرجبي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1358‬هـ‪.‬‬
‫‪ )42‬االسـتيعاب في أسـماء األصـحاب للقرجبي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج ‪1358‬هـ‪.‬‬
‫‪ )43‬االســتيعاب في أســماء األصــحاب‪ ،‬البن عبد البر‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )44‬االعتصـام ألبي إسـحاق الشـاجبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سـليم الهاللي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار ابن‬
‫عفان‪ ،‬ج‪1412 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪397‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )45‬االعتقاد والهداية إلى ســبيل الرشــاد للبيهقي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار اافاق‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ )46‬االنحرافـات العقـديـة والعلميـة في القرنين الثـالـ عشـــــر والراب عشــــر‬
‫الهىريين‪ ،‬وآثـارهمـا في حيـاة األمـة‪ ،‬لعلي ال هراني‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار جيبـة‪ ،‬الريـاس‪،‬‬
‫ج‪1418 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 47‬البـاعـ على إنكـار البـدع والحواد ‪ ،‬لإلمـام أبي محمـد عبـد الرحمن ابن‬
‫إســماعيل‪ ،‬تحقيق‪ :‬مشــهور بن حســن‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الراية‪ ،‬الرياس‪ ،‬الجبعة األولى‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 48‬البحر ال خـار المعروف بمســـــنـد الب ار لإلمـام أبي بكر أحمـد الب ار‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محفو الرحمن دين هللا‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ )49‬البحر المحيج‪ ،‬ألبي حيـان محمـد يوســـــف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عـادل أحمـد عبـد‬
‫الىواد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 50‬البـدايـة والنهـايـة‪ ،‬لإلمـام ابن كثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬الـدكتور عبـد هللا التركي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مرك البحو ا سالمية‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 51‬البدر الجال بمحاســـن من بعد القرن الســـاب للشـــوكاني‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار‬
‫الكتاب ا سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 52‬البـدع الحوليـة‪ ،‬لعبـد هللا التويىري‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الفضـــــيلـة‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 53‬البدع والمحدثات وما ال أصـل له‪ ،‬لمحمود عبد هللا المجر‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار‬
‫ابن خ يمة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1999 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ ) 54‬البدعة والمصـــالح المرســـلة‪ ،‬لتوفيق‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار الترا ‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫الجبعة األولى ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 55‬التـاريإل الكبير‪ ،‬لإلمـام البخـاري‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 56‬التبرك أنواعه وأحكامه‪ ،‬لناصـر بن عبد الرحمن الىدي ‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج ‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 57‬التحقيق وا يضـا لكثير من مسـائل الحج والعمرة وال يارة على ضـوء‬
‫الكتاب والســنة‪ ،‬لإلمام عبد الع ي بن با ‪ ،‬الناشــر‪ :‬الرئاســة العامة دارات البحو‬
‫العلمية وا فتاء والدعوة وا رشاد‪ ،‬ج‪ ،20‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 58‬التفسير والمفسرون‪ ،‬للدكتور محمد الذهبي‪ ،‬بدون ناشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪398‬‬

‫‪ ) 59‬التمهيـد لمـا في الموجـه من المعـاني واألســـــانيـد‪ ،‬البن عبـد البر‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫أسامة ابن إبراهيم‪ ،‬تخريج‪ :‬حاتم بن أبو يد‪ ،‬الناشر‪ :‬الفاروق‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 60‬التوســل باألنبياء والصــالحين‪ ،‬لحســن الشــيإل قريب هللا‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الىيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )61‬التوصــل إلى حقيقة التوســل المشــروع والممنوع‪ ،‬بقلم‪ :‬محمد الرفاعي‪،‬‬
‫بدون ناشر‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )62‬التوضيح عن توحيد الخالق في ىواب أهل العراق وتذكرة أولي األلباب‬
‫في جريقة الشــيإل محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬المنســوب لســليمان بن عبد هللا بن محمد بن‬
‫عبد الوهاب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار جيبة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1401 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )63‬التوضــيحات الكاشــفات على كشــف الشــبهات‪ ،‬تهليف‪ :‬محمد بن عبد هللا‬
‫الهبدان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار جيبة‪ ،‬ج‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )64‬الىام لشــعب ا يمان‪ ،‬تهليف‪ :‬أبي بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مختار الندوي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار السلفية بومباي‪ ،‬الهند‪ ،‬ج‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )65‬الىر والتعديل‪ ،‬لإلمام الحاف ‪ ،‬بدون ناشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )66‬الىنى الداني في حروف المعاني‪ ،‬للحسـن بن قاسـم المرادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫فخرالـدين قبـاوة‪ ،‬ومحمـد نـديم‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار اافـاق الىـديـدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )67‬الحاوي لإلمام أبي الحسـن الماوردي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمود مجرىي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬جبعة المكتبة التىارية ج ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ )68‬الحركات الباجنية في العالم ا سـالمي‪ ،‬د‪ .‬محمد أحمد الخجيب‪ ،‬الناشـر‪:‬‬
‫عالم الكتب‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1404 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )69‬الحضـرة ا نسـية في الرحلة القدسـية‪ ،‬لعبد الغني النابلسـي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار‬
‫صادر‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )70‬الخوار تـاريخهم وآراتهم‪ ،‬لغـالـب علي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار مكـة‪ ،‬دمنهور‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )71‬الدر النضــيد في تخريج كتاب التوحيد‪ ،‬لصــالح بن عبد هللا العصــيمي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار ابن خ يمة‪ ،‬الرياس‪ ،‬الجبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 72‬الـدرة الثمينـة في أخبـار المـدينـة‪ ،‬لمحـب الـدين محمـد بن النىـار‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫صالح ىمال‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ج‪1391 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 73‬الـدرر الســـــنيـة في األىوبـة النىـديـة‪ ،‬لعبـد الرحمن بن محمـد بن قـاســــم‬
‫النىدي‪ ،‬بدون ناشر‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪399‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ ) 74‬الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة‪ ،‬البن حىر‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار الىيل‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 76‬الدين الخال ‪ ،‬لمحمد صـــديق حســـن القنوىي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ســـالم‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 77‬الذيل على الجبقات الحنابلة البن رىب‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسـامة وحا م‪ ،‬الناشـر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 78‬الرحلـة الحىـا يـة‪ ،‬تـهليف محمـد لبيـب البتنوني‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬مكتبـة الثقـافـة‬
‫الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 79‬الرد على ا خنـائي‪ ،‬لشـــــيإل ا ســـــالم ابن تيميـة‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمـد مون‬
‫العن ي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الخرار‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 80‬الرســالة‪ ،‬لإلمام الشــافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬خالد‪ ،‬و هير الســبكي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1421 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 81‬الرو ‪ ،‬البن القيم الىو ية‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوســف علي بديوي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1422 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ )82‬الروضـة الندية في شـر الدرر البهية‪ ،‬لمحمد حسـن خان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫صبحي حالق‪ ،‬الناشر‪ :‬دار األرقم‪ ،‬بريجانيا‪ ،‬ج‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )83‬ال هــد‪ ،‬لإلمــام أحمــد‪ ،‬النــاشـــــر‪ :‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )84‬ال واىر عن اقتراف الكبـائر‪ ،‬البن حىر الهيثمي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬المكتبـة‬
‫العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1420 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 85‬ال يـارة النبويـة‪ ،‬لمحمـد بن علوي المـالكي الحســـــني‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار‬
‫وهدان‪،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )86‬الســــلوك لمعرفة الملوك‪ ،‬لتقي الدين أحمد المقري ي‪ ،‬تصــــحيح‪ :‬محمد‬
‫مصجفى‪ ،‬الناشر‪ :‬لىنة التهليف والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪1956 ،20‬م‪.‬‬
‫‪ )87‬الســنة‪ ،‬البن أبي عاصــم‪ ،‬ومعه الل الىنة في تخريج الســنة لءلباني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬المكتب ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪1401 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )88‬السـنن الكبرن‪ ،‬ألبي بكر أحمد البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر‪ ،‬ويليه‬
‫تعليقات ابن التركا ضـمن حواشـي الكتاب‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ج‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )89‬الســـيد البدوي بين الحقيقة والخرافة‪ ،‬ألحمد صـــبحي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬مجبعة‬
‫الدعوة ا سالمية‪ ،‬ج‪1403 ،1‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪400‬‬

‫‪ )90‬الســـيد البدوي ودولة الدراويع في مصـــر‪ ،‬لمحمد فهمي عبد اللجيف‪،‬‬


‫الناشر‪ :‬سمير أبو داود المرك العربي للصحافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪ ،2‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )91‬الســــيل الىرار‪ ،‬لمحمد بن علي الشــــوكاني‪ ،‬الناشــــر‪ :‬و ارة األوقاف‬
‫المصرية‪ ،‬ج‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )92‬الشــر الصــغير م بلغة الســالك‪ ،‬للصــاوي‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة مصــجفى‬
‫البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1372‬هـ‪ ،‬الجبعة األخيرة‪.‬‬
‫‪ )93‬الشـر الكبير‪ ،‬وا نصاف‪ ،‬والمقن ‪ ،‬البن قدامة‪ ،‬الناشر‪ :‬و ارة الشتون‬
‫ا سالمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد هللا التركي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهىرة‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )94‬الشـر الممت على اد المسـتنق ‪ ،‬لمحمد بن صـالح العثيمين‪ ،‬اعتنى به‬
‫وخر أحاديثه‪ :‬عمر بن ســــليمان الحفيان‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مكتبة العبيكان بالرياس‪ ،‬جبعة‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ )95‬الشــــرك في القـديم والحـديـ ‪ ،‬ألبو بكر محمـد كريـا‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬مكتبـة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )96‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )97‬الشفا بتعريف حقوق المصجفى‪ ،‬للقاضي عياس‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‪.‬‬
‫‪ )98‬الصــارم المنكي في الرد على الســبكي‪ ،‬لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )99‬الصراع بين ا سالم والوثنية‪ ،‬للقصيمي‪ ،‬ج‪1402 ،2‬هـ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 100‬الضـــــعفـاء‪ ،‬ألبي ىعفر محمـد بن عمر العقيلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الـدكتور عبـد‬
‫المعجي قلعىي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1404 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )101‬الجبقات الكبرن‪ ،‬ألحمد بن علي الشــعراني‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة محمد بن‬
‫علي صبح وأوالده‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 102‬الجبقـات الكبرن‪ ،‬البن ســـــعـد‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار صـــــادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ج‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 103‬الجرق الحكمية في الســـياســـة الشـــرعية‪ ،‬البن القيم‪ ،‬أشـــرف على‬
‫التحقيق‪ :‬حا م القاضــــي‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مكتبة التىارية‪ ،‬ومكتبة ن ار مصــــجفى‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 104‬الع ة واالعتبار آراء في حياة السيد البدوي الدنيوية وحياته البر خية‪،‬‬
‫بقلم‪ :‬أحمد محمد حىاب‪ ،‬الناشـر‪ :‬و ارة المىل األعلى للشـتون ا سـالمية‪ ،‬مصـر‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪401‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ ) 105‬الفائق في غريب الحدي لل مخشري‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم شم ‪ ،‬الناشر‪:‬‬


‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 106‬الفرق بين الفرق وبيـان الفرقـة النـاىيـة منهم‪ ،‬لعبـد القـاهر البغـدادي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار اافاق الىديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1402 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 107‬الفروع لإلمـام المقـدســـــي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬عـالم الكتـب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج ‪،4‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 108‬الفقه ا ســــالمي وأدلته‪ ،‬للدكتور وهبة ال حيلي‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار الفكر‬
‫بدمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪1409 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 108‬القامو المحيج‪ ،‬للفيرو آبادي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار إحياء الترا العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 109‬القول البدي في الصالة على الحبيب الشفي ‪ ،‬للسخاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫عوامه‪ ،‬الناشر‪ :‬متسسة الريان‪ ،‬ج‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 110‬القول المفيد على كتاب التوحيد‪ ،‬لمحمد بن صـــالح العثيمين‪ ،‬دار ابن‬
‫الىو ي‪ ،‬ج‪1421 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 111‬الكـامـل في ضـــــعفـاء الرىـال‪ ،‬البن عـدي الحـاف أحمـد الىرىـاني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1405 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 112‬الكامل‪ ،‬البن األثير‪ ،‬الناشر‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1387‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 113‬الكواكب الدرية في مد خير البرية‪ ،‬لمحمد بن ســـعيد البوصـــيري‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة مصجفى‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 114‬اللباب في تهذيب األنســاب‪ ،‬للى ري‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار صــادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 115‬اللواء ا ســـــالمي‪ ،‬العـدد ‪ 66‬الســــنـة الثـانيـة بتـاريإل ‪ 15‬من رىـب‬
‫‪1403‬هـ‪ 28 ،‬إبريل ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ ) 116‬المـان تخريج أحـاديـ منتقـدة في كتـاب التوحيـد‪ ،‬تـهليف‪ :‬فريح الهالل‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار األثر‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 117‬المىروحين من المحدثين والضعفاء والمتركوين‪ ،‬البن حبان‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمود إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 118‬المىموع المفيـد في نقس القبوريـة ونصـــــر التوحيـد‪ ،‬لمحمـد عبـد‬
‫الرحمن الخمي ‪ ،‬الناشر‪ :‬دار أجل ‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 119‬المىموع شر المهذب‪ ،‬ألبي كريا يحيى بن شرف النووي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫كريا علي يوسف‪ ،‬مجبعة العاصمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪402‬‬

‫ألبي الحســـين ابن ســـيده‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪ ) 120‬المخصـــ‬


‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )121‬المدخل البن الحا ‪ ،‬تحقيق‪ :‬توفيق حمدان‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة البا ‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )122‬المدونة الكبرن لإلمام مالك‪ ،‬ويليها مقدمات ابن رشـــد‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )123‬المســــائل التي خالف فيها رســــول هللا أهل الىاهلية‪ ،‬لإلمام محمد ابن‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف بن محمد السعيد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المتيد‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )124‬المساىد بين االتباع واالبتداع‪ ،‬لمحمد القسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار عمار‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ )125‬المستدرك‪ ،‬للحاكم‪ ،‬الناشر‪ :‬دارة المعارف الن امية‪ ،‬الهند‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )126‬المشــاهد ذات القباب المخروجة في العراق‪ ،‬لعالء الدين أحمد العاني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬و ارة الثقافة العراقية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )127‬المعىم األوســــج للجبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد الجحان‪ ،‬الناشــــر‪:‬‬
‫مكتبة المعارف‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )128‬المعىم الكبير للجبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي الســـلفي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار إحياء‬
‫الترا العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )129‬المغني البن قدامة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار هىر‪ ،‬ج‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )130‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصــفهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ســيد‬
‫كيالني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )131‬المفصل‪ ،‬لموفق الدين بن يعيع النحوي‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )132‬المفهم لما أشــــكل من تلخي كتاب مســــلم‪ ،‬للقرجبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محيي‬
‫الدين‪ ،‬وأحمد محمد ويوســـف بديوي‪ ،‬ومحمود إبراهيم‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬ودار‬
‫الكلم الجيب‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )133‬المقاصـد الحسـنة في بيان كثير من األحادي المشـتهرة على األلسـنة‪،‬‬
‫للسخاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عثمان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ج‪1422 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )134‬المقن ‪ ،‬البن قدامة المقدســي‪ ،‬والشــر الكبير‪ ،‬البن قدامة المقدســي‪،‬‬
‫ومعهما ا نصـاف‪ ،‬للمرداوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد هللا التركي‪ ،‬وعبد الفتا الحلو‪ ،‬الناشـر‪:‬‬
‫و ارة الشتون ا سالمية‪ ،‬الناشر‪ :‬دار هىر‪ ،‬ج‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪403‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )135‬الملل والنحل‪ ،‬للشـهرسـتاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬أمير علي‪ ،‬وعلي حسـن‪ ،‬الناشـر‪:‬‬


‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )136‬المنهج األحمد‪ ،‬ألبي اليمن العليمي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ج‪1403 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )137‬الموســوعة الحديثية لمســند ا مام أحمد بن حنبل‪ ،‬المشــرف‪ :‬الدكتور‬
‫عبد المحســن التركي‪ ،‬وشــعيب األرناتوج‪ ،‬وشــارك في التحقيق‪ :‬ىم من أهل العلم‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬متسسة الرسالة‪ ،‬ج‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )138‬الموسـوعة الميسـرة في األديان والمذاهب المعاصـرة‪ ،‬إشـراف‪ :‬الدكتور‬
‫مان الىهني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الندوة العالمية‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1420 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )139‬الموضـــــوعـات من األحـاديـ المرفوعـات‪ ،‬البن الىو ي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫نور الدين‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة أضواء السلف‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )140‬الموجه‪ ،‬بترقيم‪ :‬محمد فتاد عبد الباقي‪ ،‬الناشـر‪ :‬إحياء الترا العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ )141‬الموع ــة واالعتبــار بــذكر الخجج وااثــار‪ ،‬المعروف بــالخجج‬
‫المقري ية‪ ،‬لإلمام تقي الدين أبي العبا المقري ي‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل المنصــور‪ ،‬الناشــر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )142‬النبذة الشـريفة النفسـية‪ ،‬البن معمر‪ ،‬ضـمن مىموعة الرسـائل والمسـائل‬
‫النىدية‪ ،‬مكتبة ا مام الشافعي‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1408 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 143‬النهاية في غريب الحدي ‪ ،‬البن األثير‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 144‬الوىي في أصـول الفقه‪ ،‬للدكتور عبد الكريم يدان‪ ،‬الناشـر‪ :‬متسـسـة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ ) 145‬الوىي في تفســــير الكتاب الع ي ‪ ،‬ألبي الحســــن الواحدي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫صفوان عدنان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 146‬اليواقيت والىواهر‪ ،‬لعبد الوهاب الشــــعراني‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مصــــجفى‬
‫الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ ) 147‬بدائ الصـنائ في ترتيب الشـرائ ‪ ،‬لإلمام عالء الدين الحنفي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد حلبي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1420 1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 148‬بدائ الفوائد‪ ،‬البن القيم‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 149‬بـدعـة المولـد‪ ،‬لعبـد الرحمن الوكيـل‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار أم القرن‪ ،‬بـدون‬
‫ناشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪404‬‬

‫‪ ) 150‬بيان العلم وفضــله‪ ،‬البن عبد البر‪ ،‬تصــحيح‪ :‬إدارة الجباعة المنيرية‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬أم القرن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 151‬تـاريإل بغـداد‪ ،‬ألبي بكر أحمـد بن علي الخجيـب البغـدادي‪ ،‬النـاشـــــر‪:‬‬
‫المكتبة السلفية‪ ،‬المدينة المنورة‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 152‬تـاريإل عىـائـب ااثـار في التراىم واألخبـار‪ ،‬عبـد الرحمن الىبرتي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الىيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج ‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ )153‬تحذير الســـاىد من اتخاذ القبور مســـاىد‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشـــر‪ :‬المكتب‬
‫ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪1403 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )154‬تحفـة األحوذي بشـــــر ىـام الترمـذي‪ ،‬لإلمـام محمـد المبـاركفوري‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )155‬تخريج الفروع على األصــول‪ ،‬لل نىاني‪ ،‬الناشــر‪ :‬متســســة الرســالة‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )156‬تخريج فضــائل الشــام ودمشــق‪ ،‬للربعي‪ ،‬الناشــر‪ :‬المكتب ا ســالمي‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ج‪1405 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 157‬تدريب الراوي في شــــر تقريب النواوي‪ ،‬للســــيوجي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫الوهاب عبد اللجيف‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 158‬تذكرة الحفا ‪ ،‬لمحمد المقدســي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي الســلفي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الصميعي‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 159‬ترىمة الشـيإل محمد األمين الشـنقيجي‪ ،‬ىمعها وصـنفها‪ :‬عبد الرحمن‬
‫السدي ‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهىرة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1411 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 160‬تصـحيح الدعاء‪ ،‬لبكر أبو يد‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار العاصـمة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ ) 161‬تجهير االعتقاد عن أدران ا لحاد‪ ،‬لإلمام الصــــنعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫صبحي الحالق‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهىرة‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ج‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 162‬تفســـير البغوي معالم التن يل‪ ،‬للحســـين البغوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد النمر‬
‫وآخرون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار جيبة‪ ،‬ج‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 163‬تفســير الجبري‪ ،‬المســمى ىام البيان في تهويل القرآن‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 164‬تفســـــير القرآن الع يم‪ ،‬البن كثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمـد إبراهيم البنـا‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار ابن ح م‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪405‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ ) 165‬تفســير القرآن‪ ،‬لإلمام أبي الم فر الســمعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي تميم ياســر‬
‫ابن إبراهيم‪ ،‬وأبي بالل غنيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوجن‪ ،‬ج‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 166‬تفسير القرجبي الىام ألحكام القرآن‪ ،‬ألبي عبد هللا القرجبي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد الر اق المهدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 167‬تفسـير المنار‪ ،‬لمحمد رشـيد رضـا‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 168‬تفســــير ســــورة ا خال ‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد العلي حامد‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار السلفية‪ ،‬بومباي‪ ،‬الهند‪ ،‬ج‪1406 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )169‬تقاليد يىب أن ت ول‪ ،‬لمحمد مهدي اسـتانبولي‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة التوعية‬
‫ا سالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪1407 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 170‬تقريـب التهـذيـب‪ ،‬البن حىر العســـــقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬صـــــدقي العجـار‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة مصجفى البا ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 171‬تلبي إبلي ‪ ،‬البن الىو ي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 172‬تـلـخـيـ الـحـبـيـر فـي تـخـريـج أحـــاديــ الـرافـعـي الـكـبـيـر‪ ،‬البـن حـىـر‬
‫العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا المدني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار أحد‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )173‬تميي الجيـب من الخبيـ فيمـا يـدور على ألســــنـة النـا من الحـديـ ‪،‬‬
‫البن األثري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 174‬تنبيهات على كتب تخريج كتاب التوحيد‪ ،‬بقلم‪ :‬ناصــر الفهد‪ ،‬الناشــر‪:‬‬
‫دار البراء‪ ،‬الرياس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 175‬تهـذيـب التهـذيـب‪ ،‬البن حىر العســـــقالني‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 176‬تهـ ذيـب الكمـال في أســــمـاء الرىـال‪ ،‬للحـاف المتقن ىمـال الـدين أبي‬
‫الحىا يوســف الم ي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬بشــار عواد‪ ،‬الناشــر‪ :‬متســســة الرســالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ج‪1415 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 177‬تيسـير الع ي الحميد في شـر كتاب التوحيد‪ ،‬لسـليمان بن عبد هللا بن‬
‫محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬الناشــــر‪ :‬إدارة البحو العلمية وا فتاء والدعوة وا رشــــاد‪،‬‬
‫الرياس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 178‬ىام الترمذي المشــهور بســنن الترمذي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬جبعة‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪406‬‬

‫‪ )179‬ىام كرامات األولياء‪ ،‬للنبهاني‪ ،‬الناشـــر‪ :‬مجبعة مصـــجفى الحلبي‪،‬‬


‫مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )180‬ىريــدة األخبــار المصـــــريــة‪ ،‬العــدد ‪ ،2733‬تــاريإل ‪ 13‬ذي القعــدة‬
‫‪1417‬هـ‪ ،‬الموافق ‪1997/3/22‬م‪.‬‬
‫‪ )181‬ىريدة األهرام ‪ 28‬صفر ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ )182‬ى ء في يارة النسـاء للقبور‪ ،‬للشـيإل بكر بن عبدهللا أبو يد‪ ،‬الناشـر‪:‬‬
‫دار العاصمة‪ ،‬ج‪1415 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )183‬ى يرة ا سـالم‪ ،‬للشـيإل سـلمان العودة‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الوجن‪ ،‬الرياس‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )184‬ىالء األفهام في فضــل الصــالة والســالم على خير األنام‪ ،‬البن القيم‪،‬‬
‫خر أحاديثه‪ :‬مشـــهور بن حســـن آل ســـلمان‪ ،‬الناشـــر‪ :‬ابن الىو ي‪ ،‬الدمام‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 185‬ىهود شـــــيإل ا ســـــالم ابن تيميـة في الرد على القبوريين‪ ،‬م تحقيق‬
‫كتـابـه‪ :‬الىواب البـاهر في وار المقـابر‪ ،‬إعـداد‪ :‬إبراهيم الخلف‪ ،‬رســـــالـة الىـامعـة‬
‫ا سالمية في المدينة ‪1420‬هـ‪ ،‬لم تجب ‪.‬‬
‫‪ )186‬ىهود علماء الحنفية في إبجال عقائد القبورية‪ ،‬لشـــم الدين الســـلفي‬
‫األفغاني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الصميعي‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 187‬حاشــية ابن عابدين على شــر الشــيإل عالء الدين محمد بن علي لمتن‬
‫تنوير األبصـــــار‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبـد المىيـد جعمـة حلبي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار المعرفـة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )188‬حاشـــية رد المحتار على الدر المختار على شـــر تنوير األبصـــار‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬جبعة ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )189‬حقيقة البدعة وأحكامها‪ ،‬لســـعيد بن ناصـــر الغامدي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1999 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ )190‬حقيقة التوســل والوســيلة على ضــوء الكتاب والســنة‪ ،‬لموســى محمد‬
‫علي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الترا العربي‪ ،‬ج‪1410 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )191‬حكم القبـة المبنيـة على قبر الرســـــول ﷺ‪ ،‬ألبي عبـد الرحمن مقبـل بن‬
‫هادي الوادعي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )192‬حلية األولياء وجبقات األصــفياء‪ ،‬لإلمام الحاف أبي نعيم األصــفهاني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪407‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )193‬حواشـــي الشـــرواني وابن قاســـم العبادي‪ ،‬على تحفة المحتا بشـــر‬


‫المنها ‪ ،‬ضــبجه وصــححه‪ :‬محمد عبد الع ي الخالدي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )194‬خ انة األدب‪ ،‬للبغدادي عبد القادر بن عمر‪ ،‬الناشـــر‪ :‬مكتبة الخانىي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الجبعة الثالثة ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ )195‬خصــــائ الى يرة‪ ،‬للشــــيإل بكر أبو يد‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار الىو ي‪،‬‬
‫الرياس‪ ،‬ج‪1418 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )196‬درء تعارس العقل والنقل‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد ســــالم‪،‬‬
‫دار الكنو األدبية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )197‬دراســات ألســلوب القرآن الكريم‪ ،‬لمحمد عبدالخالق ع يمة‪ ،‬الناشــر‪:‬‬
‫دار الحدي ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )198‬ذيل جبقات الفقهاء الشــــافعيين‪ ،‬للعبادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عمر هاشــــم‪،‬‬
‫ومحمد ينهم‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬مصر‪ ،‬بورسعيد‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )199‬رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬حاشــية ابن عابدين على شــر الشــيإل‬
‫عالء الدين محمد بن علي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المىيد حلبي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 200‬رو المعـاني في تفســـــير القرآن والســـــب المثـاني‪ ،‬لإلمـام محمود‬
‫االوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسين الع ب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ )210‬رياس الىنة في الرد على أعداء الســــنة‪ ،‬ومعه الجليعة في الرد على‬
‫غالة الشــيعة‪ ،‬لمقبل بن هادي الوادعي‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ومكتبة العلم‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )202‬اد المســـير‪ ،‬البن الىو ي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬المكتب ا ســـالمي‪ ،‬دمشـــق‪،‬‬
‫سوريا‪ ،‬ج‪1407 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )203‬ســبل الســالم شــر بلو المرام من ىم أدلة األحكام‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة‬
‫مصجفى البا ‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )204‬ســلســلة األحادي الضــعيفة والموضــوعة وأثرها الســيس في األمة‪،‬‬
‫لءلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1408 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 205‬سنن أبي داود‪ ،‬اعتنى به فريق بيت األفكار الدولية‪ ،‬عمان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )206‬ســنن ابن ماىه‪ ،‬بشــر ا مام أبي الحســن الحنفي‪ ،‬وبحاشــيته تعليقات‬
‫مصــــبا ال ىاىة في وائد ابن ماىه‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل مهمون‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪408‬‬

‫‪ )207‬سـنن ابن ماىه‪ ،‬لشـر السـندي‪ ،‬م حاشـية البوصـيري‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )208‬سنن ابن ماىه‪ ،‬الناشر‪ :‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬الرياس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 209‬ســـــنن الـدارقجني‪ ،‬لإلمـام الحـاف علي بن عمر الـدارقجني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مىدي الشدري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 210‬ســـــنن الـدارمي‪ ،‬ألبي محمـد عبـد هللا الـدارمي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ )211‬ســير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪ ،‬أشــرف على تحقيقه‪ :‬شــعيب األرناتوج‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬متسسة الرسالة‪ ،‬ج‪1414 ،10‬هـ‪.‬‬
‫‪ )212‬ســيرة الســيد أحمد البدوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد ع الدين خلف هللا‪ ،‬الناشــر‪:‬‬
‫المكتبة األ هرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 213‬شـــــذرات الـذهـب في أخبـار من ذهـب‪ ،‬البن العمـاد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود‬
‫األرناتوج‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )214‬شـر أصـول اعتقاد أهل السـنة والىماعة‪ ،‬لاللكائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد سـعد‬
‫حمدان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار جيبة‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1411 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )215‬شر ابن عقيل‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )216‬شـــر الســـنة للبغوي‪ ،‬تحقيق شـــعيب األرناتوج‪ ،‬الناشـــر‪ :‬المكتب‬
‫ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪1403 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 217‬شـــــر الصـــــدور ببيـان بـدع الىنـائ والقبور‪ ،‬ألبي عمر عبـد هللا‬
‫الحمادي‪ ،‬مكتبة الصحابة‪ ،‬ا مارات‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )218‬شــــر الصــــدور في تحريم رف القبور‪ ،‬للشــــوكاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫صبحي حالق‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهىرة‪ ،‬صنعاء‪ ،‬اليمن‪ ،‬ج‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )219‬شـر الجيبي على مشـكاة المصـابيح‪ ،‬لإلمام الحسـين الجيبي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الدكتور عبـد الحميـد هنـداوي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬مكتبـة ن ار مصـــــجفى البـا ‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ )220‬شـــر العقيدة الجحاوية للعالمة ابن أبي الع الحنفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور‬
‫عبد المحسن التركي وشعيب األرناتوج‪ ،‬الناشر‪ :‬متسسة الرسالة‪ ،‬ج‪1414 ،6‬هـ‪.‬‬
‫‪ )221‬شـــــر العقيـدة الجحـاوية للعالمة ابن أبي الع الحنفي‪ ،‬خر أحاديثه‪:‬‬
‫محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪1408 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )222‬شـــــر الفقـه األكبر‪ ،‬لمال علي القـاري الحنفي‪ ،‬دار الكتـب العلميـة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪1404 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪409‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )223‬شـــر النونية‪ ،‬البن القيم‪ ،‬بشـــر محمد خليل هرا ‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ج‪1402 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )224‬شر النووي لمسلم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المتيد‪ ،‬ج‪1415 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )225‬شــــر ديوان حســــان لعبد الرحمن البرقوني‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬ج‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ )226‬شر رياس الصالحين‪ ،‬للشيإل محمد بن صالح العثيمين‪.‬‬
‫‪ ) 227‬شـر شـذور الذهب في معرفة كالم العرب‪ ،‬البن هشـام األنصـاري‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬الشركة المتحدة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 228‬شـر صـحيح البخاري‪ ،‬البن بجال‪ ،‬ضـبج نصـه وعلق عليه‪ :‬أبو تميم‬
‫ياسر بن إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 229‬شر منتهى ا رادات للبهوتي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 230‬شـفاء السـقام في يارة خير األنام‪ ،‬أو شـن الغارة على من أنكر سـفر‬
‫ال يارة‪ ،‬تهليف‪ :‬ا مام تقي الدين السـبكي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار كن السـعادة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصـر‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )231‬شـــفاء الصـــدور في يارة القبور‪ ،‬لمرعي الكرمي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬رئاســـة‬
‫البحو العلمية وا فتاء بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 232‬شــفاء العليل في مســائل القضــاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬لإلمام ابن‬
‫القيم الىو ية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصــــجفى أبو النضــــر‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار الســــوادي‪ ،‬ىدة‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )233‬شــــواهد الحق في االســــتغاثة بســــيد الخلق‪ ،‬ليوســــف النبهاني‪ ،‬ج‪1‬‬
‫اسجنبول‪.‬‬
‫‪ ) 234‬صـــــحيح ابن حبـان بترتيـب ابن بلبـان‪ ،‬لعالء الـدين علي بن بلبـان‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬متسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )235‬صـحيح ابن خ يمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد األع مي‪ ،‬الناشـر‪ :‬المكتب‬
‫ا سالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1412 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )236‬صــحيح األدب المفرد لإلمام البخاري‪ ،‬بقلم‪ :‬محمد بن ناصــر األلباني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الصديق‪ ،‬الىبيل‪ ،‬السعودية‪ ،‬ج‪1415 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )37 2‬صحيح البخاري‪ ،‬لإلمام البخاري‪ ،‬الناشر‪ :‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 238‬صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬ج‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 239‬صـــحيح الىام الصـــغير و يادته‪ ،‬تهليف األلباني‪ ،‬الناشـــر‪ :‬المكتب‬
‫ا سالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1408 ،3‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪410‬‬

‫‪ ) 240‬صــــحيح ســــنن أبي داود‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬ج‪،1‬‬


‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 241‬صـحيح سـنن ابن ماىه‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياس‪،‬‬
‫ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )242‬صــــحيح ســــنن الترمذي‪ ،‬لءلباني‪ ،‬تهليف‪ :‬األلباني‪ ،‬الناشــــر‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )243‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )244‬صــحيح مســلم‪ ،‬م شــرحه المســمى إكمال إكمال المعلم‪ ،‬لإلمام محمد‬
‫األبي‪ ،‬وشـرحه المسـمى‪ ،‬مكمل إكمال ا كمال‪ ،‬لإلمام الحسـيني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد هاشـم‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )245‬صـحيح مسـلم‪ ،‬لإلمام مسـلم‪ ،‬المجبوع م شـرحه المنها ‪ ،‬الناشـر‪ :‬بيت‬
‫األفكار الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )246‬صحيفة الخمي ‪ ،‬العدد ‪ 153‬السنة الثالثة بتاريإل ‪ 5‬يونيو ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ ) 247‬صـفة الصـفوة‪ ،‬لإلمام ابن ىو ي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مرك الدراسـات والبحو‬
‫بمكتبة ن ار مصجفى‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة ن ار مصجفى البا ‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )248‬ضـعيف الىام الصـغير‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشـر‪ :‬المكتب ا سـالمي‪ ،‬دمشـق‪،‬‬
‫سوريا‪ ،‬ج‪1410 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ )249‬ضــــعيف الىام الصــــغير و يادته الفتح الكبير‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشــــر‪:‬‬
‫المكتب ا سالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪1410 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ )250‬ضـعيف سـنن ابن ماىه‪ ،‬لءلباني‪ ،‬الناشـر‪ :‬المكتب ا سـالمي‪ ،‬دمشـق‪،‬‬
‫سوريا‪ ،‬ج‪1410 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ )251‬جبقات الحنابلة‪ ،‬ألبي الحسـن محمد بن أبي يعلى‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة السـنة‬
‫المحمدية‪ ،‬ودار المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )252‬جبقـات الشـــــافعيـة‪ ،‬ألبي بكر أحمـد بن تقي الـدين الســـــبكي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الدكتور الحاف عبد العليم خان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الندوة الىديدة‪ ،‬بيروت ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )253‬جبقات المفســــرين‪ ،‬ألحمد بن محمد األدنروي‪ ،‬تحقيق‪ :‬ســــليمان بن‬
‫صالح الخ ي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 254‬جريق الهىرتين‪ ،‬البن القيم الىو يـة‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪،‬‬
‫ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 255‬عقـائـد الثال والســـــبعين فرقـة‪ ،‬ألبي محمـد اليمني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمـد‬
‫الغامدي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ج‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪411‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )256‬عقيدة القرآن والســـنة‪ ،‬لمحمد خليل هرا ‪ ،‬الناشـــر‪ :‬دار أهل الســـنة‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )257‬علم أصــول البدع‪ ،‬لعلي حســن األثري‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الراية‪ ،‬الرياس‪،‬‬
‫ج‪1417 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )258‬عمارة القبور‪ ،‬لعبد الرحمن المعلمي‪ ،‬أعدها‪ :‬ماىد ال يادي‪ ،‬الناشــــر‪:‬‬
‫المكتبة المكية‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )259‬عنوان المىد في تاريإل نىد‪ ،‬لإلمام عثمان بن بشـــر النىيدي الحنبلي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد بن ناصر الشثري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحبيب‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )260‬عواجف اللجائف من أحادي عوارف المعارف‪ ،‬خر أحاديثه‪ :‬ا مام‬
‫أحمد بن محمد المغربي‪ ،‬ومعه تقدمته مســـامرة الصـــديق ببعس أحوال بن صـــديق‪،‬‬
‫بقلم‪ :‬محمود ســعيد‪ ،‬اعتنى بهذا الى ء‪ :‬أديب الكمداني ومحمد محمود‪ ،‬مراىعة‪ :‬ســيد‬
‫المهدي أحمد‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة المكية‪ ،‬ج‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 261‬عون المعبود في شـــر ســـنن أبي داود‪ ،‬لشـــم الحق الع يم أبادي‪،‬‬
‫ضبج‪ :‬عبد الرحمن عثمان‪ ،‬الناشر‪ ،‬ك دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1399 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )262‬فتاون إسـالمية‪ ،‬ىم وترتيب‪ :‬محمد بن عبد الع ي المسـند‪ ،‬الناشـر‪:‬‬
‫دار الوجن‪ ،‬ج‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )263‬فتاون ا مام عبد الحليم محمود‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار المعارف المصــــرية‪،‬‬
‫ج‪ ،5‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )264‬فتاون الشيإل محمد بن إبراهيم ‪.−‬‬
‫‪ ) 265‬فتـاون اللىنـة الـدائمـة للبحو العلميـة وا فتـاء‪ ،‬ىم وترتيـب‪ :‬الشـــــيإل‬
‫أحمد عبد الر اق‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬ج‪1419 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ )266‬فتـاون صـــــديق حســـــن القنوىي البخـاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمـد العثمـان‬
‫السلفي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الداعي‪ ،‬ج‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )267‬فتاون لإلمام محمد رشـيد رضـا‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور صـال الدين المنىد‪،‬‬
‫بدون ناشر‪ ،‬ج‪1390 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )268‬فتح الباري بشــر صــحيح البخاري‪ ،‬البن حىر العســقالني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد فتاد عبد الباقي‪ ،‬ومحب الدين الخجيب‪ ،‬وقصــى محب الدين الخجيب‪ ،‬الناشــر‪:‬‬
‫دار الريان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1407 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )269‬فتح الباري شـر صـحيح البخاري‪ ،‬للحاف ابن رىب‪ ،‬الناشـر‪ :‬مكتبة‬
‫الغرباء األثرية‪ ،‬ج‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪412‬‬

‫‪ )270‬فتح البر في الترتيــب الفقهي لتمهيــد ابن عبــد البر‪ ،‬رتبــه‪ :‬محمــد‬
‫المغراوي‪ ،‬الناشر‪ :‬مىموعة التحف النفائ بالرياس‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )271‬فتح البيان في مقاصــد القرآن‪ ،‬لإلمام أبي الجيب صــديق حســن خان‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد هللا بن إبراهيم األنصـاري‪ ،‬الناشـر‪ :‬المكتبة العصـرية‪ ،‬صـيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )272‬فتح القـدير الىـام بين فني الرواية والدراية من علم التفســـــير‪ ،‬لمحمد‬
‫بن علي الشوكاني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )273‬فتح المىيد لشـــر كتاب التوحيد‪ ،‬لعبد الرحمن بن حســـن‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫الوليد آل فريان‪ ،‬الناشـــر‪ :‬و ارة الشـــتون ا ســـالمية واألوقاف والدعوة وا رشـــاد‬
‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ج‪1419 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )274‬فتح المنان تتمة منها التهســـي ‪ ،‬لمحمد شـــكري االوســـي‪ ،‬الناشـــر‪:‬‬
‫الرئاسة العامة للبحو العلمية وا فتاء وا رشاد‪ ،‬بدون ناشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )275‬فضائح الباجنية‪ ،‬للغ الي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القومية‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1383‬هـ‪.‬‬
‫‪ )276‬فقه االعتكاف‪ ،‬للشـيإل‪ :‬د‪ .‬خالد المشـيقح‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار أصـداء المىتم ‪،‬‬
‫القصيم‪ ،‬بريدة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )277‬فيس القدير شــر الىام الصــغير من أحادي البشــير النذير‪ ،‬لمحمد‬
‫المناوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد السالم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )278‬قاعدة التوســـل والوســـيلة‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر األرناتوج‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار البيان‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )279‬قامو العادات والتقاليد والتعابير المصــرية‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة النهضــة‬
‫المصرية‪ ،‬ج‪ .2‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )280‬قواعــد األحكــام في مصــــــالح األنــام‪ ،‬ألبي محمــد عبــد الع ي بن‬
‫عبدالسالم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )281‬كتاب ا يضـــا في المناســـك والحج والعمرة‪ ،‬لإلمام النووي‪ ،‬وعليه‬
‫ا فصـا على مسـائل ا يضـا ‪ ،‬لعبد الفتا حسـين المكي‪ ،‬الناشـر‪ :‬المكتبة ا مدادية‬
‫بمكة‪ ،‬ج‪1415 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 282‬كتـاب األيمـان والنـذور‪ ،‬تـهليف‪ :‬الـدكتور محمـد عبـد القـادر أبو فـار ‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار األرقم‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ج‪1401 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )283‬كتاب سـيبويه‪ ،‬تحقيق وشـر ‪ :‬عبد السـالم هارون‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الىيل‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪413‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )284‬كشـــف الخفاء وم يل ا لبا عما اشـــتهر من األحادي على ألســـنة‬


‫النا ‪ ،‬لإلمام إســماعيل العىلوني‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد القالع‪ ،‬الناشــر‪ :‬متســســة الرســالة‪،‬‬
‫ج‪1421 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )285‬كشـف القناع على متن ا قناع‪ ،‬للبهوتي‪ ،‬الناشـر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 286‬كن العمـال في ســـــنن األقوال واألفعـال‪ ،‬لعالء الـدين علي الهنـدي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 287‬لســـــان العرب‪ ،‬البن من ور‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار إحيـاء الترا العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ ) 288‬متلفـات الشـــــيإل محمـد بن عبـد الوهـاب‪ ،‬صـــــنفهـا‪ :‬عبـد الع ي يـد‬
‫الرومي‪ ،‬ومحمـد بلتـاىي‪ ،‬وســــيـد حىـاب‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬ىـامعـة ا مـام محمـد بن ســـــعود‬
‫ا سالمية‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )289‬مىلة البحو ا سالمية‪ ،‬العدد ‪.)23‬‬
‫‪ )290‬مىلة التصـــوف ا ســـالمي‪ ،‬العدد ‪ )8‬الســـنة ‪ )22‬شـــهر شـــعبان‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ )291‬مىلة التوحيد‪ ،‬السنة الثامنة والعشرون‪ ،‬العدد الثامن سنة ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ )292‬مىلة الرسالة والرواية‪ ،‬العدد ‪.)836‬‬
‫‪ )293‬مىلة المنار‪ ،‬العدد الساب عشر‪.‬‬
‫‪ )294‬مىم ال وائد‪ ،‬ومنب الفوائد‪ ،‬لإلمام علي الهيثمي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 295‬مىموع فتاون ابن با ‪ ،‬إعداد‪ :‬عبدهللا الجيار‪ ،‬وأحمد بن با ‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الوجن‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 296‬مىموع فتـاون ابن تيميـة‪ ،‬ىم ‪ :‬الشـــــيإل عبـد الرحمن القـاســـــم‪ ،‬وابنه‬
‫محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬و ارة الشتون ا سالمية بالسعودية‪.‬‬
‫‪ ) 297‬مىموع فتـاون ابن عثيمين‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الوجن‪ ،‬الريـاس‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ )298‬مىموعـة الرســـــائـل والمســـــائـل النىـديـة‪ ،‬لبعس علمـاء نىـد األعالم‪،‬‬
‫أشـرف على إعادة جبعه‪ :‬عبد السـالم آل عبد الكريم‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار العاصـمة‪ ،‬الرياس‪،‬‬
‫ج‪1409 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )299‬محاسن التهويل‪ ،‬للقاسمي‪ ،‬جبعة دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1398 ،2‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪414‬‬

‫‪ )300‬مختصــــر المىموع شــــر المهذب‪ ،‬لإلمام النووي‪ ،‬قام باختصــــاره‬


‫وتخريج أحاديثه والتعليق عليه‪ :‬الدكتور ســالم الرافعي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الســوادي‪ ،‬ىدة‪،‬‬
‫ج‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 301‬مختصـــر ســـنن أبي داود‪ ،‬للحاف المنذري‪ ،‬وتهذيب ا مام ابن القيم‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد الفقي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬مكتبة بن الســـنة المحمدية‪ ،‬ومكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 302‬مدار السـالكين بين منا ل إياك نعبد وإياك نسـتعين‪ ،‬لإلمام ابن القيم‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد البغدادي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ج‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )303‬مذهب أهل التفويس‪ ،‬ألحمد القاضــي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار العاصــمة‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ )304‬مرآة الحرمين‪ ،‬تـهليف‪ :‬اللواء إبراهيم بـاشـــــا‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪1344 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )305‬مرقاة المفاتيح شـــر مشـــكاة المصـــابيح‪ ،‬للمال علي القاري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫صدقي محمد ىميل العجار‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ )306‬مرقـاة المفـاتيح‪ ،‬للمال علي قـاري‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )307‬مرو الذهب ومعادن الىواهر‪ ،‬لعلي بن حســـين المســـعود‪ ،‬الناشـــر‪:‬‬
‫المكتبة التىارية‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪ ،3‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )309‬مســـــهلة في الذبائح على القبور وغيرها‪ ،‬لإلمام الصـــــنعـاني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عقيل بن محمد المقجري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القد ‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ج‪1413 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )310‬مسائل ا مام أحمد‪ ،‬ألبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد رضا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 311‬مســائل ا مام أحمد‪ ،‬البنه عبد هللا بن أحمد‪ ،‬تحقيق‪ :‬هير الشــاويع‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬المكتب ا سالمي‪ ،‬ج‪1408 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ )312‬مســاىد مصــر وأولياتها الصــالحون‪ ،‬لســعاد ماهر‪ ،‬الناشــر‪ :‬المىل‬
‫األعلى للشتون ا سالمية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )313‬مســند أبي داود الجيالســي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن عبد المحســن التركي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الهىرة‪ ،‬المهندسين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )314‬مسـند أبي يعلى‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد حسـين‪ ،‬ومحمد إسـماعيل‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار‬
‫المهمون للترا ‪ ،‬ج‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )315‬مسند ا مام أحمد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪415‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ ) 316‬مســـــنـد الحميـدي‪ ،‬لإلمـام الحـاف الكبير أبي بكر عبـد هللا بن ال بير‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حبيـب الرحمن األع مي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ )317‬مصـبا ال الم في الرد على من كذب على الشـيإل ا مام‪ ،‬لعبداللجيف‬
‫بن عبد الرحمن آل الشـيإل‪ ،‬تحقيق‪ :‬إسـماعيل بن سـعد بن عتيق‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الهداية‪،‬‬
‫الرياس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )318‬مصـنف ابن أبي شـيبة‪ ،‬للحاف عبد هللا بن محمد الكوفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سـعيد‬
‫محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )319‬مصـــــنف عبـد الر اق‪ ،‬ألبي بكر عبـد الر اق بن همـام الصـــــنعـاني‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )320‬معـار القبول‪ ،‬للحـاف الحكمي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )321‬معالم الســـنن‪ ،‬ألبي ســـليمان الخجابي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الفقي‪ ،‬الناشـــر‪:‬‬
‫مكتبة السنة المحمدية‪ ،‬ومكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )322‬معىم البلـدان‪ ،‬ليـاقوت بن عبـد هللا الحموي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار صـــــادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 323‬معىم لغـة الفقهـاء‪ ،‬د‪.‬محمـد قلعىي‪ ،‬وحـامـد صـــــادق‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار‬
‫النفائ ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 324‬مغني اللبيـب عن كتـب األعـاريـب‪ ،‬ألحمـد بن هشـــــام‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمـد‬
‫محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 325‬مفـاهيم يىـب أن تصـــــحح‪ ،‬لمحمـد بن علوي المـالكي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار‬
‫الىوام بالقاهرة‪ ،‬ج‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ )326‬مقاالت ا ســالميين واختالف المصــلين‪ ،‬لءشــعري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن‬
‫محيي الدين عبد الحميد‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 327‬مقـاالت الكوثري‪ ،‬بتعليق البنوري‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار األنوار‪ ،‬القـاهرة‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 328‬مقـايي اللغـة‪ ،‬ألبي الحســـــن أحمـد بن فـار ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبـد الســـــالم‬
‫هارون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الىيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 329‬من بـدع القبور‪ ،‬لمحمـد بن عبـد هللا الحميـدي‪ ،‬النـاشـــــر‪ :‬دار المتعلم‪،‬‬
‫ال لفي‪ ،‬ج‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪416‬‬

‫‪ ) 330‬من بدع النا في القرآن‪ ،‬إعداد‪ :‬علي بن حس ـين اللو ‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الوجن‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1420 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 331‬مناقب ا مام أحمد‪ ،‬البن الىو ي‪ ،‬الناشـــر‪ :‬مكتبة الخانىي‪ ،‬مصـــر‪،‬‬
‫ج‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 332‬منســـك شـــيإل ا ســـالم ابن تيمية‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي بن محمد‬
‫العمران‪ ،‬الناشر‪ :‬دار عالم الفوائد‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ج‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 333‬منها الســــنة النبوية في بعس كالم الشــــيعة والقدرية‪ ،‬البن تيمية‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ) 334‬مواقف ابن تيميـة من األشـــــاعرة‪ ،‬للـدكتور عبـد الرحمن المحمود‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 335‬مواهب الىليل‪ ،‬ألبي عبد هللا محمد بن عبد الرحمن المغربي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪1398 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 336‬موســوعة أســبار للعلماء والمتخصــصــين في الشــريعة ا ســالمية‪،‬‬
‫الرياس‪ ،‬الناشر‪ :‬أسبار للدراسات والبحو ا عالم‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 337‬مي ان االعتدال‪ ،‬للحاف الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشـيإل علي محمود معوس‪،‬‬
‫وعادل أحمد‪ ،‬وشــارك في تحقيقه‪ :‬األســتاذ الدكتور عبد الفتا أبو ســنة‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )338‬ن هة الخاجر العاجر‪ ،‬وىنة المنا ر‪ ،‬لعبد الرحمن الدمشقي‪ ،‬واألصل‬
‫البن قدامة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )339‬نقس فتاون الوهابية‪ ،‬لمحمد كاشــــف الغجاء‪ ،‬الناشــــر‪ :‬دار الغدير‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )340‬نواقس ا يمـان االعتقـاديـة‪ ،‬وضـــــوابج التكفير عنـد الســـــلف‪ ،‬إعـداد‪:‬‬
‫د‪.‬محمد بن عبد هللا الوهيبي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المسلم‪ ،‬الرياس‪ ،‬ج‪1422 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ ) 341‬نواقس ا يمــان القوليــة والعلميــة‪ ،‬د‪ .‬عبــد الع ي آل عبــد اللجيف‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الوجن‪ ،‬ج‪1415 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )342‬نيـل األوجـار‪ ،‬شـــــر منتقى األخبـار من أحـاديـ ســـــيـد األخيـار‪،‬‬
‫للشوكاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل مهمون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )343‬هداية الســالك إلى المذاهب األربعة في المناســك‪ ،‬لإلمام ع الدين بن‬
‫ىماعة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور نور الدين العتر‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار البشــائر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪417‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪ )344‬هدم المنارة لمن صــحح أحادي التوســل وال يارة‪ ،‬تهليف‪ :‬عمرو عبد‬
‫المنعم سليم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الضياء‪ ،‬جنجا‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )345‬هذه مفاهيمنا‪ ،‬لصــالح آل الشــيإل‪ ،‬الناشــر‪ :‬مجاب القصــيم‪ ،‬الرياس‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )346‬وفاء الوفاء بهخبار دار المصــجفى‪ ،‬نور الدين علي بن أحمد‪ ،‬الناشــر‪:‬‬
‫دار إحياء الترا العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ )347‬وفيات األعيان وأبناء ال مان‪ ،‬البن خلكان‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إحســان عبا ‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫الموضوعات‬ ‫فهر‬
‫الصــفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬

‫‪8‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪9‬‬ ‫مشكلة البح‬
‫‪9‬‬ ‫أسباب اختيار الموضوع‬
‫‪11‬‬ ‫حدود البح‬
‫‪11‬‬ ‫منهج الدراسة‬
‫‪13‬‬ ‫تصور أى اء الدراسة‬
‫‪23‬‬ ‫الـتـمـهـيـد‬
‫‪24‬‬ ‫المبح األول‪ :‬تعريف البدعة‬
‫‪24‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬البدعة في لغة العرب لها معنيان‬
‫‪25‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬البدعة في االصجال‬
‫‪30‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬الـمـنـاقـشـة‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪418‬‬

‫‪47‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬أسباب االفتتان بالقبور‬


‫‪53‬‬ ‫المبح األول‪ :‬الىهل بحقيقة هذا الدين‬
‫‪55‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬نشر أحادي مكذوبة‬
‫‪56‬‬ ‫المبح الثال ‪ :‬ما يروىه السدنة‬
‫‪64‬‬ ‫المبح الراب ‪ :‬سكـوت علماء السنـة‬
‫‪65‬‬ ‫المبح الخام ‪ :‬تشىي بعس الحكومات لهذه البدع‬
‫‪69‬‬ ‫المبح الساد ‪ :‬ما يبثه علماء السوء‬
‫‪74‬‬ ‫المبح الساب ‪ :‬تحول البدع إلى عادة يصعب تركها بسبب تقليد العلماء وااباء‬
‫‪76‬‬ ‫المبح الثامن‪ :‬األخذ بغير ما اعتبره الشرع جريقًا ثبات األحكام‬
‫‪81‬‬ ‫المبح التاس ‪ :‬الىهل بهساليب لغة العرب‬
‫‪83‬‬ ‫المبح العاشر‪ :‬الىهل بمقاصد الشريعة‬
‫‪88‬‬ ‫المبح الحادي عشر‪ :‬الغلو في العقل‬
‫‪91‬‬ ‫المبح الثاني عشر‪ :‬سوء الفهم للقرآن والسنـة‬
‫‪95‬‬ ‫المبح الثال عشر‪ :‬الغلـو في الصالحيـن‬
‫‪101‬‬ ‫المبح الراب عشر‪ :‬تقليد الكفرة‬
‫‪106‬‬ ‫المبح الخام عشر‪ :‬تع يم ااثار‬
‫‪110‬‬ ‫المبح الساد عشر‪ :‬اتباع الهون‬
‫‪117‬‬ ‫المبح الساب عشر‪ :‬وسائل ا عالم‬
‫‪125‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬صفة البدع خار القبر‬
‫‪126‬‬ ‫المبح األول‪ :‬تعريف القبر وصفته الشرعية‬
‫‪126‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬تعريف القبـر‬
‫‪128‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬صفة القبر الشرعيـة‬
‫‪131‬‬ ‫س‬
‫المجلب األول‪ :‬أن يضع َّمق ويو َّ‬
‫‪132‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬توسي القبر من قعبمل الرأ والرىلين‬
‫‪132‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬اللَّحد والشق‬
‫‪135‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬نصب اللَّبعن وتسويته على اللحد‬
‫‪137‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬تسنيم القبر وتسجيحه وعدم ال يادة على ترابه‬
‫‪139‬‬ ‫شبرا‬
‫المجلب الساد ‪ :‬رف القبر ً‬
‫‪139‬‬ ‫المجلب الساب ‪ :‬وض الحصباء على القبر‬
‫‪140‬‬ ‫المجلب الثامن‪ :‬رع الماء على القبر‬
‫‪419‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪141‬‬ ‫المجلب التاس ‪ :‬تعليم القبر حتى يضعرف‬


‫‪146‬‬ ‫المبح الثال ‪ :‬المخالفات خار القبـر‬
‫‪146‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬التفريق بين قبر الرىل والمرأة‬
‫‪146‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬الكتابـة على القبـر‬
‫‪150‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬رف القـبر‬
‫‪152‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬الـتـىـصـيـ‬
‫‪154‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬تجيين القبـر‬
‫‪156‬‬ ‫المجلب الساد ‪ :‬وض الستور على القبر‬
‫‪161‬‬ ‫الفصل الثال ‪ :‬صفة البدع داخل القبر‬
‫المبح األول‪ :‬أخذ حفنة من تراب القبور‪ ،‬وحثوها على الكفن‪ ،‬أو الكتابة‬
‫‪162‬‬ ‫عليه بتيات قرآنية أو أدعية أو أذكار‬
‫‪166‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬وض المصاحف وغيرها داخل القبر بقصد وغرس التبرك‬
‫‪176‬‬ ‫ً‬
‫تفاتال به‬ ‫المبح الثال ‪ :‬دفن الميت في تابوت‪ ،‬أو دفنه بىانب جفل‬
‫‪176‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬دفن الميت في تابوت‬
‫‪178‬‬ ‫ً‬
‫تفاتال به‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬دفن الميت بىانب جفل‬
‫‪179‬‬ ‫الفصل الرابـ ‪ :‬البدع الحادثة فيما يتعلق فـي المقابر‬
‫‪180‬‬ ‫المبح األول‪ :‬ت ييـن المقابر وتىميلها‬
‫‪180‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬ت يين المقبرة وتىميلها‬
‫‪181‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬هناك من يض األشىار في المقابر بغرس شرعي‬
‫‪189‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬وض م الت للتع ية‬
‫‪190‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬وض قفل على سور المقبرة‬
‫‪191‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬م الع ام وقرضها‬
‫‪192‬‬ ‫المجلب الساد ‪ :‬أكل العيدان الموىودة في المقبرة‬
‫‪193‬‬ ‫المجلب الساب ‪ :‬رمي الحبوب على القبور‬
‫‪194‬‬ ‫المجلب الثامن‪ :‬وض الجيب على القبور‬
‫‪194‬‬ ‫المجلب التاس ‪ :‬إلقاء عرائس الشكون على القبور‬
‫‪200‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬إنارة المقابـر‬
‫‪206‬‬ ‫الفصل الخام ‪ :‬بناء المساىد على القبور‪ ،‬والصالة فيها‬
‫‪209‬‬ ‫المبح األول‪ :‬بناء القباب وال وايا والمقامات على القبور‬
‫‪221‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬بناء القبور في المساىد‪ ،‬أو المساىد على القبور‬
‫‪221‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬أدلة التحريم‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪420‬‬

‫‪225‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬موقف العلماء من البناء على القبور‬


‫‪232‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬الشبه التي يثيرها من يرن ىوا البناء على القبور‬
‫‪290‬‬ ‫المبح الثال ‪ :‬قبر الرسول ﷺ وما يثار عنـه‬
‫‪290‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬أين دفن النبي ﷺ؟‬
‫‪293‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬سد الصحابة ﭫ ىمي الجرق المتدية لعبادة القبر‬
‫‪298‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬بيان أن القبر ما كان في المسىد‬
‫‪300‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬متى أضيفت الحىرة للمسىد؟‬
‫‪305‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬رد دعون عدم ا نكار على الوليد‬
‫المجلب الساد ‪ :‬إثبات االحتياجات التي حدثت في عهد الوليد‬
‫‪308‬‬ ‫تحاشيًا من إدخال الحىرة في المسىد‬
‫‪311‬‬ ‫المجلب الساب ‪ :‬القبة التي فوق قبر النبي ﷺ‬
‫‪322‬‬ ‫المبح الرابـ ‪ :‬حكم الصالة في المساىد التي فيها قبور‬
‫‪322‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬أدلة تحريم الصالة في القبور‬
‫‪326‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الصالة عند القبور‬
‫‪332‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬هل أىا بعس أهل العلم الصالة في المقبرة؟‬
‫‪338‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬حكم من صلَّى في المقبرة‬
‫‪343‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬علة النهي عن الصالة في المقابر‬
‫‪354‬‬ ‫الفصل الساد ‪ :‬الـ يـارة‬
‫‪355‬‬ ‫المبح األول‪ :‬حكم يارة الرىال للقبور‬
‫‪366‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬حكم يارة النساء للقبور‬
‫‪390‬‬ ‫المبح الثال ‪ :‬شـد الرحال ل يارة القبور‬
‫‪405‬‬ ‫المبح الراب ‪ :‬حكم اتخاذ القبور عيدًا‬
‫‪405‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬في تعريف العيد‬
‫‪406‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬األدلة التي تبين حرمة اتخاذ القبور أعيادًا‬
‫‪412‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬من م اهر اتخاذها عيدًا‬
‫‪421‬‬ ‫المبح الخامـ ‪ :‬شد الرحال ل يارة قبر الرسول ﷺ‬
‫‪422‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬حكم يارة قبر رسول هللا ﷺ‬
‫‪425‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬شد الرحال ل يارة قبر الرسول ﷺ‬
‫‪443‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬آداب يارة القبر الشريف‬
‫‪449‬‬ ‫الفصل الساب ‪ :‬األذكار واألدعية في المقـابـر‬
‫‪421‬‬ ‫بدع القبور وأحكامها‬

‫‪451‬‬ ‫المبح األول‪ :‬قراءة القرآن‬


‫‪451‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬هل تصل األعمال التي يعملها الحي ويهديها إلى الميت؟‬
‫‪455‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬إهداء ثواب قراءة القرآن للميت‬
‫‪459‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬هل ينتف الميت بسماع القرآن؟‬
‫‪466‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬قراءة القرآن في المقبرة‬
‫‪480‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬الوعـ واألذان‬
‫‪480‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬الموع ة عند القبر‬
‫‪485‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬األذان وا قامة عند القبر‬
‫‪489‬‬ ‫المبح الثال ‪ :‬الدعاء عند القبر‬
‫‪489‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬إثبات أن الدعاء عبادة من خالل أدلة الكتاب والسنة‬
‫المجلـب الثـاني‪ :‬الشـــــبهـات التي انجلق من خاللهـا القبوريـة‪ ،‬ثبـات ىوا دعـاء ‪499‬‬
‫غير هللا‬
‫‪519‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم في حكم دعاء األموات‬
‫‪526‬‬ ‫الفصل الثامن‪ :‬تع يم القبور‬
‫‪527‬‬ ‫المبح األول‪ :‬الجـواف بالقبـر‬
‫‪527‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬إثبات أن الجواف عبادة‬
‫‪529‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬موقف أهل العلم من الجواف حول القبر‬
‫‪531‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬شبهة يوردها من يرون الجواف حول القبور‬
‫‪535‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬التبرك والتمسح بالقبور‬
‫‪535‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬تعريف التبرك‬
‫‪535‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬حكم التبرك‬
‫‪538‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬موقف أهل العلم من التبرك بقبر الرسول ﷺ وقبر غيره‬
‫‪544‬‬ ‫المبح الثال ‪ :‬المىاورة عند قبور الصالحين‬
‫‪544‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬تعريف المىاورة واالعتكاف‬
‫‪545‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن االعتكاف عبادة‬
‫المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن االعتكاف في غير المساىد منهج الىاهلية ودين الوثنية ‪547‬‬
‫‪551‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬أقوال أهل العلم في العكوف عند القبور‬
‫‪553‬‬ ‫الفصل التاس ‪ :‬القربات فـي المقابر‬
‫‪556‬‬ ‫المبح األول‪ :‬الذبح عند القبر‬
‫‪556‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬إثبات أن الذبح عبادة‬
‫‪557‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬أدلة تحريم الذبح عند القبور‬
‫بدع القبور وأحكامها‬ ‫‪422‬‬

‫‪561‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬إثبات أن الذبح لغير هللا هو منهج أهل الىاهلية‬
‫‪562‬‬ ‫المجلب الراب ‪ :‬شبهة يحتج بها من يرن ىوا الذبح‬
‫‪566‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬أقوال أهل العلم في الذبح لغير هللا‪ ،‬م حكمه‬
‫‪569‬‬ ‫المجلب الساد ‪ :‬حكم الذبح لغير هللا‬
‫‪571‬‬ ‫المبح الثاني‪ :‬النذر للقبور‬
‫‪572‬‬ ‫المجلب األول‪ :‬تعريف النذر‬
‫‪572‬‬ ‫المجلب الثاني‪ :‬إثبات أن النذر عبادة‬
‫‪576‬‬ ‫المجلب الثال ‪ :‬أقوال أهل العلم فيمن نذر لغير هللا ىل وعال‬
‫‪579‬‬ ‫عبَّاد القبور‬
‫المجلب الراب ‪ :‬بعس الشبه التي يروىها ض‬
‫‪582‬‬ ‫المجلب الخام ‪ :‬حكم النذر لغير هللا‬
‫‪583‬‬ ‫المجلب الساد ‪ :‬تو ي المياه في المقابر‬
‫‪586‬‬ ‫اقـتـراحـات وتـوصـيـات‬
‫‪589‬‬ ‫الـخـاتـمـة‬
‫‪592‬‬ ‫مـلـحـق الـصـور‬
‫‪601‬‬ ‫فهـر المراىـ والمصادر‬
‫‪639‬‬ ‫فهر الموضوعات‬

You might also like