You are on page 1of 20

‫سلسلة المقاالت المتخصصة ( ‪) 19‬‬

‫"الفأل" المفترى عليه!‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 1435‬هـ‬ ‫الكاتبة ‪ :‬د‪ .‬هيفاء بنت ناصر الرشيد‬

‫ال شك أن تحرير المصطلح‬

‫وتحديد مفهومه مسألة في غاية‬

‫األهمية ‪ ،‬ال سيما إذا كان األمر‬


‫ً‬
‫متعلقا بتقرير مسألة فقهية أو‬

‫اعتقادية ‪ .‬وقد حصل في الفترة‬

‫خلط غريب بين بعض المصطلحات الشرعية‪ ،‬والمفاهيم الفلسفية‬


‫ٌ‬ ‫األخيرة‬

‫البعيدة عنها كل البعد ‪ ،‬حتى التبس األمر على كثير من الناس وظنوا أن‬

‫تلك المفاهيم المنحرفة ال تتعارض مع الشرع ‪ ،‬أو ظنوا أنها جزء منه ‪.‬‬

‫ومن تلك المصطلحات المثيرة للجدل ‪ :‬الفأل ‪ ,‬والتفاؤل ‪ ،‬والظن بالله‬

‫سيئُ ه وحسنه ‪ ،‬وعالقة كل منها بما ُيسمى ‪ :‬قانون الجذب ‪.‬‬

‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪1‬‬
‫وفي السطور التالية سأتناول كل واحد من هذه المصطلحات بالتعريف‬

‫والتوضيح المقتضب من المنظور الشرعي السليم ‪ ،‬لتتضح الفروق بينها‬

‫وبين القانون الفلسفي ‪ -‬الخطير‪ -‬الذي أصبحت تُ قرن به ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الفأل ‪.‬‬


‫ً‬

‫ورد هذا اللفظ في عدة مواضع من السنة النبوية في معرض المدح ‪ ،‬أو‬

‫اإلعجاب ‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪ [ : ‬ال طيرة ‪ ،‬وخيرها الفأل ] ‪ ،1‬وقوله عليه الصالة‬

‫والسالم ‪ [ :‬ال عدوى وال طيرة ‪ ،‬ويعجبني الفأل الصالح ] ‪ . 2‬ولما سئل ‪ :‬ما‬

‫واضحا ّبي ًنا فقال‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫تفسيرا‬ ‫الفأل يا رسول الله ؟ فسر النبي ‪ ‬هذا المصطلح‬

‫[ الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ] ‪ ,3‬وقال ‪ [ :‬الفأل الصالح ‪ :‬الكلمة‬

‫الحسنة ] ‪.4‬‬

‫فالفأل هو ما ُيسر به اإلنسان ويستبشر به عر ً‬


‫ضا ‪ ،‬وهي طبيعة بشرية‬

‫ليس لها تعلق بإقدام المرء أو إحجامه ‪ .‬يقول ابن القيم رحمه الله ‪ » :‬ليس‬

‫باإلعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك؛ بل ذلك إبانة عن مقتضى‬

‫الطبيعة ‪ ،‬وموجب الفطرة اإلنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويالئمها ‪،‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ - 135 / 7 :‬كتاب ‪ :‬الطب ‪ -‬باب ‪ :‬الطيرة ‪ -‬برقم ‪ ، 5754 :‬وغيره ‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ - 135 / 7 :‬كتاب ‪ :‬الطب ‪ -‬باب ‪ :‬الطيرة ‪ -‬برقم ‪ ، 5756 :‬وغيره ‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ - 135 / 7 :‬كتاب ‪ :‬الطب ‪ -‬باب ‪ :‬الطيرة ‪ -‬برقم ‪ ، 5754 :‬وغيره ‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ - 135 / 7 :‬كتاب ‪ :‬الطب ‪ -‬باب ‪ :‬الطيرة ‪ -‬برقم ‪ ، 5756 :‬وغيره ‪.‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪2‬‬
‫والله جعل في غرائز الناس اإلعجاب بسماع االسم الحسن ومحبته ‪ ،‬وميل‬

‫نفوسهم إليه ‪ .‬وكذلك جعل فيها االرتياح واالستبشار والسرور باسم‬

‫الفالح والسالمة والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر ونحو ذلك « ‪. 5‬‬

‫ً‬
‫اتفاقا‬ ‫والفأل ال يكون بقصد من اإلنسان وال بسعي منه ‪ ،‬بل يحصل‬

‫فينشرح به الصدر ‪ ،‬قال ابن تيمية رحمه الله ‪ » :‬والفأل الذي يحبه ‪ ‬هو أن‬

‫متوكال على الله‪ ،‬فيسمع الكلمة الحسنة التي‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫أمرا أو يعزم عليه‬ ‫يفعل‬

‫تسره « ‪ .6‬وقال الشيخ حافظ الحكمي ‪ » :‬ومن شرط الفأل أن ال ُيعتمد‬


‫ً‬
‫مقصودا ‪ -‬بل أن يتفق لإلنسان ذلك من غير أن يكون له‬ ‫عليه‪ ،‬وأن ال يكون‬

‫على بال « ‪ . 7‬وشدد النفراوي على ذلك في ( الفواكه ) حيث قال ‪ » :‬هذا‬

‫إذا لم يقصده ‪ ,‬وأما إذا قصد سماع الفأل ليعمل على ما يسمع من خير أو‬

‫شر فال يجوز ‪ ,‬ألنه من األزالم المحرمة التي كانت تفعلها الجاهلية « ‪. 8‬‬

‫دليال على قربه ‪ ،‬إذ ال‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫سببا لحصول المرغوب ‪ ،‬وال‬ ‫كما أن الفأل ال ُيعتبر‬

‫ُيتصور أن يعتقد النبي ‪ ‬أن سماع قول القائل ‪ ( :‬يا سالم ) سبب في شفاء‬

‫المريض ‪،‬أو( يا واجد ) سبب في استرجاع الضالة ‪ ،‬بل هو كما في نص‬

‫تسره » لطبيعة اإلنسان وميله الفطري ‪.‬‬


‫الحديث مجرد كلمة « ُ‬

‫‪ 5‬مفتاح دار السعادة ‪. 244 / 2 :‬‬


‫‪ 6‬مجموع الفتاوى ‪. 66 / 23 :‬‬
‫‪ 7‬معارج القبول ‪. 993 / 3 :‬‬
‫‪ 8‬الفواكه الدواني ‪. 342 / 2 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪3‬‬
‫ومما يدل على ذلك ما قررته النصوص الواردة في تحريم الطيرة ‪ ،‬وأنها‬

‫من الشرك ‪ ،‬والفأل من جنس الطيرة وإنما استثناه منها النبي ‪ ‬لما فيه‬

‫من معاني ال رجاء وإحسان الظن ‪ ،‬أما إذا اعتقد اإلنسان أن الفأل سبب في‬

‫دفع الضر أو جلب المنفعة رجع حكمه إلى الطيرة وكان كحكمها ‪ ،‬وكذلك إن‬

‫كان إقدام اإلنسان أو إحجامه بسبب الفأل ‪ ،‬قال الشيخ ابن عثيمين رحمه‬

‫الله في ( القول المفيد ) ‪ » :‬إن اعتمد عليه ‪ -‬أي الفأل ‪ -‬وكان سببا إلقدامه;‬

‫فهذا حكمه حكم الطيرة ‪ ،‬وإن لم يعتمد عليه ولكنه فرح ونشط وازداد‬
‫ً‬
‫نشاطا في طلبه ; فهذا من الفأل المحمود « ‪.9‬‬

‫فالمقصود ‪ :‬أن الفأل الذي كان ُيعجب النبي ‪ ‬هو الكلمة الطيبة ونحوها‬
‫ً‬
‫عرضا دون تقصد ؛ فتسره وينشرح بها صدره ‪ ،‬مع عدم‬ ‫يسمعها اإلنسان‬

‫رده ‪ ،‬ودون أن يعتقد أنها سبب مباشر لحصول‬


‫تأثيرها في مضيه أو ّ‬
‫المرغوب ‪.‬‬

‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬التفاؤل ‪.‬‬

‫ً‬
‫مطلقا ‪ ،‬وإنما الذي‬ ‫لم يرد لفظ » التفاؤل « ‪ -‬حسب اطالعي ‪ -‬في السنة‬

‫ورد لفظ » الفأل « ‪ ،‬وبينهما فرق لطيف ‪ ،‬فالتفاؤل ليس هو الفأل ‪ ،‬بل فيه‬

‫‪ 9‬القول المفيد ‪. 588 :‬‬


‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪4‬‬
‫زيادة عليه تقتضي القصد والحركة والتفاعل ‪ ،‬فالتفاؤل هو ما يحصل عند‬

‫الفأل ‪ ،‬قال ابن فارس ‪ » :‬الفأل ‪ :‬ما ُيتفاءل به « ‪ ، 10‬وفي القاموس المحيط‪:‬‬

‫» وقد تفاءل به ‪ ،‬وتفأل « ‪. 11‬‬

‫ويطلق التفاؤل في هذا العصر الحديث ويراد به أحد ثالثة معاني ‪:‬‬
‫ُ‬

‫أولها ‪ :‬التفاؤل بمعنى االستبشار والسرور بالفأل ‪ ،‬وهذا من األمور‬ ‫‪‬‬

‫المشروعة المستحبة ‪ ،‬وهو الذي كان ُيعجب النبي ‪ . ‬قال الشيخ‬

‫مثل‬ ‫التفاؤل‬ ‫»ومعنى‬ ‫الله‪:‬‬ ‫رحمه‬ ‫عبدالله‬ ‫بن‬ ‫سليمان‬

‫أن يكون رجل مريض فيتفاءل بما يسمع من الكالم ‪ ،‬فيسمع آخر يقول‪:‬‬

‫يا سالم ‪ ،‬أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول ‪ :‬يا واجد ‪ ،‬فيقع في ظنه‬

‫أملوا فائدة الله‬


‫قال ‪ » :‬ألن الناس إذا ّ‬
‫‪12‬‬ ‫أنه ُ‬
‫يبرأ من مرضه ‪ ،‬ويجد ضالته «‬

‫‪ ،‬ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي ‪ ،‬فهم على خير ‪ ،‬ولو غلطوا‬

‫في الرجاء ‪ ،‬فإن الرجاء لهم خير ‪ ،‬وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله ‪،‬‬

‫كان ذلك من الشر « ‪.13‬‬

‫‪ 10‬مقاييس اللغة – ابن فارس ‪. 468 / 4 :‬‬


‫‪ 11‬القاموس المحيط – الفيروز آبادي ‪. 1040 :‬‬
‫‪ 12‬تيسير العزيز الحميد ‪. 372 :‬‬
‫‪ 13‬تيسير العزيز الحميد ‪. 372 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪5‬‬
‫ثانيها ‪ :‬التفاؤل بمعنى الرجاء ‪ ،‬كأن يقال للمريض ‪ :‬تفاءل بالشفاء ‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬

‫أرج الله أن يشفيك أو يرزقك النجاح ‪.‬‬


‫للطالب ‪ :‬تفاءل بالنجاح ‪ ،‬ويراد به ‪ُ :‬‬
‫والرجاء ( وإن كان في إطالق التفاؤل عليه نظر ) من العبادات القلبية‬

‫المحمودة ‪ ،‬ولكنه يختلف عن التمني ‪ .‬قال ابن القيم رحمه الله ‪ » :‬الرجاء‬

‫يكون مع بذل الجهد واستفراغ الطاقة في اإلتيان بأسباب الظفر والفوز‪،‬‬

‫والتمني حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل األسباب الموصلة إليه ‪،‬‬
‫وا وجاه ُد ْ‬
‫وا في سبيل اللّ ه‬ ‫وا والذين هاج ُر ْ‬
‫قال تعالى ‪ ‬إن الذين آمنُ ْ‬

‫ُأ ْولـئك ي ْر ُجون ر ْحمت اللّ ه ‪ ‬فطوى سبحانه بساط الرجاء إال عن هؤالء « ‪.14‬‬
‫ً‬
‫دائما يخشى‬ ‫ولكن العبد الراجي ال يتحقق من حصول الذي يرجوه ‪ ،‬وإنما‬

‫فواته ‪ ،‬قال شيخ اإلسالم عليه رحمة الله ‪ » :‬الرجاء يستلزم الخوف ‪ ،‬ولوال‬
‫ً‬
‫أمنا ؛ فأهل الخوف لله والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم‬ ‫ذلك لكان‬
‫‪15‬‬
‫حسن ظنه‬
‫ني رحمه الله ‪ » :‬من ُ‬
‫الدارا ّ‬
‫‪ ،‬وكذا قال أبو سليمان ّ‬ ‫الله «‬

‫بالله ‪ ، ‬ثم ال يخاف الله ‪ ،‬فهو مخدوع « ‪. 16‬‬

‫ثالثها ‪ :‬التفاؤل بمعنى توقع حصول المرغوب بعينه ‪ ،‬وهو معنى شائع‬ ‫‪‬‬

‫عند كثير من الناس ‪ ،‬وهذا إذا كان مبعثه الرجاء ‪ ،‬فهو كالسابق ‪ ،‬وإن كان‬

‫‪ 14‬الروح ‪. 245 :‬‬


‫‪ 15‬اإليمان ‪. 20 :‬‬
‫‪ 16‬حسن الظن بالله البن أبي الدنيا ‪. 40 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪6‬‬
‫المقصود منه أن هذا » التفكير « سبب لحصول عين المرغوب ‪ ،‬فهذا هو‬

‫محل النزاع الذي من أجله حرر هذا المقال ‪.‬‬

‫ومن قال بهذا المعنى استدل عليه – في الغالب – بواحد من دليلين ‪:‬‬

‫‪ ‬األول ‪ :‬األثر المشهور ‪ ( :‬تفاءلوا بالخير تجدوه ) ‪ ،‬حيث ُيظن أنه من حديث‬
‫المصطفى ‪ ، ‬والصحيح أنها ال تصح نسبته للنبي عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫وليس في أي من كتب السنة ‪ ،‬وإنما هو من أقوال الناس التي ال تُ عد‬
‫حجة‪ ،‬بل تحتمل الصواب والخطأ ‪.‬‬
‫وليس المقصود ‪ -‬هنا ‪ -‬ذم التفاؤل ‪ ،‬فهو خلق حسن ‪ ،‬قد يكون نافعا‬
‫ً‬
‫شرعا لما ُيحدثه من حسن الرجاء ‪ ،‬وهي‬ ‫للنفس والجسد ‪ ،‬وربما امتُ دح‬
‫عبادة قلبية محمودة ‪ .‬وإن كان استخدام لفظ « الرجاء » هو األولى عندي‬
‫للتعبير عن هذا المعنى دون إحداث لبس ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫في الحديث القدسي ‪ [ :‬أنا عند ظن عبدي بي ]‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬الثاني ‪ :‬قول الله‬
‫برواياته المختلفة ‪ ،‬وهو ما سيتم تناوله في الفقرة التالية ‪.‬‬

‫‪ 17‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ - 121 / 9 :‬كتاب ‪ :‬التوحيد ‪ -‬باب ‪ :‬قول الله تعالى ‪  :‬ويحذركم الله نفسه ‪ - ‬برقم ‪ ، 7405 :‬وغيره ‪.‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪7‬‬
‫ً‬
‫ثالثا ‪ :‬الظن ‪.‬‬

‫تكلم علماء السلف عن معنى قول الله ‪ [ : ‬أنا عند ظن عبدي بي ] ‪،‬‬

‫فكان من المعاني التي ُحمل عليها هذا الحديث ‪:‬‬

‫رجاء رحمة الله ‪ ‬عند اقتراب لقائه ‪ ،‬قال ابن أبي العز رحمه الله بعد‬ ‫‪-1‬‬

‫» وفي صحيح مسلم عن جابر ‪ ، ‬قال‪ :‬سمعت‬ ‫الحديث ‪:‬‬ ‫سياقه‬

‫[ ال يموتن أحدكم إال وهو‬ ‫رسول الله ‪ ‬يقول قبل موته بثالث ‪:‬‬

‫يحسن الظن بربه ] ‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في‬

‫مرضه أرجح من خوفه ‪ ،‬بخالف زمن الصحة ‪ ،‬فإنه يكون خوفه أرجح من‬

‫رجائه « ‪ .18‬وكذا قال القرطبي ‪ » :‬وينبغي له أن يكون خائفا من ذنبه‪،‬‬

‫راجيا عفو ربه‪ ،‬ويكون الخوف في صحته أغلب عليه‪ ،‬إذا ال يعلم بما يختم‬

‫له ‪ ،‬ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه ‪ ،‬لحسن الظن بالله‪،‬‬

‫قال رسول الله ‪ [ : ‬ال يموتن أحدكم إال وهو يحسن بالله الظن ] « ‪،19‬‬

‫وبمثله قال غير واحد من السلف ‪ .20‬وقال الخطابي في هذا الحديث‬

‫» يعني في حسن عمله ‪ ،‬فمن حسن عمله حسن ظنه ‪ ،‬ومن ساء عمله‬

‫مثال ‪ :‬إثار الحق البن الوزير ‪ ، 364 :‬و تفسير ابن كثير ‪ ، 88 / 2 :‬و فتح الباري البن حجر ‪ ، 301 / 11 :‬و غيرها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ُ 18‬ينظر‬
‫‪ 19‬تفسير القرطبي ‪. 20 / 1 :‬‬
‫‪ 20‬شرح البخاري ابن بطال ‪. 99 / 10 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪8‬‬
‫ساء ظنه « ‪ . 21‬وقد رجح هذا المعنى ابن حجر بقوله رحمه الله ‪ » :‬وهو‬

‫قيد بالمحتضر ‪ ،‬ويؤيد ذلك حديث [ ال يموتن‬


‫‪ -‬كما قال أهل التحقيق ‪ُ -‬م ّ‬
‫أحدكم إال وهو يحسن الظن بالله ] « ‪. 22‬‬

‫ظن اإلنسان بأن الله يرحمه ويغفر له ‪ ،‬أو يثيبه ويعاقبه ‪ ،‬ونحو ذلك ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬

‫قال ابن بطال ‪ » :‬وقوله ‪ [ :‬أنا عند ظن عبدى بى ] ال يتوجه إال إلى‬

‫المؤمنين خاصة ‪ ،‬أى ‪ :‬أنا عند ظن عبدى المؤمن بى ‪ ،‬وفى القرآن آيات‬

‫تشهد أن عباده المؤمنين ‪ -‬وإن أسرفوا على أنفسهم ‪ -‬أنه عند ظنهم‬

‫به من المغفرة والرحمة « ‪ . 23‬وقال القاضي ‪ » :‬قيل معناه ‪ :‬بالغفران‬

‫له إذا استغفر ‪ ،‬والقبول إذا تاب ‪ ،‬واإلجابة إذا دعا ‪ ،‬والكفاية إذا طلب‬

‫الكفاية ‪ ،‬وقيل المراد ‪ :‬به الرجاء ‪ ،‬وتأميل العفو ‪ ،‬وهذا أصح « ‪ .24‬وفي‬

‫شرح صحيح مسلم للنووي ‪ » :‬قال العلماء ‪ :‬معنى ( حسن الظن بالله‬

‫تعالى ) أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وفي حالة الصحة يكون‬

‫خائفا راجيا ويكونان سواء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكون الخوف أرجح فإذا دنت أمارات‬

‫الموت غلب الرجاء « ‪ . 25‬وقال العيني في ( عمدة القاري ) ‪ » :‬يعني ‪:‬‬

‫‪ 21‬طرح التثريب ‪. 233 / 8 :‬‬


‫‪ 22‬فتح الباري ‪. 386 / 13‬‬
‫‪ 23‬ابن بطال ‪. 500 / 10 :‬‬

‫‪ 24‬شرح السيوطي على مسلم ‪. 44 / 6 :‬‬


‫‪ 25‬شرح النووي ‪. 210 / 17‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪9‬‬
‫إن ظن أني أعفو عنه ‪ ،‬وأغفر له ‪ ،‬فله ذلك ‪ ،‬وإن ظن العقوبة‬
‫‪26‬‬
‫‪ .‬وفي باب استجابة الدعاء ‪ ،‬قال ابن رجب ‪:‬‬ ‫والمؤاخذة‪ ،‬فكذلك «‬

‫موجب للمغفرة ‪ ،‬والله‬


‫ٌ‬ ‫فاإللحاح بالدعاء بالمغفرة ‪ ،‬مع رجاء الله تعالى ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫»‬

‫ظن عبدي بي‪ ،‬فليظن بي ما شاء ] « ‪. 27‬‬


‫تعالى يقول ‪ [ :‬أنا عند ِّ‬

‫ومن القواعد المهمة في مفهوم ( حسن الظن بالله ) ‪ :‬أنه ال يكون إال‬
‫ً‬
‫قوما أساءوا العمل ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نحسن‬ ‫ً‬
‫مقترنا بالعمل ‪ ،‬قال الحسن ‪ » :‬إن‬

‫الظن ! ولو أحسنوا الظن ألحسنوا العمل « ‪ ،‬وقال ‪ » :‬إن قوما ألهتهم‬

‫أماني المغفرة ‪ ،‬حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم حسنة ‪ ،‬يقول ‪ :‬إني‬

‫لحسن الظن بربي ‪ ،‬وكذب ‪ ،‬لو أحسن الظن بربه ألحسن العمل « ‪ .28‬وقال‬

‫ابن القيم رحمه الله‪ » :‬وال ريب أن حسن الظن إنما يكون مع اإلحسان ‪ ،‬فإن‬

‫المحسن أحسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ‪ ،‬وأن ال يخلف وعده وأن‬

‫يقبل توبته « ‪. 29‬‬

‫‪ 26‬عمدة القاري ‪ -‬العيني ‪. 101 / 25 :‬‬


‫‪ 27‬جامع العلوم والحكم ‪. 1160 / 3 :‬‬
‫‪ 28‬كشف المشكل من حديث الصحيحين ‪ :‬ابن الجوزي ‪. 323 / 3 :‬‬
‫‪ 29‬الجواب الكافي ‪. 25 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪10‬‬
‫وأكد ابن الجوزي رحمه الله اشتراط العمل بقوله ‪ » :‬اعلم أن صدق رجاء‬

‫المؤمن لفضل الله ‪ ‬وجوده يوجب حسن الظن به ‪ ،‬وليس ُحسن الظن به‬

‫ما يعتقده الجهال من الرجاء مع اإلصرار على المعاصي ‪ ،‬وإنما مثلهم في‬

‫ذلك كمثل من رجا حصادا وما زرع ‪ ،‬أو ولدا وما نكح ‪ .‬وإنما العارف بالله ‪‬‬

‫يتوب ويرجو القبول ‪ ،‬ويطيع ويرجو الثواب « ‪. 30‬‬

‫ً‬
‫وقديما قال الشاعر ‪:‬‬

‫السفينة ال تجـــــــــري على اليبس‬


‫إن ّ‬ ‫ترجو النجاة ولم تسلُ ك مسالكها‬

‫متعلق بالعمل ‪ ،‬وال يمكن أن ينفصل عنه في أمر الدنيا ‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫فإحسان الظن‬

‫والدين ‪ ،‬والظن المجرد من العمل ليس من الرجاء وال من حسن الظن ‪ ،‬بل‬
‫ً‬
‫شرعا ‪ .‬ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في‬ ‫هو من األماني المنهي عنها‬
‫ً‬
‫راجيا أن الله يقبله ويغفر له ‪ ،‬فقد وعد بذلك وهو ال يخلف‬ ‫القيام بما عليه ‪،‬‬

‫الميعاد ‪ ،‬فإن اعتقد ‪ -‬أو ظن ‪ -‬أن الله ال يقبلها ‪ ،‬وأنها ال تنفعه ‪ ،‬فهذا هو‬

‫اليأس من رحمة الله ‪ ،‬وهو من الكبائر ‪ ،‬ومن مات على ذلك وكل إلى ما‬

‫‪ 30‬كشف المشكل من حديث الصحيحين ‪ :‬ابن الجوزي ‪. 323 / 3 :‬‬


‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪11‬‬
‫ظن‪ ،‬وأما ظن المغفرة مع اإلصرار ‪ ،‬فذلك محض الجهل والغرة ‪ ،‬وهو يجر‬

‫إلى مذهب المرجئة ‪. 31‬‬

‫فالمقصود ‪ :‬أن ( حسن الظن ) عند السلف لم ُيفسر بغير ما سبق ‪ ،‬فهو‬

‫دائر بين المعاني التالية ‪:‬‬

‫الرجاء عند الموت ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫رجاء الرحمة والمغفرة ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ظن اإلجابة عند الدعاء ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ظن القبول عند التوبة ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ظن قبول العبادة ‪.32‬‬ ‫‪‬‬

‫أما أن يكون حديث [ أنا عند ظن عبدي بي ] بمعنى ‪ ( :‬تفاءلوا بالخير‬

‫تجدوه ) ‪ ،‬وأن ما يتوقع اإلنسان حصوله يحصل ‪ -‬فال أعلم أن أحدا من السلف‬

‫قال به ‪.‬‬

‫‪ 31‬فتح الباري ‪ 386 / 13‬من قول أبي جمرة بتصرف يسير ‪.‬‬
‫‪ُ 32‬ينظر ‪ :‬طرح التثريب ‪ ، 269 / 3 :‬وفيض القدير للمناوي ‪. 490 / 4 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪12‬‬
‫بل إن حسن الظن بالله يستلزم إحسان الظن بتدبيره ‪ ، ‬وأن الذي يختاره‬

‫الرب للعبد خير مما يختاره لنفسه ‪ ،‬وفي دعاء االستخارة المأثور ‪[ :‬اللهم إني‬

‫أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك ‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم ‪ ،‬فإنك‬

‫تقدر وال أقدر ‪ ،‬وتعلم وال أعلم‪ ،‬وأنت عالم الغيوب ‪ ...‬الحديث ] ‪ ،33‬وفي‬

‫السنة النبوية ‪[ :‬للهم بعلمك الغيب‪ ،‬وقدرتك على الخلق‪،‬‬


‫دعاء آخر من ُّ‬
‫أحيني ما علمت الحياة خيرا لي‪ ،‬وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ] ‪.34‬‬

‫ولذلك فإن ذكر السلف لحديث [ أنا عند ظن عبدي بي ] لم يكن قط في‬

‫أبواب القدر ‪ ،‬وإنما أوردوه ضمن أحاديث الرجاء وإنجاز الوعد ‪ ،‬وفي معاملة‬

‫الرب عبده من حيث الثواب والعقاب والجزاء والمغفرة ونحو ذلك مما يتعلق‬

‫باآلخرة ‪.‬‬

‫وفي المقابل فإن « سوء الظن » ال يعني االعتقاد بأن الله ال يحقق‬

‫فسره علماء السلف بما يتناسب مع تفسيرهم‬


‫ّ‬ ‫لإلنسان عين رغبته ‪ ،‬بل‬

‫لحسن الظن ‪.‬‬

‫‪ 33‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ - 81 / 8 :‬كتاب ‪ :‬الدعوات ‪ -‬باب ‪ :‬الدعاء عند االستخارة ‪ -‬برقم ‪ ، 6382 :‬وغيره ‪.‬‬
‫‪ 34‬أخرجه اإلمام أحمد في مسنده ‪ 265 / 30 :‬برقم ‪ ، 18325 :‬وصححه األلباني في صحيح الجامع ‪ 279 / 1 :‬برقم ‪. 1301 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪13‬‬
‫واألصل في سوء الظن قوله تعالى ‪  :‬و َٰذلكُ ْم ظنُّ كُ ُم الذي ظننْ تُ ْم بر ِّبكُ ْم‬

‫أ ْرداكُ ْم فأ ْصب ْحتُ ْم من الْ خاسرين ‪ ، ‬وقوله ‪  : ‬و ُيعذِّ ب الْ ُمنافقين‬

‫والْ ُمنافقات والْ ُم ْشركين والْ ُم ْشركات الظانِّ ين بالله ظن الس ْوء عل ْيه ْم دائرةُ‬

‫ول والْ ُم ْؤمنُ ون إلى أ ْهليه ْم‬


‫الس ْوء ‪ ،‬وقوله‪  :‬بل ظننتُ ْم أن لن ينقلب الر ُس ُ‬

‫ورا ‪. ‬‬
‫أب ًدا وزُ ِّين ذلك في ُقلُ وبكُ ْم وظننتُ ْم ظن الس ْوء وكُ نتُ ْم ق ْو ًما ُب ً‬

‫فهذه اآليات وردت في الكفار والمنافقين الذين اعتقدوا أن الله لن ينصر‬


‫‪35‬‬
‫‪ ،‬وفي اعتقادهم ما ال يليق بأفعال الله‬ ‫نبيه ‪،‬وقد حصل خالف ما ظنوا‬

‫وصفاته ‪.‬‬

‫القيم أنواع إساءة الظن بالله باعتبار عموم اللفظ ال خصوص‬


‫ّ‬ ‫وقد ذكر ابن‬

‫السبب ‪ ،‬فجعلها من األنواع التالية ‪: 36‬‬

‫أن يقنط العبد من رحمة الله ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن الله ال ينصر دينه ونبيه ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن الله يعذب أولياءه ويساويهم بأعدائه ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن الله يترك خلقه سدى ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪35‬‬
‫وهذا ينقض قول من قال بأن األمر يحصل بمجرد ظنه وتوقعه ‪ ،‬فإن ما ظنه هؤالء المنافقين لم يتحقق ‪.‬‬
‫‪ 36‬انظر ‪ :‬زاد المعاد ‪. 208 / 3 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪14‬‬
‫يضيع عمله الصالح ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن يظن أن الله‬ ‫‪‬‬

‫ً‬
‫شريكا ‪.‬‬ ‫أن يظن أن له ولدا أو‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن الله ال يعوضه خيرا مما ترك ألجله ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن الله ال يجيب الدعاء ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن الله يثيب العاصي كما يثيب المطيع ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يظن أن غير الله يخلصه من عذابه ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فظن السوء متعلق بالقنوط من رحمة الله ‪ ،‬والخلط بين ثوابه وعقابه‪،‬‬

‫واإليمان بصفاته ‪ ،‬وليس اعتقاد أن الله ال يلزمه أن يحقق لإلنسان عين‬

‫مرغوبه من إساءة الظن ‪ ،‬والقول بأن القدر – بإطالقة ‪ -‬يجيء ويذهب حسب‬

‫ما يظنه اإلنسان‪ ،‬ويتوقعه هو إلى سوء الظن أقرب منه إلى حسنه ‪ ،‬قال‬

‫ابن القيم رحمه الله ‪ » :‬فأكثر الخلق ‪ ،‬بل كلهم إال من شاء الله يظنون بالله‬

‫ناقص‬
‫ُ‬ ‫مبخوس الحق ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الحق ظن الس ْوء ‪ ،‬فإن غالب بنى آدم يعتقد أنه‬
‫ِّ‬ ‫غير‬

‫الله ‪ ،‬ولسان حاله يقول ‪ :‬ظلمني ِّربى ‪،‬‬


‫أعطاه ُ‬
‫ُ‬ ‫الحظ ‪ ،‬وأنه يستحق فوق ما‬

‫أستحقه « ‪. 37‬‬
‫ُ‬ ‫ومنعني ما‬

‫‪ 37‬زاد المعاد ‪. 211 / 3 :‬‬


‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪15‬‬
‫ً‬
‫رابعا ‪ :‬قانون الجذب ‪.‬‬

‫ُيعرف مايكل جيه‪ .‬لوسيير قانون الجذب بقوله ‪ » :‬يجذب المرء إلى حياته‬

‫‪،‬‬ ‫‪38‬‬
‫ً‬
‫إيجابيا «‬ ‫ً‬
‫سلبيا أو‬ ‫كل ما ُيكرس له انتباهه وطاقته وتركيزه ‪ ،‬سواء كان‬

‫ويقول صالح الراشد ‪ » :‬قانون الجذب ينص على أننا نجتذب األحداث التي‬

‫في حياتنا ‪ ،‬وأننا نجتذب إلينا ما نجتذب وفق تجاذب المتشابهات لبعضها‬

‫البعض « ‪. 39‬‬

‫ولسنا بصدد الرد على قانون الجذب ‪ ،‬وبيان مخالفته الصريحة لمعتقد‬

‫المسلم في صفات الله تبارك وتعالى وفي قضائه وقدره ‪ ،‬فذلك رد يطول‬

‫بسطه ‪ ،‬وإنما المقصود أن هذا » القانون « ال عالقة له بالمفاهيم الشرعية‬


‫ً‬
‫سابقا ‪ ،‬كاستحسان رسول الله ‪ ‬للفأل‪.‬‬ ‫التي تم تناولها‬

‫إن قانون الجذب مبدأ قديم له أصل في الفلسفة الشرقية وفي الفكر‬

‫الباطني الثيوصوفي ‪ ،‬وهو قائم على أن الفكر هو الذي يخلق الواقع ‪ ،‬وأن‬

‫ما ُيفكر فيه اإلنسان يتجلى عبر تحول الفكرة المجردة إلى حدث أو وجود‬

‫محسوس ‪ ،‬فاإلنسان مسؤول مطلق عن حياته ‪ ،‬وهو الذي يصنع قدره‬

‫بنفسه !‬

‫‪ 38‬قانون الجذب – مايكل جيه لوسيير ‪. 20 :‬‬


‫‪ 39‬قانون الجذب – صالح الراشد ‪. 12 :‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪16‬‬
‫وهذا المعنى القبيح لو ُأبقي على صورته الفلسفية األصلية لكان بطالنه‬
‫ً‬
‫متسترا بتفسير ُمبتدع محدث لنصوص‬ ‫ً‬
‫شرعيا ‪،‬‬ ‫ً‬
‫لباسا‬ ‫ظاهرا ‪ ،‬ولكنه ُألبس‬

‫الوحيين ‪ ،‬حتى التبس األمر على عوام الناس – بل على بعض طالب العلم‬

‫أصال ‪ .‬وهذا‬
‫ً‬ ‫– حين ظنوا أن هذا القانون ال يخالف الشرع ‪ ،‬أو أنه من الدين‬

‫فح ّملت النصوص‬


‫ظلم للشريعة وتعد سافر على مدلول النص الشرعي ‪ُ ،‬‬
‫من المعاني الفلسفية ما ال تحتمل ‪ ،‬وطبق االصطالح الشرعي على تلك‬

‫المعاني ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ » :‬وهذا لو كانت تلك المعاني التي يذكرها‬

‫الفالسفة صحيحة ماجاز ‪ ،‬بل كان من الكذب على الله ورسوله أن ُيقال ‪ :‬إنه‬

‫أرادها ‪ ،‬فكيف وأكثر تلك المعاني باطلة ؟ « ‪. 40‬‬

‫ولعلي أشير إلى أبرز الفروق بين المفهوم الشرعي للفأل والظن وبين‬

‫المفهوم الفلسفي لقانون الجذب ‪ ،‬ولو تأمل القارئ أقوال المتأثرين‬


‫ً‬
‫يقينا ‪-‬‬ ‫بهذه الفلسفة ‪ ،‬وأثرها على نظرتهم للكون وألنفسهم ‪ ،‬لعلم ‪-‬‬

‫أن الرسول ‪ ‬ال يمكن أن يأمر بهذا ‪ ،‬وال يعجبه ‪ ،‬وال يستحسنه ‪ ،‬وهو‬

‫‪ 40‬بغية المرتاد ‪. 219 :‬‬


‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪17‬‬
‫عدال ؟! بل ‪ :‬ما شاء الله‬
‫ً‬ ‫القائل في شرك لفظي يسير ‪ [ :41‬جعلتني لله‬

‫وحده ] ‪.42‬‬

‫ومن تلك الفروق ما يلي ‪:‬‬

‫تقصد ‪،‬‬
‫الفأل الذي كان ُيعجب النبي ‪ ‬سرور واستبشار عرضي ال ُي ّ‬ ‫‪‬‬

‫ويتعمد ‪ ،‬وتؤلف فيه مئات الكتب وتقام الدورات‬


‫وقانون الجذب ُيقصد ُ‬
‫ألجله ‪.‬‬

‫ويعد من الطيرة الشركية حال‬ ‫ً‬


‫سببا في حصول المرغوب ُ‬ ‫الفأل ال ُيعد‬ ‫‪‬‬

‫اعتقاد ذلك ‪ ،‬بينما الفكر في قانون الجذب ليس مجرد سبب في حدوث‬

‫األمر – بل هو المحدث له والصانع ‪.‬‬

‫ً‬
‫تأكيدا‬ ‫أن المسلم ال يمضي بسبب الفأل كما ال يحجم بسبب التطير‬ ‫‪‬‬

‫النعدام العالقة السببية ‪ ،‬والكلمة والفكرة عند القائلين بالجذب تتجاوز‬

‫السببية إلى الخلق واإليجاد ‪.‬‬

‫أن التفاؤل بمعنى الرجاء متعلق بالعمل وإن تجرد منه فهو أماني ‪ ،‬أما‬ ‫‪‬‬

‫قانون الجذب فيعمل على التفكير وحده ‪ ،‬وال يلزم معه العمل ‪.43‬‬

‫‪ 41‬وهو قوله ‪ :‬ما شاء الله وشئت ‪.‬‬


‫‪ 42‬أخرجه اإلمام أحمد في مسنده ‪ 341 / 4 :‬برقم ‪ ، 2561 :‬وغيره ‪ ،‬وحسنه األلباني في سلسلة األحاديث الصحيحة ‪ 266 / 1 :‬برقم ‪. 139 :‬‬
‫‪ 43‬القائلون بقانون الجذب يختلفون في تفصيل ذلك ‪ ،‬فبعضهم ينفي العمل بالكلية ‪ ،‬وبعضهم ُيقر بلزوم العمل لكن بصورة مشوهة تختلف‬
‫عنها في المنظور الشرعي ‪ ،‬فمث ًال ‪ :‬لو أراد أحدهم أن تحصل وظيفة فإنه يمكنه جذبها إليه عن طريق إعمال الفكر المجرد ‪ ،‬فسيجد اإلعالنات‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪18‬‬
‫أن الراجي ال يقطع بحصول ما يرجوه ‪ ،‬بينما سمي قانون الجذب بذلك‬ ‫‪‬‬

‫ألنه ال يمكن أن يتخلف في رأيهم ‪.‬‬

‫أن الرجاء يقترن بالخوف فالراجي يخاف فوات ما يرجو ‪ ،‬وقانون الجذب‬ ‫‪‬‬

‫مبني على اليقين ‪.‬‬

‫أن إحسان الظن بالله مرتبط بالعمل كذلك ‪ ،‬وال ُيشترط العمل في قانون‬ ‫‪‬‬

‫الجذب ‪.‬‬

‫حسن الظن بالله هو في باب األعمال القلبية وصفات الله ‪ ،‬وقانون‬ ‫‪‬‬

‫الجذب هو في صلب القدر ‪.‬‬

‫أن من حسن الظن بالله التسليم أنه ‪ ‬أحكم وأعلم ‪ ،‬وأن ما يكتبه لك‬ ‫‪‬‬

‫خير مما تريده لنفسك ‪ ،‬وقانون الجذب ُيلغي الحكمة اإللهية في القدر ‪،‬‬

‫ويجعل الحكم فيه إرادة اإلنسان وفكره ‪ ،‬ويربطه بقانون الكارما‬

‫الهندوسي ‪.‬‬

‫أن من ُيحسن الظن بربه يوقن أن عليه فعل األسباب ال تحقيق النتائج ‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫بينما النتيجة في قانون الجذب هي بيد اإلنسان نفسه ‪.‬‬

‫عن الوظائف تأتيه من كل مكان ‪ ،‬كالصحف واللوحات اإلعالنية ‪ ،‬وربما تحدث عنها الناس في مجالسه ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ،‬فهو جذب إلى نفسه هذه‬
‫اإلمكانيات ‪ ،‬ولكن يلزمه التقدم لتلك الوظيفة التي جذب إلى نفسه وعروضها ‪.‬‬
‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪19‬‬
‫أن المنهج الشرعي قائم على االعتماد والتوكل على الله ‪ ‬مع العمل‬ ‫‪‬‬

‫والكسب ‪ ،‬وقانون الجذب قائم على االعتماد الكلي على قدرات الذات‬

‫وعمل الفكر ‪.‬‬

‫ً‬
‫وأخيرا ‪ ،‬ال يختلف مسلمان في أن المعطي والمانع هو الله ‪ ، ‬وأنه‬ ‫‪‬‬

‫سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة ال يخفى عليه شيء ‪ ،‬ولكن الذي‬

‫يعطي ويمنع عند القائلين بالجذب ال ُيدرك الفرق بين الرسائل المنفية‬

‫والمثبتة ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬ال أريد المرض أعطاك المرض ‪ ،‬وإن فكرت أنك لن‬

‫تفشل أعطاك الفشل ‪ ،‬فمن هو المانع المعطي عند هؤالء يا ترى ؟‬

‫هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫ً‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫ً‬
‫تسليما‬ ‫وسلم‬

‫*هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وال يمثل ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬رأي الناشر‬

‫‪A L B A Y D H A . C O M‬‬

‫‪20‬‬

You might also like