You are on page 1of 24

‫الحواشي على نهاية الحكمة‬

‫أما بعد فهذه حواش وتعليقات قيّدتها على كتاب نهاية الحكمة للفيلسوف العالمة السيد‬
‫محمد حسين الطباطبائي أرجو أن يجعل هللا فيها خيرا‪.‬‬

‫قول‪..‬ه ص "فمس‪..‬ت الحاج‪..‬ة إلى البحث عن األش‪..‬ياء الموج‪..‬ودة وتمييزه‪..‬ا بخ‪..‬واص‬


‫الموجودية المحصّلة ممّا ليس بموجود بحثا نافيا للشك منتجا لليقين"‬
‫أقول‪ :‬يظهر من المص ّنف أن الحاجة إلى الفلسفة تكمن في التمييز بين ما هو موجود‬
‫حقيقة وما ليس بموجود‪ ،‬وهذا غريب!‬
‫ألنه إن أراد بهذا التمييز بين الحقائق واالعتباريات والوهمي‪..‬ات على نح‪..‬و كلّي فه‪..‬ذا‬
‫يُبحث في المنط‪..‬ق وفيم‪..‬ا يُس‪..‬مى بنظري‪..‬ة المعرف‪..‬ة (االبس‪..‬تمولوجيا) وال يُبحث في‬
‫الفلسفة إال استطرادا‪.‬‬
‫وإن أراد أن الفلسفة علم موصِ ل إلى الواقع ألنها تح ّقق مسائلها تحقيق‪..‬ا برهاني‪..‬ا فه‪..‬ذا‬
‫ال يختص بها‪ ،‬بل هو شامل لك‪..‬ل علم يس‪..‬تهدف الكش‪..‬ف عن الواق‪..‬ع م‪..‬ع ك‪..‬ون العق‪..‬ل‬
‫البشري متمكنا من التحقيق في مسائله‪ ،‬فليس في هذا أي بيان للغ‪..‬رض من الفلس‪..‬فة‪،‬‬
‫بل هو بيان للغ‪..‬رض من التحقي‪..‬ق العلمي مطلق‪..‬ا من دون أن يختص بالفلس‪..‬فة‪ ،‬بينم‪..‬ا‬
‫المقام هو بيان غرض الفلسفة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬والمستفيد من ابن س‪..‬ينا في الش‪..‬فاء أن اله‪..‬دف من وض‪..‬ع ه‪..‬ذا العلم ه‪..‬و دراس‪..‬ة‬
‫المسائل التي لم يتم التعرض لها في علمي الرياضيات والطبيعيات؛ ألنهما ال يبحثان‬
‫عن أحكام الموجود العامة التي ال تختص بالكم الذي هو موض‪..‬وع الرياض‪..‬يات‪ ،‬وال‬
‫تختص بالجسم الذي ه‪..‬و موض‪..‬وع الطبيعي‪..‬ات‪ ،‬وألنهم‪..‬ا ال يبحث‪..‬ان عن الموج‪..‬ودات‬
‫المجردة عن الجسمية والكم‪ ،‬فكان ال بد من علم يتكفل ب‪..‬البحث عن أحك‪..‬ام الموج‪..‬ود‬
‫العامة وأحكام المبادئ العالية المجردة‪.1‬‬
‫المحص‪.‬ل‬
‫ّ‬ ‫والهدف من هذا البحث هو تحصيل كم‪..‬ال الق‪..‬وة العاقل‪..‬ة ال‪..‬تي هي الفص‪..‬ل‬
‫لحقيق‪..‬ة اإلنس‪..‬ان‪ ،‬وه‪..‬ذا اله‪..‬دف يتحق‪..‬ق ب‪..‬البحث عن جمي‪..‬ع مس‪..‬ائل الحكم‪..‬ة النظري‪..‬ة‬
‫المتمثلة في الطبيعيات والرياض‪..‬يات واإللهي‪..‬ات‪ ،‬نعم‪ ،‬لإللهي‪..‬ات م‪..‬يزة‪ ،‬وهي ش‪..‬رف‬
‫بعض مسائلها بشرف متعلقها‪ ،‬بالمسائل المرتبطة بالمبادئ العالية أشرف من غيرها‬
‫لشرف متعلقها‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫الحظ‪ :‬أبو علي ابن سينا‪ ،‬الشفاء (اإللهيات)‪ ،‬ص‬
‫‪2‬‬
‫الحظ‪ :‬أبو علي ابن سينا‪ ،‬الشفاء‬

‫‪1‬‬
‫والظاهر أن هذا هو رأي عامة الحكماء‪ ،3‬وال مانع أبدا من أن تكون ضابطة مس‪..‬ائل‬
‫الفلسفة ضابطة اعتبارية‪ ،‬ولكن الكالم في قيمة ما يُذكر من تكميل القوة العاقلة بني‪..‬ل‬
‫المعارف بالبراهين اليقينية‪ ،‬ويمكن تسجيل المالحظة التالية‪:‬‬
‫ال ريب في أن العلم بذات‪.‬ه كم‪.‬ال الموج‪.‬ود كم‪.‬ا تق‪.‬رر في محله‪ ،4‬وال ريب أن النفس‬
‫تميل بطبيعتها لتحصيل العلوم‪ ،‬ولكن لم يتضح أمران‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن تحصيل الكمال حسنٌ عقال أو أن ترك تحصيل الكمال قبيح عقال‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن النفس بطبيعته‪..‬ا تمي‪..‬ل لتحص‪..‬يل العلم بم‪..‬ا ه‪..‬و علم‪ ،‬ب‪..‬ل الظ‪..‬اهر أن‬
‫النفس تميل لتحصيل العل‪..‬وم النافع‪..‬ة أو الغريب‪..‬ة المث‪..‬يرة‪ ،‬وأم‪..‬ا م‪..‬ا س‪..‬وى ذل‪..‬ك فغ‪..‬ير‬
‫واضح‪.‬‬
‫ومع عدم اتضاح هذين األمرين يش‪..‬كل ت‪..‬برير تعلّم عل‪..‬وم الحكم‪..‬ة النظري‪..‬ة بأقس‪..‬امها‬
‫الثالثة‪ ،‬وال يمكن أيضا تبرير تعلّم خصوص ما بعد الطبيعة باعتباره كم‪..‬ا ال للنفس‪،‬‬
‫بل ال بد من ذكر خصوصية نافعة من تعلم هذا العلم‪.‬‬
‫فالحاصل أن بيان الحكماء ال يكفي لتبرير تعلّم علو َمهم بالصورة الموجودة عندهم‪.‬‬

‫قوله ص "على أن البرهان ال يجري في الجزئي بما هو متغيّر زائل"‬


‫أقول‪ :‬هذه من مسائل المنطق الغريبة‪ ،‬فقد افترض المناطقة أن الجزئي لمّا من ش‪..‬أنه‬
‫التغير والتحول عن حاله إلى حال استحال أن يتعلق به العلم البره‪..‬اني –أع‪..‬ني العلم‬
‫ال‪..‬ذي ال يتغ‪..‬ير التكائ‪..‬ه على البره‪..‬ان‪ ،-‬وه‪..‬ذا التص‪..‬ور مخ‪..‬الف للوج‪..‬دان؛ ألن العلم‬
‫البرهاني ال يتغير وإن تعلّق بالمتغير؛ أال ترى أن علمي ب‪..‬أني أكتب في ه‪..‬ذا اآلن ال‬
‫يتغ‪..‬ير بع‪..‬د ت‪..‬وقفي عن الكتاب‪..‬ة؟! ومن هن‪..‬ا فال ن‪..‬رى مح‪..‬ذورا في تعل‪..‬ق البره‪..‬ان‬
‫بالجزئيات (الحظ تعليقة الفياضي)‪.‬‬

‫قوله ص "ولمّا كان من المستحيل أن يتصف الموجود بأحوال غير موجودة"‬


‫أق‪..‬ول‪ :‬الظ‪..‬اهر أن الم‪..‬راد ب‪..‬األحوال ه‪..‬و المحم‪..‬والت العارض‪..‬ة‪ ،‬وعلى ذل‪..‬ك يك‪..‬ون‬
‫وصفها بالموجودية بمعنى انطباقها على الموجود دون غيره‪.‬‬

‫قوله "الموجود المطلق"‬

‫‪ 3‬الحظ‪:‬‬
‫‪ 4‬الحظ ما كتبه كاتب هذه الحواشي في التعليق على المتن الكالمي المختصر ص‬

‫‪2‬‬
‫أقول‪ :‬قد يُراد بالموجود المطلق الموج‪..‬ود المتن‪..‬اهي ال‪..‬ذي ال ح‪..‬د ل‪..‬ه‪ ،‬فيك‪..‬ون الم‪..‬راد‬
‫بتقييد باإلطالق نفي الحدود العدمية عنه‪ ،‬وهذا المعنى قد ال يكون له تحقق خارجي‪.‬‬
‫وقد يُراد به الموجود البحت الذي ليس له في الواقع أي حيثي‪..‬ة أخ‪..‬رى‪ ،‬فه‪..‬و موج‪..‬ود‬
‫تنتفي عنه تمام الحيثي‪..‬ات األخ‪..‬رى في الواق‪..‬ع‪ ،‬وه‪..‬ذا المع‪..‬نى ق‪..‬د ال يك‪..‬ون ل‪..‬ه تحق‪..‬ق‬
‫خارجي أيضا‪.‬‬
‫وقد يراد به الموجود الذي لم يلحظ معه أي لحاظ زائد على حيثية الموجودية العامة‪،‬‬
‫فينطبق الموجود بهذا المعنى على كل موجود وال يشذ عنه شيء‪.‬‬

‫قوله ص "الموجود بما هو موجود"‬


‫أقول‪ :‬تجري في كلماتهم مثل هذه العبارات‪ :‬الموجود بما هو موج‪..‬ود‪ ،‬الموج‪..‬ود بم‪..‬ا‬
‫هو جسم‪ ،‬اإلنسان بما هو متحرك‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فما هو معنى هذه العبارات؟‬
‫وقبل تحديد المراد ينبغي االلتفات إلى أنهم يستعملون مثل هذا التعبير في موردين‪:‬‬
‫األول‪ :‬موضوعات القضايا‪ ،‬فيُقال مثال‪ :‬اإلنسان من حيث هو جس‪..‬م إم‪..‬ا متح‪..‬رك أو‬
‫ساكن‪.‬‬
‫الث‪..‬اني‪ :‬موض‪..‬وعات العل‪..‬وم‪ ،‬فيُق‪..‬ال مثال‪ :‬موض‪..‬وع الفلس‪..‬فة ه‪..‬و الموج‪..‬ود بم‪..‬ا ه‪..‬و‬
‫موجود‪.‬‬
‫فإذا اتضح هذا فالظاهر من خالل االستقراء أنهم معنى هذه العبارة يختلف ب‪..‬اختالف‬
‫موردها وفقا للتالي‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬تنقيح ما يصحح عروض المحمول‪ ،‬كما في قولهم‪ :‬اإلنس‪..‬ان من حيث‬
‫هو جس‪..‬م متح‪..‬رك؛ ف‪..‬إن حيثي‪..‬ة الجس‪..‬مية هي الحيثي‪..‬ة ال‪..‬تي تص‪..‬حح ع‪..‬روض حيثي‪..‬ة‬
‫الحركة‪ ،‬ولك ّنها ال تو ِجب هذا العروض فعال؛ إذ ال مالزمة بين الجسمية والتحرك‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬تنقيح ما يو ِجب عروض المحمول‪ ،‬كم‪..‬ا في ق‪..‬ولهم‪ :‬اإلنس‪..‬ان بم‪..‬ا ه‪..‬و‬
‫جسم إما متحرك أو ساكن؛ فإن الجسم لمّا كان ال ينفك عن الحركة والسكون عن‪..‬دهم‬
‫وكان عدم االنفكاك هذا معلوال لحيثية الجسمية كان قولهم "اإلنسان بما هو جسم إم‪..‬ا‬
‫متحرك أو ساكن" تنقيحا لما يوجب ثبوت المحمول للموضوع ‪.‬‬
‫ومن هذا قولهم‪ :‬االثنان بما هي زوج تنقسم إلى متساويين‬
‫المورد الثالث‪ :‬تنقيح المعروض الحقيقي للمحمول‪ ،‬كم‪..‬ا في ق‪..‬ولهم‪ :‬الجس‪..‬م من حيث‬
‫هو سطح أحمر؛ فإن االحمرار ال يعرض الجسم أبدا‪ ،‬بل يعرض الس‪..‬طح‪ ،‬ولكن ق‪..‬د‬
‫‪3‬‬
‫ُنس‪.‬ب الحكم إلى الجس‪..‬م تس‪..‬امحا وتج‪..‬وّ زا‪ ،‬فيُس‪..‬تعمل ه‪..‬ذا االس‪..‬تعمال للتنبي‪..‬ه إلى أن‬
‫ي َ‬
‫انتساب االحمرار إلى الجسم ليس حقيقيا بل مجازيا‪.‬‬
‫المورد الرابع‪ :‬السلب التقديري لكل حيثية قد تجتمع مع الموضوع‪ ،‬وبتبع ذلك يكون‬
‫المحمول ثابتا للموضوع مع سلب جميع الحيثيات األحرى ال‪..‬تي يمكن اجتماعه‪..‬ا م‪..‬ع‬
‫الموضوع‪ ،‬كما في قولهم‪ :‬اللفظة بما هي لفظة ليس له‪..‬ا مع‪..‬نى‪ ،‬ب‪..‬ل هي ذات مع‪..‬نى‬
‫بما هي موضوعة للمعنى‪ ،‬وقولهم‪ :‬اإلنسان بما هو إنسان ال يستحق ثواب‪..‬ا وال عقاب‪..‬ا‬
‫بل هو يستحق ذلك بما هو مكلف‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ويختص هذا المورد بما لو كانت الحيثية المذكورة هي نفس الموضوع ‪.‬‬
‫المورد الخامس‪ :‬تحديد ن‪.‬وع المحم‪.‬ول‪ ،‬ويختص ذل‪.‬ك بالحيثي‪.‬ة الم‪.‬ذكورة في تحدي‪.‬د‬
‫موضوع العلم‪ ،‬كما في قوله‪ :‬موضوع علم الطب هو بدن اإلنسان من حيث الص‪..‬حة‬
‫والم‪..‬رض‪ ،‬فيختص البحث في علم الطب عن ب‪..‬دن اإلنس‪..‬ان‪ ،‬ولكن ال يش‪..‬مل البحث‬
‫عن أي محمول ثابت لبدن اإلنسان أو أج‪..‬زاء بدن‪..‬ه‪ ،‬ب‪..‬ل يختص البحث ب‪..‬المحموالت‬
‫المرتبطة بالصحة والمرض‪.‬‬
‫توضيح حول العرض الذاتي عند المصنف‪:‬‬
‫يمكن بيان مذهب المصنف في العرض الذاتي في التالي‪:‬‬
‫يف‪..‬ترض المص‪..‬نف أن "االقتص‪..‬ار في العل‪..‬وم على البحث عن األع‪..‬راض الذاتي‪..‬ة ال‬
‫يبتني على مجرد االصطالح والمواضعة‪ .،‬ب‪..‬ل ه‪..‬و مم‪..‬ا يوجب‪..‬ه البحث البره‪..‬اني في‬
‫العلوم البرهانية على ما بين في كتاب البرهان من المنطق"‪.‬‬
‫يتضح ذلك من خالل المقدمات التالية‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬لمّا كان البرهان قياسا منتجا لليقين بالمعنى األخص‪ ،‬وهو العلم ب‪..‬أن‬
‫كذا كذا مع العلم باستحالة أن ال يكون كذا كذا = وجب أن تكون مق ّدمات البرهان‪:‬‬
‫‪.‬دق بحيث يك‪..‬ون ثب‪..‬وت محموله‪..‬ا لموض‪..‬وعها ض‪..‬روريا‬ ‫ض‪..‬روري َة الص‪ِ .‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يستحيل انفكا ُكه‪5‬؛ إذ لو جاز انفكاكه لم يتحقق اليقين بالمعنى األخص‪.‬‬
‫دائم‪..‬ة في الص‪..‬دق بحس‪..‬ب األزم‪..‬ان؛ ول‪..‬و لم تكن ك‪..‬ذلك َللِ‪َ .‬‬
‫‪.‬ز َم أن تك‪..‬ون‬ ‫(‪)2‬‬
‫القضية كاذبة في بعض األزمان‪ ،‬فال يمتنع الطرف المقاب‪..‬ل (أع‪..‬ني اليقين‬
‫باستحالة أن ال يكون كذا هو كذا)‪ ،‬فال يحصل اليقين بالمعنى األخص‪.‬‬
‫الصدق بحسب األحوال العارضة على الموضوع؛ ولو لم تكن كذلك‬ ‫ِ‬ ‫ُكلِّ َّي َة‬ ‫(‪)3‬‬
‫َل َل ِز َم أن تكون القضية كاذبة في بعض األحوال‪ ،‬فال يمتنع الطرف المقابل‬
‫فال يحصل اليقين بالمعنى األخص‪.‬‬

‫‪ 5‬وال ينافي ذلك كون القضية ممكنة الجهة‪ ،‬فقولنا "اإلنسان موجود باإلمكان"‪ .‬قضية ضرورية الصدق؛ ألن ثبوت‪ .‬المحمول مكيّفا‪ .‬بجهة‬
‫اإلمكان ضروري للموضوع (الحظ‪ :‬نصير الدين الطوسي‪ ،‬شرح اإلشارات والتنبيهات‪ .،‬ج‪)...‬‬

‫‪4‬‬
‫"يوض ‪.‬ع المحم‪..‬ول بوض‪..‬ع‬
‫َ‬ ‫‪.‬ول للموض‪..‬وع‪ ،‬ومع‪..‬نى ذل‪..‬ك أن‬ ‫ذاتي ‪َ .‬ة المحم‪ِ .‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الموضوع‪ ،‬ويُر َفع برفعه مع قطع النظر عما عداه"‪ ،‬أي أن يك‪..‬ون مج‪..‬رد‬
‫وضع الموضوع فق‪..‬ط م‪..‬بررا تامّ‪.‬ا لثب‪..‬وت المحم‪..‬ول ل‪..‬ه ثبوت‪..‬ا ض‪..‬روريا‪،‬‬
‫ويكون رفع الموضوع مبررا تا ّم‪..‬ا النتف‪..‬اء المحم‪..‬ول بالض‪..‬رورة‪ ،‬فيك‪..‬ون‬
‫المحمول تابعا للموضوع وجودا وعدما‪ ،‬ال يثبت إال بثبوته‪ ،‬وال ينتفي إال‬
‫بانتفائه‪.‬‬
‫ووجه هذا االشتراط أنه لو لم يكن المحمول ذاتيّا للموضوع به‪..‬ذا المع‪..‬نى‬
‫ألمكن وضع الموضوع مع ارتفاع المحمول‪ ،‬وأمكن رفع الموض‪..‬وع م‪..‬ع‬
‫ثبوت المحمول‪ ،‬ول‪..‬و أمكن ذل‪..‬ك لم يحص‪..‬ل اليقين ب‪..‬المعنى األخص؛ ألن‬
‫مرجع ذلك في الحقيقة إلى عدم استحالة الط‪..‬رف المقاب‪..‬ل‪ ،‬إذ يمكن حينئ‪..‬ذ‬
‫أن يتخلف المحمول عن الموضوع في الثبوت واالنتفاء‪.‬‬
‫ويترتب على هذا الشرط نتيجتان‪:‬‬
‫النتيجة األولى‪ :‬يترتب على هذا لزوم أن يكون المحمول الذاتي مساويا لموضوعه‪.‬‬
‫فلو كان أخص كـ(المتعجب) من (الحيوان) لم يك‪.‬ف في ثب‪.‬وت المحم‪.‬ول (المتعجّ ب)‬
‫للموضوع (الحي‪..‬وان)‪ .‬مج‪..‬رد وض‪..‬ع الموض‪..‬وع‪( .‬الموض‪..‬وع)‪ .‬ب‪..‬ل ال ب‪..‬د من انض‪..‬مام‬
‫خصوصية إلى الموضوع تو ِجب ثبوت المحمول‪.‬‬
‫ول‪.‬و ك‪.‬ان أعم كالماش‪.‬ي بالنس‪.‬بة إلى اإلنس‪.‬ان ك‪.‬ان القي‪.‬د في الموض‪.‬وع (اإلنس‪.‬ان =‬
‫الحي‪..‬وان الن‪..‬اطق) كـ(الن‪..‬اطق) لغ‪..‬وا ال أث‪..‬ر ل‪..‬ه في ثب‪..‬وت المحم‪..‬ول (الماش‪..‬ي)‬
‫لـ(اإلنسان)‪ ،‬بل الالزم أن يكون الموضوع‪ .‬من دون إضافة القيد اللغوية‪ ،‬فيك‪..‬ون ه‪..‬و‬
‫(الحيوان) في المثال‪.‬‬
‫فيتضح من هذا لزوم كون المحمول مساويا للموضوع‪.‬‬
‫‪.‬ورد على م‪..‬ا ذك‪..‬ره المص‪..‬نف من ل‪..‬زوم ك‪..‬ون المحم‪..‬ول ال‪..‬ذاتي مس‪..‬اويا‬
‫ه‪..‬ذا‪ ،‬وق‪..‬د ي‪َ .‬‬
‫للموضوع أننا نجد بعض المحموالت المذكورة في العلوم أخص من موضوع العلم‪،‬‬
‫فكيف يفترض صاحب هذه المقالة كون العرض الذاتي مساويا للموضوع؟!‬
‫والجواب‪ :‬أنه لو ك‪..‬انت بعض المحم‪..‬والت أخص من موض‪..‬وع العلم ك‪..‬ان المحم‪..‬ول‬
‫وم‪..‬ا يقابل‪..‬ه في التقس‪..‬يم محم‪..‬وال ذاتي‪..‬ا واح‪..‬دا للموض‪..‬وع األعم‪ ،‬كم‪..‬ا أن كال من‬
‫المحمولين المتقابلين ذاتيٌّ لحصة خاصة من الموضوع األعم المذكور؛ ألن المأخوذ‬
‫في حد كل من المحمولين هو الحصة الخاصة بالمحمول األخص‪ ،‬والمأخوذ في ح‪..‬د‬
‫المجموع المردد من المحمولين هو الموضوع األعم بنفسه‪.‬‬
‫ويمكن تطبيق ذلك على علم الفلسفة الذي موضوعه هو الموج‪..‬ود؛ ف‪..‬العرض ال‪..‬ذاتي‬
‫لموضوعه هو المردد من الواجب والممكن‪ ،‬وهذا المردد مأخوذ في‪..‬ه الموج‪..‬ود‪) ،‬ق‪..‬د‬
‫تحذف الفقرة(‬
‫‪5‬‬
‫النتيجة الثانية‪ :‬يجب أن يؤخذ الموضوع في حد المحمول؛ ألن المحم‪..‬ول –وفق‪..‬ا لم‪..‬ا‬
‫تقدم‪ -‬ثابت لموضوعه بالضرورة‪ ،‬فالموضوع من علل وج‪..‬ود المحم‪..‬ول –ض‪..‬رور َة‬
‫أن ارتفاع الموضوع ارتفاع للمحمول‪-‬؛ فيجب أن يؤخذ الموضوع في حد المحمول‬
‫التام‪.‬‬
‫فالعرض الذاتي يجب أن يؤخذ موض‪..‬وعُه في ح‪ِّ .‬ده‪ ،‬وه‪..‬و الض‪..‬ابط في تمي‪..‬يزه‪ ،‬ف‪..‬إذا‬
‫ض للمحم‪..‬ول محم‪..‬ول ولمحم‪..‬ول المحم‪..‬ول محم‪..‬ول وجب أن يؤخ‪..‬ذ الموض‪..‬وع‬ ‫فُ‪ِ .‬‬
‫‪.‬ر َ‬
‫األول في ح ّد جميع هذه المحموالت‪ ،‬وك‪..‬انت ه‪..‬ذه المحم‪..‬والت كله‪..‬ا أعراض‪..‬ا ذاتي‪..‬ة‬
‫للموضوع األول‪ ،‬كما أن كال من ه‪..‬ذه المحم‪..‬والت ع‪..‬رض ذاتي لموض‪..‬وع القض‪..‬ية‬
‫التي كان محموال فيها‪.‬‬
‫ويجب أن يُتنب‪..‬ه إلى أن القض‪..‬ية ربم‪..‬ا انعكس‪..‬ت أو اس‪ُ .‬تعملت منعكس‪..‬ة‪ ،‬بحيث يك‪..‬ون‬
‫العرض الذاتي موضوعا والم‪..‬أخوذ في ح‪..‬د الع‪..‬رض ال‪..‬ذاتي محم‪..‬وال‪ ،‬ول‪..‬ذلك ك‪..‬ان‬
‫الالزم أن يقال بيان ضابط العرض الذاتي‪ :‬هو ما يؤخذ في ح ّده الموضوع‪ .‬أو يؤخ‪..‬ذ‬
‫المحمول في ح ّده‪ ،6‬فاألول كما في قولنا‪ :‬الموجود ينقس‪..‬م إلى واح‪..‬د وكث‪..‬ير‪ ،‬والث‪..‬اني‬
‫كما في قولنا‪ :‬الواجب موجود‪.‬‬
‫النتيجة الثالثة‪ :‬العرض ال‪..‬ذاتي يع‪..‬رض الموض‪..‬وع لذات‪..‬ه فق‪..‬ط‪ ،‬ف‪..‬المحمول ال‪..‬ذاتي ال‬
‫يعرض الموضوع بواسطة أصال سواء أَكانت مساوية أو أعم أو أخص‪.‬‬
‫والمراد بالواسطة عند المصنف ما يكون داخال في حد الموضوع من دون أن يك‪..‬ون‬
‫متحدا مع الموضوع الذي ُح ِم َل عليه المحمول‪ ،‬ف(األس‪..‬ود) يُحم‪..‬ل على (الغ‪..‬راب)‪،‬‬
‫مع أن المأخوذ في حده ه‪.‬و (ال‪.‬ريش) ال (الغ‪.‬راب)‪ .،‬فيك‪.‬ون (األس‪.‬ود) محم‪.‬وال على‬
‫(الغراب) بواسطة (الريش)‪.‬‬
‫النتيجة الرابعة‪ :‬إن تم‪..‬ايز العل‪..‬وم بتم‪..‬ايز الموض‪..‬وعات؛ إذ لك‪..‬ل موض‪..‬وع أع‪..‬راض‬
‫ذاتية في الواقع ال تثبت لموضوع آخر‪ ،‬فمع تمايز الموضوعات تتم‪..‬ايز المحم‪..‬والت‬
‫ويستجيب أن مسألة في أكثر من علم ما دام الموضوع متميزا عن غيره‪.‬‬
‫تنبي‪.‬ه‪ :‬ه‪.‬ذه ُجم‪.‬ل م‪.‬ا يرتب‪.‬ط ب‪.‬العرض ال‪.‬ذاتي‪ ،‬وينبغي االلتف‪.‬ات إلى أن ه‪.‬ذا البي‪.‬ان‬
‫يختص بالعلوم الحقيقية التي يكون المحم‪..‬ول ثابت‪..‬ا للموض‪..‬وع فيه‪..‬ا في الواق‪..‬ع ونفس‬
‫المعتبر‪ ،‬وأما العلوم االعتبارية فمحم‪..‬والت‬
‫ِ‬ ‫األمر ال بمجرد فرض الفارض واعتبار‬
‫مسائلها ال ثب‪.‬وت له‪.‬ا لموض‪.‬وعاتها في الواق‪.‬ع‪ ،‬ب‪.‬ل بمج‪.‬رد االعتب‪.‬ار والف‪.‬رض‪ ،‬فال‬
‫معنى لجريان ما تقدم وال معنى ليقينية القضايا االعتبارية‪.‬‬

‫‪ 6‬جاء في عبارة المصنف في حاشية األسفار "المحمول الذاتي هو ما يؤخذ في حده الموضوع أو يؤخذ هو في حدّه الموضوع"‪،‬‬
‫والشوق األول في كالمه واضح مما تقدم‪ ،‬وأما الشق الثاني ‪-‬أعني قوله "يؤخذ في حدّه الموضوع"‪ -‬فمراده أنه عندما يتم العكس كما‬
‫في قولنا "الواجب موجود"‪ ،‬يكون الموضوع في هذه القضية مأخوذا فيه المحمول‪ ،‬ويكون المحمول قد أُخ َِذ في ح ّد الموضوع‪ ،‬ولعل‬
‫المصنف اعتبر المحمول في القضية المنعكسة عرضا ذاتيا‪ ،‬فقال "يؤخذ هو في حدّه الموضوع"‪ .،‬والظاهر أن الهاء زائدة خطأً‪،‬‬
‫والصحيح "يؤخذ هو في ح ّد الموضوع"‪ ،‬وإال فال أجد له معنى محصّال‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫هذا حاصل ما أفاده السيد الطباطبائي في حاشية األسفار وحاشية الكفاية‪.7‬‬
‫ويمكن تسجيل المالحظات التالية‪:‬‬
‫المالحظة األولى‪:‬‬

‫قوله ص "فالعلوم جميعا تتوقف عليها في ثبوت موضوعاتها"‬


‫أقول‪ :‬هذا الكالم غريب؛ ألن جمل‪.‬ة من موض‪.‬وعات العل‪..‬وم ثابت‪.‬ة بالبداه‪.‬ة؛ فالجس‪.‬م‬
‫موجود بالبداهة‪ ،‬وال حاجة إلى البحث في الفلسفة ليثبت وجود الجسم‪ ،‬ومن ثم يصح‬
‫البحث عنه‪ ،‬وكذا الحال في غالب العلوم ‪.‬‬
‫وأما العل‪..‬وم ال‪..‬تي يك‪..‬ون العلم بثب‪..‬وت موض‪..‬وعاتها نظري‪..‬ا فال يل‪..‬زم أن تتوق‪..‬ف على‬
‫الفلسفة‪ ،‬بل قد تتوقف على علم آخر بديهي الموضوع غير الفلسفة‪.‬‬
‫فالحاصل أن كون هذه غاية من غايات الفلسفة غير واض‪..‬ح م‪..‬ا لم ُت‪..‬بيّن العل‪..‬وم ال‪..‬تي‬
‫تتوقف فعال على الفلسفة‪.‬‬

‫قوله ص "أن موض‪..‬وعها ل ّم‪..‬ا ك‪..‬ان أع ّم األش‪..‬ياء وال ثب‪..‬وت ألم‪..‬ر خ‪..‬ارج من‪..‬ه ك‪..‬انت‬
‫المحم‪..‬والت فيه‪..‬ا إم‪..‬ا نفس الموض‪..‬وع‪ ،‬كقولن‪..‬ا‪ :‬إن ك‪..‬ل موج‪..‬ود فإن‪..‬ه من حيث ه‪..‬و‬
‫موجود واحد أو بالفعل؛ فإن الواحد وإن غاير الموجود مفهوما لك ّن‪..‬ه عين‪..‬ه مص‪..‬داقا‪،‬‬
‫ولو كان غيره كان باط َل الذات غير موج‪.‬ود‪ ،‬وإم‪.‬ا ليس‪.‬ت نفس الموض‪.‬وع‪ ،‬ب‪.‬ل هي‬
‫أخص منه‪ ،‬لكنها ليست غيره‪ ،‬كقولنا‪ :‬العلة موجودة؛ فإن العلة وإن كانت أخص من‬
‫الموجود لكن العلّيّة ليست حيثية خارجة عن الموجودية العامة؛ وإال لبطلت"‪.‬‬
‫أق‪..‬ول‪ :‬وفق‪..‬ا للتص‪..‬ور‪ .‬ال‪..‬ذي طرح‪..‬ه المص‪..‬نف ال يختص ع‪..‬دم خ‪..‬روج المحم‪..‬ول عن‬
‫الموضوع لكونه حيثية من حيثيات الموضوع = ال يختص ذلك بالفلس‪..‬فة‪ ،‬ب‪..‬ل يش‪..‬مل‬
‫كل العلوم بال فرق‪.‬‬
‫وال عالق‪..‬ة ل‪..‬ذلك بعم‪..‬وم موض‪..‬وع الفلس‪..‬فة‪ ،‬ب‪..‬ل ك‪..‬ل محم‪..‬ول يتح‪..‬د م‪..‬ع الموض‪..‬وع‬
‫مصداقا‪ ،‬وال معنى للحمل من دون اتحاد مصداقي كما سيأتي بيانه إن شاء هللا‪.‬‬

‫قوله ص "في أن الوجود مشترك معنوي"‬


‫إطالق االشتراك المعنوي على شيء يكون بلحاظ وج‪..‬ود لف‪..‬ظ واح‪..‬د ل‪..‬ه اس‪..‬تعماالت‬
‫كثيرة‪ ،‬فيُقال‪ :‬هل استعمال هذا اللفظ هذه االستعماالت المتنوعة بمفهوم واحد أم بعدة‬
‫‪7‬‬
‫محمد حسين الطباطبائي‪ ،‬حاشية األسفار‪ ،‬ج‪ ١‬ص‪٣٢-٣٠‬؛ محمد حسين الطباطبائي‪ ،‬حاشية الكفاية‪ ،‬ص‪.١٢-٥‬‬

‫‪7‬‬
‫مفاهيم؟ فإن كان األول كان اللفظ مشتركا معنويا‪ ،‬وإن كان الثاني كان اللفظ مشتركا‬
‫لفظيا‪.‬‬
‫‪.‬ان مرك‪..‬وزة في‬
‫ففي مس‪..‬ألتنا يُق‪..‬ال‪ :‬ال ريب في اس‪..‬تعمال "الموج‪..‬ود" بمع‪..‬نى أو مع‪ٍ .‬‬
‫أذهاننا في م‪..‬وارد مختلف‪..‬ة‪ ،‬فه‪..‬ل يج‪..‬ري ه‪..‬ذا االس‪..‬تعمال في ه‪..‬ذه الم‪..‬وارد بعرض‪..‬ها‬
‫معان؟‬
‫ٍ‬ ‫العريض بمعنى واحد أم بعدة‬
‫القائل باالشتراك المعنوي على األول والقائل باالشتراك اللفظي على الثاني‪.‬‬
‫وتحقيق هذه المسألة ال يمكن أن يتم بالبرهان؛ ألن العالقة بين اللفظ والمعنى عالق‪..‬ة‬
‫وضعية تتبع المنقول من اللغة ومراجعة االرتكازات اللغوية‪ ،‬وال مع‪..‬نى للبرهن‪..‬ة في‬
‫هذه األمور‪ ،‬نعم‪ ،‬االرتكاز اللغوي في هذه المسألة أوضح من أن تتم المباحثة فيه‪.‬‬
‫هذا ما يقتض‪..‬يه البحث الظ‪..‬اهري عن ه‪..‬ذه المس‪..‬ألة‪ ،‬وحاص‪..‬له أن القض‪..‬ية المبح‪..‬وث‬
‫عنه‪..‬ا قض‪..‬ية لغوي‪..‬ة؛ إذ الم ‪ّ .‬دعى في ظ‪..‬اهر كالمهم ه‪..‬و "مفه‪..‬وم لف‪..‬ظ "الوج‪..‬ود" في‬
‫والح َكم فيه‪..‬ا ه‪..‬و‬
‫َ‬ ‫مختلف استعماالته واحد"‪ ،‬وترجع هذه القض‪..‬ية إلى مس‪..‬ألة لغوي‪..‬ة‪،‬‬
‫الرجوع إلى ارتكازات اللغة الناشئ من استقرائها‪.‬‬
‫ولكن ال ريب أن بحث الفالسفة ليس لفظي‪..‬ا‪ ،‬ب‪..‬ل بحثهم في ل ّب‪..‬ه يرج‪..‬ع إلى أم‪..‬ر الزم‬
‫لظ‪..‬اهر الم ‪ّ .‬دعى الس‪..‬ابق‪ ،‬وه‪..‬و "الح‪..‬اكي عن واقعي‪..‬ة األش‪..‬ياء مفه‪..‬وم واح‪..‬د ال ع‪..‬دة‬
‫مف‪..‬اهيم"؛ إذ ال ريب أن في ذهنن‪..‬ا م‪..‬ا يحكي عن تحق‪..‬ق األش‪..‬ياء وثبوته‪..‬ا‪ ،‬فه‪..‬ل ه‪..‬ذا‬
‫الحاكي مفهوم واحد أم عدة مفاهيم؟‬
‫والح‪..‬ق أن ه‪..‬ذه القض‪..‬ية تحليلي‪..‬ة محموله‪..‬ا م‪..‬أخوذ في موض‪..‬وعها؛ إذ ينح ‪ّ .‬ل قولن‪..‬ا‬
‫"الحاكي عن واقعية األشياء" إلى جهتين‪ :‬األولى "المفهوم المع‪..‬بر عن جه‪..‬ة واح‪..‬دة"‬
‫الثاني‪..‬ة هي تقيي‪..‬د ه‪..‬ذه الجه‪..‬ة بكونه‪..‬ا "واقعي‪..‬ة األش‪..‬ياء وثبوته‪..‬ا"‪ ،‬ول ّم‪..‬ا ك‪..‬ان مع‪..‬نى‬
‫"المفهوم المعبّر عن جهة واحدة" المأخوذ في موضوع القضية السابقة هو "المفه‪..‬وم‬
‫الواحد" ‪-‬إذ ال معنى للمفهوم الواحد إال التعب‪..‬ير عن جه‪..‬ة واح‪..‬دة‪ = -‬ك‪..‬ان المحم‪..‬ول‬
‫"مفهوم واحد" متضمنا في قولنا "الحاكي عن واقعية األشياء"‪ ،‬ومرجع هذا إلى كون‬
‫قضية "الحاكي عن واقعية األشياء مفهوم واحد" قضية تحليلية‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أن هذه القضية ال تقبل االستدالل‪ ،‬كما أن التعبير عنها بالبداهة غ‪..‬ير‬
‫دقيق‪8‬؛ ألنها ليست قضية إال بحسب الشكل!!‪ .‬فال معنى لقولهم بأن المسألة قريب‪..‬ة من‬
‫األوليات!!‬
‫والحاصل من هذا البيان‪:‬‬

‫‪ 8‬ال مشاحة في التعبير عن القضايا التحليلية بالبدهية أو األولية‪ ،‬ولكنني ال أرجح ذلك لالختالف في طبيعة اليقينيات‪ .‬التركيبية اليقينيات‬
‫التحليلية‪.‬‬
‫وينبغي‪ .‬االلتفات إلى أن إرجاع األوليات إلى القضايا التحليلية من قبيل السفسطة كما بيّن ُته في الحواشي على كشف المراد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أوال‪ :‬إن المسألة بحسب ظاهرها مسألة لغوية يختص طريق التحقي‪..‬ق فيه‪..‬ا بمراجع‪..‬ة‬
‫التبادر واالرتكازات اللغوي‪..‬ة‪ ،‬إال أن ه‪..‬ذه المس‪..‬ألة ترج‪..‬ع في لبّه‪..‬ا إلى الزم له‪..‬ا ه‪..‬و‬
‫محل الكالم‪ ،‬وال ريب في أن الفالسفة غير ناظرين إلى المسألة اللغوية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الزم ظاهر الم ّدعى هو قضية تحليلية ال تقبل االستدالل‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬يُع َلم مما تق‪..‬دم أن االش‪..‬تراك المعن‪..‬وي من ع‪..‬وارض اللف‪..‬ظ ال المفه‪..‬وم؛ وإال لم‬
‫محص‪.‬ل‬
‫ّ‬ ‫يُع َقل البحث عنه؛ ألنه إن ك‪..‬ان من ع‪..‬وارض المفه‪..‬وم لم يكن ل‪..‬ه أي مع‪..‬نى‬
‫سوى كلّية المفهوم‪ ،‬فال معنى للبحث عنه بحثا مغايرا عن البحث عن ُكلّية المفهوم‪.‬‬
‫وبه‪..‬ذا يتض‪..‬ح أن إس‪..‬ناد االش‪..‬تراك المعن‪..‬وي الى المفه‪..‬وم كم‪..‬ا يج‪..‬ري في عب‪..‬ارات‬
‫بعضهم ليس صحيحا‪ ،‬ويتضح أن ما ذكره بعض المحققين من دع‪..‬وى أن االش‪..‬تراك‬
‫اللفظي واالشتراك المعنوي المبحوث عنهما في الفلسفة يختلفان عن المبحوث عنهما‬
‫في المنط‪..‬ق = مم‪..‬ا ال وج‪..‬ه ل‪..‬ه‪ ،‬ب‪..‬ل ه‪..‬و تكلّ‪..‬ف ال حاج‪..‬ة إلي‪..‬ه‪ ،‬وال يس‪..‬تقيم البحث‬
‫بلحاظه‪.9‬‬

‫قوله ص "الوجود هو األصيل دون الماهية‪ ،‬أي أنه ه‪..‬و الحقيق‪..‬ة العيني‪..‬ة ال‪..‬تي ُن ِثب ُته‪..‬ا‬
‫بالضرورة"‬
‫أقول‪ :‬جاء في األسفار عند التص‪..‬دي إلثب‪..‬ات أص‪..‬الة الوج‪..‬ود فص‪ٌ .‬ل ب‪..‬العنوان الت‪..‬الي‬
‫"فص ٌل في أن للوجود حقيق‪..‬ة عيني‪..‬ة"‪ ،‬ومن هن‪..‬ا يُالح‪..‬ظ اختالف التعب‪..‬ير‪ ،‬فالمص‪..‬نف‬
‫يعتبر الوجود حقيقة عينية وصدر الدين الش‪..‬يرازي يعت‪..‬بر أن للوج‪..‬ود حقيق‪..‬ة عيني‪..‬ة‪،‬‬
‫فهل وراء ذلك نكتة؟ لعل ذلك لما سيأتي في الحاشية اآلتية‪.‬‬

‫قوله ص "إنا بعد حسم أصل الشك ‪...‬إلخ"‬


‫أقول‪ :‬حاصل ما أفاده المصنف في التالي‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬إن لما ندركه واقعا وراءه‪ ،‬وليس مجرد وهم‪.‬‬
‫‪.‬دركات مختلف‪..‬ة‪،‬‬
‫‪.‬دركات نج‪..‬د أن ال ُم‪َ .‬‬
‫النقط‪..‬ة الثاني‪..‬ة‪ :‬في ظ‪..‬رف إثباتن‪..‬ا لواقعي‪..‬ة ال ُم‪َ .‬‬
‫فتتحصل لدينا حيثيّتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬حيثية خصوصية الشيء‪ ،‬وهي ما ُنسمّيها بالماهية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حيثية ثبوت الشيء ونح ُّققُه‪ ،‬وهي ما نعبّر عنه بالوجود‪.‬‬
‫وهاتان الحيثيّتان مختلفتان على مستوى اإلدراك الذهني‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫الحظ ما ذكره المحقق الشيخ غالم رضا الفياضي في تعليقته على نهاية الحكمة ج‪ 1‬ص‪.36‬‬

‫‪9‬‬
‫ُدرك الذي ُت ْنتزع منه هاتان الحيثيّتان واح‪..‬د‪ ،‬فليس في ال‪..‬بين‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬الواقع الم َ‬
‫حيثيّتان منفصلتان عن في الخارج تنضم إحداهما إلى األخرى‪.‬‬
‫إن تمت هذه النقاط الثالث يصح طرح السؤال التالي‪:‬‬
‫‪.‬دركات تك‪..‬ون ب‪..‬إزاء حيثي‪..‬ة الماهي‪..‬ة أم تك‪..‬ون‬
‫هل الواقعية والتحقق الذي أثبتناه‪..‬ا لل ُم‪َ .‬‬
‫بإزاء حيثية الوجود كل من هاتين الحيثيّتيْن؟‬
‫ومعنى كون الواقعية بإزاء شيء هو كون هذا الشيء متحقق‪..‬ا بال أي تج‪..‬وّ ز وبال أي‬
‫واسطة في العروض‪ ،‬وهذا معنى األصالة‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬إن انتفت األصالة عن إحدى ه‪..‬اتيْن الحيثي‪..‬تين فمع‪..‬نى ذل‪..‬ك أن ه‪..‬ذه‬
‫الحقيقي‪..‬ة غ‪..‬ير متحقق‪..‬ة إال بن‪..‬وع من التج‪..‬وّ ز والوس‪..‬اطة في الع‪..‬روض‪ ،‬وه‪..‬ذا مع‪..‬نى‬
‫االعتبارية‪.‬‬
‫فمن يقول بأصالة الوج‪..‬ود واعتباري‪..‬ة الماهي‪..‬ة ي‪..‬رى أن الوج‪..‬ود متحق‪..‬ق في الخ‪..‬ارج‬
‫حقيقة‪ ،‬وانتساب التحقق للماهية مجاز غير حقيقة‪ ،‬فالكتاب غير موج‪..‬ود في الخ‪..‬ارج‬
‫بل الموجود وجود يصحح انتساب الموجودية والتحقق إلى الماهية مجازا‪.‬‬
‫ومن يقول بأصالة الماهية واعتبارية الوجود يرى أن المتحقق في الخارج حقيقة ه‪..‬و‬
‫الماهية‪ ،‬وأما وجود الماهية فهو غير متحق‪..‬ق‪ ،‬وإن ُن ِس‪.‬ب التحق‪..‬ق إلي‪..‬ه ك‪..‬انت النس‪..‬بة‬
‫مجازية غير حقيقية‪ ،‬وذلك ألن الوجود وفقا لهذا التصور ليس إال مفهوما معبّرا عن‬
‫الواقعية‪ ،‬وليس له مصداق خارجي حقيقي إال إذا أريد به الماهية الخارجية‪ ،‬وحينئ‪..‬ذ‬
‫يكون االستعمال مجازيا‪.‬‬
‫ومن يقول بأصالتهما معا يرى أن في الخارج واقعيتان تنضم إحداهما إلى األخ‪..‬رى‪،‬‬
‫وكل منهما متحققة حقيقة بال أي مجازية أو واسطة في الع‪..‬روض‪ ،‬فالكت‪..‬اب موج‪..‬ود‬
‫حقيقة ووجود الكتاب موجود حقيقة‪.‬‬
‫وبه‪..‬ذا يتم تص‪..‬وّ ر المطلب على م‪..‬ا أف‪..‬اده المص‪..‬نف‪ ،‬وأم‪..‬ا االحتج‪..‬اج على الق‪..‬ول‬
‫الصحيح فحاصل ما أفاده المصنف هو التالي‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬إن الشيء ينال الواقعية والثب‪..‬وت باتص‪..‬افه ب‪..‬الوجود وبحم‪..‬ل الوج‪..‬ود‬
‫علي‪..‬ه‪ ،‬وأم‪..‬ا الماهي‪..‬ة فهي ال تتص‪..‬ف ب‪..‬ذاتها بالواقعي‪..‬ة‪ ،‬ب‪..‬ل تتب‪..‬ع في ذل‪..‬ك اتص‪..‬افها‬
‫ِب عنه‪..‬ا الوج‪..‬ود بطلت وخ‪..‬رجت‬ ‫بالوجود‪ ،‬فإن اتصفت بالوجود كان واقعية وإن ُسل َ‬
‫عن الواقعية‪.‬‬
‫وحاصل هذه النقطة أن الوجود هو مناط الواقعية‪.‬‬
‫والظاهر أن المصنف‪ .‬يرى بداهة هذه النقطة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬مناط الواقعية هو األصيل؛ إذ لم ُن ِرد باألصيل إال ما له الواقعية لذات‪..‬ه‬
‫ال لعروض شيء عليه‪ ،‬وال ريب أن من‪..‬اط الواقعي‪..‬ة ه‪..‬و مع‪..‬روض الواقعي‪..‬ة بال‪..‬ذات‬
‫ومن دون أي واسطة‪.‬‬
‫وهذا بدهي أيضا‪.‬‬
‫والنتيجة هي أن الوجود هو األصيل ‪.‬‬
‫هذا حاصل ما أفاده المصنف‪ ،‬والكالم عليه من جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى في صحة تصوير المطلب الذي ذكره المص ّنف‪.‬‬
‫ينبغي االلتفات إلى أنه ال معنى للواقعية إال ما نفهم‪..‬ه من التعب‪..‬ير ب‪..‬الوجود والثب‪..‬وت‬
‫والتحقق‪ ،‬فه‪..‬ذه التع‪..‬ابير تش‪..‬ير إلى مفه‪..‬وم واح‪..‬د وحيثي‪..‬ة واح‪..‬دة‪ ،‬ومن هن‪..‬ا فال نك‪..‬اد‬
‫نتصوّ ر معنى قول المصنف "فالوجود هو الذي يُحاذي واقعية األشياء"؛ إذ هو مساو‬
‫لقولنا "فالواقعية هي التي ُتحاذي واقعية األشياء‪ ،‬فهل تجد لذلك معنى م َُحصّال؟!‬
‫ومن هنا ينبغي أن ُي َتأمّل أكثر في تص‪..‬ور المطلب؛ إذ المس‪..‬تفاد من كلم‪..‬ات الق‪..‬وم أن‬
‫المراد باألصيل هو ما يعرضه التحق‪.‬ق والثب‪.‬وت والخارجي‪.‬ة والواقعي‪.‬ة –وم‪.‬ا ش‪.‬ئت‬
‫فعبّر‪ -‬بال أي واسطة في العروض ومن دون أي مجازية ب‪.‬النظر ال‪.‬دقيق الفلس‪.‬في‪،10‬‬
‫ُدركات أيُّ ش‪..‬يء ال‪..‬ذي حكم علي‪..‬ه العق‪..‬ل بالواقعي‪..‬ة؟‬ ‫فيُقال‪ :‬بعد الفراغ عن واقعيّة الم َ‬
‫أَهو الماهية التي يتل ّقاها الذهن أم أنه شيء آخر ال يتل ّق‪..‬اه ال‪..‬ذهن ولكن ي ُِثب ُت‪ُ .‬ه البره‪..‬ان‬
‫(وهو ما يُسمّيه القوم بالوجود)؟‬
‫فالوجود الذي ُي ّدعى أصالته ليس هو المحم‪..‬ول الواق‪.‬ع في الهلي‪.‬ة البس‪..‬يطة ليُق‪.‬ال‪ :‬إن‬
‫الذهن ينتزع من الخارج حيثيّتين حيثي‪..‬ة الماهي‪..‬ة وحيثي‪..‬ة الوج‪..‬ود‪ ،‬فم‪..‬ا ه‪..‬و األص‪..‬يل‬
‫منهما؟‬
‫فهذه الصياغة غير صحيحة؛ ألن حيثية الوجود التي يتل ّقاها ال‪..‬ذهن عن الخ‪..‬ارج هي‬
‫المحمول الذي إن ُح ِم َل على شيء بال أي واسطة في العروض ك‪..‬ان أص‪..‬يال‪ ،‬فكي‪..‬ف‬
‫تكون هذه الحيثية أصيلة؟!‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬األصيل موضو ُع قض‪..‬ي ٍة حملي‪ٍ .‬ة يك‪..‬ون محمولُه‪..‬ا بال أي واس‪..‬طة في‬
‫الع‪..‬روض ه‪..‬و تل‪..‬ك الحيثي ‪َ .‬ة ال‪..‬تي انتزعه‪..‬ا العق ‪ُ .‬ل بإدراك‪..‬ه للخ‪..‬ارج‪ ،‬فاألص‪..‬يل ه‪..‬و‬
‫ً‬
‫حقيقة ال مجازا‪.‬‬ ‫موضوع الهلية البسيطة‬
‫فالنزاع ترجع حقيقته إلى تحديد موضوع الهلية البسيطة الحقيقي‪ ،‬أه‪..‬و الماهي‪..‬ة ال‪..‬تي‬
‫ندركها أم هو شيء آخر ال يتل ّقاه الذهن و ُنسمّيه بالوجود؟‬

‫‪10‬‬
‫الحظ‪ :‬هادي السبزواري‪ ،‬التعليقة على األسفار‪ ،‬ج‪ 1‬ص ؛ محمد تقي المصباح اليزدي‪ ،‬التعليقة على نهاية الحكمة‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪11‬‬
‫هذه هي حقيقة النزاع‪ ،‬ويترتب عليه أن الوجود ال‪..‬ذي ُت‪ّ .‬دعى أص‪..‬الته مش‪..‬ترك لفظي‬
‫مع الوجود الذي ينتزعه الذهن‪ ،‬وتسميته بالوجود اصطالح‪ ،‬ووجه المناسبة في ذلك‬
‫أن هذه الحقيق‪..‬ة ال‪..‬تي ال يتل ّقاه‪..‬ا ال‪..‬ذهن هي منش‪..‬أ ان‪..‬تزاع الوج‪..‬ود كم‪..‬ا دل على ذل‪..‬ك‬
‫البرهان من وجهة نظر القائلين بأصالة الوجود‪.‬‬
‫هكذا ينبغي تصوير البحث ال كما أفاده المص ّنف‪ ،‬ومن هنا تعرف دق‪..‬ة تعب‪..‬ير ص‪..‬در‬
‫الدين الشيرازي عندما قال "فص ٌل في أن للوجود حقيق‪ً .‬‬
‫‪.‬ة عيني‪..‬ة" ال أن الوج‪..‬ود نفس‪..‬ه‬
‫حقيقة عينية كما عبّر المص ّنف‪ ،‬فم‪..‬راد ص‪..‬در ال‪..‬دين أن لمفه‪..‬وم الوج‪..‬ود االعتب‪..‬اري‬
‫حقيقة عينية بإزائه ليست هي الماهية المعقولة‪ ،‬وبهذا تعرف جواب السؤال المذكور‬
‫في الحاشية السابقة‪.‬‬
‫الجهة الثانية في صحة االستدالل الذي ذكره المص ّنف‪.:‬‬
‫االستدالل الذي ذك‪..‬ره المص‪.‬نف غ‪.‬ير ص‪.‬حيح‪ ،‬وال ب‪.‬أس باإلتي‪.‬ان بعبارت‪.‬ه والتعلي‪.‬ق‬
‫عليها‪:‬‬
‫قال "وإذ كان كل شيء ينال الواقعية إذا ُح ِم َل عليه الوجود واتصف به‪ ،‬فالوجود هو‬
‫الذي يُحاذي واقعية األشياء‪.‬‬
‫وأما الماهية فإذ كانت مع االتصاف بالوجود َ‬
‫ذات واقعيّة ومع سلبه باطلة الذات فهي‬
‫في ذاتها غير أصيلة‪ ،‬وإنما تتأصّل بعروض الوجود‪.‬‬
‫فقد تحصّل أن الوجود أصيل والماهية اعتبارية"‪.‬‬
‫ويُالحظ عليه التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن قوله "وإذ كان كل شيء ينال الواقعية إذا ُح ِم َل علي‪..‬ه الوج‪..‬ود وا ّتص‪..‬ف ب‪..‬ه"‬
‫يحتمل معنيين‪:‬‬
‫المعنى األول‪ :‬أن حمل الوجود على الماهية وا ّتصافها به هو واس‪..‬طة ثب‪..‬وت في ني‪..‬ل‬
‫الماهية للواقعية‪ ،‬فهذا إقرار بأصالة الماهية؛ إذ الوجود حينئذ علة خارجية ال ّتص‪..‬اف‬
‫حقيقة وبال واسطة في العروض‪ ،‬وهذا المعنى غير مراد للمص ‪ّ .‬نف‬ ‫ً‬ ‫الماهية بالواقعية‬
‫قطعا‪.‬‬
‫المعنى الثاني‪ :‬أن حمل الوجود على الماهية وا ّتصافها ب‪..‬ه ه‪..‬و واس‪..‬طة في ع‪..‬روض‬
‫الواقعي‪..‬ة على الماهي‪..‬ة‪ ،‬فالمتص‪..‬ف بالواقعي‪..‬ة أوال وبال‪..‬ذات ه‪..‬و الوج‪..‬ود‪ ،‬والماهي‪..‬ة‬
‫تتصف بالواقعية ثانيا وبال َع َرض‪ ،‬والظاهر أن هذا المراد‪.‬‬
‫وال يخفى أ ّنه مما ال محصّل له!‬
‫ألن‪..‬ه إن أراد ب‪..‬الوجود ال‪..‬ذي يُح َم‪..‬ل على الماهي‪..‬ة حقيق‪..‬ة الوج‪..‬ود فال ريب أن حقيق‪..‬ة‬
‫الوجود ال ُتح َمل على شيء‪ ،‬ولو أمكن تصوّ ر الحمل فالمقدمة ال بيّنة وال مُبيّنة‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫وإن أراد أنه الوجود المحمولي االعتباري فالمسألة ال معنى له‪..‬ا؛ ألن مرج‪..‬ع كالم‪..‬ه‬
‫حينئذ إلى أن الماهية ال تتصف بأنها موجودة إال إذا اتصفت بأنها موجودة!! ويتضح‬
‫ذلك إذا استبدلت الواقعية في عبارته بالوجود والتحقق‪ ،‬فتصير كالتالي "وإذ كان كل‬
‫شيء ينال الوجود والتحقق إذا ُح ِم َل علي‪..‬ه الوج‪.‬ود والتحق‪.‬ق وا ّتص‪..‬ف بهم‪..‬ا"!! وه‪.‬ذا‬
‫مما ال معنى للبحث عنه إال إذا كان الم‪.‬راد أن الماهي‪.‬ة يس‪..‬تحيل أن تتص‪.‬ف ب‪..‬التحقق‬
‫حقيقة بال مجاز‪ ،‬وسيأتي الكالم ذلك إن شاء هللا‪.‬‬‫ً‬ ‫والثبوت‬
‫ولو سلّمنا أن الماهية ال تتصف بأنها موجودة إال إذا اتصفت بأنها موجودة فال أدري‬
‫ما هي المالزمة بين ذلك وبين إثبات حقيقة أصيلة هي الوجود؟!!‬
‫ثانيا‪ :‬الوجود في قوله "فالوجود هو ال‪..‬ذي يُح‪..‬اذي واقعي‪..‬ة األش‪..‬ياء" إم‪..‬ا أن يري‪..‬د ب‪..‬ه‬
‫ت بدليل عليه‪ ،‬وإما أن يريد به الوجود المحم‪..‬ولي فه‪..‬و‬ ‫الوجود الحقيقي فهو مما لم يأ ِ‬
‫خروج عن محل النزاع ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قوله "وأما الماهية فإذ ك‪..‬انت م‪..‬ع االتص‪..‬اف ب‪..‬الوجود َ‬
‫ذات واقع ّي‪..‬ة وم‪..‬ع س‪..‬لبه‬
‫باطل‪..‬ة ال‪..‬ذات فهي في ذاته‪..‬ا غ‪..‬ير أص‪..‬يلة" غ‪..‬ير دقي‪..‬ق؛ فالماهي‪..‬ة من حيث هي ال‬
‫موجودة وال معدومة بمعنى أنها في رتبة ذاته‪..‬ا لم يؤخ‪..‬ذ فيه‪..‬ا ال الوج‪..‬ود وال الع‪..‬دم‪،‬‬
‫والماهية أيضا مستوية النسبة للوجود والعدم‪ ،‬ومعنى ذلك أن‪.‬ه ال ب‪..‬د له‪..‬ا من واس‪.‬طة‬
‫في الثب‪..‬وت التص‪..‬افها ب‪..‬الوجود أو الع‪..‬دم‪ ،‬فهي توج‪..‬د إن وُ ِج ‪ .‬دَت علّ ُته‪..‬ا‪ ،‬و ُتع‪..‬دم إن‬
‫ُع ِد َمت علّتها‪ ،‬ومجرّ د كونها كذلك ال يعنى بح‪..‬ال من األح‪..‬وال أن اتص‪..‬افها ب‪..‬الوجود‬
‫أو العدم محتاج إلى واسطة في العروض كما يُفهم من المصنف ‪.‬‬
‫بل إن كونها مستوية النسبة إلى الوجود والعدم يس‪..‬تلزم أص‪..‬التها! وذل‪..‬ك ألنه‪..‬ا ل‪..‬و لم‬
‫تكن أص‪.‬يلة الس‪.‬تحال اتص‪.‬افها ب‪.‬الوجود‪ ،‬فتك‪.‬ون معدوم‪.‬ة بالض‪.‬رورة‪ ،‬وال توص‪.‬ف‬
‫بالوجود إال بتجوّ ز وواسطة في العروض‪ ،‬فكيف تكون مستوية؟!‬
‫نعم‪ ،‬يمكن للقائل بأصالة الوجود أن ينفي استواء نس‪.‬بة الماهي‪.‬ة إلى الوج‪.‬ود والع‪..‬دم‪،‬‬
‫ويدعي بصراحة أن الماهي‪..‬ة مس‪..‬تحيلة الوج‪..‬ود فيُط‪..‬الب بال‪..‬دليل على ذل‪..‬ك‪ ،‬وأ ّنى ل‪..‬ه‬
‫ذلك؟!‬
‫وبهذا يتضح أن الص‪..‬حيح أن الماهي‪..‬ة المس‪..‬توية النس‪..‬بة للوج‪..‬ود والع‪..‬دم ذات واقعي‪..‬ة‬
‫بوجود فاعل لها ال باتصافها بالوجود كما عبر المصنف ‪.‬‬
‫ويتضح أيضا سقوط ما ذكره المصنف في بداية الحكم‪..‬ة "أن الماهي‪..‬ة من حيث هي‬
‫ليس‪..‬ت إال هي‪ ،‬متس‪..‬اوية النس‪..‬بة إلى الوج‪..‬ود والع‪..‬دم‪ ،‬فل‪..‬و لم يكن خروجه‪..‬ا من ح‪..‬د‬
‫االستواء إلى مستوى الوجود بحيث تترتب عليها اآلث‪..‬ار بواس‪..‬طة الوج‪..‬ود ك‪..‬ان ذل‪..‬ك‬
‫منها انقالبا‪ ،‬وهو محال بالضرورة‪ .،‬فالوجود هو المخرج لها عن حد االستواء‪ ،‬فه‪..‬و‬
‫األصيل"‪11‬؛ فإن قوله "بواسطة الوجود" إن أراد ب‪..‬ه الواس‪..‬طة في الثب‪..‬وت فه‪..‬و ق‪..‬ول‬
‫‪11‬‬
‫محمد حسين الطباطبائي‪ ،‬بداية الحكمة‪ ،‬ص‪.15‬ةة‬

‫‪13‬‬
‫بأصالة الماهية‪ ،‬وإن أراد به الواسطة في العروض فال مالزمة‪ 12‬بين استواء النس‪.‬بة‬
‫للوجود والعدم وبين توقف اتصاف الماهية بالواقعية على الواسطة في العروض‪ ،‬بل‬
‫إن استواءها دلي‪..‬ل على نفي الواس‪..‬طة في الع‪..‬روض‪ ،‬فيك‪..‬ون ذل‪..‬ك دليال على أص‪..‬الة‬
‫الماهية ال العكس!‬
‫خامسا‪ :‬قوله "ومع سلبه باطل‪..‬ة ال‪..‬ذات فهي في ذاته‪..‬ا غ‪..‬ير أص‪..‬يلة" ال ي َُس‪.‬لّمه القائ‪..‬ل‬
‫بأصالة الماهية ليُح َت ّج به عليه‪ ،‬فهو ال يُسلّم أن الماهية باطلة بسلب الوجود عنها ب‪..‬ل‬
‫هي عند عدم علّتها معدومة‪ ،‬معنى معدوميّتها أنها مسلوبة عن الواق‪..‬ع ال أن الوج‪..‬ود‬
‫مسلوب عنها فتصير معدومة‪ ،‬فمعنى موجودي ّة الماهية عن‪..‬د القائ‪..‬ل بأص‪..‬الة الماهي‪..‬ة‬
‫هو ثبوتها في الخارج ال ثبوت الوجود لها‪ ،‬ومع‪..‬نى مع‪..‬دوميّتها عن‪..‬ده ه‪..‬و س‪..‬لبها عن‬
‫الخ‪..‬ارج ال س‪..‬لب الوج‪..‬ود عنه‪..‬ا‪ ،‬ف‪..‬افتراض أن الماهي‪..‬ة تبط‪..‬ل بس‪..‬لب الوج‪..‬ود عنه‪..‬ا‬
‫مصادرة على المطلوب‪.‬‬
‫تأمل في تحقيق المسألة‬
‫نرى أن القول بأصالة الماهية بدهي ال مجال للبحث فيه والبرهنة علي‪..‬ه‪ ،‬ولكن يمكن‬
‫تسجيل بعض التنبيهات عليه من خالل إلزام القائل بأصالة الوج‪..‬ود بل‪..‬وازم فاس‪..‬دة ال‬
‫مجال لاللتزام بها‪ ،‬وقبل بيان اإللزامات نبدأ ببي‪.‬ان أص‪.‬الة الماهي‪.‬ة بيان‪.‬ا يُ‪.‬رجى من‪.‬ه‬
‫رفع المغالطات حولها‪ ،‬ويتحقق بتمهيد مقدمتين‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬في التنبيه على معنى الوجود والعدم البديهيان‪ ،‬وذلك في نقاط‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬يمارس اإلنسان أسلوبين في اإلدراك والمعرفة‪:‬‬
‫األسلوب األول‪ :‬اإلدراك المباشر‪ ،‬وهو اإلدراك المبتني على االلتق‪.‬اء ب‪.‬الواقع نفس‪.‬ه‪،‬‬
‫وم‪..‬ورده ه‪..‬و الحس الب‪..‬اطن والحس الظ‪..‬اهر‪ ،‬فاإلنس‪..‬ان ُي‪..‬درك م‪..‬ا في نفس‪..‬ه ب‪..‬الحس‬
‫الباطن‪ ،‬ويدرك الخارج من خالل الحواس الخمس‪.‬‬
‫األس لوب الث اني‪ :‬اإلدراك غير المباش‪..‬ر‪ ،‬وه‪..‬و اإلدراك الحاص‪..‬ل من خالل ال‪..‬ذهن‪،‬‬
‫وصور أخرى ق‪..‬د يق‪..‬ع ن‪..‬زاع‬
‫ٍ‬ ‫ويتم ذلك من خالل ص َُو ٍر مأخوذة من اإلدراك المباشر‬
‫في كيفية حصول الذهن عليها‪ ،13‬وليس تحقيق ذلك محال لنظرنا اآلن‪.‬‬

‫‪ 12‬قد يتوهم البعض وجود مالزمة بين استواء نسبة الماهية إلى الوجود والعدم وبين لزوم الوساطة للعروض بأنه ال مصحح لحمل‬
‫شيء على الماهية ال يكون مأخوذا فيها‪ ،‬فال يصح حمل األبيض على السطح إال بعد ثبوت ما هو أولى باألبيضية من السطح‪ ،‬وهو‬
‫البياض نفسه‪ ،‬فالبياض أولى من السطح بأن يكون أبيض‪ ،‬فهو األبيض بالذات والسطح أبيض بالعَ رَ ض‪ ،‬وكذلك األمر في الوجود‪.‬‬
‫ومرجع هذه الدعوى إلى أن كل محمول عرضي ال يحمل على ذات إال بواسطة في العروض‪ ،‬فاألبيض ال يعرض على السطح إال‬
‫بعد عروضه للبياض‪ ،‬والموجود ال يعرض الذات إال بعد عروضه للوجود‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ويُفهم هذا من استدالل المصنف في بداية الحكمة عندما افترض أن عروض الوجود على الماهية بال واسطة في العروض يلزم منه‬
‫االنقالب‪ ،‬وكأ ّن ه يفترض أن عروض الوجود على الماهية بال واسطة في العروض خالف فرض استوائها‪ .‬وعدم أخذ الوجود والعدم‬
‫فيها‪ ،‬فلو عرض الوجود على الماهية بال واسطة فالعروض لزم أخذ الوجود في الماهية‪ ،‬وهذا انقالب‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫‪ 13‬هذه الصور األخرى هي المعقوالت الثانية الفلسفية كالوحدة والكثرة والعلّيّة والمعلوليّة وغير ذلك‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ويختلف األسلوبان في التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬يختص األس‪...‬لوب األول ب‪...‬األمور المتحقق‪...‬ة في الخ‪...‬ارج ويس‪...‬تحيل تعلّق‪...‬ه‬
‫بالمعدومات واالعتباريات‪ ،‬وهذا بخالف األسلوب الثاني؛ فإنه ال يختص‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ال يقبل األسلوب األول الصواب والخطأ بخالف الثاني؛ ألن الصواب والخط‪..‬أ‬
‫يتو ّقفان على ثبوت إدراك له نسبة إلى الواقع‪ ،‬فإن ك‪..‬ان ه‪..‬ذا اإلدراك واج‪..‬دا للت‪..‬برير‬
‫المنطقي‪ 14‬فه‪...‬و ص‪...‬واب‪ ،‬وإن ك‪...‬ان فاق‪...‬دا للت‪...‬برير المنطقي فه‪...‬و خط‪...‬أ‪ ،‬وه‪...‬ذه‬
‫الخصوصية ال تعقل إال في األسلوب الثاني‪.‬‬
‫أما عدم معقوليّتها في األسلوب األول فألن األس‪..‬لوب األول ليس إال إدراك الواق‪..‬ع ال‬
‫إدراك شيء له نسبة إلى الواقع‪.‬‬
‫وأما معقوليّتها في األسلوب الثاني فألن الصور ليست نفس الواقع بل شيء ل‪..‬ه نس‪..‬بة‬
‫إلى الواقع‪ ،‬فإن كانت الصورة‪ .‬واجدة للتبرير المنطقي فهي صواب‪ ،‬وإال فهي خطأ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬األسلوب األول في اإلدراك أسلوب أُح‪..‬ادي‪ ،‬ويك‪..‬ون باالرتب‪..‬اط ب‪..‬الواقع نفس‪..‬ه‪،‬‬
‫فليس فيه إثبات وال نفي‪ ،‬بل ليس فيه إال االتصال بالواقع‪ ،‬وأما األسلوب الثاني فه‪..‬و‬
‫أسلوب ثنائي‪ ،‬فهو ق‪.‬ائم على اإلثب‪..‬ات والنفي‪ ،‬فه‪..‬و يبت‪..‬ني على لح‪..‬اظ ص‪..‬ورة ذهني‪..‬ة‬
‫يُح َكم عليها بصورة ذهنية أخرى‪ ،‬وال يمكن أن يحص‪..‬ل أي إدراك من خالل ص‪..‬ورة‬
‫ذهنية واحدة‪ ،‬بل ال بد من صورتين‪ ،‬فهو أسلوب ثنائي‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ال يجري التفكير والتأمل في األسلوب األول‪ ،‬ويختص باألسلوب الثاني‪ ،‬وهو‬
‫واضح‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ال يمكن نقل األس‪..‬لوب األول إلى ش‪..‬خص آخ‪..‬ر إال ب‪..‬التعبير عن‪..‬ه باألس‪..‬لوب‬
‫الثاني‪ ،‬وبعد ذلك يمكن نقله من خالل اللغة‪.‬‬
‫وقد يتمكن المتأمل من لحاظ فوارق أخرى‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬يتقوّ م األسلوب الثاني كما تق ّدم بالربط بين الص‪..‬ور الذهني‪..‬ة‪ ،‬ويُالح‪..‬ظ‬
‫فيه أنه ليس ألي صورة ُتلحظ بال‪..‬ذهن أي حكاي‪.‬ة عن الخ‪..‬ارج‪ ،‬فعن‪..‬دما تق‪..‬ول "زي‪..‬د"‬
‫"كتاب" "وجود" "خير" و‪ ...‬كمفاهيم مستقلة من دون ربط بينها وبين مفهوم آخر ال‬
‫يكون في البين أي حكاية عن الواقع‪.‬‬
‫وهذا من الوضوح بمكان‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬هناك مفهومان رئيسان تتقوّ م بهما الحكاية في األسلوب الثاني‪ ،‬وهم‪..‬ا‬
‫مفهوما "الثبوت" و"النفي"‪ ،‬وذلك من خالل طريقتين‪:‬‬

‫‪ 14‬لم أعبّر بالمطابقة وعدمها ألن هذا التعبير سبّب مشكالت‪ .‬علمية‪ ،‬وأرجو أن أوفق لبيانها الحقا بإذن هللا تعالى‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬أن يقع أحد هذين المفهومين محم‪..‬وال في القض‪..‬ية الحملي‪..‬ة‪ ،‬كم‪..‬ا في‬
‫قولنا "زيد ثابت (= موجود = واقع = متحق‪..‬ق)"‪ ،‬وقولن‪..‬ا "زي‪..‬د منفي (= مع‪..‬دوم)"‪،‬‬
‫فهنا نجد حكاية في هذا التركيب‪ ،‬والمستفاد منه "ثبوت زيد" و"نفي زيد"‪.‬‬
‫الطريق ة الثانية‪ :‬أن يق‪..‬ع أح‪..‬د ه‪..‬ذين المفه‪..‬ومين رابط‪..‬ا بين ص‪..‬ورتين في القض‪..‬ية‬
‫الحملية‪ ،‬كما في قولنا "زيد ق‪..‬ائم"‪ ،‬وقولن‪..‬ا "ليس زي‪..‬د قائم‪..‬ا"؛ ففي المث‪..‬ال األول يق‪..‬ع‬
‫الثبوت رابطا بين "زيد" و"قائم" وإن لم يُذكر؛ ألن مفاد ال‪..‬تركيب ه‪..‬و "ثب‪..‬وت القي‪..‬ام‬
‫لزيد" كما أن مفاد التركيب الثاني هو "نفي القيام عن زيد"‪ ،‬فنالح‪..‬ظ هن‪..‬ا أن الثب‪..‬وت‬
‫والنفي قاما بدور الرابط بين "زيد" و"القيام"‪.‬‬
‫ويمكن أن ُيستنتج من التأمل في هذه النقاط أمران في غاية األهمّية‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن أي شيء يلحظه الذهن لوحده ال يمكن أن يكون حاكيا عن شيء وال‬
‫مفيدا للعلم به‪ ،‬وعندما يلحظ ال‪.‬ذهن ش‪.‬يئا ك‪.‬ذلك يالحظ‪.‬ه بم‪.‬ا ه‪.‬و من دون أن يك‪.‬ون‬
‫ثابتا أو منفيا‪.‬‬
‫وال ف‪..‬رق في ه‪..‬ذا األم‪..‬ر بين المف‪..‬اهيم الماهوي‪..‬ة وغيره‪..‬ا‪ ،‬فح‪..‬تى مفه‪..‬وم "الثب‪..‬وت"‬
‫ومفه‪..‬وم "النفي" لوح‪..‬دهما ليس‪..‬ا ح‪..‬اكيين عن ش‪..‬يء‪ ،‬فيمكن أن يُالحظهم‪..‬ا ال‪..‬ذهن‬
‫ويتساءل "هل الثبوت موجود؟" "ه‪..‬ل الثب‪..‬وت مع‪..‬دوم؟" ‪ ،...‬فيجعلهم‪..‬ا ب‪..‬ذلك محكي‪..‬ا‬
‫عنهما!‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن مفهومي "الثبوت" و"النفي" مفهومان تابعان لطبيع‪..‬ة ال‪..‬ذهن الثنائي‪..‬ة‬
‫ليتوصّل بهما إلى الحكاية عن الواقع من خالل األس‪..‬لوب الث‪..‬اني للمعرف‪..‬ة واإلدراك‪،‬‬
‫فلوال هذا النظام الذهني لم يكن لهما أي معنى‪!15‬‬
‫فاتضح مما تقدم أن مفهومي الوجود والعدم مفهومان تابع‪..‬ا لطبيع‪..‬ة األس‪..‬لوب الث‪..‬اني‬
‫من أسلوبي إدراك اإلنسان للواقع‪ ،‬وأنهما ليسا مفهومين معبّرين عن أشياء خارجية‪،‬‬
‫بل بهما يتم التعبير عن الخارج‪.‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬في معنى استواء الماهية‪:‬‬

‫‪ 15‬وكمزيد توضيح حول مفهوم الوجود أقول‪:‬‬


‫قد اتضح أن األسلوب الثاني من اإلدراك أسلوب ثنائي‪ ،‬فهو قائم على نسبة صور إلى صورة نسبة إيجابية أو نسبة سلبية‪ ،‬وليس في‬
‫البين نسبة ثالثة كما ال يخفى‪ ،‬فهذا األسلوب متقوّ م‪ .‬بنوعين من النسبة بين صورتين ذهنيّتين‪.‬‬
‫فال يمكن أن يكون هذا األسلوب إدراكا للواقع إال إذا وُ ِجدَت صورتان ذهنيّتان‪ ،‬فحتى يتمكن الذهن من إدراك واقع ال بد من أن يح ِكيَه‬
‫من خالل صورتين‪.‬‬
‫ومن هنا فإن كان الواقع المحكي شيئين متعدّدين مترابط ْي ن فال إشكال في التعبير عنه باألسلوب الثاني‪ ،‬وإن كان الواقع شيئا واحدا فال‬
‫تمكن الحكاية عنه بصورة واحدة؛ وذلك لما عرفت من أن الذهن ال يمكن أن يحكي بصورة واحدة‪ ،‬فال بد من صورة تصحح الحكاية‬
‫بالنظام الثنائي عن الواقع األحادي‪ ،‬فكان مفهوم الوجود!‬
‫نعم‪ ،‬جاء مفهوم الوجود ليؤدي دور الحكاية من دون أن يكون في البين واقع بإزائه‪ ،‬فلكي أحكي عن ذات زيد لن أتمكن من الحكاية‬
‫عنه بقولي "زيد" فقط كما هو واضح‪ ،‬ألن الذهن ال يحكي بالنظام األحادي‪ ،‬فال بد من أن أسند إلى زيد حكما ألتمكن من الحكاية عن‬
‫ذاته‪ ،‬فكان الحكم عليه بالوجود محققا للحكاية‪.‬‬
‫وحتى يتضح األمر وضوحا الئحا استبدل مفهوم الوجود بمفهوم‪ .‬الثبوت أو الواقعية‪ ،‬فهل ترى أن قولك "زيد ثابت" أو "زيد واقعي"‬
‫يحكي عن ثبوت‪ .‬شيء لزيد؟! كال‪ ،‬بل هو حاك عن ذات زيد الواقعية‪.‬‬
‫وبهذا يتضح أن مفهوم الوجود ليس إال طريقا إلى إثبات األشياء‪ ،‬وليس له أي علقة بواقع بإزائه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫إن حقيقة قولنا باستواء الماهية للوجود والعدم ترجع إلى أحد معنيين‪:‬‬
‫المعنى األول‪ :‬أن الماهية من حيث هي لم يؤخذ في مفهومها الوجود أو العدم‪.‬‬
‫المعنى الثاني‪ :‬أن الماهية ليست ضرورية الوجود وال ضرورية العدم‪.‬‬
‫وال مالزمة بين المعنيين من كال الطرفين!‬
‫توضيح ذلك‪ :‬إن معنى عدم أخذ الوجود أو العدم في الماهية ه‪..‬و أن الوج‪..‬ود والع‪..‬دم‬
‫ال ي‪..‬دخالن في مقوّ م‪..‬ات الماهي‪..‬ة‪ ،‬وال يس‪..‬تلزم ذل‪..‬ك أن ال يك‪..‬ون الوج‪..‬ود أو الع‪..‬دم‬
‫ضروريا للماهية؛ ألن النسبة الضرورية كما تكون بين الشيء ومقوّ ماته كذلك تكون‬
‫بين الش‪..‬يء ولوازم‪..‬ه‪ ،‬ومن هن‪..‬ا اختل‪..‬ف المعني‪..‬ان‪ ،‬ف‪..‬المعنى األول يش‪..‬ير إلى انتف‪..‬اء‬
‫التقوّ م والثاني يشير إلى انتفاء الضرورة‪ ،‬والمعنى الث‪..‬اني مس‪..‬تلزم للمع‪..‬نى األول بال‬
‫عكس؛ ألن انتفاء الضرورة يس‪..‬تلزم انتف‪..‬اء التق‪..‬وّ م‪ ،‬وانتف‪..‬اء التق‪..‬وّ م ال يس‪..‬تلزم انتف‪..‬اء‬
‫الضرورة ‪.‬‬
‫ويُعلم من هذا البيان أنه ل‪..‬و ك‪..‬انت الماهي‪..‬ة مس‪..‬توية النس‪..‬بة إلى الوج‪..‬ود والع‪..‬دم ب‪..‬أي‬
‫معنى من المعن‪..‬يين الس‪..‬ابقين لم يكن في ال‪..‬بين أي إش‪..‬كال في ثبوته‪..‬ا بال واس‪..‬طة في‬
‫العروض ولم يستلزم ذلك انقالبها؛ ألن االنقالب بسبب وجودها فرع كونه‪..‬ا متقوّ م‪..‬ة‬
‫بالعدم أو كونها ضرورية العدم‪ ،‬وأما إن لم تكن كذلك كما ه‪..‬و مقتض‪..‬ى اس‪..‬توائها لم‬
‫يكون محذور في ثبوتها ووجودها حقيقة وبال واسطة في العروض‪.‬‬
‫معنى ثبوت الماهية‬
‫بعد اتضاح المقدمتين السابقتين نقول توضيحا للمراد بأصالة الماهية‪:‬‬
‫ليس معنى ثبوت الماهية بال واسطة في العروض هو أن شيئا خارجيا يتعلّق به‪..‬ا؛ إذ‬
‫ليس في البين شيئان في الخارج‪ ،‬أحدهما الوج‪..‬ود واآلخ‪..‬ر الماهي‪..‬ة كم‪..‬ا ه‪..‬و واض‪..‬ح‬
‫بداهة‪ ،‬ويتضح أكثر من خالل ما تق ّدم في بيان معنى الثبوت والنفي ‪.‬‬
‫وليس معنى ثب‪.‬وت الماهي‪..‬ة أن الثب‪..‬وت ع‪.‬رض له‪.‬ا بع‪.‬د أن ك‪.‬انت فاق‪..‬دة ل‪..‬ه؛ إذ ليس‬
‫معنى وجود الماهية وخروجه‪..‬ا عن ح‪..‬د االس‪..‬تواء أنه‪..‬ا ك‪..‬انت مس‪..‬توية في الواق‪..‬ع ال‬
‫موجودة وال معدومة حقيقة ثم صارت موجودة؛ فإن هذا مساوق لرفع النقيضين قب‪..‬ل‬
‫وجود الماهية وثبوتها‪.‬‬
‫بل معنى ثبوت الماهية أن الواقع العي‪..‬ني الخ‪..‬ارجي ليس إال ماهي‪..‬ات‪ ،‬فمع‪..‬نى ثب‪..‬وت‬
‫الماهية أنها عين الواقع‪ ،‬ومعنى نفي ماهية أنها ليست الواقع‪ ،‬ال أكثر وال أقل‪.‬‬
‫وبعبارة أوضح‪ :‬ال ريب أن هناك واقع‪..‬ا وراء إدراكن‪..‬ا‪ ،‬ومع‪..‬نى ثب‪..‬وت الماهي‪..‬ات أن‬
‫هذا الواقع عبارة عن ماهيات‪ ،‬وه‪..‬و ماهي‪..‬ات‪ ،‬فمع‪..‬نى ثب‪..‬وت ماهي‪..‬ة معين‪..‬ة ه‪..‬و أنه‪..‬ا‬
‫تشكل حصة من الواقع الخارجي‪ ،‬ومعنى نفيها هو أنها ال تشكل حصة من الواقع‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫فليس مع‪..‬نى أص‪..‬الة الماهي‪..‬ة إال أن الواق‪..‬ع الخ‪..‬ارجي عب‪..‬ارة عن ماهي‪..‬ات ال أش‪..‬ياء‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ومن هنا يُعلم أن معنى جعل الماهية بالجعل البسيط من قب‪..‬ل الخ‪..‬الق ه‪..‬و عب‪..‬ارة عن‬
‫كون الخالق علة لذاتها بحيث ُتشكل بسبب الخالق حصة من الواقع‪.‬‬
‫وبهذا البيان يندفع اإلشكال القائل بأن الماهية لمّا كانت من حيث هي ال موج‪..‬ودة وال‬
‫معدومة كان معنى تعلّق الجعل بذاتها هو صدور ما ال موجود وال مع‪..‬دوم‪ ،‬وه‪..‬ذا ال‬
‫يبرر ثبوت الواقع‪.‬‬
‫وذلك لورود جملة من المالحظات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إنه ليس معنى كون الماهية ال موجودة وال معدومة هو أنه‪..‬ا في نفس األم‪..‬ر ال‬
‫موج‪..‬ودة وال معدوم‪..‬ة؛ ف‪..‬إن ذل‪..‬ك رف‪..‬ع للنقيض‪..‬ين‪ ،‬ب‪..‬ل مع‪..‬نى ذل‪..‬ك ه‪..‬و أنه‪..‬ا ليس‪..‬ت‬
‫ضرورية الوجود وال العدم أو أنها غير متقومة بأحدهما‪ ،‬وإذا كان ه‪..‬ذا ه‪..‬و المع‪..‬نى‬
‫لم يكن في البين أي إشكال في كون تعلّق الجعل بها مس‪..‬تلزما لص‪..‬حة نس‪..‬بة الوج‪..‬ود‬
‫لها؛ إذ ال نسلّم أن الماهية بعد تعلّ‪.‬ق الجع‪..‬ل ال موج‪.‬ودة وال بعدوم‪.‬ة‪ ،‬ب‪.‬ل هي بتعل‪..‬ق‬
‫الجعل ب‪..‬ذاتها موج‪..‬ودةٌ‪ ،‬وال نس‪..‬لم أن الماهي‪..‬ة قب‪..‬ل تعل‪..‬ق الجع‪.‬ل به‪.‬ا ال موج‪.‬ودة وال‬
‫معدومة‪ ،‬بل هي معدومة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إنه ليس معنى جعل الماهية هو إضفاء شيء عليها وتغييرها من حال إلى حال‬
‫كما ال يخفى؛ إذ الكالم في الجعل البسيط‪ ،‬بل معنى جعلها هو تو ّفر علة لها ال أكثر‪،‬‬
‫ومع توفر العلة يتوفر المعلول الذي هو الماهية‪ ،‬فيُحكم على الماهية بالوجود‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن نسبة الوجود إلى الماهية تابعة لطبيعة الذهن الثنائية‪ ،‬ومع ك‪..‬ون ذل‪..‬ك تابع‪..‬ا‬
‫لطبيعة الذهن هذه لم يكن في البين ُب ّد من الحكاية عنها إال بنس‪..‬بة الوج‪..‬ود المحم‪..‬ولي‬
‫لها‪ ،‬مع أن الخارج ليس إال مجموعة من الماهيات ال واقعية للوجود فيها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إن هذا اإليراد يأتي تماما على أصالة الوجود‪ ،‬ولكن م‪..‬ع ض‪..‬م بعض النك‪..‬ات‪،‬‬
‫حيث يُقال‪ :‬إن الوج‪.‬ود الفق‪.‬ري إن ك‪..‬ان مغ‪..‬ايرا للماهي‪..‬ة غ‪.‬ير مس‪.‬تو النس‪..‬بة للوج‪..‬ود‬
‫والعدم = كان ضروري الوجود‪ ،‬ومع كونه ضروري الوجود يكون جعل‪..‬ه تحص‪..‬يال‬
‫للحاصل‪ ،‬وهو محال‪ ،‬فال بد من االلتزام بأن الوجود الفقري من دون جع‪..‬ل ال واق‪..‬ع‬
‫له‪ ،‬ومن ثم يكون الوجود الفقري مع الجعل ض‪.‬روري الواقعي‪.‬ة والتحق‪..‬ق‪ ،‬ومن دون‬
‫الجعل ضروري االنع‪.‬دام‪ ،‬فال يك‪.‬ون في ح‪..‬د ذات‪..‬ه ض‪..‬روريا الوج‪.‬ود وال ض‪.‬روري‬
‫العدم‪ ،‬ومع ذلك يكون مستوي النسبة بكال المعن‪..‬يين الس‪..‬ابقين‪ ،‬فال مع‪..‬نى لتخص‪..‬يص‬
‫اإلشكال السابق بالقول بأصالة الماهية‪.‬‬
‫تنبيه حول معنى اعتبارية الوجود على القول بأصالة الماهية‬

‫‪18‬‬
‫ق‪..‬د يت‪..‬وهم البعض أن الق‪..‬ول بأص‪..‬الة الماهي‪..‬ة واعتباري‪..‬ة الوج‪..‬ود يقتض‪..‬ي أن يك‪..‬ون‬
‫الوجود متحققا بواسطة في العروض؛ فلمّ‪.‬ا ك‪.‬ان مع‪..‬نى اعتباري‪.‬ة الماهي‪..‬ة أن تحققه‪.‬ا‬
‫بواسطة في العروض ك‪..‬ان من الالزم أن يك‪..‬ون مع‪..‬نى اعتباري‪..‬ة الوج‪..‬ود ه‪..‬و تحق‪..‬ق‬
‫الوجود من دون واسطة في العروض‪.‬‬
‫ولكن هذا التوهّم في غير محله؛ ألن القائل بأصالة الماهية ال يقول يص‪..‬حح اتص‪..‬اف‬
‫الوجود بالتحقق ال حقيقة وال بواسطة في العروض‪ ،‬بل غاي‪..‬ة م‪..‬ا يقول‪..‬ه أن األص‪..‬يل‬
‫هو الماهية‪ ،‬والوج‪..‬ود المحم‪..‬ول عليه‪..‬ا ه‪..‬و إثباته‪..‬ا‪ ،‬وليس مع‪..‬نى أص‪..‬التها س‪..‬وى أن‬
‫الوجود المحمولي يُحمل عليها بال تجوّ ز وال تعمّل‪.‬‬
‫وأم‪..‬ا حقيق‪..‬ة الوج‪..‬ود فهي باطل‪..‬ة من أص‪..‬لها وال واقعي‪..‬ة له‪..‬ا مطلق‪..‬ا‪ ،‬ال أنه‪..‬ا متحقق‪..‬ة‬
‫بواسطة تحقق الماهية؛ فإن هذا القول أردأ من أن يحتمله عاقل فضال عن يقول به‪.‬‬
‫تنبيه حول صدق القضية "الوجود موجود"‬
‫قد ُي َتوهّم أن مقتضى القول بأصالة الماهية هو أن ال تصدق القضية البدهية "الوج‪..‬ود‬
‫موجود"‪ ،‬ومن َث ّم تتبيّن بداهة أصالة الوجود وبداهة بطالن أصالة الماهية‪.‬‬
‫والصحيح أن هذه القضية ال يمكن الحكم عليها ما لم يتم تحديد الم‪..‬راد من "الوج‪..‬ود"‬
‫المذكور في موضوعها بدقة؛ وذلك ألن في البين عدة احتماالت‪:‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬أن يكون "الوجود" هو الواقع الخارجي البديهي مع قطع النظ‪..‬ر عن‬
‫طبيعته وحقيقته‪ ،‬وهذا ما يجري على ألسن الناس عند اإلطالق‪ ،‬فيقال "ه‪..‬ذا الوج‪..‬ود‬
‫الرائع" ونحو ذلك‪.‬‬
‫االحتمال الث‪..‬اني‪ :‬أن يك‪..‬ون "الوج‪..‬ود" ه‪..‬و نفس م‪..‬ا أض‪..‬يف إلي‪..‬ه الوج‪..‬ود ولكن‪..‬ه م‪..‬ع‬
‫مالحظة كون‪..‬ه موج‪..‬ودا‪ ،‬كم‪..‬ا ل‪..‬و قي‪..‬ل في الع‪..‬رف "وج‪..‬ود الس‪..‬ماء أعظم من وج‪..‬ود‬
‫األرض"‪ ،‬فهنا ال يُراد بـ"وجود السماء" حقيقة ُتنتزع منها ماهية السماء‪ ،‬ب‪..‬ل الم‪..‬راد‬
‫هو السماء الموجودة‪ ،‬من دون لحاظ الوجود كأمر خارجي‪ ،‬ب‪..‬ل الملح‪..‬وظ ع‪..‬ادة ه‪..‬و‬
‫الماهية نفسها كما ال يخفى على من اعتاد على العرف‪.‬‬
‫االحتمال الثالث‪ :‬أن يكون "الوجود" هو حقيق‪..‬ة مباين‪..‬ة للماهي‪..‬ة غ‪..‬ير مس‪..‬توية النس‪..‬بة‬
‫للوجود والعدم هي منشأ انتزاع مفهوم الوجود‪ ،‬وه‪..‬ذا ه‪.‬و الم‪.‬راد ب‪..‬الوجود في مح‪.‬ل‬
‫النزاع‪.‬‬
‫االحتمال الرابع‪ :‬أن يكون المراد بالوجود هو نفس التحقق والثبوت االعتباري ال‪..‬ذي‬
‫من ش‪..‬أنه أن يق‪..‬ع محم‪..‬وال في الهلي‪..‬ات البس‪..‬يطة ونس‪ً .‬‬
‫‪.‬بة في الهلي‪..‬ات المر ّكب‪..‬ة‪ ،‬وه‪..‬و‬
‫الم‪..‬راد من قولن‪..‬ا في البح‪..‬وث المنطقي‪..‬ة "وج‪..‬ود زي‪..‬د" و"وج‪..‬ود الس‪..‬ماء" و"وج‪..‬ود‬
‫اإلحراق للنار" و"وجود الحركة للجسم"‪ ،‬وقد جرت العادة على هجر هذا االستعمال‬
‫ليُستعمل محلّه الثبوت والكون‪ ،‬فيُقال "ثبوت زيد" أو "كون زيد قائما" ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ومن هنا يتض‪..‬ح الحكم في المس‪..‬ألة‪ ،‬ف‪.‬إن أري‪..‬د االحتم‪..‬ال األول فالقض‪..‬ية ص‪..‬ادقة بال‬
‫شك‪ ،‬ويكون صدقها تابعا لبداهة الواقع الخارجي‪ ،‬وإن أريد الث‪..‬اني فالقض‪..‬ية ص‪..‬ادقة‬
‫أيضا ويكون صدقها تابعا لتوفر الدليل أو الحس على م‪..‬ا أض‪..‬يف إلي‪..‬ه الوج‪..‬ود‪ ،‬وإن‬
‫أريد الثالث فالقضية كاذبة على أصالة الماهية‪ ،‬وال يترتب على إنكاره‪..‬ا أي مخالف‪..‬ة‬
‫للبداه‪..‬ة؛ إذ ال يخفى أنه‪..‬ا ليس‪..‬ت بديهي‪..‬ة‪ ،‬وإن أري‪..‬د الراب‪..‬ع فهي كاذب‪..‬ة أيض‪..‬ا؛ ألن‬
‫الوجود بهذا المعنى ليس شيئا خارجيا‪ ،‬بل مج‪..‬رد اعتب‪..‬ار يحت‪..‬اج إلي‪..‬ه ال‪..‬ذهن بس‪..‬بب‬
‫طبيعته الثنائية كما تقدم شرحه‪.‬‬
‫تنبيه حول صدق القضية "زيد الموجود موجود"‬
‫ال ينبغي الريب في أن حمل الشيء على نفسه صادق‪ ،‬ومقتضى ذل‪.‬ك أن يك‪.‬ون أخ‪.‬ذ‬
‫الوجود في أي موضوع مستلزم لص‪..‬دق الوج‪..‬ود علي‪..‬ه‪ ،‬فال ينبغي ال‪..‬ريب في ص‪..‬دق‬
‫قولنا "زيد الموجود موجود" و"العنقاء الموجودة موج‪..‬ودة" و"واجب الوج‪..‬ود الث‪..‬اني‬
‫واجب الوجود"! و"شريك الباري الموجود موج‪..‬ود"! و"اجتم‪..‬اع النقيض‪..‬ين الموج‪..‬ود‬
‫موجود"!‬
‫ولكن ال يلزم من صدق جميعا القضايا السابقة تقرر واقع خارجي بإزائها كما الح‪..‬ال‬
‫في قضية "السماء موجودة"!‬
‫وذل‪...‬ك ألن الوج‪...‬ود المحم‪...‬ول في ه‪...‬ذه القض‪...‬ايا ه‪...‬و نفس الوج‪...‬ود الم‪...‬أخوذ في‬
‫موضوعها! إذ إن مبرر حمل الوجود فيها جميعا على موضوعاتها حمال صادقا ه‪..‬و‬
‫نفس موضوعاتها ال بداهتها وال توفر دليل ي ُِثبت صحتها‪ ،‬ولمّا كان الوجود الم‪..‬أخوذ‬
‫فيها جميعا هو مجرد افتراض بتعمّل الذهن وربطه بين المفاهيم = لم ي ُِثبت المحمول‬
‫شيئا أزيد من هذا‪ ،‬فال يكون معنى حمل الوجود فيها على موضوعاتها سوى اشتمال‬
‫مفهوماتها على مفهوم الوجود‪ ،‬وال يقتضي ذلك تقرر واقع خارجي بإزائها‪.‬‬
‫وأما لو أريد بالوجود المحمول فيها جميعا الوجود المحمول الذي هو بحمله أو جعله‬
‫نسبة يتبيّن صدق القضايا في الخارج فجميع القضايا كاذبة‪ ،‬وال يلزم من ذل‪..‬ك س‪..‬لب‬
‫الشيء عن نفسه؛ وذلك ألن المأخوذ فيها جميعا ه‪..‬و الوج‪..‬ود الفرض‪..‬ي‪ ،‬وال‪..‬ذي ثبت‬
‫في المحمول هو الوجود اإلثباتي‪ ،‬فال تكون من قبيل حمل الش‪..‬يء على نفس‪..‬ه‪ ،‬فيبقى‬
‫مجال لصدقها وكذبها‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ماذا لو أُخ َِذ الوجود المحمولي اإلثباتي في الموضوع؟!‪ .‬هل ستكون ص‪..‬ادقة‬
‫حينئذ؟‬
‫قيل‪ :‬ال يمكن أخذ الوجود اإلثباتي في الموضوع؛ ألن معنى أخذه في الموضوع ه‪..‬و‬
‫أن يكون مشارا به إلى أمر خارجي بالبداهة أو بقيام البرهان على خارجيّته وتحققه‪،‬‬
‫وأما أخذه بمجرد الفرض والتقدير فال يجعل‪..‬ه إثباتي‪..‬ا وكاش‪..‬فا عن واق‪..‬ع‪ ،‬ب‪..‬ل س‪..‬يكون‬
‫مجرد افتراض لوجوده‪ ،‬ومن َث ّم يكون الحمل كاذبا‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬إن الوجود اإلثباتي الكاش‪..‬ف ليس بي‪..‬د المعت‪..‬بر والمف‪..‬ترض‪ ،‬ب‪..‬ل ه‪..‬و‬
‫تابع لت‪..‬وفر ال‪..‬دليل على تح ّقق‪.‬ه‪ ،‬وال يس‪..‬تطيع اإلنس‪..‬ان أن ي ُِثب َت‪..‬ه لش‪..‬يء واقع‪.‬ا بمج‪..‬رد‬
‫فرضه وتقديره‪[ .‬يحتاج مزيد بسط في التمييز بين مرحلة الفرض ومرحلة اإلشارة]‪.‬‬

‫قوله ص "ويندفع أيضا ما أشكل عليه بأن كون الوجود موج‪..‬ودا بذات‪..‬ه يس‪..‬تتبع ك‪..‬ون‬
‫الموجودات اإلمكانية واجبة بالذات؛ ألن كون الوجود موجودا بذات‪..‬ه يس‪..‬تلزم امتن‪..‬اع‬
‫سلبه عن ذاته‪. ..‬‬
‫وجه االندفاع‪ :‬أن المالك في كون الشيء واجب‪.‬ا بال‪.‬ذات ليس ه‪.‬و ك‪.‬ون وج‪.‬وده نفس‬
‫ذاته‪ ،‬بل كون وجوده مقتضى ذاته من غير أن يفتقر إلى غيره‪ ،‬وكل وج‪..‬ود إمك‪..‬اني‬
‫فهو في عين أنه موجود في ذاته مفترق إلى غيره مفاض منه ‪"...‬‬
‫أقول‪ :‬قد عرفت من القوم أن الوجود األص‪..‬يل ال تس‪..‬توي نس‪..‬بته إلى الوج‪..‬ود والع‪..‬دم‬
‫بخالف الماهي‪..‬ة ال‪..‬تي تس‪..‬توي نس‪..‬بتها إلى الوج‪..‬ود والع‪..‬دم‪ ،‬وله‪..‬ذا بن‪..‬وا على أص‪..‬الة‬
‫الوج‪..‬ود كم‪..‬ا م‪..‬ر توض‪..‬يح ذل‪..‬ك‪ ،‬فال ينبغي ال‪..‬ريب في أن مقتض‪..‬ى م‪..‬ذهب الق‪..‬وم أن‬
‫الوجود ال تستوي نسبته إلى الوجود والعدم‪.‬‬
‫وال يخفى أن‪.‬ه ال مع‪..‬نى لك‪.‬ون ش‪..‬يء غ‪..‬ير مس‪.‬توي النس‪.‬بة للوج‪..‬ود والع‪..‬دم إال كون‪.‬ه‬
‫ضروري الوجود أو ضروري العدم‪ ،‬وال ريب في أن الوجود ليس ضروري العدم‪،‬‬
‫فتعيّن أنه ضروري الوجود‪ ،‬وهو وجوب الوجود‪.‬‬
‫فثبت أنه يلزم من القول بأصالة الوجود القول بوجوب تمام الواقع الخ‪..‬ارجي وأن‪..‬ه ال‬
‫إمكان وال فقر فيه!!‬
‫وال يخفى أيضا أن‪..‬ه بن‪..‬اء على تمامي‪..‬ة البره‪..‬ان على وح‪..‬دة واجب الوج‪..‬ود يل‪..‬زم من‬
‫أصالة الوجود الوحدة الشخصية للوجود‪ ،‬وأرجو أن يأتي ما يوضح األمر بإذن هللا‪.‬‬
‫فظهر بهذا ظهورا الئحا أن القول بأصالة الوجود يستلزم الق‪..‬ول بنفي الممكن‪..‬ات وأن‬
‫اإلشكال الذي ذكره المصنف مُس َتحكم ال مفر منه‪.‬‬
‫وأما جواب المصنف فقد ف‪..‬رّ ق في‪..‬ه بين عن‪..‬وانين‪ ،‬أح‪..‬دهما "ك‪..‬ون الوج‪..‬ود نفس ذات‬
‫الشيء" وثانيهما "ك‪..‬ون الوج‪..‬ود بمقتض‪..‬ى ذات الش‪..‬يء"‪ ،‬واألول ال ين‪..‬افي اإلمك‪..‬ان‪،‬‬
‫بخالف الثاني الذي هو الوجوب‪ ،‬والذي تقتضيه األصالة هو األول دون الث‪..‬اني‪ ،‬فال‬
‫يلزم من القول باألصالة القول بنفي الممكنات‪ ،‬بل الالزم هو القول بأن الوج‪..‬ود نفس‬
‫ذات الموجودات الخارجية‪.‬‬
‫محص‪.‬ل ل‪.‬ه؛ ألن ك‪.‬ون الوج‪.‬ود عين ذات الش‪.‬يء ال‬ ‫ّ‬ ‫وهذا الجواب غ‪.‬ير ص‪.‬حيح وال‬
‫يمكن أن يجتمع مع كون الشيء ممكنا؛ فال يُعقل أن يكون الوجود ذاتي‪..‬ا لش‪..‬يء وم‪..‬ع‬

‫‪21‬‬
‫ذلك يكون هذا الش‪..‬يء محتاج‪..‬ا إلى مو ِج‪..‬د‪ ،‬وبعب‪..‬ارة أخ‪..‬رى‪ :‬إن ك‪..‬ون الوج‪..‬ود ذاتي‪..‬ا‬
‫لشيء ينافي كون الوجود معلّال بشيء آخر؛ إذ الذاتي ال يُعلّل‪.‬‬
‫فالحاصل أنه ال يمكن التفكيك بين كون الوج‪..‬ود عين ذات الش‪..‬يء وبين كون‪..‬ه واجب‬
‫الوجود‪.‬‬
‫استطراد حول مفاد القضايا‪:‬‬
‫بعد أن تبين أن نظام الذهن نظام ثن‪..‬ائي ينبغي لفت النظ‪..‬ر إلى اختالف مف‪..‬اد القض‪..‬ايا‬
‫الصادقة وإن اتفقت شكال؛ وذلك ألن القضايا الصادقة أقسام‪:‬‬
‫القسم‪ :‬القضية التي يكون محمولها الوج‪..‬ود‪ ،‬وهي م‪..‬ا يُس‪.‬مّى بالهلي‪..‬ة البس‪..‬يطة‪ ،‬وهي‬
‫قضية مبيّنة لواقعية موضوعها‪ ،‬وقد مرّ تحليلها‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضية التي يكون محمولها عين موضوعها‪ ،‬كقولن‪..‬ا "اإلنس‪..‬ان ه‪..‬و اإلنس‪..‬ان"‬
‫وقولنا "زيد هو زيد"‪ ،‬والظاهر أن هذه القضايا ليست أخبارا عن واق‪..‬ع؛ إذ ليس له‪..‬ا‬
‫أي حكاية عن الخارج وإن كان شأن القضية الحكاية‪.‬‬
‫القس‪.‬م‪ :‬القض‪..‬ية ال‪..‬تي يك‪.‬ون محموله‪.‬ا داخال في موض‪.‬وعها‪ ،‬كقولن‪.‬ا "الفاع‪.‬ل كلم‪.‬ة"‬
‫وقولنا "اإلنسان حيوان" بناء على ثبوت ت‪..‬ركب الماهي‪..‬ات من أج‪..‬زاء ماهوي‪..‬ة‪ ،‬فه‪..‬ذا‬
‫القسم حاصل في حمل أجزاء المفهوم على المفهوم سواء أكان المفهوم مركبا تركيب‪..‬ا‬
‫اعتباريا كما في المثال األول أم تركيبا حقيقيا كما في الثاني‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضية التي يكون المحمول ثابتا لموضوعها بمالك البداهة‪ ،‬كقولن‪..‬ا "الح‪..‬ادث‬
‫له مو ِجد" وقولنا "الظلم قبيح"‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضية التي يكون المحم‪..‬ول ثابت‪..‬ا له‪..‬ا بمالك التالزم الس‪..‬ببي بين موض‪..‬وعها‬
‫وبين مب‪.‬دأ اش‪.‬تقاق المحم‪.‬ول ال بين المحم‪.‬ول نفس‪.‬ه‪ ،‬كقولن‪.‬ا "الن‪.‬ار محرق‪.‬ة" وقولن‪.‬ا‬
‫"الكتلة جاذبة"‪ ،‬وهذه القضايا هي قضايا العلوم الطبيعي‪..‬ة‪ ،‬وهي قض‪..‬ايا كلي‪..‬ة حقيقي‪..‬ة‬
‫غير خارجية‪ ،‬تبتني على تالزم علّي بين ماهيّتين‪.‬‬
‫القس‪..‬م‪ :‬ال‪..‬تي يك‪..‬ون المحم‪..‬ول ثابت‪..‬ا فيه‪..‬ا بمالك قي‪..‬ام مب‪..‬دأ اش‪..‬تقاق المحم‪..‬ول في‬
‫الموضوع‪ ،‬كقولنا "زيد قائم" وقولنا "بعض البشر مؤمنون"‪ ،‬وهذه القضية ال تصدق‬
‫إال خارجية‪،‬‬
‫تنبي‪..‬ه‪ :‬القض‪..‬ية ال‪..‬تي يك‪..‬ون محموله‪..‬ا اعتب‪..‬ارا من االعتب‪..‬ارات ك‪..‬الوجوب والحرم‪..‬ة‬
‫والملكية ونحو ذلك يمكن أن ُتع َت َبر على وزان القضايا الحقيقية بحيث يثبت المحمول‬
‫للطبيعة المذكورة في الموضوع ثبوتا اعتباريا‪ ،‬ويمكن أن تعتبر على وزان القض‪..‬ايا‬
‫الخارجية‪ ،‬واعتبارها على وزان القضايا الحقيقية ‪...‬‬

‫‪22‬‬
‫استطراد حول المعقول الثاني الفلسفي‪:‬‬
‫يمتاز المعقول الثاني بخصائص‪:‬‬
‫الخاصة األولى‪ .:‬تح َمل على الشيء الخارجي وكأنها شيء خارجي‪.‬‬
‫الخاصة الثانية‪ :‬الصدق على طبائع وماهيات متباينة‪.‬‬
‫الخاصة الثالثة‪ :‬وجوده في الخارج يستلزم التسلسل‪.‬‬
‫الخاصة الرابع‪..‬ة‪ .:‬تش‪..‬كل قض‪..‬ايا حقيقي‪..‬ة م‪..‬ع بعض الموض‪..‬وعات من دون أن يك‪..‬ون‬
‫بينها وبين موضوعها علية خارجية‪.‬‬

‫ب إلى اإلش‪..‬راقيين‪ ،‬فهي‬ ‫قوله ص "فتبيّن بما تق ّدم فساد القول بأصالة الماهية كما ُن ِس ‪َ .‬‬
‫عندهم أصيلة إذا كانت بحيث يُنتزع منها الوجود وإن ك‪..‬انت في ح‪..‬د ذاته‪..‬ا اعتباري‪..‬ة‬
‫والوجود المنتزع عنها اعتباريا"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هاهنا ثالث تعليقات‪:‬‬
‫التعلي‪..‬ق األول‪ :‬الق‪..‬ول بأص‪..‬الة الماهي‪..‬ة ه‪..‬و الح‪..‬ق ال‪..‬ذي ال محيص عن‪..‬ه‪ ،‬وال مج‪..‬ال‬
‫لالستدالل على ذلك؛ ألن الحكم بأصالتها بدهي؛ إذ ال ريب في أن الوجود المحمولي‬
‫الث‪...‬ابت للموض‪...‬وع في الهلي‪...‬ة البس‪...‬يطة يثبت بال أي تج‪...‬وّ ز وبال أي واس‪...‬طة في‬
‫العروض‪.‬‬
‫ويمكن التنبيه على ذلك من خالل إبطال أصالة الوجود‪ ،‬فقد عرفت أن القول بأصالة‬
‫الوج‪..‬ود يس‪..‬تلزم الق‪..‬ول بنفي الممكن‪..‬ات المس‪..‬تلزم للق‪..‬ول بوح‪..‬دة الوج‪..‬ود الشخص‪..‬ية‬
‫المستلزمة لنفي الواقع الخارجي المحسوس‪ ،‬وفي هذا الزمان باطالن‪:‬‬
‫الالزم األول‪ :‬نفي الممكنات‪ ،‬وهو الزم باط‪..‬ل لقي‪..‬ام البره‪..‬ان على ح‪..‬دوث النهاي‪..‬ات‬
‫المحسوسة‪.‬‬
‫الالزم الثاني‪ :‬نفي الواقع المحسوس‪ ،‬وهو سفسطة واضحة‪.‬‬
‫التعليق الثاني‪ :‬الماهية األصيلة هي الماهية المجعولة من الخالق‪،‬‬
‫التعليق الثالث‪ :‬لحاظ الماهية من حيث هي ال يبرر اتصافها بالوجود والتحقق‪ ،‬وه‪..‬ذا‬
‫ال شك فيه وال ريب‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن الماهي‪..‬ة من حيث هي اعتباري‪..‬ة ب‪..‬المعنى‬
‫المقابل لألصالة؛ وذلك ألن معنى االعتبارية هو ك‪.‬ون التحق‪.‬ق والواقعي‪.‬ة مُس‪.‬ندَة له‪.‬ا‬
‫بواسطة في العروض‪ ،‬وال يخفى أن الماهية من حيث هي ال توصف بالتحقق أص‪..‬ال‬
‫حتى يبحث عن كون اتصافها بالتحقق بال واسطة فتكون أص‪..‬يلة أو بواس‪..‬طة فتك‪..‬ون‬
‫اعتبارية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫والحاص‪..‬ل أن م‪..‬ا نس‪..‬به المص‪..‬نف أن الماهي‪..‬ة من حيث هي اعتباري‪..‬ة عن‪..‬د الق‪..‬ائلين‬
‫بأصالة الماهية غير صحيح‪.‬‬

‫قوله ص "وير ّده أن صيرورة الماهية االعتبارية بانتزاع مفه‪..‬وم الوج‪..‬ود االعتب‪..‬اري‬
‫ً‬
‫أصيلة ذات حقيقة عينية انقالب ضروري االستحالة"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬قد مر بطالن هذه الحجة‪ ،‬ونق‪..‬ول هن‪.‬ا أيض‪..‬ا‪ :‬إن المص‪.‬نف‪ .‬اف‪.‬ترض أن القائ‪.‬ل‬
‫بأصالة الماهية يسلّم بأن الماهية من هي اعتبارية‪ ،‬فكيف تصير بالجهل أصيلة؟!‬
‫والج‪.....‬واب أن الماهي‪.....‬ة من حيث هي ال أص‪.....‬يلة وال اعتباري‪.....‬ة‪ ،‬فال انقالب في‬
‫صيرورتها أصيلة بعد تغيير اللحاظ لها‪.‬‬

‫قوله ص "أن من التصديقات الحقة"‬


‫أقول‪ :‬يمكن تقسيم القضايا السابقة في التالي‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الهليات البسيطة‪ ،‬وهي القضايا التي يُحمل فيها الوجود على الماهي‪..‬ات‪،‬‬
‫كقولنا "اإلنسان موجود"‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضايا الحقيقية التي يكون محمولها توضيحا لموضوعها‪ ، ،‬وهي إما تشريح‬
‫لماهية –بناء على تركب الماهيات‪ -‬كقولنا "اإلنسان هو الحيوان الن‪.‬اطق" أو تش‪.‬ريح‬
‫لمفهوم مركب من مفاهيم‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضايا الحقيقية المبيّنة الشتمال الموضوع على حيثية معينة‪ ،‬وهي إم‪..‬ا بي‪..‬ان‬
‫جزء ماهية ‪-‬بناء على تركب الماهي‪..‬ات‪ ،-‬أو هي بي‪..‬ان اش‪..‬تمال مفه‪..‬وم على مفه‪..‬وم‪،‬‬
‫كقولنا "اإلنسان حيوان"‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضايا الحقيقية المبيّن‪..‬ة لل‪..‬وزام الماهي‪..‬ات‪ ،‬وهي قض‪..‬ايا حقيقي‪..‬ة مرجعه‪..‬ا إلى‬
‫تقرر مالزمة بين ماهية وأخرى‪ ،‬والل‪..‬وازم ق‪..‬د تك‪..‬ون متوقف‪..‬ة على ش‪..‬روط وارتف‪..‬اع‬
‫موانع كقولنا "النار محرقة"‪ ،‬وقد ال تكون كذلك كقولن‪..‬ا "العق‪..‬ل األول م‪..‬و ِجب للعق‪..‬ل‬
‫الثاني"‪.‬‬
‫القس‪..‬م‪ :‬القض‪..‬ايا الحاكي‪..‬ة عن ثب‪..‬وت ع‪..‬رض ل‪..‬ذات من دون مالزم‪..‬ة بينهم‪..‬ا‪ ،‬كقولن‪..‬ا‬
‫"السطح أسود"‪ ،‬وهذه القضايا خارجية غير حقيقية‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضايا الحاكية عن ثبوت معقول المنطقي لحقيقة‪.‬‬
‫القسم‪ :‬القضايا الحاكية عن ثبوت معقول فلسفي لحقيقة‪.‬‬

‫‪24‬‬

You might also like