Professional Documents
Culture Documents
أما بعد فهذه حواش وتعليقات قيّدتها على كتاب نهاية الحكمة للفيلسوف العالمة السيد
محمد حسين الطباطبائي أرجو أن يجعل هللا فيها خيرا.
1
الحظ :أبو علي ابن سينا ،الشفاء (اإللهيات) ،ص
2
الحظ :أبو علي ابن سينا ،الشفاء
1
والظاهر أن هذا هو رأي عامة الحكماء ،3وال مانع أبدا من أن تكون ضابطة مس..ائل
الفلسفة ضابطة اعتبارية ،ولكن الكالم في قيمة ما يُذكر من تكميل القوة العاقلة بني..ل
المعارف بالبراهين اليقينية ،ويمكن تسجيل المالحظة التالية:
ال ريب في أن العلم بذات.ه كم.ال الموج.ود كم.ا تق.رر في محله ،4وال ريب أن النفس
تميل بطبيعتها لتحصيل العلوم ،ولكن لم يتضح أمران:
األمر األول :أن تحصيل الكمال حسنٌ عقال أو أن ترك تحصيل الكمال قبيح عقال.
األمر الثاني :أن النفس بطبيعته..ا تمي..ل لتحص..يل العلم بم..ا ه..و علم ،ب..ل الظ..اهر أن
النفس تميل لتحصيل العل..وم النافع..ة أو الغريب..ة المث..يرة ،وأم..ا م..ا س..وى ذل..ك فغ..ير
واضح.
ومع عدم اتضاح هذين األمرين يش..كل ت..برير تعلّم عل..وم الحكم..ة النظري..ة بأقس..امها
الثالثة ،وال يمكن أيضا تبرير تعلّم خصوص ما بعد الطبيعة باعتباره كم..ا ال للنفس،
بل ال بد من ذكر خصوصية نافعة من تعلم هذا العلم.
فالحاصل أن بيان الحكماء ال يكفي لتبرير تعلّم علو َمهم بالصورة الموجودة عندهم.
3الحظ:
4الحظ ما كتبه كاتب هذه الحواشي في التعليق على المتن الكالمي المختصر ص
2
أقول :قد يُراد بالموجود المطلق الموج..ود المتن..اهي ال..ذي ال ح..د ل..ه ،فيك..ون الم..راد
بتقييد باإلطالق نفي الحدود العدمية عنه ،وهذا المعنى قد ال يكون له تحقق خارجي.
وقد يُراد به الموجود البحت الذي ليس له في الواقع أي حيثي..ة أخ..رى ،فه..و موج..ود
تنتفي عنه تمام الحيثي..ات األخ..رى في الواق..ع ،وه..ذا المع..نى ق..د ال يك..ون ل..ه تحق..ق
خارجي أيضا.
وقد يراد به الموجود الذي لم يلحظ معه أي لحاظ زائد على حيثية الموجودية العامة،
فينطبق الموجود بهذا المعنى على كل موجود وال يشذ عنه شيء.
5وال ينافي ذلك كون القضية ممكنة الجهة ،فقولنا "اإلنسان موجود باإلمكان" .قضية ضرورية الصدق؛ ألن ثبوت .المحمول مكيّفا .بجهة
اإلمكان ضروري للموضوع (الحظ :نصير الدين الطوسي ،شرح اإلشارات والتنبيهات .،ج)...
4
"يوض .ع المحم..ول بوض..ع
َ .ول للموض..وع ،ومع..نى ذل..ك أن ذاتي َ .ة المحمِ . ()4
الموضوع ،ويُر َفع برفعه مع قطع النظر عما عداه" ،أي أن يك..ون مج..رد
وضع الموضوع فق..ط م..بررا تامّ.ا لثب..وت المحم..ول ل..ه ثبوت..ا ض..روريا،
ويكون رفع الموضوع مبررا تا ّم..ا النتف..اء المحم..ول بالض..رورة ،فيك..ون
المحمول تابعا للموضوع وجودا وعدما ،ال يثبت إال بثبوته ،وال ينتفي إال
بانتفائه.
ووجه هذا االشتراط أنه لو لم يكن المحمول ذاتيّا للموضوع به..ذا المع..نى
ألمكن وضع الموضوع مع ارتفاع المحمول ،وأمكن رفع الموض..وع م..ع
ثبوت المحمول ،ول..و أمكن ذل..ك لم يحص..ل اليقين ب..المعنى األخص؛ ألن
مرجع ذلك في الحقيقة إلى عدم استحالة الط..رف المقاب..ل ،إذ يمكن حينئ..ذ
أن يتخلف المحمول عن الموضوع في الثبوت واالنتفاء.
ويترتب على هذا الشرط نتيجتان:
النتيجة األولى :يترتب على هذا لزوم أن يكون المحمول الذاتي مساويا لموضوعه.
فلو كان أخص كـ(المتعجب) من (الحيوان) لم يك.ف في ثب.وت المحم.ول (المتعجّ ب)
للموضوع (الحي..وان) .مج..رد وض..ع الموض..وع( .الموض..وع) .ب..ل ال ب..د من انض..مام
خصوصية إلى الموضوع تو ِجب ثبوت المحمول.
ول.و ك.ان أعم كالماش.ي بالنس.بة إلى اإلنس.ان ك.ان القي.د في الموض.وع (اإلنس.ان =
الحي..وان الن..اطق) كـ(الن..اطق) لغ..وا ال أث..ر ل..ه في ثب..وت المحم..ول (الماش..ي)
لـ(اإلنسان) ،بل الالزم أن يكون الموضوع .من دون إضافة القيد اللغوية ،فيك..ون ه..و
(الحيوان) في المثال.
فيتضح من هذا لزوم كون المحمول مساويا للموضوع.
.ورد على م..ا ذك..ره المص..نف من ل..زوم ك..ون المحم..ول ال..ذاتي مس..اويا
ه..ذا ،وق..د يَ .
للموضوع أننا نجد بعض المحموالت المذكورة في العلوم أخص من موضوع العلم،
فكيف يفترض صاحب هذه المقالة كون العرض الذاتي مساويا للموضوع؟!
والجواب :أنه لو ك..انت بعض المحم..والت أخص من موض..وع العلم ك..ان المحم..ول
وم..ا يقابل..ه في التقس..يم محم..وال ذاتي..ا واح..دا للموض..وع األعم ،كم..ا أن كال من
المحمولين المتقابلين ذاتيٌّ لحصة خاصة من الموضوع األعم المذكور؛ ألن المأخوذ
في حد كل من المحمولين هو الحصة الخاصة بالمحمول األخص ،والمأخوذ في ح..د
المجموع المردد من المحمولين هو الموضوع األعم بنفسه.
ويمكن تطبيق ذلك على علم الفلسفة الذي موضوعه هو الموج..ود؛ ف..العرض ال..ذاتي
لموضوعه هو المردد من الواجب والممكن ،وهذا المردد مأخوذ في..ه الموج..ود) ،ق..د
تحذف الفقرة(
5
النتيجة الثانية :يجب أن يؤخذ الموضوع في حد المحمول؛ ألن المحم..ول –وفق..ا لم..ا
تقدم -ثابت لموضوعه بالضرورة ،فالموضوع من علل وج..ود المحم..ول –ض..رور َة
أن ارتفاع الموضوع ارتفاع للمحمول-؛ فيجب أن يؤخذ الموضوع في حد المحمول
التام.
فالعرض الذاتي يجب أن يؤخذ موض..وعُه في حِّ .ده ،وه..و الض..ابط في تمي..يزه ،ف..إذا
ض للمحم..ول محم..ول ولمحم..ول المحم..ول محم..ول وجب أن يؤخ..ذ الموض..وع فُِ .
.ر َ
األول في ح ّد جميع هذه المحموالت ،وك..انت ه..ذه المحم..والت كله..ا أعراض..ا ذاتي..ة
للموضوع األول ،كما أن كال من ه..ذه المحم..والت ع..رض ذاتي لموض..وع القض..ية
التي كان محموال فيها.
ويجب أن يُتنب..ه إلى أن القض..ية ربم..ا انعكس..ت أو اسُ .تعملت منعكس..ة ،بحيث يك..ون
العرض الذاتي موضوعا والم..أخوذ في ح..د الع..رض ال..ذاتي محم..وال ،ول..ذلك ك..ان
الالزم أن يقال بيان ضابط العرض الذاتي :هو ما يؤخذ في ح ّده الموضوع .أو يؤخ..ذ
المحمول في ح ّده ،6فاألول كما في قولنا :الموجود ينقس..م إلى واح..د وكث..ير ،والث..اني
كما في قولنا :الواجب موجود.
النتيجة الثالثة :العرض ال..ذاتي يع..رض الموض..وع لذات..ه فق..ط ،ف..المحمول ال..ذاتي ال
يعرض الموضوع بواسطة أصال سواء أَكانت مساوية أو أعم أو أخص.
والمراد بالواسطة عند المصنف ما يكون داخال في حد الموضوع من دون أن يك..ون
متحدا مع الموضوع الذي ُح ِم َل عليه المحمول ،ف(األس..ود) يُحم..ل على (الغ..راب)،
مع أن المأخوذ في حده ه.و (ال.ريش) ال (الغ.راب) .،فيك.ون (األس.ود) محم.وال على
(الغراب) بواسطة (الريش).
النتيجة الرابعة :إن تم..ايز العل..وم بتم..ايز الموض..وعات؛ إذ لك..ل موض..وع أع..راض
ذاتية في الواقع ال تثبت لموضوع آخر ،فمع تمايز الموضوعات تتم..ايز المحم..والت
ويستجيب أن مسألة في أكثر من علم ما دام الموضوع متميزا عن غيره.
تنبي.ه :ه.ذه ُجم.ل م.ا يرتب.ط ب.العرض ال.ذاتي ،وينبغي االلتف.ات إلى أن ه.ذا البي.ان
يختص بالعلوم الحقيقية التي يكون المحم..ول ثابت..ا للموض..وع فيه..ا في الواق..ع ونفس
المعتبر ،وأما العلوم االعتبارية فمحم..والت
ِ األمر ال بمجرد فرض الفارض واعتبار
مسائلها ال ثب.وت له.ا لموض.وعاتها في الواق.ع ،ب.ل بمج.رد االعتب.ار والف.رض ،فال
معنى لجريان ما تقدم وال معنى ليقينية القضايا االعتبارية.
6جاء في عبارة المصنف في حاشية األسفار "المحمول الذاتي هو ما يؤخذ في حده الموضوع أو يؤخذ هو في حدّه الموضوع"،
والشوق األول في كالمه واضح مما تقدم ،وأما الشق الثاني -أعني قوله "يؤخذ في حدّه الموضوع" -فمراده أنه عندما يتم العكس كما
في قولنا "الواجب موجود" ،يكون الموضوع في هذه القضية مأخوذا فيه المحمول ،ويكون المحمول قد أُخ َِذ في ح ّد الموضوع ،ولعل
المصنف اعتبر المحمول في القضية المنعكسة عرضا ذاتيا ،فقال "يؤخذ هو في حدّه الموضوع" .،والظاهر أن الهاء زائدة خطأً،
والصحيح "يؤخذ هو في ح ّد الموضوع" ،وإال فال أجد له معنى محصّال.
6
هذا حاصل ما أفاده السيد الطباطبائي في حاشية األسفار وحاشية الكفاية.7
ويمكن تسجيل المالحظات التالية:
المالحظة األولى:
قوله ص "أن موض..وعها ل ّم..ا ك..ان أع ّم األش..ياء وال ثب..وت ألم..ر خ..ارج من..ه ك..انت
المحم..والت فيه..ا إم..ا نفس الموض..وع ،كقولن..ا :إن ك..ل موج..ود فإن..ه من حيث ه..و
موجود واحد أو بالفعل؛ فإن الواحد وإن غاير الموجود مفهوما لك ّن..ه عين..ه مص..داقا،
ولو كان غيره كان باط َل الذات غير موج.ود ،وإم.ا ليس.ت نفس الموض.وع ،ب.ل هي
أخص منه ،لكنها ليست غيره ،كقولنا :العلة موجودة؛ فإن العلة وإن كانت أخص من
الموجود لكن العلّيّة ليست حيثية خارجة عن الموجودية العامة؛ وإال لبطلت".
أق..ول :وفق..ا للتص..ور .ال..ذي طرح..ه المص..نف ال يختص ع..دم خ..روج المحم..ول عن
الموضوع لكونه حيثية من حيثيات الموضوع = ال يختص ذلك بالفلس..فة ،ب..ل يش..مل
كل العلوم بال فرق.
وال عالق..ة ل..ذلك بعم..وم موض..وع الفلس..فة ،ب..ل ك..ل محم..ول يتح..د م..ع الموض..وع
مصداقا ،وال معنى للحمل من دون اتحاد مصداقي كما سيأتي بيانه إن شاء هللا.
7
مفاهيم؟ فإن كان األول كان اللفظ مشتركا معنويا ،وإن كان الثاني كان اللفظ مشتركا
لفظيا.
.ان مرك..وزة في
ففي مس..ألتنا يُق..ال :ال ريب في اس..تعمال "الموج..ود" بمع..نى أو معٍ .
أذهاننا في م..وارد مختلف..ة ،فه..ل يج..ري ه..ذا االس..تعمال في ه..ذه الم..وارد بعرض..ها
معان؟
ٍ العريض بمعنى واحد أم بعدة
القائل باالشتراك المعنوي على األول والقائل باالشتراك اللفظي على الثاني.
وتحقيق هذه المسألة ال يمكن أن يتم بالبرهان؛ ألن العالقة بين اللفظ والمعنى عالق..ة
وضعية تتبع المنقول من اللغة ومراجعة االرتكازات اللغوية ،وال مع..نى للبرهن..ة في
هذه األمور ،نعم ،االرتكاز اللغوي في هذه المسألة أوضح من أن تتم المباحثة فيه.
هذا ما يقتض..يه البحث الظ..اهري عن ه..ذه المس..ألة ،وحاص..له أن القض..ية المبح..وث
عنه..ا قض..ية لغوي..ة؛ إذ الم ّ .دعى في ظ..اهر كالمهم ه..و "مفه..وم لف..ظ "الوج..ود" في
والح َكم فيه..ا ه..و
َ مختلف استعماالته واحد" ،وترجع هذه القض..ية إلى مس..ألة لغوي..ة،
الرجوع إلى ارتكازات اللغة الناشئ من استقرائها.
ولكن ال ريب أن بحث الفالسفة ليس لفظي..ا ،ب..ل بحثهم في ل ّب..ه يرج..ع إلى أم..ر الزم
لظ..اهر الم ّ .دعى الس..ابق ،وه..و "الح..اكي عن واقعي..ة األش..ياء مفه..وم واح..د ال ع..دة
مف..اهيم"؛ إذ ال ريب أن في ذهنن..ا م..ا يحكي عن تحق..ق األش..ياء وثبوته..ا ،فه..ل ه..ذا
الحاكي مفهوم واحد أم عدة مفاهيم؟
والح..ق أن ه..ذه القض..ية تحليلي..ة محموله..ا م..أخوذ في موض..وعها؛ إذ ينح ّ .ل قولن..ا
"الحاكي عن واقعية األشياء" إلى جهتين :األولى "المفهوم المع..بر عن جه..ة واح..دة"
الثاني..ة هي تقيي..د ه..ذه الجه..ة بكونه..ا "واقعي..ة األش..ياء وثبوته..ا" ،ول ّم..ا ك..ان مع..نى
"المفهوم المعبّر عن جهة واحدة" المأخوذ في موضوع القضية السابقة هو "المفه..وم
الواحد" -إذ ال معنى للمفهوم الواحد إال التعب..ير عن جه..ة واح..دة = -ك..ان المحم..ول
"مفهوم واحد" متضمنا في قولنا "الحاكي عن واقعية األشياء" ،ومرجع هذا إلى كون
قضية "الحاكي عن واقعية األشياء مفهوم واحد" قضية تحليلية.
ومن هنا يتضح أن هذه القضية ال تقبل االستدالل ،كما أن التعبير عنها بالبداهة غ..ير
دقيق8؛ ألنها ليست قضية إال بحسب الشكل!! .فال معنى لقولهم بأن المسألة قريب..ة من
األوليات!!
والحاصل من هذا البيان:
8ال مشاحة في التعبير عن القضايا التحليلية بالبدهية أو األولية ،ولكنني ال أرجح ذلك لالختالف في طبيعة اليقينيات .التركيبية اليقينيات
التحليلية.
وينبغي .االلتفات إلى أن إرجاع األوليات إلى القضايا التحليلية من قبيل السفسطة كما بيّن ُته في الحواشي على كشف المراد.
8
أوال :إن المسألة بحسب ظاهرها مسألة لغوية يختص طريق التحقي..ق فيه..ا بمراجع..ة
التبادر واالرتكازات اللغوي..ة ،إال أن ه..ذه المس..ألة ترج..ع في لبّه..ا إلى الزم له..ا ه..و
محل الكالم ،وال ريب في أن الفالسفة غير ناظرين إلى المسألة اللغوية.
ثانيا :الزم ظاهر الم ّدعى هو قضية تحليلية ال تقبل االستدالل.
تنبيه :يُع َلم مما تق..دم أن االش..تراك المعن..وي من ع..وارض اللف..ظ ال المفه..وم؛ وإال لم
محص.ل
ّ يُع َقل البحث عنه؛ ألنه إن ك..ان من ع..وارض المفه..وم لم يكن ل..ه أي مع..نى
سوى كلّية المفهوم ،فال معنى للبحث عنه بحثا مغايرا عن البحث عن ُكلّية المفهوم.
وبه..ذا يتض..ح أن إس..ناد االش..تراك المعن..وي الى المفه..وم كم..ا يج..ري في عب..ارات
بعضهم ليس صحيحا ،ويتضح أن ما ذكره بعض المحققين من دع..وى أن االش..تراك
اللفظي واالشتراك المعنوي المبحوث عنهما في الفلسفة يختلفان عن المبحوث عنهما
في المنط..ق = مم..ا ال وج..ه ل..ه ،ب..ل ه..و تكلّ..ف ال حاج..ة إلي..ه ،وال يس..تقيم البحث
بلحاظه.9
قوله ص "الوجود هو األصيل دون الماهية ،أي أنه ه..و الحقيق..ة العيني..ة ال..تي ُن ِثب ُته..ا
بالضرورة"
أقول :جاء في األسفار عند التص..دي إلثب..ات أص..الة الوج..ود فصٌ .ل ب..العنوان الت..الي
"فص ٌل في أن للوجود حقيق..ة عيني..ة" ،ومن هن..ا يُالح..ظ اختالف التعب..ير ،فالمص..نف
يعتبر الوجود حقيقة عينية وصدر الدين الش..يرازي يعت..بر أن للوج..ود حقيق..ة عيني..ة،
فهل وراء ذلك نكتة؟ لعل ذلك لما سيأتي في الحاشية اآلتية.
9
ُدرك الذي ُت ْنتزع منه هاتان الحيثيّتان واح..د ،فليس في ال..بين
النقطة الثالثة :الواقع الم َ
حيثيّتان منفصلتان عن في الخارج تنضم إحداهما إلى األخرى.
إن تمت هذه النقاط الثالث يصح طرح السؤال التالي:
.دركات تك..ون ب..إزاء حيثي..ة الماهي..ة أم تك..ون
هل الواقعية والتحقق الذي أثبتناه..ا لل ُمَ .
بإزاء حيثية الوجود كل من هاتين الحيثيّتيْن؟
ومعنى كون الواقعية بإزاء شيء هو كون هذا الشيء متحقق..ا بال أي تج..وّ ز وبال أي
واسطة في العروض ،وهذا معنى األصالة.
وفي مقابل ذلك ،إن انتفت األصالة عن إحدى ه..اتيْن الحيثي..تين فمع..نى ذل..ك أن ه..ذه
الحقيقي..ة غ..ير متحقق..ة إال بن..وع من التج..وّ ز والوس..اطة في الع..روض ،وه..ذا مع..نى
االعتبارية.
فمن يقول بأصالة الوج..ود واعتباري..ة الماهي..ة ي..رى أن الوج..ود متحق..ق في الخ..ارج
حقيقة ،وانتساب التحقق للماهية مجاز غير حقيقة ،فالكتاب غير موج..ود في الخ..ارج
بل الموجود وجود يصحح انتساب الموجودية والتحقق إلى الماهية مجازا.
ومن يقول بأصالة الماهية واعتبارية الوجود يرى أن المتحقق في الخارج حقيقة ه..و
الماهية ،وأما وجود الماهية فهو غير متحق..ق ،وإن ُن ِس.ب التحق..ق إلي..ه ك..انت النس..بة
مجازية غير حقيقية ،وذلك ألن الوجود وفقا لهذا التصور ليس إال مفهوما معبّرا عن
الواقعية ،وليس له مصداق خارجي حقيقي إال إذا أريد به الماهية الخارجية ،وحينئ..ذ
يكون االستعمال مجازيا.
ومن يقول بأصالتهما معا يرى أن في الخارج واقعيتان تنضم إحداهما إلى األخ..رى،
وكل منهما متحققة حقيقة بال أي مجازية أو واسطة في الع..روض ،فالكت..اب موج..ود
حقيقة ووجود الكتاب موجود حقيقة.
وبه..ذا يتم تص..وّ ر المطلب على م..ا أف..اده المص..نف ،وأم..ا االحتج..اج على الق..ول
الصحيح فحاصل ما أفاده المصنف هو التالي:
النقطة األولى :إن الشيء ينال الواقعية والثب..وت باتص..افه ب..الوجود وبحم..ل الوج..ود
علي..ه ،وأم..ا الماهي..ة فهي ال تتص..ف ب..ذاتها بالواقعي..ة ،ب..ل تتب..ع في ذل..ك اتص..افها
ِب عنه..ا الوج..ود بطلت وخ..رجت بالوجود ،فإن اتصفت بالوجود كان واقعية وإن ُسل َ
عن الواقعية.
وحاصل هذه النقطة أن الوجود هو مناط الواقعية.
والظاهر أن المصنف .يرى بداهة هذه النقطة.
10
النقطة الثانية :مناط الواقعية هو األصيل؛ إذ لم ُن ِرد باألصيل إال ما له الواقعية لذات..ه
ال لعروض شيء عليه ،وال ريب أن من..اط الواقعي..ة ه..و مع..روض الواقعي..ة بال..ذات
ومن دون أي واسطة.
وهذا بدهي أيضا.
والنتيجة هي أن الوجود هو األصيل .
هذا حاصل ما أفاده المصنف ،والكالم عليه من جهتين:
الجهة األولى في صحة تصوير المطلب الذي ذكره المص ّنف.
ينبغي االلتفات إلى أنه ال معنى للواقعية إال ما نفهم..ه من التعب..ير ب..الوجود والثب..وت
والتحقق ،فه..ذه التع..ابير تش..ير إلى مفه..وم واح..د وحيثي..ة واح..دة ،ومن هن..ا فال نك..اد
نتصوّ ر معنى قول المصنف "فالوجود هو الذي يُحاذي واقعية األشياء"؛ إذ هو مساو
لقولنا "فالواقعية هي التي ُتحاذي واقعية األشياء ،فهل تجد لذلك معنى م َُحصّال؟!
ومن هنا ينبغي أن ُي َتأمّل أكثر في تص..ور المطلب؛ إذ المس..تفاد من كلم..ات الق..وم أن
المراد باألصيل هو ما يعرضه التحق.ق والثب.وت والخارجي.ة والواقعي.ة –وم.ا ش.ئت
فعبّر -بال أي واسطة في العروض ومن دون أي مجازية ب.النظر ال.دقيق الفلس.في،10
ُدركات أيُّ ش..يء ال..ذي حكم علي..ه العق..ل بالواقعي..ة؟ فيُقال :بعد الفراغ عن واقعيّة الم َ
أَهو الماهية التي يتل ّقاها الذهن أم أنه شيء آخر ال يتل ّق..اه ال..ذهن ولكن ي ُِثب ُتُ .ه البره..ان
(وهو ما يُسمّيه القوم بالوجود)؟
فالوجود الذي ُي ّدعى أصالته ليس هو المحم..ول الواق.ع في الهلي.ة البس..يطة ليُق.ال :إن
الذهن ينتزع من الخارج حيثيّتين حيثي..ة الماهي..ة وحيثي..ة الوج..ود ،فم..ا ه..و األص..يل
منهما؟
فهذه الصياغة غير صحيحة؛ ألن حيثية الوجود التي يتل ّقاها ال..ذهن عن الخ..ارج هي
المحمول الذي إن ُح ِم َل على شيء بال أي واسطة في العروض ك..ان أص..يال ،فكي..ف
تكون هذه الحيثية أصيلة؟!
وبعبارة أخرى :األصيل موضو ُع قض..ي ٍة حمليٍ .ة يك..ون محمولُه..ا بال أي واس..طة في
الع..روض ه..و تل..ك الحيثي َ .ة ال..تي انتزعه..ا العق ُ .ل بإدراك..ه للخ..ارج ،فاألص..يل ه..و
ً
حقيقة ال مجازا. موضوع الهلية البسيطة
فالنزاع ترجع حقيقته إلى تحديد موضوع الهلية البسيطة الحقيقي ،أه..و الماهي..ة ال..تي
ندركها أم هو شيء آخر ال يتل ّقاه الذهن و ُنسمّيه بالوجود؟
10
الحظ :هادي السبزواري ،التعليقة على األسفار ،ج 1ص ؛ محمد تقي المصباح اليزدي ،التعليقة على نهاية الحكمة ،ص.24
11
هذه هي حقيقة النزاع ،ويترتب عليه أن الوجود ال..ذي ُتّ .دعى أص..الته مش..ترك لفظي
مع الوجود الذي ينتزعه الذهن ،وتسميته بالوجود اصطالح ،ووجه المناسبة في ذلك
أن هذه الحقيق..ة ال..تي ال يتل ّقاه..ا ال..ذهن هي منش..أ ان..تزاع الوج..ود كم..ا دل على ذل..ك
البرهان من وجهة نظر القائلين بأصالة الوجود.
هكذا ينبغي تصوير البحث ال كما أفاده المص ّنف ،ومن هنا تعرف دق..ة تعب..ير ص..در
الدين الشيرازي عندما قال "فص ٌل في أن للوجود حقيقً .
.ة عيني..ة" ال أن الوج..ود نفس..ه
حقيقة عينية كما عبّر المص ّنف ،فم..راد ص..در ال..دين أن لمفه..وم الوج..ود االعتب..اري
حقيقة عينية بإزائه ليست هي الماهية المعقولة ،وبهذا تعرف جواب السؤال المذكور
في الحاشية السابقة.
الجهة الثانية في صحة االستدالل الذي ذكره المص ّنف.:
االستدالل الذي ذك..ره المص.نف غ.ير ص.حيح ،وال ب.أس باإلتي.ان بعبارت.ه والتعلي.ق
عليها:
قال "وإذ كان كل شيء ينال الواقعية إذا ُح ِم َل عليه الوجود واتصف به ،فالوجود هو
الذي يُحاذي واقعية األشياء.
وأما الماهية فإذ كانت مع االتصاف بالوجود َ
ذات واقعيّة ومع سلبه باطلة الذات فهي
في ذاتها غير أصيلة ،وإنما تتأصّل بعروض الوجود.
فقد تحصّل أن الوجود أصيل والماهية اعتبارية".
ويُالحظ عليه التالي:
أوال :إن قوله "وإذ كان كل شيء ينال الواقعية إذا ُح ِم َل علي..ه الوج..ود وا ّتص..ف ب..ه"
يحتمل معنيين:
المعنى األول :أن حمل الوجود على الماهية وا ّتصافها به هو واس..طة ثب..وت في ني..ل
الماهية للواقعية ،فهذا إقرار بأصالة الماهية؛ إذ الوجود حينئذ علة خارجية ال ّتص..اف
حقيقة وبال واسطة في العروض ،وهذا المعنى غير مراد للمص ّ .نف ً الماهية بالواقعية
قطعا.
المعنى الثاني :أن حمل الوجود على الماهية وا ّتصافها ب..ه ه..و واس..طة في ع..روض
الواقعي..ة على الماهي..ة ،فالمتص..ف بالواقعي..ة أوال وبال..ذات ه..و الوج..ود ،والماهي..ة
تتصف بالواقعية ثانيا وبال َع َرض ،والظاهر أن هذا المراد.
وال يخفى أ ّنه مما ال محصّل له!
ألن..ه إن أراد ب..الوجود ال..ذي يُح َم..ل على الماهي..ة حقيق..ة الوج..ود فال ريب أن حقيق..ة
الوجود ال ُتح َمل على شيء ،ولو أمكن تصوّ ر الحمل فالمقدمة ال بيّنة وال مُبيّنة.
12
وإن أراد أنه الوجود المحمولي االعتباري فالمسألة ال معنى له..ا؛ ألن مرج..ع كالم..ه
حينئذ إلى أن الماهية ال تتصف بأنها موجودة إال إذا اتصفت بأنها موجودة!! ويتضح
ذلك إذا استبدلت الواقعية في عبارته بالوجود والتحقق ،فتصير كالتالي "وإذ كان كل
شيء ينال الوجود والتحقق إذا ُح ِم َل علي..ه الوج.ود والتحق.ق وا ّتص..ف بهم..ا"!! وه.ذا
مما ال معنى للبحث عنه إال إذا كان الم.راد أن الماهي.ة يس..تحيل أن تتص.ف ب..التحقق
حقيقة بال مجاز ،وسيأتي الكالم ذلك إن شاء هللا.ً والثبوت
ولو سلّمنا أن الماهية ال تتصف بأنها موجودة إال إذا اتصفت بأنها موجودة فال أدري
ما هي المالزمة بين ذلك وبين إثبات حقيقة أصيلة هي الوجود؟!!
ثانيا :الوجود في قوله "فالوجود هو ال..ذي يُح..اذي واقعي..ة األش..ياء" إم..ا أن يري..د ب..ه
ت بدليل عليه ،وإما أن يريد به الوجود المحم..ولي فه..و الوجود الحقيقي فهو مما لم يأ ِ
خروج عن محل النزاع .
ثالثا :قوله "وأما الماهية فإذ ك..انت م..ع االتص..اف ب..الوجود َ
ذات واقع ّي..ة وم..ع س..لبه
باطل..ة ال..ذات فهي في ذاته..ا غ..ير أص..يلة" غ..ير دقي..ق؛ فالماهي..ة من حيث هي ال
موجودة وال معدومة بمعنى أنها في رتبة ذاته..ا لم يؤخ..ذ فيه..ا ال الوج..ود وال الع..دم،
والماهية أيضا مستوية النسبة للوجود والعدم ،ومعنى ذلك أن.ه ال ب..د له..ا من واس.طة
في الثب..وت التص..افها ب..الوجود أو الع..دم ،فهي توج..د إن وُ ِج .دَت علّ ُته..ا ،و ُتع..دم إن
ُع ِد َمت علّتها ،ومجرّ د كونها كذلك ال يعنى بح..ال من األح..وال أن اتص..افها ب..الوجود
أو العدم محتاج إلى واسطة في العروض كما يُفهم من المصنف .
بل إن كونها مستوية النسبة إلى الوجود والعدم يس..تلزم أص..التها! وذل..ك ألنه..ا ل..و لم
تكن أص.يلة الس.تحال اتص.افها ب.الوجود ،فتك.ون معدوم.ة بالض.رورة ،وال توص.ف
بالوجود إال بتجوّ ز وواسطة في العروض ،فكيف تكون مستوية؟!
نعم ،يمكن للقائل بأصالة الوجود أن ينفي استواء نس.بة الماهي.ة إلى الوج.ود والع..دم،
ويدعي بصراحة أن الماهي..ة مس..تحيلة الوج..ود فيُط..الب بال..دليل على ذل..ك ،وأ ّنى ل..ه
ذلك؟!
وبهذا يتضح أن الص..حيح أن الماهي..ة المس..توية النس..بة للوج..ود والع..دم ذات واقعي..ة
بوجود فاعل لها ال باتصافها بالوجود كما عبر المصنف .
ويتضح أيضا سقوط ما ذكره المصنف في بداية الحكم..ة "أن الماهي..ة من حيث هي
ليس..ت إال هي ،متس..اوية النس..بة إلى الوج..ود والع..دم ،فل..و لم يكن خروجه..ا من ح..د
االستواء إلى مستوى الوجود بحيث تترتب عليها اآلث..ار بواس..طة الوج..ود ك..ان ذل..ك
منها انقالبا ،وهو محال بالضرورة .،فالوجود هو المخرج لها عن حد االستواء ،فه..و
األصيل"11؛ فإن قوله "بواسطة الوجود" إن أراد ب..ه الواس..طة في الثب..وت فه..و ق..ول
11
محمد حسين الطباطبائي ،بداية الحكمة ،ص.15ةة
13
بأصالة الماهية ،وإن أراد به الواسطة في العروض فال مالزمة 12بين استواء النس.بة
للوجود والعدم وبين توقف اتصاف الماهية بالواقعية على الواسطة في العروض ،بل
إن استواءها دلي..ل على نفي الواس..طة في الع..روض ،فيك..ون ذل..ك دليال على أص..الة
الماهية ال العكس!
خامسا :قوله "ومع سلبه باطل..ة ال..ذات فهي في ذاته..ا غ..ير أص..يلة" ال ي َُس.لّمه القائ..ل
بأصالة الماهية ليُح َت ّج به عليه ،فهو ال يُسلّم أن الماهية باطلة بسلب الوجود عنها ب..ل
هي عند عدم علّتها معدومة ،معنى معدوميّتها أنها مسلوبة عن الواق..ع ال أن الوج..ود
مسلوب عنها فتصير معدومة ،فمعنى موجودي ّة الماهية عن..د القائ..ل بأص..الة الماهي..ة
هو ثبوتها في الخارج ال ثبوت الوجود لها ،ومع..نى مع..دوميّتها عن..ده ه..و س..لبها عن
الخ..ارج ال س..لب الوج..ود عنه..ا ،ف..افتراض أن الماهي..ة تبط..ل بس..لب الوج..ود عنه..ا
مصادرة على المطلوب.
تأمل في تحقيق المسألة
نرى أن القول بأصالة الماهية بدهي ال مجال للبحث فيه والبرهنة علي..ه ،ولكن يمكن
تسجيل بعض التنبيهات عليه من خالل إلزام القائل بأصالة الوج..ود بل..وازم فاس..دة ال
مجال لاللتزام بها ،وقبل بيان اإللزامات نبدأ ببي.ان أص.الة الماهي.ة بيان.ا يُ.رجى من.ه
رفع المغالطات حولها ،ويتحقق بتمهيد مقدمتين:
المقدمة األولى :في التنبيه على معنى الوجود والعدم البديهيان ،وذلك في نقاط:
النقطة األولى :يمارس اإلنسان أسلوبين في اإلدراك والمعرفة:
األسلوب األول :اإلدراك المباشر ،وهو اإلدراك المبتني على االلتق.اء ب.الواقع نفس.ه،
وم..ورده ه..و الحس الب..اطن والحس الظ..اهر ،فاإلنس..ان ُي..درك م..ا في نفس..ه ب..الحس
الباطن ،ويدرك الخارج من خالل الحواس الخمس.
األس لوب الث اني :اإلدراك غير المباش..ر ،وه..و اإلدراك الحاص..ل من خالل ال..ذهن،
وصور أخرى ق..د يق..ع ن..زاع
ٍ ويتم ذلك من خالل ص َُو ٍر مأخوذة من اإلدراك المباشر
في كيفية حصول الذهن عليها ،13وليس تحقيق ذلك محال لنظرنا اآلن.
12قد يتوهم البعض وجود مالزمة بين استواء نسبة الماهية إلى الوجود والعدم وبين لزوم الوساطة للعروض بأنه ال مصحح لحمل
شيء على الماهية ال يكون مأخوذا فيها ،فال يصح حمل األبيض على السطح إال بعد ثبوت ما هو أولى باألبيضية من السطح ،وهو
البياض نفسه ،فالبياض أولى من السطح بأن يكون أبيض ،فهو األبيض بالذات والسطح أبيض بالعَ رَ ض ،وكذلك األمر في الوجود.
ومرجع هذه الدعوى إلى أن كل محمول عرضي ال يحمل على ذات إال بواسطة في العروض ،فاألبيض ال يعرض على السطح إال
بعد عروضه للبياض ،والموجود ال يعرض الذات إال بعد عروضه للوجود ،وهكذا.
ويُفهم هذا من استدالل المصنف في بداية الحكمة عندما افترض أن عروض الوجود على الماهية بال واسطة في العروض يلزم منه
االنقالب ،وكأ ّن ه يفترض أن عروض الوجود على الماهية بال واسطة في العروض خالف فرض استوائها .وعدم أخذ الوجود والعدم
فيها ،فلو عرض الوجود على الماهية بال واسطة فالعروض لزم أخذ الوجود في الماهية ،وهذا انقالب.
والجواب:
13هذه الصور األخرى هي المعقوالت الثانية الفلسفية كالوحدة والكثرة والعلّيّة والمعلوليّة وغير ذلك.
14
ويختلف األسلوبان في التالي:
أوال :يختص األس...لوب األول ب...األمور المتحقق...ة في الخ...ارج ويس...تحيل تعلّق...ه
بالمعدومات واالعتباريات ،وهذا بخالف األسلوب الثاني؛ فإنه ال يختص.
ثانيا :ال يقبل األسلوب األول الصواب والخطأ بخالف الثاني؛ ألن الصواب والخط..أ
يتو ّقفان على ثبوت إدراك له نسبة إلى الواقع ،فإن ك..ان ه..ذا اإلدراك واج..دا للت..برير
المنطقي 14فه...و ص...واب ،وإن ك...ان فاق...دا للت...برير المنطقي فه...و خط...أ ،وه...ذه
الخصوصية ال تعقل إال في األسلوب الثاني.
أما عدم معقوليّتها في األسلوب األول فألن األس..لوب األول ليس إال إدراك الواق..ع ال
إدراك شيء له نسبة إلى الواقع.
وأما معقوليّتها في األسلوب الثاني فألن الصور ليست نفس الواقع بل شيء ل..ه نس..بة
إلى الواقع ،فإن كانت الصورة .واجدة للتبرير المنطقي فهي صواب ،وإال فهي خطأ.
ثالثا :األسلوب األول في اإلدراك أسلوب أُح..ادي ،ويك..ون باالرتب..اط ب..الواقع نفس..ه،
فليس فيه إثبات وال نفي ،بل ليس فيه إال االتصال بالواقع ،وأما األسلوب الثاني فه..و
أسلوب ثنائي ،فهو ق.ائم على اإلثب..ات والنفي ،فه..و يبت..ني على لح..اظ ص..ورة ذهني..ة
يُح َكم عليها بصورة ذهنية أخرى ،وال يمكن أن يحص..ل أي إدراك من خالل ص..ورة
ذهنية واحدة ،بل ال بد من صورتين ،فهو أسلوب ثنائي.
رابعا :ال يجري التفكير والتأمل في األسلوب األول ،ويختص باألسلوب الثاني ،وهو
واضح.
خامسا :ال يمكن نقل األس..لوب األول إلى ش..خص آخ..ر إال ب..التعبير عن..ه باألس..لوب
الثاني ،وبعد ذلك يمكن نقله من خالل اللغة.
وقد يتمكن المتأمل من لحاظ فوارق أخرى.
النقطة الثانية :يتقوّ م األسلوب الثاني كما تق ّدم بالربط بين الص..ور الذهني..ة ،ويُالح..ظ
فيه أنه ليس ألي صورة ُتلحظ بال..ذهن أي حكاي.ة عن الخ..ارج ،فعن..دما تق..ول "زي..د"
"كتاب" "وجود" "خير" و ...كمفاهيم مستقلة من دون ربط بينها وبين مفهوم آخر ال
يكون في البين أي حكاية عن الواقع.
وهذا من الوضوح بمكان.
النقطة الثالثة :هناك مفهومان رئيسان تتقوّ م بهما الحكاية في األسلوب الثاني ،وهم..ا
مفهوما "الثبوت" و"النفي" ،وذلك من خالل طريقتين:
14لم أعبّر بالمطابقة وعدمها ألن هذا التعبير سبّب مشكالت .علمية ،وأرجو أن أوفق لبيانها الحقا بإذن هللا تعالى.
15
الطريقة األولى :أن يقع أحد هذين المفهومين محم..وال في القض..ية الحملي..ة ،كم..ا في
قولنا "زيد ثابت (= موجود = واقع = متحق..ق)" ،وقولن..ا "زي..د منفي (= مع..دوم)"،
فهنا نجد حكاية في هذا التركيب ،والمستفاد منه "ثبوت زيد" و"نفي زيد".
الطريق ة الثانية :أن يق..ع أح..د ه..ذين المفه..ومين رابط..ا بين ص..ورتين في القض..ية
الحملية ،كما في قولنا "زيد ق..ائم" ،وقولن..ا "ليس زي..د قائم..ا"؛ ففي المث..ال األول يق..ع
الثبوت رابطا بين "زيد" و"قائم" وإن لم يُذكر؛ ألن مفاد ال..تركيب ه..و "ثب..وت القي..ام
لزيد" كما أن مفاد التركيب الثاني هو "نفي القيام عن زيد" ،فنالح..ظ هن..ا أن الثب..وت
والنفي قاما بدور الرابط بين "زيد" و"القيام".
ويمكن أن ُيستنتج من التأمل في هذه النقاط أمران في غاية األهمّية:
األمر األول :أن أي شيء يلحظه الذهن لوحده ال يمكن أن يكون حاكيا عن شيء وال
مفيدا للعلم به ،وعندما يلحظ ال.ذهن ش.يئا ك.ذلك يالحظ.ه بم.ا ه.و من دون أن يك.ون
ثابتا أو منفيا.
وال ف..رق في ه..ذا األم..ر بين المف..اهيم الماهوي..ة وغيره..ا ،فح..تى مفه..وم "الثب..وت"
ومفه..وم "النفي" لوح..دهما ليس..ا ح..اكيين عن ش..يء ،فيمكن أن يُالحظهم..ا ال..ذهن
ويتساءل "هل الثبوت موجود؟" "ه..ل الثب..وت مع..دوم؟" ،...فيجعلهم..ا ب..ذلك محكي..ا
عنهما!
األمر الثاني :أن مفهومي "الثبوت" و"النفي" مفهومان تابعان لطبيع..ة ال..ذهن الثنائي..ة
ليتوصّل بهما إلى الحكاية عن الواقع من خالل األس..لوب الث..اني للمعرف..ة واإلدراك،
فلوال هذا النظام الذهني لم يكن لهما أي معنى!15
فاتضح مما تقدم أن مفهومي الوجود والعدم مفهومان تابع..ا لطبيع..ة األس..لوب الث..اني
من أسلوبي إدراك اإلنسان للواقع ،وأنهما ليسا مفهومين معبّرين عن أشياء خارجية،
بل بهما يتم التعبير عن الخارج.
المقدمة الثانية :في معنى استواء الماهية:
16
إن حقيقة قولنا باستواء الماهية للوجود والعدم ترجع إلى أحد معنيين:
المعنى األول :أن الماهية من حيث هي لم يؤخذ في مفهومها الوجود أو العدم.
المعنى الثاني :أن الماهية ليست ضرورية الوجود وال ضرورية العدم.
وال مالزمة بين المعنيين من كال الطرفين!
توضيح ذلك :إن معنى عدم أخذ الوجود أو العدم في الماهية ه..و أن الوج..ود والع..دم
ال ي..دخالن في مقوّ م..ات الماهي..ة ،وال يس..تلزم ذل..ك أن ال يك..ون الوج..ود أو الع..دم
ضروريا للماهية؛ ألن النسبة الضرورية كما تكون بين الشيء ومقوّ ماته كذلك تكون
بين الش..يء ولوازم..ه ،ومن هن..ا اختل..ف المعني..ان ،ف..المعنى األول يش..ير إلى انتف..اء
التقوّ م والثاني يشير إلى انتفاء الضرورة ،والمعنى الث..اني مس..تلزم للمع..نى األول بال
عكس؛ ألن انتفاء الضرورة يس..تلزم انتف..اء التق..وّ م ،وانتف..اء التق..وّ م ال يس..تلزم انتف..اء
الضرورة .
ويُعلم من هذا البيان أنه ل..و ك..انت الماهي..ة مس..توية النس..بة إلى الوج..ود والع..دم ب..أي
معنى من المعن..يين الس..ابقين لم يكن في ال..بين أي إش..كال في ثبوته..ا بال واس..طة في
العروض ولم يستلزم ذلك انقالبها؛ ألن االنقالب بسبب وجودها فرع كونه..ا متقوّ م..ة
بالعدم أو كونها ضرورية العدم ،وأما إن لم تكن كذلك كما ه..و مقتض..ى اس..توائها لم
يكون محذور في ثبوتها ووجودها حقيقة وبال واسطة في العروض.
معنى ثبوت الماهية
بعد اتضاح المقدمتين السابقتين نقول توضيحا للمراد بأصالة الماهية:
ليس معنى ثبوت الماهية بال واسطة في العروض هو أن شيئا خارجيا يتعلّق به..ا؛ إذ
ليس في البين شيئان في الخارج ،أحدهما الوج..ود واآلخ..ر الماهي..ة كم..ا ه..و واض..ح
بداهة ،ويتضح أكثر من خالل ما تق ّدم في بيان معنى الثبوت والنفي .
وليس معنى ثب.وت الماهي..ة أن الثب..وت ع.رض له.ا بع.د أن ك.انت فاق..دة ل..ه؛ إذ ليس
معنى وجود الماهية وخروجه..ا عن ح..د االس..تواء أنه..ا ك..انت مس..توية في الواق..ع ال
موجودة وال معدومة حقيقة ثم صارت موجودة؛ فإن هذا مساوق لرفع النقيضين قب..ل
وجود الماهية وثبوتها.
بل معنى ثبوت الماهية أن الواقع العي..ني الخ..ارجي ليس إال ماهي..ات ،فمع..نى ثب..وت
الماهية أنها عين الواقع ،ومعنى نفي ماهية أنها ليست الواقع ،ال أكثر وال أقل.
وبعبارة أوضح :ال ريب أن هناك واقع..ا وراء إدراكن..ا ،ومع..نى ثب..وت الماهي..ات أن
هذا الواقع عبارة عن ماهيات ،وه..و ماهي..ات ،فمع..نى ثب..وت ماهي..ة معين..ة ه..و أنه..ا
تشكل حصة من الواقع الخارجي ،ومعنى نفيها هو أنها ال تشكل حصة من الواقع.
17
فليس مع..نى أص..الة الماهي..ة إال أن الواق..ع الخ..ارجي عب..ارة عن ماهي..ات ال أش..ياء
أخرى.
ومن هنا يُعلم أن معنى جعل الماهية بالجعل البسيط من قب..ل الخ..الق ه..و عب..ارة عن
كون الخالق علة لذاتها بحيث ُتشكل بسبب الخالق حصة من الواقع.
وبهذا البيان يندفع اإلشكال القائل بأن الماهية لمّا كانت من حيث هي ال موج..ودة وال
معدومة كان معنى تعلّق الجعل بذاتها هو صدور ما ال موجود وال مع..دوم ،وه..ذا ال
يبرر ثبوت الواقع.
وذلك لورود جملة من المالحظات:
أوال :إنه ليس معنى كون الماهية ال موجودة وال معدومة هو أنه..ا في نفس األم..ر ال
موج..ودة وال معدوم..ة؛ ف..إن ذل..ك رف..ع للنقيض..ين ،ب..ل مع..نى ذل..ك ه..و أنه..ا ليس..ت
ضرورية الوجود وال العدم أو أنها غير متقومة بأحدهما ،وإذا كان ه..ذا ه..و المع..نى
لم يكن في البين أي إشكال في كون تعلّق الجعل بها مس..تلزما لص..حة نس..بة الوج..ود
لها؛ إذ ال نسلّم أن الماهية بعد تعلّ.ق الجع..ل ال موج.ودة وال بعدوم.ة ،ب.ل هي بتعل..ق
الجعل ب..ذاتها موج..ودةٌ ،وال نس..لم أن الماهي..ة قب..ل تعل..ق الجع.ل به.ا ال موج.ودة وال
معدومة ،بل هي معدومة.
ثانيا :إنه ليس معنى جعل الماهية هو إضفاء شيء عليها وتغييرها من حال إلى حال
كما ال يخفى؛ إذ الكالم في الجعل البسيط ،بل معنى جعلها هو تو ّفر علة لها ال أكثر،
ومع توفر العلة يتوفر المعلول الذي هو الماهية ،فيُحكم على الماهية بالوجود.
ثالثا :إن نسبة الوجود إلى الماهية تابعة لطبيعة الذهن الثنائية ،ومع ك..ون ذل..ك تابع..ا
لطبيعة الذهن هذه لم يكن في البين ُب ّد من الحكاية عنها إال بنس..بة الوج..ود المحم..ولي
لها ،مع أن الخارج ليس إال مجموعة من الماهيات ال واقعية للوجود فيها.
رابعا :إن هذا اإليراد يأتي تماما على أصالة الوجود ،ولكن م..ع ض..م بعض النك..ات،
حيث يُقال :إن الوج.ود الفق.ري إن ك..ان مغ..ايرا للماهي..ة غ.ير مس.تو النس..بة للوج..ود
والعدم = كان ضروري الوجود ،ومع كونه ضروري الوجود يكون جعل..ه تحص..يال
للحاصل ،وهو محال ،فال بد من االلتزام بأن الوجود الفقري من دون جع..ل ال واق..ع
له ،ومن ثم يكون الوجود الفقري مع الجعل ض.روري الواقعي.ة والتحق..ق ،ومن دون
الجعل ضروري االنع.دام ،فال يك.ون في ح..د ذات..ه ض..روريا الوج.ود وال ض.روري
العدم ،ومع ذلك يكون مستوي النسبة بكال المعن..يين الس..ابقين ،فال مع..نى لتخص..يص
اإلشكال السابق بالقول بأصالة الماهية.
تنبيه حول معنى اعتبارية الوجود على القول بأصالة الماهية
18
ق..د يت..وهم البعض أن الق..ول بأص..الة الماهي..ة واعتباري..ة الوج..ود يقتض..ي أن يك..ون
الوجود متحققا بواسطة في العروض؛ فلمّ.ا ك.ان مع..نى اعتباري.ة الماهي..ة أن تحققه.ا
بواسطة في العروض ك..ان من الالزم أن يك..ون مع..نى اعتباري..ة الوج..ود ه..و تحق..ق
الوجود من دون واسطة في العروض.
ولكن هذا التوهّم في غير محله؛ ألن القائل بأصالة الماهية ال يقول يص..حح اتص..اف
الوجود بالتحقق ال حقيقة وال بواسطة في العروض ،بل غاي..ة م..ا يقول..ه أن األص..يل
هو الماهية ،والوج..ود المحم..ول عليه..ا ه..و إثباته..ا ،وليس مع..نى أص..التها س..وى أن
الوجود المحمولي يُحمل عليها بال تجوّ ز وال تعمّل.
وأم..ا حقيق..ة الوج..ود فهي باطل..ة من أص..لها وال واقعي..ة له..ا مطلق..ا ،ال أنه..ا متحقق..ة
بواسطة تحقق الماهية؛ فإن هذا القول أردأ من أن يحتمله عاقل فضال عن يقول به.
تنبيه حول صدق القضية "الوجود موجود"
قد ُي َتوهّم أن مقتضى القول بأصالة الماهية هو أن ال تصدق القضية البدهية "الوج..ود
موجود" ،ومن َث ّم تتبيّن بداهة أصالة الوجود وبداهة بطالن أصالة الماهية.
والصحيح أن هذه القضية ال يمكن الحكم عليها ما لم يتم تحديد الم..راد من "الوج..ود"
المذكور في موضوعها بدقة؛ وذلك ألن في البين عدة احتماالت:
االحتمال األول :أن يكون "الوجود" هو الواقع الخارجي البديهي مع قطع النظ..ر عن
طبيعته وحقيقته ،وهذا ما يجري على ألسن الناس عند اإلطالق ،فيقال "ه..ذا الوج..ود
الرائع" ونحو ذلك.
االحتمال الث..اني :أن يك..ون "الوج..ود" ه..و نفس م..ا أض..يف إلي..ه الوج..ود ولكن..ه م..ع
مالحظة كون..ه موج..ودا ،كم..ا ل..و قي..ل في الع..رف "وج..ود الس..ماء أعظم من وج..ود
األرض" ،فهنا ال يُراد بـ"وجود السماء" حقيقة ُتنتزع منها ماهية السماء ،ب..ل الم..راد
هو السماء الموجودة ،من دون لحاظ الوجود كأمر خارجي ،ب..ل الملح..وظ ع..ادة ه..و
الماهية نفسها كما ال يخفى على من اعتاد على العرف.
االحتمال الثالث :أن يكون "الوجود" هو حقيق..ة مباين..ة للماهي..ة غ..ير مس..توية النس..بة
للوجود والعدم هي منشأ انتزاع مفهوم الوجود ،وه..ذا ه.و الم.راد ب..الوجود في مح.ل
النزاع.
االحتمال الرابع :أن يكون المراد بالوجود هو نفس التحقق والثبوت االعتباري ال..ذي
من ش..أنه أن يق..ع محم..وال في الهلي..ات البس..يطة ونسً .
.بة في الهلي..ات المر ّكب..ة ،وه..و
الم..راد من قولن..ا في البح..وث المنطقي..ة "وج..ود زي..د" و"وج..ود الس..ماء" و"وج..ود
اإلحراق للنار" و"وجود الحركة للجسم" ،وقد جرت العادة على هجر هذا االستعمال
ليُستعمل محلّه الثبوت والكون ،فيُقال "ثبوت زيد" أو "كون زيد قائما" ونحو ذلك.
19
ومن هنا يتض..ح الحكم في المس..ألة ،ف.إن أري..د االحتم..ال األول فالقض..ية ص..ادقة بال
شك ،ويكون صدقها تابعا لبداهة الواقع الخارجي ،وإن أريد الث..اني فالقض..ية ص..ادقة
أيضا ويكون صدقها تابعا لتوفر الدليل أو الحس على م..ا أض..يف إلي..ه الوج..ود ،وإن
أريد الثالث فالقضية كاذبة على أصالة الماهية ،وال يترتب على إنكاره..ا أي مخالف..ة
للبداه..ة؛ إذ ال يخفى أنه..ا ليس..ت بديهي..ة ،وإن أري..د الراب..ع فهي كاذب..ة أيض..ا؛ ألن
الوجود بهذا المعنى ليس شيئا خارجيا ،بل مج..رد اعتب..ار يحت..اج إلي..ه ال..ذهن بس..بب
طبيعته الثنائية كما تقدم شرحه.
تنبيه حول صدق القضية "زيد الموجود موجود"
ال ينبغي الريب في أن حمل الشيء على نفسه صادق ،ومقتضى ذل.ك أن يك.ون أخ.ذ
الوجود في أي موضوع مستلزم لص..دق الوج..ود علي..ه ،فال ينبغي ال..ريب في ص..دق
قولنا "زيد الموجود موجود" و"العنقاء الموجودة موج..ودة" و"واجب الوج..ود الث..اني
واجب الوجود"! و"شريك الباري الموجود موج..ود"! و"اجتم..اع النقيض..ين الموج..ود
موجود"!
ولكن ال يلزم من صدق جميعا القضايا السابقة تقرر واقع خارجي بإزائها كما الح..ال
في قضية "السماء موجودة"!
وذل...ك ألن الوج...ود المحم...ول في ه...ذه القض...ايا ه...و نفس الوج...ود الم...أخوذ في
موضوعها! إذ إن مبرر حمل الوجود فيها جميعا على موضوعاتها حمال صادقا ه..و
نفس موضوعاتها ال بداهتها وال توفر دليل ي ُِثبت صحتها ،ولمّا كان الوجود الم..أخوذ
فيها جميعا هو مجرد افتراض بتعمّل الذهن وربطه بين المفاهيم = لم ي ُِثبت المحمول
شيئا أزيد من هذا ،فال يكون معنى حمل الوجود فيها على موضوعاتها سوى اشتمال
مفهوماتها على مفهوم الوجود ،وال يقتضي ذلك تقرر واقع خارجي بإزائها.
وأما لو أريد بالوجود المحمول فيها جميعا الوجود المحمول الذي هو بحمله أو جعله
نسبة يتبيّن صدق القضايا في الخارج فجميع القضايا كاذبة ،وال يلزم من ذل..ك س..لب
الشيء عن نفسه؛ وذلك ألن المأخوذ فيها جميعا ه..و الوج..ود الفرض..ي ،وال..ذي ثبت
في المحمول هو الوجود اإلثباتي ،فال تكون من قبيل حمل الش..يء على نفس..ه ،فيبقى
مجال لصدقها وكذبها.
فإن قيل :ماذا لو أُخ َِذ الوجود المحمولي اإلثباتي في الموضوع؟! .هل ستكون ص..ادقة
حينئذ؟
قيل :ال يمكن أخذ الوجود اإلثباتي في الموضوع؛ ألن معنى أخذه في الموضوع ه..و
أن يكون مشارا به إلى أمر خارجي بالبداهة أو بقيام البرهان على خارجيّته وتحققه،
وأما أخذه بمجرد الفرض والتقدير فال يجعل..ه إثباتي..ا وكاش..فا عن واق..ع ،ب..ل س..يكون
مجرد افتراض لوجوده ،ومن َث ّم يكون الحمل كاذبا.
20
وبعبارة أخرى :إن الوجود اإلثباتي الكاش..ف ليس بي..د المعت..بر والمف..ترض ،ب..ل ه..و
تابع لت..وفر ال..دليل على تح ّقق.ه ،وال يس..تطيع اإلنس..ان أن ي ُِثب َت..ه لش..يء واقع.ا بمج..رد
فرضه وتقديره[ .يحتاج مزيد بسط في التمييز بين مرحلة الفرض ومرحلة اإلشارة].
قوله ص "ويندفع أيضا ما أشكل عليه بأن كون الوجود موج..ودا بذات..ه يس..تتبع ك..ون
الموجودات اإلمكانية واجبة بالذات؛ ألن كون الوجود موجودا بذات..ه يس..تلزم امتن..اع
سلبه عن ذاته. ..
وجه االندفاع :أن المالك في كون الشيء واجب.ا بال.ذات ليس ه.و ك.ون وج.وده نفس
ذاته ،بل كون وجوده مقتضى ذاته من غير أن يفتقر إلى غيره ،وكل وج..ود إمك..اني
فهو في عين أنه موجود في ذاته مفترق إلى غيره مفاض منه "...
أقول :قد عرفت من القوم أن الوجود األص..يل ال تس..توي نس..بته إلى الوج..ود والع..دم
بخالف الماهي..ة ال..تي تس..توي نس..بتها إلى الوج..ود والع..دم ،وله..ذا بن..وا على أص..الة
الوج..ود كم..ا م..ر توض..يح ذل..ك ،فال ينبغي ال..ريب في أن مقتض..ى م..ذهب الق..وم أن
الوجود ال تستوي نسبته إلى الوجود والعدم.
وال يخفى أن.ه ال مع..نى لك.ون ش..يء غ..ير مس.توي النس.بة للوج..ود والع..دم إال كون.ه
ضروري الوجود أو ضروري العدم ،وال ريب في أن الوجود ليس ضروري العدم،
فتعيّن أنه ضروري الوجود ،وهو وجوب الوجود.
فثبت أنه يلزم من القول بأصالة الوجود القول بوجوب تمام الواقع الخ..ارجي وأن..ه ال
إمكان وال فقر فيه!!
وال يخفى أيضا أن..ه بن..اء على تمامي..ة البره..ان على وح..دة واجب الوج..ود يل..زم من
أصالة الوجود الوحدة الشخصية للوجود ،وأرجو أن يأتي ما يوضح األمر بإذن هللا.
فظهر بهذا ظهورا الئحا أن القول بأصالة الوجود يستلزم الق..ول بنفي الممكن..ات وأن
اإلشكال الذي ذكره المصنف مُس َتحكم ال مفر منه.
وأما جواب المصنف فقد ف..رّ ق في..ه بين عن..وانين ،أح..دهما "ك..ون الوج..ود نفس ذات
الشيء" وثانيهما "ك..ون الوج..ود بمقتض..ى ذات الش..يء" ،واألول ال ين..افي اإلمك..ان،
بخالف الثاني الذي هو الوجوب ،والذي تقتضيه األصالة هو األول دون الث..اني ،فال
يلزم من القول باألصالة القول بنفي الممكنات ،بل الالزم هو القول بأن الوج..ود نفس
ذات الموجودات الخارجية.
محص.ل ل.ه؛ ألن ك.ون الوج.ود عين ذات الش.يء ال ّ وهذا الجواب غ.ير ص.حيح وال
يمكن أن يجتمع مع كون الشيء ممكنا؛ فال يُعقل أن يكون الوجود ذاتي..ا لش..يء وم..ع
21
ذلك يكون هذا الش..يء محتاج..ا إلى مو ِج..د ،وبعب..ارة أخ..رى :إن ك..ون الوج..ود ذاتي..ا
لشيء ينافي كون الوجود معلّال بشيء آخر؛ إذ الذاتي ال يُعلّل.
فالحاصل أنه ال يمكن التفكيك بين كون الوج..ود عين ذات الش..يء وبين كون..ه واجب
الوجود.
استطراد حول مفاد القضايا:
بعد أن تبين أن نظام الذهن نظام ثن..ائي ينبغي لفت النظ..ر إلى اختالف مف..اد القض..ايا
الصادقة وإن اتفقت شكال؛ وذلك ألن القضايا الصادقة أقسام:
القسم :القضية التي يكون محمولها الوج..ود ،وهي م..ا يُس.مّى بالهلي..ة البس..يطة ،وهي
قضية مبيّنة لواقعية موضوعها ،وقد مرّ تحليلها.
القسم :القضية التي يكون محمولها عين موضوعها ،كقولن..ا "اإلنس..ان ه..و اإلنس..ان"
وقولنا "زيد هو زيد" ،والظاهر أن هذه القضايا ليست أخبارا عن واق..ع؛ إذ ليس له..ا
أي حكاية عن الخارج وإن كان شأن القضية الحكاية.
القس.م :القض..ية ال..تي يك.ون محموله.ا داخال في موض.وعها ،كقولن.ا "الفاع.ل كلم.ة"
وقولنا "اإلنسان حيوان" بناء على ثبوت ت..ركب الماهي..ات من أج..زاء ماهوي..ة ،فه..ذا
القسم حاصل في حمل أجزاء المفهوم على المفهوم سواء أكان المفهوم مركبا تركيب..ا
اعتباريا كما في المثال األول أم تركيبا حقيقيا كما في الثاني.
القسم :القضية التي يكون المحمول ثابتا لموضوعها بمالك البداهة ،كقولن..ا "الح..ادث
له مو ِجد" وقولنا "الظلم قبيح".
القسم :القضية التي يكون المحم..ول ثابت..ا له..ا بمالك التالزم الس..ببي بين موض..وعها
وبين مب.دأ اش.تقاق المحم.ول ال بين المحم.ول نفس.ه ،كقولن.ا "الن.ار محرق.ة" وقولن.ا
"الكتلة جاذبة" ،وهذه القضايا هي قضايا العلوم الطبيعي..ة ،وهي قض..ايا كلي..ة حقيقي..ة
غير خارجية ،تبتني على تالزم علّي بين ماهيّتين.
القس..م :ال..تي يك..ون المحم..ول ثابت..ا فيه..ا بمالك قي..ام مب..دأ اش..تقاق المحم..ول في
الموضوع ،كقولنا "زيد قائم" وقولنا "بعض البشر مؤمنون" ،وهذه القضية ال تصدق
إال خارجية،
تنبي..ه :القض..ية ال..تي يك..ون محموله..ا اعتب..ارا من االعتب..ارات ك..الوجوب والحرم..ة
والملكية ونحو ذلك يمكن أن ُتع َت َبر على وزان القضايا الحقيقية بحيث يثبت المحمول
للطبيعة المذكورة في الموضوع ثبوتا اعتباريا ،ويمكن أن تعتبر على وزان القض..ايا
الخارجية ،واعتبارها على وزان القضايا الحقيقية ...
22
استطراد حول المعقول الثاني الفلسفي:
يمتاز المعقول الثاني بخصائص:
الخاصة األولى .:تح َمل على الشيء الخارجي وكأنها شيء خارجي.
الخاصة الثانية :الصدق على طبائع وماهيات متباينة.
الخاصة الثالثة :وجوده في الخارج يستلزم التسلسل.
الخاصة الرابع..ة .:تش..كل قض..ايا حقيقي..ة م..ع بعض الموض..وعات من دون أن يك..ون
بينها وبين موضوعها علية خارجية.
ب إلى اإلش..راقيين ،فهي قوله ص "فتبيّن بما تق ّدم فساد القول بأصالة الماهية كما ُن ِس َ .
عندهم أصيلة إذا كانت بحيث يُنتزع منها الوجود وإن ك..انت في ح..د ذاته..ا اعتباري..ة
والوجود المنتزع عنها اعتباريا".
أقول :هاهنا ثالث تعليقات:
التعلي..ق األول :الق..ول بأص..الة الماهي..ة ه..و الح..ق ال..ذي ال محيص عن..ه ،وال مج..ال
لالستدالل على ذلك؛ ألن الحكم بأصالتها بدهي؛ إذ ال ريب في أن الوجود المحمولي
الث...ابت للموض...وع في الهلي...ة البس...يطة يثبت بال أي تج...وّ ز وبال أي واس...طة في
العروض.
ويمكن التنبيه على ذلك من خالل إبطال أصالة الوجود ،فقد عرفت أن القول بأصالة
الوج..ود يس..تلزم الق..ول بنفي الممكن..ات المس..تلزم للق..ول بوح..دة الوج..ود الشخص..ية
المستلزمة لنفي الواقع الخارجي المحسوس ،وفي هذا الزمان باطالن:
الالزم األول :نفي الممكنات ،وهو الزم باط..ل لقي..ام البره..ان على ح..دوث النهاي..ات
المحسوسة.
الالزم الثاني :نفي الواقع المحسوس ،وهو سفسطة واضحة.
التعليق الثاني :الماهية األصيلة هي الماهية المجعولة من الخالق،
التعليق الثالث :لحاظ الماهية من حيث هي ال يبرر اتصافها بالوجود والتحقق ،وه..ذا
ال شك فيه وال ريب ،ولكن هذا ال يعني أن الماهي..ة من حيث هي اعتباري..ة ب..المعنى
المقابل لألصالة؛ وذلك ألن معنى االعتبارية هو ك.ون التحق.ق والواقعي.ة مُس.ندَة له.ا
بواسطة في العروض ،وال يخفى أن الماهية من حيث هي ال توصف بالتحقق أص..ال
حتى يبحث عن كون اتصافها بالتحقق بال واسطة فتكون أص..يلة أو بواس..طة فتك..ون
اعتبارية.
23
والحاص..ل أن م..ا نس..به المص..نف أن الماهي..ة من حيث هي اعتباري..ة عن..د الق..ائلين
بأصالة الماهية غير صحيح.
قوله ص "وير ّده أن صيرورة الماهية االعتبارية بانتزاع مفه..وم الوج..ود االعتب..اري
ً
أصيلة ذات حقيقة عينية انقالب ضروري االستحالة".
أقول :قد مر بطالن هذه الحجة ،ونق..ول هن.ا أيض..ا :إن المص.نف .اف.ترض أن القائ.ل
بأصالة الماهية يسلّم بأن الماهية من هي اعتبارية ،فكيف تصير بالجهل أصيلة؟!
والج.....واب أن الماهي.....ة من حيث هي ال أص.....يلة وال اعتباري.....ة ،فال انقالب في
صيرورتها أصيلة بعد تغيير اللحاظ لها.
24