Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
العالج النفسي التقليدي
اإلرشاد الرعوي
الفلسفة التقليدية
اإلرشاد الفلسفي
تعريف اإلرشاد الفلسفي
الجذور التاريخية لإلرشاد الفلسفي
اإلرشاد النفسي شكل من أشكال اإلرشاد الفلسفي
الفرق بين اإلرشاد النفسي والفلسفي
اإلرشاد الفلسفي علم وفن
الخالصة
- 22 -
الفصل األول
اإلرشاد الفلسفي ،مفهومه وتارخيه
ثمة سؤال يطرح من قبل بعض الفالسفة ،مفاده :كيف يمكن للفلسفة أن تساعدنا على عيش
حياة كريمة وتحقق لنا السعادة والرفاهية؟ هناك العديد من الدراسات املعاصرة ذات الصلة تحاول
استخدام الفلسفة -وعلى وجه الخصوص الفلسفة العملية -في املمارسة اإلرشادية للحد من مآس ي
اإلنسان املعقدة كما نادى بها الفالسفة القدماء .وهذا الجانب أشار إليه العديد من الباحثين
املعاصرين بالفلسفة كإرشاد أو عالج.
وقد وصفت املمارسة الفلسفية أو اإلرشادية كمجموعة من الطرق لعالج املشكالت اليومية واملآزق
من خالل وسائل الفلسفية .على الرغم من مجموعة متنوعة من األساليب ،يبدو املرشدون الفلسفيون
حتى ينجوا في عملهم عليهم املشاركة في املبادئ التالية .1 :استقاللية املسننح أو املسرششد؛ -2تقديم
اإلرشاد الفلسفي الذي يختلف عن اإلرشاد النفس ي و- 3تقديم اإلرشاد الفلسفي الفعال في حل املآزق.
يظهر الفحص النقدي هذا أن تكون اإلشكالية في هذا العمل في املستويين النظري والعملي على حد
سواء .ويمكن أن تكون املمارسة الفلسفية أن تقدم إسهاما قيما كل من الفلسفة وعلم النفس ،وإن
لم يكن يخلو من املخاطر وسوء الستخدام املحتمل ،ويمكن للمرشد الفلسفي إعادة النظر في صحة
النظرية التجريبية ملعتقداته ،وذلك باستخدام النهج تجريبي كمرشد فلسفي،
مقدمة
وفقا لتوماس كون Thomas Kuhnظهر نظام علمي جديد إلى حيز الوجود عندما
تتبنى مجموعة من العلماء نموذجا مشتركا إلجراء البحوث يساعد اعتماد هذا النموذج
أعضاء المجموعات على تتبنى أساليب وأهداف مماثلة مما يسمح للنظام بالتقدم بسرعة .في
هذا الفصل ،اتباعا لقيادة كون ،يجادل الفيلسوف "روجر بادين" بأن اإلرشاد الفلسفي يمر
بمرحلة "ما قبل النموذج" ويحتاج إلى تعريف محوره النموذج إذا أراد تطوير الهوية والتقدم
بسرعة .وفقا لذلك ،يحاول "بادين" تقديم مثل هذا التعريف من خالل فحص المجاالت ذات
الصلة بالعالج النفسي واإلرشاد الرعوي.Pastoral Counseling
وفقا لتوماس كون ،يظهر نظام علمي جديد إلى حيز الوجود عندما تتبنى مجموعة من
العلماء نموذجا مشتركا يتم من خالله إجراء البحوث .
- 1يعمل اعتماد هذا النموذج على تركيز انتباه أعضاء المجموعة على المهمة التفسيرية
الشائعة اآلن ،يقودهم إلى تبني أساليب وأهداف مماثلة ،مما يجعل من الممكن أنشطة حل
- 23 -
األلغاز القياسية التي تشكل علما عاديا .ومع ذلك ،يجادل "كون" في فترات ما قبل النموذج
وأثناء المراحل الثورية ،ال ينخرط العلماء بحق في مثل هذا السلوك أحادي التفكير لحل
األلغاز ،حيث يتم وضع النموذج نفسه موضع تساؤل .بدال من ذلك ،خالل هذه الفترات،
يصبحون على األقل انعكاسا ذاتيا جزئيا حيث يصبحون مهتمين بفهم طبيعة تخصصهم
وعالقاته بالتخصصات األخرى .وغالبا ما يلجؤون إلى دراسة الفلسفة للحصول على
البصيرة.
- 2واألهم من ذلك ،خالل هذه الفترات ،يقضي العلماء وقتا طويال في كتابة البيانات،
وتشكيل مجتمعات جديدة ،وتسمية علوم جديدة ،في محاولة لتحديد أو إعادة تعريف مجالهم.
فبعض هذه العلوم الجديدة هي الوريثة الوحيدة لعلوم "الوالدين" القديمة ،في حين إن
البعض اآلخر جديد تماما .ال يزال البعض اآلخر" ،مثل الكيمياء الحيوية ...تنشأ عن
طريق تقسيم واعادة دمج التخصصات التي نضجت بالفعل ".ويجادل كون ،في هذه
الحاالت األخيرة" ،يتطلب استقبال نموذج جديد في كثير من األحيان إعادة تعريف ذات
الصلة بالعلوم التي قد تُنزل فيها بعض المشكالت القديمة إلى علم آخر (موجود) (في حين
أن البعض اآلخر قد ُيعلن) تماما أنه "غير علمي" .وقد وصف ستيفن تولمين Toulminهذا
النوع من التطور لعلم جديد عن غيره من التخصصات الناضجة بمصطلحات تطورية،
بحجة أنه مثل األنواع الجديدة والثقافات الجديدة ،تتطلب العلوم الجديدة درجة معينة من
العزلة من أجل تطوير هويتها الخاصة .ويوافق كوهن نفسه بتطبيق هذا التحليل على العلوم،
على الرغم من أنه يبدو أحيانا على استعداد لتطبيقه على أنواع أخرى من التخصصات
الفكرية.
في هذا الفصل ،سوف نطبق رؤى كون على اإلرشاد الفلسفي .هذا الشكل من اإلرشاد
هو نظام جديد نسبيا ،وال يزال غير متأكد من هويته ،وأهدافه وأساليبه ،وعالقته المفاهيمية
والقانونية مع التخصصات األخرى ذات الصلة .وغالبا ما تُعزى بداياته الحديثة إلى جيرد
آخنباخ ،Gerd Achenbachالذي أسس أول حديث الممارسة الفلسفية خارج مدينة كولن
بألمانيا في عام( .)1981ومع ذلك ،فقد ربط البعض هذه الممارسة الحديثة بعمل مجموعة
متنوعة من الفالسفة في اليونان القديمة ،مثل السينكس ،والرواقيين ،وحتى سقراط نفسه.
حاليا ،يعمل المرشدون الفلسفيون مع العمالء األفراد والمؤسسات؛ ويستخدمون تقنيات
مستوحاة من مجموعة متنوعة من األساليب الفلسفية ،وكذلك من الخبرة العملية؛ وهم
- 24 -
يطورون ببطء بدايات الهيكل المهني الضروري إذا كان مثل هذا االنضباط للبقاء واالزدهار
في مجمعنا -ناهيك عن التقاضي -المجتمع .على الرغم من هذه التطورات ،إال أنني أزعم
أن هذا االنضباط ال يزال يفتقر إلى نموذج ثابت؛ وهذا ،في اعتقادي ،يعيق تطورها .في
هذا المقال ،آمل أن أبدي بعض المالحظات التي ستساعد في إنشاء مثل هذا النموذج.
ستهدف مالحظاتي إلى ما يعتبر ،بالنسبة لكون ،مهمة مركزية لفترة ما قبل النموذج ،أي
تطوير تعريف لالنضباط -وهو تعريف يمكن ،وفقا لتولمين ،المساعدة في عزل نظام جديد
من الناحية المفاهيمية عن أقرب أقرباؤه .إذا كان التشابه بين التخصصات العلمية والعالجية
صحيحا ،فسيكون مثل هذا التعريف مفيدا في المساعدة على إنشاء نموذج لالنضباط وفي
المهام العملية األكثر أهمية المتمثلة في تحديد األهداف وتطوير األساليب وانشاء مكانة
مهنية لالنضباط.
في مقاربة لهذا المشروع ،سأحذو حذو كل من سقراط وأرسطو .في مزاج سقراطي،
سأطلب "التعريف الفلسفي" المناسب لإلرشاد الفلسفي ،الذي ،عن طريق "قطع المفاصل"،
سيفصل اإلرشاد الفلسفي بشكل صحيح عن التخصصات األخرى وثيقة الصلة .في الحالة
المزاجية األرسطية ،سأفترض أن مثل هذا التعريف يجب أن يصاغ من حيث كل من
الجنس الذي ينتمي إليه هذا النشاط والخاصية األساسية التي تميز اإلرشاد الفلسفي عن
أقرب أبناء عمومته .لتبسيط مهمتي ،سأضع عدة افتراضات أخرى .سأبدأ بافتراض مشترك
على نطاق واسع -وهو االفتراض الذي آمل أن أبرره الحقا في هذا الفصل -أن اإلرشاد
الفلسفي هو عضو في فئة أوسع من التخصصات يشار إليها على نطاق واسع باسم "المهن
المساعدة" .سأفترض أن المهن المساعدة تسعى لمساعدة عمالئها في حل "مشكالت
حياتهم"؛ أي مع تلك المشكالت التي تؤدي بشكل عام إلى "عدم القدرة على العمل ،أو
االعتناء بالنفس ،أو التواجد حول األشخاص ،أو االنخراط في عالقات طويلة األمد" .بالنظر
إلى هذا االفتراض ،يترتب على ذلك أن المهنتين األكثر ارتباطا باإلرشاد الفلسفي هما
العالج النفسي (بما في ذلك العالج النفسي "التقليدي" والعالج النفسي اإلنساني) واإلرشاد
الرعوي .وتعمل هذه االفتراضات على تبسيط المهمة المطروحة إلى حد كبير ،حيث إن كل
ما يلزم القيام به من أجل تحديد اإلرشاد الفلسفي هو تحديد فئة محدودة إلى حد ما تتضمن
هذه المهن الثالث ،ومن ثم تمييز اإلرشاد الفلسفي عن اآلخر .اثنان -ومن الفلسفة
- 25 -
"التقليدية" أيضا .لسوء الحظ ،هذا ليس سهال كما قد يبدو ،ألن كال من العالج النفسي
واإلرشاد الرعوي 1من الصعب تحديدهما.
العالج النفسي التقليدي
تنشأ صعوبة تعريف العالج النفسي التقليدي من حقيقة وجود أنواع مختلفة من العالجات
النفسية لكل منها افتراضاته وطرقه وأهدافه .ومع ذلك ،أود أن أقترح أن إلقاء نظرة على
تاريخ العالج النفسي قد يجلب بعض النظام لهذه الفوضى الظاهرة.
فقد تطور العالج النفسي في سياق مهنة طبية ناجحة نسبيا كانت هي نفسها خالل
السنوات األخيرة من القرن التاسع عشر ،وبدأت في بناء عالجاتها على فهم علمي
للشخص .ونتيجة لذلك ،صاغ العالج النفسي التقليدي نفسه على غرار ممارسة الطب ،مع
األخذ في االعتبار التفسير السببي أو "العلمي" لـ "المرض العقلي" وعالجه الطبي .ووفقا لهذا
الرأي ،فإن التفسيرات العلمية للمرض النفسي يجب أن تُطرح من منظور قوانين نفسية
سببية ،وهذه القوانين ،بدورها ،يجب اكتشافها من خالل نوع من البحوث التجريبية المماثلة
في جميع النواحي المهمة تقريبا للبحث التجريبي عن علوم اآلخرين .عالوة على ذلك ،فإن
عالج األمراض التي كشف عنها هذا الجهد العلمي يجب أن يكون على أساس ما يمكن أن
يسمى "النموذج الطبي في علم األمراض والتي بموجبها يكون دور الطبيب (أو المعالج
النفسي) هو المساعدة في الحفاظ على صحة مرضاه أو استعادتها.
من الواضح ،في هذا النموذج ،أن مفاهيم "المرض" و "الصحة" تؤدي دو ار رئيسيا في
تحديد أهداف وممارسات العالج النفسي" .المرض" ،وفقا لتحليل شائع على نطاق واسع
صاغه تشارلز كولفر وبرنارد جيرت ،هو عضو في فئة أوسع من "األمراض" .فئة تشمل
أيضا اإلصابات واإلعاقات وحتى الموت نفسه .ما هو مشترك بين كل هذه األمراض هو
أنه ُينظر إليها على أنها نوع معين من "الشر" ،وتتميز بأنها تسبب "فقدان القدرة" ،والذي قد
يكون مصحوبا بألم أو خطر على الحياة نفسها .واذا كان هذا هو الحال ،فيجب عندئذ فهم
األمراض مقابل مفاهيم الخلفية مثل "الصحة" أو "األداء الطبيعي" ،حيث يتم إعطاء هذه
المفاهيم محتوى بالرجوع إلى كل من السوية اإلحصائية وبعض المفاهيم شبه األرسطية عن
األداء البشري .لذلك ،فإن "األمراض" هي ظروف موجودة بطريقة ما "داخل" الكائن الحي،
1
- Pastoral Counseling
- 26 -
والتي تمنعه من العمل بطريقة طبيعية بالنسبة لنوعه .في النموذج الطبي ،بالتالي،
الممارسات الطبية -بما في ذلك العالج النفسيُ -يعتقد أنها "قواعد تنظيمية طبيعية" تسعى
إلى المساعدة في إعادة الفرد إلى "حالة صحية طبيعية" .ويتم ذلك عن طريق مكافحة
المرض ،والذي يتم تحقيقه بدوره عن طريق إزالة تلك العوائق الداخلية التي تمنع الفرد من
العمل فوق الحد األدنى الذي يحدد األداء الطبيعي جزئيا .فقد يكون من األفضل صياغة
تعريف للعالج النفسي التقليدي من حيث التاريخ المبكر .في الواقع ،التعريف الذي طوره
فيليب كوشمان Philip Cushmanيصف هذا بالضبط:
"قبل كل شيء ،فإن القاسم المشترك الذي يجمع كل هذه العصور التاريخية ونظرياتها
النفسية هو مفهوم المعالج النفسي كطبيب داخلي .هذا صحيح ليس فقط بالنسبة للنظريات
الدينامية النفسية ولكن أيضا على طرائق حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتبارها
متنوعة نظريا مثل ...علم النفس الذاتي وعلم النفس المعرفي .ويقوم المعالجون النفسيون
بتشكيل وصيانة وعالج عالم الخاص الذي وضعه العصر الحديث داخل كل فرد قائم
بذاته".
العالج النفسي التقليدي :أي ،يسعى إلى عالج المرضى النفسيين عن طريق إزالة
أسبابهم الداخلية ،وبالتالي السماح للفرد بالعمل في مستوى اجتماعي "طبيعي" مقبول.
العالج النفسي اإلنساني :خالل الجزء األوسط من هذا القرن ،كان هذا الفهم المشترك على
نطاق واسع لطبيعة العالج النفسي إذ تعرض للهجوم من الجانبين .من ناحية ،هاجم توماس
س ازز Szaszوحركة "علم النفس الراديكالي" بشكل عام فكرة المرض النفسي .وكان لهذا
الهجوم أوجه عديدة .وكان من أكثرها فاعلية اعتداءها على فكرة "الحياة الطبيعية" .وفقا
عرفة اجتماعيا ،وبالتالي فهي نسبية اجتماعيا .عالوة على
لس ازز ،فإن "الحياة الطبيعية" ُم َّ
ذلك ،فهو مفهوم معياري أو ذو قيمة ال يسمي أي شرط موضوعي .بدال من ذلك ،يشير
إلى مجموعة متنوعة من السلوكيات ،مجمعة معا من قبل المجتمع المهيمن الذي يهتم فقط
بإنتاج الثروة والحفاظ على النظام االجتماعي .لذلك ،جادل س ازز ،فإن فكرة المرض النفسي
تجسد خطأ "االنحراف" -أي الفشل في تلبية الحد األدنى من المعايير االجتماعية -وغالبا
ما تؤدي إلى إساءة المعاملة الجسيمة ،وحتى "االضطهاد" ،ألولئك الذين يوصفون بأنهم
مرضى عقليين .لذلك ،جادل س ازز ،يجب نبذ فكرة "مرض النفسي" تماما .وعلى الجانب
اآلخر ،هاجم السلوكيون فكرة المرض النفسي ،مجادلين على أسس فلسفية وقائمة على
- 27 -
المالحظة بأن التعجيل الحقيقي والحفاظ على أسباب كل ما يمكن العثور على االضطرابات
النفسية خارج الفرد تماما .أدى هذا الخط من الهجوم إلى االهتمام بالحاالت المسببة
لألمراض ،بدال من العمليات العقلية للفرد ،مما أدى إلى فكرة أن "المرض العقلي" يجب
"معالجته" من خالل تعديل البيئة االجتماعية .فالسلوك المرضي ،من وجهة النظر هذه،
ليس سوى عرض من أعراض المواقف االجتماعية المسببة لألمراض ،ويجب أن يكون هذا
السلوك هو محور العالج فقط إذا كان الموقف نفسه ال يمكن تغييره.
وقد أدت خطوط الهجوم هذه مجتمعة إلى تراجع تأثير النموذج الطبي الذي مهد بدوره
الطريق لعدد من التطورات ،بما في ذلك تطوير ما أصبح يعرف باسم "العالج النفسي
اإلنساني" .ما يميز هذا النوع من العالج هو ،أوال ،رفضه لتركيز النموذج الطبي الحصري
على "المرض" .بدال من التركيز فقط على التغلب على اإلعاقة والمساعدة في الحفاظ على
بعض الحالة الصحية "المتجانسة" ،اكتشف علم النفس اإلنساني أيضا إمكانية توسيع
القدرات البشرية أو "اإلمكانات" ،فالدافع الداخلي يحركه نحو تحقيق الذات والسمو الذاتي.
السمة المميزة الثانية لهذه الحركة كانت تركيزها على "الوعي التأملي" بدال من العمليات
الالشعورية .في وصف العالج النفسي اإلنساني ،يرى تاجسون Tagesonبأنه "مهما كانت
المصطلحات المفضلة ،يبدو أن جميع (علماء النفس اإلنساني) متفقون على التفرد الذي ال
مفر منه للوعي البشري وعلى أهمية فهم تصور [العميل] للواقع إذا كان علينا أن نفهم نتيجة
لهذه األفكار ،تبنى المعالجون النفسيون اإلنسانيون ،ما أسماه كارل روجرز ،نهج" العالج
الذي يركز على العميل" (أو "يركز على الشخص") ،مما يؤكد استقاللية العميل.
فاالستقاللية ال تعني فقط أن العميل هو العامل المركزي في عملية العالج (المعالج الذي
يتم تخفيض درجته إلى مرتبة "الميسر") ،ولكن يعني أن العميل هو "خبير" في حاالته
الداخلية .كما قال أحد المؤلفين:
"يركز العالج النفسي اإلنساني أوال ،على عملية اكتشاف العميل بدال من (تفسير
المعالج) .ويتم تشجيع العمالء على تحديد ورمز تجربتهم الداخلية ألنفسهم ،بدال من جعل
المعالج يقدم رمو از لهم لمساعدتهم على فهم معنى تجربتهم .ثانياُ ،ينظر إلى العمالء على
أنهم يتمتعون بامتياز الوصول إلى وعيهم الداخلي الفريد ،وبالتالي ُينظر إليهم على أنهم
خبراء في تجربتهم الخاصة ؛ لم يتم إجراء أية محاوالت لمعارضة أو معارضة أو تشكيل
محتوى تجربة العميل" .ومع ذلك ،إذا كان العميل هو الخبير في هذه األمور ،فيترتب على
- 28 -
ذلك أن يكون العميل أيضا هو الشخص الذي يحدد طبيعة مشكلته (ال ُيفهم على أنها
مرض ،ولكن ككتلة تمنع المزيد من النمو) أيضا كمدة العالج وحتى مساره .لذلك ،يختلف
العالج النفسي اإلنساني عن العالج النفسي التقليدي من حيث إنه ال يسعى إلى التغلب
على المرض ،ولكنه يسعى إلى توسيع اإلمكانات البشرية من خالل السماح للعميل بالتعرف
على اإلمكانات الكامنة لديه ،مما يسهل عملية تحقيق الذات .ويمكن أن يكون هذا بمثابة
تعريف للعالج النفسي اإلنساني.
على الرغم من أن علم النفس اإلنساني يمثل من نواح كثيرة تقدما عن األشكال السابقة
للعالج النفسي ،إال أنه عانى العديد من الصعوبات .كان أولها مفهومه غير النقدي للوعي
ونهجه غير العلمي -وحتى المناهض للعلم -في المعرفة .وتميل هذه المشاكل إلى عزل
علم النفس اإلنساني عن علم النفس النظري السائد وتأخير تطوره .األهم من ذلك بالنسبة
لتطورها المستقبلي ،عالقتها اإلشكالية بالطب والنموذج الطبي.
كما جادل)" )Gary VandenBos et al ,2012كان من الواضح بحلول الستينيات أن
الجدوى االقتصادية طويلة األجل للعالج النفسي تعتمد على اعتراف طرف ثالث بالعالج
النفسي كونه مصروفا طبيا قابال للسداد ومهني الصحة النفسية كمقدمي خدمات الرعاية
الصحية القابلة لالسترداد .مع التوسع األخير في الرعاية الصحية المدارة ،فإن الجدوى
االقتصادية طويلة األجل للعالج النفسي تعتمد اآلن ،كما يمكنني القول ،مباشرة على
اعتراف شركات التأمين بحقيقة أن العالج النفسي يوفر بعض الفوائد الطبية القابلة للقياس
والتي يمكن تبريرها بتكلفة نموذج صالح .أعتقد أن هذا الضغط االقتصادي الخاص كان له
بالفعل تأثير على معدل نمو المهنة .في المستقبل ،سوف تؤثر أيضا على تكوينها .على
وجه الخصوص ،أعتقد أنه سيؤدي إلى إعادة تأسيس النموذج الطبي ،وبالتالي ،إلى تدهور
سريع في الوضع االقتصادي والمهني للعالج النفسي اإلنساني .في النهاية ،سيؤثر هذا على
االنضباط نفسه .في حين سيتم االحتفاظ ببعض تقنيات العالج النفسي اإلنساني في هذا
النظام الجديد ،فإن التركيز على األمراض المحددة واالنحرافات المرضية سيعود ،كما أعتقد،
لالنتقام.
- 29 -
اإلرشاد الرعوي:
يكاد يكون من الصعب تعريف اإلرشاد الرعوي كتعريف العالج النفسي .مرة أخرى،
سأسعى الكتشاف تعريف لهذا المجال من خالل فحص تاريخه .وقد تطور اإلرشاد الرعوي
أيضا في إطار مؤسسي محدد ،أي داخل الكنائس المسيحية المختلفة .وقد حاولت هذه
الكنائس ،بالطبع ،دائما أن تخدم أرواح أعضائها .في الواقع ،تشير الدراسات إلى أنه حتى
عام ( )1955تلقى( )٪42من أولئك الذين يطلبون المساعدة في مشكالت نفسية المشورة
من رجال الدين (مقارنة بـ ٪18ممن تلقوا المشورة من قبل علماء النفس أو األطباء
النفسيين) .ال شك أن "االستشارة" التي تلقوها كانت تهدف في المقام األول إلى حل
مشكالتهم العملية المباشرة .ومع ذلك ،فإن مهمة خدمة أرواح أبناء الرعية كانت تُفسر دائما،
على األقل جزئيا من حيث تحقيق هدف مركزي محدد دينيا.
لسنوات عديدة ،أبقت الكنائس العالج النفسي بعيدا عن متناول اليد .قد يكون من
اإلنصاف القول إن موقف رجال الدين تجاه العالج النفسي العلمي كان مشابها لموقفهم تجاه
االشتراكية العلمية :كالهما بدا علمانيا بشكل خبيث وربما إلحاديا؛ في الواقع ،كما قال أحد
المرشدين الرعويين" ،العالجات" التي تدعو إلى الذات .التعزيز على حساب اآلخرين ،أو
الذي يحاول تعليم السيطرة العقلية على االنفعاالت واألفعال ...يبدو أنه يؤوي إيديولوجيات
غريبة عن التأكيدات المسيحية حول الخدمة ،والمجتمع ،وكمال الشخص" .ومع ذلك ،مع
الظاهر ،الحديث زيادة المشكالت "النفسية" ،إلى جانب تراجع سلطة المؤسسات التقليدية،
بما في ذلك الكنيسة (كالهما نتج ،بال شك ،عن طريق مزيج من التقدم التكنولوجي،
والتحضر ،والعلمنة ،والنمو غير المقيد للرأسمالية) ،سعى القساوسة إلى مساعدة العلم لزيادة
كل من قدرتهم وسلطتهم على معالجة هذه المشكالت .وقد أدى ذلك إلى تبني أدوات العالج
النفسي التقليدي بالجملة وغير النقدية .ولكن في اآلونة األخيرة ،بدأ اإلرشاد الرعوي في
العودة إلى جذوره الدينية .وقدم كاليد ستيكل ،Clyde Steckelعلى سبيل المثال مالحظات
حول "استعادة الطابع الالهوتي واألخالقي للنظام ".مع مالحظة أن بعض "قد يجادل ستيكل
في أن هذه لم تُفقد أبدا" ...من الواضح أن االتجاه اليوم يسير في اتجاه إعادة التأكيد على
األبعاد الدينية والالهوتية المميزة لإلرشاد الرعوي" .
- 30 -
ويعمل هذا التركيز الديني على التمييز بين المرشدين الرعويين وأبناء عمومتهم
المعالجين النفسيين على سطرين .أوال ،من خالل افتراض غرض مهيمن على الحياة
البشرية ،فإنه يقدم المشورة الرعوية بهدف عالجي فريد -الهدف المتمثل في عيش حياة
مسيحية بنجاح ،والتي ،بشكل ملحوظ ،ال يتم تعريفها من الناحية الطبية وال من خالل
المصطلحات المفتوحة لزيادة " اإلمكانات البشرية " .ثانيا ،يزود المرشدين الرعويين بتفسير
ديني محدد لطبيعة وأصل المشكالت النفسية .وبالتالي ،فإن المرشدين الرعويين ،بالمقارنة
مع المعالجين النفسيين ،هم أكثر عرضة لتحديد أصول أي مشكلة حياتية معينة في
الخيارات التي يتخذها عمالؤهم (أو األشخاص المرتبطون بهم) أكثر من بعض األسباب
النفسية الالشعورية .عالوة على ذلك ،من المحتمل أن يتتبعوا هذه االختيارات إلغراء ضمني
للتركيز على الذات المشترك بين البشرية جمعاء .هذا اإلغراء ،بالطبع ،متأصل في حالتنا
"الساقطة" ،في "الخطيئة" .نتيجة لذلك ،غالبا ما يتبنى المرشدون الرعويون مقاربة أخالقية
صريحة .في الواقع ،جادل براوننج Browningبأن "اإلرشاد الرعوي ينتمي إلى األخالق
الالهوتية ،بسبب اهتمامها الواضح بمعايير وأساليب الحياة المسيحية".
لذلك ،يمكن تعريف اإلرشاد الرعوي بأنه شكل من أشكال اإلرشاد األخالقي الذي
يحاول مساعدة عمالءه على تحقيق هدف شامل محدد دينيا باستخدام كل من التأويل
الديني وبعض تقنيات العالج النفسي من أجل المساعدة في حل مشكالت الحياة الخاصة
به .العمالء من خالل مساعدتهم على اكتساب نظرة ثاقبة على الطبيعة الحقيقية لكل من
أنفسهم ومشكالتهم في العرض .في النهايةُ ،يفهم أن هذه المشكالت تنشأ من األفعال
الطوعية المتجذرة في الطبيعة البشرية الساقطة .وسيتضمن قرارهم جزئيا اعتماد فهم ونهج
معتمدين دينيا للحياة.
الفلسفة التقليدية
قبل محاولة تعريف اإلرشاد الفلسفي ،قد يكون من المفيد إلقاء نظرة سريعة على
الممارسة األكثر تقليدية للفلسفة .بالطبع ،ثبت أيضا أن تحديد الفلسفة صعب للغاية .على
الرغم من المحاوالت العرضية التي جرت لتعريف الفلسفة بمصطلحات عالجية -وأكثرها
شهرة هو ادعاء فيتجنشتاين بأن هدف الفلسفة هو "إظهار الطريق للخروج من زجاجة " -
إال أن معظم التعريفات تركز بدرجة أقل على عملية الفلسفة بدال من نتائجها ،تُفهم على أنها
- 31 -
نوع خاص من المعرفة "العاكسة للذات" .وتعكس هذه التعريفات المتمحورة حول المعرفة
بدقة ممارسة الفلسفة في العالم الحديث ،في جزء كبير منه ،يقوم الفالسفة المحترفون
بأمرين :يدرسون ويعلمون؛ أي أنها تنتج وتنشر نوعا معينا من المعرفة العاكسة.
نتيجة لذلك ،تُصنف الفلسفة عادة ضمن مجموعة من التخصصات المعروفة باسم
"العلوم اإلنسانية" .وتعكس هذه التخصصات الطبيعة العامة للحالة البشرية وتتميز عن
بعضها البعض من خالل األساليب أو األدوات أو الوسائط التي يستخدمونها في سياق هذه
االنعكاسات .وعلى الرغم من أن نتائج هذه االنعكاسات تُفهم عموما على أنها ذات قيمة
جوهرية -الكلمات "الجميلة" و"العميقة" و"الملهمة" هي الكلمات المستخدمة للتعبير عن هذه
القيمة -إال أنه من المفهوم أيضا أنها ذات قيمة عملية قليلة أو معدومة .عالوة على ذلك،
من المفترض أن تكون قيمتها الجوهرية "خالدة" ،حيث ُيعتقد أنها تروق لجميع األشخاص
الذين تكون قدراتهم ناضجة بما فيه الكفاية ومثل هؤالء األشخاص طوال حياتهم البالغة.
وهذا يعني أن الرغبة في المعرفة التأملية الذاتية ليست وظيفة ألي موقف معين أو مشكلة
حياتية ،بل هي حاجة عامة بالكامل .نتيجة لهذا التصور الذاتي ،تُدرس الفلسفة والعلوم
اإلنسانية األخرى عادة في الجامعات والكليات للطالب الذين تتميز سماتهم الوحيدة بأنهم
وصلوا إلى السن الذي يمكنهم (من المفترض) القيام به والتقدير الكامل لمشروع الحياة من
االنضباط -التأمل الذاتي .بالطبع ،لن يتمكن البعض من القيام بذلك بشكل جيد ،بينما
سيجد البعض اآلخر المشروع جذابا بشكل خاص .عالوة على ذلك ،سيجد البعض أن
إحدى العلوم اإلنسانية أكثر مالءمة ألذواقهم وقدراتهم من غيرها .فأولئك الذين يستمتعون أو
يتفوقون في الوصف التفصيلي -وان كان مجردا -للحالة اإلنسانية ،أو أولئك القادرين
بشكل استثنائي على التحليل المفاهيمي أو الحجة المنطقية يصبحون فالسفة.
لذلك ،يمكن تعريف الفلسفة التقليدية على أنها فرع في العلوم اإلنسانية الذي يسعى إلى
تطوير واصدار نوع معين من المعرفة ذات القيمة الجوهرية ،ولكن غير المجدية (بالمعنى
العملي أو التطبيقي) ،والتأمل الذاتي من خالل استخدام األدوات الفلسفية القياسية ،مثل
الوصف التفصيلي والتحليل المفاهيمي والوجودي والحجة المنطقية.
- 32 -
اإلرشاد الفلسفي:
يمكن وصف الممارسة الفلسفية أو اإلرشاد الفلسفي)Philosophical Counseling (PC
كمجموعة من الطرق لعالج المشكالت وأحداث الحياة اليومية لدى البشر باألساليب
الفلسفية .فاإلرشاد الفلسفي هو نوع مبتكر من اإلرشاد يستخدم المهارات الفلسفية واألفكار
المنطقية لمساعدة الناس على كيفية التفكير في شؤون حياتهم .ومن المثير للدهشة إلى حد
ما ،أن الفالسفة والمرشدين النفسيين لم يكن لديهم أكثر من تاريخ مميز من التعاون ،فقد
نشعر بالقلق-على حد سواء -من التخصصات التي تهتم باإلنسان وأسلوب حياته
ومعيشته .فقد الحظ األطباء النفسيون األهمية المركزية للفلسفة في الممارسة المهنية
الخاصة بهم ،واالعتماد عليها كمصدر لفهم مشكالت مرضاهم .ولألسف ،هذا لم يكن
الحال ،فاألطباء على العموم قد أهملوا دراسة الفلسفة واعتبروها غير ذات صلة
باختصاصهم ،وتحول مجال الطب وعلم النفس إلى التخصصات المرجعية للنظرية الخاصة
بهم ،وقد يكون السبب هو ارتفاع مستوى التجريد لكثير من الفالسفة الغربيين .هذه هي
السخرية بدال من الفلسفة الهلنستية باعتبارها بحث منضبط لحياة اإلنسان الذي يسعى إلى
كيفية عيش حياته أو أنها جديرة بالعيش .ثم اقترحوا شكال من أشكال النقاش الجدلي ،إذ
شجعوا األفراد في السعي إلى توضيح معتقداتهم من أجل الوصول إلى فهم أفضل
للصراعات وأهداف وجودهم في الحياة(.)Nussbaum 1994, Vlastos 1991
وهنا ،يتبادر إلى الذهن التساؤل اآلتي :هل هناك إرشاد أو عالج يمكن أن تقدمه
الفلسفة لإلنسان في ظل المشكالت المعقدة التي يعاني منها على المستوى الصحي والنفسي
واالجتماعي واألخالقي؟ وهل الفلسفة العملية أو البراجماتية يمكن أن تسهم إلى جانب
تخصصات الصحة النفسية المختلفة في الحد من المشكالت الوجودية التي أرهقت كاهل
اإلنسان في هذا العصر؟ يرى النشار( )2010,35في هذا ،أن الفلسفة هي أصل كل العلوم
التي ازدهرت في عصرنا ،حيث تناسى المختصون في العلوم المختلفة أن الفلسفة هي
األصل ،وهي السند الذي لواله ما نجحوا في الكشف عن أي جديد ،وهي األداة الضرورية
لإلبداع واإلقناع .كما أن اإلرشاد أو العالج الفلسفي قديم قدم الفلسفة نفسها ،إذ لم ينشأ إال
من خالل اإلجابة عن تساؤالت جوهرية أرقت اإلنسان وأرهقت عقله ،مثل البحث عن
الوجود الذي يعيش فيه وعن أصله ومصيره .لقد كانت تلك التساؤالت مثيرة لقلق اإلنسان،
ولم يتم الوصول إلى إجابات إال عن طريق الفالسفة الذين نجحوا من خالل تأمالتهم
- 33 -
وعقولهم للوصول إلى إدراك الكثير من الحقائق حول هذا الوجود ،وحول ماهية اإلنسان وما
يعانيه من مشكالت.
ونتيجة لهذا ،فقدت الفلسفة إلى حد كبير مهمتها الخاصة في فهم وتوضيح واقع البشر،
كما أصبحت العلوم مبتعدة عن أهدافها السابقة بشكل متزايد .ويتضح ذلك في المنطق
الوضعي .ومع ذلك كان هناك ارتباطا واضحا بالفلسفة التي تهتم بقضايا اإلنسان ،وهي
الفلسفة األخالقية .وهناك عدد من الفالسفة أمثال :كانط وروسو وسبينيوزا ،وهيوم ،وهيجل
قدموا إسهامات مهمة في هذا المجال ،وكتاباتهم يجب أن تكون مرجعا لتدريب المرشدين
النفسيين.إالأن دفعة جديدة من الفالسفة الوجوديين ،مثل كيركيجارد( (1844ونيتشه()1881
أصبحت مهمتهم المباشرة البحث عن المسائل الملموسة للوجود اإلنساني ،حيث لفتوا االنتباه
إلى الحياة الشخصية للفرد .وبهذه الطريقة وفروا أساسا ممي از لهذا النوع من الفلسفة التي
يمكن أن تثري ممارسة اإلرشاد النفسي .ومع ظهور هوسرل( )1900وهايدغر (،)1927
وسارتر( ،)1939ومرلوبونتي( )1945أصبحت الوجودية حركة شعبية ذات أهمية للناس
العاديين .فقد كان اهتمام الفالسفة في الماضي مرك از على الخيارات األخالقية ،واألزمات
الوجودية ،والتحديات المستمرة التي تواجه البشر في حياتهم ،لكن أظهرت الفلسفة اليوم القدرة
على توفير منتدى للنقاش من حيث إلقاء الضوء على متغيرات بعيدة المدى لزيادة التصالح
أو التفاوض مع اإلنسان ما بعد الحداثة .لذلك ،يمكن التنبؤ بأن الوجودية ينبغي أن تبني
نموذجا جديدا لإلرشاد الفلسفي من خالل استبدال االعتبارات الطبية بأخرى للتعامل مع
مشكالت اإلنسان المعاصر .
لقد حان الوقت اآلن لتطبيق هذه التعريفات التأديبية المختلفة .بالنظر إلى افتراضاتي
األصلية ،يترتب على ذلك أنه إذا كانت "اإلرشاد الفلسفي" تشير إلى تخصص متميز ،فال
من اإلشارة إلى تمييزه من الناحية المفاهيمية عن التخصصات األخرى وثيقة الصلة التي
نوقشت أعاله .من األفضل أن تبدأ هذه المهمة بتمييز اإلرشاد الفلسفي عن الممارسة
التقليدية للفلسفة .أود أن أزعم أن االختالف المركزي بين هذين المجالين يجب أال يكمن في
الطبيعة االنعكاسية الذاتية للمعرفة التي ينتجونها أو في األدوات الفلسفية التي يستخدمونها.
بدال من ذلك ،يجب أن يكمن االختالف في االستخدام الذي يتم من أجله وضع هذه
المعرفة .كشكل من أشكال اإلرشاد ،ال يسعى اإلرشاد الفلسفي إلى "التنوير" الفلسفي العام
لجميع األشخاص الناضجين المهتمين ،ولكنها تبحث عن رؤى فلسفية محددة قد تكون مفيدة
- 34 -
في مساعدة األفراد (أو المؤسسات) على التغلب على مشاكل الحياة المحددة التي يجلبونها
إلى المرشد .وهذا يعني أن الهدف من اإلرشاد الفلسفي يجب أن يكون استخدام األساليب
الفلسفية لمساعدة العمالء على التفكير النقدي في األفكار ووجهات النظر العالمية المرتبطة
بمشكالت الحياة العملية الحالية .بسبب هذا التركيز على الفرد "المضطرب" ،يجب أن
يختلف اإلعداد المؤسسي لممارسة اإلرشاد الفلسفي عن الفلسفة التقليدية.
فالمرشدون الفلسفيون ليسوا معلمين يقدمون بعض المناهج المحددة للجمهور العام ،بل
يجب عليهم االستجابة (وان كان ذلك بشكل غير مباشر) للمشكالت المحددة لعمالئهم.
وعلى الرغم من أن المرشدين الفلسفيين سيستفيدون من نفس مجموعة األدوات التي
يستخدمها الفيلسوف التقليدي ويهدفون إلى إنتاج معرفة ذاتية االنعكاس ،فإن تلك األدوات
عرض معينة ،وليس ألنها بشكل عام
وهذه المعرفة تهم العميل بسبب عالقتها بمشكالت أ ا
مفيد في حياة الدراسة والتفكير .وبالتالي ،فإن اإلرشاد الفلسفي ،على عكس الفلسفة التقليدية،
يجب أن يكون ،كما افترض سابقا ،عضوا في المهن المساعدة؛ وهي تشبه إلى حد كبير
تلك المهن المساعدة ،مثل العالج النفسي والمشورة الرعوية ،التي تسعى لمساعدة عمالئها
على فهم مشكالت حياتهم .ومع ذلك ،يجب أن يختلف اإلرشاد الفلسفي أيضا عن المهن
المساعدة األخرى .بالنظر إلى االختالفات في التدريب المقدم للفالسفة والمعالجين النفسيين،
أود أن أزعم أن اإلرشاد الفلسفي يجب أن يختلف عن العالج النفسي من حيث إنه ال يتعهد
بمعالجة "المرض النفسي" .وبشكل أكثر تحديدا ،يجب أن يختلف عن العالج النفسي من
حيث إنه ال يمكن أن يعتمد على النموذج الطبي .هذا له نتيجتان .أوال ،يجب أن يكون
اإلرشاد الفلسفي مشروعا فلسفيا وليس مشروعا علميا .نتيجة لذلك ،ال يمكن أن تهتم بأسباب
الحياة ومشكالتها ،إذا تم فهم هذه األسباب من حيث بعض العمليات الديناميكية النفسية أو
االجتماعية أو العضوية األساسية .بدال من ذلك ،يجب أن يهتم اإلرشاد الفلسفي باألسباب
التي تؤدي إلى المعتقدات والمواقف والسلوك اإلشكالي .وبالتالي ،إذا كان اإلرشاد الفلسفي
يختلف عن العالج النفسي ،فيجب أن يفترض أن األفكار والمعتقدات ووجهات النظر
العالمية تؤدي غالبا إلى مشكالت في الحياة ،وأن التحليل النقدي ومراجعة تلك األفكار يمكن
أن يساعد في حل هذه المشكالت .لذلك ،أتفق مع " الهاف" الذي اقترح أن اإلرشاد الفلسفي
يجب أن يتسم بالتحليل النقدي لـ"وجهات النظر العالمية" الضمنية (والمتخلفة)
لعمالئها( )Lahav ,1995ثانيا ،إذا كان فلسفيا ال يمكن أن يستند اإلرشاد إلى النموذج
- 35 -
الطبي ،بل يجب أن ترفض "الصحة" باعتبارها نموذجا معياريا .ال يمكن أن يكون الهدف
من اإلرشاد الفلسفي هو إعادة عمالئها إلى حد أدنى من مستوى األداء االجتماعي (أو
البيولوجي) المحدد ؛ وال يمكن عالج االنحراف .وال يمكن أن تكون اإلرشاد الفلسفي نظاما
سويا.
بالنظر إلى ذلك ،يبدو أن اإلرشاد الفلسفي يشبه إلى حد بعيد المشورة الرعوية .على
عكس العالج النفسي ،تركز كل من اإلرشاد الرعوي واإلرشاد الفلسفي على معتقدات
العمالء ،بما في ذلك معتقداتهم .مثل اإلرشاد الرعوي ،ينصب تركيز اإلرشاد الفلسفي على
االختيارات الواعية للعميل ،وليس على أي عمليات نفسية دينامية أساسية .عالوة على ذلك،
مثل اإلرشاد الرعوي ،فإن اإلرشاد الفلسفي يهتم بشكل خاص بالجوانب األخالقية لهذه
المعتقدات ،وال سيما في فهم العميل ألهداف الحياة .ومع ذلك ،فإن اإلرشاد الفلسفي ،إذا
أريد له أن يكون له هويته الخاصة ،يجب أن يختلف أيضا عن المشورة الرعوية .هذا
االختالف ،كما يرى( )Roger Padinيجب أن يكمن في حقيقة أن اإلرشاد الفلسفي مستقل
عن جميع المؤسسات الدينية .ونتيجة لذلك ،ال يلزم أن تكون ملزمة بنظرة أي دين للعالم،
وعلى وجه الخصوص ،ال يجب أن تبدأ بافتراض أن أي نمط حياة معين (مسموح به دينيا)
هو بالضرورة أفضل من جميع اآلخرين .وهكذا ،على الرغم من أن اإلرشاد الفلسفي ال
يمكن أن يكون مؤسسة عادية أو سوية مثل العالج النفسي ،إال أنه ال يمكن أن يجلب
لممارستها رؤية جوهرية (ذات أسس دينية) للحياة الجيدة .عالوة على ذلك ،فهو ال يحتاج
إلى اعتماد تفسير ديني للعالم وال أسباب مشكالت الحياة ،ونتيجة لذلك ،ال تحتاج إلى
االعتماد على التأويل الديني كأداة مركزية.
تعريف اإلرشاد الفلسفي:
أكثر من العالج النفسي أو المشورة الرعوية ،يجب أن يترك اإلرشاد الفلسفي التعريف
األولي للحياة الجيدة للعميل .أي أن المرشد الفلسفي ال يمكنه فرض آ ارءه الموضوعية على
طبيعة الحياة الجيدة على العميل .بدال من ذلك ،يجب السماح للعمالء بتحديد أهدافهم
األولية (وبالتالي تحديد مشكالت الخاصة) ،وعلى الرغم من أن هذه األهداف قد تخضع
للتفكير الفلسفي ،ال يمكن للمرشد اعتماد أي هدف موضوعي يتجاوز التفكير النقدي في
األفكار ووجهات النظر العالمية المرتبطة بـالمشكلة التي يعرضها العميل (بشكل تأملي).
بهذه الطريقة ،فإن اإلرشاد الفلسفي يشبه إلى حد بعيد ممارسة العالج النفسي اإلنساني.
- 36 -
عالوة على ذلك ،مثل العالج النفسي اإلنساني ،فإن اإلرشاد الفلسفي ليس تخصصا
"علميا" .إنه مهتم بالحياة الواعية لعمالئه ،ويتتبع العديد من مشكالت الحياة إلى العناصر
اإلشكالية لعقل العميل الواعي .باإلضافة إلى ذلك ،فهي أيضا "تتمحور حول العميل" بمعنى
أنها تحترم استقاللية العميل في تحديد التعريف األصلي للمشكلة .أخي ار ،مثل العالج النفسي
اإلنساني ،اإلرشاد الفلسفي ليس نظام تطبيع .بدال من ذلك ،فهو مهتم بمساعدة العمالء في
توضيح وتقييم تلك األفكار ووجهات النظر العالمية المرتبطة بمشكالتهم في العرض.
إن الفلسفة ليست حب الحكمة كما يشير إليها كثير من المنظرين الفلسفيين ،لكنها تعني
عيش المرء حياة الحكمة وحياة الرفاهية ،والفالسفة الرواقيين واألبيقوريين على وجه
الخصوص ركزوا على استخدام التفكير الفلسفي للتقليل من االضطرابات االنفعالية،
واستعادة الهدوء االنفعالي ،وزيادة الشعور بالراحة كونه نتيجة طبيعية للحياة الحكيمة التي
تستحق أن يسعى المرء لذاتها .والفالسفة لديهم المصادر الكافية لمساعدة الناس أكثر من
الممارسين المهنيين اآلخرين على فهم خبراتهم الشخصية والتوافق مع واقعهم ووجودهم في
الحياة؛ وأن التطبيق العملي للفلسفة هو مهارة أساسية تحتاج إلى تطوير عمل الممارس
الفلسفي كخبير مدرب ،يمكن أن يساعد اآلخرين على تقييم قيمهم الشخصية ومشاعرهم
بطريقة براجماتية ،وبالتالي مساعدتهم على التخفيف من انفعاالتهم السلبية ،والسعي إلى
تحسين جودة حياتهم.
علمي منظم قائم على ويقصد بمصطلح اإلرشاد Counselingعموما ":أسلوب
مجموعة من التقنيات واألساليب التي توفر حال للتخفيف من معاناة اإلنسان من األمراض
التي قد تصيبه في جسده وعقله" .كما يعني باللغة الالتينية المداواة أو" عالج الجراح
وتضميدها" ،وهو محاولة لعالج مشكلة صحية ،ويتم عادة بعد تشخيص حالة الفرد
بينما يعني مفهوم اإلرشاد الفلسفي Philosophic المرضية( العاسمي.(17،2015 ،
Counselingوالذي يسمى أحيانا بالممارسة الفلسفية ، Philosophical Practiceكمجال
جديد في الفلسفة ،نشأ كفرع من فروع الفلسفة المعروفة باسم "الفلسفة العملية أو التطبيقية"
Applied Philosophyالذي ينطوي على تطبيق مجاالت خاصة من المعرفة الفلسفية في
مجاالت أخرى للمساعدة على حل مشكالت اإلنسان " .حيث بدأت هذا الحركة العلمية
كممارسة تطبيقية في الظهور منذ عام ( )1980على يد كل من جيرد آخينباخ ،مارينوف،
كوهين ،ورابي ،روزنر ( )Rosner ,2004وكثي ار ما قيل أن الحركة تكون متجذرة في تقليد
- 37 -
السقراطي Socratic traditionالتي ينظر إليها كفلسفة البحث عن الخير والحياة الطيبة ،وأن
الحياة بدون األخالق ليست جديرة باالهتمام والعيش حسب رأي سقراط .والفلسفة ،هي
عالج بالمعنى األصلي للكلمة .فالعالج يأتي من الكلمة اليونانية " "Therapeueinوالتي
تعني "الحضور" أو "المساعدة" .وفي هذا المعنى ،يمكن اعتبار الفلسفة شكال من أشكال
العالج .فالفيلسوف الجيد -حسب رأي سقراط -يساعد وهو القادر على كشف الحقيقة
التي تقع داخل الفرد .وينحصر دوره في إيقاظ قدرة الشخص على التفلسف .واألفكار التي
يتم اكتشافها تساعد الشخص على تطوير مواهبه الطبيعية الخاصة ،وتحركه بوعي واتزان
نحو أهدافه.
ويرى تايلور) )Taylor,2002أن اإلرشاد الفلسفي غالبا ما يتبع نسبه إلى سقراط من
خالل محاولته التأكيد على قضايا العدالة والمعرفة .وهذا اللون من اإلرشاد يتم تقديمه كحل
بديل لبعض المشكالت التي تحاصر اإلنسان في حياته اليومية في ظل عدم كفاية
العالجات األخرى؛ فقد تساعد المعرفة الفلسفية البشر على فهم أنفسهم والعالم المحيط بهم.
ويمكن أن تساعدهم أيضا على توفير اإلرشادات الالزمة لحل مشكالت واضطرابات كثيرة
يعانون منها ،والتي تنضوي ضمن العالجات الدوائية والنفسية بالمعنى الدقيق للكلمة.
عرف اإلرشاد الفلسفي ،بأنه استخدام وتطبيق مبادئ المعايشة الفلسفية
وغالبا ما ُي َّ
وأساليب فهم الواقع النهائي لحياة البشر في حل مشكالتهم وخبراتهم السلبية المؤلمة التي
يعانون منها في حياتهم اليومية .ويعرف رابي) )Raabe,2002اإلرشاد الفلسفي بوصفه
عملية لمساعدة الشخص الذي يعاني من مشكلة أو مسألة تثير قلقا لديه .كما أشار إلى أن
المستنصح Counseleeيكون لديه تضارب في القيم -في كثير من األحيان -والتي قد
تؤثر في تفكيره وسلوكه بطريقة مؤلمة جدا .وفي ضوء عملية التفاعل الفلسفي مع المستنصح
يتحقق لديه تقدير جيد بقيمته ،وبالتالي يجعله يرى بعض القضايا األساسية المتعلقة بقيمه
من رؤية واضحة ،كالتعرف على المشكلة واالنفعاالت المصاحبة وتحليل وتقييم الخيارات
المتاحة إيجاد حل لها ،ووضع تصور كامل لتطوير وجهة نظر متكاملة وموضوعية عن
المشكلة والحلول الممكنة ،وبالتالي التوصل إلى حلول لها.
- 38 -
لذلك ،ينبغي أن يكون التدخل الفعال تحت إشراف خبير مهتم بهذه المسائل .ويقول
"مارينوف" في هذا الصدد ":يجب على الناس التعرف إلى أنفسهم طبيا لكي يكونوا قادرين
على الحفاظ على صحتهم البدنية -بما في ذلك األداء السليم للقدرات العقلية ،من خالل
مراجعة األطباء والمعالجين النفسيين للتأكد من سالمتهم العقلية ،وتقديم الدعم والمساعدة
لتنمية هذه القدرات ،أو الحد من تدهورها واضطرابها .وبالمثل ،يجب على الناس في
األوضاع الطبيعية التعرف إلى سماتهم النفسية من أجل المحافظة على رفاهيتهم االنفعالية.
أي فهم السلوكيات واألفكار واالنفعاالت التي لها تأثير على شخصيتهم ،مثل :والعادات،
والحب ،والكره ،والطموحات ،التنافر المعرفي والوجداني...الخ وهذا الفهم والوعي الذاتي للفرد
أمر ضروري لنمو الشخصية السوية .ولكن السؤال الذي ُيطرح نفسه هنا :ماذا يفعل
الشخص عندما يكون مستق ار طبيا ونفسيا ،لكنه يعاني من مشكالت تؤرقه وتضايقه؟
ولإلجابة عن هذا السؤال يرى المرشدون الفلسفيون أن هذه المشكلة -في هذه الحالة -تقع
ضمن مجال عمل المرشد الفلسفي والذي يقوم بمعالجة القضايا الوجودية لهذا الشخص بدال
من العالج الطبي أو النفسي ،ألن اإلرشاد الفلسفي هو عالج للعاقل وليس لشخص مريض
).) Marinoff,2003,11
بينما ُيعرف روزنر ( )Rosner (2004اإلرشاد الفلسفي كمصدر للرؤية ضمن منهجيات
فلسفية في اإلعداد اإلرشادي ،بهدف االقتراب من مشكالت المستنصحين ،حيث يستخدم
المرشد الفلسفي الطريقة التقليدية في التفكير النقدي في معالجة القضايا ذات االهتمام
األساسي عن حالة المستنصح .وقد أشار روزنر إلى أن المشكالت التي تهم اإلرشاد
الفلسفي هي خارج تضاريس كل من الطب النفسي وعلم النفس (اإلرشاد النفسي) اللذان
يتعامال مع االضطرابات النفسية والعقلية وأمراض أخرى .فالعديد من هذه المشكالت هي
أبعد عن اإلرشاد النفسي التقليدي؛ كمشكالت الحياة التي تشكلت عن طريق المفاهيم
الخاطئة التي يمكن أن تجلب عدم راحة البال على المدى الطويل ،حيث تبدأ عادة بخبرة
القلق واألرق ،وبالتالي غالبا ما تؤدي إلى أزمة في الحياة .والحاجة لمناقشة مثل هذه القضايا
في السياق الفلسفي هي قضايا مهمة للفالسفة الذين لديهم فهم أساسي حول الوجود
اإلنساني.
- 39 -
يمكن تطبيقه بشكل واضح ومتميز لتخفيف معاناة مشكالت البشر .ويشير هذا التعريف إلى
حقيقة مفادها :إن معرفة الفلسفة وفهمها يمكن استخدامها في حل قضايا الحياة الواقعية
للبشر .بينما يرى جوانز )(Gowans ,2010أن اإلرشاد الفلسفي هو مماثل لتلقي اإلرشاد
الطبي ،ألنه قادر على تعديل معتقدات الشخص بحيث يمكنه التغلب على المرض النفسي
وتحقيق الصحة النفسية .ويدلل على ذلك أن الفلسفة البوذية والتقاليد اإلغريقية وضعت نهج
مماثل لها ،كالنهج الطبي في التعامل مع بعض مشكالت العقل والروح والجسد.
ويبدو من هذا ،أن تعريف اإلرشاد الفلسفي يساعد الناس على فهم أنفسهم وعالمهم
الداخلي والخارجي ،من خالل رؤية واضحة لمعنى الحياة وقيمتها .وهذه األساليب والحوارات
التي يستخدمها المرشد الفلسفي مع المستنصحين ضمن عالقة قائمة على االحترام والتقبل،
واالستقاللية الذاتية لكل منهما ،توفر أساس واضح لمواجهة العديد من المشكالت التي
تحاصر المستنصحين في حياتهم اليومية عندما تكون األساليب الطبية والنفسية األخرى
غير كافية في حلها .وبناء على ذلك ،وضعت مارينوف( )Marinoff (1999كتابا أسمته
"أفالطون وليس بروزاك" " Plato, Not Prozacالعتقادها أن مثل هذه المشكالت التي تواجه
كثير من الناس ال عالقة لها باالضطرابات النفسية أو العقلية أو البيولوجية ،ويمكن أن
تكون تلك المشكالت في األساس بمثابة تصور خاطئ للمستنصح عن مشكالت الحياة.
وهذا هو األساس في دعوتها لإلرشاد الفلسفي بدال من بروزاك .ألن بعض مشكالت
اإلنسان قد تكون راجعة إلى عدم وجود رؤية فلسفية سليمة ،كما يؤكد "روزنر" وجهة نظر
مارينوف بالقول :إن اإلرشاد الفلسفي يمكن اعتباره ثاني أقدم مهنة في العالم .فالمرشد
الفلسفي يساعد المستنصحين على التوضيح ،والتعبير ،واالستكشاف ،والفهم للجوانب
الفلسفية في أنظمة معتقداتهم عن العالم والمشكالت الفلسفية المتعلقة بمسائل ،مثل :أزمات
منتصف العمر ،والتغيرات الوظيفية ،والضغوط ،والعواطف ،وتأكيد الذات ،األمراض
الجسدية ،والموت ،والشيخوخة ،ومعنى الحياة ،واألخالق .بمعنى آخر ،يتعامل اإلرشاد
الفلسفي مع األصحاء وليس مع المرضى ،وينظر إلى المستنصح بأنه شخص غير قادر
على حل مشكالته بطريقة سليمة.
ونظ ار ألن مفهوم اإلرشاد الفلسفي لم يستأثر باهتمام دارسي الفلسفة في الجامعات
العربية ،فإننا نسعى من خالل هذه المحاولة للتعرف على مفهوم اإلرشاد الفلسفي ومجاالت
عمله وحدوده وعالقته باإلرشاد والعالج النفسي ،انطالقا من التساؤالت اآلتية :بأي معنى
- 40 -
من المعاني تُعد الفلسفة عالجا أو إرشادا؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه المرشد
الفلسفي في أثناء التدخل العالجي؟ ما عالقة اإلرشاد الفلسفي باإلرشاد النفسي ،هل ثمة
صراع بينهما أم تعاون وتكامل من الناحية المنهية لتقديم المساعدة المتكاملة للشخص الذي
يحتاج إلى التبصر بذاته وبقدراته للوصول إلى درجة من الرضا عن ذاته والعالم المحيط به؟
وفي ضوء ذلك ،يرى ديرك()Dirk,2009أنه يمكن تلخيص مجموعة واسعة من
المحاوالت لتوضيح مفهوم اإلرشاد الفلسفي ومجاالت عمله ،وفقا لثالث مجموعات متداخلة،
هي:
إذا اختلف اإلرشاد الفلسفي عن العالج النفسي اإلنساني ،فيجب أن يكمن هذا
االختالف في مفهوم العقل الذي ينطوي عليه كل تخصص .في حين إن العالج النفسي
Brute اإلنساني يركز تقليديا على ما يمكن تسميته بـ "الظواهر الوحشية للوعي"
Phenomena of Consciousnessالتي تحدث في "القلعة الداخلية" للعقل ،Inner Citadel
يجب أن يركز اإلرشاد الفلسفية على الجوانب المعرفية أو المقصودة للوعي ،في المقام األول
على األفكار ،وليس مجرد فهم نوع آخر من الظواهر الواعية ،ولكن مثل تقديم مزاعم
الحقيقة ،والتعبير عن النظريات ،وعكس وجهات النظر العالمية .وبالتالي ،فإن اإلرشاد
الفلسفي ،على عكس العالج النفسي اإلنساني ،يجب أن يفهم عمالءه على أنهم مخلوقات
"عقالنية" تتصرف ألسباب ترتكز على وجهات نظر شاملة مبررة (محتملة) ،بدال من
التصرف على أساس الدافع الالشعوري أو خبرات الطفولة المبكرة .هذا الفهم لعمالئها له
عواقب عديدة .نظ ار ألن العميل ،وفقا لوجهة النظر هذه ،يطمح (ضمنيا) إلى العقالنية،
فمن الممكن الحكم على أفكار العميل -وحتى إلى الدرجة التي تحتوي على محتوى معرفي،
وانفعالي أيضا -من خالل معايير مثل الصدق والدقة واالتساق والحدة .كما تدعي الحقيقة،
تهدف إلى العالم وتحمل معهم معاييرهم الخاصة للكفاية ،هذه األفكار تتجاوز العميل .نتيجة
لذلك ،ال يمكن أن يكون العمالء "الخبراء" الذين يأخذهم العالج النفسي اإلنساني ليكونوا
كذلك .نظ ار ألن األفكار ليست ظواهر ذاتية بحتة ،فال يمكن للعمالء أن يكونوا خبراء وال
يمكن أن يكون المرشدين الفلسفيين "أطباء داخليين" .بدال من ذلك ،يجب أن يكونوا منتقدين
للمعتقدات واألفكار ووجهات النظر العالمية .نتيجة لذلك ،يجب أن يقدر كالهما التفكير
الواضح والوصف الدقيق والتفكير الجيد ،ليس كأهداف في حد ذاتها ،ولكن كمعايير تحكم
- 41 -
عملية اإلرشاد .ومع ذلك ،فإن وجود هذه األهداف يزيل مركز العميل بالنسبة إلى علم
النفس اإلنساني ،ويضع التركيز على جودة تفكير العميل.
بالنظر إلى هذا التعريف لإلرشاد الفلسفي ،قد يبدو مشابها جدا لشكل من أشكال
العالج المعروف باسم "العالج العقالني االنفعالي السلوكي" أو( )Ellis, 1967) ) REBTفي
الواقع ،هما متشابهان جدا .فقد تم تطوير العالج العقالني االنفعالي السلوكي في األصل
من قبل ألبرت إليس ،فهو معالج نفسي مدرب على التحليل النفسي والذي توصل إلى
االعتقاد بأن أصول العديد من المشكالت االنفعالية والسلوكية لمرضاه تكمن ،ليس في
بعض العيوب في آلية نفسية غير واعية ،بل في عمليات التفكير غير الواعية .على وجه
الخصوص ،توصل إليس إلى االعتقاد -وأصبح هذا أحد االفتراضات المركزية لـ REBT
-أن السبب األساسي للعديد من المشكالت االنفعاليى والسلوكية هو المعتقدات غير
المنطقية .لذلك ،طور إليس شكال من العالج لمعالجة هذه المعتقدات بشكل مباشر .في
برنامج العالج العقالني االنفعالي السلوكي ( ،)REBTيحاول المعالج الكشف عن المعتقدات
غير العقالنية التي تسبب مشاكل العميل ،ليثبت للعميل أن هذه المعتقدات ليست عقالنية
فحسب ،بل هي سبب المشكالت االنفعالية والسلوكية للعميل ،والعمل مع العميل الستبدال
هذه المعتقدات بمعتقدات أكثر عقالنية .من الناحية النظرية ،يمكن للمعالجين العقالنيين
تطبيق هذه الطريقة على جميع أنواع المعتقدات غير المنطقية .لكن في الممارسة العملية،
فإنهم يميلون إلى التركيز أكثر على المعتقدات المعيارية غير العقالنية ،ألن هذه هي
المعتقدات األكثر ارتباطا باالنفعاالت والسلوك.
من الواضح أن اإلرشاد الفلسفي يشترك في الكثير من األمور المشتركة مع العالج
السلوكي العقالني االنفعالي .ومع ذلك ،هناك بعض االختالفات الهامة .أعتقد أن
االختالف األكثر أهمية هو أن المرشد الفلسفي يجلب عادة إلى عالقة اإلرشاد فهما أكثر
تطو ار لطبيعة المعتقدات وطبيعة العقالنية ،وهو فهم مستمد من عمل الفالسفة التقليديين.
وفقا لهذا الفهم ،تحدث المعتقدات ،ليس بمعزل عن غيرها ،ولكن كجزء من مجموعة أكبر -
في حدود وجهات النظر العالمية .هذه العالقة بين المعتقدات ووجهات النظر للعالم معقدة.
على وجه الخصوص ،يمكن أن تشمل معايير العقالنية الداخلية في النظرة العالمية التي يتم
من خاللها تقييم المعتقدات .نتيجة لذلك ،بينما يميل المعالج العقالني إلى فهم "الالعقالنية"
من منظور معيار عالمي "للصالبة" و "عدم المرونة" ،يفهم المرشدون الفلسفيون أنه يجب
- 42 -
تعريف العقالنية ،جزئيا ،باستخدام معايير داخلية لنظرة العميل للعالم .وهكذا ،فإن نهج
المرشدون الفلسفيين هو أكثر "فلسفية" ،وهو أكثر شمولية وسياقية من النهج األكثر تقنية
للمعالج العقالني االنفعالي .أعتقد أن هذا صحيح بشكل خاص في حالة المعتقدات
األخالقية .في هذه الحاالت ،يسمح فهم المرشد الفلسفي األكثر تطو ار لالدعاءات المعيارية
للمرشد باكتشاف مجموعة متنوعة من المعتقدات المعيارية اإلشكالية أكثر مما يمكن للمعالج
العقالني االنفعالي الذي يميل إلى التركيز فقط على المعتقدات المعيارية "العقائدية" .أخي ار،
بالنظر إلى المفردات الفلسفية األكثر تعقيدا ،يكون المرشد الفلسفي أكثر قدرة على مناقشة
المشكالت الفلسفية البحتة التي قد تزعج العميل ،حتى عندما ال تؤدي إلى مشكالت سلوكية
أو انفعالية .في حين إن المرشد الفلسفي لديه وجهة نظر أكثر تعقيدا لطبيعة أنظمة
المعتقدات من المعالج العقالني االنفعالي ،أعتقد أن المعالج العقالني االنفعالي لديه فهم
أكثر تطو ار لكيفية تأثير نظام المعتقدات على السلوك والعاطفة .هذا يعني أن قد يكون
المعالج العقالني عامل تغيير أكثر فعالية من المرشد .ونتيجة لذلك ،أعتقد أن المرشد
الفلسفي قد يكون قاد ار على تعلم الكثير من المعالج العقالني االنفعالي .في جذور القدرات
العظيمة للمعالج االنفعالي العقالني تكمن فكرة أن المعتقدات ليست مجرد أفكار ،ولكنها
أيضا عادات اإلدراك والعمل واألحكام .لتغيير رأي الشخص ،من الضروري تغيير عاداته.
بينما طور المرشدون الفلسفيون القدرة على اكتشاف المشكالت المعقدة في وجهات النظر
العالمية ،فإن البصيرة ليست سوى الخطوة األولى في عملية التغيير .يجب أن يتعلم
المرشدون تحويل األفكار إلى عادات جديدة ،وقد طور العالج العقالني االنفعالي العديد من
التقنيات لتسريع مثل هذه التغييرات.
بالنظر إلى هذه المناقشة ،من الممكن قول بضع كلمات حول األدوات والتقنيات المتاحة
حاليا للمرشدين الفلسفيين ،وحول العالقة العالجية األكثر مالءمة لممارستها .يمكن أن تكون
التقنيات الفريدة لإلرشاد الفلسفي هي تلك األساليب القياسية للوصف والتحليل والتأمل الذاتي
والحجة التي تم تطويرها على نحو كامل في إطار ممارسة الفلسفة التقليدية .كون الفيلسوف،
المرشد الفلسفي ال يمكن أن يدعي أي قدرات خاصة أخرى :المرشدون الفلسفيون غير
مدربين على التحليل السردي ،وليس لديهم نظرة ثاقبة على العمليات الالواعية ،وال هم
جيدون بشكل خاص في الكشف عن ذكريات الطفولة المبكرة .ومع ذلك ،باإلضافة إلى
استخدام األدوات الفلسفية القياسية ،يجب على المرشد الفلسفي أيضا استخدام بعض التقنيات
- 43 -
إلنشاء عالقة عالجية يمكن من خاللها متابعة التحليل الفلسفي .أود أن أزعم أن النهج الذي
يركز على العميل الذي طوره روجرز ،والذي يتضمن إنشاء عالقة داعمة وغير مهددة
يشعر فيها العميل بالراحة بما يكفي لفحص افتراضاته األساسية ،يمكن أن يخدم المرشدين
الفلسفيين جيدا .ومع ذلك ،بينما يجادل روجرز بأن هذا يتطلب من المعالج أن يمنح العميل
"احت ارما إيجابيا غير مشروط" ،فإن مثل هذا الموقف لن يكون متوافقا مع اإلرشاد الفلسفي.
بالنظر إلى طبيعة اإلرشاد الفلسفي ،يجب تعديل نهج روجرز .ويجب أن يحصل العميل
على دعم عاطفي ،بالتأكيد .يجب أن يشعر أو تشعر بالراحة واألمان من الهجوم الشخصي.
ومع ذلك ،يجب أيضا معاملة العميل ككائن عقالني زميل ،شخص يجب عليه بالضرورة
تقديم ادعاءات حول العالم ،وفهم أن هذه االدعاءات قد تكون صحيحة أو خاطئة ،ويقدر
الحقيقة .بقدرما يتبنى العميل هذا الموقف ،فإنه يستحق االحترام .بقدر ما يفشل العميل في
تبني هذا الموقف ،فإنه يحتاج إلى عناية دقيقة لمساعدته أو مساعدتها في اكتساب هذا
الموقف .وبقدر ما يكون العميل غير قادر أو غير راغب في تبني هذا الموقف ،فلن يتمكن
من االستفادة من المشورة الفلسفية ويجب إحالته إلى أنواع أخرى من المرشدين .وبالتالي،
على الرغم من أن أفكار العميل قد تكون خاطئة أو مشوشة ،يجب احترام كل عميل باعتباره
مخلوقا عقالنيا .على وجه الخصوص ،يجب إظهار الصعوبات في رؤيته لعالم العميل
الداخلي؛ ال يمكن للمرشد أن يملي فقط من الخارج .يجب على المرشد الفلسفي أن يتبنى
تجاه عمالئه موقفا من االحترام الكانطي ،يخفف من الدفء الروجري .من ناحية أخرى،
يجب أال يعمي موقف االحترام هذا المرشد الفلسفي عن محاولة العميل التالعب بالعالقة أو
إحباطها إذا كان هذا التفسير لإلرشاد الفلسفي دقيقا ،فسيتبع ذلك العديد من النتائج العملية.
ولعل األهم من بين هؤالء هو أن المرشدين الفلسفيين سيكون لديهم التزام بتعريف أنفسهم
كمرشدين فلسفيين ،لشرح طبيعة وحدود هذا العالج ،وتجنب تقديم اإلرشاد لألشخاص الذين
تكون مشكالتهم نتيجة ألسباب عضوية ،ديناميكية نفسية ،اجتماعية .وبالتالي ،يجب أن
يكون المرشدون الفلسفيون على دراية بوجود هذه المشاكل ،ويجب أن يكونوا قادرين على
تحديد العمالء الذين يعانون منها ،ويجب عليهم إحالة عمالئهم إلى المهنة المناسبة إذا
اتضح أنهم يعانون من هذه المشكالت .ثانيا ،بينما يجب على المرشدين الفلسفيين احترام
استقاللية عمالئهم ،وبينما يجب على المرشد ،على وجه الخصوص ،أن يسمح للعمالء
بتحديد طبيعة مشاكلهم ،يجب أال ُينظر إلى هذه التعريفات على أنها غير قابلة للتحدي.
- 44 -
يجب أن يحتفظ المرشدون بحرية التفكير في هذه األهداف .على وجه الخصوص ،هذا
يعني أن المرشد ال يحتاج إلى مساعدة العميل في القيام بأشياء غير قانونية أو يعتقد المرشد
أنها غير أخالقية أو ضارة .ومع ذلك ،قد يبدو لزاما على المرشد أن يقدم للعميل بعض
أسباب هذا الرفض ،على الرغم من أن هذه األسباب قد ال يعتبرها العميل قاطعة .بعبارة
أخرى ،االحترام طريق ذو اتجاهين.
أخي ار ،من المهم أن يوضح المرشد للعميل حدود اإلرشاد الفلسفي .وتنشأ العديد من
مشكالت الحياة من مواقف خارجة عن سيطرة العميل ،وخارج نطاق اإلرشاد الفعال .ونتيجة
لذلك ،ال يمكن حل بعض مشكالت الحياة ،وأحيانا ال يمكن تحقيق السعادة حتى للناس
الطيبين والحكماء .ال يستطيع المرشدون دائما إنتاج "عالج في وسط مجتمع مريض"،
وعليهم توعية عمالئهم بهذه الحقيقة .عالوة على ذلك ،فإن الهدف من اإلرشاد الفلسفي ليس
مجرد إسعاد أو إرضاء عمالئها .بدال من ذلك ،الهدف هو توضيح وتحسين أفكار العميل
ووجهات نظره للعالم من خالل عملية التفكير النقدي .من المفترض -ولكن ليس مضمونا
-أن هذا التفكير يمكن أن يؤدي غالبا إلى حل لمشكالت تقديم العميل ،وربما حتى
السعادة ،ولكن يجب أن يركز المرشدون الفلسفيون على تحليل وجهات النظر العالمية
المرتبطة بمشاكل حياة العميل ،وليس على الحياة -مشاكل أنفسهم .غالبا ما يكون توضيح
هذه األفكار ووجهات النظر العالمية وتحسينها مرضيا في جوهره .عالوة على ذلك ،قد تحل
مثل هذه التوضيحات بعض مشاكل العرض .ومع ذلك ،بالنظر إلى تعريف اإلرشاد الفلسفي
الذي دافعت عنه في هذا المقال ،يجب فهم اإلرشاد الفلسفي بعبارات متواضعة إلى حد ما.
يمكن للمرشدين الفلسفيين أن يأملوا في تقديم خدمات فريدة وقيمة -التحليل النقدي لألفكار
اإلشكالية ووجهات النظر العالمية -لكن اإلرشاد الفلسفي ليس عالجا نفسيا أو إرشادا
رعوية .ويمكن أن يعد نوعا من الحكمة العملية ،لكنها ال تعد بالسعادة.
اجلذور التارخيية لإلرشاد الفلسفي:
إن اإلرشاد الفلسفي مفهوم قديم ،قدم الفلسفة نفسها ،وخصوصا أنه كان يمارس من قبل
سقراط في سياق حواره مع السفسطائيين ،Sophistsإذ ربط سقراط الفلسفة بممارسة الطب،
والهدف من الفلسفة هو تحسين النفس البشرية وتخليصها من األفكار الكاذبة التي تصيبها،
وأصبح هذا الهدف التحدي األساسي في الفلسفة كونه يتناول الجوانب األخالقية في حياة
الناس من الجانب النظري ،لكن الشق اآلخر من الفلسفة يتمثل في "الجانب العملي" لمعالجة
- 45 -
هذه القضايا التي تتعلق بمصير اإلنسان الذي لم يوليه الفالسفة االهتمام الالزم منذ بدايات
القرن العشرين وحتى ظهور هذا المفهوم على الساحة العلمية .بالرغم من أن المدرسة
السقراطية والهلنستية في الفلسفة تصدت لمهمة إيجاد حل لهذا التحدي .وظلت هاتان
المدرستان الفلسفيتان بارزتان إلنجاز هذا الهدف (إنقاذ للحياة) أو المهمة "إلنقاذ الروح" عن
طريق الفلسفة .بينما أظهرت مدرسة أبيقور -األبيقورية ،والمدرسة الرواقية محاوالت جادة
لتشخيص مشكالت اإلنسان وتقديم بعض األساليب اإلرشادية لها ،إذ أصبحت تلك الفلسفة
تعالج أعداد كبيرة من المشكالت التي تحاصر حياة اإلنسان.
ويعتقد أن أبيقور - Epicurusمؤسس المدرسة األبيقورية Epicureanismوالذي ُيعد أول
من وضع أسس الفلسفة كعالج -أن الفيلسوف الذي يقدم اإلرشاد للحد من المعاناة اإلنسانية
بدال من أي استخدام في اإلرشاد الطبي إذا كان ال يعاني من األمراض الجسدية؛ فكذلك ال
توجد أية قيمة الستخدام الفلسفة إذا لم تعالج معاناة الروح ( (Long & Sedley, 1987,
.155ويعتقد أبيقور Epicurusبقوة أن الفلسفة يمكن أن تجلب الهدوء إلى النفوس
المضطربة من البشر .وقد انتشرت مثل هذه األفكار والممارسات في فترة الفلسفة الهلنستية
والعديد من المدارس حول أحداث الحياة الضاغطة التي تواجه اإلنسان .ويعد سقراط فيلسوفا
رائدا في العالج الفلسفي ،حيث يعتقد أن طريقة إدراك البشر حول حياتهم يمكن أن تشكل
البؤس بالنسبة لهم ،وأن الفلسفة سوف تساعدنا على تخليص حياتنا من هذه المآسي .
وبهدف وصول بالمستنصح أو المسترشد( )Client or Counseleeإلى قناعة بأن "الحياة ال
تستحق أن تعاش" ،وبالتالي حث العمالء على معرفة أنفسهم بشكل جيد .هذا هو اإلرشاد
الفلسفي الذي يساعد العمالء في إعطاء فكرة واحدة حول الحياة وما يتعلق بمعانيها بشكل
عام .أي ،إنه يساعد في توضيح القيم وجعل الحياة" تستحق أن تعاش".
ويعتقد سينيكا- Senecaوهو من أقطاب المدرسة الرواقية في الفلسفة الذي شارك بجدية
في البحث عن مشكالت لحالة اإلنسان -أن موضوع الفلسفة هو البشر ،وأن اإلرشاد
الفلسفي يعالج األرواح التي أزهقت العقل ،وذلك عن طريق تنمية األمل والمساندة
االجتماعية .كما يعتقد أن الفلسفة تساعد على فهم وتقدير أكثر للقيم في الحياة ،وذلك
لمعرفة ما يستحق المتابعة في حياة الهدوء داخل النفس البشرية .وأخر المتحمسون لفكرة
اإلرشاد الفلسفي" ،شيشرون" في كتابه ،Disputations Tusculumوالذي يقوم على "فن
شفاء الروح" ،وشدد على أن هذا الفن يجب السعي إليه بكل ما أوتينا من مصادر القوة حتى
- 46 -
نتمكن من أن يكون الطبيب الخاص بنا .عالوة على أنه يساعد الشخص كي يصبح طبيب
نفسه ،أو من ناحية أخرى يلعب دور الطبيب لشخص آخر من خالل تقديم اإلرشاد
الفلسفي.
نشأته العلمية:
إن الرؤية اإلرشادية واألسلوب الفلسفي كانا غارقين بطريقة أو بأخرى في فترة العصور
الوسطى عندما ذهب الفالسفة إلى الحديث عن المسائل النظرية والتجريدية ،كالقيم،
واإلخالص ،الحكمة ،والدين ،والروح ،واهلل ....لكن هذا األمر لم يدم طويال ،إذ سعى كثير
من الفالسفة في العصر الحديث إلعادة توجيه الفلسفة لتصبح عملية أكثر فعالية ،كما
كانت في بدايتها( نظرية وعملية) إذ الحظ ديكارت ،Descartesوكانط ، Kantونيتشه
،Nietzscheوديوي Deweyأن الفلسفة قد انحرفت عن مسارها عندما أبعدت الجانب
العملي من أهدافها ،وكان من رأي هؤالء الفالسفة أنه ينبغي للفلسفة أن تواجه أسئلة مهمة
في الحياة اليومية ،ويبدو أن هذا هو طريق العودة إلى العقل من خالل مسار اإلرشاد
الفلسفي ،وبالتالي العودة إلى المسار الطبيعي أو األصلي للتعامل مع المشكالت التي تواجه
البشر ،من خالل توضيح وجهات النظر التي قد تؤدي إلى التباس في ظروف البشر.
وهذه الحركة الناشئة في العصر الحديث ولدت كمحاولة لعودة الفلسفة إلى مهمتها
األصلية في معالجة مشكالت الحياة البشرية ،وليست ثمرة للعالج النفسي ،أي محاولة
إلنزال الفلسفة من برجها العاجي (النظري) إلى أرض الواقع( العملي) .وهكذا ،فإن الفلسفة
لديها اآلن القدرة والكفاءة على المشاركة عمليا خارج الجدران األربعة للمؤسسات األكاديمية،
على اعتبار أن لديها اآلن ُبعد إكلينيكي (عالجي) بطريقة أو بأخرى كأحد أبعاد المهن
اإلرشادية .ومنذ عام ( )1970بدأت الجهود الحثيثة لجعل اإلرشاد الفلسفي مجاال متمي از
للممارسة في الفلسفة األكاديمية في الفصول الدراسية ،ووفقا لرأي رابي) )Raabe,2002فقد
دفع هذا المسعى عن طريق نشر بيتر) )Peter Koestenbaum,1971كتابا بعنوان "صور
جديدة للشخص" ،وُيعد هذا الكتاب بحق أحد الممارسات لتطبيق اإلرشاد الفلسفي .كما
تبلورت الحركة اإلرشادية الفلسفية في وقت الحق عام ( )1981عندما افتتح جيرد آخيتباخ
Gerd Achenbachمكتبا لممارسة اإلرشاد الفلسفي في مدينة كولونيا األلمانية ،وبعدها
أسس في عام( )1982جمعية براكيس الفلسفية . Philosophical Praxisوفي الواليات
- 47 -
المتحدة تُعد جمعية اإلرشاد والممارسة الفلسفية التي أصبحت منذ عام ( )1992تسمى
بالرابطة األمريكية لإلرشاد واإلرشاد الفلسفي(American 2Society for )NPCA
Philosophy, Counseling, and Psychotherapyمرجعا حقيقيا للعالج الفلسفي ،شارك
في تأسيسها ثالثة فالسفة :إليوت كوهين ،Elliot. Cohenوبول شاركي،Paul Sharkey
وتوماس ماجنيل Thomas Magnellكما تأسست في مدينة نيويوك بأمريكا عام ()1998
جمعية الممارسين الفلسفيين ( )APPAمن قبل مارينوف ،Marinoffإذ تقدم هذه الجمعية
برنامجا في إرشاد للباحثين الحاصلين على درجات متقدمة في فلسفة الذين يرغبون في
ممارسة اإلرشاد الفلسفي .كما أسس مارينوف Marinoffفي عام ( )2004مركز الجدل
Center ofلممارسة اإلرشاد الفلسفي في كلية مدينة نيويورك Controversy
(.)Marinoff,2002
ومنذ ذلك الحين أصبحت العيادات الفلسفية في أوروبا وأمريكا الشمالية تقدم خدمات
اإلرشاد واإلرشاد النفسي للعديد من المستنصحين أو المسترشدين حسب النموذج الفلسفي.
كما وجدت أدبيات وأدلة مرجعية كثيرة حول هذا الموضوع ،فكتاب مارينوف
) )Marinoff,1999المسطر بعنوان" أفالطون وليس بروزاك" )Plato not Prozaic) 3من
أكثر الكتب مبيعا في أوروبا وأمريكا .ونظ ار إلخفاق هذه األدوية في عالج حاالت
اضطرابات المزاج والقلق واالكتئاب ،إال أن الخالف ما زال قائما بين المرشدين حول ما إذا
كانت مثل هذه األمراض هي نتيجة الختالل التوازن الكيميائي في الدماغ أم مشكالت في
بناء مفهوم لواقع الحياة .وهكذا يبدو أن مثل هذه المشكالت الحياتية ليست مسائل كيمياء
الجسم ،ويمكن أن يكون لها تصور خطئ عن الحياة .ويرى مارينوف))Marinoff,2004
مدلال على أن بعض مشكالت البشر يمكن أن تكون راجعة إلى عدم وجود رؤية فلسفية
سليمة .وحتى يصبح اإلرشاد مهنة ال بد للممارس من تدريب خاص في الفلسفة ،وهذا يعني
أنه على المرشد الفلسفي تكوين العديد من الخطابات الفلسفية الواسعة التي يمكن أن تكون
قابلة للتطبيق لحل المشكالت المختلفة التي تواجه الناس ،كما يمكن تصميم المناهج
2
= تأسست عام ،1992وتتمحور فكرتها بأن األشكال الفلسفية والنفسية المشورة هي السبل المتكاملة والمترابطة
لمساعدة الناس على مواجهة مشكالت حياتهم ،حيث سعت منذ إنشائها لجلب الفالسفة والممارسين في الصحة
النفسية بما في ذلك العاملين االجتماعيين واألخصائيين النفسيين ومرشدي للصحة النفسية.
=البروزاك :هو االسم التجاري لعالج االكتئاب ،إضافة إلى عقار ريتالين .Ritalin
3
- 48 -
األكاديمية من منظور آخر لتدريب الممارسين الشباب(الطالب) على أساليب اإلرشاد
الفلسفي.
ويوجد حاليا العديد من الجمعيات المهنية لتقديم اإلرشاد الفلسفية في جميع أنحاء العالم،
بما في ذلك فرنسا ،بلجيكا ،ألمانيا ،النمسا ،سويسرا ،بريطانيا ،إيطاليا ،إسبانيا ،اليونان،
هولندا ،النرويج ،الدنمارك ،فنلندا ،لوكسمبورغ ،كندا ،جنوب أفريقيا ،أستراليا ،الب ارزيل،
البرتغال ،كوريا ،تركيا ،اليابان ،والواليات المتحدة .ونأمل في الوقت القريب أن تمتد هذه
الحركة لتشمل الجامعات العربية لما لها من فوائد كثيرة في المشاركة بتقديم الخدمات
الفلسفية إلى جانب خدمات الطبيب والمرشد النفسي لألفراد الذين يعانون من مشكالت
نفسية ،أرضيتها الصراع األخالقي والوجودي والقيمي .ومن هذا ،ال يمكن ألي شخص أن
يكون مرشدا فلسفيا؛ فالمرشد الفلسفي بحاجة تدريب خاص على درجة متقدمة في الفلسفة.
ويعني ذلك أنه يحتاج أن يكون لديه معرفة في العديد من الخطابات الفلسفية لتطبيقها
بطريقة مجدية في حل المشكالت المختلفة التي تواجه حالة المستنصح ،وهذا اإلجراء هو
وسيلة رائعة للمرشد الفلسفي ليكون ناجحا في هذه الممارسة.
ويرى كوهين ( )Cohen,2014ليست كل مشكلة شخصية هي مرض نفسي ،واذا كنت
مريضا جسديا أو انفعاال ،فإنك تحتاج إلى طبيب عام أو طبيب نفسي ،ولكن إذا كنت
ترغب في دراسة حياتك وقيمك ،وأن فلسفتك في الحياة غير واضحة المعالم ،فعليك الذهاب
إلى مرشد فلسفي .فاإلرشاد الفلسفي ،إذن ،هو عالج لعاقل ".وهذا أمر مؤسف للغاية ألنه
يشير إلى أن العاملين في مجال الصحة العقلية ال يعالجون إال المضطربين عقليا "مجنون"،
واذا كنت شخصا عاقال فعليك التحدث إلى الفيلسوف بدال من طبيب أو معالج نفسي.
وتستنكر الجمعة الوطنية األمريكية لإلرشاد الفلسفي()NPCAمثل هذا االنقسام هو عمل
زائف أو مضلل ،ومنفر ،بدال من ذلك ،يعمل علماء النفس وأطباء الصحة النفسية على
تقديم اإلرشاد النفسي واإلرشاد الفلسفي لتلك المشكالت دون خلق حواجز مصطنعة ،بل
ينكرون أيضا أن يقوم المرشد الفلسفي ببعض هذه المهام بالنسبة لبعض األشخاص الذي
يواجهون مشكالت شخصية تتعلق بقيمهم وفلسفتهم غير الواضحة في الحياة .في الواقع،
هذا األمر غير دقيق ،ألن بعض المرشدين الفلسفيين تجاو از حدود الفلسفة النظرية وانتقلوا
إلى الميداني العملي من خالل تصميم برامج حديثة لها أسس مبادئ معترف بها .فعلى
سبيل المثال قدمت الجمعية( )NPCAبرامج إرشادية قائمة على نظرية ألبرت إليس في
- 49 -
العالج العقالني االنفعالي السلوكي )Rational Emotive Behavior Therapy (REBT
تشمل بعض المدربين .كما أن معهد التفكير الناقد) (ICTقدم برامج تدريبية في نوع معين
من اإلرشاد الفلسفي المعروف باسم "العالج القائم على المنطق" Logic Based
)Therapy(LBTوهي نظرية فلسفية طورها كوهين( )Cohen,2003إذ تسعى إلى مساعدة
المستنصحين في التغلب على مشكالتهم السلوكية واالنفعالية ،وتفحص المنطق بدال من
األسباب الكامنة وراء هذه المشكالت .هذا النوع من اإلرشاد الفلسفي له جذوره في العالج
النفسي ،وخاصة العالج المعرفي السلوكي ،بالرغم من أن هذه البرامج تُعد في الوقت
الحاضر من أبرز أشكال اإلرشاد الفلسفي ،وهذا يؤكد االرتباط الوثيق بين اإلرشاد النفسي
واإلرشاد الفلسفي.
وأخي ار ،يمكن القول إن اإلرشاد الفلسفي مفهوم قديم قدم الفلسفة نفسها وخصوصا أنه
كان يمارس من قبل سقراط في سياق حواره مع السفسطائيين ،وأنه متطلب من متطلبات
ممارسة الطب .والهدف من الفلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة -حسب سقراط -هو تحسين
النفس البشرية وتخليصها من األفكار الخاطئة التي تصيبها .هذا األمر أصبح التحدي
األساسي للفلسفة .وقد تولدت نتيجة لذلك العديد من المدارس السقراطية والهلنستية Socratic
and Hellenisticإيجاد حل لهذا التحدي .وظلت مدرستين فلسفيتين بارزتين إلنجاز هذا
المهمة (المنقذة للحياة) أو المهمة الفلسفية "المنقذة لألرواح" .هما :مدرسة أبيقور-
ابيقوريون Epicureanismوالمدرسة الرواقية -الرواقية Stoicismوقدمت هذه المدارس
محاوالت جادة لتشخيص المشكالت التي تعاني منها الحالة اإلنسانية وتقديم بعض
العالجات لهم ،وذلك من خالل أسلوبهما المميز لهذا التوجه ،بحيث أصبحت فلسفاتهم
أسلوبا عالجيا ألعداد كبيرة من المشكالت التي تحاصر حياة اإلنسان.
ويعتقد شعبيا أن أبيقور ،مؤسس المدرسة األبيقورية (ابيقوريون) وضعت األساس للفلسفة
كعالج ،جاء إلى الجمع بما يلي :كلمات يقدمها الفيلسوف في العالج للتخفيف من المعاناة
اإلنسانية الذي ليس لديه أي خبرة طبية إذا كان ال يعالج األمراض الجسدية .فكذلك ال
يمكن استخدام العالجي ما لم تطرد أو تعالج معاناة الروح ).)Long & Sedley, 1987, 155
ويعتقد أبيقور بقوة أن الفلسفة يمكن أن تجلب الطمأنينة إلى النفوس المضطربة من
البشر .مثل هذه األفكار والممارسات عمت الفلسفة الهلنستية وكذلك العديد من الفترة نشأت
باعتبارها استجابة لمتاعب اإلنسان ،والتي اعتبرها سقراط Socratesرؤية رائدة لإلرشاد
- 50 -
الفلسفي ،إذ يعتقد اعتقادا جازما بأن طريقة التواصل بين البشر يمكن أن تشكل البؤس في
حياتهم .وأكد أن فلسفة ستساعدنا على تخليص حياتنا من هذه المآسي .حيث وصل إلى
قناعة بأن "الحياة غير المدروسة أو المختبرة هي حياة تستحق العناء" وبالتالي يحض البشر
إلى "معرفة أنفسهم على نحو جيد للغاية .هذه هي الطريقة اإلرشاد الفلسفي التي تساعد في
إعطاء فكرة واحدة حول حياة الشخص والحياة عامة فيما يتعلق بمعانيها .إنها تساعد في
توضيح القيم وقيمته كشخص في الحياة.
كان سينيكا Seneca ،عضوا في المدرسة الرواقية الفلسفية الذي كان أيضا يشارك
بجدية في البحث عن المشكالت التي تعاني منها الحالة اإلنسانية ،ويعتقد أن موضوع
الفلسفة هو محامي اإلنسانية .وقد أعرب في رسالته" ليسيليوس" Luciliusأنه في اإلرشاد
الفلسفي يمكن أن تنقض ما دمرته الكوارث في الكيان اإلنساني وجعلته أنقاض ،وذلك من
خالل زرعة األمل والمساندة ألولئك الناس الذين عانوا سخط الحياة وتناقضاتها ،العتقاده أن
الفلسفة تساعد الشخص على فهم وتقدير أكثر لقيم الحياة وذلك لمعرفة ما يستحق المتابعة
في حياة الهدوء للنفس البشرية .وهكذا نرى أن فلسفة الرواقيين هي المدرسة الوحيدة التي
تحتوي على الدواء الشافي لتحقيق الهدوء -طمأنينة .والفيلسوف الرواقي آخر ،شيشرون
Ciceroفي كتاب "مناقشات توسكوالن" ،Tusculanحافظ على أن الفلسفة هي فن شفاء
الروح ،وشدد على أن هذا الفن يجب السعي إليه بكل ما أوتينا من الموارد والقوة بحيث
يمكننا أن نكون أطباء ألنفسنا وألجسادنا ،ألن في جوهرها فن يمكن أن تساعد الشخص
لكي يصبح طبيبه الخاص أو على اآلخرين تقديم العون أو لعب دور طبيب آلخر من
خالل تقديم اإلرشاد الفلسفية.
وجهة النظر العالجية والمنهج الفلسفي واضمحل بطريقة أو بأخرى في فترة العصور
الوسطى عندما بدأت الفلسفة العقائدية األكثر تجريدا .لكن هذا السعي عاد مرة أخرى إلى
الواجهة في العصر الحديث ليصبح أكثر تحديدا وتطبيقا على أرض الواقع ،فقط الحظ
ديكارت ،ونيتشه ،وكانط ،وديوي وفيتجنشتاين أن الفلسفة قد انحرفت وخرجت عن الواقع
العملي ،وكانوا يرون أن الفلسفة يجب أن تواجه أسئلة هامة من الحياة اليومية .ويبدو أن
هذا طريق للعودة إلى التعقل من خالل مسار اإلرشاد الفلسفي الذي ُيعد موجها للفلسفة
وعودتها إلى المسار األصلي ،وهكذا تتعامل الفلسفة مع المشكالت التي تواجه البشرية،
من خالل توضيح وجهات النظر التي قد تؤدي إلى االلتباس في ظروف اإلنسان .ومن ثم
- 51 -
الفلسفة لديها اآلن القدرة على المشاركة العملية خارج الجدران األربعة للمؤسسات األكاديمية،
وأصبح لديها اآلن البعد السريري بطريقة أو بأخرى ،للتدخل العالجي لحاالت اإلنسان
المتناقضة.
أقرب الجهود الصارخة لجعل اإلرشاد الفلسفي حقال متمي از للممارسة الفلسفية مقارنة
بالفلسفة األكاديمية تمت في عام( .)1970ووفقا لرابي ( )2002حفز هذا المسعى عن
طريق النشر بيتر Koestenbaumمن كتابه "صورة جديدة للشخص" :النظرية والممارسة
السريرية في الفلسفة في عام( )1978وهذا هو واحد من أقدم حمالت للحكم الذاتي
وممارسة المشورة الفلسفية كما حقل متميز.
ومنذ ذلك الحين بدأت العيادات الفلسفة الشهيرة في الغرب تقديم اإلرشاد الفلسفي الناشئ
وهناك مادة علمية وفيرة وأدلة مرجعية لهذا النوع من اإلرشاد .ومن الكتب األكثر مبيعا في
أمريكا وأوروبا كتاب ليو مارينوف) ) Marinoff,1999بعنوان "أفالطون ،ليس بروزاك".
( بروزاك هو االسم التجاري للدواء النفسي ،وهو دواء مضاد لالكتئاب) .فقد أصبح وصفة
شعبية لحاالت اضطرابات المزاج والقلق ،وبالتالي استنتج بعض المعالجين أن مثل هذه
الحاالت ترتبط بخلل في كيمياء الدماغ ،وهناك حاجة االنعكاس من خالل هذه العقاقير مثل
نظر إلخفاق هذه األدوية في
بروزاك ،والسيروتونين ،Seratoninsريتالين ،Ritalinالخ .ا
عالج مثل هذه األمراض .وهناك اآلن خالف حول ما إذا كانت مثل هذه األمراض هي
نتيجة لعدم التوازن الكيميائي في الدماغ .وهكذا يبدو أن مثل مشكالت الحياة هذه ليست
تصور خاطئا عن الحياة .هذا هو أساس
ا مسائل كيمياء الجسم ولكن يمكن أن تكون
الموصى به في اإلرشاد الفلسفي الذي تحدث عنه مارينوف ) Marinoff (1999بدال من
األدوية النفسية .وبالتالي يمكن للمرء أن يرى أن بعض مشكالت حالة اإلنسان قد تكون
راجعة إلى عدم وجود رؤية فلسفية سليمة ،كما يمكن أن يشهد على ذلك روزنر Rosner
(2004).كما يرى مارينوف ) Marinoff (1999المشورة الفلسفية باعتبارها ثاني أقدم مهنة
في العالم.
ولكي يصبح الفيلسوف مرشدا فلسفيا ،يحتاج إلى تدريب خاص لدرجة متقدمة في
الفلسفة .ذلك يعني أنه يحتاج إلى أن يكون لديه خبرة واسعة في العديد من الخطابات
الفلسفية لتكون في وضع يمكنه من تطبيق رؤى مجدية لمثل هذه المشكالت المختلفة التي
- 52 -
تواجه حالة اإلنسان والذي سوف يقدمها لمختلف العمالء .وهذه هي وسيلة رائعة للمرشد
الفلسفي ليكون ناجحا في هذه الممارسة.
هل اإلرشاد الفلسفي شكل من أشكال اإلرشاد النفسي؟
نوقشت العالقة بين اإلرشاد الفلسفي واإلرشاد النفسي كثي ار في التاريخ القصير لحركة
اإلرشاد الفلسفي؛ فاإلرشاد النفسي بالمعنى الواسع للكلمة هو أحد المجاالت التطبيقية المهمة
لعلم النفس الذي يهتم أساسا بالتوافق النفسي لألفراد في مجاالت حياتهم المختلفة ليكونوا
أفرادا فاعلين ومنتجين في المجتمع ،وهو معني أساسا بمشكلة التوافق اإلنساني بهدف
مساعدة اإلنسان للعيش في حالة من السعادة واألمن النفسي بعيدا عن الصراعات
اإلحباطات النفسية التي تعكر صفاء حياته ورفاهيته ( .)Norcross et al,2003بينما ُيعرفه
هاينس وآخرون( )Haynes,et al,1980,37بأنه "استخدام التدخل العالئقي بين شخصين،
معالج مدرب ومؤهل علميا وفنيا ،وعميل أو مريض يعاني من مشكلة ما ،يسعى المرشد من
خالل هذه العالقة لمساعدة المرضى على حل مشكالتهم اليومية ،والتي تتضمن عادة زيادة
إحساس الفرد بالسعادة والحد من االنزعاج .إذ يوظف المرشد مجموعة من التقنيات التي
تعتمد على العالقة البناءة بينهما ،كالحوار ،والتواصل ،وتغيير السلوك ،وذلك لتحسين
الصحة النفسية للمتعالج على المستوى الفردي واالجتماعي".
ولقيام المرشدين النفسيين بمهامهم في دراسة اضطرابات السلوك وفهمها وعالجها ،فهم
يتلقون عادة تدريبا خاصا في مجاالت ثالثة:
المجال األول :قياس الذكاء والقدرات العقلية العامة ،وذلك لمعرفة حالة الفرد أو إمكاناته
العقلية في الحاضر والمستقبل.
المجال الثاني :قياس الشخصية ،ووصفها ،وتقويمها ،وتشخيص السلوك الشاذ بغرض
معرفة ما يشكو منه الفرد ،والظروف المختلفة التي أحاطت به ،وأدت به إلى ظهور تلك
المشكلة ،مما يساعد بالتالي على فهمها بدقة ،وتمهيد الطريق إلى عالجها.
المجال الثالث :اإلرشاد النفسي بأساليبه وطرائقه المختلفة ،إذ يرمي إلى تخليص الفرد مما
يعانيه من اضطراب وسوء توافق.
بينما اإلرشاد الفلسفي من وجهة نظر جيرد أخينباخ Gerd Achenbachهو إرشاد
بديل لإلرشاد النفسي .كذلك أشار براون) )Brown,1983,29إلى أن اإلرشاد الفلسفي هو في
- 53 -
واقع األمر فلسفة تطبيقية( عملية) ،وهو في حد ذاته ليس عالجا بكل معنى الكلمة بالمفهوم
الطبي.
والهدفالرئيس لنموذج أخينباخ الديالكتيكي لإلرشاد الفلسفي هو السؤال عن االفتراضات،
وتحفيز األفكار في المواقف الشخصية ،وليس توفير الراحة لهؤالء المنكوبين أو المضطربين
عن طريق أولوية لعالقة مفتوحة ،حيث يقوم المرشد الفلسفي بتقويض االفتراضات المريحة
واثارة األفكار المقلقة .بينما يرى تيلمنس) )Tillman,1995أن اإلرشاد الفلسفي يعد شكال من
أشكال اإلرشاد الفكري الذي يختلف تماما عن اإلرشاد النفسي التقليدية .ووفقا لهذا ،يكون
الهدف من اإلرشاد الفلسفي توضيح المفاهيم حول الحكمة ،والمفاهيم األخرى المتعلقة بالقيم
دون اللجوء إلى توضيح أشكال االضطرابات النفسية أو مفاهيم الصحة النفسية .ومع ذلك،
فمن المسلم به أن اإلرشاد الفلسفي قد يكون له آثار نفسية مفيدة كالتي يمكن وصفها على
نطاق واسع في العملية اإلرشادية.
اإلرشاد الفلسفي كبديل عن اإلرشاد النفسي
ال يمكن بأية حال أن يكون ذلك ،ألن اإلرشاد الفلسفي يختلف عن اإلرشاد النفسي،
ويمكن أن يكون اإلرشاد الفلسفي مرحلة مهمة جدا في حياة المرء لفهم وتنمية ذاته .فهناك
أنواع كثيرة من نظريات وأساليب اإلرشاد النفسي يمكن أن تقدم كوسائل مساعدة للمسترشدين
الذين يعانون من معضالت حياتية .وفي الوقت نفسه يركز العديد من المرشدين النفسيين-
إن لم يكن معظمهم على االنفعاالت ،مثل :يونغ ،وروجرز ،واليس ،وفرانكل ،وفروم...
الذين انتقلوا نحو الطرق الفلسفية لإلرشاد .ومعظم المرشدين الفلسفيين تناولوا الجوانب
األساسية لالنفعاالت ،التي هي قوة ال يستهان بها في حياة المرء ،والعديد من عمالء
اإلرشاد الفلسفي استكشفوا الجوانب المعقولة في علم النفس تمهيدا لالنتقال إلى الفلسفة،
والمثل يقول ":تعلم السباحة في المياه الضحلة قبل الخوض في المياه العميقة" .ومهما تكن
اآلراء حول هذه المسألة ،فالجواب بال؛ فالناس الذين يعانون من األمراض العقلية والتي
يمكن أن تجعلهم مضطربين عقليا أو تشكل خط ار على أنفسهم وغيرهم قد يستفيدون من
الرعاية النفسية .والمرشدون الفلسفيون ،ومع ذلك ،يشعرون بالقلق من أن الطب النفسي
يحتمل أن يصف كل المشكالت اإلنسانية بالسلوكيات المرضية التي تحتاج إلى عالج طبي
أو نفسي .فقد نجد مثل هذا الرأي غير مقبول؛ فالناس الذين يعانون من مشكالت أخالقية،
- 54 -
وصراعات مهنية أخالقية ،ومشكالت متعلقة بالقيم ،المعنى أو الهدف ،الصراعات في
العالقات ،وعدم اليقين بشأن الهوية أو التغيير المهني ،أو الصعوبة في التعامل مع الخسارة،
عادة ما تكون طبيعية جدا ،وال تحتاج بالمطلق إلى تشخيص دقيق كمشكالت المرض
النفسي أو العقلي ،واذا استخدم المرشد النفسي تقنيات اإلرشاد النفسي مع هذه الحاالت فإنها
يمكن أن تضر بالمستنصح أو المسترشد أكثر من نفعه .فاألشخاص الذين يعانون من
اضطرابات عقلية ،عاطفية ،سلوكية شديدة قد يستفيدون من الطب النفسي .أما األشخاص
الذين يعانون من مشكالت عادية يمكن أن يستفيدوا من اإلرشاد النفسي أو الفلسفي.
الفرق بني اإلرشاد الفلسفي واإلرشاد النفسي:
اإلرشاد الفلسفي ليس هو اإلرشاد النفسي ،ولكن الفروق ليست واضحة تماما .وكانت
الفلسفة وعلم النفس علم واحد من االنضباط مشترك؛ فقبل القرن الثامن عشر ،كان علم
النفس فرع من فروع الفلسفة .وقد الحظ الفالسفة دائما موضوعات الطبيعة البشرية ،مثل
اإلدراك ،والمعرفة ،والوعي ،والعواطف -التي تعد اآلن من موضوعات علم النفس -وقد
درس علم النفس ضمن في الفلسفة ألكثر من( )2000سنة .والعديد من العالجات النفسية
هي في الواقع لها جذور فلسفية تماما ،مثل أسلوب كارل روجرز في العالج المتمركز حول
الشخص " ،والعالج العقالني االنفعالي لـ ألبرت إليس ،وتحليل المعامالت ،فيكتور فرانكل،
والعالج الوجودي لـ رولو ماي)؛ وبعض المناهج النفسية هي فلسفية (الظواهر أو الوجودية).
ويبدو من ذلك ال وجود لعلم النفس من دون التبصر الفلسفي ،وال وجود للفلسفة من دون
التبصر النفسي .لذلك ال يمكن التفريق بينهما من الناحية النظرية؛ وكذلك يشتركان ببعض
الوسائل واألهداف المشتركة ،وكيفية حل المشكالت لدى اإلنسان .فاالثنان مكمالن
لبعضهما بعضا .غير أن هناك بعض االختالفات الملحوظة على الفور ما إذا كنا نميز
العالج النفسي بطريقة نمطية .فاإلرشاد النفسي في العصر الحديث له سيادة واضحة على
الممارسة اإلرشادية النفسية .فالمرشدون الفلسفيون يدافعون عن آرائهم التي تختلف ـ -على
األقل – عن اإلرشاد النفسي إن لم يكن أفضل من الناحية النظرية .فالتمييز بين اإلرشاد
الفلسفي واإلرشاد النفسي كما أشار الهاف) ،)Lahv,2005إلى أن التحليل النفسي باعتباره
أفضل عالج يمكن اتهامه باألبوية كما أشرنا إليه أعاله .ويؤكد كوهين))Cohen,2005
بحق األسس الفلسفية في نظريات اإلرشاد النفسي ،باعتبارها األساس في أي ممارسة
عالجية .فقد نجد أن أسس اإلرشاد الوجودي قائمة على الفلسفة الوجودية ،واإلرشاد العقالني
- 55 -
االنفعالي تم تأسيسه على المدرسة العقالنية (األبيقورية) ،واإلرشاد المتمركز حول الشخص
أسس على الفلسفة اإلنسانية ...الخ .ومن الواضح أن معظم مدارس اإلرشاد النفسي تم
تأسيسها على المناهج الفلسفية.
ويؤكد المرشدون الفلسفيون بحق على كفاءة علماء النفس في التعامل مع بعض القضايا
الفلسفية التي تم إدراجها ضمن اإلرشادات النفسية ،ونتيجة للحاجة لمعالجة هذا العجز يمكن
اعتبار اإلرشاد الفلسفي المشروع البديل لإلرشاد النفسي .فالتعليم والتدريب النفسي الرسمي قد
يكون شرطا ،لكنه غير كاف لتقديم المشورة الفلسفية ،وبالتالي ،تقديم المشورة الفلسفية
مطالبة باالستقالل التام عن الذات ،وهذا ما نادى به الفالسفة في بداية القرن الماضي ،لكن
ليس كل مرشد فلسفي مطالب باالنضمام إلى هذا التوجه ،لكن االستثناء الملحوظ فيما طوره
كوهين حول المنهج الهجين يتضمن بعض تقنيات اإلرشاد العقالني االنفعالي وحتى نماذج
من اإلرشادات غير المعرفية ،مثل عالج السلوك ضمن جسم اإلرشاد الفلسفي .فبعض
المرشدين الفلسفيين يواجهون مشكلة الكفاءة النفسية من خالل استبعاد االنفعاالت في أثناء
ممارستهم الفلسفية ،على اعتبار أن هذه االنفعاالت من الموضوعات المشروعة لإلرشاد
الفلسفي.
ومن الناحية النظرية ،األنظمة الفلسفية ال تشمل العلوم النفسية ،وبالفعل ،ومن الصعوبة
بمكان كيف سيكون للفلسفة أي صلة بالحياة اإلنسانية إذا لم تتعامل أيضا مع االنفعاالت.
فمعظم الدراسات الفلسفية العملية تدين لهذه الحقيقة المهمة .إن ترسيم الحدود بين اإلرشاد
الفلسفي واإلرشاد النفسي ال يمكن توضيحه من الناحية النظرية .عالوة على ذلك ،فإن
السياق االجتماعي قد يكون مطالبنا بذلك ،فمعظم المستنصحون يأتون إلى المرشد الفلسفي
لحل مأزق شخصي في حياتهم ،وليس لتوسيع آفاقهم الفلسفية ،واكتشاف سيرتهم الفلسفية،
ورغم ذلك ال يمكن للمرشد الفلسفي استبعاد أي نقاش منهجي خال من االنفعاالت.
ويبدو هذا ،من الناحية النظرية أيضا ،أنه ليس هناك حاجة الستبعاد مناقشة
االنفعاالت في اإلرشاد الفلسفي من الناحية العملية .فمن األهمية بمكان يمكن إدراج
االنفعاالت في المناقشة الفلسفية بالرغم من أهميتها ،فإنها ليست سوى جانب واحد من
مشكلة إدراج علم النفس بالفلسفة ،وبالتالي في الممارسة الفلسفية.
- 56 -
وتعكس مسألة ترسيم الحدود بين اإلرشاد الفلسفي واإلرشاد النفسي على المستوى
النظري والممارسة العملية ،استخدام المعرفة والتجربة باعتبارهما جزءا من اإلرشاد الفلسفي
الذي يعبد الطريق للمرشد الفلسفي من خالل متاهة المعرفة الفلسفية ومساعدته على
اختيارات تحقيق الهدف.
قلة من البشر يدركون أن أكثر من) (10،000فكرة مختلفة في مجال تقديم اإلرشاد
العلمي ،وأكثر من ( )250أسلوب عالجي مختلف ،والميدان كله حالة من الجريان والتغيير
المستمر ،أساليب جديدة وأفكار عن كيفية مجيء اإلنسان على الساحة العلمية بانتظام .إن
النظر في هذه المسائل لتقييم النظريات المختلفة يطرح مجموعة من التساؤالت :كيف تقدم
الخطيئة؟ كيف نقترب من األنثروبولوجيا ؟ ألن وراء كل علم نفس علمي انثروبولوجيا غير
كتابية.
كيف يقدم علم النفس؟ ما هو األهم ،الفلسفة ،أو التدريب النفسي ،أو التدريب الديني.
فقد يكون علم النفس مفيدا لفهم المشكلة (التشخيص) ولكن علم النفس الحديث هو سيئ
للغاية في إعطاء عالج لمشكالت الجنس البشري ،ومن تلك التساؤالت التي يثيرها أصحاب
التوجه الفلسفي في اإلرشاد ،إلى أنصار اإلرشاد والعالج النفسي :كيف يتم تحديد المشكلة؟
ما مدى أهمية أنهم ال يعتبرون المشاعر كأساس لمشكالت المسترشد؟ ما الهدف من
اإلرشاد؟ -ما هو دور المرشد؟ ما مصدر الحقيقة التي استخدمها المرشد؟ ما هي مشكلة
المسترشد للتحسن أو الشفاء أو التغيير؟ ما المنهجية التي يستخدمها المرشد ووجهة نظره
المعرفية في تقديم اإلرشاد؟ لكن المسألة كيف نقترح التعرف إلى ما يعرفونه؟ هل عن طريق
الحدس ،المنطق ،التجربة ،الحواس ،أم بواسطة الوحي؟ وهل إرشاد مرشد معين يختلف عن
اآلخرين؟ إذا كان األمر كذلك ،لماذا؟ وهل يمكن إحالة الشخص ما إلى مرشدين آخرين؟
إذا كان األمر كذلك ،فعلى أي أساس ،ما المعايير ،والحقائق؟ كيف يجب أن يكون المرشد
النفسي حذ ار في القراءة ،واالستيعاب ،وذلك باستخدام األفكار من الكتب الدينية في مجال
اإلرشاد .هل معظمها انتقائي؟ كيف يمكن وزن القضايا ،ومعرفة متى يمكن استخدم أفكار
يمكن استقاؤها من كتب مخلفة؟ كيف يمكن جعل جميع المسترشدين يفهمون األسلوب
اإلرشادي في تقديم المشورة ليفهموا الفرق ،ولماذا؟
ويرى راسل ) )Russell,1997أن اإلرشاد النفسي ال يمكن تمييزه بدقة عن اإلرشاد
الفلسفي من خالل وجود مشكلة التركيز .كما ال يمكن تمييز اإلرشاد الفلسفي بدقة عن
- 57 -
اإلرشاد النفسي من جانب غياب التركيز المزعوم على المشكل .ويعني ذلك ،عدم وجود فرق
ثابت وواضح بين اإلرشاد الفلسفي واإلرشاد النفسي فيما يتعلق بما يفعله كل منهما ،ولماذا
يفعل ذلك لتوفير حجة ضد احتكار األنشطة للعالج النفسي من طرف علماء النفس،
واستبعادها من طرف الفالسفة ،وأن وسائل اإلرشاد النفسي هي أكثر جدوى للعالج النفسي
من اإلرشاد الفلسفي .وترى الجمعية الوطنية األمريكية لإلرشاد الفلسفي( )NPCAأنها ال
ترى في اإلرشاد الفلسفي بديال عن اإلرشاد النفسي وبناء على ذلك ،فإنها تؤكد أن
المستنصحين قد يتشاورن مع الممارس الفلسفي للمساعدة في استكشاف المشكالت التي
تثير تساؤالت فلسفية مثل أزمات منتصف العمر ،والتغيرات الوظيفية ،ضغوط الحياة
اليومية ،ومعنى الحياة ،واألخالق .ورغم هذا ،فإن كل من علماء النفس والفالسفة ،لديهم
اهتمام واضح بحماية الضعفاء من خالل تشجيع التمثيل الذاتي الصادق.
املرشد الفلسفي املرشد النفس ي املتغيشات
يعمل وفق طريقة( نظرية) معينة وشروط ليس لديه طريقة محددة ،ونظرية أو أجوبة األسلوب
خاصة في تشخيص حالة املسرششد ،ثم جاهزة
يحاول وضع اإلرشاد املناسب وفقا لذلك .ول يحاول عن طريق اإلرشاد تطويع
املسننح .
يركز على املشكلة النفسية(حسب مبدأ يركز على املشكلة الفلسفية ،الوجودية ،وأن املشكلة
املسننح هو ضحية أزمات حياتية تتعلق الحتمية).
بالحرية واملسؤولية والقيم
غيش واضحة في كثيش من األحيان ،وإنما قائمة واضحة وفق خطة مرسومة مسبقا األهداف
على العالقة
يركز على املشكلة والنشخيص ،والعالج ،يركز على الحوار مع العمالء بدل من تحليل الخطوات
املفاهيم والتفسيش .والشفاء بعد ذلك يعد على اعتبار املشكلة هي نفسية
ننيجة لهذه العملية.
يسعى إلى النشخيص الذاتي. النشخيص املوضوعي. النشخيص
يستخدم مفهوم معنى الحياة وعالم من خالل التقنيات النفسية أو الدوائية. التدخل
املسننح من خالل التحليل والتفسيش.
الضطرابات الدماغية والنفعالية أو مشكالت الحياة العادية. مشكالت
السلوكية الشديدة املعالجة
أكثش شمولية في النظرة إلى اإلنسان ومشكالته الخرزال والرشكيز على األعراض املرضية. الشمولية
- 58 -
والخرزال
محاور الرشكيز دراسة املشاعر والنفعالت واألفكار اإلدراك دراسة األفكار وكيف تؤثر على حياة
الفرد والسلوكيات.
هناك تفاعل بين املرشد الفلسفي نشط في العملية اإلرشادية وخصوصا دور املرشد
واملسننح ،وقد يكون للمسننح دور نشط في التوجه املباشر
في العملية اإلرشادية
الفهم أو الحقيقة هو الهدف كيف يشعر املسرششد التغييش
الحاضر ،وتحليل املشكلة الحالية يكون في املاض ي( حسب النظرية مفتاح
التحليلية) التغييش
قصيشة ومحدودة عدد الجلسات :قد يطول الجلسات
يرى البعض أن اإلرشاد الفلسفي مجال واسع وغير واضح المعالم ،بينما يرى آخرون أن
اإلرشاد الفلسفي هو أسلوب مأمون الجانب أو مكمل للعالج النفسي ،ووسيلة لملء فراغ
اإلرشاد النفسي .وتشير هذه الدالئل إلى أن هناك أدو ار واستراتيجيات مهمة يمكن أن يؤديها
اإلرشاد الفلسفي .لذلك ،هناك حاجة إلى:
-1إضفاء الطابع المهني من خالل التدريب الرسمي للمعالجين الفلسفيين ،حيث يعمل في
الغالب ـ كما هو الحال في أوروبا والواليات المتحدة ـ في عيادات األطباء النفسيين الستكمال
عمل األطباء في معالجة العمالء.
- 2اإلرشاد الشامل لألمراض لدى اإلنسان يحتاج أحيانا إلى أسلوب تعاوني ،وال يمكن
لهذين المجالين أن يكونا مستقلين عن بعضهما لما بينهما من عوامل مشتركة ،ورؤية
متكاملة في عالج العمالء.
3ـ يجب التأكيد على أن يكون هناك تقري ار بأن الفلسفة هي أمر ضروري باعتبارها جانبا
مهما من مجال تطبيق الفلسفة ،وهذا من شأنه تمكين المبتدئون من فهم التفكير المنطقي
الذي يقدم خالل المرحلة التمهيدية من التدريب.
-4في المرحلة المتوسطة :الحاجة إلى المعرفة ،والتقدير مثل هذه الجلسات ،وخصوصا
التي تتعلق بفلسفة الدين ،واالنثروبولوجيا الفلسفية ،واألخالقيات والتي من شأنها تمكين
الممارسين من فهم طبيعة العمل اإلكلينيكي.
5ـ المنهج التحليلي الموضوعي الواضح لألحداث والمواقف التي من شأنها أن تقدم للعميل.
- 59 -
6ـ -التكاملية في الدراسات الشرقية والغربية التي تتعامل مع فلسفة الحياة والموت.
-7تقدير طرق تقييم اإلرشاد الفلسفي.
ويشير فرانكل ) )Frankl,1974إلى أنه عندما تسأل األفراد عن السبب الذي من أجله
يعيشون حياتهم ،فإنهم سيجيبون بأنهم يعيشون من أجل األطفال الذين يجب أن تُستكمل
تربيتهم ،أو من أجل الصديق الذي يجب مساندته ،أو من أجل العمل الذي ينبغي إنجازه أو
من أجل الحركة السياسية التي ينبغي أن تحظى بالتأييد ،أو من أجل العمل الفني الذي لم
يزل قيد التطوير .و كل هذه اإلجابات يمكن إيجازها في جملة واحدة مؤداها أن هناك
شخصا ما أو شيئا ما في حاجة إلى وجود .وهنا يكمن جوهر اإلرشاد بالمعنى الذي يعلمنا
أن غاية سعينا ينبغي أن تكون من أجل معنى يدوم ويعمق مغزاه حتى في أحلك ساعات
المعاناة ،وهذا ما حدث لفرانكل الذي جاهد ليبقى وينقل للبشرية خالصة تجربته وسط ذلك
القدر المهول من العذاب البدني والنفسي .ومن هنا تتبلور صورة معنى الحياة كما أرادها
فرانكل في نظريته للمعنى؛ فالحياة بالنسبة ألي فرد ذات معنى تام وغير مشروط ،يمكن
تحققها بغير شرط أو قيد .وينبغي لإلنسان أال يتوقف عن بلوغ هذا المعنى في كافة األحوال
والظروف .والمعنى الذي يقصده فرانكل ذاتي وموضوعي في آن واحد ،فهو ذاتي من حيث
تناول اإلنسان له ،وموضوعي من حيث إن لكل شيء معناه الحقيقي الخاص به ،وألن
المعنى ال يمنح وانما يلزم أن يلتمسه اإلنسان ويسعى إليه ،فإن هذا االلتماس ،وهذا السعي
لبلوغ المعنى يجب أن يكون في إطار العام من المسؤولية وااللتزام األخالقي ،وسعيا وراء
التطور واالبتكارية.
وقد أعطى روزنر مثالين لحاالت بعض الناس في منتصف العمر :المثال األول ،عميل
يقترب من سن الخمسين ،ولديه شعور بأن حياته هي أكبر من النصف ،حيث يشعر بأنه لم
يحقق ما يريده في فترة حياته ،وبالتالي غير متأكد من النصف المتبقي من حياته .والمثال
الثاني لعميل عمره ( )100سنة ،قد أنجز بالفعل األهداف التي كان قد وضعها لنفسه ،ولكن
ال يزال يجد في نفسه أنه لم يتم الوفاء بها ،وبالتالي يبدأ بسؤال نفسه ،فيما إذا كان هو كل
في األمر .هذه هي األزمات التي تواجه الناس ،غير أن بعضها غير واضح المعالم،
وبعضها اآلخر أكثر وضوحا.
- 60 -
اإلرشاد الفلسفي علم وفن :
إذا أجبنا بأنه شكل من أشكال الفن ،فإننا نكون قد وقعنا في ورطة ،ألنه إذا كان
اإلرشاد الفلسفي فنا ،واذا كان اإلرشاد الفلسفي علما فيمكن أن يكون أي شيء .وهو ليس
كذلك ،ثم مرة أخرى ،فإنه من الصحيح أيضا أن الحديث عن اإلرشاد النفسي يعتمد إلى حد
ما على فن المرشد النفسي في عالقة إرشادية بين مرشد ومسترشد ،قائمة على البصيرة،
والخيال واإلبداع في مساعيهما لتطبيق الفنية أو التقنية اإلرشادية .في حين إن اإلرشاد
الفلسفي ليس على نحو دقيق شكل من أشكال الفن ،بيد أن لديه بعض األشياء المشتركة
مع أشكال الفن .ومن ناحية أخرى ،إذا قلنا إنه علم ،سنكون في ورطة أيضا ،ألن العلم له
نظريات وأساليب تقدم لنا معرفة تراكمية أكثر وثوقية بمرور الوقت ،كما هو الحال في مجال
العلوم الطبية ،بينما بهذا المعنى ،فاإلرشاد الفلسفي ليس بعلم ،على اعتبار أن بعض
النظريات القديمة يمكن أن تكون أكثر فائدة في حالة معينة من النظريات األحدث منها .إن
طريقة نيلسون في الحوار السقراطي هي بالتأكيد علمية بقدر ما هي موثوق بها .وبطبيعة
الحال فقد وضعت العديد من الفلسفة الهندية أشكاال فعالة جدا للتأمل ،والتي هي -على حد
سواء -ممارسات فلسفية ،كعلوم لتطوير الذات .في حين إن اإلرشاد الفلسفي ليس بالضبط
علما ،بل لديه بعض األشياء المشتركة مع العلم .فعوضا عن الفلسفة النظرية العقيمة التي
استبدت بالتعليم الفلسفي ،تحظر الفلسفة اإلرشادية لتمنح لألشياء الهامشية قيمة .فتعيد بذلك
االعتبار لعالم الحس ،عالم الظواهر لألشياء البسيطة ردا على المثاليات الفلسفية التي ترفع
من شأن المطلق والمتعالي.
وهنا ،ال ينبغي الخلط بين “الفلسفة باعتبارها "عالجا" وبين فلسفة اإلرشاد .فهذه
األخيرة تحيل إلى التحليل االبستمولوجي( المعرفي) للمفاهيم والمناهج التي تخص الممارسة
الطبية .ففلسفة اإلرشاد تصنف ضمن مباحث الفلسفة البيولوجية أو تاريخ العلوم .أما الفلسفة
التي نقصدها هنا ،فهي التي تعوض الفيلسوف النظري كما هو معروف في التصور
التقليدي بالفيلسوف الطبيب الذي تتحدد مهامه في منح الصحة الكبرى للفرد ،واألفراد
وللمجتمع أيضا .كما ال ينبغي الخلط بين “الفلسفة باعتبارها عالجا” وبين ما يتداوله بعض
المعاصرين من المهتمين باالشتغال من صيغ تعبيرية كـ “اإلرشاد بالفلسفة” أو “التداوي
بالفلسفة” (لحسن.(2012 ،
- 61 -
ودفعا لكل اعتراض مفترض على دعوانا ،نشير إلى أن اعتماد الصيغة اللغوية
المتضمنة في عنوان هذه المحاولة ،ال تعني الدمج التعسفي لمفهومين متباعدين اعتاد
الجمهور نسبتهما إلى مجالين متباينين أحدهما عملي وهو الطب واآلخر نظري هو الفلسفة.
وبالعكس فمفهوم اإلرشاد حاضر بمنطوق اللفظ في الكثير من الفلسفات على اختالف
العصور.
وأخير يمكن القول :إن اإلرشاد النفسي قد انبثق من التصورات الفلسفية لإلنسان ،حيث
نجد أن جميع النظرية العالجية والنفسية ،مثل العالج العقالني االنفعالي التي ترجع إلى
الفلسفة العقلية األبيقورية ،والعالج المتمركز على الشخص ،تركز إلى الفلسفة اإلنسانية،
والعالج المعرفي وليدة فلسفة أرسطو ،والعالج اإليجابي وليد أفكار أفالطون .وبناء على
ذلك ال يمكن الفصل بين اإلرشاد والعالج النفسي والفلسفة ،كون الفلسفة تعالج اإلنسان في
أفكاره وسلوكياته وانفعاالته بطريقة شمولية .لذلك فبعض المشكالت النفسية واالنفعالية ال
يمكن لإلرشاد والعالج النفسي التصدي لها ،إال من خالل اإلرشاد الفلسفي ،كمعنى الحياة،
وسيكولوجية السعادة ،والحكمة ،واأللم الوجودي وغيرها من الفضائل اإلنسانية ،ونرى أن
اإلرشاد الفلسفي هو أسلوب توجيهي في الحياة وفن معرفة الحياة بطريقة عقالنية ،ألن
اإلرشاد الفلسفي يحتاج إلى االندماج بعمق مع فكرة الفلسفة كتوجه يتميز بقيم ومواقف معينة
تجاه الحياة .ويشير مفهوم الحكمة إلى العديد من الفضائل األخالقية وكذلك إلى وسائل
تحقيق حاالت مرضية شخصيا مثل الهدوء ،ويجب أن يتصرف المرشدون في ضوء هذا
الفهم القائم على القيمة للحكمة ،وأن يسعوا لتحديد ما سيفعله الشخص الحكيم في حالة
المرشد .وتساعدنا تقاليدنا الفلسفية في اإلجابة على هذا السؤال ،وفي معظم الحاالت تكون
مهمة المرشد هي العثور على األفكار والممارسات التاريخية التي تناسب ظروف حياة
المرشد الفريدة .حقيقة أن اإلرشاد الفلسفي يتضمن مواقف قائمة على القيم تجاه الحياة قد
تستلزم أن نوع اإلرشاد الذي يريد المرء أن يقدمه ليس مناسبا لجميع المهتمين بالتأمالت
الفلسفية الشخصية .وقد يكون من غير المجدي رؤية مرشد تختلف قيمه تماما عن قيم
المرء ،ألن أسئلته وتعليقاته قد ال تعبر عن إحساس المرء بما ُيعد سببا وجيها للعمل -حتى
لو سمحنا بإخفاء هذا المعنى المحتمل فقط.
وأخي ار نرى أن نطاق المرشدين الفلسفيين ضيق النطاق ،بالمناسبة على النقيض من ذلك،
قد تقدم خدمات مفيدة لألفراد ذوي االهتمامات الفلسفية .والحدود بين علماء النفس و سيكون
- 62 -
المرشدون الفلسفيون أحيانا حادين وأحيانا ضبابيين ،ألن مشاكل عمالء العالج النفسي غالبا
ما تنطوي على مشاكل القضايا الفلسفية ،تماما مثل اهتمامات اإلرشاد الفلسفي بالعمالء
غالبا ما تتضمن مشكالت نفسية .وضيق النطاق لإلرشاد الفلسفي يمكن أن تكون مفيدة في
ظل ظروف معينة -عندما يتشاور المرشدون الفلسفيون مع علماء النفس أو غيرهم من
أخصائيي الصحة النفسية ،يتم بدمج العلوم ذات الصلة يمكن الحصول على النتائج الفعالة
في الممارسة ،وتقييم تدخالتهم ،وتطوير تقدير أكثر تماسكا ألهدافهم وأساليبهم.
ماذا يجب أن يقول علماء النفس لعمالئهم أو أصدقائهم أو عائالتهم واألعضاء الذين
يسألون عن مدى مالءمة تقديم اإلرشاد الفلسفي؟ نجيب بإيجاز :إذا كان لديهم ضيق قضية
تقع في منطقة تعتبر بشكل عام فلسفية بطبيعتها (على سبيل المثال ،الفلسفة السياسية أو
األخالق) ،ثم اإلرشاد الفلسفي قد يكون ذات قيمة .من الناحية المثالية ،سيكون المرشدون
الفلسفيون متخرجين لديهم دراية بالتدريب الفلسفي والتفاعالت الشخصية ،وسوف تستخدم
السلطة التقديرية في إحالة القضايا خارج نطاق اختصاصهم .أما إذا كانت المشكلة تعد
بشكل عام نفسية بطبيعتها (على سبيل المثال ،المشاعر المختلة ،السلوكيات اإلشكالية أو
القهرية ،أو مشاكل العالقة) فمن األفضل لهم الذهاب إلى أخصائي الصحة النفسية .لذلك
،
يمكن القول إن اإلرشاد النفسي واإلرشاد النفسي بينهما وشائج قربى ال يمكن فصلهما نظريا
وممارسة في تقديم الخدمات اإلرشادية للمحتاجين إليها ،مثل هذا التكامل يشبه التكامل بين
العقل والجسد الذي ال يمكن النظر إليهما كحالتين منفصلتين بل متكاملتين.
- 63 -