Professional Documents
Culture Documents
صدر حديثا عن مركز هنوض للدراسات والبحوث ،بعنوان "سؤال السرية الفلسفية..
".حبث يف حقيقة التفلسف االئتمانية
يف هذا الكتاب الذي تتجاوز عدد صفحاته اخلمسمائة ،يذّك ر طه بأن أصل الفلسفة
كوهنا "ليست فكرا مجّر دا" بل "سيرة حّية" ،وبأهنا يف األصل ليست التفكري الذي
يتوسل بالعقل المجرد “وإمنا هي ممارسة حية تتوسل بالعقل املسَّدد ،إصالحا
”.لإلنسان
ويف عالقة "الفلسفة" و"الحكمة" ،يدافع طه عن أهنا يف األصل مل تكن عالقة امتالك بل
"عالقة ائتمان؛ فالفلسفة في أصلها عبارة عن االئتمان على الحكمة ،حيث يتعين
".على الفيلسوف أن يعود إلى هذا التصور االئتماني للفلسفة
ويدافع الكتاب عن "الفلسفة المسَّد دة" ،ومضموهُن ا أن "الفلسفة ليست تفكيرا في
األشياء على مقتضى العقل المجرد ،وإنما هي ممارسة حية على مقتضى العقل
المسّد د ،ابتغاء إصالح اإلنسان .وهذا يتطلب من الفيلسوف أن ُتصّد ق أفعاُله
".أفكاَر ه وأن يتوسل ،في صوغ أفكاره وضبط أفعاله بالعقل المسّد د
ويف "أركان السرية الفلسفية" ،يرى املؤّلف أن سقراط ميثل "أفضل نموذج لهذه
السيرة في تاريخ الفلسفة ،إذ سبق غيَر ه في اعتبار الفلسفة اشتغاال باإلنسان ،ال
".بالطبيعة
وخصص طه الفصل األخري للنيب إبراهيم؛ "ألنه مجع بني املقامني السلوكيني :مقام
"الصديقية" الذي قد يصل إليه الفيلسوف مىت واظب على العمل بـ"مبدأ التصديق"،
وبني مقام "النبوة" الذي يؤهله ألن يتشّبه به الفيلسوف" ،مع بيانه معامل "الصّد يقية"
عند النيب إبراهيم اليت "تجعل منه فيلسوفا بمعنى (الباحث عن الحكمة) كما تجلى
".ذلك في تأمالته في الملكوت
ويف متهيد الكتاب اجلديد ،جّد د طه عبد الرمحن دعوته إىل "أن ُنكِّو ن ألنفسنا مفاهيم
وتصّو رات فكرية نستنبطها من عريق ثقافتنا ،ونشتغل عليها بما أوتينا من قدرات
عقلية ومعنوية ،تدليال عليها وتطويرا لها واستنتاجا منها وتوظيفها لها ،فإن وافَق ت
هذه المفاهيم والتصورات ،تحديدا لها وتنظيرا ،ما عند اآلخرين فِبها وِنعمت؛ وإن
لم توافقه ،فإنما هي إثراء للمجال الفلسفي ،إذ يضيف إليه من األفكار ما لم يكن
هؤالء يعُّد ونه كذلك ،أو هي توسيع لألفق الفلسفي ،إذ تفتح فيه من اإلمكانات
".الفكرية ما لم يكن يخطر على بالهم
مث تابع" :وإذا لم يكن من مخرج من ُعقمنا الفلسفي إال اتباع هذا الطريق ،فاألجدر
بنا أن نبدأ بالمفهوم نفسه الذي تعّلق به هذا العقم ،أال وهو مفهوم "الفلسفة"! فإذا
سّلمنا بأن "الفلسفة" ،لغة وحّد ا ،عبارة عن "محبة الحكمة" ،فال يلزم أن يكون
االشتغال على المفهومين المحِّددين لها ،أي "المحبة" و"الحكمة" واحدا عند
جميع األمم ،بحيث يكفي تناقل هذا االشتغال فيما بينها وتقليد بعضها لبعضها فيه؛
فقد عَر فت األمم "المحبة" و"الحكمة" قبل أن يخترع اليونان منهما تركيبا مزجيا
".هو "الفلسفة
ويواصل" :يمكن االستغناء عن هذا اللفظ المركب اليوناني بعبارة "حب الحكمة"،
فبَد ل أن نقول" :فلسفة" ،علما بأن هذا اللفظ ال يزال يثير نفور بعض النفوس،
يمكن أن نقول "حب الحكمة" ،فيزول النفور وينمحي اإلغراب ويحصل اإلقبال،
!".فمن ذا الذي ال يحب الحكمة
ويف إثبات أن "الفلسفة سرية حية أو طريقة يف احلياة" ،يبين طه عبد الرمحان على
مسّلمات؛ أوالها أن "الفلسفة" (أي حب احلكمة) غري "احلكمة"؛ " ا كانت احلكمة
ّمل
أعز مطلب ،ليس كل من أحّب احلكمة ،أدرك هذا املطلب العزيز ،بل إن هذا احلب
نفسه ليس شكال واحدا ،بل هو أشكال قد يكون بعضها غري الئق مبقام احلكمة كأن
يكون بغرض الظهور بنزول هذا املقام .ويف املقابل ،قد جند من حميب احلكمة من يتربأ من
".امتالك احلكمة ،إدراكا منه لعظيم قدرها (…) الفيلسوف ليس بالضرورة حكيما
وثاِنَيُة املسّلمات أن "حقيقة اإلنسان غير طبيعته ،وإنما فطرته"؛ فـ"ملا كان مدار
احلكمة على إصالح اإلنسان ،تبني أن املطلوب يف معرفة اإلنسان ليست طبيعته كما
تقرر عند أهل الفلسفة اليونانية ومن سار يف ركبهم ،وإمنا حقيقته؛ وحقيقته ال ميكن أن
تكون إال أمرا يعلو على الطبيعة ،أو ،باالصطالح األجنيب" ،أمرا ميتافيزيقيا" ،أي أنه ال
ميكن مطلقا رؤية هذه احلقيقة ،مع دفاعه على أن "الفطرة" هي "اهليئة الكاملة اليت ُخ لق
".عليها اإلنسان أول مرة
ومن املسلمات أن "إصالح اإلنسان ال يكون بأسباب طبيعية ،وإمنا بأسباب فطرية"؛
فـ"إذا تقرر أن حقيقة اإلنسان ،حبسب أصيل الثقافة اإلسالمية ،تتمثل يف فطرته ،ظهر أن
صالح اإلنسان ال ميكن أن يكون بأسباب مأخوذة من الطبيعة؛ إذ الطبيعة ،أصال،
ناقصة ،ألهنا مسَّخ رة لإلنسان (…) صالح اإلنسان يكون بأسباب مأخوذة من الفطرة،
".ألن الفطرةَ ،خ لقا ،كاملة ،ألهنا موِّح دة
ومن املسلمات أيضا أن "األسباب الفطرية اليت يصلح هبا اإلنسان هي القيم األخالقية"،
مث مسلمة أن "العقل الذي تتوسل به الفلسفة املسَّد َد ة ليس العقل الذي تتوسل به
احلكمة" ،فمسّلمُة "أن القيمة الفطرية اليت تتصدر ،يف الفلسفة املسّد دة ،باقي القيم هي
الصدق" .ويتابع شارحا هذه األخرية" :واضح أن الفلسفة املسَّددة حتمل على طلب
احلقيقة ،ال لذاهتا ،وإمنا من أجل االنتفاع هبا يف إصالح اإلنسان ،إذ احلقائق ختتلف
".باختالف اجملاالت ،وليست كلها تفيد يف هذ اإلصالح
أما سابعة املسّلمات ،فتتمثل يف أن "التفلسف الحق ال يتجلى في صدق الفكر ،وإنما
في صدق الحياة"؛ فـ"إذا كان الصدق أساس القيم يف "الفلسفة املسَّددة" ،فال يكفي
الفيلسوف أن يكون صادقا يف أفكاره ،ألن هذا الصدق ال يفيد سلوكه بالضرورة؛ فقد
يفكر يف أمر حق ،وال جيد حاجة إىل العمل به ،وال ،باألوىل ،يكفيه أن ُيصّد ق بأفكار
غريه مىت رأى احلق فيها ،ألن هذا التصديق هو تسليم بصدق مل يصدر عنه (…)
والفيلسوف أميل إىل األخذ بصدقه منه إىل األخذ بصدق غريه؛ وإذا كان ال ينتفع
بصدقه يف سلوكه ،فمن باب َأوىل أن ال ينتفع فيه بصدق غريه .لذلك ،احتاج
الفيلسوف إىل صدق أبلغ من "صدق األفكار" ،وهو صدق احلياة ،وال تصدق حياته إال
مىت مل تكن تأمالته يف واد وتصرفاته يف واد آخر ،بل تكون دعاويه يف الفلسفة عني
".مواقفه يف احلياة
ومن بني ما يرد يف هذا الكتاب اجلديد "الشروط العامة الواجبة يف إبداع فلسفة إسالمية
حقة" ،وفق طه عبد الرمحن ،ومما قاله يف هذا املضمار" :وصفنا هذه الفلسفة بـ"احلقة"،
ومل نصفها بـ"األصيلة" ،نظرا ألن "احلق" أخص من "األصيل" ،فكل حق أصيل ،وليس
كل أصيل حّق ا؛ غري أن هذا الوصف ،أي "احلّق ة" ،ال يعين البتة أن ما سوى الفلسفة
اإلسالمية من الفلسفات األخرى باطل بالكلية ،وإمنا يعين أن هذه الفلسفة تستويف
الشروط الدنيا اليت جتعل كل فلسفة تستوفيها تستحق أن ُتنسب إىل اإلسالم بوصفه
".طريقة يف احلياة ،ابتغاء صالح اإلنسانية مجعاء