You are on page 1of 12

‫األستاذ المسؤول عن المقياس ‪ :‬بن عيسى خيرة ‪.

‬‬

‫مقياس ‪ :‬مدارس فلسفية يونانية ‪.‬‬

‫المستوى السنة الثانية ‪LMD s3 :‬‬

‫المحاضرة الثالثة ‪ :‬المدرسة الطبيعية ‪.‬‬

‫اجته كل اهتمام الفلسفة قبل سقراط يف عمومه حنو البحث عن املبدأ األول و الوحيد الذي منه‬
‫نش أ الك ون ‪،‬ح ىت أص بحت ُتْنعت بالفلس فة الطبيعي ة أو الُك س مولوجية‪،‬ولكن رغم ذل ك س يكون‬
‫لبعض املسائل امليتافيزيقية حظ منها ‪،‬وإن كان ال يتساوى مع االنشغال اهلاجسي هلا ‪ ،‬فإنه سيعترب‬
‫مبحث ا من مباحثه ا‪،‬ألن الس ؤال عن املب دأ النه ائي ه و يف األص ل س ؤال ميت افيزيقي قب ل أن يك ون‬
‫فيزيقيا‪"،‬ذلك أن أول امليتافيزيقيني يف تاريخ الفلسفة هو طاليس ألنه أول من تساءل عن األصل الذي‬
‫ص درت عن ه األش ياء مجيع ا‪،‬وكأن ه ب ذلك ط رح جانب ا الظ واهر املادي ة وم ا ندرك ه من أش ياء حس ية‬
‫ليغ وص حتته ا حبث ا عن مص درها‪،‬ف ارتفع ب ذلك عن املش اهدة احلس ية‪،‬وق ال بنظ رة تق وم على العق ل‬
‫‪1‬‬
‫أساسا‪،‬أن الكل واحد أو األصل واحد"‬
‫كما جتدر اإلشارة إىل أن هذه املرحلة األوىل من تاريخ الفلسفة واليت سبقتها قد مهدت لظهور‬
‫الفلس فة يف زمن س قراط ومن ج اء من بع ده‪،‬فك انت مبثاب ة األرض ية اخلص بة وإن اكتنفته ا بعض‬
‫السطحية والسذاجة يف بعض األحيان‪،‬وهو ما يصرح به أرسطو يف مقالة "األلفا الصغرى" من كتاب‬
‫ما بعد امليتافيزيقا إذ يقول‪":‬إن من اإلنصاف أن نتقدم بالشكر واالمتنان ال فقط ألولئك الدين ميكن‬
‫أن نش اركهم آراءهم‪،‬ب ل أيض ا أولئ ك ال دين ع ربوا عن وجه ات نظ ر س طحية ‪،‬ألن ه ؤالء أيض ا ق د‬

‫‪ ‬مثل هذه املدرسة كل من طاليس حوايل(‪550-643‬ق‪.‬م) وتلميذه أنكسمندريس (‪ )547-611‬و انكسمانس(‪ )558-524‬و هم الفالسفة‬
‫الطبعيني األوائل‪ ،‬مث اجتهت الفلسفة إىل نوع من التجريد مع الفيثاغورسية و هرياقليطس و بومنيدس و أنكساغورس وديقريطس ‪،‬كما مثل يف هذه‬
‫املرحل ة أيض ا السفس طائيون ال ذين وجه وا التفك ري إىل اإلنس ان ‪،‬وهن اك فالس فة آخ رون ك ان هلم دور يف بل ورة ه ذه الفلس فة لكن ليس مبس توى‬
‫الفالسفة البارزين املذكورين سابقا‪.‬‬
‫‪ -1‬إم ام عب د الفت اح إم ام ‪،‬م دخل إىل امليتافيزيق ا م ع ترمجة للكتب اخلمس ة األوىل من ميتافيزيق ا أرس طو‪،‬هنض ة مص ر للطباع ة والنش ر والتوزي ع ‪،‬‬
‫القاهرة‪،‬الطبعة األوىل ‪،2005‬ص ص‪.92-91‬‬
‫‪1‬‬
‫أسهموا بشيء ما يف تطوير قوى الفكر‪...‬وُقل الشيء نفسه عن أولئك الدين عربوا عن وجهات نظر‬
‫بص دد احلقيق ة‪،‬فق د ورثن ا آراء معين ة عن مفك رين ممت ازين‪،‬بينم ا ك ان اآلخ رون مس ئولني عن ظه ور‬
‫هؤالء املفكرين املمتازين"‪،2‬وستكون البداية مع المدرسة المالطية(األيونية)‪.‬‬
‫‪ /1‬المدرسة المالطية(األيونية)‪:‬‬
‫أ ‪" -‬طاليس المالطي" )‪:thalès (643-550‬مل يرتك لنا هذا الفيلسوف كتابا يشرح فيه‬
‫مب ادئ فلس فته كم ا فع ل أفالط ون مثال‪،‬ب ل بقيت لن ا بعض الش ذرات ال يت جندها متن اثرة يف بعض‬
‫الكتب الدارس ة لت اريخ الفلس فة‪،‬ومرجعي ة فلس فية مهم ة س نعتمد عليه ا يف خالل كالمن ا عن ك ل‬
‫الفلسفة قبل سقراط وهي ما ورد عن أرسطو من حتليالت وتأريخ يف بعض كتبه ‪،‬لكن حىت أرسطو‬
‫مل يكن متيقنا مما يقوله عن "طاليس املالطي" ‪،‬ألنه كان كثريا ما يستعمل عبارة‪" :‬إن صح ما يروى‬
‫عنه"‪.3‬‬
‫أشهر ما عرف به هذا الفيلسوف؛أي طاليس املالطي هو حبثه حول املبدأ األول الذي منه نشأ‬
‫ك ل موج ود‪،‬فق ال أن ه واح د من طبيع ة مادي ة خالص ة وه و "املاء"ويف ش رح "أرس طو ط اليس" هلذا‬
‫املوقف يقول‪":‬يقول‪'':‬إن هذا املبدأ هو املاء [وهو هلذا السبب يعلن أن األرض تطفو فوق املاء]‪،‬ورمبا‬
‫ج اءت الفك رة من رأيت ه أن غ ذاء األش ياء مجيع ا الب د أن تك ون رطب ة وأن احلرارة نفس ها تنش أ من‬
‫الرطوبة ‪،‬وتبقى حية بواسطتها[أو أن ما صدرت عنه هو مبدأ كل شيء]‪.‬وقد استمد فكرته من هذه‬
‫الواقعة ‪،‬وأن بذور كل شيء ذات طبيعة رطبة ‪،‬وأن املاء هو أصل طبيعة األشياء الرطبة"‪.4‬‬
‫أم ا آرائ ه ح ول النفس فيمكن أن نس تنبطها من املقول ة املش هورة ال يت تروى عن ه و هي ‪":‬أّن يف‬
‫املغناطيس نفسا هي اليت جتذب احلديد إليه"‪،‬لعله التفسري الوحيد الذي وجده "طاليس" لتعليل ظاهرة‬
‫اجلذب؛أي احلركة‪،‬فاعترب بذلك وجود شيء خفي هو الذي جيذب األشياء إليه ‪ ،‬ومن مث فإن يف كل‬
‫شيء توج د نفس‪ ،‬فأرس طو يق ول ‪":‬و يب دو أيض ا أن "ط اليس" فيما ي رون عن ه ‪،‬ذهب إىل أن النفس‬
‫قوة حمركة و إن صح ما يرون عنه من أنه زعم بأن يف حجر املغناطيس نفسا ألنه جيذب احلديد"‪،5‬‬

‫‪ - 2‬أرسطو طاليس مقالة األلفا الصغرى[‪،]-b993‬ترمجة إمام عبد الفتاح امام ‪،‬ص‪.287‬‬
‫‪ - 3‬أرسطو طاليس كتاب النفس ‪،‬ترمجة أمحد فؤاد األهواين‪ ،‬راجعه على اليونانية األب جورج شحاته قنواين ‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪.1949‬ص‪.14‬‬
‫‪-4‬أرسطو طاليس مقالة األلفا الكربى[‪ ،]b-983-30‬ص‪.263‬‬
‫‪ - 5‬املصدر نفسه ‪،‬ص ‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫فهذه املقولة تؤكد فكرتني أساسيتني األوىل هي أن يف كل األشياء املتحركة توجد نفس و الثانية هي‬
‫أن هذه النفس هي مبدأ احلركة ‪،‬أو هي اليت حترك األجسام‪،‬فهي اليت متنح احلياة هلا؛أي للمادة لذلك‬
‫ُأعترب "طاليس" من أصحاب النـزعة " املادية احلية "‪.‬‬
‫و إذا رجعنا إىل تفسريه للمبدأ األول الذي منه نشأ الكون ‪،‬فإنه قال بأن أصل األشياء كلها‬
‫هو املاء و هذا األخري هو الذي منه نشأ اإلنسان و احليوان و النبات‪،‬وكل األشياء املوجودة يف الكون‬
‫‪،‬ووفق هذا الرأي تكون النفس هي ماحنة احلياة هلذه املادة ‪ ،‬فاملاء حسب "طاليس"حامل لقوة حيوية‬
‫داخلية فيه َتـْنَبُث يف مجيع أنواع املادة ‪،‬فتكون بذلك هي األخرى حية‪،‬و يتضح هذا املعىن األخري أكثر‬
‫من خالل مقول ة "ط اليس"ال يت أورده ا "أرس طو" و هي كم ا يلي ‪ ":‬ك ل ش يء ممل وء باآلهلة"‪6‬و‬
‫يفسرها بأن النفس ممتزجة بالعامل كله‪ ،‬أي أن العامل مملوء باألنفس‪،‬وهي تنتشر داخل املادة فتحدث‬
‫احلرك ة ‪ ،‬و إذا ك ان ه ذا التفس ري ال ذي قدم ه أو ب األحرى رجح ه "أرس طو" يف أن اآلهلة يف مقول ة‬
‫"طاليس" تعين األنفس‪ ،‬فهل هذه األخرية هي كذلك؟‪.‬‬
‫ال يقدم "طاليس" أي إجابة مفصلة حول هذه املسألة ‪،‬وحىت املقوالت اليت يوردها أرسطو‬
‫هي على س بيل ال رتجيح ‪،‬ل ذلك س نكتفي هبذا الق در يف ه ذه املس ألة و س نتوجه إىل شخص ية فلس فية‬
‫أخرى مهمة يف هذه املرحلة من املدرسة نفسها‪،‬و هي الفيلسوف "أنكسماندريس"‪:‬‬
‫ب ‪-‬أنكسماندريس ‪ 627-546(Anaximandre‬ق‪.‬م)‪:‬‬
‫ك انت هلذا الفيلس وف أمهي ة واس عة من ن واحي متع ددة ‪،‬من حيث إدخال ه ملف اهيم جدي دة‬
‫كاألبرون (‪،)Apeiron‬أو الالهنائي وتفسريه لعملية حتول املادة و اجتاه تفكريه حنو التجريد‪،‬إضافة‬
‫إىل أنه ترك لنا كتابا كان عنوانه(في الطبيعة) جتاوز من خالله الطريقة الشعرية اليت اعتاد اليونانيون‬
‫عليها "فه و باختي اره الكتاب ة ن ثرا أجنز القطيع ة مع األس لوب الشعري للقص ائد القدمية و دشن النوع‬
‫األديب اجلديد اخلاص بالتاريخ الطبيعي ‪،‬وأخريا كان هو الذي عرب بكثري من الدقة عن الصور الكونية‬
‫اجلديدة اليت ستطبع بصورة عميقة ودائمة التصور اليوناين للكون"‪.7‬‬
‫‪ ‬النزعة املادية احلية ‪ Hulociste‬أصل الكلمة من اليونانية وهي من ‪ Hulè‬وتعين اهليويل أو املادة‪،‬و‪ zoè‬تعين احلياة و ترجع أصول هذه النزعة‬
‫" إىل التفسري البدائي ذي النزعة اإلحيائية لبعض الظواهر الطبيعية مثل التنفس واألحالم والظالل واملوت إىل وقت ظهرت األسطورة املتعلقة بنفس‬
‫اإلنسان من تلك املفاهيم اليت ترى النفس صورة مصغرة أو ظالل لإلنسان"أنظر املعجم العلمي للمعتقدات الدينية ‪،‬تأليف جمموعة من األساتذة ‪،‬‬
‫ترمجة و حترير سعد الفيشاوي ‪ ،‬مراجعة عبد الرمحن شيخ اهليئة املصرية العامة للكتاب الطبعة األوىل ‪،2007‬ص‪ 598‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ - 6‬أرسطو ‪،‬كتاب النفس ‪،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 7‬جون بيار فرنان‪،‬أصول الفكر اليوناين ‪،‬ص‪.107‬‬
‫‪3‬‬
‫*نظري‪PP‬ة أنكس‪PP‬ماندريس في أص‪PP‬ل الك‪PP‬ون‪:‬اتف ق ه ذا الفيلس وف م ع أس تاذه "ط اليس"يف أن مب دأ‬
‫األشياء كلها مادي واحد ‪،‬لكنه اختف معه يف طبيعته‪،‬إذ يعتقد أن املاء ال ميكن أن يكون مبدأ لكل‬
‫املوج ودات ألن ه يت أثر ب احلرارة وال ربودة‪،‬إذ ب األوىل يتح ول من جام د إىل س ائل وبالثاني ة يفق د‬
‫س يولته‪،‬وه و ب ذلك ال ميكن أن يك ون مب دأ ألن ه يتغ ري ويتح ول بفع ل عناص ر أخ رى‪،‬ل ذلك اجته إىل‬
‫القول بأن هذا املبدأ جيب أن يكون غري معني وغري حمدد‪،‬وهو ميثل مادة أوىل غري حاملة ألي خاصية‬
‫من خص ائص املوج ودات‪،‬وهي غ ري معروف ة ال من حيث الكم وال من حيث الكي ف‪،‬فلق د"اعتق د‬
‫أنكسماندريس أن هذه املادة متتد إىل ما هناية يف املكان‪،‬والسبب الذي طرحه لقوله هبذا الرأي هو أنه‬
‫لو كان للمادة قدر حمدد لكانت قد استنفذت منذ فرتة طويلة"‪،8‬ومل يكتفي هذا الفيلسوف ب ذلك ب ل‬
‫حاول تفس ري عملي ة حتول املادة الالمتعين ة وتش كل املوج ودات‪،‬وج اء رأي ه على النحو الت ايل‪:‬إن ه ذه‬
‫املادة (‪ )Apeiron‬هي"م زيج من األض داد مجيع ا كاحلار والب ارد والي ابس وال رطب وغريه ا‪،‬إال أن‬
‫هذه األضداد كانت يف البدء خمتلطة متعادلة غري موجودة بالفعل من حيث هي كذلك ‪،‬مث انفصلت‬
‫حبركة املادة ومازالت احلركة تفصل بعض ها عن بعض وجتمع بعضها مع بعض مبقادير متفاوتة حىت‬
‫تألفت هبذا االجتم اع واالنفص ال األجس ام الطبيعي ة على اختالفه ا‪،‬وأول م ا انفص ل(احلار والب ارد)‬
‫فتصاعد البخار بفعل احلار وكان من هذا البخار اهلواء‪،‬أما الراسب فيبس بالتدرج فكان منه البحر مث‬
‫األرض وتك ون احلار ك رة ناري ة ح ول اهلواء كم ا تتك ون القش رة ح ول الش جرة ومتزقت ه ذه الك رة‬
‫الناري ة وتن اثرت أجزاؤه ا ودخلت أس طوانات هوائي ة هي الك واكب تش تعل فيه ا الن ار وتب دو لن ا من‬
‫فوهاهتا ‪،‬فكل ما نراه من وجوه القمر وكسوف وخسوف ناشئ إما من انسداد الفوهات انسدادا‬
‫كليا أو جزئيا وإما مما لالسطوانات من حركة جتعل الفوهات تبدو حينا وتغيب حينا آخر‪،‬واألرض‬
‫جسم أسطواين كذالك بنسبة ارتفاعه إىل عرضه كنسبة ‪، 3:1‬وحنن نشغل قسمها األعلى وهو منتفخ‬
‫قليال وليست تقوم على شيء خبالف ما ارتأى طاليس ‪...‬فاألرض معلقة يف وسط السماء ثابتة يف‬
‫مكاهنا ألهنا واقع ة على مس افة واح دة من األج رام الس ماوية‪،‬فليس هن اك م ا جيعله ا تتح رك إىل جه ة‬
‫دون األخرى ‪،‬وألن النسبة املذكورة بني ارتفاعها وعرضا تكفل هلا االستقرار بذاهتا"‪.9‬‬

‫‪ 8‬ولرت ستيس تاريخ الفلسفة اليونانية‪،‬ص ‪.28‬‬


‫‪ 9‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪،‬ص ص ‪.16-15‬‬
‫‪4‬‬
‫تش مل ه ذه الفق رة وإن ك انت طويل ة نوع ا م ا على ش رح جلوانب نظري ة أنكس ماندريس يف‬
‫الك ون‪،‬وتوج د ش روحات أخ رى مثال م ا ي ورده "ول رت س تيس" يف كتاب ه "تاريخ الفلس فة‬
‫اليونانية‪،‬وكذلك "جون بيار فرنان" يف كتابه أصول الفكر اليوناين ‪،‬وكلها وإن كانت خمتلفة يف بعض‬
‫التفاصيل فإهنا تشري إىل املعامل العامة هلذه النظرية اليت ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬إن املاد األوىل هي مبدأ‬
‫األش ياء مجيع ا غ ري معروف ة اخلص ائص وغ ر حمدودة إذ ليس هلا منشأ وغ ري زائل ة‪،‬وهي ليس ت املاء وال‬
‫اهلواء وال أي ن وع آخ ر من املادة‪،‬ب ل هي الن وع األول لك ل أن واع املادة يف أهنا اختالط جملموع ة من‬
‫األضداد املتساوية واملتناسبة فيما بينها ‪،‬وهي موجودة بالقوة أي غري متعينة وغري منفصلة عن بعضها‬
‫البعض‪،‬أم ا عملي ة التح ول والتغ ري ف إن أنكس ماندريس مل يوض حها ومل يبينه ا أو كم ا يق ول "ول رت‬
‫ستيس" فسرها"عن طريق عملية متطورة غامضة"‪،10‬وهو ي رى؛أي أنكس مانديس أن احلار والب ارد مها‬
‫أول من انفص ل ومها ب ذلك س يمثالن الع امالن األساس يان يف بداي ة احلرك ة يف املادة ومن مثة نش وء‬
‫األجسام الطبيعية ‪.‬‬
‫*نظرية أنكسماندريس في نش‪PP‬وء الع‪PP‬والم‪:‬مبا أن املادة األوىل ال تنفذ فإن العوامل يف استمرار إىل‬
‫األبد‪،‬إذ يرى أنه ينشأ عامل و ينتهي مث يبدأ عامل آخر وينتهي وهكذا إىل األبد دون أن يؤثر ذلك على‬
‫األبرون‪،‬ألنه يف حالة حركة دائمة‪،‬ويوجد اختالف بني الدارسني فيما إذا كان أنكسماندريس قال‬
‫بأنه كان هناك عامل وانتهى مث ولد عامل أخر وهكذا‪،‬أم أنه توجد عوامل متعددة تنشأ مث تنتهي وتبدأ‬
‫عوامل أخرى‪،‬لكن املهم يف هذه النظرية هي أن هذا الفيلسوف أقر بالتغري الدائم للمادة أو مببدأ احلركة‬
‫الذي هو مبدأ أساسي يف تكون األجسام الطبيعية‪،‬وأن مبدأ األشياء البد أن يكون خمتلفا عن عناصر‬
‫املوجودات‪.‬‬
‫*نظرية أنكسماندريس في نشوء الكائن‪PP‬ات‪:‬هي نظرية يفسر من خالهلا كيف نشأت الكائنات‬
‫احلية وتطورت وكيف نشأ اإلنسان بالتحديد‪،‬هذا األخري الذي كان يف البداية حسب اعتقاده على‬
‫شكل مسكة ألن األرض كانت يف البدء رطبة وبفعل احلرارة ظهرت أماكن جافة تكيف معها اإلنسان‬
‫وتكونت له أطراف ‪،‬فاحلياة"تكونت يف البيئة الرطبة وكانت مجيع األحياء يف البداية أشبه باألمساك‬

‫‪ 10‬ولرت ستيس‪،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪،‬ص‪.28‬‬


‫‪5‬‬
‫ذات الغالف الس ميك‪،‬وك ذلك تط ور اإلنس ان عن ن وع من األمساك أو احتض نته األمساك ح ىت أمكن ه‬
‫احلياة على سطح األرض اجلافة "‪.11‬‬
‫(‪611-547‬ق‪.‬م)‪:‬ه و ث الث الفالس فة الطبيع يني يف‬ ‫"أنكس‪PP‬مانس"‪Anaximène‬‬ ‫ج‪-‬‬
‫املدرسة األيونية ‪،‬فّس ر هو اآلخر مبدأ نشأة الكون تفسريا ماديا‪،‬ومن خصائصه أنه واحد وال هنائي‬
‫يتميز بسرعة االنتشار و باالمتداد و هو غري حمدود و غري معني ‪ ،‬وهذا املبدأ هو اهلواء‪.‬‬
‫إن ه ذا الفيلسوف س يقف موقفا وس طا بني "ط اليس"و"أنكس ماندريس"فمب دأه حمدد ومع روف‬
‫وه و من طبيع ة مادي ة واح د غ ري متع دد ويف ه ذا واف ق ط اليس‪،‬وه و إض افة إىل ذل ك يتص ف ببعض‬
‫خصائص األبرون يف أنه غري حمدود ممتد يف املكان إىل ما ال هناية‪،‬وهو ما تشري إليه الشذرة اليت يقول‬
‫فيها‪":‬إن اجلوهر األول واحد الهنائي ‪،‬ولكنه غري حمدد الكيف ‪،‬إنه اهلواء منه نشأت األشياء املوجودة‬
‫واليت كانت واليت سوف تكون‪،‬ومنه أيضا نشأت اآلهلة وكل ما هو إهلي ‪،‬وتفرعت باقي األشياء‪.12‬‬
‫أم ا كي ف نش أت األش ياء وتك ونت األجس ام الطبيعي ة من اهلواء ف إن أنكس ماندر يفس ر ذل ك‬
‫بعملينت أساس ينت مها التك اثف(‪ )condensation‬والتخلخ ل(‪، )raréfaction‬الَلت ان متثالن‬
‫حرك ة التغ ري الكامن ة يف اهلواء ‪،‬فه و"يتخ ذ حبركت ه الص ور املختلف ة للتك اثف والتخلخ ل فيص بح‬
‫مرئيا‪:‬ففي متدده يصبح نارا وعند تلبده يصبح سحابا وعند تكاثفه الشديد يستحيل ماء‪،‬وإذا تكاثف‬
‫املاء أصبح أرض وإذا زاد تكاثفه أصبح صخرا" ‪.13‬‬
‫إن سبب اختيار "أنكسمانس"للهواء دون غريه من املبادئ املادية األخرى املوجودة يف الطبيعة‪،‬‬
‫السيما و أنه مادة ال ميكن مشاهدهتا أو ملسها‪ ،‬هو اعتبارا لظاهرة التنفس كوهنا أساس احلياة‪،‬و النفس‬
‫ب دورها هي ه واء ‪،‬فه و يق ول يف إح دى ش ذرات"كم ا أن النفس ألهنا ه واء متس كنا‪،‬فك ذلك يفع ل‬
‫التنفس ‪،‬و اهلواء حييط بالعامل بأسره"‪.14‬‬

‫‪ 11‬أمرية حلمي مطر‪،‬الفلسفة اليونانية تارخيها ومشكالهتا‪،‬ص ‪.54‬‬


‫‪‬اهلواء هو أصل كل املوجودات يف نظر هذا الفيلسوف و عنه تصدر كل املوجودات مبا يف ذلك اآلهلة وذلك وفق عملييت التخلخل و التكثيف ‪،‬إذ‬
‫بالعملية األوىل يصبح اهلواء أكثر حرارة و يصبح نار و بالتكثيف مييل إىل الربودة و يتصلب أو يتجمد ‪.‬‬
‫‪ 12‬أنكسماندر ‪،‬شذرة ‪،‬نقال عن أمرية حلمي مطر‪،‬الفلسفة اليونانية تارخيها ومشكالهتا‪،‬ص‪.55‬‬
‫‪ 13‬جعفر آل ياسني‪،‬فالسفة يونانيون‪-‬العصر األول‪،-‬ص ‪.32‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 14‬أنكسماندر ‪،‬شذرة رقم ‪ 01‬نقال عن فريديريك كوبلستون تاريخ الفلسفة اجمللد األول (اليونان و روما)‪ ،‬ص‪60‬‬
‫‪6‬‬
‫نفهم من هذه الشذرة أن هذا الفيلسوف قد اختار هذه املادة كوهنا تعرب عن مبدأ حياة الكائن‬
‫احلي ‪،‬و قد كانت النفس عند اليونان (‪)Psyche‬تع ين النفس و التنفس و كذلك احلياة‪،‬و ألهنا هواء‬
‫فال شك أن صفاهتا من صفاته‪،‬و كما حييط اهلواء بالعامل حتيط هي كذلك بالبدن وأهنا غري مرئية و‬
‫غري متناهية و منتشرة يف كل أحناء الوجود و بالتايل فهي مطلقة‪.‬‬
‫إن هذا املفهوم األخري يقودنا إىل القول بأن اهلواء هو نفس العامل " منه نشأت األشياء املوجودة‬
‫و ال يت ك انت و ال يت س وف تك ون ومن ه أيض ا نش أت اآلهلة و ك ل م ا ه و إهلي و تف رعت ب اقي‬
‫األشياء‪ ،15‬هذا ما ميكن أن نقوله عن أنكسمانس يف مسألة النفس ‪ ،‬فهو ك ذلك مث ل ط اليس مل يف رد‬
‫هلا مبحثا خاصا يف فلسفته‪.‬‬
‫د‪ -‬إستنتاج حول المدرسة األيونية‪:‬‬
‫تكمن أمهية هذه املدرسة يف أهنا مرحلة فاصلة نقلت اهتمام اليونانيني من األسطورة والشعر أي‬
‫من امليتولوجيا إىل التفكري العقلي النظري الذي حاول أن يفسر نشأة الكون تفسريا نظريا عقليا إن مل‬
‫نق ل علمي ا قائم ا على املالحظ ة يف بعض جوانب ه‪،‬ل ذلك اعت ربت حماول ة ط اليس الكس مولوجية بداي ة‬
‫للفلسفة يف اليونان‬
‫كم ا ك ان هلؤالء الفالس فة أتب اع آخ رين نس بوا إىل املدرس ة املالطي ة‪،‬لكنهم مل يض يفوا أي ش يء‬
‫جديد‪،‬بل عملوا فقط على إحياء النزعة املادية والدفاع عنها أشهرهم‪:‬‬
‫"هيبون" وافق "طاليس"يف قوله بأن املبدأ النهائي للكون هو املاء‪.‬‬
‫"إدايوس"‪:‬قال باهلواء وهو بذلك كرر ما قاله "أنكسمنس"‪.‬‬
‫"ديوجني األبلوين"‪:‬اشتهر يف القرن اخلامس قبل امليالد وافق "أنكسمانس" يف القول باهلواء وأن‬
‫حرك ة التغ ري املوج ودة يف الع امل حتدث بفع ل مب دأ عاق ل ه و منب ع النظ ام والتناس ب املوج ودين يف‬
‫الكون‪،‬وهذا املبدأ هو اهلواء ‪،‬ومن ذلك قوله يف الفقرة اخلامسة من كتابه (العلم الطبيعي)‪"،‬إن اهلواء‬
‫هو‪:‬الذي يدبر مجيع األشياء ويهيمن عليها ‪،‬وهلذا يبدو يل أنه اإلله وأنه يبلغ كل شيء وينظم كل‬

‫‪ ‬يفصل تايلور يف مدلول كلمة ‪ Psyche‬يف أصلها اليوناين‪،‬وأنه كان يقصد هبا يف اللغة العادية"ما نسميه حنن (احلياة) أكثر مما نسميه(النفس)‪.‬أم ا‬
‫يف االصطالح اليوناين فإن الكلمة تعين ما قد نسميه حنن يف االجنليزية مبدأ احلياة "أنظر‪:‬الفرد إدوارد تايلور ‪،‬أرسطو ترمجة عزت قرين ‪،‬دار الطليعة‬
‫للطباعة والنشر‪،‬بريوت ‪،‬الطبعة األوىل ‪1992‬ص‪. 93-92‬‬
‫‪‬‬

‫‪ 15‬فريديريك كوبلسون‪ ،‬تاريخ الفلسفة اجمللد األول(اليونان و روما) ‪،‬ص‪.60‬‬


‫‪7‬‬
‫شيء وهو حال يف كل شيء وما من شيء من قسط منه‪،‬إال أن قسط شيء ما خيتلف عن قسط أي‬
‫ش يء آخ ر‪،‬ب ل ب العكس مثة أش كال ع دة يف اهلواء‪،‬أو العق ل ألن ه متع دد األش كال"‪.16‬وق د عم د ه ذا‬
‫الفيلس وف هبذه األفك ار ال رد على أح د معاص ريه وه و "أنكس اغورس" ال ذي أنك ر مب دأ التغ ري‬
‫املطلق ‪،‬فاملادة اليت تنشأ منها املوجودات أزلية موجودة دائما فيها ختتلط كل أنواع املادة يف كتلة‪،‬وأن‬
‫نش أة الع امل حتدث من خالل عملي تني أساس يتني مها ال رتكيب والتفكي ك‪،‬وس تكون لن ا ع ودة إىل ه ذا‬
‫الفيلسوف يف احملاضرات الالحقة‪.‬‬
‫‪-------------------..........-------------------‬‬

‫‪ /2‬المدرسة اإليلية‪:‬‬
‫مسيت باملدرسة اإليلية نسبة إىل "إيليا"‪‬إحدى املستعمرات اليونانية الواقعة جن وب ايطالي ا‪،‬ويرتب ط‬
‫كل من اسم "برمنيدس"و"زينون اإليلي" هبذه املدرسة كأبرز ممثليها إضافة إىل أكزينوفان‪،‬وفيما يلي‬
‫سنحاول إجياز الفلسفة اإليلية فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أكزينوف ‪PP‬ان‪:‬ول د ح وايل ‪576‬ق‪.‬م يف قول ون يف أيوني ا‪،‬ك ان ش اعرا ومغني ا قض ى حياته يف‬
‫التج وال ‪،‬ترك بغض القص ائد بقيت منه ا ش ذرات فق ط‪،‬ي روى عن ه أن ه املؤس س األول للمدرس ة‬
‫اإليلية‪،‬لكن"ال يوجد دليل حقيقي على أنه ذهب إاىل ايليا‪،‬جنويب إيطاليا‪،‬ومن غري احملتمل أن يكون‬
‫أكثر من راع أو وصى على املدرسة"‪.17‬‬
‫كان له موقف من األساطري واالعتقادات اليت كان يؤمن هبا اليونانيون يشبه إىل حد ما موقف‬
‫"ه راقليطس"‪،‬إذ ح اول "أكزينوف ان"من جانب ه أن يغ ري بعض تص ورات اليون انيني ح ول اآلهلة ال يت‬
‫تص فهم بالتع دد وس وء األخالق‪،‬ومن ذل ك قول ه‪":‬من العبث اف رتاض أن اآلهلة تنتق ل من مك ان إىل‬

‫‪16‬‬
‫ماجد فخري‪،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪،‬ص ‪.21‬‬

‫‪ ‬هي املدينة اليت بناها األيونني اهلاربون من قوة الفرس على الشاطئ الغريب يف إيطاليا اجلنوبية حوايل سنة ‪540‬قبل امليالد‪،‬أنظر يوسف كرم تاريخ‬
‫الفلسفة اليونانية‪،‬ص‪.35‬‬
‫‪ 17‬فريديريك كوبلسون‪،‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬اجمللد األول‪،‬ص‪.87‬‬
‫‪8‬‬
‫مكان على حنو ما تصورها األساطري اليونانية‪،‬ومن العبث افرتاض أن لآلهلة بداية‪،‬ومما حيط من شأهنم‬
‫أن نعزوا هلم قصصا مليئة باخلداع واالحتيال واللصوصية والزنا"‪.18‬‬
‫يعت رب ك ذلك ص احب فك رة مش هورة ك ان هلا ال دور األك رب يف بن اء الفلس فة اإليلي ة‪،‬وهي قول ه‬
‫أن‪":‬الكل هو الواحد"‪،‬فكانت فلسفته بذلك تدعوا إىل الوحدة‪،‬فاعترب أن هذا الواحد هو الذي"حيرك‬
‫األشياء مجيعا بقوة تفكريه"‪،19‬ومن أشهر أقواله يف ذلك ما ي ذكره عن ه "أرس طو فيم ا يلي‪...":‬أال إن ه‬
‫ال يوجد غري إله واحد أرفع املوجودات السماوية واألرضية ليس مركب على هيئتنا وال مفكرا مثل‬
‫تفكرين ا وال متحرك ا ولكن ه ث ابت كل ه بص ر وكله فك ر وكل ه مسع حيرك الك ل بق وة عقل ه وبال عن اء‬
‫"‪.20‬‬
‫أما يف جمال الفيزيقا ال جند هلذا الفيلسوف اهتما كبريا هبا إال بعض اآلراء اليت ذكرت عنه وهي‬
‫قليل ة ج دا ال نس تطيع من خالهلا أن نق ول أن ل ه نظري ة يف ذل ك ‪،‬وأش هر أفك اره م ا ورد يف‬
‫قوله‪":‬األجسام السماوية سحب مشتعلة‪،‬واألشياء مجيعا كانت يف أصلها من الطني ذلك ألن حفريات‬
‫لكائنات حبرية قد وجدت يف اليابس‪،‬ولسوف جيف البحر وحينئذ تنقلب العملية هناية لبداية"‬
‫ب‪-‬بارمنيدس‪ :‬لقد كان لفكرة"أكزينوفان "الكل هو الواحد"أثر كبري على برمنيدس واليت من‬
‫خالهلا أقام فلسفته كلها‪،‬حيث يؤكد أفالطون ذلك على لسان سقراط خماطبا برمنيدس بقوله"ألنك‬
‫تقول يف قصائدك (الكل يكون واحد)وتورد براهني ممتازة عن هذا وتقول أنه ال يكون متعددا"‪.21‬‬
‫أما عن تصوراته امليتافيزيقية فإنه سيحاول اإلجابة على سؤال ما أصل الكون بأسلوب فلسفي‬
‫يتجه حنو التجريد‪،‬ورمبا ميكن أن نفهم ذلك من خالل العودة إىل قصيدته املشهورة اليت يدعي فيها أن‬
‫رب ات الش عر ق د اختارته ولقنت ه احلقيق ة‪،‬فج اءت قص يدته مقس مة إىل قس مني األول مساه طري ق احلق‬
‫والثاين طريق الظن‪،‬وعلى أساس ذلك ينشأ عنده"التناقض بني الوجود والالوجود واحلقيقي املطلق هو‬
‫الوجود والالوجود هو غري احلقيقي‪،‬والالوجود ليس شيئا على اإلطالق‪،‬وهو يوحد بني هذا الالوجود‬
‫وبني الصريورة وبني عامل التغري واألشياء املتغرية"‪،22‬فيخلص ب ذلك إىل أن املب دأ النهائي للموجودات‬

‫‪ 18‬ولرت ستيس‪،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪،‬ص‪.39‬‬


‫‪ 19‬جمموعة من املؤلفني‪ ،‬املوسوعة الفلسفية املختصرة ‪،‬ص‪.311‬‬
‫‪ 20‬يوسف كرم‪،‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪،‬ص‪.36‬‬
‫‪21‬أفالطون‪،‬حماورة برمنيدس‪،‬ترمجة شوقي داود متراز‪،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 22‬ولرت ستيس‪ ،‬الفلسفة اليونانية‪،‬ص‪.40‬‬
‫‪9‬‬
‫كلها هو "الوجود"الثابت اخلايل من كل حركة وتغري وكثرة وغري املمتزج‪،‬فاألشياء ال ميكن أن تنشأ‬
‫مما ه و متغ ري يف ص ريورة دائم ة‪،‬ألن ه ومهي يأتين ا عن طري ق احلواس‪،‬ل ذلك يس تحيل أن ن رد أص ل‬
‫املوجودات إىل احلواس وأوهامها بل احلقيقة هي الوجود الذي ال نعرفه إال عن طريق العقل‪.‬‬
‫لقد استنتج برمنيدس موقفه هذا من اعتباره أن الالوجود هو عدم والعدم ال ميكن أن تصدر عنه‬
‫املوجودات‪،‬فـ"الوج ود أو الواح د موجود‪،‬وان الص ريورة والتغ ري وهم"‪،23‬وإذا ك ان الوجود ال يص در‬
‫من الع دم فإن ه ك ذلك ال يص در من الالوج ود‪،‬ألن ه ذا األخ ري ه و فق ط موج ود‪،‬وعلي ه يق ول‬
‫برمني دس‪":‬فلم يبقى لن ا إال طري ق واح د نتح دث علي ه وه و أن الوج ود موج ود‪،‬ويف ه ذا الطري ق‬
‫عالمات كثرية تدل على أن الوجود ال يكون وال يفسد‪،‬ألنه كل مكتمل ووحيد الرتكيب ال يتحرك‬
‫وال هناية له"‪،24‬فكونه موجود وحسب جيعل منه مكتمال واحدا بعيدا عن الكثرة غري قابل للقسمة‪.‬‬
‫من هن ا يظه ر ك ذلك التمي يز بني احلس وم ا ينتج عن ه من وهم وظن‪،‬وبني العق ل ال ذي ميث ل‬
‫احلقيق ة‪،‬وق د ك ان هلذا أمهي ة بالغ ة ألن ه"أدخ ل أعظم تفرق ة بني احلس والعق ل بني احلقيق ة‬
‫والظاهر"‪،25‬وهذا التمييز قاد برمنيدس إىل اإلقرار بفكرة أساسية حول طبيعة املعرفة‪،‬اليت تكون إما‬
‫عقلية وإما حسية‪.‬‬
‫‪----------------........................-------------‬‬

‫‪/3‬المدرسة الذرية‪:‬‬
‫أ‪ -‬ديمقريطس (‪: )DÉMOCRITE‬‬
‫يفص ل دميق ريطس بش كل ص ريح وواض ع بني العق ل و النفس ‪ ،‬إذ ك ان تص وره للنفس موافق ا‬
‫لنظريته الذرية ‪ ،‬إذ يرى أن "املبدأين األصلني مها الذرات و املكان اخلايل (اخلالء) ‪،‬وعنهما حيدث كل‬
‫شيء يف سلسلة من العوامل الالمتناهية‪ ...‬و الشمس و القمر كذلك من ذرات و ك ذلك النفس "‪، 26‬‬
‫اليت هي يف احلقيقة تآلف جمموعة من الذرات الكروية الشكل ‪ ،‬ألن هذا الشكل األخري هو حسب‬
‫"دميق ريطس" أس هل و أس رع نف اذا يف األش ياء‪ ،‬ومن مثة تك ون النفس أس اس احلرك ة يف احلي وان ‪ ،‬و‬

‫‪ 23‬فريديريك كوبيلسون‪،‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬اجمللد األول‪،‬ص‪.88‬‬


‫‪ 24‬برمنيدس ‪،‬شذرة رقم (‪،)08‬ضمن كتاب فريديريك كوبيلسون‪،‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬اجمللد األول‪،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 25‬املرجع السابق‪،‬ص‪.88‬‬
‫‪ - 26‬ماجد فخري‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية ‪،‬ص‪.50‬‬
‫‪10‬‬
‫خاصيتها منح احلياة ‪،‬و هي يف حالة من احلركة دائمة ال تعرف االستقرار‪ ،‬يقول أرسطو يف هذا أن‬
‫"دميق ريطس" يعتقد أن ‪":‬ما كان من هذه الذرات ك روي الشكل ‪ ،‬فهو نفس ألن الذرات اليت من‬
‫هذا اجلنس أسهل نفاذا يف مجيع األشياء ‪ ،‬و أقدر على حتريك غريها مادامت هي نفسها متحركة"‪.27‬‬
‫إن النفس هي مبدأ احلياة و احلركة لألجسام الطبيعية املوجودة ‪،‬و يضيف"دميقريطس" أهنا‬
‫مبدأ اإلحساس الذي ينتج عن تصادم جمموعة من الذرات الصادرة من الشيء احملسوس يف اجتاه احلاس‬
‫ُمَش ِكَلًة بذلك صورة معينة‪ ،‬فتكون النفس مسؤولة عن إدراك هذا النوع من اإلحساس بتفاعل ذراهتا‪.‬‬
‫كما يشري إىل أن هلا جزءًا عاقال ‪،‬يتكون بدوره من جمموعة من الذرات تكون مستقرة يف‬
‫مكان معني من اجلسم و غري منتشرة فيه كلية " و هذا املنحىن يف تأويل احلس متصل بنظرته إىل ماهية‬
‫النفس‪ ،‬فهي ترتكب عن ده من ذرات ناري ة منتش رة يف أحناء اجلس م‪ ،‬وهي مب دأ احلي اة و احلرك ة يف‬
‫اجلس م ‪ ،‬فظّال عن مب دأ اإلحس اس‪ ،‬أم ا اجلزء العاق ل من النفس كم ا دع اه فيح ل يف قس م معني من‬
‫اجلس م ه و الص در"‪،28‬و ه ذه ال ذرات ال يت يتكلم عنه ا ليس ت خال دة ‪،‬ب ل خاض عة للتحل ل و بالت ايل‬
‫تك ون النفس املكون ة من ه ذه ال ذرات خاض عة لنفس مص ريها ‪،‬و ال ش ك أن ذل ك يك ون ب املوت‬
‫حيث" يؤكد دميقريطس تلميذ ليوقيبوس العظيم فناء الروح ‪،‬حيث أن الذرات الدقيقة أو اللطيفة اليت‬
‫تتألف منها الروح تتبدل فيما يقول عند املوت"‪.29‬‬
‫هذا إضافة إىل أن هذا الفيلسوف سيجعل من النفس و العقل شيئا واحدا ‪،‬ذلك ألن احلقيقة‬
‫يف تصوره هي ما تؤكده احلواس ‪،‬و لقد عرفنا سابقا أن هذا اإلدراك احلسي يكون نابعا من تصادم‬
‫ال ذرات املنبعث ة من ال داخل و تل ك ال يت تأيت من اخلارج و ال يت تدخل اجلس م عن طري ق التنفس‪ ،‬و‬
‫حينه ا ُت درك األش ياء أو حتص ل املعرف ة و يؤك د ه ذا األم ر أرس طو يف قول ه‪ ":‬يوح د متام ا ‪-‬أي‬
‫دميقريطس ‪ -‬بني النفس و العقل ‪،‬ألن عنده أن احلق ما يبدو[للحواس] ‪،‬و لذلك فإنه يوافق هومروس‬
‫يف شعره الذي قال فيه‪ :‬ألقي هكتور أرضا و العقل منه ذاهب"‪.30‬‬
‫نقد للفلسفة ما قبل سقراط‪:‬‬

‫‪ - 27‬أرسطو‪ ،‬كتاب النفس‪،‬ص‪10‬‬


‫‪ - 28‬ماجد فخري‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية ‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ - 29‬جاك شورون‪ ،‬املوت يف الفكر الغريب‪،‬ص‪.45‬‬
‫‪ -30‬أرسطو‪ ،‬كتاب النفس‪،‬ص‪11‬‬
‫‪11‬‬
‫يوجه أرسطو يف مقالة األلفا الكربى نقدا للفالسفة السابقني عليه مشل مجيع جوانب قصورهم يف‬
‫نظره‪،‬إذ يرى أن الفالسفة الذين حبثوا عن العلة الفاعلة اليت تكون مبدأ حركة األشياء‪،‬مل يستطيعوا أن‬
‫مييزوا بينها وبني العلة املادية بشكل واضح ‪،‬فهو يقول‪":‬أن غرضهم كان غامضا وغري واضح‪،‬لكن‬
‫على حنو ما يسلك الرجال غري املدربني أثناء القتال‪،‬ألهنم يدورون حول خصومهم وكثريا ما يضربون‬
‫ضربة قاضية‪،‬لكن ال يقاتلون على أسس ومبادئ علمية وباملثل فان هؤالء املفكرين ال يعرفون فيما‬
‫يب دو م اذا يقول ون‪،‬إذ من الواض ح ‪-‬كقاع دة‪-‬أهنم ال يس تفيدون من عللهم"‪ 31‬لكن س يختلف األم ر‬
‫كثريا يف الفلسفة ما بعد سقراط ‪.‬‬

‫‪ -31‬أرسطو‪ ،‬مقالة األلفا الكربى‪ ،b984-15،‬ص‪.266‬‬

‫‪12‬‬

You might also like