You are on page 1of 23

‫فلسفة أفلطون وفلسفة أرسطو‬

‫تقديم هذه املقالة الستيفاء أحد الواجبات ملادة التيارات الفكرية‬

‫تحت اإلشراف ‪ :‬الدكتورعثمان شهاب املاجستير‬

‫إعداد ‪ :‬املجموعة الثالثة‬

‫‪11210600000165‬‬ ‫دوي رزقي أنستاسيا‬


‫‪11210600000104‬‬ ‫أحزامي أمار الحق‬
‫‪11210600000007‬‬ ‫عوض الكريم‬‫ّ‬
‫‪11210600000102‬‬ ‫أذكى معزية رحيمي‬

‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية‬

‫جامعة شريف هداية هللا اإلسالمية الحكومية جاكرتا‬

‫‪1444‬ه‪2023 /‬م‬
‫أفالطون‬
‫حياته ومصنفاته‬
‫حياته‬
‫ولد أفالطون في أثينا أو في أجينا ‪ -‬أهم مدن الجزيرة املسماة بهذا االسم ‪ -‬سنة ‪ ٤٢٧‬ق‪.‬م في أسرة عريقة‬
‫الحسب كان لبعض أفرادها املقام األول في الحزب األرستقراطي وشأن كبير في السياسة األثينية‪ ،‬تثقف‬
‫كأحسن ما يتثقف أبناء طبقته وقرأ شعراء اليونان وعلى الخصوص هوميروس‪ ،‬ونظم الشعر التمثيلي‬
‫وأقبل بعد ذلك على العلوم وأظهر ميله خاصا للرياضيات ثم تتلمذ القراطيلوس أحد أتباع هرقليطس‬
‫واطلع على كتب الفالسفة‪ ،‬وكانت متداولة في األوساط العلمية‪ ،‬وفي سن العشرين تعرف إلى سقراط ذهب‬
‫به إليه شقيقاه األكبران أديمنت وأعلوفون ‪ -‬وهما محدثا سقراط في «الجمهورية» ‪ -‬وبعض أقربائه‪ ،‬وكان‬
‫هؤالء يختلفون إلى سقراط وإلى السوفسطائيين ووالدهم االستطالع واللهو بالجدل‪ ،‬ولكن أفالطون أعجب‬
‫بفضل سقراط فلزمه‪.‬‬
‫وداخله من الحزن والسخط ملمات معلمه ما دفعه إلى مغادرة أثينا‪ ،‬فقصد إلى ميغاري حيث كان بعض‬
‫إخوانه قد سبقوه والتفوا حول إقليدس أكبرهم سنا‪ ،‬مكث هناك نحو ثالث سنين ثم سافر إلى مصر ‪ -‬وهو‬
‫يذكرها في غير ما موضع من كتبه وال سيما الجمهورية والقوانين ذكر من عرفها معرفة شخصية ‪ -‬وانتهز‬
‫الفرصة فذهب إلى قورينا لزيارة عاملها الرياض ي تيودوروس ومدرسته وعاد إلى مصر فقض ى زمنا في عين‬
‫شمس واتصل بمدرستها الكهنوتية‪ ،‬وأخذ بنصيب من علم الفلك‪ ،‬وال بد أن يكون قد استفاد أيضا‬
‫بمالحظة الديانة والحكم واألخالق والتقاليد فإن في مؤلفاته الشواهد العديدة على ذلك ونشبت بين‬
‫اسبرطة وأثينا الحرب املعروفة بحرب قورنتية سنة ‪ ٣٩٥‬وحالف نفريتس ملك مصر السفلى اسبرطة‪،‬‬
‫ً‬
‫متوفرا على الدرس ناشرا من‬ ‫فاضطر أفالطون ملغادرة مصر‪ ،‬وأقام في بلده طول الحرب أي إلى سنة ‪۳۸۸‬‬
‫املحاورات ما أثار إعجاب األثينيين‪ ،‬وملا انتهت الحرب رحل إلى جنوبي إيطاليا يقصد في األرجح إلى الوقوف‬
‫على املذهب الفيثاغوري في منبته وكان قد شغف به فنزل ترنتا وزار رئيس جمهوريتها القائد أرخيتاس وكان‬
‫مذكورا وتوثقت بينهما روابط الصداقة‪ .‬وفيما هو هناك سمع بذكره دنيسوس ملك سراقوصة‬ ‫ً‬ ‫فيثاغوريا‬
‫وكان مثقفا ينظم القصائد والقصص التمثيلية فاستقدمه إليه‪ ،‬فعبر أفالطون البحر إلى صقلية ودخل‬
‫سراقوصة‪ .‬فقابله امللك بالحفاوة ولكنه لم يلبث أن غضب عليه‪ ،‬فإن أفالطون استمال ديون صهر امللك‪،‬‬
‫ولم يكن هذا يطمئن إليه بل لم يكن يطمئن إلى أحد‪ ،‬وقد يكون الفيلسوف أفصح عن بعض آرائه‬
‫اإلصالحية‪ ،‬وأنكر الفساد املتفش ي في البالط فأمر به امللك فاعتقل ووضع في سفينة اسبرطية أقلع ربانها إلى‬
‫جزيرة أجينا‪ ،‬وكانت حينذاك حليفة السبرطة ضد أثينا‪ ،‬فعرض في سوق الرقيق فافتداه رجل من قورينا‬
‫كان قد عرفه في تلك املدينة‪.‬‬

‫ورجع إلى أثينا وأنشأ سنة ‪ ۳۸۷‬مدرسة على أبواب املدينة في أبنية تطل على يستان أكاديموس قسميت لذلك‬
‫باألكاديمية‪ ،‬أنشأها جمعية دينية علمية وكرسها آلليات الشعر وأقام فيها معبدا ‪ ،‬ونزل لها عن األبنية‬
‫ومحتوياتها‪ ،‬وظل يعلم فيها ويكتب أربعين سنة ما خال فترتين قصيرتين سافر فيهما إلى سراقوصة الواحدة‬
‫سنة ‪ ٣٦٧‬واألخرسنة ‪ ٣٦١‬كان حظه فيهما مع دنيسوس الثاني مثل حظه مع أبيه املتوفى‪ ،‬ولم تصلنا أخبار‬
‫مفصلة عن األكاديمية‪ ،‬ولكنا نعلم أن مستمعيه كانوا خليطا من األثينيين ويونان الجزر‪ ،‬وتراقية وآسيا‬
‫الصغرى بينهم بضع نساء وتستطيع أن نقول إن الحركة العلمية كانت شديدة‪ ،‬وأن دروس املعلم كان‬
‫يتخللها ويعقبها مناقشات في جلسات متوالية تتعارض فيها اآلراء وتتمحص على النحو الذي نشاهده في‬
‫املحاورات املكتوبة وكان التعليم يتناول جميع فروع املعرفة‪ ،‬وكان إلى جانب أفالطون وتحت رياسته عدد‬
‫من العلماء كل منهم مختص بمادة يشرحون الرياضيات والفلك واملوسيقى والبيان والجدل واألخالق‬
‫والسياسة والجغرافيا والتاريخ والطب والتنجيم فكانت املدرسة جامعة وعت تراث اليونان العقلي من‬
‫هوميروس إلى سقراط‪ ،‬وتوفي أفالطون وقد بلغ الثمانين في أثناء حرب فيلبوس املقدوني على أثينا‪ ،‬فلم يشهد‬
‫ما أصاب وطنه من انحطاط لم تقم له من بعده قائمة‪.‬‬

‫مصنفاته‬
‫• لم يحدث لكتب أفالطون مثل ما حدث لكتب الفالسفة القدماء وأقرانه تالميذ سقراط؛ فإن كتبه‬
‫حفظت لنا كلها بل وصل إلينا كتب عدة نسبت له من عهد بعيد مع ش يء من الشك‪ ،‬فقطع النقد‬
‫الحديث بأنها منحولة وضعها بعض أصحابه أو بعض مقلديه‪ ،‬وليست كتبه مؤرخة وال موضوعة‬
‫ًّ‬
‫تعليميا‪ ،‬ولكنها محاورات كما قلنا كان يقيد فيها آراءه كلما عرضت فرتبها األقدمون على‬ ‫ً‬
‫وضعا‬
‫حسب شكل الحوار أو موضوعه‪.‬‬
‫• أما مصنفات الشباب فتسمى بالسقراطية؛ ألن منها ما هو دفاع عن سقراط واحتجاج على إعدامه‬
‫وبيان آلرائه‪ ،‬ومنها ما هو مثال للمنهج السقراطي؛ فمن الناحية األولى نجد احتجاج سقراط» أو‬
‫دفاعه أمام املحكمة‪ ،‬و«أقريطون» يذكر فيها ما عرضه هذا التلميذ من الفرار وما كان من جواب‬
‫سقراط‪.‬‬
‫• وأما محاورات الكهولة فقد كتبها بعد أوبته من سفرته األولى إلى إيطاليا الجنوبية وإنشائه‬
‫األكاديمية؛ فإ ن األفكار الفيثاغورية بادية فيها‪ ،‬وهي تنقسم إلى طائفتين‪ :‬تشمل الطائفة األولى‪:‬‬
‫«منكسينوس» يعين فيها موقفه من البيانيين ويبسط رأيه في البيان بعد أن نقد في «غورغياس» رأي‬
‫السوفسطائيين فيه‪ ،‬و«مينون» يحاول فيها أن يحد الفضيلة فيعرض نظريته املشهورة أن العلم‬
‫ذكر معارف مكتسبة في حياة سماوية سابقة على الحياة األرضية‪ ،‬و«أوتيديموس» يحمل فيها على‬
‫السوفسطائية ويبين يمتنع تعليم الفضيلة من غير معرفة برهانية ‪ ،‬و أقراطيلوس» يفحص فيها‬
‫عن أصل اللغة هل نشأت من محض االصطالح أم من محاكاة األشياء وأفعالها‪ ،‬وفي «املأدبة»‬
‫أوسمبوسيون يدرس الحب ويشرح مذهبه في الحب الفلسفي‪ ،‬وفي «فيدون» يصور املثل األعلى‬
‫للفيلسوف‪ ،‬ويدلل على خلود النفس‪ ،‬ويقص موت سقراط‪ ،‬وتشمل الطائفة الثانية الباقي من‬
‫«الجمهورية» تسع مقاالت ‪ -‬يراجع فيها اآلراء املكتسبة ويتعمق ويرسم املدينة املثلى‪ ،‬والراجح أن‬
‫هذه املقاالت كتبت في أوقات متباعدة على بضع سنين؛ لطولها وأهميتها ‪ ،‬و « فيدروس» يعود فيها‬
‫إلى موضوع املأدبة وغورغياس وفيدون والجمهورية يمحص آراءه ويهذبها ويشبه أن تكون هذه‬
‫املحاورة إعالنا عن األكاديمية وبرنامجا لها‪ ،‬و«بارمنيدس» يراجع فيها نظريته في «املثل» ثم ينقد‬
‫نقدا طويال ً‬
‫دقيقا‪ ،‬و«تيتياتوس» يحد فيها العلم ويعلل الخطأ ويشرح الحكم في حالتي‬ ‫املذهب اإليلي ً‬
‫اهتماما ً‬
‫خاصا بمسائل املنطق وامليتافيزيقا‪ ،‬ومصنفاته‬ ‫ً‬ ‫الصدق والكذب‪ ،‬وهو في هذه الفترة مهتم‬
‫جافة بالقياس إلى التي سبقتها‪.‬‬
‫• وتمتاز محاورات الشيخوخة كذلك بالجفاف والجدل الدقيق‪ ،‬ففي «السوفسطائي» ‪ .‬يحاول أن‬
‫يجد حدا لهذا املخلوق العجيب‪ ،‬ثم يتكلم في الفن وتقسيمه‪ ،‬وفي تصنيف املعاني إلى أنواع‬
‫وأجناس‪ ،‬ويعود إلى مسألة الخطأ والحكم‪ ،‬ويحلل معنى الوجود والالوجود‪ ،‬وفي «السياس ي» ‪-‬‬
‫بوليطيقوس يسأل ما هو ويعود إلى «الجمهورية» مع ش يء من االعتدال ومراعاة األحوال‪ ،‬وفي‬
‫«فيالبوس» ينظر في منهج البحث العلمي وفي الفن وشرائطه‪ ،‬وفي اللذة واألخالق‪ ،‬وفي «ثيماوس»‬
‫ً‬
‫يصور تكوين العالم فيذكر الصانع والطبيعة إجماال وتفصيال‪ ،‬وفي أقريتياس» يقصد إلى أن يصور‬
‫املثل األعلى للجماعات البشرية بوصف ما كانت عليه أثينا في زمن متقدم ًّ‬
‫جدا‪ ،‬ولكنه يترك الحوار‬
‫ً‬
‫ناقصا إما ألن املنية عاجلته قبل أن يتمه وإما ألنه تحول عنه إلى تأليف «القوانين» فلم يتيسر له‬
‫الرجوع إليه ‪ ،‬وفي «القوانين» تشريع ديني ومدني وجنائي في اثنتي عشرة مقالة‪ ،‬وهذا املؤلف هو‬
‫الوحيد الذي خال من شخص سقراط‪ ،‬وقد جمعت له ما عدا ذلك رسائل خاصة‪ ،‬أما كتاب‬
‫ًّ‬
‫مدرسيا‪ ،‬وأما حوارا‬ ‫«التقسيمات» الذي يذكره أرسطو فلم يصل إلينا‪ ،‬والراجح أنه كان ً‬
‫فهرسا‬
‫«الفيلسوف» و«هرموقراطس» فالراجح كذلك أن أفالطون لم يكتبهما بعد أن أعلن عنهما‪.‬‬
‫املعرفة‬
‫ً‬
‫• لم يكن إيثار أفالطون للحوار عبثا أو إرضاء النزوعه األول للقصص التمثيلي ولكن معاصر‬
‫السوفسطائيين وتلميذ سقراط تأثر بالجدل واعتقد مع أستاذه أن الحوار بمرحلتيه هو‬
‫الطريق الوحيد للبحث في الفلسفة فاصطنع الجدل وتحدى السوفسطائيين فنقل اللفظ من‬
‫معنى املناقشة املموهة إلى معنى املناقشة املخلصة تولد العلم وهي بين اثنين أو أكثر أو مناقشة‬
‫النفس لنفسها‪ ،‬بل ذهب إلى أبعد من هذا فأطلق اللفظ على العلم األعلى الذي ليس بعده‬
‫مناقشة وحد الجدل بأنه املنهج الذي يرتفع العقل به من املحسوس إلى املعقول ال يستخدم‬
‫شيئا ًّ‬
‫حسيا‪ ،‬بل ينتقل من معان إلى معان بواسطة معان‪ ،‬ثم بأنه العلم الكلي باملبادئ األولى‬ ‫ً‬

‫واألمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية‪ ،‬فينزل منه إلى هذه العلوم يربطها‬
‫بمبادئها وإلى املحسوسات يفسرها‪ ،‬فالجدل منهج وعلم يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل‬
‫إلى أعلى وبالعكس ومن حيث هو علم فهو يقابل ما نسميه اآلن نظرية املعرفة بمعنى‬
‫واسعيشمل املنطق وامليتافيزيقا جميعا‪.‬‬
‫• وأفالطون أول فيلسوف بحث مسألة املعرفة لذاتها‪ ،‬وأفاض فيها من جميع جهاتها‪ ،‬وجد نفسه‬
‫بين رأيين متعارضين رأي بروناغوراس وأقراطيلوس وأمثالهما من الهرقليطيين الذين يردون‬
‫املعرفة إلى اإلحساس ويزعمونها جزئية متغيرة مثله‪ ،‬ورأيسقراط الذي يضع املعرفة الحقة في‬
‫العقل ويجعل موضوعها املاهية املجردة الضرورية فاستقص ى أنواع املعرفة فكانت أربعة‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلحساس وهو إدراك عوارض األجسام أو أشباحها في اليقظة وصورها في املنام‪ ،‬الثاني‪:‬‬
‫الظن‪ :‬وهو الحكم على املحسوسات كذلك‪ .‬والثالث االستدالل وهو علم املاهيات الرياضية‬
‫املتحققة في املحسوسات‪ .‬والرابع‪ :‬التعقل وهو إدراك املاهيات املجردة من كل مادة‪.‬‬
‫• اإلحساس أول مراحل املعرفة ويدعي الهرقليطيون أن املعرفة مقصورة عليه وأنه ظاهرة قائمة‬
‫بذاتها متغيرة أبدا ليس لها جوهر تتقوم به وال قوة تصدر عنها ولكن لو كان اإلحساس كل املعرفة‬
‫كما يقولون القتصرت املعرفة على الظواهر املتغيرة ولم ندرك ماهيات األشياء‪ ،‬ولصح قول‬
‫بروتاغوراس‪ :‬إن اإلنسان مقياس األشياء‪ ،‬وإن ما يظهر لكل فرد فهو عنده على ما يظهر‬
‫فأصبحت جميع اآل اء صادقة على السواء املتناقض منها واملتضاد وامتنع القول إن ً‬
‫شيئا هو كذا‬ ‫ر‬
‫أو كذا على اإلطالق‪ ،‬ليس فقط في النظريات؛ بل في السياسة واألخالق والصناعات ً‬
‫أيضا‪،‬‬
‫فيستحيل العلم والعمل ولكنهما ممكنان فالقول مردود وهو مردود كذلك ‪ ،‬من جهة أنه يذكر‬
‫الفكر كملكة خاصة‪ ،‬والواقع أن الذاكرة والشعور بالتبعية ينقضان هذه الدعوى من حيث إن‬
‫الذكر يعني دوام الشخص الذي يذكر‪.‬‬

‫الوجود‬
‫هللا‬
‫نظرية أفالطون في الوجود مماثلة لنظريته في املعرفة بمعنى أنها تصعد من املحسوس إلى املعقول‬ ‫(أ)‬
‫وتخضع األول للثاني‪ ،‬وقد قص حكاية حاله بإزاء العلم الطبيعي فقال ما بلسان سقراط ملا كنت‬
‫شابا كثيرا ما قاسيت األمرين في معالجة املسائل الطبيعية باملادة وحدها على طريقة القدماء‪،‬‬
‫وسمعت ذات يوم قارنا يقرأ في كتاب ألنكساغورس هو العقل الذي رتب الكل وهو علة األشياء‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬ففرحت ملثل هذه العلة وتناولت الكتاب بشغف‪ ،‬ولكني ألفيت صاحبه ال يضيف للعقل‬
‫أي شأن في العلل الجزئية لنظام األشياء‪ ،‬بل بالضد يذكر في هذا الصدد أفعال الهواء واألثير‬
‫واملاء وما إليها‬
‫يبرهن أفالطون على وجود هللا من الوجهتين املتقدمتين‪ :‬وجهة الحركة ووجهة النظام‪ ،‬فمن الوجهة‬ ‫(ب)‬
‫األولى يقرر أن الحركات سبع حركة دائرية‪ ،‬وحركة من يمين إلى يسار‪ ،‬ومن يسار إلى يمين ومن أمام‬
‫إلى خلف‪ ،‬ومن خلف إلى أمام‪ ،‬ومن أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى‪ ،‬وحركة العالم دائرية‬
‫منظمة ال يستطيعها العالم بذاته‪ ،‬فهي معلولة لعلة عاقلة‪ ،‬وهذه العلة هي هللا أعطى العالم حركة‬
‫دائرية على نفسه وحرمه الحركات الست األخرى وهي طبيعية‪ ،‬فمنعه من أن‬
‫يجري بها على غير هدى‪.‬‬
‫فاهلل روح عاقل محرك منظم جميل خير عادل كامل بسيط ال تنوع فيه‪ .‬ثابت ال يتغير صادق ال‬ ‫(ت)‬
‫ً‬
‫يكذب‪ ،‬وال يتشكل أشكاال مختلفة كما صوره هوميروس ومن حذا حذوه من الشعراء‪ ،‬وهو كله في‬
‫حاضر مستمر‪ ،‬فإن أقسام الزمان ال تالئم إال املحسوس‪ ،‬ونحن حينما نطلق املاض ي واملستقبل‬
‫على الجوهر الدائم فنقول‪ :‬كان وسيكون ندل على أننا نجهل طبيعته؛ إذ ال يالئمه سوى الحاضر‪،‬‬
‫" وهو معني بالعالم بخالف ما يدعيه السوفسطائيون محتجين بنجاح األشرار‪ ،‬فإن هللا إن كان ال‬
‫ُيعنى بسيرتنا فذلك إما ألنه عاجز عن ضبط األشياء وهذا محال وإما ألن السيرة اإلنسانية أتفه‬
‫عنده من أن تستحق عنايته وهذا محال كذلك؛ ألن كل صانع يعلم أن لألجزاء شأنها في‬
‫املجموع فيعنى بها‪.‬‬

‫الطبيعة‬
‫ملا أراد أفالطون أن يبين كيف تحقق النظام في العالم وحصلت الصور الكلية في األجسام‪ ،‬أنطق ثيماوس»‬
‫الفيثاغوري بقصة التكوين وإنما أورد آراءه على لسان واحد من الفيثاغوريين؛ ألنها قائمة على مبادئ عقلية‬
‫رياضية‪ ،‬وإنما أثر القصة على الحوار والخطاب ليدل على أن العالم املحسوس ال يوضع في قضايا ضرورية‪،‬‬
‫وأن العقل البشري ال يستطيع أن ينفذ إلى أغراض هللا في الطبيعة فليس أمامه إال الظن والتشبيه " قال‬
‫تيماوس‪ :‬كل ما يحدث فهو يحدث بالضرورة عن علة‪ ،‬والعالم حادث قد بدأ من طرف أول؛ ألنه محسوس‪،‬‬
‫خيرا والخير ً‬
‫بريئا من الحسد‪،‬‬ ‫وكل ما هو محسوس فهو خاضع للتغيير والحدوث وله صانع‪ ،‬وملا كان الصانع ً‬
‫فقد أراد أن تحدث األشياء شبيهة به على قدر اإلمكان؛ فرأى أن العاقل أجمل من غير العاقل‪ ،‬وأن العقل‬
‫ال يوجد إال في النفس‪ :‬فصور العالم كائنا حيا عاقال ال على مثال ش يء حادث بل على مثال «الحي بالذات‬
‫أجمل األحياء املعقولة الحاوي في ذاته جميع هذه األحياء‪ ،‬كما أن العالم يحوي جميع األحياء التي من نوعه‪،‬‬
‫فالعالم واحد؛ ألن صانعه واحد ونموذجه واحد‪ ،‬وهو كل محدود ليس خارجه ما يؤثر فيه ويفسده فال‬
‫تصيبه شيخوخة وال مرض‪ ،‬وهو كروي؛ ألن الدائرة أكمل األشكال‪ ،‬متجانس يدور على نفسه في مكانه‪ ،‬أما‬
‫نفسه فهي سابقة على الجسم صنعها هللا من الجوهر اإللهي البسيط والجوهر الطبيعي املنقسم ومزاج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستديرا للعالم تحويه من كل جانب‪ ،‬وتتحرك حركة دائرية وتحرك الباقي وتدرك‬ ‫من االثنين فكانت غالفا‬
‫املحسوس املنقسم واملعقول البسيط‪ ،‬وتنفعل بالسرور والحزن والخوف والرجاء واملحبة والكراهية‪،‬‬
‫وتملك أن تخالف قانون العقل فتصير شريرة حمقاء وتضطرب حركتها فتنزل النكبات بالعالم‪ ،‬وأما جسم‬
‫ً‬
‫ملموسا‪ ،‬ووضع املاء والهواء في الوسط‪.‬‬ ‫العالم فلما شرع هللا يركبه أخذ ً‬
‫نارا ليجعله مرئيا‪ ،‬وترابا ليجعله‬

‫النفس اإلنسانية‬
‫رأينا نظرية املثل تتضمن القول بالنفس موجودة قبل اتصالها بالبدن من حيث إن هذه املثل ليست‬
‫متحققة في التجربة بما هي مثل وال مكتسبة بالحواس‪ :‬فال بد من قوة روحية تعقلها أو باألحرى تذكرها بعد‬
‫أن عقلتها في عالم يماثلها‪ ،‬ورأينا تفسير الحركة يرجع إلى مبدأ غير مادي يتحرك بذاته ويحرك املادة‪ ،‬وهذا‬
‫التفسير ينطبق على العالم باإلجمال وعلى كل جسم ‪،‬بالخصوص‪ ،‬وإذن فلإلنسان نفس‪ ،‬قد يقول قائل‪:‬‬
‫ما النفس إال توافق العناصر املؤلفة للبدن وليس لها وجود ذاتي وإنما هي كالنغم باإلضافة إلى اآللة واألوتار‬
‫" ولكن التوافق والنغم نتيجة والنتيجة ال تباين املقدمات والنفس تدبر البدن وتتحكم في األعضاء وتقاوم‬
‫البدن باإلرادة متى كانت حكيمة ولم يكن ذلك ليتأتى لو كانت النفس نتيجة تناسق عناصره وطبائعه‬
‫فليست نغما ولكنها املوسيقي الخفي الذي يحدث النغم " وعلى ذلك فالنفس حقيقة ال ريب فيها يدل على‬
‫وجودها تذكر املثل وحركة الجسم وتدبيره بمقتض ى الحكمة‪.‬‬

‫األخالق‬
‫القانون الخلقي والطبيعة‬
‫ملا كان أفالطون قد ميز بين العقل والحس والنفس والجسم؛ فقد ميز في األخالق بين اللذة واأللم من جهة‬
‫والفضيلة والرذيلة من جهة أخرى‪ ،‬وكما أنه حارب الحسيين في املعرفة‪ ،‬واآلليين في الطبيعة فقد أعلن‬
‫الحرب على السوفسطائيين وتالميذهم القائلين باللذة‪ ،‬عرض نظريتهم في أقوى صورها وأبعد نتائجها ثم‬
‫فندها تفنيدا‪ .‬قالوا‪ :‬إن القانون الخلقي الذي يخشاه الناس إنما هو من وضع الناس كالقانون املدني ال من‬
‫وضع الطبيعة بل إن الطبيعة تعارضه وتأباه فبحسب الطبيعة األمر األقبح هو األخسر‪ ،‬واألخسر تحمل‬
‫الظلم‪ ،‬وبحسب القانون ارتكاب الظلم هو األخسر األقبح‪ ،‬ولقد نشأ هذا التباين من أن القانون سنه‬
‫الضعفاء والسواد األعظم باإلضافة إلى مصلحتهم الخاصة‪ ،‬فقصدوا إلى تخويف األقوياء وصدهم عن‬
‫التفوق عليهم‪ ،‬وذهبوا إلى أن الظلم يقوم بالذات في إرادة التسامي على اآلخرين‪ ،‬ولكن الطبيعة تقدم الدليل‬
‫على أن العدالة الصحيحة تقض ي بأن يتفوق األحسن األقدر فترينا أن هذا هو الواقع في كل موطن في‬
‫الحيوان واإلنسان في األسر واملدن وأن عالمة العدالة سيادة القوي على الضعيف وإذعان الضعيف لهذه‬
‫ً‬
‫سعيدا من‬ ‫السيادة هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى الكل يطلب السعادة فكيف يستطيع أن يعيش‬
‫يخض ع ألي ش يء كان قانونا أم إنسانا؟ أال إن العدالة والفضيلة والسعادة على حسب الطبيعة أن يتعهد‬
‫اإلنسان في نفسه أقوى الشهوات ثم يستخدم ذكاءه وشجاعته إلرضائها مهما تبلغ من قوة‪ ،‬مع تظاهره‬
‫بالصالح إلسكات العامة واالنتفاع بحسن الصيت‪ ،‬وال يتسنى هذا لغير الرجل القوي لذلك ترى العامة‬
‫تعنف الذين تعجز عن مجاراتهم لتخفي بهذا التعنيف ضعفها وخجلها من هذا الضعف وتعلن أن اإلسراف‬
‫عيب محاولة أن تستعبد من ميزته الطبيعة من الرجال وتشيد بالعفة لقصورها عن إرضاء شهواتها اإلرضاء‬
‫التام‪ ،‬وبالعدالة لجبنها وقعودها عن عظائم األمور‪ ،‬ولو صح ما تقول من أن السعادة في الخلو من الحاجات‬
‫والرغائب لوجب أن ندعو األحجار واألموات سعداء‪.‬‬

‫الفضيلة‬
‫الفضائل ثالث تدبر قوى النفس الثالث‪ :‬الحكمة فضيلة العقل تكمله بالحق والعفة فضيلة القوة‬
‫الشهوانية تلطف األهواء فتترك النفس هادئة والعقل حرا‪ ،‬ويتوسط هذين الطرفين الشجاعة وهي فضيلة‬
‫القوة الغضبية تساعد العقل على الشهوانية فتقاوم إغراء اللذة ومخافة األلم والحكمة أولى الفضائل‬
‫ومبدؤها؛ فلوال الحكمة لجرت الشهوانية على خليقتها‪ ،‬وانقادت لها الغضبية‪ ،‬ولو لم تكن العفة والشجاعة‬
‫شرطين للحكمة تمهدان لها السبيل وتتشرفان بخدمتها ملا خرجتا من دائرة املنفعة إلى دائرة الفضيلة؛ إذ‬
‫«ما الهرب من لذة لنيل أعظم سوى عفة مصدرها الشره‪ ،‬وما خوض الخطر الجتناب خطر آخر سوى‬
‫شجاعة مصدرها الخوف ليست الفضيلة هذه الحسبة النفعية التي تستبدل لذات بلذات وأحزانا بأحزان‬
‫ومخاوف بمخاوف كما تستبدل قطعة من النقد بأخرى؛ فإن النقد الجيد الوحيد الذي يجب أن يستبدل‬
‫بسائر األشياء هو الحكمة‪ ،‬بها نشتري كل ش يء ونحصل على كل الفضائل أما الفضيلة الخالية من الحكمة‬
‫والناشئة عن التوفيق بين الشهوات فهي فضيلة عبدة ‪ .‬فالفضيلة إذن من جنس العقل والنفس وال يسوغ‬
‫أن نذكرها إال باإلضافة إليهما‪ ،‬والحياة الفاضلة ال تستمد قيمتها من لذتها أو منفعتها بل من هذه اإلضافة‪،‬‬
‫ويستحيل على من ينكر النفس والعقل أن يبلغ إلى معنى الفضيلة‪.‬‬
‫األخالق والجدل الصاعد‬
‫كل هذا الحوار وكل هذا الجهد في إقامة األخالق اضطر إليهما أفالطون ملحاربة جهل السوفسطائيين‪ ،‬ولكنه‬
‫سلك طريقا آخر ً‬
‫معبدا هينا هو طريق الجدل‪ :‬فإن لإلرادة جدلها كما أن للعقل جدله طريقان متوازيان‬
‫يقطعان نفس املراحل ويتقابالن عند نفس الغاية في الالنهاية ‪ ...‬غاية تتالش ى دونها الغايات وتسقط‬
‫االعتراضات وتستقر عندها النفس في غبطة ليس بعدها غبطة‪ ،‬فلنسر إذن وراء أفالطون نر أن الحياة‬
‫الحكيمة هي املطلب الحقيقي للنفس‪ ،‬وأن الجهل هو علة اإلعراض عنها واالمتناع عليها؛ ذلك أنا إذا تأملنا‬
‫أبدا هي الحب والحب اشتهاء صادر عن الحرمان؛ إذ ما من أحد‬ ‫النفس وجدنا فيها قوة عظمى تحركها ً‬
‫ً‬
‫وجودا فيمأل‬ ‫يشتهي ما هو حاصل له هو قلق دائم وشوق إلى الخير أي إلى ما شأنه أن يعوض من الحرمان‬
‫فراغ النفس‪ ،‬فالحب مبدؤه الخير وغايته الخير هو وجود ناقص ووسط متحرك من الحرمان إلى الوجود‬
‫الذي ال يفنى‪ ،‬هو اشتهاء الحصول على الخير حصوال ً‬
‫دائما‪ ،‬هو جهد الكائن الفاني في سبيل الخلود‪ ،‬فإن‬
‫اشتهاء الخلود متحد باشتهاء الخير وليس يعقل أن يطلب الخير إلى أجل‪.‬‬

‫السياسة‬
‫املدينة الفاضلة‬
‫السياسة عند أفالطون العدالة في املدينة‪ ،‬كما أن الفضيلة العدالة في الفرد؛ لذلك يفتتح القول في‬
‫الجمهورية بالرد على السوفسطائيين والبرهنة على أن العدالة قائمة على الطبيعة ال على العرف وغرضه‬
‫أن يبني مدينته على أساس من العدالة متين‪ ،‬ثم ينظر في االجتماع فيقرر أنه ظاهرة طبيعية ناشئة من‬
‫ً‬
‫تعدد حاجات الفرد وعجزه عن قضائها تألف الناس أوال جماعات صغيرة تعاونت على توفير املأكل واملسكن‬
‫واملليس‪ ،‬ثم تزايد العدد حتى ألفوا مدينة‪ ،‬فلم تستطع أن تكفي نفسها بنفسها‪ ،‬فلجأت للتجارة واملالحة‬
‫هذه املدينة األولى مدينة الفطرة‪ .‬مثال البراءة السعيدة‪ ،‬ليس لها من حاجات إال الضرورية وهي قليلة ترضيها‬
‫بال عناء يقنع أهلها بالشعير والقمح والخضر والثمار والخمر الخفيفة فيعيشون عيشة سليمة ويعمرون‬
‫ال يعرفون الفاقة وال الحرب‪ .‬ولكن هذا العصر الذهبي انقض ى يوم قطن الناس إلى جمال الترف والفن‬
‫فنبتت فيهم حاجات جديدة واستحدثوا صناعات اإلرضائها‪ ،‬وضاقت األرض بمن عليها‪ ،‬فنشبت الحروب‬
‫وتألفت الجيوش هذه املدينة الثانية هي املدينة املتحضرة وهي عسكرية فعلى أية صورة نبني مدينتنا لنحقق‬
‫فيها العدالة؟ يجب أن نشخص بأبصارنا إلى املدينة بالذات نجد أن بينها وبين النفس شبها ًّ‬
‫قويا‪ ،‬فإن‬
‫للمدينة ثالث وظائف‪ :‬اإلدارة والدفاع واإلنتاج‪ ،‬تقابل قوى النفس الثالث الناطقة والغضبية والشهوانية‪،‬‬
‫وهذه الوظائف متباينة‪ ،‬فال يمكن أن تتركب املدينة من أفراد متساوين متشابهين‪ ،‬وإنما يجب أن تتركب‬
‫من طبقات متفاوتة لكل منها وظيفة وكفاية خاصة لهذه الوظيفة‪ ،‬وأن يؤلف مجموعها وحدة تشبه وحدة‬
‫النفس في قواها الثالث فترتب الطبقات فيما بينها كترتب القوى النفسية والفضائل الخلقية وإال توزعت‬
‫الجهود وبذلت اتفاقا وفات الناس الغرض من االجتماع هذه الطبقات الثالث هي الحكام والجند والشعب‪،‬‬
‫والطبقتان األولى والثانية حراس املدينة‪ ،‬فكيف نحصل على حراس أشداء فضالء؟‬

‫الحكومة املثلى‬
‫وعند الثامنة عشرة ينقطع الحراس عن الدرس ويزاولون الرياضات البدنية والتمرينات العسكرية‪ ،‬فإذا ما‬
‫بلغوا العشرين فصل األجدرون منهم طائفة على حدة يعكفون على دراسة الحساب والهندسة والفلك‬
‫واملوسيقى وهي العلوم التي تستغني عن التجربة وتستخدم البرهان فتنبه الروح الفلسفي‪ ،‬وواضح أنهم ال‬
‫يستطيعون‪ ،‬مع ما لهم من املقام الرفيع وما عليهم من التكاليف العديدة‪ ،‬أن يسعوا لتحصيل معاشهم‬
‫فيجب أن نوفره لهم ونحن بهذا التوفير نيهئ لهم الفراغ الالزم الستكمال تهذيبهم‪ .‬وتبعد عنهم كل ما من‬
‫اسا‬ ‫ً‬
‫أسيادا وطغاة‪ ،‬ونحن نريدهم حر ً‬ ‫شأنه أن يغريهم بأن يحولوا وظيفتهم إلى تسلط واستمتاع فينقلبون‬
‫ليس غير؛ لذلك يعيشون معا ويأكلون معا‪ .‬يقدم لهم الشعب مئونتهم فال يحتاجون لذهب وال فضة فيحظر‬
‫عليهم اقتناء أي ش يء منهما‪ ،‬سواء أكان ً‬
‫نقودا أو آنية أو حليا‪ ،‬ويحظر عليهم التصرف بش يء من ذلك بل‬
‫رؤيته إن أمكن؛ إذ إن الحكم خدمة ال استغالل والحراس ألجل املدينة وليست املدينة ألجل الحراس‪ ،‬يحمد‬
‫هؤالء للشعب إطعامه إياهم‪ ،‬ويحمد الشعب لهم حراستهم إياه فينتفي الحسد والنزاع غيرى القارئ أن ما‬
‫يضاف عادة ألفالطون من اشتراكية وشيوعية‪ ،‬إنما هو قاصر على طبقة الحراس‪ ،‬ولهم عنده وظيفتان‪:‬‬
‫اإلدارة والدفاع‪ ،‬أما اإلنتاج وبه تتم املدينة وظائفها الثالث فمتروك للشعب من زراع وصناع وتجار يتملكون‬
‫ًّ‬
‫شخصيا‪ ،‬ويستغلونها ويتاجرون بنتاجها كما يرون على شرط أن يؤدوا ملن فوقهم‬ ‫مصادره وآالته تملكا‬
‫الضريبة الواجبة‪ ،‬وأن تحصر امللكية في حدود معقولة بحيث ال يثرى الشعب فيتهاون في العمل أو يتركه‪،‬‬
‫وال تسوء حاله فيعوزه املال للصناعة والتجارة‪ ،‬وال يثرى البعض دون البعض فينقسم طائفتين متنابذتين‪:‬‬
‫األغنياء والفقراء‪ ،‬وهذا االنقسام آفة الدول غير املنظمة تنظيما عقليا‪ ،‬وليس تحريم امللك على الحراس‬
‫تشريعا اقتصاديا‪ .‬ولكنه تدبير سياس ي يرمي إلى الفصل بين السلطة التنفيذية واملال‪ :‬لكيال تفسد به ويقوم‬
‫الصراع في نفوس الحراس بين الواجب العام واملنفعة الذاتية‬

‫املدينة اإلنسانية‬
‫عرض أفالطون املوجات ثالث هي تجنيد املرأة وشيوعية النساء واألوالد وحكومة نفسه في اجتيازها وظن‬
‫بعد كفاحه الجدلي أنه قد أفلح في ذلك وبلغ الشاطئ األمين فتكفلت األيام برده إلى الحق وأقنعته أن مدينته‬
‫املثلى ممتنعة التحقق؛ المتناع وجود الفيلسوف الكامل‪ ،‬وهو إنما بناها العتقاده الذي ما يزال راسخا في‬
‫نفسه أن الفيلسوف هو الحاكم األكمل وامللك الحق‪ ،‬يرجع لحكمته في كل ظرف ويحكم بما توحي إليه‪،‬‬
‫فهو يفضل القانون املوضوع؛ ألن األحوال اإلنسانية دائمة التغير والقانون صلب ال يلين لجميع املناسبات‪،‬‬
‫فالفيلسوف هو القانون الحي وحكمه هو الحكم العدل أما سائر الحكومات فاألحرى أن تسمى عصابات‪،‬‬
‫ً‬
‫إنسانا مثلهم يستطيع أن‬ ‫ولكن هذا الحاكم األمثل حديث خرافة أو ما يشبه ذلك‪ ،‬والناس ال يصدقون أن‬
‫يضطلع بالسلطة املطلقة دون أن تنتابه نشوة القوة فيفقد كل عقل وكل صفة إنسانية‪ ،‬فيجب أن نعدل‬
‫عن حلمنا الجميل وأن نقنع بحكومة أدنى وأقرب إلى حال اإلنسان هي حكومة قائمة على دستور‪ ،‬في مثل‬
‫هذه الحكومة الديمقراطية أقل صالحية من األرستقراطية‪ ،‬وهذه أقل صالحية من امللكية ألن الفرد أقدر‬
‫على تطبيق الدستور من الكثرة‪ ،‬والكثرة أقدر من الكافة أما الحكومة التي ال يقيدها دستور فإن حالها‬
‫تسوء حتما‪ ،‬حكم الفرد فيها طغيان‪ ،‬وحكم الجماعة أوليغركية‪ ،‬وأقل منهما ً‬
‫ضررا الديمقراطية؛ ألن تداول‬
‫السلطة فيها يؤدي إلى تعارض النزعات الضارة وتناسخها‪.‬‬

‫خاتمة الباب الثاني‬


‫نرجو أن نكون قد وفقنا في أثناء تصويرنا مذهب أفالطون إلى إشعار القارئ بعض الش يء بسمو روحه وعمق‬
‫فكره وتنوع أسلوبه جمع أفالطون في شخصه كل مزايا العقل اليوناني فأبلغها إلى أقوى وأبهى مظاهرها‬
‫الجرأة والتؤدة‪ ،‬الحدس واالستدالل‪ ،‬العاطفة واملالحظة الفن والرياضة واستوعب جميع األفكار فمحصها‬
‫إلى حد بعيد‪ ،‬وسلكها في نظام واحد بديع‪ ،‬وأحس جميع النزعات الروحية؛ فاستخلصها من األرفية وسائر‬
‫األسرار‪ ،‬ووضحها وأحالها معاني عقلية؛ فنقل الدين إلى الفلسفة؛ قال‪ :‬إن املطهرين الذين تتحدث عنهم‬
‫األسرار ما هم إال الذين يعنون بالفلسفة بمعناها الصحيح‪،‬وأن الفلسفة هي التي تخلص النفس وتدخلها‬
‫النعيم‪ ۱۲ ،‬وأعلى كلمة الفلسفة على كل كلمة فكان بكل هذه املميزات أحد ينبوعي حكمة نهلت منه العقول‬
‫من أيامه إلى أيامنا‪ ،‬ولن تزال ترده إلى ما شاء هللا والينبوع اآلخر تلميذه أرسطوطاليس‪.‬‬
‫أرسطو‬
‫حياته ومصنفاته‬
‫حياته‬
‫ولد أرسطو سنة ‪ ۳۸٥‬في أسطاغيرا‪ ،‬وكانت مدينة أيونية قديمة على بحر إيجه في الشمال الشرقي من‬
‫شبه جزيرة خلقيدية في تراقية على حدود مقدونية‪،‬وكانت أسرته معروفة بالطب ً‬
‫كابرا عن كابر‪ ،‬وكان أبوه‬
‫ً‬ ‫نيقوماخوس ً‬
‫طبيبا للملك املقدوني أمنتاس الثاني أبي فيليبوس أبى اإلسكندر‪ ،‬توفي وما يزال أرسطو حدثا‬
‫فلم يأخذ عنه‪ ،‬وملا بلغ الثامنة عشرة قدم أثينا ليستكمل علمه‪ ،‬فدخل األكاديمية ولزم أرسطو‬
‫األكاديمية عشرين سنة أي إلى وفاة صاحبها‪.‬‬

‫أرسطو غادر أثينا بعد وفاة أفالطون‪ ،‬وانتقل إلى آسيا الصغرى حيث قض ى بعض الوقت وتزوج هناك‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬استدعاه ملك مقدونيا فيليبوس الثاني لتعليم ابنه البالغ من العمر ‪ً 13‬‬
‫عاما‪ ،‬واسمه‬
‫ألكسندر‪ ،‬الذي أصبح ً‬
‫الحقا ألكسندر العظيم‪ .‬عندما بلغ األمير الشاب سن العشرين‪ ،‬تباعدت العالقة‬
‫بينهما‪ ،‬وعاد أرسطو إلى أثينا حيث أسس مدرسته هناك‪.‬‬

‫ولزم أرسطو األكاديمية عشرين سنة أي إلى وفاة صاحبها‪ .‬وبعد اثنتي عشرة سنة اضطر أرسطو أن يبرح‬
‫ممعودا منذ زمن طويل فمات هناك بمرضه‬‫ً‬ ‫أثينا مرة ثانية‪ ,‬وقصد إلى مدينة خلقيس في جزيرة أوبا‪ ،‬وكان‬
‫في السنة التالية وهو في الثالثة والستين عن زوجته الثانية – وكانت األولى قد توفيت ‪ -‬وابنة من هذه‪،‬‬
‫وابن من تلك اسمه نيقوماخوس‪.‬‬

‫مصنفاته‬
‫ً‬
‫فيلسوفا ً‬
‫كبيرا وكتب العديد من املصنفات على مواضيع مختلفة‪ .‬بعض من أهم مؤلفاته‬ ‫أرسطو كان‬
‫تشمل‪:‬‬

‫‪" .1‬األخالق" (األخالق نيكوماخوس)‪ :‬في هذا العمل‪ ،‬استكشف أرسطو مفهوم الفضيلة واألخالق وأثرها على‬
‫الحياة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪" .2‬الفيزياء" و "الفلسفة األولى"‪ :‬في هذه األعمال‪ ،‬ناقش أرسطو مواضيع متعلقة بالفلسفة الطبيعية‬
‫والعلوم الطبيعية‪.‬‬
‫‪" .3‬السياسة"‪ :‬قام أرسطو بدراسة السياسة والحكومة وعرض نظريته حول أنواع الحكومات وكيفية‬
‫تنظيم الدولة بشكل فعال‪.‬‬
‫‪" .4‬الريتوريك" (الخطابة)‪ :‬يعتبر هذا العمل ً‬
‫مهما في تطوير املفهوم الفلسفي للخطابة والتأثير بالكلمات‪.‬‬

‫‪" .5‬امليتافيزيقيات"‪ :‬يناقش مفاهيم متعلقة بالوجود والواقع بشكل عام‪.‬‬

‫‪" .6‬الشعرية" (بيري بويتيكا)‪ :‬في هذا الكتاب‪ ،‬يبحث في الشعر واألدب وكيفية تأثيرهما على املشاعر واألفكار‪.‬‬

‫‪" .7‬أثينايكا" (قصص تاريخية)‪ :‬هذا العمل يتناول تاريخ مدينة أثينا بشكل تفصيلي‪.‬‬

‫السياسة‬

‫أ‪ .‬كتاب السياسة من الكتب املطولة وهو يقع في ثماني مقاالت يرجع ترتيبها املألوف إلى القرن األول‬
‫قبل امليالد على أقل تقدير‪ ،‬ولكن هذا الترتيب موضع نقاش بين العلماء‪،‬‬

‫ويبدو الكتاب كأنه مجموعة رسائل خمس تتفاوت طوال‬

‫(‪ )۱‬املقالة األولى في تدبير املنزل وهي مقدمة لدراسة الدولة‪.‬‬


‫ً‬
‫اعتبارا‪.‬‬ ‫(‪ )۲‬املقالة الثانية في الحكومات املقترحة على أنها مثلى وفي أكثر الدساتير‬
‫(‪ )۳‬املقالة الثالثة في الدولة واملواطن وفي تصنيف الدساتير‬
‫(‪ )٤‬املقاالت الرابعة والخامسة والسادسة في الدساتير الوضعية‬
‫(‪ )٥‬املقالتان السابعة والثامنة في الدولة املثلى‪.‬‬

‫وجميع هذه املقاالت ما خال الثانية ناقصة أو مشوهة وفيها تكرار كثير وتفصيالت طويلة في كل شكل من‬
‫أشكال الحكم‪ ،‬ونحن نقتصر هنا على بعض النقط الهامة‪.‬‬

‫ب‪ .‬كيف تتكون الجماعة السياسية؟ أما من حيث الزمان فإن أول جماعة هي األسرة والغرض منها‬
‫القيام بالحاجات اليومية‪ ،‬وتليها القرية وهي اجتماع عدة أسر لتوفير ش يء أكثر من الحاجات‬
‫اليومية‪ ،‬وال يذكر أرسطو هذا الش يء‪ ،‬ويمكن القول‪ :‬إن القرية تسمح أكثر من األسرة بتقسيم‬
‫العمل وبإرضاء حاجات أكثر تنوعا وبحماية أتم من غارة اإلنسان والحيوان والدور الثالث‬
‫اجتماع عدة قرى في هيئة تامة هي املدينة أرقى الجماعات تكفي نفسها بنفسها وتضمن لألفراد‬
‫ليس فقط املعاش بل ً‬
‫أيضا املعاش الحسن‪ ،‬وهذا هو فصلها النوعي‪ ،‬فمهمة املدينة توفير‬
‫األسباب لكي يبلغ أفرادها سعادتهم‪ ،‬وهذه األسباب مادية وأدبية‪ ،‬واألولى خاضعة للثانية؛ ألن‬
‫سعادة اإلنسان خلقية عقلية‪ ،‬فاملعاش الحسن يشمل شيئين‪ :‬العمل الخلقي والعمل العقلي من‬
‫الوجهة األولى تعاون املدينة األفراد على اكتساب الفضائل وتقدم لهم فرصا أكثر ملزاولة هذه‬
‫الفضائل في العالقات االجتماعية املتعددة ومن الوجهة الثانية تنشط املدينة العمل العقلي بما‬
‫تسمح به من تقسيم أكثر واتصال العقول بعضها ببعض‪ ،‬والحالة التي يزدهر فيها العمالن‬
‫الخلقي والعقلي هي حالة السلم والرخاء والفراغ‪ ،‬وما الحرب إال وسيلة للدفاع عن الحق أو‬
‫للحصول عليه‪ ،‬وال تبرر بحق الفتح إال إذا شهرت على شعوب وضيعة متأخرة تعود عليها‬
‫السيطرة األجنبية بالخير فال تطلب املدينة الحرب لذاتها فتكون حربية كاسبرطة‪ ،‬وال الغنى لذاته‬
‫فتكون تجارية تبني السفن وتغزو البالد‪ ،‬إن قيمة املدينة تقاس بقيمة أفرادها من حيث العلم‬
‫والخلق ليس غير‪.‬‬

‫ويتبين مما سبق أن املدينة وإن كانت آخر الجماعات من حيث الزمان إال أنها األولى من حيث‬
‫الطبيعة والحقيقة كما أن الكل أول باإلضافة إلى األجزاء؛ ألنه علتها الغائية وشرط تحققها على‬
‫أكمل وجه‪ ،‬وقد رأينا أن املدينة شرط ترقي الفرد وتحقيق جميع قواه‪ ،‬فإذا كانت الهيئات األولية‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬ويلزم من هذا أن اإلنسان حيوان مدني‬ ‫طبيعية كانت املدينة طبيعية كذلك؛ ألنها غايتها‬
‫بالطبع‪ ،‬والذي ال يستطيع أن يعيش في جماعة أو ليست له حاجات اجتماعية؛ ألنه يكفي نفسه‬
‫بنفسه فهو إما بهيمة وإما إله‪ ،‬وإذن فليست املدينة وليدة العرف كما السوفسطائيون‪ ،‬ولكنها‬
‫حدا عرفيا للحرية‪ ،‬ولكنه وسيلة‬ ‫قائمة على الطبيعة اإلنسانية النازعة إلى كمالها‪ ،‬وليس القانون ًّ‬
‫توفير الحرية فيه نجاة األفراد من الفوض ى والفناء‪.‬‬

‫ج‪ .‬وتتألف األسرة من الزوج والزوجة والبنين والعبيد الرجل رأس األسرة؛ ألن الطبيعة َح َب ْت ُه العقل‬
‫الكامل فإليه تعود أمور املنزل واملدينة‪ ،‬أما املرأة فأقل عقال وليس بصحيح أن الطبيعة هيأتها‬
‫للمشاركة في الجندية والسياسة وإنما وظيفتها العناية باألوالد وباملنزل تحت إشراف الرجل ويرجع‬
‫طبيعيا ويحد العبد‬ ‫ًّ‬ ‫إلى العبيد تحصيل الثروة الضرورية لقوام األسرة‪ ،‬ويعتبر أرسطو الرق ً‬
‫نظاما‬
‫بأنه «آلة حية» و«آلة للحياة» ضرورية لضرورة األعمال اآللية املنافية لكرامة املواطن الحر‬
‫والعبد آلة «منزلية» أي إنه يعاون على تدبير الحياة داخل املنزل وال يعمل في الحقل أو في املصنع‪:‬‬
‫من هو العبد؟ الطبيعة ‪ .‬هي التي تعينه ‪ :‬إن تقابل األعلى واألدنى مشاهد في الطبيعة بأكملها‪ ،‬وهو‬
‫مشاهد‪.‬‬
‫بين النفس والجسم بين العقل والنزوع بين اإلنسان والحيوان بين الذكر واألنثى‪ ،‬وكلما وجد هذا‬
‫التقابل كان من خير املتقابلين أن يسيطر األعلى على األدنى‪ ،‬والطبيعة تميل إلى إيجاد مثل هذا‬
‫التمايز بين البشر بأن تجعل بعضهم قليلي الذكاء أقوياء البنية‪ ،‬وبعضهم أكفاء للحياة‬
‫طبعا‪ ،‬ومن هم عبيد طبعا «إن شعوب الشمال‬ ‫السياسية‪ ،‬وعلى ذلك فمن الناس من هم أحرار ً‬
‫الجليدي وأوروبا شجعان؛ لهذا ال يكدر أحد عليهم صفو حريتهم‪ ،‬ولكنهم عاطلون من الذكاء‬
‫واملهارة واألنظمة السياسية الصالحة‪ ،‬لهذا هم عاجزون عن التسلط على جيرانهم‪ ،‬أما الشرقيون‬
‫فيمتازون بالذكاء واملهارة‪ ،‬ولكنهم خلو من الشجاعة؛ لهذا هم مغلوبون ومستعبدون إلى األبد‪،‬‬
‫وأما الشعب اليوناني فيجمع بين امليزتين‪ :‬الشجاعة والذكاء؛ كما أن بلده متوسط املوقع‪ ،‬لهذا هو‬
‫يحتفظ بالحرية‪ ،‬ولو أتيحت له الوحدة لتسلط على الجميع‪ .‬إذن فاليوناني سيد حر‪ ،‬و واألجنبي‬
‫– البربري – عبد له‪ ،‬وال يستعبد اليوناني أخاه بأي حال‪.‬‬

‫د‪ .‬واألسرة بحاجة للثروة‪ ،‬وتحصل الثروة على نحوين‪ :‬الواحد طبيعي هو جمع النتاج الطبيعي الالزم‬
‫للحياة‪ ،‬وينقسم إلى ثالثة أنواع تربية الحيوان والقنص والزراعة‪ ،‬والقنص مأخوذ هنا بأوسع‬
‫معانيه بحيث يشمل القرصنة ‪ -‬أي صيد الرقيق – وقطع الطريق وصيد السمك والطير وسائر‬
‫الحيوان والنحو اآلخر صناعي هو املبادلة وينقسم كذلك إلى ثالثة أنواع‪ :‬النجارة برية وبحرية‬
‫والقرض واألجر‪ ،‬وتنشأ املبادلة من قلة اإلنتاج في أشياء وزيادته في أشياء فتضطر الحال إلى‬
‫ورمزا للمبادلة‪ ،‬ولكن الناس ال يلبثون أن‬‫االستيراد واإلصدار ومن هنا تمس الحاجة للنقد وسيلة ً‬
‫يتخذوا النقد غاية فيصير اإلنتاج غاية كذلك ال وسيلة إلرضاء الحاجات الطبيعية‪ ،‬فتضطرب‬
‫الحياة االجتماعية؛ إذ تبطل غايتها أن تكون السعادة بالفضيلة وتنقلب الغاية اللذة ويصبح من‬
‫املستحيل وقد تحولت الوسائل غايات تعيين غاية قصوى للوسائل وتعيين حد لتحصيل الثروة‬
‫تبعا لهذا النظر يقول أرسطو ‪ :‬إن مبادلة أشياء بأشياء طبيعية ما دامت الغاية إرضاء حاجات‬
‫الحياة‪ ،‬أما مبادلة األشياء باملال أي التجارة فهي غير طبيعية؛ ألنها تجاوز للحد الضروري للحياة‬
‫وطلب للثروة إلى غير حد‪ ،‬وأما الربا فهو أبشع الوسائل غير الطبيعية لتحصيل الثروة؛ ألنه‬
‫مبادلة املال وهو اختراع غير طبيعي ‪ -‬ال باألشياء ‪ -‬وهي طبيعية ‪ -‬بل باملال نفسه‪ ،‬إن «الفائدة»‬
‫تنتج من حقل أو من ماشية‪ ،‬أما املعدن فال يمكن أن ينتج أو أن يلد‪ ،‬والربا نقد ناتج أو مولود من‬
‫نقد هو في الحقيقة عقيم وهذا مخالف للطبيعة ‪ " .‬ولكن أرسطو لم يكن يقصد من غير شك‬
‫القرض للصناعة بل القرض املنفق في غير سبيل اإلنتاج‪ ،‬وهو على كل حال يبين فيما تقدم عن‬
‫نفوره من الطمع في اكتساب الثروة وعن إيثاره معيشة قدماء اليونان القائمة على امللكية‬
‫العقارية؛ ألنها أقرب إلى الطبيعة وأدعى الحتفاظ املدينة باألخالق الفاضلة وأنفى ألسباب النزاع في‬
‫الداخل والحرب في الخارج‬
‫املدينة‬

‫أ‪ .‬هذا الفقرة تركز على رؤية أرسطو ملفهوم الحكومة والدستور الذي اقترحه فالسفة آخرون مثل‬
‫أفالطون‪ .‬قام أرسطو بانتقاد وجهة نظر أفالطون حول الدولة التي يجب أن تكون واحدة كبيرة‪،‬‬
‫ً‬
‫مضحيا باألسرة وامللكية الفردية‪ .‬بالنسبة له‪ ،‬يتم تحقيق وحدة الدولة من خالل التعليم‪ ،‬وليس‬
‫من خالل الجهود املقترحة بواسطة أفالطون‪ .‬أكد ً‬
‫أيضا أرسطو أن األسرة وامللكية الفردية هما‬
‫جزء من الطبيعة وليسا ناتجين عن اتفاق اجتماعي أو اعتياد‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أشار إلى أن‬
‫املرأة ليست متساوية مع الرجل وحذر من العواقب السيئة للملكية املشتركة في األسرة وامللكية‪.‬‬
‫من وجهة نظره‪ ،‬الحال هو دمج امللكية الفردية وامللكية املشتركة لتحقيق مستوى عادل من الرفاه‬
‫لجميع مواطني املدينة‪.‬‬

‫ب‪ .‬أما الحكومة فتختلف أشكالها باختالف الغاية التي ترمي إليها وعدد الحكام‪ ،‬فمن الوجهة األولى‬
‫الحكومة صالحة متى كانت غايتها خير املجموع‪ ،‬وفاسدة متى توخى الحكام مصالحهم الخاصة‪،‬‬
‫فيخرج لنا جنسان تحتهما أنواع تتعين من الوجهة الثانية أي بعدد الحكام ‪:‬‬

‫الحكومات الفاسدة‬ ‫الحكومات الصالحة‬


‫(‪ )۱‬الطغيان‬ ‫(‪ )۱‬امللكية‬
‫(‪ )٢‬األوليغركية‬ ‫(‪ )۲‬األرستقراطية‬
‫(‪ )۳‬الديماغوغية‬ ‫(‪ )۳‬الديمقراطية‬

‫فامللكية حكومة الفرد الفاضل العادل واألرستقراطية حكومة األقلية الفاضلة العادلة‪،‬‬
‫والديمقراطية حكومة األغلبية الفقيرة تمتاز بالحرية واملساواة واتباع دستور أما الطغيان فهو‬
‫حكومة الفرد الظالم واألوليغركية حكومة األغنياء واألعيان والديماغوغية حكومة العامة تتبع‬
‫أهواءها املتقلبة‪ .‬وتبدو امللكية ألول نظرة أنها الحكم األمثل‪ ،‬ولكن الفرد املمتاز بالفضل ال‬
‫نادرا‪ ،‬أو ال يوجد أصال‪ ،‬وامللك يرغب ً‬
‫طبعا في أن ينتقل سلطانه إلى أعقابه وليس هناك‬ ‫يوجد إال ً‬
‫ما يضمن أن يكون هؤالء جديرين بالحكم والسلطة املطلقة تميل بالطبع إلى اإلسراف وللملك‬
‫ً‬
‫اعتمادا على قواته‪ ،‬ثم إن الفرد ال يستطيع أن يرى‬ ‫حرس خاص‪ ،‬فمن السهل عليه أن يستبد؛‬
‫كل ش يء بعينيه فهو مفتقر دائما ملعاونين يشاركونه في مباشرة الحكم‪ ،‬وإذن َ‬
‫فلم ال توضع هذه‬
‫املشاركة من األصل بدل أن تترك إلرادة فرد واحد ؟ والواقع أن حكم الجماعة الفاضلة خير من‬
‫ً‬
‫حكم فرد ال يفوقهم فضال‪ ،‬ولكن األرستقراطية غير ممكنة التحقق كذلك ‪ ،‬أما الديمقراطية‬
‫فليست تصلح إال إذا قصرت سلطة الشعب على انتخاب الحكام فزاول هؤالء الحكام بإشراف‬
‫الشعب‪ ،‬ولكن ً‬
‫كثيرا من املخاطر تتهدد هذا النظام‪ ،‬وهنا يردد أرسطو نقد أفالطون‬

‫ج‪ .‬كيف تكون إذن الحكومة املثلى ؟ الحق أن كل شكل من األشكال املذكورة يقوم على مبدأ صحيح‬
‫بعض الصحة ال كلها‪ ،‬لذلك ال يمكن إيثار أحدها واعتباره كامال‪ ،‬فيجب أن نطبق هذا املبدأ‬
‫الذي اعتمدناه في األخالق وهو أن خير األمور الوسط» وأن نجد طبقة من الشعب هي مزاج من‬
‫ضدين ووسط بين طرفين‪ :‬هذه الطبقة هي الوسطى‪ ،‬ويسميها أرسطو «بوليتية» أي الدستورية‪،‬‬
‫ً‬
‫وهي مؤلفة من أصحاب الثروة العقارية املتوسطة يعيشون من عملهم وال يملكون فراغا من‬
‫الوقت‪ ،‬فال يعقدون إال الجلسات‪.‬‬

‫الضرورية ويخضعون للدستور‪ ،‬فحكومتهم مزاج من األوليغركية والديمقراطية مع ميل إلى هذه‪،‬‬
‫وكلما كثر عددهم استطاعوا مقاومة األحزاب املتطرفة وصيانة الدستور‪ ،‬وال خوف أن يتحد‬
‫ً‬
‫خصومهم عليهم فإنهم ملا كانوا وسطا كانت املسافة بينهم وبين كل ضد على حدة أقرب منها بين‬
‫ضد وآخر‪ ،‬لذلك يثق بهم كل فريق أكثر مما يثق بأضداده هذا مع اعتراف أرسطو أن تقرير‬
‫الحكومة الصالحة الشعب ‪ .‬أن يقوم على اعتبار طبيعة هذا الشعب‪ ،‬فهو ال يبني دولة نظرية‬
‫ولكنه يستخدم طائفة كبيرة من املالحظات والتجارب لتعيين الشروط الكفيلة بتحقيق الغاية من‬
‫االجتماع‪ ،‬وهو يأخذ على الذين عالجوا هذه املسألة قبله أنهم توهموا أشكال الحكومة ً‬
‫أنواعا‬
‫تبعا للظروف وليس هناك ديمقراطية أوليغركية واحدة بعينها‪،‬‬ ‫ثابتة‪ ،‬والواقع أن لكل نوع أصنافا ً‬
‫اعا ‪ -‬وهم أميل إلى االعتدال – أو صناعا‬ ‫بل ديمقراطيات وأوليغركيات ‪ .‬ما تكون كثرة الشعب زر ً‬
‫وهم أميل إلى التطرف أو تجارا ‪ -‬و بحسب ما تكون األقلية ممتازة بالثروة املكتسبة أو املوروثة أو‬
‫بالحسب‪ ،‬فهؤالء الفالسفة يردون التنوع الحقيقي إلى وحدة مجردة‪ ،‬لذلك نراهم يبحثون عن‬
‫األحسن باإلطالق ال عن أحسن ما يمكن باإلضافة إلى األحوال‪ ،‬ونجدهم يشرعون باإلطالق ال‬
‫باإلضافة إلى شكل الحكومة فإن القوانين تختلف حتما باختالفه‬

‫د‪ .‬والشروط الكفيلة بصالح املدينة ترجع إلى الثالثة اآلتية‪ :‬األول‪ :‬خاص بعدد األهالي وقد كان‬
‫أرسطو يرى كأفالطون أن املدينة أرقى صور الحياة السياسية وأن كل مجموعة أوسع ‪-‬‬
‫كاإلمبراطورية الفارسية أو املقدونية – فهي مركب غير متجانس‪ ،‬وأن الغاية من االجتماع الحياة‬
‫الفاضلة ال اإلثراء والغلبة بكثرة العدد‪ ،‬فيجب العدد اال ينقص العدد عن الحد األدنى الضروري‬
‫لكفاية املدينة نفسها‪ ،‬وأال يعدو حدا أقص ى نستطيع أن نقدره بمائة ألف املبالغة‪ ،‬وإال تعذر‬
‫الحكم الصالح واختل النظام؛ فإن املواطنين لكي يحسنوا تدبير الشئون وتوزيع املناصب حسب‬
‫الكفاية يجب أن يعرف بعضهم ً‬
‫بعضا حق املعرفة‪ ،‬أما إذا تعاظم عددهم فإن األمور تجري‬
‫اتفاقا‪ ،‬والستبقاء عدد األهالي في املستوى املالئم يقول أرسطو باإلجهاض قبل أن يصير الجنين‬
‫حاسا وبإعدام األطفال املشوهين‪ ،‬مع أن اإليمان بالنفس كان خليقا أن يعدل به عن هذين‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬فالحيلولة دون‬ ‫القولين فإن الجنين إنسان بالقوة‪ ،‬وللنفس قيمة تفوق القيم الدنيوية‬
‫تكامل الجنين منع لخير هو أعظم مما قد ينتج من ضرر مزعوم؛ ثم إن للطفل املشوه ً‬
‫نفسا‬
‫فحياته جديرة باالحترام‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬خاص بمساحة املدينة فإنها يجب أن تكون بحيث تقوم بحاجات األهلين وتوفر‬
‫لهم حياة سهلة دون أن يتجاوز ذلك إلى الترف‪ ،‬ويجب أن تكون منيعة ضد األعادي سهلة الصلة‬
‫بالبحر لتسهيل التموين ويجب أن تقسم بين املواطنين بحيث يكون لكل منهم حصتان واحدة‬
‫قريبة من املدينة وأخرى قريبة من الحدود مع مراعاة العدالة في القسمة فتكون لجميع املواطنين‬
‫مصلحة الدفاع عن املدينة كلها‪ ،‬أن أرسطو يعارض االشتراكية فإنه ينصح بجعل جزء من األرض‬
‫ً‬
‫ملكا للدولة تنفق منه على الهياكل واملآدب املشتركة فتقرب بهما بين املواطنين وتستبقي وحدة‬
‫الدولة‪.‬‬

‫الشرط الثالث خاص بوظائف الدولة أو طوائف املدينة وهي ثمان‪ :‬الزراع والصناع والتجار‬
‫والجند للحرب الدفاعية ‪ -‬والطبقة الغنية والكهنة والحكام واملوظفون لكل منهم استعداد خاص‬
‫ً‬
‫جميعا «مواطنين» فإن املواطن‬ ‫لعمله وكفاية خاصة بحيث ال يقوم بعضهم مقام بعض وليسوا‬
‫هو الرجل املمتاز من بين الرجال األحرار املشارك في سياسة الدولة مشاركة فعلية‪ ،‬هو جندي في‬
‫ً‬
‫شبابه حاكم في كهولته كاهن في شيخوخته‪ ،‬فهو متفرغ طول حياته لخدمة الدولة‪ ،‬ال يزاول عمال‬
‫يدويا أصال‪ ،‬فإن العمل اليدوي فضال عن انه‪ ،‬يصرفه عن سياسة الدولة ال يليق بالرجل الحر؛‬ ‫ً‬
‫خاضعا له وملا يعود عليه من أجر أو منفعة فيحط من‬ ‫ً‬ ‫إذ إنه يشوه هيئة الجسم ويجعل صاحبه‬
‫قدر النفس ويسلبها الكفاية إلتيان أفعال فاضلة جميلة مستنيرة؛ حتى الفنون الجميلة من حيث‬
‫ً‬
‫اقتضائها أفعاال جسمية‪ :‬أليس العزف بالناي يفسد تناسب الوجه؟ وحتى العمل العقلي إذا كان‬
‫صادرا عن طلب املال ‪ -‬كما هو حال السوفسطائيين ‪ -‬فإنه يحرم صاحبه الفراغ وحرية التفكير‪،‬‬ ‫ً‬
‫وجملة القول ‪ :‬املواطنون طبقة مختارة تحاول أن تحقق املثل األعلى لإلنسان كما رسمته‬
‫«األخالق» ‪ ،‬وهم عماد الدولة‪ ،‬وعلى الدولة أن تعنى بهم خاصة فال تترك أمرهم للوالدين بل‬
‫تتعهدهم بتربية واحدة تعدهم لوظائفهم املستقبلة‪ ،‬فكأن أرسطو يعود إلى فكرة الحراس» عند‬
‫أفالطون بعد تنقيحها وجعلها أقرب إلى التنفيذ‪ ،‬والفيلسوفان متشبعان بفكرة الترتيب والنظام‬
‫ومقتنعان بأن العقل مصدر النظام‪ ،‬والرأس في كل ش يء‪.‬‬

‫النفس‬

‫النفس للجسم الحي بمثابة الصورة والطبيعة لغير الحي أي إنها مبدأ األفعال الحيوية على اختالفها‪ ،‬فعلم‬
‫النفس جزء من العلم الطبيعي؛ ألن موضوعه مركب من مادة وصورة‪ ،‬وهو أشرف جزء؛ ألنه يفحص عن‬
‫أكمل وأشرف صورة من بين الصور الطبيعية‪ ،‬وهو عظيم الفائدة في الفحص عن الحقيقة بأكملها؛ ألن‬
‫العلوم العقلية والخلقية إنما تنشأ من رجوع النفس على ذاتها وتعرف أحوالها‪ .‬واملنهاج القويم في هذا العلم‬
‫مزاج من االستقراء والقياس‪ ،‬فنحن ال ندرك النفس في ذاتها فيجب أن نبدأ بالظواهر النفسية أي األفعال‬
‫الصادرة عن الحي من حيث هو كذلك‪ ،‬وهذه الظواهر؛ إذ ترتب تر ً‬
‫تيبا ًّ‬
‫علميا تعرفنا بمصادرها املباشرة وهي‬
‫أحيانا قبل النظر في بعض األفعال دراسة موضوعاتها‪،‬‬‫ً‬ ‫القوى النفسية‪ ،‬وهذه تعرفنا بالنفس‪ ،‬بل يجب‬
‫فمثال في دراسة القوة الحاسة املحسوس هو األول الذي يعرفنا باإلحساس وفي دراسة القوة العاقلة املعقول‬
‫هو الذي يعرفنا بالتعقل‪.‬‬
‫بأن ّ‬
‫النفس هي املبدأ‬ ‫النفس؛ حيث رأى ّ‬ ‫خاص ًا يبحث في طبيعة وخواص ّ‬
‫علما ّ‬‫ً‬
‫النفس‬‫جعل أرسطو موضوع ّ‬
‫ً‬ ‫كافة الكائنات ّ‬‫ّ‬ ‫العام للحياة‪ ،‬ولهذا كان ال ّبد من أن يشمل موضوع علم ّ‬
‫الحية على اختالفها‪ ،‬بدءا‬ ‫النفس‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ووصوال لإلنسان‪ ،‬ولهذا من الطبيعي أن نجد في كتابه ّ‬ ‫ً‬
‫(النفس) وصفا دقيقا‬ ‫بالنباتات‪ ،‬ومرورا بالحيوانات‪،‬‬
‫ًّ‬
‫عاما‬ ‫يحمل معايير عصره لألنشطة ّالتي تقوم بها جميع الكائنات ّ‬
‫الحية‪ ،‬ولهذا كان علم النفس عند أرسطو‬
‫ً‬
‫وشامال لجميع مظاهر الحياة‪ ،‬بما في ذلك طبيعة الحياة ّ‬
‫بحد ذاتها‪ ،‬وهذه هي نقطة االختالف بين علم‬
‫ُ‬ ‫النفس اآلرسطي وعلم ّ‬
‫النفس املعاصر والحديث‪.‬‬

‫وأرسطو يقرر أن االنفعاالت — مثل الغضب والخوف والرجاء والفرح والبغض واملحبة — ال يمكن أن‬
‫تصدر عن النفس وحدها‪ ،‬ولكنها تصدر عن املركب من النفس والجسم كما سنبين اآلن‪ ،‬وأن االحساس‬
‫فعل النفس بمشاركة العضو الحاس املعد إلدراك املحسوس كالعين واألذن‪ ،‬وأن التعقل ولو أنه خاص‬
‫بالنفس إال أنه مفتقر للتخيل وال يتحقق التخيل من غير الجسم‪ ،‬وإذن فجميع األفعال النفسية في‬
‫األجسام الحية متعلقة بالجسم وداخلة في العلم الطبيعي‪.‬‬

‫تعريف النفس‬
‫فمن جهة كونها شبه جنس‪ :‬كمال أول لجسم طبيعي آلي‬
‫ً‬
‫وباعتبار أنحاء الحياة‪ :‬ما به نحيا ونحس وننتقل في املكان ونعقل أوال‬
‫فإن النفس مبدأ الحياة على جميع أنحائها متى وجدت هذه األنحاء كلها أو بعضها‪.‬‬

‫أشكال النفس‬
‫اتفق أرسطو مع أستاذه أفالطون بوجود ثالثة أشكال ّ‬
‫للنفس‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫الغذائية للكا ِئنات ّ‬


‫ّ‬ ‫النفس القوى‬ ‫ّ‬
‫تمثل هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫الحية‪.‬‬ ‫النباتية‪:‬‬ ‫●النفس‬
‫ّ‬
‫الذاتية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الحيوانية‪ :‬تنشأ عن هذه النفس القدرة على الحركة‬ ‫●النفس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تمثل القوى‬ ‫ّ‬
‫العقلية‪.‬‬ ‫اإلنسانية‪ :‬وهي تلك النفس التي‬ ‫●النفس‬

‫بأن ّ‬
‫يقية في أحيان أخرى‪ ،‬واعتبر ّ‬ ‫ً‬
‫أحيانا‪ ،‬وميتافيز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونظر إلى ّ‬
‫النفس‬ ‫فيزيائية‬ ‫النفس في ضوء مقوالت‬
‫النفس يتحقق وصف الكائن ووجود أهداف له وغايات‪،‬‬ ‫هي املبدأ الفعلي لوجود الجسد‪ ،‬فب ّ‬
‫فالنفس هي الكمال ّ‬
‫األول للجسد‪.‬‬

‫أنواع الحياة ثالثة‪:‬‬


‫أ‪ .‬النفس النامية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬فهي موجودة في النبات‬ ‫تقال الحياة أوال على النامية؛ ألنها مشتركة بين األجسام الحية‬
‫دون الحس والعقل‪ ،‬وال يوجد الحس والعقل بدونها في الحيوان األعجم واإلنسان‪ ،‬وللنفس النامية‬
‫وظيفتان ‪:‬النمو‪ ،‬والتوليد‪.‬‬
‫ب‪ .‬النفس الحاسة‬
‫ّ‬
‫عكسيا ‪:‬فباعتبارها‬ ‫والحواس آالت حياة كما أنها آالت إدراك‪ ،‬وهي تترتب من هذين الوجهين تر ً‬
‫تيبا‬
‫مدركة‪ ،‬البصرأول ثم السمع وأخيرا الذوق فاللمس‪.‬‬
‫ج‪ .‬النفس الناطقة‬
‫إن جميع الحيوان يحس ولكن أقله يعقل وهو اإلنسان‪ ،‬وإذن فليس التعقل والحس ً‬
‫واحدا؛ وإال‬
‫لكان جميع الحيوان يعقل من حيث إن جميعه يحس ‪.‬ويمتاز العقل من املخيلة ً‬
‫أيضا‪ ،‬فإن التخيل‬
‫متعلق بإرادتنا‪.‬‬

‫ما بعد الطبيعة‬


‫وأعلى العلوم النظرية الحكمة لالعتبارات عينها‪ ،‬هي علم يدرس الوجود بما هو وجود ومحموالته‬
‫الجوهرية‪ ،‬بينا سائر العلوم يقتطع كل منها ً‬
‫جزءا من الوجود ويبحث في محموالت هذا الجزء‬
‫فقط‪ ،‬وملا كنا نطلب املبادئ األولى وأعلى العلل‪ ،‬فهناك بالضرورة موجود ترجع إليه بالذات هذه‬
‫العلل واملبادئ‪.‬‬
‫في فلسفة أرسطو‪ ،‬تعتبر "ما بعد الطبيعة" (باإلغريقية‪ )φυσικά τὰ Μετὰ :‬وهو مصطلح‬
‫ُيستخدم لإلشارة إلى ما هو بعد د اسة الطبيعة أو ما يعرف ً‬
‫أحيانا بعلم الطبيعة‪ .‬يمكن أن ُيفسر‬ ‫ر‬
‫هذا املصطلح بأنه يشير إلى مجاالت فلسفية وعلمية تتناول األمور التي تقع خارج نطاق دراسة‬
‫الطبيعة الفعلية واملادية‪.‬‬
‫أرسطو نفسه اهتم بعلم ما بعد الطبيعة في أعماله‪ .‬في كتابه "ميتافيزيقيا" (‪،)Metaphysics‬‬
‫استخدم مصطلح "ما بعد الطبيعة" ليشير إلى البحث في املفاهيم األساسية مثل وجود هللا‬
‫واألسباب النهائية واألغراض األعلى للوجود‪ .‬هذا العمل ُيعتبر أحد أهم األعمال في تطور علم‬
‫امليتافيزيقا والفلسفة امليتافيزيقية في التاريخ الفلسفي‪.‬‬
‫ببساطة‪" ،‬ما بعد الطبيعة" يشير إلى الفلسفة التي تتناول األسئلة واملواضيع التي تفوق نطاق‬
‫العالم الطبيعي واملادي‪ ،‬مثل األسباب والغايات والوجود الروحي واألمور األخالقية والفلسفية‪.‬‬

‫ونبحث في هذا العنوان حول ‪:‬‬

‫الجوهر‬
‫موضوع الفلسفة األولى الوجود الثابت‪ ،‬غير أن الوجود قد يعني ً‬
‫أيضا الوجود العرض ي واالتفاقي‬
‫والوجود من حيث هو حق أي املعبر عنه بالرابطة في القضية‪.‬‬

‫القوة والفعل‬

‫ينقسم املوجود إلى ما هو بالقوة وما هو بالفعل‪ ،‬والقوة فعلية وانفعالية ‪:‬القوة‬
‫الفعلية هي قدرة ش يء على إحداث تغير في ش يء آخر أو في نفسه من حيث هو آخر أي من حيث‬
‫هو حاصل على مبدإ فاعل ومبدإ منفعل‪ ،‬كالرجل الذي يبرئ نفسه ال من حيث هو مريض بل‬
‫من حيث هو طبيب‪ ،‬والقوة االنفعالية هي قدرة املنفعل على االنتقال من حال إلى حال بتأثير‬
‫موجود آخر أو بتأثيره هو من حيث هو آخر‪.‬‬

‫اإللهيات‬

‫موضوع هذا العلم الجوهر فيتعين علينا أن نبين أنه يوجد بالضرورة جوهر دائم غير متحرك‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬الجواهر أوائل املوجودات‪ ،‬فلو كانت كلها فاسدة لكانت املوجودات كلها فاسدة ‪.‬ولكن‬
‫الحركة الدائرية والزمان أزليان أبديان والحركة عرض لجوهر والزمان مقياس الحركة؛ إذن توجد‬
‫جواهر دائمة غير متحركة‪.‬‬

‫األخالق‬

‫يبحث علم األخالق عن الخيراألقص ى الخاص باإلنسان‪ ،‬لذا كان جزء من العلم املدني أوالسياسة‬
‫التي تبحث عن خيراملجموع وهو أسمى و أشرف من خير الفرد‪.‬‬
‫ونكتفي في هذا الباب ببسط بعض وجوه هذا التحليل لثالث من أمهات الفضائل‪ ،‬وهي العدالة‬
‫والحكمة والصداقة‪.‬‬

‫العدالة‬
‫العدالة (معنى العام) ‪ :‬يعرف أرسطو العدالة بقوله ‪ :‬هي ملكة خاصة تحمل صاحبها على توخي‬
‫صنع ما هو حق والتصرف على الوجه الصحيح وطلب ما هو حق دوما‪.‬‬
‫معنى الخاص‪:‬‬
‫العدالة التوزيعية‬
‫العدالة التصحيحية‬
‫العدالة السياسية‬

‫الحكمة‬
‫أما الحكمة فهي أم الفضائل العقلية‪ ،‬التي يمكن وصفها بجودة القوة العقلية أوامتيازها‪ ،‬وعدتها‬
‫خمس كما مر‪ :‬العلم والروية والفن والبديهية والحكمة‪.‬‬

‫الصداقة‬
‫وتمتاز الصداقة أو املحبة عن سائر الفضائل‪ ،‬من حيث هي شرط الزم للحياة املدنية‪ ،‬فمن دون‬
‫األصدقاء تستحيل الحياة‪ ،‬ولو توافرت للمرء جميع الخيرات‪.‬‬
‫يقسم أرسطو الصداقة إلى ثالث فئات ‪:‬‬
‫أ‪ .‬الصداقة القائمة على املنفعة‬
‫ب‪ .‬الصداقة القائمة على اللذة‬
‫ج‪ .‬الصداقة القائمة على الفضيلة‬
‫وأهم عناصر الصداقة عند أرسطو هي النية الحسنة التي يكنها املرء نحوصديقه‪ .‬ومع أنه يميز بينها‬
‫وبين الصداقة‪ ،‬فهو يعتبرها مفتاح الصداقة كما أن النظر مفتاح املحبة‪.‬‬

You might also like