Professional Documents
Culture Documents
1444ه2023 /م
أفالطون
حياته ومصنفاته
حياته
ولد أفالطون في أثينا أو في أجينا -أهم مدن الجزيرة املسماة بهذا االسم -سنة ٤٢٧ق.م في أسرة عريقة
الحسب كان لبعض أفرادها املقام األول في الحزب األرستقراطي وشأن كبير في السياسة األثينية ،تثقف
كأحسن ما يتثقف أبناء طبقته وقرأ شعراء اليونان وعلى الخصوص هوميروس ،ونظم الشعر التمثيلي
وأقبل بعد ذلك على العلوم وأظهر ميله خاصا للرياضيات ثم تتلمذ القراطيلوس أحد أتباع هرقليطس
واطلع على كتب الفالسفة ،وكانت متداولة في األوساط العلمية ،وفي سن العشرين تعرف إلى سقراط ذهب
به إليه شقيقاه األكبران أديمنت وأعلوفون -وهما محدثا سقراط في «الجمهورية» -وبعض أقربائه ،وكان
هؤالء يختلفون إلى سقراط وإلى السوفسطائيين ووالدهم االستطالع واللهو بالجدل ،ولكن أفالطون أعجب
بفضل سقراط فلزمه.
وداخله من الحزن والسخط ملمات معلمه ما دفعه إلى مغادرة أثينا ،فقصد إلى ميغاري حيث كان بعض
إخوانه قد سبقوه والتفوا حول إقليدس أكبرهم سنا ،مكث هناك نحو ثالث سنين ثم سافر إلى مصر -وهو
يذكرها في غير ما موضع من كتبه وال سيما الجمهورية والقوانين ذكر من عرفها معرفة شخصية -وانتهز
الفرصة فذهب إلى قورينا لزيارة عاملها الرياض ي تيودوروس ومدرسته وعاد إلى مصر فقض ى زمنا في عين
شمس واتصل بمدرستها الكهنوتية ،وأخذ بنصيب من علم الفلك ،وال بد أن يكون قد استفاد أيضا
بمالحظة الديانة والحكم واألخالق والتقاليد فإن في مؤلفاته الشواهد العديدة على ذلك ونشبت بين
اسبرطة وأثينا الحرب املعروفة بحرب قورنتية سنة ٣٩٥وحالف نفريتس ملك مصر السفلى اسبرطة،
ً
متوفرا على الدرس ناشرا من فاضطر أفالطون ملغادرة مصر ،وأقام في بلده طول الحرب أي إلى سنة ۳۸۸
املحاورات ما أثار إعجاب األثينيين ،وملا انتهت الحرب رحل إلى جنوبي إيطاليا يقصد في األرجح إلى الوقوف
على املذهب الفيثاغوري في منبته وكان قد شغف به فنزل ترنتا وزار رئيس جمهوريتها القائد أرخيتاس وكان
مذكورا وتوثقت بينهما روابط الصداقة .وفيما هو هناك سمع بذكره دنيسوس ملك سراقوصة ً فيثاغوريا
وكان مثقفا ينظم القصائد والقصص التمثيلية فاستقدمه إليه ،فعبر أفالطون البحر إلى صقلية ودخل
سراقوصة .فقابله امللك بالحفاوة ولكنه لم يلبث أن غضب عليه ،فإن أفالطون استمال ديون صهر امللك،
ولم يكن هذا يطمئن إليه بل لم يكن يطمئن إلى أحد ،وقد يكون الفيلسوف أفصح عن بعض آرائه
اإلصالحية ،وأنكر الفساد املتفش ي في البالط فأمر به امللك فاعتقل ووضع في سفينة اسبرطية أقلع ربانها إلى
جزيرة أجينا ،وكانت حينذاك حليفة السبرطة ضد أثينا ،فعرض في سوق الرقيق فافتداه رجل من قورينا
كان قد عرفه في تلك املدينة.
ورجع إلى أثينا وأنشأ سنة ۳۸۷مدرسة على أبواب املدينة في أبنية تطل على يستان أكاديموس قسميت لذلك
باألكاديمية ،أنشأها جمعية دينية علمية وكرسها آلليات الشعر وأقام فيها معبدا ،ونزل لها عن األبنية
ومحتوياتها ،وظل يعلم فيها ويكتب أربعين سنة ما خال فترتين قصيرتين سافر فيهما إلى سراقوصة الواحدة
سنة ٣٦٧واألخرسنة ٣٦١كان حظه فيهما مع دنيسوس الثاني مثل حظه مع أبيه املتوفى ،ولم تصلنا أخبار
مفصلة عن األكاديمية ،ولكنا نعلم أن مستمعيه كانوا خليطا من األثينيين ويونان الجزر ،وتراقية وآسيا
الصغرى بينهم بضع نساء وتستطيع أن نقول إن الحركة العلمية كانت شديدة ،وأن دروس املعلم كان
يتخللها ويعقبها مناقشات في جلسات متوالية تتعارض فيها اآلراء وتتمحص على النحو الذي نشاهده في
املحاورات املكتوبة وكان التعليم يتناول جميع فروع املعرفة ،وكان إلى جانب أفالطون وتحت رياسته عدد
من العلماء كل منهم مختص بمادة يشرحون الرياضيات والفلك واملوسيقى والبيان والجدل واألخالق
والسياسة والجغرافيا والتاريخ والطب والتنجيم فكانت املدرسة جامعة وعت تراث اليونان العقلي من
هوميروس إلى سقراط ،وتوفي أفالطون وقد بلغ الثمانين في أثناء حرب فيلبوس املقدوني على أثينا ،فلم يشهد
ما أصاب وطنه من انحطاط لم تقم له من بعده قائمة.
مصنفاته
• لم يحدث لكتب أفالطون مثل ما حدث لكتب الفالسفة القدماء وأقرانه تالميذ سقراط؛ فإن كتبه
حفظت لنا كلها بل وصل إلينا كتب عدة نسبت له من عهد بعيد مع ش يء من الشك ،فقطع النقد
الحديث بأنها منحولة وضعها بعض أصحابه أو بعض مقلديه ،وليست كتبه مؤرخة وال موضوعة
ًّ
تعليميا ،ولكنها محاورات كما قلنا كان يقيد فيها آراءه كلما عرضت فرتبها األقدمون على ً
وضعا
حسب شكل الحوار أو موضوعه.
• أما مصنفات الشباب فتسمى بالسقراطية؛ ألن منها ما هو دفاع عن سقراط واحتجاج على إعدامه
وبيان آلرائه ،ومنها ما هو مثال للمنهج السقراطي؛ فمن الناحية األولى نجد احتجاج سقراط» أو
دفاعه أمام املحكمة ،و«أقريطون» يذكر فيها ما عرضه هذا التلميذ من الفرار وما كان من جواب
سقراط.
• وأما محاورات الكهولة فقد كتبها بعد أوبته من سفرته األولى إلى إيطاليا الجنوبية وإنشائه
األكاديمية؛ فإ ن األفكار الفيثاغورية بادية فيها ،وهي تنقسم إلى طائفتين :تشمل الطائفة األولى:
«منكسينوس» يعين فيها موقفه من البيانيين ويبسط رأيه في البيان بعد أن نقد في «غورغياس» رأي
السوفسطائيين فيه ،و«مينون» يحاول فيها أن يحد الفضيلة فيعرض نظريته املشهورة أن العلم
ذكر معارف مكتسبة في حياة سماوية سابقة على الحياة األرضية ،و«أوتيديموس» يحمل فيها على
السوفسطائية ويبين يمتنع تعليم الفضيلة من غير معرفة برهانية ،و أقراطيلوس» يفحص فيها
عن أصل اللغة هل نشأت من محض االصطالح أم من محاكاة األشياء وأفعالها ،وفي «املأدبة»
أوسمبوسيون يدرس الحب ويشرح مذهبه في الحب الفلسفي ،وفي «فيدون» يصور املثل األعلى
للفيلسوف ،ويدلل على خلود النفس ،ويقص موت سقراط ،وتشمل الطائفة الثانية الباقي من
«الجمهورية» تسع مقاالت -يراجع فيها اآلراء املكتسبة ويتعمق ويرسم املدينة املثلى ،والراجح أن
هذه املقاالت كتبت في أوقات متباعدة على بضع سنين؛ لطولها وأهميتها ،و « فيدروس» يعود فيها
إلى موضوع املأدبة وغورغياس وفيدون والجمهورية يمحص آراءه ويهذبها ويشبه أن تكون هذه
املحاورة إعالنا عن األكاديمية وبرنامجا لها ،و«بارمنيدس» يراجع فيها نظريته في «املثل» ثم ينقد
نقدا طويال ً
دقيقا ،و«تيتياتوس» يحد فيها العلم ويعلل الخطأ ويشرح الحكم في حالتي املذهب اإليلي ً
اهتماما ً
خاصا بمسائل املنطق وامليتافيزيقا ،ومصنفاته ً الصدق والكذب ،وهو في هذه الفترة مهتم
جافة بالقياس إلى التي سبقتها.
• وتمتاز محاورات الشيخوخة كذلك بالجفاف والجدل الدقيق ،ففي «السوفسطائي» .يحاول أن
يجد حدا لهذا املخلوق العجيب ،ثم يتكلم في الفن وتقسيمه ،وفي تصنيف املعاني إلى أنواع
وأجناس ،ويعود إلى مسألة الخطأ والحكم ،ويحلل معنى الوجود والالوجود ،وفي «السياس ي» -
بوليطيقوس يسأل ما هو ويعود إلى «الجمهورية» مع ش يء من االعتدال ومراعاة األحوال ،وفي
«فيالبوس» ينظر في منهج البحث العلمي وفي الفن وشرائطه ،وفي اللذة واألخالق ،وفي «ثيماوس»
ً
يصور تكوين العالم فيذكر الصانع والطبيعة إجماال وتفصيال ،وفي أقريتياس» يقصد إلى أن يصور
املثل األعلى للجماعات البشرية بوصف ما كانت عليه أثينا في زمن متقدم ًّ
جدا ،ولكنه يترك الحوار
ً
ناقصا إما ألن املنية عاجلته قبل أن يتمه وإما ألنه تحول عنه إلى تأليف «القوانين» فلم يتيسر له
الرجوع إليه ،وفي «القوانين» تشريع ديني ومدني وجنائي في اثنتي عشرة مقالة ،وهذا املؤلف هو
الوحيد الذي خال من شخص سقراط ،وقد جمعت له ما عدا ذلك رسائل خاصة ،أما كتاب
ًّ
مدرسيا ،وأما حوارا «التقسيمات» الذي يذكره أرسطو فلم يصل إلينا ،والراجح أنه كان ً
فهرسا
«الفيلسوف» و«هرموقراطس» فالراجح كذلك أن أفالطون لم يكتبهما بعد أن أعلن عنهما.
املعرفة
ً
• لم يكن إيثار أفالطون للحوار عبثا أو إرضاء النزوعه األول للقصص التمثيلي ولكن معاصر
السوفسطائيين وتلميذ سقراط تأثر بالجدل واعتقد مع أستاذه أن الحوار بمرحلتيه هو
الطريق الوحيد للبحث في الفلسفة فاصطنع الجدل وتحدى السوفسطائيين فنقل اللفظ من
معنى املناقشة املموهة إلى معنى املناقشة املخلصة تولد العلم وهي بين اثنين أو أكثر أو مناقشة
النفس لنفسها ،بل ذهب إلى أبعد من هذا فأطلق اللفظ على العلم األعلى الذي ليس بعده
مناقشة وحد الجدل بأنه املنهج الذي يرتفع العقل به من املحسوس إلى املعقول ال يستخدم
شيئا ًّ
حسيا ،بل ينتقل من معان إلى معان بواسطة معان ،ثم بأنه العلم الكلي باملبادئ األولى ً
واألمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية ،فينزل منه إلى هذه العلوم يربطها
بمبادئها وإلى املحسوسات يفسرها ،فالجدل منهج وعلم يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل
إلى أعلى وبالعكس ومن حيث هو علم فهو يقابل ما نسميه اآلن نظرية املعرفة بمعنى
واسعيشمل املنطق وامليتافيزيقا جميعا.
• وأفالطون أول فيلسوف بحث مسألة املعرفة لذاتها ،وأفاض فيها من جميع جهاتها ،وجد نفسه
بين رأيين متعارضين رأي بروناغوراس وأقراطيلوس وأمثالهما من الهرقليطيين الذين يردون
املعرفة إلى اإلحساس ويزعمونها جزئية متغيرة مثله ،ورأيسقراط الذي يضع املعرفة الحقة في
العقل ويجعل موضوعها املاهية املجردة الضرورية فاستقص ى أنواع املعرفة فكانت أربعة:
األول :اإلحساس وهو إدراك عوارض األجسام أو أشباحها في اليقظة وصورها في املنام ،الثاني:
الظن :وهو الحكم على املحسوسات كذلك .والثالث االستدالل وهو علم املاهيات الرياضية
املتحققة في املحسوسات .والرابع :التعقل وهو إدراك املاهيات املجردة من كل مادة.
• اإلحساس أول مراحل املعرفة ويدعي الهرقليطيون أن املعرفة مقصورة عليه وأنه ظاهرة قائمة
بذاتها متغيرة أبدا ليس لها جوهر تتقوم به وال قوة تصدر عنها ولكن لو كان اإلحساس كل املعرفة
كما يقولون القتصرت املعرفة على الظواهر املتغيرة ولم ندرك ماهيات األشياء ،ولصح قول
بروتاغوراس :إن اإلنسان مقياس األشياء ،وإن ما يظهر لكل فرد فهو عنده على ما يظهر
فأصبحت جميع اآل اء صادقة على السواء املتناقض منها واملتضاد وامتنع القول إن ً
شيئا هو كذا ر
أو كذا على اإلطالق ،ليس فقط في النظريات؛ بل في السياسة واألخالق والصناعات ً
أيضا،
فيستحيل العلم والعمل ولكنهما ممكنان فالقول مردود وهو مردود كذلك ،من جهة أنه يذكر
الفكر كملكة خاصة ،والواقع أن الذاكرة والشعور بالتبعية ينقضان هذه الدعوى من حيث إن
الذكر يعني دوام الشخص الذي يذكر.
الوجود
هللا
نظرية أفالطون في الوجود مماثلة لنظريته في املعرفة بمعنى أنها تصعد من املحسوس إلى املعقول (أ)
وتخضع األول للثاني ،وقد قص حكاية حاله بإزاء العلم الطبيعي فقال ما بلسان سقراط ملا كنت
شابا كثيرا ما قاسيت األمرين في معالجة املسائل الطبيعية باملادة وحدها على طريقة القدماء،
وسمعت ذات يوم قارنا يقرأ في كتاب ألنكساغورس هو العقل الذي رتب الكل وهو علة األشياء
ً
جميعا ،ففرحت ملثل هذه العلة وتناولت الكتاب بشغف ،ولكني ألفيت صاحبه ال يضيف للعقل
أي شأن في العلل الجزئية لنظام األشياء ،بل بالضد يذكر في هذا الصدد أفعال الهواء واألثير
واملاء وما إليها
يبرهن أفالطون على وجود هللا من الوجهتين املتقدمتين :وجهة الحركة ووجهة النظام ،فمن الوجهة (ب)
األولى يقرر أن الحركات سبع حركة دائرية ،وحركة من يمين إلى يسار ،ومن يسار إلى يمين ومن أمام
إلى خلف ،ومن خلف إلى أمام ،ومن أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى ،وحركة العالم دائرية
منظمة ال يستطيعها العالم بذاته ،فهي معلولة لعلة عاقلة ،وهذه العلة هي هللا أعطى العالم حركة
دائرية على نفسه وحرمه الحركات الست األخرى وهي طبيعية ،فمنعه من أن
يجري بها على غير هدى.
فاهلل روح عاقل محرك منظم جميل خير عادل كامل بسيط ال تنوع فيه .ثابت ال يتغير صادق ال (ت)
ً
يكذب ،وال يتشكل أشكاال مختلفة كما صوره هوميروس ومن حذا حذوه من الشعراء ،وهو كله في
حاضر مستمر ،فإن أقسام الزمان ال تالئم إال املحسوس ،ونحن حينما نطلق املاض ي واملستقبل
على الجوهر الدائم فنقول :كان وسيكون ندل على أننا نجهل طبيعته؛ إذ ال يالئمه سوى الحاضر،
" وهو معني بالعالم بخالف ما يدعيه السوفسطائيون محتجين بنجاح األشرار ،فإن هللا إن كان ال
ُيعنى بسيرتنا فذلك إما ألنه عاجز عن ضبط األشياء وهذا محال وإما ألن السيرة اإلنسانية أتفه
عنده من أن تستحق عنايته وهذا محال كذلك؛ ألن كل صانع يعلم أن لألجزاء شأنها في
املجموع فيعنى بها.
الطبيعة
ملا أراد أفالطون أن يبين كيف تحقق النظام في العالم وحصلت الصور الكلية في األجسام ،أنطق ثيماوس»
الفيثاغوري بقصة التكوين وإنما أورد آراءه على لسان واحد من الفيثاغوريين؛ ألنها قائمة على مبادئ عقلية
رياضية ،وإنما أثر القصة على الحوار والخطاب ليدل على أن العالم املحسوس ال يوضع في قضايا ضرورية،
وأن العقل البشري ال يستطيع أن ينفذ إلى أغراض هللا في الطبيعة فليس أمامه إال الظن والتشبيه " قال
تيماوس :كل ما يحدث فهو يحدث بالضرورة عن علة ،والعالم حادث قد بدأ من طرف أول؛ ألنه محسوس،
خيرا والخير ً
بريئا من الحسد، وكل ما هو محسوس فهو خاضع للتغيير والحدوث وله صانع ،وملا كان الصانع ً
فقد أراد أن تحدث األشياء شبيهة به على قدر اإلمكان؛ فرأى أن العاقل أجمل من غير العاقل ،وأن العقل
ال يوجد إال في النفس :فصور العالم كائنا حيا عاقال ال على مثال ش يء حادث بل على مثال «الحي بالذات
أجمل األحياء املعقولة الحاوي في ذاته جميع هذه األحياء ،كما أن العالم يحوي جميع األحياء التي من نوعه،
فالعالم واحد؛ ألن صانعه واحد ونموذجه واحد ،وهو كل محدود ليس خارجه ما يؤثر فيه ويفسده فال
تصيبه شيخوخة وال مرض ،وهو كروي؛ ألن الدائرة أكمل األشكال ،متجانس يدور على نفسه في مكانه ،أما
نفسه فهي سابقة على الجسم صنعها هللا من الجوهر اإللهي البسيط والجوهر الطبيعي املنقسم ومزاج
ً ً
مستديرا للعالم تحويه من كل جانب ،وتتحرك حركة دائرية وتحرك الباقي وتدرك من االثنين فكانت غالفا
املحسوس املنقسم واملعقول البسيط ،وتنفعل بالسرور والحزن والخوف والرجاء واملحبة والكراهية،
وتملك أن تخالف قانون العقل فتصير شريرة حمقاء وتضطرب حركتها فتنزل النكبات بالعالم ،وأما جسم
ً
ملموسا ،ووضع املاء والهواء في الوسط. العالم فلما شرع هللا يركبه أخذ ً
نارا ليجعله مرئيا ،وترابا ليجعله
النفس اإلنسانية
رأينا نظرية املثل تتضمن القول بالنفس موجودة قبل اتصالها بالبدن من حيث إن هذه املثل ليست
متحققة في التجربة بما هي مثل وال مكتسبة بالحواس :فال بد من قوة روحية تعقلها أو باألحرى تذكرها بعد
أن عقلتها في عالم يماثلها ،ورأينا تفسير الحركة يرجع إلى مبدأ غير مادي يتحرك بذاته ويحرك املادة ،وهذا
التفسير ينطبق على العالم باإلجمال وعلى كل جسم ،بالخصوص ،وإذن فلإلنسان نفس ،قد يقول قائل:
ما النفس إال توافق العناصر املؤلفة للبدن وليس لها وجود ذاتي وإنما هي كالنغم باإلضافة إلى اآللة واألوتار
" ولكن التوافق والنغم نتيجة والنتيجة ال تباين املقدمات والنفس تدبر البدن وتتحكم في األعضاء وتقاوم
البدن باإلرادة متى كانت حكيمة ولم يكن ذلك ليتأتى لو كانت النفس نتيجة تناسق عناصره وطبائعه
فليست نغما ولكنها املوسيقي الخفي الذي يحدث النغم " وعلى ذلك فالنفس حقيقة ال ريب فيها يدل على
وجودها تذكر املثل وحركة الجسم وتدبيره بمقتض ى الحكمة.
األخالق
القانون الخلقي والطبيعة
ملا كان أفالطون قد ميز بين العقل والحس والنفس والجسم؛ فقد ميز في األخالق بين اللذة واأللم من جهة
والفضيلة والرذيلة من جهة أخرى ،وكما أنه حارب الحسيين في املعرفة ،واآلليين في الطبيعة فقد أعلن
الحرب على السوفسطائيين وتالميذهم القائلين باللذة ،عرض نظريتهم في أقوى صورها وأبعد نتائجها ثم
فندها تفنيدا .قالوا :إن القانون الخلقي الذي يخشاه الناس إنما هو من وضع الناس كالقانون املدني ال من
وضع الطبيعة بل إن الطبيعة تعارضه وتأباه فبحسب الطبيعة األمر األقبح هو األخسر ،واألخسر تحمل
الظلم ،وبحسب القانون ارتكاب الظلم هو األخسر األقبح ،ولقد نشأ هذا التباين من أن القانون سنه
الضعفاء والسواد األعظم باإلضافة إلى مصلحتهم الخاصة ،فقصدوا إلى تخويف األقوياء وصدهم عن
التفوق عليهم ،وذهبوا إلى أن الظلم يقوم بالذات في إرادة التسامي على اآلخرين ،ولكن الطبيعة تقدم الدليل
على أن العدالة الصحيحة تقض ي بأن يتفوق األحسن األقدر فترينا أن هذا هو الواقع في كل موطن في
الحيوان واإلنسان في األسر واملدن وأن عالمة العدالة سيادة القوي على الضعيف وإذعان الضعيف لهذه
ً
سعيدا من السيادة هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى الكل يطلب السعادة فكيف يستطيع أن يعيش
يخض ع ألي ش يء كان قانونا أم إنسانا؟ أال إن العدالة والفضيلة والسعادة على حسب الطبيعة أن يتعهد
اإلنسان في نفسه أقوى الشهوات ثم يستخدم ذكاءه وشجاعته إلرضائها مهما تبلغ من قوة ،مع تظاهره
بالصالح إلسكات العامة واالنتفاع بحسن الصيت ،وال يتسنى هذا لغير الرجل القوي لذلك ترى العامة
تعنف الذين تعجز عن مجاراتهم لتخفي بهذا التعنيف ضعفها وخجلها من هذا الضعف وتعلن أن اإلسراف
عيب محاولة أن تستعبد من ميزته الطبيعة من الرجال وتشيد بالعفة لقصورها عن إرضاء شهواتها اإلرضاء
التام ،وبالعدالة لجبنها وقعودها عن عظائم األمور ،ولو صح ما تقول من أن السعادة في الخلو من الحاجات
والرغائب لوجب أن ندعو األحجار واألموات سعداء.
الفضيلة
الفضائل ثالث تدبر قوى النفس الثالث :الحكمة فضيلة العقل تكمله بالحق والعفة فضيلة القوة
الشهوانية تلطف األهواء فتترك النفس هادئة والعقل حرا ،ويتوسط هذين الطرفين الشجاعة وهي فضيلة
القوة الغضبية تساعد العقل على الشهوانية فتقاوم إغراء اللذة ومخافة األلم والحكمة أولى الفضائل
ومبدؤها؛ فلوال الحكمة لجرت الشهوانية على خليقتها ،وانقادت لها الغضبية ،ولو لم تكن العفة والشجاعة
شرطين للحكمة تمهدان لها السبيل وتتشرفان بخدمتها ملا خرجتا من دائرة املنفعة إلى دائرة الفضيلة؛ إذ
«ما الهرب من لذة لنيل أعظم سوى عفة مصدرها الشره ،وما خوض الخطر الجتناب خطر آخر سوى
شجاعة مصدرها الخوف ليست الفضيلة هذه الحسبة النفعية التي تستبدل لذات بلذات وأحزانا بأحزان
ومخاوف بمخاوف كما تستبدل قطعة من النقد بأخرى؛ فإن النقد الجيد الوحيد الذي يجب أن يستبدل
بسائر األشياء هو الحكمة ،بها نشتري كل ش يء ونحصل على كل الفضائل أما الفضيلة الخالية من الحكمة
والناشئة عن التوفيق بين الشهوات فهي فضيلة عبدة .فالفضيلة إذن من جنس العقل والنفس وال يسوغ
أن نذكرها إال باإلضافة إليهما ،والحياة الفاضلة ال تستمد قيمتها من لذتها أو منفعتها بل من هذه اإلضافة،
ويستحيل على من ينكر النفس والعقل أن يبلغ إلى معنى الفضيلة.
األخالق والجدل الصاعد
كل هذا الحوار وكل هذا الجهد في إقامة األخالق اضطر إليهما أفالطون ملحاربة جهل السوفسطائيين ،ولكنه
سلك طريقا آخر ً
معبدا هينا هو طريق الجدل :فإن لإلرادة جدلها كما أن للعقل جدله طريقان متوازيان
يقطعان نفس املراحل ويتقابالن عند نفس الغاية في الالنهاية ...غاية تتالش ى دونها الغايات وتسقط
االعتراضات وتستقر عندها النفس في غبطة ليس بعدها غبطة ،فلنسر إذن وراء أفالطون نر أن الحياة
الحكيمة هي املطلب الحقيقي للنفس ،وأن الجهل هو علة اإلعراض عنها واالمتناع عليها؛ ذلك أنا إذا تأملنا
أبدا هي الحب والحب اشتهاء صادر عن الحرمان؛ إذ ما من أحد النفس وجدنا فيها قوة عظمى تحركها ً
ً
وجودا فيمأل يشتهي ما هو حاصل له هو قلق دائم وشوق إلى الخير أي إلى ما شأنه أن يعوض من الحرمان
فراغ النفس ،فالحب مبدؤه الخير وغايته الخير هو وجود ناقص ووسط متحرك من الحرمان إلى الوجود
الذي ال يفنى ،هو اشتهاء الحصول على الخير حصوال ً
دائما ،هو جهد الكائن الفاني في سبيل الخلود ،فإن
اشتهاء الخلود متحد باشتهاء الخير وليس يعقل أن يطلب الخير إلى أجل.
السياسة
املدينة الفاضلة
السياسة عند أفالطون العدالة في املدينة ،كما أن الفضيلة العدالة في الفرد؛ لذلك يفتتح القول في
الجمهورية بالرد على السوفسطائيين والبرهنة على أن العدالة قائمة على الطبيعة ال على العرف وغرضه
أن يبني مدينته على أساس من العدالة متين ،ثم ينظر في االجتماع فيقرر أنه ظاهرة طبيعية ناشئة من
ً
تعدد حاجات الفرد وعجزه عن قضائها تألف الناس أوال جماعات صغيرة تعاونت على توفير املأكل واملسكن
واملليس ،ثم تزايد العدد حتى ألفوا مدينة ،فلم تستطع أن تكفي نفسها بنفسها ،فلجأت للتجارة واملالحة
هذه املدينة األولى مدينة الفطرة .مثال البراءة السعيدة ،ليس لها من حاجات إال الضرورية وهي قليلة ترضيها
بال عناء يقنع أهلها بالشعير والقمح والخضر والثمار والخمر الخفيفة فيعيشون عيشة سليمة ويعمرون
ال يعرفون الفاقة وال الحرب .ولكن هذا العصر الذهبي انقض ى يوم قطن الناس إلى جمال الترف والفن
فنبتت فيهم حاجات جديدة واستحدثوا صناعات اإلرضائها ،وضاقت األرض بمن عليها ،فنشبت الحروب
وتألفت الجيوش هذه املدينة الثانية هي املدينة املتحضرة وهي عسكرية فعلى أية صورة نبني مدينتنا لنحقق
فيها العدالة؟ يجب أن نشخص بأبصارنا إلى املدينة بالذات نجد أن بينها وبين النفس شبها ًّ
قويا ،فإن
للمدينة ثالث وظائف :اإلدارة والدفاع واإلنتاج ،تقابل قوى النفس الثالث الناطقة والغضبية والشهوانية،
وهذه الوظائف متباينة ،فال يمكن أن تتركب املدينة من أفراد متساوين متشابهين ،وإنما يجب أن تتركب
من طبقات متفاوتة لكل منها وظيفة وكفاية خاصة لهذه الوظيفة ،وأن يؤلف مجموعها وحدة تشبه وحدة
النفس في قواها الثالث فترتب الطبقات فيما بينها كترتب القوى النفسية والفضائل الخلقية وإال توزعت
الجهود وبذلت اتفاقا وفات الناس الغرض من االجتماع هذه الطبقات الثالث هي الحكام والجند والشعب،
والطبقتان األولى والثانية حراس املدينة ،فكيف نحصل على حراس أشداء فضالء؟
الحكومة املثلى
وعند الثامنة عشرة ينقطع الحراس عن الدرس ويزاولون الرياضات البدنية والتمرينات العسكرية ،فإذا ما
بلغوا العشرين فصل األجدرون منهم طائفة على حدة يعكفون على دراسة الحساب والهندسة والفلك
واملوسيقى وهي العلوم التي تستغني عن التجربة وتستخدم البرهان فتنبه الروح الفلسفي ،وواضح أنهم ال
يستطيعون ،مع ما لهم من املقام الرفيع وما عليهم من التكاليف العديدة ،أن يسعوا لتحصيل معاشهم
فيجب أن نوفره لهم ونحن بهذا التوفير نيهئ لهم الفراغ الالزم الستكمال تهذيبهم .وتبعد عنهم كل ما من
اسا ً
أسيادا وطغاة ،ونحن نريدهم حر ً شأنه أن يغريهم بأن يحولوا وظيفتهم إلى تسلط واستمتاع فينقلبون
ليس غير؛ لذلك يعيشون معا ويأكلون معا .يقدم لهم الشعب مئونتهم فال يحتاجون لذهب وال فضة فيحظر
عليهم اقتناء أي ش يء منهما ،سواء أكان ً
نقودا أو آنية أو حليا ،ويحظر عليهم التصرف بش يء من ذلك بل
رؤيته إن أمكن؛ إذ إن الحكم خدمة ال استغالل والحراس ألجل املدينة وليست املدينة ألجل الحراس ،يحمد
هؤالء للشعب إطعامه إياهم ،ويحمد الشعب لهم حراستهم إياه فينتفي الحسد والنزاع غيرى القارئ أن ما
يضاف عادة ألفالطون من اشتراكية وشيوعية ،إنما هو قاصر على طبقة الحراس ،ولهم عنده وظيفتان:
اإلدارة والدفاع ،أما اإلنتاج وبه تتم املدينة وظائفها الثالث فمتروك للشعب من زراع وصناع وتجار يتملكون
ًّ
شخصيا ،ويستغلونها ويتاجرون بنتاجها كما يرون على شرط أن يؤدوا ملن فوقهم مصادره وآالته تملكا
الضريبة الواجبة ،وأن تحصر امللكية في حدود معقولة بحيث ال يثرى الشعب فيتهاون في العمل أو يتركه،
وال تسوء حاله فيعوزه املال للصناعة والتجارة ،وال يثرى البعض دون البعض فينقسم طائفتين متنابذتين:
األغنياء والفقراء ،وهذا االنقسام آفة الدول غير املنظمة تنظيما عقليا ،وليس تحريم امللك على الحراس
تشريعا اقتصاديا .ولكنه تدبير سياس ي يرمي إلى الفصل بين السلطة التنفيذية واملال :لكيال تفسد به ويقوم
الصراع في نفوس الحراس بين الواجب العام واملنفعة الذاتية
املدينة اإلنسانية
عرض أفالطون املوجات ثالث هي تجنيد املرأة وشيوعية النساء واألوالد وحكومة نفسه في اجتيازها وظن
بعد كفاحه الجدلي أنه قد أفلح في ذلك وبلغ الشاطئ األمين فتكفلت األيام برده إلى الحق وأقنعته أن مدينته
املثلى ممتنعة التحقق؛ المتناع وجود الفيلسوف الكامل ،وهو إنما بناها العتقاده الذي ما يزال راسخا في
نفسه أن الفيلسوف هو الحاكم األكمل وامللك الحق ،يرجع لحكمته في كل ظرف ويحكم بما توحي إليه،
فهو يفضل القانون املوضوع؛ ألن األحوال اإلنسانية دائمة التغير والقانون صلب ال يلين لجميع املناسبات،
فالفيلسوف هو القانون الحي وحكمه هو الحكم العدل أما سائر الحكومات فاألحرى أن تسمى عصابات،
ً
إنسانا مثلهم يستطيع أن ولكن هذا الحاكم األمثل حديث خرافة أو ما يشبه ذلك ،والناس ال يصدقون أن
يضطلع بالسلطة املطلقة دون أن تنتابه نشوة القوة فيفقد كل عقل وكل صفة إنسانية ،فيجب أن نعدل
عن حلمنا الجميل وأن نقنع بحكومة أدنى وأقرب إلى حال اإلنسان هي حكومة قائمة على دستور ،في مثل
هذه الحكومة الديمقراطية أقل صالحية من األرستقراطية ،وهذه أقل صالحية من امللكية ألن الفرد أقدر
على تطبيق الدستور من الكثرة ،والكثرة أقدر من الكافة أما الحكومة التي ال يقيدها دستور فإن حالها
تسوء حتما ،حكم الفرد فيها طغيان ،وحكم الجماعة أوليغركية ،وأقل منهما ً
ضررا الديمقراطية؛ ألن تداول
السلطة فيها يؤدي إلى تعارض النزعات الضارة وتناسخها.
أرسطو غادر أثينا بعد وفاة أفالطون ،وانتقل إلى آسيا الصغرى حيث قض ى بعض الوقت وتزوج هناك.
بعد ذلك ،استدعاه ملك مقدونيا فيليبوس الثاني لتعليم ابنه البالغ من العمر ً 13
عاما ،واسمه
ألكسندر ،الذي أصبح ً
الحقا ألكسندر العظيم .عندما بلغ األمير الشاب سن العشرين ،تباعدت العالقة
بينهما ،وعاد أرسطو إلى أثينا حيث أسس مدرسته هناك.
ولزم أرسطو األكاديمية عشرين سنة أي إلى وفاة صاحبها .وبعد اثنتي عشرة سنة اضطر أرسطو أن يبرح
ممعودا منذ زمن طويل فمات هناك بمرضهً أثينا مرة ثانية ,وقصد إلى مدينة خلقيس في جزيرة أوبا ،وكان
في السنة التالية وهو في الثالثة والستين عن زوجته الثانية – وكانت األولى قد توفيت -وابنة من هذه،
وابن من تلك اسمه نيقوماخوس.
مصنفاته
ً
فيلسوفا ً
كبيرا وكتب العديد من املصنفات على مواضيع مختلفة .بعض من أهم مؤلفاته أرسطو كان
تشمل:
" .1األخالق" (األخالق نيكوماخوس) :في هذا العمل ،استكشف أرسطو مفهوم الفضيلة واألخالق وأثرها على
الحياة اإلنسانية.
" .2الفيزياء" و "الفلسفة األولى" :في هذه األعمال ،ناقش أرسطو مواضيع متعلقة بالفلسفة الطبيعية
والعلوم الطبيعية.
" .3السياسة" :قام أرسطو بدراسة السياسة والحكومة وعرض نظريته حول أنواع الحكومات وكيفية
تنظيم الدولة بشكل فعال.
" .4الريتوريك" (الخطابة) :يعتبر هذا العمل ً
مهما في تطوير املفهوم الفلسفي للخطابة والتأثير بالكلمات.
" .6الشعرية" (بيري بويتيكا) :في هذا الكتاب ،يبحث في الشعر واألدب وكيفية تأثيرهما على املشاعر واألفكار.
" .7أثينايكا" (قصص تاريخية) :هذا العمل يتناول تاريخ مدينة أثينا بشكل تفصيلي.
السياسة
أ .كتاب السياسة من الكتب املطولة وهو يقع في ثماني مقاالت يرجع ترتيبها املألوف إلى القرن األول
قبل امليالد على أقل تقدير ،ولكن هذا الترتيب موضع نقاش بين العلماء،
وجميع هذه املقاالت ما خال الثانية ناقصة أو مشوهة وفيها تكرار كثير وتفصيالت طويلة في كل شكل من
أشكال الحكم ،ونحن نقتصر هنا على بعض النقط الهامة.
ب .كيف تتكون الجماعة السياسية؟ أما من حيث الزمان فإن أول جماعة هي األسرة والغرض منها
القيام بالحاجات اليومية ،وتليها القرية وهي اجتماع عدة أسر لتوفير ش يء أكثر من الحاجات
اليومية ،وال يذكر أرسطو هذا الش يء ،ويمكن القول :إن القرية تسمح أكثر من األسرة بتقسيم
العمل وبإرضاء حاجات أكثر تنوعا وبحماية أتم من غارة اإلنسان والحيوان والدور الثالث
اجتماع عدة قرى في هيئة تامة هي املدينة أرقى الجماعات تكفي نفسها بنفسها وتضمن لألفراد
ليس فقط املعاش بل ً
أيضا املعاش الحسن ،وهذا هو فصلها النوعي ،فمهمة املدينة توفير
األسباب لكي يبلغ أفرادها سعادتهم ،وهذه األسباب مادية وأدبية ،واألولى خاضعة للثانية؛ ألن
سعادة اإلنسان خلقية عقلية ،فاملعاش الحسن يشمل شيئين :العمل الخلقي والعمل العقلي من
الوجهة األولى تعاون املدينة األفراد على اكتساب الفضائل وتقدم لهم فرصا أكثر ملزاولة هذه
الفضائل في العالقات االجتماعية املتعددة ومن الوجهة الثانية تنشط املدينة العمل العقلي بما
تسمح به من تقسيم أكثر واتصال العقول بعضها ببعض ،والحالة التي يزدهر فيها العمالن
الخلقي والعقلي هي حالة السلم والرخاء والفراغ ،وما الحرب إال وسيلة للدفاع عن الحق أو
للحصول عليه ،وال تبرر بحق الفتح إال إذا شهرت على شعوب وضيعة متأخرة تعود عليها
السيطرة األجنبية بالخير فال تطلب املدينة الحرب لذاتها فتكون حربية كاسبرطة ،وال الغنى لذاته
فتكون تجارية تبني السفن وتغزو البالد ،إن قيمة املدينة تقاس بقيمة أفرادها من حيث العلم
والخلق ليس غير.
ويتبين مما سبق أن املدينة وإن كانت آخر الجماعات من حيث الزمان إال أنها األولى من حيث
الطبيعة والحقيقة كما أن الكل أول باإلضافة إلى األجزاء؛ ألنه علتها الغائية وشرط تحققها على
أكمل وجه ،وقد رأينا أن املدينة شرط ترقي الفرد وتحقيق جميع قواه ،فإذا كانت الهيئات األولية
ً
جميعا ،ويلزم من هذا أن اإلنسان حيوان مدني طبيعية كانت املدينة طبيعية كذلك؛ ألنها غايتها
بالطبع ،والذي ال يستطيع أن يعيش في جماعة أو ليست له حاجات اجتماعية؛ ألنه يكفي نفسه
بنفسه فهو إما بهيمة وإما إله ،وإذن فليست املدينة وليدة العرف كما السوفسطائيون ،ولكنها
حدا عرفيا للحرية ،ولكنه وسيلة قائمة على الطبيعة اإلنسانية النازعة إلى كمالها ،وليس القانون ًّ
توفير الحرية فيه نجاة األفراد من الفوض ى والفناء.
ج .وتتألف األسرة من الزوج والزوجة والبنين والعبيد الرجل رأس األسرة؛ ألن الطبيعة َح َب ْت ُه العقل
الكامل فإليه تعود أمور املنزل واملدينة ،أما املرأة فأقل عقال وليس بصحيح أن الطبيعة هيأتها
للمشاركة في الجندية والسياسة وإنما وظيفتها العناية باألوالد وباملنزل تحت إشراف الرجل ويرجع
طبيعيا ويحد العبد ًّ إلى العبيد تحصيل الثروة الضرورية لقوام األسرة ،ويعتبر أرسطو الرق ً
نظاما
بأنه «آلة حية» و«آلة للحياة» ضرورية لضرورة األعمال اآللية املنافية لكرامة املواطن الحر
والعبد آلة «منزلية» أي إنه يعاون على تدبير الحياة داخل املنزل وال يعمل في الحقل أو في املصنع:
من هو العبد؟ الطبيعة .هي التي تعينه :إن تقابل األعلى واألدنى مشاهد في الطبيعة بأكملها ،وهو
مشاهد.
بين النفس والجسم بين العقل والنزوع بين اإلنسان والحيوان بين الذكر واألنثى ،وكلما وجد هذا
التقابل كان من خير املتقابلين أن يسيطر األعلى على األدنى ،والطبيعة تميل إلى إيجاد مثل هذا
التمايز بين البشر بأن تجعل بعضهم قليلي الذكاء أقوياء البنية ،وبعضهم أكفاء للحياة
طبعا ،ومن هم عبيد طبعا «إن شعوب الشمال السياسية ،وعلى ذلك فمن الناس من هم أحرار ً
الجليدي وأوروبا شجعان؛ لهذا ال يكدر أحد عليهم صفو حريتهم ،ولكنهم عاطلون من الذكاء
واملهارة واألنظمة السياسية الصالحة ،لهذا هم عاجزون عن التسلط على جيرانهم ،أما الشرقيون
فيمتازون بالذكاء واملهارة ،ولكنهم خلو من الشجاعة؛ لهذا هم مغلوبون ومستعبدون إلى األبد،
وأما الشعب اليوناني فيجمع بين امليزتين :الشجاعة والذكاء؛ كما أن بلده متوسط املوقع ،لهذا هو
يحتفظ بالحرية ،ولو أتيحت له الوحدة لتسلط على الجميع .إذن فاليوناني سيد حر ،و واألجنبي
– البربري – عبد له ،وال يستعبد اليوناني أخاه بأي حال.
د .واألسرة بحاجة للثروة ،وتحصل الثروة على نحوين :الواحد طبيعي هو جمع النتاج الطبيعي الالزم
للحياة ،وينقسم إلى ثالثة أنواع تربية الحيوان والقنص والزراعة ،والقنص مأخوذ هنا بأوسع
معانيه بحيث يشمل القرصنة -أي صيد الرقيق – وقطع الطريق وصيد السمك والطير وسائر
الحيوان والنحو اآلخر صناعي هو املبادلة وينقسم كذلك إلى ثالثة أنواع :النجارة برية وبحرية
والقرض واألجر ،وتنشأ املبادلة من قلة اإلنتاج في أشياء وزيادته في أشياء فتضطر الحال إلى
ورمزا للمبادلة ،ولكن الناس ال يلبثون أناالستيراد واإلصدار ومن هنا تمس الحاجة للنقد وسيلة ً
يتخذوا النقد غاية فيصير اإلنتاج غاية كذلك ال وسيلة إلرضاء الحاجات الطبيعية ،فتضطرب
الحياة االجتماعية؛ إذ تبطل غايتها أن تكون السعادة بالفضيلة وتنقلب الغاية اللذة ويصبح من
املستحيل وقد تحولت الوسائل غايات تعيين غاية قصوى للوسائل وتعيين حد لتحصيل الثروة
تبعا لهذا النظر يقول أرسطو :إن مبادلة أشياء بأشياء طبيعية ما دامت الغاية إرضاء حاجات
الحياة ،أما مبادلة األشياء باملال أي التجارة فهي غير طبيعية؛ ألنها تجاوز للحد الضروري للحياة
وطلب للثروة إلى غير حد ،وأما الربا فهو أبشع الوسائل غير الطبيعية لتحصيل الثروة؛ ألنه
مبادلة املال وهو اختراع غير طبيعي -ال باألشياء -وهي طبيعية -بل باملال نفسه ،إن «الفائدة»
تنتج من حقل أو من ماشية ،أما املعدن فال يمكن أن ينتج أو أن يلد ،والربا نقد ناتج أو مولود من
نقد هو في الحقيقة عقيم وهذا مخالف للطبيعة " .ولكن أرسطو لم يكن يقصد من غير شك
القرض للصناعة بل القرض املنفق في غير سبيل اإلنتاج ،وهو على كل حال يبين فيما تقدم عن
نفوره من الطمع في اكتساب الثروة وعن إيثاره معيشة قدماء اليونان القائمة على امللكية
العقارية؛ ألنها أقرب إلى الطبيعة وأدعى الحتفاظ املدينة باألخالق الفاضلة وأنفى ألسباب النزاع في
الداخل والحرب في الخارج
املدينة
أ .هذا الفقرة تركز على رؤية أرسطو ملفهوم الحكومة والدستور الذي اقترحه فالسفة آخرون مثل
أفالطون .قام أرسطو بانتقاد وجهة نظر أفالطون حول الدولة التي يجب أن تكون واحدة كبيرة،
ً
مضحيا باألسرة وامللكية الفردية .بالنسبة له ،يتم تحقيق وحدة الدولة من خالل التعليم ،وليس
من خالل الجهود املقترحة بواسطة أفالطون .أكد ً
أيضا أرسطو أن األسرة وامللكية الفردية هما
جزء من الطبيعة وليسا ناتجين عن اتفاق اجتماعي أو اعتياد .باإلضافة إلى ذلك ،أشار إلى أن
املرأة ليست متساوية مع الرجل وحذر من العواقب السيئة للملكية املشتركة في األسرة وامللكية.
من وجهة نظره ،الحال هو دمج امللكية الفردية وامللكية املشتركة لتحقيق مستوى عادل من الرفاه
لجميع مواطني املدينة.
ب .أما الحكومة فتختلف أشكالها باختالف الغاية التي ترمي إليها وعدد الحكام ،فمن الوجهة األولى
الحكومة صالحة متى كانت غايتها خير املجموع ،وفاسدة متى توخى الحكام مصالحهم الخاصة،
فيخرج لنا جنسان تحتهما أنواع تتعين من الوجهة الثانية أي بعدد الحكام :
فامللكية حكومة الفرد الفاضل العادل واألرستقراطية حكومة األقلية الفاضلة العادلة،
والديمقراطية حكومة األغلبية الفقيرة تمتاز بالحرية واملساواة واتباع دستور أما الطغيان فهو
حكومة الفرد الظالم واألوليغركية حكومة األغنياء واألعيان والديماغوغية حكومة العامة تتبع
أهواءها املتقلبة .وتبدو امللكية ألول نظرة أنها الحكم األمثل ،ولكن الفرد املمتاز بالفضل ال
نادرا ،أو ال يوجد أصال ،وامللك يرغب ً
طبعا في أن ينتقل سلطانه إلى أعقابه وليس هناك يوجد إال ً
ما يضمن أن يكون هؤالء جديرين بالحكم والسلطة املطلقة تميل بالطبع إلى اإلسراف وللملك
ً
اعتمادا على قواته ،ثم إن الفرد ال يستطيع أن يرى حرس خاص ،فمن السهل عليه أن يستبد؛
كل ش يء بعينيه فهو مفتقر دائما ملعاونين يشاركونه في مباشرة الحكم ،وإذن َ
فلم ال توضع هذه
املشاركة من األصل بدل أن تترك إلرادة فرد واحد ؟ والواقع أن حكم الجماعة الفاضلة خير من
ً
حكم فرد ال يفوقهم فضال ،ولكن األرستقراطية غير ممكنة التحقق كذلك ،أما الديمقراطية
فليست تصلح إال إذا قصرت سلطة الشعب على انتخاب الحكام فزاول هؤالء الحكام بإشراف
الشعب ،ولكن ً
كثيرا من املخاطر تتهدد هذا النظام ،وهنا يردد أرسطو نقد أفالطون
ج .كيف تكون إذن الحكومة املثلى ؟ الحق أن كل شكل من األشكال املذكورة يقوم على مبدأ صحيح
بعض الصحة ال كلها ،لذلك ال يمكن إيثار أحدها واعتباره كامال ،فيجب أن نطبق هذا املبدأ
الذي اعتمدناه في األخالق وهو أن خير األمور الوسط» وأن نجد طبقة من الشعب هي مزاج من
ضدين ووسط بين طرفين :هذه الطبقة هي الوسطى ،ويسميها أرسطو «بوليتية» أي الدستورية،
ً
وهي مؤلفة من أصحاب الثروة العقارية املتوسطة يعيشون من عملهم وال يملكون فراغا من
الوقت ،فال يعقدون إال الجلسات.
الضرورية ويخضعون للدستور ،فحكومتهم مزاج من األوليغركية والديمقراطية مع ميل إلى هذه،
وكلما كثر عددهم استطاعوا مقاومة األحزاب املتطرفة وصيانة الدستور ،وال خوف أن يتحد
ً
خصومهم عليهم فإنهم ملا كانوا وسطا كانت املسافة بينهم وبين كل ضد على حدة أقرب منها بين
ضد وآخر ،لذلك يثق بهم كل فريق أكثر مما يثق بأضداده هذا مع اعتراف أرسطو أن تقرير
الحكومة الصالحة الشعب .أن يقوم على اعتبار طبيعة هذا الشعب ،فهو ال يبني دولة نظرية
ولكنه يستخدم طائفة كبيرة من املالحظات والتجارب لتعيين الشروط الكفيلة بتحقيق الغاية من
االجتماع ،وهو يأخذ على الذين عالجوا هذه املسألة قبله أنهم توهموا أشكال الحكومة ً
أنواعا
تبعا للظروف وليس هناك ديمقراطية أوليغركية واحدة بعينها، ثابتة ،والواقع أن لكل نوع أصنافا ً
اعا -وهم أميل إلى االعتدال – أو صناعا بل ديمقراطيات وأوليغركيات .ما تكون كثرة الشعب زر ً
وهم أميل إلى التطرف أو تجارا -و بحسب ما تكون األقلية ممتازة بالثروة املكتسبة أو املوروثة أو
بالحسب ،فهؤالء الفالسفة يردون التنوع الحقيقي إلى وحدة مجردة ،لذلك نراهم يبحثون عن
األحسن باإلطالق ال عن أحسن ما يمكن باإلضافة إلى األحوال ،ونجدهم يشرعون باإلطالق ال
باإلضافة إلى شكل الحكومة فإن القوانين تختلف حتما باختالفه
د .والشروط الكفيلة بصالح املدينة ترجع إلى الثالثة اآلتية :األول :خاص بعدد األهالي وقد كان
أرسطو يرى كأفالطون أن املدينة أرقى صور الحياة السياسية وأن كل مجموعة أوسع -
كاإلمبراطورية الفارسية أو املقدونية – فهي مركب غير متجانس ،وأن الغاية من االجتماع الحياة
الفاضلة ال اإلثراء والغلبة بكثرة العدد ،فيجب العدد اال ينقص العدد عن الحد األدنى الضروري
لكفاية املدينة نفسها ،وأال يعدو حدا أقص ى نستطيع أن نقدره بمائة ألف املبالغة ،وإال تعذر
الحكم الصالح واختل النظام؛ فإن املواطنين لكي يحسنوا تدبير الشئون وتوزيع املناصب حسب
الكفاية يجب أن يعرف بعضهم ً
بعضا حق املعرفة ،أما إذا تعاظم عددهم فإن األمور تجري
اتفاقا ،والستبقاء عدد األهالي في املستوى املالئم يقول أرسطو باإلجهاض قبل أن يصير الجنين
حاسا وبإعدام األطفال املشوهين ،مع أن اإليمان بالنفس كان خليقا أن يعدل به عن هذين ً
ً
جميعا ،فالحيلولة دون القولين فإن الجنين إنسان بالقوة ،وللنفس قيمة تفوق القيم الدنيوية
تكامل الجنين منع لخير هو أعظم مما قد ينتج من ضرر مزعوم؛ ثم إن للطفل املشوه ً
نفسا
فحياته جديرة باالحترام.
الشرط الثاني :خاص بمساحة املدينة فإنها يجب أن تكون بحيث تقوم بحاجات األهلين وتوفر
لهم حياة سهلة دون أن يتجاوز ذلك إلى الترف ،ويجب أن تكون منيعة ضد األعادي سهلة الصلة
بالبحر لتسهيل التموين ويجب أن تقسم بين املواطنين بحيث يكون لكل منهم حصتان واحدة
قريبة من املدينة وأخرى قريبة من الحدود مع مراعاة العدالة في القسمة فتكون لجميع املواطنين
مصلحة الدفاع عن املدينة كلها ،أن أرسطو يعارض االشتراكية فإنه ينصح بجعل جزء من األرض
ً
ملكا للدولة تنفق منه على الهياكل واملآدب املشتركة فتقرب بهما بين املواطنين وتستبقي وحدة
الدولة.
الشرط الثالث خاص بوظائف الدولة أو طوائف املدينة وهي ثمان :الزراع والصناع والتجار
والجند للحرب الدفاعية -والطبقة الغنية والكهنة والحكام واملوظفون لكل منهم استعداد خاص
ً
جميعا «مواطنين» فإن املواطن لعمله وكفاية خاصة بحيث ال يقوم بعضهم مقام بعض وليسوا
هو الرجل املمتاز من بين الرجال األحرار املشارك في سياسة الدولة مشاركة فعلية ،هو جندي في
ً
شبابه حاكم في كهولته كاهن في شيخوخته ،فهو متفرغ طول حياته لخدمة الدولة ،ال يزاول عمال
يدويا أصال ،فإن العمل اليدوي فضال عن انه ،يصرفه عن سياسة الدولة ال يليق بالرجل الحر؛ ً
خاضعا له وملا يعود عليه من أجر أو منفعة فيحط من ً إذ إنه يشوه هيئة الجسم ويجعل صاحبه
قدر النفس ويسلبها الكفاية إلتيان أفعال فاضلة جميلة مستنيرة؛ حتى الفنون الجميلة من حيث
ً
اقتضائها أفعاال جسمية :أليس العزف بالناي يفسد تناسب الوجه؟ وحتى العمل العقلي إذا كان
صادرا عن طلب املال -كما هو حال السوفسطائيين -فإنه يحرم صاحبه الفراغ وحرية التفكير، ً
وجملة القول :املواطنون طبقة مختارة تحاول أن تحقق املثل األعلى لإلنسان كما رسمته
«األخالق» ،وهم عماد الدولة ،وعلى الدولة أن تعنى بهم خاصة فال تترك أمرهم للوالدين بل
تتعهدهم بتربية واحدة تعدهم لوظائفهم املستقبلة ،فكأن أرسطو يعود إلى فكرة الحراس» عند
أفالطون بعد تنقيحها وجعلها أقرب إلى التنفيذ ،والفيلسوفان متشبعان بفكرة الترتيب والنظام
ومقتنعان بأن العقل مصدر النظام ،والرأس في كل ش يء.
النفس
النفس للجسم الحي بمثابة الصورة والطبيعة لغير الحي أي إنها مبدأ األفعال الحيوية على اختالفها ،فعلم
النفس جزء من العلم الطبيعي؛ ألن موضوعه مركب من مادة وصورة ،وهو أشرف جزء؛ ألنه يفحص عن
أكمل وأشرف صورة من بين الصور الطبيعية ،وهو عظيم الفائدة في الفحص عن الحقيقة بأكملها؛ ألن
العلوم العقلية والخلقية إنما تنشأ من رجوع النفس على ذاتها وتعرف أحوالها .واملنهاج القويم في هذا العلم
مزاج من االستقراء والقياس ،فنحن ال ندرك النفس في ذاتها فيجب أن نبدأ بالظواهر النفسية أي األفعال
الصادرة عن الحي من حيث هو كذلك ،وهذه الظواهر؛ إذ ترتب تر ً
تيبا ًّ
علميا تعرفنا بمصادرها املباشرة وهي
أحيانا قبل النظر في بعض األفعال دراسة موضوعاتها،ً القوى النفسية ،وهذه تعرفنا بالنفس ،بل يجب
فمثال في دراسة القوة الحاسة املحسوس هو األول الذي يعرفنا باإلحساس وفي دراسة القوة العاقلة املعقول
هو الذي يعرفنا بالتعقل.
بأن ّ
النفس هي املبدأ النفس؛ حيث رأى ّ خاص ًا يبحث في طبيعة وخواص ّ
علما ًّ
النفسجعل أرسطو موضوع ّ
ً كافة الكائنات ّّ العام للحياة ،ولهذا كان ال ّبد من أن يشمل موضوع علم ّ
الحية على اختالفها ،بدءا النفس
ً ً ً
ووصوال لإلنسان ،ولهذا من الطبيعي أن نجد في كتابه ّ ً
(النفس) وصفا دقيقا بالنباتات ،ومرورا بالحيوانات،
ًّ
عاما يحمل معايير عصره لألنشطة ّالتي تقوم بها جميع الكائنات ّ
الحية ،ولهذا كان علم النفس عند أرسطو
ً
وشامال لجميع مظاهر الحياة ،بما في ذلك طبيعة الحياة ّ
بحد ذاتها ،وهذه هي نقطة االختالف بين علم
ُ النفس اآلرسطي وعلم ّ
النفس املعاصر والحديث.
وأرسطو يقرر أن االنفعاالت — مثل الغضب والخوف والرجاء والفرح والبغض واملحبة — ال يمكن أن
تصدر عن النفس وحدها ،ولكنها تصدر عن املركب من النفس والجسم كما سنبين اآلن ،وأن االحساس
فعل النفس بمشاركة العضو الحاس املعد إلدراك املحسوس كالعين واألذن ،وأن التعقل ولو أنه خاص
بالنفس إال أنه مفتقر للتخيل وال يتحقق التخيل من غير الجسم ،وإذن فجميع األفعال النفسية في
األجسام الحية متعلقة بالجسم وداخلة في العلم الطبيعي.
تعريف النفس
فمن جهة كونها شبه جنس :كمال أول لجسم طبيعي آلي
ً
وباعتبار أنحاء الحياة :ما به نحيا ونحس وننتقل في املكان ونعقل أوال
فإن النفس مبدأ الحياة على جميع أنحائها متى وجدت هذه األنحاء كلها أو بعضها.
أشكال النفس
اتفق أرسطو مع أستاذه أفالطون بوجود ثالثة أشكال ّ
للنفس ،وهي:
بأن ّ
يقية في أحيان أخرى ،واعتبر ّ ً
أحيانا ،وميتافيز ّ ّ ونظر إلى ّ
النفس فيزيائية النفس في ضوء مقوالت
النفس يتحقق وصف الكائن ووجود أهداف له وغايات، هي املبدأ الفعلي لوجود الجسد ،فب ّ
فالنفس هي الكمال ّ
األول للجسد.
الجوهر
موضوع الفلسفة األولى الوجود الثابت ،غير أن الوجود قد يعني ً
أيضا الوجود العرض ي واالتفاقي
والوجود من حيث هو حق أي املعبر عنه بالرابطة في القضية.
القوة والفعل
ينقسم املوجود إلى ما هو بالقوة وما هو بالفعل ،والقوة فعلية وانفعالية :القوة
الفعلية هي قدرة ش يء على إحداث تغير في ش يء آخر أو في نفسه من حيث هو آخر أي من حيث
هو حاصل على مبدإ فاعل ومبدإ منفعل ،كالرجل الذي يبرئ نفسه ال من حيث هو مريض بل
من حيث هو طبيب ،والقوة االنفعالية هي قدرة املنفعل على االنتقال من حال إلى حال بتأثير
موجود آخر أو بتأثيره هو من حيث هو آخر.
اإللهيات
موضوع هذا العلم الجوهر فيتعين علينا أن نبين أنه يوجد بالضرورة جوهر دائم غير متحرك.
فنقول :الجواهر أوائل املوجودات ،فلو كانت كلها فاسدة لكانت املوجودات كلها فاسدة .ولكن
الحركة الدائرية والزمان أزليان أبديان والحركة عرض لجوهر والزمان مقياس الحركة؛ إذن توجد
جواهر دائمة غير متحركة.
األخالق
يبحث علم األخالق عن الخيراألقص ى الخاص باإلنسان ،لذا كان جزء من العلم املدني أوالسياسة
التي تبحث عن خيراملجموع وهو أسمى و أشرف من خير الفرد.
ونكتفي في هذا الباب ببسط بعض وجوه هذا التحليل لثالث من أمهات الفضائل ،وهي العدالة
والحكمة والصداقة.
العدالة
العدالة (معنى العام) :يعرف أرسطو العدالة بقوله :هي ملكة خاصة تحمل صاحبها على توخي
صنع ما هو حق والتصرف على الوجه الصحيح وطلب ما هو حق دوما.
معنى الخاص:
العدالة التوزيعية
العدالة التصحيحية
العدالة السياسية
الحكمة
أما الحكمة فهي أم الفضائل العقلية ،التي يمكن وصفها بجودة القوة العقلية أوامتيازها ،وعدتها
خمس كما مر :العلم والروية والفن والبديهية والحكمة.
الصداقة
وتمتاز الصداقة أو املحبة عن سائر الفضائل ،من حيث هي شرط الزم للحياة املدنية ،فمن دون
األصدقاء تستحيل الحياة ،ولو توافرت للمرء جميع الخيرات.
يقسم أرسطو الصداقة إلى ثالث فئات :
أ .الصداقة القائمة على املنفعة
ب .الصداقة القائمة على اللذة
ج .الصداقة القائمة على الفضيلة
وأهم عناصر الصداقة عند أرسطو هي النية الحسنة التي يكنها املرء نحوصديقه .ومع أنه يميز بينها
وبين الصداقة ،فهو يعتبرها مفتاح الصداقة كما أن النظر مفتاح املحبة.