You are on page 1of 19

‫مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية‬

889 -877 ‫ ص‬،)2023( 10 :‫ الع ــدد‬/ 11 ‫المجلد‬ Eissn :2602-5264 Issn : 2353-0499

ّ ‫طبيعة مفهوما المكان‬


‫والزمان عند أرسطو‬
The nature of the concepts of the space and time according to Aristotle
‫ فلسفة‬،‫ مخبر مشكالت الحضارة والتاريخ‬،‫ أبو القاسم سعد الله‬2 ‫الطالب زراري أحمد جامعة الجزائر‬
ahmed.zerari@univ-alger2.dz / ahmedzerari2@gmail.com
،‫ فلسفة‬،‫مخبر مشكالت الحضارة والتاريخ‬، ‫ أبو القاسم سعد الله‬2 ‫ جامعة الجزائر‬، ‫الدكتورة نصيرة جعيداني‬
d.nacera@hotmail.com
2023/03/05 :‫تاريخ النشر‬ 2023/02/06 :‫تاريخ القبول‬ 2022/10/31 :‫تاريخ االستالم‬

:‫ملخص‬
ّ ّ
‫وتصور أرسطو للمكان والزمان اللذان يعتبران من‬ ‫غرضنا من هذا البحث هو توضح مفهوم‬
‫يات التي برزت من الناحية العلمية‬::: ‫ ومن أهم اإلشكال‬،‫أهم مفاهيم الفيزياء الكالسيكية والمعاصرة‬
.‫ كذلك إلى إظهار دور أرسطو في تفسيرهما وتحديد طبيعتهما‬.‫أو الفلسفية‬
ّ ‫إضافة إلى ذلك نهدف إلى توضيح نوع التفسير الذي‬
،‫ مع ذكر العوامل والسباب والخلفيات‬،‫قدمه‬
‫ مع اظهار مدى توفيقه في ذلك‬،‫الواقفة وراء هذا التفسير‬
ّ ،‫ المكان‬:‫كلمات مفتاحية‬
..... ‫ علم الحركة‬،‫ أرسطو‬،‫ الحركة‬،‫الزمان‬
Abstract:
Our purpose in this research is to clarify Aristotle’s concept and conception
of space and time, which are considered among the most important concepts of
classical and contemporary physics, and among of the most important problems that
have emerged from scientific or philosophical. As well as to show the role of
Aristotle in their interpretation and identification of their nature.
In addition, we aim to clarify the type of interpretation presented by him. With
mention of the factors, reasons and backgrounds behind this interpretation, while
showing the extent of his success in that.
Keywords: the place, the time, the movement, Aristotle, Natural science….

‫ أحمد زراري‬:‫المؤلف المرسل‬

1
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫‪ .1‬مقدمة‪:‬‬
‫امتاز الفكر الفلسفي اليوناني منذ بدايته في القرن السادس قبل الميالد على ّيد "طاليس"‬
‫ّ‬
‫بأنه بحث في الوجود‪ ،‬أو ما ُي َ‬ ‫ا‬
‫عرف بالنطولوجيا‪ ،‬ذلك الهتمامهم الكبير بالعالم‬ ‫وصوال إلى "أرسطو"‪،‬‬
‫الخارجي‪ ،‬ومحاوالتهم لتفسيره عن طريق عنصر طبيعي أو مبدأ ّأول ّ‬
‫تتكون منه ّ‬
‫كل الموجودات‪ .‬وفي‬
‫ّ‬
‫والتعدد‪ ،‬الحركة والسكون‪،‬‬ ‫عدة مشكالت‪ :‬عن الوجود والالوجود‪ ،‬الوحدة‬‫ظل بحثهم هذا أثاروا ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشهير‪ّ :‬‬ ‫والتي كانت ّ‬
‫"السماع الطبيعي أو‬ ‫محل تحليل دقيق ونقد من طرف أرسطو في كتابه‬
‫ّ‬ ‫الفيزياء"‪ ،‬والذي ّ‬
‫خصصه لدراسة علم الطبيعة أو علم الحركة‪ ،‬ومن بين المشكالت التي تصادفنا‬
‫كل من المكان ّ‬ ‫ّ‬
‫المتعلقة بمفهوم ّ‬
‫والزمان‪ ،‬فال يمكن أن تكون هناك حركة‬ ‫ٍّ‬ ‫عند دراسة الحركة‪ ،‬تلك‬
‫ّإال في عالقتها بالمكان والزمان‪ّ .‬‬
‫فأي ّ‬
‫تغير أو حركة ش يء من هنا إلى هناك‪ ،‬فهو في مكان ما وحدث في‬
‫من ما‪ ،‬كما ّأن ّ‬
‫حتى وجود ّ‬
‫أي ش يء‪ ،‬فهو موجود في مكان ما‪ .‬وعلى هذا الساس نتساءل‪ :‬ما هو مفهوم‬ ‫ز‬
‫فسر أرسطو‬ ‫كل من المكان والزمان؟ وإذا كانا موجودين‪ ،‬فماهي خواصهما؟ أو بعبارة أخرى‪ :‬كيف ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫مفهوما المكان والزمان؟ وإلى مدى وفق في تفسيره؟‬
‫ا‬
‫تحليليا لما جاء في مضمون كتابه‪" :‬الفيزياء"‪ ،‬ومناقشة‬ ‫ولمقاربة هذه اإلشكالية ارتأينا أن ّنتبع ا‬
‫منهجا‬
‫ّ‬
‫هذين المفهومين وما يترتب عن ذلك‪ ،‬بغية إظهاره والحكم على مدى توفيقه في تفسيره‪ .‬وعلى هذا‬
‫ّ‬
‫الساس قسمنا هذا المقال إلى ثالثة عناصر أساسية هي‪ :‬تحديد مفهوم الحركة وأنواعها‪ ،‬لنه ال‬
‫ثم انتقلنا إلى تحليل المفهومين ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬
‫التصورين دون معرفة معني الحركة‪ّ ،‬‬ ‫يمكننا دراسة المفهومين أو‬
‫على حدا‪ .‬كما ختمنا هذا المقال بمجموعة من النتائج التي ّ‬
‫توصلنا إليها‪.‬‬
‫‪ .2‬الحركة والمكان عند ا "أرسطو"‬
‫بدأ الفكر الفلسفي القديم في القرن السادس قبل الميالد‪ ،‬وقد ُع ٍّرف أغلب فالسفة هذا‬
‫ّ‬ ‫العهد ّ‬
‫الول بالطبيعيين‪ ،‬اهتمامهم بالعالم الخارجي ومحاولة تفسيره عن طريق عنصر طبيعي أو‬
‫ُ َ ُ‬
‫الحظ ّأن الفالسفة اعتنوا في ّأول المر بالظواهر الطبيعية‬ ‫مبدأ ّأول تتكون منه ّ‬
‫كل الموجودات‪ ،‬ي‬
‫قبل أن يحاولوا تفسير أدوات إدراكنا لهذه الظواهر‪ ،‬فتساءلوا عن حقيقة المبدأ ّ‬
‫الول لألشياء‪ ،‬أو‬
‫ََ‬
‫بعبارة أخرى عن أصل الوجود‪ ،‬وما ُيصطلح بمبحث الوجود أو االنطولوجيا ‪ontologie.‬‬

‫‪2‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫َ‬
‫تمثل هذا االتجاه في المدرسة المل ِطية (الطبيعيين الوائل) عند طاليس ‪ 526( talés‬ق م‪ 645-‬ق‬
‫م) و أنكسيمندريس ‪ 516( Anaximandre‬ق م‪ 645-‬ق م) و أنكسيمانس ‪ 655(Anaximenes‬ق م‪-‬‬
‫‪ 634‬ق م)‪ّ ،‬‬
‫تجددت هذه املحاوالت بأسلوب رياض ي عند الفيثاغوريين أو فيثاغورس ‪Pythagore‬‬
‫(‪ 652‬ق م‪ 495-‬ق م) حين ّ‬
‫توصل إلى أن أصل الكون هو العدد‪ ،‬لكن البحث عن المبدأ الول أثار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عدة مشكالت دقيقة عن الوجود والالوجود‪ ،‬الثبات والتغير‪ ،‬الحركة والسكون‪ ،‬وهذا ما عمل‬
‫هيراقليطس‪ 646( Héraclide‬ق م‪ 456-‬ق م) والمدرسة اإليلية على مناقشتها‪ .‬بقوله مبدأ النار التي‬
‫ّ‬
‫الطبيعيون‬ ‫ّ‬
‫بالتغير ووحدة الوجود‪ ،‬أما‬ ‫لها مبادلة مع جميع الشياء الخرى من هواء ماء‪...‬إلخ وقوله‬
‫المتأخرون (المدرسة الذرّية)‪ .‬فقد جاءوا ملحاولة تفسير اتصال الجواهر وانفصالها وتكاثفها‬
‫وتخلخلها إلى غير ذلك من املحاوالت التي تمثلت في مواقف أنباذولقيس ‪ 496(Empédoclis‬ق م‪436-‬‬
‫ق م) و ديموقريطس ‪ 456(Démocrites‬ق م‪ 351-‬ق م) وأنكساغوراس ‪ 666(Anaxagoras‬ق م‪-‬‬
‫‪ 455‬ق م)‪( .‬الفتاح‪ ،‬د ن سنة‪ ،‬صفحة ‪)7‬‬

‫إال أن هذه المدارس الثالثة و معهم أفالطون ‪ 425( Platon‬ق م‪ 345-‬ق م) لم يسلموا من نقد‬
‫ّ‬ ‫تلميذه أ سطو في هذا الصدد‪ ،‬والذي يعتبره ّ‬
‫الدارسون زبدة الفكر اليوناني لما ألفه في كتابه‪:‬‬ ‫ر‬
‫"السماع الطبيعي" أو الفيزياء ‪ ، La physique‬وهذا كتاب مكون من ثمانية مقاالت ّ‬
‫مقننة أظهر فيها‬
‫وبين البديل الذي جاء به‪ ،‬حيث خصص المقالة الولى لتحديد الطبيعيات‬ ‫نقص حجج سابقيه ّ‬
‫موضوعا ومنهجا ونقد فيها آ اء القدماء‪ ،‬كما ّ‬
‫حدد عدد المبادئ في ثالثة‪ ،‬أما المقالة الثانية فقد‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫حدد فيها نظريته في الطبيعة و ما ينبغي معرفته في علم الطبيعة من علل وصدفة وضرورة‪...‬إلخ‪ .‬في‬
‫خصصها لدراسة الحركة وما يترتب عنها من مشكالت‪ .‬حيث‬ ‫حين أن المقاالت الستة المتبقية فقد ّ‬
‫نجده يقول في المقالة الولى وفي الفصل الثاني‪ :‬بخصوص آراء القدمين في عدد المبادئ‪" :‬وإذن يجب‬
‫ضرورة أن يكون مبدأ الطبيعة واحدا وإما أكثر من واحد‪ ،‬فإن افترضنا أن هذا المبدأ واحدا ّ‬
‫فإما أن‬
‫يكون غير متحرك كما قال بارمنيدس وماليسيوس ّ‬
‫وإما أن يكون متحركا كما قال الطبيعيون‪ ،‬إذ منهم‬
‫ّ‬
‫من أثبت أن المبدأ الول هو الهواء‪ ،‬ومنهم من قال إنه الماء‪ ،‬وإن سلمنا من ناحية أخرى ّأن المبادئ‬
‫ّ‬ ‫أكثر من واحد فيجب أن تكون ّإما متناهية‪ّ ،‬‬
‫وإما أن تكون غير متناهية‪ ،‬فإن كانت أكثر من واحد‪ ،‬إال‬

‫‪3‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫أي عدد معين كان ‪ّ ،‬أما إن كانت غير‬ ‫أنها متناهية‪ّ ،‬‬
‫فإما أن تكون مبدأين أو ثالثة مبادئ أو أربعة أو ّ‬
‫ّ‬ ‫متناهية ّ‬
‫فإما أن تكون كما قال ديموقريطس واحدة في الجنس إال أنها مختلفة في الشكل وفي‬
‫الخصائص ّ‬
‫النوعية أو تكون مع ذلك متضادة" (أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪.)81‬‬
‫ّ‬
‫هكذا لخص أرسطو آراء سابقيه الذين نظروا إلى أصل الكون أنه سواء مبدأ واحد أو متعدد متحرك‬
‫(الوحدة‪ ،‬التعدد‪ ،‬الحركة والسكون)‪.‬والتي وضعها محل نقاش دقيق في باقي فصول مقاالته فيلخص‬
‫ّ‬
‫موقفه منهم بقوله‪...":‬على أنه وقع الفالسفة أثناء تأملهم أن صاغوا مشاكل تتعلق بالطبيعة وإن كان‬
‫بحثهم فيها لم يرق إلى الدراسة الطبيعية‪ ،‬لذلك يحسن أن نناقش قليال هذه المشاكل‪ ،‬إذ ال يخلو‬
‫فحصها من فائدة فلسفية (أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)81‬‬

‫ّأما موقفه اتجاه هذا الوضع والسؤال عن المبدأ الطبيعي إن كان واحدا أو ّ‬
‫متعددا‪ .‬فيقول‪ّ « :‬أما‬
‫نحن فنصنع قضية مسلمة هي ّأن الشياء والموجودات الطبيعية في كليتها أو جزء منها واقعة تحت‬
‫والتغير‪ ،‬وهذا واضح بين المالحظة واالستقراء‪ ،‬وينبغي أن نظيف أنه ليس علينا أن ّ‬
‫نرد على‬ ‫ّ‬ ‫الحركة‬
‫كل اعتراض أو أن ننقض كل دليل‪ ،‬بل إنما ّ‬
‫يتعين أن نهدم البراهين الفاسدة المستنبطة‪ ،‬من‬ ‫ّ‬
‫المقدمات والمبادئ المسلمة في كل علم على حدا‪ ،‬فال ّ‬
‫نتعرض لتلك البراهين التي لم تنبن على مبادئ‬
‫مسلمة‪( "...‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪.)81‬‬
‫ّ‬
‫يظهر لنا من خالل هذا القول أنه تناول بالتحليل المنطقي آراء سابقيه ليتبين حججهم ونقصها‪،‬‬
‫كما أنه انطلق من مسلمة أولى هي أن كل الشياء في حركة ّ‬
‫وتغير مستندا في ذلك على االستقراء‬
‫ّ‬
‫يخص تسليمه بأن كل الشياء في الطبيعة في حركة إنما يظهر لنا مدى‬ ‫والمالحظة ّ‬
‫الحسية‪ ،‬وفيما‬
‫اهتمامه بالحركة في هذا الكتاب‪ .‬والذي يظهر في تخصيصه لباقي المقاالت لدراسة الحركة دراسة‬
‫تفصيلية‪ ،‬كما أنه من المعروف عنه أنه ينظر إلى الفيزياء أنها علم الحركة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫تعريف الحركة وأنواعها‪:‬‬ ‫‪2.1‬‬

‫خصصها لتعريف‬ ‫ّ‬ ‫يفتح أرسطو الفصل ّ‬


‫الول من المقالة الثالثة في كتابه‪" :‬الفيزياء"‪ ،‬والذي‬
‫ّ‬
‫والتغير‪ ،‬وكانت هي ما ندرس‪ ،‬فقد يجب أن نفهم ّأوال‬ ‫الحركة بقوله‪ّ ":‬لما كانت الطبيعة مبدأ الحركة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما هي الحركة‪ ،‬لننا إن لم نفهمها لم نفهم ما هي الطبيعة‪ .‬وعندما نعرف ونجد معنى الحركة أو‬
‫النهج أن نناقش ما ّ‬‫فإننا سنحاول على نفس ّ‬ ‫ّ‬
‫تؤدي إليه من‬ ‫االستحالة من هذا الش يء إلى ذلك‪،‬‬
‫فإن الحركة هي من المور التي نعقل منها بوضوح «معنى المتصل»‬ ‫مفاهيم مرتبطة بها‪ ،‬وعلى ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫الذي نجد فيه ّأول «معنى ما ال نهاية له»‪ .‬و من أجل ذلك في تعريف ّ‬ ‫ّ‬
‫المتصل‬ ‫وأنها مرتبطة باالتصال‬
‫ستعمل مفهوم ما ال نهاية له‪ ،‬في أكثر المور‪ ...‬و فضال عن ذلك‪ ،‬ليس يمكن أن تكون هناك حركة‪،‬‬ ‫ُي َ‬
‫كما يقال إال في عالقتها بالمكان والخالء‪ ،‬والزمان‪ ،‬وإذن من الواضح نظ ارا لهذه السباب‪ّ ,‬‬
‫ولن هذه‬
‫ّ‬ ‫والزمان‪ -‬هي شروط مشتركة ّ‬‫المور الربعة ‪ -‬الحركة‪ ،‬المكان‪ ،‬الخالء ّ‬
‫عامة لسائر الظواهر الطبيعية‪،‬‬
‫كل واحدة منها في مدخل بحثنا‪ ،‬وذلك ّأن معالجة خواص المور متأخرة عن‬
‫فقد ينبغي أن نعتبر ّ‬
‫ّ‬
‫المور المشتركة العامة لجميع الشياء الطبيعية‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪ .)72‬بمعنى ّأن علم‬
‫الطبيعة عند أرسطو هو علم الحركة‪ ،‬ولدراسة الحركة وفهمها علينا مناقشة بعض المور المرتبطة‬
‫بها مثل مشكلة الما النهاية له‪ ،‬والمكان‪ ،‬الخالء والزمان‪ .‬التي يراها من شروط دراسة سائر الظواهر‪،‬‬
‫بأعم المور إلى ّ‬
‫أخصها‪ .‬وبهذا القول‬ ‫كما يشرح لنا الطريقة التي اعتمدها في دراسة الحركة‪ .‬وهي البدء ّ‬
‫ّيتضح لنا ما قام به أرسطو في الفصول المتبقية من كتابه‪ ،‬أين عالج فيها مفهوم ومعنى الحركة وما‬
‫تفتضيه‪ .‬كما أن ما يمكن استنتاجه هو أنه ال يمكننا دراسة المكان والزمان عند "أرسطو" دون فهم‬
‫معنى الحركة وأنواعها‪.‬‬
‫التغير بكونها استكمال (أنتليشيا) حال ّ‬
‫تحقق إال مكان من‬ ‫نعرف الحركة أو ّ‬ ‫معنى الحركة عنده هو‪ّ ":‬‬
‫حيث هو إمكان‪ ،‬مثال ذلك ّأن االستحالة هي كيفية ش يء ما فيها يقبل االستحالة من حيث هي كذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وهي تحرك وحال استكمال النمو ونقيضه النقصان (إذن ليس لنا اسم ّ‬
‫يعمهما)‪ ،‬إنما هما القدرة‬
‫التزيد والنقص‪ ،‬وكذلك حال استكمال ّ‬
‫التكون أو دخوله في الفساد واالضمحالل هو ما يمكن‬ ‫على ُّ‬
‫ّ‬
‫التحرك في المكان من جسم فيزيائي‪ .‬هو نقلة وهذا في‬ ‫أن يقبل الكون‪ ،‬والفساد‪ ،‬وفيما يقبل الكون‬
‫‪5‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫بالتحرك أو ّ‬
‫التغير‪( "...‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪ .)71‬بمعنى أن الطبيعة هي جملة‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقة ما نعنيه‬
‫تغير فهو من طرف إلى طرف ّ‬
‫ضده‪،‬‬ ‫(المتغيرة)‪ .‬فكل ّ‬
‫ّ‬ ‫الموجودات المادية المتحركة أو المتبدلة‬
‫والتغير العكس ي أي‪ :‬من الوجود إلى الالوجود ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الالوجود إلى الوجود ّ‬ ‫ّ‬
‫يسمى‬ ‫يسمى كونا‪،‬‬ ‫والتغير من‬
‫ا‬
‫فسادا‪ ،‬فالحركة عند "أرسطو" هو‪" :‬الخروج ما كان بالقوة إلى الفعل"‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)77‬‬
‫نسمي هذا‬‫فمواد البناء ّإما تكون في حال تحقق ما يوجد إمكانا متهيئا لقبول الصورة التي بفضلها ّ‬
‫صة‬ ‫االستكمال بالمبتني من حيث كان فعال صائ ارا إلى هذا الشكل المنتهي في البناء‪ ،‬فالحجار المترا ّ‬
‫قوة فقط أو‬ ‫يتم البناء (يتحقق) يصبح بالفعل‪ ،‬بمعنى آخر الحركة ليست ّ‬ ‫هي البيت ّ‬
‫بالقوة وحين ُّ‬
‫فعل فقط‪ ،‬إنما هي مزيج من االثنين إنها فعل غير كامل أو يقترن بالقوة‪ ،‬لن الفعل يعني انتهاء‬
‫الحركة‪ ،‬وليس ّ‬
‫قوة لوحدها لن القوة قائمة وحدها قيل بدء الحركة‪.‬‬

‫الحركة عنده تحكم العالمين‪ ،‬عالم ما تحت القمر وما فوقه‪ .‬إال أنها في العالم الول حادثة وطارئة‪،‬‬
‫أما في العالم الثاني فإن الحركة فيه دائمة وأبدية ال تتوقف‪ ،‬ولهذا كانت مرتبطة باملحرك الول‪ ،‬كما‬
‫سنرى‪ .‬والحركة عند أرسطو تحدث في ثالثة مقوالت‪ :‬هي الكيفية‪ ،‬الكمية والمكان‪ .‬فالحركة التي في‬
‫الكيفية هي االستحالة‪ ،‬والتي في الكمية هي النقصان‪ ،‬وأما التي في المكان هي النقلة‪( .‬كرم‪،8911 ،‬‬
‫صفحة ‪ )878‬وعلى هذا الساس ّ‬
‫يقسم أرسطو الكالم في الموجود الطبيعي بالتفصيل على الشكل‬
‫التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬الموجود الطبيعي المتحرك بالنقلة (العالم)‪ :‬له حركة مكانية‪.‬‬


‫ب‪ -‬الموجود الطبيعي المتحرك باالستحالة (الكون والفساد)‪ :‬له حركة كيفية‪.‬‬

‫ج‪ -‬الموجود الطبيعي المتحرك بالنمو والنقصان (الجسم الحي)‪ :‬له حركة كمية‪.‬‬
‫بمعنى أن الحركة تنقسم إلى ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ -‬حركة مكانية‪ّ :‬‬
‫وسماها نقلة وهي الحركة الموضعية الظاهرة وللكائن الحي نقلة تختلف عن‬
‫الكواكب التي تتحرك حركة دائرية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫‪ -‬الحركة الكمية‪ :‬وهي نمو أو نقصان‪ ،‬وذلك مثل عندما يكبر الطفل ليصبح شابا أو حينما‬
‫يضعف المريض لقلة الغذاء‪.‬‬
‫الحركة الكيفية‪ :‬استحالة مثل ‪ :‬تغير لون الجلد في حالة المرض (الفتاح‪ ،‬د ن سنة‪ ،‬صفحة ‪)21‬‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫تقتض ي الحركة وجود مسبب لها أو كما يسميه أرسطو العلة الولى وهو املحرك الذي ال يتحرك‪،‬‬
‫َ‬
‫فنجده يرى أن المتحرك إنما يتحرك عن ش يء فواجب ضرورة أن يكون كل متحرك أيضا في مكان‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإما يتحرك عن غيره‪ .‬والمتحرك أيضا يتحرك عن ش يء آخر‪ .‬لنه هو أيضا متحرك واآلخر بدوره‬
‫متحرك عن اآلخر‪ .‬إال أن ذلك ال يستمر إلى ماال نهاية‪ ،‬بل ال بد أن من يقف عند ش يء ما هو أوال‬
‫سبب الحركة‪ .‬أي الحركة دائما تابعة ملحرك وهذا ّ‬
‫يحرك بدوره بش يء آخر‪ ،‬لكن ليس بتتابع غير نهائي‬
‫بل يجب أن تقف عند املحرك الول‪.‬‬

‫‪ 2.2‬المكان عند أرسطو‪:‬‬


‫ويعرف «أرسطو" مفهوم ومعنى المكان تساءل أوال عن وجوده‪ ،‬وطبيعة وجوده‪.‬‬ ‫يحدد ّ‬‫قبل أن ّ‬
‫ّ‬ ‫وما ّ‬
‫الداعي إلى دراسته وما الصعوبات التي يثيرها المكان؟ حيث بدأ مقالته الرابعة بالقول اآلتي‪« :‬إنه‬
‫من الواجب أن يتساءل العالم الطبيعي عن المكان كما تساءل من قبل عن «ما ال نهاية»‪ ،‬و بصريح‬
‫العبارة من الواجب أن يبحث عما إذا كان مثل هذا الش يء موجودا على اإلطالق‪ ،‬وإذا وجد ‪ ،‬فكيف‬
‫تكون صفة وجوده‪ ،‬وكيف ينبغي أن يعرفه؟"‪(ARISTOTE, 1802, p. 123) .‬‬

‫ّ‬
‫وللجابة عن هذه التساؤالت شرع "أرسطو" البحث عن براهين وجود المكان‪ ،‬فمن الشائع أنه‪:‬‬
‫يفترض أن كل ما يوجد ّ‬
‫البد أن يحصل في (أين ما) أي في مكان ما‪ ،‬في مقابل أن ما ليس بموجود‪ ،‬هو‬
‫في موضع أصال‪ .‬لذا فاإلجابة عن السؤال‪ :‬أين يوجد الحيوان الخرافي أو العنقاء‪ ،‬إنما هو ال في مكان‪،‬‬
‫أي أن المكان مرتبط بالوجود‪ ،‬فما يرتبط بالموجود فهو موجود‪ .‬كما ّأن أي ّ‬
‫تغير من هذا إلى ذاك أو‬
‫انتقال من هذا الموقع إلى ذاك‪ ،‬فهو نقلة مكانية أي في مكان‪ ،‬لكن الصعوبة تكمن عندما نريد أن‬
‫نحدد مكان الش يء بالضبط‪ ،‬وهذه الصعوبة راجعة إلى قوله ّأن الرواد لم يأتوا بش يء يذكر عن هذا‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الموضوع ولم يصيغوا مسائل حوله‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪ )99‬وباإلضافة إلى ّأن حركة الجسام‬
‫ّ‬
‫الولية تبرهن على وجود مكان يتوفر على خصائص معينة‪ ،‬حيث أن النار تتجه دائما إلى فوق والتراب‬
‫‪7‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫إلى تحت‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فالجسام تتجه إلى اليمين وإلى اليسار‪ ،‬إلى المام وإلى الخلف وهي الجهات‬
‫تميز المكان‪ ،‬كما أن ما يدل على الوجود المستقل للمكان ظاهرة االستبدال‪ ،‬فخروج الماء من‬ ‫التي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حيز كاإلناء مثال سيحل محله الهواء وربما يشغل جسم آخر هذا المكان‪ ،‬فيكشف لنا المكان كش يء‬
‫ّ‬
‫متميز عن الش يء انصرف عنه‪.‬‬

‫بعد ذلك يذهب أرسطو إلى ّأن حتى القائلين والذين يثبتون الخالء (الفراغ) يتفقون مع غيرهم‬
‫ّ‬
‫باالعتراف بحقيقة المكان‪ ،‬وذلك من تعريفهم للخالء أنه مكان ال جسم فيه‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة‬
‫‪)808‬‬

‫بعد إثبات "أ سطو" لوجود المكان‪ ،‬وتسليمه به‪ ،‬بالحجة ّ‬


‫والدليل انصرف لمعالجة اإلشكاالت‬ ‫ر‬
‫المترتبة عنه‪ ،‬من نحو كيف يوجد؟ هل المكان جنس لكتلة جسمية أم له ضرب آخر من الوجود؟‬
‫ّ‬
‫يعرف "أرسطو" المكان بقوله‪« :‬إن المكان من حيث هو مكان‪ ،‬ثالثة أبعاد‪ ،‬وهي بعد الطول و العرض‬
‫ِ‬
‫كل جسم‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪ )808‬وهذا التعريف يظهر‬ ‫والعمق‪ ،‬وهذه هي التي يحد ويعرف بها ّ‬
‫ّ‬
‫لنا ّأن للمكان نفس أبعاد الجسم‪ ،‬لكن "أرسطو" يرى أنه من املحال أن يكون المكان جسم‪ ،‬لنه لو‬
‫كان الجسم في مكان وكان المكان ذاته يوجد في جسم لزم أن يكون جسمان في مكان واحد بعينه‪،‬‬
‫أي صنف من الشياء يجب أن نتصور المكان؟ كما ّأن خواصنا تمنعنا من أن نفكر فيه‬ ‫وبالتالي ّ‬
‫ٌ‬
‫ككونه عنصرا بذاته أو ككونه مركب من عناصر سواء كانت طبيعية أو متصورة بالعقل‪ ،‬كما انه ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يمكننا أن نفرض أنه يؤثر ويحدد الشياء‪ .‬لكونه ال يدخل تحت أي ماهية أو علة من العلل الربعة‪.‬‬
‫يحرك الموجودات‪.‬‬ ‫فهو ال يجري مجرى ّ‬
‫المادة في الموجودات وال مجرى الصورة‪ ،‬وال ّ‬

‫ونحن أمام هذه الصعوبة‪ ،‬يشير "أرسطو" إلى صعوبة أخرى مفادها‪ :‬إن كان للمكان وجود مخصوص‬
‫ّ‬
‫(خاص) به فأين هو؟‪ ،‬وهي الصعوبة التي أثارها "زينون" ‪ 496( Zénon‬ق م‪ 436-‬ق م)‪ .‬وهي أنه إن‬
‫ا‬
‫موجودا‪ ،‬ففي مكان‪ ،‬وإن كان المكان ذاته موجودا فهو إذن في مكان و ّ‬
‫يمر ذلك إلى غير‬ ‫كان شيئا‬
‫نهاية‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)802‬‬

‫‪8‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫للخروج من هذه الصعوبات‪ ،‬رجع إلى التساؤل الذي طرحه "أفالطون" هل المكان صورة أم ّ‬
‫مادة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(هيولي)؟ هنا يشير "أرسطو" إلى أن القدماء يسلمون بوجود المكان إال ّأن "أفالطون" هو الوحيد‬
‫الذي حاول أن يقول ما هو‪ ،‬رغم ّأن "أفالطون" َع ُسر عليه أن يعرف ما هو خاصة ّأن المادة والصورة‬
‫يحتالن قمة التصور العقلي وال يمكن أن ُيعرف كالهما وجوده في استقالل عن اآلخر‪.‬‬
‫يرى "أ سطو" ّأنه في الحقيقة يسهل علينا أن نرى ّ‬
‫بأن المكان ال يمكن أن يكون أحدهما‪ ،‬لكون‬ ‫ر‬
‫الصورة والمادة ال ينفصالن عن الش يء‪ّ ،‬أما المكان فهو بدون شك مفارق ومنفصل عنهما‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬
‫فسرنا سابقا أن المكان الذي كان فيه الماء قد يصير فيه أيضا هو ماء‪ ،‬عن طريق التعاقب‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالمكان ليس جزء ش يء وال حالة داخلية منه بل هو منفصل عنه‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)801‬‬

‫ينبهنا أرسطو إلى عالقة الحمل التي تقال حسب استعمالها المباشر وغير المباشر‪ ،‬فإن كانت ال‬
‫ّ‬
‫تطبق مباشرة فهي تندرج أو تستلزم شيئا يطبق مباشرة‪ .‬وبهذا المعنى فإن المكان قد يختص به ش يء‬
‫ّ‬
‫وإنما على نحو مباشر‪ّ ،‬‬
‫لن المكان‬ ‫ّإما على نحو أولي‪ ،‬ال لن هذا الش يء مقصور على هذا المكان‬
‫كلي عام تندرج تحته أمكنة مخصوصة بجميع‬ ‫مشترك بين هذا الش يء وغيره من الشياء‪ .‬و ّأن المكان ّ‬
‫الشياء‪ ،‬أي أن هناك مكان ال نهائي حاو ّ‬
‫لكل الجسام والمكان الخاص الحاوي للجسم الول‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫ّ‬
‫يوضح "أرسطو" هذا بمثال‪« :‬إنك أنت اآلن في العالم لنك في الهواء‪ ،‬والهواء في العالم وفي الهواء لنك‬
‫على الرض وعلى مثل هذا النمط فأنت على الرض لنك في مكان كذا منها وهو مكان يشتمل عليك ال‬
‫ش يء غيرك‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬الصفحات ‪)807-801‬‬

‫وليجيب "أرسطو" عن الصعوبة التي أثارها "زينون"‪ّ ،‬‬


‫ينبهنا إلى المعاني املختلفة الناجمة عن حرف‬
‫ّ‬
‫الجر "في"‪ ،‬مثل قولنا الش يء يوجد في غيره‪ .‬وكذلك يقال عن الصبع أنه مندرج في اليد‪ ،‬أو الجزء في‬
‫أعم لفظ وهو الحيوان‪ ،‬أي أن النواع في الجناس‬ ‫الكل‪ ،‬وبمعنى آخر يقال ّأن اإلنسان يندرج في ّ‬
‫بمقابل الجنس كعنصر واحد (والفصل كعنصر آخر) يدخل في تعريف النواع‪ ،‬كما يقال أيضا أن‬
‫الصحة مقرها في اعتدال توازن الشياء الحارة والباردة‪ .‬أو الصورة موضعها في المادة‪ ،‬ويمكن أن تأتي‬

‫‪9‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫ُ‬
‫بمعنى علة فاعلة كقولنا قوام شؤون اليونانيين في ملوكهم‪ ...‬إال أن المعنى الساس ي الذي تشتق منه‬
‫هذه المعاني هو قولنا ّأن ش يء ما في إناء‪ ،‬أي في مكان‪...‬‬
‫ّ‬
‫ويوضح "أرسطو" أن هناك قصد مباشر وقصد غير مباشر يتوسط عالقة ما‪ .‬فقارورة النبيذ يقال‬
‫عنها ذلك ّ‬
‫لن النبيذ هو املحتوي عليه والقارورة املحتوي‪ ،‬فهما أجزاء لنفس ّ‬
‫الكل‪ ،‬رغم اختالف‬
‫مقوالتهما‪ّ .‬أما قصد غير مباشر كقولنا االصفرار في اإلنسان‪ ،‬فهذه الصفات ّ‬
‫عممت على اإلنسان‬
‫توسع الجزاء‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬الصفحات ‪)807-801‬‬ ‫بسبب ّ‬

‫ّ‬ ‫وبهذا يجيب "أرسطو" عن ّ‬


‫الصعوبة التي أثارها "زينون" في قوله‪ :‬إن كان المكان شيئا فإنه في غيره‪.‬‬
‫ّ‬
‫ليس يصعب حلها إذ في الحقيقة ال ش يء يمنع أن يكون المكان الذي يقال عن القصد الول هو في‬
‫ش يء غيره‪ ،‬غير ّأنه ليس هو في ذلك‪ .‬على أنه في مكان‪ ،‬بل كما نقول عن ّ‬
‫الصحة أن ّ‬
‫مقرها في اعتدال‬
‫الحرارة والبرودة‪ .‬كحال وهيأة (تجربة معايشة)بينما الحرارة والبرودة بدورهما يوجدان في الجسم‬
‫كمتغيرات فيزيائية وال تقتض ي هذه العملية الذهاب إلى ما النهاية‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)801‬‬
‫ّ‬
‫على هذا النحو ينطلق "أرسطو" من أربع معطيات لتعريف المكان‪ .‬ملخصة في قوله اآلتي‪ ...":‬نقرر‬
‫على وجه اإلثبات ّأن (‪ )1‬مكان ش يء ما ليس هو جزء وعنصر من الش يء نفسه (‪ )2‬إن المكان الخاص‬
‫أو المباشر لش يء ما ليس أصغر وال أكبر منه أي الش يء نفسه‪ّ )3( .‬إن المكان الذي يوجد فيه الش يء‬
‫يمكن لهذا الش يء أن يتركب وإذن يكون مفارقا له‪ )4( .‬وأخيرا ّإن كل مكان يستلزم وجود ترابط لجهة‬
‫الفوق والسفل‪ .‬وأن جميع العناصر الجوهرية يوجد لها ميل طبيعي تتحرك به نحو أمكنتها الخاصة‬
‫بها أو تبقى فيها عدد ما تكون هناك‪ ،‬وقد تكون هذه الحركة ّإما إلى فوق أو أسفل وهذا المكث‬
‫(السكون) ّإما أعلى أو تحت‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)809‬‬

‫ّ‬
‫يذكرنا "أ سطو" ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن‬ ‫ر‬ ‫وبهذه المسلمات يندرج أرسطو لتوضيح ماهية المكان وخواصه المميزة له‪،‬‬
‫تغير في المكان‪ّ .‬‬
‫وأن في الحقيقة‪ :‬السبب‬ ‫بحث عنه لو لم تكن هناك حركة أو ّ‬‫المكان لم يكن ُلي َ‬

‫دائم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫الرئيس ي لنزوعنا إلى االعتقاد بأن للسماء مكانا هو أنها في حال تحرك ٍّ‬
‫‪10‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعرف "أرسطو" المكان الخاص للش يء أو المباشر على حسب تعبيره أنه‪ ":‬السطح الداخلي للغالف‬
‫يوضح ّأن هذا السطح‬
‫املحيط هو صفة المكان المباشر للش يء‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪ )880‬و ّ‬
‫وإنما هو مساو له وال يفصل أحدهما عن اآلخر‪ّ ،‬‬ ‫ا ّ‬
‫لن‬ ‫ٍّ‬ ‫ليس جزءا من محتواه وال بأكبر منه بعدا‪.‬‬
‫ا‬
‫الشياء التي تتالمس غاياتها بعضها بعضا تتطابق سطوحها‪.‬‬
‫وبهذا نستنتج أن ّ‬
‫مادة الش يء غير مفارقة له‪ ،‬وال منفكة عنه‪ .‬إذ هي مكان وال تحتوي عليه ومكانه‬
‫يحتوي عليها‪ .‬أي ّأن المكان هو الذي يحتوي المادة وليس العكس‪ .‬فإن لم يكن مكان الش يء ليس‬
‫واحدا من ثالثة أشياء هي‪ :‬ال صورته التخطيطية وال مادته وال الكيان ذا البعد المتمايز عن أبعاد‬
‫الجسم المنتقل أو المتنحي‪ ،‬فمن الواجب أن يكون الرابع من القسام و هو أن يكون نهاية‪ ،‬بمعنى‬
‫أن يكون نهاية سطح الجسم املحتوي عليه ش يء مادي وقابل لن يتحرك حركة نقلة‪ ،‬و بهذا نرى أن‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ما يجعل المكان يبدو سرا غامضا يصعب إدراكه هو إيحاؤه الموهم آنا للمادة وآونة أخرى للصورة‬
‫التخطيطية‪ ،‬مثال‪ :‬بينما يكون املحيط املحتوي ساكنا قد يتغير املحتوي المتنقل‪ ،‬مما يوهم أنه‬
‫ّ‬
‫تمكن واستقر غير تمكن المقادير المتنحية والمتحركة‪ .‬وما يعين على ت ّ‬
‫وهم‬ ‫يمكن أن يوجد ش يء قد‬
‫ّ‬ ‫ذلك أيضا أمر الهواء‪ ،‬بكونه غير جسماني‪ .‬لذلك ّ‬
‫ّ‬
‫المكون‬ ‫فإن المكان بدل أن ُيعرف على أنه فقط‬
‫ُ ُ‬
‫للسطح المالصق للناء تخ ِّيل فيه كونه بعيدا ممتدا ما بين السطح متصورا على أنه خالء‪( .‬أرسطو‪،‬‬
‫‪ ،8991‬صفحة ‪)882‬‬

‫يوضح هذا بمثال‪ :‬تحرك السفينة خالل الماء الجاري في النهر‪ ،‬فإن عالقة الماء بالسفينة كعالقة‬
‫غالف محيط اإلناء أكثر من تشابه المكان –الغالف املحيط‪ -‬فإن تأملنا سكون المكان و عدم‬
‫حركته‪ ،‬فسيكون النهر إذن ككل دائم االستقرار بدل جريان الماء فيه وفي هذا الوقت موضع‬
‫السفينة‪ ،‬ومنه‪ :‬مهما يكن سكون السطح املحيط الذي ّ‬
‫عولنا عليه في حساباتنا وتخميناتنا لتعيين‬
‫موقع السفينة فإنه ال محالة هو المكان‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)882‬‬

‫وعلى هذا الساس نستنتج أن المكان هو السطح املحيط المشتمل على محتواه اشتمال اإلناء وأيضا‬
‫فإن مكان املحتوي عليه المتمكن مما يتطابق مع سطحه الخارجي يتماش ى معه كلما ازداد أو نقص‬
‫من جهة البعد‪ .‬أما فيما يخص المكان الالمتناهي (الفضاء) فيرى أن الشياء كلها في السماء‪ .‬وحسب‬
‫‪11‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫تعبيره يقول‪" :‬ال أن ما يكون العالم المكاني ليس هو الكتلة الثيرية الكلية المتحركة على االستدارة‪.‬‬
‫بل السطح الداخلي لهذه الكتلة مما هو ساكن ومتماس مع عالم العناصر القابل للتغير والحركة إلى‬
‫فوق وأسفل‪ ،‬ولذلك فالرض يكتنفها ويحيط بها الماء ويحيط الهواء بالماء‪ .‬ويحيط الثير بالهواء‬
‫والسماء (الفضاء) بالثير‪ ،‬والسماء بنفسها‪ .‬ال ش يء آخر" (أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)887‬‬

‫مما سبق يمكن القول ّأن "أرسطو" ّ‬


‫يقر بوجود المكان الذي ّ‬
‫عرفه أنه ذو ثالثة أبعاد‪ :‬الطول‪،‬‬
‫العرض والعمق‪ ،‬ومن خواص المكان أنه ليس بصورة أو مادة‪ ،‬بل هو الغالف الحاوي لكل ش يء‪.‬‬
‫وهذا ما يسميه بالمكان المشترك أو الالمتناهي والذي يحوي جميع الجسام‪ ،‬ومثل ذلك يوجد‬
‫المكان الخاص بالش يء كما سبق أن ّ‬
‫عرفناه‪ ،‬فقد يحدث ويفعل بعض العناصر وينفعل البعض‬
‫اآلخر‪ ،‬ولكن ّ‬
‫كل ش يء يبقى في سكون طبيعي في مكانه الخاص‪ ،‬وال غرابة في ذلك لن هذا الجزء هو‬
‫في المكان كالجزء المنقسم بالقياس إلى الكل‪ ،‬كما نرى ذلك في حركة جزء من الماء‪.‬‬
‫بمعنى آخر عند أرسطو مكان ال متناهي حاو لكل الشياء ّأما الشياء فما تشغله هو ّ‬
‫الحيز المطابق‬ ‫ٍّ‬
‫لذلك الش يء وبالتالي يمكن القول أن المكان تندرج فيه أمكنة مخصوصة‪ .‬ويظهر لنا المكان جليا‬
‫عند بداية الحركة من طرفيها‪ ...‬أو أي ّ‬
‫تغير يتحقق بالخروج من القوة إلى الفعل‪.‬‬

‫‪ .3‬الزمان عند أرسطو‬


‫ا‬
‫مواصلة لتحديد المفاهيم المرتبطة بدراسة الحركة‪ :‬في المقالة ّ‬
‫الرابعة يشرح أرسطو في‬
‫ُ‬
‫الفصل العاشر دراسة مسألة الزمان‪ ،‬ويبدأ بعرض التأمالت العامة التي أثيرت حول وجود الزمان‬
‫وعدم وجوده والتي أثارها سابقوه‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬بعض الزمان قد مض ى ولم يعد موجودا‪ ،‬والباقي منه مستقبل يوجد بعده‪ ،‬والزمان سواء‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أخذ بمعناه الالمتناهي أو كمقدار متناه محدود فهو مركب مما مض ى ومما سيكون‪ ،‬فكيف‬
‫تتصور ما كان مركبا من غير موجود مشاركا بماهية موجودة؟‬
‫‪ -2‬إذا كان كل منقسم موجودا‪ ،‬فبالضرورة إما أن تكون أجزاؤه كلها موجودة‪ ،‬إما بعضها‪.‬‬
‫ولكن الزمان منقسم إلى أجزاء‪ ،‬فبعض أجزاءه كانت وانقضت‪ ،‬وبعضها سيكون في‬
‫‪12‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫المستقبل أي ال يوجد كالهما رغم تجزئه‪ ،‬والحاضر ليس جزءا من الزمان على اإلطالق‪،‬‬
‫ذلك أن الجزء يحدد ويقيس الكل‪ ،‬وقد يجب أن يكون الكل مركبا من أجزاء‪ .‬غير أننا ال‬
‫نستطيع أن نقول إن الزمان مركب من اآلنات‪.‬‬
‫‪ -1‬مما يصعب الوقوف عليه أيضا‪ّ :‬أن اآلن‪ ،‬الذي يبدو أنه يق ّسم ويفصل بين الماض ي‬
‫والمستقبل فهل هو واحد بعينه ثابت أم هو مختلف ومتعاقب؟‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)812‬‬
‫يبرز أرسطو موقفه من هذه اإلشكاالت بالقول التالي‪ ...":‬ولنكتفي إذن بهذه اإلشكاالت التي أثيرت‬
‫الزمان على الحقيقة وتحت أي مقولة ندرجه‪ ،‬فما وصلنا‬ ‫بمناسبة اعتبار خواص الزمان‪ّ ،‬أما ما هو ّ‬

‫من المفكرين قبلنا لم يكشف لنا شيئا أكثر من االعتبارات التي حاولت إقناعنا فيما ذكرت من قبل‪".‬‬
‫(أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)811‬‬

‫بمعنى ّأن أرسطو يرى ّأن المفكرين السابقين له لم يتمكنوا من تحديد ما هو الزمان بل ذهبوا إلى‬
‫إثارة إشكاليات عن خواص الزمان فقط‪ :‬وحاولوا إقناعنا أنه الزمان‪.‬‬

‫لذلك يرى أن موقفهم ينقسم إلى رأيين‪:‬‬

‫رأي يضع الزمان ويماثله مع دورة حركة السماء الكلية‪.‬‬ ‫(أ)‬


‫رأي آخر يماثله مع حركة الكرة السماوية نفسها‪.‬‬ ‫(ب)‬
‫إال أنه ال يوافق هذين الرأيين‪ ،‬فبالنسبة لألول‪ :‬فجزء الحركة الدورية هو زمان‪ ،‬كما ّأن الكل هو‬
‫فأي قسم متناه (محدد) من الزمان فهو قطعة من‬‫زمان‪ ،‬إال أن جزء الدورة ليس حركة دورية‪ ،‬لذلك ّ‬
‫الحركة الدورية‪ .‬وليس حركة دورية‪ ،‬كما أنه لو كانت السماوات أكثر من سماء لنتج عنها أزمة متعددة‬
‫بسبب الدورات المتداخلة لكل منها‪.‬‬
‫فظنهم هو ّأن ّ‬
‫كل الشياء محتواة فيها‪ ،‬وهي حاصلة‬ ‫أي من ّادعى ّأن الكرة السماوية ذاتها هي ّ‬
‫الزمان‪ّ ،‬‬

‫الزمان‪ ،‬وهذا رأي سخيف كما يبدو له‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)811‬‬ ‫أيضا في ّ‬

‫‪13‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫ّ‬
‫والتغير‪ ،‬فهو البقى‬ ‫الزمان عند أرسطو هو ّأن ّ‬
‫الزمان نوع من الحركة‬ ‫لكن ما يبدو أكثر وضوحا عن ّ‬
‫أثرا على النفس‪ .‬لكن عند تتبع هذا المر نجد ّأنه عندما يتحرك ش يء مخصوص أو ّ‬
‫يتغير‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ّ‬ ‫الحركة أو ّ‬
‫التغير يكون في الش يء المتحرك ذاته‪ :‬إنما يحدث حيث يوجد ذلك الش يء فقط‪ ،‬في حين‬
‫كل ّ‬
‫تغير قد‬ ‫كل ش يء‪ ،‬باإلضافة إلى ّأن ّ‬ ‫ّأن مرور الزمان جار في ّ‬
‫كل مكان على مثال واحد في عالقة مع ّ‬
‫ٍّ‬
‫حددان بالزمان‪ .‬فالسريع هو ما‬ ‫الزمان هكذا‪ّ ،‬‬
‫لن السريع والبطيء ُي ّ‬ ‫يكون أسرع أو أبطأ‪ .‬وال يكون ّ‬
‫يتغير كثيرا في زمن قصير و البطيء هو ما ّ‬
‫يتغير قليال في زمان طويل وال يجوز أن يحدد الزمان أو‬ ‫ّ‬

‫يقاس بالزمان‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)8111‬‬

‫بمعنى أن ما يبدو لنا للوهلة الولى أن الزمان عبارة عن حركة أو ّ‬


‫تغير ش يء إال أن الزمان جار في ّ‬
‫كل‬ ‫ٍّ‬
‫مكان في عالقة مع هذه الحركة‪ ،‬وبالتالي نستنتج أن الزمان ليس نوع من أنواع الحركة وال مماثل لها‬
‫بل له عالقة معها‪.‬‬
‫باإلضافة إلى كون ّ‬
‫الزمان ليس بنوع من أنواع الحركة وال مماثل لها‪ .‬من ناحية‪ ،‬فمن ناحية أخرى‬
‫بتغير في وعينا فال نشعر‬ ‫فالزمان ال يمكن أن ينفصل أو ّ‬
‫ينفك عن الحركة‪ ،‬ذلك أننا عندما ال نشعر ّ‬ ‫ّ‬
‫ّأنه قد ّ‬
‫مر أو انقض ى زمان‪ ،‬والنائم مثال عندما يفيق من نومه يضيف مباشرة اآلن المتقدم لنومه‬
‫إلى اآلن التالي وجعله واحدا‪ .‬وهذا لحذفه ما بينهما وبالتالي فالزمان ال يمكن أن ينفصل عن الحركة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويلخص أرسطو هذا الوضع بالقول اآلتي‪ ":‬وبعبارة صريحة إذن ّإن ّ‬
‫الزمان ليس يكون مماثال للحركة‬
‫الزمان‪ ،‬يجب أن تبتدئ باإلشكال‪ ،‬وهو على ّ‬
‫أي‬ ‫وال يمكن فصله عنها وفي محاولتنا أن نعرف ما هو ّ‬
‫نحو ينتمي ّ‬
‫الزمان إلى الحركة؟‪( ".‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)817‬‬

‫بمعنى ّأن الزمان ليس مماثال للحركة وال يمكننا إدراك زمان دون الحركة فالسؤال الحقيقي عن‬
‫ماهية الزمان ستتضح في تبيان عالقته بالحركة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مقدار فهو متصل‪ ،‬صارت‬ ‫المتحرك ّإنما يتحرك من هنا إلى هناك‪ّ ،‬‬
‫وكل مقدار من حيث هو‬ ‫ّ‬ ‫ّإن‬
‫الحركة تابعة للمقدار ومتصلة بما ّأن الحركة ّ‬
‫متصلة صار الزمان متصال‪ّ ،‬‬
‫لن الزمان المنقض ي‬
‫تص َور دائما متناسبا أو على نسبة مع المسافة المقطوعة (أرسطو‪،‬‬
‫(باستثناء اختالف السرعة) ُي َ‬
‫‪14‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫كل من الحركة ّ‬
‫والزمان‪ .‬فكلما نحدد مقدار حركة‬ ‫‪ ،8991‬صفحة ‪)811‬أي‪ :‬المتحرك هو موضوع ّ‬
‫ّ‬
‫المتقدم‬ ‫ّ‬
‫المتحرك من بداية حركته إلى نهايتها فإننا نحدد فترة من الزمان أو مقدار الحركة بين‬
‫ّ‬
‫والمتأخر واللذان يجب تحديدهما والتمييز بينهما‪.‬‬
‫متميزا‪ ،‬فنحن ّ‬
‫نتحدث‬ ‫متميزا و(بعدا) ّ‬
‫يعرف أرسطو الزمان‪ ":‬حينما ندرك (قبال) ّ‬
‫النحو ّ‬‫وعلى هذا ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمان ّ‬
‫لن هذا بالضبط هو حقيقة ّ‬ ‫عن ّ‬
‫الزمان‪ :‬إنه قياس عدد الحركة أو تقدير بعدها بالنظر إلى‬
‫ّ‬ ‫المتقدم و المتأخر‪ّ ...‬‬
‫فالزمان إذن ليس حركة بل ما به يمكن أن تقدر الحركة تقديرا عدديا‪( ".‬أرسطو‪،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المتقدم والمتأخر‪،‬‬ ‫‪ ،8991‬صفحة ‪ )811‬بمعنى ّأن الزمان عند أرسطو هو عدد حركة المتحرك بين‬
‫لن العدد هو الذي يسمح لنا بتقدير الكثر والقل‪ .‬وعليه يمكن القول ّأن الزمان هو مقياس عدد‬
‫ّ‬
‫متصل ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫وأنه ّ‬
‫لن‬ ‫ّ‬
‫المتقدم والمتأخر‬ ‫الحركة وكما يظهر أيضا ّأن الزمان هو بعد الحركة من قبل‬
‫الحركة ّ‬
‫متصلة‪ .‬وما يفصل بين القبل والبعد هو اآلن كعالمة فاصلة‪ ،‬كما يضيف ّأن الزمان من جهة‬
‫العدد يوجد له الصغر‪ّ ،‬أما من جهة المقدار فال يوجد له الصغر‪.‬‬
‫كل مكان وفي نفس الوقت‪ّ ،‬إال ّأنه ليس ا‬
‫واحدا‬ ‫الزمان رغم ّأنه واحد بعينه في ّ‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫ومختلفا إن ٌُأ ُ‬
‫عت ِب َر جزء‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫حاضرا‪،‬‬ ‫واجدا إن ُأ ُ‬
‫عت ِب َر‬ ‫تغير يكون ا‬ ‫متتاليا‪ .‬أي ّأن ما يقيمه من ّ‬
‫ا‬ ‫إن ُأ ِخذ ّ‬
‫مرتين‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مستقبال‪ّ ،‬‬ ‫ا‬
‫مجردا‪،‬‬ ‫مشخصا ال‬ ‫فالزمان إذن إن اعتبرناه من جهة العدد كان‬ ‫ماضيا وجزء آخر‬ ‫منه‬
‫لكن الفراس المعدودة تختلف عن‬ ‫ويوضح ذلك بمثال‪ّ :‬أن عدد مائة فرس هو مثل عدد مائة رجل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ٍّ‬
‫الرجال المعدودين أي‪ :‬متساوية العدد ومختلفة المقدار‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪)811‬‬

‫الدائرية) ّ‬
‫مرة بعد‬ ‫يرى "أ سطو" ّأنه يجب أن نالحظ عندما تكون الحركة الواحدة تتكرر (الحركة ّ‬
‫ر‬
‫الزمان أي‪ :‬السنة‪ ،‬الربيع أو الخريف ‪ ...‬بمعنى ّأن هناك لزومية بين ّ‬
‫الزمان و‬ ‫مرة‪ ،‬فكذاك ّ‬
‫يتحدد ّ‬ ‫ّ‬
‫يعين اآلخر بالتبادل‪( ..‬أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪.)819‬‬‫كل واحد منها ّ‬
‫ٍّ‬ ‫الحركة المنتظمة من ِق ابل ّأن ّ‬
‫ِ‬
‫نحدد في نفس الوقت طول الزمان‬‫بمعنى عند تحديدنا لطول المسافة المقطوعة بحركة منتظمة‪ّ ،‬‬
‫فكل واحد ّ‬
‫يحدد اآلخر بالتبادل‪.‬‬ ‫مدة استغراقها‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬أي‪ :‬هناك عالقة لزومية بينهما ّ‬ ‫أو ّ‬

‫‪15‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫بعد وقوف "أ سطو" على حقيقة الزمان وعالقته بالحركة‪ ،‬انتقل إلى توضيح العبا ة ّ‬
‫الناجمة عن‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫قولنا‪" :‬الوجود في الزمان" والتي يشوبها الغموض‪ّ ،‬‬
‫لن وجود الش يء في الزمان له أحد المعنيين‪:‬‬

‫‪ -1‬يكون وجود الش يء متى وجد الزمان‪.‬‬


‫شبيها بما نقوله عن بعض الشياء‪ّ ،‬‬
‫بأنها موجودة في عدد‪،‬‬ ‫‪ -2‬الوجود في الزمان يقصد به ا‬
‫معنا ا‬
‫ُ‬ ‫وهذا معنى غامض كونه يحمل منسوبة إليه‪ّ ّ ،‬‬
‫وإما أن هذه الشياء يمكن أن ت َعد (أرسطو‪،‬‬
‫‪ ،8991‬صفحة ‪.)810‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمعنى آخر إذا أخذنا الزمان كمقياس عددي‪ّ ،‬‬
‫فإن ما نسميه اآلن والقبل والبعد إنما هي كلها موجودة‬
‫في زمان‪ ،‬كما يوجد الفرد والزوج في العدد أي‪ :‬تنسب إلى الزمان‪ّ ،‬أما الحداث فموقعها في الزمان‪،‬‬
‫وبالتالي‪ :‬فالعدد يشمل تلك الشياء التي المعدودة‪ ،‬كذلك‬‫كموقع مجموعة من الشياء في العدد‪ّ .‬‬

‫الزمان يشمل تلك الحداث‪ ،‬كما يشمل المكان على ما فيه‪ .‬سواء كانت هذه الحداث قصيرة أو‬
‫طويلة‪.‬‬

‫يوضح "أرسطو" النقطة الثانية في هذا الصدد‪ّ ،‬أن قول‪ :‬الزمان مقياس الحركة‪ ،‬ال يعني فقط أن"‬
‫ّ‬
‫الشياء غير الواقعة في الحركة ليست في زمان‪ ،‬بل هي ا‬
‫أيضا في زمان‪ ،‬أو بطريقة أخرى الزمان هو‬
‫مقياس الحركة والسكون‪ ،‬وهذا ما يظهر في قوله‪ ..." :‬وهكذا هو الحال ا‬
‫أيضا في الزمان‪ ،‬فوجود الش يء‬
‫الساكن من جهة ما هو‬‫ويقدر ّ‬‫يقدر المتحرك من جهة ما هو متحرك‪ّ .‬‬ ‫يقدر والزمان ّ‬
‫فيه هو أن ّ‬

‫كما" (أرسطو‪ ،8991 ،‬صفحة ‪.)812‬‬‫ساكن‪ ،‬وذلك ّأن حركتهما وسكونهما إنما ّيتحدان من أجل كونهما ًّ‬
‫الكمية هو ما يجعل الشياء موجودة ويشمل عليها الزمان كونها ُت َق ّدر ّ‬
‫بكمية‬ ‫وهذا يعني ّأن خاصية ّ‬
‫سواء كانت متحركة أو ساكنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يضيف "أرسطو" إلى ذاك ّأن الشياء الواقعة تحت الكون والفساد كلها موجودة في زمان‪ ،‬وأنه يشمل‬
‫لنه يجل أن يكون الزمان أشمل من الحداث والشياء الواقعة تحت الحركة أو السكون‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫حتى‬ ‫عليها‪،‬‬
‫ّ‬
‫سواء كانت في الماض ي أي‪ُ :‬و ِج َدت أو في المستقبل أي‪ :‬ممكنة الوجود‬
‫ا‬ ‫نتمكن من تقدير زمانها‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫(الحداث المستقبلية)‪ّ .‬أما الشياء التي تبقى ممكنة الوجود ولم توجد بعد‪ ،‬فهي ال في زمان كونها‬
‫قابلية غير موجودة‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬الصفحات ‪)811-812‬‬

‫بعد تبيانه لكيفية الوجود في الزمان انصرف إلى الكشف عن معاني الوجود في اآلن‪ ،‬والوجود فيه‪،‬‬
‫كما سبق أن ذكرنا ّأن اآلن يصل الزمان الماض ي بالمستقبل‪ .‬فهو خاصيته العامة كحد نهائي يكون‬
‫القوة ّ‬
‫يقسم الزمان ويفصله ّأما من‬ ‫مبدأ للزمان المستأنف‪ ،‬ونهاية للزمان السالف‪ .‬فهو من جهة ّ‬
‫متصل‪ ،‬هذا أحد‬ ‫جهة اإلمكان والفعل فهو مختلف عن آن آخر‪ّ ،‬إال ّأنه يربط الزمان على نحو ّ‬
‫ٍّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫معانيه‪ ،‬إال أنه قد يستعمل للداللة على الزمن القريب‪ ،‬كقولنا أنه سيأتي اآلن‪ ،‬ونقصد أنه سيأتي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا اليوم‪ .‬كما يمكن أن نقول أنه لم يأت اآلن‪ ،‬بمعنى جاء اليوم لكن ليس في هذه اللحظة بالذات‪،‬‬
‫لكن نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن "حرب طروادة" أو وقوع الطوفان في المستقبل‪ ،‬رغم ّأن‬
‫متصل بيننا وبين هذين الحدثين‪ ،‬فهما ليسا متجاورين وال متالزمين‪.‬‬ ‫الزمان ّ‬

‫ّأما عبارة "يوم ما" فهي تتحدد بالنسبة إلى اآلن (الحاضر)‪ .‬ذلك كسؤالنا متى وقعت حرب طروادة؟‬
‫اإلجابة نكون في يوم من الماض ي أو متى سيقع الطوفان؟ اإلجابة‪ :‬في يوم من المستقبل‪ .‬هنا يظهر‬
‫دور وأهمية اآلن كوقت ومدى مقاس يمتد لتحديد اآلن السالف أو المستقبل‪ ،‬وعلى هذا الساس‬
‫نهائيا متى بقيت الحركة أبدية‪ .‬كما ّأن ّ‬
‫كل ش يء واقع تحت الكون والفساد‪،‬‬ ‫مستمرا وال ا‬
‫ا‬ ‫يبقى الزمان‬
‫فهو في زمان ال محالة‪( .‬أرسطو‪ ،8991 ،‬الصفحات ‪)811-811‬‬

‫‪ .4‬خاتمة‪:‬‬

‫ّ‬
‫لقد بنى "أرسطو" مفاهيمه في علم الطبيعة سواء الحركة‪ ،‬المكان‪ ،‬الفراغ أو الزمان على‬
‫دعمها بسلسلة من ّ‬
‫الدالئل والحجج المنطقية‪ ،‬والتي‬ ‫الحسية واليومية‪ّ ،‬‬
‫مجموعة من المالحظات ّ‬
‫استعملها في دحض أراء خصومه‪ ،‬وهذا ما جعله يكون ّأول من أعطى صورة واضحة عن مفهومي‬
‫التصور الرسطي هو ّ‬
‫تصور ميتافيزيقي بناه على خلفيات ميتافيزيقية‬ ‫ّ‬ ‫المكان والزمان‪ .‬لكن هذا‬
‫املحرك الذي ال ّ‬
‫يتحرك (مبدأ الوجود)‪ ،‬ولم يبنيها على أسس علمية‪ :‬مالحظة‪ ،‬تجربة‪،‬‬ ‫تستند على ّ‬
‫ّ‬
‫التصور العلمي‪ ،‬بدليل أن هذه التعاريف التي‬ ‫وقانون‪ .‬هذا يعني ّأن ّ‬
‫تصور أرسطو ال ّ‬
‫يقل أهمية عن‬
‫‪17‬‬
‫الطالب‪ :‬زراري أحمد‪ ،‬الدكتورة‪ :‬نصيرة جعيداني‬

‫ا‬ ‫قدمها لنا‪ ،‬ذاع صداها ّ‬


‫حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫أوج ما وصلت إليه الفيزياء الكالسيكية‪ ،‬مرو ارا بالمسلمين ووصوال إلى‬
‫تصورات "أرسطو"‪ ،‬كما ّأن الحلقة الولى من تاريخ العلم ال ّ‬
‫تقل‬ ‫"إسحاق نيوتن" فقد اعتمدوا على ّ‬
‫ّ‬ ‫أهمية عن الحقتها وال نهاتها‪ ،‬كونه ّ‬
‫قدم لنا هذه الحلقة بما توفر له من معطيات وعوامل تلك الفترة‪.‬‬
‫دائما ننبهر ّ‬
‫بعلو وشموخ طوابق العمارة‪ ،‬وننس ى دور الساس في بقاءها شامخة‪.‬‬ ‫كما يقال‪ :‬نحن ا‬

‫‪ .5‬قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫المصدر باللغة العربية‬

‫‪ ‬أرسطو‪ .)1991( .‬الفيزياء السماع الطّبيعي‪( .‬عبد القادر قينيني‪ ،‬المترجمون) الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ :‬إفريقيا الشرق‪.‬‬

‫المصدر باللغة الفرنسية‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ARISTOTE. (1802). La phusique (Vol. tome 1). (B. saint-‬‬
‫‪hilaire, Trad.) paris, france: librairie phylosophique de lardange.‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ ‬مصطفى غنيمة عبد الفتاح‪( .‬د ن سنة)‪ .‬نحو فلسفة العلوم الطبيغية‪ ،‬النظريات الذرية و الكوانتم و‬
‫النسبية‪ .‬جامعة المنوقية‪ :‬سلسلة تبسيط العلوم‪.‬‬
‫‪ ‬يوسف كرم‪ .)1991( .‬تاريخ افلسفة اليونانية‪ .‬بيروت‪ :‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة و النشر‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫عنوان المقال‪ :‬مفهوما المكان والزمان عند أرسطو‬

‫‪19‬‬

You might also like