You are on page 1of 5

‫(حمارضة رمق ‪)02‬‬ ‫‪.

‬املقياس‪" :‬فلسفة العلوم" (السنة الثالثة)‬


‫املوضوع ‪ " :‬فلسفة العلوم و تمييزها عن األبستمولوجيا‪ .‬دراسة في املفارقات"‪.‬‬
‫(د‪.‬دليل)‬

‫‪1‬ـ األصول املعرفية ملصطلح إبستيمولوجيا ( في العالقة بين االبسنيمولوجيا‬


‫و فلسفة العلوم)‪:‬‬
‫ْل‬ ‫ًة‬ ‫َش‬
‫ُي ِّك ل عاّد كّل تأُم ل في قوانين و مبادئ الِع م و في نتائِج ِه املنطقية و قيمِت ِه األخالقية‬
‫ًا‬ ‫ًة‬
‫فلسف للِع لم‪ .‬و انطالق ِم ن ذلك‪ ،‬فإّن السؤال‪ :‬ما عالقة األبستمولوجيا بفلسفة العلوم‪،‬‬
‫ًا‬ ‫ًال‬
‫ُس ؤا مشروع ‪ .‬فهل يمكن أن َيُّح َل أحد هذين اللفظين مكان اآلخر؟‬
‫ُؤ‬
‫تن اُو ل ه ذا التس ا ل بالِّد راسة‪ ،‬جعلن ا نمِّي ُز بين اِّت جاهين أساِس يين‪ ،‬أي هن اك ِف ك رتين‬
‫جوهريتين‪:‬‬
‫ّال‬
‫الِف كرة األولى‪ :‬مفادها أّن األبستمولوجيا ماهي إ فرع من فلسفة العلوم‪ ،‬أو ‪ -‬طريقة‬
‫ُمل‬ ‫ّط‬ ‫ْل‬ ‫ُط‬
‫خاّص ة من ُر ق الفلس فة في الِع م‪ .1‬و لفهم م دلول ه ذا ال رح ا ؤِّك د على متان ة ه ذه‬
‫الِّص لة‪ ،‬نس تِّد ل بالّت ّي ار الِف رنسي من خالل التعري ف ال ذي قَّد م ه ''أن دري الالن د''‬
‫ّذ‬
‫لألبستمولوجيا ال ي يرى أّن ها ‪ِ [ :‬ت لك الِّد راسة النقدية ملبادئ ُم ختلف العلوم و نتائجها‪،‬‬
‫َق‬
‫ْص َد تحديد أساسها املنِط قي و بيان قيمتها و درجة َم ْو ُض وِع َي َت ها‪ ].‬هنا يظهر ''الالند'' على‬
‫َف‬
‫ِو ف اٍق م ع الوضعيين الُج ُد د‪ 2.‬لق د ِه م ه ؤالء األبس تمولوجيا على أّن ه ا ج زء ِم ن فلس فة‬
‫ُل َغ‬
‫العلوم‪ ،‬فق د اخ تزلوا ُم ِّه م ة الفلس فة األولى و الجوهري ة على '' الّت حلي ل املنطقي'' ِل ة‬
‫ْل‬
‫القض ايا الّت ي يطرحه ا الِع م‪ .‬و ق د نحى ه ذا املوق ف فالسفة ومناطق ة و مفك رين خ ارج‬

‫‪ 11‬ـ بالنشي‪ ،‬روبير‪ ،‬نظرية المعرفة العلمية (االبستيمولوجيا)‪ ،‬تر‪ :‬د‪ .‬حسن عبد الحميد‪ ،‬و د‪ .‬محمود فهمي زيدان‪ ،‬د(ط)‪،1986 ،‬‬
‫مقّد مة الُم ترجم‪ ،‬ص‪.16 ،‬‬
‫‪ 22‬ـ تّي ار فلس‪7‬في‪ ،‬تأّس س في فيّين‪7‬ا عاص‪77‬مة الّنمس‪7‬ا‪ ،‬حيث أَّس س هن‪7‬اك مجوع‪77‬ة من الفالس‪7‬فة و المنطق‪7‬يين و الفيزي‪77‬ائيين إلخ‪'' ،‬حلق‪7‬ة فيين‪7‬ا''‬
‫ك‪7‬ان أب‪7‬رزهم ‪'' :‬م‪7‬وريس ش‪7‬ليك'' ‪ '' ،‬رودول‪7‬ف كارن‪7‬اب''‪'' ،‬ه‪7‬انز ريش‪7‬انباخ''‪ ...‬و ُع ِر فت في تطوراِته‪7‬ا ِبِع َّدة تس‪ِ7‬م يات‪ :‬كـَـ‪'' :‬التجريبي‪7‬ة‬
‫المنطقية''‪'' ،‬التجريبية الِعلمية''‪ '' ،‬الوضعية المنطقية الجديدة''‪....‬‬
‫إط ار الثقاف ة الفرنكوفوني ة‪ ،‬و هم أمريكي ون أمث ال‪ '' :‬ه اربت فيجل ‪ ''Feigl‬و''برودب ك‬
‫ّل‬
‫‪ '' Brodbeck‬في مؤ فِه ما "ِق راءات في فلسفة الِع لم'' و كان ذلك عام ‪1953‬م‪ ،‬إذ مّي زوا فيه‬
‫ْل‬
‫بين أربعة مهاٍم لفلسفة الِع م‪:‬‬
‫ُمل‬ ‫َل‬ ‫ْل‬
‫ـ دراسة الِع م في عالقته ِب الَع ا م و مع ا جتمع‪.‬‬
‫ْل‬
‫ـ َو ضع الِع م في مكاِنِه ِض من مجموعة الِّق يم اإلنسانية‪.‬‬
‫ْل‬ ‫ًا‬
‫ـ الَع َم ل على تشييد فلسفة للطبيعة انطالق من نتاِئ ج الِع م‪.‬‬
‫ْل‬
‫ـ الّت حليل املنطقي للغة الِع ِم ية‪.‬‬
‫ُمل‬ ‫َّك‬ ‫ّال‬
‫إ أّن ه ذين الب اِح ثين‪ ،‬أ دا على ه ذه ا ِّه م ة األخ يرة‪ ،‬باعتباِر ه ا الّب حث الوحي د ال ذي‬
‫يتالَء م مع لفظ األبستمولوجيا‪.‬‬
‫ّن‬
‫الفكرة الثانية‪ :‬مفادها االنفصال في العالقة بين األبستمولوجيا و فلسفة العلوم‪ ،‬أل ه و‬
‫في رأي ه ذا االِّت جاه ينبغي الفصل بين امله ام االبستيمولوجية و املشاِك ل الفلس فية‪ .‬و‬
‫بالتالي ال َي ِّص ُح الق ول ب أّن كّل الفالسفة هم إبس تمولوجيون بالض رورة‪ .‬ملاذا في رأيهم؟‬
‫ُملُث‬ ‫ًا‬ ‫ْل‬ ‫ُك‬
‫ألّن ل ّل فلس فة مفهومه ا الخ اص عن الِع م‪ ،‬ابتداء ِم ن نظري ة ا ل األفالطوني ة‪ ،‬إلى‬
‫ّذ‬
‫الفلس فة الوضعية ( من ذ نشأِت ها االولى م ع "أوجس ت كونت ‪ "August comte‬و ال ي‬
‫ًة‬ ‫ْل‬ ‫َط‬
‫أع ت فلس فته للِع م مكان خاّص ة و ُم مّي زة في نس ق املعاِر ف‪ ،‬إلى فلس فة الوضعية‬
‫ْل‬ ‫ّذ‬
‫املنطقية الجديدة وال ين زعموا بأّن كل ما هو ِع مي قاِب ل ألن ُي عَّب ر عنه في لغة منطقية‪).‬‬
‫ْل‬
‫واعتمـ ـ ـ ـ ـ ــدوا في تـ ـ ـ ـ ـ ــبريرهم ملوِقِف هم القائـ ـ ـ ـ ـ ــل ِب َع َد م ُو جـ ـ ـ ـ ـ ــود أّي عالقـ ـ ـ ـ ـ ــة بين الِع م و‬
‫االبستيمولوجيا على‪:‬‬

‫ـ ـ ـ موقف ''جــون بياجيــه ‪ :''1Jean Piaget‬وّض ح في "األبستمولوجيا و أصنافها" هذا‬


‫َثُل‬ ‫ًا‬
‫ال ّر فض‪ ،‬نظر ِل كون األبستمولوجيا تهّت م ـ َم ها في ذلك َم ث ُل املنِط ق ـ ـ بتحليل املعاِر ف‬
‫ْل‬
‫ذات الط اِب ع الِع مي‪ ،‬تلك املعارف ال تي تحتوي بحكم طبيعته ا على ُم شكالت منطقي ة و‬

‫‪11‬‬
‫‪– (1896 – 1980) , Pionnier dans le domaine de la psychologie de l’enfant.‬‬
‫نفس ية ومنهجي ة‪ ،‬و ال عالق ة له ا الي وم بالفلس فة العاّم ة‪ ،‬كم ا يؤ د ''بياجي ه'' على أّن‬
‫ِّك‬
‫ًا‬ ‫ُمل‬
‫االبستيمولوجيا ستقطع في ا ستقبل‪ ،‬الِّص لة تمام بالّت فكير التأُم لي الفردي‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ في العالقة بين امليتودولوجيا(علم املناهج) و االبستيمولوجيا‪:‬‬

‫إّن العلوم ال تتمّي ز فق ط بموضوعاتها ب ل كذلك بمناِه جه ا‪ ،‬فليس هن اك منهجي ة عاّم ة‬


‫َو َو اِح دة تق وم عليه ا العلوم بُم ختلف ميادينه ا في عملي ة الكشف عن الحقيق ة‪ ،‬ب ل هن اك‬
‫مناهج ِع لمية‪.‬‬
‫ُك‬
‫ـ إّن ل ّل علم منهج خاص به‪ ،‬تفِر ُض ُه طبيعة موضوعه‪ ،‬و هذا ما يؤِّك ُد ه الدكتور "محمد‬
‫ْل‬
‫عاب د الجابري" ه و أّن ـ امليتودولوجي ــا الِح ق ــة للَع م ــل الِع مي و ليس ــت س ــابقة علي ــه ـــ‬
‫ًا‬ ‫ًا‬ ‫ْل‬ ‫ُمل‬
‫بمعنى أّن ا تخِّص ص في ِع م من اهج الّب حث ـ فيلس وف كان أو عامِل ـ ال يرُس م للب احث‬
‫ْك‬ ‫ُط‬ ‫ُل‬
‫الطريق التي َي ِج ُب أن يس كها‪ ،‬بل على العكس من ذِل ك‪ ،‬يتعّق ُب ُه و ُي الِح ق خ واِتِه الِف ِر ية‬
‫ُش‬ ‫ُل‬
‫و الَع َم ِل ية‪َ ،‬ي ِص ُف ها‪ُ ،‬ي حِّل ها‪ ،‬و ُي صِّن فها‪ ،‬و قد ُي ناِق ها و ينتِق ُد ها‪ِ ،‬م ن أجل ِص ياغتها ِص ياغة‬
‫َل‬ ‫ُت‬
‫نظرية منطقية فيد العا م في ميدان بحثه‪.‬‬

‫هك ذا‪ ،‬ف إن كانت األبس تمولوجيا تتن اول بالدراسة و الّن ق د مب ادئ ُم ختلف العلوم‬
‫وفروضها و نتائجه ا‪ ،‬لتحدي د قيمته ا و حصيلتها املوضوعية ـ كم ا يق ول ''أن دري الالن د''‪،‬‬
‫ف إّن امليتودولوجي ا تقتِّص ر على دراسة املن اهج الِع لمي ة دراسة وصفية تحليلي ة‪ ،‬لبي ان‬
‫مراحل عملية الكشف العلمي‪ ،‬و طبيعة العالقة التي تقوم بين الفكر و الواقع خالل هذه‬
‫ًا‬
‫العملي ة‪ .‬و لعّل أب رز تلك االختالف ات ُي مِك ن تلخيُص ها في مس تويين عموم ‪ :‬األّو ل ه و‬
‫دى‪ ،‬في حين أّن‬ ‫ّت‬
‫مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى ال حلي ـ ـ ـ ـ ـ ــل في امليتودولوجي ا إذ تتن اول كل علم على ِح‬
‫االبستيمولوجيا الطامحة ألن تكون نظري ة عاّم ة في العلوم‪ ،‬ترتف ع إلى مس توى أعلى من‬
‫ّن‬ ‫ُّث‬
‫الّت حلي ل‪ .‬م مس ــتوى الّب حث ال ق ــدي ال رامي إلى استخالص الفلس فة ال تي ينط وي عليه ا‬
‫ْل‬ ‫ّط‬ ‫ْل‬ ‫ًا‬
‫ِض مني التفك ير الِع مي‪ .‬إذ ِم ن جملة م ا تتناول ه ب ال رح النق دي املن اهج الِع ِم ي ة ذاته ا‪،‬‬
‫ِل تبحث عن ثغراتها و تعمل على ُم عالجتها‪ .‬وفي هذا الّص دد َي َر ى '' جون بياجي'' أّن ـ ـ الّت فكير‬
‫ْل‬ ‫ًا‬ ‫َل‬
‫االبستيمولوجي يو ُد داِئ م ِب سبب "أزمات" هذا الِع م أو ذاك‪ ،‬أزمات تنشأ ِب َس بب خطأ في‬
‫ُت َل‬
‫املناِه ج السابقة و عا ج باكتشاف مناِه ج جديدة‪ .‬ـ ـ هكذا ُي ْم ِك ن القول أّن ـ ـ األبستمولوجيا‬
‫ميتودولوجيا من الدرجة الثانية‪ .‬ـ ـ‬

‫‪ .3‬في العالقة بين تاريخ الِع لم و االبستيمولوجيا‪:‬‬

‫لنب دأ في ه ذا املق ام كم دخل بمقول ة لألستاذ ''ج ورج كانجيله ام ‪:'' 1G. Canguilhem‬‬
‫ُت‬ ‫ْل‬
‫« فكما أّن أّي نظرية ِع ِم ية ال ترتبط باالبستيمولوجيا صِب ح عبارة عن تأمالت في فراغ‪،‬‬
‫ف إّن أِّي محاول ة في االبستيمولوجيا ال تري د أن ترب ط نفس ها بتاريخ العلوم تصبح عب ارة‬
‫عن ِّظ ل بدون معنى للعلم الذي تزعم الحديث عنه‪ ».‬و معنى ذلك أّن األبستمولوجيا في‬
‫منظور بعض الفالسفة ترتبط على نحو ضروري بتاريخ العلوم‪ .‬فما هي أكــثر أنــواع تــاريخ‬
‫ًا‬
‫العلوم ارتباط باألبستمولوجيا؟‬
‫ُأ‬
‫إّن الّن وع ال ذي يُّه ُم األبس تمولوجيا ه و الّن وع ال ذي يس اعد على تبيين ُس س الفك ر‬
‫ّذ‬ ‫ْل‬
‫الِع مي و ال ي يعتم د على املنهج التاريخي الّن ق دي‪ ،‬و يه دف إلى دراسة الّت ي ارات الك برى‬
‫للِف ك ر الِع لمي‪ ،‬م ع إعط اء كل ظاهرة أو اكتشاف مكان ه في ه ذه الّت ي ارات‪ .‬ه ذا الّن وع من‬
‫تاريخ الِع لم يدخل ‪-‬كما يقول "بيار بوترو" ‪ « -2 Pierre Léon Boutroux‬إّن تاريخ العلوم‬
‫ّت‬ ‫ْل‬
‫املدروس بشكل ُم الِئ م‪ ،‬يزي د من حظوظن ا في اكتشاف أُّس س التفك ير الِع مي و ا جاهات ه‬
‫ْل‬ ‫ّن ُمل‬
‫[‪ ]...‬إ ه ا قِّد مة الطبيعية للفلسفة الِع ِم ية‪ . » .‬هذا ما أطلق عليه اسم‪'' :‬التاريخ الفلسفي‬
‫ُط‬
‫للِع لم''‪ ،‬فم ا َي ُّه ُم األبس تمولوجيا من ت اريخ العلوم‪ ،‬ه و تط ور املف اهيم و ُر ق التفك ير‬
‫ْل‬
‫الِع ِم ية‪ ،‬و ما ينشأ عن ذلك ِم ن ِق يام نظريات معرفية جديدة‪.‬‬

‫‪ - 11‬أستاذ تاريخ و فلسفة العلوم بجامعة "باريس" في مؤلِّف ِه ‪ِ '' :‬د راسات في التاريخ و فلسفة العلوم'' (‪.)1975‬‬
‫‪ – 22‬في كتابه '' املثال العلمي للرياضيين في الِق دم و العصور الحديثة ‪L’edeal scientifique des Mathematiciens‬‬
‫)‪.dans l’antiquite et les temps modernes- (1955‬‬
‫ْل‬
‫الخالصة‪ :‬إّن االبستيمولوجيا إذن‪ ،‬فلسفة للِع م تتلّو ن ِب لون املرحلة التي يتجاوزها الِع لم‬
‫في سياق تّط وره و تقّد مه‪ ،‬و من هنا طابعها الِع ْل مي‪ ،‬و لون الفلسفات التي تقوم خالل كّل‬
‫ِب‬
‫ْل‬
‫مرحلة‪ ،‬أو عقبها ُم باشرة‪ ،‬والتي تحاول كّل منها استغالل الِع م ِل فاِئ دتها‪.‬‬

You might also like