Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في مقياس:
السنة الجامعية2024/2023:
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-1أهداف التعليم:
يهدف إلى تعريف الطالب بالطابع المعرفي والعلمي لعلوم اإلعالم واالتصال من حيث نشأتها وتطورها
ومساهمة مختلف النظريات االجتماعية واالتصالية في تأطير الفعل االتصالي وإبراز علمية هذه العلوم كحقل
مستقل.
-2المكتسبات القبلية:
-3برنامج المقياس:
ديكارت
ايمانويل كانط
غاستون باشالر
ميشال فوكو
كارل بوبر
يهتم هذا المقياس بالوضعية االبستمولوجية لعلوم اإلعالم واالتصال ،ويدرس كيفية تشكل هذا المجال
ومعرفة موقعه في خارطة العلوم .فمجال اإلعالم واالتصال حديث النشأة ،ومن الدارسين من يعتبره علما
قائما بذاته ،ومنهم من يعتبره مجال بحث مفتوح .كما يهتم هذا البحث ببراديغم التعقيد المطروح بقوة في
اإلعالم واالتصال ذلك ألن هذا المجال نما انطالقا من حقول معرفية عديدة في العلوم اإلنسانية واالجتماعية
مثل الفلسفة ،وعلم االجتماع ،وعلم النفس االجتماعي ،والفيزياء والرياضيات .وهذا ما يجعل القضايا البحثية
والتعليمية في اإلعالم واالتصال قضايا مركبة ال تعمل ببراديغم التبسيط .ويطرح هذا البحث مسألة التناهج
بين العلوم كشكل من أشكال التحاور بين العلوم من أجل إيجاد الحلول للمشكالت اإلنسانية والبيئية .
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-1مفهوم االبستمولوجيا:
لقد كان للتحوالت العلمية على الدوام صداها على الفلسفة حيث كانت مناسبات النتعاشها وميالدها من
جديد ،وإعادة النظر في أسسها وفحص مفاهيمها .فالعلم يخلق فلسفة والفلسفة مضطرة ألن تكون مفتوحة
تتلقى دروسها من العلم وال تأتي إليه بأحكامها وإسقاطاتها.
األبحاث االبستمولوجية نشطت أعقاب الثورة العلمية الحديثة المرتبطة بحركات نقدية نابعة من داخل األنساق
العلمية ذاتها ،بما يعني أنه من الحقائق الثابتة في نطاق العلوم وتاريخها أن النقد الدائم أصل من أصول
الحياة اإلنسانية الواعية وشرط من شروط حركية الواقع البشري .بذلك يعتبر النقد حالة صحية ،فهو بمثابة
مساءلة وتحليل ومراجعة لألفكار والواقع واألفعال التي تنطلق من معايير معينة وشروط محددة من أجل خلق
سياقات معرفية جديدة.
أ-ايتيمولوجية المفهوم:
يعتبر مصطلح االبستمولوجيا مصطلحا يونانيا يتألف من شقين " "Epistimeوتعني العلم أو المعرفة،
و""Logosوتعني دراسة ،نقد أو نظرية .لذلك بحكم االشتقاق اللغوي فإن مصطلح االبستمولوجيا يعني
"نظرية العلم أو "نظرية المعرفة".
أول من تبنى المصطلح هو الفيلسوف االسكتلندي "جيمس فريدريك فريرر"( ،)1864-1808وهو أستاذ
الفلسفة األخالقية في جامعة سانت أندروز من أشهر مؤلفاته كتابه المعنون " مقدمة في فلسفة الوعي"والذي
كان في حقيقته سلسلة مقاالت نشرها مابين العامين 1838وفي 1839في مجلة " بالك وود" ( black
) woodوهو كتاب نقدي للفالسفة وذلك لتجاهلهم الوعي في أبحاثهم النفسية .ومن مؤلفاته األخرى كتابه "
أزمة التأمل الحديث"الذي ظهر في العام .1841
يعرف "الالند" ) (Lalandeفي معجمه االبستمولوجيا بأنها "فلسفة العلوم"ثم يضيف ولكن بمعنى آخر
أكثر خصوصية فهي ليس بالضبط دراسة المناهج العلمية ،هذه الدراسة التي لها موضوع الميتودولوجيا،
والتي تشكل جزءا من المنطق ،وليس كذلك تركيبا أو استنباطا للقوانين العلمية وإنما هي أساس الدراسة
النقدية لمبادئ مختلف العلوم ولفروضها ونتائجها بقصد تحليل أصلها المنطقي ال السيكولوجي وبيان قيمتها
وحصيلتها الموضوعية .ما يعني أن االبستمولوجيا بصفة جوهرية هي الدراسة النقدية للمبادئ والفرضيات
والنتائج العلمية .الدراسة الهادفة إلى بيان أصلها ،وقيمتها الموضوعية.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
أما "بول موري" فيرى أن االبستمولوجيا هي النقد العلمي للمعرفة ...ومهمتها دراسة المنهج العام للعلوم
والعمليات التي يطبقها العقل البشري على العلوم .يضفي "بول موري" في تعريفه الطابع الفلسفي لماهية
االبستمولوجيا من خالل تركيزه على دور العقل البشري بملكاته ومقوماته التحليلية النقدية وما يمارسه من
عمليات فكرية على مختلف المعارف.
يعرفها محمد قاسم أن االبستمولوجيا هي " دراسة نقدية واعية لطبيعة ومناهج العلم وتصوراته ومبادئه فتناول
بالفحص والتدقيق والمبادئ واألسس والبناء المنطقي ألي نسق علمي باستعمال االستقراء واالستنباط
والتحقيق.
إن االبستمولوجيا–انطالقا -من تعريفها -تهتم بالدراسة النقدية لقضايا "العلم" القديمة والحديثة ،فهي في حوار
فلسفي ومنهجي مستمر مع القضايا العلمية داخل النسق الفكري العلمي ،وخارجيا في اكتشاف العالقات
المختلفة التي تربط مختلف المعارف وفق تصور فلسفي معين ،ينطلق من الحقيقة ليعود إليها في جدال
وحوار مستمر بحثا عنها.
تعد نظرية المعرفة أقرب المباحث من االبستمولوجي حيث تعد االبستمولوجيا اشتقاقا منها،فنظرية
المعرفة تهتم بدراسة المشكالت التي تثيرها العالقة بين الذات والموضوع .واالبستمولوجيا تتناول مشكالت
وقضايا خاصة بالمعرفة العلمية فقط ولذلك فلكل علم أو اختصاص ابستمولوجيته والتي يدرسها أهل
االختصاص من علماء ،عكس نظرية المعرفة التي تعالج موضوعاتها فالسفة ،والتي ال تقتضي إلماما بالعلم
أو االختصاص المدروس.
يقول "بياجي" " :إن المناسبات التي يزهر فيها التفكير االبستمولوجي هي األزمات التي يمر بها هذا العلم أو
ذاك ،وأن علة هذه األزمات هي التغيرات المتعلقة بالمناهج التي تستخدم في هذه العلوم ،وأن تجاوز هذه
األزمات مشروط باختراع "مناهج جديدة" .فالتفكير االبستمولوجي داخلي يبحث عن األسس والتركيبات
الداخلية لنسق المعرفة.
قدمت االبستمولوجيا نفسها على أنها الناقد لإلنتاج العلمي ،بإبراز أسسه المعرفية التي ينطلق منا ومراجعة
مقوالته ومفاهيمهن ونظرياته ،بالتالي إبراز عوائقه وأزماته والقطيعات التي تحدث خالل مسيرته ،وبذلك
اعتبرت االبستمولوجيا حدثا تاريخيا ،غير ميكانيزمات التفكير التقليدي.
يقول "كارل مانهيم ")" (Karl Mannheimعملت االبستمولوجيا على إنهاء الشك باعتمادها على نقطة
انطالق ال تستند إلى تلقين وثوقي لنظرية الوجود ،وال إلى نظام كوني يستمد مصداقيته من نوع متعال من
المعرفة ،لكن تعتمد على تحليل الذات العارفة"
قدم أرسطو( 322-384قبل الميالد) اإلجابة عندما قال أن الفلسفة تبدأ بنوع من التعجب أو الحيرة.
بحيث يرغب جميع البشر تقريبا في فهم العالم الذي يعيشون فيه ويقوم العديد منهم ببناء نظريات من مختلف
األنواع لمساعدتهم على فهم العالم .وألن العديد من جوانب العالم تتحدى التفسير السهل ،فمن المرجح أن
يتوقف معظم الناس عن جهودهم في مرحلة ما ويكتفون بأي درجة من الفهم تمكنوا من تحقيقها ،على عكس
معظم الناس ،فإن الفالسفة مفتونون are captivedكما يقول البعض مهووس بفكرة فهم العالم بأكبر
المصطلحات العامة الممكنة ،وبناء على ذلك ،فإنهم يحاولون بناء نظريات إجمالية ،ودقيقة وصفيا وقوية
من الناحية التفسيرية.
تعتبر نظرية المعرفة قلب الفلسفة حيث بدأ بعض الفالسفة األوائل مشروعهم بطرح أسئلة نعتبرها اليوم
ذات طبيعة معرفية.وهذا أمر منطقي عندما تفكر في األمر ،ألن التفكير األعمق في الطبيعة الدقيقة للمعرفة
من شأنه أن يوفر للفيلسوف وسيلة أفضل لتصنيف ما يتعلمونه من خالل عملية الفلسفة.ولكن لماذا حتى
طرح هذه األسئلة؟أال نستخدم المعرفة كل يوم؟أليس من الهزيمة الذاتية حتى طرح أسئلة مثل هذه؟ماذا
تعرف؟ … هذا ألن الفالسفة ،بطريقة ما ،ال يحبون اعتبار أي شيء أم ار مفروغا منه ،يحب الفالسفة أن
يضعوا أمام المجهر االفتراضات األساسية التي يتم تطبيقها دون وعي في حياة معظم الناس اليومية .ويمكن
مالحظة ذلك في بعض كتابات الفلسفة األكثر شهرة ،مثل رمزية الكهف ألفالطون ووساطات رينيه ديكارت
كالهما أبدعا في دعوة قرائهما لالنغماس في نوع غريب من الشك حول الواقع .
إن اإلنسان مجبول بالفطرة على غريزة المعرفة والفضول واالستكشاف ،فهو دائما يريد أن يعرف ما هو وراء
األشياء المحسوسة التي يراها أمام عينه وما هي أسباب حدوثها بهذا الشكل وليس بآخر ،كما أنه يريد أن
يعلم ما هو غير مدرك بالحس ،وهي األمور والمعاني المعنوية المجردة مثل القيم واألخالق وغيرها من
األمور غير المحسوسة .فاإلنسان دائم البحث عن المعرفة وهو دائم التساؤل ،ومبحث االبستمولوجيا أو
نظرية المعرفة يبحث في هذه األشياء .فقديما تطرق الفالسفة إلى ماهية المعرفة وكيف يمكن أن تكتسب؟
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
وما هي قيمة المعرفة؟ وما الفرق بين العلم والمعرفة؟ بل وما عالقة العلم بالمعرفة؟ فهذه هي المباحث التي
تبحث فيها االبستمولوجيا والتي حاولت العديد من المدارس الفلسفية الرد على هذه األسئلة محاولين تفسير
ما توصلت إليه البشرية من علوم ومعارف واكتشافات ونتائج غيرت الكثير من مالمح العالم سواء على
صعيد العلم الطبيعي أو الرياضي أو اإلنساني.
-االيبستيمولوجيا هي خطاب حول العلم ،discours sur la scienceأي أنها ال تسبق العلم وإنما تأتي
بعده.
-االيبستيمولوجيا هي خطاب نقدي حول المعرفة العلمية ،أي حول كيفية تشكلها وتطورها.
ولذلك يجب على طلبة االيبستيمولوجيا التحكم في تعريف العلم والمعرفة العلمية باعتبارهما يمثالن موضوع
االيبستيمولوجيا .ونشير أيضا إلى ضرورة التمييز مفاهيميا بين ماهو معرفة علمية وماهو معرفة غير علمية.
-جانب وصفي :aspect descriptifويجيب هذا الجانب على سؤال ما هي البنية والحركية الداخلية
لمجال أو حقل علمي معين؟.
-جانب معياري :aspect normatifويهتم هذا الجانب بتعريف ما هو العلم ،أو تحديد حقل ما هو علم
ويجيب هنا على سؤال :ما هو العلم أو متى نكون بصدد حقل علمي؟.
:La méthode synchronique -وهو منهج مباشر ال يربط المعرفة بتطورها التاريخي وإنما يدرسها في
لحظتها الحالية من خالل دراسة محتواها ومناهجها ،وهذا ما يسمى بالمنهج المباشر أو التحليل المباشر
.analyse direct
:La méthode diachronique -وهو منهج يربط تحليل االختصاصات العلمية بتاريخ تطورها ابتداء
من ميالدها ثم تطورها وتحولها إلى نظريات علمية ،وهو بهذا عبارة عن تحليل جينيتيكي analyse
génétiqueمقابل للتحليل المباشر في المنهج األول ،وهذا التوجه يطرح سؤال التطور العلمي ،أو ما سمته
األعمال الكبرى بتاريخ العلوم وهنا ندرس:
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-2خصائص اإلبستيمولوجيا:
-1خطاب تدبُّري ،réflexifبمعنى خطاب يسقط نفسه على العلوم ،ذلك أنها تفترض مسبقا وجود العلم،
وتأتي بعده لزاما.
-2خطاب نقدي ،critiqueحيث ال تكتفي بوصف العلوم دون محاكمتها ،أي مناقشة سالمة األسس التي
قامت عليها.
-3االبستمولوجيا والعلم:
يرتبط ظهور مصطلح االبستمولوجيا بتاريخ الحركة العلمية خاصة خالل القرنين الثامن والتاسع عشر.
ولئن كان المصطلح جديدا فإن الحركة العلمية والممارسات النقدية الفلسفية المنطقية على العلم قديمة قدم
الفكر اليوناني ،فأول من تعرض لها كان الفيلسوف اليوناني" بارميندس" من خالل مقولته "أن هناك وجودا
يتعدى كل ما تعرفه التجربة العادية" ليتطور األمر تدريجيا مع سقراط وأفالطون خاصة من خالل مؤلف هذا
األخير الموسوم ب" محاورة ثياتينوس" التي شغلت المعرفة وتعريفها حي از واسعا منها".
بعدها تتوالى تطورات المسار العلمي في هذا الشأن إلى أن ظهر مؤلف الفيلسوف " جون لوك " سنة 1690
والموسوم ب" مبحث في الفهم اإلنساني" الذي تناول بإسهاب موضوع االبستمولوجيا في حيز كبير .وبعد أن
تراكم نتاج الحركة النقدية للعلوم التي تناولت طبيعة القوانين ونظريات الفيزياء وقوانين الرياضيات عندها
اجتمعت الكفاءة العلمية مع التفكير الفلسفي وجدت االبستمولوجيا نفسها قد تكونت بوصفها مبحثا أصيال.
وقد أكد "بوبر" من جهته أن مشكالت االبستمولوجيا مرتبطة بمشكلة نمو المعرفة لذلك وجب التركيز على
تتبع حركات نمو هذه المعرفة ودراستها ،فالمعرفة ليس لها حدود نهائية ألن العلم قائم على تصحيح العلم،
ألنه وكما يرى "باشالر" يجب النظر إلى المعرفة من زاوية تطويرها في الزمان كتكوين من ناحية وباعتبارها
لم ولن تكتمل من ناحية أخرى وهو ما أسماه "باشالر" الفلسفة المفتوحة.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-4المعرفة:
عبارة عن مجموعة المعاني والتصورات ،اآلراء ،المعتقدات والحقائق التي تتكون لدى اإلنسان نتيجة
لمحاوالته المتكررة لفهم الظواهر واألشياء المحيطة به ،والمعرفة مفهومها ليس مرادفا لمفهوم العلم ،فالمعرفة
تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية ،فكل علم معرفة إال أنه ليس بالضرورة أن كل معرفة علما .يكمن
الفرق بين العلم والمعرفة على أساس األسلوب والمنهج التفكيري الذي من خالله يتم تحصيل المعرفة.
يمكن تعريف العلم وفق ما ذهب إليه فيلسوف العلم الفرنسي "هنري بوانكاريه" ،في كتابه قيمة العلم بأنه:
"طريقة في تقريب الحوادث التي تفصل بينها المظاهر ،رغم أنها مرتبطة بقرابة طبيعية وخفية ،فالعلم هو
نسق من العالقات .هو عبارة عن المعرفة المنسقة التي تنشأ من المالحظة والدراسة والتجريب ،وهو مجموع
الخبرات اإلنسانية التي تجعل اإلنسان قاد ار على التقدير أو فهم الظواهر الكونية من أسباب وآثار".
الفرق بين العلم والمعرفة :يكمن الفرق بين العلم والمعرفة في كون األخيرة إدراك للجزئي ،في حين أن العلم
علمت هللا ،ألن من شروط العلم أن يكون العالم
ُ فت هللا وال تقول
هو إدراك للكلي ،ولذلك تقول مثال عر ُ
محيطا بأحوال المعلوم إحاطة تامة.
مصادر المعرفة:
الحسية :هي المرحلة التي كان اإلنسان يعتمد فيها على حواسه كمعرفة كل ما يدور حوله ،وهي
ّ -1المعرفة
التزال مستمرة لوقتنا الحالي ،ويمكن تسميتها بمرحلة طفولة العلم ،وهي أولى المصادر التي اعتمد عليها
اإلنسان في تفسير الظواهر".حواسنا تخدعنا"
-2مرحلة االعتماد على التقاليد ومصادر الثقة :كانت تفسر الظواهر تبعا ألفكار بعض الحكماء والقدامى،
وهي معارف متوارثة تتحول في كثير من إلى تقاليد يحافظ عليها األجيال كما قد تكون المعرفة مفروضة من
طرف القبيلة أو السلطة بشكل أعم ،وهذا ما نجده في العصور الوسطى مع سيطرة الكنيسة وفرضها للحقائق.
-3المعرفة الفلسفية:وهي معرفة تعتمد على التأمل والحوار والتدليل ،فهي مرحلة اعتمد فيها على التدليل
المنطقي من خالل استنتاجات منطقية وهذا ما نجده في أفكار أفالطون وأرسطو إال أن هذه المعرفة تخدع
الباحث أحيانا ألنها ترتكز على العمليات العقلية والحوار الماهر.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-4مرحلة المعرفة العلمية:وهي مرحلة التحقيق العلمي من خالل وضع الفروض وإجراء التجارب
واستخالص النتائج وهي مرحلة تحويل الظاهرة الكيفية إلى كمية وهي ال تقف عند المفردات الجزئية التي
يقوم اإلنسان ببحثها بل تتجاوز ذلك حتى يصل إلى قوانين ونظريات عامة وهذا ما عبر عنه "أوغست
كونت"
-مصدر المعرفة العلمية:الغالب في ميدان اإلبستيمولوجيا هو القول بطريقتين للحصول على المعرفة
العلمية ،وتتمثالن في أطروحتي االستقراء واالستنباط ،أما االستقراء فهو استدالل مستمد من مالحظة وقائع
خاصة ،بهدف استخالص افتراضات عامة ،في حين أن االستنباط هو استدالل مستمد من افتراضات عامة،
بغية التحقق من صحتها في الواقع.
من الصعب إقامة حدود فاصلة بين االبستمولوجيا ومختلف الدراسات واألبحاث الدراسات واألبحاث
المشابهة .كما حاول"الالند" التمييز بينها في تعريفه لالبستومولوجيا ،فالغالب أن االبستمولوجيا تعالج مسائل
هي باألصالة من ميدان الميتودولوجيا أو المنطق أو فلسفة العلوم أو نظرية المعرفة.
تهتم نظرية المعرفة بتحليل طبيعة المعرفة ،كما تهتم بدراسة المشكالت التي تثيرها العالقة بين الذات
العارفة والموضوع ،لذلك فنظرية المعرفة هي مصطلح مركب من لفظين وهما نظرية وهي تركيب عقلي
مؤلف من تصورات منسقة تهدف إلى ربط النتائج بالمبادئ والمقدمات أو هي فرض علمي يربط عدة قوانين
ببعضها .أو ب تعبير آخر فالمعرفة هي ذلك الفعل الذي تستطيع بواسطته الذات أن تسيطر عقليا على
موضوع معين بهدف اكتشاف خصائصه المميزة.
والثاني المعرفة في التحليل الفلسفي هي ثمرة التقابل واالتصال بين ذات مدركة وموضوع مدرك ،ومعنى ذلك
أن المعرفة عملية إدراك ،فعندما يدخل الموضوع في عالقة معرفية يصبح معروفا أي مدركا ،أو هي العلم
الذي يبحث في المسائل المتصلة بطبيعة العلم اإلنساني.
تقر أغلب المسوح األدبية ضرورة التمييز بين االبستمولوجيا ونظرية المعرفة ،استنادا أن االبستمولوجيا تهتم
بنظرية المعرفة العلمية ،في حين تتناول نظرية المعرفة كل أنواع المعارف .محاولة تفسير العالقة بين
االبستمولوجيا ونظرية المعرفة نجد أنفسنا أمام أمام ثالث اتجاهات:
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
▪ االتجاه األول :يعتمده الناطقون باللغة االنجليزية فقد ساوى هؤالء في االستخدام بين لفظ ابستمولوجيا
ونظرية المعرفة ولم يقيموا أي تفرقة بين الميدانين .يقول كاتب مادة " االبستمولوجيا" في دائرة المعارف
الفلسفية ) (Encyclopedia of philosophyمايلي" :االبستمولوجيا أو نظرية المعرفة هي ذلك الفرع
من فروع الفلسفة الذي ينصرف إلى دراسة طبيعة المعرفة وحدودها ،ويهتم بتحديد األسس والفروض التي
تستند اليها" وإلى نفس هذا المعنى تقريبا ذهب كاتب مادة االبستمولوجيا في دائرة المعارف البريطانية(
.)1961
▪ االتجاه الثاني :يمثل موقف االبستمولوجيين الفالسفة الذين يؤكدون على وجود تقارب بين االبستمولوجية
ونظرية المعرفة ،فالعالقة بينهما حسب هؤالء هي عالقة الجنس بالنوع ،ألن االبستمولوجيا تبحث في
صورة معينة من المعرفة وهي المعرفة العلمية .وعلى الرغم من ذلك فالتمييز سرعان ما يمحى عندما
نرجع النوع إلى هذا الجنس وحده ،حيث هناك من الفالسفة الذين يطلقون تعبير المعرفة على المعرفة
العلمية ويرون أن كل ماعدا ذلك فهو لفظ خال من المدى المعرفي.
▪ االتجاه الثالث :يمثله الفالسفة الذي ينتمون إلى الوضعية المنطقية والذي يرفضون أن تكون هناك
عالقة بين االبستمولوجيا ونظرية المعرفة وإن حاولنا أن نعبر عن العالقة بين االبستمولوجيا ونظرية
المعرفة ،فنقول أن االبستمولوجيا تهتم بالدراسات العلمية وتحاول التملص من مصيدة الفلسفة ،أما نظرية
المعرفة تشمل العلوم العامية والعملية معا وبذلك فالعالقة بينهما هي عالقة الجزء بالكل أي االبستمولوجيا
هي الجزء واالتصال هي الكل.
ب -العالقة بين االبستمولوجيا وفلسفة العلوم :فلسفة العلوم أحد فروع الفلسفة الذي يهتم بدراسة األسس
الفلسفية واالفتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة ،بما فيها العلوم الطبيعية مثل
الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا والعلوم االجتماعية.
ظهرت تسمية فلسفة العلوم في بداية القرن 19وهي التسمية التي أطلقت على التيار الفلسفي الذي
تزامن مع ظهور الوضعية ،كما أنه تيار يسعى إلى إخضاع التأمل الفلسفي إلى المسعى العلمي
بهدف تقريبه إلى الدقة والواقع الحسي ومن ثم فتح أمامه آفاقا علمية واسعة .يعتبر الفيزيائي الفرنسي
" أندري آمبير" ) )1836-1775( (André Ampéreأول من استخدم المصطلح في كتابه "
بحث قي فلسفة العلوم" سنة .1834والشك في أن الوضعية هي السبب الرئيسي في ظهور
مصطلح فلسفة العلوم.
يرى "بالنشيه"أن محاولة التمييز ٌبدقة بين االبستمولوجيا وفلسفة العلوم يزداد عسرا ،وذلك من جراء
مرونة هذه العبارة األخيرة فصاحب كتاب" قراءات في فلسفة العلوم" يميز بين أربع وجوه مختلفة
لفلسفة العلم:
-دراسة عالقته بالعلم والمجتمع
-السعي لوضع العلم وطرح مجموعة القيم اإلنسانية
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-المحاوالت الفكرية التي تنطلق من نتائج العلم وتجاوزها لبلوغ ما يمكن تسميته فلسفة الطبيعة.
-التحليل المنطقي للغة العلم.
وهدف القائلين بعدم وجود أية عالقة بين االبستمولوجيا وفلسفة العلوم فهو أال تختلط االبستمولوجيا
بالمشكالت الفلسفية .ولو صح القول أن هناك عالقة بين االبستمولوجيا والفلسفة لصح بالتالي القول أن لكل
فلسفة مقهومها الخاص من العلم ابتداء من فلسفة أفالطون وصوال إلى الفلسفة الوضعية هذه األخيرة التي
جعلت للعلم مكانا خاصا وممي از في نسق المعارف المختلفة وهذا ما قد يجعل الفلسفة الوضعية تتصدر فلسفة
العلوم.
إن أهم ما يميز االبستمولوجيا المعاصرة ،كما يقول االستاذ "روبير بالنشيه" هو االنتقال التدريجي بمشكالتها
من أيدي الفالسفة إلى أيدي العلماء المتخصصين ،انتقاال ليس مرده إلى رغبة عابرة ولكن سببه تلك األزمات
األخيرة التي هزت العلوم من جذورها ،وماتلي ذلك من ثورات علمية كان على العلوم نفسها ان تستوعبها.
نتج عن ذلك أن العلماء أنفسهم أعادوا النظر في مبادئ علومهم ،ووضعوا األسس التي تقوم عليها موضع
التساؤل ،ولقد تم كل هذا بين العلماء أنفسهم وبعيدا عن الفلسفة والفالسفة.ما يعني أنه يمكن القول أن
االبستمولوجيا باتت تفلت أكثر فأكثر من قبضة الفالسفة.
لكن هل هذا يعني أننا ننفي أي عالقة بين االبستمولوجيا وفلسفة العلوم؟ ال يمكن أن ننكر أن مشكالت
االبستمولوجيا الخاصة بكل علم على حده غالبا ما تتطلب هي األخرى خلفية فلسفية عند العلماء أنفسهم.
لذلك نجد عدة ابستمولوجيات كبرى في زمننا كما يحلل "روبرت بالنشي" ظلت مرتبطة في الواقع بالفلسفة
مثل أبحاث غاستون باشالر ومايرسن وكسيوار .يضيف بالنشي أننا إذا مافرقنا بين االبستمولوجيا وفلسفة
العلوم ،فيجب أن نؤكد بأن هذا الفارق في درجة االتساع فقط .فليست االبستمولوجيا إال جزء من فلسفة
العلوم ،إنها ذلك الجزء األكثر قربا بدون شك من العلم،إال أنها بروحها ومناهجها تمتد في منطقة وسطى بين
العلم والفلسفة فتتسع على جوانبها على حساب كالهما.
الميتودولوجيا اشتقاقا تأتي من Méthodeوهي مشتقة من Méthodosاليوناني ومعناها الطريق إلى أو –
الحقا -المنهج المؤدي إلى ..
وبعد تطور الكلمة باتت تدل على مجموعة العمليات العقلية والخطوات العملية التي يقوم بها العالم من بدئ
عمله أو بحثه حتى نهاية بحثه من أجل كشف الحقيقة والبرهنة عليها.
يعرف "أندريه الالند"قاموسه الفلسفي الذي صدر سنة 1906الميتودولوجيا على "أنها جزء من المنطق
وفحواها أنه ا تدرس المناهج العلمية على خالف االبستمولوجيا " التي تعني الدراسة النقدية للمبادئ
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
والفرضيات ونتائج مختلف العلوم" ما يعني أن الميتودولوجيا تقتصر فقط على دراسة المناهج العلمية دراسة
وصفية تحليلية لبيان عملية الكشف العلمي وطبيعة العالقة التي تقوم بين الفكر والواقع .فهناك فرق بينها في
مستوى التحليل في الميتودولوجيا مقصورة في الغالب على الدراسة الوضعية في حين أن االبستمولوجيا فهي
في مستوى البحث النقدي.
يعبر "بياجيه" عن العالقة بين الميتودولوجيا واالبستمولوجيا بقوله "إن المناسبات التي يظهر فيها دائما
التفكير االبستمولوجي هي األزمات التي يمر بها هذا العلم أو ذاك ،وأن علة هذه األزمات هي التغيرات
المتعلقة بالمناهج التي تستخدم في هذه العلوم وأن تجاوز هذه األزمات مشروط باختراع مناهج جديدة" مايعني
أن العالقة العضوية الموجودة بين المنهجية والنتائج العلمية ال تسمح بالتفرقة بينهما ،فالمنهج إذا كان سليما
خالصا تكون نتائجه سليمة خالصة والعكس ،فالتفاعل والتجانس بين هذا وذاك هو عماد المعرفة الصحيحة.
يشدد "بياجيه" على التكامل بين العلمين فاالبستمولوجيا ال يمكن أن تستغني في دراستها النقدية على دراسة
مناهج العلوم ألن دراسة المناهج العلمية مهمة في بيان مراحل عملية الكشف التي تعتبر في المجاالت
األساسية للدراسةاالبستمولوجية.
فعلم المناهج يقدم الدراسة الوصفية المستخدمة في تحصيل المعارف العملية ثم تتعدى االبستمولوجيا ذلك
الى الدراسة النقدية الرامية الستخالص المبادئ التي ينطوي عليها التفكير العلمي .وبالتالي اليمكن الفصل
فصال تاما مابين علم المناهج ونظرية المعرفة العلمية ،فمن الصعب أن يدرس االبستمولوجيمبادئ وقوانين
أي علم من العلوم دراسة نقدية دون أن يتساءل حول طبيعة وقيمة الوسائل التي تستخدمها هذه العلوم
للوصول إلى النتائج والقوانين.
يعتبر تاريخ العلوم ذلك التسلسل الذي تمر به الحقائق العلمية بشتى أنواعها عبر العصور ،ويقول "بيير
بوترو""إن تاريخ العلوم المدروس بشكل مالئم يزيد من حظوظنا في اكتشاف أسس التفكير العلمي
واتجاهاته" .ويعتبر تاريخ العلوم مبحث ضروري للتفكير االبستمولوجي ،وهذا االخير يحاول أن يبحث في
تأسيس المعرفة العلمية ،وذلك ال يكون إال بالرجوع إلى تاريخ المعرفة بصفة عامة وتاريخ العلم بصفة
خاصة.
يعتبر "كونغليم" ) (Conguilhamتاريخ العلوم مخب ار لالبستمولوجيا أين تقوم بتحقيق فرضياتها ونتائجها
وبذلك تكون مهمة تاريخ العلم الكشف عن العالقة المنطقية التي تربط الحقيقة بالعلم عبر المراحل التاريخية
المختلفة والتي تمد االبستمولوجيا بالعناصر األساسية والضرورية لتحليالتها ونقدها للمعرفة العلمية .إذن
مايهم االبستمولوجيا من تاريخ العلوم هو تطور المفاهيم وطرق التفكير العلمية ،وماينشأ عن ذلك من قيام
نظريات معرفية جديدة .وبذلك تكون مهمة تاريخ العلم الكشف عن العالقات المنطقية التي تربط الحقيقة
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
بالعلم عبر عبر المراحل التاريخية المختلفة والتي تمد االبستمولوجيا بالعناصر األساسية والضرورية
لتحليالتها ونقدها للمعرفة العلمية ،ذلك أن صنع سياقات تكون المعارف ونموها يقتضي بالضرورة العودة
إلى تاريخها وتلك وظيفة المنهج التاريخي –النقدي.
إن موضوع العلوم اإلنسانية أثار جدال قويا بين كل من اهتم بهذه المعرفة العلمية التي كانت آخر معرفة
انفصلت عن الفلسفة ،الشيء الذي جعل من المهتمين باالبستمولوجيا ضمن العلوم اإلنسانية يعيدون النظر
في كل المقاربات التقليدية التي تحاول اختيار مناهج جاهزة لفهم الظاهرة اإلنسانية .تتمحور ابستمولوجيا
العلوم االنسانية حول سؤال أساسي أال وهو كيف يمكن الحديث عن الحقيقة ضمن مجال العلوم اإلنسانية؟
لذلك ظهرت مقاربات ابستمولوجية معاصرة تقوم على تصور جديد يستقطب عدة مقاربات تتعايش فيما بينها
لكي تقدم شكال متكامال للحقيقة في العلوم اإلنسانية ،وهذا بترجيح "المقاربة المنفتحة" التي تأخذ بعين
االعتبار التغيرات المتعددة التي تطال موضوع العلوم اإلنسانية ،ألن الوضعية والتي كان يشغل المنهج
التجريبي مكانا متميزا ،اتضح بأن الموضوعية وإن كانت جد مهمة وال يمكن تجاوزها لكنها غير كافية لفهم
العالم االجتماعي بذاتيته ،ودوافعه وأهدافه وكذا ضمن انشغاالته اليومية وتفرده ،هي أبعاد ال يمكن تجاهلها.
إن سعي اإلنسان إلى مباحثة العلم أفرز في النهاية مبحثا علميا جديدا في مظهره قديما في مخبره ،وهو
بال شك ما اصطلح على تسميته ب "االبستمولوجيا أو علم المعرفة وكان الغرض منه تحديدا الفهم
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
الموضوعي للواقع .إال وأنه وبسبب المشاكل التي تنشأ بين الذات العارفة والموضوع المعروف ،فقد تعددت
العدة االبستمولوجية ،وهو تعدد ينشأ من األساس بسبب اختالف الفهوم البشرية ،التي التنفك -عادة-
تستخدم أدواتها ضمن إطار إدراكي مخصوص ،تتساءل وفقه وتجيب وفقه أيضا ،وهو ( أي اإلطار) ما
يمكن أن يشمله اصطالح الطرح (أو االتجاه) االبستمولوجي ،وبناء عليه فهناك الكثير من الطروحات
االبستمولوجية التي يمكن تناولها السيما ضمن سياق الحضارة الغربية.
-1رونيه ديكارت(1650- 1596 :René Descartesهو فيلسوف ،ورياضي ،وفيزيائي فرنسي ،يلقب بـ"أبو
الفلسفة الحديثة" ،من أبرز مؤلفاته تأمالت في الفلسفة األولى ،1641وهو صاحب المقولة الشهيرة "أنا
أفكر إذا فأنا موجود".
يعد من أهم فالسفة القرن 17م ،ومن أوائل من ارتادوا االتجاه العقلي؛ حيث مجد العقل الذي قال عنه
"أنه أعدل األشياء قسمة بين الناس كما أن حظوظهم منه على العموم متساوية بغض النظر عن اختالفهم
في األجناس واللغات والعقائد واألوطان".وبذلك يعد من رواد المصدر العقلي وهو الذي يعتمد على تفسير
العقل فقط دون القيام بأية تجارب من أجل الوصول إلى المعلومات المعرفية.
تجاوز بذلك مجالي الفلسفة والسياسة إلى مجالي العلوم والرياضيات ،فالمالحظ أن مجمل أعماله والتي
تشكل عدة مجلدات تعد ست مجلدات ،تنصب أساساً على الموضوعات الرياضية والهندسية وال تحتل
أعماله الفلسفية التي اشتهر بها سوى جزء ضئيل ال يكاد يصل إلى نصف مجلد .لقد كان ديكارت رياضياً
في األساس ،ولم يكن فيلسوفاً إال في أوقات فراغه من دراساته الرياضية .لكن هذا الجزء الفلسفي الصغير
نسبياً من مؤلفاته هو السبب في شهرته كفيلسوف وهو الذي صنع منه مؤسس الفلسفة الحديثة.
لقد أراد" ديكارت"-الذي شهد درجة النجاح المذهل الذي حققته الرياضيات في عصره من دقة المنهج ويقين
النتائج التام -للفلسفة أن تصل إلى نفس الدقة المنهجية واليقين المطلق الذي وصلته الرياضيات في عصره
وعلى يديه هو شخصياً .ويتمثل تأثر ديكارت بالمنهج الرياضي في فلسفته في سعيه نحو الوصول إلى
نقطة أولى يقينية واضحة بذاتها يؤسس عليها فلسفته كلها ،وهي وجود األنا المفكر ،فهذا األنا المفكر كان
بالنسبة له المبدأ األول الشبيه بمبادئ الرياضيات التي تؤسس لكل المبرهنات الرياضية التالية عليها.
نادى ديكارت إلى تخليص العقول مما علق بها من معارف مدرسية موروثة عن طريق االستدالل العقلي
الخالص" الذي يعتبر مصد ار للمعرفة ،ما يعني أن اإلنسان بإمكانه الوصول إلى معرفة جوهرية عن العالم
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
بدون الرجوع إلى أي مقدمات تجريبية .كما يقف في مواجهة الدعاوي الدينية ،فهو ينكر خوارق الطبيعة
والمعجزات محاوال اختبارها بمحك عقلي.
لقد أسس ديكارت لمرحلة أو عهد جديد للفلسفة في أوروبا كان غائبا فيها متأث ار بذلك باألفكار التي كانت
سائدة في الفلسفة اإلسالمية من أمثال الفيلسوف "ابن رشد" .وهذه المرحلة يعود فيها العقل إلى ذاته ،يفكر
ويعتبر أفكاره يتخيرها وينقيها ،يشك فيها ويتيقنها ،وهكذا يبدأ العقل من جديد في اختبار قضاياه الماضية
وأرائه الموروثة المنقولة ،بمنهج الشك .وبهذه الطريقة لم ينسلخ ديكارت كلية عن ماضي فكره ،ولم يهدمه
بتعسف إنما تخير منه ما صلح واستبعد ما فسد.
ويقوم المنهج الديكارتي على أساسين ،هما:
االستنباط الرياضي والحدس العقلي المباشر وهما فعالن عقليان يمارسها أي إنسان بالفطرة.
الحدس :هو الرؤية العقلية المباشرة التي يدرك بها الذهن بعض الحقائق ويسلم بها العقل تسليما.
االستنباط :أي العملية العقلية التي تنقلنا من الفكرة البديهية إلى نتيجة أخرى تصدر عنها بالضرورة.
فكر ديكارت في وضع منهج في الفلسفة أقامه على أساس أسلوب التفكير الرياضي والهندسي .وهذا هو
المعنى الحقيقي لقواعد المنهج األربعة التي وضعها في كتابه «مقال عن المنهج» متمثلة فيما يلي:
-1قاعدة البداهة والوضوح :تؤكد أن اإلنسان حين يبحث عن الحقيقة في أي موضوع عليه أن يحرر نفسه
من كل سلطة إال سلطة العقل .يشرح ذلك فيقول" أال أقبل شيئاً على أنه حق ما لم أعرف يقيناً أنه كذلك،
بمعنى أن أتجنب بعناية التهور ،والسبق إلى الحكم قبل النظر ،وأال أدخل في أحكامي إال ما يتمثل أمام
عقلي في جالء وتميز ،بحيث ال يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك".
وتسمى هذ القاعدة بقاعدة اليقين ،ألنها تدخل إلى يقين بديهي بسيط ال يتطرق إليه شك .ويتضح ارتباط
هذه القاعدة بالهندسة الرياضية من األمثال التي يضربها ديكارت عليها ،فاليقين عنده هو القول بأن المثلث
هو الشكل المكون من ثالث أضالع ،وأن المساويان لشيء ثالث متساويان .وال يهدف ديكارت من هذه
القاعدة تأسيس الرياضيات أو الهندسة على أسس يقينية ،ذلك ألنهما مؤسسان على اليقين بالفعل ،بل
يهدف استعارة هذا اليقين الرياضي والهندسي لتطبيقه على موضوعات الفلسفة .وعندما نطبق هذه القاعدة
على الفلسفة تبدأ باعتبارها شكاً منهجياً ،ذلك ألنها تنص على «أال أقبل شيئاً على أنه حق ما لم أكن على
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
يقين أنه كذلك» ،فنص القاعدة يبدأ بالسلب ،أي بأال يقبل شيئاً ،وهذا هو الشك الذي هو الخطوة األولى في
المنهج الفلسفي عند ديكارت .ومعنى هذا أن قواعد المنهج عامة وكلية ،وعندما تتم مناسبتها كموضوعات
الفلسفة لوضع منهج خاص بالفلسفة تنقسم القاعدة األولى إلى خطوتين ،الخطوة األولى هي الشك في كل
شيء شكا منهجياً للوصول منها إلى يقين أول .فبعد أن يشك ديكارت في وجود العالم ،ينطلق من هذا
الشك نفسه ليتوصل إلى أول يقين وهو أن الشك يتضمن التفكير ،والشخص الذي يفكر يجب أن يكون
موجوداً :أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود.
-2قاعدة ال ّتحليل والتقييم :مايعني أن كل مشكلة نقوم بدراستها هي مشكلة مركبة ،وذات جوانب متعددة
لذلك لدراسة أي مسألة يجب علينا أن نقوم بتحليل وتقسيم المشكالت بقدر مانستطيع على قدر ما تدعو
الحاجة إلى حلها على ذلك .وهذه القاعدة تشبه التحليل الرياضي.
-3قاعدة الترتيب والتأليف :التحليل عند ديكارت في الواقع عملية تمهيد للتركيب .تعني هذه القاعدة "أن
أ سير أفكاري بنظام ،بادئاً بأبسط األمور وأسهلها معرفة ،كي أتدرج قليالً قليال حتى أصل إلى معرفة أكثر
تعقيدا ،وأفرض بذلك ترتيباً بين األمور التي ال يسبق بعضها اآلخر بالطبع"
-4قاعدة اإلحصاء والمراجعة :وتتم في هذه المرحلة مراجعة كل الخطوات السابقة حتى تكون على ثقة من
أننا لم نغفل أي عنصر من موضوع البحث ،أي لم نغفل أي جزء من أجزاء المشكلة التي نريد حلها ،إنها
عملية استقراء نريد أن نتجنب فيها السهو والخطأ.
حر ،وذو
منهج ديكارت عقلي بحت يبدأ بالبداهة واليقين وهو ال يفرض قيودا على العقل بل يجعله مستقال ا
سلطان .بحيث يرد األشياء إلى أسباب معقولة ويطبق فيها نفس طريقة التفكير في الرياضيات والهندسة،
ويريد تطبيقها في الفلسفة واألخالق والسياسة .وبذلك يؤسس لنظرية معرفية تفسر الظواهر في ضوء مبادئ
أولية وضرورية ترى أنه ال سبيل إلى أي معرفة بدونها ،ألن الحواس ال تستطيع أن تزودنا إال بمعلومات
غامضة ومؤقتة.
شك ديكارت في المعرفة الحسية سواء منها الظاهرة أو الباطنة ،وكذلك في المعرفة المتأتية من عالم
اليقظة ،كما شك في قدرة العقل الرياضي على الوصول إلى المعرفة ،وشك في وجوده ،ووجود العالم
الحس ي ،إلى أن أصبح شكه دليال عنده على الوجود ،فقال "كلما شككت ازددت تفكي ار فازددت يقينا
بوجودي ".ويقصد ديكارت بقوله أنه لن يقبل بأي شيء على أنه حقيقي ما لم ُيخضع المتحان الشك ،الذي
يستطيع به الوصول إلى شيء يقيني عن طريق برهان عقلي ،ويذهب إلى أننا سوف نتمكن من التأكد من
صحة ويقين أشياء كثيرة ومنها العلوم بعد أن نمارس خطوة الشك ،وليس ذلك إال ألننا تمكنا من تأسيسها
على أسس من اليقين والوضوح العقلي ،ولذلك فهو عندما يضع موضع الشك كل العلوم بما فيها الرياضية
والهندسية فليس ذلك إال بغرض تأسيسها على أسس يقينية واضحة ،والحقيقة أنه يقوم بذلك بالفعل ابتداء
من التأمل الرابع ،حيث يثبت يقين العلم الطبيعي من منطلق أنه في العقل فكرة واضحة ومتمايزة ويقينية
عن االمتداد الذي هو جوهر العالم الطبيعي.
أشياء أخرى كثيرة محل الشك وتسقط في هذا االختبار وبالتالي يستبعدها تماماً ألنها لم
ً لكن يضع ديكارت
تصل إلى درجة اليقين والوضوح والتمايز الذي يبتغيه .ومن هذه األشياء كل ما تعلمناه سواء من الحواس
أو من خاللها ،أي أنه يرفض كل ما تأتي به الحواس من إدراكات ويرفض اإلدراك الحسي نفسه كأداة
معرفية وهذا يتضمن كل شيء نعرفه عن العالم الخارجي وكذلك عن أنفسنا باعتبارنا أجساداً .وهو يرفض
شهادة الحواس ألنها دائماً ما تخطئ ،ودائماً ما تكون الحواس عرضة لألوهام أو االعتقادات الخاطئة.
وعندما يبحث في أفكاره عن المادة واألجسام المادية يدرك أن أفكاره عنها ليست واضحة ،ذلك ألن مصدر
هذه األفكار الحواس واإلدراك الحسي وهي غالباً ما تخطئ في المعرفة وتتعرض للزيف واألوهام .ونظ اًر ألن
ديكارت يشك في قدرة اإلدراك الحسي على إمداده بمعرفة واضحة يقينية فهو أيضاً يشك في إمكان
الحصول على أفكار واضحة عن موضوعات هذا اإلدراك الحسي مثل المادة والجسد .1فموضوعات اإلدراك
الحسي دائماً ما تكون مختلفة بطبيعتها ،فهي دائمة التغير والتحول .وينتهي ديكارت إلى القول بأن معرفة
الفكر أيسر وأوضح من معرفة المادة ،ومعرفة النفس أيسر وأوضح من معرفة الجسد ،ذلك ألنه من اليسير
على اإلنسان مالحظة ما يدور في عقله من عمليات فكرية ،فالفكر هو النشاط األساسي لإلنسان ،وما
الجسد سوى ملحق بالعقل والفكر ،كما أن الجسد نفسه يعرف بوضوح ويقين عن طريق الفكر ذاته ،أما إذا
استعملنا الجسد لمعرفة الجسد فسوف نخطئ ونقع في األوهام ،مثل استخدامنا لإلدراك الحسي لمعرفة
1
Descartes: “Meditations on Metaphysics”, in the Philosophical works of Descartes
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
أجسادنا .كل ما نعرفه عن الجسد هو آثاره العقلية ،أي ما يثار في العقل من إحساسات وانفعاالت .وبالتالي
فالعقل هو الذي يعرف الجسد ،ومن هنا فإن له األولوية على الجسد.
:
-2إيمانويل كانط )1804- 1724( Emanuel Kant
هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر ،عاش كل حياته في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا.
كان آخر الفالسفة المؤثرين في الثقافة األوروبية الحديثة ،وأحد أهم الفالسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة
الكالسيكية .كان "إيمانويل كانت" آخر فالسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين "جون لوك"
و"جورج بيركلي" و"ديفيد هيوم "وغيرهم.
طرح "إيمانويل كانط" منظو ار جديدا في الفلسفة أثر وال زال يؤثر في الفلسفة األوربية حتى اآلن أي أن تأثيره
امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الواحد والعشرين .نشر كانط أعماال هامة وأساسية عن نظرية
المعرفة وأعماال أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.
يعد تأسيس ميتافيزيقا األخالق ثمرة ناضجة من ثمار المرحلة النقدية في فلسفة كانط بعد ظهور كتابه "نقد
العقل الخالص" .كان عام 1770م ،العام الحاسم في نشأة فكره النقدي كله والذي ظهرت رسالته الالتينية
"صورة ومبادئ العالم الحسي والعالم العقلي" متضمن لنظريته في الزمان والمكان.
كان هذا العام هو عام الكشف الخطير ،الذي سيؤدي إلى ثورة في العلوم العقلية تشبه الثورة التي أحدثها
كوبرنيكوس في علم الفلك؛ ثورة في منهج الفكر اإلنساني ،بدأت من "نقد العقل الخالص" وامتدت إلى جميع
العلوم ،فهدمت بذلك صرح الميتافيزيقا السائدة في عصره ووضعت مكانها بناء محكما متماسمكا وأرست
أسس أخالق جديدة.
كان مذهبه نتيجة طبيعية لبناء عالمه النقدي ،يصحو وينام وهو يسأل نفسه أسئلة كهذه :كيف تصبح
القضايا التركيبية القبلية ممكنة؟ كيف أستطيع أن أجمع بين عنصرين متنافرين كالمحسوس والمعقول؟ كيف
يضع العقل قوانين العالم؟ وماذا يستطيع أن يعرف؟ وماهي الحدود التي عليه أن يقف عندها؟ فال يتعداها؟
وهذا ما صاغه في كتابه "نقد العقل المجرد" الذي نشره سنة .1781يبحث "كانط" في هذا الكتاب
ويستقصي محدودات وبنية العقل البشري ذاته ،وقد قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزيقا التقليدية
ونظرية المعرفة الكالسيكية .نشر كانط أعماال رئيسية أخرى في شيخوخته ،منها كتابه "نقد العقل العملي"
الذي بحث فيه جانب األخالق والضمير اإلنساني ،وكتابه "نقد الحكم" الذي استقصى فيه فلسفة الجمال
والغائية.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
تطرح الميتافيزيقا أسئلة عديدة حول الحقيقة المطلقة لألشياء ،اعتقد "كانط" أن باإلمكان إصالح وتهذيب
الميتافيزيقا الكالسيكية عن طريق تطبيق نظرية المعرفة عليها ،حيث زعم أنه يمكننا باستخدام هذه الطريقة
مواجهة األسئلة التي تطرحها الميتافيزيقا ،واألهم من ذلك أن نعرف المصادر التي نستقي منها معرفتنا وأن
نعرف ماهية حدود المعرفة التي يمكن الوصول إليها.
وعليه اقترح "كانط" أنه بعد أن نفهم ونعرف مصادر وحدود المعرفة اإلنسانية والعقلية يمكننا طرح أي أسئلة
ميتافيزيقية والحصول على أجوبه مثمرة .وسأل "كانط" سؤاال خطي ار هو :هل لألشياء والمواضيع التي نعرفها
خصائص معينة سابقة على تجربتنا وعلى إحساسنا؟ وأجاب على ذلك بأن جميع المواضيع واألشياء التي
يمكن للعقل معرفتها تتم بطريقة يختارها العقل .ويضرب مثاال على ذلك أنه إذا استعد العقل للتفكير قبل أي
موضوع واختار العقل التفكير بطريقة السببية فإننا بالتالي نعلم قبل أن نتعرف على أي موضوع أن
الموضوع سيكون إما سببا أو نتيجة.
ليصل "كانط" إلى نتيجة مفادها أن هناك مواضيع ال يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببية ،وأن مبدأ
السببية هو طريقة في التفكير ال يمكن أن تستقل عن التجربة واإلحساس ،بعبارة أخرى ال يستطيع مبدأ
السببية اإلجابة عن جميع األسئلة ،وبالتالي فإن أسئلة الميتافيزيقا األساسية ال يستطيع العقل اإلنساني
اإلجابة عنها ،لكن العقل يفهم ويعرف ويجيب عن أسئلة العلوم المادية ألنها تخضع لقوانينه.
يعتبر استقالل العقل هو المبدأ العام للفلسفة في عصر "كانط" ،ولقد ابتدع "ايمانويل كانط" نظاما مبتك ار
في نظرية المعرفة هو مزيج بين المدرستين التجريبية والعقلية .ففي حين أن رواد المدرسة التجريبية يرون
أن المعرفة ال تكون إال عن طريق التجربة ال غير ،ويعتقد أصحاب المدرسة العقلية أن الشك والعقل وحده
من يمدنا بالمعرفة ،خالفهم "كانط" في ذلك بقوله إن استخدام العقل وحده دون التجربة ال يقود إلى المعرفة
بل يقود إلى األوهام ،أما استخدام التجربة فال يقود إلى معرفة دقيقة وال تعترف بوجود مسبب أول الذي
يعترف به العقل المجرد .هكذا حاول "كانط" بطريقة ما أن يؤسس نظرية معرفية انطالقا من خلق تركيب
من المذهب التجريبي-الحسي والمذهب العقلي ،وذلك على أساس تجنب الشك التجريبي-الحسي من جهة،
وتجنب العقيدة العقلية الجامدة من جهة أخرى.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
فالعقل أداة فكرية تحول اإلدراك الحسي إلى أفكار ،وتمنح التجربة وحدة الفكر.افترض "كانط" وجود ثنائية
مؤلفة من ذات ومن شيء .وبما أن القوة المنظمة ال يمكن أن تكون في الشيء ،فيجب أن تكون في الذات،
تلك كانت النقلة االبستمولوجية في نظرية المعرفة عند "كانط" ،أي إن كل ما ينظم ويبني خبرتنا ال يصدر
عن األشياء التي هي موضوع معرفتنا ،وإنما من أنفسنا.
لقد عكس الرأي األساسي الذي قال إن المعرفة تحدث عندما تتأثر الذات بالشيء ،إلى القول بأن الشيء هو
الذي يتأثر بالذات ،أي أن الشيء كما نعرفه هو الذي يتشكل ويتألف ويتكون بطريقة الذات .هذه النقلة
باالفتراضات االبستمولوجية في الفلسفة هي جوهر نظرية المعرفة عند "كانط" ،فالعقل ال يعكس العالم
الخارجي كما هو ،بل إنه في الواقع يخلق هذا العالم من حيث تركيبه المنطقي ،فالتجربة بدون نشاط العقل
ال تستطيع أن تقدم إلينا إال سلسلة من األحوال العقلية المتتابعة مثل الصور الفوتوغرافية .وبطريقة أخرى أن
كل معرفة تبدأ بالتجربة ال تنشأ عنها ،فلو اكتفى اإلنسان بالتجربة وحدها ،ما حصل إال على صور متفرقة
خالية من أي عالقات مكانية أو زمانية.
لن تستيقظ قدرتنا المعرفية إلى العمل إن لم يتم قبول ذلك من خالل موضوعات تصدم حواسنا ،فتسبب من
جهة حدوث التصورات تلقائيا ،وتحرك من جهة أخرى نشاط الفهم عندنا إلى مقارنتها ،وربطها أو فصلها،
وبالتالي تحويل خام االنطباعات الحسية إلى معرفة بالموضوعات تسمى التجربة.
في المثالية العقلية هناك ظواهر عقلية قبلية تسبق كل تجربة قبلية ،فاألفكار سابقة على محسوساتها هذا ال
يقبله الماديون التجريبيون ألن الظواهر لديهم تكتسب بعد كل تجربة بعدية وهذا اليرضاه كانط ،حيث أقر
كانط بوجود المعرفتين وميز بينهما ،فالمعرفة القبلية (العقل) السابقة على كل تجربة ضرورية إلدراك األشياء
واثبات المحمول للموضوع واستحالة نفيه ،من غيرها مستحيل على العقل اإلنساني أن يحصل على المعرفة.
بين كانط "بالعقل النظري" مغالطات أنصار النظرة العقلية المجردة نحو الوجود ،ووضح أخطاء الماديين
لقولهم إن الوجود مادة محسوسة وال شيء سوى ذلك ،لكنه لم ينف وجود المادة.
أثبت كانط أن العقل مقوالت "ذهنية مجردة" غير مادية تحتاج إلى مواد لتقوم بتحليلها والكشف عن خواصها
وعالقتها المجهولة ،فالمقوالت هي الصور القبلية "األولية" للمعرفة أطلقها كانط على المبادئ األساسية للفكر
الخالص تمثل األساس للفكر االستداللي ،فهي ال ترجع إلى التجربة.
تطبق المقوالت على موضوعات الحواس عامة بوصفها ظواهر ،وقرر كانط وجود مرحلة وسيطة بين الوعي
الحسي والفهم الخالص ،ال هي تجريبية مثل اإلدراك الخالص ،وال هي قبلية مثل اإلدراك العقلي بل تتوسط
التجريبي والعقلي وتربط بينهما ،وأطلق عليها كانط " المخيلة الترانسندنتالية" .المخيلة هي حلقة الوصل بين
الحسي والتجريبي من جهة والقبلي والعقلي من جهة أخرى ،فالمخيلة هي قدرة تصور موضوع حتى دون
حضوره في الحدس.
الحس من غير عقل أعمى يسيطر عليه عالم المادة" " العقل بدون ّ
حس فارغ ،و ّ
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
بسبب تنشئته الدينية في أسرة مسيحية محافظة ،أولى "إيمانويل كانط" عكس "ديكارت" اهتماما بمسألة
اإليمان والعقيدة كمسائل ميتافيزيقية .فالعالم كما يعرفه العقل ،حسب "كانط" هو بالضرورة عالم يتكون من
العلة والمعلول بشكل مطلق ،عالم ال محل فيه للسحر وال للمعجزات ‹‹،فلكل حدث سبب›› .وعليه فإن
العقل العلمي يعمل بواسطة طرق خاصة في التفكير ال تصلح إال لتناول الوقائع العلمية وحدها ،وهي طرق
يجب أال تستعمل ألغراض دينية أو ميتافيزيقية .فالفكر العلمي ليس بمقدوره أن يتوقع حياة أخرى بعد
الموت أو أي شيء ينتمي إلى عالم الميتافيزيقا من خوارق وأساطير.
غير أنه يرى أننا عاجزون عن البرهان على المسائل الدينية األساسية أو دحضها ،فنحن ال نستطيع ،مثال،
أن نثبت بطرق علمية وجود عالم آخر بعد الممات ،وال أن نثبت عدم وجوده ،لكننا نستطيع أن نؤمن بهذا
الموقف أو ذاك ،هكذا اعتبر أن اإلجابة عن المسائل الدينية يجب أن تقوم على اإليمان ،وبذلك قد ترك
فسحة للدين.
ميز بذلك "كانط" بين المعرفة واإليمان ليظل وفيا ومنسجما مع نظريته المعرفية التي ترى أن ال معرفة
دون خبرة قادمة من الواقع الملموس .ففي الوقت ذاته الذي حافظ فيه "كانط" على ‹‹العقل›› في العلوم
الطبيعية وفي الرياضيات ،فقد ترك أيضا فسحة للمعرفة الدينية عبر اإليمان.
لقد كان للفلسفة الكانطية أثرها الكبير في مجال الميتافيزيقا كونها أعادت النظر في أبنيتها وأدوارها ،وسعت
إلى إعادة تشييدها وفق رؤية جديدة ،لكن األثر الذي ال يقل أهمية إنما يكمن في نظرية المعرفة الكانطية،
التي توصف بأنها نقدية؛ فلقد َّ
دشن "كانط" مرحلة جديدة في هذا المجال عبر تقديمه تفسي اًر مغاي اًر يطوي
توصل إليه الفالسفة من قبله ،خصوصاً أصحاب االتجاه العقلي على رأسهم "ديكارت"،
بين جناحيه ما َّ
وأصحاب االتجاه التجريبي ،ومنهم :جون لوك( ،)1704-1632و(ديفيد هيوم) ).(1776–1711
لقد استطاع "كانط" أن يتجاوز األزمة التي تهاوت بها الفلسفات وأحادية االتجاه كالفلسفة التجريبية ،والفلسفة
العقالنية كالً على انفراد في التوصل إلى صياغة تركيبية تكاملية يتواشج فيها الحس مع الفهم على نحو
مقبول لتوليد المعرفة تواصالً دقيقاً ُمحكم البناء ،مما أضفى على فلسفته في المعرفة النقدية قيمة تاريخية
ُمهمة في مجال الفلسفات الحديثة.
-2غاستون باشالر ):1962-1884 (Gaston Bachelard
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
تشكل نظرية المعرفة عند غاستون باشالر خطا فاصال للمعرفة العلمية ككل بين الفلسفة التقليدية
وفلسفة العلوم المعاصرة .كما أن المشروع الباشالري هو مشروع يسعى لتأسيس فكر علمي جديد يتجاوز
الفكر العلمي التقليدي ،وهذا ما تعكسه جل مؤلفاته العلمية والتي تطرق فيها إلى العديد من المواضيع
التي كان لها صدى كبير على معاصريه ومن جاء من بعده في هذا المجال.
"غاستون باشالر" فيلسوف فرنسي ،من أبرز المتخصصين بفلسفة العلوم ،حيث درس بعمق الوسائل
التي يحصل بها اإلنسان على المعرفة العلمية عن طريق العقل.
-1التقدم العلمي متتالية من القطائع:
سجل ظهور الهندسات الالاقليدية ثورة في علم الهندسة وتجاوز مبادئ إقليدس الرياضية والتي لم يتطرق
إليها الشك واعتبرت مثاال للوضوح حيث سادت أكثر من ألفي عام ،باإلضافة إلى الثورات العلمية في حقل
الفيزياء وظهور الالنيوتينية ،باإلضافة إلى نظرية النسبية ألنشتاين وغيرها من النظريات العلمية في
الميكانيكا .هذه الثورات التي شهدتها الرياضيات والفيزياء كانت سابقة لباشالر إال أنها ساهمت بشكل جلي
في تشكيل فلسفته العلمية.
لقد استفاد باشالر كثي ار من االنجازات العلمية ،ففي سنة ،1929صدر كتابه "القيمة االستقرائية للنظرية
النسبية" حاول فيه إبراز القيم االبستمولوجية الجديدة التي أفرزتها الفيزياء المعاصرة.
وانعكس ذلك في الفلسفة المعاصرة حيث أصبحت تتميز بطغيان النزعة التجريبية وتقليص نفوذ المثالية
المحضة .لقد تماشت التجريبية مع النظريات الحاصلة في العلم التجريبي ،وهي نزعة معادية للتيار
الميتافيزيقي والتي حاولت استبدال الفلسفة بالمنهج العلمي القائم على أساس المالحظة والتجربة قصد الكشف
عن العالقات بين الظواهر دون االهتمام بالبحث في الغايات وطبائع األشياء .يقول رائد هذه النزعة "فرانسيس
بيكون" " ينبغي أال نغزو أي قيمة حقيقية إال للمعرفة العلمية القائمة على االستقراء والتجريب ،العلم قوة يجب
إبعاد البحث عن الغايات خارج النطاق العلمي" .وبهذا نظرت التجريبية اإلنجليزية نظرت للمعرفة كمعطى
مستمد من التجربة الحسية وكان شعارهم " الشيء في العقل لم يكن خارج الحواس".
أما في فرنسا ساد تيار النقد العقلي أو التيار الوضعي الذي يرجع لمؤسسه "اوغست كونت" 1757-1798م
في كتابه "محاضرات في الفلسفة الوضعية " الصادر عام 1842حاول فيه تحديد معنى للعلم يختلف عن
المعنى الشائع في عصره وهو المعرفة المنظمة المتعلقة بموضوع واحد فكلمة علم ال تطلق إال على المعرفة
التي تكتفي باكتشاف العالقات الظاهرة بين الظواهر وهذه المعرفة ال تكون ممكنة إال في المرحلة األخيرة من
التطور الذي يمر به العقل البشري.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
أراد باشالر أن يربط االبستمولوجيا بتطور العلوم فاستلهم وقائع العلم وفروض الرياضيات وبدأ بالعلوم
الفيزيائية حتى تأتى له أن يضع المادة موضعا جديدا .وهذا هو الطريق الذي ضمن لباشالر تأسيس مذهبه
في المادية العقالنية ،فقد بهر باشالر بالعلم وبتطوراته وبأثر العلم في إنتاج مفاهيم حيوية قائمة على التجديد
وتصحيح وعلى نبذ القديم من التصورات التقليدية التي لم تعد تنفع وال تثري الحياة الفكرية.
يعبر المشروع الباشالري عن الموقف الفلسفي الجديد عن الموقف الفلسفي الجديد الذي يسعى إلى تأسيسه
وتحديد أسسه وأهدافه .لذلك يمكن القول بأنه دعوة تجديدية وتجاوزية للموقف الفلسفي التقليدي حتى يكون
متوافقا مع راهن العلوم .ويتأتى ذلك بتأسيس فلسفة علمية مختلفة يمكنها أن تكون ندا لفلسفة شاملة للفالسفة.
إن باشالر صاحب دعوة صريحة لمسايرة العلم المعاصر ويشترط هذا المسعى إبراز للقيم االبستمولوجي
المتجددة للعلم من العلم وليس من الفلسفة ،وأن تبحث عن أثر المعارف العلمية في بنية العقل وتطوره القابل
للتشكل باستمرار ،ويتأتى ذك إثر القيام بتحليل نفسي للمعرفة الموضوعية.
يعتبر مفهوم القطيعة االبستمولوجية مفهوم باشالر بامتياز ،فهو الذي أسس له في مجاله العلمي.
وتعكس القطيعة االبستمولوجية بالمعنى الباشالري انتقاال نوعيا وطفرة فكرية سيكولوجية تعبر عن قطيعة
فاصلة بين نمطين في التفكير ،فكر علمي قديم وفكر علمي جديد ،فالعلوم الجديدة ليست تطوي ار مباش ار
للعلوم السابقة.
ولتحديد صور القطيعة وأشكالها في العلم قام بتحديد مراحل تطور لعقل الفكر العلمي ،وقد قسمها إلى ثالث
مراحل وهي:
-1المرحلة األولى :هي مرحلة ما قبل الفكر العلمي ،وتمتد زمنيا من القدم حتى نهاية القرن 17م وبداية
القرن 18م ،وكان يسودها حسب باشالر معرفة زائفة.
-2المرحلة الثانية :مرحلة الفكر العلمي ،ويؤرخ لها زمنيا من القرن 18م إلى غاية القرن 20م .وسادت فيها
معرفة عقالنية كالسيكية موضوعها فحص وتشخيص للمعطى الطبيعي لكشف قوانين الظواهر وعالقاتها
الثابتة.
-3أما المرحلة الثالثة :هي مرحلة الفكر العلمي الجديد ،والتي بدأت مع ظهور النسبية أي بداية سنة ،1905
والتي أحدثت انقالبا ثوريا في مفاهيم العلم الكالسيكي.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
إن كل لحظة من هذه اللحظات الثالث سادها نمط خاص من الوعي ففي اللحظة األولى ساد الفكر الواقعي
بما يعنيه من التصاق بالظاهرة وحرص على نقلها والتعاطي معها من خالل دوافع الحاجة والمنفعة المباشرة،
أما اللحظة الثانية ساد الوعي الواقعي التجريدي ،حيث تمت المزاوجة بين المقاربة الواقعية للظواهر والفكر
التجريدي .فكان التجريد في هذه اللحظة العلمية مشدودا ومرتك از على المعطى الواقعي ،ولم يكن متحر ار منه،
بل مرتهنا لقيوده وشروطه واقترنت هذه المرحلة بنشأة العلم الكالسيكي الذي يعتبره باشالر امتداد للحس
المشترك والعقل المشترك ،حيث كان يوضح اآلراء العامة ويدقق التجارب ويؤكد المعارف البسيطة .بمعنى
العلم الكالسيكي هو معرفة منقحة ومهذبة صاغها العالم في قوانين علمية باالستناد إلى العقالنية الكالسيكية
الحتمية .ويرى أن موضوع علم القرن 19م ( مرحلة الفكر العلمي) ينحصر في فحص وتشخيص الظواهر
والوقائع كمعطى طبيعي والكشف عن عالقاتها الثابتة باالستناد إلى مبدأ الحتمية ،ومحاولة تقنين البحث
وإقامة حواجز أمامه ال يجوز تخطيها ،حاصرة مجال المعرفة البشرية في الظواهر والعالقات التي بينها ،وكذا
تحقيق الفرضيات األولى وفقا لمراحل المنهج االستقرائي (مالحظة ،فرضية ،تجريب) .ويمكن القول مع
باشالر أن علم القرن 19م يعتبر تطوي ار وامتداد للمعرفة العامة مادام أنه يوضحها ويدققها.
أما اللحظة الثالثة فهي اللحظة فهي لحظة الوعي التجريدي التي يبدع فيها العقل العلمي الجديد مفاهيمه
ونظرياته على نحو يقطع مع التجربة المباشرة ،وينشئ بناءاته النظرية في استقالل عن ضغط الحاجة
والنزعة النفعية وهو يمثل معرفة مغايرة للمعرفة السابقة .وتعتبر طفرة نوعية تتجاوز مبادئ العلم الكالسيكي
إلى مبادئ كلها جديدة ،ولذلك يبرز مفهوم القطيعة االبستمولوجية كشكل آخر من أشكال التجاوز وكفعل
يعبر عن حالة االنتقال الكيفي من المرحلة السابقة إلى المرحلة الجديدة.
إن الفكر العلمي الجديد ،كمصطلح يوظفه باشالر يدل على مظاهر التفكير الجديدة والنظريات التي ترتبت
عن الثورة العلمية المعاصرة.
وكانت القطيعة التي أعادت النظر في المفاهيم األساسية وأعادت بناء العلوم على صرح جديد .وتعني
القطيعة ثالث حاالت:
يرتبط مفهوم القطيعة االبستمولوجية عند "غاستون باشالر" بتصوره لتاريخ العلوم ،بحيث أن التطورات
السابقة ال تفسر بالضرورة الحالة الراهنة للعلم ،وهو بذلك يعارض بهذا الطرح نظرية االستم اررية لتاريخ العلم.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
وارتبط كذلك مفهوم القطيعة بالطفرة التي أحدثتها التطورات العلمية المعاصرة أي االنقالبات العلمية التي
شهدها الثلث األول من القرن العشرين دفعت ب"باشالر" إلى اإلحساس بضرورة تشكيل منهجية جديدة
تتجاوز كتاب ديكارت الشهير" في المنهج".
القطيعة إذن في ابستمولوجيا باشالر هي مفهوم يعبر عن فترات االنتقال الكيفي في تطور العلوم ،ومنه تاريخ
العلوم البد أن ينظر إليه كتاريخ قفزات كيفية تتمخض عنها نظريات جديدة ليست بأي صورة من الصور
مجرد استمرار للفكر السابق ،والمعنى أن الجديد في العلم ال يكون من التاريخ السابق له في مجاله ،ألن
تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء العلوم ففي رأيه أن هناك بالنسبة لباشالر مفهوم علمي خطأ يتوجب تصويبه.
والقطيعة االبستمولوجية بالمفهوم الباشالري تتم على مستويين قطيعة بين المعرفة العامية والمعرفة العلمية،
وأخرى تتم داخل الفكر العلمي ذاته أي بين األنساق والنظريات العلمية أو بين الفكر العلمي الجديد والفك
الفكر العلمي.
تتخذ القطيعة في المستوى األول شكل " االنفصال التام بين العلم كعلم وبين كل مسبقات الفكر الطبيعية.
ويتقدم هذا االنفصال على أنه الحد الفاصل بين نوعين من المعرفة العامة المشتركة والمعرفة العلمية .يعتبر
انفصال باشالر بمثابة مصادرة أساسية بالنسبة للتفكير االبستمولوجي ويعتبر هذا الموقف كرد فعل نقدي ضد
النظرية االستم اررية في العلم والتي ترى أن هناك استمرار من التفكير العامي إلى التفكير العلمي .وبذلك فإن
القطيعة االبستمولوجية بين هذين النمطين من التفكير قطيعة ابستمولوجية شاملة تمتد من المنهج إلى
التصورات والمفاهيم.
أما المستوى الثاني للقطيعة فيكون بين فرضيتين أو نسقين علميين وهي قطيعة ال تصل إلى حد االنفصال
التام والكلي ،ألن الفرضية العلمية الجديدة تدحض وتفند الفرضية العلمية السابقة عنها ،وتثور قيم جديدة على
القيم السابقة وتتحول بموجبه المعرفة القديمة إلى حالة تتكامل مع المعرفة الجديدة رغم نفي األخيرة " فالمعرفة
الجديدة لم تأت إضافة معرفية تراكمية إلى المعرفة القديمة بل بقطيعة معرفية حولت القديم الذي كان عاما
إلى حالة خاصة تتكامل مع الحالة الجديدة .ويصبح العلم الجديد يتضمن العلم السابق عنه ألنه أوسع وأشمل
ولذلك يمكن وصفها بأنها قطيعة احتواء وتضمن.
-عوائق تطور الفكر العلمي عند غاستون باشالر :العائق االبستمولوجي عند باشالر هو كل ما يبقي الفكر
سجينا لتصورات المعرفة العامة ويمنعه بالتالي من بلوغ معرفة موضوعية بالظواهر التي ندرسها.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-1عائق التجربة األولى :يتمثل في التجربة الحسية بمعنى ما تقدمه الحواس يفرض على العقل التصديق
الكلي ويلغي دوره في التفكير والنقد أي أن التجربة األولى ال تقدم الصورة الصحيحة للظواهر وال حتى وصف
الظواهر المنتظمة بدقة وعليه فإن التجربة الحسية تشكل عائق ابستمولوجي من الصعب إخضاعها لمنهج
التحليل النفسي .ويتضح هذا في المرحلة قبل العلمية ،والتي طغى عليها الطرح الذاتي أي األفكار الذاتية
التي تفتقر إلى النزعة العلمية.
-2عائق المعرفة العامية :تعميم وتكييف نتائج العلم يشكل عائقا للمعرفة العلمية ،فهذه التعميمات التي
كانت سائدة في المرحلة قبل العلمية لم يعد لها جدوى اليوم ،ألن العلم في تطور مستمر ،وما كان سائدا في
السابق ال يمكن تعميمه في الوقت الراهن .ينبغي لكل تجربة موضوعية حقة أن تجري تصحيحا لخطأ ذاتي،
وهنا يوضح أن األفكار السابقة هي األخرى تشكل عائقا ابستمولوجيا أمام تطور الفكر العلمي.
-3العائق الّلفظي :العادات اللفظية تشكل عائق ابستمولوجي تعيق تطور الفكر العلمي ،ففي المرحلة قبل
العلمية لم يكن هناك تمي از بين المفهوم واللفظ ،وال تميز بين الكلمة التي تصلح للتفكير أي نجد نفس اللفظ
يصف الظاهرة ونفس اللفظ يشرحها ،ففي المرحلة قبل علمية كانت الكلمة الواحدة تشكل قاعدة للتفسير
الشامل ،ولهذا فإن اللفظ عند باشالر عائق يجب تجاوزه.
-4عائق المرحلة الموحدة :يشير إلى أن المعرفة ما قبل العلمية التي كان يسودها الفكر الموحد بمعنى أن
جميع الموجودات أرجعت إلى مبدأ واحد.
-5العائق اإلحيائي البيولوجي :إن العائق اإلحيائي يحصره في الظواهر اإلحيائية التي كذبتها المرحلة قبل
العلمية ،فالمادة الحسية في المعرفة الساذجة أبسط وأوضح من المادة الجامدة وهذه النظرة ناقضها الفكر
العلمي المعاصر ،ففي البيولوجيا يواجه الباحث عوائق ابستمولوجية أكثر من التي يواجهها في المادة
الجامدة.
العائق اإلحيائي هو حدس عن الحياة امتد حضوره إلى العلم الفيزيائي وهو امتداد اعتباطي غير مشروع ،
حيث تمتد معارف بيولوجية أو فيزيولوجيا إلى غير ميدانها ،فالمعادن تمرض كاإلنسان وتخضع لدورة الحياة
والموت مثله ،بمعنى أن األمر ال يتعلق بدراسة الحياة في الحقل المعرفي البيولوجي ،إنما عندما ينحرف هذا
العلم ليقدم جوابا على أسئلة وينبهنا باشالر أن فكرة الحياة إذا علقت بسذاجة فسينشأ عنها تقييمات كونت
مثال كان يعتقد أنه ال يمكن فهم مبادئ تصنيف العلوم إذا لم يكن لنا إلمام دقيق بعلم الحياة ،ويدعو عالم
الكيمياء ليستخلص الدروس من علوم الطبيعة.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
-6العائق الجوهراني :يشير غاستون باشالر إلى أن الموضوع إلى أن الموضوع في مرحلة قبل العلمية كان
يشكل جوهر ثابت ،كما يبين لنا أن الجواهر كنموذج تفسيري تعتبر عائق متعدد األوجه يقف كحائل أمام
تطور الفكر العلمي ،وهذا ما يوضح قوله أن التالعب باأللفاظ في تسمية الظواهر ،يرضي الفكر الساذج
بسهولة ولفظ عمق الجواهر من منظور ابستمولوجي معاصر ال يعبر عن العمق فعال فالمعرفة العامة هي
معرفة سطحية .إن الفكر الجوهراني فلسفة ميتافيزيقية دقيقة وهي تفسير رتيب لخصائص الجوهر يعتقد أن
للظاهرة خفي وجي ،باطن وظاهر ،وتجليات هذه العقبة في الفكر ما قبل العلمي ،انشغال علماء وفالسفة
تلك المرحلة بالباطن أو الداخل اعتقادا منهم أن المعرفة الصحيحة تكمن في استخراج الباطن ودراسته ،ويتولد
لدى هؤالء ما يسميه باشالر " وهم الداخل" أو أسطورة "الذات األعمق.
كما أشار باشالر إلى فلسفة الالّ أو فلسفة النفي ،وهي الفلسفة التي تقول ال لعلم األمس وال للطرق المعتادة
في التفكير وال تأخذ األفكار البسيطة كما هي بل إنها تجتهد في نقد هذه البسائط لتكتشف عما تنطوي عليه
من غموض ،لكن ذلك ال يعني أنها فلسفة سلبية تقود إلى تبني العدمية إزاء الطبيعة فهي بالعكس من ذلك
فهي فلسفة بناءة سواء األمر تعلق بنا نحن أو بما هو خارج عنا .فالتفكير في الموضوعات الواقعية معناه
االستفادة مما يكتنفها من لبس وغموض قصد تعديل الفكر وإغنائه ،وإحياء جميع المتغيرات المهمة التي كان
العلم والفكر الساذج قد أهملها في الدراسة األولى وبذلك فلسفة النفي ترف كل تصور علمي يعتبر نفسه كامال
نهائيا.
-منهج التحليل الّنفسي للمعرفة :ويعني التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية أي العلمية ،ويهدف إلى
الكشف عن المكبوت ليبحث عن مدى أثرها على العمل العلمي .تجري المعرفة العلمية ضمن شروط نفسية
ويؤكد نتيجة لذلك أن التفكير في هذه الشروط يمكننا أن نضع مشكلة المعرفة العلمية في صيغة عوائق.
التحليل النفسي للمعرفة العلمية فهو يتجه إلى المالحظ العلمي للبحث عن المكبوتات العقلية التي تلعب دور
العائق االبستمولوجي .والمكبوت العقلي هو المفاهيم العامة الشائعة واللغة المعتادة.
يمنح المنهج السيكولوجي فلسفة العلم منهجا تحقق به كيفية تكون العقل العلمي والكشف عن العوامل الذاتية
المؤثرة فيه.
-كارل بوبر:
أ -نظرية المعرفة عند كارل بوبر:
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
يعد كارل بوبر من أهم فالسفة في القرن 20م ،انطالقا من تميز النظام النسقي الذي طرحه في فلسفة وتاريخ
العلم ،حيث جاء هذا النسق بعناصر نابعة من طبيعة المعرفة اإلنسانية النسبية ،وطبيعة الذات العارفة
الخطاءة فكان ذلك على أسس منطقية ابستمولوجية .وعليه فقد أخذ بوبر ذلك بعين االعتبار منطلقا من
العقالنية النقدية ،كمنهج مالئم للمعرفة والذات العارفة ،على أساس النزعة الخطيئة ومنهج المحاولة كما سماه
هو ،ثم تأطيره لمفهوم المعرفة الموضوعية ضمن نظرية العوالم الثالث إلى مفهوم الصدق كمبدأ تنظيمي
والذي بدوره يالئم ويتناسق من الشروط االبتدائية للنسق ،ثم إلى توظيف التكذيب والنقد ليتناسب أيضا مع
المعرفة الموضوعية مع إمكانية نموها وتقدمها باتجاه الصدق فكيف إذا كان بناء هذا النسق االبستمولوجي
في نظرية المعرفة كارل بوبر؟
شكلت الفوضى الفكرية للفيزياء الجديدة في الربع األول من القرن العشرين وطروحات الفلسفة الوضعية البيئة
الثقافية التي نشأت فيها فلسفة كارل بوبر ،ويمكن القول أن فلسفة العلوم المعاصرة متصلة اتصاال مباش ار
بالمتغيرات االفهومية الجذرية التي أدخلتها نظرية أنشتاين في النسبية الخاصة والعامة وميكانيكا الجسيمات
الكوانتية ،وكان لهذه الثورات المتعلقة بالتصور الفيزيائي للكون أثر واضح للعلماء أنفسهم فتحولوا من دون
التخلي عن الحقل العلمي إلى فالسفة ومنظري معرفة ،لعلهم يمسكون باألمواج الفكرية العاتية والتي بدأت
تحيط بعلمهم منذ أواخر القرن التاسع عشر ومن هنا مثلت فلسفة كارل بوبر نقطة تحول حاسمة في فلسفة
العلم بنقله من منطق التبرير إلى منطق الكشف العلمي والمعالجة المنهجية له على أساس قابليته المستمرة
لالختبار التجريبي والتكذيبي لتعيين الخطأ لكي يحل محله يوما ما كشف أفضل أكفأ وأقرب إلى الصدق
يجسدها كالم بوبر بأنها ذلك الموقف االستعدادي لإلنصات للحجج النقدية والتعلم من التجربة ،وهو
باألساس موقف اإلقرار بأني قد أكون على خطأ ،وقد تكون أنت على صواب ،وبجهد ما يمكن أن نصبح
أقرب إلى الحقيقة.
والتي يمثلها أفالطون وديكارت وغيرهم في عدة أمور تختلف العقالنية النقدية عن العقالنية التقليدية
جوهرية:
-العقالنية التقليدية تجعل األولوية للعقل البشري قبل التجربة في اكتساب المعرفة.
-تؤكد العقالنية النقدية على أنه من الممكن اكتساب معرفة يقينية ثابتة ،ذات أسس عقلية ،بينما العقالنية
النقدية تعترض على ذلك ،ال العقل وال التجربة ذو أفضلية على اآلخر في اكتساب المعرفة ،وال االثنين معا
كأساس ثابت لها ،فهي في موقف االستعداد لتصحيح األخطاء .فيكون هنا العقل ملكة لدى جميع األفراد،
ولكن التفكير النقدي هو مسألة اجتماعية تنمو بها الملكة والمعارف بالتفاعل مع اآلخرين ،أي أن هاته
الفلسفة البوبرية هي بناء نسقي يرسخ أفكاره المنهجية االبستمولوجية ،ويؤكد أولوية النقاش والطابع الجدلي
لألفكار وال عصمة للعقل البشري.
تم التحول مع العقالنية النقدية عند كارل بوبر من التبرير إلى منطق الكشف العلمي ،إذ بعد أن كان
ينظر إلى النظرية العلمية -وتحديدا مع الفالسفة الوضعيين المناطقة -على أنها يقينية ألنها ناتجة عن
الخبرة الحسية أصبحت النظرية العلمية مع بوبر خاضعة لمبدأ جديد أطلق عليه اسم "القابلية للتكذيب ،فإذا
كان الوضعي يسلم بصدق المعرفة العلمية ويعمل على تبريرها ،فإن المهمة الحقيقية لفيلسوف العلم حسب
بوبر هو تبيان خطأ النظرية العلمية من خالل إخضاعها لمحك النقد ،وهو موقف حاول من خالله كارل
بوبر تقديم حل لما يعرف بمشكلة االستقراء التي اعتبرها من رواسب الفلسفات السابقة ،وهنا يقول كارل بوبر
مشخصا موقف الوضعية المنطقية من االستقراء ومعقبا عليه عادة ما يسمى االستدالل "استقراء" إذ ينتقل من
قضايا جزئية كتلك التي تلين نتائج المالحظات والتجارب ،اتجاه القضايا الكلية كالفروض والنظريات واآلن
فإننا نقوم بتبرير استدالل القضايا الكلية من القضايا الجزئية من وجهة النظر المنطقية ،ذلك ألن أي نتيجة
تحصل عليها بمقتضى هذه الطريقة قد تصبح كاذبة كذلك ،مثل مهما كان عدد حاالت البجع األبيض التي
سبق أن الحظناها ،فإن ذلك اليبرر النتيجة القائلة "كل البجع أبيض"
تقوم نظرية العلم عند كارل بوبر على الموقف القائل بأن الحكم المطلق على النظريات العلمية على أنها
صادقة لمجرد تحقق بعض القضايا الجزئية ال يمكن قبوله منطقيا ولم يعد معموال به ألن أكبر خطأ االكتفاء
بدراسة عدد محدود من القضايا الجزئية ثم االنتقال إلى الحكم العام الذي يتمثل في النظرية العلمية ،ومنه
انتقل كارل بوبر من مبدأ القابلية للتحقيق إلى القابلية للتكذيب كمعيار جديد للتمييز بين النظريات العلمية.
لم يعد العلم التجريبي مع كارل بوبر عبارة عن مجموعة من النظريات العلمية اليقينية والتي تبقى على الدوام
كذلك ،وإنما أصبح عبارة عن مجموعة من النظريات العلمية بحيث يمكن تفنيدها في أية لحظة إذا ظهرت
قضية جزئية تناقضها.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
يؤكد كارل بوبر على ضرورة البحث في الواقع عن ما ينفي صدق النظرية ال ما يثبته ،مع التأكيد على أن
النظرية العلمية يجب أن تبقى دائما خاضعة لمحك النقد ،فإذا صمدت أمامه ولم يظهر ما يناقضها تعتبر
نظرية علمية مؤقتة إلى حين سقوطها أمام اختبارات التفنيد.
نحكم بالتكذيب على النظرية إذا لم تكن نتيجة االختبارات في مصلحتها ،أي إذا تناقضت النتائج المستنبطة
منها مع الواقع ألن تكذيب النتائج هو تكذيب للنظرية ذاتها ،فتستبعد من نسق العلم.
لقد كان الحل الذي قدمه كارل بوبر والمتمثل في مبدأ القابلية للتكذيب تجاو از لمفهوم العلم الطبيعي أو
منهجه أو كيفية التمييز بين القضايا الصادقة والقضايا الكاذبة ،إذ لم تعد هناك إمكانية للتنبؤ بحدوث
الظواهر في المستقبل بناء على مشاهدة بعض الظواهر الجزئية في الحاضر ،وهذا ما يجعلنا نتخلى مباشرة
عن النظرية العلمية السائدة.
لكن بعد أن تصمد النظريات العلمية أمام محاوالت تكذيبها ،وتنجح أمام عمليات االختبار قد يجد العالم نفسه
أمام مجموعة من النظريات التي تنجح في االختبارات تنتقل إلى ما يسمى مبدأ التعزيز والتعزيز هو تجاوز
النظرية لالختبار وكلما كانت االختبارات أقسى حازت النظرية درجة تعزيز أعلى.
اإلسهام األهم لتوماس كوهن هو استحداث مفهوم البراديغم ،وهو وحدة ماوراء النظرية تتجاوز انشغال
بوبر بالفروض والحدوس واعتبارها الوحدات األساسية المحركة للتقدم العلمي.
قام بشرح الموجة التطورية للعلم أو كيفية تطور المعارف العلمية ،فقام بتقسيم تاريخ أي علم من العلوم إلى
قسمين .أو أن تاريخ أي علم البد وعليه من أن يمر بمرحلتين تفصلهما مرحلة انتقالية ،وهما مرحلة العلم
غير الناضج ) ،(immature sciencesوالعلم الناضج أو ما يصطلح عليه بالعلم السوي أو العادي أحيانا
أخرى بالعلم القياسي.
والمتفرقة ووجهات النظر -مرحلة العلم غير الناضج :هي مرحلة سادت فيها النظريات المتضاربة
المختلفة .تشكلت فيها أيضا مجموعة من المدارس ذات الخلفيات الفكرية المتباينة والتي ساد فيها نوع من
الجدل واألفكار المختلفة وعدم وجود تصور واضح وموحد لهاته المدارس وحتى ال يمكننا معرفة أي مدرسة
من المدارس ألن كل مدرسة تستند إلى خلفية ميتافيزيقية أو فلسفة معينة ،كما تتميز بعدم توفرها على أسس
معيارية عامة وعقالنية حتى تمكن الباحث من أن يخضع لها (نفس الظاهرة تفسيرات عديدة).
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
ستنتهي في األخير مرحلة العلم غير الناضج وذلك بتفوق وانتصار إحدى المدارس المتجادلة وغير المتفقة
فيما بينهما؛ كل واحدة بمعتقداتها وأفكارها على تأسيس نموذج إرشادي أول يقود مرحلة البحث العلمي إلى
مرحلة العلم الناضج.
السوي:
-مرحلة العلم الناضج أو ّ
هو البحث الذي يرشح بنيانه على إنجاز أو أكثر من انجازات الماضي العلمية والتي تعتبر بأنها تشكل
األساس لممارسته العلمية مستقبال .ربط توماس كوهن بين العلم السوي ومصطلح البراديغم والذي يرى أنه هو
الشرط الضروري له فمن خالله يتم التمييز بين العلم (غير الناضج) والعلم الناضج ،وهذا األخير هو الذي
ينجح في وضع براديغم معين ألنه إذا تم نجاحه في وضع براديغم فهي داللة واضحة على نضجه حيث يقول
كوهن " العلم الناضج هو النشاط الذي يهتم بحل المشكالت العلمية بالطرق التي يحددها النموذج المعمول
به ،أي أن العلم السوي يحاول دائما أن يدرس ويدقق في القضايا العلمية التي وضعها النموذج ".كما أنه
مبني وبشكل أساسي على فهم وحل األلغاز التي ظلت غامضة وشائكة داخل المعرفة العلمية .ولعل أهم
الخصائص التي يصف بها كوهن العلم السوي إجماال:
-العلم العادي ذو طابع تراكمي أي يتميز بالتراكم الهدف منه الزيادة في محتوى المعرفة العلمية من خالل
تسلسل جملة من االكتشافات.
العلم العادي في هذه المرحلة يكون في حالة استقرار وهدوء ألن النموذج يكون متمسكا بزمام النشاط العلمي.
يشكل العلم السوي الجزء األكبر من تاريخ العلم وألنه يعتبر أطول مرحلة من مراحل تطور العلم ،إنه ليس
من اليسير تغيير قواعد وقوانين وأسس ومبادئ العلم ،فالعلماء يحاولون التشكيك في النظريات العلمية وفقا
ألطر وضعها النموذج اإلرشادي أو البراديغم وبالتالي المرحلة الثورية تكون نادرة.
-العلم الثوري:
عندما تظهر حاالت شاذة في العلم وال يستطيع العلماء فهم هذا الخلل والفوضى التي أصابت العلم ،وال
يمكن استيعابها وفق النموذج اإلرشادي القائم ،ألنه غير مهيأ لهذه الوقائع التي تحدث .ينتج عنه ما يسمى
بأزمة في العلم والتي يقصد بها عجز الحلول القديمة والتقليدية على مواجهة واحتواء حاالت الخلل المستجدة
الحادثة غير المعروفة أو المتوقعة .واألزمة هي تراكم المشكالت والفوضى وظهور التناقضات والصراعات.
عندما يدخل العلم في حالة من األزمة فإنه يؤدي بالضرورة إلى ظهور نظريات جديدة ،فاألزمات تقودنا إلى
التعبير ألنها نتجت عن فشل التوقعات.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
األزمات ماهي إال- :تعبير عن إخفاق العلم عن حل األلغاز وعجزه إلى التوصل إلى نتائج متوقع.
-الثورة العلمية :يعرفها توماس على أنها سلسلة من األحداث التطورية غير التراكمية التي يستبدل فيها
نموذج إرشادي قديم كليا أو جزئيا بنموذج إرشادي متعارض معه ،الثورة العلمية هي االنتقال من نموذج
إرشادي أو براديغم قديم إلى براديغم آخر يختلف معه سواء من ناحية المبادئ أو األسس .فال يمكن أن يكون
هناك ثورة علمية إال إذا كان هناك تحول وتغير ما هو قائم.
-الثورة الصغرى :التي يعني بها االكتشافات العلمية الثورية التي ال تدخل ضمن توقعات النظام ،البراديغم
السائد ،والتي تحدث ضمن نطاق ضيق بين عدد محدود من العلماء ،الذين ال يتجاوز عددهم العشرين وهنا
يختلف مع بوبر الذي يقول أن واقعة واحدة قادرة على إثبات زيف وإبطال النظرية المعنية.
في حالة فشل النموذج في الوصول إلى نتائج مرتقبة في حل األلغاز من خالل العلم القياسي تحدث الثورة
الكبرى.
-الثورة الكبرى :هي التي تؤسس تقليدا بحثيا جديدا وتفرض رؤية جديدة وتهدم النظام السابق ويتجاوز تأثيرها
المجال الذي حدثت فيه إلى مجاالت أخرى من النشاط اإلنساني .إال أن عملية نقل العلماء والءهم ألسس
علمية معينة إلى أسس أخرى جديدة ليس باألمر اليسير.
لقد سلم توماس كوهن بكون العلم ماض في طريق التقدم المستمر ،لكنه يتحدث عن خطأ االعتقاد السائد بأن
هذا التقدم يأخذ منحنى تراكمي في مسار خطي بحيث أن التقدم المعرفي الالمقايسي لكوهن بحسب تصوره
ينبني على براديغمات ال متقايسة .ويقول كوهن أن البراديغمات الجديدة تتبنى بعض مكتسبات القديمة وفق
مسار غير تراكمي.
-يشير إلى الطبعة الحلقية للتقدم في تاريخ العلم حيث أن تبني براديغم جديد يكون نتيجة لثورة علمية تدشن
مرحلة جديدة من العلم القياسي ،هذه األخيرة ينتهي بها المطاف إلى أزمة جديدة يليها حدوث ثورة تؤدي إلى
تبني براديغم جديد وهكذا.
-يجري كوهن تشبيها بين الثورة العلمية والثورة السياسية حين يشبه البراديغم بالنظام السياسي القائم الذي
يتولى معالجة المشاكل االجتماعية والسياسية داخل المجتمع ،فإذا ما عجز النظام السياسي عن حل هذه
األزمات القائمة تحدث ثورة الستبدال هذا النظام بنظام جديد بنفس الطريقة التي يتم فيها استبدال البراديغم
القديم ببراديغم جديد ،فعندما تحدث األزمة المعرفية بظهور أعراض اإلخفاق في الحصول على فهوم متبصرة
للواقع عن طريق أدوات تقليد البحث المهيمن ،وعندما يصعب التخفيف من حدة هذه األزمة عبر تنقيح
البراديغم المهيمن تحدث الثورة المعرفية .ما يعني االنتقال إلى نموذج قياسي موجه والذي ينطوي عليه أيضا
التغير في النظرة إلى القديم .ما يجعل الحديث عن إمكانية عقد مقارنة بين البراديغم الجديد والقديم غير
متيسرة ،فكل يستعمل لغة وأدوات تحليلية متمايزة ويطرح حجج علمية متميزة وهذه الوضعية يطلق عليها
توماس كوهن الالمقايسة.
لقد حققت مقاربة فوكو المعرفية وثبة تقدمية يشهد لها العلم المعاصر ،ولقد انصب اهتمام فوكو في
مواضع محددة بتفكيك وتحليل الداللة المفهومية والبعد البنيوي لمعنى وحقيقة االبستمولوجيا.
يرى فوكو أن االبستمولوجيا عبارة عن بنية معرفية متعددة ومتغايرة وهي وحدات معرفية متقطعة وكل وحدة
معرفية لها نظام فكري خاص بها اصطلح عليها بالخطاب المعرفي أو الحقبة المعرفية أو المراحل التاريخية
للمعرفة.
قسم فوكو الفكر الغربي إلى ثالث عصور متتابعة ،تتعاقب على أساس انقطاعات ابستمولوجية ،تنتقل بها
المعرفة من حقبة إلى أخرى دون أن يكون بينها أي استمرار أو تواصل بل مجرد فواصل وتقطعات .تتمثل
هذه العصور كما يلي :أول هذه العصور هو عصر النهضة وثانيها هو العصر الكالسيكي الذي يؤرخ
"فوكو" بدايته بظهور اللحظة الديكارتية في أواسط القرن السابع عشر وثالثها هو العصر الحديث الذي يبدأ
مع مطلع القرن 19م بظهور مفهوم " اإلنسان" من حيث هو ذات تاريخية.
تعني كلمة أركيولوجيا "علم اآلثار" وهي مشتقة من اليونانية أركه Archéأو "أرخايوس" Arkhaios
الذي يعني قديم ونحن نعرف أن دراسة اآلثار القديمة تستلزم القيام بحفريات من أجل استخراج آثار الماضي
من طبقات األرض والعمل على إعادة تركيب تاريخ الحضارات القديمة .ولكن فوكو ال يستخدم هذا
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
االصطالح بهذا المعنى المعروف ،بل هو يرمي إلى دراسة أرشيف كل عصر من أجل الكشف عن المجال
االبستمولوجي .فإذا كانت األركيولوجيا تحليال الخطابية والوضعيات والمعارف من حيث عالقتها بالعلوم،
فهي كذلك تحليل لألنظمة المعرفية.
لقد نزع فوكو إلى ممارسة عملية الحفر المعرفي من خالل النبش في فعاليات الحياة ووثائق الحفظ
والخطابات كمنهج ووسيلة من أجل كشف النظم المعرفية التي تحكمها وتنظمها في سياق واحد أي االشتغال
على الخطابات بالحفر في طبقاتها وتفكيك بنياتها أو بتعرية بداهاتها وكشف طياتها متجاو از بذلك المقاربة
االبستمولوجية التي تعمل بثنائية الصدق والخطأ أو العقلي وغير العقلي ،نحو ثنائية جديدة المفكر فيه والغير
مفكر فيه ،كاشفا بذلك عما تمارسه الذات المفكرة -فيما هي تفكر -من الصمت والجهل والنسيان ،وعما
يتيسر عليه العقل فيما يعقل ،ويستدل عليه من ضروب الحمق والجنون.
ولهذا تتحدد وظيفة المنهج االركيولوجي في كونه يسعى للكشف عن األسس المعرفية التي قامت عليها معرفة
عصر معين من خالل تحليل سلسلة العالقات القائمة بين مختلف العلوم .هذا ما يؤدي إلى تنقية التاريخ
الميتافيزيقي من مختلف مقوالته ،ومن جل المظاهر التي توحي بالذاتية ،وبالتالي إلغاء القداسة التي تعطي
لمقولة الذات في التحليالت التاريخية.
يعطي فوكو مفهوما مركزيا للتاريخ وهو االنقطاع الذي يعرفه فوكو بقوله " هو أداة البحث وموضوعه في
نفس الوقت يعين حدود الحقل الذي يتولد فيه ويسمح بتعيين تفرد الميادين التي ال يمكننا تحديده إال بفضل
المقارنة بينها ،وألنه في نهاية األمر ليس مجرد مفهوم قائم حاضر في خطاب المؤرخ ،بل يفترضه هذا
األخير وينطلق من ذلك االنفصال الذي يمده بالتاريخ كموضوع وبتاريخه هو" .لذلك فإن التاريخ ليس تاريخ
االستمرار والتسلسل فق ،بل هو تاريخ االنقطاعات واالنفصاالت كذلك تسمح له بتحليل المعارف كممارسات
خطابية تتجسد في تشكيالت خطابية وتميزه عن باقي المقاربات التاريخية .وهذا االنقطاع الذي يشير إليه
فوكو يتضح من خالل رسم قطعتين كبيرتين ،القطيعة التي فصلت العصر الكالسيكي عن عصر النهضة
والقطيعة التي فصلت العصر الحديث عن العصر الكالسيكي ،األولى حصلت في بداية القرن السابع عشر
مع اللحظة الديكارتية والثانية مع بداية القرن التاسع عشر والتي عرفت ميالد العلوم االنسانية.
إن محور مشروع فوكو هو تاريخ نقدي للفكر ،أي تحليل الظروف التي تشكلت ضمنها عالقة الذات
بالموضوع .وعليه قدم "فوكو" دحضا عميقا للفلسفة الحديثة من "ديكارت" إلى "كانت" القائمة على "األنا
أفكر إذن انا موجود" كمصدر للمعرفة .إن إشكالية الذات عند "فوكو" تبرز من خالل طرحه للسؤال التالي:
مارس عليها عالقات السلطة؟ بهذا المعنى ،تغدو الذات تمثل بؤرة
مارس أو تُ ُ
كيف تم تشكيلنا كذوات تُ ُ
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
انطالق السلطة نحو موضوعها المتجسد في المناطق المتاخمة ،ومن التخوم التي ارتحلت إليها السلطة نجد
السياسي.
وفي العالقة بين السلطة والمعرفة )الحقيقة( ،قام "فوكو" بقلب مقولة ان المعرفة أداة في يد السلطة واإلنسان
إلى التساؤل عن مدى السلطة التي تمارسها المعرفة والتي تشكل العالقة بين الفرد وأفكاره وصوال إلى سؤال
إشكالي آخر حول :ماهي اآلليات المنتهجة من قبل المجتمعات الغربية لممارسة السلطة؟ كيف وفي أي
مكان عمل ت الحقيقة؟ وكيف كانت السلطة مولدة للمعرفة؟
إن فعل السلطة ينتج المعارف وعلى رأسها العلوم اإلنسانية ،فاالمتزاج بين السلطة والمعرفة ساهم في ميالد
مؤسسات عقابية كالسجون والمالجئ وغيرها ،ويرى "فوكو" ان التقدم الحاصل في المؤسسات ما بعد
الحداثية سببه تطور في تقنيات المراقبة ،فكلما علت مكانة المعرفة في المجتمع زادت سلطتها فيه وصار
لها نفوذ معرفي قوي ،لكنه ال يقوم على اإلكراه بل على اإلقناع واالقتناع ألن هذه السلطة تنبني على تقديم
الحجة والدليل العلمي إلقناع الطرف اآلخر بالفاعلية اإليجابية لها والقيمة المضافة ألي معلومة في حياة
األفراد في المجتمع .وعليه تعد المعرفة خطابا قابال للنفي أو اإلثبات في ممارسته من قبل السلطة .إن
المعرفة في جوهرها خطاب Discoursلما يتحول هذا الخطاب إلى حيز الممارسة نكون بصدد فعل
المعرفة ،تكون إرادة المعرفة هي حلقة الوصل بين الفكر والفعل ألنها عقل بالقوة في خطابها وعقل بالفعل
في ممارستها .وعليه جاءت حاجة السلطة إلى خطاب يميزها من التحول في أساليبها الممارساتية عبر
الزمان ،فلكل مجتمع في فترة محددة بنية خطاب تبرر أعمال السلطة بداخله ،وهذا الخطاب له لغة.
كان الجسد إذن عرضة لقوى متعددة ساهمت في إخضاعه وترويضه ،وقام "فوكو" بتفكيك اآلليات والنظم
المساهمة في عملية اإلخضاع وكيف تمارس السلطة على الجسد في المدرسة والسجن والمصنع
والمستشفى؟ أصبح الجسد ذاك الكائن المنضبط .
لقد أحدث "فوكو" قطيعة مع مفهوم السلطة الذي كان سائدا إلى حينه إذ قام بنقله من وحدة معرفية إلى
وحدة معرفية أرقى من حيث االستعمال والتداول ،هذا االنتقال من وحدة إبستمية إلى أخرى الذي ال يتم إال
عبر االنقطاع أو الطفرة أو الحدث الراديكالي أو الكسر على حد تعبيره .
تعتبر الظاهرة االتصالية ظاهرة قديمة صاحبت في جل مراحل تكوين المجتمع البشري .لذا فإن
بهذه الظاهرة كظاهرة مستقلة من طرف الباحثين في شتى العلوم االجتماعية،حيث كان ينظر إلى االتصال
(كظاهرة مستقلة) على أنه محتوى في إطار الفعل االجتماعي وكان يؤخذ على أنه مسلمة من المسلمات أنه
التوجد ضرورة لدراسته بصفة مستقلة عن الفعل االجتماعي.
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
شهد القرن 19م ظهور عدد كبير من وسائل االتصال استجابة لعالج بعض المشكالت الناجمة عن
الثورة الصناعية .فقد أدى التوسع في التصنيع إلى زيادة الطلب على المواد الخام ،وكذلك التوسع في فتح
أسواق جديدة خارج الحدود ،كما برزت الحاجة إلى استكشاف أساليب سريعة لتبادل المعلومات التجارية ،كما
برزت الحاجة إلى استكشاف أساليب سريعة لتبادل المعلومات التجارية وبالتالي أصبحت األساليب التقليدية
لالتصال ال تلبي التطورات الضخمة التي يشهدها المجتمع الصناعي.
علم االتصال علم حديث نسبيا ،خرج من تحت عباءة علم االجتماع وعلوم أخرى فأصبح له قواعده وأصوله
ونظرياته المستمدة من العلوم االجتماعية التي سبقت ظهوره ،وقد تطور علم االتصال تاريخيا حسب المراحل
التي شهدت االتصالية الرائدة التي غيرت من نمط االتصال السائد وأثرت على أشكال الحضارة والمدنية.
تعود األصول التاريخية لكلمة االتصال للعصور القديمة تحت مسميات الخطابة البالغة ،فإنها لم تشتهر في
الخطاب الحديث العادي إال منذ أواخر القرن 19م ،حيث بدأت الدراسات األكاديمية ،حيث بدأت الدراسات
األكاديمية في مجال الفنون واآلداب تهتم بموضوعات متفرقة مثل سلوك الجماهير المجتمع والصحافة
لكن تحديث الصحافة بإضفاء الطابع المهني عليها سبقته دعوات عدة كان أولها اقتراح األمريكي" روبرلي"
الذي دعا إلى تكوين جامعي لمهنة اإلعالميين في عام 1869م ،وبدأت هذه الفكرة تنتشر بين المؤتمرين
الدوليين حول الصحافة اللذين عقدا في بوردو وبرلين ،كللت بأول برنامج دراسي في ميدان اإلعالم تم
ضبطه عام 1901م ثم جامعات أخرى .فتح أول تخصص جامعي لالتصال في ألمانيا عام 1916وكانت
محتويات المواد الدراسية في كل هذه الهيئات ذات طابع مهني ترتكز أساسا على التقنيات الخاصة بممارسة
مهنة الصحافة ،ثم أصبح ابتداء من العشرينات يتضمن كذلك وحدات نظرية مثل التاريخ أخالقيات
الصحافة؛ الرأي العام؛ إدارة الصحيفة؛ اإلشهار وذلك بفعل عدة عوامل منها التفاعل بين علم اإلعالم والعلوم
االجتماعية التي تمثل المحيط الثقافي لمثل هذا التخصص باإلضافة إلى بعض التكنولوجيات الحديثة الهاتف
اإلذاعة التلفزيون الذي أصبح تأثيرها يتزايد في الحياة السياسية االقتصادية واالجتماعية والثقافية.
تم فتح دراسات ما بعد التدرج في بعض الجامعات األمريكية بين عامي 1935-1934ثم اتسع مجال
البرامج اإلعالمية كما وكيفا بعد الحرب العالمية 2ليساهم في تأصيل علم اإلعالم كعلم قائم بذاته في أمريكا
ثم أوروبا وبقية أنحاء العالم.
إن االهتمام بالوضعية االبستمولوجية لعلوم اإلعالم واالتصال ،يهدف إلى فهم كيفية تشكل هذا
المجال ومعرفة موقعه في خارطة العلوم .فمجال اإلعالم واالتصال حديث النشأة ،ومن الدارسين من
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
يعتبره علما قائما بذاته ،ومنهم من يعتبره مجال بحث مفتوح ،خاصة أن هذا المجال نما انطالقا من
حقول معرفية عديدة في العلوم اإلنسانية واالجتماعية مثل الفلسفة ،وعلم االجتماع ،وعلم النفس
االجتماعي ،والفيزياء والرياضيات.
أ-طبيعة البحث في االتصال :لقد اختلف عديد الباحثين حول طبيعة علوم اإلعالم واالتصال،
لذلك كان من الصعب تقديم عرض حال عن هذا التخصص ،وسنحاول أن نفسر هذا االختالف من
خالل عرض التوجهات والتي ستكون من خالل األطروحات واألطروحات المضادة.
يتميز االتصال بديناميكية ال تنافسه فيها سوى قلة من التخصصات مثل المعلوماتية والتكنولوجيا
الحيوية ،وهذا ارجع لألسباب التالية:
-األهمية المتزايدة للمهارات االتصالية في العالقات العامة التي أصبحت أكثر التخصصات نموا في مجال
االتصال.
-اتساع مساحة التعرض لوسائل االتصال واالستخدام الواسع لوسائل التواصل االجتماعي.
-التزايد المستمر في اعتبار وسائل اإلعالم مصد ار أساسيا لفهم وإدراك الواقع.
-تزايد الترابط بين النظام اإلعالمي وباقي األنظمة االجتماعية وخاصة السياسية منها ،إلى وسيلة للسلطة
السياسة.
-إن أهمية تأثير وسائل اإلعالم الجماهيرية في نوعية التواصل الجماهيري والخاص يجعل من تخصص
االتصال ذو أهمية كبرى ال تخفى على أحد.
يتميز عادة أي تخصص أكاديمي ببعض االنسجام في مواضيع دراساته وفي نظرياته ،فمثال الفيزياء كعلم
أو تخصص يعتبر واضح المعالم وموضوعها هو الطبيعة ونظرياتها تبنى واحدة فوق األخرى( نظرية نسبية
أينشتاين على نظرية ميكانيكا نيوتن)...وال يوجد جدل كبير حول ماهية النظريات التي تنتمي إليها.
بالمقابل من ذلك هناك جدل كبير حول اعتبار االتصال تخصصا أم مجاال للبحث ،وحول كونه موضوعا
محددا أو واسعا ،فكل شيء في الحياة يتضمن االتصال ،ومع ذلك هناك من يرى أن ليس كل ماله عالقة
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
بوسائل االتصال يعتبر بحثا في االتصال ،فمثال البحث في التشوهات النفسية الناتجة عن التعرض إعالمية
عنيفة بحثا نفسيا ،والبحث في أسباب احتكار وسائل اإلعالم يعتبر بحثا اقتصاديا وليست بحوث اتصالية.
ولقد رافقت أزمة الهوية التي يعرفها ميدان علوم اإلعالم واالتصال المسار األكاديمي للباحثين ،فمثال عندما
طالب المهتمين بهذا الميدان بمأسسة االتصال في ألمانيا إلى جانب علم االجتماع في النظام األكاديمي
األلماني رفض رئيس جمعية علماء االجتماع األلمان إدماجه بحجة تهكمية مقارنة مفادها "عدم حاجتنا لعلم
الدجاج أو البط داخل البيولوجيا"...
يضاف إلى هذا حداثة عهد هذا المجال الذي لم تتمكن فيه األعمال التأصيلية من رسم حدود نظرية واضحة
له ،ويقول في هذا األمر " دانيال بونيو") ( Daniel Bougnouxأن االتصال حقيقة موجود في كل العلوم،
ولكنه كعلم ،حقيقة مفقودة ،ثم أن انفجار المناهج والمقاربات داخل هذا الحقل ،والنازحة من تخصصات
متأصلة الجذور في التاريخ ،يجعل مهمة المشتغلين بتاريخ علوم اإلعالم عملية مشوشة ومعقدة في ذاتها.
وتعتبر حدود علوم اإلعالم واالتصال غير واضحة ويعود لسببين رئيسين هما:
إن الخارطة االبستمولوجية لعلوم اإلعالم واالتصال جعلت منه حقال تسكنه تخصصات علمية مختلفة
وتتفاعل معه علوم عديدة ،فقد أحصى "كرايغ" سبعة تقاليد أكاديمية في نظريات االتصال تقوم بالتنظير
لالتصال بطرق مختلفة :البالغة ،السيميائية ،الظاهراتية ،السيبرنتيكية ،علم النفس االجتماعية ،علم االجتماع
الثقافي وعلم االجتماع النقدي .بينما نجد أن لعلوم الطبيعة تقليدا نظريا واحدا ،ولعلم اثنين ( السلوكية
والتحليل النفسي) ونحن لدينا سبعة أو أكثر.
إن التفكير في التوجه نحو اندماج العلوم ينبثق من واقع ابستمولوجي نظري مركب تتفاعل في حدوده
حقيقتان :حقيقة التناهج Interdisciplinaryبين العلوم ،وحقيقة ظهور فلسفة التعقيد .أما األولى فهي قائمة
على تداخل مجاالت العلوم وتداولها لمفاهيم ومصطلحات بعينها ،ويتحدث "ادغار موران" عن ترحال المفاهيم
وهجرتها من حقل آلخر لتكون لها بنيات أساسية في كل حقل من الحقول .نجد مثال مصطلح
التشويش(الضوضاء)الذي تحول من مجال الفيزياء إلى الحديث عن التشويش السيميائي أو الداللي في علوم
اإلعالم واالتصال وكذلك في بقية علوم االجتماعية األخرى .ونجد كذلك مصطلح األنتروبيا Entropieالذي
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
نشأ في مجال الدينامية الح اررية ،ليظل في ما بعد مصطلحا مركزيا في مجال اإلعالم واالتصال ،والذي
يرمي إلى قياس أهمية المعلومات واألخبار المتداولة في المحيط االجتماعي.
هذا األمر يقودنا إلى ضرورة تبني براديغم التعقيد القائم على فهم الجزء من خالل الكل ،وفهم الكل من خالل
الجزء ،من دون الفصل بين الجزء والكل ،ومثل هذا التحاور ال يحتمل فصل الجزء عن الكل وفصل الجزء
عن الكل .وبهذا يمكن اعتبار براديغم التعقيد فتحا جديدا في مجال العلوم إذ يقر بمحدودية العلم وبعد اليقين
وبحقيقة الظواهر الطارئة واالضطراب.
لكن اعتبار علوم اإلعالم واالتصال علوم متعددة التخصصات أو علوم إدماجية أو تجميعية ال يحل المشكلة
كون هوية هذا التخصص غير واضحة المعالم ،وهناك من يعتبر أن مجال االتصال ،بوصفه حقال معرفيا
تتقاطع عنده تخصصات عديدة ،إلى مرتبة العلم ،حتى لو أن هناك بعض اإليجابية التي تسمح باالستفادة
دائما من المداخل النظرية لتخصصات أخرى وإدماج أحسن النظريات والمناهج لوصفها موضوعنا ،وكان
يأتي ذلك بداية من علماء االقتصاد والتاريخ ثم أتت الموجة الثانية من علماء النفس والتخصصات
األخرى(الزارسفيلد ،هوفالند ،)..ثم أتت مقاربات علماء االجتماع المهتمين بالثقافة مثل (هابرماس ،وبورديو،
وغتلين".
لقد أحصى"كرايغ" سبعة تقاليد أكاديمية في نظريات االتصال تقوم بالتنظير لالتصال بطرق مختلفة :البالغة،
السيميائية ،الظاهراتية ،السيرنتيكية ،علم النفس االجتماعي ،علم االجتماع وعلم االجتماع النقدي .بينما نجد
أن لعلوم الطبيعة تقليجا نظريا واحدا ،ولعلم النفس اثنين( السلوكية والتحليل النفسي).
-ازدواجية التركيب :تحدث هذه االزدواجية في "اإلعالم واالتصال" نوع االضطراب والتشويش ،كلما تعلق
األمر بتاريخ علوم اإلعالم واالتصال ،كمجال بصدد البحث هن تأسيس هوية علمية وتاريخية لكيانه .إن
ازدواجية التركيب التي تختزلها كلمة"إعالم" وكلمة "اتصال" تحيل إلى مجالين متصلين منفصلين في الوقت
ذاته :مجال الميديا والصناعات اإلعالمية ،ومجال السلوك والتفاعالت االجتماعية.
فمجال اإلعالم فقد قاربته تيارات فكرية ونظرية مختلفة ،منها التيار الوظيفي الذي اهتم بدراسة وظائف الميديا
الجماهيرية وتأثيرها في المجتمع ،وهنالك أيضا التيار اللساني البنيوي كمنهج يختص باستخراج المضامين
اإلعالمية.
أما المجال الثاني فهو مجال السلوك والتفاعالت االجتماعية والمعروف بمجال االتصال ،ومن بين األعمال
التي اهتمت به أعمال مجموعة )بالو ألتو )Palo Altoضمن مقاربتهم النسقية ألنماط السلوك البشري.
إن الطبيعة التعددية لعلم االتصال ،أدت بالباحثين إلى محاوالت إدماجية ،أهمها محاولة "بينغر" عام 1993
(connaissance, culture, والذي عرف التخصص بالسينات األربعة :المعرفة ،الثقافة ،الضبط ،واالتصال
).contrôle, communication
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
ويعتبر هذا التصنيف تصنيفا عاما وذو حدود غامضة قد تسمح له بأن يشمل أي نوع من أنواع البحوث
المتعلقة باإلنسان ،وال يصلح كمصدر لتمييز هوية تخصص واحد.
خارجيا ،من المهم تبرير وجود ونمو التخصص من أجل تمويل مشاريع االستقاللية واإلدارية والتعليم والبحث،
وذلك من أجل المحافظة عل كيان تكويني مستقل للطلبة وهوية علميو متميزة .أما داخليا ،فالهوية مهمة
بالنسبة للوظيفة العلمية للتخصص والتي تتمثل في التراكم المعرفي المعترف به.
-3األطروحة الثانية :تراكم أعداد كبيرة من الحقائق اإلمبريقية حول عملية االتصال:
-إن إنتاج المعرفة الذاتية المعترف بها يعتبر أكثر العوامل الحاسمة في الفصل بين العلوم وبين باقي
األنظمة االجتماعية ،مثل الصحافة ،السياسة أو األدب.
-إن البشر بالرغم من اختالفهم عن مواضيع العلوم األخرى ،يمكن دراستهم بنفس المنهجية المعتمدة على
نفس االبستمولوجيا ،على غرار مواضيع الفيزياء والكيمياء.
لقد واجها هذين االفتراضين منذ عصر التنوير األوروبي معارضة قوية من الفكر الكنسي ومن التخصصات
التقليدية التي رأت أن تطبيق هذه القوانين على السلوك اإلنساني سيحد من حرية تصرف األفراد حسب
طبيعتهم أو رغبتهم ،وبالتالي سيتعارض مع مصلحتهم ،واستمرت هذه لمواجهة وازدادت قوة مع تطور العلوم
االجتماعية ،أوال علم النفس التجريبي وال حقا علم االجتماع .إن ما يسمى بالجدل حول الوضعية الذي قاده
كارل بوبر باسم العقالنية النقدية و"أدرنو" و" هابرماس" باسم النظرية النقدية كان يعتبر أبرز المعالم
االبستمولوجية ( .أنظر غلى النقد الذي وجهه بوبر ألصحاب الوضعية المنطقية).
فتحن نعرف كم يلزم من المدخالت لوسائل اإلعالم إلقرار موضوع سياسي جديد ضمن أجندتها العامة،
وحتى كم يلزم من المقاالت والتقارير التلفزيونية لرفع الوعي العام من حيث عدد النقاط بالنسب المئوية(وفقا
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
ألبحاث "رسل نيومان " ،عشر مقاالت في صحيفة نيويورك تايمز أو أي مجلة إخبارية ترفعه بنسبة %0.3
إلى .)%0.9باإلضافة غلى قوة تأثير الصور على اإلدراك الحسي للناس أو على تهييج عاطفتهم،
بالمقارنة مع النص المكتوب( وفقا لبحث أجراه "دولف زلمان" وآخرين ،يمكن للصور أن تدير إدراك إدراكنا
للقضايا واألشخاص بغض النظر عن النص المرافق لها) .ونحن نعرف أيضا كمية التباين الموجودة في
عملية اتخاذ الق اررات اإلخبارية للصحافيين حيث تفسرها عوامل إخبارية شبه موضوعية أو معتقداتهم
الشخصية.
المشكلة البسيطة التي تكمن في االتصال ،تتمثل في قرب موضوعه من واقع جميع الناس وتجربتهم ،مما
يجعلهم يتحدثون بثقة في كل المواضيع وألنهم يشاهدون التلفاز كثي ار فلديهم الكثير لقوله في هذا المجال.
وهذه المشكلة ال تنطبق على الفيزيائي أو طبيب األعصاب ،لكنها تحدث في حقل االتصال مما يجعل من
الصعب الدفاع عن البحث ضد الحكمة العامة أو رغبات األطراف المعنية بالظاهرة المدروسة.
إال أن التآكل المعرفي من الداخل هو األشد ،فالمناقشات المعرفية حول طبيعة الطريق الحقيقي المؤدي إلى
المعرفة العلمية سايرت الحقل منذ بدايته .حيث كان "أدورنو" أول من انتقد االمبريقي "الزارسفيلد" حيث
تحدث عن البحوث النقدية ،ولقد رد عليه "الزارسفيلد" بعد بضع سنوات ب"مالحظات حول بحوث االتصال
اإلدارية والنقدية" والتي أظهر فيها أن البحوث يمكن بالطبع أن تكون نقدية ،وربما أكثر نقدية من البحوث
غير اإلمبريقية ،اذا استعملت بيانات صحيحة ومقنعة ،ولكن النقطة الرئيسية ل"الزارسفيلد" كانت تكمن في
تأكيده على عدم وجود بديل للتفاعالت الذاتية.
رأى عالم االجتماع األلماني "نيكالس لومان" بأن الوظيفة االجتماعية للعلم تكمن في تحديد المعايير التي
تفضل التأكيدات العلمية عن التأكيدات التي وردت في سياقات أخرى وألغراض أخرى ،وبالتالي ،فالتنوع في
حد ذاته ال قيمة له في العلم .إن العلوم ومنها العلوم االجتماعية موجودة ألن المجتمع يتوقع منها الق اررات
التي تحدد أي من النظريات هي مقبولة وأيها غير مقبولة ،ويبدو هذا واضحا وجيدا بالنسبة للعلوم الطبيعية
ومعظم علم النفس ،ولكنه ليس كذلك لمعظم العلوم االجتماعية بما فيها علوم االتصال.
كان السبق للمثقفين األوروبيين في مساءلة سلطة الصحافة أثناء القرن التاسع عشر ،وبالموازاة جعلوا من
حقل االتصال مجاال للبحث المنتظم .أما في أمريكا وفي سياق عملية التصنيع والتحضر سريعة للمجتمع
وخاصة الريفي منه ،بدأ علماء االجتماع يهتمون مجددا ببعض التساؤالت ،مما أدى إلى ظهور انشغاالت
جدية حول هذه إلى هذه المؤسسة الجديدة المسماة بالصحافة التي يفترض أنها المسؤول األول عن تكوين
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
رأي عام ،وهو ما تطرق إليه ولتر ليبمان" في كتابه الرأي العام الذي يعتبر أول كتاب معاصر حول وسائل
االتصال.
لقد أعطت الحرب العالمية األولى فرصة التفكير في كيفية استخدام تقنيات ،إذ قام الباحث السياسي األمريكي
هارولد الزويل سنة 1927بنشر أول بحث منتظم في هذا المجال تحت عنوان "تقنيات الدعاية في الحرب
العالمية" وانطالقا من التجارب البريطانية والفرنسية واأللمانية المستخدمة في الدعاية ومزاوجتها بنظرية
إجرائية (االستراتيجيات-التكتيكات) ،وذلك بهدف القدرة على توجيه هذه المواد .تطرق أيضا إلى البعد
المنظماتي في استخدام تقنيات الدعاية (مركزية وال مركزية التنظيم اإلداري التنظيم اإلداري الداخلي والتنسيق
األفقي المتبادل األطراف الخ).
شكل هذان النموذجان من األعمال المعاصرة في البحث حول وسائل االتصال (أي المساءلة السياسية
للصحافة ،الرأي العام والديمقراطية من جهة ،ومن جهة أخرى البحث المنتظم حول استخدام تقنيات الدعاية)
صورة التجاهين فكريين وإيديولوجيين ( النقدي واالمبريقي) واللذين طغيا على حقل البحوث حتى الستينيات
وبعدها.
-1التقليد االمبريقي :يستمد هذا التقليد أصوله من روافد الوضعية واإليديولوجية العلموية )،(scientiste
والذي بدأ يقتحم بالتدريج مجال البحث في العلوم االجتماعية ،حيث انصب البحث على التقييم المنتظم آلثار
وسائل اإلعالم على توجهات السلوك.
يمكن القول أن هذا االتجاه برز في نهاية الثالثينيات ،حيث بدأت في هذه الفترة نخبا جديدة في المجال
السياسي ،الصناعي والتجاري تبحث عن توسيع وتنويع وسائل المراقبة االجتماعية ،وذلك بتكييف تقنيات
القياس الجديدة في مجال العلوم االجتماعية مع االستخدام المراقب لوسائل اإلعالم (الصحافة ،السينما،
الراديو) .لقد كانت األسئلة التي شغلت هذه النخب مصاغة كما يلي :ماهي اآلثار التي يسببها استخدام
وسائل الجديدة على يلوك األفراد(تصويت ،مشتريات)..وعلى أرائهم؟ هل هناك إمكانية التعديل المنتظم
لمحتويات الرسائل التي تبث من طرف وسائل االتصال بهدف إقناع جمهور ذو طبيعة مختلفة؟
ويعتبر االتجاه االمبريقي اتجاه ذو طبيعة نفعية تالعبية حيث يسعى إلى التعبير وإذ أمكن األمر إلى قياس
ظروف االستعمال األمثل لوسائل اإلعالم في سياق إقناعي على المدى القصير.
لقد ارتبط االتصال في الواليات المتحدة في بداياته بمشروع بناء علوم اجتماعية مؤسسة على قواعد امبريقية،
حيث مثلت مدرسة شيكاغو نقطة االنطالق لهذا المشروع ،فمقاربتها الميكروسوسيولوجية لدور أساليب
االتصال في تنظيم الجماعات البشرية ،تتناغم مع فكرها حول دور األدوات العلمية المعرفية في الوصول إلى
حلول لالختالالت االجتماعية الكبرى ،وقد سادت أطروحات هذه المدرسة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد اخ تارت مدرسة شيكاغو المدينة فضاء لممارستها البحثية التجريبية ،إذ اعتبرتها "مختب ار اجتماعيا"،
ليىل كرفاح الس تاذة: حمارضات س نة أوىل ماسرت :مقياس ابس متولوجيا علوم الإعالم والتصال
بدالالته التي تحمل عدم التنظيم والتهميش والمثاقفة واالندماج ،وحيث أن المدينة أيضا فضاء الحراك
االجتماعي.
-2التقليد النقدي :يمكن إرجاع التقليد النقدي في الواليات المتحدة األمريكية إلى فكر الفيلسوف االجتماعي
جون ديوي ،)1952-1859(J.DEWEYالقائم على أن االتصال -بمعنى التبادل الرمزي ،التوزيع الجمعي
لألفكار والمنافع المشتركة ،كان الخاصية األساسية والمركزية للحياة االجتماعية.
كان جون ديوي يرى أن تسخير وسائل االتصال في عملية التحديث تشكل بهذه الثقة إمكانات باهرة في
مجال إبداع وخلق "جالية كبيرة" و"ذكاء منتظم" ولكن في الوقت ذاته يمكن أن تطرح وسائل االتصال مخاطر
جدية مثل تداعي القيم المجتمعية وابتعادها عن الحياة السياسية والديمقراطية.
كولي لقد ساهم عالم النفس االجتماعي جورج (هربرت ميد )1931-1863وعالم االجتماع شارلز
( )1929-1864وروبرت بارك ( )1944-1864بدورهم في تطور هذا التقليد النقدي اإلصالحي الذي
يهدف إلى غاية قيمية normativeأي إصالح الحياة الديمقراطية وخاصة المدن األمريكية الصغيرة المهددة
بتنامي ظاهرة التصنيع .لقد توجه هؤالء الباحثين إلى مساءلة وتحليل إمكانيات وسائل اإلعالم في الحفاظ
على الديمقراطية والتوعية السيميترية للرأي العام بالمخاطر التي يمكن أن تخفيها وسائل اإلعالم والتي قد
تؤدي إلى هدم الديمقراطية.
مالحظة :على الطلبة االطالع أكثر على المدرسة اإلمبريقية والمدرسة النقدية.
بالتوفيق للجميع