You are on page 1of 13

‫المدرسة العليا لألساتذة بالقبة‬

‫السنة األولى‪ ،‬أقسام الرياضيات‪ ،‬العلوم الفيزيائية والمعلوماتية‬


‫تاريخ العلوم‬

‫الفصل ‪ :1‬مفاهيم أساسية في تاريخ العلوم‬

‫د‪ .‬عبد اهلل لعريبي‬

‫السنة الجامعية‪2023/2022 :‬‬


‫مقدمة‬
‫يهدف هذا الفصل إلى بيان بعض المفاهيم األساسية التي تمهد لنا دراسة تاريخ العلوم‪،‬‬
‫فهي بمثابة المفاهيم المفتاحية لفهم هذا العلم‪.‬‬

‫وفيه نبسط القول حول ثالثة مفاهيم أساسية‪ ،‬وهي‪ :‬العلم والتاريخ وتاريخ العلوم‪.‬‬

‫نبدأ بتعريف العلم لغةً واصطالحاً‪ ،‬وفي الفكرين اإلسالمي والغربي مع عقد مقارنة نقدية‬
‫بين المفهومين‪ ،‬ثم ننتقل إلى الحديث عن تصنيف وأهداف وخصائص العلم‪ ،‬ومناهج البحث‬
‫العلمي‪ ،‬ونردف ذلك بتسليط الضوء على العلم والتكنولوجيا والعالقة التي بينهما‪.‬‬

‫وفي مفهوم التاريخ‪ ،‬نتعرض إلى تعريفه‪ ،‬ونتبع ذلك بذكر بعض فوائد دراسة التاريخ‪.‬‬

‫أما فيما يخص مفهوم تاريخ العلوم‪ُ ،‬ن ّبين المقصود منه بداية‪ ،‬ثم نوضح أقسام تاريخ العلوم‪،‬‬
‫وفي األخير نبسط الحديث حول الغاية من دراسة وتدريس تاريخ العلوم‪.‬‬

‫‪ -1‬العلم‬
‫‪ 1-1‬تعريف العلم لغ ًة واصطالحاً‬
‫‪ -‬العلم لغة‪:‬‬

‫يطلق العلم في اللغة على "المعرفة "‪ .‬يقال‪ :‬علمت الشيء أي عرفته‪.‬‬

‫إن كلمة "العلم" العربية تقابلها في اإلنجليزية كلمة ‪( Science‬ساينس) المشتقة من كلمة‬
‫‪( Scientia‬شينتية) الالتينية والتي تعني المعرفة ‪( Knowledge‬ناوليج(‪.‬‬

‫وفي القديم كان العلم يطلق على كل معرفة منظمة لها أبوابها ومسائلها سواء أكانت‬
‫معرفة ثقافية كعلم التاريخ‪ ،‬وعلم اللغة‪ ،‬أو معرفة علمية كعلم الكيمياء وعلم الفيزياء‪.‬‬

‫معنى اصطالحيا يختص بمعارف معينة‪.‬‬


‫ً‬ ‫أما في العصر الحديث فقد أصبح للعلم‬

‫‪ -‬العلم اصطالحاً‪:‬‬

‫‪ -‬قديماً‪ :‬هو "اإلدراك مطلقاً‪ ،‬تصو ار كان أو تصديقا‪ .‬بمعنى إدراك الشيء على ما هو‬
‫عليه"‪.‬‬
‫‪ -‬حديثاً‪ :‬هو "المعرفة التي تؤخذ عن طريق المالحظة والتجربة واالستنتاج" كعلم‬
‫الفيزياء‪ ،‬وعلم الكيمياء‪ ،‬وعلم الطب وسائر العلوم التجريبية‪.‬‬

‫‪ 2-1‬تعريف العلم في الفكر اإلسالمي‬

‫‪ -‬تعريف العلم عند اإلمام فخر الدين الرازي (‪543‬هـ‪606 -‬هـ ‪ 1148 /‬م‪1209 -‬م)‪:‬‬

‫يقول رحمه اهلل‪ ":‬العلم والمعرفة عند من يرى ترادفهما درجات‪ ،‬تبدأ من االتصال الحسي‬
‫إلى التجريد العقلي إلى المرور في مراحل الحفظ والتفكير‪ ،‬وهو كذلك حدس داخلي‪ ،‬أو معرفة‬
‫وجدانية‪ ،‬وهو كذلك إدراك للجزئيات كما أنه إدراك للكليات‪ ،‬إدراك للبسيط كما هو إدراك‬
‫للمركب‪ ،‬وله طريق حسي‪ ،‬وطريق قلبي‪ ،‬وطريق عقلي‪ ،‬وبعضه إدراك بديهي‪ ،‬ال يحتاج إلى‬
‫دليل ونظر وكسب‪ ،‬وبعضه اآلخر كسبي يحتاج إلى النظر واالستدالل"‪.‬‬

‫‪ -‬بعض وجوه التباين بين العلم والمعرفة‬

‫ومع اعتبار أن العلم والمعرفة كلمتان مترادفتان في نظر البعض‪ ،‬من حيث أن كال منهما‬
‫يعني إدراك الشيء على ما هو عليه‪ ،‬إال أن ثمة تباينا بينهما من الوجوه التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬تطلق المعرفة على ما يدرك بآثاره وال تدرك ذاته‪ .‬ويطلق العلم على ما تدرك ذاته‪ .‬ولذلك‬
‫يقال‪ :‬عرفت اهلل‪ ،‬وال يقال‪ :‬علمته‪ ،‬ألن معرفة اهلل ليست معرفة بذاته‪ ،‬بل بآثاره‪.‬‬

‫‪ -2‬خالف المعرفة اإلنكار‪ ،‬وخالف العلم الجهل‪ .‬وذلك ألن في معنى المعرفة االعتراف‬
‫واإلقرار‪.‬‬

‫‪ -3‬تستعمل المعرفة في التصورات‪ ،‬ويستعمل العلم في التصديقات‪.‬‬

‫‪ -4‬تطلق المعرفة على إدراك البسيط‪ ،‬ويطلق العلم على إدراك المركب‪.‬‬

‫‪ 3-1‬تعريف العلم في الفكر الغربي‬

‫إن مفهوم العلم في الحضارة الغربية قائم أساساً على المالحظة بدل االستشهاد‪ ،‬فالحقائق‬
‫في المنظور الغربي يجب التأكد منها بالمالحظة‪ ،‬وليس بالرجوع إلى النصوص القديمة‪.‬‬

‫ومن الذين قالوا بذلك‪ ،‬الفيلسوف االجتماعي الفرنسي أوغست كونت (‪)1857 - 1798‬‬
‫‪ ،Auguste Comte‬الذي حصر المعرفة في نطاق التجربة واإلدراك الحسي الوضعي‪ ،‬حيث‬
‫قال أنه " ال سبيل إلى المعرفة إال بالمالحظة والخبرة"‪ ،‬وكل ما وراء ذلك من األديان‪ ،‬والغيبيات‬
‫مرفوض باعتباره غير علمي‪..‬‬

‫ويمكن القول أن العلم‪ ،‬من المنظور الغربي‪ ،‬هو منظومة من المعارف المتناسقة التي‬
‫ُيعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي )مشاهدة‪ ،‬فرضية‪ ،‬تجربة‪ ،‬صياغة) دون سواه‪.‬‬

‫‪ 4-1‬مقارنة مفهوم العلم بين الفكرين اإلسالمي والغربي‬

‫إن مفهوم العلم في الفكر الغربي مقصور على ما قام على المالحظة والتجربة‪ ،‬فهو يقصي‬
‫كل ما قام على االستشهاد بالنصوص الدينية‪ ،‬في حين يقوم مفهوم العلم في الفكر اإلسالمي‬
‫بناء‬
‫على المزاوجة بين العقل الصحيح والنقل الصريح‪ ،‬فال تعارض بين ما جاء به العقل ً‬
‫على المالحظة والتجربة وما أخبر به " الوحي اإللهي المنزل على الرسول (ص) بواسطة‬
‫الوحي الجلي كالقرآن الكريم‪ ،‬أو الوحي الخفي الذي يوحي اهلل به إلى قلب رسوله (ص)‬
‫بواسطة رؤيا في نومه‪ ،‬أو نفث في روعه في اليقظة‪.‬‬

‫إن االختالف بين مفهوم العلم في الفكرين الغربي واإلسالمي‪ ،‬من حيث موقفهما من الوحي‬
‫إقصاء واعتماداً‪ ،‬مرده إلى موقف علماء الغرب من رجال الكنيسة الذين اضطهدوهم بسبب‬
‫ً‬
‫آرائهم العلمية التي لم يتقبلوها بدعوى أنها تخالف ما جاء في الكتاب المقدس!؟ وخير شاهد‬
‫على هذا ما عناه غاليلي )‪ (Galilée‬من اضطهاد وما لقاه من محنة من قبل الكنيسة بسبب‬
‫أبحاثه العلمية التي قادته إلى مخالفة االعتقاد السائد آنذاك بأن" األرض ثابتة ال تتحرك" والذي‬
‫ُيعزى إلى الكتاب المقدس!؟‬

‫‪ 5-1‬تصنيف العلوم‬

‫تصنف العلوم حسب أهدافها ومناهجها والمواضيع التي تدرسها‪ ،‬وغيرها من المعايير‪.‬‬

‫• حسب األهداف‪:‬‬

‫‪ -‬العلوم األساسية (مثل الفيزياء)‬

‫‪ -‬العلوم التطبيقية (مثل الطب)‬

‫• حسب المناهج‪:‬‬
‫‪ -‬العلوم التجريدية (المعتمدة على المفاهيم المجردة ‪ ،‬واالستدالل فيها رياضي‪ -‬منطقي)‬

‫‪ -‬العلوم التجريبية (المعتمدة على المالحظة والتي يمكن اختبار صحة نظرياتها عن طريق‬
‫التجربة)‬

‫• حسب المواضيع‪:‬‬

‫‪ -‬العلوم الطبيعية (الشاملة كالفيزياء والكيمياء أو المتخصصة كعلم األحياء أو علم األرض)‪.‬‬

‫‪ -‬العلوم اإلنسانية التي تدرس اإلنسان ومجتمعاته (علوم االجتماع واالقتصاد وعلم النفس‪)....‬‬

‫‪ -‬العلوم اإلدراكية مثل العلوم العصبية واللسانيات‪....‬‬

‫‪ -‬العلوم الهندسية‪.‬‬

‫• حسب المصادر‪:‬‬

‫‪ -‬العلوم النقلية (أي العلوم الدينية أو الشرعية) التي أساسها الوحي‪.‬‬

‫‪ -‬العلوم العقلية (التي ترتكز على العقل وحده) مثل العلوم الرياضية‪ ،‬وعلوم الطبيعة‪ ،‬والفلسفة‬
‫‪....‬‬

‫• حسب تصانيف أخرى ‪....‬‬

‫‪ 6-1‬أهداف العلم‬

‫يهدف العلم الحديث إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسة هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬وصف الظاهرة (الحادثة)‬


‫‪ -2‬تفسيرها بإرجاعها إلى عللها وأسبابها‬
‫‪ -3‬التنبؤ بالظواهر (المستقبلية)‬
‫‪ -4‬القدرة على التحكم في الظواهر‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن العلم الحديث – كما تقرره فلسفة العلوم الغربية ذاتها ‪ -‬لم يعد قاد اًر‬
‫على الوصول إلى حقائق مطلقة أو حتى منتظمة‪ ،‬فظهرت النسبية المطلقة وفشت بين فالسفة‬
‫وصناعه‪ ،‬كما تم وضع (نظرية الفوضى) والتي تقرر – ضمن نتائجها الهامة – بأن‬
‫ّ‬ ‫العلم‬
‫مسألة التوقع أو التنبؤ عملية يشوبها قدر كبير من التعقيد والصعوبة مما يوجب على العلم‬
‫البشري أن يتواضع فال يجزم بنتائجه وتوقعاته‪....‬‬

‫‪ 7-1‬خصائص العلم‬

‫يتميز العلم بالعديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من فروع المعرفة ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬القابلة للتعديل والتغيير‬

‫‪ -2‬العلم يصحح نفسه بنفسه العلم يتصف بالشمولية والتعميم‬

‫‪ -3‬العلم تراكمي البناء‬

‫‪ -4‬العلم نشاط إنساني عالمي‬

‫‪ -5‬العلم وثيق الصلة بالمجتمع‬

‫‪ 8-1‬مناهج البحث العلمي‬

‫‪- 1‬تعاريف ‪:‬‬

‫أ‪ -‬المناهج‪ :‬المناهج جمع منهج أو منهاج‪ ،‬وهو ‪:‬‬

‫لغة‪ :‬الطريق الواضح‪.‬‬

‫اصطالحا ‪ :‬المنهج هو" فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة‪ ،‬إما من أجل الكشف‬
‫عن الحقيقة‪ ،‬حين نكون بها جاهلين‪ ،‬أو من أجل البرهنة عليها لآلخرين‪ ،‬حين نكون بها‬
‫عارفين "‪.‬‬

‫وكلمة منهج العربية تقابلها كلمة (‪ )Méthode‬الفرنسية ذات األصل اليوناني (‪)Métodos‬‬
‫ولقد استخدمها أفالطون بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة‪ ،‬واستخدمها أرسطو أيضا بمعنى‬
‫البحث‪ .‬وظل معناها األصلي يدل على الطريق المؤدي الى الغرض المطلوب‪....‬‬

‫غير أن كلمة "المنهج " لم تأخذ معناها الحالي على أنها الطريق الموصل الى الحقيقة‬
‫العلمية وفق مجموعة من القواعد العامة واألسس القابلة للتجريب‪ ،‬إال مع عصر النهضة‬
‫األوروبية وما يعرف بثورة الحقول المعرفية‪.‬‬
‫فالمنهج في النهاية هو ذلك " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم‪ ،‬بواسطة‬
‫طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة‪".‬‬

‫ب‪ -‬البحث‪:‬‬

‫لغة‪ :‬الحفر والتنقيب‪.‬‬

‫اصطالحاً‪ :‬هو عبارة عن إضافة جديدة للعلوم تقوم على الدليل والبرهان‪.‬‬

‫ج ‪ -‬العلمي‪ :‬نسبة إلى العلم‪ ،‬وهو المعرفة المنظمة التي تتصف بالصحة والصدق والثبات‪.‬‬

‫د‪ -‬منهج البحث العلمي ‪ :‬هو األسلوب المنهجي الذي يسلكه الباحث في معالجة أية مشكلة‬
‫من مشكالت المعرفة كشفاً واختراعاً أو تدليالً وبرهاناً متفقاً مع األسلوب والطريقة التي تناسب‬
‫موضوع البحث‪.‬‬

‫‪ -2‬تصنيف مناهج البحث العلمي‬

‫يختلف الباحثون في تصنيف مناهج البحث العلمي وفق اعتبارات معينة‪ ،‬فمنهم من يتوسع‬
‫فيها ومنهم دون ذلك‪.‬‬

‫وفيما يلي عرض ألهم المناهج التي يتفق عليها الكثير من الباحثين‪:‬‬

‫‪ -‬المنهج التاريخي‪:‬‬

‫يعتمد المنهج التاريخي على وصف وتسجيل الوقائع واألنشطة الماضية ودراسة وتحليل‬
‫الوثائق واالحداث المختلفة وايجاد التفسيرات المالئمة والمنطقية لها على أسس علمية دقيقة‬
‫بغرض الوصول الى نتائج تمثل حقائق منطقية وتعميمات تساعد في فهم ذلك الماضي‬
‫واالستناد على ذلك الفهم في بناء حقائق للحاضر وكذلك الوصول الى قواعد للتنبؤ بالمستقبل‪.‬‬

‫‪ -‬المنهج الوصفي‪:‬‬

‫هو أسلوب يعتمد عليه الباحثون في الحصول على معلومات وافية ودقيقة تصور الواقع‬
‫االجتماعي وتسهم في تحليل ظواهره‪ .‬ويرتبط بالمنهج الوصفي عدد من المناهج االخرى‬
‫المتفرعة عنه اهمها المنهج المسحي ومنهج دراسة الحالة‪.‬‬
‫‪ -‬المنهج اإلحصائي‬

‫هو عبارة عن استخدام الطرق الرقمية والرياضية في معالجة وتحليل البيانات واعطاء‬
‫التفسيرات المنطقية المناسبة لها‪ .‬وينقسم هذا المنهج إلى منهجين أحدهما إحصائي وصفى‬
‫واآلخر إحصائي استداللي أو استقرائي‪.‬‬

‫‪ -‬المنهج التجريبي‬

‫هو أسلوب علمي يتبعه الباحث لتحديد مختلف الظروف والمتغيرات التي تخص ظاهرة ما‬
‫والسيطرة عليها والتحكم فيها‪.‬‬

‫واستخدام المنهج التجريبي لم يعد مقتص ار على العلوم الطبيعية فقط بل أصبح يستخدم على‬
‫نطاق كبير أيضا في العلوم االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 9-1‬العلم والتكنولوجيا‬

‫تعتبر التكنولوجيا حدث العصر‪ ،‬والواقع يؤكد بأن التطور يرتكز عليها‪ ،‬وكل مجتمع يبحث‬
‫عنها ويسعى لنقلها أو اكتسابها‪ ..‬فما هي التكنولوجيا؟ وما عالقتها بالعلم وما هي الفروق التي‬
‫بينهما؟‬

‫‪ -‬التكنولوجيا‬

‫يونانية األصل‪ ،‬تتألّف من مقطعين‪ ،‬وهما‪" :‬تكنو"‪ ،‬التي تعني فن‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫التكنولوجيا هي كلمة‬
‫فإن كلمة تكنولوجيا‬
‫أما المقطع الثاني فهو "لوجيا"‪ ،‬أي دراسة‪ ،‬أو علم‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫حرفة‪ ،‬أو أداء‪ّ ،‬‬
‫تعني علم المقدرة على األداء‪ ،‬أو التطبيق‪.‬‬

‫إن تاريخ اإلنسانية يؤكد بأن التكنولوجيا لم ترتكز دائما على العلم‪ ،‬فهي ميدانية عملية لم‬
‫تستعن دائما بالنظريات والمعادالت الرياضية‪.‬‬

‫لقد قامت في البداية على مبدأ الحاجة والضرورة‪ ،‬فالذين اخترعوا واكتشفوا لم يكونوا علماء‪،‬‬
‫وعلى سبيل المثال الذين اخترعوا النسيج‪ ،‬والخزف‪ ،‬والعجلة‪ ،‬والسفينة وغيرها‪ ،‬لم تكن لهم‬
‫عالقة بالعلم ونظرياته‪.‬‬
‫لكن في العصر الحديث‪ ،‬استفادت التكنولوجيا من العلم كما استفاد العلم منها‪ ،‬فحدث‬
‫بينهما تزاوج‪ ،‬فأصبح العلم يقدم تصوراته ونظرياته للتكنولوجيا فَُيْل ِهمها باالختراع‪ ،‬وأصبحت‬
‫هي األخرى تقدم له الوسائل الضرورية إلجراء فحوصاته وتجاربه‪ .‬فهذا التحالف والتعاون‬
‫بينهما جعل الكثير من الناس يخلط بينهما‪.‬‬

‫وخالصة القول ‪ :‬إذا اعتبرنا العلم هو المعرفة النظرية‪ ،‬فالتكنولوجيا هي التطبيق العملي‬
‫لها‪.‬‬

‫‪ -‬العالقات والفروق بين العلم والتكنولوجيا‬

‫‪ o‬العالقات هي‪:‬‬

‫• عالقة االستقاللية‪ ،‬فالعلم مستقل عن التكنولوجيا والتكنولوجيا مستقلة عن العلم على‬


‫الرغم من وجود العالقة التبادلية بينهما‪.‬‬

‫• عالقة التفاعلية‪ ،‬فكل من العلم والتكنولوجيا يتفاعالن مع بعضمها البعض وال يستطيع‬
‫أيا منهما العمل بعيدا عن اآلخر وال يتطور فرع بدون اآلخر‪.‬‬

‫• عالقة تداخلية‪ ،‬فالعلم والتكنولوجيا متداخالن مع بعضهما البعض إلى حد قد يخيل للبعض‬
‫بأنه ال يوجد فرق بينهما‪ ،‬وهذا ما أدى في البداية إلى الخلط بين ماهية العلم والتكنولوجيا‬
‫وكأنهما شيء واحد‪.‬‬

‫• عالقة تكميلية‪ ،‬فالعلم يكمل التكنولوجيا والتكنولوجيا تكمل العلم فكل منهما ناقص بدون‬
‫اآلخر‪.‬‬

‫• عالقة تبادلية ‪ ،‬تبادل المعرفة التي يقدمها العلم وتبادل تطبيقاته التي تتوصل إليها‬
‫التكنولوجيا‪.‬‬

‫• عالقة تطبيقية‪ ،‬فنجد اتحاد كل من العلم والتكنلوجيا في مجاالت التطبيقات الحديثة‬


‫(تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬تكنولوجيا االتصاالت‪ ،‬تكنولوجيا التعليم‪ ،‬تكنولوجيا الطب‬
‫العالجي‪ ،‬تكنولوجيا الزراعة الهندسة الوراثية ‪ ..‬وغيرها من المجاالت األخرى)‪.‬‬

‫• عالقة غائية ‪ ،‬فالغاية األساسية للعلم والتكنولوجيا هي خدمة اإلنسان وتحقيق رفاهيته‪.‬‬
‫‪ o‬أما الفروق فهي‪:‬‬

‫• العلم يطرح سؤال لماذا؟ والتكنولوجيا تطرح سؤال كيف؟‬

‫• العلم يبحث عن النظريات التي تفسر الظواهر الطبيعية والتكنولوجيا تخترع الوسائل‬
‫المادية لخدمة اإلنسان‪.‬‬

‫• العلم نتاج الفكر والتفكير والتكنولوجيا نتاج العلم‬

‫• العلم عدو للسرية واالحتكار والتكنولوجيا صديقة السرية واالحتكار لمبتكرها‬

‫مالحظة‪ :‬يعتبر جهاز الكمبيوتر همزة وصل قوية دعمت التفاعل بين العلم والتكنولوجيا‪.‬‬

‫‪ -2‬التاريخ‬
‫‪ 1-2‬تعريف التاريخ‬

‫عرفه ابن خلدون (‪732‬ه – ‪808‬ه‪1332/‬م – ‪1406‬م) بقوله‪ " :‬اعلم أن فن التأريخ فن عزيز‬
‫المذهب‪ ،‬جم الفوائد‪ ،‬شريف الغاية‪ٕ ،‬اذ هو يوقفنا على احوال الماضين من األمم‪ ،‬في اخالقهم‬
‫واألنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم‪ ،‬حتى تتم فائدة االقتداء في ذلك لمن يرومه‬
‫في احوال الدين والدنيا‪".‬‬

‫وهو‪ " :‬في ظاهره ال يزيد على أخبار عن األيام والدول والسوابق من القرون األولـى‪ ..‬وفي‬
‫باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيـق‪ ،‬وعلـم بكيفيـات الوقـائع وأسبابها عميق‪".‬‬

‫أما كولينغوود (‪1889‬م – ‪1943‬م) ‪ Robin George Collingwood‬فقد عرف التاريخ على‬
‫النحو التالي‪ " :‬التـاريخ هـو الماضي الذي يقوم المؤرخ بدراسته‪ ،‬لكن هذا الماضي ليس ميتا‪،‬‬
‫ولكنه بمعنـى مـا ماضي ال يزال يعيش في الحاضر‪"..‬‬

‫‪ 2-2‬فوائد التاريخ‬

‫قال ابن الجوزي (‪ 510-597‬هـ) ‪ ":‬أهم فوائد التاريخ فائدتان‪ :‬االستفادة واالعتبار من سير‬
‫الحازمين والمفرطين‪ ،‬واالطالع على عجائب األمور وتصاريف القدر ‪".‬‬
‫ونعى ابن األثير الجزري (‪ 555-630‬هـ) رحمه اهلل على من لم يقم لعلم التاريخ وزناً‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫لقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية‪ ،‬يحتقر‬
‫ظناً منه أن غاية فائدتها إنما هو القصص واألخبار‪،‬‬ ‫وي ِ‬
‫عرض عنها ويلغيها؛ ّ‬‫التواريخ ويزدريها‪ُ ،‬‬
‫ونهاية معرفتها األحاديث واألسمار؛ وهذا حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره‪ ،‬ومن‬
‫رزقه اهلل طبعاً سليم ًا‪ ،‬وهداه صراطاً مستقيماً‪ ،‬علم أن فوائدها كثيرة‪ ،‬ومنافعها الدنيوية واألخروية‬
‫جمة غزيرة‪".‬‬
‫َّ‬

‫‪ -3‬تاريخ العلوم‬
‫‪ 1-3‬مفهوم تاريخ العلوم‬

‫تاريخ العلوم هو مجال يعنى بوصف وتقويم حركة العلم عبر مراحله التاريخية المتعاقبة‪،‬‬
‫للوقوف على عوامل تقدمه أو تعثره من جوانب عدة‪.‬‬

‫ويتميز تاريخ العلوم عن تاريخ األحداث الماضية لألشخاص والحضارات بأنه يتكون دائما‬
‫من حقائق قابلة للتحقق واالختبار واالستنتاج‪.‬‬

‫إن تاريخ العلوم ليس مجرد تواريخ (كرونولوجيا) لسلسلة من االكتشافات العلمية‪ ،‬إنه تأريخ‬
‫لتطور الفكر وللمؤسسات التي قدمت له وسائل تطوره وللتقاليد التي جاءت إلثرائه‪.‬‬

‫ويعتبر رودس (‪ 370‬ق‪ .‬م ‪ 300-‬ق‪.‬م) ‪ ، Eudèmus de Rhodes‬الذي نشر أعمال معلمه أرسطو‪،‬‬
‫أول مؤرخ للعلوم‪.‬‬

‫‪ 2-3‬أقسام تاريخ العلوم‬

‫يقول بيير بوترو (‪1880‬م ‪1922-‬م) ‪ " : Pierre Boutroux‬إن تاريخ العلوم المدروس بشكل‬
‫مالئم‪ ،‬يزيد من حظوظنا في اكتشاف أسس التفكير العلمي واتجاهاته‪".‬‬

‫ويميز بين أربعة أقسام من تاريخ العلوم‪:‬‬

‫ــ البحث الوثائقي‪:‬‬

‫يهتم بجمع النصوص المتعلقة بمنهجية العلماء القدماء منهم والمحدثين‪ ،‬وهدفه جمع الوسائل‬
‫الضرورية لبناء تاريخ العلم المطلوب‪.‬‬
‫ــ البحث الفلسفي‪:‬‬

‫يهتم بجمع سلسلة النظريات والفروض العلمية التي وضعها العلماء خالل مختلف العصور‬
‫ٕوالقاء الضوء عليها‪ ،‬وهو بهذا المعنى سيكون في معظمه تاريخا لألخطاء اإلنسانية‪ ،‬وهو مفيد‬
‫للفيلسوف‪ ،‬ولمؤرخ الحضارة‪ ،‬ولكنه ال يفيد شيئا رجل العلم‪ ،‬إال إذا كان األمر يتعلق بتحذيره‬
‫من الوقوع في نفس األخطاء التي وقع فيها أسالفه‪.‬‬

‫ــ البحث الجغرافي‪:‬‬

‫في هذا القسم يهتم الباحث بوطن االكتشافات العلمية الكبرى‪ ،‬وهو يفيد في إعطاء كل‬
‫شعب نصيبه من االكتشافات العلمية‪ٕ ،‬وابراز مساهمته في تقدم العلم خاصة‪ ،‬والمعرفة البشرية‬
‫عامة‪.‬‬

‫ــ التاريخ الفلسفي للعلم‪:‬‬

‫يهتم الباحث فيه بتبيين أسس البحث العلمي‪ ،‬والذي يعتمد المنهج التاريخي النقدي‪ ،‬ويهدف‬
‫إلى دراسة التيارات الكبرى للفكر العلمي‪ ،‬مع إعطاء كل ظاهرة أو اكتشاف مكانه في هذه‬
‫التيارات‪ ،‬ناظ ار إليه من زاوية الطريقة التي تم بها االكتشاف والداللة التي يحملها بالنسبة إلى‬
‫األبحاث التي تليه‪ ،‬وهو يربط االكتشافات العلمية بالفكر العلمي وبتطور العلم ذاته‪.‬‬

‫ٕواذا رجعنا إلى تاريخ النظريات العلمية‪ ،‬فسنجد أن كثي ار من النظريات الحديثة قد قال بها‬
‫بشكل أو بآخر بعض العلماء المنتمين إلى عصور سابقة‪ ،‬ولو على شكل إرهاصات‪ ،‬أو‬
‫مالحظات معزولة‪ ،‬والمهم هو النظر إلى التطورات العلمية في سياقها التاريخي‪ ،‬بقطع النظر‬
‫عن األشخاص واألوطان‪.‬‬

‫‪ 3-3‬تطور العلم عبر الزمن والحضارات‪.‬‬


‫‪ -‬عصور ما قبل التاريخ (حوالي ‪ 35000‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 3200‬قبل الميالد)‬
‫‪ -‬بالد ما بين النهرين (حوالي ‪ 3200‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 200‬قبل الميالد)‬
‫‪ -‬مصر (حوالي ‪ 3000‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 330‬قبل الميالد)‬
‫‪ -‬الصين (حوالي ‪ 1300‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 1300‬م)‬
‫‪ -‬اليونان (حوالي ‪ 700‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 500‬م)‬
‫‪ -‬مايا (حوالي ‪ 300‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 900‬بعد الميالد)‬
‫‪ -‬الرومان (حوالي ‪ 100‬قبل الميالد ‪ -‬حوالي ‪ 400‬بعد الميالد)‬
‫‪ -‬الهند (حوالي ‪ - 200‬حوالي ‪)1200‬‬
‫‪ -‬شبه الجزيرة العربية (حوالي ‪ - 700‬حوالي ‪)1400‬‬
‫‪ -‬أوروبا (حوالي ‪ 900‬إلى الوقت الحاضر)‬
‫‪ -‬العولمة (حوالي عام ‪ - 1900‬اليوم)‪.‬‬

You might also like