You are on page 1of 136

‫جمهورية العراق‬

‫وزارة التربية‬
‫المديرية العامة للمناهج‬

‫مبادئ‬

‫الفلسفة وعلم النفس‬


‫للصف الخامس األدبي‬

‫تأليف‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل ابراهيم رسول‬
‫أ‪ .‬م‪ .‬د‪ .‬نبيل رشاد سعيد‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬بثينة منصور الحلو‬
‫د‪ .‬جالل عبد زيد الجبوري‬ ‫د‪ .‬حنان علي عواضـة‬
‫رضوان علي عبد الجبار‬

‫‪1445‬هـ ‪2023 -‬م‬ ‫الطبعة الثالثة عشر‬


‫المشرف العلمي على الطبع ‪ :‬د‪ .‬جالل عبد زيد الجبوري‬

‫******************************************‬
‫المشرف الفنــي على الطبع ‪ :‬م‪.‬م‪ .‬احمد تحسين علي‬
‫مقدمة‬
‫ما نعهده في الكتاب أن يكون محاولة علمية جادة‪ ،‬فلقد جعلنا محتويات‬
‫أفكاره على صورة ميسرة لطلبة الصف الخامس االعدادي‪/‬الفرع االدبي يتضمن‬
‫معلومات منهجية تطرح ألول مرة على طلبتنا االعزاء‪ ،‬يعتمد أربعة فصول‪،‬‬
‫فصلين يبحثان في الفلسفة وفصلين آخرين يضمان موضوعات في علم النفس‬
‫وكل فصل يعنى بمباحث موضحة لمحتويات الكتاب‪.‬‬
‫ان هذا الكتاب قد تم تأليفه على وفق منهج يضم هوامش اثرائية توضح بعض‬
‫المفاهيم العلمية الواردة فيه باإلضافة إلى معلومات اخرى الجل زيادة المعرفة‬
‫العلمية للطالب والمدرس‪ ،‬وبمنهجية تكاد تكون التفاتة جديدة لم تعهدها الكتب‬
‫المدرسية االخرى‪.‬‬
‫ان هذه الهوامش العلمية ليست مادة مطلوبة من الطالب لالجابة عنها في االمتحانات‬
‫المدرسية والعامة النها وضعت على وفق مستوى لغرض ترصين المستوى‬
‫العلمي للكتاب المنهجي‪.‬‬
‫ويؤكد المؤلفون مالحظتهم في أن الهوامش ليست من صلب المادة االمتحانية‬
‫للطالب بل هي لفائدته ولتوسيع معارفه واطالعه على ميادين العلم والمعرفة‪.‬‬
‫اننا نأمل من زمالئنا المدرسين العمل على انجاح هذه التجربة في بيان الكتاب‬
‫وااللتزام بما ذكر في مقدمته مع يقيننا انهم احرص منا على التقدم العلمي لطلبتنا‬
‫االعزاء ‪ ...‬وهللا الموفق ‪.‬‬

‫المؤلفون‬

‫‪3‬‬
‫الفلسفـة‬
‫الصفحة‬ ‫الموضــوع‬
‫المحتويات والفهرست‬
‫الجزء االول ‪:‬‬
‫الفصل االول‬
‫‪5‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬معنى الفلسفة ‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬تاريخ الفلسفة ‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬الفلسفة والعلم ‪.‬‬
‫الفصل الثانـي‬
‫‪31‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬الفلسفة اإلسالميّة ‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬فلسفة الجمال ‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬الفلسفة المعاصرة ‪.‬‬

‫علـم النفــس‬
‫الجزء الثاني ‪:‬‬
‫الفصل االول‬
‫‪77‬‬ ‫المبحث االول ‪ :‬تعريفات علم النفس وبداياته وتصوره‬
‫‪85‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬مدارس علم النفس‬
‫‪90‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬فروع علم النفس‬
‫الفصل الثانـي‬
‫‪101‬‬ ‫المبحث االول ‪ :‬الشخصية االنسانية ونظرياتها‬
‫‪114‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬الدوافع واالنفعاالت وعالقتها بالسلوك‬
‫‪124‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬الذكاء‬

‫‪4‬‬
‫الجزء األول‬
‫الفصـل االول‬
‫المبحث االول‬
‫معنى الفلسـفة‬

‫االهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراً على أن‪:‬‬
‫‪ -1‬يعرف معنى الفلسفة ‪.‬‬
‫‪ -2‬يفهم أصل مصطلح الفلسفة ‪.‬‬
‫‪ -3‬يفرق بين الفلسفة الساذجة والفلسفة المحترفة ‪.‬‬
‫‪ -4‬يتعرف على اسهام الحضارات في الفكر االنساني ‪.‬‬
‫‪ -5‬يقارن بين الفلسفة والباعث على التفلسف ‪.‬‬

‫معنى الفلسـفة‬
‫إن كلـمة فـلسـفة ‪ Philosophy‬ذات أصل يـوناني ‪ ،‬فـهي ( فيلو) و(سوفيا) ‪،‬‬
‫وتعني (( حب الحكمة )) ‪ ،‬ولكن الفلسفة ليست الحكمة ‪ ،‬كما قال فيثاغورس ‪ :‬فإن‬
‫الحكمة هلل وإنما نحن محبو الحكمة‪ ،‬ويمكن القول إن سقراط أنموذج حي لفيلسوف‬
‫كرس حياته للبحث عن حقائق األشياء وال ّدفاع عن الحق والصدق ‪.‬‬
‫أما تعريف الفلسفة ‪ ،‬فهناك تعريفات كثيرة بعدد المدارس الفلسفيّة ‪ ،‬لذا ال يمكن تقديم‬
‫تعريف واحد للفلسفة مانع جامع ‪ ..‬ولكن من الممكن إعطاء تعريف عام يقرّ ب لنا معنى‬
‫الفلسفة ‪.‬‬
‫الفلسفة هي مجموعة أفكار متناسقة ومنسجمة ‪ ،‬تعبر عن أيديولوجيا معينة في جوانب‬
‫مختلفة ‪ :‬أخالقيّة ‪ ،‬وسياسيّة ‪ ،‬واقتصاديّة وجماليّة ‪ ..‬إلخ وااليديولوجيا تعني النظام‬
‫الفكري المجرد لتفسير الطبيعة والمجتمع والفرد‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تعد الفلسفة من أقدم العلوم‪ ،‬ولكنها على الرغم من ذلك تثير‬
‫السؤال حولها دائماً أنها ال تقدم عطا ًء ماديّاً ملموساً كما تفعل‬ ‫يقول أفالطون ‪ :‬ينقل‬
‫إلينا بصرنـــــا منظــــر‬
‫العلوم الطبيعيّة أو العلوم اإلنسانيّة ‪ .‬ومن الواضح أن العلوم‬ ‫والشمس‬ ‫الكواكب‬
‫وقبة السماء ‪ ،‬وهو‬
‫الطبيعيّة تقدم لنا االكتشافات والصناعات المختلفة من خالل‬ ‫منظر يدهشنا ويدعونا‬
‫إلــــى تأمل الكون‪،‬ومن‬
‫إقامة القوانين العلميّة وتطبيقها في المجال التجريبي‪ ،‬أو ما‬
‫هذ ا »ا ال ند ها ش » نشأ ت‬
‫تقدمه من أشياء ملموسة ‪ ..‬كذلك العلوم اإلنسانيّة كعلم النفس ‪،‬‬ ‫وهـــــــي‬ ‫الفلسفــــة‬
‫أعظم خير‪...‬‬
‫وعلم االجتماع تقدم لنا شيئاً ملموساً ‪ ،‬فعلم النفس يمكن أن يقدم‬
‫عالجاً لألمراض النفسيّة والعصبيّة ‪ ،‬ويصف الدواء كالمهدئات‬
‫‪ ...‬إلخ‪ ،‬وعلم االجتماع هو اآلخر يدرس العالقات بين األفراد‬
‫والجماعات ويعالج المشكالت االجتماعيّة كالزواج ‪ ،‬والطالق‪،‬‬
‫والسلوك االجتماعي ‪. ..‬‬
‫أما الفلسفة فال تفعل ذلك ‪ ،‬فليس لها أدوات عمليّة تطبيقيّة‬ ‫أفالطون و أرسطو‬

‫يستطيع اإلنسان أن يلمس منها ذلك ‪ ..‬بل إنها تقدم لنا الفكر‬
‫المجرد والنظريات التي لها أثر كبير في تكوين الحضارات ‪.‬‬
‫كان فيثاغورس أول من‬
‫ونورد هنا بعض تعريفات الفلسفة ‪:‬‬ ‫سمى نفسه فيلسوفاً‪،‬‬
‫وعُ رف الفالسفة بانهم‬
‫‪ -1‬تعريف أرسطو‪ :‬عرّ ف أرسطو الفلسفة بأنها دراسة (الوجود‬ ‫الباحثون عن الحقيقة‬
‫بتأمل االشياء‪.‬‬
‫بما هو موجود)‪ ،‬أو العلم الذي يدرس أسس الوجود ‪ ،‬والذي هو‬
‫أساس وجود األشياء هو هللا‪ ،‬لذلك أطلق على هذا العلم (الفلسفة‬
‫األولى) أو الحكمة أو العلم اإللهي ‪ .‬وإن أرسطو يسميها بالفلسفة‬
‫األولى تمييزاً لها من (الفلسفة الثانية) وهي العلوم الطبيعيّة ‪.‬‬ ‫تنظر الفلسفة إلى‬
‫الوجود نظرة كليّة‬
‫‪ -2‬تعريف الفارابي‪ :‬يعرف الفارابي الفلسفة أنها‪(:‬العـلم‬ ‫شاملة‪ ،‬بينما تقطع‬
‫العلوم أجزاء من عقد‬
‫بالموجودات بما هي مـوجودة )‪ .‬ويرى أن هدف الفلسفة‬ ‫الكل (الوجـود) لتكون‬
‫موضوعاً لدراستها‬
‫هو معرفة الحقيقة ‪ ..‬وعنده أن ( الفلسفة األولى) أو‬
‫فتكشف فيها عن قوانين‪.‬‬
‫(علم اإللهيّات) يعد بالنسبة إليه أشرف أنواع الفلسفة‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫كما ورد في كتابه (الجمع بين رأي الحكيمين)‪.‬‬
‫‪ -3‬تعريف ديكارت ‪ :‬عرّ ف ديكارت الفلسفة ( بأنها العلم الكلي‬ ‫يع ّرف ابن سينا الفلسفة‬
‫الشامل ) ‪ ،‬أو هي دراسة الحكمة ‪ ،‬تشمل جميع العلوم المختلفة‪.‬‬ ‫بقوله ‪ :‬الفلسفة تاج‬
‫الفكر‪ ،‬وعنوان التقدم‬
‫والفلسفة تستهدف تحقيق سعادة اإلنسان ‪.‬‬ ‫العقلي في األمّة ‪.‬‬
‫‪ -4‬تعريف وليم جيمس ‪ :‬يعد وليم جيمس من أبرز فالسفة‬
‫البراجماتيين ‪ ،‬الذي يرى أن الفكرة الصادقة تعتمد على (آثارها)‬
‫أو (نتائجها) ‪ ،‬فإن القيمة الحقيقيّة ألي فكرة يعتمد على نجاحها‬
‫في (الحياة العملية) ‪ .‬وما دامت الفلسفة هي أفكار ومبادىء فإن‬
‫صدقها وصحتها تعتمد على النتائج التي يحصل عليها اإلنسان‬
‫‪ .‬إن أفكارنا ومعتقداتنا ال تطلب لذاتها ‪ ،‬وإنما تؤخذ وسائل‬
‫لتحقيق أغراضنا في الحياة الدنيا‪.‬‬
‫ما الفلسفة ؟‬
‫أختلف معنى الفلسفة‪ ،‬فقد‬
‫إذا أراد اإلنسان أن تكون نظرته فلسفيّة صحيحة للعالم‪ ،‬يجب‬ ‫كانت في بدء حياتها ً‬
‫أما‬
‫رؤوفا تضم إلى حدودها‬
‫أن يعتمد على نظام علمي لتكون له رؤية صحيحة لظواهر‬ ‫أنواع المعرفة جميعاً ‪،‬‬
‫العالم الطبيعيّة واالجتماعيّة ‪.‬‬ ‫لكن أخذ كل من صغارها‬
‫عندما يشتد ساعده ينفصل‬
‫إن النظرة الشاملة تقدمها الفلسفة ‪ ،‬أما العلوم الجزئيّة‬ ‫عنها ‪ ..‬فقد كانت علوم‬
‫الطبيع ٍة‪ ،‬والفلك ‪ ،‬والنفس‬
‫كالفيزياء‪ ،‬والكيمياء ‪ ،‬و(علم األرض)‪ ...‬وهي علوم ليست‬ ‫جزءاً من الفلسفة ‪ .‬إذن‬
‫شاملة وال تعطي نظرة عامّة عن الكون كله بل عن جزء من‬ ‫فتعريف الفلسفة اليونانيّة‬
‫يختلف عن تعريف الفلسفة‬
‫العالم ‪ ..‬بينما الفلسفة تأخذ هذه العلوم وتستفيد من معطياتها‬ ‫الحديثة‪.‬‬
‫وتهضمها ‪ ،‬فتعطي منها نظرة نحو الوجود كله ‪ ..‬وهذه النظرة‬
‫يجب أن ال تكون قائمة على األساطير والخرافات‪ ،‬إنما على‬
‫العلم وحقائقه التجريبيّة‪ ،‬ومثل هكذا فلسفة تصلح لمعرفة العالم ‪.‬‬
‫من هنا تظهر األهميّة الكبرى لها في إعطاء نظرة شاملة للعالم‬
‫كله‪ :‬الطبيعي‪ ،‬واالجتماعي نظرة علميّة ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫والفلسفة إذن ‪ ،‬تعطي الوعي باألشياء والمجتمع ‪ ..‬وهي‬
‫عند ديكارت إن غاية‬
‫توضح لنا معاني للحريّة ‪ ،‬والجمال ‪ ،‬واألخالق ‪ ،‬وقيمة الحياة‬ ‫الفلسفة ليست مجرد علم‬
‫العلميّة‪.‬‬ ‫كما ذهب أرسطو ومن‬
‫تابعه ‪ ،‬بل غايتها تحقيق‬
‫ولكن ما الباعث على التفلسف ؟‬ ‫رفاهية البشر وسعادتها ‪.‬‬
‫لقد قال أرسطو طاليس ‪ ( :‬إن ال ّدهشة أول باعث على‬
‫التفلسف)‪ .‬ويقصد بالدهشة ليس باألحداث المألوفة كسقوط‬
‫شخص من مكان مرتفع ‪ ،‬بل من األحداث المألوفة في الحياة‬
‫التي تثير الدهشة كالوالدة ‪،‬أو الموت ‪ ،‬وعمل أعضاء الجسم‬ ‫العلوم الجزئيّة هي العلوم‬
‫كالعين ً‬
‫مثال ‪ ،‬فهي مدهشة بتركيبها وعملها ‪.‬‬ ‫الخاصة كالفيزياء ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والكيمياء ‪ ،‬وعلم الحياة‬
‫ومن قديم الزمان كان اإلنسان يسأل ‪ ،‬ومازال ‪ ،‬يحاول حل‬ ‫والطب التي يتناول كل‬
‫واحد منها جزءاً من‬
‫األلغاز الكونيّة كالرعد ‪ ،‬واالمطار‪ .‬عن طريق األساطير‪،‬‬ ‫الطبيعة دون األجزاء‬
‫والحكايات أو القصص المختلفة البعيدة عن العلم وحقائقه ‪ .‬لذا‬ ‫األخرى ‪.‬‬

‫فإن ظروف اإلنسان في كل زمان ومكان تفرض عليه التفلسف‪،‬‬


‫وهناك رغبة عميقة في نفسه لمعرفة العالم الذي يعيش فيه‬
‫ومعرفة احداثه ‪ ،‬فالفلسفة حب عميق في نفس اإلنسان لمعرفة‬
‫خفايا األشياء وأسبابها ‪.‬‬
‫يرى أفالطون أن الفلسفة‬
‫التفلسف فطرة في اإلنسان ‪:‬‬ ‫تبنى على المعارف العلميّة‬
‫إذا رجعنا إلى طبيعة التفكير العقلي لإلنسان لوجدناه‬ ‫الصحيحة ‪.‬‬

‫((يتفلسف بطبيعته)) ‪ ،‬أي أن كل إنسان فيلسوف بدرجة أو‬


‫بأخرى ‪ ،‬ألن كل إنسان ال بد من أن يسأل ‪ :‬ما أصل هذا العالم‬
‫؟ لماذا يعيش اإلنسان في هذا العالم ؟ وما مصير اإلنسان بعد‬
‫الموت؟‬
‫فاإلنسان فيلسوف بطبيعته ‪ ،‬أي أن الفلسفة فطرة أو دافع أولي‬
‫في اإلنسان‪ ،‬فهو منذ بداية الخليقة كان يسأل األسئلة عن وجوده‬

‫‪8‬‬
‫ومصيره ‪ ،‬فهذا آدم الذي سأل نفسه من أنا ؟ وماذا يريد مني‬
‫يرى جون ديوي أن‬
‫العالم وماذا أريد أنا من العالم ؟ ‪ .‬إن التفلسف ظاهرة طبيعيّة‬ ‫الفلسفة تعبير عن موقف‬
‫معين ‪ ،‬عن غرض معين‪،‬‬
‫( فطريّة) في اإلنسان ‪.‬‬ ‫عن مزاج معين متصل‬
‫إن التفلسف طبيعي في اإلنسان ‪ ،‬فالعقل اإلنساني يميل إلى‬ ‫بالعقل واإلرادة ‪.‬‬

‫التفلسف بسبب الظروف الضاغطة عليه من الطبيعة وحوادثها‬


‫أو المجتمع ومشاكله ‪ .‬فقدر العقل اإلنساني أن يفكر وأن يتجاوز‬
‫(يفارق)‪ ،‬فهو يفكر في الطبيعة والواقع ويفكر فيما وراء الواقع‬
‫(ما وراء الطبيعة) التي هي فوق حدود العقل اإلنساني ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فاألسئلة الحقيقيّة التي يتداولها عقل اإلنسان تدور‬
‫حول (الوجود)‪ ،‬وجود اإلنسان ومصيره ‪ ،‬و وجود العالم‬
‫الخارجي ‪ ..‬و السؤال حول القوة العظيمة التي أوجدت هذا‬
‫العالم ‪ .‬فالفلسفة تشمل البحث في جوهر العالم ‪ ،‬والنفس ‪،‬‬
‫وهللا سبحانه وتعالى ‪ .‬وألننا نعيش في هذا العالم الذي يتضمن‬
‫األلم والمرض والشيخوخة والموت ‪ ..‬فاإلنسان يواجه حاالت‬ ‫فاإلنسان بدوافع فطريّة‬
‫مصيريّة غامضة ‪ ،‬فيبدأ يتساءل عن وجوده ‪ ،‬وخلقه ‪ ،‬وموته‬ ‫ال بد أن يفكر في الوجود‬
‫والمصــــــير ‪ ،‬ال في نطاق‬
‫طالما هو مهدد في حياته ‪ ..‬وكل األجوبة التي تتعلق بمثل‬ ‫العالم الطبيعي فحسب ‪،‬‬
‫إن التفكير بهذا المعنى هو‬
‫هذه المواضيع تعني أن اإلنسان يتفلسف ‪ ..‬إن الذي يسأل‬ ‫نتيجة دافع يدفع اإلنسان‬
‫لمحاولــــــة التكيـــــف مع‬
‫مثل هذه األسئلة المميزة‪ ،‬الطفل ‪ ،‬والجاهل ‪ ،‬والعالم كل منهم‬ ‫الوجود‪.‬‬
‫يطلق فلسفة ‪ ،‬بطريقته ‪ ،‬فالطفل بأسئلته العفويّة عن الخلق‬
‫والخالق وغيرها ‪ ...‬والجاهل يعبر عن جزعه من تعب الحياة‬
‫والمصير‪ ،‬أما اإلنسان المفكر فهو الذي يتساءل بطريقة منظمة‬
‫خاصة أو وجهة نظر في الحياة‬
‫ّ‬ ‫أو منهجيّة ‪ ،‬فيك ّون له فلسفة‬
‫والكون والوجود ‪ ،‬ومن هؤالء أفالطون وأرسطو وغيرهما‬

‫‪9‬‬
‫بل إن هذه األسئلة وغيرها أدت إلى ظهور الفلسفات اليونانيّة‪،‬‬
‫والوسيطة (المسيحيّة واإلسالميّة)‪ ،‬والحديثة‪ ،‬والمعاصرة ‪.‬‬
‫إن التفلسف فطرة يتساوى فيها جميع البشر في كل مكان‬
‫وزمان‪ ،‬ولكن لماذا اشتهر اليونان بالفلسفة ؟ وهناك من وصفهم‬
‫بـ (التفوق العقلي) في تصورهم للكون والحياة ‪ ،‬مع عدم األخذ‬ ‫فليست القابلة هي‬
‫ً‬
‫فضال‬ ‫باألهميّة لما قدمته حضارة الشرق البابليّة ‪ ،‬والفرعونيّة‬ ‫التي تضع المولـــــود‪،‬‬
‫وإنما تساعده فقط‬
‫على الصينيّة والهنديّة ؟ يمكن القول إن الحضارات جميعاً‬ ‫على الخروج إلــــــــى‬
‫الــــــحيــــــاة‪ .‬ومهمة‬
‫قد اسهمت في الفكر اإلنساني‪ ،‬وكل الشعوب كانت لها فلسفة‬ ‫الفيـــــــلسوف هــــي‬
‫توليد األفكـــار الصحيحة‬
‫معينة وما زالت تنتج فلسفة بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وإن تكن غير‬
‫ال ّراقدة في رحم العقول ‪.‬‬
‫منتظمة ونقصد أنها أفكار غير مصنفة كما فعل اليونان في‬
‫تصنيفهم للعلـوم ‪ ...‬لذلك لم تبق فلسفتهم عبارة عن شذرات‬
‫متناثرة‪ ،‬بل علوم منتظمة وقد توضح ذلك في تصنيف أرسطو‬
‫للعلوم على وجه الخصوص ‪.‬‬
‫هناك من يسمّي الفلسفة اليونانيّة بـ (المعجزة اليونانيّة)‬
‫تميزاً لتفوقهم على الشعوب األخرى في الفلسفة والعلم ‪ ..‬ولكن‬
‫الحقيقة أن الشعوب كلها تتفلسف ‪ ،‬فالفلسفة فطريّة – كما ذكرنا‬
‫والشعوب تتأثر بعضها ببعض‪ ..‬فقد رأى (جورج سارتون)‬
‫وهو مؤرخ أمريكي أن ما قدمته الفلسفة اليونانيّة يقوم على‬
‫أسس من تراث الشرق ‪ ،‬لذلك من الخطأ على المؤرّ خين‬
‫األوروبيّين أن يستبعدوا (تراث ما بين النهرين) و(التراث‬
‫المصري القديم)‪ .‬لهذا ال يوجد فرد ليس له قدر من الفلسفة ‪،‬‬
‫وال توجد أمّة ال تمتلك فالسفة ظهروا في زمن من األزمنة ‪.‬‬
‫فالفلسفة فطريّة في اإلنسان‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفلسفة الساذجة ‪ ،‬والفلسفة المحترفة ‪:‬‬
‫ويمكن تقسيم الفلسفة إلى ( فلسفة ساذجة) وهي التي نجدها‬
‫في أقوال الناس العاديين عندما يتذمرون ويقلقون من موقف‬
‫معين من الحياة ‪ ،‬فيعبرون عن ذلك بالكالم عن القدر والمصير‬
‫‪ ..‬إلخ‪ ،‬وهذه فلسفة بسيطة ال تعبر عن وعي قائلها والتدل على‬ ‫إن الفلسفة التي ينطق بها‬
‫عمق أفكاره‬ ‫اإلنسان العادي تتصف‬
‫بالسذاجة والبساطة ‪ ..‬في‬
‫وهناك ( فلسفة محترفة ) وهي فلسفة تعتمد المنهج في‬ ‫حين أن الفلسفة الواعية‬
‫العميقة تتصف باالحتراف‪،‬‬
‫دراستها‪ ،‬وتشمل جوانب متعددة في عرضها ‪ ،‬في نظرتها‬ ‫مثل فلسفة أفالطون أو‬
‫للحياة والمجتمع عموماً ‪ ..‬فهي تتصف بالوعي العميق في‬ ‫فلسفة هيجل‪.‬‬

‫التفكير و الشمولية في الرأي ‪ ،‬لذلك فهي فلسفة تعبر عن فكر‬


‫إنساني ناضج ‪ .‬ويوجد عنصر مهم جداً يفرق بين الفلسفة‬
‫الساذجة والفلسفة المحترفة ‪ ،‬أال وهو استخدام المصطلحات‬
‫في الفلسفة المحترفة ‪ ،‬وهي (األدوات) التي يمكن بواسطتها‬
‫فهم الفلسفة ‪ ،‬ألن هناك كثيراً من األفكار يصعب إدراكها‬
‫بدون المصطلحات أو المفاهيم التوضيحيّة ‪ ،‬ألنها أفكار عقليّة‬
‫صرفة ‪ -‬في كثير من األحيان ‪ -‬يتطلب إدراكها استخدام مفاهيم‬
‫أو مصطلحات معينة متفق عليها من قبل الفالسفة أو المفكرين‬
‫في جميع ميادين الفلسفة ‪ :‬األخالقيّة ‪ ،‬والسياسيّة ‪ ،‬والجماليّة‪،‬‬
‫والمنطقيّة ‪ ،‬وما بعد الطبيعة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أسئلة المبحث األول‬

‫س‪ – 1‬ما أصل مصطلح الفلسفة ؟‬


‫س‪ – 2‬ما تعريف الفلسفة عند أرسطو ؟‬
‫س‪ – 3‬ما الفلسفة ؟ وما الباعث على التفلسف ؟‬
‫س‪ – 4‬ما المقصود باألفكار الفطريّة بصورة عامّة ؟‬
‫س‪ – 5‬ما المقصود بالقول إن ‪ :‬الحضارات جميعها اسهمت في الفكر اإلنساني ؟‬
‫س‪ – 6‬ما الفرق بين الفلسفة الساذجة والفلسفة المحترفة ؟ وضح ذلك ‪.‬‬

‫نشـــاط‬
‫راجع مكتبة المدرسة مع مدرس الما ّدة ‪ ،‬وابحث عن كلمة فلسفة ‪ ،‬ومعانيها ‪،‬‬
‫وتعريفاتها المختلفة في المعجمات الفلسفيّة أو الموسوعات الفلسفيّة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫تأريخ الفلسفة‬

‫األهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراً على أن‪:‬‬
‫‪ -1‬يعدد المراحل التي مرت بها الفلسفة منذ نشوئها‬
‫‪ -2‬يعرف نظرة الفالسفة الطبيعيين اليونانيين إلى الكون ‪.‬‬
‫‪ -3‬يفرق بين سقراط والسوفسطائيين ‪.‬‬
‫‪ -4‬يعرف نظرة الفيلسوف (ديوجين الكلبي)‬
‫‪ -5‬يعرف الفلسفة الوسيطة المسيحية ‪.‬‬
‫‪ -6‬يفهم الفلسفة الوسيطة االسالمية ‪.‬‬
‫‪ -7‬يستنتج الفرق بين الفلسفتين المسيحية واإلسالمية‬
‫‪ -8‬يستنتج النظرة العالمية للفلسفة ‪.‬‬
‫تاريخ الفلسفة‬
‫كلما تقدم الفكر اإلنساني وازدادت معارفه المختلفة ‪ ،‬ويتم عرض القضايا التي بحثت‬
‫سابقاً ‪ ،‬ولكن بطرائق جديدة أكثر عمقاً في أحيان كثيرة ‪ ،‬أي إن البحث يؤ ّدي إلى‬
‫توسيع دائرة التقدم الفلسفي والعلمي اإلنساني ‪ ،‬وفي الوقت نفسه تظهر موضوعات‬
‫جديدة وتجد لها أجوبة جديدة ‪ .‬وسنبين هنا كيف اختلف الفالسفة في العصور المختلفة‪،‬‬
‫وكيف بحثت موضوعات قديمة ‪ ،‬وظهرت اخرى جديدة‪.‬طلبت الجواب عنها ‪ .‬وقد تم‬
‫تقسيم تاريخ الفلسفة إلى العصور اآلتية ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ -‬الفلسفة اليونانيّة ‪:‬‬
‫لم تكن الفلسفة اليونانيّة حكمة يونانيّة خالصة ‪ ،‬بل إنها تأثرت بحكمة البابليين في‬
‫العراق‪ ،‬والفراعنة في مصر‪ ،‬إال أن أصل الفلسفة المنظمة هو من العقل اليوناني ‪.‬‬
‫وعلى أية حال ‪ ،‬فإن التفكير بالوجود وأصله واإلنسان ومصيره ظهر قبل اليونانيين‬

‫‪13‬‬
‫بزمن طويل في بالد ما بين النهرين ومصر القديمة ‪ .‬لقد زار‬
‫الفالسفة اليونانيون مصر وآسيا الصغرى مثل فيثاغورس‪،‬‬
‫وديقريطس ‪ ،‬وأفالطون ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وقد تأثروا بأفكار وعلوم‬
‫يقول هرقليطس ‪:‬أنت ال‬
‫أهلها وعلومهم ‪ ..‬إال أن الفلسفة والعلم قد ارتقت على يد اليونان‬ ‫تستطيع أن تدخل النهر‬
‫مرتين ‪ ،‬وليس هناك إال‬
‫مرت الفلسفة اليونانيّة بثالثة أدوار هي ‪:‬‬ ‫التغيير ‪ ،‬ألن كل شيء‬
‫‪ -1‬النظر في الكون عند الفالسفة الطبيعيين ‪:‬‬ ‫متغيّر وال يبقى شيء على‬
‫حاله لحظتين متتاليتين ‪.‬‬
‫لقد بدأت الفلسفة اليونانيّة بالبحث في الطبيعة أو العالـم‬
‫الخارجـي‪ ،‬ألن اإلنسان في انتباهه األول يجد نفسه أمام‬
‫الطبيعة فيحاول أن يفسر حوادثها ويتعرف عليها ‪ .‬فالفالسفة‬
‫األ ّولون الطبيعيّون (طاليس) و(انكسـمندر) و (انكسـمانس)‬
‫إن حب الحكمة بزغ نوره‬
‫و (هرقليطس) والفيثاغوريون علماء في الطبيعة ‪ ،‬كانوا‬ ‫في الشرق ‪ ،‬ثم ما لبث‬
‫يضعون( الفروض ) لفهم الطبيعة من حيث أصلها أو مكوناتها‬ ‫أن اتجه إلى الغرب ‪،‬‬
‫فحضارات الشرق القديم‬
‫أو األساس الذي ال يطرأ عليه التغير ‪ ،‬كقول طاليس ‪( :‬إن‬ ‫قد سجلت مجداً حضاريّا‬
‫في مختلف العلوم والفنون‬
‫أصل العالم ماء ‪. )...‬‬ ‫ما لبثت أن انتقلت من‬
‫إنهم بحثوا كذلك في عوامل التغيير التي تحدث في الطبيعة من‬ ‫الشرق إلى بالد اليونان ‪.‬‬

‫نمو األشياء وتطورها وموتها ‪ .‬وبهذا فإن أول ما توجه اليونان‬


‫القدماء إليه هو الكون أو الطبيعة أو ما يسمّى (بالعالم الخارجي)‬
‫وكل ما يتعلق باألفالك وغيرها ‪ .‬هذه هي الموضوعات التي‬
‫تركزت عليها أفكار (الطبيعيين) من فالسفة اليونان في مرحلته‬
‫األولى ‪ .‬وكان من أبرز األسئلة أمام هؤالء الفالسفة الطبيعيين‬ ‫إن بداية الفلسفة ما ّدية‬
‫هي ‪ :‬ما أساس األشياء التي تبقى بعد التغييرات التي تحدث ؟‬ ‫طبيعيّة على الرغم من‬
‫أنها قد اختلطت باألفكار‬
‫فأجاب طاليس من خالل بحثه عن أصل الكون ‪ ،‬إن الماء هو‬ ‫ال ّدينيّة الشائعة حينذاك‬
‫وباألساطير‪.‬‬
‫الما ّدة األولى التي صدرت عنها الكائنات وإليها تعود الحياة‬
‫تدور مع الماء وجوداً وعدماً‪ ،‬فتكون الحياة حيث الماء وتنعدم‬

‫‪14‬‬
‫حيث ينعدم‪ .‬إذن أصل نشأة الكون هو الماء عنده ‪ .‬وهكذا يعد‬
‫طاليس أول إنسان حاول أن يفسّ ر الكون ‪ ،‬ال باألساطير ‪ ،‬بل‬ ‫ليس هنالك من شيء ثابت‬
‫على أساس علمي ‪ ،‬ومهما كانت فكرته بسيطة فهي المحاولة‬ ‫فالعالم برمته وكل عناصره‬
‫فريسة للتطور الديالكتيكي‬
‫الفلسفيّة األولى‪.‬‬ ‫((أي الفكرة ونقيضها في‬
‫توليدهما لفكرة جديدة)) ‪،‬‬
‫أما أنكسمندر ال يقول أن تكون المخلوقات جميعاً على‬ ‫فعلى ال ّدوام يموت القديم‬
‫تناقض صفاتها مشتقة من أصل واحد ذي صفة معينة معروفة‪،‬‬ ‫ويولد الجديد‪. ...‬‬

‫إنما أصل الكون ما ّدة ال شكل لها وال نهاية وال حدود ‪.‬‬
‫وجاء أنكسمينس إذ رأى أن أصل الوجود هو ( الهواء )‬
‫فهو ذو صفات معروفة ‪ ،‬وهو في الوقت نفسه ينتشر في كل‬
‫الوجود‪ ،‬يغلف األرض ويمأل جوانب السماء ‪ ،‬ويتغلغل في‬
‫األشياء واألحياء مهما صغرت ‪.‬‬
‫‪ -2‬النظر في اإلنسان ‪ ،‬سقراط والسوفسطائيّة‪:‬‬ ‫لم يكتب سقراط سطراً‬
‫وفي هذه المرحلة من الفكر اليوناني أخذ التحول اليميل إلى‬ ‫واحد‪ ،‬ومع ذلك فهو واحد‬
‫من أكثر الذين أثروا في‬
‫البحث في العلم الطبيعي ‪،‬لذلك سمي هذا العصر بعصر البحث‬ ‫الفكر األوربّي ‪.‬‬
‫في اإلنسان وكل ما يتعلق به من قضايا أساسيّة كاألخالق ‪،‬‬
‫واإلرادة وغيرهما وليس النظر في العالم الخارجي أو الطبيعة‪.‬‬
‫ومن فالسفة هذه المرحلة الذي تركز على البحث في اإلنسان‬ ‫الفلسفة إذا استبعدت كل‬
‫هم‪ :‬سقراط والسوفسطائيّة وزعيمها بروتوغوراس وكذلك‬ ‫شيء من حسابها ‪ ،‬فإنها‬
‫ال تستبعد اإلنسان مطلقاً ‪،‬‬
‫هيبياس ‪ ...‬وقد تشابه سقراط مع السوفسطائيّة في التوجه للبحث‬ ‫ألنها إنسانيّة بطبيعتها ‪.‬‬

‫في اإلنسان‪ ،‬ولكنه خالفهم في قولهم بالتغيير والنسبية‪،‬كما جاء‬


‫في العبارة المشهورة لبروتوغوراس ‪ (:‬إن اإلنسان مقياس‬
‫األشياء جميعاً )‪ .‬أما سقراط فيرى أن حقائق األشياء ثابتة‬ ‫قال سقراط ‪ :‬اعرف نفسك‬
‫بنفسك ‪.‬‬
‫كالقيم األخالقيّة‪ .‬وقد كان تأثير سقراط كبيراً على فالسفة‬
‫اليونان فانقسموا هؤالء إلى مدرستين كل منها فهمت توجه‬

‫‪15‬‬
‫الخاصة والمدرستان هما ‪ :‬المدرسة الكلبيّة ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سقراط بطريقتها‬
‫وأسسها أنتيسينيس ‪ ، Antisthenes‬والمدرسة القورينائيّة ‪،‬‬
‫أسسها أرسطبس ‪.‬‬ ‫ان اإلنسان وجد على هذه‬
‫األرض ال ليكون سعيداً‬
‫كيف انقسم أتباع سقراط إلى مدرستين؟‬ ‫فقط‪ ،‬بل ليكون أميناً ‪،‬‬
‫كما وجد ليحقق الكثير‬
‫قد كانت األخالق مستحوذة على أفكار سقراط وسلوكه‪ ،‬فكان‬ ‫من جالئل األعمال لخير‬
‫يرى أن الفضيلة هي غاية حياة اإلنسان ‪ ،‬وإن بعض أتباعه‬ ‫اإلنسانيّة ‪.‬‬

‫تأثروا بهذا السلوك وفسّ روه بطلب اللذات وذلك عند القورينائيّة‪،‬‬
‫وظهر اتجاه آخر من أتباعه الذين مالوا إلى التقشف كما كان‬
‫يفعل أستاذهم سقراط وهم الكلبيّة ‪.‬‬
‫الكلبيّون ‪ :‬هم جماعة من المفكرين كانوا يتشبهون بسقراط‬
‫في تقشفه الذي كان يسير عاري القدمين ويتحدث مع الناس‬
‫في األسواق ‪ ،‬فكانوا يقلدون سقراط واختاروا الفقر كرهاً‬
‫واحتجاجاً على حياة الناس المبتذلة ‪ .‬أما اسمهم فال أحد يعرف‬
‫الكلبيّون ‪ :‬أناس عالميّون‬
‫سبب تسميتهم بـ ( الكلبيّة )‪ ،‬فهناك من يرى أنهم يجتمعون‬ ‫لهم فلسفة تنظر إلى العالم‬
‫في ملعب رياضي بهذا االسم ‪ ،‬أو ألنهم كانوا يعيشون حياتهم‬ ‫كونه عالماً واحداً من‬
‫البشر ‪.‬‬
‫(أشبه بحياة الكالب ) في سكناهم وبحثهم عن الطعام ‪.‬‬
‫ثورة الكلبيّة على المجتمع ‪ :‬ثار الكلبيون ض ّد المجتمع‬
‫بعاداته وأنظمته ‪ ،‬فقد رفضوا الملكيّة ‪ ،‬واألسرة ‪ ،‬والمدنيّة ‪،‬‬
‫ونظروا إلى الناس بالتساوي ‪ ،‬ال يوجد إنسان أفضل من آخر ‪،‬‬
‫وال يوجد مكان في العالم أفضل من آخر ‪ ...‬رفضوا أن تكون‬
‫أرض ( أثينا ) أفضل من األماكن األخرى ‪ ،‬لذلك قالوا ‪ :‬لماذا‬
‫أفخر باالنتماء إلى أرض أثينا ‪...‬؟ إنهم يرون أن العالم كله‬ ‫يقول سقراط ‪ :‬المعرفة‬
‫فضيلة والجهل رذيلة ‪.‬‬
‫مدينتهم ‪ ،‬فهم عالميّون‪ ،‬وأن الناس إخوة بالطبيعة ‪ ،‬إنهم ينتمون‬
‫إلى مجتمع إنساني واحد ‪ .‬إن آراء الكلبيّة حول ( فكرة المجتمع‬

‫‪16‬‬
‫الدولي الواحد ) تعبر عن فكرة المواطنة العالميّة ‪ .‬ومؤسس هذه المدرسة أنتيسينيس ‪،‬‬
‫الذي مارس مهنة التعليم كما فعل السوفسطائيّة‪ .‬ويقول أنتيسينيس ‪ :‬يجب على اإلنسان‬
‫أن يحيا على وفق قوانين الطبيعة‪،‬على وفق قوانين الفضيلة التي هي بطبيعتها عالميّة ‪،‬‬
‫فالكلبيّة ترغب في العودة إلى حياة مجتمع الطبيعة ‪ ،‬ألنه أفضل للحياة اإلنسانيّة‪.‬‬
‫ً‬
‫معتدال في آرائه ‪.‬‬ ‫ديوجين الكلبي ‪ :‬وهو الشخصيّة الثانيّة من الكلبيين الذي كان‬
‫وديوجين الكلبي شخصيّة جذابة ‪ ،‬كان يظهر بمظهر(المغفل) الذي راح في ضوء‬
‫حامال مصباحاً في يده باحثاً عن إنسان ‪ .‬ولم يكن ديوجين‬
‫ً‬ ‫النهار يتجول في األسواق‬
‫بالطبع يجهل أن المصباح ال ضرورة له في وضح النهار ‪ ،‬وما كان غبيّاً إلى الحد‬
‫الذي يجعله يبحث عن ( إنسان ) ال وجود له ‪ .‬بل كان يريد أن يقول للناس في المدينة‬
‫اليونانيّة إنه يكشف حقيقتهم ‪ ،‬ويقدم لهم المرآة التي ال يحبون أن يروا وجوههم فيها‪،‬‬
‫ً‬
‫مشتعال في يده‪،‬‬ ‫حامال مصباحاً‬
‫ً‬ ‫إنه يعيش عيشة الكلب ‪ ،‬ويسير في الشوارع واألسواق‬
‫كأنه يريد أن يقول ألهل المدينة ‪ :‬إني ال أزعم أني إنسان ‪ ،‬وإنما أبحث بينكم عن إنسان‪،‬‬
‫أعرف مسبقاً أنني لم أجده ‪.‬‬
‫إن ديوجين هو الباحث الذي خاب أمله في عالمه ‪ ،‬فراح يبحث عن شيء يعرف مق ّدماً‬
‫أنه لم يعثر عليه ‪ :‬إن بحثه عن إنسان ليس بالبحث الحقيقي ‪ ،‬وإنما هو أقرب إلى‬
‫محاولة يائسة يقوم بها رجل لم يجد ما يبحث عنه ولن يجده ‪.‬‬
‫القورينائيّة ‪ :‬وهي المدرسة الثانية التي ظهرت متأثرة بسقراط الذي كانت ( السعادة)‬
‫تحتل الصدارة في فلسفته ‪ ،‬وكان يعدها هي الغاية التي تستهدفها أفعال اإلنسان ‪،‬‬
‫فرغب بعض تالميذه بهذه الفكرة وأبرزهم ((أرسطبس)) ‪ ،‬فح ّولها االنصراف عن‬
‫حياة الزهد واإلقبال إلى مباهج الحياة الحسيّة ‪ ،‬فأنشأ مدرسة تبشر بهذه النزعة وهي‬
‫المدرسة (القورينائيّة) وقد نسبت هذه التسميـة إلى قرية (قوريـنا) في إقليـم بـرقة‬
‫في ليبيا‪ ،‬وتسـمّى في الوقت الحاضر (شـحات) ومازالت آثارهم إلى اآلن تشهد على‬
‫إقامتهم فيها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -3‬البحث المنظم ‪:‬‬
‫تعد هذه المرحلة التي مرت بها الفلسفة اليونانيّة من أعظم‬ ‫شككـــت السوفسطائيّة في‬
‫العقـــــل والقيم ‪ ،‬ورفضت‬
‫المراحل إذ ظهر فيها أبرز فيلسوفين في تاريخ البشريّة هما ‪:‬‬ ‫مــــا جاء به سقراط الذي‬
‫أفالطون وأرسطو ‪ .‬كانت فلسفتهما شاملة ومنظمة عن العلم‬ ‫حصر الفلسفـــة في دائرة‬
‫األخـــــالق‪ ،‬وكـــــان يعلم‬
‫واإلنسان ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬ ‫الفضيلة ويحارب الجهل ‪.‬‬
‫بحث هذان الفيلسوفان بحثاً منظماً وعلميّاً شمل قضايا‬
‫األخالق‪ ،‬والطبيعة ‪ ،‬والنفس ‪ ..‬والسيما أرسطو الذي اشتهر‬
‫الخاصة ‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬ ‫في تقسيمه للعلوم إذ خصص لكل علم دائرته‬
‫ً‬
‫كامال ‪ ،‬بحث في كل فروعها ‪،‬في ما بعد‬ ‫أخرج نظاماً للفلسفة‬
‫الطبيعة ‪ ،‬والمنطق ‪ ،‬وعلم النفس ‪ ،‬واألخالق ‪ ،‬والسياسة ‪،‬‬
‫والجمال ‪...‬إلخ‬

‫ثانياً‪ -‬عصر الفلسفة الرومانيّة اليونانيّة (الهيلينستيّة)‪:‬‬


‫سمي هذا العصر بعصر الفلسفة الهيلينستيّة المتزاج‬
‫الحضارتين‪ :‬الرومانيّة واليونانيّة ‪ ،‬فقد صارت اليونان جزءاً‬
‫من المملكة الرومانيّة إذ استولى الرومان على ( مقدونيا) وجميع‬
‫بالد اليونان سنة ‪146‬ق‪.‬م وانتقل بذلك جزء كبير من الحضارة‬ ‫الفلسفة عند الرواقيّة‬
‫هي‪ :‬فن الفضيلة ومحاولة‬
‫اليونانيّة إلى الرومانيّة ‪ .‬في هذه المرحلة انتهت مرحلة البحث‬ ‫اصطناعها في الحياة‬
‫المنظم إلى مرحلة تحصيل العلوم وسعة االطالع أكثر منه‬ ‫العمليّة ‪.‬‬

‫عصر (بحث ونظر)‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فقد انتشرت المدنيّة‬


‫اليونانيّة في أرجاء العالم‪ ،‬وصارت مركزاً للمدنيّة ‪ ،‬والعلوم‪،‬‬
‫والمعارف ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫بعد سقوط بالد اليونان في أيدي الرومان أدى بالبالد إلى تغيير‬
‫هناك شيء واحد رفضه‬
‫تام في السياسة والعلوم ‪ ،‬فالنظام السياسي للحياة اليونانيّة أخذ‬ ‫أفالطون رفضاً مطلقاً ‪،‬‬
‫واستنكــــره ‪ ،‬هذا الشيء‬
‫ينهار ‪ ،‬و المبادىء األخالقيّة ضعفت‪ ،‬واهتزت ال ّديانة اليونانيّة‬
‫هو النفس االستبداديّة ‪،‬‬
‫هكذا بدأ اإلنسان اليوناني يبحث عمّا يهديه في حياته ‪ ،‬فلجأ‬ ‫والدولة االستبداديّة ‪ ،‬فهما‬
‫يمثــــالن في نظره أعظم‬
‫إلى الفلسفة ‪ ،‬وع َّّد الفلسفة هي الهادي األمين ‪ .‬وقد غلب البحث‬ ‫فساد وتدهور ‪.‬‬
‫في هذه المرحلة على األخالق وتوضح ذلك في أفكار الرواقيين‬
‫واالبيقوريين إذ كانت أغلب آرائهم تدور حول األخالق ‪.‬‬
‫يقـــــــــول أوغسطـين ‪:‬ال‬
‫يستطيــــــع العقــــل بقوته‬
‫الطبيعيّــــة أن يهتدي إلى‬
‫ثالثاً‪ -‬العصور الوسيطة ‪،‬المسيحيّة ‪ ،‬واإلسالميّة ‪:‬‬
‫الحقيقة بأكملها ‪.‬‬
‫أ‪ -‬عصور وسيطة مسيحيّة ‪ :‬يسمّى هذا العصر عصر الفلسفة‬
‫النصرانيّة في أوروبّا ‪ ،‬إذ سقطت ال ّدولة الرومانيّة وانهارت‬
‫ويقول أيضاً ‪ ، :‬أن اإليمان‬
‫حضارتها المتأثرة بالحضارة اليـونانيّة ‪ ،‬وجاء سـقوطها على‬
‫سابق على التعقل إنه يطهر‬
‫يد ( المغول ) ‪ ،‬بعد أن ضعفت‪ ،‬إذ أصابها االنحالل في قيمها‬ ‫القلب ‪ ،‬ويجعل العقل أقدر‬
‫ً‬
‫قبوال‬ ‫على البحث وأسرع‬
‫األخالقيّة ‪ ،‬فصارت ال تستطيع مقاومة األمم القويّة‪.‬‬ ‫للحق‪.‬‬
‫وأخذ المحتلون من الحضارة اليونانيّة والرومانيّة ومزجوها‬
‫بأفكارهم المحدودة ثقافيّاً ‪ ..‬وفي هذه المرحلة برز عدد من‬
‫الفالسفة المسيحيين الذين حافظوا على آثار العقل اليوناني‬
‫من خالل استخدامهم للفلسفة ‪ ،‬والمنطق سالحاً للدفاع عن‬
‫دينهم ‪ .‬بعد أن كانت الكنيسة تضطهد آداب اليونان والرومان‬
‫وعلومهم وتحارب من اشتغل بها ‪ ،‬ألنها حددت دائرة الفكر في‬
‫الديانة ‪ ...‬كانت الكنيسة في البداية عدو الفلسفة والعلم ‪،‬فأ ّدى‬
‫ذلك إلى ضعف الحياة العلميّة وخمودها ‪ ،‬ولم تنهض إال بعد أن‬
‫ظهرت تباشير (النهضة) ممتزجة بأشعة من الشرق فأضاءت‬
‫سماء القرون الوسيطة األوربيّة المظلمة ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وما بقي من الفلسفة والعلم في العصور الوسيطة يخدم تعاليم‬
‫أما توما االكويني يرى ‪:‬‬
‫النصرانيّة‪ ،‬أما ماعدا ذلك فمرفوض رفضاَ تاماً‪ .‬وظلت الفلسفة‬ ‫أن اإلنسان يتشوق السعادة‬
‫بطبيعته ‪ ،‬وهللا‪ ،‬وسعادة‬
‫الغربيّة خادمة للدين عدة قرون ‪.‬وكان من أبرز الفالسفة‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وما يتشوق‬
‫المسيحيين في هذه المرحلة هو األب (أوغسطين) (‪-354‬‬ ‫بالطبع يعرف بالطبع ‪.‬‬

‫‪430‬م) ‪ ،‬و(أنسلم) و(توما االكويني)‪ ،‬وامتد هذا العصر‬


‫إلى القرن التاسع الميالدي‪ .‬والمرحلة المسيحيّة التي امتدت‬
‫من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر و تلقب بالعصر‬
‫(المدرسي)‪ ،‬ألن التعليم كان يقوم به الرهبان في مدارس‬
‫الكنائس ‪ ،‬وقد أنشأ (شارلمان) كثيراً من المدارس في جميع‬
‫أنحاء فرنسا‪ ،‬فكان مدرسوها من رجال الكنيسة ‪.‬‬
‫ب – عصور وسيطة إسالميّة ‪ :‬أما الفلسفة اإلسالميّة في‬
‫العصور الوسيطة فكانت مختلفة عما هي عليه في أوربّا ‪،‬‬
‫ففي الشرق كان التق ّدم العلمي والفلسفي مزدهراً ‪،‬وكانت هذه‬
‫الفلسفة اإلسالميّة تصوّ ر‬
‫المرحلة تسمّى بـ (العصر الذهبي) للتطورات التي كانت‬ ‫السعادة غاية قصوى‬
‫لحياة اإلنسان ‪ ،‬فهي ترى‬
‫تشهدها البالد اإلسالميّة في حينها ‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فإنها‬
‫السعادة في االتصال باهلل‬ ‫ّ‬
‫ال تخلو من اضطهاد لهذا العالم أو ذاك الفيلسوف إذا لم تكن‬ ‫عن طريق التأمل العقلي‬
‫مع حياة الزهد والتعبّد ‪.‬‬
‫أفكارهم تناسب مزاج الخليفة أو أتباعه ‪.‬‬
‫وال شك فإن مجيء اإلسالم ‪ 610‬م أحدث تغييراً في طرق‬
‫الحياة والنظر إلى األشياء في العلم نظرة مختلفة ‪ ..‬فظل ال ّدين‬
‫يملك حياة الناس في الجزيرة العربيّة ‪ ..‬فكان ينظم حياتهم في‬
‫السياسة والمجتمع عموماً ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن (البحث العقلي) (الفلسفي) لم ينشأ بالمعنى‬
‫الواضح ‪ ..‬أي لم يظهر فالسفة في عصر الخلفاء الراشدين‬
‫وال في ال ّدولة األمويّة ‪ ..‬فكان المسلمون يتداولون في األمور‬

‫‪20‬‬
‫ال ّدينيّة ثم إن ال ّدين اإلسالمي قد رفعهم إلى مقام أكبر في بناء‬
‫أتم اإلسالم مرحلة كبرى‬
‫ال ّدولة والفتوحات ‪ ،‬وتأسيس دولة شامخة ‪ ..‬إن هذا التق ّدم‬ ‫من رسالته ‪ ،‬وهي إزالة‬
‫الحواجز بين البشر ‪،‬‬
‫السّ ريع في العمران وما أتاحه من تطورات مدنيّة وعسكريّة‬
‫وتحقيق التعارف بين‬
‫فرضتها ظروف المرحلة التي جعلت المسلمين يبحثون بأمور‬ ‫الشعوب والقبائل الذي‬
‫بشر به القرآن ‪ .‬بسم‬
‫تفرض نفسها عليهم كالبحث في الطب ‪ ،‬والطبيعة ‪ ،‬والكيمياء‪،‬‬ ‫هللا الرحمن الرحيم (( إنا‬
‫خلقناكم من ذكر وانثى‬
‫والسيما أن ال ّدين اإلسالمي يدعو إلى العلم وطلبه ‪.‬‬
‫وجعلناكم شعوبا وقبائل‬
‫وفي ال ّدولة األمويّة كانت العلوم ال ّدينيّة هي المعروفة ‪،‬والتي‬ ‫لتعارفوا‪ ،‬إن أكرمكم عند‬
‫هللا اتقاكم))‪ .‬صدق هللا‬
‫تتضمن علم الكالم واإللهيّات ‪،‬فكانت أبحاثهم تدور حول ‪ :‬هل‬ ‫العلي العظيم ‪ .‬الحجرات‪/‬‬
‫‪49‬‬
‫أن اإلنسان مسيّر أم مخيّر ‪ ،‬أو ما يسمّى (حريّة اإلرادة) ‪،‬‬
‫والكالم عن (مرتكب الكبيرة) ‪ ،‬هل هو مؤمن أم كافر ؟ وانقسم‬
‫المسلمون إلى فرق مختلفة ‪ ،‬ولكنها كلها تدخل ضمن الجدل‬
‫ال ّديني ‪ ،‬والتي سميت بـ(علم الكالم)‪ ،‬ألن مناقشاتها وجدالها‬
‫كان يدور حول كالم هللا والمواضيع المرتبطة به ‪.‬‬
‫وهناك آراء مختلفة حول اعتبار علم الكالم أنه يمثل بداية‬ ‫الفلسفة اإلسالميّة فلسفة‬
‫توفيقيّة ‪ ،‬توفق بين الدين‬
‫الفلسفة اإلسالميّة ومق ّدمة لها‪ ..‬يرى بعضهم أن علم الكالم ال‬
‫والفلسفة ‪ ،‬وتعّد الحقيقة‬
‫يخرج عن كون موضوعاته تدخل ضمن الفكر ال ّديني فحسب‪.‬‬ ‫الدينيّة الفلسفيّة متفقتين‬
‫في الموضوع وإن اختلفا‬
‫أما في زمن ال ّدولة العباسـيّة ‪ ،‬فقد توسعت ال ّدولة اإلسالميّة‪،‬‬ ‫في الشكل ‪.‬‬
‫وتكونت لها حضارة واسـعة ‪ ،‬واستفادت من فكر الفرس‬
‫والروم والهنود واليونان وعلومهم‪ .‬فنشطت ترجمة العلوم‬
‫اليونانيّة المختلفة في خالفة أبي جعفر المنصور ‪ ،‬والرشيد‬
‫‪ ،‬والمأمون‪ ،‬ومن جاء بعدهم ‪ ...‬ففي زمن المأمون تمت‬
‫الترجمة على يد السريان ‪ ،‬والسيما الفلسفة كالطبيعيات‬
‫واإللهيّات ‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والسياسة ‪ ..‬ومنها كتب أفالطون ‪،‬‬
‫وأرسطو‪ ،‬وأفلوطين وغيرهم ‪ ..‬وقد انكب المسلمون على‬

‫‪21‬‬
‫دراستها وشرحها وإضافة األفكار الجديدة النابعة من الدين‬
‫اإلسالم يحث اإلنسان على‬
‫اإلسالمي إلى الفلسفات التي نقلوها من اآلخرين‪ .‬ومما تجدر‬ ‫التدبر والتفكر واستخدام‬
‫العقل في ميدان كشف‬
‫اإلشارة إليه هو أن أكثر الشرّ اح والمفكرين العرب لم يكونوا‬
‫الطبيعة وفي الميادين‬
‫من رجال ال ّدين ‪ ،‬في حين أن األوربيين في القرون الوسيطة‬ ‫االجتماعيّة كافة‪.‬‬

‫كان أغلبهم من القساوسة ‪.‬‬

‫رابعاً‪ -‬الفلسفة الحديثة (عصر النهضة)‪:‬‬


‫في هذه المرحلة ظهرت حركة فكريّة وثقافيّة في أوربّا‬
‫الغربيّة في القرن الرابع عشر ‪ ،‬وكانت موجهة ضد أفكار‬
‫العصور الوسيطة المدرسيّة ‪.‬وابتدأت النهضة في بعث العلم‪،‬‬
‫والفن والفلسفة اليونانيّة ‪ ،‬وقــد ظهــرت واضحة في إيطاليا‬
‫مجسّ دة فــي ( دانتي ) و(دافنشي ) وغيرهما ‪ .‬وقضت أوربّا‬
‫قرنين كاملين في ثورتها الفكريّة أو نهضتها التي أ ّدت إلى‬ ‫لم تتحرر الفلسفة الحديثة‬
‫من طغيان روح العصر‬
‫الفلسفة الحديثة في القرن السابع عشر‪ .‬فجاءت الفلسفة الحديثة‬ ‫‪-‬عصر اآلالت والصناعة‬
‫‪ -‬فاتصلت بالحياة العمليّة‬
‫رافضة للمدرستين ‪ ،‬فدعت إلى حرية الفكر وإلى الشك وتحكيم‬
‫واهتمت بالعمل والصناعة‬
‫العقل ‪ ...‬وتخلصوا من سلطة رجال الكنيسة وأرسطو في آن‬ ‫على غير ما ذهب جمهرة‬
‫فالسفة اليونان ‪. .....‬‬
‫واحد ‪ ،‬ففصلوا ال ّدين عن الفلسفة ‪ ،‬وظهرت حريّة الفكر ‪،‬‬
‫ووجهوا النقد لمثل أفالطون ‪ ..‬واتجهوا إلى البحث العلمي‬
‫المستند على المالحظة واالستقراء ‪ .‬ومن أبرز الفالسفة في‬
‫بداية الفلسفة الحديثة هم (فرنسيس بيكون) و(ورينيه ديكارت)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أسئلـة المبحث الثانـي‬

‫س‪ -1‬مرت الفلسفة بعدة مراحل منذ نشأتها ‪ ،‬ما هذه المراحل ؟ عددها ‪.‬‬
‫س‪ - 2‬كيف نظر الفالسفة الطبيعيّون اليونان القدماء إلى الكون ؟‬
‫س‪ - 3‬ما معنى أن سقراط والسوفسطائيّة ركزوا البحث في اإلنسان وما اختالفهم‬
‫عن الفالسفة الذين ركزوا على الطبيعة ؟‬
‫س‪ - 4‬ظهرت في زمن اليونان فلسفة لها نظرة إنسانيّة عالميّة ‪ .‬ما هي ؟‬
‫قصة(المصباح) عنده ‪.‬‬
‫س‪ – 5‬من هو ديوجين الكلبي ؟ تكلم عن ّ‬
‫س ‪ – 6‬اشرح مكانة الفلسفة في العصور الوسيطة عند ‪ :‬أ – الفلسفة‬
‫المسيحيّة ‪ .‬ب – الفلسفة اإلسالميّة ‪.‬‬

‫نشــاط ‪:‬‬
‫راجع مع أستاذ الما ّدة مكتبة المدرسة لإلطالع على‬
‫ً‬
‫عموما ‪.‬‬ ‫كتب الفلسفة اليونانيّة‬

‫‪23‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫الفلسفة والعلم‬
‫األهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراً على أن‪:‬‬
‫‪ -1‬يعرف معنى التفكير العامي ‪.‬‬
‫‪ -2‬يعدد خصائص التفكير العامي ‪.‬‬
‫‪ -3‬يفهم معنى ((الفلسفة أم العلوم ))‪.‬‬
‫‪ -4‬يفهم العالقة بين الفلسفة والعلم ‪.‬‬
‫‪ -5‬يعرف معنى التفكير العلمي ‪.‬‬
‫‪ -6‬يعدد خصائص التفكير العلمي ‪.‬‬
‫‪ -7‬يعرف معنى كل خاصية من خصائص التفكير العلمي ‪.‬‬
‫‪ -8‬يفرق بين التفكير العامي والتفكير العلمي ‪.‬‬
‫العالقة بين الفلسفة والعلم ‪:‬‬
‫العالقة بين الفلسفة والعلم قديمة ‪ ..‬منذ نشوء الفلسفة اليونانيّة ‪ ،‬فهذا (طاليس) كان‬
‫فيلسوفاً وعالماً ( عالماً بالمعنى القديم لكلمة علم ‪ ،‬كافتراض أصل العالم من ماء ) ‪،‬‬
‫و(فيثاغورس) كان رياضيّاً وفيلسوفاً ‪ ...‬وكان أفالطون يطلب دراسة علم الرياضيات‬
‫فضال عن الفلسفة ‪ .‬فقد كتب على باب أكاديميته (ال يدخل علينا إال من كان رياضياً )‪،‬‬
‫ً‬
‫وكان أرسطو له مؤلفات في الحيوان ‪ ،‬والنبات ‪ ،‬والطب وغيرها ‪.‬‬
‫وظل هذا االرتباط في العصر الوسيط بين الفلسفة والعلم ‪ ،‬فالكندي كان عالماً‬
‫وفيلسوفاً اهتم بالرياضيّات ‪ ،‬والطبيعة ‪ ..‬وابن سينا كان فيلسوفاً مشهوراً في كتابه‬
‫(القانون في الطب) ‪.‬‬
‫إال أن هذه العالقة بين الفلسفة والعلم– في العصر الحديث – بدأت تتصدع إذ‬
‫أخذت العلوم تنفصل عن الفلسفة‪ ،‬والسيما بعد ظهور (فرنسيس بيكون) ‪ ،‬بل وظهور‬
‫ً‬
‫أوال في القرن السابع عشر بفضل جاليلو‪،‬‬ ‫التيار التجريبي بق ّوة ‪ ..‬فاستقلت الفيزياء‬

‫‪24‬‬
‫وديكارت‪ ،‬ونيوتن ألنهم رأوا ضرورة إسناد أبحاثهم إلى‬
‫المالحظة والتجربة ‪ ..‬وانفصلت الكيمياء على يد (الفوازييه)‬ ‫إن أي موقف فلسفي‬
‫تجاه الكون يجب أن يأخذ‬
‫‪ ..1794‬وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر استقل علم‬
‫بمعطيات العلوم وحقائقها‬
‫االجتماع على يد( أوجست كونت)‪.‬‬ ‫ً‬
‫وصوال إلى رسم‬ ‫الجزئيّة‬
‫صورة فلسفيّة للعالم توحد‬
‫وهكذا بدأت تتحدد معالم تيار تجريبي جديد يفصل العلوم‬ ‫في كل منسجم هذه الحقائق‬
‫الجزئيّة ‪.‬‬
‫الجزئيّة (العلوم الطبيعيّة ‪ ،‬والرياضيّة ) عن العلم األم (الفلسفة)‬
‫وبهذا فإن الرغبة الحقيقيّة في الفصل بين الفلسفة والعلم ظهرت‬
‫لدى العلماء في القرن السّ ابع عشر‪ ،‬ألنهم أخذوا يستخفون من‬ ‫إن أسحــــــق نيوتن قد‬
‫توصل إلى قانون الجاذبيّة‬
‫أي بحث ال يستخدم المنهج التجريبي ‪ ،‬وفي القرن التاسع عشر‬
‫األرضـــيّة بعـــــد مالحظة‬
‫وجد العلماء أن الفلسفة قد ابتعدت عن الواقع في كثير من‬ ‫عاديّة له وهي رؤية تفاحة‬
‫تسقــــط من شجرتها إلى‬
‫نظرياتها‪.‬‬ ‫األرض ‪.‬‬
‫إال أنه في القرن العشرين عاد الوفاق في العالقة بين الفلسفة‬
‫والعلم ألن االنفصال يسبب ضرراً لكليهما ‪ ..‬فدعى (غاستون‬
‫باشالر) (‪ )1962 – 1884‬إلى الربط بين العلم و الفلسفة في‬
‫يقول أرسطو ‪ :‬إنني أحب‬
‫قوله‪ :‬على الفيلسوف أن يكون على صلة بالتجارب العلمية‬
‫أفالطون وأحب الحق‪،‬‬
‫‪ ..‬وأن يأخذ العلماء أهمية للمذاهب الفلسفية النقدية ‪ ..‬ألن‬ ‫ولكن حبي للحق أعظم ‪.‬‬

‫االنفصال بين االثنين لن يكون في مصلحة أحدهما ‪.‬‬


‫وفي هذا المجال نبين خصائص كل من الفلسفة والعلم ‪ ،‬مع‬
‫بيان خصائص التفكير العامي للوضوح والمقارنة ‪:‬‬ ‫عندما تم وضع مناهج‬
‫البحث العلمي في العصر‬
‫الحديث أمكن التمييز بين‬
‫العلوم الطبيعيّة وبين‬
‫خصائص التفكير العا ّمي ‪ ،‬والعلمي ‪ ،‬والفلسفي ‪:‬‬
‫الفلسفة ‪ ..‬وقبل ذلك كانت‬
‫هناك أساليب مختلفة للتفكير ‪ ،‬فاإلنسان العامّي له أساليبه‬ ‫العلوم مختلطة بالفلسفة ‪.‬‬

‫في التعبير عن معارفه والتي تتضمن (األساطير والخرافات)‬


‫وعدم معرفة التجارب العلميّة والتحقق منها ‪ ...‬وهناك صفات‬

‫‪25‬‬
‫للتفكير لدى الفالسفة ‪ ،‬فإنهم يستخدمون قدراتهم (العقليّة) وما‬
‫إن غاية العلم وضع‬
‫أفادوه من حقائق العلم ‪ .‬أما أساليب التفكير العلمي فهي تعتمد‬ ‫تفسر‬
‫القوانين العامة التي ّ‬
‫(المنهج العلمي التجريبي) أو الطرائق المعروفة للوصول إلى‬ ‫الظواهر الحسيّة ‪ ،‬أما‬
‫الفلسفة فإنها ال تبحث‬
‫صياغة القوانين العلميّة ‪ .‬والخصائص العامّة للتفكير العامّي‬ ‫في الظواهر المحسوسة ‪،‬‬
‫وإنما تنصب على دراسة‬
‫هي ‪:‬‬ ‫الوجود المج ّرد (غير‬
‫خصائص التفكير العا ّمي ‪:‬‬ ‫المادي) ‪.‬‬

‫المعرفة العا ّميّة ‪ :‬هي المعلومات والتجارب الشخصيّة‬


‫التي اكتسبها اإلنسان دون االعتماد على التجارب العلميّة أو‬ ‫تتصف المعرفة العاميّة‬
‫ال ّدراسيّة المنهجيّة ‪ ..‬وهذه المعرفة عبارة عن معارف ال‬ ‫بتأثير أصحابها بأفكار‬
‫سابقة تلقوها من غيرهم‬
‫تقوم بينها روابط وعالقات بل على أساس خرافي ‪ ،‬كالربط‬ ‫فسلموا بها دون بحث أو‬
‫بين الظواهر الحسيّة وبين الظواهر الغيبيّة ‪ .‬إن هذه المعرفة‬ ‫تمحيص ‪.‬‬

‫ال ترتقي إلى مستوى التعميم أو الوصول إلى قانون يفسّ ر‬


‫الظواهر المحسوسة ‪.‬‬ ‫تتميز المعرفة العاميّة‬
‫ويتصف التفكير العامي بما يأتي ‪:‬‬ ‫بالذاتيّة وليس بالموضوعيّة‬
‫‪ ،‬وهذا عكس المعرفة‬
‫‪ -1‬المبالغة ‪ :‬صفة من صفات رجل الشارع يعبّر بها عن‬ ‫العلميّة تماماً ‪.‬‬
‫الحوادث بطريقة مبالغ فيها ‪ ،‬قد تكون مختلفة تماماً لما‬
‫ً‬
‫فعال‪.‬‬ ‫حدث‬
‫وفي كتاب فرنسيس‬
‫إذن‪ ،‬فأول ما تتصف به المعرفة العاميّة هو عدم ال ّدقة التي‬ ‫بيكون «االرغانون الجديد «‬
‫ينشدها العالم والفيلسوف ‪.‬‬ ‫(األداة الجديدة)‪ ،‬كرس‬
‫منهج االستقراء‪ ،‬واعتمد‬
‫‪ -2‬التعميم الخاطىء ‪ :‬إن الفرد غير العلمي أو رجل الشارع‬ ‫الوقائع الماديّة الحسيّة‬
‫أو العامّي يعمم في أحكامه نتيجة حادثة أو حادثتين‪ ،‬دون‬ ‫طريق لتحصيل المعرفة ‪.‬‬

‫االعتماد على الحقائق والوقائع ‪.‬‬


‫‪ -3‬الذاتيّة المسرفة ‪ :‬إن آراء رجل الشارع تعتمد على الذات‬
‫أو العاطفة أو بما يرضي مزاجه الشخصي ‪ ،‬وال تعتمد‬

‫‪26‬‬
‫أفكاره على الموضوعيّة في الحكم على األشياء أو الظواهر‪.‬‬ ‫الشك وسيلة من وسائل‬
‫تطهير الذهن وتصفيته ‪،‬‬
‫مثال ‪ ،‬ينسب الشخص‬ ‫ً‬ ‫‪ -4‬الربط الخاطىء بين الظواهر ‪:‬‬ ‫إنه مبدأ الحكمة ومدرسة‬
‫العامّي (المرض) إلى االرواح الشريرة ‪ ،‬أو يفسّ ر حادثة‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬ينبه الفلسفة إلى‬
‫أخطائها ويقف العقل عند‬
‫(موت) شخص بظاهرة نعيق البوم ‪ ،‬في حين ال توجد رابطة‬ ‫حده ‪ ،‬ويرشد إلى مواطن‬
‫نقصه ‪.‬‬
‫أو عالقة بين الظاهرتين مطلقاً ‪ .‬إن هذا النوع من التفكير‬
‫ينسب األحداث إلى (علل أو أسباب) غيبيّة ‪ ،‬ال يمكن التثبت‬
‫منها بالتجربة الحسيّة ‪ ،‬فكسوف الشمس ‪ ،‬وخسوف القمر‬
‫قد ينسبها مثل هذا التفكير إلى (حوت خرافي يبتلعهما) أو‬
‫غيرها من العلل الوهميّة الغيبيّة ‪.‬‬
‫خصائص التفكير العلمي ‪:‬‬ ‫«الكشف عن قانون من‬
‫قوانين الطبيعة يفيدنا في‬
‫هناك صفات معيّنة يتصف بها التفكير العلمي‪ ،‬تجعل البحث‬ ‫التنبؤ بأحداث المستقبل ‪،‬‬
‫ناجحاً ألنه قائم على أسس صحيحة تعتمد على أكبر جهد ممكن‬ ‫ذلك عن طريق الجزئيات‪،‬‬
‫ويتم التعميم على جميع‬
‫في سبيل جمع أكبر عدد من الظواهر التي يقوم بدراستها ‪.‬‬ ‫الحاالت التي لم تظهر بعد‪،‬‬
‫كقولنــــــا أن الحديد يتمدد‬
‫‪ -1‬الشك المنهجي ‪ :‬إن الباحث الذي يبحث عن اليقين ‪ ،‬ال بد‬ ‫بالحـــــرارة ‪ ،‬فنحن خبرنا‬
‫أن يتخلص من األفكار الخاطئة التي تفسد بحثه وتعوق من‬ ‫بعـــض الحاالت وعممناها‬
‫على الحاالت الالحقة فبعد‬
‫انطالقه ‪ .‬ومن خالل الشك المنهجي يستطيع أن يتحرر من‬ ‫أن يؤ ّدي بـــــه الشك إلى‬
‫االضطــــراب والقلق تتولد‬
‫كثير من األفكار الخاطئة ‪.‬‬ ‫في نفسه الحاجة إلى تحديد‬
‫‪ -2‬الموضوعيّة ‪ :‬تعني الموضوعيّة أن يقوم الباحث بالبحث في‬ ‫هدف له ‪ ،‬وعلى هذا ال بد‬
‫لإلنسان أن يتفلسف أراد‬
‫ظاهرة ما دون تدخل ذاته أو عواطفه أو مزاجه الشخصي‪،‬‬ ‫أم لم يرد‪.‬‬

‫ويتعامل مع موضوع دراسته كما هو في الواقع ‪ ،‬ال كما‬


‫يتمنى أو يرغب ‪ .‬فالعلم يصف األشياء وتقريرها كما هي‪.‬‬
‫ً‬
‫مثال على دراسة‬ ‫يرى (كلود برنار) إذا اختلف العلماء‬
‫ظاهرة من الظواهر‪ ،‬فإنهم يحسمون الخالف بااللتجاء إلى‬
‫الواقع ‪ ،‬ومحك الصواب عندهم هو(التجربة) التي يمكن‬

‫‪27‬‬
‫تكرار إجرائها للتثبت من صحة النتائج بطريقة موضوعيّة‪.‬‬ ‫أما صاحب النزعة الشكيّة‬
‫المطلقة – شكه مطلق –‬
‫‪ -3‬التكميم ‪ :‬أي تحويل الكيفيّات إلى ك ّميّة ومقدار ‪،‬فإذا درس‬ ‫ألنه ال يثق في الحس وال‬
‫(الصوت) ر ّده إلى (الذبذبات) ‪ ،‬وإذا درس الحرارة‬
‫ّ‬ ‫الباحث‬ ‫في العقل بل البقاء ‪،‬دون‬
‫رأي وعدم الميل إلى اتجاه‬
‫ر ّدها إلى (الموجات) الحراريّة ‪ ،‬وإذا درس الضوء رده‬ ‫‪ ،‬دون إثبات أو نفي ‪.‬‬

‫إلى (الموجات الضوئيّة)‪ .‬لهذا قام العلم بصناعة األجهزة‬


‫العلميّة لقياس خواص األشياء وكيفيّتها من أجل تحويلها من‬
‫كيفيّة إلى كميّة ‪.‬‬
‫‪ -4‬التعميم ‪ :‬يقصد بهذا المبدأ أن الباحث يقوم بإحصاء غير‬
‫محدود من الظواهر وتعميمها‪ ،‬فإذا قلنا ‪ :‬جميع المعادن‬
‫تتمدد بالحرارة ‪ ،‬وهذا ما يسمّى بـ (االطراد) أي التكرار في‬
‫وقوع الحوادث وهو يفيدنا في التنبّؤ بوقوع الحوادث مسبقاً‪،‬‬
‫والتنبؤ هو غاية العلم ‪ ..‬فإن وقوع الحوادث ضروري أو‬
‫ً‬
‫محتمال ‪.‬‬ ‫حتمي وليس ممكناً أو‬
‫إن العقل اإلنساني طموح‬
‫‪ -5‬التجربة ‪ :‬إن العالم الذي يدرس ظواهر الطبيعة الواقعيّة‬ ‫بفطرته إلى كشف الغامض‬
‫ال يستمد حقائقه إال من التجربة الحسيّة ‪ .‬والعلم يتناول‬ ‫وتوضيح المبهم‪ ،‬ال يكاد‬
‫ينتهي إلى غاية حتى‬
‫البحث في الظواهر الجزئيّة الظاهرة للحواس‪ ،‬وبمنهجه‬ ‫يتجاوزها إلى ما وراءها ‪.‬‬

‫(االستقرائي) ترتبط الوقائع أو الظواهر بعالقات (عليّة) أو‬


‫سببيّة ثابتة ‪.‬‬
‫‪ -6‬التحقق ‪ :‬يعني التأكد من صحّ ة النتائج التي يتم التوصل‬
‫إليها عن طريق إعادة اختبارها‪ ،‬وذلك بالرجوع إلى‬
‫ً‬
‫‪.‬مثال إذا وجد (فايروس) يؤ ّدي إلى‬ ‫التجربة في الواقع‬
‫اإلصابة بـ(األنفلونزا) ‪ ،‬فإننا نستطيع أن (نتحقق) من أن‬
‫هذا الفايروس نفسه هو الذي يسبب هذا المرض‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق التجارب التي يقوم بها العلماء على بعض األشخاص‬

‫‪28‬‬
‫أو على الحيوانات ‪ ،‬فإذا انتقل المرض إليهم معنى ذلك (تحققنا) من صحة النتائج ‪.‬‬
‫خصائص التفكير الفلسفي ‪:‬‬
‫تختلف الموضوعات التي يدرسها ُّ‬
‫كل من الفلسفة والعلم ‪ ،‬فالعلم يدرس الظواهر‬
‫الحسيّة ويقوم بدراستها بالمنهج العلمي التجريبي الذي يعتمد المشاهدة والتجربة ‪،‬‬
‫أما الموضوعات التي تدرسها الفلسفة فهي مختلفة ألنها تصطنع مناهج أخرى تسمّى‬
‫(مناهج االستنباط العقلي)‪ ،‬إنها ال تدرس الظواهر الجزئيّة – كما تفعل العلوم الطبيعيّة‬
‫– بل تدرس الوجود بشكل عام – الوجود الما ّدي ‪ ،‬والوجود غير الما ّدي ‪.‬‬
‫وأهم خصائص التفكير الفلسفي هي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال – الشـك ‪ :‬من الخطوات األساسيّة للمعرفة الحقة ‪ ،‬والمقصود هنا ‪ :‬الشك من أجل‬
‫الوصول إلى الحقيقة وعدم التسليم بكل ما يقال إال بعد التأكد منه ‪.‬‬
‫ثانياً – االستقالل ‪ :‬إن الفيلسوف يستخدم عقله في معرفة األشياء‪ ،‬وال يعتمد في تفكيره‬
‫على إجماع الناس ‪ ..‬ألنه قد يجمع الناس على االعتقاد ببعض الخرافات‬
‫واألساطير التي ال يقبلها العقل السليم ‪.‬‬
‫ثالثاً – المرونة ‪ :‬وتعني أن الفيلسوف يكون قادراً ومستع ّداً للتخلي عن آرائه إذا ثبت‬
‫الصادقة‪.‬‬
‫عدم صحتها ‪ ..‬وهذا يدل على الروح العلميّة ّ‬
‫رابعاً – التج ّرد من العاطفة ‪ :‬يجب عدم إدخال العاطفة في الموضوعات التي يتم‬
‫البحث فيها – أي إبعاد التأثيرات االنفعاليّة عن التفكير ‪ .‬يقول أرسطو ‪ ( :‬إنني أحب‬
‫أفالطون وأحب الحق ‪ ،‬ولكن حبّي للحق أعظم ) ‪ .‬ومعناه أن أرسطو يريد أن‬
‫يتجرد من عاطفة حبه ألستاذه أفالطون ‪ ،‬وأن يتخذ موقفاً قريباً من الموضوعيّة‬
‫في آرائه دون مجاملة ألحد على حساب العلم أو الفلسفة‪.‬‬

‫أسئلة المبحث الثالث‬

‫‪29‬‬
‫أسئلة المبحث الثالث‬

‫س‪ - 1‬ماذا نقصد بالتفكير العامّي ؟ أذكر خصائصه مع الشرح‪.‬‬


‫س‪ - 2‬من خصائص التفكير العامّي (الربط الخاطىء بين الظواهر) ‪ ،‬اشرح ذلك ‪.‬‬
‫س‪ - 3‬لماذا تسمّى (الفلسفة) أم العلوم ؟‬
‫س ‪ -4‬تكلم عن العالقة بين الفلسفة والعلم ‪.‬‬
‫س ‪ - 5‬ما خصائص التفكير العلمي ‪ :‬عددها واشرح واحدة منها ‪.‬‬
‫س ‪ - 6‬من خصائص التفكير العلمي ‪ :‬الموضوعيّة ‪ .‬ماذا تعني ؟‬
‫س ‪ -7‬أذكر خصائص التفكير الفلسفي ‪ .‬ثم اشرح واحدة منها ؟‬

‫نشــاط ‪:‬‬
‫راجع في مكتبة المدرسة الكتب التي تختص بمبادىء الفلسفة ‪،‬‬
‫أو مداخل الفلسفة لمزيد من اإلطالع على موضوعات هذا المبحث ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المبحث االول‬

‫الفلسفة االسالمية‬
‫األهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادرا على ان‪:‬‬
‫‪ -1‬يعرف معنى المعتزلة ‪.‬‬
‫‪ -2‬يعرف معنى األشاعرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬يميز بين المعتزلة واالشاعرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬يناقش رأي المعتزلة في وحدانية هللا ‪.‬‬
‫‪ -5‬يعرف اشهر الفالسفة المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -6‬يتفهم مذهب الفارابي في التوفيق بين الدين والفلسفة ‪.‬‬
‫‪ -7‬يفهم المنهج العلمي عند ابن سينا ‪.‬‬
‫‪ -8‬يقارن بين آراء الكندي والفارابي وابن سينا ‪.‬‬
‫‪ -9‬يبين تأثير ابن رشد في الثقافة األوربية ‪.‬‬
‫‪ -10‬يعرف قصة حي بن يقظان ‪.‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫في هذا المبحث نوجز رأي المعتزلة واألشاعرة وبعض فالسفة اإلسالم ‪ ..‬لقد ناقش‬
‫وجادل هؤالء وأولئك في العقيدة وأصولها وخاضوا في موضوعات الخير والشر ‪ ،‬وحريّة‬
‫اإلرادة ‪ ،‬و ِقدم العالم وحدوثه ‪ ..‬وغيرها من المشكالت ‪.‬‬
‫إن المدارس التي سبقت ظهور الفلسفة اإلسالميّة بمعناها العام هي مدارس ( المعتزلة‬
‫واألشاعرة ) خصوصاً التي تسمّى بـ (علم الكالم) ألن أبرز أبحاثها كانت مرتبطة بكالم‬
‫هللا سبحانه ‪.‬‬
‫اتخذ المعتزلة العقل مقياساً للحكم على كل القضايا التي تعترضها‪ ،‬فقد كانت تنادي‬
‫بالدين اإلسالمي دين عقل ‪ ،‬وما يمكن إدراكه في اآليات الكريمة التي تؤكد التفكر والتدبر‬

‫‪31‬‬
‫والتأمل‪ ..‬والمعتزلة بهذا المعنى من أوائل الفالسفة المسلمين‬
‫إذ أنشأوا قواعد عامّة أقاموا عليها بنيان العقائد اإلسالميّة ‪..‬‬ ‫دعا ( القرآن الكريم )‬
‫العقل اإلنساني إلى البحث‬
‫وكانوا يعتزون بالعقل ويحكمونه في كل قضيّة تعترضهم ‪..‬‬
‫والنظر ‪ ،‬تلك ال ّدعوة التي‬
‫فأكثروا من استخدام االستدالل العقلي حتى رفعوا العقل إلى‬ ‫كانت السبب األول في‬
‫خلق حركة فكريّة قويّة‬
‫مرتبة القياس والدليل في أمر العقيدة وبالغوا فيه ‪ ..‬فقد ظهرت‬ ‫في تاريخ اإلسالم ‪ .‬بسم‬
‫هللا الرحمن الرحيم ((اوال‬
‫بسبب ذلك فرق خالفتهم واتهمتهم بأنهم يفرضون العقل على‬
‫يّذكر االنسان انا خلقناه‬
‫النقل ‪.‬‬ ‫من قبل ولم يك شيئا ))‬
‫صدق هللا العلي العظيم‬
‫ومن التيّارات الرئيسة التي ظهرت ضد المعتزلة تيار‬ ‫سورة مريم ‪67 /‬‬
‫(األشعريّة)‪ ..‬ولكن قبل ظهور األشعرية ظهرت تيارات أخرى‬
‫تخالف المعتزلة أيضاً ‪.‬‬
‫وعلى أية حال‪،‬فإن هؤالء الكالميّين (علماء الكالم) ‪ ،‬كانوا‬
‫تمهيداً لظهور الفلسفة اإلسالميّة وفالسفتها المعروفين‪ ،‬مثل‬
‫الكندي‪ ،‬والفارابي ‪ ،‬وابن سينا ‪ ...‬الخ ‪ .‬إذ كان هدف هؤالء‬ ‫إن الفلسفة اإلسالميّة فيها‬
‫ثمرات من عبقريّات أهلها‬
‫ً‬
‫فضال على غايتهم التي‬ ‫الفالسفة التوفيق بين العقل وال ّدين ‪،‬‬ ‫ظهرت في تأليف نسق‬
‫فلسفي قائم على أساس‬
‫كانت ( سعادة اإلنسان ) ‪ ،‬والتي ال تأتي إال عن طريق التـأمل‬
‫من مذهب أرسطو مع‬
‫العقلي الخالص ‪ ..‬وهــؤالء الفالســــفة بدءاً بالكندي إلى ابن‬ ‫تالفي ما في هذا المذهب‬
‫من النقص باختيار‬
‫رشد خاضوا المشكالت الفلسفيّة التي أخذوها من الفالسفة‬ ‫آراء من مذاهب أخرى‬
‫بالتخريج واالبتكار‪.‬‬
‫اليونانيين ‪ ،‬وقاموا بشرحها ونقدها وأضافوا عليها بعض‬
‫آرائهم ‪.‬‬
‫المعتزلة ‪:‬‬
‫جاء اسم ( المعتزلة ) من اعتزال واصل بن عطاء لحلقة‬
‫الحسن البصري ‪ ،‬فقال الحسن البصري ‪ :‬اعتزل عنا واصل‬
‫‪ ..‬لقد كان الجدل دائراً حول ( مرتكب الكبيرة ) ‪ ،‬وقد أثير في‬
‫مسجد البصرة ‪ ،‬فقال الحسن البصري إنه منافق وليس كافراً‬

‫‪32‬‬
‫‪ ..‬أما واصل فقال أنه ( فاسق)‪ ،‬ثم قام واعتزل عند ركن آخر‬
‫من المسجد مع بعض من أيده في رأيه ‪ .‬كان انفصال واصل‬ ‫إن علم الكالم لم يكن إال‬
‫وليداً شرعيّاً للمجتمع‬
‫بن عطاء عن حلقة الحسن البصري في مسجد البصرة سبباً في‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬هذا المجتمع‬
‫ظهور (مدرسة االعتزال)‪ .‬تعتقد المعتزلة باألصول الخمسة‬ ‫الذي كان يسير حثيثاً‬
‫نحو االختالف بسبب تعدد‬
‫المرتبطة ارتباطاً تسلسليّاً ‪:‬‬ ‫اآلراء‪. ...‬‬
‫التوحيد ‪ ،‬والعدل ‪ ،‬والوعد والوعيد ‪ ،‬والمنزلة بين المنزلتين‪،‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ -1‬التوحيد ‪:‬‬
‫أ‪ -‬رفض المعتزلة مذهب أفالطون في المُثل وفكرة الصنع ‪،‬‬
‫أي أن هللا (عزوجل) صانع العالم من مادة قديمة ‪ ،‬ألن هذا‬
‫كانت المعتزلة المدرسة‬
‫القول يؤ ّدي إلى التعدديّة ‪ ،‬فالعالم عند أفالطون قديم بمادته‬ ‫اإلسالميّة الوحيدة التي‬
‫تمتاز بحريّة التفكير ‪،‬‬
‫وحديث بزمانه وتراكيبه ‪ ،‬رفض المعتزلة هذه الفكرة ‪،‬‬
‫وبترجيح العقل في كل‬
‫ألنه – كما ذكرنا – يؤ ّدي إلى تعدد القدماء ‪ ،‬أي قدم الما ّدة‬ ‫مسائل الدنيا والدين ‪. ...‬‬

‫مع قدم هللا ‪ ..‬لذلك قالوا بالخلق من عدم ‪.‬‬


‫ب ‪ -‬رفضوا قول أرسطو أن العالم قديم بمادته وصورته‬
‫وزمانه ‪ .‬ورفضوا القول بأن هللا(عزوجل) ال يتصل بالعالم‬
‫وال يُعنى به ‪ ،‬ألن الكامل ال يهتم بالناقص‪ ،‬ألن ذلك نقص‬
‫ال يليق باهلل (عزوجل) ‪ ،‬كما يبطل األوامر والنواهي ‪..‬‬
‫إذا قلنا إن هللا(عزوجل) ال يعتني وال يعلم عن الموجودات‪.‬‬ ‫إن أهل الكالم يرون أن‬
‫الطريق إلى هللا إنما يكون‬
‫وعلى أية حال ‪ ،‬فالمعتزلة تعتقد بوحدانيّة هللا سبحانه وتعالى‬ ‫بالنظر العقلي والنص‬
‫ال ّديني ‪.‬‬
‫الصفات إلى الذات ‪.‬‬
‫ويردون ّ‬
‫ج ‪ -‬رفضوا قول أفلوطين صاحب ( نظريّة الفيض) التي تقول‪:‬‬
‫إن العالم قد فاض عن هللا(عزوجل) منذ األزل ‪ ،‬ففاضت عنه‬
‫العقول ‪ :‬فاض العقل الكلي بوساطة النفس الكليّة ثم األفالك‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫وأخيراً العالم السفلي ‪ ..‬فالعالم وهللا(عزوجل) شيء واحد‪.‬‬
‫رفضوا الثنائيّة والقول بالمادي وغير المادي‪ ،‬ورفضوا (قدم‬ ‫يقول واصل بن عطاء ‪:‬‬
‫(( أنا ال أقول أن صاحب‬
‫العالم) ‪ ،‬ألن العقول التي تفيض قديمة وهللا(عزوجل) قديم ‪،‬‬ ‫الكبيرة مؤمن مطلق ‪ ،‬وال‬
‫فأصبح التعدد بالقديم ‪ :‬وهللا(عزوجل) قديم ‪ ،‬والعالم قديم‪.‬‬ ‫كافر مطلق ‪ ،‬بل هو في‬
‫منزلة بين منزلتين ‪ ،‬ال‬
‫‪ -2‬العدل ‪ :‬تعد مسألة العدل الركن األساس للمعتزلة ‪ ..‬وقد‬ ‫مؤمن وال كافر ))‪.‬‬

‫أطلق عليهم اسم ‪ :‬أهل العدل والتوحيد ‪.‬ولكن ما المقصود‬


‫بالعدل عندهم ؟‬
‫وجد المعتزلة آيات في القرآن الكريم تدل على ( الجبر)‬
‫مثل ‪ :‬وما رميت إذ رميت ولكن هللا رمى ‪ ،‬ولو شاء هللا‬
‫لهدى الناس جميعاً ‪ ،‬وهللا خلقكم وما تعلمون ‪ .‬وآيات أخرى‬
‫تدل على (االختيار) والمسؤوليّة الفرديّة‪ ،‬مثال ‪ :‬وأن ليس‬
‫يرى رينان ‪ :‬أن الحركة‬
‫اإلنسان إال ما سعى ‪ ...‬الخ‪ .‬فالمسؤوليّة جزء من مبدأهم ‪،‬‬ ‫الفلسفيّة الحقيقيّة لإلسالم‬
‫ينبغي أن نبحث عنها في‬
‫والمسؤوليّة‪ :‬التكليف ‪ ،‬إرسال الرسل ‪ ،‬العقاب والثواب ‪..‬‬ ‫الفرق الكالميّة ‪ :‬القدريّة‪،‬‬
‫الجبريّة ‪ ،‬المعتزلة ‪،‬‬
‫الدنيوي واألخروي ‪ ،‬وهكذا فاإلنسان ليس مسيراً إنما هناك‬ ‫األشعريّة ‪ ،‬وخصوصاً في‬
‫ما يسمّى (حريّة االختيار) ‪ .‬ترى المعتزلة أن اإلنسان حر في‬ ‫علم الكالم ‪.‬‬

‫أفعاله ‪ ،‬وقد كلفه هللا(عزوجل) باالختيار ‪ ،‬وهو قادرعلى أن‬


‫يفعل الشر أو ال يفعل ‪ ،‬وموقفهم هذا موجه ضد القائلين بالجبر‪.‬‬
‫‪ -3‬الوعد والوعيد ‪ :‬وهو تأكيد وعد هللا (عزوجل) ووعيده ‪،‬‬ ‫هناك من يرفض إدراج‬
‫فجزاء اإلحسان بالحسنى ‪ ،‬واإلساءة بمثلها ‪ ،‬وهكذا حكم العدل‬ ‫علم الكالم الذي يبحث في‬
‫النصوص ال ّدينيّة ‪ ،‬ضمن‬
‫اإللهي ‪.‬‬ ‫الفكر الفلسفي ‪ ،‬بحجّ ة أنه‬
‫يجب أن ال تطلق الفلسفة‬
‫‪ -4‬المنزلة بين المنزلتين ‪ :‬تعني أن ( مرتكب الكبيرة )‬ ‫إال على التفكير العقلي‬
‫الخالص ‪.‬‬
‫ليس بمؤمن وال كافر ‪ ،‬بل هو فاسق ‪ ،‬أي هو في منزلة بين‬
‫المنزلتين فاإليمان قلبي وليس إقراراً باللسان ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -5‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ :‬يطالب المعتزلة‬
‫بتطبيق هذا القول ألنه يؤ ّدي إلى تثبيت القيام بتعاليم اإلسالم ‪.‬‬
‫العقل عند المعتزلة ‪ :‬أعطت ( مدرسة االعتزال ) مكانة‬
‫كبيرة للعقل في أفكارها التي تتعلق بال ّدين ‪ ..‬حتى إنها اشتهرت‬ ‫نــفـــى األشــــعري(مبــــدأ‬
‫السببيّة) الذي يربط بين‬
‫ً‬
‫عقال) ‪ .‬والعقل هو‬ ‫بقاعدتها النظريّة ‪ ( :‬معرفة هللا واجبة‬ ‫األشياء ويعمل على توحيد‬
‫المسألة األولى عندها وال قيمة له إذا لم يكن حراً في التفكير ‪..‬‬ ‫ظواهرها في صورة آليّة‬
‫متكررة‪ .‬ويرى ان كل‬
‫لذلك أعطت للعقل ال ّدور الكبير للنظر في الشرع ‪.‬‬ ‫شيء مرتبط على وفق‬
‫مشيئة هللا وإرادته ‪.‬‬
‫وجاء اعتزاز المعتزلة بالعقل وربطه بال ّدين بسبب الظروف‬
‫التي كان يمر بها المسلمون‪ ،‬عندما وجدوا أنه ال بد من ال ّدفاع‬
‫عن الدين اإلسالمي في البالد المفتوحة فكان من الضروري‬
‫التّسلح باألفكار الفلسفيّة (العقليّة) ومناهجها ‪.‬‬
‫األشاعرة ‪:‬‬
‫أكد األشعري أن العقل ال‬
‫جاء لقب األشاعرة من ( أبو الحسن األشعري ) الذي ولد‬ ‫يستطيع أن يدرك جميع‬
‫أحكام الشرع فهو ال يقدر‬
‫في مدينة ( البصرة )‪ 873‬م وهو من أصل (يمني)‪ ..‬كان‬ ‫أن يحيط علماً بالحكمة‬
‫في البداية (معتزلي) حتى األربعين من عمره ‪ .‬ظل مؤيداً‬ ‫اإللهيّة ‪.‬‬

‫(الجبائي) وهو ( أبا علي محمد عبد الوهاب ) فتتلمذ عليه‬


‫‪ ..‬ولكنه اختلف معه‪ ..‬وارتد األشعري وراح ينادي بفلسفة‬
‫جديدة‪ .‬فكان يحرص دائماً على التوفيق بين العقل والنقل ‪،‬ألنه‬
‫يؤكد أن العقل ال يستطيع أن يدرك جميع أحكام الشريعة ‪ ،‬وال‬
‫يستطيع أن يحيط علماً بالحكمة اإللهيّة ‪ .‬إن ظهور المدرسة‬
‫األشعرية جاء بسبب التطورات الحا ّدة فيما يتعلق بالعالقة بين‬
‫العقل والنقل ‪ ،‬إن األشعري وقف موقف وسط ‪ ،‬ال هو ألغى‬
‫العقل تماماً‪ ،‬وال تجاوز على حقوق ال ّدين ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫يكتف األشعري أنه جاهر بالعداء للمعتزلة ‪ ،‬وإنما راح‬
‫ِ‬ ‫ولم‬ ‫العقل عند الفالسفة مصدر‬
‫المعرفة ‪ :‬في حين يرى‬
‫يتبرأ من انتمائه إليهم ‪ ،‬وأنه لم يكن على حق في األخذ بمبادئهم‪،‬‬ ‫الصوفيّة أن العلم يجيء‬‫ّ‬
‫مع أنه قضى من حياته أربعين سنة في حضن االعتزال‪ .‬ومثلما‬ ‫عن طريق الح ْدس ( أو‬
‫الذوق أو الكشف أو العيان‬
‫كانت هناك ظروف مهدت إلى ظهور مدرسة االعتزال في‬ ‫أو الوجدان ) وال يصير‬
‫عن معلم أو تأمّل عقلي أو‬
‫البصرة ‪ ،‬فإن األشعريّة تدين إلى االعتزال ونظريات الفقهاء‬
‫خبرة حسيّة ‪.‬‬
‫األوائل في ظهورها ‪ .‬وهناك مسائل مهمة عند األشاعرة نذكر‬
‫منها ‪:‬‬
‫مسألة العدل ‪:‬‬
‫هذه المسألة خلقت خصومة حا ّدة بين المعتزلة واألشاعرة‬
‫في مسألة العدل اإللهي‪ .‬فالمعتزلة ترى أنه يجب أن ال يأمر‬
‫هللا(عزوجل) بالشر والقبيح‪ ،‬وال ينهى عن الحسن والخير‪ .‬وإن‬
‫العلم واليقين ال يصدر من‬
‫العقل يفعل ذلك حتى قبل نزول الشرائع وجاءت الرساالت‬ ‫معلم أو متأمل عقلي أو‬
‫مؤيدة لذلك‪ .‬أما األشاعرة فيرون أن المعتزلة يوجبون أن يفعل‬ ‫حتى ّ‬
‫حسي‪ ،‬إنه يلقى في‬
‫قلب الصوفي إلقاء فيذوق‬
‫هللا(عزوجل) الخير وال يفعل الشر‪ ،‬ألنهم يريدون أن يقولوا إن‬ ‫معانيه وال يستطيع وصفها‬
‫هللا(عزوجل) ال يريد الشر لعباده وإال لكان ظالماً ‪ .‬أما األشعري‬ ‫وال اإلفصاح عنها‪.‬‬

‫فكان رأيه مضاداً‪ ،‬فقال بالحريّة اإللهيّة‪ ،‬فاهلل(عزوجل) يمكن‬


‫أن يخلد األنبياء في النار‪ ،‬ويمكن أن يخلد الكفار في الجنة‪ ،‬ألن‬
‫إرادته حرّ ة مطلقة ‪.‬‬
‫مسألة العلم ‪:‬‬
‫يقسّ م األشاعرة العلم إلى نوعين ‪ :‬علم قديم قبل خلق األنسان‬
‫وعلم حديث (جديد) جاء بعد أن خلق هللا (عزوجل) اإلنسان‪،‬‬
‫ويتعلق باإلنسان‪.‬‬
‫التصوّ ف ‪:‬‬
‫جاءت كلمة (الصوفيّة) من اللغة العربيّة (صوفي)‪ .‬وكانت‬
‫تطلق في القرن الثاني للهجرة على الناس الذين يعيشون حياة‬

‫‪36‬‬
‫الصوفيّة فال يمكن حصرها بتعريف ‪،‬‬
‫تقشف زائدة ‪.‬أما تعريف ّ‬
‫هناك تعريفات تعد بالمئات ‪ ،‬وال يوجد اتفاق على تعريف جامع‬
‫مانع ‪ .‬وعموماً إن التص ّوف يتصف بالعكوف على العبادة ‪،‬‬
‫الشطح ‪ :‬أي الذي يزيد‬
‫واالنقطاع إلى هللا(عزوجل)‪ ،‬واالبتعاد عن كل ما يقبل عليه‬ ‫عن حده شطح يشطح ‪.‬‬
‫فيقال عن الماء في النهر‬
‫الناس من ملذات الحياة ال ّدنيا ‪.‬‬ ‫إذا عال حتى يفيض من‬
‫والصوفيّة هم قوم من الناس اتجهوا اتجاهاً خاصاً وهو‬
‫ّ‬ ‫حافتيه ‪ .‬وهكذا يقال عن‬
‫المتصوف إذا زاد عن ح ّده‬
‫االنقطاع لعبادة هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬وذلك عن طريق مجاهدة‬ ‫وقوى ولم يطق حمل ما‬
‫يرد على قلبه من أنوار‬
‫النفس في االبتعاد عن ملذات الحس ال ّدنيويّة والشعور المباشرة‬ ‫الحقائق ‪ ،‬فيشطح على‬
‫بوجودهم في حضرة عظمة هللا ‪ .‬ومن هؤالء الحالج ‪ ،‬وابن‬ ‫لسانه فتظهر منه عبارات‬
‫مستغربة ‪.‬‬
‫عربي‪.‬‬
‫الصوفيّة قد انتهت أفكارهم إلى وحدة الوجود ‪،‬‬
‫إن بعض ّ‬
‫والحلول‪ ،‬واالتحاد ‪ ..‬وهناك ومن يرى أن وصول الصوفي إلى‬
‫هذه المرحلة هو نوع من(الشطحات) أو الخروج عن اإليمان‬
‫المعقول ‪ ،‬والمقصود بذلك هو االعتدال باعتبار اإلسالم (دين‬
‫وسط)‪.‬‬
‫إن غاية التص ّوف عند المسلمين هي( السعادة ) ‪ ،‬تذوق العقيدة‬
‫بالمكاشفة القلبيّة ‪ ،‬وليس بمنطق العقل ‪ ،‬كما يفعل المعتزلة‬
‫واألشاعرة ‪ .‬وطريق المعرفة عند الصوفيّة هو( الحدس) أو‬
‫الذوق أو الكشف الذي ال يعتمد البرهان العقلي ‪.‬‬
‫الصوفيّة ثالث درجات تختلف من حيث يقين‬
‫والمعرفة عند ّ‬
‫المعرفة ‪ ،‬فالمعرفة الحسيّة هي ( أدنى ) درجة‪ ،‬أما طريق‬
‫العقل فهو ال ّدرجة ( المتوسطة ) ‪ ،‬وال ّدرجة ( العليا ) للمعرفة‬
‫الصوفيّة هي (الحدس) ‪ ...‬وفيها تكون المعرفة اليقينيّة‬
‫عند ّ‬
‫‪ ..‬ألن المعرفة الحدسيّة تؤ ّدي إلى (الحق) سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أما أشهر الفالسفة المسلمين فهم ‪:‬‬
‫الكندي‪866 - 801(:‬م)‬
‫حياته ‪ :‬وهو أول من تفلسف من العرب ويلقب بفيلسوف‬
‫العرب ‪ .‬ولد الكندي في البصرة ‪ ،‬وكان أبوه حاكماً على الكوفة‪،‬‬
‫درس في البصرة وبغداد علوم ال ّدين ‪ ،‬واللغة ‪ ،‬واألدب‪ ،‬وكانت‬
‫المدينتان تموجان بثقافة الفرس ‪ ،‬وفلسفة اليونان ‪.‬‬
‫بدأ حياته بترجمة كتب الفلسفة اليونانيّة ‪ ،‬وثقافة الفرس ‪،‬‬ ‫الكندي‬

‫والهند‪ .‬فقد أتاحت له فرصة عظيمة لكي ينهل منه المفكرون‬


‫العرب وكان الكندي متأثراً بأرسطو في فكرتي الزمان ‪،‬‬
‫والصورة ‪ ،‬والما ّدة ‪،‬والحركة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمكان‬
‫يعد الكندي أول من حاول التوفيق بين الفلسفة والدين ‪ ،‬واتخذ‬
‫من التأويل منهجاً للتوفيق بين الوحي والعقل ‪.‬‬ ‫وقد ظل تأثير الفلسفة‬
‫اليونانيّة أوسع وأعمق‬
‫المعرفة‪ :‬تعتمد المعرفة عند الكندي على طريقين ‪ :‬األولى‪:‬‬ ‫حتى ظهرت الفلسفة‬
‫العربيّة ‪ ،‬وكأنها شرح أو‬
‫اإلحساس‪ ،‬والثانية ‪ :‬المعقول ‪.‬‬ ‫نقل لفلسفة اليونان ‪ ،‬إال‬
‫وفي رأيه أن معارفنا إمّا أن تكون حسيّة أي ندرك األشياء في‬ ‫أنها في واقع الحال تتع ّدى‬
‫ذلك إلى إعادة صياغة‬
‫العالم بوساطة الحواس‪ ،‬أو تكون عقليّة‪،‬وما بين هذين من الق ّوة‬ ‫الفلسفة اليونانية والخروج‬
‫بمركب فلسفي جديد ‪.‬‬
‫المتخيلة أو المتص ّورة ‪ .‬فالحواس تدرك الجزئي من األشياء ‪،‬‬
‫بينما العقل يدرك الكليّات ‪ .‬والوجود العقلي هو الوجود الحقيقي‬
‫أما الحسّ ي فهو غير ثابت ومتغيّر ‪.‬‬
‫العالم حادث ‪ :‬المقصود بالحادث ‪،‬أي إن هذا العالم قد أحدثه‬
‫أو (خلقه) هللا سبحانه وتعالى من العدم ‪،‬ألن الخالق العظيم هو‬
‫(قديم) و(أزلي) ‪ ،‬و( أبدي )‪ ،‬أما العالم الما ّدي فهو مخلوق‬
‫(حادث)‪ .‬وبما أنه لكل موجود علة سابقة عليه ضرورة ‪ ،‬فال‬
‫بد أن يكون لهذا العالم علة أيضاً‪ ،‬فأتضح من ذلك أن العالم‬

‫‪38‬‬
‫(متناه ) من حيث الزمان ‪ ،‬وإنه (محدث) من حيث الوجود ‪.‬‬
‫إن الحركة بطبيعتها تاليه لوجود الجسم ( محدثة أيضاً)‬ ‫يقول غوستان لوبون ‪:‬‬
‫إذ ال يمكن أن يكون ثمة حركة إذا لم يكن ثمة جسم يتحرك ‪.‬‬ ‫إن العرب استطاعوا أن‬
‫يبتدعوا حضارة جديدة‬
‫فالحركة أيضاً (حادثة) ومتناهية من أولها أيضاً ‪.‬‬ ‫بما استعاروه من الفرس‬
‫واليونان ‪ ،‬والرومان ‪.‬‬
‫والزمان عند الكندي شيء ‪ ،‬وهو مقياس للحركة وحادث‬
‫بحدوثها فالعالم ‪ ،‬والحركة ‪ ،‬والزمان عند الكندي إذن صفاتها‬
‫متناهية وحادثة ‪.‬‬
‫الفارابي ‪950 - 872 ( :‬م )‬
‫حياته ‪ :‬هو أبو نصر طرخان ‪ ،‬المعروف بالفارابي ‪ ،‬جاء‬
‫نسبه من مدينة ( فاراب ) وهي من المدن التركيّة ‪ .‬حضر‬
‫إلى بغداد وهو شاب ‪ ،‬كان يسهر الليالي في ال ّدراسة والعلم ‪.‬‬
‫فدرس المنطق ‪ ،‬والفلسفة ‪ ،‬والموسيقا ‪ ،‬والرياضيات ‪ . ...‬تعلم‬
‫ع ّدة لغات أتاحت له مزيداً من العلم والتحصيل ‪ ،‬جعلته ثقافته‬ ‫الفارابي‬
‫الواسعة أن يلقب (بالمعلم الثاني) ‪ ،‬أما أرسطو فيلقب (بالمعلم‬
‫األول)‪.‬‬
‫كان العصر الذي عاش فيه الفارابي عصر فتن وقالقل ‪،‬‬ ‫أن‬ ‫الفارابي‬ ‫رأى‬
‫الجزء األساس للفلسفة‬
‫فكانت بغداد تموج بتيّارات شديدة التناقض ‪ ،‬كان التعصب يدفع‬ ‫هو‪:‬معرفة الوجود الحق ‪،‬‬
‫الناس إلى التصارع والتناحر‪ ،‬ما أ ّدى بالفارابي إلى أن يترك‬ ‫والوجود الحق هو واجب‬
‫الوجود بذاته (أي هللا)‬
‫بغداد إلى الشام في زمن سيف ال ّدولة في دمشق الذي أجزل‬ ‫سبحانه وتعالى ‪. ...‬‬
‫له العطاء ‪ ،‬لكن الفيلسوف الزاهد رفض حياة الترف والبذخ ‪،‬‬
‫ً‬
‫وبدال من ذلك راح ينهل من معين الفكر والثقافة دون أن يشغله‬
‫شاغل ‪ ،‬فلم يسمح لمغريات ال ّدنيا أن تسيطر عليه وتستعبده ‪.‬‬
‫ً‬
‫رجال أودع‬ ‫ويقال إن سبب توجه الفارابي إلى الفلسفة ‪ ،‬أن‬
‫عنده حزمة من كتب أرسطو فصادف أن نظر فيها ‪ ،‬فوافقت‬

‫‪39‬‬
‫قبوال‪ ،‬وتحرك إلى أن قرأها ولم يزل إلى أن أتقن فهمها‬‫ً‬ ‫منه‬
‫وبذلك صار فيلسوفاً ‪.‬كان الفارابي على دراية بالموسيقا ‪ .‬كما‬
‫أن كتبه تعد المصدر األساس في معرفتها ‪ ..‬ففي كتابه الموسيقا‬
‫الكبير كان عماد الباحثين في هذا الفن ‪.‬‬
‫الحكمة ثمار الشرق ‪ :‬يرى الفارابي أن الحكمة هي ثمرة من‬
‫ثمار الشرق ‪ ،‬وأنها أول ما ظهرت في بالد ما بين النهرين ‪،‬‬
‫ثم انتقلت إلى مصر ‪ ،‬واليونان ‪ ،‬التي تم تدوينها وكتابتها ‪ .‬لذا‬
‫يجب أن تعاد الفلسفة إلى أصلها ‪.‬‬
‫التوفيق بين ال ّدين والفلسفة ‪ :‬حرص الفارابي على التوفيق‬
‫إن الفارابي في نظرياته‬
‫بين ال ّدين والفلسفة‪ ،‬ويرى أن الفلسفة تؤيّد نظريّات ال ّدين ‪..‬‬ ‫السياسيّة إنما اعتمد‬
‫على أفالطون ‪ .‬ولهذا‬
‫وأن ال ّدين يشكل مدداً مفيداً للفلسفة ‪ ..‬ويرى أن الغاية من تعلم‬ ‫نراه يلخص محاورة‬
‫َ‬
‫وجل) هو السبب األول‬ ‫الفلسفة هي معرفة الخالق ‪ ..‬فاهلل َ‬
‫(عز‬ ‫«النواميس» أو القوانين‬
‫ألفالطون في رسالته‬
‫لوجود األشياء‪ ،‬أو هو علة وجود العالم‪ ..‬وعلم هللا(عزوجل)‬ ‫بعنوان ((تلخيص نواميس‬
‫أفالطون )) ‪.‬‬
‫أفضل العلوم ‪ ،‬ألنه علم دائم ال يزول ‪.‬‬
‫الفارابي ومنطق أرسطو ‪:‬‬
‫شرح الفارابي منطق أرسـطو وأضاف إليه ‪ .‬ففي مـوضوع‬
‫( القياس ) ينفرد بآرائه ويستقل بها عن (أرسطو ) ‪ ،‬فقد ع َّد‬
‫المنطق آلة الفلسفة‪ ،‬وأداة لدعم العقيدة‪ ،‬وإمكانية الوصول إلى‬
‫التفكير الصحيح ‪.‬‬
‫وقد اعتنى الفارابي ( بإحصاء العلوم ) وهو عنوان كتابه ‪.‬‬
‫وكان هذا الكتاب موضع اهتمام المفكرين والعلماء في الغرب‪،‬‬
‫وقد ترك أبلغ األثر في نظريّات تصنيف العلوم في العصور‬ ‫الجمع بين العقل والنقل هو‬
‫أهم ما تميزت به الفلسفة‬
‫الوسيطة ‪ ،‬يقول الفارابي ‪ ( :‬قصدنا في هذا الكتاب أن يخص‬
‫العربيّة من الكندي حتى‬
‫العلوم المشهورة علماً علماً ‪ ..‬ونعرف ما يشمل عليه كل واحد‬ ‫ابن رشد ‪.‬‬
‫منها) ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫بدأ الفارابي تصنيفه للعلوم ( بالعلوم المجرّ دة ) التي تمتاز‬
‫بالوضوح والنصوح ‪ ،‬مثل الرياضيّات ‪ ،‬والهندسة‪ ...‬فعلم‬
‫النجوم‪ ،‬فالموسيقا ‪ ،‬ثم علم الميكانيكا ‪ ،‬وأخيراً اإللهيّات كونها‬
‫تاجاً للعلوم وخاتمة لها ‪.‬‬
‫أفاد العرب من فلسفة‬
‫الجمع بين رأي الحكيمين‪ :‬يقصد الفارابي بالحكيمين ‪:‬‬ ‫أفالطون المثاليّة كما‬
‫أفالطون وأرسطو ‪ ،‬ويرى أن الفلسفة القديمة واحدة ‪ ،‬وإن‬ ‫أفادوا من فلسفة أرسطو‬
‫‪،‬ونظرته إلى العالم ‪.‬‬
‫أكبر فيلسوفين قديمين ال تعبّر فلسفتهما إال عن حقيقة واحدة ‪.‬‬ ‫وقد دمجوا الفلسفتين مع‬
‫غيرها من مذاهب اليونان‬
‫والخالف الظاهر إنما جاء من تعصب األتباع والتالميذ ‪ ،‬فهم‬ ‫الفلسفيّة مستعينين بمبدأ‬
‫الذين فسّ روا نظريّاتهم وب ّدلوا بها ‪ ،‬مهملين جوهر فلسفتيهما ‪،‬‬ ‫التوحيد اإلسالمي ‪.‬‬

‫وبذلك بعدت المسافة بين االثنين ‪.‬‬


‫كان الفارابي يميل إلى التوحيد والتعميم ‪ ،‬وهذا ما جعله‬
‫ً‬
‫محاوال التقريب بين آراء الفالسفة ‪ ،‬والحقيقة الفلسفيّة عنده‬
‫واحدة مهما تعددت المذاهب وتباينت ‪ .‬دافع الفارابي عن وحدة‬
‫الفلسفة بأبرز رسائله التي بقيت وهي ‪ ( :‬كتاب الجمع بين رأيي‬ ‫إن المدينة الفاضلة عند‬
‫الحكيمين أفالطون اإللهي وأرسطو ) ‪.‬‬ ‫الفارابي تشبه البدن التام‬
‫الصحيح ‪ ،‬الذي تتعاون‬
‫يرى الفارابي أن الخالف بين الحكيمين ( أفالطون وأرسطو)‬ ‫أعضاؤه كلها على تتميم‬
‫حياة الحيوان ‪ ،‬وعلى‬
‫هو خالف سطحي ال يمس جوهر فلسفتيهما ‪،‬وإنما يصدران‬ ‫حفظها عليه‪.‬‬
‫عن أصل واحد وهو الفلسفة ‪ ،‬والفلسفة واحدة ‪ ،‬فالخالف بين‬
‫الرجلين وهمي ال حقيقة له ‪.‬‬
‫لنأخذ مثال عن الجمع بين الرأيين حول ( نظريّة المثل ) ‪:‬‬
‫إن أفالطون هو صاحب نظريّة المثل ‪ ،‬إنه يقسم الوجود‬
‫إلى قسم علوي ( السّ ماء ) تكون فيه المثل وهي صور مجرّ دة‬
‫ال تتغيّر وال تفسّ د وال تموت ‪ ،‬وعالم سفلي ( األرضي ) أو‬
‫العالم الما ّدي ‪،‬الذي يتغيّر ويفسد ‪ .‬أما أرسطو فقد رفض فكرة‬

‫‪41‬‬
‫المثل‪ ،‬ولكنه في كتابه (أيثولوجيا) ( المنسوب اليه ) يثبت المثل‬ ‫من صفات الرئيس في‬
‫المدينة الفاضلة للفارابي ‪:‬‬
‫الصور الروحانيّة ويرى أنها موجودة في عالم األلوهيّة‪.‬‬
‫وهي ّ‬ ‫‪ -1‬أن يكون لديه استعداد‬
‫فطرى للرئاسة ‪ -2 .‬وأن‬
‫ويحاول المعلم األول( أرسطو ) أن يثبت وجود (صور) أو‬
‫تتكون لديه الملكة اإلراديّة‬
‫( مثل ) في العقل اإللهي ال تخرج عن المثل التي قال بها‬ ‫لتولي أعمال الرئاسة ‪.‬‬

‫أفالطون ‪ ،‬فالحكيمان اليونانيّان متفقان في هذه المسالة وال‬


‫خالف بينهما ‪.‬‬
‫وهناك رد على الفارابي في مسألة التوفيق بين الحكيمين ‪،‬‬
‫اإلنسان في المدينة‬
‫إنها بنيت على ظن خاطىء ‪ ،‬وهو أن الفارابي وقع في خطأ‬ ‫الفاضلة هو‪ :‬أكمل مراتب‬
‫اإلنسانيّة ‪ ،‬وفي أعلى‬
‫أنه نسب كتاب ( أثيولوجيا ) إلى أرسطو ‪ ،‬وهو في الواقع‬
‫درجات السعادة ‪ ،‬وتكون‬
‫للفيلسوف اإلسكندري (أفلوطين) والكتاب المذكور مأخوذ‬ ‫نفسه كاملة متحدة بالعقل‬
‫الفعّال ‪ ...‬وهذا اإلنسان‬
‫من ( التاسوعات) ألفلوطين وذلك قد تم تلخيص أجزاء من‬ ‫هو الذي يقف على كل فعل‬
‫السعادة ‪.‬‬
‫يمكن أن يبلغ به ّ‬
‫( التاسوعات ) الرابع والخامس والسادس‪،‬وتألفت من هذه‬
‫الخالصة كتاب أطلق عليه (أثيولوجيا) ‪ ،‬ومن هذا ‪ ،‬على ما‬
‫يبدو ‪ ،‬أنه نسب إلى أرسطوطاليس ‪ ،‬ال إلى صاحبه الحقيقي‬
‫أفلوطين ‪.‬‬
‫ابن سينا ‪ 1037 - 980 ( :‬م )‬
‫حياته ‪ :‬من أبرز الفالسفة المسلمين ويلقب ( بالرئيس ) أي‬
‫رئيس الفالسفة أو أرسطو المسلمين ‪ ..‬ولد في بلدة ( بلخ )‬
‫في تركستان انتقل ابن سينا إلى( بخارى)‪ ،‬وهناك حفظ القرآن‬
‫وهو لم يزل في سن العاشرة ‪ ،‬وكان من اثر نبوغه المبكر ‪.‬‬
‫وقد دعاه سـلطان بخارى لمعالجة إبنه من مرض عضال‬
‫وتمكن ابن سـينا من معالجته وشفائه ‪ ،‬األمر الذي جعله من‬
‫ابن سينا‬
‫المقربين من السلطان ‪ ،‬وقد أتاحت له هذه الحضوة أن يطلع‬
‫على مكتبة السلطان ‪ ،‬وفيها الكتب النادرة التي اطلع عليها‪ ،‬فقد‬

‫‪42‬‬
‫وجد فيها كتاب ( أغراض ما بعد الطبيعة ) للفارابي ‪ ،‬فكانت‬
‫كان تأثير ابن سينا كبيراً‬
‫فرحته ال توصف ‪ ،‬ألنه كان قد قرأ فيما سبق كتاب أرسطو (ما‬ ‫جداً في العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫والعالم المسيحي ‪ ،‬في‬
‫بعد الطبيعة) ولم يفهمه ‪.‬‬
‫العصر الوسيط‪ .‬فهو خير‬
‫ففي العصور الوسيطة اعتمد األوربيّون في معرفة أرسطو‬ ‫مصدر لدراسة الفلسفة ‪.‬‬

‫والفلسفة اليونانيّة عن طريق فكر ( ابن سينا ) ‪ ،‬وكان أرسطو‬


‫غير معروف في العصور الوسيطة في أوربّا ‪ .‬وقد بدأ التعرّ ف‬
‫عليه منذ صدور المرسوم البابوي ‪ 1260‬م الذي سمح بدراسة‬ ‫يعد مذهب ابن سينا أوسع‬
‫نتاج في الفكر الفلسفي في‬
‫أرسطو ‪ ..‬فقام األوروبيّون بترجمة كتب الفالسفة المسلمين إلى‬ ‫اإلسالم ‪ .‬وقد حاول المزج‬
‫بين فلسفة أرسطو –‬
‫خاصة ‪ ،‬فكانت بمثابة‬
‫ّ‬ ‫الالتينيّة ‪ ..‬والتي تحوي فكر أرسطو‬
‫وبعض من أفكار أفالطون‬
‫األساس الذي انطلق منها الفكر األوربّي ‪.‬‬ ‫لكن االتجاه السائد في‬
‫الفلسفة‬ ‫هو‬ ‫مذهبه‬
‫منهجه العلمي‪ :‬كان منهج ابن سينا يقوم على التجربة واالستقراء‬ ‫المشائيّة ‪.‬‬
‫فهو يالحظ الظواهر ويجمع المعلومات ويرتبها منطقيّاً‪ ،‬ثم‬
‫يستخرج القوانين الكليّة‪ .‬واستطاع أن يكشف المنهج االستقرائي‬
‫التجريبي قبل أن يجيء الفيلسوف اإلنجليزي(فرانسيس بيكون)‬
‫بمئات السّ نين ‪ ،‬كذلك أمكن البن سينا أن يضع قواعد التجريب‬
‫في كتابه (القانون في الطب)‪ .‬ال شك أن منهجه التجريبي كان‬
‫بسبب اشتغاله بالطب‪ ،‬فقد كان يجري تجاربه على الحيوانات‪،‬‬
‫فيجرب عليها ال ّدواء قبل تجربته على اإلنسان ‪.‬‬
‫مذهبه الفلسفي ‪ :‬حاول ابن سينا في مذهبه المزج بين أرائه‬
‫فضال على‬‫ً‬ ‫وفلسفة أرسطو ‪ ..‬وهو قد استوعبها وفهمها ‪..‬‬
‫فلسفة أفالطون ‪ ،‬ولكن االتجاه القوي الواضح في مذهبه هو‬ ‫ظل كتاب القانون البن‬
‫سينا مرجعاً لطلبة الطب‬
‫( الفلسفة المشائيّة ) ‪ .‬وإنه قد مزج علم اليونان ( باألخص‬ ‫في جامعات أوروبّا حتى‬
‫أرسطو ) بالحكمة المشرقيّة ‪ ..‬وقد كان يقول ‪ ( :‬حسبنا ما‬ ‫القرن السابع عشر ‪.‬‬
‫كتب من شروح لمذاهب القدماء ‪ ،‬فقد آن لنا أن ننشئ فلسفة‬
‫خاصة بنا )‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪43‬‬
‫وعلى أية حال قدم في موسوعته الفلسفيّة الكبرى ( الشفاء )‬ ‫يقول جورج سارتون ‪:‬‬
‫أن نور العلم قد انبثق‬
‫أو في دائرة معارف فلسفيّة عرفتها العصور الوسيطة ‪ .‬فكان‬ ‫من الشرق ‪ ،‬وما من شك‬
‫تأثير ابن سينا كبيراً ‪ ،‬ألن عرضه للفلسفة األرسطيّة عرضاً‬ ‫في أن معارفنا العلميّة‬
‫القديمة ‪ -‬نحن الغربيين‪-‬‬
‫ملخصاً واضحاً ‪ ،‬كان خير مصدر لدراسة الفلسفة ‪.‬‬ ‫مهما يكن أمرها ‪ ،‬فإنها‬
‫أصال إلى الشرق‬ ‫ً‬ ‫ترتد‬
‫والفلسفة عند ابن سينا تنقسم إلى ‪ :‬المنطق ‪ ،‬والطبيعة ‪،‬‬ ‫‪. ...‬‬

‫واإللهيات ‪ ..‬وعنده أن المنطق هو آلة لتحصيل العلوم ‪ ،‬أما‬


‫الفلسفة فهي تشمل علم الوجود ‪ .‬وينظر ابن سينا إلى الفلسفة‬
‫على أنها تجعل النفس ترتقي إلى أعظم درجات الكمال‪ .‬والوجود‬
‫عنده عقلي مجرّ د أو ميتافيزيقا ( ما بعد الطبيعة ) ‪ ،‬وأما ذهني‬
‫محض هو علم المنطق ‪.‬‬
‫الغزالي ‪ 1111 - 1058 ( :‬م )‬
‫حياته ‪ :‬هو أبو حامد بن محمد الغزالي ‪ ،‬من أعمال خراسان‪،‬‬
‫ً‬
‫طفال فعهد به – قبل وفاته إلى حكيم‬ ‫توفي والده وهو لم يزل‬
‫بدأ الغزالي في قراءة كتب‬
‫من أصدقاء والده ‪ ،‬فتلقى تربيته األولى منه ‪..‬‬ ‫الفلسفة وهو في الرابعة‬
‫وعندما شب عوده استطاع أن يتعمق في المعارف الفلسفيّة‪،‬‬ ‫والثالثين من عمره ‪.‬‬
‫فأخذ فكره يتغيّر مجراه ‪،‬‬
‫فألف ( مقاصد الفالسفة ) و(تهافت الفالسفة) الذي تضمن حملة‬ ‫وحدثت له أزمة روحيّة ‪،‬‬
‫كان من نتائجها أن يشك‬
‫على ( العقل ) وهجومه على الفلسفة والفالسفة ‪ .‬ومن كتبه‬ ‫في اعتقاداته الموروثة ‪.‬‬
‫المشهورة (إحياء علوم ال ّدين) و( معيار العلم ) وكتاب في‬
‫المنطق ‪ ،‬ونشأت عند الغزالي نزعة إلى التص ّوف ‪ ،‬فجاءت‬
‫قال الغزالي ‪ :‬من لم يشك‬
‫وليدة القلق ومحاسبة النفس ‪ ،‬واألزمات النفسيّة التي عاناها ‪،‬‬ ‫لم ينظر ‪ ،‬ومن لم ينظر‬
‫لم يبصر ‪ ،‬ومن لم يبصر‬
‫الصراع بين شهوات ال ّدنيا وبين حب هللا (عزوجل) والرحيل‬ ‫أو ّ‬ ‫بقي في العمى والحيرة‬
‫والضالل‪ ،‬وال خالص‬
‫من ال ّدنيا ‪ ..‬وبقي متردداً بين شهوات ال ّدنيا ودواعي اآلخرة ما‬ ‫إلنسان إال في االسقتالل ‪.‬‬
‫يقرب ستة أشهر ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫العقل عند الغزالي ‪ :‬كان الغزالي يطلب الحقيقة ‪ ،‬لكنه وجد أنه‬
‫ال العقل وال الحواس تسعفه للوصول إلى المعرفة الكاملة‪ ،‬فهو‬
‫ال يستطيع بالعقل أن يحيط بكل األشياء ‪ ،‬ألن العقل ضعيف‬
‫ويعجز عن الوصول للحقيقة ‪ ،‬وإن الحواس ذات قدرات‬
‫محدودة وخادعة ‪ ،‬لذلك التجأ إلى (الح ْدس) أو اإلدراك المباشر‬
‫لمعرفة نور الحقيقة ‪.‬‬
‫لكن الغزالي ال ينفي قدرة العقل تماماً ‪ ،‬فهو ال ينفي تأثير‬
‫العقل نفياً مطلقا‪ ،‬وإذا كان قد طلب لفلسفته دعامة غير العقل‬ ‫أق ّر الغزالي بااليمان ال‬
‫بالتفلسف طــــريقاً إلـــى‬
‫فألنه رآه عاجزاً عن إدراك الحقيقة الكاملة ‪ .‬وهو ال يؤكد أي‬ ‫هللا‪ ،‬وبهذا وحده تتحقق‬
‫السعادة‪ ،‬والطريق عنده‬
‫علم أو يلتزم به إذا كان مرتكزاً على ( الحواس ) فقط ‪ .‬لقد ألف‬ ‫يقوم في تقديم المجاهدة‬
‫كتاباً في المنطق وهو ( معيار العلم) – كما أشرنا – والمنطق‬
‫بطبيعته عقلي يعتمد على االستنباط في قضاياه ‪ ،‬أوضح فيه‬
‫أنه ال يؤمن بالقضايا إال بعد االطمئنان العقلي ‪ .‬ورأى الغزالي‬
‫في كتابه (إحياء العلوم ) أن مبادىء العقل ( فطريّة ) في‬
‫اإلنسان أي انه مطبوع عليها ‪ ،‬وأنها تفوق مدركات الحس ‪.‬‬
‫المعرفة بالمكاشفة ‪ :‬إن المعرفة الحقة عند الغزالي ‪ ،‬هي‬
‫معرفة ( الحق ) ‪ ،‬وتدرك ( بالقلب ) ‪ ،‬وهي علم الباطن ‪ .‬أما‬
‫كيف الوصول إليها ؟‬
‫يرى الغزالي أن هناك شروطاً تجعل القلب مستع ّداً لالستفاضة‬
‫من عالم الملكوت ( عالم السّ ماء )‪ .‬والشروط التي تسبق المعرفة‬
‫الكشفيّة هي تفريغ القلب من شواغله ‪ ،‬مثل الزهد في ال ّدنيا ‪،‬‬
‫والتوجه إلى هللا سبحانه وتعالى لساناً وقلباً‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫موقفه من الفلسفة ‪ :‬جاء هجوم الغزالي على الفلسفة بسبب‬
‫اعترض الغزالي على‬
‫أخطاء الفالسفة – كما يرى – والتي حملته على أن يؤلف كتابيه‪:‬‬ ‫الفالسفة في كتابه‬
‫(تهافت الفالسفة ) في‬
‫(مقاصد الفالسفة ) و ( تهافت الفالسفة ) ‪ ،‬واألخطاء هي التي‬ ‫عشرين مسألة ‪ .‬وأبرز‬
‫تعارضت مع المبادىء ال ّدينيّة ‪ ،‬وأصوله وعقائده ‪ ،‬من أجل هذه‬ ‫هذه المسائل ثالثة هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬قدم العالم وأزليته‬
‫األخطاء ألف كتابيه‪ ،‬إال أنه يجب القول أن الغزالي كـان فيلسـوفاً‬ ‫‪ -2‬اقتصار علم هللا على‬
‫الكليات دون الجزئيات ‪-3‬‬
‫في رده على الفالسـفة ‪ ،‬إنـه اســتخدم األدلـة المـنطقيّـة (العقليّة )‬ ‫إنكار حشر األجساد‪.‬‬
‫في القول ‪ ..‬ومن المسائل التي هاجم بها الفالسفة هي مسألة السببيّة‪.‬‬
‫السببيّة عند الغزالي ‪ :‬أهم مسألة فلسفيّة تعرض لها الغزالي‬
‫نفي ّ‬
‫ونقدها هي ( السببيّة ) أو( العليّة ) ‪ :‬يرى أن (االقتران ) أو‬
‫(العالقة ) بين السبب والنتيجة ‪ ،‬أو العلة والمعلول ‪ ،‬هي ليست‬
‫عالقة ضروريّة ‪ ،‬ال يثبت أحدها اآلخر ‪ ،‬وال ينفي أحدها اآلخر ‪،‬‬
‫آلن كل ما نشاهده من (اقتران) أو ارتباط بين العلة والمعلول هي‬
‫( السبق ) من تقدير هللا سبحانه ‪ .‬ال يوجد دليل على االرتباط بين‬
‫العلة والمعلول في حالة مالقاة النار لجسم معيّن ً‬
‫مثال‪.‬‬
‫نفى الغزالي هذا االرتباط بين العلة والمعلول ‪ .‬وقال إنه مجرد (‬
‫اعتيادنا ) مشاهدة هذا التعاقب ‪ -‬حسب قانون السّ ببيّة ‪ -‬وهذا معناه‬
‫أنه ينفي مبدأ السببيّة في حوادث الطبيعة ‪.‬‬
‫وقد ر ّد ابن رشد عليه في كتاب ( تهافت التهافت )‪ ،‬ورأى أن‬
‫الغزالي إذا نفى قانون السـببيّة ( العليّة ) ‪ ،‬فهو قد رفع العقل ‪،‬‬
‫وأبطل العلم ‪ .‬هـذا مع العلم أن جميع العـلوم تسـتند إلى (قانون‬
‫السببيّة ) ‪.‬‬
‫والسببيّة عند الغزالي هي نوع من ( العادة ) ‪،‬ألن الحوادث في‬
‫الطبيعة يمكن أن تقع ويمكن أن ال تقع ‪ ،‬وأن تكرارها مرّ ة بعد‬
‫أخرى يرسخ في أذهاننا على وفق العادة أنها سوف تحدث كذلك‪..‬‬

‫‪46‬‬
‫إن العامل األساس الذي دفع الغزالي إلنكار السببيّة ‪ ،‬إنما يريد أن‬
‫إن الفلسفة اإلسالميّة في‬
‫مجاال للمعجزات مثل إحياء الميت أو قلب العصا ثعباناً ‪ ،‬لذا‬
‫ً‬ ‫يترك‬ ‫المشرق تابعت مسيرتها‬
‫حاول إخضاع العقل للدين إلثبات ( معجزات األنبياء) ‪ ،‬بينما كان‬ ‫القويّة الخصبة دون أن‬
‫تعبأ بما قاله الغزالي في‬
‫الفالسفة على العكس من ذلك ‪،‬يخضعون ال ّدين للعقل ‪ ،‬إذا اعتقدوا‬ ‫كتابه تهافت الفالسفة‬
‫‪. ....‬‬
‫تناقضاً بينهما ‪.‬‬
‫إن ( العلة الوحيدة ) التي يؤمن بها الغزالي هي (المبدأ األول)‬
‫أي هللا سبحانه ‪ ،‬القادر على فعل ما يشاء ‪ ،‬كما يريد ‪ ،‬وعلى ما‬
‫يريد ‪ .‬أما كيف الحجّ ة واالستدالل على ذلك ‪ ،‬يقول إن هذا فضول‪.‬‬
‫هذه األمور مما ال تتسع له القوى البشريّة ‪ ،‬وفي الناس من يذهب‬
‫إلى أن الحقائق واألمور اإللهيّة ال تنال بنظر العقل ‪ ،‬بل ليس في‬
‫قوة البشر االطالع عليها ‪.‬‬
‫ابن باجة ‪ :‬ت ( ‪ 1138‬م)‬
‫حياته ‪ :‬وهو أبو بكر محمد ‪ ،‬الملقب بابن الصائغ ‪ ،‬أو ابن باجة ولد‬
‫بـــاجــــــــة ‪ :‬معنــــــــاها‬
‫في مدينة ( سرقسطة ) في أواخر القرن الحادي عشر الميالدي‪،‬‬ ‫«الفضة»باللهجـة العربيّة‬
‫انتقل إلى إشبيليّة ‪ ،‬وانقطع هناك إلى ال ّدراسة والبحث والتأليف ‪.‬كان‬ ‫األندلسيّة القديمـــة ‪ ،‬ألن‬
‫ابن باجة كان يعمل في‬
‫ً‬
‫ومثال أعلى‪ ،‬فقد كان‬ ‫ابن باجة متأثراً ج ّداً بالفارابي ‪ ،‬ويع ّده قدوة له‬ ‫صياغة الفضة ‪.‬‬

‫يشبهه في ميله إلى الزهد والعزوف عن متاع ال ّدنيا ‪ ..‬وكذلك كان‬


‫متأثراً بالفلسفة االرسطيّة ‪ ،‬وله ع ّدة شروح في طبيعة الفلسفة منها‬
‫شرح كتاب ( الكون والفساد ) ومقاالت من كتاب (الحيوان ) ‪،‬‬
‫ومنها مقاالت كتاب ( النبات ) كلها ألرسطو ‪ .‬وأهم كتبه (‬
‫اتصال العقل باإلنسان ) ‪ ،‬وكتاب ( تدبير المتوحّ د ) ‪.‬‬
‫وكان ابن باجة رائد الحركة الفكريّة والعلميّة في األندلس ‪،‬‬
‫كال من ابن طفيل ‪ ،‬وابن رشد ‪ ،‬وابن حزم ‪.‬‬ ‫فقد سبق بفلسفته ً‬
‫تدبير المتوحّ د‪ :‬أهم مؤلفات ابن باجة هو كتابه ( تدبير المتوحّ د)‬

‫‪47‬‬
‫الذي بسط فيه آراءه الفلسفيّة ‪ .‬واهتم في كتابه هذا بحياة الفرد‬ ‫يقول ابن باجة في تدبير‬
‫المتوحّ د ‪ :‬إن االتصال‬
‫بالمجتمع‪ ،‬كما يدل اسم الكتاب ‪ .‬بينما كان الفارابي في كتابه‬ ‫باهلل يتحقق بالعلم وتنمية‬
‫النفوس اإلنسانيّة ‪.‬‬
‫(المدينة الفاضلة ) قد اهت ّم بالمدن وسعادة أهلها ‪.‬‬
‫أما معنى ( تدبير المتوحّ د ) فقد بيّنه ابن باجة في كتابه أن‬
‫(التدبير) في معناها اللغوي هو األفعال التي تؤ ّدي إلى هدف‬
‫معيّن ‪ ،‬وتعني ترتيب األفعال على وفق ما يمليه العقل علينا من‬
‫غايات متعددة ‪ ...‬ومن ثم االتحاد بالعقل اإللهي ‪ .‬أما (المتوحّ د)‬
‫فيعني به اإلنسان المتفرّ د الذي يعيش وحيداً مع نفسه‪ ،‬أو يعيش‬
‫مع غيره حياة مفردة ‪ ،‬ويحصل على سعادة مفردة أيضاً‪.‬‬
‫والمتوحّ د تطلق على (الفرد الواحد) وعلى (الجماعة)‬
‫المتك ّونة من أفراد ‪ ..‬يحيا كل منهم حياة (يدبرها الفكر)‪..‬‬
‫وإذا كان الفرد المتوحّ د أو األفراد المتوحّ دون تصدر أفعالهم‬
‫قصد ابن باجة في رسالته‬
‫عن (العقل) فإنهم ليسوا في حاجة إلى أطباء نفوس أبداً ‪ ،‬ألن‬ ‫«تدبير المتوحّ د» إنه بيّن‬
‫حال المتوحّ د وكيف يتدبر‬
‫خضوعهم للعقل يجعلهم ال يأكلون إال المالئم من الغذاء ‪ ..‬لذلك‬ ‫حتى ينال أفضل وجود ‪.‬‬
‫فال أمراض وال حاجة إلى األطبّاء ‪ ..‬وال حاجة إلى القضاة‬
‫ألنهم يعيشون بالعقل على المحبّة واإلخاء ‪ .‬وكل ذلك يأتي عند‬
‫خضوعهم للمنهج العقلي واتصالهم بـ (العقل الفعّال) ‪.‬‬

‫العقل أداة المعرفة ‪ :‬كان ابن باجة يق ّدس العقل ‪ ،‬ويعده األداة‬
‫الحقيقيّة لبلوغ قمة السّ عادة ‪ ،‬ويرى أن التص ّورات العقليّة قادرة‬
‫يمكن تسمية فلسفة ابن‬
‫على الثبات وعدم التغيّر التي يصنعها العقل ‪ ،‬في حين أن‬
‫باجة باسم ‪ :‬علم اإلنسان‪،‬‬
‫العالم الحسّ ي (الما ّدي) ال يسمح برؤية الحقيقة ‪.‬‬ ‫ألن أغلب ما تناوله من‬
‫أفكار تتناول موضوع‬
‫الصحيحة ‪،‬‬
‫إن النظر العقلي عند ابن باجة هو أداة المعرفة ّ‬ ‫اإلنسان ‪.‬‬
‫وهو الوسيلة للوصول إلى الكشف اإللهي ‪،‬إذ يتخلص اإلنسان‬

‫‪48‬‬
‫من عناصر الفناء ويتح ّول إلى قبس من نور ‪ ..‬وذلك حينما‬
‫ينمّي قدراته العقليّة تنمية خالصة مجرّ دة من كل قيد ‪.‬‬
‫إن اهتمام ابن باجة بالعقل يعد ذا أهميّة كبرى ‪ ،‬والمعرفة‬
‫الصحيحة تكون بالعقل ‪ ..‬وإن المعرفة الحقيقيّة والسّ عادة‬
‫ّ‬
‫واألخالق تنال بالعقل ‪ .‬وبالعقل وحده يعرف اإلنسان أدنى‬ ‫وعند أصحاب نظريّة‬
‫السعادة أن الفيلسوف‬
‫درجات (الوجود الما ّدي) ‪ ،‬وأعلى درجات ( الوجود اإللهي )‪.‬‬ ‫يستطيع عن طريق النظر‬
‫والمعرفة العقليّة تتم بدون تأثير من أي شيء آخر(من‬ ‫العقلي والتعبّد ال ّروحي‬
‫أن يبلغ درجة اإللهام ‪،‬‬
‫الخارج)‪ ،‬ولكنه يرى أن ( العقل الفعّال ) هو الذي ينقل العلوم‬ ‫وأن يتقبل األنوار اإللهيّة‬
‫ويتمكن من أن يتصل‬
‫والمعارف إلى العقل اإلنساني ‪ ،‬وإن هذه العلوم والمعارف‬ ‫بربه‪.‬‬
‫ترجع إلى العقل الفعّال بعد الموت ‪.‬‬
‫ابن طفيل ‪ 1185 - 1106 ( :‬م )‬
‫حياته ‪ :‬ولد ابن طفيل في مدينة ( أسن ) شرقي غرناطة ‪.‬‬
‫وتوفي في مراكش ‪ .‬له ع ّدة كتب في الطب ‪ ،‬والفلك ‪ ،‬والشعر‪،‬‬
‫ولكن لم يبق من آثاره غير كتاب واحد في الفلسفة هو ( حي‬
‫قصة فلسفيّة تعد من أبرز كتب العصور‬
‫بن يقظان ) وهو ّ‬
‫الوسيطة‪.‬‬
‫قصة حي بن يقظان ‪ :‬تص ّور ابن طفيل في قصته (حي بن‬
‫ّ‬
‫ابن طفيل‬
‫يقظان) وجود جزيرتين ‪ ،‬األولى ‪ :‬يعيش فيها مجتمع إنساني‬
‫الخاصة ‪ .‬والثانية ‪ :‬يعيش فيها رجل واحد‬
‫ّ‬ ‫له أديانه وتقاليده‬
‫(متوحّ د) يبلغ من الكمال الرّ وحي أقصى درجاته ‪ ،‬بعيداً عن‬
‫أي تأثير اجتماعي على اإلطالق ‪.‬‬ ‫إن قصة «حي بن يقظان»‬
‫ففي الجزيرة األولى يوجد رجالن هما ‪ :‬سالمان ‪ ،‬وأسال ‪،‬‬ ‫خياليّة حاول ابن طفيل‬
‫أن يوظفها للوصول إلى‬
‫فنجد ( سالمان ) قد تكيّف مع عادات وشرائع مجتمعه الشعبيّة‬ ‫نتائج فلسفيّة ‪. ...‬‬
‫السائدة‪ ..‬وصار ملكاً للجزيرة ‪ .‬أما ( أسال ) ‪ :‬فهو ذو طابع‬

‫‪49‬‬
‫ً‬
‫معزوال في‬ ‫تأملي صوفي ‪ ..‬لم يتكيّف مع مجتمعه ‪ ،‬وجد نفسه‬
‫بلده ‪ ،‬فقرر أن يهاجر إلى الجزيرة المقابلة ‪ ،‬وكان يظن أنها‬
‫(خالية من البشر)‪ ،‬في حين كان يسكن فيها ( إنسان واحد ) هو‬
‫(حي بن يقظان )‪.‬‬
‫ميالد حي بن يقظان ‪ :‬ذهب بعضهم إلى أنه تك ّون بتأثير‬
‫العوامل الطبيعيّة ‪ ،‬في إحدى جزر الهند ‪ ..‬وذهب بعضهم‬
‫اآلخر إلى أن أخت ملك أحد الجزر ‪ ،‬تز ّوجت سرّ اً من يقظان ‪،‬‬
‫وأنجبت منه حيّاً فأخذت المولود ووضعته في تابوت ورمته في‬ ‫إن اإلنسان قد يصل إلى‬
‫معرفة هللا ولو نشأ منفرداً‬
‫النهر ‪ ،‬فحمله الماء إلى إحدى الجزر ‪ ..‬وعندما استقرّ الرضيع‬
‫على جزيرة منعزلة ال‬
‫في مكان مملوء باألشجار ‪ ،‬خصب التربة ‪ ،‬أحس بالجوع ‪،‬‬ ‫يصحبه فيها أحد من بني‬
‫نوعه ‪ ...‬وبالتصوف‬
‫فأخذ يصرخ فسمعته ظبية فقدت صغيرها ‪ ،‬فتوجّ هت إليه بدافع‬ ‫يمكن االتصال باهلل‬
‫الغريزة ‪ ،‬وأطارت عن التابوت لوحاً من أعاله ‪ ،‬وحنّت على‬ ‫وإدراك الحقائق الربانيّة‬
‫برياضة النفس على‬
‫الطفل وأرضعته لبناً منها فنشأ نشأة طبيعيّة ‪ .‬ومنذ ذلك الحين‬ ‫الكشف والمناجاة ‪.‬‬

‫أخذت الظبية تعتني به ‪ ،‬إلى أن أصبح قادراً على المشي ‪،‬‬


‫فكانت تطعمه من ثمار الشجر وترضعه بعض الوقت ‪.‬‬
‫وعندما كبر (حي ) في العمر صار شديد االستغراق في التفكير‬
‫‪ ..‬فأخذ يبحث في شتى الظواهر الحيويّة التي الحظها في‬
‫جزيرته منها إدراك أن له أحاسيس مختلفة تؤ ّديها أعضاء‬
‫مختلفة في جسمه ‪ ،‬وتفرس في الحيوانات والنباتات التي‬ ‫عن ابن طفيل ‪ :‬إن‬
‫طرح األفكار الفلسفيّة‬
‫صادفها في الجزيرة وأدرك أنها جميعاً تتفق في شيء واحد‬ ‫القصة أو‬
‫ّ‬ ‫عن طريق‬
‫المحاورة وجدت منذ‬
‫هو الناحية الروحيّة وإن اختلفت في مظاهرها ‪ ..‬واتجه نظره‬
‫بداية الفلسفة ‪ ،‬فهذا‬
‫إلى السّ ماء وما فيها من كواكب ‪،‬فانتهى إلى أنها أيضاً أجساماً‬ ‫أفالطون عبر عن أفكاره‬
‫الفلسفيّة بالمحاورات ‪.‬‬
‫كغيرها ‪.‬‬
‫كان حي بن يقظان في تلك المرحلة شديد االستغراق في‬

‫‪50‬‬
‫تفكيره‪ ،‬فال يخرج من المغارة إال مرّ ة في األسبوع لتناول‬
‫الطعام ‪ ،‬وذات يوم التقى بصر كل منهما باآلخر ( أسال وحي‬
‫) فكانت دهشة حي بن يقظان كبيرة ‪ ،‬ألنه لم ير أحداً يشبهه‬
‫في الجزيرة ‪ .‬لقد سأل حي ابن يقظان (أسال) عن قصته ‪،‬‬
‫وكيف ‪ ،‬ولماذا جاء إلى الجزيرة ‪ ،‬فروى له أن جزيرته مملوءة‬
‫بالشرور‪ ،‬والغدر ‪ ،‬وحب السّ لطة ‪ ،‬والمال ‪ ،‬فتملّك (حي) شوق‬
‫ملح إلى رؤية أهلها (جزيرة أسال) محاولة إصالح فسادها ‪،‬‬
‫يرى ابن طفيل أن غاية‬
‫فذهبا إلى جزيرة أسال وكان ( سالمان ) قد صار( كبير )هذه‬ ‫الشريعة والفلسفة واحدة‪،‬‬
‫وهي معرفة هللا سبحانه‬
‫الجزيرة ‪ ،‬فأخذ ابن يقظان يعلم الناس أسرار الحكمة فأتاهم‬
‫وتعالى ‪ ،‬ومع أن االثنين‬
‫بخالف ما يعتقدون فاشمأزت نفوسهم منه وسخطوا عليه ‪ ،‬فلما‬ ‫يختلفان في األساس ‪،‬‬
‫فال ّدين يستهدف إسعاد‬
‫تبين فشله ذهب إلى سالمان وأصحابه واعتذر لهم هو وأسال‬ ‫أكثر الناس ‪ ،‬بينما العقل‬
‫أو الفلسفة ‪ ،‬تستهدف‬
‫ورجع كالهما إلى جزيرتهما ‪.‬‬
‫الخاصة من الناس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إسعاد‬
‫القصة ‪ :‬أراد ابن طفيل في قصته الفلسفيّة أن يبيّن‬
‫ّ‬ ‫مغزى‬
‫قدرة اإلنسان على التفكير المستقل دون مجتمع يعيش فيه ‪،‬‬
‫ودون لغة يتعلمها ‪ .‬إن اإلنسـان قادر على الترقي بنفسـه دون‬
‫تعلم من أحد ‪ ،‬من المحسوس إلى المعقول ‪ ،‬ومن المعقول إلى‬
‫القصة كيف استطاع (حي) اكتشاف‬
‫ّ‬ ‫الكشف الصوفي ‪ .‬وتبيّن‬
‫الروح في جسد أمه الظبية ‪ ،‬أو خروج الروح من الجسد ‪.‬وتبيّن‬
‫القصة أيضاً كيفيّة أن يكتشف اإلنسان بعقله فقط (واجب‬
‫ّ‬ ‫هذه‬
‫الوجود ) ( هللا سبحانه وتعالى ) ‪ ،‬قبل أن ينتقل إلى مرحلة‬
‫الصوفي ‪.‬‬
‫اإلشراق ّ‬
‫وقد استخلص (حي) بعد تفكير أن العالم ال بد له من فاعل‬
‫أو خالق ‪ ،‬وهو إلى الروح أقرب منه إلى الجسم ‪ ،‬وراح يالزم‬
‫التفكير في ذلك الوجود ولكن األشياء الحسيّة كانت تعترض‬

‫‪51‬‬
‫تفكيره ‪ ،‬وظل يجاهد نفسه إلى أن وصل إلى مرحلة االنجذاب‬
‫نحو الذات اإللهيّة أحس معها بالسعادة ‪.‬‬
‫ابن رشد ‪ 1198 – 1162 ( :‬م )‬
‫حياته ‪ :‬هو أبو الوليد المعروف بابن رشد ‪ ،‬ولد في قرطبة ‪،‬‬
‫من أشهر الفالسفة المسلمين ‪ .‬كان مثابراً على البحث وال ّدرس‬
‫حتى قيل عنه ‪ :‬إنه لم يترك القراءة إال ليلتين ليلة وفاة أبيه ‪،‬‬
‫وليلة االحتفال بعرسه ‪.‬‬
‫شارح أرسطو األكبر ‪ :‬يعد ابن رشد من أشهر شارحي مؤلفات‬
‫ابن رشد‬
‫أرسطو ‪ ،‬فقد نقل الفلسفة األرسطيّة إلى العرب واألوروبيين‪،‬‬
‫فقال عنه الشاعر دانتي ‪ ( :‬إنه شارح أرسطو األكبر)‪ .‬لقد‬
‫يقول ابن رشد ‪ :‬إن النهج‬
‫استخدم ابن رشد الفكر األرسطي ليكون سنداً للعقيدة ‪ ،‬ودعماً‬ ‫الكالمي ‪ ،‬خاصة عند‬
‫أكبر ممثليه وهم المعتزلة‬
‫لها ‪ ..‬فقد أراد الجمع بين (الحكمة) و (ال ّدين) ‪ ،‬دون الخلط‬
‫واألشاعرة ‪ ،‬ال يخرج عن‬
‫بينهما ‪ ..‬فقد رأى أن المسلمين أحوج ما يكونون للحجج‬ ‫أساسين ‪ :‬اصطناع قياس‬
‫الغائب على الشاهد ‪،‬‬
‫المنطقيّة من أجل اقتحام خصوم العقيدة ‪ .‬وظل ابن رشد يدافع‬ ‫وطغيان أسلوب المناظرة‬
‫والجدل في وسط القضايا‬
‫عن أرسطو كونه فيلسوف العقل والمنطق ‪.‬‬
‫الكالميّة ‪.‬‬
‫ابن رشد عند األوربيين ‪ :‬هو الذي نبه األوربيين إلى أرسطو‬
‫بعد أن كان منبوذاً من رجال ال ّدين المسيحيين ‪ .‬والحقيقة أن‬
‫الحوار استمرّ حول فلسفة ابن رشد بين مفكري الغرب منذ‬
‫القرن الثالث عشر إلى القرن السّ ادس عشر ‪ ..‬وقد ازداد‬
‫الحوار عندما أثار (أرنست رينان ) من جديد فلسفة ابن رشد‬
‫كان ابن رشد عقلياً عندما‬
‫في كتابه المعروف ‪( :‬ابن رشد والرشديّة ) ‪ .‬وفي بداية‬
‫يتوجه إلى الفالسفة ‪،‬‬
‫القرن العشرين تجدد الحوار في الشرق العربي عن ابن رشد‬ ‫وكان ذا نزعة إيمانيّة‬
‫حين يتعلق األمر بالعامّة ‪.‬‬
‫بين اإلمام ( محمد عبده ) واألديب ( فرح أنطون ) صاحب‬
‫مجلة ( الجامعة ) ‪ ..‬أدت هذه المساجلة بين االثنين إلى إيجاد‬

‫‪52‬‬
‫حركة وتجديد‪ ،‬مما أ ّدى إلى نشوب حوار وسجال وجدل بين‬
‫يرى ابن رشد كما رأى‬
‫المحافظين والمج ّددين ‪ ،‬حول فلسفة ابن رشد ‪ ..‬وقد انتشر‬ ‫أرسطو أن العالم قديم ‪،‬‬
‫الحوار إلى جميع البلدان اإلسالميّة ‪.‬‬ ‫أي ليس له بداية ‪.‬‬

‫ابن رشد والغزالي ‪:‬‬


‫رد ابن رشد في كتابه ( تهافت التهافت )على أفكار الغزالي‬
‫التي وردت في كتابه ( تهافت الفالسفة) فهاجمه بالحجج ‪،‬‬ ‫مهما يكن من إعجاب‬
‫وكشف أخطاءه وتناقضاته ‪ ،‬وأظهر رأيه في التوفيق بين العقل‬ ‫ابن رشد بأرسطو فأراء‬
‫الفيلسوف العربي ال‬
‫والنقل ‪ ،‬وعدم التعارض بين الحقيقة العقليّة والحقيقة ال ّدينيّة‪،‬‬ ‫تطابق آراء الفيلسوف‬
‫اإلغريقي في كل شيء ‪.‬‬
‫ولكنه رأى عدم المزج بين ال ّدين والفلسفة ‪ ،‬فالفلسفة تبحث عن‬
‫( الحق المطلق ) ‪ ،‬وال ّدين ينحصر في هداية الناس إلى الطريق‬
‫الصحيح للحياة الدنيا واآلخرة ‪.‬وبذلك فإن ما جاء به القرآن‬
‫ّ‬
‫الكريم هو حق ‪ ،‬وإن ال ّدين يوجب النظر العقلي الفلسفي ‪ ،‬ومن‬
‫يقول ابن رشد ‪ :‬إن العلم‬
‫ثم ينبغي أن تكون الفلسفة في خدمة ال ّدين ‪.‬‬ ‫وليس الزهد ‪ ،‬هو طريق‬
‫الظفر بالسعادة‪.‬‬
‫ومن المشكالت األساسيّة التي اهتم بها ابن رشد‪ :‬هي‬
‫مشكلة العالقة بين الفلسفة والشريعة أو بين العقل والنقل ‪ .‬وقد‬
‫أفرد لهذه المشكلة كتابين هما ‪ (:‬فصل المقال وتقرير ما بين‬
‫الشريعة والحكمة من اتصال ) و( الكشف عن مناهج األدلـة‬
‫في عقائد الملة ) ‪.‬وقد ذكر أن غرضه في ( فصل المقال) أن‬
‫إن ابن رشد في ر ّده على‬
‫يفحص ‪ :‬هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشريعة‪،‬‬ ‫الغزالي ال يتناول أقوال‬
‫الغزالي واحداً بعد واحد ‪،‬‬
‫أم محظور أم مأمور به ؟ يقول ابن رشد عن الفلسفة أنها ‪:‬‬ ‫إنما يضع تعليقات عليها ‪،‬‬
‫فيرى أن الفالسفة يرون‬
‫ليست شيئاً أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها داللة‬ ‫أن الشرائع ضروريّة ‪.‬‬
‫على ّ‬
‫الصانع ‪ ( ،‬الخالق ) أي إن الموجودات إنما تدل على‬
‫الصانع ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫يؤكد ابن رشد معرفة الموجودات بالنظر العقلي ‪ ،‬كما هو‬
‫واضح في آيات من كتاب هللا مثل قوله تعالى ‪ (:‬فاعتبروا يا‬
‫أولي األبصار) ( سورة الحشر‪ ..‬آية ‪ . ) 2‬وقوله تعالى ‪( :‬أولم‬
‫ينظروا في ملكوت السماوات واألرض وما خلق هللا من شيء)‪.‬‬
‫(سورة األعراف ‪ :‬آية ‪ .) 185‬وهذه اآليات الكريمة تحث على‬
‫النظر العقلي ‪.‬‬
‫فالشريعة حثت على معرفة هللا(عزوجل) وسائر الموجودات‬
‫بالبرهان ‪( .‬كان من األفضل ‪ ،‬أو األمر الضروري لمن أراد‬
‫أن يعلم هللا – تبارك وتعالى – وسائر الموجودات بالبرهان ‪،‬‬
‫أن يتعلم أنواع البراهين وشروطها) ‪ .‬إذن يجب تعليم المنطق‬
‫بصورة عامّة ليعرف اإلنسان القياس والبرهان‪ ،‬حتى يستطيع‬
‫استنباط األحكام الفقهيّة ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أسئلة المبحث األول‬

‫س‪ – 1‬هل يعد علم الكالم عند المعتزلة واألشاعرة تمهيد للفلسفة اإلسالميّة ؟ وضح‬
‫ذلك‬
‫س‪ – 2‬لماذا سميت المعتزلة بهذا االسم ؟‬
‫س‪ – 3‬ناقشت المعتزلة موضوعات مختلفة ‪ :‬اشرح رأيهم في وح ّدانيّة هللا ‪.‬‬
‫س‪ – 4‬من هو أول فيلسوف ظهر عند العرب ؟‬
‫س‪ – 5‬كيف حاول الفارابي التوفيق بين ال ّدين والفلسفة ؟‬
‫س‪ – 6‬كان البن سينا ( منهج علمي ) تكلم عنه ‪.‬‬
‫س‪ - 7‬لماذا نفى ( الغزالي ) السببيّة ؟‬
‫قصة حي بن يقظان ؟ وما مغزاها ؟‬
‫س‪ – 8‬ما ّ‬
‫س‪ – 9‬ما تأثير ابن رشد على االوروبيين في العصر الوسيط ؟‬

‫نشـــاط ‪:‬‬
‫عليك الذهاب إلى مكتبة المدرسة مع أستاذ الما ّدة للبحث عن الكتب التي‬
‫تخص الفلسفة اإلسالميّة لمعرفة ‪ :‬علم الكالم ‪،‬‬
‫وفالسفة اإلسالم بصورة أوسع ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫فلسـفة الجمـال‬

‫األهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادرا على أن ‪:‬‬
‫‪ -1‬يستذكر تعريف علم الجمال ‪.‬‬
‫‪ -2‬يعرف معنى الجمال الطبيعي ‪.‬‬
‫‪ -3‬يعرف معنى الجمال الفني ‪.‬‬
‫‪ -4‬يقارن بين الجمال الطبيعي والجمال الفني ‪.‬‬
‫‪ -5‬يفهم نظرية الجمال الطبيعي ‪.‬‬
‫‪ -6‬يستذكر بعض الفالسفة الذين انكروا الجمال الطبيعي ‪.‬‬
‫‪ -7‬يميز بين نظرية الفن للفن ونظرية الفن للجميع ‪.‬‬
‫لفظة الجمال ‪ :‬جاءت لفظة علم الجمال من الكلمة اليونانيّة ‪( Aistheticos‬أستطيقا)‬
‫ومعناها (إدراك حسّ ي) وأطلقت على اإلحساس أو الشعور بالجمال ‪ .‬وبقيت الكلمة‬
‫‪ Aesthetics‬تعني (عالم الجمال ) ‪ ،‬مع أنه أصبح لها معنى أوسع مما يدل عليه‬
‫اشتقاقها‪ ،‬فالشـعور بالجمال يتضمّن الحواس ‪ ،‬والعقل أيضاً وإن أول من اسـتخدم هذا‬
‫ً‬
‫مستقال ‪.‬‬ ‫اللفظ هـو ( بومغارتن) ‪ ،‬وهوأول من جعل هذا العلم فرعاً من الفلسفة‬
‫إن الفن ذاته ( الذي يكشف لنا عن الجمال ) ظاهرة عريقة في القدم ‪ ،‬فقد وجد علماء‬
‫اآلثار كهوفاً فيها رسوم على جدرانها للحيوانات واإلنسان واألدوات التي كان يستعملها‬
‫اإلنسان القديم تمتد إلى أكثر من عشرة آالف عام ‪ .‬وبهذا فالبحث عن الجمال في الفن‬
‫والطبيعة ‪ ،‬أقدم من اسم العلم ( علم الجمال ) ‪ ،‬كما أشرنا ‪ ،‬فاليونان بحثوا في الجمال‬
‫والفنون قبل نحو ألفي عام ‪ ،‬والسيما عند سـقراط وأفالطون وأرسطو ‪ .‬واسـتمرّ ت مسيرة‬
‫هذا العلـم إلى عصر النهضة‪ ،‬وإلى أن تبلور على يد بومغارتن قبل أكثر من مائتي عام ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ما علم الجمال ؟‬
‫هو العلم الذي يدرس الجمال ‪ ،‬أي كل ما هو جميل في‬ ‫ال يروي عطش اإلنسان ‪،‬‬
‫إال الجمال ‪ ،‬جمال الطبيعة‬
‫الطبيعة‪ ،‬وكل ما هو من صنع اإلنسان المتمثل في الفنون‬
‫‪ ،‬وجمال الفن ‪،‬الذي يجده‬
‫المختلفة ‪ :‬كالرسم‪ ،‬والموسيقا ‪ ،‬والشعر ‪ ...‬إلخ ‪ .‬ويعد علم‬ ‫في الموسيقى ليهدىء‬
‫روعه ولتسمو نفسه ‪،‬‬
‫الجمال قسماً من أقسام الفلسفة‪ ،‬وهو يدرس الجمال ‪ ،‬ومقاييسه‬ ‫والمسرح الذي يدافع فيه‬
‫عن حريته ‪.‬‬
‫ونظريّاته ‪ ،‬ويبحث في األحاسيس ‪ ،‬والمشاعر التي تنبعث في‬
‫نفوسنا بتأثيـر األشياء الجميلة سواء أكان وجه امرأة متنـاسق‬
‫أو وجه طفل صبوح ‪ ،‬وكـل األحاسيـس والمشاعر النابـعة من‬
‫تـأثيـر الفنون الجميـلة والفنون النـافعة ( التطبيقيّة ) التي تثير‬
‫فينا النشوة والفرح ‪ ..‬وكل ما تميل إليه النفس ‪.‬‬
‫وعلم الجمال يبحث في الذوق الفني ‪ ،‬وفي الحكم على اآلثار‬
‫الفنيّة وهو يحدد القوانين التي بها يتم التمييز بين الجميل‬
‫الذوق الفني ‪ :‬هو الحاسة‬
‫والقبيح‪ .‬ويبحث أيضاً في اآلثار الفنيّة للكشف عن مزاج ونفسيّة‬ ‫التي يتذوق بها اإلنسان‬
‫الجمال ‪ ،‬ويميّز بين الجميل‬
‫صانعها ‪ ،‬وكذلك طبيعة الناس الذين يتذ ّوقون اآلثار الفنيّة ‪.‬‬ ‫والقبيح ‪ .‬وقد يكون الذوق‬
‫فطري ‪ ،‬فالطفل قبل أن‬
‫وعندما نقول( علم ) الجمال ليس المقصود بالعلم أن يكون‬
‫يعي معنى الجمال فإنه‬
‫اإلبداع الفني للفنّان معتمداً على قوانين دقيقة صارمة أو محددة‬ ‫يتملكه الفرح والسرور أي‬
‫يتذوق الجمال عندما يرى‬
‫سلفاً ‪ ،‬فالفنان ال يتلقى التعليمات عن االتجاه الذي يجب عليه‬ ‫األلوان الزاهية ‪.‬‬
‫أن ينحته ‪ ،‬ولكن‪ ،‬في الوقت نفسه ‪ ،‬يجب أن ال يكون العمل‬
‫الفني نشاطاً اعتباطيّاً خالياً من أي قانون أو التزام أو هدف أو‬
‫تنظيم ‪.‬‬
‫ان علم الجمال ‪ :‬علم وصفي ‪ ،‬يدرس ( العمل الفني )‬
‫كونه ظاهرة بشريّة تدخل في صميم النشاط الرّ وحي للموجود‬
‫البشري‪ .‬ومن هنا فإن عالم الجمال ال ينصح الفنان بشيء ‪ ،‬وال‬
‫يلزمه بشيء ‪ ،‬بل هو يقتصر على دراسة النشاط الفني ‪ ،‬ويسعى‬

‫‪57‬‬
‫جاهداً في سبيل النفاذ إلى المعنى الباطن العميق للعمل الفني عامة ‪.‬‬
‫ما الذي يجعلنا نبحث عن الجمال ؟ هناك ع ّدة أسـباب تشعرنا‬ ‫الفن الذي ال يجلب العزاء‬
‫الصورة الجميلة أو‬
‫بالحـاجة إلى الجميل ‪ ،‬فنحن نبحث عن ّ‬ ‫ليس فناً ‪ ،‬العزاء يدخل‬
‫الفرح إلى نفس اإلنسان‬
‫الوجه الجميل أو قراءة الشعر أو سماع الموسيقا ‪ ،‬أو رؤية‬ ‫الفرح الحقيقي ‪ ،‬فرح‬
‫األعماق ‪ ،‬الذي ال يعادله‬
‫الشالالت أو المروج أو صور الغيوم السابحة في الفضاء ‪،‬‬ ‫شيء ‪.‬‬
‫ولكن ما الذي يجعلنا نبحث عن الجمال في الطبيعة أو الفنون‬
‫الجميلة المختلفة ؟ وإننا لنجد اإلنسان في جميع مراحل التاريخ‬
‫يبحث عن الجمال ‪ ،‬و يمكن العثور عليه ‪ ...‬عند جميع األمم‬
‫منذ نشأتها ووجودها إلى اليوم ‪ ...‬هذه الحاجة هي في الواقع‬ ‫إن الفن هو إنجاز الجمال‬
‫في جو الروح اإلنسانيّة‬
‫وراء جميع التماثيل والمنحوتات ‪ ،‬ووراء تشييد جميع الهياكل‪،‬‬ ‫الحرة ‪ ،‬والذي يوجه‬
‫والمعابد ‪ ،‬والقصور ‪ ،‬ووراء جميع لوحات المتاحف ورسومها‪،‬‬ ‫نشاطه لتزيين الحياة من‬
‫أجل أن تكون مكاناً رائعاً‬
‫ووراء جميع المقطوعات الموسيقيّة ‪.‬‬ ‫لعيش إنسان رائع ‪.‬‬
‫ففي اليونان كان الناس يعشقون الجمال ‪ ،‬بل يق ّدسونه ‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على اهتمام اليونان بالفنون وازدهارها في حياتهم منذ‬
‫أربعة وعشرين قرناً ‪ .‬إن الذي استدعى خلود الفن والجمال‬
‫لدى اليونانيين هو أنهم ذوو إحساس شديد بالجمال ‪ ،‬كثيرو‬
‫التديّن لدرجة أن فكرة الفن للفن تتعارض مع عقليتهم ‪ .‬إن‬
‫التعبّد للجمال والتديّن له المتمثلين بش ّدة الشغف بروعة المشاهد‬ ‫القوّ ة التي بها نميز الجمال‬
‫ونقدمه هي التي نسميها‬
‫الطبيعيّة ‪.‬‬ ‫(الذوق) ‪ ،‬وهي ملكة في‬
‫اإلنسان بها يشعر بلذة‬
‫أما العرب في العصور الوسيطة فقد تركزت فنونهم في‬ ‫الجمال ‪.‬‬
‫الكتابة كتزيين زخرفي في العمارة والمنمنمات والشعر ‪...‬‬
‫وكان الفن السّ ائد هو الفن التجريدي الذي يعد استجابة لحاجة‬
‫جماليّة تتطلبها تلك المرحلة‪ ،‬والتي توصف بالعصر الذهبي‬
‫للتط ّور الحضاري الشامل الذي كان دافعه األساس هو ال ّدين‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫أما في القرن السّ ابع عشر والقرن الثامن عشر فقد ظهر‬
‫وهناك من يرى أن‬
‫في إيطاليا ‪ ،‬وألمانيا ‪ ،‬وفرنسا ‪ ،‬وإسبانيا ‪ ،‬وإنجلترا اهتمام‬ ‫الجمال‪ ،‬ذاتي‪ ،‬يتغيّر من‬
‫جديد بآثار اليونان ‪ ،‬والرومان القديمة في الفـن واألدب ‪ ،‬فأخذ‬ ‫عصر إلى عصر ومن‬
‫جنس إلى جنس‪ ،‬بل قد‬
‫الفنـانون ‪ ،‬واألدباء يقلدون اإلغريق ‪ ،‬والرومان في األساس‬ ‫يختلف باختالف األفراد‬
‫في المكان الواحد والبيئة‬
‫الفلسفي لإلنتاج األدبي في موضوعاتهم ‪ ،‬وهم يختلفون عن‬ ‫الواحدة ‪.‬‬
‫الكالسيكيّة القديمة ‪ ،‬ألنهم ال يص ّورون اآللهة في فنونهم كما‬
‫تفعل األساطير اليونانيّة والرومانيّة ‪ ،‬بل ظهر ما يسمّى بالنزعة‬
‫اإلنسانيّة في الفن واألدب‪ ،‬ألنه ارتكز على قدرات اإلنسان‬
‫وتفاعله وانفعاالته دون تدخل قوى غيبيّة ‪ .‬وأهم ما يتصف به‬
‫الفن الكالسيكي هو الموضوعيّة والواقعيّة والعقليّة‪ ،‬أما الخيال‬
‫عند الكالسيكي فليس حرّ اً إنما هو مقيّد بقواعد وشروط ال يحيد‬
‫عنها ‪ .‬إن الكالسيكيّة لم تنكر قط على أحد حق التجديد وإمكانية‬
‫اإلبداع ‪ .‬بيد أن هذا الحق ال يمكن ممارسته إال ضمن حدود‬ ‫غروب الشمس‬

‫المطابقة اإلبداعيّة لنماذج أسلوبيّة معينة ‪.‬‬


‫الصلة بين الجمال والفن ‪ :‬إن البحث عن الجمال يستدعي‬
‫ّ‬
‫الرجوع إلى األعمال الفنيّة‪ .‬إن الفنون هي الرسم والشعر‬
‫والموسيقا والمسرح ‪ ...‬الخ وهذه الفنون تستهدف كلها ‪ ،‬بطريقة‬
‫أو بأخرى إبراز الجمال ‪ ،‬الجمال الذي يؤثر على اإلنسان عن‬
‫طريق الحواس والعقل ‪ .‬وهذا يعني أن الفن هو توليد الجمال ‪،‬‬
‫أو خلق الجمال ‪ ،‬والغاية من الجمال هو التسامي ‪Sublimate‬‬
‫باإلنسان ‪ .‬يقول كوزان ( الفن هو توليد الجمال) ‪ ،‬و ( الق ّوة‬
‫الكامنة فينا والقادرة على توليده تدعى العبقريّة )‪.‬‬
‫الموناليزا‬
‫الفرق بين الجمال الطبيعي والجمال الفني ‪ :‬هناك جمال‬
‫مطبوع وجمال مصنوع ‪ ،‬فالمطبوع هو الجمال الذي تزخر به‬
‫الطبيعة كضوء الشمس أثناء الغروب ‪ ،‬أو روضة أزهار‪ ،‬أو‬

‫‪59‬‬
‫مياه زرقاء صافية تجري فوق الرّ مال ‪ ،‬أو وجه امرأة جميل‪.‬‬
‫أما الجمال المصنوع ‪ ،‬فهو الجمال الذي يصنعه اإلنسان ويتمثل‬
‫في اإلبداعات الفنيّة كالشعر ‪ ،‬والرسم ‪ ،‬والموسيقا ‪ ،‬والنحت‬
‫هناك من يرى أن للجمال‬
‫إلى غير ذلك ‪ .‬وكما هو واضح أن الجمال الفني يتم التخطيط‬ ‫وجوداً موضوعيّاً ‪ ،‬لهذا‬
‫اتفق في تذوقه واالستماع‬
‫له ‪ ،‬وهو نتيجة فعل مقصود إلخراج أو خلق الجمال ‪ ،‬بينما‬ ‫به جميع الناس في كل‬
‫الجمال الطبيعي هو من صنع الطبيعة ‪.‬‬ ‫زمان ومكان ‪ ،‬فالشيء‬
‫الجميل يقوّ م بالقياس إلى‬
‫وما يهمنا هنا ‪ ،‬أن نذكر أن جمال الطبيعة ال ينافسه منافس‬ ‫ما فيه من خصائص تثير‬
‫مهما برعت عبقريّة الفنان في التصوير ‪ ..‬فجمال الورد ‪،‬‬ ‫اإلعجاب بجماله ‪.‬‬

‫وحسن المرأة ‪...‬الخ ‪ ،‬وإن وجدت مجاالت فنيّة غير موجودة‬


‫في الطبيعة كالشعر والموسيقا ‪ ،‬فالطبيعة ال تؤلف قصيدة ‪ ،‬وال‬ ‫يقـــــول بنديتــو كروتشه‬
‫تكتب سمفونيّة فهذه وتلك يصنعها الفنان وحده ‪.‬‬ ‫‪ :‬إنني اعتقد أن فلسفة‬
‫الفن‪ ،‬إذا أحسن تدريسها‪،‬‬
‫وسنعرض بإيجاز اآلراء المؤيّدة للجمال الطبيعي ‪ ،‬واآلراء‬ ‫كانت خيراً من أي‬
‫األخرى التي تميل إلى الجمال الفني ‪:‬‬ ‫موضوع آخر‪ ،‬كمقدمة‬
‫لدراسة الفلسفة ‪.‬‬
‫‪ –1‬أصحاب نظريّة الجمال الطبيعي ‪ :‬يرى هؤالء أن الجمال‬
‫الحقيقي يكمن في الطبيعة نفسها ‪ ،‬والجمال الفني ليس إال‬
‫انعكاساً لجمال الطبيعة ‪ .‬ويقول هؤالء إن الجمال في الطبيعة‬
‫يوجد على أشكال متنوعة‪ ،‬وعند اكتشافه من قبل الفنان يصبح‬
‫ملكاً للفن ‪ .‬إن الجمال على نحو ما تقدمه لنا الطبيعة لهو أسمى‬
‫بكثير من كل ما قد يستطيع الفنان أن يجمعه أو أن يـؤلفـه ‪.‬‬
‫وحسب هذه النظريّة أن الطبيعة أغنى من الفن ‪ ،‬فالفنانون‪،‬‬
‫مثال يقلدون ما في الطبيعة من جمال سواء في‬ ‫ً‬ ‫كالمصورين‬
‫الصور أو األلوان المختلفة ‪ ،‬وبالرغم من ذلك فإن‬
‫األشكال أو ّ‬
‫أعظم المصورين ال يمكن أن يقلد غروب الشمس بما لها من‬
‫ألوان رائعة ومتنوعة ‪ ..‬إذ إن ألوان الطبيعة أكثر تنوعاً من‬
‫األلوان الصناعيّة التي يستخدمها الفنان في رسمه ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫إن الموضوع الفني ( ما هو إال انعكاس للموضوع الطبيعي)‬
‫إن الفن هو محاكاة للطبيعة ‪ ،‬والطبيعة بموجب رأي أصحاب‬
‫هذه النظريّة أنها دائماً جميـلة وال يـوجد فيها شيء قبيح ‪ .‬إن‬
‫أبرز الذين قالوا بهذا الرأي هو ( روسو) ‪ ،‬فكان صاحب أول‬
‫مذهب فلسفي دعا إلى ( عبادة الطبيعة ) أو العودة إلى الطبيعة‬
‫كما تصورها ‪ ،‬التي لم تلبث دعوته أن تحولت إلى مجال‬
‫الفن ‪ .‬أما ( رسكن ) فقد دعا إلى عبادة الطبيعة والخضوع‬
‫لها خضوعاً أعمى ‪ ،‬والفن الكامل في رأيه هو الذي يعكس‬
‫الطبيعة بالكامل‪ ،‬ألن الطبيعة هي المصدر األوحد للفن ‪ .‬وقال‬
‫(كوربيه) إن الجمال كائن في الطبيعة ‪ ،‬وفي أشكال متن ّوعة ‪.‬‬
‫وان أهل الفن عندما يكتشفون جمال الطبيعة يصبح ملكاً لهم أي‬
‫لعالم الفن ‪ .‬ومن الخطأ أن يبالغ الفنان في إسباغ الجمال على‬
‫الموضوع الفني المستوحى من الطبيعة ‪ ،‬ألن ذلك يضعف من‬
‫قيمة الجمال فيه ‪ .‬وبهذا فالجمال الطبيعي أسمى وأعظم من‬
‫الجمال الفني الذي يقوم به الفنان من خالل تجميعه من الطبيعة‪.‬‬

‫‪ -2‬أصحاب نظريّة الجمال الفني ‪ :‬أنكر بعضهم جمال الطبيعة‬


‫وقال إن الجمال هو جمال اإلبداعات الفنيّة فقط التي يتم تشكيلها‬
‫من الخامات التي تق ّدمها الطبيعة ‪ .‬ومن أبرز الذين نكروا‬
‫جمال الطبيعة ( كروتشه ) الذي رأى أن جمال الطبيعة إنما‬
‫هو مسألة مجازيّة ‪ ،‬فالطبيعة بليدة خرساء حين تقارن بالفن‪،‬‬
‫والطبيعة كما يرى ( ويسلر ) ال تق ّدم لنا لوحات فنيّة وال تماثيل‬
‫كروتشه‬
‫إال في حالة الندرة أو الصدفة ‪.‬‬
‫فهل األصوات الصادرة من الرياح أو العواصف قادرة‬

‫‪61‬‬
‫على أن تعطينا لحناً مميّزاً أو سمفونيّة متناسقة النغمات ؟ وهل‬
‫تمثاال منسجماً ومتناسقاً ؟ إن‬
‫ً‬ ‫تستطيع الطبيعة أن تنحت لنا‬
‫بالصدفة المحضة – كما أشرنا –‬
‫ّ‬ ‫ذلك إذا حدث فإنه يحدث‬
‫وعلى أية حال ‪،‬إنه شيء نادر الحدوث في الطبيعة ‪ ،‬فالطبيعة‬
‫ال يمكنها ذلك أنها ليست ( عاقلة ) في حين أن الفنان عندما‬
‫يخرج أثراً فنيّاً كالرسم أو الشعر أو تأليف لحن موسيقي ‪،‬‬
‫فإنه إنما يحاكي األشياء في الطبيعة ‪ ،‬وفي الوقت نفسه ‪،‬‬
‫يشرك مشاعره وعقله في عمله الفني أي يستخدم خياله وذوقه‬
‫الجمالي الخاص لتشكيل أثر فني جديد ‪ .‬يقول هنتر ميد ‪ :‬إن‬ ‫منظر طبيعي‬

‫الصور الطبيعيّة أدنى مستوى بكثير من تلك‬


‫معظم األشكال أو ّ‬
‫األشكال الفنيّة البسيطة ذاتها ‪ ،‬وال جدال في أن الطبيعة عاجزة‬
‫عن أن تق ّدم شيئاً يعادل في تعقيده تلك التكامالت الشكليّة التي‬
‫تتحقق في التصوير ‪ ،‬والشعر ‪ ،‬والعمارة‪ ،‬والموسيقا ‪ ،‬ويقول‬
‫أيضاً ‪ :‬تبدو الطبيعة فقيرة بوجه خاص في القيم الجماليّة عندما‬
‫نقارنها بالفنون الزمنيّة ‪ .‬فال توجد إال ظواهر طبيعيّة نادرة ‪،‬‬
‫كالعواصف ‪ ،‬ال توحي على أي نحو بالتعاقب الذي نجده في‬
‫سمفونيّة أو دراما ‪،‬والذي يبدأ بالتمهيد ويليه العرض الموسع‬
‫والذروة الخاتمة ‪.‬‬
‫لو أخذنا لوحة فنيّة لرأينا أن جميع العناصر التي تحويها‬ ‫الخط العربي‬

‫موجودة في الطبيعة من حيث الشكل واللون ‪ ،‬وهذه العناصر‬


‫تك ّون اللوحة ولكن هذه األشياء تظل مجزأة وجمالها ضعيفاً ‪،‬‬
‫أي تظل كالسلم الموسيقي الذي يحوي جميع األنغام الموسيقيّة‬
‫المعروفة ‪ ،‬وإذا ما قام الفنان بالتأليف بين عناصرها مع ما‬
‫يملك من موهبة وقدرة ومهارة وخيال ‪ ،‬يستطيع أن يخرج تلك‬

‫‪62‬‬
‫العناصر المتفرقة بالصورة الجميلة ‪ .‬والواقع ‪ ،‬أن أصوات‬
‫الطبيعة أفقر من أصوات الفن ‪ ،‬وهي في الغالب على نمط‬
‫واحد‪ :‬كحفيف األغصان ‪ ،‬وتغريد الطير ‪ ،‬وخرير المياه ‪،‬‬
‫ونقيق الضفادع‪ .‬إن آالت الفن ليست هبة من هبات الطبيعة ‪،‬‬
‫وإنما هي اختراعات اإلنسان ‪.‬‬
‫وعند الذين أنكروا جمال الطبيعة ‪ ،‬ال يمكن أن تكون مهمة‬
‫الفنان محاكاة الطبيعة بصورة آليّة‬
‫( نقل آلي متكرر) كالصور الفوتوغرافيّة ‪ ،‬ألن الفن – في‬
‫رأيهم – هو إخراج ما في الطبيعة من أشكال وألوان من‬
‫صوره المختلفة المتفرقة الغفل ( الخام ) ‪ brut‬إلى العمل‬
‫الفني المتكامل وجمال الطبيعة عندهم ناقص دائماً وهو‬
‫غير منسجم وال متناغم ‪ .‬والفن ‪ -‬كما يرى ( دالكروا ) هو‬
‫المضي إلى الطبيعة لنأخذ منها األشكال الجزئيّة واأللوان‬
‫المناسبة ‪ ،‬ليقوم الفنان بالتنسيق وإضفاء االنسجام لخلق عمل‬
‫فني معتمداً على « خياله الخاص» فالعمل الفني ‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫ليس نسخاً للطبيعة أو محاكاة لها ‪ ،‬بل هو إبداع أدق انسجاماً‬
‫وأجمل ‪.‬‬
‫نظريات في الفن ( من حيث وظيفته ) ‪:‬‬ ‫وظيفة الفن هي صنع‬
‫الجمال أكثر منها تصوير‬
‫أ – نظريّة الفن للفن ‪ :‬انتشر هذا المبدأ في القرنين التاسع‬ ‫الحياة ‪ ،‬لكي ينجح الفنان‬
‫في هذا يجب أن يكون‬
‫عشر والعشرين ‪ .‬ويرجع أصله إلى ( كانط ) الذي يرى أن‬ ‫حر التص ّرف طليقه ‪.‬‬
‫الحكم الجمالي يجب أن يكون غير ذي نفع ‪ .‬والجمال في رأي‬
‫أنصار ( الفن للفن ) هو لذاته ‪ ،‬وهـو لإلمتاع الخالص وليـس‬
‫للنفع‪ .‬وتسـمّى هذه النـظرية ‪ ،‬أيـضاً ‪ ( ،‬نظريّة الجمال)‪ .‬رأى‬
‫أصحاب ( النزعة الجماليّة ) ‪ Aestheticism‬أن قيمة الجمال‬

‫‪63‬‬
‫يجب أن تكون مستقلة عن الفوائد العمليّة ‪ ،‬ففي القرون الوسيطة‬
‫كان الفن يستغل ألغراض نفعيّة كتزيين الكنائس ‪ ،‬والجوامع‬
‫بالزخارف والخطوط ‪ ...‬واستمرّ الحال إلى عصر النهضة‬ ‫إن جمال األثر الفني‬
‫– شعراً أو تصويراً أو‬
‫إذ كان المقياس للفن والجمال يعتمد على قيمته االجتماعيّة ‪،‬‬ ‫موسيقا – ال يقوم إال‬
‫بالقياس إلى ما يظنه‬
‫والتاريخيّة ‪ ،‬واألثريّة ‪ ،‬واألخالقيّة ‪.‬‬ ‫الناس في أمره ‪. ....‬‬
‫وفي رأيهم ‪ ،‬إذا صار الفن ذا نفع وفائدة ‪ ،‬فإن صفة الجمال‬
‫تكون قد انتفت عنه ‪ .‬ومثله مثل الدين ‪ ،‬فالغاية منه اإليمان بعيداً‬
‫عن النفع الما ّدي ‪ .‬إن أكثر الفالسفة وعلماء الجمال يعتقدون‬
‫أن الجمال ليـس له غرض نفعي ‪ ،‬إنما هو مقصود لذاته ‪،‬‬
‫وليـس وسـيلة لشـيء آخر ‪ .‬فالشـعر – ً‬
‫مثال – هو أحد الفنون ‪،‬‬
‫ً‬
‫مستقال‬ ‫ووجوده الطبيعي في رأيهم ‪ :‬أن يكون عالماً في ذاته ‪،‬‬
‫كامل االستقالل من الناحية الذاتيّة ‪ ،‬وكي نسيطر عليه ال بد من‬
‫أن ندخل ذلك العالم ونخضع قوانينه ‪ ،‬ونتجاهل كل المعتقدات‬
‫الخاصة التي تخصنا في عالم الواقع ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واألحوال‬
‫ب‪ -‬نظريّة الفن للمجتمع ‪ :‬ظهرت هذه النظريّة كرد فعل‬ ‫فالفن عند تولستوي‬
‫هو اشتراك في االنفعال‬
‫لنظريّة ( الفن للفن) إذ ترى أن الفن يجب أن يوظف لخدمة‬ ‫قصة‬‫‪ ،‬فإذا روى رجل ّ‬
‫أو أنشأ أغنية أو رسماً‬
‫الحياة البشريّة‪ ،‬إلرشادها نحو الفضيلة ‪ ،‬ووسيلة للدعوة إلى‬ ‫وهو يقصد إلى إشراك‬
‫المبادىء ال ّدينيّة واألخالقيّة ‪ .‬ويعد سقراط أول من عرّ ف‬ ‫غيره في عواطفه ‪ .‬كان‬
‫هذا فناناً‪.‬‬
‫الجمال بأنه جمال هادف ‪ ،‬وأن يكون نافعاً للمجتمع ‪ ،‬أي‬
‫يستهدف تحقيق الخير ‪.‬‬
‫يرى ( ديوي ) وجود صلة وثيقة بين الخبرة الجماليّة وبين‬
‫الحياة العمليّة ‪ ،‬ويرفض عزل ( الفنون الجميلة )عن (الفنون‬
‫التطبيقيّة) أو النفعية ‪ ،‬وهذا يعني رفضه لنزعة الفن للفن التي‬
‫ع ّدها نزعة أرستقراطيّة تعزل الفن عن المجتمع وتجعله وسيلة‬

‫‪64‬‬
‫جماليّة لصفوة المجتمع ‪ .‬إن الخبرة االستطيقيّة ( الجماليّة )‬
‫عند البراجماتيّة ذات فوائد عمليّة ‪ ،‬فهي تؤ ّدي إلى خفض‬ ‫يقول ليو تولستوي ‪ :‬إن‬
‫الفن هو إحدى وسائل‬
‫التوتر بسبب اإلشباع الذي يقدمه الفن ‪ ،‬وهو ال يخلو من‬
‫االتصال بين الناس ‪،‬‬
‫ً‬
‫دخيال على التجربة‬ ‫اللذة واإلمتاع ‪ .‬والعنصر الجمالي ليس‬ ‫وكما أن اإلنسان ينقل‬
‫أفكاره إلى اآلخرين عن‬
‫اإلنسانيّة ‪ ،‬إنه نوع من االستجابة الطبيعيّة للبيئة التي نعيش‬ ‫طريق الكالم فإنه ينقل‬
‫إلى اآلخرين عواطفه عن‬
‫فيها ‪ .‬وإذا كان هناك انسجام وتناسق في التجربة االستطيقيّة ‪،‬‬
‫طريق الفن ‪.‬‬
‫فمعناه وجود فائدة أو لذة جماليّة أو ( متعة فنيّة ) ‪.‬‬
‫والفن عند البراجماتيّة ليس نوعاً من الترف أو اللهو أو‬
‫الح ْدس‪ ،‬إنما هو مرتبط بشتى الخبرات اإلنسانيّة االجتماعيّة‬
‫والتربويّة‪ ،‬فلو درسنا العادات والتقاليد واألنظمة التي تركها‬
‫اإلنسان ‪ ،‬في العهود الماضية ‪ ،‬لرأينا أنها كلها مصطبغة‬
‫بصبغة جماليّة تستهدف في نهاية المطاف النفع ‪ ،‬سواء‬
‫عن طريق الفنون الجميلة أو التطبيقيّة (الصناعيّة) ‪ .‬وعلى‬
‫هذا فإن ديوي ال يعترف بتقسيم الفنون إلى ( فنون جميلة )‬
‫تستهدف الجمال لذاته كالموسيقا ‪ ،‬والشعر ‪ ،‬والنحت وغيرها‪،‬‬
‫إن معنى جميل هو‬
‫و( فنون تطبيقيّة ) كنقوش السجاجيد ‪ ،‬وأواني الزينة وغيرها‬ ‫االستمتاع بإدراك األشياء‬
‫التي تحرك فينا الفرح ‪،‬‬
‫التي تستهدف النفع واالستخدام العملي فقط ‪ ،‬بل إنه يرى أن(‬ ‫في حين أن القبيح هو‬
‫اإلحساس الذي يثير فينا‬
‫الخبرة الجماليّة ) مرتبطة بـ (الخبرة العمليّة ) ‪ .‬والمنفعة‬
‫النفور والتقزز ‪.‬‬
‫عند ديوي تعني المنفعة بمعناها الواسع وليست المنفعة الماديّة‬
‫المباشرة ‪ ،‬إنما يدخل ضمنها العامل النفسي ‪ ،‬والتربوي ‪،‬‬
‫واألخالقي‪ .‬وبهذا فإن ديوي لم يفصل بين الفنون الجميلة‬
‫والفنون التطبيقيّة ‪ ،‬ألنها كلها لديه عبارة عن تجربة تضمن لنا‬
‫الشعور بالرضا واإلشباع ‪ ،‬واإلنسان عندما يرقص أو يمثل‬
‫أو يرسم أو يعزف ‪ ،‬فإنه يستهدف من ذلك نتيجة حسيّة ‪ ،‬أو‬

‫‪65‬‬
‫نفع ملموس ‪ ،‬وعندما يستعمل األدوات المنزليّة ويعطيها صبغة جماليّة ‪ ،‬إنما يستهدف‬
‫أغراضاًٍ عمليّة بطبيعة الحال ‪.‬‬

‫أسئلة المبحث الثاني‬

‫س‪ – 1‬ما علم الجمال ‪ ،‬ومن هو أول من وضع مصطلح ( أستطيقا )؟‬
‫س‪ – 2‬الطبيعة مملوءة بالجمال ‪ ،‬كيف يستطيع اإلنسان أن يصنع الجمال ؟‬
‫أ – هل يكتفي بالجمال الطبيعي ؟ ب – أم أنه يصنع الجمال بالفن ؟‬
‫س‪ – 3‬أعط أسماء بعض الفنون بصورة عامّة ‪.‬‬
‫س‪ – 4‬ما الفرق بين الجمال الطبيعي والجمال الفني ؟ اشرح بإيجاز نظريّة الجمال‬
‫الطبيعي‬
‫س‪ – 5‬بعض الفالسفة أنكروا جمال الطبيعة ‪ ،‬وقالوا إن الجمال هو من صنع‬
‫اإلنسان عن طريق الشعر ‪ ،‬والرسم ‪ ،‬والموسيقا ‪ ..‬هل هذا صحيح ؟‬
‫س‪ – 6‬اذكر أهم نظريتين في الفن من حيث وظيفته ‪ .‬واشرح واحدة فقط ‪.‬‬

‫نشـــاط ‪:‬‬
‫استخرج من كتب الفلسفة ‪ ،‬أو من كتب علم الجمال ‪،‬‬
‫الخاصة بالفنون الجميلة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المصطلحات‬

‫‪66‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الفلسفة المعاصرة‬

‫األهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراًعلى أن ‪:‬‬


‫‪ -1‬يعدد خصائص الفلسفة المعاصرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬يفهم الفلسفة الوجودية وميادين بحثها ‪.‬‬
‫‪ -3‬يفهم معنى ((البراجماتية))‪.‬‬
‫‪ -4‬يعرف الفلسفة البراجماتية ‪.‬‬
‫‪ -5‬يستذكر رواد الفلسفة البراجماتية ‪.‬‬
‫‪ -6‬يعرف مفهوم (( البنيوية ))‬
‫‪ -7‬يتفهم الفلسفة البنيوية ‪.‬‬
‫سـادت القرن العشرين عدة فلسـفات ‪ :‬الوجودية‪ ،‬والوضعية المنطقية ‪ ،‬و الماركسية‪،‬‬
‫و البراجماتيّـة ‪ ،‬والبنيويـة ‪ ،‬و التفكيكيّة وخرجت منها اتجاهات متعددة ‪ ،‬كان لهذه‬
‫الفلسفات تأثير كبير على الحياة الثقافيّة للشعوب األوربيّة وال ّدول النامية ‪ ..‬ففي بدايات‬
‫القرن العشرين تمكنت الماركسيّة من قيادة دول عديدة علماً انها ايديولوجية في البلدان‬
‫االشتراكيّة سابقاً ‪ ،‬في حين نجد أن الوجوديّة تمكنت في الستينات من السيطرة على‬
‫السّ احة الثقافيّة من رواية ‪ ،‬ومسرح‪ ،‬وفكر ‪ ،‬بل كان لها التأثير على الفكر األوربّي‬
‫خصوصاً ‪ ..‬ونجد تأثير البراجماتيّة في حياة الشعوب التي تعيش تحت ظل النظام‬
‫الرأسمالي ‪ ،‬إذ إنها فلسفة عمليّة تالئم النظام الرأسمالي ‪ ،‬ألنها فلسفة تدعو إلى النتائج‬
‫العمليّة ‪ .‬ويمكن ذكر أهم نقطتين تتصف بهما الفلسفات المعاصرة ‪.‬‬
‫‪ – 1‬ظهرت الفلسفة المعاصرة أداة عمليّة أو أيديولوجيا لمنفعة اإلنسان في الحياة‬
‫الواقعيّة ‪ ،‬وعدم إضاعة الطاقة العقليّة في تفسير الوجود وغير ذلك من المواضيع‬
‫الفلسفيّة التقليديّة ‪ .‬فعلى الفلسفة أن تكون أداة نفعيّة أو عمليّة وقادرة على تغيير العالم‬

‫‪67‬‬
‫نحو األفضل ونجد ذلك ما تتصف به الفلسفة الماركسيّة ‪،‬‬
‫والبراجماتيّة ‪.‬‬
‫‪ – 2‬ويتبع ذلك بالضرورة البحث في اإلنسـان الواقعي ال‬
‫يؤكـــــد الوجـــوديّون(أن‬
‫اإلنسـان العام ‪ ،‬بل اإلنسان الذي يعاني في وجوده من العزلة‪،‬‬ ‫ا لـــــو جــــو د يسبــــــــق‬
‫واالغتراب وهذا التوجّ ه في الفلسفة نجده في الوجوديّة‬ ‫الماهيّة ) أي أن اإلنسان‬
‫يوجــــد ً‬
‫أوال ثــــــم يحقق‬
‫خاصة ‪.‬وبعد أن كان اإلنسان في نظر عديد من الفالسفة‬‫ّ‬ ‫ماهيته ‪ ،‬وخصائصه فيما‬
‫بعد ‪. ....‬‬
‫القدماء والمحدثين – جزءاً من الطبيعة ‪ ،‬أصبح في الفلسفة‬
‫المعاصرة ( مركز البحث ) ‪ .‬إن اإلنسان ليس مجرد شيء‪،‬‬ ‫يقـــــول ســـــارتر ‪(( :‬إن‬
‫اإلنسان محكوم عليه أن‬
‫ألنه ال يمكن إخضاعه للتجربة فهو ليس ظاهرة كظواهر‬ ‫يكون ح ّراً )) ‪.‬‬
‫الطبيعة األخرى ‪،‬إنه( ذات) معنويّة ‪ ،‬وإرادة ‪ ،‬هيهات‬
‫ألية قوانين قادرة على التحكم فيه ‪ ،‬ولهذا نزع الفالسفة‬ ‫يرى وليم جيمس ‪ :‬أن‬
‫تاريخ الفلسفة تاريخ‬
‫المعاصرون للدعوة إلى معرفة اإلنسان نفسه ‪.‬‬ ‫تصادم أمزجة إنسانيّة ‪.‬‬
‫وفيما يأتي بعض الفلسفات المعاصرة ‪:‬‬
‫الفلسفة الوجوديّة ‪:‬‬
‫الوجود اإلنساني يتميّز‬
‫تستهدف الفلسفة الوجوديّة البحث في الوجود اإلنساني ‪.‬‬ ‫«باالختيار» ‪ ،‬فاإلنسان‬
‫عند الوجوديين صانع‬
‫ومن يدافع عن اإلنسان الفرد يقال عنه ( وجودي ) ويمثل‬ ‫وجوده ورب أفعاله ‪.‬‬
‫هذا االتجاه (كيركيجرد) و( وكارل يسبرز ) إذ يرى كالهما‬
‫أن التجربة الفرديّة التي يعاني منها اإلنسان ال يمكن التعبير‬
‫عنها إال من يعانيها أو من يحياها ‪ .‬ومن يقوم بتفسير اإلنسانيّة‬
‫بصورة مجرّ دة وعامّة يقال له (أنطولوجي ) ويمثل هذا االتجاه‬ ‫إن الفلسفات الوجوديّة‬
‫فلسفات فرديّة في‬
‫( مارتن هيدجر ) و (جــان بول سارتر) ‪ ،‬إذ أقام ٌ‬
‫كل منهما‬ ‫أساسها‪ ،‬تقوم على الفرد‬
‫ً‬
‫أوال وأخيراً ‪ ،‬وينظر إلى‬
‫(علم الوجود) أو ( االنطولوجيا ) ‪.‬‬ ‫كل منها على أنه يمثل‬
‫ومن الوجوديين المحدثين الفيلسوف الدنماركي (سيرين‬ ‫قلعة مقفلة على نفسها ‪.‬‬

‫كيركيجرد) ‪ ،‬الذي استحق لقب أول فيلسوف وجودي ‪ ،‬ألنه‬

‫‪68‬‬
‫أول من (ق ّدم الوجود على الماهيّة)‪ .‬وإن مصطلح (فيلسوف‬
‫وجودي) لم يوصف به أحد قبله ‪ ،‬فوصف ( وجودي ) ينطبق‬
‫على كيركيجرد الذي تفرغ في دراسته لمشاكل الوجود اإلنساني‬ ‫إنه من الخطأ حصر‬
‫الفلسفة الوجوديّة في‬
‫بما فيها من قلق‪ ،‬ومعاناة ‪ ،‬واغتراب ‪.‬‬ ‫نظريّة وجوديّة واحدة ‪،‬‬
‫ً‬
‫مثال ‪ ،‬إن‬ ‫كنظريّة سارتر‬
‫ليس هناك فلسفة وجوديّة واحدة ‪ ،‬وإنما هناك فلسفات‬
‫هناك اختالفات جوهريّة‬
‫وجوديّة متعددة ومختلفة ‪ ،‬ولكن كلها تق ّدم الوجود على الماهيّة‬ ‫بين كل نظريّة من‬
‫النظريّات الوجوديّة‪.‬‬
‫وللفلسفات الوجوديّة تيّاران رئيسان هما ‪ :‬الوجوديّة الدينيّة‬
‫ويمثلها كيركيجورد‪ ،‬وكارل يسبرز ‪ ،‬والوجوديّة غير ال ّدينيّة‬
‫ويمثلها مارتن هيدجر وجان بول سارتر ‪.‬‬
‫تعتقد الوجوديّة أن الناس يأتون إلى هذا العالم دون أن يحملوا‬
‫الخاصة – كل منا بطريقته‬
‫ّ‬ ‫أية ( ماهيّة ) ‪ ،‬فنحن نصنع ماهيّتنا‬
‫الفرديّة– ودون أن يشترك مع غيره في شيء ‪ ،‬ونحن نصنعها‬
‫في كل لحظة من لحظات حياتنا ‪.‬‬
‫الوجوديّة ترفض العقل‪ :‬وقفت الوجوديّة ضد المذاهب العقليّة‪،‬‬
‫وباألخص مذهب الفيلسوف األلماني( هيجل ) ‪ ،‬ففي مذهبه‬
‫تصل النزعة العقليّة إلى ذروتها ‪ .‬وقد وقف الفالسفة الوجوديّون‬
‫كافة ضد(العقالنيّة الهيجليّة) ‪.‬‬
‫ثـار كيركيجورد الذي يلقب ( أبو الوجوديّة ) ضد فلسـفة‬
‫هيجل فأقام ( الذاتيّة ) مكان ( الموضوعيّة ) ‪ .‬ومعنى الذاتيّة‬
‫عنده هو أننا نستطيع بق ّوة العاطفة الوصول إلى حقيقة وجودنا‪.‬‬
‫وقد رفض كيركيجورد أن يكون وجوده فقرة من فقرات الفلسفة‬ ‫سيرين كيركيجورد‬
‫التي نادي بها هيجل فيقول ر ّداً على هيجل ‪ :‬تستطيع أن تقول‬
‫كل ما تريد ‪ ،‬ولكنني لسـت مرحلة منطقيّة في مذهبك‪ ،‬أنـا‬
‫موجود ‪ ،‬وأنا حر ‪ ،‬وأنا فرد ولست تص ّوراً ‪ ،‬وال تستطيع‬

‫‪69‬‬
‫أية فكرة مجرّ دة أن تعبّر عن شخصيّتي ‪ ،‬وان تعرف ّ‬
‫ماضيي‬
‫وحاضري ‪ .‬وعلى األخص مستقبلي ‪ ..‬وال يستطيع أي قياس‬
‫أن يفسّ رني أنا وحياتي أو االختيارات التي أقوم بها ‪ ،‬أو أن‬ ‫حسب الوجوديّة ‪ :‬ما‬
‫دمت أنت تقوم بإنجاز‬
‫تعلل مولدي ومماتي ‪ ،‬ومن ثم فإن أفضل ما تفعله الفلسفة هو‬ ‫أو إتمام هذا المشروع ‪،‬‬
‫ً‬
‫معقوال ‪ ،‬وأن‬ ‫أن تدع ادعاءاتها المجنونة لتفسّ ر العالم تفسيراً‬ ‫فأنت مسؤول عن حياتك‪،‬‬
‫هي وجودك ‪ .‬أنت موجود‬
‫تركز اهتماماتها على اإلنسان فتصف الوجود اإلنساني كما‬ ‫ألنك أنت حر في اختيارك‬
‫ألشياء ‪.‬‬
‫هو ‪ ..‬وهذا وحده هو المهم‪ ،‬أما الباقي فعبث ‪.‬تتخذ الوجوديّة‬
‫من اإلنسان محوراً للدراسة والبحث ‪ ،‬وهي ترفض التفسير‬
‫العقلي للوجود كله وفق منطق معين ‪.‬‬
‫الفلسفة الماركسيّة ‪:‬‬
‫تسمّى الفلسفة الماركسيّة بالماديّة الديالكتيكيّة ( الجدليّة )‬
‫‪،‬إسسها كل من ‪ :‬كارل ماركس ( ‪ ) 1883 – 1818‬وفريدريك‬
‫أنجلس (‪ ، )1895 – 1820‬وقام فالديمير لينين ( ‪– 1870‬‬
‫‪ ) 1924‬بتطويرها‪.‬‬
‫نشأت الماركسيّة في منتصف القرن التاسع عشر ‪ ،‬وكان‬
‫كارل ماركس‬
‫هدفها هو تحرير الطبقة العاملة ( البروليتاريا ) من النظام‬
‫مزاج ماركس مزاج‬
‫الرأسمالي ‪ .‬وللماركسيّة جذور في الفكر اإلنساني السّ ابق ويعد‬ ‫تجريبي نشأ في مرحلة‬
‫كان العلم فيها قد بلغ تقدماً‬
‫هيجل من ابرز الفالسفة الذين كان لهم تأثيراً حاسماً في هذه‬
‫ال يستهان به ‪ ...‬إنه مزاج‬
‫الفلسفة وذلك قولـه ( بالديالكتيك ) وهو يعتقد ان التناقض‬ ‫نشأ على شبه التش ّرد في‬
‫مكتبات لندن العامّة ‪ ،‬وبال‬
‫شي ‪ ،‬وانه الدافع االساس للحركة والتغيير‬
‫موجود في كل ْ‬ ‫مركز سياسي ‪.‬‬
‫في العالم المادي والعقلي ‪ ،‬وان هذا التغيير حتمي ويؤدي‬
‫جذور الماركسيـــــــــة ‪-:‬‬
‫الى (طفرات) تؤدي بدورها الى تغيرات نوعية ‪ .‬وقد فسر‬ ‫الفلسفة االلمانية واالقتصاد‬
‫السياسي االنكليــــــــــزي‬
‫هيجل التاريخ على اساس فكرة (الجدل) فتصور على انه دائم‬ ‫واالشتراكية الخيالية‬
‫االرتقاء نحو الكمال الروحي ‪ .‬ولكن الماركسية فسرت التاريخ‬

‫‪70‬‬
‫على اساس مختلف ‪ ،‬فرأت ان الصراع الطبقي هو الذي يحرك‬
‫التاريخ ألسباب اقتصادية ‪.‬‬
‫الفلسفة البراجماتيّة ‪:‬‬
‫جاءت كلمة البراجماتيّة من ‪ pragma‬كلمة يونانيّة تعني‪:‬‬ ‫عند البراجماتيّة أن‬
‫فعل أوعمل أو نشاط ‪ .‬وأول من استخدم هذا المصطلح هو‬ ‫المنفعة العمليّة للمعارف‬
‫هي المصدر والمعيار‬
‫الفيلسوف األمريكي( جارلس بيرس ) ‪.‬‬ ‫الرئيس لصحتها ‪.‬‬
‫والبراجماتيّة نشـأت في أمريكا في بدايـات القرن العشـرين‬
‫على يد ثالثة مفكرين وهم ‪ ( :‬جارلس بيرس ) و ( وليم‬
‫جيمس) وجون ديوي ) ‪ .‬وإن هؤالء الثالثة اتفقوا على أن العقل‬
‫أداة للعمل المنتج ‪ ،‬لذلك فال يهمهم المبادىء بل النتائج ‪،‬وأصبح‬
‫صدق الفكرة في التحقق من منفعتها بالتجربة ‪.‬‬
‫إن معيار الحقيقة عندهم هو ( اآلثار ) العمليّة للفكرة ‪ ،‬فالفكرة‬
‫تكون صحيحة أو صادقة إذا أنتجت آثاراً أو نفعاً لإلنسان ‪،‬‬
‫وعكس ذلك إذا لم تعط الفكرة نتائج أو آثاراً مفيدة فهي غير‬ ‫وليم جيمس‬
‫صادقة ‪.‬‬
‫يرى وليم جيمس أن مزاج‬
‫والبراجماتيّون يرفضون ضياع الطاقة العقليّة في البحث في‬ ‫افالطون مزاج عقلي نشأ‬
‫أشياء غير عمليّة وال تعطي نتائج نفعيّة ‪ ،‬كالبحث في طبيعة‬ ‫في مرحلة تاريخيّة بعيدة‬
‫عن التق ّدم العلمي ‪ ،‬وإنه‬
‫الكون‪ ،‬والجوهر ‪ ،‬والموجودات ومصيرها ‪ ،‬ألنها أبحاث تبدد‬ ‫مزاج نشأ على الجاه‬
‫االجتماعي العريض ‪.‬‬
‫طاقة العقل ‪ ...‬وهم يستهدفون المنفعة من العقل ألنه أداة عمليّة‬
‫تنفع اإلنسان في حياته‪ ،‬لذلك فهم ال يسألون ‪ :‬ما الكهرباء ؟ ما‬
‫استعمل وليم جيمس‬
‫الما ّدة؟ ما الروح؟ إنها موضوعات كثيراً ما أضاعت من وقت‬ ‫كلمة(كاش)( ‪) cash‬‬
‫الفلسفة التقليديّة ‪.‬‬ ‫التي تعني (التسديد نقداً)‪.‬‬
‫كمعيـــــار للحقيقـــــــــة ‪،‬‬
‫إن األعالم الثالثة يتفقون على أن األفكار ليست ذات قيمة‬ ‫ال يعني بها إرضـــــــــاء‬
‫االحتيـــاجــــــات الما ّدية‬
‫في حد ذاتها ‪،‬إنما بما تقدمه من آثار نافعة ومفيدة لإلنسان في‬ ‫للفرد وحدهـــــا ‪ ،‬بل يعني‬
‫حياته العمليّة‪.‬‬ ‫بهـــــا مصلحــــة المجتمع‬

‫‪71‬‬
‫ال ترى البراجماتيّة أن المنفعة الفرديّة هي المحك لصدق‬
‫الصادقة من أن تتالءم مع غيرها من‬ ‫الفكرة‪ ،‬بل ال بد للفكرة ّ‬
‫األفكار العامّة التي تثبت صحتها عمليّاً ‪ .‬إنها فلسفة ال تدع‬
‫االعتقاد رهناً بإرادة تعسّ فيّة ‪ ،‬بل تطلب بانسجام اعتقاد مع‬
‫االعتقادات األخرى ‪ .‬فبالنسبة الى السارق فإن عمله ذو نتائج‬
‫مفيدة ‪ ،‬لكنه يحمل أفكاراً أخرى عن القانون ال تنسجم مع‬
‫الرأي األول ‪ .‬أبرز البراجماتيين هم ‪:‬‬
‫‪ – 1‬جارلس بيرس ‪ :‬إن قيمة الفكرة تتحدد بالقياس إلى آثارها‬
‫العمليّة في حياة اإلنسان‪ ،‬فليست سوى قواعد للسلوك أو العمل‬
‫وإن كل فكرة ال تؤ ّدي إلى سلوك عملي في الواقع فهي فكرة‬
‫الصدق ‪ .‬وانتهى بيرس إلى ضرورة تطبيق‬
‫محكوم عليها بعدم ّ‬
‫مناهج البحث العلمي على الفلسفة ‪ ،‬إذإن التسليم بفكرة يقتضي‬
‫أن ينشأ عنها سلوك عملي ‪.‬‬
‫‪ – 2‬وليم جيمس ‪ :‬وهو من أبرز البراجماتيين ‪ ،‬يرى أن‬
‫مقياس أو معيار الحقيقة هو نجاح الفكرة عمليّاً ‪ ،‬فالفكرة تكون‬
‫صادقة متى ما حققت آثاراً أو نتائج عمليّة ‪ .‬ومن ثم فإن أفكارنا‬
‫ومعتقداتنا ال تطلب لذاتها ‪ ،‬إنما تلتمس على أنها وسائل لتحقيق‬
‫أغراض في دنيا الواقع ‪.‬‬
‫فالفكرة يجب أن تكون أداة سلوك عملي في حياتنا ‪ ،‬والفعل‬
‫اإلنساني فاضل متى ما حقق نفعاً في حياة اإلنسان ‪ ،‬وهكذا‬
‫الصواب والخطأ هو القيمة المنصرفة ‪cash-‬‬
‫أصبح محك ّ‬
‫‪ value‬في دنيا الواقع ‪ ،‬ليس ثمة حق في ذاته ‪ ،‬إنه كالسلعة‬ ‫جون ديوي‬
‫ً‬
‫فعال ‪.‬‬ ‫قيمتها تقدر بثمنها الذي يدفع‬
‫‪ – 3‬جون ديوي ‪ :‬وهو من البراجماتيين ‪ ،‬سميت فلسفته‬
‫(الذرائعيّة) أو( الوسيليّة ) ‪ ،‬وقد جاءت فكرته هذه تأثراً‬

‫‪72‬‬
‫بنظريّة (جارلس دارون) التط ّوريّة ‪ ،‬فقد أكد ديوي أن حياة‬
‫اإلنسان ما هي إال محاولة للتكيف مع البيئة إن العقل عند ديوي‬
‫ليس أداة معرفة فقط ‪ ،‬بل أداة ترقية للحياة ‪ ،‬وصواب المعتقد‬ ‫يقول ديوي ‪ :‬إن الفكرة‬
‫هي اختراع لحل أشكال‬
‫مرهون بأثره ‪ .‬وعند ديوي أن الحق هو التحقق من منفعة‬ ‫‪ ،‬أو خطة للتغلب على‬
‫صعوبة ‪ ،‬أو مشروع‬
‫الفكر بالتجربة ‪ ،‬وال يمكن أن يكون شيئاً آخر ‪.‬‬ ‫للتخلص من مأزق ‪ ،‬فهي‬
‫وإن األفكار ليست إال وسائل أو ذرائع يستهدف اإلنسان منها‬ ‫في كل الحاالت أداة للعمل‪.‬‬

‫تحقيق التوافق أو االنسجام مع البيئة التي يعيشها ‪.‬‬


‫الفلسفة البنيويّة ‪:‬‬
‫جاء لفظ البنيويّة من البناء أو نسق من الرموز ‪ ..‬والبنية‬
‫في اإلنجليزيّة ‪ . structure‬وزعيم البنيويّة هو الفيلسوف‬
‫الفرنسي ( كلود ليفي شتراوس) ‪ ،‬ولد عام ‪ ، 1908‬وهناك‬
‫مفكرون آخرون تأثروا بالبنيويّة وذهبوا شتى في التفسيرات‬
‫كلود ليفي شتراوس‬
‫أمثال ‪ :‬جان بياجيه ‪ ، 1980‬وجان الكان ‪ ، 1984‬ولويس‬
‫التوسير ‪ ، 1990‬وميشيل فوكو ‪. 1994‬‬
‫كان اهتمام البنيويين مركزاً على إيجاد ( بنيات ) أو‬ ‫يعد كلود ليفي شتراوس‬
‫من أبرز ممثلي البنيويّة‬
‫(أنساق) للعلوم اإلنسانيّة ( علم االجتماع ‪ ،‬واالنثروبولوجيا‪،‬‬ ‫وأوسعهم انتشاراً ‪ ،‬كما‬
‫أنه صاحب التأثير المباشر‬
‫وعلم النفس‪ ،‬والتاريخ ‪ ...‬وغيرها ) تشبه األنساق أو البنيات‬ ‫في المجال المنهجي لعلم‬
‫الرياضيّة التي تستخدمها ( العلوم الطبيعيّة ) في قوانينها ‪،‬‬ ‫االجتماع ‪.‬‬

‫فأراد البنيويّون أن يفعلوا الشيء نفسه لعلم االجتماع ‪ ،‬والعلوم‬


‫اإلنسانيّة كلها ‪.‬‬
‫هدف البنيويّة ‪ :‬تستهدف البنيويّة من ذلك أن تجعل علوم‬
‫اإلنسان (علماً دقيقاً ) أي جعل العلوم اإلنسانيّة قائمة على أساس‬
‫علمي دقيق ‪ .‬وقد اتخذت في محاولتها ‪ ،‬األنموذج اللغوي ‪،‬‬
‫وهو الذي يعتمد عليه في جعل تلك العلوم ذات أساس قوي ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫يبدو أن هذه المحاولة قد تأثرت بالنجاحات التي أحرزتها‬
‫العلوم الطبيعة عندما وجدت لها رموزاً وبنيات مأخوذة من‬
‫الرياضيات ‪ ،‬أقامت بوساطتها القوانين العلمية المعروفة ‪ .‬إن‬ ‫إن البنيويّة تحقق االنتقال‬
‫إلى أسلوب التعبير الكمّي‬
‫االنقالب األساس الذي طرأ على العلوم الطبيعية حين تخلت‬ ‫في ميدان الدراسات‬
‫اإلنسانيّة ‪ ،‬وهو االنتقال‬
‫في أوائل العصر الحديث عن الطرق العشوائية و استخدامها‬ ‫الذي حدث بالفعل في‬
‫الرموز في فهم الظواهر الطبيعية‪.‬‬ ‫العلوم الطبيعيّة منذ أربعة‬
‫قرون ‪.‬‬
‫أن البنيوية في محاولتها لبناء علم للعلوم اإلنسانية تتشبه‬
‫بالعلوم الطبيعية في منهجها و استخدامها الرموز الدقيقة ‪..‬‬
‫ً‬
‫بدال من الرموز‬ ‫فأرادت البنيوية استخدام ( رموز اللغة )‬ ‫إن أي كلمة في اللغة‬
‫هي رمز ‪ ،‬وإن اللغة‬
‫الرياضة لبناء علم راسخ ودقيق للعلوم اإلنسانية ‪ .‬وحول علمية‬ ‫تعمل بوصفها نظاماً من‬
‫الرموز‪.‬‬
‫العلوم اإلنسانية ‪ ،‬يقول كلود ليفي شتراوس ‪ ( :‬أما أن تكون‬
‫العلوم اإلنسانية علوماً بنيوية ‪ ،‬وأما أال تكون علوماً على‬
‫اإلطالق )‪ .‬لهذا يرى البنيويّون أن كل علم من العلوم ال بد أن‬
‫يكون بنيويّاً ‪ ،‬بمعنى أن تكون له بنيات من الرّ موز تجعل منه‬
‫علماً دقيقاً‪ ،‬ال كالعلوم اإلنسانيّة التي ظلت ومازالت تتخبط في‬
‫نظريّات وآراء متضاربة ‪.‬‬ ‫تحدد البنيويّة لنفسها‬
‫مهمة الوصول بالعلوم‬
‫استخدام الرموز اللغويّة ‪ :‬والقول إن العلوم ال بد أن تكون بنيويّة‬ ‫الخاصة باإلنسان إلى‬
‫ّ‬
‫بمعنى أن يكون لها نسق من العالقات ‪ ،‬كالرموز الرياضيّة التي‬ ‫مجاالت معرفيّة لها نفس‬
‫دقة الفيزياء على سبيل‬
‫تصف الموضوعات الخارجيّة أو ظواهر العالم الواقع‪ ،‬بمعنى‬ ‫المثال ‪.‬‬

‫القيام بصياغة (أنموذج) وهذا (األنموذج) يمثل (نسقاً)‪ ،‬يستطيع‬


‫العالم إدراك العالقات بين األشياء أو فهمها‪ ،‬ومن ثم صياغة‬
‫الواقع في مجموعة من المقوالت الشكليّة أو الرمزيّة ‪ ،‬وعن‬
‫طريق هذا النسق الذي يصوغ القانون ‪ ..‬سيؤ ّدي إلى التنبؤ وما‬
‫سيؤول إليه‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫يقول كلود ليفي شتراوس ‪ :‬هل يمكننا أن نطبق الطريقة‬
‫المنضبطة في العلوم اإلنسانيّة ‪ ،‬فيما يتعلق بالتنظيم االجتماعي‪،‬‬
‫وال ّدين‪ ،‬واألدب ‪ ،‬والقرابة باالستعانة باللغة؟‬
‫فالبنيويّة قد اختارت لها هدفاً هو ( ال ّدقة العلميّة) للعلوم‬ ‫يريد كلود ليفي شتراوس‬
‫أن يؤسس تلك العلوم‬
‫اإلنسانيّة وإنها تستعين باألنموذج اللغوي من أجل تحقيق‬ ‫(اإلنسانيّة) على دعائم‬
‫منهجيّة دقيقة ‪ ،‬مستلهماً‬
‫ذلك الهدف ‪ .‬وإن أصحاب األثر األول على البنيويّة هو العالم‬
‫مناهج (علوم اللسان)‬
‫اللغوي السويسري ( فرديناند دي سوسير) الذي كان موقفه‬ ‫اللغات ‪ .‬ويأمل أن العلوم‬
‫اإلنسانيّة تستطيع بلوغ‬
‫بمثابة رد عنيف ضد ((الدراسات التاريخيّة للغة ))‪ ،‬إنه يؤكد‬ ‫الهدف المنشود وتحقيق‬
‫أكبر قسط ممكن من‬
‫أن اللغة‪ ،‬أية لغة ‪ ،‬هي لغة سكونيّة ( ثابتة ) ‪ ،‬وليست تاريخيّة‬
‫الصرامة العلميّة ‪.‬‬
‫وال متط ّورة ‪ .‬وبهذا فإن االتجاه البنيوي في فهم الظاهرة اللغويّة‬
‫بمثابة إنكار البعد التاريخي ‪ ،‬أن هذا الثبات أو السّ ـكون يجعل‬
‫اللغة ممكنة ‪،‬ألن يصاغ منها القوانين للعلوم اإلنسانيّة ‪ ،‬واللغة‬
‫بنية ال تؤ ّدي وظيفتها إال بمقتضى طبيعتها الرمزيّة ‪.‬‬
‫إن مهمة البنيوي – حسب ليفي شتراوس – إنما تنحصر‬
‫في بناء ( األنموذج ) المالئم لموضوعه ‪ ،‬فقد راح منذ البداية‬
‫يؤسس لتلك العلوم على دعائم منهجيّة دقيقة ‪ ،‬مستلهماً مناهج‬ ‫إن نجاح اللغويات –‬
‫وهي قبل كل شيء علم‬
‫(علوم اللسان ) أي علوم اللغة ‪.‬‬ ‫إنساني‪-‬في بلوغ مرتبة‬
‫العلم المنضبط ‪ ،‬كان‬
‫البنيويّة والمجتمع ‪ :‬إن ال ّدراسات التي قام بها ليفي شتراوس‬ ‫ً‬
‫عامال مشجعاً للباحثين‬
‫هي التي أ ّدت إلى تحديد مضمون فكرة البنية كونها ذات طبيعة‬ ‫في الميادين األخرى‬
‫للدراسات اإلنسانيّة على‬
‫(ال شعوريّة رمزيّة ) أي أنها مخزونة في أعماق اإلنسان ‪.‬‬ ‫اإلقتداء بهذا العلم الناجح‬
‫وهنا يقرر أن ً‬
‫كال من ( عالقة القرابة )‪ ،‬أو العالقة اللغويّة‬ ‫في منهجه ‪ ،‬وفي الهدف‬
‫الذي يرمي إلى تحقيقه ‪.‬‬
‫هي ( عالقة تبادل)سواء بسواء ‪ ..‬نظام من أنظمة التواصل ‪.‬‬
‫وهكذا فإن تقاليد الزواج ونظم القرابة نوع من اللغة‪ .‬وال تتطور‬
‫القرابة ( صلة الرحم ) بطريقة تلقائيّة ‪ ،‬بل تتط ّور باعتبارها‬

‫‪75‬‬
‫(نسقاً ) ونظاماً اتفاقيّاً بحيث ال تبقى مجرّ د ظاهرة بيولوجيّة‪ .‬وتبعاً لذلك فإن القرابة ( لغة)‬
‫ألنها تضمن قيام ضرب من ( التواصل ) بين األفراد والجماعات ‪ .‬واألساطير عند القبائل‬
‫التي تسمّى بدائيّة ‪ ،‬وجد كلود ليفي شتراوس أنها تكاد تكون متشابهة ‪.‬‬
‫إن جميع الثقافات نتاج األدمغة البشريّة‪ ،‬لذا ال بد من وجود خصائص مشتركة‬
‫بينها جميعاً ‪ ...‬وبما أنها متماثلة في جميع األفراد (عقل اإلنسان واحد) فمن الواجب أن‬
‫نفترض أن عمليّة توليد المنتجات الثقافيّة ‪ ،‬ال بد أن تكون نتائج هذه المنتجات ما يتميّز‬
‫به ال ّدماغ البشري ذاته من خصائص عامة لجميع البشر ‪ .‬وبناء عليه فإننا لدى استقصاء‬
‫(البنى األوليّة) لظاهرة ثقافيّة ما ‪ ،‬نجد إنـها تـكاد تكون حقائق متقاربة لـدى جميع البشـر‬
‫(المتحضرين ) والذيـن يسـمّون ( بالبدائيين) ‪ .‬وإذا تص ّورنا عقل اإلنسان ( متحضر أو‬
‫بدائي ) ‪ ،‬فإنه ( مبرمج ) عقليّاً ‪ ..‬وإن ال ّدماغ هو مستودع للغة ‪ ،‬وإن ما يخزنه العقل من‬
‫معلومات هو باللغة نفسها ‪ ،‬وقد فسّ ر شتراوس ذلك بفكرة ( الالشعور )‪ ،‬واسـتنتج أن عقل‬
‫اإلنسـان واحد ‪ .‬ومثال عن ديمقريطـس الذي قال بـ ( الذرات) قبل ‪ 2500‬سنة ق‪ .‬م ‪،‬‬
‫واآلن يقول العلماء إن العالم يتكون من الذرات كذلك مع فارق بالتوسع في المعلومات في‬
‫العالم المعاصر ‪.‬‬

‫أسئلة المبحث الثالث‬


‫س‪ – 1‬ما خصائص الفلسفة المعاصرة ؟ عددها مع الشرح ‪.‬‬
‫س‪ – 2‬هل تبحث الفلسفة الوجوديّة في ‪:‬‬
‫أ – وجود الطبيعة الماديّة ب – وجود اإلنسان ؟‬
‫س‪ – 3‬ما معنى لفظة ( البراجماتيّة ) ؟ ومن هم أهم رواد هذه الفلسفة ؟‬
‫س‪ – 4‬ماذا نقصد بـ (البنيويّة )؟كيف حاولت وضع قوانين دقيقة للعلوم اإلنسانيّة ؟‬

‫نشــــــــاط ‪:‬‬
‫ابحث في موسوعة الفلسفة عن الفالسفة المعاصرين‪:‬‬
‫الوجوديين ‪ ،‬والبراجماتيين ‪ ،‬والبنيويين ‪....‬‬

‫‪76‬‬
‫الجزء الثاني‬

‫علم النفس‬

‫الفصـل األول‬
‫المبحث االول علم النفس وبداياته وتطوره‪:‬‬
‫االهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراً على أن ‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف معنى علم النفس‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم علم النفس باسلوبه الخاص ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف معنى السلوك ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف جانبي السلوك‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين الروح والنفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يفهم مراحل تطور علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف صلة علم النفس بالفلسفة ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف اّراء بعض المهتمين ببداية علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين علم النفس والفلسفة ‪.‬‬
‫تعريفات علم النفس‬
‫علم النفس ‪ psychology‬كلمة تتكون من مقطعين أو كلمتين لهما اصل يوناني‬
‫هما ‪ psycho‬و ‪ logy‬وتعني بحث أو مقالة ثم تطور المصطلح االخير واصبح يفيد‬
‫معنى البحث الذي له اصول علمية منهجية ‪.‬‬
‫ولعلم النفس تعريفات كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إنه العلم الذي يدرس االنسان ‪ .‬ولكن هذا التعريف عام جداً بحيث يشمل علوما‬
‫اخرى تدرس االنسان‪ ،‬مثل ‪ :‬الفلسفة والعلوم االجتماعية والبيولوجية ‪ ،‬فكل منها‬
‫يدرس االنسان أيضا ولكن من زوايا خاصة ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -2‬هو العلم الذي يدرس الحياة العقلية والنفسية لالنسان ‪ .‬وهذا‬
‫التعريف أكثر تحديدا ودقة من سابقه ‪.‬‬
‫‪ -3‬هو العلم الذي يدرس الوظائف ‪ Functions‬العقلية مثل‬ ‫‪ :Logy‬الحقة تلحق‬
‫بالكلمة وتعني علم أو‬
‫االدراك والتعلم والتذكر والتفكير والتخيل وغيرها في‬ ‫نظرية وهي قد تكون‬
‫تعبير شفوياً أو كتابياً ‪.‬‬
‫حاالتها السوية ‪ ،‬ويدرس هذه الوظائف كذلك في أحوالها‬
‫غير السوية‪.‬‬ ‫الحالة السوية هي الحالة‬
‫السائدة والتي يجتمع‬
‫ولكن هناك شبه اتفاق بين معظم علماء النفس المعاصرين‬ ‫عليها أغلب أفراد المجتمع‬
‫وتكون مقبولة من‬
‫على تعريف علم النفس بأنه ‪:‬‬ ‫اآلخرين وتظهر بدرجات‬
‫العلم الذي يدرس سلوك الكائنات العضوية ‪.‬‬ ‫متساوية تقريبا لدى كل‬
‫أبناء المجتمع ‪.‬‬
‫والسلوك ‪ Behaviour‬كلمة تعني كل أنواع االنشطة‬
‫الحالة غير السوية هي‬
‫أو العمليات الصادرة عن الكائنات العضوية ‪ ،‬والتي يمكن‬ ‫الحالة التي يرى فيها‬
‫مالحظتها بطريقة موضوعية مع إمكان تسجيلها وقياسها بدقة‬ ‫المجتمع أنها خارجة عن‬
‫قيمه ومعاييره وعاداته‬
‫أو إن السلوك هو استجابات هذا الكائن العضوي التي تصدر‬ ‫ً‬
‫مقبوال وهناك‬ ‫وما يراه‬
‫معايير كثيرة صنفها‬
‫عنه كونها رد فعل على منبهات‪ .‬وللسلوك جانبان هما ‪-:‬‬ ‫العلماء للتفريق بين‬
‫‪ -1‬جانب خارجي ظاهر كالحركة والحديث والضحك والمشي‬ ‫الحاالت السوية وغير‬
‫السوية أهمها المعيار‬
‫‪....‬إلخ‬ ‫االجتماعي ‪.‬‬

‫‪ -2‬جانب داخلي باطن كعمليات التفكير والتخيل والتذكر‬ ‫المنبه ‪ :‬هو كل ما موجود‬
‫والحزن والفرح ‪.....‬إلخ‬ ‫في البيئة والذي يتطلب‬
‫من الفرد تقديم جواب‬
‫ونتيجة التطور في الدراسات في مجال علم النفس وتداخل‬ ‫لهذا المنبه ‪ ،‬وهو مشابه‬
‫إلى الفعل ورد الفعل ‪،‬‬
‫هذا العلم مع العلوم االخرى فقد أصبح اليوم التعريف العام لعلم‬ ‫فكل منبه له استجابة ‪،‬‬
‫النفس إنه العلم الذي يدرس السلوك والعمليات العقلية‪.‬‬ ‫فهناك منبه يتطلب االبتعاد‬
‫عنه وهناك منبه يتطلب‬
‫استجابة نفسية مثل‬
‫الوردة التي تثير الشعور‬
‫بالراحة ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫تطور علم النفس‬ ‫الموضوعية هي الحكم‬
‫ً‬ ‫إال أن له ماضياً‬
‫علم النفس وإن كان ذا تاريخ قصير ّ‬ ‫بعيداً عن الذاتية واستخدام‬
‫طويال‪،‬‬ ‫االساليب العلمية في‬
‫ويمكن القول انه من أحدث العلوم وأقدمها في آن واحد ‪.‬‬ ‫الوصول إلى الحكم ‪.‬‬

‫فعلم النفس ذو التاريخ الطويل هو علم النفس الدارج الذائع بين‬ ‫المعيار االجتماعي هي‬
‫عادات المجتمع وقيمه‬
‫الناس والذي يحاول به الفرد أن يفهم غيره من الناس ممن‬ ‫وتقاليده التي تسود‬
‫يعيش معهم ويعاملهم ويتصل بهم‬ ‫المجتمع ‪.‬‬

‫وعلم النفس ذو التاريخ القصير هو علم النفس العلمي الذي‬ ‫لقد ميز القرآن الكريم‬
‫بين الروح والنفس‬
‫اليقبل بالفهم السطحي الساذج بل يتجاوزه إلى التفسير الذي‬ ‫‪.‬فقال سبحانه وتعالى في‬
‫اليقوم على المالحظة العابرة أو الخبرات العلمية العارضة ‪،‬‬ ‫الروح ‪ :‬بسم هللا الرحمن‬
‫الرحيـــــــــــــــم‬
‫ومن ثم إلى التنبوء بالسلوك والتحكم فيه ‪.‬‬ ‫(( ويسئلونك عن الروح‬
‫قل الروح من أمر ربي‬
‫لقد كان علم النفس فرعاً من الفلسفة قبل الميالد بزمان‬ ‫وما أوتيتم من العلم إال‬
‫طويل‪ .‬فقد ذهب بعض فالسفة االغريق االوائل إلى أن الخلط‬ ‫قليال )) صدق هللا العلي‬
‫العظيم سورة االسراء آية‬
‫كبير بين الروح والنفس والعقل‪-‬هي مادة كالهواء ‪ ،‬ولكنها‬ ‫‪85‬‬
‫بلغت حداً كبيراً من الدقة والشفافية‪ .‬حتى جاء أفالطون (‪427‬‬ ‫وفي النفس بسم‬
‫‪ 347-‬ق‪.‬م ) وقال إن ألفكار االنسان تأثيراً كبيراً في سلوكه‪.‬‬ ‫هللا الرحمن ((ونفس‬
‫ماسواها فألهمها فجورها‬
‫لكنه كان يرى أن هذه االفكار لها وجود مستقل عن االنسان ‪.‬‬ ‫وتقواهــــــا )) صدق‬
‫هللا العلي العظيم سورة‬
‫فهي تقيم في الجسم في أثناء الحياة ثم تتركه عند الموت ‪.‬‬ ‫الشمس آية ‪. 7‬‬
‫ثم خطا علم النفس خطوة كبرى في االتجاه العلمي حيث‬
‫االتجاه العلمي موقف‬
‫اشار أرسطو(‪322-384‬ق‪.‬م) إلى أن الروح أو النفس هي‬ ‫عقلي يتميز بالرغبة في‬
‫تحري الحقيقة وااللتزام‬
‫مجموع الوظائف الحيوية للكائن الحي ‪ ،‬أي وظائف الجسم‬ ‫بالمقاييس العلمية في‬
‫وبها يتميزعن الجماد ‪ .‬ومن دونها اليكون الجسم أكثر من‬ ‫ذلك والتعبير عنها بدقة‬
‫ووضوح ‪.‬‬
‫جثة‪ .‬وعلى هذا يكون السلوك والحاالت النفسية نتيجة عمليات‬
‫جسمية ‪ .‬كما أن أرسطو كان أول باحث حاول أن يفهم بصورة‬

‫‪79‬‬
‫منظمة الطرائق التي يفكر بها االنسان وصاغ قوانين في‬
‫(تداعي المعاني) التي سادت في علم النفس أكثر من عشرة‬ ‫علم االلهيات علم االديان‬
‫قرون لذا يمكن عّ ده بحق المؤسس االول لعلم النفس ‪.‬‬ ‫والغيبيات في كل االديان‪.‬‬

‫ثم انتقلت التعاليم االساسية ألرسطو إلى فالسفة العرب‬


‫والمدرسين وهم مفكرو العصور الوسطى من االوربين فظل‬
‫هؤالء جميعا يجادلون ويقبلون القضايا الفلسفية عن طبيعة‬
‫النفس وخلودها وعن مصير االنسان ‪ ،‬وقد انقسموا إلى فريقين‬ ‫التداعي والمعاني عملية‬
‫اختص احدهما بدراسة الظواهر الروحانية وهؤالء هم رجال‬ ‫تتكون بها عالقات وظيفية‬
‫مـــختلفــة والـــمجـــاالت‬
‫الدين ‪ ،‬واختص الفريق الثاني بدراسة الظواهر العقلية وهؤالء‬ ‫النفسية وتداعي المعاني‬
‫يعني إرتباط معنى بمعني‬
‫هم الفالسفة(علماء النفس ) فكانت هذه أول بادرة النفصال علم‬ ‫آخر او عندما يثير معنى‬
‫النفس عن علم االلهيات ‪ .‬فبعد أن كان (علم الروح )أصبح(علم‬ ‫مــــا‪ ،‬معنى اخر ارتبط‬
‫باالول من خالل الخبرة‬
‫العقل ) وكانت العالقة بين العقل والجسم اكبر المشكالت ‪.‬‬ ‫السابقة‪.‬‬
‫حاول الفيلسوف الفرنسي ديكارت (‪ )1650-1596‬حل هذه‬
‫المشكلة (العالقة بين العقل والجسم) فقال إنهما شيئان مختلفان‬
‫متمايزان كل التمايز وليس بينهما ارتباط طبيعي ‪ .‬فالخاصية‬
‫الجوهرية للجسم هي شغل مكان من الفراغ في حين أن خاصة‬
‫العقل عند االنسان هي التفكير والشعور ‪ .‬وأن الصلة بينهما‬ ‫الغدة الصنوبرية غدة‬
‫هي صلة تفاعل ميكانيكي يحدث في الغدة الصنوبرية في المخ‪.‬‬ ‫صماء تقع في اعماق‬
‫نصفي المخ من الجهه‬
‫الخلفية تفرز هرمون‬
‫يساعد في تنظيم مستويات‬
‫أي إن االنسان له عقل وهذا العقل يوجه (اآللة االنسانية) ويجعل‬ ‫النشاط خالل اليوم ‪.‬‬
‫ً‬
‫معقوال‪ ,‬والشعور أهم خاصية للعقل‪,‬‬ ‫االنسان يتصرف تصرفاً‬
‫فالشعور بالمعنى الواسع الذي يجمع كل الحاالت الشعورية‬
‫من تفكير وتذكر وتصور ومشاعر وانفعاالت ورغبات‪ .‬وهنا‬
‫أخذ الباحثون يهتمون بدراسة الشعور وأصبح علم النفس((علم‬
‫الشعور)) ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ولقد ظل علم النفس فرعاً من الفلسفة العقلية التأملية أكثر من‬
‫مئتي عام بعد ديكارت ‪ .‬بالرغم من موضوعه قد تحدد ببعض‬ ‫من تاريخ علم النفس‪:‬‬
‫التحديد‪ ,‬لكن طريقته في البحث لم تزل تعتمد على طريقة‬ ‫علم النفس لم يعترف به‬
‫علما مستقال اال في الربع‬
‫الفلسفة في البحث ‪ ,‬أي على النظر والتامل والبرهان الجدلي‬ ‫االخير من الفرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬وعليه فإنه من‬
‫في قضايا ذات طابع فلسفي صريح مابرحت الصقة بعلم‬ ‫ظواهر القرن العشرين ‪.‬‬
‫النفس منذ القدم‪ ,‬مثل ‪:‬هل العالم الخارجي عالم واقعي أم من‬
‫خلق الخيال؟ هل لالنسان إرادة حرة؟ وقد كان الخالف على‬
‫ديكارت‪ :‬يقول ديكارت إن‬
‫هذه القضايا كبيراً بين الباحثين ألن النظر والتأمل دون سند‬ ‫السلوك ينشأ عن حركة‬
‫واتباع الطرائق العلمية كالمالحظة والتجريب يؤدي حتماً إلى‬ ‫سائل رقيق ‪ .‬واليوجود‬
‫سائل كما توهمه ديكارت‬
‫الخالف ‪ .‬وعندما أشرف القرن العشرون على نهايته حدثت‬ ‫ولو أن علم الكهرباء كان‬
‫متقدما في زمانه وأبدل‬
‫ثالثة انقالبات عنيفة أصابت علم النفس في موضوعه ومشاكله‬ ‫السائل بشحنات كهربائية‬
‫ومنهجه في البحث ‪ ,‬وكان من تأثير ذلك أن أخذ يتحرر من‬ ‫ألصاب كبد الحقيقة ‪.‬‬

‫قيوده القديمة واتسع نطاقه ومجاالته لكي يقترب من العلوم‬


‫الطبيعية ‪.‬‬
‫وكان االنقالب االول على يد ‪:‬‬
‫ابن سينا ‪1037-980‬‬
‫*العالم دارون ‪ )1882-1809( Darwin‬عندما جاء‬ ‫عالم وفليسوف إسالمي‬
‫له اهتمامات واسعة في‬
‫بنظرية التطور ‪ ،‬وقد كان لهذه النظرية تأثير عميق في علم‬ ‫الحياة منها اهتماماته‬
‫النفس عندما أكدت الرأي الشائع بانفصال الحيوان عن االنسان‬ ‫النفسية وقد لقب بالرئيس‪.‬‬
‫له في علم النفس قصيدة‬
‫وهو الرأي الذي تضمنته نظرية ديكارت من أن الحيوان‬ ‫مشهورة مطلعها ‪:‬‬
‫هبطت اليك من المحل‬
‫تحركه الغريزة واالنسان يحركه العقل ‪ .‬كما اتجه الباحثون‬ ‫االرفع ‪...‬ورقاء ذات تعزز‬
‫إلى دراسة سلوك الحيوان؛ ليلقي بعض الضوء على سلوك‬ ‫وتمنع‬

‫االنسان ‪ .‬وقد أكدت نظرية التطور تأثير الوراثة في الفصل‬


‫تأثير البيئة في‬
‫َ‬ ‫بين الجيل الماضي وبين الحاضر ‪ .‬كما أكدت‬
‫تطور الكائنات الحية وبقاء االنسب في معركة الحياة ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫*العالم ﭭونت ‪)1920-1832( Vundt‬‬
‫من مطلع القرن (‪ )19‬كان علماء الفيزيقيا والفسيولوجيا‬
‫يسيرون في بحوثهم على نمط آخر غير نمط التأمل والبرهان‬
‫الجدلي‪ ،‬إذ كانوا يوجهون إلى الطبيعة أسئلة خاصة ثم يجرون‬
‫المالحظات والتجارب للوصول إلى أجوبة عن هذه االسئلة‬
‫وقد أدى بهم هذا المنهج التجريبي إلى الكشف عن كثير من‬
‫الحقائق والمبادئ كالكشف عن خصائص المادة وسرعة‬
‫الصوت والضوء والصلة بين الموجات الكهربائية ‪ ،‬والكشف‬
‫فونت‬
‫عن الدورة الدموية وعن مناطق المخ التي تهيمن على الحركة‬
‫ڤونت وعلم النفس‪ :‬أصبح‬
‫عند االنسان وعن سرعة التيار العصبي ‪ .‬مما أوحى إلى بعض‬ ‫علم النفس في زمن‬
‫الباحثين في علم النفس بأصطناع هذا المنهج التجريبي في‬ ‫(ڤونت) علم العمليات‬
‫بدال من فلسفة‬‫ً‬ ‫العقلية‬
‫دراسة الظواهر النفسية ‪.‬‬ ‫العمليات العقلية ‪.‬‬

‫ففي عام (‪ )1879‬أسس ﭭونت أول معمل لعلم النفس التجريبي‬


‫بجامعة ليبزج بألمانيا ‪ ،‬وهو معمل مزود بأجهزة وأدوات‬
‫الفيزيقيا ‪ :‬يهتم بالفراسة‬
‫خاصة ألجراء تجارب على الحواس المختلفة من سمع ولمس‬ ‫ومالمح الوجه على‬
‫أنها دالئل على المزاج‬
‫وبصر وأخرى على كيفية التذكر والتعلم والتفكير واالنتباه ‪،‬‬ ‫والخلق‪.‬‬
‫وقياس سرعة النبض والتنفس ‪.‬‬
‫لقد كان المعتقد في ذلك الوقت أن العقل والشعور اليمكن‬
‫الفسيولوجيا ‪ :‬تهتم‬
‫قياسهما‪.‬اما منذ هذا التاريخ فقد حق لعلم النفس أن يتخذ مكاناً‬
‫بوظائف االعضاء وعليه‬
‫ً‬
‫مستقال‬ ‫إلى جانب العلوم الطبيعية التجريبية وأن يصبح علماً‬ ‫فأن الفسلجة هي علم‬
‫وظائف االعضاء‬
‫عن الفلسفة العامة من حيث منهجه في البحث‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫*فرويد‪) 1939-1856( Freud‬‬
‫ثم جاء الطبيب النمساوي (فرويد) وأثبت بأدلة قوية وجود‬
‫حياة نفسية الشعورية إلى جانب الحياة النفسية الشعورية ‪،‬‬ ‫التحليل النفسي‪ :‬حاول‬
‫فهناك تفكير الشعوري وإدراك الشعوري وتذكر الشعوري‬ ‫فرويد اكتشاف فحوى‬
‫الجوانب غير الشعورية‬
‫‪ ،‬وهناك رغبات الشعورية ومخاوف الشعورية اليفطن الفرد‬ ‫من خالل تحليل االحالم‬
‫والتداعي الحر والتنويم‬
‫إلى وجودها لكنها مع ذلك تحرك سلوكه وتوجهه على غير علم‬ ‫المغناطيسي وكان يرى أن‬
‫أو إرادة منه ‪ .‬وكثيراً ماتكون سبباً في ظهور اضطرابات نفسية‬ ‫السلوك االنساني محكوم‬
‫بغرائز فطرية الشعورية ‪.‬‬
‫أو عقلية لديه ومن ثم اتسع مدلول الحياة النفسيه وامتدت آفاقها‬
‫فأنبسط ميدان علم النفس وموضوعه ‪ ،‬فبعد أن ظل قروناً يقتصر‬
‫على دراسة الخبرات الشعورية ويسمى (علم الشعور ) إذا به‬
‫آراء فرويد‪ :‬مع أن‬
‫أصبح يرى نفسه مضطراً إلى أن يحسب للعوامل الالشعورية‬ ‫اراء فرويد كانت جدلية‬
‫وتعرضت للنقد من جهات‬
‫حسابا كبيراً في تفسير السلوك السوي والشاذ جميعاً ‪ .‬ومنهج‬ ‫متعددة إال انها ما زالت‬
‫فرويد يختلف عن منهج ﭭونت ألن فرويد اعتمد المنطق وقوة‬ ‫تحضى بالقبول لدى بعض‬
‫االطباء النفسيين في‬
‫الحجة إال أنه يفتقر إلى التجريب ‪.‬‬ ‫عالجهم لمراجعيهم ‪.‬‬
‫واستمرت مسيرة علم النفس في التقدم والتطور إلى جانب‬
‫العلوم التقنية االخرى إلى أن وصل إلى ماهو عليه اليوم‪ ،‬إذ‬
‫تقاس االمم المتطورة بمدى تطور وتقدم علم النفس ‪.‬‬
‫(( إن الدوافع المخبوءة‬
‫الالشعورية‬ ‫والرغبات‬
‫تحكم القسط االوفر‬
‫من سلوكنا )) التحليل‬
‫النفسي‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫اسئلة المبحث االول‬

‫س‪ -1‬ماعلم النفس ؟ وماتعريفه ؟‬


‫س‪ -2‬هل تجد أن هناك تطورا في تحديد هذا التعريف ؟‬
‫س‪ -3‬اعط أمثلة عمَّا يتناوله علم النفس بالدراسة ‪.‬‬
‫س‪ -4‬ماجوانب السلوك ؟‬
‫س‪ -5‬هل علم النفس علم جديد أم علم قديم ؟ وضح ذلك‬
‫س‪ -6‬كيف انفصل علم النفس عن الفلسفة ؟‬
‫س‪ -7‬ماالتغيرات التي أدت إلى تطور علم النفس ؟‬
‫س‪ -8‬ما االختالف بين الحيوان واالنسان كما يرى ديكارت ؟‬
‫س‪ -9‬صحح الخطأ اينما وجد ‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف علم النفس بأنه علم دراسة السلوك والعمليات العقلية ‪.‬‬
‫‪ -‬للسلوك جانب واحد يمكن مالحظته ‪.‬‬
‫‪ -‬تأسس علم النفس الحديث على يد العالم فرويد ‪.‬‬
‫س‪ -10‬اختر مايناسب العبارات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬يرى أفالطون أن لـ‪ .............‬تأثير كبير في السلوك‬
‫( االنفعاالت ‪ -‬االفكار ‪ -‬الرغبات) ‪.‬‬
‫‪ -‬أشار أرسطو إلى أن ‪ ...............‬هي مجموع الوظائف الحيوية‬
‫(العقل ‪ -‬الروح أو النفس ‪ -‬االفعال) ‪.‬‬
‫‪ -‬يرى ديكارت أن ‪..............‬و ‪ ................‬شيئان مختلفان ‪.‬‬
‫(العقل والجسم ‪ -‬العقل والنفس واالرداة) ‪.‬‬

‫نشـــاط‬
‫استعر من مكتبة مدرستك كتاباً في علم النفس ولخص بعض االفكار منه في دفترك ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫مدارس علم النفس‬
‫االهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاءمن المبحث قادرا على ان ‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف معنى المدرسة في علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يعدد أهم المدارس التي نشأ منها علم النفس ‪.‬‬
‫‪-‬يفهم أهم المبادئ التي تعتمدها مدارس علم النفس‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم المدرسة البنائية في علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم الوظيفية في علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم المدرسة السلوكية في علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يتعرف مفهوم مدرسة الجشطلت في علم النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم مدرسة التحليل النفسي في علم النفس‬
‫‪ -‬يفسر االختالفات القائمة بين مدارس علم النفس في تفسيرها للسلوك ‪.‬‬
‫‪ -‬يبين نقاط االلتقاء بين مدارس علم النفس ‪.‬‬
‫مدارس علم النفس‬
‫الظواهر النفسية أو الوقائع السايكولوجية واحدة ولكن تفسيرها يختلف ‪ ،‬بمعنى أن‬
‫السلوك والمالحظات عليه واحدة ‪ ،‬واالسس النظرية لتأويلها متعددة ولذلك وجدت‬
‫المدارس الفكرية التي تضع وتقر أسساً نظرية للدراسة في علم النفس ‪ .‬ومعنى المدرسة‬
‫‪ ،‬هي نظرة مجموعة من العلماء متفقه على عدد من المفاهيم التي تفسر بها السلوك‬
‫االنساني ‪ .‬ومن هذه المـدارس ‪:‬‬
‫‪ -1‬المدرسة البنائية ‪Structuralism‬‬
‫تستهدف المدرسة البنائية وصف البناء أو التركيب النفسي لالنسان ‪ .‬ومن هنا جاء‬
‫اسمها‪ .‬وقد نشأت بتأثير من علم الكيمياء ‪ ،‬لذا فقد اهتم علماء النفس بتحليل المركب‬
‫إلى البسيط ‪ ،‬او الكل الشامل إلى العناصر أو الذرات االساسية التي يتكون منها ‪ .‬وترى‬

‫‪85‬‬
‫هذه المدرسة أن علم النفس يجب أن يركز اهتمامه على دراسة‬ ‫الخبرة الشعورية‪ :‬مايحس‬
‫به الفرد ومايشعر به في‬
‫( الخبرة الشعورية ) أو محتويات الشعور مثل االحساسات‬ ‫أثناء تقديم االستجابة‬
‫لمنبه معين ‪.‬‬
‫والصور الذهنية والمشاعر ‪.‬‬
‫‪ -2‬المدرسة الوظيفية ‪Functionalism‬‬ ‫التكيف مصطلح يستخدم‬
‫في علم النفس وهو أن‬
‫عابت المدرسة الوظيفية على البنائية الطابع التحليلي‬ ‫يغير الكائن مالديه ويجعله‬
‫يتالءم مع ما هو موجود‬
‫والوصفي لها ‪ .‬وتؤكد الوظيفية على أن علم النفس يجب أن‬ ‫في البيئة الخارجية ليشعر‬
‫يدرس الوظائف العقلية لألنسان ‪ ،‬أكثر من دراسته لمحتوى‬ ‫بالتوازن والراحة ‪.‬‬

‫الشعور فقط أو مكوناته‪ .‬وتهتم المدرسة الوظيفية بدراسة‬ ‫جون ديوي ‪-1859‬‬
‫‪ :1952‬عالم نفس‬
‫القدرة على التكيف لدى االفراد فالسلوك عندها وظيفته تكيف‬ ‫ومرب أمريكي‪.‬‬ ‫وفيلسوف‬
‫ٍّ‬
‫أفضل للبيئة ‪ .‬ودرست كذلك وظيفة االدراك على أنه نشاط‬ ‫عمل في التربية وعلم‬
‫النفس واليفصل بينهما‪.‬‬
‫يعتمد على بقية الوظائف مثل الحاجات واالنفعاالت ‪ ،‬وتركز‬ ‫وكان يرى أن التربية‬
‫وحدها هي االداة االفضل‬
‫الوظيفية على مايقوم به الكائن العضوي أكثر من اهتمامها‬ ‫العادة البناء االجتماعي‬
‫بتحليل مايقوم به إلى ذرات وعناصر ومركبات‪ .‬وتأثرت هذه‬ ‫والسياسي واالخالقي ‪.‬‬

‫المدرسة بأفكار (تشارلز دارون) عن الصراع من أجل البقاء‬


‫بافلوف ‪1939-1849‬‬
‫لالصلح ‪ ،‬وأصبح مفهوم التوافق للبيئة بتأثير من المدرسة‬ ‫ارتبط اسمه بالمدرسة‬
‫الوظيفية ذا مركز مهم في الدراسات النفسية مع مالحظة أن‬ ‫السلوكية وهو من الرواد‬
‫االوائل مع أنه كان مهتما‬
‫العمليات االدراكية والحسية جوانب مهمة للتوافق ‪.‬‬ ‫بفيزيولوجيا الهضم ‪،‬‬
‫اال أنه اكتشف االشتراط‬
‫‪ -3‬المدرسة السلوكية ‪Behaviorism‬‬ ‫مبكرا ‪ .‬مُنح جائزة نوبل‬
‫ظهرت السلوكية ثورة ضد البنائية ‪ ،‬وقاد هذه الثورة مؤسس‬ ‫عام ‪. 1904‬‬

‫السلوكية ((واطسن)) االميركي الذي استهدف تكوين علم‬ ‫السلوكية التدرس اال‬
‫موضوعي تجريبي للسلوك يمكن أن يعد فرعاً من العلوم‬ ‫السلوك المالحظ والقابل‬
‫للقياس ومن خالل المنبه‬
‫الطبيعية‪ .‬ولتحقيق هذا الهدف البد لعالم النفس أن يبتعد عن‬ ‫← االستجابة ‪.‬‬

‫االستنباط بما هو عليه من ذاتيه وبعد عن الموضوعية‪ .‬و بينما‬


‫الشعور أمر خاص ‪ ،‬فالسلوك أمر عام ‪ ،‬ويجب أن يهتم العلم‬

‫‪86‬‬
‫بدراسة الحقائق العامة التي يمكن ألي باحث ان يالحظها ‪.‬‬ ‫االشتراط ‪ :‬طعام = إفراز‬
‫لعاب وهو مثير طبيعي‪.‬‬
‫ولو أن بعضهم يبقي على االستنباط في السلوكية وذلك بتسميته‬ ‫ضوء ‪ +‬طعام مع التكرار‪.‬‬
‫السلوك اللفظي ( غير المنطوق) ‪.‬‬ ‫يؤدي إلى إفراز اللعاب‬
‫ضوء فقط يؤدي إلى‬
‫ويرى (واطسن ) أن عالم النفس السلوكي الموضوعي‬ ‫إفراز اللعاب وهذا هو‬
‫المثير الشرطي ‪.‬‬
‫يجب أن يقيد مالحظاته باالستجابات الظاهرة الصريحة التي‬
‫يستجيب بها الكائن العضوي للمنبهات والمظاهر الفيزيولوجية‬ ‫السلوك‪ :‬أفعال قابلة‬
‫للمالحظة والقياس وهو‬
‫التي يمكن مالحظتها والتي تعكس آليات داخلية مثل االعصاب‬ ‫ما يجعله أساًساً ليكون‬
‫موضوعاً لعلم النفس ‪.‬‬
‫والغدد والعضالت ويسمى ذلك بعلم نفس (المنبه – االستجابة)‬
‫تأثير البيئة وتأثير عملية التعلم وتكوين‬ ‫‪ .‬وتؤكد السلوكية بشدة‬ ‫الجشطلت‪ :‬كلمة المانية‬
‫َ‬
‫تعني الصيغة الكلية أو‬
‫العادات‪.‬‬ ‫الشكل ‪.‬‬

‫‪ -4‬مدرسة الجشطلت ‪Gestalt‬‬ ‫قوانين الجشطلت وهي‬


‫ظهرت مدرسة الجشطلت في المانيا قرابة عام (‪)1916‬‬ ‫قوانين تنظم إدراك البناء‬
‫المتماسك وهذه القوانين‬
‫على يد ماكس ﭭرتايمر وزمالئه ‪ .‬وقد استمد اسم هذه المدرسة‬ ‫هي ‪ -1‬قانون الشكل‬
‫المسيطر ‪ -2 .‬قانون‬
‫من دراسات على االدراك البصري للشكل المكاني ‪.‬‬ ‫التجاور ‪ -3.‬قانون‬
‫ترى الجشطلت أن الكل ليس مجموع االجزاء وأن تحليل‬ ‫التشابه ‪ -4.‬قانون الشكل‬
‫الجيد ‪ -5.‬قانون الصورة‬
‫الكل إلى أجزائه يفسده ويفقد مضمونة‪ ,‬ولذلك يجب أن يركز‬ ‫واالرضية‪ ،‬وغير ذلك‬
‫في القوانين التي تفسر‬
‫علماء النفس اهتمامهم على التراكيب الكلية ‪ .‬فاذا نظرنا إلى‬ ‫السلوك ‪.‬‬
‫(مربع) فان الشكل الكلي هو الذي يجعل المربع يبدو كونه‬
‫ك ‪.‬نون ايهر نفيلز‬
‫مربعاً وليس االجزاء‪ ,‬الن المربع أكثر من كونه أربعة خطوط‬ ‫‪ 1932 -1859‬نمساوي‬
‫ً‬
‫مقاال‬ ‫نشر عام ‪1890‬‬
‫سوداء ‪ .‬إنه أربعة خطوط سوداء ذات عالقات خاصة ببعضها‬ ‫عن خصائص الشكل لم‬
‫بعضاً ‪ ,‬فأي أربع نقط يمكنها أيضا أن تضع مربعاً بالطريقة‬ ‫تعرف أهميته إال بعد‬
‫أن ترسخت المدرسة‬
‫نفسها مثل أربعة خطوط‪ ,‬وهذا يعني أن الكل مختلف عن‬ ‫الجالشطتية والتي وجدت‬
‫في ذلك المقال الكثير من‬
‫مجموع أجزائه ‪,‬الن الكل يتكون من أجزاء ذات عالقات معينة‬ ‫مالحظاتها وافكارها ‪.‬‬
‫‪ .‬ولمدرسة الجشطلت أهمية كبيرة وإسهام أكبر في دراسات‬

‫‪87‬‬
‫االدراك ولها منهج خاص في دراسة الذكاء الحيواني واالنساني‬
‫التنويم المغناطيسي‪:‬عملية‬
‫وفي التقدير الكلي للشخصية‪.‬‬ ‫تطبيقية يوضع بموجبها‬
‫شخص في حالة توقف أو‬
‫‪-5‬مدرسة التحليل النفسي ‪Psychoanalysis‬‬ ‫تخفف الوظائف الواعية‬
‫مؤسس هذه المدرسة هو سجموند فرويد (‪)1939-1856‬‬ ‫واالرادية له وتوضع تحت‬
‫تأثير كالم المعالج وهي‬
‫طبيب االعصاب النمساوي ‪ .‬ثم تشعب عن هذه المدرسة وانشق‬ ‫حالة من االيحاء المركز‪.‬‬
‫على مؤسسها بعض طالبه مثل (الفرد آدلر) صاحب علم النفس‬
‫الفردي (وكارل يونج) مؤسس علم النفس التحليلي ‪ .‬ثم تأسست‬
‫أخيرا المدارس التحليلية الجديدة ومعظمها في أمريكا لدى كل‬
‫االيحاء هي حالة استدخال‬
‫من (هورناي)( وأريك فروم )‪ ،‬وغيرهم ‪ .‬وتوجد فروق بين هذه‬ ‫االفكار الخاصة إلى الفرد‬
‫المدارس تعكس وجهات نظر أصحابها ولكن أصل هذا التيار‬ ‫حتى تظهر كأنها افكاره ‪.‬‬
‫واالفراد يختلفون في مدى‬
‫التحليلي كله يوجد عند فرويد‪ .‬يعني التحليل النفسي عند فرويد ‪:‬‬ ‫تقبلهم لاليحاء ‪.‬‬
‫‪ -1‬طريقة فنية للعالج النفسي ‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرية في الشخصية‪ .‬وفي التحليل النفسي تفسر كيفية نشوء‬
‫اعراض االضطرابات النفسية وأمراضها ‪ .‬إن المدارس الفكرية‬
‫أهداف علم النفس‪:‬‬
‫السابقة ليست هي الوحيدة في علم النفس ولكنها االكثر شهرة ‪،‬‬ ‫‪ -1‬وصف السلوك‬
‫ونالحظ أن كل مدرسة تهتم بجانب معين من الظاهرة النفسية‬ ‫االنساني وتفسيره ‪ -2‬ضبط‬
‫السلوك االنساني وتوجيهه‬
‫وتنظر بمنظار خاص إلى هذا الجانب ولكنها تعمم من هذا الجانب‬ ‫وتعديله والسيطرة عليه‬
‫‪ -3 .‬التنبؤ بالسلوك‬
‫وحده على بقية الظواهر ‪ .‬فيهتم التحليل النفسي بالشخصية في‬ ‫االنساني ‪ .‬وأن الهدف‬
‫اضطرابها وسوائها‪ ،‬وتهتم الجشطلت باالدراك والصيغ الكلية ‪،‬‬ ‫من علم النفس هو تحقيق‬
‫السعادة لالنسان ‪.‬‬
‫والبنائية بعناصر الشعور‪ ،‬والوظيفية بالوظيفة الكلية أو مايقوم‬
‫به الكائن العضوي كله ‪ ،‬والسلوكية بالسلوك الموضوعي الذي‬
‫يمكن مالحظته على شكل منبهات واستجابات ‪ .‬ولقد أثرت كل‬
‫مدرسة فكرية من هذه المدارس في علم النفس والباحثين فيه‬
‫تأثيرات معينة في النظرية التي توجه هؤالء الباحثين ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫أسئلة المبحث الثاني‬

‫س‪ -1‬ماذا نعني بمفهوم المدرسة في علم النفس ؟‬


‫س‪ -2‬لماذا نشأت مدارس عديدة في علم النفس ؟‬
‫س‪ -3‬كم مدرسة حاولت دراسة الظاهرة النفسية ؟ اذكرها مبينا تركز كل منها في الدراسة‬
‫‪.‬‬
‫س‪ -4‬هل يمكن تفسير الظاهرة النفسية من خالل مدرسة محددة ؟‬
‫س‪ -5‬قارن بين اثنين من المدارس وحاول أن تحدد االختالفات بينها‪.‬‬
‫س‪ -6‬هل تجد هناك نقاط التقاء بين المدرسة البنائية ومدرسة الجشطلت ؟ وضح ذلك ‪.‬‬
‫س‪ -7‬صحح الخطأ في العبارات االتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الظواهر النفسية واحدة وتفسيرها واحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬ترى المدرسة البنائية أن على علم النفس دراسة وظائف العقلية‪.‬‬
‫‪-3‬هدف المدرسة السلوكية هو دراسة مركب السلوك ‪.‬‬
‫‪-4‬تأثرت مدرسة الجشطلت بأفكار دارون عن البقاء ‪.‬‬
‫س‪ -8‬اختر العبارة المناسبة‪:‬‬
‫‪ -1‬يعني التحليل النفسي عند فرويد‪:‬‬
‫(المنبه واالستجابة ‪ ،‬طريقة فنية في العالج ‪ ،‬التكيف)‪.‬‬
‫‪ -2‬تعني كلمة الجشطلت‬
‫(الجزء ‪ ،‬الكل ‪ ،‬العام)‪.‬‬
‫‪ -3‬ترى المدرسة البنائية أنه يجب التأكيد على‪.‬‬
‫( التفكير ‪ ،‬الخبرة الشعورية ‪ ،‬االدراك )‪.‬‬

‫نشـــاط‬
‫يقوم كل طالب بأختيار مدرسة من مدارس علم النفس ويطرح آراء مدرسته ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫فروع علم النفس‬
‫األهداف السلوكية جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراًعلى أن ‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف فروع علم النفس الرئيسة‪.‬‬
‫‪ -‬يحدد االنشطة التي ترتبط بفروع علم النفس النظرية والتطبيقية‪.‬‬
‫‪ -‬يعدد فروع علم النفس النظرية‪.‬‬
‫‪ -‬يعدد فروع علم النفس التطبيقية‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين الفروع النظرية لعلم النفس وفروعه التطبيقية‪.‬‬
‫‪ -‬يستوعب معنى الفروع النظرية لعلم النفس‪.‬‬
‫‪ -‬يستوعب معنى الفروع التطبيقية لعلم النفس‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين موضوعات علم النفس التطبيقية واالختالفات فيما بينها‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين موضوعات علم النفس النظرية وميزات كل فرع‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف أهمية كل فرع من فروع علم النفس وميدان تطبيقه ‪.‬‬
‫فروع علم النفس‬
‫يقسم علم النفس الى قسمين رئيسيين هما ‪:‬‬
‫‪Theoritical psychology branches‬‬ ‫أ ‪ -‬الفروع النظرية‬
‫ب‪ -‬الفروع التطبيقية ‪Applied psychology branches‬‬
‫‪Theoritical psychology‬‬ ‫أ‪ -‬فروع علم النفس النظرية‬
‫وهي فروع تهتم بالمعرفة النفسية ‪ ،‬والتي تتجه إلى االهتمام بزيادة المعرفة في‬
‫ً‬
‫وصوال إلى إيجاد أجوبة عما‬ ‫الميدان من خالل التعمق بالنظريات النفسية وتطويرها ‪،‬‬
‫يثار عن السلوك االنساني من تساؤالت ‪ ،‬وإيجاد تفسيرات لذلك السلوك ‪.‬‬
‫ومن الفروع النظرية لعلم النفس ‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -1‬علم النفس العام ‪ General Psychology‬يشمل‬
‫السلوك السوي والسلوك‬
‫علم النفس العام المبادئ األساسية لميدان علم النفس ‪.‬ويهتم‬ ‫غير السوي‪ :‬إن التفريق‬
‫بين السلوك السوي وغير‬
‫بصورة خاصة بما يقوم به الفرد السوي في المحيط أو بيئته ‪،‬‬ ‫السوي ‪ ،‬هو موضوع شائك‬
‫ً‬
‫فضال على كشفه عن القوانين‬ ‫وما تضم من منبهات طبيعية ‪،‬‬ ‫وصعب ‪ ،‬وإن ما يخفف من‬
‫تلك الصعوبة هو ما اعتقده‬
‫والمبادئ التي تفسر سلوك اإلنسان السوي‬ ‫العلماء من وضع معايير‬
‫عدة بعضها موضوعي‬
‫وميادين علم النفس العام كثيرة ‪.‬كدراسة التنبيهات المختلفة‬ ‫وبعضها االخر ذاتي ‪ .‬مثل ؛‬
‫المعيار االحصائي والمعيار‬
‫والتكامل العصبي ‪ ،‬وأنماط السلوك ‪ ،‬واإلحساس واإلدراك ‪،‬‬ ‫االجتماعي ‪ ،‬ومعيار المعاناة‬
‫الذاتية ‪ ،‬ومعيار تحليل‬
‫والتفكير وأنواعه والتعلم ‪ ،‬والدوافع واالنفعاالت الشخصية ‪،‬‬ ‫الموقف ‪ ،‬ومعيار التكيف ‪.‬‬
‫والتوافق ‪ ،‬والفروق الفردية ‪...‬وماإلى ذلك ‪.‬‬ ‫بياجيه واالطفال‪ :‬االطفال‬
‫‪ -2‬علم نفس النمو ‪Developmental Psychology‬‬ ‫يحاولون دائما أن يتفهموا‬
‫عالمهم عن طريق التعامل‬
‫ويسمى علم النفس التكويني ‪ ،‬وعلم النفس التطويري وهو‬ ‫المباشر مع االشياء والناس‬
‫‪ .‬وأن التغييرات في النمو هي‬
‫ينظر إلى النمو البشري نظرة شاملة ويدرس العوامل الوراثية‬ ‫نواتج لنشاط الطفولة كنشاط‬
‫الطفل في حله للمشكالت‬
‫في النمو‪ ،‬من مرحلة قبل الوالدة حتى مرحلة الشيخوخة ‪.‬‬ ‫وفضوله وبحثه ومحاولته‬
‫مروراً بمراحل الطفولة والمراهقة والرشد‪.‬‬
‫خلع المعاني والتراكيب على‬
‫البيئة ‪.‬‬
‫وفي مجتمعنا العربي نجد تسميات مختلفة لكل مرحلة‬
‫من مراحل العمر وهي الترتيب والتتابع ‪:‬الوليد ‪ ،‬والطفل ‪،‬‬ ‫وليم جيمس ‪1910-1842‬‬
‫‪ William James‬واحد‬
‫والصبي‪ ،‬واليافع ‪ ،‬والشاب ‪ ،‬والكهل ‪ ،‬والشيخ ‪ ،‬والهرم‪.‬‬ ‫من علماء النفس االمريكيين‬
‫ومن أكثرهم تأثيرا في علم‬
‫ويدرس علم نفس النمو طبيعة المتغيرات التي تؤثر على‬ ‫النفس ‪ .‬ولم يرتبط اسمه‬
‫بأي حركة في تاريخ علم‬
‫نشاط الفرد المختلفة ‪ ،‬الجسمية منها ‪ ،‬والعقلية والوجدانية‬
‫النفس وهو يعد الشعور‬
‫واالجتماعية عبر مراحل الطفولة والشباب والكهولة لكي‬ ‫حالة شخصية فريدة تتغير‬
‫بأستمرار وتتطور بمرور‬
‫يستفيد من التعامل مع ذلك الفرد حسب مراحل النمو التي هو‬ ‫الزمن ‪ .‬وهي تساعد الناس‬
‫على التوافق مع بيئتهم ‪.‬‬
‫فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬علم النفس الفارق ‪Differential Psychology‬‬
‫يهتم علم النفس الفارق بدراسة الفروق بين االفراد رغبة‬
‫في فهم االنسان والمجتمع واالدوار التي ينبغي أن يقوم بها‬

‫‪91‬‬
‫أفراد المجتمع‪ .‬وهوال يهتم باالنسان فقط وإنما يرى هذه‬
‫ويعد المعيار االجتماعي‬
‫الفروق موجودة في جميع الكائنات الحية‪ .‬وما يختلف فيه‬ ‫من المعايير المهمة ‪،‬‬
‫ً‬
‫قليال ‪ ،‬فالفروق موجودة في جميع جوانب‬ ‫الجنس البشري ليس‬ ‫وهو يؤكد مايضم المجتمع‬
‫من عادات وتقاليد وقيم‬
‫ً‬
‫فضال على أن هذه الفروق موجودة بين االفراد‬ ‫الشخصية‬ ‫وآراء ‪ .‬فأذا ما خرج أحد‬
‫االفراد عن هذه المعايير‬
‫االخرين ‪ ،‬كما أنها موجودة داخل الفرد نفسة ‪ ،‬أي جوانب‬ ‫التي تسود المجتمع ‪ ،‬عُ َّد‬
‫القوة والضعف في شخصية الفرد وهي موجودة أيضاًَ بين‬ ‫سلوكه غير سوي ‪.‬‬

‫جماعات مختلفة ‪.‬‬


‫فرانسيس كالتون‬
‫‪Abnormal Psychology‬‬ ‫‪ -4‬علم نفس الشواذ‬ ‫‪Francis Galton‬‬
‫عالم نفس بريطاني اهتم‬
‫وهو علم يهتم بالسلوك الشاذ ‪ .‬ويعرف السلوك الشاذ بأنه‬ ‫بصورة رئيسة بالفروق‬
‫(( االفعال واالفكار والمشاعر واالحاسيس التي تكون مؤذية‬ ‫الفردية ‪ .‬ودرس‬
‫حاالت التشابه بين‬
‫للفرد ولألخرين من حولة))‪.‬‬ ‫االباء واالبناء واالخوة‬
‫واالخوات وأبناء‬
‫ويتناول علم نفس الشواذ مختلف االضطربات التي تصيب‬
‫الشخصية ؛ كاالضطرابات النفسية الجسمية ؛ مثل اضطراب‬
‫السيكوباثي ‪ :‬هو الفرد‬
‫توهم المرض ‪ :‬حيث يفسر الفرد بعض التغييرات الجسمية‬ ‫عندما يعاني من انعدام‬
‫االستقرار العاطفي ألى‬
‫الخفيفة‪ ،‬بأنها دليل على مرض خطير سيصاب به يدفعه إلى‬ ‫درجة تقرب من حالة‬
‫مراجعات طبية غير ضرورية بهدف العالج ‪ .‬كما أن هناك‬ ‫االضطراب لكنها التنم‬
‫عن خلل عقلي محدد‬
‫الكثير من االمراض الجسيمة ذات منشئ نفسي مثل القرحة‬ ‫بل اليستطيع صاحبها‬
‫من التوافق مع محيطه‬
‫المعدية‪ ،‬والربو وارتفاع ضغط الدم ‪ ،‬وأمراض القلب وغيرها‪.‬‬ ‫االجتماعي ‪ .‬وغالبا‬
‫‪Animal Psycology‬‬ ‫‪ -5‬علم نفس الحيوان‬ ‫مايكون قليل التبصر في‬
‫عواقب االمور وسريع‬
‫يثير هذا النوع من علم النفس أسئلة كثيرة ويحاول االجابة‬ ‫الغضب ‪ ،‬وعصبي المزاج‬
‫وعدم النضج االخالقي ‪.‬‬
‫عنها مثل ‪ :‬هل يستطيع الحيوان أن يفكر ؟ وهل يستطيع أن‬ ‫والشخصية السيكوباثية‪:‬‬
‫يتعلم ؟ ومدى قدرتة على التعلم ؟ وهل يستطيع أن يتذكر ؟ وهل‬ ‫هي شخصية مضادة‬
‫للمجتمع‪.‬‬
‫له دوافع تدفعه للسلوك ؟ وهل يختلف ذكاؤه عن ذكاء االنسان ؟‬
‫وعلى هذا فإن موضوعاته تقوم على المقابلة ((المقارنة )) بين‬

‫‪92‬‬
‫سلوك اإلنسان وسلوك الحيوان في الخبرات المبكرة والغرائز‬
‫والدوافع وأنواع السلوك‪.‬‬ ‫السمات هي مميزات‬
‫فردية في الفكر أو الشعور‬
‫‪-6‬علم نفس الشخصية ‪Psychology of Personality‬‬ ‫أو الفعل ‪ .‬قد تكون ذات‬
‫وهو علم يميل أكثر إلى توكيد االختالفات بين االفراد في‬ ‫خلفية وراثية أو إنها‬
‫تتكون بوساطة االكتساب‬
‫الوظائف النفسية ؛ كاإلدراك ‪ ،‬والتعلم واللغة ‪ ،‬والتذكر ‪.‬كما أن‬ ‫والتعلم ‪.‬‬
‫مجال اهتمام هذا النوع بمظاهر الشخصية أو قوانينها التي تنطبق‬ ‫االجتماعي‬ ‫التفاعل‬
‫على كل البشر ‪ ،‬كما يهتم علم نفس الشخصية في النظر إلى‬ ‫مفهوم يشير إلى العمليات‬
‫االجتماعية عندما يجري‬
‫الفرد على أنه متكامل ويتوجه اهتمامه إلى الصفات االكثر ثباتاً‬ ‫تحليلها من زاوية التنبيهات‬
‫المتبادلة بين االشخاص‪.‬‬
‫عند الفرد كالسمات واالستعدادات التي توجه أفعاله واستجاباته‬ ‫وهو يأتي على الدوام‬
‫وتتعدد نظريات الشخصية تبعاً للخلفية الفكرية ألولئك العلماء ‪،‬‬ ‫مصحوبا بدرجة معينة من‬
‫الرئيسة‬
‫ٍ‬ ‫االكتساب وأشكاله‬
‫وأصحاب النظريات ‪.‬‬ ‫هي التعارض ( التنافس‬
‫والتنازع ) ‪ ،‬والتعاون ‪.‬‬
‫‪Social Psychology‬‬ ‫‪ -7‬علم النفس االجتماعي‬
‫علم النفس االجتماعي يدرس سلوك الشخص من خالل تفاعلة‬ ‫بسم اله الرحمن الرحيـم‬
‫(( ياايها الناس إنا خلقناكم‬
‫مع منبهات البيئة االجتماعية ‪.‬كما انه يدرس سلوك الجماعات‬ ‫من ذكر وأنثى وجعلناكم‬
‫شعوبا وقبائل لتعارفوا إن‬
‫واالفراد في المواقف االجتماعية كما انه يدرس سلوك التفاعل‬ ‫أكرمكم عند هللا اتقاكم ))‬
‫االجتماعي وتأثير حضارة الجماعة في السلوك‬ ‫صدق هللا العلي العظيم‪.‬‬
‫الحجرات اآلية ‪13‬‬
‫كما يدرس السلوك التفاعلي ؛ كاللغة واالتصال واالتجاهات‬
‫قال االمام علي بن ابي طالب‬
‫واالراء والعالقات الشخصية وتأثير االباء واالخوه ورفاق‬ ‫عليه السالم (( ما أضمر أحد‬
‫ً‬
‫فضال على‬ ‫اللعب وزمالء الدراسة في سلوك الفرد واتجاهاته‬ ‫شيئاً اال ظهر في فلتات لسانه‬
‫وصفحات وجهه)) ‪.‬‬
‫دراسة الرأي العام والشائعات والدعاية‬
‫وقال االمام علي بن ابي‬
‫‪Society Psychology‬‬ ‫‪ -8‬علم نفس المجتمع‬ ‫طالب عليه السالم (( إياك‬
‫ومصادقة االحمق فأنه يريد‬
‫هو فرع آخر من فروع علم نفس النظرية ‪ ،‬يهتم بأفراد الجماعات‬ ‫أن ينفعك فيضرك ))‪.‬‬
‫الذين يعانون من مشكالت نفسية بأسلوب العمل داخل الجماعة‬
‫وإعداد برامج بهدف تحسين الصحة النفسية ألفراد تلك الجماعة‬

‫‪93‬‬
‫ب‪ -‬فروع علم النفس التطبيقية‬
‫‪Applied Psychology Branches‬‬
‫وهي الفروع التي تستهدف استعمال المعرفة النفسية للوقاية‬
‫ً‬
‫فضال على‬ ‫من االضطربات النفسية والعقلية وطرائق عالجها‬
‫االهتمام بمشكالت التعلم ‪ ،‬ومشكالت الصناعة ‪ ،‬واالرشاد‬ ‫االضطرابات النفسية هي‬
‫مجموعة من االضطرابات‬
‫النفسي والتوجيه المهني ‪ ،‬وكل تطبيقات علم النفس في ميادين‬ ‫تشترك فيما بينها بالقلق‬
‫والتوتر واالكتئاب وحتى‬
‫الحياة المختلفة ‪.‬‬ ‫بعض االاللم الجسمية‬
‫وغير ذلك واليوجد لها‬
‫ومن الفروع التطبيقية لعلم النفس ‪:‬‬ ‫سبب عضوي ‪ .‬كالهوس‬
‫والحساسية الزائدة وبعض‬
‫‪CLinical Psychology‬‬ ‫‪ -1‬علم النفس العيادي‬ ‫االمراض كالقرحة والربو‬
‫وسمى علم النفس السريري او علم النفس االكلينلكي أيضاً‬
‫االضطرابات العقلية هي‬
‫وهو يستهدف بشكل رئيس رفع المعاناه النفسية عن االفراد‬ ‫اضطرابات تتصف بأختالل‬
‫حاد في التفكير واالدراك‬
‫الذين يعانون من المشكالت النفسية ‪.‬‬ ‫والسلوك ويطلق عليها‬
‫عامة الناس بالجنون مثل‬
‫ويرى معظم التخصصين في علم النفس العيادي ‪ ،‬أن‬ ‫الفصام (( الشيزوفرينيا))‬

‫مهمتهم االولى تتمثل بأستخدام المعرفة العلمية والخبرة‬


‫التطبيقية والعلمية وتسخيرهم للمهارات المهنية من أجل‬ ‫ما الطابع المميز لعلم‬
‫تطوير الخدمات النفسية وتوفيرها ألكبر عدد ممكن من افراد‬ ‫النفس العيادي ؟ انه يقوم‬
‫على معرفة قدرة الفرد‬
‫المجتمع وعلى أوسع مدى وينظر التخصصي العيادي– كونه‬ ‫على السلوك وتحليل‬
‫صفاته الشخصية عن‬
‫شخصاً يطبق مبادئ علم النفس في إطار المستشفى أو غيرهم‬ ‫طريق المعاينة والقياس‬
‫والتشخيص ‪.‬‬
‫الذين يعدون أنفسهم بحاجة الى المراجع النفسية ‪ -‬نظرة من‬
‫يحتاج االخذ بأيديهم لينظروا الى حياتهم من زاوية جديدة‪.‬‬
‫وهناك الكثير من العاملين في هذا الميدان‪ ،‬كاالطباء النفسيين‬
‫ً‬
‫فضال عن من لم يمارسوا‬ ‫والممرضين والمعالجين النفسيين‪.‬‬
‫العالج النفسي‪ ,‬اإل أنهم بشكل أو بآخر يتعاملون مع المشكالت‬
‫النفسية كالتخصصين األجتماعيين ‪ ،‬والمعلمين واالداريين ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ -2‬علـــــــم الـــــــنـفس الجنــــائـــي ‪Criminological‬‬
‫‪Psychology‬‬ ‫جنوح االحداث اصطالح‬
‫يستعمل في العادة للداللة‬
‫يعد علم النفس الجنائي‪ ،‬أو علم النفس القضائي من الفروع‬
‫على المخالفات والهفوات‬
‫المعاصرة التي تهتم بتطبيق مبادئ علم النفس في فهم مجال‬ ‫القانونية التي يرتكبها‬
‫االحداث ممن دون سن‬
‫الجريمة والجنوح‪ ،‬والقضاء‪ ،‬وكيفية التعامل مع المجرمين‪.‬‬ ‫السادسة عشرة او الثامنة‬
‫عشرة ‪ .‬وتجري محاكمتهم‬
‫واتسع هذا االهتمام ليضم ميادين اخرى ‪ ،‬مثل أسس اإلدالء‬
‫خاصة‬ ‫محاكم‬ ‫في‬
‫بالشهادة في المحاكم وأساليب عرض االدلة في المحاكم‬ ‫ووضعهم في اصالحيات‬
‫لتقويم اعوجاج سلوكهم‬
‫ومساعدة االطفال على التذكر عند تقديم شهادتهم‪ ،‬وتحسين‬ ‫وارشادهم نحو الصواب ‪.‬‬
‫التذكر عند تقديم األدلة وتحسين التذكر واالستدعاء والوقاية‬
‫من الجريمة وتطور برامج تأهيل المحكومين بالجنايات وتقويم‬ ‫قال رسول هللا محمد صلى‬
‫هللا عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫مقدار المجازفة في اطالق سراح المحكومين‬ ‫(( المسلم من سلم الناس‬
‫من لسانه ويده )) ‪ .‬حديث‬
‫‪ -3‬علم النفس التربوي ‪Educational Psychology‬‬
‫شريف‬
‫علم النفس التربوي ‪ :‬هو تطبيق النظريات واالساليب النفسية‬
‫بماذا يعتني علم النفس‬
‫في ميدان التربية مساعدة االطفال والشباب في مجاالت التعلم‬ ‫التربوي ؟ انه يعتني‬
‫بمسألة تطبيق المبادىء‬
‫والسلوك خاصة‪.‬‬
‫والمكتشفات النفسية على‬
‫وهو يهتم بشكل عام بالبحوث والدراسات بهدف التوصل‬ ‫ً‬
‫فضال‬ ‫حقل التربية والتعليم ‪،‬‬
‫على الدراسات التربوية‬
‫إلى حجم منظم من المعرفة عن العوامل التي تؤثر في التعلم‬ ‫والنفسية لمشكالت التربية‬
‫ومعضالتها على صعيد‬
‫والسلوك في موقف تعليمي‪.‬‬
‫البيت والمدرسة ‪.‬‬
‫ومن المجاالت ذات الصلة بعلم النفس التربوي ؛ الدراسات‬
‫عن تطور االطفال ونموهم ‪ ،‬وتطور عمليات التعلم والتفكير‬ ‫االستقراء هو استخالص‬
‫المفاهيم العامة من‬
‫عند االطفال ‪ ،‬ودراسة االضطربات السلوكية االنفعالية عند‬
‫المفاهيم الخاصة والجزئية‬
‫ً‬
‫فضال على‬ ‫االطفال والمراهقين وتقويم األطفال والمراهقين ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ويؤلف اساس الطريقة‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫االتجاهات البيئية في تفسير التعلم والسلوك ‪ ،‬والدراسات التي‬
‫تناولت عمل المؤسسات ومقومات فاعليتها‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -4‬علم النفس البيئي‬ ‫الضوضاء هي صخب او‬
‫اضطراب او اصوات عالية‬
‫‪Environmental Psychology‬‬ ‫المعنى لها ‪ .‬ونفسيا ؛ هي‬
‫يعرف علم النفس البيئي بأنه دراسة العالقات المتبادلة‬ ‫اي صوت غير مرغوب‬
‫يسبب او يميل الى ان‬
‫بين البيئة الطبيعة والسلوك االنساني وتفاعلهما والموضوعات‬ ‫يسبب تأثيراً نفسياً مزعجاً‬
‫او تأثير فسيولوجيا لدى‬
‫التي يهتم بها علم النفس البيئي الضجيج أو الضوضاء سواء‬ ‫الفرد‪.‬‬
‫في أماكن السكن أو ما تحدثه وسائط النقل وتأثير ذلك على‬ ‫المتغير المستقل هو ذلك‬
‫السلوك االنساني ‪ .‬وكذلك يهتم بدراسته االزدحام وعالقته‬ ‫العامل او الشيء الذي‬
‫يحدث التغييرات والتأثير‬
‫بأنواع السلوك ‪.‬‬ ‫مثل تأثير المطر في‬
‫النباتات ‪ .‬فالقلق والمطر‬
‫وعليه فهو الميدان الذي يجري فيه تطبيق المعرفة االنسانية‬ ‫متغيران مستقالن ‪.‬‬
‫النفسية لفهم التفاعل بين البشر وبيئتهم بما يحسن نوع الحياة‬ ‫المتغير التابع هو ذلك‬
‫والخبرة لدى االنسان ‪ ،‬وتأثير نوع السكن ‪ ،‬والتلوث البيئي‬ ‫العامل او الشيء الذي يقع‬
‫عليه التأثير ففي المثالين‬
‫عليه‪.‬‬ ‫السابقين ؛ تأثير القلق على‬
‫الصحة النفسية ‪ .‬وتأثير‬
‫‪ -5‬علم النفس التجريبي ‪Experimental Psychology‬‬ ‫المطر في النباتات فأن‬
‫كال من الصحة النفسية‬
‫يتضمن هذا الفرع من فروع علم النفس استعمال الطريقة‬
‫‪ ،‬والنباتات هما متغيران‬
‫التجريبية المختبرية في دراسة سلوك االنسان والحيوان كي‬ ‫تابعان ‪.‬‬

‫يصل إلى القواعد التي تحكم هذا السلوك ويلجاً هذا الفرع إلى‬ ‫العينة التجريبية هي‬
‫مجموعة من االفراد او‬
‫تطبيق تجاربه على الحيوانات ألنها أكثر سهولة إلخضاعها‬ ‫االشياء التي ندخل عليها‬
‫للتجربة‪ ,‬وأكثر قدرة على تحمل مخاطر التجربة‪.‬‬ ‫المتغير المستقل لقياس‬
‫تأثيره في العينة ‪.‬‬
‫وإخضاع الحيوان للتجارب يلقي ضوءاًٍ كبيراً على سلوك‬
‫العينة الضابطة وهي‬
‫االنسان وهذا ال يعني قياساً بالحيوان بل تجنب االنسان من‬ ‫مجموعة من االفراد او‬
‫مخاطر التجريب كلما كان ذلك ممكناً‪.‬‬
‫االشياء التي التخضع‬
‫لتأثير المتغير المستقل النه‬
‫والظواهر النفسية التي تدرس في هذا الفرع كثيرة ‪ :‬كاإلنتباه‬ ‫اليدخل عليها اي انها تكون‬
‫معزولة عنه ‪ .‬كي تكون‬
‫واإلدراك والتذكر والتعلم ويتم ذلك من خالل موقف تجريبي‬ ‫حكما لمعرفة تأثير المتغير‬
‫المستقل عند مقايستها‬
‫بحيث يمكن التحكم بالعامل المستقل أو مجموعة العوامل‬ ‫(مقارنتها) بالعينة‬
‫التجريبية ‪.‬‬
‫وقياس التأثير في طبيعة االستجابة ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وتتطلب التجارب أختيار عينيتين إحداهما العينة التجريبية‬
‫الضغوط النفسية وهي‬
‫واألخرى العينة الضابطة على اقل تقدير ‪ ,‬لمعرفة تأثير المتغير‬ ‫من اهتمامات علم نفس‬
‫الصحة‪ .‬والضغوط تعني‬
‫المستقل على المتغير التابع‪.‬‬ ‫المواقف التي يكون فيها‬
‫‪Health Psychology‬‬ ‫‪ -6‬علم نفس الصحة‬ ‫الفرد واقعا تحت تأثير‬
‫اجهاد انفعالي او جسمي‬
‫وهو فرع جديد من فروع علم النفس التطبيقية ‪ ،‬يستهدف فهم‬ ‫يؤدي الى اضطرابات‬
‫العمليات النفسية المرتبطة بالصحة والمرض ‪.‬‬ ‫مختلفة جسمية او نفسية‬
‫او سلوكية او انفعالية ‪.‬‬
‫ويدرس علم نفس الصحة مسائل مهمة يثيرها على صورة‬
‫الصحة النفسية حالة تتيح‬
‫أسئلة مثل ‪ :‬لماذا يتمتع بعض الناس بالصحة ويمرض اخرون‬ ‫للفرد النمو االمثل بدنيا‬
‫؟ وكيف يستجيب الناس للمرض ؟‪ ..‬ويستفيد العلم من هذه ما‬ ‫وذهنيا وعاطفيا بالقدر‬
‫الذي يجعله منسجماً مع‬
‫يصيبهم من أمراض أو حسن التعامل مع الحاالت المرضية‬ ‫االفراد االخرين ‪ ،‬مع‬
‫وعلم نفس الصحة يدرس االصحاء والمرضى ‪.‬ولهذا الفرع‬ ‫غياب مظاهر االضطرابات‬
‫النفسية والعقلية او‬
‫اساليب بحث ونماذج نظرية يستعملها في بحوثه والنتائج التي‬ ‫انتفائها‬
‫ً‬
‫وفضال على استعانة هذا الفرع بفروع اخرى‬ ‫يتوصل اليها ‪.‬‬ ‫االتجاهات هي مجموعة‬
‫من علم النفس ‪ ،‬فأنه يستعين بالطب والصحة العامة والوبائيات‬ ‫من الرغبات والميول‬
‫والتصرفات ومشاعر‬
‫أيضاً‬
‫االنسان واعتقاداته حول‬
‫‪ -7‬علم النفس المهني ‪Occupational Psychology‬‬ ‫موضوع ما او مادة‬
‫ما او شيء ما تتصف‬
‫يمكن ان يطلق على هذا الفرع تسميات اخرى مثل ‪ :‬علم‬ ‫بالثبات النسبي وتكون‬
‫اما ايجابية او سلبية او‬
‫نفس العمل او علم النفس التنظيمي ‪ .‬اال ان جمعيات علم‬ ‫حيادية ‪.‬‬
‫النفس البريطانية تطلق عليه تسمية علم النفس المهني وهي‬
‫المهارات هي سلوكيات‬
‫التسمية االكثر شيوعاً‪ .‬ويهتم علم النفس المهني بدراسة سلوك‬ ‫متعلمة تمتاز بالدقة‬
‫االنسان في مواقع العمل ويستهدف اكتشاف القدرات والحاجات‬ ‫ويسهل تعرفها ‪.‬‬
‫ويستخدمها االفراد في‬
‫واالتجاهات‪ .‬وهو يجيب عن عدد من االسئلة أيضاً ‪ .‬مثل ‪:‬‬ ‫المواقف بين االشخاص‬
‫للحصول او للحفاظ على‬
‫لماذا يبذل بعض االفراد جهداً اكبر من غيرهم ؟ وكيف يتأثر‬ ‫تعزيز من بيئاتهم ‪.‬‬
‫سلوك الفرد بسلوك االخرين الذين يعملون معه ؟ وكيف يتأثر‬
‫الناس بنوع العمل الذي يمارسنه؟‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪Sport Psychology‬‬ ‫‪ -8‬علم النفس الــرياضي‬
‫القدرة ‪ :‬سلوك يقابله‬
‫ياخذ علم النفس الرياضي بالمنهج العلمي والمعرفة التطبيقية‬ ‫القابلية التي تشير الى‬
‫والنظرية والتقنيات التي تحسن االداء الرياضي ‪.‬فعلم النفس‬ ‫مايمكن ان يفعله الفرد اذا‬
‫نال التدريب المناسب ‪.‬‬
‫الرياضي هو ((الدراسة العلمية للسلوك والخبرات االنسانية في‬
‫الشخصية الرياضية‪ :‬ان‬
‫ميدان الرياضية )) ‪.‬ونقصد بالرياضية هنا ؛ مستويات االنشطة‬ ‫التمارين الرياضية عموما‬
‫التنافسية والترويحية وبرامج التدريب التي تتوجه نحو تحسين‬ ‫والتدريب على اللياقة‬
‫يزيدان من تقدير الذات‬
‫مستوى الصحة واللياقة البدنية ‪ .‬لذا فأن علم النفس الرياضي‬ ‫والثقة بالنفس مما يؤدي‬
‫الى مقاومة الجوانب‬
‫يهتم بالشخصية الرياضية ودور القلق في الرياضة والتدريب‬ ‫السلبية في المزاج‬
‫على المهارات الحركية ‪.‬‬ ‫كالقلق والكآبة وعليه‬
‫فأن العالقة بين الشخصية‬
‫والرياضة اعقد مما يبدو‪.‬‬
‫اال ان البحوث اظهرت‬
‫‪ -9‬علم القياس النفسي ‪Psychology of Measurement‬‬ ‫ان الرياضة التساعد‬
‫يستهدف هذا العلم إلى أنشاء االختبارات النفسية وتقويمها‬ ‫بالضرورة على بناء‬
‫الشخصية او الصفات‬
‫ويهتم بتصميم أبحاث السلوك والوظائف العقلية وتقويمها‬ ‫االيجابية ‪.‬‬

‫وقياسها ‪ ،‬اذ تزايدت الحاجة الى اختبارات ومقاييس تقيس‬ ‫فروع تطبيقية‪ :‬اخرى‬
‫الجوانب المختلفة من سلوك االنسان وقدراته وقد تطلب هذه‬ ‫هناك فروع تطبيقية اخرى‬
‫كثيرة ؛ منها علم النفس‬
‫الحاجة وجود متخصصين في وضع االختبارات والمقاييس‬ ‫الصناعي وعلم النفس‬
‫التجاري وعلم النفس‬
‫المختلفة مع االخذ بالحسبان ظروف المجتمع المبحوث‬ ‫االرشادي وعلم النفس‬
‫الحربي او العسكري وعلم‬
‫النفس الفسيولوجي وعلم‬
‫النفس الهندسي ‪ ،‬وعلم‬
‫النفس البايولوجي ‪ ،‬وعلم‬
‫النفس السياسي وغير‬
‫ذلك من ميادين الحياة‬
‫المختلفة ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫اسئلة المبحث الثالث‬

‫س‪ : 1‬اجب بـ ( صح ) أو ( خطأ ) على كل عبارة من العبارات االتية وصصح الخطاً‪:‬‬


‫أ ‌‪ -‬يعد علم النفس الشواذ من الفروع التطبيقية لعلم النفس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفروع النظرية لعلم النفس هي التي تهتم بالتطبيقات النفسية في ميادين‬
‫الحياة المختلة‬
‫ت‌‪ -‬إن علم النفس العيادي يهتم بالمعاناه النفسية ‪ ،‬واستخدم الخبرة والمعرفة‬
‫للتخفيف عن الذين يعانون من المشكالت النفسية‬
‫ث‌ ‪ -‬إن علم النفس الفارق يتهم بالفروق النفسية بين الناس فقط‪.‬‬
‫ج‌‪ -‬علم النفس التربوي يهتم بسلوك االطفال والكبار في ميدان التربية‬
‫وعلم النفس‬
‫س‪ : 2‬اختر االجابة الصحيحة من بين االختيارات التي تجدها تحت كل عبارة‬
‫)‬ ‫مما يأتي ‪ :‬بوضع عالمة (‬
‫‪ .1‬من الفروع النظرية لعلم النفس ‪:‬‬
‫ب‌‪ -‬علم النفس التجريبي‪.‬‬ ‫أ‌ ‪ -‬علم النفس الرياضي‪.‬‬
‫د‌ ‪ -‬علم نفس الشخصية‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬علم النفس الصحة‪.‬‬

‫‪ -2‬علم النفس البيئي يهتم ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬بالتفاعل بين البشر بيئتم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بمظهر الشخصية وقوانينها‪.‬‬
‫ج ‪ -‬بكل مراحل النشاط الجسمية والعقلية والوجدانية واالجتماعية‪.‬‬
‫د‪ -‬بدراسة االحساس واالدراك والتفكير‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -3‬من الفروع التطبيقية لعلم النفس‬
‫أ‌‪ -‬علم نفس الحيوان‪.‬‬
‫ب‌‪ -‬علم النفس الجنائي‪.‬‬
‫ج‌‪ -‬علم النفس العام‪.‬‬
‫د‌‪ -‬علم النفس الفارق‪.‬‬
‫س‪ : 3‬أي من فروع علم النفس تعتقد أنها أكثر أهمية من غيرها من الفروع ؟ ولماذا ؟‬
‫س‪ : 4‬ما الفرق بين علم النفس العيادي وعلم نفس الشواذ‪.‬‬
‫س‪ : 5‬حدد بعض االنشطة التي ترتبط بعلم نفس الصحة‪.‬‬
‫س‪ :6‬عدد فروع علم النفس النظرية‪.‬‬
‫س‪ :7‬عدد فروع علم النفس التطبيقية‪.‬‬
‫س‪ : 8‬هل ان علم النفس فرع واحد أم أكثر ؟ وما فروعه الرئيسة ؟‬
‫س‪ : 9‬ما الفرق بين علم النفس العام وعلم النفس الحيوان ؟‬
‫‪ :10‬ما أهمية علم القياس النفسي ؟‬

‫نشـــاط‬
‫‪ -1‬اذهب عزيزي الطالب الى مكتبة المدرسة وابحث عن احد كتب‬
‫علم النفس واستعره ‪.‬ثم سجل مالحظاتك عنه وناقش مدرسك‬
‫أو زمالئك فيما سجلته من المالحظات‪.‬‬
‫‪-2‬اختر فرعاً من فروع علم النفس واكتب عنه ثالثه اسطر من فهمك له ‪.‬‬
‫الفصل الثانـي‬

‫‪100‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المبحث األول‬
‫الشخصية األنسانية ونظرياتها‬
‫االهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراً على أن‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم الشخصية ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم للشخصية بأسلوبه الخاص ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف معنى النظرية ‪.‬‬
‫‪ -‬يحدد بعض نظريات الشخصية ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف كل منظر من منظري الشخصية وانتماءاتهم الفكرية ‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين الشعور والالشعور ‪.‬‬
‫‪ -‬يفهم معنى الحاجة ‪.‬‬
‫‪ -‬يفهم معى تحقيق الذات ‪.‬‬
‫‪ -‬يحدد الحاجات على وفق هرم ماسلو ‪.‬‬
‫‪ -‬يفهم معنى التعزيز ‪.‬‬
‫‪ -‬يعدد أنواع التعزيز حسب جداوله ‪.‬‬
‫‪ -‬يحدد أي من أنواع التعزيز أكثر أهمية في السلوك‬
‫‪ -‬يميز أنواع التعزيز ‪.‬‬
‫يقترن موضوع علم النفس لدى عامة الناس بالشخصية ودراستها وأهم مايعتريها من‬
‫اختالل فيصبح صاحبها غير سوي ‪ ،‬يتميز سلوكه بأنه اليشابه االخرين ‪ .‬او قد يكون‬
‫الحكم على الفرد بشخصيته أن تكون قوية أو ضعيفة ‪ ،‬أو أنه يتمتع بشخصية ‪ ،‬جذابة‬
‫‪ ...‬وغيرها من السمات والمميزات التي تميز هذا الفرد من سواه ‪.‬‬
‫ولكن ماذا نعني بالشخصية ؟‬
‫إن عدم االتفاق على طبيعة الشخصية وعلى أي طريقة أكثر فاعلية في دراستها‬
‫ينعكس بنسبة مماثلة أو مساوية في الخالف أو عدم االتفاق بالنسبة إلى الكلمة نفسها ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ففي دراسته للشخصية ناقش العالم جوردن البوت ‪Gordon‬‬
‫‪ Allport‬قرابة (‪ )50‬تعريفا للشخصية ‪.‬‬ ‫الشخصية تعني تفرد‬
‫الفرد وهي تعني ان‬
‫ويرى بعض التخصصين عندما تقول أنا ‪ ،‬أنت في الحقيقة‬
‫الشخص من بعض‬
‫تلخص كل شيء عن نفسك – ماتحبه وما تكرهه وماتفضله‬ ‫الوجوه مثل كل الناس‬
‫ومن وجوه اخرى مثل‬
‫وتميل إليه ‪ .‬مخاوفك أواشمئزازك ‪ ،‬فضائلك وعيوبك ‪ ،‬فكلمة‬ ‫بعض الناس بينما هو في‬
‫ً‬
‫منفصال عن كل االفراد االخرين‬ ‫أنا هو مايعرفك فرداً وشخصاً‬ ‫وجوه اخيرة ليس كمثل‬
‫احد من الناس ‪.‬‬
‫في العالم‪.‬‬
‫والشخصية مشتقة من كلمة التينية ‪ Persona‬والتي تشير‬
‫بماذا تمتاز الشخصية‪،‬‬
‫إلى االقنعة التي يستعملها الممثلون في المسارح اليونانية ‪.‬وهي‬ ‫الشخصية هي النمط‬
‫الفريد من المميزات‬
‫تشير إلى المظهر الخارجي ‪ ،‬فهو وجه عام يعرفه االفراد‬ ‫والسلوكية‬ ‫النفسية‬
‫لالشخاص المحيطين بهم ‪.‬‬ ‫الدائمة التي يضاهي بها‬
‫الشخص غيره او يختلف‬
‫وبناء على اشتقاقاتها نستطيع أن نستنتج بأن الشخصية تشير‬ ‫عنهم ‪.‬‬
‫أو ترمز إلى الجوانب الخارجية المنظورة أو المرئية للشخص‬
‫التي يستطيع االخرون رؤيتها ‪.‬‬ ‫موضوع الشخصية هو‬
‫دراسة الفروق الفردية‬
‫ولكن ليس ماذكر هو مانعني به الشخصية فقط ‪ ،‬فنحن‬ ‫في مجمل المالمح‬
‫نشير عادة إلى عدد من سمات الفرد ‪ ،‬المجموع الكلي لها ‪ ،‬أو‬ ‫والفروق العائدة الى‬
‫العوامل الوراثية والبيئية‬
‫مجموعة الخصائص المختلفة‪ ،‬وهي أكثر من مجرد المظاهر‬ ‫التي تحدد الشخصية‬
‫وتقرر شكلها ‪.‬‬
‫البادية للعيان‪ .‬إننا نشير إلى مجموعة الصفات الذاتية أو الداخلية‬
‫كذلك ‪ ،‬تلك التي قد النستطيع أن نراها مباشرة أو تلك التي‬
‫قد يحاول الفرد اخفاءها عنا ‪ ،‬وتلك التي نحاول اخفاءها نحن‬
‫عن االخرين ‪ .‬ولكن هذا ليس تعريفا يوافق عليه كل علماء‬
‫النفس ‪ ،‬ولتحقيق درجة من تعريف المفهوم ‪ ،‬يجب علينا أن‬
‫نفهم ما يعنيه كل منظر بأستعماله الخاص للتعبير ‪ ،‬فكل عالم‬
‫يطرح وجهة نظره ويفسر من خاللها تعريف (أنا) وبهذا يكون‬
‫جوردن البورت‬
‫تعريف الشخصية على وفق وجهة النظر المطروحة ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫نظريات الشخصية‪:‬‬
‫السمـــة ‪ :‬سمة الشخصية‬
‫يمكن عد النظرية خريطة تمثل البيانات في عالقاتها مع‬ ‫هي نزعة متأصلة للسلوك‬
‫على نحو معين مهما‬
‫بعضها‪ ،‬إنها تحاول وضع البيانات في نوع من النظام لتتناغم‬ ‫تنوعت الظروف المحيطة‬
‫‪ .‬وهي على نوعين سمات‬
‫في بناء شامل يصبح فيه كل بيان أو حقيقة جزء متكامال معه ‪.‬‬ ‫مركزية وهي الغالبة عند‬
‫ويمكن تعريف النظرية ايضا بأنها مجموعة من االفتراضات‪،‬‬ ‫االشخاص وسمات ثانوية‬
‫وهي اقل ثباتاً وتظهر‬
‫فهي اطار نضع في داخله البيانات لمالحظاتنا العامة لالخرين‪،‬‬ ‫في بعض االوضاع دون‬
‫غيرها ‪.‬‬
‫وبناء على عالقة هذه البيانات بعضها ببعض نصل إلى‬
‫اطار نظرية الشخصية‪:‬‬
‫فروض نشتقها من إدراكنا لسلوك الذين يحيطون بنا ‪ .‬ومن‬ ‫ان االطار الذي ترسمه‬
‫هذه النظريات‬ ‫نظرية الشخصية الفعالة‬
‫ً‬
‫شامال‬ ‫يجب ان يكون‬
‫*نظرية التحليل النفسي ‪Psychoanalysis Theory‬‬ ‫لكل ماهو طبيعة انسانية‬
‫فسمات الفرد وقدراته‬
‫تأثرت نظرية الشخصية المعاصرة بصورة عامة بفرويد‬ ‫وعقائده واتجاهاته وقيمه‬
‫ودوافعه وعاداته في‬
‫أكثر من أي فرد آخر ‪ .‬كان نظامه لتحليل الشخصية‪ ،‬أول‬ ‫التكيف ومزاجه واخالقه‬
‫نظرية منهجية للشخصية ‪.‬‬ ‫تدخل اطار الشخصية ‪.‬‬

‫• بنية الشخصية ‪ :‬قسم مفهوم فرويد االصلي الشخصية إلى‬


‫ثالثة مستويات من الوعي وهي الشعور ‪ ،‬ماقبل الشعور‪،‬‬
‫الالشعور ‪.‬‬
‫الشعور ‪ :‬كما عرفه فرويد ‪ -‬بشكل مطابق للمعنى المستعمل‬
‫في الحياة اليومية ‪ ،-‬فهو يشمل كل االحساسات والتجارب التي‬
‫فرويد‬
‫نكون واعين بها في أية لحظة ‪ .‬وقد عد فرويد الشعور جانبا‬
‫صغيرا ومحدودا من شخصيتنا ألن جزءاً صغيراً من أفكارنا‬
‫وأحاسيسنا وذكرياتنا موجود في الشعور المدرك في لحظة‬
‫ما ‪.‬وقد شبه فرويد العقل بالجبل الجليدي والشعور هو الجزء‬
‫الصغير الطافي فوق سطح الماء او قمة الجبل فقط ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وبالنسبة الى فرويد فالجزء األكثر أهمية هو الجزء االكبر‬
‫غير المنظور الموجود تحت السطح الالشعور والالشعور هو‬
‫المدركات الحسية ‪ :‬هو‬
‫بؤرة أو مركز نظرية التحليل النفسي ‪ ،‬وهو يحتوي على الغرائز‬ ‫كل ماندركه من منبهات‬
‫نتسلمها عن طريق‬
‫والرغبات واالماني التي توجه وتحدد سلوكنا‪ ,‬فالالشعور إذن‬ ‫الحواس مثل المنبهات‬
‫يحتوي على القوى الدافعة الرئيسة التي تقف وراء سلوكنا وهو‬ ‫البصرية عن طريق‬
‫حاسة البصر ‪ ،‬والمنبهات‬
‫المستودع لقوى النستطيع رؤيتها أو السيطرة عليها ‪.‬‬ ‫التي نتسلمها عن طريق‬
‫السمع والمنبهات الشمية‬
‫وبين هذين المستويين من الوعي وضع فرويد حالة ما‬ ‫التي نتسلمها عن طريق‬
‫قبل الشعور ‪ ،‬وهو مخزن كل الذكريات والمدركات الحسية‬ ‫حاسة الشم ‪ ...‬نتعامل‬
‫معها ونقدم لها االستجابة‬
‫واالفكار‪ ،‬وماشابهها من االشياء التي النعيها في اللحظة ولكن‬ ‫المناسبة‪.‬‬
‫يمكننا بكل سهوله نقلها إلى الوعي ‪ .‬مثال ذلك قد يشرد ذهننا‬
‫ونحن نقرأ هذه الصفحة بالتفكير في شخص ما ‪ ،‬اوانت تفكر‬
‫فيما كنت تعمله في الليلة الماضية ‪ ,‬فانك هنا تسترجع مادة‬
‫الشخصية نظام للطاقة‬
‫ماقبل الشعور وتتدخلها في الشعور ‪.‬‬ ‫النفسية هذا النمط في‬
‫نقح فرويد هذه النظرية في وقت الحق وأدخل تركيبات‬ ‫النظريات ينظر الى‬
‫الشخصية على اساس انها‬
‫رئيسة ثالثة في بنية الشخصية وهي ‪-:‬‬ ‫نظام متكامل من الدوافع‬
‫والحاجات‬ ‫والحوافز‬
‫‪-1‬الهي (‪( ) Id‬الذات الدنيا) ‪.‬‬ ‫وبعبارة‬ ‫واالندفاعات‪.‬‬
‫‪-2‬األنا (‪ ( ) Ego‬األنا أو الذات الواقعية ) ‪.‬‬ ‫اخرى اشكال من الطاقة‬
‫النفسية الالشعورية في‬
‫‪-3‬األنا األعلى (‪( )Super Ego‬الذات العليا أو المثالية)‪.‬‬ ‫الغالب التي تكمن في‬
‫النظام الهي (‪ ) Id‬االصلي او االقدم للشخصية ‪ ،‬يقابل أو يماثل‬ ‫الفرد ‪.‬‬

‫انطباع أو فكرة فرويد االولى عن الالشعور وهي المستودع‬


‫لكل الغرائز وهي تحوي كل الطاقة النفسية (الليبدو) فالهي‬
‫تركيب قوي في الشخصية وهي تجهز كل القوة للتركيبين‬
‫االخرين ‪ ،‬والنها مستودع الغرائز فهي تتصل بشكل مهم‬
‫ومباشر بأرضاء الحاجات الجسمية ‪ ،‬ويحدث التوتر عندما‬

‫‪104‬‬
‫يكون الجسم في حالة الحاجة ‪ ،‬وعندئذ يعمل الكائن الحي على‬
‫خفض هذا التوتر عن طريق اشباع الحاجات ‪.‬‬ ‫يقوم العقل‬ ‫الغريزة‬
‫ببعض الوظائف كالتفكير‪،‬‬
‫تعمل الهي على وفق مايسميه فرويد مبدأ اللذة ‪ ،‬أي إنها‬ ‫والتذكير ‪ ،‬وزعم فرويد‬
‫ان العاقل يقوم بهذه‬
‫تعمل من أجل تجنب االلم وزيادة اللذة عن طريق اهتمامها‬ ‫الوظائف عن طريق‬
‫بخفض التوتر‪ ،‬فهي تعمل من أجل االرضاء العاجل لحاجاتها ‪،‬‬ ‫استعمال الطاقة الفيزيائية‬
‫التي تختلف بالشكل وليس‬
‫وهي التتسامح في التأجيل أو تأخير االرضاء ألي سبب سواء‬ ‫بالنوع عن طاقة الجسم‬
‫الفيزيائية وافترض ان‬
‫كان خلقياً ( بسبب العادات االجتماعية) او السباب أخرى ‪.‬‬ ‫الطاقة الجسمية يمكن‬
‫وألجل تبسيط هذا المفهوم يمكن مقارنة (الهي) بالطفل‬ ‫تحويلها الى طاقة نفسية‪،‬‬
‫لذلك فأن طاقة الجسم‬
‫المولد حديثاً فهو يصرخ بأهتياج عندما التشبع حاجاته ولكنه‬ ‫تؤثر في العقل وحلقة‬
‫الوصل بين نوعي الطاقة‬
‫اليملك المعرفة لكيفية الحصول على هذا االشباع ‪ ،‬الطريقة‬ ‫تكون في مفهوم فرويد‬
‫الوحيدة التي تستطيع الهي المحاولة الشباع هذه الحاجات عن‬ ‫للغريزة وتعرف الغريزة‬
‫بشكل مختصر بأنها تمثيل‬
‫طريق االفعال االنعكاسية كأحالم اليقظة أو الخيال ‪.‬‬ ‫في العقل للمثيرات التي‬
‫نشأت داخل الجسم ‪ ،‬حيث‬
‫وكلما نما الطفل تعلم الكثير عن االشياء في البيئة التي‬ ‫اصبحت الغريزة العنصر‬
‫تستطيع اشباع حاجاته ‪ ،‬فمثال يتعلم الطفل انه اليستطيع جذب‬ ‫االساسي في الشخصية ‪.‬‬

‫الطعام من االخرين ما لم يكن مستعداً لمواجهة بعض النتائج‪،‬‬


‫مثال عليه تأجيل التبرز والتبول ( الحصول على اللذه او‬
‫العصابية ‪ :‬هي االمراض‬
‫الراحة الشرجية) اال بعد الذهاب إلى المرافق الصحية ‪ .‬إن‬ ‫النفسية التي تنشأ نتيجة‬
‫ضعف الشخصية‪.‬‬
‫على الطفل أن يتعلم كيف يتعامل مع العالم الخارجي بذكاء‬
‫وعقالنية وعليه أن ينمي قوى االدراك الحسي والتصرف‬
‫والذاكرة التي يستعملها الكبار إلرضاء حاجاتهم ‪.‬‬
‫إن هذه القدرات المعروفة بالعقل أو العقالنية مصنفة تحت‬
‫تركيب فرويد الثاني للشخصية وهي االنا (‪ ) Ego‬حيث تمتلك‬
‫االنا وعيا للواقع وهي قادرة على إدراك بيئة الفرد والتالعب‬
‫فيها بطريقة عملية وهي تعمل على وفق مايسميه فرويد مبدأ‬
‫الواقع ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ويمكن أن تمثل االنا على انها السيد العاقل للشخصية وليس‬
‫الليبدو ‪ : Libido‬ان‬
‫نوع الطاقة النفسية غرضها إعاقة أو اعتراض نزوات الهي ولكن غرضها مساعدة الهي‬
‫التي تظهر او تتجلى في الحصول على الخفض الضروري للتوتر ‪ ،‬والنها مدركة للواقع‬
‫في غرائز الحياة الدافع‬
‫فهي تقرر الوقت ‪ ،‬واالسلوب الذي يمكن أن تشبع به الغرائز بشكل‬ ‫الحيوي الذي اطلق‬
‫عليه فرويد الليبدو ‪.‬‬
‫أفضل فهي تحدد االوقات واالماكن واالشياء التي ستشبع نزوات‬ ‫ويمكن لليبدو ان تتعلق‬
‫(الهي ) بشكل مناسب ومقبول اجتماعيا ‪ ،‬ولو أن ( االنا ) التمنع‬ ‫باشخاص ‪ ،‬فأذا ولعت‬
‫وتعلقت بشخص معين ‪،‬‬
‫إرضاء (الهي ) إال أنها تحاول تأخير أو إعادة التوجيه واالرضاء‬ ‫فيقول فرويد بأن دافعك‬
‫‪ Libido‬تركز على‬
‫ليتالءم مع متطلبات الواقع ‪.‬‬ ‫ذلك الشخص ‪.‬‬
‫يرى فرويد ان (االنا) هو السيد العاقل ‪ ،‬فهو الذي يبقى االب يعمل‬
‫اآلليات الدفاعية ‪ :‬هي‬
‫في عمل قد اليحبه (النه يوفر الطعام والسكن السرته) الن الواقع‬ ‫عدد من التدابير لحماية‬
‫الذات وصونها كما انها‬
‫يتطلب مثل هذا ويعده اسلوبا مناسبا إلشباع أو إرضاء طلبات (‬ ‫تسمى عمليات االنا ايضا‬
‫الهي) المستمرة ‪ ،‬فوظيفة (االنا) السيطرة وتأخير الرغبات واال فأن‬ ‫ومن ابرزها ‪ :‬الكبت‬
‫والنكوص‬ ‫والتسامي‬
‫نزوات( الهي) ستتغلب وتطيح( باالنا) ‪ .‬اذن فان هناك صراعاً دائم‬ ‫والتعويض والتقمص ‪.‬‬

‫الكبت ‪ :‬عملية نفسية بين هاتين القوتين ‪.‬‬


‫لكن هناك مجموعة ثالثة من القوى – مجموعة من القوة االمرة‬ ‫الشعورية تتم في نطاق‬
‫الالشعور تحول دون‬
‫أو المعتقدات الفعالة هي غالبا الشعورية والتي يتعلمها الفرد في‬ ‫خروج الرغبات المؤلمة‬
‫او المحرمة الى مجال‬
‫الطفولة وهي افكاره عن الصالح والطالح‪ .‬ويسمى قسم من هذه في‬ ‫الشعور ‪.‬‬
‫لغتنا اليومية اسـم ( الضمير ) ويسميها فرويد ( االنا االعلى ‪Super‬‬
‫التسامي ‪ :‬هي عملية‬
‫‪ ) Ego‬وهذا الجانب من الشخصية هو جانب االخالق يتعلمه الفرد‬ ‫تحويل الطاقة الجنسية‬
‫والعدوانية الى دوافع‬
‫في عمر الخمس او الست سنوات ‪ ،‬وتتألف بدايتة من قواعد السلوك‬ ‫منتجة ومقبولة اجتماعياً‬
‫التي يضعها الوالدان ‪.‬‬ ‫تخفي ما خلفها اخفاء‬
‫تاماً‪.‬‬
‫يتعلم الطفل عن طريق العقاب والثواب ‪ ،‬أي نوع من السلوك يّعده‬
‫النكوص ‪ :‬عملية العودة‬
‫الوالدان خطأً أو سيئا ‪ ،‬تلك االنواع التي يالم الطفل عليها أو يعاقب‬ ‫او ارتداد الى مرحلة نمو‬
‫عليها تصبح جزءاً من الضمير الذي هو أحد أقسام االنا االعلى ‪.‬‬ ‫سابقة القت اشباعاً ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وبهذا يتعلم الطفل سلسلة من القواعد‪ ،‬ماهو مسموح به وماهو محرم‪،‬‬
‫التعويض‪ :‬عملية نفسية‬
‫تقوم بها االنا تلجأ وتكسب القبول أو الرفض من الوالدين وبمرور الزمن يتشرب الطفل‬
‫فمثال يثيب نفسه أو يعاقبها ذاتياً عندما يقوم بفعل‬
‫ً‬ ‫اليها بقصد التغلب على هذه التعاليم ‪،‬‬
‫الشعور بالضعف او‬
‫الدونية بحيث الوصول ما‪ ،‬فبذلك تحل السيطرة الذاتية له محل سيطرة الوالدين ولذلك فإن‬
‫الى التفوق في ميدان‬
‫الراشد يشعر باإلثم عندما يقوم بفعل غير مقبول اجتماعياً‪ ,‬أو حتى‬ ‫اخر ‪.‬‬
‫عندما يفكر بالقيام بعمل يناقض اخالق المجتمع ‪.‬‬
‫التقمص‪ :‬الية تعني‬
‫إن هذا البناء للشخصية يرينا أن (االنا) إن لم تكن قوية مسيطرة‬ ‫ان الفرد عندما يشعر‬
‫بحرمانه من حاجة‬
‫معينة يميل الى االندماج فهي التستطيع أن تنظم العمل بين متطلبات (الهي) الجامحة وبين‬
‫بشخصية غيره تلبية متطلبات (االنا االعلى)‪ ,‬السيد الحاكم بالمثل العليا ‪ .‬وإذا كانت هذه‬
‫لتلك الحاجة ‪.‬‬
‫(االنا) ضعيفة هنا يظهر بصورة حتمية القلق الذي يالزم الشخصية‬
‫العصابية ‪.‬‬
‫النظرية السلوكية‬
‫نظرية سكنر ‪B.F.Skinner‬‬
‫إن عمل( سكنر) كان محاولة آلخذ السلوك كله بنظر االعتبار‬
‫وليس ذلك الجزء الذي يسميه اآلخرون الشخصية‪.‬‬
‫يونك عالم نفس تحليلي‬
‫إن مدخل سكنر لتفسير السلوك هو على النقيض من النظرية‬
‫السابقة (نظرية التحليل النفسي ) فهو اليشير اطالقا الية حالة داخلية‬
‫مفترضة في تفسير سلوك الكائن الحي ‪ ،‬ويؤكد (سكنر) شأنه في‬
‫اول كتاب لسكنر في عام ذلك شأن كل السلوكيين هو ان علم النفس يجب ان يتعامل فقط‬
‫‪ :1938‬اصدر سكنر‬
‫كتابه االول وهو بعنوان مع مايمكن مالحظته وان القوى الالشعورية والسمات وما شابهها‬
‫(سلوك الكائنات الحية) اليمكن رؤيتها ‪ ،‬وذلك اليمكن ان يكون لها محل في علم النفس‬
‫الذي يمثل اهتماماته‬
‫االولى في التحليل العلمي ‪ .‬ويرى (سكنر) ان الجانب الوحيد لالنسان الذي هو واقعي‬
‫االجرائي للسلوك‬
‫وذو صلة بعلم النفس هو السلوك الظاهري ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ان مدخل (سكنر) للسلوك ودراسته ‪ ،‬يقول ان جميع السلوك‬
‫يمكن ان يسيطر عليه بنتائجه أي بما يعقب ذلك السلوك ‪ ،‬ويعتقد‬ ‫التعزيز‪ :‬هو كل مايقدم‬
‫(سكنر) بأن الحيوان او االنسان يمكن ان يدرب ليقوم نتيجة‬ ‫للفرد بعد قيامه بسلوك‬
‫معين ويكون التعزيز‬
‫لذلك التدريب بأي نوع من انواع السلوك وذلك في مدى وطبيعة‬ ‫ً‬
‫فمثال‬ ‫مادياً أو معنوياً‬
‫اعطاء الطفل حلوى بعد‬
‫التعزيز الذي يعقب السلوك ‪ .‬وهكذا فان الشخص الذي يملك‬ ‫قيامه بسلوك مقبول وهذا‬
‫التعزيز بأمكانه السيطرة على سلوك اآلخر سواء أكان فردا ام‬ ‫مايسمى التعزيز االيجابي‪،‬‬
‫او ان يضرب لقيامه بسلوك‬
‫جماعة أم منشئاً لنوع السلوك الذي يريد أن يكون لدى الفرد‬ ‫غير مقبول وهذا التعزيز‬
‫المادي السلبي‪ .‬ويمكن ان‬
‫المقابل ‪.‬‬ ‫يُمدح الفرد نتيجة قيامه‬
‫يرى السلوكيون إن شخصية الفرد ( الطفل) تتشكل بشكل‬ ‫بسلوك مقبول وهذا تعزيز‬
‫معنوي أو يوبخ نتيجة‬
‫يشبه مايقوم به النحات من تشيكل الطين ليصل إلى الشكل الذي‬ ‫قيامه بسلوك غير مقبول‪.‬‬
‫التعزيز المقدم يزيد من‬
‫يريده وذلك من خالل مايقوم به من تعديل واضافات حتى يصل‬ ‫احتمال تكرار السلوك اذا‬
‫إلى الشكل المطلوب ‪.‬‬ ‫كان ايجابياً‪ .‬ويمنع حدوث‬
‫تكرار السلوك اذا كان‬
‫وهكذا فإننا عن طريق تقديم المنبه الذي نريد تكوينه في‬ ‫سلبي ‪.‬‬

‫شخصية الطفل وتقديم التعزيز عندما يقوم الطفل بتقديم هذا‬


‫السلوك فإننا بذلك نكون قد انشأنا هذا السلوك لدى الطفل ‪،‬‬
‫فمثال عندما نعلم الطفل ان اعادة الشيء إلى صاحبه (االمانة)‬
‫هو الشيء المقبول ويقوم الطفل تطبيق هذا السلوك فنحن عند‬
‫تقديم التعزيز له جراء قيامه بهذا العمل فأننا ننشئ لديه االمانة‬
‫في سلوكه ويصبح جزءاً من شخصيته وتعامله في الحياة مع‬
‫ً‬
‫مقبوال اجتماعيا ‪ .‬وهو بدوره (‬ ‫االخرين وبذلك يكون شخصا‬ ‫سكنر‬
‫ونتيجة التعلم ) يتعلم ان االمانة في كل مجاالت الحياة هو السلوك‬
‫الذي يقبله المجتمع ويكافئه باالحترام والقبول ‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه فأن الطفل الذي يتعلم (من خالل ماتقدمه‬
‫االسرة من معلومات) ان االستيالء على حاجيات االخرين‬

‫‪108‬‬
‫والفوز بها بطريقة ما تؤدي إلى حصوله على مايريد وخصوصا‬
‫بعد تعزيز ذلك من خالل تشجيع اسرته ‪ ،‬فإنه ينشأ انساناً سارقاً‬ ‫الجانح ‪ :‬الشخص الذي‬
‫يقوم بسلوك غير مقبول‬
‫عدوانياً وهذا هو احد اسباب السلوك االجرامي لدى الجانحين‬ ‫اجتماعياً وغير قانوني‬
‫مثل السرقة وارتكاب‬
‫والمجرمين ‪.‬‬ ‫الجرائم ويكون عمر‬
‫وألهمية دور التعزيز في الشخصية ‪ ،‬حاول (سكنر) ان يضع‬ ‫هذا الشخص لم يتجاوز‬
‫(‪ )18‬سنة‪ ,‬اي لم يصل‬
‫جداول لتقديم التعزيز وتوقيت هذا التقديم فقد توصل إلى وضع‬ ‫مرحلة الرشد ولكنه‬
‫ضمن مرحلة المراهقة ‪.‬‬
‫اربعة جداول وهي ‪-:‬‬
‫‪ -1‬التعزيز ذو المدة الثابتة ‪ :‬وهذا يعني ان التعزيز يقدم في‬
‫مُدد زمنية ثابتة ‪ ،‬فالتعزيز يعطى وال عالقة له بعدد االستجابات‬ ‫من مبادئ البحث عند‬
‫سكنر‬
‫التي تحدث ‪ .‬سواء قدم السلوك المقبول (خمس مرات ) او ( مرة‬ ‫‪ -1‬حين تتقدم بأتجاه‬
‫واحدة) فأن يقدم له تعزيز واحد‪ .‬ومثال ذلك ايضا الراتب الشهري‬ ‫شيء يثير اهتمامك اترك‬
‫االشياء االخرى وادرس‬
‫يعطى مرة واحدة مهما قدم الموظف من جهود طيلة ايام الشهر‬ ‫هذا الشيء ‪.‬‬
‫‪ -2‬بعض طرق البحث‬
‫‪ -2‬التعزيز ذو النسبة الثابتة ‪ :‬يقدم التعزيز في هذا الجدول‬ ‫اسهل من االخرى‬
‫فقط بعد ان يقوم الكائن بعدد محدد من االستجابات فمثال يقدم‬ ‫وغالبا ماتكون االجهزة‬
‫الميكانيكية اسهل من‬
‫التعزيز بعد كل ثالث مرات يقوم بها الفرد بتقديم السلوك المقبول‬ ‫غيرها ‪.‬‬
‫‪ -3‬فن ايجاد الشيء في‬
‫‪ .‬ومثال على ذلك في العمل يقدم زيادة في االجرة بعد قيام العامل‬ ‫اثناء التفتيش عن شيء‬
‫بأنتاج (‪ )10‬قطع اضافية على االنتاج المحدد‪ .‬إذن يعتمد تعزيز‬ ‫اخر ‪.‬‬

‫الشخص مباشرة على نسبة استجابته ‪.‬‬


‫‪ -3‬التعزيز ذو المدة المتغيرة ‪ :‬وهو ان اليعرف الفرد متى يقدم‬
‫له التعزيز ‪ ،‬فقد يظهر بعد ساعة من تقديم االستجابة وفي المرة‬
‫هل تعلم ؟ ان جداول‬
‫الثانية يقدم له التعزيز بعد(‪ )4‬ساعات ‪ .‬ومثال على ذلك الذي‬ ‫التعزيز التي توصل اليها‬
‫سكنر كانت من خالل‬
‫يصيد السمك فهو اليعلم متى يكافأ بالسمكة ولكنه يعتمد الظهور‬ ‫تجارب على الفئران ً‬
‫اوال‬
‫العشوائي للسمك ‪.‬‬ ‫ثم الحمام ثم االنسان ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ -4‬جدول النسبة المتغيرة ‪ :‬يبنى على اساس معدل عدد‬
‫تشكيل السلوك يقول سكنر‬
‫االستجابات بين التعزيزات ‪ .‬وقد وجد سكنر ان هذا الجدول‬ ‫ان االشتراط االجرائي‬
‫يشكل السلوك كما يشكل‬
‫فعال جداً في احداث نسبة عالية وثابته من االستجابة ‪ .‬وعليه‬ ‫النحات كتلــة الطين ‪...‬‬
‫فأن سلوك الفرد وشخصيته ما هي اال استجاباته ونشاطه‬ ‫وماسلوك الكائن العضوي‬
‫اال نتيجة لعمليات تشكيلية‬
‫بموجب جداول التعزيز المقدمة له ‪.‬‬ ‫مستمرة والتشكيل هو‬
‫عملية تستخدم ألنتاج‬
‫نظرية ماسلو‪ :‬ترى المدرسة االنسانية ان المدخل السلوكي لعلم‬ ‫النمط السلوكي المطلوب‬
‫وذلك من خالل تعزيز‬
‫النفس يدرس الناس كما لو كانوا اآلن ‪ ،‬وان هذه مفاهيم تسلب‬
‫االستجابة التي تقارب‬
‫البشر انسانيتهم وتجردهم من الخصائص المقترنة بالكائنات‬ ‫جزءاً من ذلك السلوك‬
‫المطلوب ‪.‬‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫كتب ماسلو ان هناك عدداً من الحاجات الفطرية التي تثير‬
‫سلوك الفرد وتوجهه‪ ،‬والحاجات نفسها غريزية‪ ،‬حيث يرثها‬ ‫الحاجة‪ :‬العوز والنقص الذي‬
‫يؤدي فقدان توازن الفرد‬
‫عند الوالدة والسلوك الذي يستخدمه الفرد الشباع الحاجات‬ ‫وهذا مايدفع الفرد الى البحث‬
‫والسعي للوصول الى سد هذا‬
‫ليس فطرياً ولكنه متعلم وهو عرضه الن يتباين باتساع بين‬ ‫النقص وبالتالي العودة الى‬
‫حالة التوازن ‪.‬‬
‫فرد وآخر‪ .‬والصفة االخرى لهذه الحاجات الشاملة هي انها‬
‫منظمة في تدرج هرمي‪.‬‬
‫كــــيف يـــــرى مــــاسلو‬
‫االنسان‪ :‬يفترض ماسلو‬
‫بأن كل واحد منا نحن‬
‫البشر له طبيعة جوهرية‬
‫جــــيدة وفي اقل االحوال‬
‫محايدة وألن هذه الطبيعة‬
‫جيدة او محايدة فأنه من‬
‫االفضل تطويرها ‪.‬‬

‫شكل يبين هرم ماسلو للحاجات‬

‫‪110‬‬
‫ان الحاجات في اسفل درجات سلم الدافعية اوالهرم ‪ ،‬هي‬ ‫مـــــاســلــــو والـتـنـشـــئة‬
‫(الحاجات الفسيولوجية) التي يجب ان تشبع قبل ان تشبع‬ ‫االجتماعية‪ :‬يرى ماسلو‬
‫ان اساليب التنشئة الخاطئة‬
‫تلك التي في قمة السلم (الحاجة الى تحقيق الذات) فالشخص‬ ‫لها تأثير سيء على سلوك‬
‫االطفــــــال ‪ ،‬وان خبرات‬
‫الجائع او الذي يخشى تهديد أمنه وسالمته تقل عنده اهمية‬ ‫الطفولة لها اهمية خاصة‬
‫الحاجة الى االنتماء أو الحب‪ .‬فالحاجات الفسيولوجية هي اكثر‬ ‫في تسهيل النمو الالحق‬
‫وتــــعويقه ‪ .‬وان االطفال‬
‫الحاجات اساسيه وقوة‪ ،‬فقد الحظ ماسلو ان الشخص الذي‬ ‫يحتاجون الى عالم واضح‬
‫ومستقر ومنظم واستجابتهم‬
‫يعاني من الجوع يفكر ويحلم ويريد الطعام فقط‪ .‬وعندما تشبع‬ ‫للخوف او التهديدات اكثر‬
‫هذه الحاجة فانه يبتعد عن هذه الحاجة‪ .‬يتوقف توجيه الحاجة‬ ‫من الراشدين ‪.‬‬

‫وسيطرتها على سلوك الفرد عند اشباعها‪ .‬وهذا ما يكون عند‬


‫االشخاص‬ ‫صفات‬ ‫من‬
‫بعض المجتمعات التي ترى ان الحاجات الفسيولوجية عادة‬ ‫المحققين لذواتهم‬
‫‪ -1‬لديهم ادراك عال للواقع‬
‫اكثر اهمية كونها قوة دافعة للناس الذين يهمهم مجرد بقائهم‪.‬‬ ‫مقارنة مع االخرين‪.‬‬
‫‪ -2‬اكثر قدرة على ادراك‬
‫حاجات األمن‪ -:‬ان هذه الحاجة كما يرى ماسلو اكثر اهمية‬
‫الحقيقة في المواقف المتنوعة‪.‬‬
‫بالنسبة الى االطفال والراشدين المصابين فالراشدون االصحاء‬ ‫‪ -3‬اكثر قدرة على اكتشاف‬
‫الزيف والتمويه من االخرين‪.‬‬
‫بصورة عامة يشبعون هذه الحاجة جيداً‪ .‬وان اشباعها يؤدي‬ ‫‪ -4‬اقــــــل تأثــرا بالتعصب‬
‫والتحامل في احكامهم‪.‬‬
‫الى االستقرار والتحرر من الخوف والقلق‪ .‬اما بالنسبة الى‬ ‫‪ -5‬اكثر قدرة على تشخيص‬
‫جــــــوانــب الـضـعـف فـــــــي‬
‫االطفال فان حاجات أالمن يمكن ان تبدو واضحة للعيان حيث‬ ‫شخصياتهم‪.‬‬
‫ان الصغار يستجيبون ظاهرياً وانياً للتهديدات والخوف اكثر‬ ‫‪ -6‬يتعاملون مع االخرين‬
‫بشكل اجتماعي مقبول ‪.‬‬
‫من الراشدين الذين تعلموا كيف يمنعون مخاوفهم الى حد معين‬ ‫‪ -7‬يمتعون انفسهم بدون‬
‫خجل او اعتذار ‪.‬‬
‫ويرى (ماسلو) ان غياب النظام كلياً يؤدي الى الشعور بالقلق‬ ‫‪ -8‬ينامون بشكل جيد ‪.‬‬

‫وعدم الطمأنينة عند االطفال‪ .‬فالحرية التي تمنح للطفل يجب‬


‫ان تكون ضمن حدود ‪ ،‬ويجب ان يعطوا بعض التوجيه النهم‬
‫ليسوا بقادرين على قيادة انفسهم وتوجيهها‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫حاجات االنتماء والحب‪ -:‬عندما تشبع حاجات الفرد الفسيولوجية‬
‫الــقوة الــثالثـة‪ :‬وصفت‬
‫حـــركة عـــــــلم الـــنفس وحاجات األمن بدرجة معقولة تتولد الحاجات لالنتماء والحب‪.‬‬
‫بـــالقـــوة ويمكن لهذه الحاجات ان تظهر أو يعبر عنها بطرق عدة‪ ،‬من‬ ‫االنســـــــاني‬
‫الثــــالثـــة اشارة الــــــى‬
‫خالل عالقات الحنان مع االخرين بصورة عامة او من خالل‬ ‫الـــمــدرسة الـــــسلوكية‬
‫ومـدرسة التحليل النفسي‬
‫عالقة مع صديق معين أو زوج أو عن طريق تأمين موقع في‬ ‫بالقوتين البارزتين في‬
‫جماعة معينة‪.‬‬ ‫ميدان علم النفس ‪.‬‬

‫حاجات االحترام ‪ -:‬عندما يشعر الناس انهم محبوبون ويمتلكون‬


‫شعوراً باالنتماء فتنشأ عندهم الحاجة لالحترام‪ .‬فهم يحتاجون‬
‫لالحترام في كل من أنفسهم ومن االخرين‪ .‬فيكون االحترام من‬
‫انفسهم على شكل الشعور بقيمة الذات‪ .‬ويكون االحترام من‬
‫حاجات ماسلو‪ :‬ان اشباع االخرين على شكل منزلة وتقدير ونجاح اجتماعي وشهرة وما‬
‫الــحاجة عنــد (مـــاسلو) الى ذلك‪.‬‬
‫اليعني ابتعاد الفرد كليا او‬
‫اذن هناك نوعان من حاجات االحترام هما‪ :‬احترام الفرد‬ ‫نهائيا بل يبتعد عنها انيا‬
‫لينصرف الى الحاجات‬
‫لذاته واالحترام الذي يمنحه االخرون لذاته‪ .‬وان اشباع الحاجة‬ ‫االخرى‪ .‬اال انهـــا تعود‬
‫الحترام الذات يسمح للفرد بالشعور بالثقة بقوته وقيمته وبكفايته‪،‬‬ ‫فــــي الغــــالب للمطالبة‬
‫باشباعهــــا‪ ،‬فـــــالحاجة‬
‫ونتيجة لهذه المشاعر قد يصبح الفرد اكثر قدرة واكثر انتاجاً في‬ ‫الى الطعام تشبع لدى‬
‫الحصول عليه ولكن بعد‬
‫كل مجاالت الحياة‪.‬‬ ‫مدة سيحتاج الفرد مرة‬
‫تحقيق الذات ‪ -:‬بعد تحقيق الحاجات السابقة فان الشخص يكون‬ ‫اخرى للطعام وهكذا مع‬
‫الحاجات االخرى في هرم‬
‫االن مستعداً لالنتقال الى المرحلة االخيرة من نموه وتحقيق‬ ‫ماسلو ‪.‬‬
‫جميع امكانياته وقابلياته‪ ،‬والشخص الذي يجب ان يصبح أو ان‬
‫يكون بما يملكه من قدرات‪ .‬حتى وان اشبعت الحاجات االربع‬
‫السابقة‪ ،‬فان الشخص غير المحقق لذاته وغير المستفيد من‬
‫امكانياته‪ ،‬وسوف يصبح غير راض وقلقاً سوف يحبط عندما‬
‫يفشل في اشباع اي حاجة اخرى ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫اسئلة المبحث االول‬
‫س‪ -1‬ما الشخصية؟‬
‫س‪ -2‬كم تعريفاً يمكن ان تضعه للشخصية؟‬
‫س‪ -3‬ما النظرية؟‬
‫س‪-4‬عدد نظريات الشخصية التي اطلعت عليها واذكر صاحب النظرية‪.‬‬
‫س‪-5‬على ماذا يعتمد التحليل النفسي في تفسير الشخصية؟‬
‫س‪-6‬هل هناك فرق بين المدرسة السلوكية والتحليل النفسي في تفسير الشخصية؟‬
‫وضح ذلك‪.‬‬
‫س‪ -7‬متى يحقق الفرد ذاته على وفق نظرية ماسلو؟‬
‫س‪ -8‬صحح الخطأ في العبارات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬تعد الحاجة الى تحقيق الذات من الحاجات الفطرية االساسية‪.‬‬
‫‪ -‬يذكر فرويد ان السلوك يمكن ان يسيطر عليه بنتائجه‪.‬‬
‫‪ -‬يعمل االنا االعلى على وفق مبدأ اللذة ‪.‬‬
‫س‪ -9‬اختر العبارة المناسبة ‪:‬‬
‫‪ -‬يعد الالشعور بؤرة أو مركز ‪.............‬‬
‫(المدرسة السلوكية‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬المدرسة االنسانية) ‪.‬‬
‫‪ ............-‬هي النظام االصلي واألقدم للشخصية‪.‬‬
‫(الحاجة ‪ ،‬الهي ‪ ، id‬الشعور)‬
‫‪ -‬تعد الحاجة الى أالمن ‪...............‬‬
‫(من الحاجات الفطرية ‪ ،‬من الحاجات المكتسبة) ‪.‬‬

‫‪ :‬ارسم مخططين احدهما (لماسلو) واآلخر (لفرويد ) وقارن بينهما‬ ‫نشـــاط‬

‫‪113‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الدوافع واالنفعاالت‬
‫االهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد األنتهاء من المبحث قادراً على أن‪:‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم الدافع ‪.‬‬
‫‪ -‬يعدد اقسام الدوافع وتصانيفها ‪.‬‬
‫‪ -‬يفهم الفروق بين الدوافع الفطرية والدوافع المكتسبه ‪.‬‬
‫‪ -‬يميز الدافع الفطري من الدافع المكتسب‪.‬‬
‫‪ -‬يستنتج طبيعة الدافع ونوعه من خالل السلوك المستثار ‪.‬‬
‫‪ -‬يعرف مفهوم االنفعال باسلوبه الخاص ‪.‬‬
‫‪ -‬يعدد مكونات االنفعال ‪.‬‬
‫‪ -‬يفهم ترتيب مكونات االنفعال ‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين الدوافع واالنفعاالت ‪.‬‬
‫‪ -‬يستنتج اوجه الشبه واالختالف بين الدوافع واالنفعاالت ‪.‬‬
‫‪ -‬يفرق بين الباعث والدافع والحافز ‪.‬‬
‫دوافع السلوك‬
‫الدافع هو كل مايدفع الى السلوك‪ ،‬ذهنياً كان هذا السلوك أم حركياً‪ ،‬لذا كان موضوع‬
‫الدوافع يتصل بجميع الموضوعات التي يدرسها علم النفس‪ .‬اذ السلوك بدون دافع‪ ،‬فهو‬
‫وثيق الصله بعمليات االنتباه واالدراك والتذكر والتخيل والتفكير واالبتكار والتعلم‪ ،‬كما انه‬
‫يمس موضوعات االرادة والضمير وتكوين الشخصية بطريقه مباشرة‪.‬‬
‫ان موضوع الدوافع من اكثر موضوعات علم النفس اهمية واثارة ألهتمام الناس جميعاً‪.‬‬
‫فهو يهم االب الذي يريد ان يعرف لماذا يميل طفله الى االنطواء على نفسه والعزوف عن‬
‫اللعب مع اقرانه‪ .‬أو لماذا يكون هذا الطفل طبيعياً في المدرسه ومشاكساً في البيت‪ ,‬أو لماذا‬
‫يسرف في الكذب أو يقضم أظفاره‪.‬‬
‫كما يهم موضوع الدوافع المدرس الذي يعمل على معرفة دوافع تالميذه وميولهم ليتسنى‬
‫له ان يستغلها في حفزهم على التعلم‪ .‬وهو يهم الطبيب اذ يريد ان يعرف سبب التشكي‬

‫‪114‬‬
‫للوصول لمريض يدل فحصه على خلوه من اسباب المرض‬ ‫الدافع الفطري‪ :‬هو كل‬
‫مايولد االنسان وهو مزود‬
‫الجسمي‪.‬‬ ‫به ‪ .‬اي يأتي عن طريق‬
‫الوراثة مثل دافع الجوع‬
‫دوافع االنسان العد لها والحصر « الجوع والعطش‪،‬‬ ‫والعطش والتنفس ‪.‬‬
‫والخوف والغضب‪ ،‬والحب والكره‪ ،‬واالنجاز‪ ،‬واالمن‪،‬‬
‫الدافع المكتسب‪ :‬هو كل‬
‫والزواج‪ ،‬والتقدير االجتماعي‪ ،‬والرغبه في الظهور‪ ،‬أو في‬ ‫مايتعلمه الفرد من البيئة‬
‫التعبير عن الذات وما يتفرع عن هذه الدوافع من دوافع فرعيه‬ ‫التي يعيش فيها وبذلك‬
‫فهو يختلف من مجتمع‬
‫ومطالب العد لها كدافع تعلم لغة اجنبية ‪،‬أو شراء سيارة‪ ،‬أو‬ ‫الى آخر كالشعور بالواجب‬
‫قراءة جرائد معينه‪ ،‬أو اختيار مالبس معينة‪.‬‬ ‫او احترام الذات ‪.‬‬
‫من هذه الدوافع ماهو فطري أولي ومنها ما هو مكتسب ثانوي‪.‬‬ ‫نواحي الدوافع االولية‪:‬‬
‫ومن الدوافع المكتسبة التي فرضها النظام السابق ومن‬ ‫نظرا لكون الدوافع‬
‫االولية معقدة فقد درسها‬
‫خالل سياسة التبعيث والعسكرة في التعليم‪ ،‬وفرض دوافع القوة‬ ‫علماء النفس من نواح‬
‫والكره تجاه االخرين وفرض المشاركة باالنشطة العسكرية‬ ‫ثالث ‪ ،‬هي أ‪ -‬الناحية‬
‫الفسيولوجية اي من‬
‫مما ادى الى تغيير دوافع الطلبة من التعلم واالتجاه نحو ترك‬ ‫خالل التغيرات الكيمياوية‬
‫الدراسة‪.‬‬ ‫والعضوية والعصبية داخل‬
‫الجسم والدور الذي تؤديه‬
‫ومن الدوافع ما هو شعوري اي يشعر الفرد في وجوده مثل‬ ‫في توجيه النشاط ‪ .‬ب‬
‫الرغبة في السفر الى بلد معين او الرغبة في االستماع الى‬ ‫– من الناحية الشعورية‬
‫وذلك من خالل قدرة الفرد‬
‫الموسيقى‪ ،‬ومنها ماهو ال شعوري اليشعر الفرد الى وجوده‬ ‫على وصف الدافع وقمعه‬
‫كالدافع الذي يحمل االنسان على نسيان موعد مهم‪.‬‬ ‫اذا كان اليقره المجتمع‬
‫كالـــدوافــــع العـــدوانية‬
‫الدافع ‪:Motive‬‬ ‫والجنسية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬نـــــاحية الســـــلوك‬
‫للدافع تعاريف كثيرة ‪ ،‬منها ‪ :‬اية حالة داخلية‪ ،‬جسمية أو‬ ‫الظاهري وذلك من خالل‬
‫نفسية تثير السلوك في ظروف معينة وتواصله حتى ينتهي الى‬ ‫التصرفات التي تظهر على‬
‫سلوك الفرد والتي تتخذ‬
‫مثال يضرب في االرض في كل‬ ‫ً‬ ‫غاية معينة‪ .‬فالكلب الجائع‬ ‫وجهات ومناحي معينة‬
‫كبحث الفرد عن الطعام‬
‫االتجاهات يلتمس الطعام والينتهي عن البحث حتى يقع على‬
‫وعندما يمنع عنه ‪.‬‬
‫الطعام‪ .‬والطالب يدآب ويسهر الليالي ويحاول بعد اخفاق بدافع‬
‫الرغبه في النجاح أو التفوق أو الظفر بمركز اجتماعي الئق أو‬
‫بهذ ِه الدوافع جميعاً‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ويعرف الدافع بأنه حالة من التوتر تثير السلوك وتوصله الى‬ ‫مــــبـدأ التــوازن‪ :‬مـــــن‬
‫المبـــادئ المـــقررة فـــي‬
‫هدفه حتى يخف هذا التوتر أو يزول‪ .‬فيستعيد الفرد توازنه‪ .‬فكأن‬ ‫عـلم الــفسيولوجيــا ان‬
‫لكل كائن حي يميل الى‬
‫الدافع اضطراب يخل توازن الفرد فيسعى الفرد الى استعادة‬ ‫االحتفاظ بتوازنه الداخلي‪،‬‬
‫توازنه‪ .‬ويتضح هذا بوجه خاص في الحاجات الفسيولوجيه‬ ‫الفــيزيقي الكيميائي مــن‬
‫تلقاء نفسه وان اختالل‬
‫كالجوع والعطش‪،‬ولهذا تخضع الدوافع والسلوك الصادر عنها‬ ‫التوازن الداخلي يؤثر‬
‫ايضا في سلوك الفرد‬
‫لمبدأ يسمى مبدأ التوازن‪.‬‬ ‫الخارجي ‪.‬‬
‫والدوافع حاالت أو استعدادات النالحظها مباشرة بل نستنتجها‬
‫من االتجاه العام للسلوك الصادر عنها‪.‬‬ ‫من االسباب الرئيسة في‬
‫تكوين مشاعر الخوف‬
‫والدافع اصطالح عام شامل وتحتوي اللغة على الفاظ كثيرة‬ ‫واالضطراب‪:‬‬
‫أ‪ -‬افتقار الطفل الى عطف‬
‫تحمل معناه االجمالي‪ ،‬لكن علم النفس يحاول التمييز بين بعضها‪,‬‬ ‫احد والديه ‪ .‬ب‪ -‬الشقاء‬
‫منها الحاجة‪ ،‬والحافز‪ ،‬والباعث‪ ،‬والنزعة والرغبة والعاطفة‪،‬‬ ‫االسري ‪ .‬جـ‪ -‬التذبذب في‬
‫المعاملة الوالدية‪.‬‬
‫واالتجاه‪ ،‬والغرض‪ ،‬والقصد‪ .‬وهناك اكثر من تقسيم للدوافع‪.‬‬ ‫د‪ -‬محاباة طفل االسرة‬
‫وايثاره على غيره مما‬
‫الدافع حافز وغاية‪-:‬‬ ‫يسبب الغيرة عند اخوته ‪.‬‬
‫الدافع قوة محركة موجهة في آن واحد‪ .‬فهو يثير السلوك الى‬
‫غاية أو هدف يرضيه‪ ،‬وأن أثير الدافع واعيق عن بلوغ هدفه‬ ‫هل تعلم؟ ان االنسان في‬
‫كل لحظة وفي كل وقت‬
‫ظل الفرد في حاله من التوتر‪ .‬فالدافع استعداد ذو وجهين‪ ،‬وجه‬ ‫تدفعه عوامل مختلفة‬
‫داخلية وخارجية ‪ .‬ومن‬
‫داخلي محرك‪ ،‬ووجه خارجي هو الغايه أو الهدف الذي يتجه‬ ‫شأن هذه الدوافع بقوتها‬
‫وانماطها ان تؤثر في‬
‫اليه السلوك الصادر عن الدافع كاالكل والشرب‪.‬‬ ‫ادراك االنسان للعالم من‬
‫ويسمى الوجه الداخلي للدافع بالحافز‪ ،‬وهو حالة من التوتر‬ ‫حوله ‪.‬‬

‫تولد حالة من النشاط بحثا عما يرضي الدافع‪.‬‬


‫اما الباعث ‪ Incentive‬فموقف خارجي‪ .‬مادي أو اجتماعي‬
‫يستجيب له الدافع‪ .‬فالطعام باعث يستجيب له دافع الجوع‪.‬‬
‫فالدافع قوة داخل الفرد والباعث قوه خارجه‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫والبواعث ايجابية أو سلبية‪ ،‬فااليجابية ماتجذب الفرد اليها‬
‫كانواع الثواب المختلفه‪ .‬والسلبية ماتحمل الفرد على تجنبها‬
‫كيف تعرف الدافع كيف‬
‫واالبتعاد عنها كالعقاب وانواع االستهجان‪.‬‬ ‫رجل من‬‫ٍ‬ ‫تتعرف على‬
‫الناس عنده دافع يدفعه‬
‫ويطلق اصطالح الحاجة بمعناها الواسع على كل حاله من‬ ‫؟وكيف تقيس هذا الدافع؟‬
‫النقص واالفتقار أو االضطراب‪ .‬الجسمي أو النفسي أن لم تلق‬ ‫هناك وسيلتان لذلك ‪ :‬ان‬
‫نقيس بعض الظروف‬
‫اشباعاً اثارت لدى الفرد نوعاً من التوتر والضيق اليلبث ان‬ ‫الخارجية المعنية التي‬
‫تظن انها تولد الدافع ‪ .‬او‬
‫يزول متى قضيت الحاجه‪ ,‬اي متى زال النقص أو االضطراب‬ ‫ان نقيس بعض جوانب‬
‫واستعاد الفرد توازنه‪.‬‬ ‫السلوك عند الشخص‬
‫تلك الجوانب التي تعكس‬
‫اما الرغبة فهي الشعور بالميل نحو اشخاص أو اشياء معينة‬ ‫مالديه من دوافع ‪.‬‬
‫كرغبة الطفل في تقبيل امه‪ ،‬ورغبة الطالب في اتقان نظريه‬
‫النسبية‪ ،‬ورغبتك في السفر الى مكان معين أو تناول حساء‬
‫معين‪ ،‬فالرغبه التنشأ من حالة نقص أو اضطراب كما هي‬
‫الحال في الحاجة‪ ،‬بل تنشأ من تفكير الفرد فيها أو تذكره اياها‬
‫أو ادراكه االشياء المرغوبة‪ .‬وبعباره أخرى فالحاجة تستهدف‬
‫تجنب ألم في حين ان الرغبة تستهدف التماس لذه‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف الدافع الى‪:‬‬ ‫اسئلة رئيسة في الدوافع‬
‫الحوافز االساسية ‪ :‬كما ذكرنا تكون الحوافز االساسية عبارة‬ ‫هل زيادة الدافع تؤدي الى‬
‫زيادة االستجابات المالكة‬
‫عن دوافع تنشط السلوك بهدف اشباع الحاجات ذات االصول‬ ‫لذلك الدافع ؟ هل زيادة‬
‫الجوع تؤدي الى زيادة‬
‫الفسيولوجية المرتبطة بالبقاء على قيد الحياة‪ .‬وتنشأ الحوافز‬ ‫االكل ! الواقع ان هذه‬
‫لتحقيق الحاجة الى االوكسجين ‪ ،‬والماء والطعام والجنس وتفادي‬ ‫العالقة قد ثبتت وتأكدت‬
‫لعدد من الدوافع ‪.‬‬
‫االلم‪.‬‬
‫الدوافع االجتماعية ‪ :‬ان الكثير من السلوك االنساني يكون‬
‫موجهاً نحو اشباع دوافع اجتماعية‪ ،‬تلك التي يعتمد اشباعها على‬
‫االتصال باالخرين والتفاعل معهم‪، ،‬تظهر الدوافع االجتماعية‬

‫‪117‬‬
‫الشباع حاجات مرتبطة بمشاعر الحب والقبول‪ ،‬واالستحسان‬
‫الجوانب المعرفية ‪ :‬هي‬
‫واالحترام‪ .‬فغالباً ما يشعر االفراد باالضطراب العميق عندما‬ ‫المعلومات او االفكار او‬
‫يكونون منبوذين من افراد مجتمعهم ومعزولين اجتماعياً‪.‬‬ ‫المدركات ‪.‬‬

‫دوافع االستثارة الحسية ‪:‬‬


‫يحتاج االنسان والحيوان الى االستثارة ‪ .‬ونحن غالباً ما نزود‬
‫انفسنا باالثارة من خالل احالم اليقظة‪ ،‬وعندما يكف الفرد عن‬ ‫يحدث التنافر المعرفي‬
‫عندما التستقر الجوانب‬
‫انشطة االستثارة الذاتية تصبح االعمال اليومية الروتينية مثيرة‬ ‫المعرفية للشخص مع‬
‫المعايير االجتماعية ‪.‬‬
‫للضجر ‪،‬واالجهاد ويزداد الشعور بالتوتر واالكتئاب‪ ،‬والشعور‬
‫بأن الفرد كاآللة‪.‬‬
‫االنفعاالت‪:‬‬
‫الدافعية بوصفها محددة‬
‫عندما تُسأل كيف تشعر عندما تكون قلقاً أو غاضباً أو سعيداً ؟‬ ‫للسلوك‪ :‬تشير الدراسات‬
‫فأننا بهذا السؤال نسأل عن االنفعال‪.‬‬ ‫الى ان الدافعية واحد‬
‫من العوامل المهمة التي‬
‫ان االنفعاالت تشبه الدوافع في كونها حاالت داخلية ال يمكن‬ ‫تحدد لكيفية السلوك‬
‫للشخص‪ .‬فالدافعية امر‬
‫مالحظتها أو قياسها مباشرة‪ .‬وفي اثناء تفاعل االفراد مع الخبرات‬ ‫تتضمنه كل كل انواع‬
‫التي يتعرضون لها تنشأ االنفعاالت فجأة‪.‬‬ ‫السلوك من تعلم‪ ،‬واداء‬
‫علمي ‪ ،‬وادراك حسي ‪،‬‬
‫ً‬
‫شموال لالنفعاالت ‪ :‬ـ‬ ‫ويكون التعريف األكثر‬ ‫وانتباه وتذكر ‪ ،‬ونسيان‪،‬‬
‫وتفكير‪ ،‬وابداع وشعور‬
‫حاالت داخلية تتصف بجوانب معرفية خاصة‪ ،‬واحساسات‬
‫وردود افعال فسيولوجية‪ ،‬وسلوك تعبيري معين‪ ،‬وهي تظهر‬
‫بصورة مفاجئة ويصعب التحكم فيها‪.‬‬
‫من التعريف يتضح ان لالنفعال مكونات ثالثة‪ ،‬الذاتية‪،‬‬
‫والفسيولوجية‪ ،‬والسلوكية‪ .‬يشمل المكون الذاتي االحساسات‬
‫عندما نتسلم المنبه عن طريق الحواس‪.‬‬
‫يرافق هذا التسلم للمنبه ردود افعال فسيولوجية مثل خفقان‬
‫القلب بقوة وتوتر الجسم في حالة الغضب واعراض معدية معوية‬

‫‪118‬‬
‫في حالة القلق وحالة من االرتجاف والتعرق وانتصاب الشعر في‬
‫الخبرة ‪ :‬هو كل مايخبره‬
‫حالة الخوف‪.‬‬ ‫الفرد في الحياة عند‬
‫تظهر االنفعاالت بمجرد ميالد الطفل في ارتباط وثيق بالدوافع‪،‬‬ ‫تفاعــله مـــع البيئة بما‬
‫تحملــه مــــن منبهات‬
‫ً‬
‫مثال يبكي االطفال حديثو الوالدة ويبدو عليهم القلق واالنزعاج‬ ‫واشخاص‪ .‬فقط تكون‬
‫الخبرة عن طريق التعلم‬
‫عندما تنشأ لديهم حاجات مثل الجوع‪ ،‬كما تنبعث ردود افعال‬ ‫او مرور الحالة نفسها‬
‫ً‬
‫مثال عندما‬ ‫موجبة مشابهة للسرور عند اشباع حاجات االطفال‪،‬‬ ‫الكثر من مرة‪.‬‬

‫يتم عناقهم وتغذيتهم كما ان االطفال حديثي الوالدة يجفلون عند‬


‫تعرضهم لصوت عال ً‬
‫مثال وهذ ِه عالمة مبكرة على الخوف ‪.‬‬
‫المكون الفسيولوجي لالنفعاالت‪:‬‬
‫اشار عالم النفس االمريكي ولتر كانون ‪ walter cannon‬منذ‬
‫اكثر من خمسين عاماً الى ان االستجابات الفسيولوجية المرتبطة‬ ‫معايير النضج االنفعالي‪:‬‬
‫باالنفعاالت تزود الحيوانات بالطاقة لمواجهة الطوارئ‪ .‬واوضح‬ ‫‪ -1‬االســــــتقاللــية او‬
‫االعتماد على الذات‪.‬‬
‫ان المواقف التي تثير األلم‪ ،‬والغضب الشديد‪ ،‬أو الخوف تؤدي‬ ‫‪ -2‬الـــــواقعية والقدرة‬
‫على التفكير العقالني‪.‬‬
‫الى تغيرات جسمية معينة تهيئ الكائنات للتعامل بنشاط وقوة مع‬ ‫‪ -3‬الــــتعــــــاطـــــــف‬
‫التحديات التي تواجهها‪.‬‬ ‫ومــشـــــاركــــة الناس‬
‫افراحهم واحزانهم‪.‬‬
‫وفي اثناء الحاالت االنفعالية تتولد ردود االفعال الفسيولوجية‬ ‫‪ -4‬الــــــــوعي عـــــــلى‬
‫الذات وتـــقديـر الـــذات‪.‬‬
‫من الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي المستقل والغدد‬ ‫وتقلبه لجميع خصائصه‬
‫الصماء‪.‬‬ ‫الذاتية مقدراً ذلك قيمتها‬
‫على انه كائن انساني‬
‫ويختلف االفراد في كل من نوع وقوة ردود أفعالهم الفسيولوجية‬ ‫فريد‪.‬‬
‫‪ -5‬التكامــــل وتكـــوين‬
‫لالنفعاالت ‪ ،‬فيتأثر نمط االستجابة الفسيولوجية الخاصة بانفعاالت‬ ‫نظرة متناسقة مع العالم‬
‫معينة عند فرد ما بكل من العمر‪ ،‬والجنس‪ ،‬والعقاقير‪ ،‬والغذاء‪،‬‬ ‫تعطي المعنى ألفعاله‬
‫الفردية ومظاهر حياته‪.‬‬
‫والشخصية‪ ،‬واسلوب الفرد في مواجهة المشكالت والتغلب عليها‪،‬‬
‫وهذا يعني ان انماط استجابة االفراد يمكن ان تتأثر بالوراثة كما ان‬
‫التعلم يمكن ان يؤثر على ردود االفعال االنفعالية‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫المكون الذاتي لالنفعاالت‪:‬‬
‫تأثير االنفعال في السلوك‪:‬‬
‫اذا كانت دقات قلبك شديدة‪ ،‬وتتصبب يداك عرقاً‪ ،‬ويظهر‬ ‫االنفعال مثير خارجي‬
‫االحمرار على وجهك‪ ،‬فما االنفعال الذي تشعر به؟‬ ‫وعندما يستثار فأن‬
‫الدماغ والجسم يستجيبان‬
‫االجابة عن هذا السؤال‪ :‬ان كنت قد تعرضت لالهانة والتوبيخ‬ ‫بأستجابة انفعالية فماذا‬
‫يحدث عندئذ ؟ االمر‬
‫منذ لحظات فانك تطلق على هذا الشعور اسم الغضب‪ ،‬اما اذا‬ ‫يتطلب التصرف وسلوك‬
‫كنت تؤدي امتحاناً صعباً‪ ،‬فانك قد تعزي احاسيسك وشعورك‬ ‫الشخص يتأثر ‪ .‬ولكننا‬
‫نجد هنا اختالفاً قديماً حول‬
‫هذا الى الخوف من االمتحان أو القلق‪.‬‬ ‫االثار المجددة لالنفعال ‪.‬‬
‫بعض اصحاب النظريات‬
‫يعتقد علماء النفس ان تفسير االفراد للموقف المباشر الذي‬ ‫يرون ان االنفعال يختلف‬
‫يتعرضون له هو المحدد السم االنفعال الذي يطلقونه على ما‬ ‫عن الدافع بسبب ان‬
‫سيى‬
‫ْ‬ ‫االنفعال له تأثير‬
‫يشعرون به‪ .‬رغم ان ردود أفعال الجهاز العصبي السمبثاوي‬ ‫على السلوك اذ يؤدي الى‬
‫االضطراب واالختالل ‪.‬‬
‫تكون متشابهة تماماً لدى كل منهم وان هذا المفهوم يؤكد فهم‬ ‫وبعضهم االخر يرون ان‬
‫الفرد للموقف الذي هو فيه وادراكه ‪.‬‬ ‫االنفعال يمكن ان يؤدي‬
‫الى انتظام السلوك كما‬
‫المكون السلوكي لالنفعاالت‪:‬‬ ‫يفعل الدافع ‪ .‬وكذلك قد‬
‫يكون من الممكن ان ً‬
‫كال‬
‫يستجيب االفراد والحيوانات النفعاالتهم بوساطة تعبيرات‬ ‫من االنفعاالت والدوافع‬
‫الوجه‪ ،‬وااليماءات‪ ،‬واالفعال الحركية‪ .‬يستطيع معظم االفراد‬ ‫اما ان يكون لها اثار‬
‫تنظيمية او اثار مفسدة‬
‫بسهولة تحديد التعبيرات التي تظهر على االفراد المنفعلين‪.‬‬ ‫للتنظيم ‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثال جميع افراد الجنس البشري في ارجاء العالم كله يعبرون‬
‫عن الغضب باحمرار الوجه‪ .‬وتحدث تلك التعبيرات تلقائيا‬
‫لدى االطفال الصغار كما يعبر الطفل االعمى والطفل االصم‬
‫خلقياً (االفراد الذين يولدون وهم فاقدو البصر‪ ،‬أو فاقدو حاسة‬
‫السمع) عن مشاعرهم بالعالمات أو المظاهر نفسها ‪ .‬وهذا ما‬
‫يشير الى ان تعبيرات معينة للوجه تكون مبرمجة داخل االفراد‬
‫بوساطة مورثاتهم‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ان ما ُطرح من اراء للعلماء ال يؤيد وجود ترتيب واحد‬ ‫نظريات االنفعال‪ :‬هناك‬
‫نظريات كثيرة تشرح‬
‫للمكونات االنفعالية‪.‬‬ ‫كيفية حدوث االنفعال‬
‫ان تعرف االنفعاالت من خالل تقدير تعابير الوجه ليس باالمر‬ ‫والعناصر النفسية في‬
‫حالة الهيجان مرتبة على‬
‫السهل في اغلب الحاالت وذلك يعود الى تعقد االنفعاالت‪ .‬فإن‬ ‫الصورة االتية ‪:‬‬
‫‪-1‬الفكرة او االدراك‬
‫مهمة قراءة انفعاالت االخرين ومعرفتها في الحياة اليومية‪،‬‬ ‫‪-2‬االنفعال‬
‫غالباً ما يعتمد فيها االفراد على المعلومات التي تتجمع لديهم عن‬ ‫‪ -3‬ا لظــو ا هـر ا لجســد ية‬
‫والفسيولوجية‬
‫الموقف الذي استدعى ذلك التعبير الذي ينم عن االنفعال‪ .‬وفي‬ ‫ومن النظريات التي تعالج‬
‫مسألة االنفعال ‪:‬‬
‫الحياة الواقعية قد تكون هذه المعلومات االضافية ضرورية الن‬ ‫‪-1‬نظرية جيمس – النج‬
‫المشاعر عادة ما تمتزج بمشاعر اخرى‪ .‬كما ان هناك كثيراً‬ ‫‪-2‬نظرية كانون –بارد‬
‫‪-3‬نظرية سكاكتر وغيرها‬
‫من المواقف تستثير عدداً من االنفعاالت المختلفة وليس مجرد‬ ‫من النظريات ‪.‬‬

‫انفعال واحد فقط‪ .‬فقد يثير لديك موقف محدد انفعال الغضب‬
‫والحزن في وقت واحد‪.‬‬ ‫هل تعلم ؟‬
‫اننا غالبا ما نلجأ الى‬
‫وال تمتزج االنفعاالت بعضها مع بعض فقط ولكنها ترتبط‬ ‫اخفاء انفعاالتنا الى حد‬
‫ما لحماية صورتنا الذاتية‬
‫مثال اشباع حاجة الجوع غالباً‬
‫ً‬ ‫ايضاً بالدوافع منذ ميالد الفرد‪.‬‬ ‫او للتطابق مع التقاليد‬
‫ما ترتبط بمشاعر معينة مثل السعادة أو السرور واالنفعاالت‬ ‫االجتماعية ‪.‬‬

‫بدورها تولد الدوافع والسلوك‪ ،‬فغالباً ما يصاحب الغضب‬


‫الرغبة في االيذاء واحداث الضرر والتصرف بعدوانية‪.‬‬ ‫الصورة الجديدة للسلوك‬
‫ويبدو ان تعقيد االنفعاالت يرجع لسبب اخر هو انها تتغير‬ ‫االنساني ‪ :‬ان المعركة‬
‫القديمة بين الوراثة‬
‫باستمرار‪ ،‬وبصفة عامة ال تتحكم المشاعر العنيفة القوية في‬ ‫والبيئة قد أمتدت الى حد‬
‫كبير فاألنسان لم يولد‬
‫االفراد بصورة مستمرة ولكن التي تسود هي االنفعاالت األكثر‬ ‫وهو مجهز بغرائز جاهزة‬
‫محايدة‪ ،‬ذلك ان عقولنا تحاول المحافظة على وجود توازن‬ ‫غير مرنة ‪ .‬كما انه ليس‬
‫قطعة سلبية من الصلصال‬
‫انفعالي أمثل عن طريق اختزال شدة المشاعر الموجبة والسالبة‪.‬‬ ‫(الطين ) يقوم المجتمع‬
‫بتشكيلها في‬
‫فمثال يستثير خطر ما‪ -‬مثل صوت عواء الكلب‪ -‬الرعب‬ ‫ً‬
‫انظمة للقيم محددة ‪ .‬وان‬
‫والفزع في البداية فاذا استمر الخطر يضعف الفزع لدى الفرد‬ ‫االنسان يولد مزودا بعدد‬

‫‪121‬‬
‫حتى يصل الى مستوى القلق المعتدل‪ ،‬وهذا يعني ان االنفعال‬ ‫االنسان يولد مزوداً‬

‫يرتفع بشدة ويبلغ اوجه ثم يضعف ويثبت ويبقى مستقراً طالما‬


‫بعدد كبير من االمكانات‬
‫التي تتفاعل مع عالم‬
‫أن مصدر الفزع كان مستمراً‪.‬‬ ‫مــادي واجــتمــــــاعي‬
‫معقد‪ :‬لتتكون في ذلك‬
‫طائفة متنوعة من‬
‫األنظمة الدفاعية ولعلنا‬
‫النستطيع ان نجد دافعاً‬
‫واحداً يكون فــطرياً‬
‫كامال تماما او يكون‬ ‫ً‬
‫مكتسبا تماما وانما‬
‫االمـــكانـــــات الوراثية‬
‫تتعرض في تفاعلها مع‬
‫البيئة الى االتساع او‬
‫التقلص وال نزال حتى‬
‫االن نجهل االمكانات‬
‫الكامنة عند االنسان ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫اسئلة المبحث الثاني‬
‫س‪ -1‬ما الدافع؟‬
‫س‪ -2‬لماذا تعُد الدوافع من اكثر موضوعات علم النفس اهمية؟‬
‫س‪ -3‬إلى كم نوع يمكن ان تصنف الدوافع؟‬
‫س‪ -4‬ما الفرق بين الدوافع الفطرية والدوافع المكتسبة؟‬
‫س‪ -5‬هل لك ان تالحظ الدوافع بصورة مباشرة؟ ولماذا؟‬
‫س‪ -6‬ما المصطلحات التي تحمل معنى الدافع؟ وكيف لك ان تميزها؟‬
‫س‪-7‬ماذا نعني باالنفعاالت؟‬
‫س‪ -8‬متى تبدأ االنفعاالت بالظهور؟‬
‫س‪ -9‬من اين يأتي تعقيد االنفعاالت؟‬
‫س‪ 10‬ما اوجه الشبه بين الدوافع واالنفعاالت؟ وما عالقة كل منها باالخر؟‬
‫س‪ -11‬صحح الخطأ اينما وجد‪:‬‬
‫ـ الدافع هو كل ما يدفع الى السلوك الحركي فقط‪.‬‬
‫ـ الدافع استعداد نالحظه مباشرة‪.‬‬
‫ـ تظهر االنفعاالت على الفرد عندما يصل الى مرحلة المراهقة‪.‬‬
‫ـ المكون الذاتي لالنفعال هو كل التغيرات الوظيفية العضاء الجسم‪.‬‬
‫س‪ -12‬اختر العبارة المناسبة‪:‬‬
‫‪ -1‬يعد الباعث موقفاً ‪( :‬خارجياً‪ ،‬داخلياً‪ ،‬مادياً)‬
‫‪ -2‬مصطلح الحاجة يعني ‪( :‬النقص‪ ،‬الرغبة‪ ،‬الحافز)‪.‬‬

‫‪ -3‬لالنفعاالت ‪( :‬ثالثة مكونات‪ ،‬مكون واحد‪ ،‬مكونان)‬

‫نشـــاط ‪:‬‬
‫أختر احد كتب علم النفس من مكتبة المدرسة وأقرأ مافيه من الدوافع واالنفعاالت‬
‫ً‬
‫جدوال تبين فيه الفروق بينهما‪.‬‬ ‫ثم ارسم‬

‫‪123‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫الذكــــــــــــاء‬
‫االهداف السلوكية‪ :‬جعل الطالب بعد اإلنتهاء من المبحث قادراً على أن ‪:‬‬
‫‪ -1‬يعرف مفهوم الذكاء ‪.‬‬
‫‪ -2‬يذكر بعض تعاريف الذكاء ‪.‬‬
‫‪ -3‬يقارن بين تأثير الوراثة وتأثير البيئة على الذكاء‬
‫‪ -4‬يقارن بين مفهوم الشخص الذكي ومفهوم الشخص العبقري ‪.‬‬
‫‪ -5‬يفهم معنى القدرة العقلية العامة ‪.‬‬
‫‪ -6‬يميز بين الذكاء والتحصيل ‪.‬‬
‫‪ -7‬يعرف عالقة التحصيل بالذكاء ‪.‬‬
‫‪ -8‬يفهم معنى الذكاءات المتعددة ‪.‬‬
‫‪ -9‬يعدد الذكاءات الثمانية ‪.‬‬
‫‪ -10‬يعدد خصائص االنسان الذكي ‪.‬‬
‫يعد الذكاء من اكثر المفاهيم التي حضيت باهتمام علماء النفس ومنذ القرن العشرين‬
‫فقد أحتل مكانة أساسية في ميدان علم النفس وظهرت عليه الكثير من التجديدات في الفهم‬
‫والتطبيق من مدة الى أخرى اسهمت في استيعاب هذه الخاصية (الذكاء) بشكل أفضل‪.‬‬
‫وقد برزت جهود علماء النفس في تعرف طبيعة الذكاء وأتخذوا أساليب متنوعة‬
‫لمعرفة ما إذا كان هو مكون من قدرة عقلية عامة أم مجموعة من قدرات مستقلة‪.‬‬
‫وتوصلوا الى ان الذكاء هو مجموعة من القدرات تم تسميتها بأنواع مختلفة من الذكاء‬
‫(كالذكاء الميكانيكي) و(الذكاء االجتماعي) و(الذكاء اللغوي)‪.‬‬
‫وهي باختصار ‪:‬‬
‫‪ .1‬الذكاء الميكانيكي أو العملي ‪ :‬وهو القدرة العملية األدائية على معالجة األشياء‬
‫الحسية كما تبدو في المهارات اليدوية‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ .2‬الذكاء المجرد ‪ :‬وهو القدرة على فهم التعامل مع األلفاظ‬ ‫يرى بعض العلماء‬
‫ان الذكاء عبارة عن‬
‫واألرقام والرموز والمعادالت ومعالجتها‪.‬‬ ‫قدرة عامة واحدة وان‬
‫جميع المهام العقلية‬
‫‪ .3‬الذكاء االجتماعي ‪ :‬وهو القدرة على فهم الناس ومعاملتهم‬ ‫تتطلب خاصيتين هما‬
‫والتعامل معهم بكفاية‪.‬‬ ‫الذكاء العام والمهارات‬
‫الخاصة بمفردات تلك‬
‫تعريف الذكاء ‪:‬‬ ‫المهام فعلى سبيل المثال‬
‫تحتاج مسائل الجبر‬
‫إن الذكاء مفهوم مجرد ال يشير الى شيء مادي أو ملموس‬ ‫والرياضيات الى الذكاء‬
‫يمتلكه الشخص الذكي ولكنه مفهوم نصف به السلوك‬ ‫العام باالضافة الى‬
‫المفاهيم العددية‪ .‬ومن‬
‫والتصرفات التي تصدر عن الفرد ونستطيع أن نشبهه بالتيار‬ ‫المصطلحات الشائعة‬
‫عند دراسة مفهوم‬
‫الكهربائي الذي ال نراه ولكن نستطيع االستدالل عليه من‬ ‫الذكاء مصطلحي (العمر‬
‫خالل رؤية االجهزة الكهربائية تعمل او من خالل الضوء‬ ‫العقلي) و(العمر الزمني)‬
‫والعمر العقلي هو عندما‬
‫الصادر من المصابيح‪.‬‬ ‫يكون طفال في العاشرة‬
‫من عمره مساويا‬
‫ومن تعريفات الذكاء في ابسط صورها انه القدرة على‬ ‫لمتوسط اداء االطفال‬
‫االبتكار والفهم والحكم الصحيح والتوجيه الهادف للسلوك‬ ‫الذين في عمره عندها‬
‫يكون مستواه العقلي‬
‫والنقد الذاتي‪ .‬وعرف ايضا على انه القدرة الكلية للفرد على‬ ‫مساويا عشرة سنوات‬
‫اما اذا كان اداؤه مماثال‬
‫العمل الهادف والتفكير المنطقي والتفاعل الناجح في البيئة‬ ‫لمتوسط اداء االطفال‬
‫وعرف ايضا انه القدرة على التفكير التاملي والتجريدي‬ ‫الذين هم في السادسة‬
‫يكون عمره العقلـــــي‬
‫والقدرة على التكيف مع البيئة‪ .‬وعرفه العالم (وكسلر) على‬ ‫مساويـــاً لستة سنوات‬
‫والفرق بين العمر‬
‫انه القدرة الكلية على التفكير العاقل والسلوك الهادف ذي‬ ‫العقلي والعمر الزمنى‬
‫التأثير الفعال في البيئة اما( كلفن) فعرفه على انه القدرة على‬ ‫هو مؤشر الذكاء‪.‬‬
‫ان بعـــض علماء النفس‬
‫التعلم‪ .‬وكان تعريف العالم (ستيرنبيرك) للذكاء بانه القدرة‬ ‫يفترضون ان الذكاء‬
‫في جوهرة قدرة عامة‬
‫العقلية الفطرية العامة لدى الفرد على التكيف العقلي للمشاكل‬ ‫واحدة‬
‫ومواقف الحياة الجديدة التي تقابل الفرد‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مفهوم الذكاء وانواعه وطرق قياسه‪:‬‬
‫ومــن هـــؤالء الـــعلمــاء‬
‫(‪ -1867‬من اكثر الموضوعات جدال في علم النفس وغيره من العلوم‬ ‫سبيرمــــــــان‬
‫‪ )1945‬الذي خلص الى‬
‫االنسانية االخرى والعلوم الطبيعية هو مفهوم الذكاء ويعود ذلك الى‬
‫ان الذكاء عبارة عن قدرة‬
‫ً‬
‫عامة واحدة وان جميع الميزة الفلسفية التي اتسم فيها هذا الجدل فغالبا ما يطرح العلماء‬
‫المهام العقلية تتطلب‬
‫خاصيتين هما الذكاء ان الذكاء شيء (غير محسوس) لكنه كأي مفهوم علمي آخر مثل‬
‫العام والمهارات الخاصة الجاذبية او الكهرباء له اهمية كبيرة ويجب قياسه ومعرفة ماهيته‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال تحتاج‬
‫مسائل الجبر الرياضيات مقاييس الذكاء‪:‬‬
‫الى الذكاء العام باالضافة‬
‫الى المفاهيم العددية‪ .‬ابتكر العالم الفرنسي الفرد بينيه (‪ )1911-1857‬اول مقياس عملي‬
‫للذكاء وفي البداية قام (بينيه وزمالؤه) بقياس المهارات الحسية‬
‫والحركية ولكن سرعان ما توصلوا الى ان مثل هذه المقاييس ال‬
‫تعطي المعلومات المطلوبة ثم بدأ بتقويم الوظائف المعرفية (العقلية)‬
‫مثل التخيل ‪ -‬طول االنتباه ونوعيته‪-‬الذاكرة‪-‬التفكير المنطقي‪-‬‬
‫االحكام الجمالية والقدرة على فهم الجمال‪ ،‬وقام (بينيه) بجمع بعض‬
‫المهام العقلية لقياس تلك القدرات وبدا باختبارها في احدى مدارس‬
‫باريس متوصال الى ان الفرق بين العمر العقلي والعمر الزمني هو‬
‫سبيرمان‬
‫مؤشر (الذكاء)‪.‬‬
‫وقدم عالم النفس االمريكي لويس تيرمان (‪ )1956-1877‬نسخة‬
‫معدلة من مقياس بينيه وقد تبنى تيرمان مفهوم نسبة الذكاء (‪)IQ‬‬
‫على انها مؤشر للذكاء وهي دليل عددي يصف االداء النسبي في‬
‫اختبار ما يقارن بين اداء فرد ما بأداء اآلخرين في العمر نفسه‬
‫وإستخدام تيرمان نسبة الذكاء لوصف العالقة بين العمر العقلي‬
‫والعمر الزمنى‪ ,‬رافضا طرق القياس التي استخدمها بينيه وهي‬ ‫الفرد بينيه‬

‫الفرق بين االثنين‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ووضع عالم النفس (ويكسلر) مقياساً يعرف بـ (مقياس ويكسلر‬
‫للذكاء) وهو يعد مثاال الختبارات الذكاء المعاصرة ويستخدم‬
‫على نطاق واسع لتقويم القدرات العقلية للراشدين ويتكون من‬
‫ستة اختبارات لفظية فرعية لتقويم القدرات المعتمدة على اللغة‬
‫وخمسة اختبارات فرعية لتقويم القدرات المعتمدة على التفكير‬
‫لويس تيرمان‬
‫ومهارات حل المشكالت العلمية‪ .‬كما ان هناك اختبارين‬
‫اخرين للعالم نفسه احدهما للشباب واالخر لالطفال قبل سن‬ ‫هل تعلم؟‬
‫‪ -1‬من ابرز علماء النفس‬
‫المدرسة االبتدائية‪.‬‬ ‫الذين بحثوا في موضوع‬
‫الذكاء سبيرمان وكاتل‬
‫نظريات الذكاء‪:‬‬ ‫وجيلفورد وعبد العزيز‬
‫هناك العديد من النظريات التي تناولت الذكاء ومكوناته‬ ‫القوصي ومن انواع‬
‫الذكاءات االخرى الذكاء‬
‫واولى هذه النظريات (نظرية العاملين لـ( سبيرمان ) الذي‬ ‫الوجداني والذكاء العقلي‬
‫والذكاء الشخصي‪.‬‬
‫(عامال عاماً ) وهو طاقة عقلية تتضمن‬
‫ً‬ ‫يذكر فيها ان للذكاء‬ ‫‪ -2‬ان انواع الذكاءات قد‬
‫النشاطات العقلية لالنسان كافة وتظهر على نحو خاص في‬ ‫تكون غير منفصلة مثال‬
‫ان الذكاء االجتماعي‬
‫و(عامال خاصاً) وهو ما يظهر‬
‫ً‬ ‫القدرة على ادراك العالقات‬ ‫يتضمن قدراً من الذكاء‬
‫المجرد ولكن في انواع‬
‫القدرة على االستدالل والقدرة على االبتكار واخرها ماقدمه‬ ‫اخرى من الذكاء قد‬
‫العالم جاردنر في الذكاء في كتابه (أطر العقل) اشار فيها الى‬ ‫يكون الفصل فيها واضح‬
‫مثال الذكاء الميكانيكي‬
‫ان كل فرد قادر على التعامل مع العالم من حوله من خالل‬ ‫والذكاء االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -3‬عالم السلوك جالتون‬
‫ثماني طرق او اساليب مختلفة اطلق عليها (ذكاءات االنسان‬ ‫اول من فكر جديا في‬
‫الثمانية)‬ ‫وضع اختباراً للذكاء‬
‫حيث انشأ مختبر صغير‬
‫اي انه قادر على التعامل مع العالم من حوله من خالل‬ ‫في لندن لقياس قدرات‬
‫االنسان معتقداً ان ذوي‬
‫اللغة ‪-‬والمنطق الرياضي‪ -‬وتقدير وتمثيل الفراغات ‪-‬‬ ‫القدرات العقلية المنخفظة‬
‫والتفكير ‪ -‬والموسيقا ‪ -‬استعمال مهاراته الجسمية في حل‬ ‫ينقصــهم االحــســــاس‬
‫وان الـــقدرات العــقلية‬
‫المشكالت ‪ -‬وفهمه لالخرين ‪ -‬وفهمه لنفسه‪ .‬وان االختالف‬ ‫واالدراكية مرتبطة‪.‬‬

‫بين االفراد يحدث نتيجة لالختالف في طريقة تجميع وتداخل‬

‫‪127‬‬
‫وتحريك هذه الذكاءات عن حل مشكلة ما والقيام بعمل من االعمال والجدول االتي‬
‫يوضح انواع الذكاءات الثمانية او المتعددة ومكوناتها والمهن المناسبة لكل نوع منها‪:‬‬
‫المهنة المناسبة‬ ‫مكوناته الرئيسية‬ ‫انواع الذكاء‬
‫الحساسية والقدرة الفائقة على العالم ‪ -‬الرياضي‪-‬الفيلسوف‬ ‫‪)1‬الذكاء الرياضي‬
‫‪ -‬الفيزيائي‬ ‫معالجة االنماط الرياضية‬ ‫(المنطقي)‬
‫والمنطقية والقدرة على القيام‬
‫بسلسلة من االستدالالت‪.‬‬

‫الشاعر‪ -‬االعالمي ‪ -‬الكاتب‬ ‫الحساسية لالصوات‬ ‫‪ )2‬الذكاد اللغوي‬


‫والمقاطع ومعاني الكلمات‬
‫وسهوله في انتاج اللغة‬
‫العازف ‪ -‬الملحن‬ ‫القدرة على انتاج وتقدير‬ ‫‪ )3‬الذكاء الموسيقي‬
‫االيقاعات والنغمات‬
‫واالستمتاع بالتعبيرات‬
‫الموسيقية المتنوعة‬
‫المهندس المعماري ‪-‬‬ ‫‪ )4‬الذكاء البصري الفضائي القدرة الدقيقة على ادراك‬
‫النحات ‪ -‬الرسام ‪ -‬البناء‬ ‫البصري المكاني والقدرة‬
‫على اداء تحويالت الدراكات‬
‫الفرد االولية ‪.‬‬
‫الرياضي ‪ -‬الطيار ‪-‬‬ ‫‪ )5‬الذكاء الجسمي الحركي القدرة على السيطرة على‬
‫الساحر‬ ‫حركة الجسم والتعامل مع‬
‫االشياء بمهارة فائقة‬
‫ذوي المهن ذات العالقات‬ ‫القدرة على التمييز‬ ‫‪ )6‬الذكاء االجتماعي بين‬
‫االنسانية‬ ‫واالستجابة المزجة ودوافع‬ ‫االشخاص‬
‫ورغبات االخرين بشكل‬
‫مناسب‬
‫قائد سياسي ‪ -‬قائد ديني‬ ‫التعرف بسهوله على‬ ‫‪ )7‬الذكاء الذاتي‬
‫المشاعر الذاتية والقدرة‬
‫على التمييز بينهما ومعرفة‬
‫الفرد بجوانب قوته وضعفه‬
‫ورغباته اي لديه معرفة دقيقة‬
‫وتفصيلية عن ذاته‬

‫المهتمون بالنباتات‬ ‫القدرة على تصنيف‬ ‫‪)8‬الذكاء الطبيعي‪:‬‬


‫والحيوانات‬ ‫االشياء الطبيعية من نباتات‬
‫وحيوانات‬

‫‪128‬‬
‫المعنى اللغوي للذكاء كلمة‬
‫(ذكاء) مشتقة من الفعل‬
‫عالقة الذكاء بالتعلم ‪:‬‬ ‫الثالثي «ذكا» واصل هذه‬
‫الكلمة «ذكت النار ذكواً‪،‬‬
‫اكد علماء النفس عالقة الذكاء بالكثير من العمليات العقلية‬ ‫وذكا» اي اشتد لهبها‬
‫واشتعلت‪ .‬ويـقال «ذكت‬
‫العليا مثل التفكير والتعلم‪ ,‬حيث اكدت الدراسات النفسية‬
‫الشــــــمس» اي اشتدت‬
‫الخاصة بالتاخر الدراسي ان المستويات التعليمية المختلفة‬ ‫حرارتها‪ .‬وذكا فالن ذكاء‬
‫اي سرعة فهمه وتوقده‪.‬‬
‫تحتاج الى ما يناسبها من الذكاء ويرجع الكثير من حاالت‬
‫الفشل الدراسي الى قصور الذكاء وعدم تناسبه مع المرحلة‬
‫التعليمية التي يوجد فيها المتعلم‪ .‬وعموماً فان هناك عالقة قوية‬
‫بين الذكاء والتحصيل الدراسي وهي عالقة طردية (موجبة)‪.‬‬
‫عالقة الوراثة بالذكاء ‪:‬‬
‫يرى بعض العلماء ان الذكاء قدرة كامنة تحدد اصال نتيجة‬
‫التكوين الوراثي االصلي للفرد وجرت بعض الدراسات على‬
‫ثيرستون‬
‫توائم متماثلة (متناظرة)‪ ،‬لوحظ فيها اقتراب نسب ذكائها بسبب‬
‫ما الذي دفع العالم بينيه‬
‫التشابه الكبير في صفاتها الوراثية وهم يرون ان االصل الوراثي‬
‫لوضع اول مقياس للذكاء؟‬
‫او الوالدي يحدد مسبقا ذكاء االنسان وقدراته وانها مبرمجة‬ ‫ان الدافع الرئيس لذلك هو‬
‫شكوى المعلمين من وجود‬
‫مسبقا بالجينات وان الخصائص التشريحية (الفسيولوجية) للمخ‬ ‫طالب غير قادرين على‬
‫التعلم كما يتعلم اكثرية‬
‫لها عالقة بالفروق الفردية لبنية االشخاص وان مقدرة الجهاز‬
‫الطالب‪ .‬ولذلك وضع‬
‫العصبي على التحمل والكفاية العملية العقلية تأتي مع الفرد‬ ‫مقياسه الذي استهدف فرز‬
‫هؤالء الطالب ووضعهم‬
‫والوراثة هي التي تحدد ميزته وتاثيره على ذكاء االنسان وقد‬ ‫في صفوف خاصة وعد‬
‫الذكاء سمة فطرية معرفية‬
‫اكدت دراسات كثيرة العالقة القوية بين الذكاء والوراثة‪.‬‬
‫عامة تمكن االنسان‬
‫من التكيف مع البيئة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫تأثير البيئة في الذكاء ‪:‬‬ ‫الذكاء بين الوراثة والبيئة‪:‬‬
‫انه صراع قديم بين‬
‫معنى البيئة ليس مجرد وجود االشياء والكائنات المختلفة التي‬
‫انصـــار الـــوراثة فــــي‬
‫تحيط بالحياة بل يبدأ معناها عندما تؤثر هذه االشياء والكائنات‬ ‫الذكاء وانصار البيئة‬
‫فـقد قـــدمت دراســات‬
‫في حياة الفرد‪.‬‬ ‫انصار الوراثة الى ان‬
‫نسبة الوراثة في الذكاء‬
‫ان االنسان قد يرث بنيته الجسدية من والديه ولكن وزن الجسم‬
‫تقدر بـ‪ ٪ 70‬الى‪٪ 80‬‬
‫مثال يعتمد على نوع الغذاء وكميته ومزاولة التمارين الرياضية‬ ‫بينما اشارت دراسات‬
‫انصار البيئة الى ان‬
‫والمثل نفسه نستطيع ان نضربه على الذكاء الذي قد نرثه من‬ ‫تأثير الوراثة في الذكاء‬
‫يقع في حدود ‪٪ 45‬‬
‫والدينا اال ان تطوره وارتباطه مع القدرات العقلية االخرى‬
‫مرتبط بوجود بيئة مناسبة ليتطور‪ .‬مثل المحيط العائلي والتعلم‬
‫في المدرسة والتفاعل االجتماعي والبيئة الصحية المناسبة فضال‬
‫على الكثير من العمليات‪.‬‬
‫ان البيئة تستطيع ان تطور مستوى ذكاء الفرد وتحسنه وتقلص‬
‫الفروق الفردية بين االشخاص وهناك دراسات كثيرة ايضا اكدت‬ ‫رأي ‪ :‬يرى بعض العلماء‬
‫ان التغير والتطور الذي‬
‫العالقة القوية بين الذكاء والبيئة‪.‬‬
‫حــدث فـــــي الــمجتمعات‬
‫وتجدر االشارة الى ان تغذية االم في اثناء الحمل وارتفاع‬ ‫البشرية يـشير الـــى مدى‬
‫الحاجة الى تنمية قدرات‬
‫المستوى المعاشي والثقافي للعائلة ووزن الطفل في اثناء الوالدة‬ ‫الـــذكاء وخــاصة الذكاء‬
‫المتعدد الن معظم اهداف‬
‫والتفاعل مع الطفل كلها عوامل تؤثر في مستوى الذكاء وتنميه‪.‬‬
‫الشعوب ال يمكن انجازها‬
‫ويمكن القول ان الذكاء يتأثر بكل من الوراثة والبيئة‪.‬‬ ‫اال باالعتماد على القدرات‬
‫العقلية وبالذات الذكاء‬
‫اثر الوراثة في السلوك‪:‬‬ ‫المتعدد‬
‫ان اهداف علم النفس تتمثل في وصف السلوك وتفسيره ومن‬
‫ثم ضبطه والتنبؤ بحدوثه وعلى الرغم من محاوالت العلماء‬
‫المستمرة في معرفة جذور السلوك االنساني اال ان التفسير العلمي‬
‫له يبقى غير كاف والسبب في ذلك ان مفهوم السلوك معقد من‬

‫‪130‬‬
‫حيث مكوناته والعوامل التي تتحكم به‪ .‬وشخصية االنسان عبارة‬ ‫نسبة الذكاء ‪IQ‬‬
‫عن نظام نفسي‪ -‬فسلجي ‪ -‬بيئي مفتوح اي انه يوجد تفاعل دائم بين‬ ‫هي معادلة ظهرت مع‬
‫مقياس الفريد بينيه ‪.‬‬
‫االنسان وواقعه الموضوعي الذي يتصف بخصائص (اجتماعية‬ ‫وصورة المعادلة هي‬
‫نسبة الذكاء ‪ = IQ‬العمر‬
‫بيئية) وخصائص (فيزياوية وراِثية)‪.‬وباختصار فان هناك عوامل‬ ‫العقلي \ العمر الزمني ×‬
‫وراثية وعوامل بيئية تؤثر في السلوك عامة والسلوك الذكي‬ ‫‪100‬‬

‫خاصة‪.‬‬
‫االرتقاء والمرونة في السلوك‪:‬‬
‫من المالحظ ان الحيوان كلما ارتقى في سلم التطور قل جمود‬
‫والعمر العقلي‪ :‬يقاس من‬
‫سلوكه االولي وزادت قدرته على تعديل هذا السلوك على وفق‬ ‫خالل استجابات االفراد‬
‫على اختبارات الذكاء حيث‬
‫مطالب بيئته الخارجية وعلى تعلم انواع مختلفة من السلوك‬ ‫حدد لكل عمر مجموعة‬
‫المكتسب‪ .‬فالسلوك لدى الحشرات متصلب ال مجال فيه للتعديل‬ ‫من االسئلة التي تحدد ذلك‬
‫العمر ‪.‬والعمر الزمني‪:‬‬
‫والتحور والتعلم اال بقدر طفيف كذلك الحال عند البرمائيات‬ ‫يقاس من تاريخ ميالد‬
‫الفرد محسوبا باالشهر‪.‬‬
‫والزواحف واالسماك‪ ,‬اما عند الطيور والثدييات الدنيا فيقل هذا‬
‫الجمود في السلوك نوعا ما‪.‬‬
‫ّ‬
‫عرفنا الذكاء على انه مرونة التكيف اتضح لنا مما تقدم‬ ‫واذا‬
‫ان الغريزة والذكاء يتصاحبان ويتضافران‪ .‬ويبدو اثر كل منهما‬
‫في سلوك الكائنات الحية بنسب متفاوتة فكلما ارتقى الحيوان في‬
‫سلم التطور ضعف تأثير السلوك االولي (الغريزة) وأتضح دور‬
‫الذكاء‪.‬‬
‫ذكاء االنسان ‪ ،‬مظاهره ومراتبه‪:‬‬
‫كما اسلفنا ان للذكاء تعريفات كثيرة وال يزال موضع خالف‬
‫بين العلماء غير انهم يتفقون على الصفات التي تميز الشخص‬
‫الذكي من غير الذكي فاالول مهما كان عمله (طالباً كان ام عامال‬
‫ام تاجراً ام مدرساً ) يتميز بأنه‪:‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ -1‬اشد يقظة واسرع في الفهم من غيرهم‪.‬‬
‫تصنف نسبة الذكاء على‬
‫‪ -2‬اقدر على التعلم واسرع فيه واقدر على تطبيق ما تعلمه لحل‬ ‫مقياس ويكسلر‬
‫نسبة الذكاء ‪ IQ‬‬
‫ما يتعرضه من مشكالت‪.‬‬ ‫الصفة‬
‫‪ -3‬اقدر على ادراك ما بين االشياء وااللفاظ واالعداد من‬ ‫‪ 130‬فــاكثر متفوق جدا‬
‫‪ 129-120‬متفوق‬
‫عالقات‪.‬‬ ‫‪ 119-110‬ذكي عادي‬
‫‪ 109-90‬متوسط‬
‫‪ -4‬اقدر على االبتكار وحسن التصرف وايجاد الحلول للوصول‬ ‫الذكاء‬
‫وبلوغ اهدافه‪.‬‬ ‫‪ 89-80‬اقـل من‬
‫المتوسط (عادي)‬
‫‪ -5‬اقدر على التبصر في عواقب اعماله ‪.‬‬ ‫‪( 79-70‬غبي)‬
‫‪69‬فأقل ضعيف العقل‬
‫‪ -6‬غالبا ما يكون انجح في الدراسة وفي الحياة وفي اداء‬
‫االعمال الفكرية بوجه عام اذا كانت صحته النفسية سليمة‬
‫ومتزنة‪.‬‬
‫‪ -7‬يمتاز بالربط المنطقي‪.‬‬
‫‪ -8‬يمتاز بطول مدة االنتباه‪.‬‬
‫‪ -9‬يمتاز بالتركيز والمبادرة‪.‬‬
‫‪ -10‬يمتاز بكثرة االهتمامات وعمقها وتشعبها‪.‬‬
‫‪ -11‬يمتاز بالجدية والمثابرة واالكتفاء الذاتي وضبط النفس‪.‬‬
‫‪ -12‬يمتاز بالهدوء وتحمل المسؤولية ‪.‬‬
‫‪ -13‬يمتاز بالتعاون مع االخرين وحب الخدمات االجتماعية‪.‬‬
‫عال‪.‬‬
‫‪ -14‬يفضل صحبة الكبار ممن هم بمستوى عقلي ٍ‬
‫الذكاء والنجاح في الدراسة‪:‬‬
‫يتوقف النجاح في الدراسة على عوامل عديدة صحية وعقلية‬
‫وانفعالية واجتماعية والذكاء عامل رئيس من هذه العوامل‪ .‬ولقد‬
‫تاكدت فائدة اختبارات الذكاء على نحو ال يرقى إليه الشك في‬

‫‪132‬‬
‫التنبؤ بالنجاح الدراسي واالكاديمي حتى يميل كثيرٌ من العلماء اليوم الى تسمية اختبارات‬
‫الذكاء باختبارات (االستعداد الدراسي) و(القدرة االكاديمية) من ذلك مثال ان الطالب الذي‬
‫يرجى له النجاح في الدراسة الثانوية ان كان ذكاؤه دون الوسط وال يرجى له النجاح في‬
‫الدراسة الجامعية ان لم يكن ذكاؤه فوق الوسط‪ .‬كما ان النجاح في بعض الكليات يتطلب‬
‫مستوى من الذكاء اعلى من النجاح في كليات اخرى فالدراسة في كلية الطب او الهندسة‬
‫تقتضي قدرا اكبر من الذكاء الالزم للنجاح في كليات اخرى‪.‬‬
‫الذكاء والنجاح في المهنة‪:‬‬
‫يقتضي النجاح في المهن واالعمال نسب مختلفة من الذكاء فالمهن التي تتطلب‬
‫التخطيط والتصميم والحكم واالبتكار وسعة الفكر او تلك التي تتطلب اشخاصاً يستطيعون‬
‫العمل دون االشراف الدقيق عليهم قدراً كبيراً من الذكاء على تفاوت واختالف في هذا‬
‫المقدار ومن تلك المهن ادارة الشركات والمحاماة والطب والتدريس ومن ناحية اخرى‬
‫فهناك مهن بسيطة رتيبة التحتاج الى خبرة فنية او تدريس خاص وال تتطلب اال قدراً‬
‫طفيفا من الذكاء مثل (الحمال والساعي وبائع الصحف) وبين هذين الطرفين توجد هناك‬
‫المئات من المهن الصناعية والكتابية واالدارية تتطلب مستويات مختلفة من الذكاء غير‬
‫ان النجاح في بعض المهن يتطلب من القدرات واالستعدادات الخاصة اكثر مما يتطلبه‬
‫من الذكاء العام فقد يكون نصيب الفرد من الذكاء كبيرا لكنه يعجز عن النجاح في اداء‬
‫االعمال الميكانيكية او الحركية او اجادة الرسم ان كانت استعداداته الخاصة في هذه‬
‫النواحي ضعيفة وقد يكون ذكاؤه متوسطا او دون المتوسط لكنه يتفوق في هذه النواحي‬
‫ان كانت استعداداته الخاصة لها قوية وهنا تكون اختبارات الذكاء محدودة الفائدة في‬
‫التنبؤ بالنجاح المهني بل ان النجاح العالي قد يكون ضاراً في بعض المهن الرتيبة‬
‫البسيطة التي تتطلب تقديراً وتفكيراً وقد دلت التجارب على ان ذوي الذكاء المرتفع اكثر‬
‫عرضة من غيرهم واكثر تضجراً في االعمال التكرارية التي ال تنوع فيها فان مارسوها‬
‫زادت اخطاؤهم وكثرت حوادثهم ولم يبلغوا بها حد االتقان في حين ان اصحاب الذكاء‬
‫المنخفض يرتاحون بوجه عام الى اوجه النشاط التي تجري على وتيرة واحدة كما وجد‬

‫‪133‬‬
‫ان هناك صلة بين ذكاء الفرد وترقيته في وظيفته‪ .‬فذوو الذكاء المنخفض ينزعون الى‬
‫البقاء في مناصبهم الدنيا في حين يرتقي االذكياء الى مناصب اعلى هذا ما أتضح في‬
‫االعمال الكتابية والمكتبية بوجه خاص‪ .‬وقد اتضح ان هناك ارتباطا وثيقا بين الذكاء‬
‫وحسن اختيار المهنة وهذا ليس بمستغرب فالذكي اقدر على فهم نفسه والحكم على قدراته‬
‫وصفاته كما ان مستوى طموحه ال يكون في العادة مسرفاً في البعد عن الواقع‪.‬‬
‫الذكاء والتوافق االجتماعي‪:‬‬
‫التوافق االجتماعي هو قدرة الفرد على عقد صالت مرضية للجماعة ومعاييرها فان‬
‫عجز عن ذلك كان «سيىء التوافق» وسوء التوافق االجتماعي له مظاهر عدة منها‬
‫االضطرابات النفسية واالجرام وغير ذلك من مظاهر االضطراب االجتماعي والخلقي‪.‬‬
‫والذكاء شرط ضروري للتوافق االجتماعي فالذكي اقدر من غيره على التكيف وحسن‬
‫عامال واحداً من‬
‫ً‬ ‫التصرف واقدر على التبصر في عواقب اعماله‪ ,‬غير ان الذكاء ليس اال‬
‫العوامل الكثيرة المختلفة التي تسهم في تعيين السلوك وتوجيهه‪ .‬فالى جانبه هناك الدوافع‬
‫عامال مساعداً لسوء التوافق‬
‫ً‬ ‫الشعورية وغير الشعورية وما يكون الذكاء في مواقف معينة‬
‫االجتماعي فهو مثال يرشد اللص للسرقة وان كان ال يحفزه على ذلك‪.‬من ذلك يكون‬
‫كاف للتوافق االجتماعي‪ .‬فلو نشأ الذكي على تربية‬
‫ٍ‬ ‫الذكاء شرط ضروري لكنه غير‬
‫قوامها القسوة والعنف والرعب فلن يعصمه ذكاؤه من ان يصاب باضطراب نفسي ولو‬
‫نشأ الذكي على تربية قوامها الحقد والكراهية والشعور بالظلم وكان محاطاً بجو تشجع‬
‫فيه الجريمة فلن ينفعه ذكاؤه عن االنحراف االجتماعي رغماً عنه مع ان هذه احكام نسبية‬
‫وليست مطلقة‪ .‬فقد نجد احياناً غير ذلك‪.‬‬
‫الذكاء والعبقرية‪:‬‬
‫العبقري هو من يسعى ويقدر على احداث تتغير مبتكر أصيل في ناحية من نواحي‬
‫الحياة االجتماعية او التقنية او الفنية او االدبية او االقتصادية والسمة الرئيسة للعبقري‬
‫هي االبتكار واالبداع مع ما يتضمنه من أصاله وتفرد وامتياز‪ .‬والذكاء العالي شرط‬
‫ضروري لكنه شرط غير كاف لبلوغ مرتبة العبقرية فالى جانب الذكاء العالي البد‬

‫‪134‬‬
‫من وجود موهبة ابتكارية خاصة بل ان الذكاء مع الموهبة ال يكفالن للشخص ان يكون‬
‫عبقريا فليس كل موهوب عبقرياً بل البد من وجود دافع قوي وانفعال عميق يستفزان‬
‫الذكاء والموهبة للخلق واالبتكار‪ .‬كما ان الذكاء ال يرتبط بالموهبة بالضرورة ‪ .‬فهناك‬
‫من الموهوبين الذين افرزتهم اختبارات الذكاء بانهم من المتخلفين‪ .‬وهذه الفئة اطلق عليها‬
‫تسمية (المتخلفون الحكماء)‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫اسئلة المبحث الثالث‬

‫س‪ : 1‬ما القصود بمفهوم الذكاء االجتماعي ‪.‬‬


‫س ‪ :2‬اذكر تعريفي وكسلر وكلفن للذكاء ‪.‬‬
‫س‪ :3‬من اول من وضع مقياساً للذكاء ؟ وماذا كان يتضمن ذلك المقياس ؟‬
‫س‪ :4‬قارن بين تأثير البيئة وتأثير الوراثة على الذكاء ‪.‬‬
‫س‪ :5‬مالمقصود بمفهوم العبقري ؟‬
‫س‪ : 6‬هل الذكاء قدرة عقلية عامة ام مجموعة قدرات ؟ وضح ذلك بايجاز ‪.‬‬
‫س‪ :7‬صحح العبارات االتية ‪:‬‬
‫أ‌‪ -‬وضع العالم لويس تيرمان مفهوم ذكاءات االنسان الثمانية (المتعددة)‬
‫ب‌‪ -‬كلما ارتقى الحيوان في التطور زاد جمود سلوكه االولي ‪.‬‬
‫ج‪ -‬يتوقف النجاح في الدراسة على عوامل عديدة ؛ صحية وانفعالية واجتماعية‪ .‬ويعد‬
‫الذكاء من العوامل غير المؤثرة فيه ‪.‬‬
‫س‪ :8‬اجب بصح او بخطأ وصحح الخطأ ان وجد في كل عبارة من العبارات االتية ‪:‬‬
‫أ‌‪ -‬يعد الذكاء من اكثر موضوعات علم النفس اثارة للجدل‬
‫ب‌‪ -‬ان الذكاء الذاتي يعني قدرة الفرد على تصنيف االشياء الطبيعية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬التوافق االجتماعي له مظاهر كثيرة منها االضطراب االجتماعي والخلقي ‪.‬‬
‫د‪ -‬ان العالقة بين الذكاء والتحصيل غالبا ما تكون ضعيفة ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ان من مواصفات الشخص الذكي كثرة االهتمامات وعمقها‪.‬‬
‫س‪ : 9‬عدد خصائص االنسان الذكي ‪.‬‬

‫نشـــاط‬
‫راجع احد كتب علم النفس في مكتبة مدرستك واكتب تقريرا عن الذكاء وقدمه لمدرسك‬
‫على انه جزء من نشاطك المدرسي ‪.‬‬

‫‪136‬‬

You might also like