You are on page 1of 33

‫ال ِع ْلم‪ ،‬وكيف تطور”المنهج العلمى“عبر العصور‬

‫دكتور دمحم زكى جمعه‬


‫ميثودولوجى بحث إجتماعى (‪2017 )3‬‬
‫ال ِعلم؟ ماهيته‪ ،‬وطريقته‬
‫”العلم“ ‪-1‬نشاط حسى وذهنى‪ ،‬يشمل الدراسة المنظمة لهيكل ولسلوك العالم الطبيعى (واإلجتماعى)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫للتوصل للمعرفه‪ ،‬والتنبؤ بها‪ ،‬أو هو ‪-2‬جسم منظم من المعرفة عن موضوع معين‪ ،‬أو ‪-3‬إسم لفرع معين‬
‫من المعرفة‪،‬‬
‫والعلم صورة خاصة للمعرفة‪ ،‬ويتبدى إختالفه عنها‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬فى أسلوبه أو طريقته المعينة‪،‬‬
‫‪ ‬وفى سببه‪ ،‬ومسعاه للنظر الى العالم (والذى مر بتغيرات متتالية فى أطره المرجعية (برادجماته) التى‬
‫تشكل طريقة ومنهاج النظر المرجعى للعلماء الى العالم)‪ ،‬والذى تراوح من مجرد وصف بسيط غير‬
‫منتظم‪ ،‬الى وصف منظم يتيح التنبؤ ببعض األحداث الظاهرة‪ ،‬الى كشف موضوعى عن الحقائق‬
‫ووضع نظريات تفسيرية‪ ،‬الى الكشف والنظريات اإلحتمالية‪ .‬وهو ما سنتناوله فى عجالتنا التاريخية‬
‫أما ”الطريقة العلمية“‪ :‬فهى منهجية (‪ )methodology‬البحث العلمى‪ ،‬والتى تختلف عن العلم ذاته‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ولم ينشأ العلم ”كمنهاج وطريقة“ فى حياة اإلنسان دفعة واحدة بالطبع‪ ،‬كما سنرى!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬ولكنه تطور – واليزال ‪ -‬منذ نشأة اإلنسان األول فى هذا الكون‪.‬‬
‫‪ ‬وال يوجد شخص أو قالئل‪ ،‬أو شعب‪ ،‬أو عصر‪ ،‬يعزى إليه بمفرده تطوير هذا المنهاج‪ .‬وإنما أسهم آالف البشر من شعوب‪ ،‬وعصور‬
‫مختلفة ‪-‬وإن تباينت درجاتهم‪ -‬فى هذا الجهد اإلنسانى الخالق لفهم العالم‬
‫وتطور ”المنهاج العلمى“ كمنهاج منظم على مر التاريخ اإلنسانى – واليزال‪ ،-‬لتقديم شكل بديل عن المعرفة الفطرية‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )innate‬غير المنظمة والسحر‪ ،‬والتى تختلف من شخص آلخر ومن وقت آلخر‪ .‬وبصفة عامة تراوح العلم بين‬
‫العصور والشعوب المختلفة‪ ،‬بين إتجاهين أساسيين‪:‬‬
‫الحسيّة) وحدها (النظر‪ ،‬والسمع‪ ،‬والشم‪ ،‬واللمس‪،‬‬ ‫‪ ‬معرفه تتولد عن طريق الخبرة اإلمبيريقية ( ِ‬
‫التذوق)‪ ،‬وهى أقدم ما خبره وإستخدمه اإلنسان منذ نشأته)‪ ،‬أو‬
‫‪ ‬معرفه تتولد عن طريق التفكير العقلى (البَديهى‪/‬الحدسى) وحده (وهو ما ميّز فالسفة اإلغريق)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬
‫سؤال‪ :‬أي الطريقتين أكثر إستخداما فى طلب العلم؟‬
‫الفكرة البديهية‬ ‫الخبرة الحسية‬

‫الخبرة الحسية بالعالم المحيط‪،‬‬


‫أرشميدس وقانون الطفو‬ ‫بإستخدام الحواس الخمسة‪ ،‬واألجهزة المعاونة‬

‫وقد سادت الخبرة الحسيّة معظم تاريخ العلم‪ ،‬عدا ربما عصر األغريق‬
‫اليونان القدامى‪ .‬لكن‪ ،‬إجتمعت الخبرتين معا نحو القرن ‪ ،16‬فى ”المنهج‬
‫العلمى“‪ ،‬الذى شهد تطورات جذرية‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪3‬‬
‫مصطلحات البحث العلمى‪ ،‬ومجاليّن أساسيين للبحث‬

‫فروض‪-‬‬
‫مجال‬
‫مفاهيم‪-‬‬ ‫نظرى‬
‫مخطط‬

‫نمط‬
‫نظرى‬

‫نمط‬
‫مشاهد‬

‫مجال‬
‫مشاهد‬
‫‪ -‬متغيرات‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪4‬‬
‫طلب اإلنسان للمعرفة‪ ،‬يعود الى طبيعة خلقه‬
‫‪ ‬االنسان من نشأته يتعطش للمعرفة‬
‫ولفهم عالمه‪،‬‬ ‫‪ ‬للوفاء بحاجاته الحياتية‪،‬‬

‫‪ ‬وكلما إزدادت معرفة اإلنسان باإلجابات عن تساءالته‪ ،‬و ُحفظت‬


‫المعرفة فى بناء منظم بذاكرة عامة‪ ،‬كان ذلك أساسا لبناء‬
‫جماعات بشرية أكثر حضارة‪ ،‬مثلما رأينا فى الحضارات‬
‫القديمة‪ :‬المصرية والبابلية‪ ،‬والصينية والهندية‪ ،‬واألغريقية‬
‫والرومانية‪ ،‬واإلسالمية‪ ،‬وأخيرا الغربية‪ ،‬وغيرها‬
‫‪ ‬ويعزى أحد الفروق الملحوظة بين تلك الحضارات‪ ،‬الى التمايز‬
‫واإلختالف بينها فى كل من‪ :‬سبب السعى‪ ،‬وأسلوبه للحصول‬
‫على هذه المعرفة‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪5‬‬
‫إختالف سبب سعى الحضارات للمعرفة‬
‫‪ ‬نالحظ إختالف سبب السعى للمعرفة بين الحضارات المختلفة‪:‬‬
‫فالمصريين الفراعنة والبابليين كان سعيهم عمليا للتمكن من التطبيقات‬ ‫‪‬‬
‫التكنولوجية‪ .‬لذا نبغوا فى الرياضيات والهندسة (إضافة للفلك والطب)‪ ،‬وذلك للتحكم‬
‫فى الموارد الزراعية وتنظيم الرى وتشييد األبنية الضخمة ولتنظيم موارد المجتمع‪،‬‬
‫بينما كان السعى للمعرفة عند الرومان وغيرهم من الشعوب الغازية المستعمرة‬ ‫‪‬‬
‫موجها للتمكن من بناء عناصر القوة والحرب‪ ،‬فإخترعوا أوال ِركاب الخيل‪،‬‬
‫واألسلحة والبارود‪ ،‬ثم القنابل الذرية‪.‬‬
‫وكان السبب عند اإلغريق (دامت حضارتهم ‪ 3‬قرون‪ ،‬إنتهت ‪ 320‬ق‪.‬م‪ ).‬سعيا نحو‬ ‫‪‬‬
‫الفكر‪ .‬لكن ذلك لم يتعدى التأمالت الفلسفية والتخمينات الوصفية غير المدعومة‬
‫بالمشاهدة وال القياس وال التجربة‪ .‬فكانوا يبدئون من أفكار مثالية مسبقة‪ ،‬يبنون‬
‫عليها إستنتاجات منطقية بالتفكير العقلى المجرد‪.‬‬
‫كما كان تحصيل المعرفة العلمية بطيئا جدا فى أوربا خالل العصور الوسطى‪ ،‬التى‬ ‫‪‬‬
‫سادها الفكر المسيحى مع ما فرضته الكنيسة الكاثوليكية من قيود‪.‬‬
‫أما فى العالم األسالمى (القرون من ‪ ،)15-8‬فقد شهد فترة إزدهار علمى عظيم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫تمثل فى مجاالت عديدة منهاعلوم الطبيعة والبصريات والكيميا والطب والرياضيات‪،‬‬
‫تجاوز كثيرا ما حققته أوربا العصور الوسطى‪ .‬وإن شهد العالم اإلسالمى بعدها –‬
‫وربما لآلن‪ -‬إنحسارا شديدا وتراجعا معرفيا‪ ،‬ال تزال أسبابه غير معروفة بدقة؟!‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪6‬‬
‫إختالف أسلوب سعى الحضارات للمعرفة‬
‫إختلف أسلوب السعى إلكتساب المعرفة أساسيا بين الحضارات‪ :‬بين ما يسمى حاليا معرفة مدرسية (‪،)book learning‬‬ ‫‪‬‬
‫وهى قائمة على سلطة الكلمة المنقولة كتابة‪ ،‬أو بين معرفة حسية إمبيريقية (تم إكتسابها بالمشاهدة والمالحظة‪ ،‬ثم التحقق‬
‫منها بالتجريب)‪ .‬والنوع الثانى هو الذى قاد عمليا ما يعرف اليوم بالعلم‪ ،‬وما توصل إليه من نتائج‪.‬‬
‫كما نالحظ إختالف أسلوب السعى للحصول على هذه المعرفة بين الحضارات المختلفة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬البابليون والفراعنة رصدوا الظواهر الفلكية وسجلوها وتوصلوا منها لتنبؤات بسيطة مفيدة (دون محاولة منظمة‬
‫لتفسيرها)‪ ،‬مما ساعدهم على قياس الوقت ووضع التقاويم السنوية وتنظيم الزراعة‪ ،‬والتنبؤ بفيضانات األنهار‬
‫‪ ‬أما االغريق اليونان فلم يتعدى أسلوبهم للسعى لهذه المعرفة‪ ،‬البدء من أفكار مثالية مسبقة عن طبيعة األشياء‪،‬‬
‫يبنون عليها إستنتاجات منطقية‪ ،‬وتخمينات‪ .‬وأطاحت تعاليم أفالطون جانبا بالمعارف التى تم التوصل إليها‬
‫بالحواس‪ ،‬مركزا على قيمة البصيرة النافذة بالفكر المحض التى تتوصل الى صورة المثل األعلى‪ ،‬وهو ما تسبب‬
‫فى تعطيل الفكر العلمى األوربى أكثر من ‪ 2000‬سنة للتخلص من تلك الفكرة العقيمة‪ .‬وقد إختلف أرسطو تلميذه‬
‫فى إعتبار أن المالحظة بحواسنا هى السبيل الى معرفة موثوقة‪ ،‬لكن لألسف‪ ،‬تدهورت فلسفته فى القرون التالية‬
‫الى مجرد كتب مدرسية عقيمة تتوقف عند النتائج التى توصل إليها‪ ،‬دون إتباع لطريقته (هل يفسر ذلك بعضا مما‬
‫أصاب العلوم العربية من نكوص بعد إزدهارها؟!)‪ ..‬وكان افالطون وأرسطو اول من درس أصل نشأة المعرفة‬
‫والغرض منها‪.‬‬
‫‪ ‬ولعل طاليس األيونى يعد النموذج األول لعلماء اليوم‪ ،‬حيث يقال أنه كان أول من حاول فهم وتفسير قوائم‬
‫الرصد الفلكى الدقيقة التى توقف عندها سابقيه‪ ،‬وحاول البحث عن قاعدة عامة إلنتظام الحدث المرصود‬
‫‪ ‬وفى العصر العربى الوسيط (المكتوب بالعربية)‪ ،‬إنفتح العرب على علوم األغريق السابقة‪ ،‬وعملوا على ترجمتها‬
‫الى العربية‪ ،‬كما إتبعوا منهاج المشاهدة والرصد‪ ،‬ووضع التفسيرات‪ ،‬وإجراء التجارب‪ ،‬وتوصلوا الى‬
‫إختراقات علمية فى عديد من العلوم (سنشير إليها فى مواضعها التاريخية)‪ .‬إنتقلت الى األوربيين فبنوا عليها‬
‫نهضتهم بدءا بالقرنين ‪17 ،16‬خاصة‪ ،‬وأضافوا إليها منهج علمى حديث للبحث‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪7‬‬
‫تطور التفكير (والطريقة) العلمية‪،‬‬
‫على مدار القرون‬

‫‪In West‬‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪8‬‬
‫تطور تاريخى موجز للطريقة العلمية‪1-‬‬
‫الحضارات األولى‪ :‬إستخدم قدماء المصريين منهجية امبيريقية (خاصة فى الطب والفلك)‪ ،‬وقاموا بدور فعال فى تطويرها‬ ‫‪‬‬
‫(وتشهد بذلك البرديات‪ ،‬لويد)‪ .‬وج َمع المصريون وشعوب أخرى عديدة مشاهدات منظمة عن الفلك بالمشاهدة البسيطة أوال‪،‬‬
‫وفيما بعد فى القرون الوسطى بالتلسكوبات‪ .‬ورصدت هذه المشاهدات‪ ،‬وتم وصفها‪ ،‬واإلستفادة بتنبؤاتها‪.‬‬
‫‪ 548-624‬ق م‪ :‬إستخدم ساليث اليونانى نفس المنهجية اإلمبيريقية لرصد الطبيعة‬ ‫‪‬‬
‫‪ 400‬ق م‪ :‬ديموقريطس أيد التحليل االستقرائى إعتمادا على االدراك الحسى‪ ،‬وإستخلص توصيفات عن العالم الخارجى‬ ‫‪‬‬
‫‪ 400‬ق م‪ :‬افالطون اول من قدم تعريفات تفصيلية ”للفكرة“‪ ،‬و“الشكل“‪ ،‬و“المادة“ و“المظهر“‪ ،‬كمفاهيم مجردة‬ ‫‪‬‬
‫‪ 270-341‬ق م‪ :‬إيبيكورس قدم طريقة علمية‪ ،‬متعددة المتغيرات‬ ‫‪‬‬
‫‪ 50‬ق م‪ :‬نشر أرسطو موسوعته أورجانون (األداة) بأعماله المنطقية‪ ،‬وقدم فيها أساسا منطق اإلستدالل اإلستنباطى‬ ‫‪‬‬
‫(‪ ،)deduction‬الذى يبدأ بإفتراضات محددة ‪ priori‬تمثل مقدمة (‪ )premise‬للحجة‪ ،‬وما ينتج من ذلك هو الخالصة‪ .‬كما‬
‫قدم منطق اإلستدالل اإلستقرائى‪ ،‬الذى وصفه كحجة تسير من الخاص الى العام‪,‬‬
‫القرن ‪ 1‬ق م‪ :‬وضع الفلكى السكندرى بطليموس فكرة أن األرض مركز الكون ودوران الشمس حولها فى كتابه المجسطي‬ ‫‪‬‬
‫(الذى ترجمه العرب)‪ ،‬وتبنته الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬وإستمرت فكرته قرونا‪.‬‬
‫‪ :1021‬ابن الهيثم قارب منهاجه المنهاج الحديث للبحث العلمى‪ ،‬حيث إعتمد المالحظة الدقيقة‪ ،‬والتجربة والقياس‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫أصل الى الحق إال من آراء بُنيت على األمور الحسيّة‪ ،‬وصورتها األمور‬ ‫والتفحص اإلنتقادى آلراء من سبقوه‪ ،‬وقال”ال ِ‬
‫العقلية“‪ .‬وأكد على دور اإلمبيريقيا‪ ،‬وقدم الطريقة التجريبية‪ ،‬وربط بين المشاهدات‪ ،‬والتجارب‪ ،‬والحجج المنطقية (الحدس)‬
‫لنظريته عن ولوج الرؤية الى العين‪ ،‬فى كتابه البصريات‪ ،‬الذى أسس لعلم الضوء الحديث‪ ،‬وظل المرجع األساسى لهذا العلم‬
‫وثمن دور االستقراء (مقارنة بالقياس اإلستنباطى أألرسطى)‪ ،‬وإعتبره اساس البحث العلمى‬ ‫ّ‬ ‫فى أوربا عدة قرون‪ .‬كما فسر‬
‫الصادق‪ .‬وكان أول من إتبع فى منهجه شكال للوضعية (‪)positivism‬‬
‫‪ :1027‬البيرونى طور الطريقة التجريبية‪ ،‬التى شابهت الطريقة العلمية الحديثة‪ ،‬وخاصة بالتأكيد على التجريب المتكرر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫كما إنشغل بالتصور (‪ ،)conceptualization‬وبمنع كال من االخطاء المنظمة‪ ،‬وتحيز المشاهدات‪ .‬وأكد لذلك على الحرص‬
‫على إجراء مشاهدات متعددة‪ ،‬وتحليلها نوعيا فى حالة عدم دقة ادوات القياس او بسبب اخطاء المشاهدة‪ ،‬للتوصل الى قيمة‬
‫منفردة معقولة لل ُمعلم الجارى قياسه‪ .‬وفى طريقته العلمية‪ ،‬تأتى التعميمات من التجارب العملية‪ ،‬والنظريات يتم صياغتها‬
‫بعدها‪ .‬ومن اعماله العديدة إبتكار طريقة لقياس محيط االرض‪ .‬وإجراء تجارب دقيقة للظواهر الفلكية‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪9‬‬
‫تجربة إبن الهيثم عن مصدر الضوء‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪10‬‬
‫تابع‪ -‬تطور تاريخى موجز للطريقة العلمية‪2-‬‬
‫‪ :1027‬إبن سينا آمن بالعقل‪ ،‬وجعل للتجربة والمشاهدة دورا‪ .‬وناقش فى كتابه الشفاء فلسفة العلم‪ ،‬ووصف طريقة علمية‬ ‫‪‬‬
‫مبكرة‪ ،‬وتساءل عن كيفية توصل الباحث للمسلمات أو الفروض االولية للعلوم االستنباطية دون إستبيانها من أولويات أكثر‬
‫أساسية‪ .‬وأضاف طريقتين إليجاد مبدأ أولى‪ ،‬هما‪ :‬الطريقة األرسطية القديمة لإلستقراء‪ ،‬التى إنتقدها مؤكدا ”أنها ال تؤدى الى‬
‫النتائج المحددة المطلقة والعامة التى تدعيها“‪ ،‬وطريقة أحدث للفحص والتجريب كأدوات للبحث العلمى‪ .‬وناقش أيضا طريقة‬
‫اإلستنباط لإلستدالل األرسطى‪ .‬كما نشر مؤلفة ”قانون الطب“ من ‪ 5‬أجزاء‪ ،‬كان اول من وصف فيه طرق اتفاق‪ ،‬وفروق‪،‬‬
‫ومصاحبة اإلختالفات الحاسمة للمنطق اإلستقرائى وللطريقة العلمية‪ .‬كما طور إجراءا علميا يبدأ أوال بأسئلة عامة‪ ،‬تستدعى‬
‫العمل التجريبى‪ .‬وتُرجم الكتاب لالتينية‪ ،‬ونشر ‪ ،1473‬وطبع عشرات المرات بلغات عديدة‪.‬‬

‫‪ :1265‬الراهب جروسيتست يُدخل الترجمات الالتينية للكتابات الفلسفية والعلمية لليونان والعرب الى أوروبا‪ ،‬وكان اول‬ ‫‪‬‬
‫إتجاهى اإلستدالل ألرسطو يجب التحقق منهما‬
‫ّ‬ ‫أوربى فهم رؤية ارسطوللطبيعة المزدوجة لإلستدالل العلمى‪ ،‬وأكد أن كال‬
‫بالتجريب‪ .‬كما وصف الراهب روجر بيكون‪ ،‬الطريقة العلمية‪ ،‬المبنية على دورة متكررة من‪ :‬المشاهدات‪ ،‬والفروض‪،‬‬
‫والتجارب‪ ،‬والحاجة لتحقق مستقل‪ .‬وسجل بدقة طريقة اجراء التجارب ليم ِكن آلخرين إعادة انتاج نتائجها واختبارها بشكل‬
‫مستقل‪ .‬ونشر ثالث موسوعات‪ ،‬أثنى وليام هويويل (‪ )Whewell‬على اولها وقال أنها تستحق إسم األورجانون الجديد للقرن‬
‫‪ ،13‬تناول فيه مسببات الخطأ‪ ،‬وعلم التجارب‪.‬‬

‫‪ :1327‬شفرة أوكام (صاغها وليام أوكام)‪ ،‬تُقرر وجوب إختيار الفرض األقل واألبسط بين الفروض المتنافسة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ :1347‬ظهور وباء الطاعون‪ ،‬وتأخر التقدم العلمي في أوروبا زهاء قرنين حتي سنة ‪1543‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪11‬‬
‫تابع‪ -‬تطور تاريخى موجز للطريقة العلمية‪3-‬‬
‫‪ :1543-1473‬كوبرنيكس إعتمادا على فروض معرفية سابقة‪ ،‬أعطى تخيالت للنظر للكواكب من على سطح الشمس‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وصف فيها مدارات عامة لألرض والكواكب حول الشمس‪ ،‬ناقضا نظرية بطليموس‪.‬‬
‫‪ :1519-1452‬ليوناردو دافنشى رسام مبدع‪ ،‬موسوعى المعرفة‪ ،‬ومخترع‪ ،‬لكنه ال يع ُد عالما‬ ‫‪‬‬
‫طور آالت الرصد‪ ،‬وقام بأرصاد فلكية عديدة فى معمله‪ ،‬وسجل أوصافا دقيقة للكواكب‪ ،‬بال إستنتاج‪.‬‬
‫‪ :1581‬تيخو براهة ّ‬ ‫‪‬‬
‫‪ :1608 ،1595‬إختراع الميكرسكوب‪ ،‬ثم أول تليسكوب فى هولندا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ :1630-1571‬كبلر عمل مساعدا لبراهة الذى نصحه ببناء أفكاره عن االسباب على المشاهدات المرصودة‪ .‬وإعتمد‬ ‫‪‬‬
‫كبلرعلى سجالت براهة‪ ،‬وحاول إختبار عدة فروض سابقة ألرسطوعن دائرية مدارات الكواكب لكنها لم تتطابق مع‬
‫المشاهدات‪ ،‬فتخلى عنها‪ .‬وأفترض تحرك كوكب المريخ فى مدار إهليجي‪ .‬ونشر قانونين من قوانينه الثالثة‪ .‬وبعد سنوات‬
‫أثبت أن قانونيه يصحان على جميع الكواكب (األول يحدد شكل المدار‪ ،‬والثانى يحدد تغير سرعة الكوكب ببعدها عن‬
‫الشمس)‪ .‬ثم اعلن قانونه الثالث‪ ،‬لكنه فشل فى بيان سبب الشكل اإلهليجي لمدارات الكواكب‪ ،‬فإعتمد على فكرة‬
‫فيثاغورثية‪ ،‬فشلت أيضا‪ .‬ثم على فكرة الرسطو بوجود شيىء يدفع الجسم المتحرك‪ ،‬مفترضا إمتالك الشمس قوة محركة‬
‫تشع الى الكواكب فتجبرهاعلى الدوران‪ ،‬ففشل أيضا فى التفسير‪ .‬وإنتظر األمر نيوتن ليبين السبب الصحيح‪ .‬وهكذا‬
‫أصبحت األبحاث تكمل وتصحح بعضها بعضا‪ ،‬فالشيىء خالد فى العلم‪.‬‬
‫‪ :1620‬نُشر كتاب األورجانون الجديد لفرانسيس بيكون‪ ،‬وصف فيه أوهام العقل األربعة‪ :‬أوهام القبيلة‪ ،‬وهي مشكلة‬ ‫‪‬‬
‫عقل االنسان‪ ،‬الذى يرى األشياء في ضوء الهوى والتقاليد التي نشأ فيها‪ ،‬وأوهام الكهف‪ ،‬وهي شخصية‪ ،‬كما وصفها‬
‫(أفالطون)‪ :‬أننا نسكن كهفا من التصورات‪ ،‬والنور الذي يأتي من الخارج يترك ظالله على جدران الكهف؛ فال نرى‬
‫الحقيقة إال بعمل عقلي مجرد‪ ،‬وهيهات أن نصل للحقيقة‪ .‬وأوهام السوق‪ ،‬فهي التي تنشأ من عالم الواقع‪ ،‬واجتماع الناس‬
‫وتأثر بعضهم ببعض‪ ،‬وتأثير الميديا واإلتصاالت في هذيان الجماهير‪ .‬وأوهام المسرح‪ ،‬وهى أوهام ناتجة عن التقليد‬
‫والتصديق الساذج للنظريات والمعتقدات الخرافية‪ ،‬وعن القواعد المغلوطة للبرهان‪ ،‬شامال الفلسفات والنظريات القديمة‬
‫والحديثة‪ .‬ونال شهرة غير مستحقة بأنه صاحب المنهج اإلستقرائي التجريبي! ويقرر أن اإلستقراء الذي يبنى على تعداد‬
‫بسيط شيء طفولي‪ ،‬تتعرض استنتاجاته للخطر من أي شاهد مضاد‪ ،‬وهو عامة يحكم بناء على عدد صغير جدا من‬
‫الوقائع‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪12‬‬
‫تابع‪ -‬تطور تاريخى موجز للطريقة العلمية‪4-‬‬
‫‪ :1637‬أول طريقة علمية عقلية لرينيه ديكارت‪ .‬لم تستند على التجريب‪ ،‬بل على التأمل العقلى‬ ‫‪‬‬
‫إنطالقا من مبادىء عامة‪ .‬وأن فهم العالم يتحقق من إتساق نظامه‪.‬‬
‫‪ :1638 ‬جاليلى جاليليو وتجربته لبرج بيزا المائل‪ ،‬إلختبار النظريات العقلية السابقة (أو‬
‫الجديدة)‪ ،‬جامعا بين الحس‪ ،‬والعقل للمرة األولى فى الغرب ‪.‬‬
‫‪ : 1660 ‬إسحق نيوتن أول من وضع نظريات تفسر سبب اإلنتظامات الكونية‬
‫المشاهدة‪ ،‬بالجاذبية الكونية‪ ،‬الممتدة في الكون بأكمله‪ ،‬فتجذب األشياء لبعضها (التفاحة‬
‫واألرض‪ ،‬والقمر واألرض‪ ،‬والكواكب والشمس‪ ،‬وتجذب القمر في مداره‪ ،‬فتؤثر علي‬
‫حركة المد والجزر‪ .)...‬وقال نيوتن أن الطبيعة (الوجود) محكومة بقوانبن أساسية‪ .‬وهذا‬
‫التوجه أدخل العلم الى عصر السببية "‪.“Age of Reason‬‬
‫‪ :1665 ‬تأسيس المجالت العلمية‪ ،‬وتأسيس التكرارية ( ‪ ،)repeatability‬بوبرت بويل‪.‬‬
‫‪:1675 ‬مراجعة المحكمين العلميين (‪ )Peer review‬غير المعروفين للباحث‬
‫(‪ ،)anonymous‬لضمان جودة األبحاث‬
‫‪ :1687 ‬الفرض‪/‬التنبؤ (إسحق نيوتن)‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪13‬‬
‫سببان لترجيح فكرة نشأة ”العلم الغربى الحديث“ بجاليليو ونيوتن‬
‫السبب األول‪ :‬أنهما أول من أسس معا فى الغرب فهمهما للطبيعة على كل من‪ :‬المالحظة والمشاهدة‪ ،‬وعلى التجربة معا‬ ‫‪‬‬
‫(وهو ماسبقهما إليه كثير من علماء العرب لوال ما أصاب حضارتهم العلمية من أفول)‪.‬‬

‫‪ ‬فقد آمنا بأن فهم الطبيعة ال يمكن تحقيقه بمجرد ”رصد وجمع المشاهدات وحدها“‪ .‬فها هو تيخو براهة الذى‬
‫توقف عند التسجيل الغني لبيانات حركة الكواكب‪ ،‬والتى بنى عليها من جاءوا بعده إكتشافاتهم العلمية‬

‫‪ ‬كما لم يؤمنا بأن فهم الطبيعة يمكن تحقيقه بالفكر المحض وحده‪.‬‬

‫‪ ‬لكنهما ربطا معا ”الفكر المنطقى“‪” ،‬بالتجريب“ وهذا هو‪:‬‬

‫أساس البحث العلمى‪ :‬رد كل ”إستنتاج منطقى“ الى ”التجريب“‪ ،‬للتثبت منه فى أرض الواقع‬
‫‪ ‬صحيح أنه بعد عصورالتسجيل والوصف السابقة‪ ،‬فإن الخطوة األولى فى البحث العلمى الجديد كانت جمع الحقائق‬
‫عن طريق المالحظة‪ ،‬والتجربة‪ .‬لكن الهدف الحقيقى للعلم والعلماء تحول من مجرد الرصد‪ ،‬الى إكتشاف أكبر‬
‫عدد من اإلنتظامات الفردية‪ ،‬أوالترابطات بين الحقائق المشاهدة‪ ،‬وفهمها‪ ،‬وتفسيرها عن طريق بناء‬
‫نظريات‪ ،‬من خالل الحدس‪ /‬التدبر العقلى لفروض مقترحه‪ .‬ويؤرخ وايتهيد بدء الثورة العلمية بلحظة تمييزجاليليو‬
‫ونيوتن بين طريقتى‪ :‬إستكشاف الحقائق‪ ،‬ثم التفكيرفى سببها‪ ،‬ثم العودة ثانية الى الحقائق للتثبت مرة ومرات‪،‬‬
‫وإدراك عدم معنى أى الطريقتين بمفردها!‬
‫‪ ‬وفيما بعد‪ ،‬جرى دعم وتأكيد هذه التفسيرات بالتنبؤات التى يتم إختبارها بالتجارب والمالحظات‪( .‬الحظوا أن كلمة‬
‫تنبؤ هنا ال تشير فقط الى مشاهدة مستقبلية‪ ،‬إنما تعنى واقع او ظروف مشاهدة معينة معروفة سابقا‪ ،‬لم تكن فى‬
‫الحسبان عند وضع النظرية‪).‬‬
‫‪ ‬وأدى ذلك الى تعزيز مبدأ ”الحتمية السببية“ ‪ .Causal determinism‬وهو ما فسرة ستيوارت ميل بالقانون‬
‫العام للسببية‪ ،‬الذى يضمن وجود سبب لكل حدث فى العالم عند البحث عنه بعناية‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪14‬‬
‫تابع‪-‬جاليليو ونيوتن‬
‫السبب الثانى‪ :‬أن بحثهما عن المعرفة كان مجردا عن التوصل الى تطبيقات تكنولوجية نافعة (رغم أهميتها‬ ‫‪‬‬
‫الحضارية بالطبع)‪ .‬لكن حافزهما كان فهم العالم الطبيعى‪ .‬فإزاء أى ظاهرة مشاهدة كانا يريدان معرفة‪ :‬لماذا‬
‫(بمعنى تفسير سبب الشىء)؟‪ ،‬وكيف؟ ويمكن مالحظة مصداق ذلك فى أن العديد من كبار علماء القرنين‬
‫‪( 20 ،19‬شاملين أينشتين) لم يكن حافزهم األول رغبة فى إكتشاف تطبيقات جديدة ‪ ،‬بل أرادو جميعا فهم‬
‫سبب عمل الطبيعة على هذا النحو المنتظم‪.‬‬
‫ورغم أن اإلعتراف بما عاد على األنسان المعاصر من ثمار التكنولوجيا الحديثة كان وال يزال كبيرا على‬ ‫‪‬‬
‫مدار القرون األخيرة (فى نوعية وحجم هذه المعارف) بما اليقارن بالعصور السابقة‪ ،‬فإن علينا اإلعتراف‬
‫بأن العلم لمجرد المعرفة كان العامل الحاسم فيما تحقق من نتائج تكنولوجية الحقة‪:‬‬
‫‪ ‬ولذلك السبب لم يُعتبر الفنان العظيم ليوناردو دافنشى الرسام والمخترع والمبتكر وصاحب الرسوم‬
‫التشريحية لجسم اإلنسان عا ِلما‪ ،‬وال توماس أديسون المخترع الفذ عالما‪ .‬ولوال نمو العلم الحديث‬
‫وتطورة منذ عصر النهضة لظل المجتمع الغربى والمجتمعات الدائرة فى فلكه أفقر كثيرا وأقل‬
‫تحضرا‪ .‬وعليه فإن تشجيع العلم يجب أن يكون بالحفز على بناء المعرفة العلمية البحتة‪ ،‬بهدف فهم‬
‫اإلنتظامات أو عدم اإلنتظامات المشاهدة‪.‬‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪15‬‬
‫جاليليو جاليلى (‪ ،)1642-1564‬وإسحق نيوتن(‪)1727-1642‬‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪16‬‬
‫التحوالت األساسية فى أُطر”مضمون العلم“‬
‫التحول األساسى األول فى أطر مضمون العلم‪ :‬كان من أداة لفهم سطحى إلنتظامات الظواهر المحيطة‪ ،‬بما يتيح التنبؤ‬ ‫‪‬‬
‫بها الى أداة لتفسير إنتظامات العالم المحيط‪ ،‬والتنبؤ بها‪ ،‬وذلك من خالل الفكر العقلي ‪+‬المالحظة الواعية ‪ +‬التجارب‬
‫فى دورات متعاقبة لحل المسائل المختلفة‪ ،‬وهو التحول اإلطارى الذى ميز نشأة العلم الغربى الحديث‬
‫التحول األساسى الثانى فى أطر مضمون العلم‪ :‬كان من السببية الى اإلحتماالت‪ .‬فبعد أن كرست ميكانيكا نيوتن‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مفاهيم الحتمية السببية )‪ ، (Deterministic causality‬أدى إكتشاف ميكانيكا الكوانتم (ميكانيكا الجسيمات الذرية‬
‫بالغة الدقة) فى القرن ‪ ،20‬ثم إكتشاف روزنبرج ‪” 1927‬مبدأ عدم التحدد“( ‪،)uncertainty or indeterminacy‬‬
‫الى تدمير مبدأ الحتمية‪ ،‬فلم يعد ممكنا إعتبار سببية الفيزياء الحديثة والعلوم اإلجتماعية‪ ،‬حتمية‪ ،‬كما كان فى الماضى‪.‬‬
‫ولم يعد ممكنا أبدا التنبؤ بمستقبل الجسيمات الذرية بتأكد كامل‪ ،‬نتيجة عدم التثبت الكامل من حاضرها‪ .‬وبدأ العلم‬
‫الحديث يطبق نظرية االحتماالت بدال من السببية لمناسبتها نوعية العالقات فى هذه العلوم‪.‬‬
‫وفى مبدأ عدم التأكد مقابل الحتمية‪ ،‬فإن اإلطار المفهومى المشتق من نظرية الكوانتم يختلف عن مثيله للطبيعة الكالسيكية‬ ‫‪‬‬
‫التى تتوقع قيما آنية مضبوطة لجميع الكميات الطبيعية‪ ،‬نتيجة للسببية الحتمية (كمثال تحليل المقترح القائل بأن ”التيار‬
‫شغل المؤشر المغناطيسى“‪ ،‬والذى يؤدى الى خالصة ان التيار الكهربى يحدث دائما مع مؤشر مغناطيسى)‪.‬‬ ‫الكهربائى يُ ّ‬
‫وكلمة ”دائما“نتيجة هامة‪ ،‬النها تميز العالقة السببية عن العالقة التصادفية‪ .‬وما يميز العالقة السببية عن العالقة‬
‫التصادفية هو التكرار‪ .‬والتكرار فى عالقة سببية ال استثاء له‪ .‬لكن هل يكشف كل تكرار دون استثناء عن عالقة سببية؟‬
‫(مثال هل يمكننا التاكيد بوجود عالقة سببية بين الليل والنهار‪ ،‬بسبب ان احدهما يتبع االخر دون استثناء؟ وهو السؤال‬
‫الذى أجاب عليه اإلمبيريقين الجدد بأن كل عالقة ال يمكن اعتبارها كحالة خاصة لعالقة ذات مستوى أعلى فيجب قبولها‬
‫على انها عالقة سببية‪ .‬نحن ال نقبل العالقة بين الليل والنهار كعالقة سببية‪ ،‬ألنها حالة خاصة لعالقة أعلى مستوى بين‬
‫دورات االرض حول نفسها وحول الشمس مصدر الضوء‪ ).‬وقد نوقش ما اذا كانت السببية مبدأ اساسى وعاما ام ال‪ .‬وما‬
‫اذا كانت صالحة فقط على مستوى ماكروسكوبى وغير صالحة على مستوى تحت ذرى‪ .‬وجاءت االجابة من تحليل‬
‫ظواهر المستوى الذرى فى ميكانيكا الكم لبالنك‪ .‬والتى تبعا لها فان الظواهر الذرية الفردية ال يمكن تفسيرها بالسببية‪.‬‬
‫وعلية فقد إقتُرح إحالل قوانين االحتماالت محل قوانين السببية‪ .‬وقوانين االحتماالت هى تعميمات بإستثناءات‪.‬‬
‫وأدت تلك التطورات بالعلماء الى وجهات نظر أخرى بالنسبة للعالقة السببية‪ .‬فتم نبذ العالقات السببية الحتمية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وإحاللها بعالقات تتحدد بإمكان الحدوث بدرجة ما‪ ،‬أى عالقات سببية احتمالية‪ .‬وقد أثبتت حقيقة أن األسباب ال تتبعها‬
‫آثارها‪ ،‬صعوبة كبيرة‪ .‬فالمثال الشهير بأن ”التدخين سبب لسرطان الرئة“إعتقاد شائع‪ .‬لكن تبين عدم معاناة المدخنين‬
‫بالكامل من ذلك المرض‪ .‬الفكرة األساسية وراء النظريات اإلحتمالية هى أن السبب يزيد إحتمال اآلثار‪ .‬اى ان التدخين‬
‫سبب لسرطان الرئة‪ ،‬ألن المدخنين أكثر قابلة لهذا المرض من عدم المدخنين‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪17‬‬
‫تابع‪-‬التحوالت األساسية فى أُطر”مضمون العلم“‬
‫‪ ‬فى العالقات اإلحتمالية ونظرية ”اإلختالفات اإلحصائية“‪ ،‬يجب أال يتركز األهتمام أكثر على‬
‫وجود العالقة ذاتها (أيا كان شكلها) بين المتغيرات المدروسة‪ ،‬لكن األكثر أهمية هو درجة‬
‫اإلبتعاد أو التشتت عن تلك العالقة‪ ،‬والتى تتأثر بدرجة تشتت المشاهدات عن العالقة النمطية (والتى‬
‫تعكس درجة إحتماالت عدم تحقق النمط أو العالقة المشاهده)‪ -1 .‬وترتفع درجة التشتت تبعا لدرجة إبتعاد‬
‫وتشتت المشاهدات عن ذلك النمط‪ -2 .‬فى حين تنخفض درجة التشتت عامة بزيادة عدد مشاهدات العينة‪.‬‬
‫الحظ إختالف نمط ميل خط العالقة بين المتغيرين تبعا إلختالف درجة كثافة المشاهدات‪ .‬ماذا تعنى هذه‬ ‫‪‬‬
‫العالقة على أى حال؟!‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪18‬‬
‫تابع‪ -‬تطور تاريخى موجز للطريقة العلمية‪5-‬‬
‫القرنين ‪19،18‬‬

‫‪” :1739‬مقال عن الطبيعة البشرية“ دافيد هيوم‪ ،‬أكد فيه أن ”مشكلة اإلستقراء“ [‪ ]1‬ال حل لها‬ ‫‪‬‬

‫‪ :1753‬أول وصف ”للتجربة الخاضعة للتحكم“‪ ،‬بإستخدام مجتمعين متماثلين فى متغير واحد‪ .‬جيمس لند‬ ‫‪‬‬

‫‪ :1763‬توماس ِبايز نشر مقال نحو حل مشكلة مذهب الفرص‪ ،‬وضع أسس التحليل البايزيان‪ ،‬وهو طريقة إستبيان تستخدم لتحديث تقدير‬ ‫‪‬‬
‫احتمالى لفرض عند الحصول على شاهد إضافى‪.‬‬

‫‪ :1812‬صياغة هانز كريستيان اورستيد (دانمركى)‪ ،‬لمصطلح ألمانى‪-‬التينى يعنى تجربة فكرية‪ ،‬رغم قِدم إستخدام الطريقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ :1815‬نشر التصميم األمثل لإلنحدار المتعدد (‪)polynomial‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ :1837‬وليام هوويل‪ ،‬فى كتابه فلسفة علوم االستقراء‪ ،‬حلل طريقة تشكيل األفكار محاوال تقديم خطة لفن اإلكتشاف‪ .‬وصاغ مصطلح‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )consilience‬أى توافق منهجين‪ ،‬وهو أن شواهد من مصادر مستقلة غير متصلة يمكن ان يتقاربا مؤديين الى خالصات قوية‪ .‬وهو من‬
‫أطلق تسمية طريقة ”هيبوثيتكا ديدكتف“‪.hypothetico-deductive‬‬

‫‪ :1848‬أوجست كومت مؤسس علم اإلجتماع الحديث‪ ،‬الحظ التبادل المتكرر بين النظرية والمشاهدة‬ ‫‪‬‬

‫‪:1877‬نشر شارلز ساندر بيرس ”شروح لمنطق العلم“ والذى روج ثالثية مصطلحاته‪ :‬اإلستنباط‪ ،‬واإلستقراء‪ ،‬واإلختطاف؟‬ ‫‪‬‬
‫(‪ .)abduction‬وأكد بيرس أن ”العشوائية“ )‪ )randomization‬هى أساس اإلستبيان اإلحصائى‬

‫‪ :1885‬بيرس‪ ،‬وجاسترو وصفا ألول مرة ”التجارب العشوائية المعماه“ التى تأسست فى السيكولوجى‬ ‫‪‬‬

‫‪ :1897‬توماس تشامبرلين إقترح إستخدام فروض متعددة للمعاونة فى تصميم التجارب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪19‬‬
‫تابع‪ -‬تطورتاريخى موجز ”للطريقة العلمية“‪6-‬‬
‫القرنين ‪( 21 ،20‬قرون الفتوحات العلمية المتقدمة (نموذج الذرة والنسبية والكوانتم وقانون هابيل لتوسع الفضاء)‬
‫‪ :1926 ‬إنتشار التصميم العشوائى‪ ،‬وتحليله‪ ،‬بواسطة رونالد فيشر‬
‫‪ :1927 ‬إبتكار ب‪ .‬د‪ .‬بردجمان ”تجهيز )‪ )operationalization‬التصورات النظرية (‪)conceptualizaion‬‬
‫للمفاهيم“‪ ،‬بتعريفها الدقيق لتحويلها الى متغيرات قابلة للقياس اإلمبيريقى والكمى‪ ،‬فى كتابه ‪The Logic of Modern‬‬
‫‪.Physics‬‬
‫‪ :1934 ‬كارل بوبر أحد أشهر فالسفة العلم نشر كتابه ”منطق البحث العلمى“ باأللمانية ‪ ،1934‬وترجم لإلنجليزية‬
‫*‪ ،1959‬وفيه أدخل المعيار الجديد لقابلية دحض الفرض‪/‬النظرية )‪ ، (falsifiability‬مؤكدا عدم إمكان إثبات نظرية‬
‫بأى عدد من التجارب‪ ،‬ألن تجربة واحدة فقط قد تناقضها‪ .‬وأكد أن النظريات اإلمبيريقية يجب أن تكون قابلة للدحض‪،‬‬
‫وهو ما أعتبر بديال مناسبا لمشكلة التمييز(‪ ]2[ )demarcation‬بين العلم الحق‪ ،‬والعلم الزائف‪.‬‬

‫إعادة تصميم الطريقة العلمية‪ ،‬بإدخال طريقة ”هيبوثيتيكا ديداكتف“‪ ،hypothetico-deductive‬لتعالج قصور طريقة‬ ‫‪‬‬
‫اإلستقراء‪ ،‬بالتركيز على اإلستنباط والتنبؤ‪ .‬وهى أساسية فى إختبار النظريات القائمة ودحضها‪ ،‬وهو دور أساسى وشديد‬
‫األهمية لتقدم العلم‪ ،‬تأخرنا فى القبول به‪( .‬وبالمثل‪ ،‬تأخرنا فى إدخال إستخدام هذه الطريقة فى أبحاثنا)‪.‬‬
‫‪ :1937‬التجربة الوهمية (‪ )placebo‬الخاضعة للسيطرة‬ ‫‪‬‬
‫‪ :1940‬تسارع نمو الرياضيات والطبولوجى والجبر ونظرية المعادالت التكاملية ونظرية االعداد والتحليل والهندسة‬ ‫‪‬‬
‫التفاضلية‪ ..‬والمنطق الرياضى‪ ،‬والبرمجة‪ ،‬والسيبرنتيك‪ ،‬ونظرية االلعاب ‪ ،game theory‬وبحوث العمليات ‪......‬‬
‫‪:1946‬أول تجربة محاكاة )‪ (simulation‬بالكمبيوتر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ :1962‬الدراسة المكثفة عن ”تاريخ الطريقة العلمية“* لتوماس كون‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ :2009‬أول نموذج أولى (بروتوتايب) لل َعا ِلم الروبوت‪ ،‬الذى يمكنه إجراء تجارب إلختبار فروض‪ ،‬وتفسير النتائج‪ ،‬دون توجيه بشرى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫* الكتاب له ترجمتان عربيتان مجانيتان على شبكة اإلنترنت‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪20‬‬
‫مشكلتان منهجيتان أساسيتان‪،‬‬
‫قادتا الى ثورة فى منهج البحث العلمى‪،‬‬
‫من منتصف القرن األخير‬

‫مشكلة اإلستقراء ‪‬‬

‫مشكلة التمييز ‪‬‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪21‬‬
‫مشكلة اإلستقراء‪ ..‬دافيد هيوم‬
‫اإلستقراء هو أحد طرز اإلستنتاج التى سادت طويال فى البحوث وحتى اآلن‪ ،‬منذ‬ ‫‪‬‬
‫عصر العرب فى القرون من ‪ 15-8‬ميالدية‪ ،‬رغم اإلدعاءات الغربية التى تنسب‬
‫إكتشافه لروجربيكون فى القرن ‪.17‬‬
‫يقوم منطق اإلستقراء على أن ”صدق ظاهرة ما فى عدد من المشاهدات‪ ،‬يستتبع‬ ‫‪‬‬
‫صدقها فى حاالت مماثلة غير مشاهدة‪-‬أى إستبيان قانون عام من مجموعة حاالت‬
‫خاصة“‬
‫ما هى مشكلة اإلستقراء إذن؟ ولماذا؟‬ ‫‪‬‬
‫ألن الصدق بالمشاهدة فى دراسة إمبيريقية ال يتحقق دون تجريب‪ ،‬كما أوضحنا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وذلك ماكشفه ومارسه العرب المسلمون (التجريب)‪ ،‬ليحقق بحثا رشيدا غير متحيز‬ ‫‪‬‬
‫للطبيعة‪ .‬إبن ماجه مخترع البوصلة البحرية‪ ،‬يقول فى التجريب‪ ،‬أنه كان يجرب‬
‫األمر ربما ‪ 20‬مرة قبل إعالنه‪ .‬ولكن ذلك لم يحل المشكلة‬
‫ى فرضك‬ ‫وعليه‪ ،‬فمهما تكررت مشاهدتك ولو ‪ 20‬مرة‪ ،‬وقَ ِو ّ‬ ‫‪‬‬
‫الخاص بالنمط المشاهد‪ ،‬وظننته توطد كنظرية‪ ،‬فإن مشاهدة‬
‫واحدة مختلفة تنسف كل شيىء‪ .‬أنظر أيضا قول آينشتين التالى‬

‫مثال ذلك‪ ،‬أن البجع فى أوربا كله أبيض اللون‬ ‫‪‬‬


‫‪ ‬وذلك بناء على إستنتاج إستقرائى‪ ،‬هو أن كل بجعة شوهدت هناك‬
‫كانت بيضاء‬
‫ولكن ذلك اإلستنتاج‪ ،‬لم يصمد عند ظهور بجع أسود اللون فى ظروف‬ ‫‪‬‬
‫أخرى‬
‫وهذه هى مشكلة اإلستقراء‪ ،‬التى ال حل لها‬ ‫‪‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪22‬‬
‫يقول آينشتين مثال‪،‬‬

‫ال يمكن أبدا ألى مقدار من التجارب (والخبرات) أن‬


‫يثبت صحة فروضى‪ ،‬ألن تجربة أو مشاهدة واحدة‬
‫مخالفة تُث ِبت خطئى‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪23‬‬
‫ويقول أيضا‬

‫أن النظريات يمكن إثباتها بالتجارب‪.‬‬


‫لكن‪ ،‬ال طريق مباشر من تجربه الى نظرية جديدة‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪24‬‬
‫القول الفصل فى منهاج اإلستنتاج اإلستقرائى‬
‫‪ ‬وهكذا لم يتم التوصل الى حل ُمرضى لمشكلة اإلستقراء حتى اآلن‪،‬‬
‫‪ ‬ويشمل ذلك أيضا اإلعتماد على ما تم التوصل إليه فى القرن ‪ 18‬بواسطة‬
‫توماس ِبايز من تأسيس ”للتحليل البايزيان“ )‪ ،(Bayesian inferences‬وهو طريقة‬
‫إستبيان تستخدم لتحديث (وتقوية) تقدير احتمالى لفرض عند الحصول على‬
‫شاهد إضافى متصل‪ .‬وذلك‪ ،‬بإفتراض ان هذا الشاهد اإلضافى يضعف من أثر‬
‫إحتمال المشاهدة الواحدة المخالفة‪ ،‬وإن كان اليلغيها‪.‬‬
‫‪ ‬مثال‪ :‬لو وجد أن مرض السرطان مثال مرتبط بالعمر‪ ،‬فتبعا لمبرهنة بايز‪ ،‬فيمكن إستخدام بيانات عمر‬
‫األشخاص المرضى المفحوصين لتقييم أكثر دقة إلحتمال إصابتهم بالسرطان‪ ،‬مقارنا بتقييم إحتمال اإلصابة‬
‫بالمرض دون معرفة بعمر األشخاص‪..‬هذا نوع من المخدر‪ ،‬أو حكم ضعيف الحيلة‪.‬‬

‫‪ ‬فالنظريات أو األحكام العامة ال تُستقرأ من وقائع مشاهدة أو معطاة بعملية إستقراء‪ ،‬حيث أن‬
‫المعرفة الناشئة عن الحواس وحدها ليست معصومة من الخطأ يقينا!‬
‫‪ ‬وأكد كارل بوبر (‪ )1934‬أن من السهل بإستخدام هذا الطراز من‬
‫المنطق اإلستقرائى‪ ،‬أن نحصل على شاهد‪/‬دليل لصالح أى نظرية‪ ،‬حتى‬
‫إن لم تكن علمية‪ .‬ويقول بوبر‪ ،‬أيضا‪:‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪25‬‬
‫هل لوعرفنا معلومة إرتباط لون البجع بالمناخ أو الجغرافيا‬
‫مثال‪ ،‬فهل تصبح خالصة أن جميع البجع أبيض صحيحة؟!!‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪26‬‬
‫أما مشكلة التحديد‪/‬التمييز‬
‫مشكلة التحديد (‪ ،)demarcation problem‬فهى مشكلة قديمة فى فلسفة العلم‪ ،‬تختص بالتمييز بين‬ ‫‪‬‬
‫العلم‪ ،‬وبين الالعلم شامال العلم الكاذب (‪ ،)pseudoscience‬وغيره من نواتج النشاط البشرى المشابه‬
‫كاألدب والفن والمعتقدات‪.‬‬
‫وقد إستمر الجدال حول ذلك ألكثر من قرن بين فالسفة العلم والعلماء فى مختلف المجاالت‪ ،‬رغم‬ ‫‪‬‬
‫اإلتفاق العام على أساسيات الطريقة العلمية‪.‬‬
‫وقد أعاد إثارتها ‪ -‬بعد علماء اليونان القدامى‪ -‬أعضاء ”دائرة فيينا“ والتى إعتمدت على بناء البحث‬ ‫‪‬‬
‫العلمى على بيانات وإجراءات ملموسة يمكن التحقق منها تجريبيا‪ ،‬وهو ما يختلف عما أُطلق عليه‬
‫"ميتافيزيقا"‪ ،‬والتي تفتقر إلى مثل تلك البيانات التجريبية‪ .‬ولكن ذلك يُعد جانبا واحدا من مشكلة التحديد‪.‬‬
‫ولكن أصحاب مذهب ”الوضعية المنطقية“(‪ )Logical positivism‬فى أوائل القرن العشرين‪ ،‬قالوا‬ ‫‪‬‬
‫بأن البيانات الخاصة بالحقائق أو العالقات المنطقية بين المفاهيم هى وحدها ذات المعنى فى هذا‬
‫التحديد‪ .‬وأن ذلك ما يدخل فى محتوى التمييز بين العلم والالعلم (أو العلم الكاذب)‪ ،‬أما كل ماعدا ذلك‬
‫فإنه يفتقد المعنى‪ ،‬ويدخل فى عداد الميتافيزيقيات الخارجة عن نطاق العلم‪.‬‬
‫أما كارل بوبر فيعتبر أن التحديد مشكلة مركزية فى فلسفة العلم‪ .‬وإقترح فى كتابة المترجم ”منطق‬ ‫‪‬‬
‫البحث العلمى“ معيار القابلية ”الدحض“ ”‪” ،“Falsification‬لتمييز“ العلم عن الالعلم‪ .‬وذلك‬
‫بإعتباره ”قادرا على التناقض مع المشاهدات المتاحة أو الممكنة أو المتخيلة“‪ .‬وهو قد يسمح فيما بعد‬
‫عند توفر مشاهدات جديدة معززة لنظرية معينة بقبولها‪ ،‬بعد سايق دحضها‪ .‬وهو ليس معيارا ”بال‬
‫معنى“ كالذى إقترحته دائرة فينا للمشكلة‪ .‬ومن أمثلة تطبيقاته الشهيرة دحض نظرية ”تطور اإلنسان‬
‫باإلنتخاب الطبيعى“‪ ،‬إعتمادا على عدم قابليتها إلختبار الدحض‪ ،‬وهو ما جلب عليه هجوما واسعا‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪27‬‬
‫يقول كارل بوبر‬

‫أى فرض‪/‬نظرية اليمكنه إنتاج تنبؤات قابلة للدحض‬


‫(باإلختبار) فإنه ببساطة ليس علما‪ .‬فمثل هذا‬
‫الفرض‪/‬نظرية قد يكون مفيدا ‪-‬كمجرد فرض‪ ،-‬لكن ال‬
‫يمكن وصفه بأنه ِع ْلم‪.‬‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪28‬‬
‫ثورة منهج البحث العلمى ”‪“Hypothetica-Deductive‬‬
‫تسبب اإلحباط الناتج عن عدم وجود حل مناسب لمشكلة المنطق اإلستقرائى‪ ،‬فى سلسلة من التطويرات فى منهج‬ ‫‪‬‬
‫البحث العلمى‪ ،‬بدأت من نحوعام ‪ ،1811‬حيث بُذلت سلسلة من المحاوالت إلنقاذ منهاج البحث العلمى‪.‬‬
‫‪ ‬بدأ كريستيان أوريستيد‪ ،‬متتبعا آلراء إيمانويل كانت‪ ،‬خطوات إصالح الطريقة العلمية المتبعة حتى ذلك‬
‫الوقت‪ .‬فإقترح ”لتحقيق اإلكتمال لمعرفتنا للطبيعة البدء من كال الطرفين‪ :‬من الخبرة‪ ،‬ومن العقل والبداهة‪.‬‬
‫الطريقة األولى يجب أن تنتهى بقوانين طبيعية‪ ،‬تم تجريدها من الخبرة‪ ،‬بينما األخرى يجب ان تبدأ بمبادىء‬
‫وتتطور تدريجيا حتى تصبح أكثر تفصيال‪ ... .‬وعندما يقابل الباحث اإلمبيريقى فى إتجاهه الى القوانين العامة‬
‫للطبيعة فطنه ونباهة العقل‪ ،‬يبلغ العلم الكمال‪.‬‬
‫‪ ‬وأشار أوريستيد الى تسلسل الخطوات التالية‪ :‬مشاهدة‪ ،‬إفتراض‪ ،‬إستنباط‪ ،‬ثم تجريب‪.‬‬
‫‪ ‬وليام هوويل نشر فى ‪” 1837‬تاريخ علم اإلستقراء“ كمقدمة لكتابة ”فلسفة علوم اإلستقراء“ ‪ ،1840‬وحلل‬
‫فيه طريقة تشكيل األفكار‪ ،‬محاوال تقديم خطة للتوصل الى فن اإلكتشاف‪ .‬وأطلق تسمية طريقة ”هيبوثيتكا‬
‫ديدكتف“‪.‬‬
‫‪ ‬ثم نشر ستانلى جيفونز)‪” (1873, 1877‬أساسيات العلم‪ :‬مرجع عن المنطق والطريقة العلمية“‪ .‬وفى فصله‬
‫‪ 12‬عن اإلستقراء أو الطريقة العكسية‪ ،‬لخص النظرية اإلستقرائية‪ ،‬قائال‪ :‬توجد ‪ 3‬خطوات فى عملية‬
‫اإلستقراء‪ -1 :‬صياغة فرض يصف القانون العام‪-2 ،‬إستنباط مترتبات هذا القانون‪ -3 ،‬مشاهدة إتفاق‬
‫المترتبات مع المهام المعينة الجارى فحصها‪ .‬ثم صاغ جيفونز هذه الخطوات فى إحتماالت‪ ،‬طبقها بعد ذلك‬
‫على عدد من القوانين اإلقتصادية‪.‬‬
‫‪ ‬وقد الحظ إرنست ناجل‪ ،‬أن جيفونز وهوويل لم يكونا أول من ناقش أهمية طريقة ‪hypothetico-‬‬
‫‪ deductive‬فى المنطق العلمى‪.‬‬
‫طريقتى‬
‫ّ‬ ‫ودعم بوبر فى ستينات القرن الماضى هذا المنهاج كبديل ثورى لمنهج البحث العلمى‪ ،‬والذى يستخدم معا‬ ‫‪‬‬
‫اإلستنتاج المنطقى (اإلستقراء‪ ،‬واإلستنباط)‪ ،‬ويركز خاصة على المنطق اإلستنباطى‪ ،‬والتنبؤ‪ :‬أنظر الساليد التالى‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪29‬‬
“Hypothetico-Deductive” ‫المنهج الجديد للبحث العلمى‬

mzgomaa@gmail.com 30
‫خالصات للتفكير‪ ،‬والتأمل‬

‫الحظنا من التطور التاريخى‪ ،‬إزدهار الحضارات مع تقدم العلم عبر التاريخ‪ ،‬فالعلم أساس التقدم الحضارى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تشير الشواهد المتاحة أن الحضارة اإلسالمية العربية التى إزدهرت ونمت لفترة عشرة قرون على األقل (من‬ ‫‪‬‬
‫القرن السابع الى السادس عشر‪ ،‬كانت أوربا تعيش خاللها عصورها المظلمة)‪ ،‬كانت حضارة مرتفعة الى ذُرى‬
‫شاهقة لم تبلغها حضارات سابقة لها‪ .‬ولوال تلك الحضارة لما كان للحضارة الغربية أن تبنى عليها وتحقق عصر‬
‫نهضتها منذ القرن ‪ 16‬وحتى اليوم‪.‬‬
‫ويحار البحاث الغربيين فى سبب أفول ثم إنقطاع تلك الحضارة اإلسالمية‪ ،‬بعد ذلك اإلزدهار‪ ،‬وقبولها العيش على‬ ‫‪‬‬
‫فتات ثمار الحضارة الغربية‪ .‬لم تكن الحروب الصليبية التى فشلت عامة فى تحقيق أهدافها‪ .‬وصحيح أن التقدم‬
‫الغربى قد إنحرف بحضارته تلك الى الغزو والعدوان وإحتالل غيرها من البلدان‪ ،‬لكن ذلك عامة تم بعد أفول‬
‫الحضارة اإلسالمية‬
‫وفى مجال رصد المشاهدات المتاحه المصاحبة لذلك األفول المشاهد للحضارة اإلسالمية الوسيطة‪ ،‬تشيرالشواهد‬ ‫‪‬‬
‫التاريخية الى عاملين ظاهرين‪ :‬األول‪ ،‬هو اإلنفتاح العريض على الثقافات والعلوم األجنبية والعمل على ترجمتها‬
‫وإتاحتها للقراء (والتى لوالها إلندثرت علوم الحضارات السابقة خاصة اليونانية)‪ .‬والثانى‪ ،‬هو دعم الحكام للعلم‬
‫والعلماء بإنشاء بيوت الحكمة التى تقوم بذلك وبالرصد والحساب والعلوم واإلنفاق عليها‪ .‬وهى الحوافز التى‬
‫توقفت بسبب العدوان اإلستعمارى الغربى التالى الذى قضى على العواصم اإلسالمية‬

‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪31‬‬
‫خالصات سالبة‪ ،‬والتطلع الى تحسينها‬
‫هل يوحى لنا هذا بأفكار ألفعال إيجابية‪ ،‬فيما يختص بالظواهر السالبة التالية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬مراجعنا جميعها عربية‪ ،‬وال تتجدد بما يضاف الى العلوم من نظريات جديدة‪ ،‬وما يحذف من نظريات تم دحضها!‬
‫‪ ‬كما أن إستعراضاتنا المرجعية تكاد تنحصر بالكامل فى المراجع العربية‪ ،‬بل وعلى الرسائل الجامعيةغير المنشورة نشرا‬
‫علميا ُمحكّما‪ ،‬بدليل إعادة النشر منها فى مجالت محكمة‪.‬‬
‫‪ ‬المناهج الدراسية ال تضمن تخريج طالب قادر على التفكير اإلنتقادى‬
‫‪ ‬الطلبة المقبولين للدراسات العليا ال يتم إنتخابهم إلنتقاء المتفوقين ذوى القدرات البحثية‪ ،‬فضال عن أن التفوق الظاهرى‬
‫كثيرا ما اليعكس حقيقة قدرات الطلبة‬
‫‪ ‬كما ال يسمح للمقبولين للدراسات العليا بفترة تأهيل‪ ،‬بل يتم تسجيلهم على موضوعات إنشائية ووصفية قتلت وصفا‪،‬‬
‫وتقتل لديهم أيه قدرات بحثية‬
‫‪ ‬عدم تدقيق لجان الخبراء العلميين (‪ ،)peer review‬وإعالن أسمائهم للطلبه (‪ ،)non anonymous‬بما يسمح‬
‫للباحثين باإلتصال بهم‬
‫‪ ‬نقص وقصور المجالت العلمية المتخصصة األجنبية‪ ،‬والمكتبات البحثية‪ ،‬وعدم تفعيل إستفادة الكليات من فرع قواعد‬
‫بيانات إتحاد مكتبات الجامعات المصرية‪ ،‬ومركز المعرفة بجامعة الزقازيق‬
‫‪ ‬أبحاثنا تقتصر أساسا على الوصف‪ ،‬وإستخدام طرق تحليل رياضى وإحصائى (وإن كانت متقدمة)‪ ،‬لكنها ال تتخطى غالبا‬
‫مرحلة اإلستقراء‪ ،‬التى تبين أال حل لها‪ .‬وحتى فى التقديرات اإلحتمالية فالتركيز ينصب على توفيق شكل للعالقة‬
‫األساسية‪ ،‬دون كثير إهتمام بمدى التشتت عنه‬
‫‪ ‬كثيرا ما ال يتم تمييز واضح فى أبحاثنا بين العلم والالعلم (مشكلة التحديد أو التمييز)‪ ،‬وال يُصلح ذلك المحاوالت‬
‫المشاهدة بإعداد لوائح ألخالقيات العلم مثال‪ ،‬أو فورمات خاصة لكتابة الرسائل العلمية أو األوراق البحثية‬
‫‪ ‬نقص المؤتمرات وحلقات البحث والمناقشة الجادة‪ ،‬مع ميل لعدم تداول الزمالء ألبحاثهم (جيتو)‬
‫طلبة البحث ال يدرسون منهاجا جادا وحديثا للبحث العلمى‪ ،‬لكن فقط كيف تكتب رسالة (شكال)‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬فهل من سبيل؟!‬
‫‪mzgomaa@gmail.com‬‬ ‫‪32‬‬
mzgomaa@gmail.com 33

You might also like