Professional Documents
Culture Documents
384ق م · ستاغيرا
...اإلقامةأثينا · أثينا
إذا كانت الثقافة اليونانية تعد بداية مرحلة التنوير الشامل لإلنسانية ،فإن الفيلسوف أرسطو يعد بكل المقاييس إحدى أهم
الشخصيات العلمية على اإلطالق في التاريخ اليوناني أو اإلنساني على حد سواء ،ليس ألنه أول الفالسفة اليونانيين ،فهو لم يكن
كذلك ،بل إنه ثالث العظماء بعد سقراط وأفالطون ،ولكن قيمته تنبع من كونه المؤسس الحقيقي لعدد من العلوم اإلنسانية
والطبيعية ،فهو مؤسس علم المنطق والعلوم السياسية واألخالق والزراعة إلخ ..ولو طالعنا أي كتاب حول المسيرة البشرية
لوجدنا أرسطو يتصدر المقدمة فيها بال منازع ،فقيمة أرسطو الفكرية والعلمية تعد أعمق وأكثر أثرا من أي فيلسوف آخر حتى
يومنا هذا ،وكثير من المفاهيم أو الكلمات المستخدمة اليوم ترجع إليه ،وهذا ليس على سبيل المبالغة ،ولكولد أرسطو في مقدونيا
عام 361قبل الميالد ألب يعمل بمهنة الطب ،حيث أخذ منه حب المعرفة والمنهج المبني على المالحظة واستخدام الحواس في
فهم المسائل الطبية والطبيعية ،وكان لهذا أكبر األثر في تطوير فكره الشخصي .وقد تدرب أرسطو في كنف أستاذه أفالطون،
وتعلم على يديه كل أفكاره التي ارتكزت على مفاهيم ما وراء الطبيعية ،لكنه لم يسلك الدرب الفكري نفسه ،بل إنه وضع لنفسه
منهجا مختلفا مبنيا على فكرة الطبيعة ودراسة الظاهرة وليس افتراض وجود المثل األعلى لمفهومها في مكان بعيد عن متناول
فكرنا ،بالتالي لجأ الستخدام الحواس في فهم األمور وهو ما كان له أكبر األثر في ميالد مفهوم المنهج التجريبي الذي أصبح هو
.أساس دراسة العلوم اإلنسانية وغير اإلنسانية على حد سواء
تعد الزراعة والسياسة واألخالق من أهم ما اعتنى به أرسطو ،وقد استنبط الرجل وجود اإلله الواحد األحد فاطر العالم من خالل
الممارسة العقلية بنظريته المعروفة بالمحرك األول .والثابت أن أرسطو كان مؤسس علم المنطق الذي نعرفه اليوم والذي تم بناؤه
«Aristotelianعلى الفرضيات الثالث األساسية للمنطق ،كما أنه صاحب فكرة القياس المنطقي األرسطي والمعروفة لدينا بالـ
.والتي تعد أساس علم االستنباط Syllogism»،
وعلى الرغم من أننا كثيرا ما نؤمن بأن المصدر الوحيد لألخالق هو األديان السماوية أو الوضعية ،فإن هذا ليس بالضرورة
صحيحا ،فهناك مصادر أخرى لألخالق ومفاهيمها ،فأرسطو هو أبو علم األخالق ،وفكره في هذا الصدد جاءنا من خالل كتابه
الشهيرة « أخالقيات نيكومانشيان» (نسبة إلى ابنه) ،وقد وصل الرجل إلى قناعة بأن سعادة البشر تتأتي باألخالق من خالل
التوازن بين ثالثة أنواع من السعادة ،أولها حياة المتعة والسعادة ،وثانيها حياة المواطن والمسؤول ،وثالثها حياة المفكر
والفيلسوف .فالتوازن بين هذه األركان الثالثة هو مبتغى أي إنسان عادي ،كما أنه صاحب فكرة التوازن في الفضائل وبينها ،وهو
ما جسدته الحكمة العربية القائلة بأن الفضيلة هي وسط الرذيلتين ،وإليه ترجع أهمية التفرقة الشديدة بين األخالق من ناحية
والسياسة من ناحية أخرى.ن ألنه صاحب علم مؤسسي وفكر ممتد إلى يومنا هذا .وتشير التقديرات إلى أن اإلنتاج الفكري
ألرسطو بلغ أكثر من مائة وخمسين منتجا ما بين الكتاب والمخطوط على حد سواء ،ونظرا ألنه كان مقدونيا فإنه سريعا ما
استخدم لدى البالط الملكي من أجل اإلشراف على تعليم اإلسكندر األكبر ،فغرس فيه حب العلم والمعرفة وتقديس الفكر اليوناني
.واعتبار الثقافة اليونانية هي مركز الكون
الصف 8 /4 :