You are on page 1of 42

‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬

‫من كجاب العتادات‬


‫أثر تعارض األقيسة يف اختالف الفقهاء‬
‫أمثلة تطبيقية من كتاب العبادات‬
‫(‪)‬‬
‫‪ ‬د‪.‬عز الدين أمحد إبراهيم‬
‫مقدمة البحث‬
‫احلمد ﵁ الواحد األحد الفرد الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن لو كفوا أحد‬
‫حمدا كثَتا طيبا مباركا فيو كما ينبغي جلالل وجهو وعظيم سلطانو وصلى هللا على‬
‫نبينا دمحم وآلو وصحبو أمجعُت وبعد ‪:‬‬
‫ىذه صفحات يسَتة مجعتها يف بيان أثر تعارض األقيسة يف اختالف الفقهاء‬
‫ثالثمباحث وخاسبة ‪:‬‬
‫ورتبتها يف ة‬
‫ادلبحث األول ‪ :‬مبحث سبهيدي ومدخل للموضوع ذكرت فيو سلتصراً ألسباب‬
‫اختالف الفقهاء وتعريف القياس وأنواعو ومعٌت تعارض األدلة الشرعية وتفسَتاً دلا‬
‫يظهر يف كتب الفقو ادلقارن من كثرة تعارض األقيسة‪.‬‬
‫ادلبحث الثاين ‪ :‬يف تطبيقات ألثر تعارض القياس يف اختالف الفقهاء على‬
‫كتب الطهارة والصالة‪.‬‬
‫مسائل من ا‬
‫ادلبحث الثالث ‪ :‬يف تطبيقات ألثر تعارض القياس يف اختالف الفقهاء على‬
‫كتب الزكاة‬
‫مسائل من ا‬

‫)‪ (‬أصرار يشاسك تكه‪ٛ‬ح انشش‪ٚ‬ؼح جايؼح انقشآٌ انكش‪ٚ‬ى ٔانؼهٕو اإلصالي‪ٛ‬ح‪.‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪257‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫خامتة البحث ‪ :‬الفوائد اليت ديكن استخالصها من البحث‬
‫أسأل هللا أن ينفع بو القارئ وأن جيعلو معينا على تعلم استخدام القياس على‬
‫الوجو الصحيح وزايدة القدرة على التمييز بُت الصحيح والفاسد من القياس عند‬
‫االشتباه وما توفيقي إال اب﵁ عليو توكلت وإليو أنيب‪.‬‬
‫ادلبحث األول‬
‫يف أسباب اختالف الفقهاء والتعريف ابلقياس وأنواعو ومعٌت تعارض األدلة‬
‫وتفسَت ما ىو واقع من كثرة تعارض القياس يف كتب الفقهاء‪.‬‬
‫أسباب اختالف الفقهاء‬
‫الختالف الفقهاء أسباب ودواع منطقية وواقعية ال زليص وال مناص من‬
‫االختالف مع وجودىا وقد كتب يف بياهنا أىل العلم قدديا وحديثا لكون العلم‬
‫بتلك األسباب من ادلعينات على فهم ادلسائل ادلختلف فيها واخلروج من ر بقة‬
‫التعصب للمذاىب وأقوال الرجال وإحسان الظن بعامة أىل العلم من فقهاء‬
‫اإلسالم وزبفيف حدة التوتر بُت أتباع ادلذاىب ومن الذين كتبوا يف بيان أسباب‬
‫اختالف الفقهاء القاضي أبو الوليد بن رشد يف مقدمة كتابو النفيس بداية اجملتهد‬
‫وهناية ادلقتصد ورد اختالف الفقهاء إىل ستة أسباب على وجو اإلمجال(‪ )1‬والعالمة‬
‫ابن جزي الغرانطي يف الباب العاشر من كتابو تقريب الوصول إىل علم األصول‬

‫)‪(1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪5/1‬‬


‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪258‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫وذكر أنو انفرد بذكر ىذا الفصل عن ادلصنفُت قبله يف أصول الفقو وحصر‬
‫األسباب يف ستة عشر سببا (‪ ,)1‬ويف رسالة شيخ اإلسالم ‪ :‬رفع ادلالم عن األئمة‬
‫األعالم طرف من أسباب اختالف الفقهاء وعدد من ادلعاصرين كتبوا رسائل‬
‫وحبواث ومقاالت يف أسباب اختالف الفقهاء اجتزئ ىنا بذكر سلتصر دلا ذكره‬
‫العالمة ابن جزي بدمج بعض األسباب إىل بعض وإدراجها ربت اسم واحد‬
‫وحذف األمثلة التوضيحية اترة طلبا لالختصار(‪: )2‬‬
‫السبب األول من أسباب اختالف الفقهاء ‪ :‬تعارض األدلة وىو أغلب أسباب‬
‫االختالف‬
‫السبب الثاين‪ :‬اجلهل ابلدليل وأكثر ما جييء يف األخبار ألن بعض اجملتهدين‬
‫يبلغو احلديث فيقضى بو وبعضهم ال يبلغو فيقضى خبالف ذلك‪.‬‬
‫السبب الثالث ‪ :‬االختالف يف تصحيح األخبار بعد بلوغو إىل كل رلتهد فمن‬
‫األدلة‬ ‫صح عنده خرب قضى بو ومن مل يصح عنده ذلك اخلرب قضى خبالفو من‬
‫كاالستصحاب والقياس‬
‫السبب الرابع ‪ :‬االختالف يف نوع الدليل ىل حيتج بو أو ال حيتج بو مثل‬
‫خالف اجلمهور والظاىرية يف االحتجاج ابلقياس‪.‬‬

‫)‪(1‬ذقش‪ٚ‬ة انٕصٕل إنٗ ػهى ا‪ٞ‬صٕل ص ‪ٔ 157‬يا تؼذْا‬


‫)‪(2‬انًصذس انضاتق‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪259‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫‪ :‬االختالف يف قاعدة من قواعد األصول كحمل ادلطلق‬ ‫السبب اخلامس‬
‫على ادلقيد وشبو ذلك‬
‫‪ :‬اختالف القراءة فيأخذ رلتهد بقراءة وغَته أبخرى شلا‬ ‫السبب السادس‬
‫خيتلف بو ادلعٌت‬
‫ﷺ ‪ « :‬ذكاة‬ ‫السبب السابع ‪ :‬اختالف الرواية يف ألفاظ احلديث كقولو‬
‫اجلنُت ذكاة أمو(‪ «)1‬روى ابلرفع فأخذ بو مالك والشافعي وابلنصب « ذكا َة أمو «‬
‫فأخذ بو أبو حنيفة‬
‫السبب الثامن ‪ :‬دوران اللفظ وتردده بُت أكثر من معٌت لكونو مشًتكا يف اللغة‬
‫أو الحتمالو احلقيقة واجملاز أو العموم واخلصوص‪.‬‬
‫السبب التاسع ‪ :‬االختالف يف كون احلكم زلكماً أو منسوخاً‪.‬‬
‫السبب العاشر ‪:‬االختالف يف محل األمر على الوجوب أو الندب ومحل النهي‬
‫على التحرًن أو الكراىة‪.‬‬
‫السبب احلادي عشر ‪ :‬االختالف يف محل فعل النيب ﷺ على الوجوب أو‬
‫الندب أو اإلابحة‬
‫التعريف ابلقياس وأنواعه‬ ‫‪- 1‬‬

‫)‪(1‬أتٕ دأد ص ‪ 482‬كراب ا‪ٞ‬ضادٗ تاب يا جاءف‪ ٙ‬ركاج انجُ‪ ٍٛ‬دذ‪ٚ‬ث سقى ‪2824‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪260‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫القياس يف اللغة عبارة عن التقدير ومنو يقال قست األرض ابلقصبة وقست الثوب‬
‫ابلذراع أي قدرتو بذلك وىو يستدعى أمرين يضاف أحدمها إىل اآلخر ابدلساواة‬
‫فهو نسبة وإضافة بُت شيئين وذلذا يقال فالن يقاس بفالن وال يقاس بفالن أي‬
‫يساويو وال يساويو(‪.)1‬‬
‫ويف اصطالح الفقهاء قال الباجي يف تعريفو ‪« :‬ىو محل أحد ادلعلومُت على‬
‫اآلخر يف إجياب بعض األحكام ذلما وإسقاطو عنهما أبمر يجم ع بينهما»(‪.)2‬‬
‫وأما أقسام القياس فقد قسم القياس إىل تقسيمات كثَتة منها ‪ :‬تقسيمو إىل قياس‬
‫طرد وقياس عكس قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحو هللا ‪« :‬فالقياس الصحيح ىو‬
‫الذي وردت بو الشريعة وىو اجلمع بُت ادلتماثلُت والفرق بُت ادلختلفُت األول قياس‬
‫الطرد والثاين قياس العكس وىو من العدل الذي بعث هللا بو رسولو»(‪.)3‬‬
‫وقسم القياس إىل قياس علة وقياس شبو قال ابن جزي الغرانطي رمحو هللا ‪:‬‬
‫«ينقسم القياس إىل نوعُت قياس علة وقياس شبو فقياس العلة ىو الذي يكون‬
‫اجلامع فيو بُت األصل والفرع وصفا ىو علة للحكم وموجبا لو كتحرًن النبيذ‬
‫ادلسكر ابلقياس على اخلمر واجلامع بينهما االسكار وىو علة التحرًن وقياس شبو‬
‫وىو الذي يكون اجلامع فيو ليس بعلة للحكم كإجياب النية يف الوضوء ابلقياس‬

‫)‪(1‬اإلدكاو ف‪ ٙ‬أصٕل ا‪ٞ‬دكاو ن‪ٝ‬يذ٘ ‪ٔ 124/3‬اَظش نضاٌ انؼشب التٍ يُظٕس ‪ 270/11‬يادج ق‪ٛ‬ش‬
‫)‪(2‬إدكاو انفصٕل ف‪ ٙ‬أدكاو ا‪ٞ‬صٕل ‪457/2‬‬
‫)‪(3‬يجًٕع فرأٖ ش‪ٛ‬خ اإلصالو اتٍ ذ‪ًٛٛ‬ح ‪504/20‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪261‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫على التيمم واجلامع بينهما أن كل واحد منهما طهارة من حدث والطهارة من‬
‫احلدث ليست علة لوجوب النية وإمنا ىي وصف يشًتك فيو األصل والفرع‪ .‬قال‬
‫ابن جزي وزاد بعض األصوليُت نوعا اثلثا مسوه قياس الداللة‪ .‬قال أبو ادلعايل ‪:‬ال‬
‫معٌت لعده قسما على حدتو ألنو اترة يلحق بقياس العلة واترة بقياس الشبو‪ .‬وزاد‬
‫بعضهم قياس ادلناسبة وىو ادلبٌت على ربصيل مصلحة أو دفع مفسدة»(‪.)1‬‬
‫وقياس الداللة الوارد يف كالم ابن جزي عرفو ابن القيم بقولو ‪ « :‬وأما قياس الداللة‬
‫فهو اجلمع بُت األصل والفرع بدليل العلة وملزومها ومنه ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ(فصلت‪ )2( )٣٩:‬فدل سبحانو عباده دبا أراىم من اإلحياء‬
‫الذي ربققوه وشاىدوه على اإلحياء الذي استبعدوه وذلك قياس إحياء على‬
‫بظَته والعلة ادلوجبة ىي عموم قدرتو سبحانو وكمال حكمتو‬
‫إحياء واعتبار الشيء ن‬
‫(‪)3‬‬
‫وإحياء األرض دليل العلة»‬
‫االختالف يف االحتجاج بقياس الشبه‪:‬‬
‫اتفق القائلون حبجية القياس على االحتجاج بقياس العلة واختلفوا يف جواز‬
‫االحتجاج بقياس الشبو ‪ :‬قال القاضي أبو الوليد الباجي رمحو هللا بعد تعريفو قياس‬

‫)‪(1‬ذقش‪ٚ‬ة انٕصٕل إنٗ ػهى ا‪ٞ‬صٕل التٍ جز٘ ص ‪ٔ 124‬يا تؼذْا‬


‫)‪(2‬فصهد ا‪ٚٞ‬ح ‪39‬‬
‫)‪(3‬إػالو انًٕقؼ‪150/1 ٍٛ‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪262‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫الشبو ‪« :‬قد أنكر االستدالل هبذا القياس مجاعة من ادلثبتُت للقياس من أصحاب‬
‫الشافعي وغَتىم وأكثر شيوخنا على أنو صحيح»(‪ .)1‬وقال ابن جزي الغرانطي‬
‫رمحو هللا ‪« :‬واتفق القائلون ابلقياس على أن قياس العلة حجة واختلفوا يف‬
‫االحتجاج بقياس الشبو لضعفو وألنو ينقلب –أي يتعارض – فيقول احلنفي ‪ :‬ال‬
‫ذبب النية يف الوضوء ابلقياس على إزالة النجاسة واجلامع بينهما أن كل واحد‬
‫منهما طهارة ابدلاء»(‪ )2‬ردا على القول ابشًتاط النية يف الوضوء قياسا على التيمم‬
‫جبامع أن كل واحد منهما طهارة من حدث‪.‬‬
‫وجزم عدد من األئمة والعلماء ا﵀ققُت ببطالن االحتجاج بقياس الشبو منهم شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية وتلميذه العالمة ابن القيم والعالمة القاضي دمحم بن علي‬
‫الشوكاين رمحهم هللا قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحو هللا ‪ « :‬والقياس الصحيح‬
‫نوعان ‪:‬أحدمها ‪ :‬أن يعلم أنو ال فارق بُت األصل والفرع إال فرق غَت مؤثر يف‬
‫الشرع والنوع الثاين من القياس ‪ :‬أن ينص على حكم دلعٌت من ادلعاين ويكون ذلك‬
‫ادلعٌت موجودا يف غَته فإذا قام دليل من األدلة على أن احلكم متعلق ابدلعٌت‬
‫ادلشًتك بُت األصل والفرع سوى بينهما وكان ىذا قياسا صحيحا»(‪ .)3‬فحصر‬
‫رمحو هللا القياس الصحيح يف الشرع يف نوعُت فقط مها ‪ :‬القياس بنفي الفارق‬

‫)‪(1‬إدكاو انفصٕل ف‪ ٙ‬ػهى ا‪ٞ‬صٕل ‪550/2‬‬


‫)‪(2‬ذقش‪ٚ‬ة انٕصٕل إنٗ ػهى ا‪ٞ‬صٕل ص ‪ٔ 124‬يا تؼذْا‬
‫)‪(3‬يجًٕع فرأٖ ش‪ٛ‬خ اإلصالو اتٍ ذ‪ًٛٛ‬ح ‪285/19‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪263‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫ادلؤثر بُت األصل والفرع وىو ادلسمى القياس يف معٌت األصل واآلخر قياس العلة‬
‫وقياس الشبو غَت ىذين النوعُت وقال يف موضع آخر من فتاويو ‪« :‬وكل من سوى‬
‫بُت شيئين أو فرق بُت شيئين بغَت األوصاف ادلعتربة يف حكم هللا ورسولو فقياسو‬
‫فاسد لكن من القياس ما يعلم صحتو ومنو ما يعلم فساده ومنو ما مل يتبُت أمره‬
‫فمن أبطل القياس مطلقا فقولو ابطل ومن استدل ابلقياس ادلخالف للشرع فقولو‬
‫ابطل ومن استدل بقياس مل يقم الدليل على صحتو فقد استدل دبا ال يعلم صحتو‬
‫دبنزلة من استدل برواية رجل رلهول ال يعلم عدالتو»(‪.)1‬‬
‫قلت ‪ :‬وقياس الشبو يف أحسن أحوالو ىو دبنزلة ما ال يعلم صحتو من بطالنو وقد‬
‫جعلو شيخ اإلسالم دبنزلة االحتجاج برواية اجملهول وىي مردودة‪.‬‬
‫وقال العالمة ابن القيم رمحو هللا ‪« :‬و ّأما قياس الشبو فلم حيكو هللا سبحانو إال عن‬
‫ادلبطلُت فمنو قولو تعاىل إخبارا عن إخوة يوسف أهنم قالوا دلا وجدوا الصواع يف‬
‫رحل أخيهم ﭧ ﭨ ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ(‬
‫يوسف‪ ) ٧٧ :‬فلم جيمعوا بُت األصل والفرع بعلة وال دليلها وإمنا أحلقوا أحدمها‬
‫ابآلخر من غَت دليل جامع سوى رلرد الشبو اجلامع بينو وبُت يوسف»(‪ .)2‬وقال‬
‫يف خاسبة ذكره أمثلة الشبو الباطلة الواردة يف القرآن ‪« :‬وابجلملة فلم جييء ىذا‬
‫القياس يف القرآن إال مردودا مذموما»(‪.)3‬‬

‫)‪(1‬انًصذس انضاتق ص ‪288‬‬


‫)‪(2‬أػالو انًٕقؼ‪161/1 ٍٛ‬‬
‫)‪(3‬انًصذس انضاتق ص ‪162‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪264‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫(‪)1‬‬
‫وعد من ادلآخذ على القائلُت ابلقياس ومن مجلة أخطائهم ‪ :‬قوذلم بقياس الشبو‬
‫واعتبارىم علالً وأوصافا مل يعلم اعتبار الشارع ذلا(‪.)2‬‬
‫وقال الشوكاين رمحو هللا يف خاسبة كالمو على أدلة حجية القياس من كتابو إرشاد‬
‫الفحول إىل ربقيق احلق من علم األصول ‪« :‬وإذا عرفت ما حررانه وتقرير مجيع ما‬
‫قررانه فاعلم أن القياس ادلأخوذ بو ىو ما وقع النص على علتو وما قطع فيو بنفي‬
‫الفارق وما كان من ابب فحوى اخلطاب أو حلن اخلطاب على اصطالح من‬
‫يسمى ذلك قياسا وقد قدمنا أنو من مفهوم ادلوافقة»(‪.)3‬‬
‫ىذا وسيعلم القارئ عند الكالم عن تعارض األدلة أن من أسباب كثرة التعارض‬
‫بُت األقيسة اليت تعج هبا كتب الفقو ادلقارن ىو االستكثار من االحتجاج بقياس‬
‫الشبو الذي ىو قابل للتعارض واالنقالب كما يقول ابن جزي رمحو هللا(‪.)4‬‬
‫تعارض األدلة الشرعية‬
‫حقيقة التعارض تفاعل من العرض بضم العُت وىو الناحية واجلهة كأن الكالم‬
‫ادلتعارض يقف بعضو يف عرض بعض أي انحيتو وجهتو فيمنعو من النفوذ إىل‬
‫ِّ‬
‫وجو ويف االصطالح ‪ :‬تقابل الدليلُت على سبيل ادلمانعة(‪.)5‬‬
‫حيث ّ‬

‫)‪ (1‬أػالو انًٕقؼ‪390/1 ٍٛ‬‬


‫)‪ (2‬انًصذس انضاتق ص ‪391‬‬
‫)‪ (3‬إسشاد انفذٕل نهشٕكاَ‪86/2 ٙ‬‬
‫)‪ (4‬أَظش ذقش‪ٚ‬ة انٕصٕل إنٗ ػهى ا‪ٞ‬صٕل التٍ جز٘ ص ‪126-124‬‬
‫)‪ (5‬إسشاد انفذٕل نهشٕكاَ‪217/2 ٙ‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪265‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫تعارض حقيقياً إذ‬
‫اً‬ ‫والتعارض بُت األدلة الشرعية تعارض يف الظاىر فقط وليس‬
‫الشرع من هللا وما كان من عند هللا ال يتعارض وال يتناقض ﭧ ﭨ ﭽﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ (النساء‪) ٨٢ :‬وسبب تعارضها يف الظاىر‬
‫ىوخفاء الوجو الذي يزيل التعارض بُت الدليلُت على بعض اجملتهدين من ورود‬
‫أحدمها يف حالة غَت احلالة اليت ورد فيها الدليل اآلخر أو وجود انسخ ومنسوخ‬
‫وضلو ذلك شلا يزيل التعارض‪.‬‬

‫داللة تعارض األقيسة‬


‫التعارض احلقيقي بُت األقيسة منفية أيضاً حبكم كون القياس دليال شرعيا لكن ال‬
‫يعٌت التعارض الظاىري بُت األقيسة كون أحد القياسُت انسخاً واآلخر منسوخاً أو‬
‫أحدمها وارد يف حالة دون حالة ورود القياس اآلخر كما يف تعارض النصوص وإمنا‬
‫يعٌت تعارض األقيسة أن أحد القياسُت صحيح واآلخر فاسد لكن التمييز بُت‬
‫الصحيح من الفاسد أمر اجتهادي تتفاوت فيو الفهوم والقدرة على اإلدراك ‪،‬وال‬
‫يكلف هللا نفسا إال وسعها وادلطلوب من كل رلتهد استفراغ جهده الذىٍت يف‬
‫معرفة الصحيح من الفاسد والعمل بعد ذلك مبا أداه إليو اجتهاده على ما جاء يف‬
‫كتاب أمَت ادلؤمنُت عمر هنع هللا يضر إىل أيب موسى األشعري هنع هللا يضر ‪ « :‬الفهم الفهم فيما‬
‫خيتلج يف صدرك شلا مل يبلغك يف الكتاب والسنة أعرف األمثال واألشباه ٍب قس‬

‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪266‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬


‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫األمور عندك فاعمد إىل أحبها إىل هللا وأشبهها ابحلق فيما ترى»(‪ )1‬ويقول شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رمحو هللا ‪« :‬وقد تدبرت ما أمكنٍت من أدلة الشرع فما رأيت‬
‫قياساً صحيحاً خيالف حديثا صحيحاً كما أن ادلعقول الصريح ال خيالف ادلنقول‬
‫أث فال بد من ضعف أحدمها لكن التمييز‬ ‫الصحيح بل مىت رأيت قياساً خيالف را‬
‫بُت صحيح القياس وفاسدة شلا خيفي كثَت منو على أفاضل العلماء فضالً عمن ىو‬
‫دوهنم فإن إدراك الصفات ادلؤثرة يف األحكام على وجهها ومعرفة احلكم وادلعاين‬
‫اليت تضمنتها الشريعة من أشرف العلوم فمنو اجللي الذي يعرفو كثَت من الناس‬
‫ومنو الدقيق الذي ال يعرفو إال خواصهم»(‪.)2‬‬
‫تفسري ما يظهر من كثرة التعارض بني األقيسة يف كتب الفقه ادلقارن‬
‫إ ّن معارضة قياس لقياس تعٍت كما تقدم عسر التمييز بُت القياس الصحيح من‬
‫الفاسد أحياان حىت أنو ليخفى على أفاضل العلماء فضالً عمن ىو دوهنم كما‬
‫يقول ابن تيمية رمحو هللا لكن ادلسائل اليت تتعارض فيها األقيسة على الوجو الذي‬
‫يعسر التمييز فيو بُت الصحيح والفاسد من القياسُت من حيث الواقع قليلة وما‬
‫سنعرضو يف التطبيقات من مسائل كتاب العبادات كلو من ىذا القبيل تقريبا لكن‬
‫الذي حيتاج إىل تفسَت وبيان أسباب ىو ما يقف عليو الناظر يف كتب الفقو‬
‫ادلقارن مثل كتاب احلاوي للماوردي واإلشراف على نكت مسائل اخلالف‬

‫)‪ (1‬ا‪ٞ‬شثاِ ٔانُظائش نهض‪ٕٛ‬ط‪58/1 ٙ‬‬


‫)‪ (2‬يجًٕع فرأٖ ش‪ٛ‬خ اإلصالو اتٍ ذ‪ًٛٛ‬ح ‪567/20‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪267‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫للقاضي عبد الوىاب وبدائع الصنائع للكاساين من كثرة معارضة القياس ابلقياس‬
‫حىت تكاد ال ذبد مسألة خالفية استدل أصحاب قول بعدة من األقيسة إال‬
‫عارضهم أصحاب القول ادلخالف دبثلها عددا من األقيسة ومل أجد تفسَتا ذلذا‬
‫األمر إال توسع القائلُت ابلقياس توسعا غَت مرضي يف القياس أتصيال وتفصيال‬
‫وىو أمر يؤكده ويفيده تصريح كثَت من األئمة فمن انحية التأصيل ووضع الضوابط‬
‫للقياس الصحيح الذي يعد حجة يف الشرع ذبد طائفة من أىل العلم ا﵀تجُت‬
‫ابلقياس انزعوا يف ضوابط أساسية ومهمة ومن ذلك ما أفصح عنو الباجي بقولو‬
‫‪:‬ذىب قوم من الفقهاء إىل أن القياس ال حيتاج إىل أكثر من تشبيو الشيئ‬
‫ابلشيئ على ما يقع ابلقياس دون اعتبار معٌت زائد على ذلك يطلبو القياس و بو‬
‫قال القاضي أبو بكر‪ .‬وذىب اجلمهور من أصحابنا وغَتىم إىل أنو حيتاج إىل دليل‬
‫يدل على صحة العلة وىذا الصحيح عندي والدليل على ما نقولو ‪ :‬إمجاع األمة‬
‫على وجوب االجتهاد يف األحكام ولو كان ما قالوه صحيحا لبطل معٌت االجتهاد‬
‫والبحث والنظر وكان العلماء والعامة سواء وملا اتفق اجلميع على فساد ذلك بطل‬
‫ما ادعوه‪ .‬ودليل آخر ‪ :‬وىو أنو ال شيء من التشبيو ادلطلق إال وديكن عند التأمل‬
‫سلالفتو ومقابلتو دبا يقاومو ويضاده وتعليق احلكم عليو(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬إدكاو انفصٕل ف‪ ٙ‬أدكاو ا‪ٞ‬صٕل ‪555 -554/2‬‬


‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪268‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫النظر يف تلك األقيسة ادلتعارضة يف كتب الفقو يكاد جيزم أن أصحاهبا مل‬ ‫قلت ‪ :‬و ا‬
‫يسعوا يف البحث عن دليل على صحة العلة ومل يتكلفوا سوى سوق العبارة الدالة‬
‫على استخدام القياس‪ ,‬فكثر التعارض بُت األقيسة‪.‬‬
‫ومن التوسع يف أتصيل القياس تعديد وتكثَت ادلسالك اليت يتوصل هبا إىل تعيُت‬
‫العلة واحتجاج بعضهم جبميع أنواع القياس يقول الشوكاين رمحو هللا عند ذكر‬
‫االحتجاج إبمجاع الصحابة على حجية القياس‪ :‬ولو سلم ان لكان ذلك اإلمجاع إمنا‬
‫ىو على القياسات اليت وقع النص على علتها واليت قطع فيها بنفي الفارق فما‬
‫الدليل على أهنم قالوا جبميع أنواع القياس الذي اعتربه كثَت من األصوليُت وأثبتوه‬
‫دبسالك تنقطع فيها أعناق اإلبل وتسافر فيها األذىان حىت تبلغ إىل ما ليس‬
‫بشيء وتتغلغل فيها العقول حىت أتٌب دبا ليس من الشرع يف ورد وال صدر وال من‬
‫الشريعة السمحة السهلة يف قبيل وال دبَت وقد صح عنو ﷺ "أنو قال تركتكم‬
‫(‪)1‬‬
‫على الواضحة ليلها كنهارىا"‬
‫وقال الشوكاين عند الكالم على مسلك الطرد ‪« :‬قال القاضي أبو الطيب الطربي‬
‫‪ :‬ذىب بعض متأخري أصحابنا إىل أنو يدل على صحة العلية‪ ,‬واقتدى بو قوم‬
‫من أصحاب أيب حنيفة ابلعراق فصاروا يطردون األوصاف على مذىبهم ويقولون‬
‫إهنا قد صحت كقوذلم يف مس الذكر مس آلة احلدث فال ينتقض الوضوء بلمسو‬

‫)‪ (1‬إسشاد انفذٕل نهشٕكاَ‪ٔ 86/1 ٙ‬انذذ‪ٚ‬ث سٔاِ اتٍ ياجّ ف‪ ٙ‬انًقذيح تاب اذثاع صُح سصٕل هللا‬
‫ﷺ ‪ 4/1‬دذ‪ٚ‬ث سقى "‪"5‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪269‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫ألنو طويل مشقوق فأشبو البوق ويف السعي بُت الصفا وادلروة ‪ :‬إنو سعي بُت‬
‫جبلُت فال يكون ركنا كالسعي بُت جبلُت بنيسابور»‪ .‬قال الشوكاين ‪« :‬وال يشك‬
‫عاقل أن ىذا سخف»(‪.)1‬‬
‫خدمة يف كتب الفقو فال يشك يف أن‬ ‫وأما الناظر يف التفصيل وىو األقيسة ادلست‬
‫كثَتا من الفقهاء مل يلتزموا تلك الضوابط اليت قرروىا يف كتاب القياس من كتب‬
‫األصول فقاسوا على غَت علة جامعة وأبدىن شبو أو طرد يقول اإلمام النووي رمحو‬
‫هللا عند ذكر األدلة على طهارة ادلٍت ‪ « :‬وذكر أصحابنا أقيسة ومناسبات كثَتة‬
‫غَت طائلة وال نرتضيها وال نستحل االستدالل هبا وال نسمح بتضييع الوقت يف‬
‫(‪)2‬‬
‫كتابتها وفيما ذكرانه كفاية»‬
‫فانظر إىل قول النووي رمحو هللا يف أقيسة استخدمها واستدل هبا فقهاء شافعيون‬
‫غَت طائلة وال نرتضيها وال نستحل االستدالل هبا ويرى االشتغال بذكرىا مضيعة‬
‫للوقت فمثل ىذه األقيسة ىي اليت تظهر لنا كثرة التعارض بُت األقيسة يف كتب‬
‫الفقو كثرة جعلت نفاة القياس يعدون من أدلة بطالن القياس إمكان معارضة كل‬
‫قياس بقياس مثلو‪ .‬وكالم النووي رمحهم هللا شاىد على أنو ليس احلنفية وحدىم‬
‫ىم الذين ابلغوا وتوسعوا يف القياس بل ادلتأخرون من سائر اتباع ادلذاىب ادلعتدة‬
‫ابلقياس ويقول ابن القيم رمحو هللا معلقا على قول البخاري ‪ :‬ابب من شبَّو أصال‬

‫)‪ (1‬إسشاد انفذٕل ‪117/2‬‬


‫)‪ (2‬انًجًٕع ‪585 -584/3‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪270‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫معلوما أبصل مبين قد بُت هللا حكمهما ليفهم السائل قال ‪ « :‬وىذا الذي ترجمه‬
‫ادلفرطون وال ادل ْف ِّرطون فيو فإن‬
‫البخاري ىو فصل النزاع يف القياس ال كما يقولو ِّّ‬
‫الناس فيو طرفان ووسط فأحد الطرفُت من ينفى العلل وادلعاين واألوصاف ادلؤثرة‬
‫وجيوز ورود الشريعة ابلفرق بُت ادلتساويُت واجلمع بُت ادلختلفُت‪ ,‬وإزاء هؤالء قوم‬
‫أفرطوا فيو وتوسعوا جدا ومجعوا بُت الشيئين الذين فرق هللا بينهما أبدىن جامع يف‬
‫شبو أو طرد أو وصف يتخيلونو علة ديكن أن يكون علتو وأن ال يكون فيجعلونو‬
‫ىو السبب الذي علق هللا ورسولو عليو احلكم ابخلرص والظن وىذا ىو الذي‬
‫أمجع السلف على ذمه»(‪ )1‬وقال يف موضع آخر من كتابو إعالم ادلوقعُت ‪:‬‬
‫«وأصحاب الرأي والقياس محَّلوا معاين النصوص فوق ما محَّلها الشارع وأصحاب‬
‫األلفاظ والظواىر قصروا دبعانيها عن مراده وذكر أمثلة لكل من الفريقُت يشهد دلا‬
‫نسب إليهم »(‪.)2‬‬
‫قلت ‪:‬وإين ألرى من األمثلة على أن أصحاب القياس والرأي محلوا معاين‬
‫النصوص فوق ما محلها الشارع مثاال وقفت عليو أثناء قيامي بتجميع مادة ىذا‬
‫الشافعي الصوم بطعن بسكُت بلغ اجلوف وإبدخال إصبع يف‬ ‫ة‬ ‫البحث وىو إبطال‬
‫دبر أو فرج امرأة قياسا على األكل والشرب جبامع بلوغ اجلوف‪ ,‬جاء يف اجملموع ‪:‬‬
‫«فرع ‪ :‬لو طعن نفسو أو طعنو غَته إبذنو فوصلت السكُت جوفو أفطر بال‬

‫)‪ (1‬إػالو انًٕقؼ‪219/1 ٍٛ‬‬


‫)‪ (2‬إػالو انًٕقؼ‪245/1 ٍٛ‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪271‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫خالف عندان سواء كان بعض السكُت خارجا أم ال ‪ :‬فرع ‪ :‬لو أدخل الرجل‬
‫أصبعو أو غَتىا دبره أو أدخلت ادلرأة أصبعها أو غَتىا دبرىا أو قبلها وبقي‬
‫البعض خارجا بطل الصوم ابتفاق أصحابنا إال الوجو الشاذ عن احلناطي»(‪)1‬قال‬
‫أبو دمحم بن حزم رمحو هللا ‪ :‬إمنا هناان هللا تعاىل يف الصوم عن األكل والشرب‬
‫واجلماع وتعمد القيئ وادلعاصى وما علمنا أكال وال شراب يكون على دبر أو إحليل‬
‫(‪)2‬‬
‫أوأذن أو أنف أو من جرح يف البطن أو الرأس‬
‫والذي انصح بو الباحثُت والدارسُت يف رلال الفقو ادلقارن التمييز بُت األدلة اليت‬
‫ولدت وأنتجت األقوال يف ادلسألة الفقهية وىي القوية والعمدة واألدلة الواىية‬
‫الضعيفة ومن مجلتها الكثَت من األقيسة ادلتعارضة وىي اليت أنتجتها وصنعتها‬
‫األقوال الفقهية دبعٌت أهنا جاءت متأخرة عن األقوال الفقهية وأثرا من أاثر احلمية‬
‫للمذىب واإلما م فالعناية بذكر مثل ىذه األدلة واجلواب عنها مضيعة للوقت كما‬
‫مر يف قول اإلمام النووي رمحو هللا وقد التزم رمحو هللا بعدم ذكر األدلة الواىية يف‬
‫كتاب اجملموع سواء كانت األدلة للشافعية أو لغَتىم وسبقو إىل ىذا النهج احلميد‬ ‫ه‬
‫القاضي أبو الوليد بن رشد يف بداية اجملتهد خالفا للقاضي أيب احلسن ادلاوردي‬
‫رمحو هللا رغم تقدمو إال أنو مجع يف موسوعتو احلاوي الكبَت األدلة اليت ولدت‬
‫األقوال واليت ولدهتا احلمية واالنتصار لألقوال من كل ادلذاىب‪.‬‬

‫)‪ (1‬انًجًٕع نهُٕٔ٘ ‪517/7‬‬


‫)‪ (2‬انًذه‪ 348/4 ٙ‬يضأنح سقى ‪753‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪272‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫ادلبحث الثاين‬
‫أثر تعارض األقيسة يف اختالف الفقهاء – أمثلة تطبيقية من كتاب الطهارة‬
‫والصالة‬
‫ادلسألة األوىل ‪ :‬االختالف يف طهارة ادلين‬
‫ال توجد نصوص صرحية يف طهارة ادلٍت أو صلاستها وجاء اخلرب بغسلو عن الثوب ٍب‬
‫الصالة فيو شلا يشعر بنجاستو وورد اخلرب كذلك ابالكتفاء بفركو شلا يشعر بطهارتو‬
‫إذ الفرك ال يزيل فلم يبق إال اللجوء إىل القياس فوجدوا القياس فيو متعارضا إذ‬
‫ادلٍت فيو شبو ابألحداث اخلارجة من البدن وىي صلسة البول وادلذي والودي وفيو‬
‫شبو ابلفضالت الطاىرة اخلارجة من البدن كاللنب وادلخاط فنشأ اخلالف بُت‬
‫الفقهاء فقيل ىو طاىر من الرجل وادلرأة وىو قول الشافعية واحلنابلة والظاىرية قال‬
‫الشافعية إال أن يكون ادلخرج ملواث ابلبول فينجس وقيل صلس وىذا قول احلنفية‬
‫وادلالكية – يقول القاضي أبو الوليد بن رشد يف بيان سبب اخلالف يف ادلسألة ‪«:‬‬
‫وسبب اختالفهم فيو شيئان « ‪ :‬أحدمها اضطراب الرواية يف حديث عائشة وذلك‬
‫أن يف بعضها ‪ :‬كنت أغسل ثوب رسول هللا ﷺ من ادلٍت فيخرج إىل الصالة‬
‫وإن فيو لبقع ادلاء ‪ :‬ويف بعضها « أفركو من ثوب رسول هللا ﷺ ويف بعضها‬
‫خرج ىذه الزايدة مسلم(‪ .)1‬والسبب الثاين تردد ادلٍت بُت أن يشبو‬
‫فيصلى فيو ّ‬

‫)‪ (1‬صذ‪ٛ‬خ يضهى يغ ششدّ نهُٕٔ٘‪ 188/3‬كراب انطٓاسج تاب غضم انثٕب يٍ انًُ‪ٙ‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪273‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫ابألحداث اخلارجة من البدن وبُت أن يشبو خبروج الفضالت الطاىرة كاللبن‬
‫(‪)1‬‬
‫وغَته‬
‫وجاء يف البناية شرح اذلداية للعيٍت من احلنفية ‪ « :‬فإن قلت دلا اختلفت‬
‫األحاديث واآلاثر يف حكم ادلٍت مل يدل دليل اقطعاً على صلاستو وال على طهارتو‬
‫قلت يف مثل ىذا يرجع إىل النظر والقياس فنقول ‪ :‬ادلٍت حدث ألنو خارج عن‬
‫السبيل وكل خارج عن السبيل صلس فاملين صلس»(‪ .)2‬فقاس ادلٍت على البول‬
‫وادلذي والودي جبامع ادلخرج وىو عُت القياس الذي استخدمو ادلالكية واحتجوا بو‬
‫يف صلاسة ادلٍت قال احلافظ أبو عمر بن عبد الرب رمحو هللا ‪« :‬ومل خيتلف العلماء‬
‫فيما عدا ادلٍت من كل ما خيرج من الذكر أنو صلس‪ .‬ويف إمجاعهم على ذلك ما‬
‫يدل على صلاسة ادلٍت ادلختلف فيو ولو مل تكن لو علة جامعة بُت ذلك إال خروجو‬
‫(‪)3‬‬
‫مع البول وادلذي والودي سلرجا واحدا لكفى»‬
‫والشافعية عارضوا ىذا القياس أبقيسة أخرى وبنفي ارباد ادلخرج بُت ادلٍت‬
‫واألحداث اخلارجة من الذكر قال النووي رمحو هللا ‪« :‬وأجاب أصحابنا عن‬
‫القياس على البول والدم أبن ادلٍت أصل األدمي ادلكرم فهو ابلطُت أشبو خبالفهما‪.‬‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًذرٓذ ‪82/1‬‬


‫)‪ (2‬انثُا‪ٚ‬ح ششح انٓذا‪ٚ‬ح نهؼ‪724/1 ٍٛ‬‬
‫)‪ (3‬االصرزكاس ‪286/1‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪274‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫وعن قوذلم خيرج من سلرج البول ابدلنع قالوا بل شلرمها سلتلف قال القاضي أبو‬
‫(‪)1‬‬
‫الطيب ‪ :‬وقد شق ذكر الرجل ابلروم فوجد كذلك فال ننجسو ابلشك»‬
‫قلت ‪ :‬روى مالك رمحو هللا يف ادلوطأ عن عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ما يصلح مرجحا‬
‫القول بنجاسة ادلٍت على القول بطهارتو روى عن حيي بن عبد الرمحن بن حاطب‬
‫أنو اعتمر مع عمر بن اخلطاب يف ركب فيهم عمرو بن العاص وأن عمر بن‬
‫عرس ببعض الطريق قريبا من بعض ادلياه فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح‬ ‫اخلطاب ّ‬
‫فلم جيد مع الركب ماء فركب حىت جاء ادلاء فجعل يغسل ما رأى من ذلك‬
‫االحتالم حىت أسفر فقال لو عمرو بن العاص أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك‬
‫يغسل فقال عمر بن اخلطاب واعجبا لك اي عمرو بن العاص لئن كنت ذبد ثيااب‬
‫أفكل الناس جيد ثيااب وهللا لو فعلتها لكانت سنة بل أغسل ما رأيت وأنضح ما مل‬ ‫ّ‬
‫أر(‪ .)2‬قال احلافظ أبو عمر بن عبد الرب رمحو هللا ‪« :‬ففي غسلو عمر هنع هللا يضر‬
‫االحتالم من ثوبو دليل على صلاستو ألنو مل يكن ليشتغل مع شغل السفر بغسل‬
‫(‪)3‬‬
‫شيء طاىر»‬
‫صلس يغسل من الثوب‬ ‫قلت ‪ :‬ومن وجوه الداللة كذلك ‪ :‬لو مل يكن عنده ادلٍت ا‬
‫قبل أن يصلي فيو خلشي هبذا احلرص واإلصرار على غسلو من الثوب رغم اإلسفار‬

‫)‪ (1‬انًجًٕع نهُٕٔ٘ ‪585 -584/3‬‬


‫)‪ (2‬انًٕطأ ‪70/1‬‬
‫)‪ (3‬االصرزكاس ‪286/1‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪275‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫أن يوقع الناس يف اعتقاد خاطئ أنو ال يصح اإلقدام على الصالة بثوب قبل غسلو‬
‫من ادلٍت كما خشي إن استجاب لدعوة عمرو بن العاص لو أبن يدع ثوبو يغسل‬
‫كلو يف وقت الحق وأيخذ ثواب بديال فيصلي فيو أن يظن الناس خطأ أن حكم‬
‫الثوب إن أصابو أثر االحتالم أن يغسل مجيعو وال يقتصر على غسل موضع‬
‫التلوث منو‪.‬‬
‫ادلسألة الثانية ‪ :‬حكم وطء ادلستحاضة ‪:‬‬
‫االستحاضة ال سبنع من الصالة اتفاقا كما دينع منها احليض لكن اختلفوا ىل سبنع‬
‫الزوج من الوطء أم ال ؟ لتعارض القياس فيو بُت أن يكون احلكم ال سبنع من‬
‫الوطء كما مل سبنع من الصالة وأن يكون مانعة منو كاحليض جبامع األذى فقيل‬
‫جيوز وطؤىا وإن كان الدم جاراي وذلك يف الزمن ا﵀كوم فيو أبنو طهر وىذا قول‬
‫الشافعي ومالك وأيب حنيفة وىو قول أكثر العلماء ورواية عن أمحد‪ .‬وقيل ال جيوز‬
‫وطؤىا وىو زلكي عن عائشة اهنع هللا يضر والنخعي واحلكم وابن سَتين وذكر البيهقي‬
‫وغَته عدم صحة النقل يف ذلك عن عائشة اهنع هللا يضر والقول الثالث ‪ :‬ال جيوز وطؤىا‬
‫إال أن خياف زوجها العنت وىو قول اإلمام أمحد وىو ادلذىب عند أصحابو(‪,)1‬‬
‫جاء يف صحيح البخاري ‪ :‬قال ابن عباس «ادلستحاضة أيتيها زوجها إذا صلت‬
‫الصالة أعظم»(‪ )2‬أي كما مل سبنع االستحاضة من الصالة ال سبنع من الوطء من‬

‫)‪ (1‬أَظش ا‪ٞ‬قٕال ف‪ ٙ‬انًضأنح ٔأدنرٓا ف‪ ٙ‬انًجًٕع نهُٕٔ٘ ‪395 -394/3‬‬


‫)‪ (2‬انثخاس٘ ‪ 90/1‬كراب انذ‪ٛ‬ض تاب إرا سأخ انًضرذاضح انطٓش‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪276‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫ابب أوىل وقد جاء إيضاح ىذا القياس يف البناية شرح اذلداية للحنفية ‪« :‬وإذا‬
‫عرف حكم الصالة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة اإلمجاع» ىذا جواب عن‬
‫سؤال مقدر تقديره أن يقال قلتم إن دم االستحاضة ال دينع الصالة والصوم‬
‫والوطء ودليلكم ال يدل إال على أحكام الصالة فقط فأجاب عنو أبن حكم‬
‫الصالة وىو جوازىا مع سيالن دم االستحاضة إذا عرف فإنو كالعدم يف حكم‬
‫بتبينهما لكونو منافيا للطهارة اليت ىي شرط الصالة يثبت‬ ‫الصالة مع ادلنافاة الثا ة‬
‫حكم الصوم والوطء مع عدم ادلنافاة بينهما وبينو وذلك أن الصوم نقيضو الفطر ال‬
‫(‪)1‬‬
‫الدم والوطء نقيضو تركو ال الدم»‬
‫قلت ‪ :‬يعٌت ادلصنف ابإلمجاع اإلمجاع على أن دم االستحاضة ال سبنع من الصالة‬
‫ونتيجة ىذا اإلمجاع صحة قياس الوطء والصوم على فعل الصالة‪.‬‬
‫وأما ادلانعون فقالوا ‪ :‬يف وطء ادلستحاضة أذى فيحرم كوطء احلائض‪.‬قال احلافظ‬
‫أبو عمر يوسف بن عبد الرب رمحو هللا مرجحا القول جبواز الوطء ‪ :‬حكم هللا عز‬
‫وجل يف دم االستحاضة أنو ال دينع الصالة وتعبد فيو بعبادة غَت عبادة احليض‬
‫لذلك وجب أالّ حيكم لو بشيء من حكم احليض إال أن جيمعوا على شيء فيكون‬
‫على ذلك وإمنا أمجعوا على غسلو كسائر الدماء(‪ )2‬وقال اإلمام النووي رمحو هللا ‪:‬‬
‫«واجلواب عن قياسهم على احلائض أنو قياس خيالف ما سبق من داللة الكتاب‬

‫)‪ (1‬انثُا‪ٚ‬ح ششح انٓذا‪ٚ‬ح نهؼ‪664/1 ٍٛ‬‬


‫)‪ (2‬االصرزكاس التٍ ػثذ انثش ‪479 /1‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪277‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫والسنة فلم يقبل وألن االستحاضة ذلا حكم الطاىرات يف غَت زلل النزاع فوجب‬
‫إحلاقو بنظائره ال ابحلائض الذي ال يشاركو يف شيء »(‪.)1‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬قول النووي رمحو هللا أنو قياس خيالف ما سبق من داللة الكتاب‬
‫يعٌت بو ما حكاه أن الشافعي رمحو هللا احتج للقول جبواز وطء ادلستحاضة يف األم‬
‫بقولو تعاىل ﭽﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﮲‬
‫﮳ ﮴ ﮵ ﮶ ﮷﮸ ﮹ ﮺ ﮻ ﮼ ﮽ ﮾ ﭼ( البقرة‪٢٢٢ :‬‬
‫)(‪ )2‬وىذه قد تطهرت‬
‫قال الباحث ‪ :‬االستدالل ابآلية على الوجو ادلذكور فيو ضعف ألن اآلية وردت‬
‫جوااب عن السؤال عن ا﵀يض فداللتها نفي أن يكون احليض مانعا من الوطء بعد‬
‫ىذه الغاية « فإذا تطهرن « وليست نفيا لكل ما يظن أن يكون مانعا من الوطء‬
‫بل ذلك يف حكم ادلسكوت عنو ابلنظر إىل داللة اآلية وىكذا رأى القاضي أبو‬
‫الوليد بن رشد رمحو ﵁ أن ادلسألة مسكوت عنها يف الشرع قال ابن رشد رمحو هللا‪:‬‬
‫«وسبب اختالفهم ىل إابحة الصالة ذلا ىي رخصة دلكان أتكيد وجوب الصالة‬
‫أو إمنا أبيحت ذلا الصالة آلن حكمها حكم الطاىر ؟ فمن رأى أنوا رخصة مل جيز‬
‫لزوجها أن يطأىا ومن رأى أن ذلك ألن حكمها حكم الطاىر أابح ذلا ذلك‬

‫)‪ (1‬انًجًٕع ‪395 /3‬‬


‫)‪ (2‬انثقشج (‪)222‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪278‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫وىي ابجلملة مسألة مسكوت عنها وأما التفريق بُت الطول وال طول‬
‫فاستحسان»(‪.)1‬‬
‫ادلسألة الثالثة ‪ :‬التيمم قبل دخول الوقت ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف جواز التيمم قبل دخول الوقت فأجازه احلنفية قياسا على‬
‫الوضوء قبل الوقت ومنعو اجلمهور وعارضوا قياس احلنفية أبقيسة أخرى منها أنو‬
‫تيمم يف وقت ىو مستغن فيو عن التيمم فلم يصح كما لو تيمم ومعو ماء وعارضوه‬
‫كذلك بظاىر آية الوضوء فإهنا تقتضي أن يكون التيمم عند القيام للصالة وذلك‬
‫بعد دخول الوقت ال قبلو قال النووي رمحو هللا ‪ « :‬ىذا الذي ذكرانه من أن التيمم‬
‫دلكتوبة ال يصح إال بعد دخول وقتها ىو مذىبنا ومذىب مالك وأمحد وداود‬
‫ومجهور العلماء وقال أبو حنيفة جيوز قبل الوقت واحتجوا ابلقياس على الوضوء‬
‫ومسح اخلف وإزالة النجاسة وألنو وقت يصلح للمبدل فصلح للبدل كما بعد‬
‫دخول الوقت واحتج أصحابنا ﭽﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ ( المائدة‪ )2() ٦ :‬فاقتضت اآلية أنو‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪63/1‬‬


‫)‪ (2‬صٕسج انًائذج ا‪ٜٚ‬ح "‪"6‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪279‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫يتوضأ ويتيمم عند القيام ‪ :‬خرج جواز تقدًن الوضوء بفعل النيب ﷺ واإلمجاع‬
‫وبقي التيمم على مقتضاه ألنو تيمم وىو مستغن عن التيمم فلم يصح كما لو تيمم‬
‫ومعو ماء(‪.)1‬‬
‫االستالل ابآلية على الوجو ادلذكور يشوبو ضعف فإن اآلية يف‬
‫د‬ ‫قال الباحث ‪:‬‬
‫معٌت ‪ :‬إذا قمتم إىل الصالة فتوضئوا فإن مل ذبدوا ماء فتيمموا فليس مقبوال دعوى‬
‫أن يكون اللفظ الواحد وىو « إذا قمتم إىل الصالة « يفيد معٌت يف حق ادلتوضئ‬
‫غَت ادلعٌت الذي يفيده يف حق ادلتيمم‪ .‬والوضوء يف اآلية مل يكن مأموراً بو على‬
‫وجو التضمُت أو الدخول يف لفظ عام حىت خيرج ابلتخصيص بفعل النيب ﷺ‬
‫وابإلمجاع وإمنا مأمور بو ابلتعيُت ابلذكر فال يكون خروجو إالّ ابلنسخ والنسخ‬
‫يقتضي دليال يوصل إىل القول بو ولضعف االستدالل ابآلية رجح ابن رشد رمحو‬
‫هللا أن يكون سبب اخلالف تعارض األقيسة وليس االختالف يف تفسَت آية‬
‫الوضوء‪ .‬قال القاضي أبو الوليد ابن رشد رمحو هللا ‪« :‬وسبب اختالفهم ىو ‪ :‬ىل‬
‫ظاىر مفهوم آية الوضوء يقتضي أن ال جيوز التيمم والوضوء عند دخول الوقت‬
‫لقولو تعاىل ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ (ادلائدة‪:‬‬
‫‪ –) ٦‬اآلية فأوجب الوضوء والتيمم عند وجوب القيام إىل الصالة وذلك إذا دخل‬

‫)‪ (1‬انًجًٕع ‪247 /3‬‬


‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪280‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫الوقت فوجب ذلذا أن يكون حكم الوضوء والتيمم يف ىذا حكم الصالة أعٌت أنو‬
‫كما أن الصالة من شرط صحتها الوقت كذلك من شروط صحة الوضوء والتيمم‬
‫الوقت إال أن الشرع خصص الوضوء من ذلك فبقي التيمم عىل أصلو أم ليس‬
‫يقتضي ىذا ظاىر مفهوم اآلية وأن تقدير قولو تعاىل ﴿اي أيها الذين آمنوا إذا قمتم‬
‫إىل الصالة﴾– أي أردًب القيام إىل الصالة وأيضا فإنو لو مل يكن ىنالك زلذوف‬
‫دلا كان يفهم من ذلك إال إجياب الوضوء والتيمم عند وجوب الصالة فقط ال أنو‬
‫ال جيزئ إن وقع قبل الوقت إالّ أن يقاسا على الصالة فلذلك األوىل أن يقال يف‬
‫ىذا إنسبب اخلالف فيو ىو قياس التيمم على الصالة لكن ىذا يضعف فإن‬
‫ب فتأمل ىذه ادلسألة فإهنا ضعيفة ‪ ,‬أعٌت من يشًتط يف‬ ‫قياسو على الوضوء أشه‬
‫صحتو دخول الوقت وجيعلو من العبادات ادلؤقتة فإن التوقيت يف العبادة ال يكون‬
‫إال بدليل مسعي»(‪.)1‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬خالصة كالم ابن رشد رمحو هللا يف االستدالل ابآلية أن اآلية أمرت‬
‫ابلوضوء أو التيمم مع فقد ادلاء عند القيام إىل الصالة ومل تنو عند الوضوء أو التيمم‬
‫قبل القيام إىل الصالة فاحبثوا عن النهي يف دليل آخر‪ .‬وهللا املوفق للصواب‪.‬‬
‫ادلسألة الرابعة ‪ :‬املتيمم لفقد ادلاء إذا وجد ادلاء وهو يف الصالة‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪68 -67/1‬‬


‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪281‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫إنّ مجهور أىل العلم من األئمة األربعة وغَتىم متفقون على أن من تيمم لفقد ادلاء‬
‫ٍب وجد املا ء قبل الشروع يف الصالة فإنو تيممو يبطل وعليو استعمال ادلاء واختلفوا‬
‫إذا وجد ادلاء بعد الشروع يف الصالة ويف أثنائو ا فقال مالك والشافعي وأصحاهبما‬
‫إال ادلزين وبو قال داود بن علي والطربي ‪« :‬يتمادى يف صالتو وذبزيو وقال أبو‬
‫(‪)1‬‬
‫حنيفة والثوري وأمحد وادلزين وغَتىم يقطع الصالة وخيرج إىل استعمال ادلاء»‬
‫وسبب اختالفهم عدم وجود نص من الشارع يبُت احلكم وتعارض األقيسة‬
‫فاحلنفية ومن معهم قالوا وجود ادلاء يف الصالة يبطلو كما أبطلو قبل الشروع يف‬
‫الصالة والقائلون ابلتمادي عارضوا ىذا القياس أبقيسة أخرى منها ما قالو‬
‫الشيرازي ‪« :‬ألنو وجد األصل بعد الشروع يف ادلقصود فال يلزمو االنتقال إليو كما‬
‫لو حكم بشهادة شهود الفرع ٍب وجد شهود األصل(‪ . )2‬وقال ابن قدامة رمحو هللا‬
‫يف االستدالل للقول ببطالن التيمم ‪ « :‬ألنو قدر على استعمال ادلاء فبطل تيممو‬
‫كاخلارج من الصالة وألن التيمم طهارة ضرورة فبطلت بزوال الضرورة كطهارة‬
‫(‪)3‬‬
‫ادلستحاضة إذا انقطع دمها»‬
‫ورجح ابن رشد قول احلنفية واحلنابلة قال ‪« :‬وذىب أبو حنيفة وأمحد وغَتمها إىل‬
‫أنو ينقض الطهارة يف الصالة وه و أحفظ لألصل ألنو أمر غَت مناسب الشرع أن‬
‫يوجد شيء واحد ال ينقض الطهارة يف الصالة وينقضها يف غَت الصالة ودبثل ىذا‬

‫)‪ (1‬االصرزكاس التٍ ػثذ انثش ‪424 -423 /1‬‬


‫)‪ (2‬يرٍ انًٓزب يغ انًجًٕع نهُٕٔ٘ ‪341/ 3‬‬
‫)‪ (3‬انًغُٗ التٍ قذايح ‪198/1‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪282‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫شنعوا على مذىب أىب حنيفة فيما يراه من أن الضحك يف الصالة ينقض الوضوء‬
‫مع أنو مستند يف ذلك إىل األثر فتأمل ىذه ادلسألة فإهنا بينة وال حجة يف‬
‫الظواىر اليت يرام االحتجاج هبا ذلذا ادلذىب من قولو تعاىل ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ( دمحم‪ )1() ٣٣ :‬فإن ىذا مل يبطل‬
‫طرو ادلاء كما لو أحدث»(‪.)2‬‬
‫الصالة إبرادتو وإمنا أبطلها ّ‬
‫ادلسألة اخلامسة ‪ :‬ادلغمى عليه هل يقضي ما فاته من الصالة حال إغمائه‬
‫اختلف أىل العلم يف قضاء املغمى عليو ما فاتو من الصالة حال إغمائو لتعارض‬
‫القياس فيو ىل يقاس على النائم فيجب عليو القضاء أم يقاس على اجملنون فيسقط‬
‫عنو القضاء‪ .‬ذىب مالك والشافعي وأصحاهبما مذىب ابن عمر رضي هللا عنهما‬
‫أنو ال يقضى وذىب أمحد بن حنبل إىل أنو يقضى وىو قول عبيد هللا بن احلسن‬
‫وعطاء وقال أبو حنيفة وأصحابو إن أغمي عليو يوما وليلة قضى وإن أغمي عليو‬
‫أكثر مل يقض‪ .‬قال القاضي أبو الوليد ابن رشد رمحو هللا ‪« :‬وأما ادلغم ى عليو فإن‬
‫قوما أسقطوا عنو القضاء فيما ذىب وقتو وقوم أوجبوا عليو القضاء ومن هؤالء من‬
‫اشًتط القضاء يف عدد معلوم وقالوا يقضي يف اخلمس فما دوهنا»‪ .‬والسبب يف‬
‫اختالفهم تردده بُت النائم واجملنون فمن شبهو ابلنائم أوجب عليو القضاء ومن‬

‫)‪ (1‬صٕسج دمحم (‪)33‬‬


‫)‪ (2‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪73/1‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪283‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫شبهو ابجملنون أسقط عنو الوجوب‪ .‬وقال احلافظ أبو عمر بن عبد الرب رمحو هللا ‪:‬‬
‫«وحجة مالك ومن ذىب مذهبو ومذىب ابن عمر يف ذلك أن القمل مرفوع عن‬
‫ادلغمى عليو قياسا على اجملنون ادلتفق عليو ألنو ال يشبو ادلغمى عليو إال أصالن ‪:‬‬
‫أحدمها اجملنون الذاىب العقل‪ ,‬واآلخر النائم ومعلوم أن النوم لذة واإلغماء مرض‬
‫فهي حبال اجملنون أشبو ‪ ,‬واألخرى أن ادلغمى عليو ال ينتبو ابإلنباه خبالف النائم‬
‫ودلا كان العاجز عن القيام يف الصالة يصلي جالسا ويسقط عنو القيام ٍب إن عجز‬
‫عن اجللوس سقط عنو حىت يبلغ حالو مضطجعا إىل اإلدياء فال يقدر إال على‬
‫اإلدياء فيسقط عنو ما سوى اإلدياء فكذلك إن عجز عن اإلدياء دبا حلقو من‬
‫اإلغماء يسقط عنو فال يلزمو إال ما يراجعو عقلو وذىنو يف وقتو ال ما انقضى‬
‫ب النظر ألهنا مسألة ليس فيها حديث مسند»‪ .‬وقال ابن‬ ‫وقتو(‪ )1‬ىذا ما يوج ه‬
‫قدامة رمحو هللا مبينا وجو ترجيح قياس ادلغمى عليو على النائم ‪« :‬وألن اإلغماء ال‬
‫يسقط فرض الصايم وال يؤثر يف استحقاق الوالية على ادلغمى عليو فأشبو النوم »‪.‬‬
‫وقال ‪« :‬وال يصح قياسو على اجملنون ألن اجلنون تتطاول مدتو غالبا وقد رفع القلم‬
‫عنو وال يلزمو صيام وال شيء من أحكام التكليف وتثبت الوالية عليو وال جيوز‬
‫على األنبياء عليهم السالم واإلغماء خبالفو »‪ .‬وما ال يؤثر يف إسقاط اخلمس ال‬
‫يؤثر يف إسقاط الزائد عليها كالنوم(‪ . )2‬قال الباحث ‪ :‬واألخَت خص بو الرد على‬

‫)‪ (1‬االصرزكاس ‪92/1‬‬


‫)‪ (2‬انًغُٗ ‪291 -290/1‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪284‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫احلنفية القائلُت ابلتفصيل وقد جاء بيان وجو قوذلم ابلتفصيل ادلتقدم يف البناية‬
‫للعيٍت قال «األعذار أنواع منو شلتد جدا كالصبا دينع وجوب العبادات وقاصر جدا‬
‫كالنوم ال يسقط شيائ من العبادات وما يكون بُت األمرين كاجلنون واإلغماء إن‬
‫امتد أحلق ابدلمتد جدا حىت سقط عنو القضاء وإن قصر أحلق ابلنوم حىت جيب‬
‫(‪)1‬‬
‫عليو القضاء وامتداده يزيد على يوم وليلة لدخولو يف حد التكرار»‬
‫ادلسألة السادسة ‪ :‬إجياب القضاء على من تعمد ترك صالة مكتوبة حىت خرج‬
‫وقتها‬
‫اتفق أىل العلم على وجوب القضاء على النائم والناسي للحديث عن النيب ﷺأنو‬
‫قال ‪« :‬من انم عن صالة أو نسيها فليصلها إذا ذكرىا»(‪ .)2‬واختل وا‬
‫ف يف العامد‬
‫لكونو مسكوات عنو يف ىذا اخلرب ومل يرد يف خرب آخر ما ىو صريح يف بيان حكمو‬
‫والقياس فيو متعارض هل يقاس على الناسي و النائم وادلتعمد لًتك صوم رمضان‬
‫عند األكثر وديون العباد اليت فات وقت سدادىا فيلزم ابلقضاء أم يقاس على‬
‫تفويت اجلمعة ورمي اجلمار فال يطالب ابلقضاء وال ديكنو وال يتأٌب منو؟ قال ابن‬
‫القيم رمحو هللا فيمن ترك الصالة عمدا من غَت عذر مع علمو بوجوهبا وفرضها ٍب‬
‫اتب وندم كيف حكم توبتو قال ‪ « :‬اختلف السلف يف ىذه ادلسألة فقالت‬
‫طائفة ‪ :‬توبتو ابلندم واالشتغال ابلفرائض ادلستأنفة وقضاء الفرائض ادلًتوكة وىذا‬

‫)‪ (1‬انثُا‪ٚ‬ح نهؼ‪781/2 ٍٛ‬‬


‫)‪ (2‬صذ‪ٛ‬خ يضهى يغ ششدّ نهُٕٔ٘ ‪ 198/5‬كراب انًضاجذ‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪285‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫قول األئمة األربعة وغَتىم ‪ ,‬وقالت طائفة ‪ :‬توبتو ابستئناف العمل يف ادلستقبل‬
‫وال ينفعو ما مضى ابلقضاء وال يقبل منو فال جيب عليو وىذا قول أىل الظاىر‬
‫(‪)1‬‬
‫وىو مروي عن جماعة من السلف»‬
‫قال الباحث ‪ :‬وىو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحو هللا يف فتاويو ويبدو أنو‬
‫اختيار تلميذه ابن القيم أيضا وإن مل يصرح بذلك لكن يظهر ذلك من عنايتو‬
‫أبدلة القولُت سواء بسواء فإن ادلخالفُت من اتباع ادلذاىب األربعة ال يحفلون هبذا‬
‫القول وأدلتو ويعدونو شذوذا من شذوذ أىل الظاىر عن الكافة(‪. )2‬‬
‫وأبو دمحم بن حزم الظاىري رمحو هللا رغم أنو ال يقول ابلقياس إال أنو عارض أقيسة‬
‫اجلمهور يف كتابو ا﵀لي(‪ )3‬أبقيسة قوية أخذ هبا من اختار القول بعدم وجوب‬
‫القضاء على ادلتعمد من القائلُت ابلقياس ممن جاء بعده وكذلك فعل شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية يف معارضة أقيسة اجلمهور وسنورد النقل عنو إن شاء هللا‪.‬‬
‫ذكر األدلة ‪:‬‬
‫أشهر ما استدل بو اجلمهور القياس على النائم والناسي قالوا إذا وجب القضاء‬
‫على النائم والناسي ومها معذوران فإجيابو على ادلتعمد من ابب أوىل ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الوليد بن رشد يف عرض ىذا الدليل ومناقشتو ‪« :‬فمن رأى أنو‬
‫إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع يف أشياء كثَتة فادلتعمد‬

‫)‪ (1‬يذاسج انضانك‪286 -285/1 ٍٛ‬‬


‫)‪ (2‬أَظش االصرزكاس التٍ ػثذ انثش ‪97/1‬‬
‫)‪ (3‬انًذه‪ 235/1 ٙ‬يضأنح سقى ‪279‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪286‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫أحرى أن جيب عليو ألنو غَت معذور أوجب القضاء ومن رأى أن الناسي والعامد‬
‫ضدان واألضداد ال يقاس بعضها على بعض إذ أحكامو م ا سلتلفة وإمنا تقاس‬
‫األشباه مل جيز قياس العامد على الناسي‪ ,‬واحلق يف ىذا أنو إذا جعل الوجوب من‬
‫ابب التغليظ كان القياس سائغا وأما إن جعل من ابب الرفق ابلناسي والعذر لو‬
‫وأن ال يفوتو ذلك اخلَت فالعامد يف ىذا ضد الناسي والقياس غَت سائغ ألن‬
‫الناسي معذور والعامد غَت معذور واألصل أن القضاء ال جيب أبمر األداء وإمنا‬
‫جيب أبمر رلدد على ما قال ادلتكلمون ألن القاضي قد فاتو أحد شروط التمكن‬
‫من وقوع الفعل على صحتو وىو الوقت إذ كان شرطا من شروط الصحة والتأخَت‬
‫عن الوقت يف قياس التقدًن لكن قد ورد األثر ابلناسي والنائم وتردد العامد بُت أن‬
‫يكون شبيها أو غَت شبيو وهللا ادلوفق للحق»(‪.)1‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬الذي يظهر يل أن إجياب القضاء على الناسي والنائم إمنا يظهر‬
‫كونو من ابب التغليظ وعدم االعتداد ابلعذر إذا كلفا أبمر أكثر مشقة شلا كلف‬
‫كلفبنفس ما كلف بو من أداىا يف الوقت‬ ‫بو من أدى الصالة يف وقتها أما وقد ا‬
‫فكونو من ابب الرفق أظهر شبيها إبيجاب الكفارة على من قتل مؤمنا خطأ دون‬
‫من قتل مؤمنا متعمدا قال هللا تعاىل ﭽﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ َٔٓا‪ٚ‬ح انًقرصذ ‪182/1‬‬


‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪287‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ(‬

‫النساء‪ ) ٩٢ :‬وقال بعد ذلك من غَت فصل ‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ‬


‫(‪)1‬‬

‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﭼ( النساء‪)2() ٩٣ :‬ولو جعل هللا للقتل العمد كفارة كاخلطأ لتجرأ‬
‫الناس على القتل وشبيو إبجياب القضاء على النائم والناسي دون العامد وأنو من‬
‫ابب الرفق ال من ابب التغليظ أيضا إجياب الكفارة يف الديُت ادلتعلق ابدلستقبل‬
‫وهللا أفعل كذا أو وهللا ال أفعل كذا ٍب حينث دون اليمُت الغموس اليت حيلف‬
‫احلالف وىو متعمد الكذب عند حلفو كأن يقول وهللا ال أعلم وىو يعلم أو وهللا‬
‫ما رأيتو وىو متيقن أنو رآه قال أىل العلم ىذا اليمُت أعظم من أن تنفع فيها‬
‫الكفارة فليتب إىل هللا ويستغفره(‪ )3‬ولو جعلت الكفارة يف ىذا ال نفتح ابب من‬
‫اخلداع والضرر حيلف ادلسلم كاذاب متعمدا ويكفر ‪.‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬قياس العامد على الناسي والنائم يف إجياب قضاء الفوائت من‬
‫الصلوات عند من استدل بو من أئمة املذاىب األربعة وأصحاهبم ىو من أقوى‬

‫)‪ (1‬ا‪ٜٚ‬ح ( ‪ ) 92‬يٍ صٕسج انُضاء‬


‫)‪ (2‬انُضاء ا‪ٜٚ‬ح ‪93‬‬
‫)‪ْ (3‬زا قٕل انجًٕٓس خالفا نهشافؼ‪ ٙ‬اَظش تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪409/1‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪288‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫وأرفع أنواع القياس ألن ادلسكوت عنو أوىل ابحلكم عندىم من ادلنطوق بو وىو‬
‫ادلسمى فحوى اخلطاب وبعض علماء األصول ال يعده من القياس بل يعده من‬
‫داللة النص ومفهوم ادلوافقة ومع ذلك عدل عن ذكره واالستدالل بو يف املسألة‬
‫العالمة احلافظ أبو عمر يوسف بن عبد الرب وجل أ إىل قياس أخر دونو مرتبة وفق‬
‫درجات ومراتب القياس فلعلو مل ير قياس العامد على الناسي سائغا كما بينو ابن‬
‫رشد قال أبو عمر رمحو هللا ‪ « :‬وسوى هللا تعاىل يف حكمو على لسان نبيو بُت‬
‫حكم الصالة ادلوقوتة والصيام ادلوقوت يف شهر رمضان أبن كل واحد منهما‬
‫يقضي بعد خروج وقتو فنص على النائم والناسي يف الصالة دلا وصفنا ونص على‬
‫ادلريض وادلسافر يف الصوم وأمجعت األمة ونقلت الكافة فيمن مل يصم رمضان‬
‫عامدا وىو مؤمن بفرضو وإمنا تركو أشرا وبطرا تعمد ذلك ٍب اتب عنو أن عليو‬
‫قضاءه فكذلك من ترك الصالة عامدا فالعامد والناسي يف القضاء للصالة والصيام‬
‫سواء وإن اختلف يف اإلٍب وكان احلكم يف ىذا الشرع خبالف رمي اجلمار يف احلج‬
‫اليت ال تقضي يف غَت وقتها لعامدوال لناس فوجوب الدم فيها ينوب عنها وخبالف‬
‫الضحااي أيضا ألن الضحااي ليست بواجبة فرضا والصالة والصيام كالمها فرض‬
‫واجب ودين اثبت تؤدى أبداوإن خرج الوقت ادلؤجل ذلما»(‪ .)1‬قال رسول هللا‬
‫ﷺ « دين هللا أحق أن يقضي (‪.»)2‬‬

‫)‪ (1‬االصرزكاس ‪ٔ 97/1‬يا تؼذْا‬


‫)‪ (2‬انثخاس٘ ‪ 46/3‬كراب انصٕو تاب يٍ ياخ ٔػه‪ ّٛ‬انصٕو‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪289‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬

‫تنبيهات للباحث على بعض ما اشتمل عليه كالم احلافظ أيب عمر بن عبد الرب‬
‫رمحه هللا ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ذكر أن إجياب القضاء على من ترك شيائ من صوم رمضان عمدا مقرا‬
‫بفرضو إمجاع والبخاري ذكر فيو خالفا للسلف يف صحيحو وخالف فيو من‬
‫الفقهاء واألئمة معاصره وصاحبو العالمة أبو دمحم ابن حزم وشيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية ذكر اخلالف فيو ورجح عدم القضاء رمحهم هللا قال البخاري « ابب إذا‬
‫جامع يف رمضان ويذكر عن أيب ىريرة رفعو ‪ :‬من أفطر يوما من رمضان من غَت‬
‫علة وال مرض مل يقضو صيام الدىر وإن صامو وبو قال ابن مسعود وقال سعيد بن‬
‫ادلسيب والشعيب وابن جبَت وإبراىيم وقتادة ومحاد يقضي يوما مكانو»(‪)1‬قال‬
‫احلافظ ابن حجر رمحو هللا ‪« :‬والذي يظهر يل أن البخاري أشار ابآلاثر اليت‬
‫ذكرىا إىل أن إجياب القضاء سلتلف فيو بُت السلف»(‪)2‬وأما خالف أيب دمحم بن‬
‫حزم رمحو هللا فجاء يف قولو بعد ذكر ما يبطل الصوم ‪ :‬فمن تعمد ذاكرا لصومو‬
‫شيائ شلا ذكران فقد بطل صومو وال يقدر على قضائو إن كان يف رمضان أو يف نذر‬
‫معُت إال يف تعمد القيء خاصة فعليو قضاء برىان ذلك ‪ :‬أن وجوب القضاء يف‬

‫)‪ (1‬انثخاس٘ يغ ششدّ فرخ انثاس٘ ‪ 190/4‬كراب انصٕو‬


‫)‪ (2‬فرخ انثاس٘ التٍ دجش ‪191/4‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪290‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫تعمد القيء قد صح عن رسول هللا ﷺ كما ذكران قبل ىذه ادلسألة دبسألتُت‬
‫ومل أيت يف فساد الصوم ابلتعمد لألكل أو الشرب أو الوطء نص إبجياب القضاء‬
‫وإمنا افًتض تعاىل رمضان ال غَته على الصحيح ادلقيم العاقل البالغ فإجياب صيام‬
‫غَته بدال منو شرع مل أيذن هللا تعاىل بو فهو ابطل وال فرق بُت أن يوجب هللا تعاىل‬
‫صوم شهر مسمى فيقول قائل ‪ :‬إن صوم غَته ينوب عنو بغَت نص وارد يف ذلك‬
‫وبُت من قال إن احلج إىل غَت مكة ينوب عن احلج إىل مكة والصالة إىل غَت‬
‫الكعبة تنوب عن الصالة إىل الكعبة ‪ .‬إىل أن قال ‪ :‬فإن ذكروا أخبارا وردت يف‬
‫إجياب القضاء على ادلتعمد للوطء يف هنار رمضان قيل تلك آاثر ال يصح منىا‬
‫شيء ٍب ذكر الطرق اليت وردت هبا زايدة « وصم يوما مكانو » يف حديث‬
‫األعرايب الذي أبطل صومه جبماع وبُت ضعفها وسقوطها واحدة بعد األخرى (‪.)1‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحو هللا يف فتاويو « فإن قيل ‪ :‬فقد ذكرًب أن من‬
‫أفطر عامدا بغَت عذر كان فطره من الكبائر وكذلك من فوت صالة النهار إىل‬
‫الليل عامدا من غَت عذر كان تفويتو ذلا من الكبائر وأهنا ما بقيت تقبل منو على‬
‫أظهر قويل العلماء كم ن فوت اجلمعة ورمي اجلمار وغَت ذلك من العبادات ادلؤقتة‬
‫وىذا قد أمره ابلقضاء – يعٍت ادلتعمد للقيء–وقد روى يف حديث اجملامع يف‬
‫رمضان أنو أمره ابلقضاء؟قيل إن ىذا إمنا أمره ابلقضاء ألن اإلنسان إمنا يتقيء‬

‫)‪ (1‬انًذه‪ ٙ‬التٍ دزو ‪ 180/4‬يضأنح سقى ‪735‬‬


‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪291‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫تقي أبو بكر من‬
‫لعذر كادلريض يتداوى ابلقيء أو يتقيأ ألنو أكل ما فيو شبهة كما أ‬
‫كسب ادلتكهن ‪ .‬وإذا كان ادلتقيء معذورا كان ما فعلو جائزا وصار من مجلة‬
‫ادلرضى الذين يقضون ومل يكن من أىل الكبائر الذين أفطروا من غَت عذر وأما‬
‫أمره للمجامع ابلقضاء فضعيف ضعفو غَت واحد من احلفاظ وقد ثبت ىذا‬
‫احلديث من غَت وجو يف الصحيحُت من حد يث أيب ىريرة ومن حديث عائشة ومل‬
‫يذكر أحد أمره ابلقضاء ولو كان أمره بذلك دلا أمهلو ىؤالء كلهم وىو حكم‬
‫شرعي جيب بيانو ودلا مل أيمره بو دل على أن القضاء مل يبق مقبوال منو وىذا يدل‬
‫على أنو كان متعمدا للفطر مل يكن انسيا وال جاىال»(‪.)1‬‬
‫التنبيه الثاين ‪ :‬قال أبو عمر رمحو هللا ‪ « :‬فالعامد والناسي يف القضاء للصالة‬
‫والصيام سواء » يريد تقوية الشبو بُت اترك الصالة عمدا واترك الصوم عمدا لكن‬
‫إجياب القضاء يف الصوم على من أكل أو شرب انسيا ليس اتفاقا وإمنا ىو مذىب‬
‫ادلالكية خالفا للشافعية وغَتىم وادلخالف يف مسألتنا غَت مالكي ‪.‬‬
‫ادلبحث الثالث‬
‫أثر تعارض القياس يف اختالف الفقهاء – أمثلة تطبيقية من كتاب الزكاة‬
‫ادلسألة األوىل ‪ :‬تعجيل الزكاة بعد بلوغ ادلال النصاب وقبل احلول‬
‫اختلف الفقهاء فيو على قولُت اجلواز وىو قول اجلمهور وادلنع وىو قول ادلالكية‬
‫وسبب اخلالف فيو تعارض القياس بُت أن يشبو ابلديون ادلؤجلة ودية اخلطأ وبُت‬

‫)‪ (1‬يجًٕع فرأٖ ش‪ٛ‬خ اإلصالو اتٍ ذ‪ًٛٛ‬ح ‪225/25‬‬


‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪292‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫أن يشبو ابلصالة قال القاضي أبو الوليد بن رشد رمحو هللا ‪« :‬وأما ادلسألة الثامنة‬
‫وىي جواز إخراج الزكاة قبل احلول فإن مالكا منع من ذلك وجوزه أبو حنيفة‬
‫والشافعي‪.‬وسبب اختالفهم ىل ىي عبادة أو حق واجب للمساكُت فمن قال‬
‫عبادة وشبهها ابلصالة مل جيز إخراجها قبل الوقت ومن شبهها ابحلقوق الواجبة‬
‫ادلؤجلة أجاز إخراجها قبل األجل على جهة التطوع وقد احتج الشافعي لرأيو‬
‫حبديث على أن النيب ﷺ استسلف صدقة العباس قبل زللها »(‪.)1‬‬
‫«حجة من مل جيز تعجيل الزكاة‬ ‫وقال أبو عمر بن عبد الرب رمحو هللا ‪:‬‬
‫قياسها على الصالة وحجة من أجاز تعجيلها القياس على الديون الواجبة آلجال‬
‫زلدودة أنو جائز تعجيلها أو تقدديها قبل زللها ‪ .‬وحديث علي هنع هللا يضر عن النيب‬
‫ﷺ أنو استسلف صدقة العباس قبل زللها وقد روى لعامُت ‪.‬وفرقوا بُت‬
‫الصالة والزكاة أبن الناس يستوون يف وقت الصالة وال يستوون يف وقت وجوب‬
‫الزكاة ‪ ,‬وقياس مالك ومن قال بقولو على الصالة أصح يف سبيل القياس‪ ،‬وهللا‬
‫أعلم»(‪.)2‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬لو صح خرب تعجيل النيب ﷺ صدقة عمو العباس هنع هللا يضر مل يبق‬
‫للقياس مدخل وال وجو يف ادلسألة لكن اخلرب أفاد النووي رمحو هللا تضعيفو‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪ٔ 274/1‬دذ‪ٚ‬ث ذؼج‪ٛ‬م صذقح انؼثاس‪ :‬سٔاِ انرشيز٘ ‪ 63/3‬كراب انزكاج دذ‪ٚ‬ث سقى‬
‫‪679 ٔ 678‬‬
‫)‪ (2‬االصرزكاس ‪596/3‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪293‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫( ‪)1‬‬
‫ابإلرسال إال أنو قال يصلح لالحتجاج على مذىب الشافعي ومن مل يره حجة‬
‫فقياس الزكاة على الصالة أقرب من قياسها على الديون ادلؤجلة‬
‫وقال ابن قدامة رمحو هللا يف بيان وجو تقدًن القياس على الديون ادلؤجلة ‪:‬‬
‫«وقوذلم إن للزكاة وقتا قلنا ‪ :‬الوقت إذا دخل يف الشيء رفقا ابإلنسان كان لو أن‬
‫يعجلو ويًتك اإلرفاق بنفسو كالدين ادلؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب وإن مل‬
‫يكن على يقُت من وجوهبا ومن اجلائز أن يكون ادلال اتلفا يف ذلك الوقت ‪ ,‬وأما‬
‫الصالة والصيام فتعبد زلض والتوقيت فيهما غَت معقول فيجب أن يقتصر‬
‫(‪)2‬‬
‫عليو»‬
‫ادلسألة الثانية ‪ :‬اشرتاط احلول يف ربح ادلال ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف اعتبار حول ربح ادلال لتعارض األقيسة فيو وقد ذباذبتو ثالثة‬
‫أصول‬
‫األصل األول ‪ :‬ادلال ادلستفاد هببة أو إرث أو صداق وضلو ذلك فإنو يستقبل بو‬
‫حوال جديدا من يوم استفيد ورد على مال يبلغ نصااب أو ال عند مالك والشافعي‬
‫واألصل الثاين ‪ :‬ادلال الذي ىو أصل ىذا الربح‬
‫واألصل الثالث ‪ :‬نسل الغنم فإن مالكا يزكيو إذا بلغ النسل مع األمهات نصااب‬
‫وإن مل ديض على النسل والصغار من والدهتا إال أايم‪ .‬فجاءت األقوال ‪ :‬حولو‬

‫)‪ (1‬انًجًٕع نهُٕٔ٘ ‪248/7‬‬


‫)‪ (2‬انًغُ‪ ٙ‬التٍ قذايح ‪ٔ 471/2‬اَظش تذائغ انصُائغ نهكاصاَ‪ٔ 50/2 ٙ‬يا تؼذْا‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪294‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫يعترب من يوم استفيد سواء كان األصل نصااب أو مل يكن وىذا قول الشافعي وقيل‬
‫‪ :‬حول الربح حول األصل أي إذا كمل لألصول حول زكي الربح معو سواء كان‬
‫األصل نصااب أو أقل من نصاب إذا بلغ األصل مع رحبو نصااب وفرق قوم بُت أن‬
‫يكون رأس ادلال احلائل عليو احلول نصااب أو ال يكون فقالوا ‪ :‬إن كان نصااب زكي‬
‫الربح مع رأس مالو وإن مل يك نصااب مل يزك وهبذا قال األوزعي وأبو ثور وأبو‬
‫حنيفة(‪ . )1‬قال ابن رشد رمحو هللا ‪« :‬وسبب اختالفهم تردد الربح بُت أن يكون‬
‫حكمو حكم ادلال ادلستفاد أو حكم األصل فمن شبهو ابدلال ادلستفاد ابتداء قال‬
‫يستقبل بو احلول ومن شبهو ابألصل وىو رأس ادلال قال حكمو حكم رأس ادلال‬
‫إال أن من شروط ىذا التشبيو أن يكون رأس ادلال قد وجبت فيو الزكاة وذلك ال‬
‫يكون إال إذا كان نصااب ولذلك يضعف قياس الربح على األصل يف مذىب‬
‫مالك ويشبو أن يكون الذي اعتمده مالك هنع هللا يضر يف ذلك ىو تشبيو ربح ادلال‬
‫بنسل الغنم لكن نسل الغنم سلتلف أيضا فيو وقد روى عن مالك مثل قول‬
‫اجلمهور»(‪.)2‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬جزم أبو عمر ابن عبد الرب يف االستذكار أبن مالكا قاس ربح ادلال‬
‫على نسل الغنم قال احلافظ أبو عمر رمحو هللا ‪« :‬وربح ادلال عنده كأصلو خالفا‬
‫لسائر الفوائد وإمنا محلو وهللا أعلم على قياس ربح ادلال على نسل ادلاشية وقوة‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ َٔٓا‪ٚ‬ح انًقرصذ ‪ٔ 271/1‬اَظش االصرزكاس التٍ ػثذ اتش ‪409/3‬‬
‫)‪ (2‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ التٍ سشذ ‪271/1‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪295‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫ذلك األصل عنده وإن كان سلتلفا فيو ألنو روى عن عمر أنو كان أيمر السعاة‬
‫يعدون السخال مع األمهات‪ .‬وقول مالك رمحو هللا يف ربح ادلال الذي ليس‬
‫بنصاب مل يتابعو عليو غَت أصحابو وقاسو على ما ال يشبهو يف أصلو وال فرعو وىو‬
‫أيضا قياس أصل على أصل واألصول ال يرد بعضها إىل بعض وإمنا يرد إىل األصل‬
‫فرعو ‪ ،‬واب﵁ التوفيق»(‪.)1‬‬
‫قال الباحث ‪ :‬مراده ابألصول فيما يظهر يل وهللا أعلم أنواع األموال اليت‬
‫ذبب فيها الزكاة النقدان وادلاشية والزروع وعروض التجارة فإن كل نوع يعد أصال‪.‬‬
‫وقد قاس مالك ربح ادلال من الذىب والفضة على نسل ادلاشية‪.‬‬
‫ادلسألة الثالثة ‪ :‬اشرتاط احلول يف زكاة ادلعدن‬
‫ادلعدن عند احلنفية ركاز والركاز فيو اخلمس وال يشًتط يف إخراج اخلمس منو احلول‬
‫الزكة ربع العشر لكن اختلفوا يف‬
‫بال خالف وليس بركاز عند اجلمهور بل فيو ا‬
‫اشًتاط احلول فيو فلم يشًتطو مالك وأمحد قياسا على الزروع واشًتطو الشافعي يف‬
‫قول قياسا على الترب والفضة(‪ )2‬ادلقتنيُت ‪ .‬قال ابن رشد رمحو هللا ‪«:‬أما ادلسألة‬
‫األوىل وىي ادلعدن إفن الشافعي راعى فيو احلول مع النصاب وأما مالك فراعى‬
‫فيو النصاب دون احلول ‪ .‬وسبب اختالفهم تردد شبهو بُت ما زبرجو األرض شلا‬
‫ذبب فيو الزكاة وبُت الترب والفضة ادلقتنيُت فمن شبهو دبا تخرجو األرض مل يعترب‬

‫)‪ (1‬االصرزكاس التٍ ػثذ اتش ‪410/3‬‬


‫)‪ (2‬اَظش انًجًٕع نهُٕٔ٘ ‪ٔ 168/7‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ َٔٓا‪ٚ‬ح انًقرصذ ‪271 - 270/1‬‬
‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪296‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫أثر ثعارض الأقيسة في اخجلاف الفقهاء أمثلةثطتيقية‬
‫من كجاب العتادات‬
‫احلول فيو ومن شبهو ابلترب والفضة ادلقتنيُت أوجب فيو احلول وتشبيهو ابلترب‬
‫والفضة أبُت ‪ ،‬وهللا أعلم»(‪.)1‬‬
‫وقال القاضي عبد الوىاب ادلالكي رمحو هللا ‪ « :‬ال حول يف زكاة ادلعدن خالفا‬
‫ألحد قويل الشافعي ألنو مستفاد من األرض ذبب فيو الزكاة كالزرع»(‪)2‬وقال‬
‫احلافظ أبو عمر ابن عبد الرب ‪« :‬ومجلة قول مالك يف موطئو أن ادلعادن سلالفة‬
‫للركاز ألهنا ال ينال ما فيها إال ابلعمل خبالف الركاز وال مخس فيها وإمنا فيها‬
‫الزكاة وىي عنده دبنزلة الزرع جيب فيو الزكاة إذا حصل النصاب وال يستأنف بو‬
‫احلول»(‪.)3‬‬
‫قال ابن قدامة رمحو هللا يف االستدالل على عدم اشًتاط احلول يف ادلعدن ‪ « :‬مال‬
‫فاد من األرض فال يعترب يف وجوب حقو حول كالزرع والثمار والركاز» (‪.)4‬‬ ‫مست‬
‫خامتة البحث ‪:‬‬
‫فيما يلي نذكر أىم ما ديكن استخالصو واستفادتو من ىذا البحث ‪:‬‬
‫‪ )1‬التعارض بُت أدلة الشرع تعارض يف الظاىر فقط وسببو خفاء الوجو الذي‬
‫يزيل التعارض بُت الدليلُت على بعض األئمة اجملتهدين ‪.‬‬

‫)‪ (1‬تذا‪ٚ‬ح انًجرٓذ ‪270/1‬‬


‫)‪ (2‬اإلششاف ػهٗ َكد يضائم انخالف نهقاض‪ ٙ‬ػثذ انْٕاب ‪409 /1‬‬
‫)‪ (3‬االصرزكاس التٍ ػثذ انثش ‪487 /3‬‬
‫)‪ (4‬انًغُ‪ ٙ‬التٍ قذايح ‪55/3‬‬
‫الـعـــدد الخامس ‪1437‬هـ ـــ‬ ‫‪297‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬
‫‪2016‬م‬
‫د‪ .‬عز الدين أحمد إةراهيم‬
‫‪ )2‬التعارض بُت قياسُت يعٍت أن أحدمها صحيح واآلخر فاسد غَت أن‬
‫التمييز بُت القياس الصحيح والفاسد أمر اجتهادي يتوقع فيو االختالف‬
‫‪.‬‬

‫‪ )3‬ما يظهر من كثرة التعارض بُت األقيسة يف كتب الفقو ادلقارن مرده إىل‬
‫إكثار الفقهاء من االحتجاج بقياس الشبو والتوسع يف قياس العلة توسعاً‬
‫غَت مرضي ‪.‬‬

‫‪ )4‬رغم كثرة األدلة التفصيلية من النقل يف كتاب العبادات إال أنو ال مناص‬
‫من اللجوء إىل القياس كما يف سائر أبواب وموضوعات الفقو األخرى‬
‫والتعارض بُت األقيسة وارد فيو كغَته من األبواب األخرى فتتولد بذلك‬
‫مجلة من االختالفات الفقهية بُت ادلذاىب ‪.‬‬

‫‪1437‬هـ ـــ‬ ‫الـعـــدد الخامس‬ ‫‪298‬‬ ‫مجلة حوليات كلية الشريعة‬


‫‪2016‬م‬

You might also like