Professional Documents
Culture Documents
إعداد
الحمد لل رب العالين ،والعاقبة للمتقين وال عدوان إال على الظالين ،وصلى هللا على سيدنا
قال الشيخ اإلمام العالم العلمة شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الحلي الشافعي لطف
هللا به آمين( :أما بعد ،هذه ورقات) قليلة (تشتمل على فصول من أصول الفقه) ينتفع به
البتدي وغيره.
(وذلك) أي لفظ أصول الفقه (مؤلف من جزئين) أحدهما أصول واآلخر الفقه( ،مفردين) من
اإلفراد مقابل التركيب ال التثنية والجمع ،والؤلف يعرف بمعرفة ما ألف منه.
(فاألصل) الذي هو مفرد الجزء األول (ما يبنى عليه غيره) كأصل الجدار أي أساسه وأصل
الشجرة أي طرفها الثابت في األرض( .والفرع) الذي هو مقابل األصل (ما بني على غيره) كفروع
(والفقه) الذي هو الجزء الثاني-له معنى لغوي وهو الفهم ،ومعنى شرعي وهو (معرفة األحكام
الشرعية التي طريقها الجتهاد) كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة ،وأن الوتر مندوب ،وأن
النية من الليل شرط في صوم رمضان ،وأن الزكاة واجبة في مال الصبي وغير واجبة في الحلي
الباح ،وأن القتل بمثقل يوجب القصاص ،ونحو ذلك من مسائل الخلف ،بخلف ما ليس
طريقه االجتهاد كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة وأن الزنا محرم ونحو ذلك من السائل
(واألحكام) الرادة فيما ذكر (سبعة :الواجب واملندوب واملباح واملحظور واملكروه والصحيح
والباطل) فالفقه العلم بالواجب والندوب إلى آخر السبعة ،أي بأن هذا الفعل واجب وهذا
1
(فالواجب) من حيث وصفه بالوجوب (ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه) ،ويكفي في صدق
العقاب وجوده لواحد من العصاة مع العفو عن غيره .ويجوز أن يريد "ويترتب العقاب على تركه"
(واملندوب) من حيث وصفه بالندب (ما يثاب على فعله ول يعاقب على تركه)
(واملباح) من حيث وصفه باإلباحة (ما ل يثاب على فعله) وتركه (ول يعاقب على تركه) وفعله
(واملحظور) من حيث وصفه بالحظر أي الحرمة (ما يثاب على تركه) امتثاال (ويعاقب على
فعله) ،ويكفي في صدق العقاب وجوده لواحد من العصاة مع العفو عن غيره .ويجوز أن يريد
(واملكروه) من حيث وصفه بالكراهة (ما يثاب على تركه) امتثاال (ول يعاقب على فعله).
(والصحيح) من حيث وصفه بالصحة (ما يتعلق به النفوذ ويعتد به) بأن استجمع ما يعتبر
فيه شرعا ،عقدا كان أو عبادة( .والباطل) من حيث وصفه بالبطلن (ما ل يتعلق به النفوذ ول
يعتد به) بأن لم يستجمع ما يعتبر فيه شرعا ،عقدا كان أو عبادة .والعقد يتصف بالنفوذ
(والفقه) بالعنى الشرعي (أخص من العلم) لصدق العلم بالنحو وغيره ،فكل فقه علم وليس
(والعلم معرفة املعلوم) أي إدراك ما من شأنه أن يعلم (على ما هو به في الو اقع) كإدراك
اإلنسان بأنه حيوان ناطق( .والجهل تصورالش يء) أي إدراكه (على خالف ما هو به) في الواقع،
كإدراك الفلسفة أن العالم—وهو ما سوى هللا تعالى—قديم ،وبعضهم وصف هذا الجهل
2
بالركب وجعل البسيط عدم العلم بالش يء كعدم علمنا بما تحت األرضين وبما في بطون البحار،
(والعلم الضروري ما لم يقع عن نظر واستدلل كالعلم الو اقع بإحدى الحواس الخمس)
الظاهرة (وهي السمع والبصر واللمس والشم والذوق) فإنه يحصل بمجرد اإلحساس بها من
غير نظر واستدالل( .وأما العلم املكتسب فهو املوقوف على النظر والستدلل) كالعلم بأن
العالم حادث فإنه موقوف على النظر في العالم وما نشاهده فيه من التغير فينتقل من تغيره
إلى حدوثه.
(والنظرهو الفكرفي حال املنظورفيه) ليؤدي إلى الطلوب( ،والستدلل طلب الدليل) ليؤدي
إلى الطلوب ،فمؤدى النظر واالستدالل واحد فجمع الصنف بينهما في اإلثبات والنفي تأكيدا.
(والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر) عند الجوز( ،والشك تجويز أمرين ل مزية
ألحدهما على اآلخر عند الجمهور ،فالتردد في قيام زيد ونفيه على السواء شك ،ومع رجحان
(وأصول الفقه) الذي وضع فيه هذه الورقات (طرقه) أي طرق الفقه (على سبيل اإلجمال)
كمطلق األمر والنهي وفعل النبي ﷺ واإلجماع والقياس واالستصحاب من حيث البحث عن أولها
بأنه للوجوب والثاني بأنه للحرمة والباقي بأنها حجج وغير ذلك مما سيأتي مع ما يتعلق به،
بخلف طرقه على سبيل التفصيل نحو {و أقيموا الصالة} {ول تقربوا الزنا} {وصلته ﷺ في
الكعبة} كما أخرجه الشيخان .واإلجماع على أن لبنت االبن السدس مع بنت الصلب حيث ال
عاصب لهما ،وقياس األرز على البر في امتناع بيع بعضه ببعض إال مثل بمثل يدا بيد كما رواه
3
مسلم ،واستصحاب الطهارة لن شك في بقائها فليست من أصول الفقه وإن ذكر بعضها في
كتبه تمثيل.
(وكيفية الستدلل بها) أي بطرق الفقه من حيث تفصيلها عند تعارضها لكونها ظنية من
تقديم الخاص على العام والقيد على الطلق وغير ذلك .وكيفية االستدالل بها تجر إلى صفات
من يستدل بها وهو الجتهد .فهذه الثلثة هي الفن السمى بأصول الفقه لتوقف الفقه عليه.
(و أبواب أصول الفقه :أقسام الكالم واألمر والنهي والعام والخاص) ويذكر فيه الطلق
والقيد (واملجمل واملبين والظاهر) وفي بعض النسخ "والؤول" وسيأتي( ،واألفعال والناسخ
واملنسوخ واإلجماع واألخبار والقياس والخظر واإلباحة وترتيب األدلة وصفة املفتي
(فأما أقسام الكالم فأقل ما يتركب منه الكالم اسمان) نحو زيد قائم (أو اسم وفعل) نحو
قام زيد (أو فعل وحرف) نحو ما قام ،أثبته بعضهم ولم يعد الضمير في "قام" الراجع إلى زيد
مثل لعدم ظهوره والجمهور على عده كلمة( ،أو اسم وحرف) وذلك في النداء نحو يا زيد وإن كان
(والكالم ينقسم إلى أمر ونهي) نحو قم وال تقعد(وخبر) نحو جاء زيد (واستخبار) وهو
(وينقسم أيضا إلى تمن) نحو ليت الشباب يعود (وعرض) نحو أال تنزل عندنا (وقسم) نحو
(ومن وجه آخر ينقسم إلى حقيقة ومجاز ،فالحقيقة ما بقي في الستعمال على موضوعه،
وقيل ما استعمل فيما اصطلح عليه من املخاطبة) وإن لم يبق على موضوعه كالصلة في
4
الهيئة الخصوصة فإنه لم يبق على موضوعه اللغوي وهو الدعاء بخير ،والدابة لذات األربع
(واملجاز ما تجوز) أي تعدى به (عن موضوعه) هذا على العنى األول للحقيقة وإلى الثاني ما
(فالحقيقة إما لغوية) بأن وضعها أهل اللغة كاألسد للحيوان الفترس (وإما شرعية) بأن
وضعها الشارع كالصلة للعبادة الخصوصة (وإما عرفية) بأن وضعها أهل العرف العام كالدابة
لذات األربع كالحمار وهي لغة لكل ما يدب على األرض ،أو الخاص كالفاعل للسم الرفوع عند
النحاة .وهذا التقسيم ماش على التعريف الثاني للحقيقة دون األول القاصر على اللغوية.
(واملجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة ،فاملجاز بالزيادة مثل قوله تعالى
{ليس كمثله ش يء}) فالكاف زائدة وإال فهي بمعنى مثل فيكون له تعالى مثل وهو محال ،والقصد
بهذا الكلم نفيه( .واملجاز بالنقصان مثل قوله تعالى {واسأل القرية}) أي أهل القرية ،وقرب
صدق تعريف الجاز على ما ذكر بأنه استعمل نفي مثل الثل في نفي الثل وسؤال القرية في
سؤال أهلها( .واملجاز بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان) نقل إليه عن حقيقته وهي
الكان الطمئن من األرض تقض ى فيه الحاجة بحيث ال يتبادر منه عرفا إال الخارج( .واملجاز
بالستعارة كقوله تعالى {جدار يريد أن ينقض}) أي يسقط فشبه ميله إلى السقوط بإرادة
السقوط التي هي من صفات الحي دون الجماد .والجاز البني على التشبيه يسمى استعارة.
(واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) فإن كان االستدعاء من
الساوي سمي التماسا أو من األعلى سمي سؤاال وإن لم يكن على سبيل الوجوب بأن جوز الترك
5
(وصيغته) الدالة عليه (افعل) نحو اضرب وأكرم واشرب( ،وهي عند اإلطالق والتجرد عن
القرينة) الصارفة عن طلب الفعل (تحمل عليه) أي على الوجوب نحو {وأقيموا الصلة} (إل
ما دل الدليل على أن املراد منه الندب أو اإلباحة فيحمل عليه) أي على الندب أو اإلباحة.
مثال الندب {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} ،ومثال اإلباحة {وإذا حللتم فاصطادوا} ،وقد
(ول يقتض ي التكرار على الصحيح) ألن ما قصد من تحصيل الأمور به يتحقق بالرة الواحدة،
واألصل براءة الذمة مما زاد عليها( .إل إذا دل الدليل على قصد التكرار) فيعمل به كاألمر
بالصلوات الخمس واألمر بصوم رمضان .ومقابل الصحيح أنه يقتض ي التكرار فيستوعب
الأمور بالطلوب ما يمكنه من زمان العمر حيث ال بيان ألمد الأمور به النتفاء مرجح بعضه على
بعض.
(ول يقتض ي الفورألن الغرض منه إيجاد الفعل من غيراختصاص بالزمان األول دون الزمان
الثاني) ،وقيل يقتض ي الفور ،وعلى ذلك بني قول من قال يقتض ي التكرار( .واألمربإيجاد الفعل
أمر به وبما ل يتم الفعل إل به كاألمر بالصالة أمر بالطهارة املؤدية إليها) فإن الصلة ال تصح
بدون الطهارة( .وإذا فعل) بالبناء الفعول أي الأمور به (يخرج املأمور عن العهدة) أي عهدة
(الذي يدخل في األمر والنهي وما ل يدخل) هذه ترجمة (يدخل في خطاب للا تعالى املؤمنون)
وسيأتي الكلم في الكفار (والساهي والصبي واملجنون غيرداخلين في الخطاب) النتفاء التكليف
عنهم ،ويؤمر الساهي بعد ذهاب السهو عنه بجبر خلل السهو كقضاء ما فاته من الصلة
6
(والكفار مخاطبون بفروع الشر ائع وبما ل تصح إل به وهو اإلسالم لقوله تعالى حكاية عن
الكفار {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من املصلين}) وفائدة خطابهم بها عقابهم عليها إذ ال
تصح منهم حال الكفر لتوقفها على النية التوقفة على اإلسلم وال يؤاخذون بها بعد اإلسلم
ترغيبا فيه.
(واألمر بالش يء نهي عن ضده ،والنهي عن الش يء أمر بضده) فإذا قال له "اسكن" كان ناهيا
(والنهي استدعاء) أي طلب (الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) ،على وزان ما
تقدم من حد األمر( .ويدل) النهي الطلق شرعا (على فساد املنهي عنه) في العبادات ،سواء نهي
عنها لعينها كصلة الحائض وصومها أو ألمر الزم لها كصوم يوم النحر والصلة في األوقات
الكروهة ،وفي العاملت إن رجع إلى نفس العقد كما في بيع الحصاة ،أو ألمر داخل فيه كبيع
اللقيح ،وألمر خارج عنه الزم له كما في بيع درهم بدرهمين ،فإن كان غير الزم له كالوضوء بالاء
الغصوب مثل وكالبيع وقت نداء الجمعة لم يدل على الفساد خلفا لا يفهمه كلم الصنف.
(وترد) أي توجد (صيغ األمرواملراد به) أي باألمر (اإلباحة) كما تقدم( ،أو التهديد نحو {اعملوا
ما شئتم} ،أو التسوية نحو {فاصبروا أو ل تصبروا} ،أو التكوين نحو {كونوا قردة}).
(وأما العام فهو ما عم شيئين فصاعدا) من غير حصر (من قوله "عممت زيدا وعمرا
بالعطاء" و"عممت جميع الناس بالعطاء") أي شملتهم به ،ففي العام شمول.
(وألفاظه) الوضوعة له (أربعة :اإلسم الواحد املعرف باأللف والالم نحو {إن اإلنسان لفي
خسرإل الذين آمنوا} ،واسم الجمع املعرف بالالم نحو {فاقتلوا املشركين})
(واألسماء املبهمة كمن فيمن يعقل) كـ"من دخل داري فهو آمن"( ،وما فيما ل يعقل) نحو "ما
جاءني منك أخذته"( ،وأي) استفهامية أو شرطية أو موصولة (في الجميع) أي من يعقل وما ال
7
يعقل نحو "أي عبيدي جاءك أحسن إليه" و"أي األشياء أردت أعطيتكه"( ،و أين في املكان) نحو
"أين ما تكن أكن معك"( ،ومتى في الزمان) نحو "متى شئت جئتك"( ،وما في الستفهام) نحو
"ما عندك؟" (والجزاء) نحو "ما تعمل تجز به" ،وفي نسخة "والخبر" بدل "الجزاء" نحو "علمت
ما عملت" (وغيره) كالخبر على النسخة األولى والجزاء على الثانية( ،ول في النكرات) نحو "ال رجل
في الدار".
(والعموم من صفات النطق ول يجوزدعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه) كما
في جمعه ﷺ بين صلتين في السفر—رواه البخاري—فإنه ال يعم السفر الطويل والقصير،
فإنه إنما يقع في واحد منهما ،وكما في قضائه بالشفعة للجار—رواه النسائي عن الحسن
(والخاص يقابل العام) فيقال فيه ما ال يتناول شيئين فصاعدا من غير حصر نحو رجل ورجلين
وثلثة رجال.
(والتخصيص تمييز بعض الجملة) أي إخراجه كإخراج العاهدين من قوله تعالى {فاقتلوا
الشركين}( .وهو ينقسم إلى متصل ومنفصل ،فاملتصل الستثناء) وسيأتي مثاله( ،والشرط)
نحو "أكرم بني تميم إن جاؤوك" أي الجائين منهم( ،والتقييد بالصفة) نحو "أكرم بني تميم
الفقهاء".
(والستثناء إخراج ما لوله لدخل في الكالم) نحو "جاء القوم إال زيدا"( .و إنما يصح الستثناء
بشرط أن يبقى من املستثنى منه ش يء) نحو "له علي عشرة إال تسعة" ،فلو قال "إال عشرة" لم
يصح وتلزمه العشرة( .ومن شرطه أن يكون متصال بالكالم) فلو قال "جاء الفقهاء" ثم قال
بعد يوم "إال زيدا" لم يصح( .ويجوز تقديم املستثنى على املستثنى منه) نحو "ما نام إال زيدا
8
أحد"( ،ويجوز الستثناء من الجنس) كما تقدم (ومن غيره) نحو "جاء القوم إال الحمير".
(والشرط) الخصص (يجوزأن يتقدم على املشروط) نحو "إن جاءك بنو تميم فأكرمهم".
(واملقيد بالصفة يحمل عليه املطلق كالرقبة قيدت باإليمان في بعض املواضع) كما في كفارة
القتل (وأطلقت في بعض املواضع) كما في كفارة الظهار (فيحمل املطلق على املقيد) احتياطا.
(ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب) نحو قوله تعالى {وال تنكحوا الشركات} وخص بقوله تعالى
كتخصيص قوله تعالى {يوصيكم هللا في أوالدكم} إلى آخر اآلية الشامل للولد الكافر بحديث
الصحيحين {ال يرث السلم الكافر وال الكافر السلم}( .وتخصيص السنة بالكتاب)
كتخصيص حديث الصحيحين {ال يقبل هللا صلة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ} بقوله تعالى
{وإن كنتم مرض ى} إلى قوله {فلم تجدوا ماء فتيمموا} وإن وردت السنة بالتيمم أيضا بعد نزول
اآلية( .وتخصيص السنة بالسنة) كتخصيص حديث الصحيحين {فيما سقت السماء العشر}
بحديثهما {ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة}( .وتخصيص النطق بالقياس ،ونعني بالنطق
قول للا تعالى وقول الرسول ﷺ) ألن القياس يستند إلى النص من كتاب أو سنة فكأنه
الخصص.
(واملجمل ما يفتقر إلى البيان) نحو {ثلثة قروء} فإنه يحتمل األطهار والحيض الشتراك القرء
بين الحيض والطهر( .والبيان إخراج الش يء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي) اي االتضاح،
والبين هو النص.
(والنص ما ل يحتمل إل معنى واحدا) كزيد في "رأيت زيدا"( .وقيل ما تأويله تنزيله) نحو
{فصيام ثلثة أيام} فإنه بمجرد ما ينزل يفهم معناه( .وهو مشتق من منصة العروس وهو
الكرس ي) الرتفاعه على غيره في فهم معناه من غير توقف( .والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما
9
أظهرمن اآلخر) كاألسد في "رأيت اليوم أسدا" فإنه ظاهر في الحيوان الفترس ألن العنى الحقيقي
محتمل للرجل الشجاع بدله ،فإن حمل اللفظ على العنى اآلخر سمي مؤوال .وإنما يؤول بالدليل
كما قال( :ويؤول الظاهر بالدليل ،ويسمى ظاهرا بالدليل) كما يسمى مؤوال ،ومنه قوله تعالى
{والسماء بنيناها بأييد} ظاهره جمع يد وذلك محال في حق هللا تعالى فصرف إلى معنى القوة
(األفعال) هذه ترجمة( ،فعل صاحب الشريعة) يعني النبي ﷺ (ل يخلو إما أن يكون على وجه
القربة والطاعة) أو ال يكون ،فإن كان على وجه القربة والطاعة (فإن دل دليل على
الختصاص به يحمل على الختصاص) كزيادته ﷺ في النكاح على أربع نسوة( ،وإن لم يدل ل
يختص به ألن للا تعالى قال {لقد كان لكم في رسول للا أسوة حسنة} فيحمل على الوجوب
عند بعض أصحابنا) في حقه وحقنا ألنه األحوط( ،ومن أصحابنا من قال يحمل على الندب)
ألنه التحقق بعد الطلب( ،ومنهم من قال يتوقف فيه) لتعارض األدلة في ذلك( .وإن كان على
وجه غير وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا).
(و إقرار صاحب الشريعة على القول من أحد هو قول صاحب الشريعة) أي كقوله ﷺ،
(و إقراره على الفعل) من أحد (كفعله) ألنه معصوم عن أن يقر أحدا على منكر ،مثال ذلك
إقراره ﷺ أبا بكر على قوله بإعطاء سلب القتيل لقاتله وإقراره خالد بن الوليد على أكل الضب،
متفق عليهما.
(وما فعل في وقته ﷺ في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في مجلسه)
كعلمه بحلف أبي بكر رض ي هللا عنه أنه ال يأكل الطعام في وقت غيظه ثم أكل لا رأى األكل خيرا
10
(وأما النسخ فمعناه) لغة (اإلزالة) يقال نسخت الشمس الظل إذا أزالته ورفعته بانبساطها،
(وقيل معناه النقل ،من قولهم نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلته) بأشكال كتابته( .وحده)
شرعا (الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب املتقدم على وجه لوله لكان ثابتا
ويؤخذ منه حد النسخ بأنه "رفع الحكم الذكور بخطاب إلى آخره" أي رفع تعلقه بالفعل ،فخرج
بقوله "الثابت بالخطاب" رفع الحكم الثابت بالبراءة األصلية أي عدم التكليف بالش يء ،وبقولنا
"بخطاب" الأخوذ من كلمه الرفع بالوت والجنون .وبقوله "على وجه إلى آخره" ما لو كان
الخطاب األول مغيا بغاية أو معلل بمعنى وصرح الخطاب الثاني بمقتض ى ذلك فإنه ال يسمى
ناسخا للول ،مثاله قوله تعالى {إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر هللا وذروا
البيع} فتحريم البيع مغيا بانقضاء الجمعة فل يقال إن قوله تعالى {فإذا قضيت الصلة
فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل هللا} ناسخا للول بل بين غاية التحريم ،وكذا قوله تعالى
{وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} ال يقال نسخه قوله تعالى {وإذا حللتم فاصطادوا} ألن
التحريم لإلحرام وقد زال .وخرج بقوله "مع تراخيه عنه" ما اتصل بالخطاب من صفة أو شرط
أو استثناء.
(ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم) نحو {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة} ،قال عمر
رض ي هللا عنه :فإنا قد قرأناها – رواه الشافعي وغيره ،وقد رجم ﷺ الحصنين – متفق عليه،
وهما الراد بالشيخ والشيخة( .ونسخ الحكم وبقاء الرسم) نحو {والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا وصية ألزواجهم متاعا إلى الحول} نسخ بآية {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}.
ونسخ األمرين معا نحو حديث مسلم عن عائشة رض ي هللا عنها {كان فيما أنزل عشر رضعات
11
(وينقسم النسخ إلى بدل وإلى غير بدل) ،األول كما في نسخ استقبال بيت القدس باستقبال
الكعبة وسيأتي ،والثاني كما في نسخ قوله تعالى {إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم
صدقة}( ،وإلى ما هو أغلظ) كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية إلى تعيين الصوم ،قال
هللا تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية} إلى قوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}( ،وإلى ما هو
أخف) كنسخ قوله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} بقوله تعالى {فإن تكن
(ويجوزنسخ الكتاب بالكتاب) كما تقدم في آيتي العدة وآيتي الصابرة( ،ونسخ السنة بالكتاب)
كما تقدم في نسخ استقبال بيت القدس الثابتة بالسنة الفعلية كما في حديث الصحيحين
بقوله تعالى {فول وجهك شطر السجد الحرام}( ،وبالسنة) نحو حديث مسلم {كنت نهيتكم
عن زيارة القبور فزوروها} ،وسكت عن نسخ الكتاب بالسنة وقد قيل بجوازه ومثل له بقوله
تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الوت إن ترك خيرا الوصية للوالدين واألقربين} مع حديث
الترمذي وغيره {ال وصية لوارث} .واعترض بأنه خبر واحد وسيأتي أنه ال ينسخ التواتر باآلحاد.
وفي نسخة "وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة" أي بخلف تخصيصه بها كما تقدم ألن التخصيص
أهون من النسخ.
(ويجوز نسخ املتواتر باملتواتر ونسخ اآلحاد باآلحاد وباملتواتر ،ول يجوز نسخ املتواتر)
كالقرآن (باآلحاد) ألنه دونه في القوة ،والراجح جواز ذلك ألن محل النسخ هو الحكم والداللة
(فصل في التعارض ،إذا تعارض نطقان فال يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين أو أحدهما
12
(فإن كانا عامين فإن أمكن الجمع بينهما جمع) بحمل كل منهما على حال ،مثاله حديث {شر
الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد} وحديث {خير الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد}
فحمل األول على ما إذا كان من له الشهادة عالا بها والثاني على ما إذا لم يكن عالا بها .والثاني
رواه مسلم بلفظ {أال أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها} ،واألول متفق
على معناه في حديث {خيركم قرني ثم الذي يلونهم} إلى قوله {ثم يكون بعدهم قوم يشهدون قبل
أن يستشهدوا}( .وإن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ) أي إلى أن يظهر
مرجح أحدهما ،مثاله قوله تعالى {أو ما ملكت أيمانهم} وقوله تعالى {وأن تجمعوا بين األختين}
فاألول يجوز جمع األختين بملك اليمين والثاني يحرم ذلك ،فرجح التحريم ألنه أحوط( .فإن
علم التاريخ فينسخ املتقدم باملتأخر) كما في آيتي عدة الوفاة وآيتي الصابرة وقد تقدمت األربع.
(وكذا إن كانا خاصين) أي فإن أمكن الجمع بينهما جمع كما في حديث {أنه توضأ وغسل رجليه}
وهذا مشهور في الصحيحين وغيرهما وحديث {أنه ﷺ توضأ ورش الاء على قدميه وهما في
النعلين} رواه النسائي والبيهقي وغيرهما ،فجمع بينهما بأن الرش في حال التجديد لا في بعض
الطرق {أن هذا وضوء من لم يحدث} ،وإن لم يمكن الجمع بينهما ولم يعلم التاريخ يتوقف فيهما
إلى ظهور مرجح ألحدهما ،مثاله ما جاء {أنه ﷺ سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
فقال "ما فوق اإلزار"} رواه أبو داود وجاء أنه ﷺ قال {اصنعوا كل ش يء إال النكاح) أي الوطء
رواه مسلم ،ومن جملته الوطء فيما فوق اإلزار ،فتعارضا فيه فرجح بعضهم التحريم احتياطا
وبعضهم الحل ألنه األصل في النكوحة .وإن علم التاريخ نسخ التقدم بالتأخر كما تقدم في
(وإن كان أحدهما عاما واآلخرخاصا فيخص العام بالخاص) كتخصيص حديث الصحيحين
{فيما سقت السماء العشر} بحديثهما {ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة} كما تقدم.
13
(وإن كان كل واحد منهما عاما من وجه وخاصا من وجه فيخص عموم كل واحد منهما
بخصوص اآلخر) بأن يمكن ذلك مثاله حديث أبي داود وغيره {إذا بلغ الاء قلتين فإنه ال ينجس)
مع حديث ابن ماجه وغيره {الاء ال ينجسه ش يء إال ما غلب على ريحه وطعمه ولونه} فاألول
خاص بالقلتين عام في التغير وغيره ،والثاني خاص في التغير عام في القلتين وما دونها فخص
عموم األول بخصوص الثاني حتى يحكم بأن ماء القلتين ينجس بالتغير ،وخص عموم الثاني
بخصوص األول حتى يحكم بأن ما دون القلتين ينجس وإن لم يتغير .فإن لم يمكن تخصيص
عموم كل منهما بخصوص اآلخر احتيج إلى الترجيح بينهما فيما تعارضا فيه ،مثاله حديث
البخاري {من بدل دينه فاقتلوه} وحديث الصحيحين {أنه نهى عن قتل النساء} فاألول عام في
الرجال والنساء خاص بأهل الردة ،والثاني خاص بالنساء عام في الحربيات والرتدات ،فتعارضا
(وأما اإلجماع فهو اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة) فل يعتبر وفاق العوام لهم،
(ونعني بالعلماء الفقهاء) فل يعتبر موافقة األصوليين لهم( ،ونعني بالحادثة الحادثة
الشرعية) ألنها محل نظر الفقهاء بخلف اللغوية مثل فإنما يجمع فيها علماء اللغة( .وإجماع
هذه األمة حجة دون غيرها لقوله ﷺ {ل تجتمع أمتي على ضاللة}) رواه الترمذي وغيره،
(والشرع ورد بعصمة هذه األمة) لهذا الحديث ونحوه( ،واإلجماع حجة على العصر الثاني)
(ول يشترط) في حجيته (انقراض العصر) بأن يموت أهله (على الصحيح) لسكوت أدلة
الحجية عنه ،وقيل يشترط لجواز أن يطرأ لبعضهم ما يخالف اجتهاده فيرجع عنه وأجيب بأنه
ال يجوز له الرجوع عنه إلجماعهم عليه( .فإن قلنا انقراض العصر شرط فيعتبر) في انعقاده
اإلجماع (قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل الجتهاد ،ولهم) على هذا القول (أن
14
(واإلجماع يصح بقولهم وبفعلهم) كأن يقولوا بجواز ش يء أو يفعلوه فيدل فعلهم له على جوازه
لعصمتهم كما تقدم( ،وبقول البعض وفعل البعض و انتشار ذلك القول أو الفعل وسكوت
(وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول الجديد ،وفي القديم حجة)
(وأما األخبار ،فالخبرما يدخله الصدق والكذب) الحتماله لهما من حيث إنه خبر كقولك "قام
زيد" يحتمل أن يكون صدقا وأن يكون كذبا ،وقد يقطع بصدقه أو كذبه ألمر خارجي ،األول
(والخبر ينقسم إلى قسمين :آحاد ومتواتر .فاملتواتر ما يوجب العلم وهو أن يروي جماعة ل
يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم) وهكذا (إلى أن ينتهي إلى املخبر عنه ،فيكون في األصل
عن مشاهدة أو سماع ل عن اجتهاد) كاإلخبار عن مشاهدة مكة أو سماع خبر هللا تعالى من
(واآلحاد) وهو مقابل التواتر (هو الذي يوجب العمل ول يوجب العلم) الحتمال الخطأ فيه.
(وينقسم إلى قسمين :مرسل ومسند .فاملسند ما اتصل إسناده) بأن صرح بروايته كلهم.
(واملرسل ما لم يتصل إسناده) بأن أسقط بعض رواته( ،فإن كان من مراسيل غير الصحابة
رض ي للا عنهم فليس بحجة) الحتمال أن يكون الساقط مجروحا (إل مراسيل سعيد بن
املسيب) من التابعين أسقط الصحابي وعزاها للنبي ﷺ فهي حجة (فإنها فتشت) أي فتش
(عنها فوجدت مسانيد) أي رواها له الصحابي الذي أسقطه (عن النبي ﷺ) وهو في الغالب
صهره أبو زوجته أبو هريرة رض ي هللا عنه .أما مراسيل الصحابة بأن يروي صحابي عن صحابي
15
(واملعنعنة) بأن يقال حدثنا فلن عن فلن إلى آخره (تدخل على اإلسناد) أي على حكمه فيكون
(وإذا قرأ الشيخ) وغيره يسمعه (يجوز للراوي أن يقول "حدثني" و"أخبرني" ،وإن قرأ هو على
الشيخ يقول "أخبرني" ول يقول حدثني) ألنه لم يحدثه ،ومنهم من أجاز "حدثني" ،وعليه عرف
أهل الحديث ألن القصد اإلعلم بالرواية عن الشيخ( .وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول
(وأما القياس فهو رد الفرع إلى األصل بعلة تجمعهما في الحكم) كقياس األرز على البر في الربا
بجامع الطعم( .وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام :إلى قياس علة وقياس دللة وقياس شبه).
(فقياس العلة ما كانت العلة فيه موجبة للحكم) بحيث ال يحسن عقل تخلفه عنها كقياس
الضرب على التأفيف للوالدين في التحريم بعلة اإليذاء( .وقياس الدللة هو الستدلل بأحد
النظيرين على اآلخر ،وهو أن تكون العلة دالة على الحكم ول تكون موجبة للحكم) كقياس
مال الصبي على مال البالغ في وجوب الزكاة فيه بجامع أنه مال نام ،ويجوز أن يقال ال تجب في
مال الصبي كما قال به أبو حنيفة( .وقياس الشبه هو الفرع املتردد بين أصلين) فيلحق
بأكثرهما شبها كما في العبد إذا أتلف فإنه متردد في الضمان بين اإلنسان الحر من حيث أنه
آدمي وبين البهيمة من حيث أنه مال ،وهو بالال أكثر شبها من الحر بدليل أنه يباع ويورث
(ومن شرط الفرع أن يكون مناسبا للصل) فيما يجمع به بينهما للحكم ،أي أن يجمع بينهما
بمناسب للحكم.
(ومن شرط األصل أن يكون ثابتا بدليل متفق عليه بين الخصمين) ليكون القياس حجة على
الخصم ،فإن لم يكن خصم فالشرط ثبوت حكم األصل بدليل يقول به القياس.
16
(ومن شرط العلة أن تطرد في معلولتها ول تنتقض لفظا ول معنى) فمتى انتقضت لفظا بأن
صدقت األوصاف العبر بها عنها في صورة بدون الحكم ،أو معنى بأن وجد العنى العلل به في
صورة بدون الحكم فسد القياس ،األول كأن يقال في القتل بالثقل أنه قتل عمد عدوان فيجب
به القصاص كالقتل بالحدد فينتقض ذلك بقتل الوالد ولده فإنه ال يجب به القصاص ،والثاني
كأن يقال تجب الزكاة في الواش ي لدفع جاحة الفقير ،فيقال ينتقض ذلك بوجوده في الجواهر
(ومن شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات) أي تابعا لها في ذلك ،إن وجدت
وجد وإن انتفت انتفى( .والعلة هي الجالبة للحكم) بمناسبتها له (والحكم هو املجلوب للعلة)
لا ذكر.
(وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من يقول إن األشياء) بعد البعثة (على الحظر) أي على
صفة الحظر (إل ما أباحته الشريعة ،فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على اإلباحة يتمسك
باألصل وهو الحظر .ومن الناس من يقول بضده وهو أن األصل في األشياء) بعد البعثة (أنها
على اإلباحة إل ما حظره الشرع) ،والصحيح التفصيل وهو أن الضار على التحريم والنافع
على الحل .أما قبل البعثة فل حكم يتعلق بأحد النتفاء الرسول الوصل إليه.
(ومعنى استصحاب الحال) الذي يحتج به كما سيأتي (أن يستصحب األصل) أي العدم
األصلي (عند عدم الدليل الشرعي) بأن لم يجده الجتهد بعد البحث عنه بقدر الطاقة ،كأن لم
يجد دليل على وجوب صوم رجب فيقول ال يجب باستصحاب الحال أي العدم األصلي ،وهو
حجة جزما .أما االستصحاب الشهور الذي هو ثبوت أمر في الزمن الثاني لثبوته في األول فحجة
عندنا دون الحنفية ،فل زكاة عندنا في عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة باالستصحاب.
17
(وأما األدلة فيقدم الجلي منها على الخفي) وذلك كالظاهر والؤول فيقدم اللفظ في معناه
الحقيقي على معناه الجازي( ،واملوجب للعلم على املوجب للظن) وذلك كالتواتر واآلحاد
فيقدم األول إال أن يكون عاما فيخص بالثاني كما تقدم من تخصيص الكتاب بالسنة.
(والنطق) من كتاب أو سنة (على القياس) إال أن يكون النطق عاما فيخص بالقياس كما تقدم.
(والقياس الجلي على الخفي) وذلك كقياس العلة على قياس الشبه( ،فإن وجد في النطق) من
كتاب أو سنة (ما يغيراألصل) أي العدم األصلي الذي يعبر عن استصحابه باستصحاب الحال
فواضح أنه يعمل بالنطق( ،وإل) أي وإن لم يوجد ذلك (فيستصحب الحال) أي العدم األصلي
(ومن شرط املفتي) وهو الجتهد (أن يكون عاملا بالفقه أصال وفرعا خالفا ومذهبا) أي بمسائل
الفقه وقواعده وفروعه ،وبما فيها من الخلف ليذهب إلى قول منه وال يخالفه بأن يحدث قوال
آخر الستلزام اتفاق من قبله بعدم ذهابهم إليه على نفيه( .وأن يكون كامل اآللة في الجتهاد
عارفا بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال) الراوين للخبار
ليأخذ برواية القبول منهم دون الجروح( ،وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة
فيها) ليوافق ذلك في اجتهاده وال يخالفه .وما ذكره من قوله "عارفا" إلى آخره من جملة آلة
(ومن شرط املستفتي أن يكون من أهل التقليد ،فيقلد املفتي في الفتيا) فإن لم يكن الشخص
من أهل التقليد بأن كان من أهل االجتهاد فليس له أن يستفتي كما قال( :وليس للعالم) أي
(والتقليد قبول قول القائل بال حجة) يذكرها( ،فعلى هذا قبول قول النبي ﷺ) فيما يذكره
من األحكام يسمى تقليدا( .ومنهم من قال التقليد قبول قول القائل و أنت ل تدري من أين
قاله) أي ال تعلم مأخذه في ذلك( ،فإن قلنا إن النبي ﷺ كان يقول بالقياس) بأن يجتهد (فيجوز
18
أن يسمى قبول قوله تقليدا) الحتمال أن يكون عن اجتهاد ،وإن قلنا إنه ال يجتهد وإنما يقول
عن وحي {وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى} فل يسمى قبول قوله تقليدا الستناده إلى
الوحي.
(وأما الجتهاد فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض) القصود من العلم ليحصل له( .واملجتهد إن
كان كامل اآللة في الجتهاد) كما تقدم فإن اجتهد (في الفروع وأصاب فله أجران) على اجتهاده
وإصابته (وإن اجتهد) فيها (وأخطأ فله أجر واحد) على اجتهاده ،وسيأتي دليل ذلك( .ومنهم من
قال كل مجتهد في الفروع مصيب) بناء على حكم هللا تعالى في حقه وحق مقلده ما أدى إليه
اجتهاده.
(ول يجوز) أن يقال (كل مجتهد في األصول الكالمية) أي العقائد (مصيب ألن ذلك يؤدي إلى
تصويب أهل الضاللة من النصارى) في قولهم بالتثليث (واملجوس) في قولهم باألصلين للعالم
النور والظلمة (والكفار) في نفيهم التوحيد وبعثة الرسل والعاد في اآلخرة (وامللحدين) في نفيهم
صفاته تعالى كالكلم وخلقه أفعال العباد وكونه مرئيا في اآلخرة وغير ذلك.
(ودليل من قال ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا قوله ﷺ {من اجتهد وأصاب فله أجران
ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد} وجه الدليل أن النبي خطأ املجتهد تارة وصوبه أخرى)،
والحديث رواه الشيخان ،ولفظ البخاري {إذا اجتهد الحاكم فحكم فأصاب فله أجران وإذا
والحمد لل رب العالين وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى
يوم الدين .سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على الرسلين والحمد لل رب العالين.
19
فهرس املوضوعات