You are on page 1of 12

‫مقدمة‬

‫الحمدللله رب العالمين‪ ،‬الرحمان الرحيم‪ ،‬ملك يوم الدين‪ ،‬و الصالة‬


‫والسالم على اشرف األنبياء و المرسلين‪ ،‬نبينا محمد و على اله و صحبه‬
‫اجمعين‪ ،‬و بعد‪...‬‬
‫فقد بدات ترد األسئلة و االستفتاءات حول ما يفعله بعض األزواج‬
‫من اصدار وثيقة رسمية امام الجهات النظامية و القضائية مع استمرار‬
‫عالقته الزوجية‪ ،‬الجل الحصول على بعض االستحقاقات النفعية او‬
‫اإلعانات المالية غير المستحقة نظاما اال بثبوت الطالق‪.‬‬
‫وتلبية للحاجة لبيان حكم هذا الطالق الصوري من حيث الحل و الحرمة‬
‫‪،‬ومن حيث الوقوع و عدمه ‪،‬ولتوضيح تأثير هذه الوثيقة على عقد‬
‫الزوجية جاءت هذه الدراسة المعنونة ب‪[:‬الطالق الصوري ‪،‬حقيقته و‬
‫حكمه في الفقه اإلسالمي]‪.‬‬

‫أهمية البحث و أسباب اختياره‪:‬‬


‫‪-1‬الطالق الصوري نازلة حديثة بدأت تظهر في المجتمعات اإلسالمية‬
‫عموما و بين األقليات المسلمة في البالد الكافرة على وجه الخصوص‪،‬‬
‫مما يستدعي سرعة النظر في حكمها ‪.‬‬
‫‪-2‬عظم شأن هذه النازلة ‪ ،‬الرتباطها باألبضاع و الفروج‪ ،‬و حفظ‬
‫العرض من الضروريات الخمس التي اعتنت بها الشريعة‪.‬‬
‫اهداف البحث ‪:‬‬
‫‪-1‬بيان حقيقة الطالق الصوري‬
‫‪-2‬تقديم دراسة فقهية تبين حكم وقوع الطالق الصوري في جميع صوره‬
‫‪-3‬االسهام العلمي بوضع لبنة أولية لدراسة مسالة مهمة و قضية ملحة‬
‫تستدعي تكاثف الجهود و تقديم الدراسات و البحوث‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫انتظم البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة‬
‫المقدمة‪ :‬فيها أهمية الموضوع واهداف البحث‬
‫❖المبحث األول‪ :‬حقيقة الطالق الصوري‪ ،‬وفيه ثالث مطالب‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف الطالق الصوري‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬ ‫•‬
‫▪ الفرع األول‪ :‬تعريف الطالق الصوري بالنظر الى مفرداته‬
‫▪ الفرع الثاني‪ :‬تعريف الطالق الصوري مركبا‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دوافع الطالق الصوري‬ ‫•‬
‫المطلب الثالث‪ :‬صور الطالق الصوري‬ ‫•‬
‫❖المبحث الثاني‪ :‬حكم الطالق الصوري‪ ،‬وفيه مطلبين‬
‫المطلب األول‪ :‬الحكم التكليفي للطالق الصوري‬ ‫•‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحكم الوضعي للطالق الصوري‬ ‫•‬
‫الخاتمة‬
‫املطلب األول‪:‬‬

‫تعريف الطالق الصوري‪:‬‬

‫و فيه ثالث فروع‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الطالق الصوري ابلنظر اىل مفرداته‪:‬‬

‫تعريف الطالق‪:‬‬

‫لغة‪ :‬اسم مصدر من الفعل طلق‪ ،‬يقال‪ :‬طلق الرجل امرأته تطليقا‪ ،‬وطلقت هي ‪-‬ابلفتح‪ -‬تطلق‬
‫طالقا فهي طالق‪.‬‬

‫وهو مبعىن التخلية واالرسال وحل القيد‬

‫يقال‪ :‬طلقت الناقة إذا سرحت حيث شاءت‬

‫اصطالحا‪ :‬حل عقد النكاح او بعضه‬

‫ب‪-‬التعريف الصوري‪:‬‬

‫لغة‪ :‬اسم منسوب اىل الصورة‪ ،‬هي الشكل واهليئة واخللقة والصفة‪.‬‬

‫ويراد ابلصوري ما كان شكليا وغي واقعي‬

‫اصطالحا‪ :‬الصورية من االلفاظ القانونية‪ ،‬ويقصد ابلصورية يف العقود‪" :‬اتفاق العاقدين على‬
‫إخفاء التعاقد احلقيقي بينهما بعقد ظاهر غي حقيقي "‬

‫واملعين ان تتجه إرادة طريف العقد اىل ابرام عقد ظاهر خمالف ألمر خمفي‪.‬‬

‫واما عند الفقهاء فلم يستخدم مصطلح (الصوري)يف كتب املتقدمني ‪-‬وان كان معناه معروفا –‬
‫وامنا ظهر استخدام هذا املصطلح يف كتاابت املتأخرين‪ ،‬ومرادهم به‪:‬‬

‫"اظهار تصرف قصدا وابطان غيه‪ ،‬مع إرادة ذلك البطن "‪.‬‬
‫والصورية نوعان‪:‬‬

‫األول‪ :‬الصورية املطلقة‪ :‬وهي صورية يف أصـل العقـد تتضـمن افتعـاالا كـامالا لتصـرف ال وجـود لـه‬
‫يف احلقيقـة‪،‬‬

‫مغايرا له يف بعض‬
‫ـاهرا يسـرت عقدا خفيا ا‬
‫الثـاين‪ :‬الصـورية النسـبية‪ :‬وهـي الـيت تصـور عقدا ظ ا‬
‫نواحيه كقدر العوض أو جنسه‪،‬‬

‫والصـورية يف عقـد الطـالق هـي مـن النـوع األول‪ ،‬حيـث الصـورية فيـه مطلقـة‪ ،‬حبيـث يظهـر‬
‫الطـالق رغـم عـدم قصـده وعـدم إرادة ترتـب آاثره بل الرغبة املبطنة يف ضده وهو بقاء عقد‬
‫النكاح‪ .‬الفرع الثاين‪ :‬تعريف الطالق الصوري مركبا‪:‬‬

‫ونظرا‬
‫الطـالق الصـوري هـو أحـد اإلطالقـات الدالـة علـى إظهـار الطـالق مـع عدم قصده؛ ا‬
‫لكون هذا املعىن من النوازل احلادثة؛ فقد تعددت األمسـاء واأللفاظ الدالـة عليـه‪ ،‬فمـن‬
‫اإلطالقات اليت وردت يف االسـتفتاءات واالستشارات واملقاالت اليت دارت حول معناه ما أييت‪:‬‬

‫‪ -٢‬الطالق اخلطي‬ ‫‪ -١‬الطالق املدين‬

‫‪ -٣‬الطالق املصلحي ‪ -٤‬الطالق اإلداري‬

‫‪ -٥‬الطالق على الورق أو الطالق الورقي‬

‫وغي ذلك من اإلطالقـات‪ ،‬إالا أن أشـهرها وأكثرهـا تـداوالا هـو مصطلح‪ :‬الطالق الصوري؛ ولذا‬
‫جرى اعتماده يف هذه الدراسة‬

‫وميكـن تعريـف الطـالق الصـوري مـن خـالل النظـر لدوافعـه وواقـع أحواله أبنه‪:‬‬

‫ظاهرا وإبقاؤه ابطنا "‬


‫"حل عقد النكاح أو بعضه ا‬
‫املطلب الثاين‪ :‬دوافع الطالق الصوري‬

‫يعمد الزوجان للطالق الصوري لتحقيق مصاحل‪ ،‬ودفع مفاسد‪ ،‬ولذلك أمثلة عديدة منها‪:‬‬

‫احلصـول علـى إعانـات ماليـة غـي مسـتحقة نظامـ ا إالا عنـد ثبـوت الطالق من جهـات إداريـة‬
‫معينـة يف الدولـة‪ ،‬كالضـمان االجتمـاعي أو الشـؤون االجتماعية أو مؤسسات التأمني وحنوها‪.‬‬

‫احلصـول علـى سـكن أو قـروض عقاريـة غـي مسـتحقة نظامـ ا إالا عنـد ثبـوت الطـالق‪ ،‬فيطلـق‬
‫الرجـل زوجتـه صـورايا لتسـتحق قرضـا عقاريـا‪ ،‬أو ليتمكنا من احلصول على سكنني بدالا من‬
‫سكن واحد وحنو ذلك‪.‬‬

‫احلصول على حـق اإلقامـة يف بلـد غـي مسـلم ال يسـمح ابلتعـدد‪ ،‬فيطلـق الرجـل زوجتـه صـورايا‪،‬‬
‫ويعقـد علـى امـرأة مـن ذلـك البلـد إلثبـات حـق اإلقامة فقط‪.‬‬

‫التهـرب مـن حقـوق النـاس وديـونم‪ ،‬فيملـك الرجـل زوجتـه بعـض أمواله اليت خيشى عليها من‬
‫الدائنني أو غيهم‪ ،‬مث يطلقها صورايا ليتمكن من احملافظة عليها‪.‬‬

‫التهـرب مـن التجنيـد‪ ،‬فسـعي ا إلثبـات أن االبـن هـو العائـل الوحيـد لألسـرة‪ ،‬يعمـد األب لتطليـق‬
‫األم صـورايا ليسـتفيد االبـن مـن وثيقـة الطـالق هذه للخالص من أداء اخلدمة العسكرية‪.‬‬

‫كسـب حـق األولويـة يف حركـة نقـل املوظفـات أو املعلمـات مـن القرى أو املدن البعيدة إذا كانت‬
‫األنظمة تقتضي تقدمي املطلقة‪.‬‬

‫رغبـة يف التعـدد يف الـبالد الـيت متنعـه وتعاقـب علـى فعلـه‪ ،‬فيطلـق الرجل زوجته األوىل طالقا‬
‫صورايا ليتمكن مـن زواج الثانيـة‪ ،‬درءا للعقوبـة الـيت تفرضها القوانني غي الشرعية‪.‬‬

‫رغبة يف التعـدد وحمافظـة علـى زواجـه األول‪ ،‬فيطلـق الرجـل زوجتـه الثانية صورايا ليضي زوجته‬
‫األوىل أو أهله أو غيهم‪.‬‬
‫وابلنظر يف هذه الدوافع اليت مت التوصـل هلـا مـن خـالل اسـتقراء الفتـاوى واملقـاالت‬
‫واالستشـارات الـواردة حـول الطـالق الصـوري‪ ،‬والـيت حتكـي صـوره الواقعيـة املعاصـرة‪ ،‬يلحـظ‬
‫مؤثرا يف تغيـي مسـار احلكـم‪ ،‬وإمنـا‬
‫غيـاب ابعـث اإلكـراه واالضـطرار‪ ،‬والـذي ميكـن أن يكون ا‬
‫انتظمـت الـدوافع يف بـاب االحتيـال لتحقيق مصاحل أو درء مفاسد‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬صور الطالق الصوري‪:‬‬

‫ميكن حصر صور الطالق الصوري يف اآليت‪:‬‬

‫الصورة األوىل‪:‬‬

‫أن يـتم توثيـق الطـالق رمسيـا مـع الـتلفظ أبلفـاظ الطـالق علـى سـبيل اإلنشاء‪ ،‬حبيث يصاحب‬
‫كتابة الوثيقة الرمسية والتوقيع عليها تلفظ الزوج أبن زوجته فالنة طالق‪ ،‬مع عدم قصده الطالق‬
‫وعزمه على بقاء النكاح‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪:‬‬

‫أن يـتم توثيـق الطـالق رمسيـا مـع الـتلفظ أبلفـاظ الطـالق علـى سـبيل اإلخبـار؛ حبيـث خيـرب الـزوج‬
‫أنـه طلـق زوجتـه فالنـة وقـت كـذا‪ ،‬أو جييـب ابإلثبـات إذا سـئل‪ :‬أطلقـت زوجتـك فالنـة؟ أو‬
‫يكتفـي بكتابـة ذلـك والتوقيـع عليه دون تلفظ‪ ،‬مع عدم قصده الطالق‪ ،‬وعزمه على بقاء‬
‫النكاح‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حكم الطالق الصوري‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬احلكم التكليفي للطالق الصوري‪.‬‬


‫احلكم التكليفي الستصدار وثيقة الطالق الصوري وإيقاعه يتأثر ابلدوافع الداعية إليه‪ ،‬واملالحظ‬
‫–مما سبق – أن الدافع األغلب للطالق الصوري هو حتقيق مآرب دنيوية ومكاسب مادية غري مستحقة‬
‫نظاماً ابالحتيال على األنظمة والقوانني‪ ،‬ومل يشذ عن ذلك إال الرغبة يف التعدد يف ظل أنظمة وثقافات‬
‫حتاربه‪ ،‬وعليه فاألصل يف تكييف الصور املعاصرة للطالق الصوري هو الكذب والتحايل؛‬

‫وعليه فيكون األصل يف حكم إيقاع الطالق الصوري هو التحرمي؛ إذ الكذب يف الشرع حمرم‬

‫األدلة على حترمي إيقاع الطالق الصوري‪:‬‬


‫ميكن االستدالل على حترمي إيقاع الطالق الصوري أبدلة حترمي الكذب والتحايل واالستهزاء‬
‫بشرع اﷲ‪.‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قول اﷲ –عزوجل‪[ - :‬قتل الخراصون]‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬املراد ابخلراصني يف اآلية الكذابون‪ ،‬وإيقاع اللعنة على الكذابني دليل على حترمي‬
‫الكذب وأنه ذنب عظيم‪ ،‬فكيف إذا كان ذلك يف العقود الشرعية!‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قوله اﷲ تعاىل‪( - :‬وال تقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل‬
‫ألئك كان عنه مسؤوال )‬
‫وجه الداللة‪ :‬دلت اآلية على أن ما تقرتفه اجلوارح سيحاسب عليه العبد يوم القيامة‪ ،‬ومن ذلك قوله‪:‬‬
‫رأيت‪ ،‬ومل ير‪ ،‬ومسعت‪ ،‬ومل يسمع‪ ،‬ومثله فعلت‪ ،‬ومل يفعل‪ ،‬فكل ذلك كذب حيرم اقرتافه‪ ،‬ويلزم اجتنابه‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫قوله اﷲ –تعاىل‪(-:‬اي أيها الذين امنوا اتقوا هللا و كونوا مع الصادقني )‬
‫وجه الداللة‪ :‬أمر اﷲ عباده ابلصدق ‪ ،‬ومن ذلك الصدق يف حقيقة صيغ العقود اليت جيروهنا ‪،‬‬
‫عرف ابلكذب والتحايل فاملؤمن ال يعرف ابلكذب والتحايل‬
‫املطلب الثاين‪ :‬احلكم الوضعي للطالق الصوري‪.‬‬
‫ميكـن بيـان حكـم الطـالق الصـوري مـن حيـث الوقـوع أو عدمـه مـن خالل بيان حكم صوره‬
‫اآلنفة الذكر‪ ،‬وذلك فيما أييت‪:‬‬

‫الصـورة األولـى‪ :‬توثيـق الطـالق الصـوري مـع الـتلفظ بـه علـى سـبيل اإلنشاء‪:‬‬
‫إذا مت توثيـق الطـالق قضـائياً أو مـدنياً دون قصـد إيقاعـه‪ ،‬مـع تلفـظ الزوج به على سبيل اإلنشاء‬
‫أو توكيل غريه بذلك‪ ،‬فإن الطالق واقع‪ ،‬ويؤخذ بـه صـاحبه‪ ،‬ويعتـد بـه يف عـدد الطلقـات‪ ،‬وتكـون‬
‫الزوجـة رجعيـة إن كانـت هـذه هـي الطلقـة األوىل أو الثانيـة‪ ،‬وتكـون ابئنـة بينونـة كـربى إن كانـت الثالثة‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وذلـك التفـاق الفقهـاء –رمحهـم اﷲ – علـى أن صـريح الطـالق ال يشرتط لوقوع الطالق به نية‬

‫جـاء يف املغـين‪" :‬صـريح الطـالق ال حيتـاج إىل نيـة‪ ،‬بـل يقـع مـن غـري قصد وال خالف يف‬
‫ذلك‪".‬‬
‫بـل عـرف بعضـهم صـريح الطـالق أبنـه‪" :‬مـا يعمـل مـن غـري افتقـار إىل نية"‪.‬‬

‫األدلة‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قـول النـيب ‪» :‬ثـالث ِجـدهن ِجـد وه ْز هن ِجـ ّد ‪:‬‬
‫النكاح والطالق والرجعة«‬

‫وجه الداللة‪:‬‬
‫حكـم النـيب بوقـوع الطـالق مـىت نطـق بـه جـداً أو هـزالً‪ ،‬والطـالق الصوري يشرتك مع اهلـزل‬
‫ألنـه ذكـر للطـالق مـع عـدم قصـد مـا وضـع لـه ‪،‬فيكون واقعاً‬

‫الدليل الثالث‪ :‬أن التلفظ بصريح الطـالق ال يشـرتط لـه النيـة؛ إذ النيـة عملها يف تعيني املبهم‪،‬‬
‫وال إهبام يف صريح الطالق فيكون واقعاً ‪.‬‬
‫الـدليل الرابـع‪ :‬أن الطـالق فـرا ٌق معل ٌـق علـى لفـظ‪ ،‬فمـىت وجـد اللفـظ حصل الفراق‬
‫الـدليل اخلـامس‪ :‬أن النظـر يف النيـة رغـم وجـود اللفـظ الصـريح قـد يكـون ذريعـة لكـل مـن أراد‬
‫الرجـوع يف طالقـه فيـدعي عـدم إرادة الوقـوع ‪،‬فـيحكم بـالوقوع مـع لفـظ الطـالق الصـريح دون االفتقـار‬
‫للنظـر يف النيـة سـداً للذريعة‬

‫الصـورة الثانيـة‪ :‬توثيـق الطـالق الصـوري رسـميا مـع الـتلفظ بـه علـى سبيل اإلخبار‪ ،‬أو‬
‫ابلكتابة والتوقيع دون اللفظ‪:‬‬
‫ذهب بعض العلماء وطلبة العلـم إىل ختـريج الطـالق الصـوري اجملرد عـن الـتلفظ بصـريح الطـالق‬
‫علـى كتابـة الطـالق‪ ،‬وأن الكتابـة يف معـىن الكنايـة ‪،‬والكناية ال يقع هبا الطالق إالّ مع النية‬
‫والـذي يظهـر – واﷲ أعلـم ابلصـواب – أن احلكـم هنـا لـيس مناطـه الكتابـة؛ وذلـك للتحقـق التـام مـن‬
‫شخصـية الكاتـب ولظهـور املـراد بكتابـة الطـالق يف النمـاذج الرمسيـة وجالئـه‪ .‬وأن ختـريج الطـالق‬
‫الصـوري اجملـرد مـن ألفاظ إنشاء الطالق على مسألة اإلقرار ابلطالق كذابً أليق‪ ،‬وهو به ألصق؛‬
‫وذلك لآليت‪:‬‬
‫أن مبـىن احلكـم يف املسـألة علـى طـالق مكـذوب‪ ،‬ال علـى طـالق مكتوب ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫أن الكتابـة يف النمـاذج الرمسيـة للطـالق أو التوقيـع عليهـا أمـام اجلهات املعنية بتوثيقه‪،‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫ويف األماكن املعتربة هلذا جيعل الكتابة هنا غري حمتملة ألي معـىن آخـر خـالف الطـالق‪ ،‬فهـي جليـة‬
‫وصـرحية يف إرادة الطـالق‪ ،‬والقرائن اليت احتفت هبا دفعت أي شك يف إرادة املطلق لغري الطالق ‪.‬‬

‫أن البيـان ابلكتابـة مـن قبـل املطلـق وأمـام اجلهـات الرمسيـة – حبيـث ال يشك يف‬ ‫ج‪-‬‬
‫صاحب اخلط أو مقصوده – مبنزلة البيان ابللسان‪ ،‬فـالقلم أحـد اللسانني‪ ،‬واحلروف املكتوبة املستبينة‬
‫مبنزلة احلروف املنطوقة ‪.‬‬
‫أن الكتابـة املرسـومة تقـوم مقـام قـول الكاتـب وهـي معتـربة شـرعاً‪ ،‬والنيب مأمور‬ ‫د‪-‬‬
‫ابلبالغ‪ ،‬فبلغ ابلقول اترة وابلكتابة أخرى‬
‫بـل قـد ورد عنـه قولـه‪» :‬مـا حـق امـرئ مسـلم لـه شـيء يوصـي فيـه يبيت ليلتني إالّ ووصيته‬
‫مكتوبة عنده« ولو مل جيز االعتماد على اخلط مل تكن لكتابة وصيته فائدة‬
‫هـ‪ -‬أن الكتابـة اليـوم ابتـت أهـم وسـائل اإلثبـات وأدلتـه‪ ،‬لثباهتـا وطـولبقائها وتطور سبل العلم املعينة‬
‫على التحقق من سالمتها وصحة نسبتها ‪.‬‬
‫وبناءً على ما سبق‪ ،‬فإن الـزوج إذا كتـب الطـالق يف األوراق الرمسيـة أو وقع علـى ذلـك أمـام اجلهـات‬
‫صاحب ذلك تلفظ‬ ‫َ‬ ‫النظاميـة والقضـائية دون أن يـتلفظ‪ ،‬وهـو ال يريد إيقاع الطالق حقيقة‪ ،‬أو‬
‫حبكايـة الطـالق واإلخبـار عنه دون إنشائه فإن حكم وقوع الطـالق حينئـذ يتخـرج –واﷲ أعلـم ‪-‬‬
‫علـى خـالف الفقهـاء – رمحهـم اﷲ – يف مسـألة اإلقـرار بـالطالق كـذابً ‪ ،‬وهلـم يف ذلك قوالن‪:‬‬
‫القـول األول‪ :‬أن الطـالق الصـوري املكـذوب كتابـة أو إخب ً‬
‫ـاراً واقـع ‪،‬ويؤاخذ به صاحبه ويعتد‬
‫بـه يف عـدد الطلقـات قضـاء ال داينـة‪ ،‬فتبقـى زوجتـه يف الباطن ويؤاخذ به يف الظاهر ‪.‬‬
‫هـذا مـذهب مجهـور الفقهـاء مـن احلنفيـة واملالكيـة والشـافعية‪ ،‬وقول عند احلنابلة – رمحهم اﷲ‬
‫تعاىل – يف الطالق املقر به كذابً ‪.‬‬
‫جـاء يف فـتح القـدير‪" :‬ولـو قـال طلقتـك أمـس وهـو كـاذب كـان طالقاً يف القضاء ‪".‬‬

‫القـول الثـاين‪ :‬أن إقـرار الـزوج وإخبـاره بـالطالق كاذبـاً لتسـجيل وثيقـة الطالق الرمسية يؤخذ به‬
‫الزوج وحيسب يف عدد الطلقات ويقع قضاء وداينة ‪،‬سـواء ابتـدأ الـزوج ذلـك بقولـه‪ :‬طلقتهـا وأراد‬
‫الكـذب‪ ،‬أو أجـاب عـن سـؤال‪:‬‬
‫أطلقت امرأت؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أو قال قد طلقتها ‪.‬‬
‫وهذا مذهب احلنابلة‬
‫األدلة‪:‬‬
‫أدلة القول األول‪:‬‬
‫استدل أصحاب القول األول على وقوع الطالق قضاء ابآليت‪:‬‬

‫الـدليل األول‪ :‬قـول النـيب ‪» :‬إمنـا أنـا بشـر‪ ،‬وإنكـم ختتصـمون ّ‬


‫إيل ‪،‬فلعل بعضكم أن يكون‬
‫أحلن حبجته من بعض فأقضي له على حنو مـا أمسـع ‪،‬فمن قضـيت لـه حبـق مسـلم فإمنـا هـي قطعـة مـن‬
‫النار فليأخـذها أو ليرتكها«‬
‫الـدليل الثـاين‪ :‬أن الصـورية يف كثـري مـن العقـود معتـربة‪ ،‬إذا متـت شـروطها وأركاهنـا‪ ،‬وعقـد‬
‫الطـالق معلـق بـاللفظ فمـىت أقـر الـزوج بـه أخـذ بـه قضاء سواء أكان صادقاً أم كاذابً‬

‫واستدل أصـحاب القـول األول علـى عـدم وقـوع الطـالق ابطنـ ا مبـا أييت‪:‬‬
‫أن الطـالق إنشـاء ال إخبـار‪ ،‬واإلقـرار إخبـار حمتمـل للصـدق والكـذب‪ ،‬فال يقوم مقام اإلنشاء‪.‬‬
‫واملخرب عنه كذابً ال يصري ابإلخبار عنه صدقاً!‬
‫وعليه فال يقع الطالق داينة بني العبد وربه لعدم وقوعه حقيقة‪.‬‬

‫قوله تعاىل‪( :‬وال تتخذوا آايت هللا هزؤا )‬

‫و قوله تعاىل‪ ( :‬وكيف أتخذونه وقد افضى بعضكم اىل بض و اخذن منكم ميثاقا غليظا )‬

‫الرتجيح‪:‬‬
‫ـاهراً ‪،‬وابطنـاً ‪ ،‬إذا‬
‫املختـار – واﷲ أعلم – هـو القـول بوقـوع الطـالق الصوري قضاء وداينـة ظ ً‬
‫كـان ابلكتابـة الرمسيـة أمـام اجلهـات النظاميـة والقضـائية اجملردة عـن اللفـظ أو املقرونـة ابإلخبـار عنـه‬
‫كـذابً مـا مل يكـن الباعـث لـذلك إكراهـاً ملجئـاً موصـالً لدرجـة االضـطرار الـذي ال يؤاخـذ بـه‬
‫صاحبه‪،‬‬

‫اخلامتة‬
‫احلمـد هللا الـذي بنعمتـه تـتم الصـاحلات‪ ،‬والصـالة والسـالم علـى نبينـا حممد وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذه أبرز نتائج البحث‪:‬‬
‫الطـالق الصـوري هـو صـورة انزلـة للطـالق‪ ،‬اهلـدف منهـا احلصـول على وثيقة الطالق الرمسية‬
‫لالستفادة منها يف احلصول علـى إعانـات ماليـة أو خدمات غري مستحقة نظاماً حال بقاء النكاح‬
‫‪-‬للطالق الصوري عدة إطالقات منهـا‪ :‬الطـالق اخلطـي‪ ،‬والطـالق الـورقي‪ ،‬والطـالق‬
‫اإلداري‪،‬والطـالق املصـلحي‪ ،‬وهـو أيضـاً صـورة مـن صـور الطالق املدين ‪.‬‬

‫ظاهراً وإبقاؤه ابطناً ‪.‬‬


‫‪-‬ميكـن تعريـف الطـالق الصـوري أبنـه‪ :‬حـل عقـد النكـاح أو بعضـه ً‬
‫‪-‬للطالق الصوري صوراتن‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬توثيق الطالق مع التلفظ به إنشاء ‪.‬‬
‫إخباراً أو ابلكتابة جمرداً عن اللفظ‬
‫الثانية‪ :‬توثيق الطالق مع التلفظ به ً‬
‫‪-‬حيرم الطالق الصوري جبميع صوره؛ ألنه حتايل وكذب‪.‬‬
‫‪-‬يقع الطالق الصوري عند توثيقه رمسياً مع التلفظ به إنشاءً ابالتفاق ‪.‬‬
‫إخباراً يف أصح‬
‫ً‬ ‫‪-‬يقـع الطـالق الصـوري عنـد توثيقـه رمسيـاً جمـرداً عـن اللفـظ أو مـع التلفظ به‬
‫قويل الفقهاء ‪.‬‬
‫‪-‬للـزوج االسـتفادة مـن وثيقـة الطـالق الشـرعي لألغـراض املباحـة ‪،‬مث مراجعة الزوجة زمن العدة ‪.‬‬

‫ختامـاً ‪ ..‬أسـأل اﷲ الكـرمي أن أكـون قـد وفقـت فيمـا قـدمت‪ ،‬وأسـأله سبحانه أن يتقبله مين‬
‫وينفع به‪ ،‬وأن حيسن عاقبيت يف األمور كلها ‪.‬‬
‫واحلمد هللا رب العاملني ‪.‬‬

You might also like