Professional Documents
Culture Documents
الإباحة والإجارة والجعالة
الإباحة والإجارة والجعالة
الـتـصـمـيـم
: مقــدمــــة
1
الـمـقـدمـة
تطرقت معظم التشريعات الوضعية إلى تعريف اللتزام القانوني بييأنه رابطيية قانونييية
بين شخصين بمقتضاها يتمكن الدائن من إكراه المدين على أن يؤدي إليه مبلغا ميين المييال ،أو
يسلمه شيئا أو يتم عمله أو يقوم بعمل ومنهم من عرفه بتعريف العقييد ،وهييذا فيييه اقتبيياس ميين
الشريعة السلمية التي عرفت اللتزام بتعريف العقد ،بصفتها أول تشريع سن حرية التعامل
وأخرج البشرية من تعقيداته الشكلية ،التي توارثها المتعاملون أيام الرومان ومن سبقهم.
فالشريعة السلمية عرفت اللييتزام ميين خلل تعريفهييا للعقييد نفسييه وذلييك فييي غييالب
تعريفاتها لهذا المبدأ ،ثم عرف الفقهاء العقد بأنه عبارة عن الييتزام العاقييدين وتعهييدهما بييأمر،
وهو عبارة عن ارتباط اليجاب بالقبول.
ويرى الدكتور محمد مصطفى شلبي " أن العقــد واللــتزام ،والتصــرف ،كلمــات ثلث
يرد ذكرها في ثنايا بحوث الفقهاء ،ويختلــط أمرهــا أحيانــا علــى بعــض القــارئين ،لمــا بيــن
معانيها من التشابه من بعض الوجوه ،وهــذا يقتضــي توضــيح الفــرق الحاصــل بينهمــا قبــل
التعريف بالعقد ،وهذه العبارة الثلثة عرفها فقهاء الشريعة بتعاريف متعددة منها:
أول :التصرف هو ما يصدر من الشخص المميز بإرادته ،ويرتييب عليييه الشييارع نتيجيية ميين
النتائج سواء كانت في صالح ذلك الشخص أم ل.
ثانيا :اللتزام كل تصرف متضمن إرادة إنشاء حق من الحقييوق أو إنهييائه أو إسييقاطه سييواء
كان من شخصه واحد أو من عدة أشخاص.
هذه هي المبادئ العامة التي نظر من خللها التشريعان جييانب المعيياملت ،وهييو الموضييوع
الذي اخترنا أن نفتتح به موضوع المناظرة بين التشريعين السلمي والوضييعي ،وباختصييار
فإنها تثبت حالتين:
2
أول :تفوق الصياغة الفقهية السلمية ،علييى الوضييعية الييتي يظهيير كييل تعييبير منهييا متييأثرا
بظرف من ابتكروه ،بينما الصياغة الفقهية اكتسييبت دقيية تعبيرهييا ميين ثبييات النصييوص الييتي
استخلصت منها.
ثانيا :تعثر التعريفات الوضعية بآثار الشكلية التي أتييت تتمييرد عليهييا ،فجعلهييا ذلييك تفييترض
سوء النيية مسيبقا بمحاولية اسيتحواذ النيص عليى جمييع جزئييات العقيد ،لن اليوازع اليديني
والتربية النفسية ،ل أثر لستحضار المشرع لهما حين صياغته لتلييك القواعييد القانونييية بينمييا
الشريعة السلمية عبر في ذلك بصيغ عامة تستحضر دائما الييوازع الييديني .ومييا ينجييم عنييه
من صدق في التعامل ،علما بأنها لم تذهب مع حسن الظن إلى الحد الييذي تضيييع معييه حقييوق
الغير.
وتتضح المقارنة بين الشريعة السلمية والتشييريعات الوضييعية ميين خلل تنيياول كييل
منهما للمبادئ التالية والتي ستقتصر على بعض منها ليكون موضوعا لبحثنا وهي كالتي :
-1البيع
-2الهبة
-3الوقف
-4الباحة
-5الجارة
-6الوعد بالجائزة
هذه الوقائع تنشأ عنها حقوق أصبح يطلق عليها اللتزام بمعناه العييام ،فهييي منطلييق للحقييوق،
ومن ثم فإن التعرض إليها من خلل نظرة أصولية سيمكنها من رصييد السييابقة الفكرييية لنظييم
الشريعة السلمية ،وتأثيرها على كل من التزم بالقيم والخلق من التشريعات الوضعية.
كما قلنا في السابق فإننا سنقتصيير علييى بعييض هييذه المبييادئ وهييي الباحيية والجييارة
والجعاليية وذلييك ميين خلل ثلث فصييول ،حاولنييا دراسييتهم دراسيية شيياملة ومستفيضيية قييدر
المكان.
3
الفصل الول :البـاحـة
تـمـهـيـد :اسـتـعـمــال
يستعمل لفظ الباحة في اللغة ثلثيا فيقال :باح بمعنى ظهر ،وهو فييي هييذا السييتعمال
لزم .كما يقال باح بسره أظهره فهي بمعنى المتعييدي أبيياح وليسييت متعييديا ،ومصييدر الول.
البؤح ،ومصدر الثاني الباحة ،والمباح اسم مفعول من الجابة.1
والواقع أن معنييى الباحيية فييي اللغيية أوسييع .ففييي لسييان العييرب " 2إن البييوح ظهييور
الشيء ،وباح الشيء ظهر ،وباح به بوحا وبؤوحا وبؤوحة أظهره ،وباح ما كتمت ،وبيياح بييه
صاحبه وباح بسره أظهره ،وأبحتك الشيء أحللت لييك ،وأبيياح الشيييء أطلقييه والمبيياح خلف
المحظور.
وأما المباح لغة ،فهو اسم مفعول من أباح الشيء بمعانيه اللغوييية المختلفيية السييابقة .فهييو اسييم
لكل ما وقعت عليه الباحة بكل معنى من تلك المعاني.
وبعد هذا التمهيد الذي تناول التعريف اللغوي للفييظ الباحيية سيينتناول تعريييف الباحيية
عند الصوليين والفقهاء في )مبحث أول( ثم نتناول تعريف الباحة في القانون.
ثم في الخير نقوم بإجراء مقارنة بين الشرع والقانون في مفاهيم الباحة.
4
اااا :ااااااا ااا ااااااااا
الباحة مأخوذة من أبحتك الشيء بمعنى أحللته لك وأطلقتك فيه.
فالصوليون يعرفونها بأنها التخيير بين فعل الشيء وتركه ،ويعرفون المباح بييأنه هييو الميير
الذي خير الشارع بييين فعلييه وتركييه وهييذا مفيياد تعريييف الغزالييي للجييواز الييذي هييو مييرادف
الباحة عنده إذ يقول :إن الجواز هو التخييير بيين الفعيل واليترك بتسيوية الشيرع .وقيد درج
على اختيار هذا التعريف للباحة المام البيضاوي في المنهاج عند تعريفاته لقسام الحكم بما
دل على أنها حدود لتلك القسام .فالصلة مثل في أول وقتها الموسع ،فإن المكلف مخيير بيين
فعلها وتركها وليست الصلة ول الكفارة مباحة بل واجبة.
ولقد وضع المدي تعريفا للمباح إذ قال :إن القرب في ذلك أن يقال :إن المباح مييا دل الييدليل
السمعي على خطاب الشارع بييالتخيير فيييه بييين الفعييل والييترك ميين غييير بييدل" .والييذي يفيييد
الباحة عنده على هذا دللة خطاب الشارع على التخيييير بييين فعييل الشيييء وتركييه ميين غييير
بدل.
وقد سلك ابن السبكي في كتابه جمع الجوامع1مسلكا قريبا ميين هييذا إذا أورد فييي صييدد
تقسين الخطاب ،ما يفيد أن الباحة عبارة عن التخيير بييين فعييل الشيييء وتركييه ،وعلييى ذلييك
فالمباح هو ما دل خطاب الشارع المتعلق بفعل المكلف على التخيير بين فعله وتركه.
وعرف الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول" : 2المباح بأنه مييا ل يمييدح علييى فعلييه ول
على تركه" .وهذا ما يفيد أن الباحة وصف في الفعل يوجب عدم المدح على فعله ول تركييه.
وقييال الشييوكاني أيضييا " :إن المبيياح يطلييق علييى مييا ل ضييرر علييى فيياعله وإن كييان تركييه
محظورا" .فالباحة على هذا تطلق على وصف في الفعييل يييوجب عييدم الضييرر علييى فيياعله
وإن كان الترك محظورا.
وبعد ما أوردناه من تعريفات الصوليين للباحيية والمبياح نتجيه إلييى التعريييف الييذي وضييعه
المدي لما فيه من استقامة ووضوح وعدم احتياج إلى قيد يبين المراد.
ااااا :ااااااا ااا ااااااا
– 1تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي الشافعي ج 1ص ،5الطبعة الولى.
- 2المام محمد بن علي بن محمد الشوكاني كتاب إرشاد الفحول ص ،6الطبعة الولى
5
يستعمل الفقهاء لفظ الباحة كثيرا وخاصة الحناف عند الكلم عن الحظر والباحة .فالباحة
عند الفقهاء هي الذن بإتيان الفعل حسب مشيئة الفاعل في حييدود الذن .وقييد تطلييق الباحيية
على ما قابل الحظر ،فتشمل الفرض واليجاب والندب.
وقد جاء في تعريف للستاذ مصطفى الزرقا بأنها الذن باستهلك الشيء باسييتعماله وهييي ل
تجعله مملوكا بل هي دون التمليك وقد يكييون هييذا الذن ميين الشييارع ،ويكييون فييي السييتيلء
على المال المباح وهو كل ما خلفه ال لينتفه به الناس على وجه معتاد وليس فييي حيييازة احييد
مع إمكان حيازة مما يكون في مجرد النتفاع كييالذن فييي النتفيياع بالمسيياجد والطرقييات بمييا
شرعت له.
وكما يكون الذن من ال فإنه قد يكون الذن من الفراد بعضهم مع بعييض سييواء أكييان الذن
بالعين لرقبتها كمن ينثر النقود في الفراح ويقييدم الطعييام والشييراب للضييياف ،وهييذا النييوع
يرى البعض أنه على ملك صاحبه حتى يتناوله المباح له فيمتلكه بالتناول وذهب آخرون إلييى
أن المباح له ،ل يمتلك المال بتناوله ،وإنما يبقى على مليك صياحبه حييتى يسيتهلكه المبياح لييه
وهو على ملك صاحبه بإذن منه على ما سنبينه في موضعه من البحث.
أو كان إذن العباد بعضهم لبعض بمنفعة العين فقييط كميين يييدعوك لركييوب سيييارته أو
السماع من مذياعه ،أو مشاهدة مسرحية عنده أو التفرج بصور في معرضه إلى غير ذلك من
صور إباحة المنافع ،وهذا النوع يتم استحقاقه واستيفاؤه بمجرد النتفيياع لن المنييافع تسييتهلك
وتنقذي وتزول ساعة فساعة.
بقي أن نشير هنا إليى الباحية ليسيت مين قبييل التعاقيد ،فهيي ل تحتياج إليى اليجياب
والقبول وإنما توجد بمجرد وجود الذن القولي أو العملييي كمييا أنييه ل يشييترط فيهييا أن يكييون
المييأذون لييه معينييا معلومييا للذن وقييت الذن ل بشخصييه ول باسييمه ،فميين يضييع الميياء فييي
الباريق ويضعها على قارعة الطريق ،فييإنه يبيييح بييذلك لكييل ميين يميير أن يشييرب منهييا دون
تعيين للمأذون لهم ل بالسم ول بالوصف ،وكييذلك فييإن الباحيية جييائزة كمييا يقييول ابيين حييزم
الظيياهري فييي المجهييول بخلف العطييية ،والهدييية ،والصييدقة والعمييرى والرقييبى والحبييس
وغيره ،وذلك كطعييام يييدعى إليييه قييوم يبيياح لهييم أكلييه ول يييدرى كييم يأكييل كييل منهييم ،وهييذا
6
منصوص من عهد الرسول )ص( فقييد قييال :ميين شيياء أن يقتطييع إذا نحيير الهييدي ،كمييا أميير
المرسل بالهدي إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه وبين الناس.
7
كما أن الغرض الول من مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات هو كفالة حرية الفراد فييي أفعييالهم
وتصرفاتهم لنه لو ترك أمر التجريم للقاضي لضحى الفراد في حيرة من أمرهم ل يدرون
بصفة قاطعة ما هو مباح لهم.
وما هو محظور عليهم ،ولذا فإن المر يتطلب إنذار الفراد مقييدما بمييا يتعرضييون لييه إذا مييا
صدرت عنهم أعمال أو تصرفات معينة ،ففي هذه القاعييدة إذن ضييمان لكفاليية حقييوق الفييراد
من تعسف السييلطات وصيييانة المصييلحة العاميية إذ يييأمن الفييراد معهييا حريتهييم فييي مباشييرة
مختلف أوجه النشاط لنها على الباحة الصلية .فما لم ينص عليه في القانون الجنائي يعتييبر
مباحا ،فما دام الفعل الذي ارتكب ل يعد جريمة من الناحية القانونية فييإنه ل تنشييأ عنييه سييلطة
للدولة في معاقبة فاعله.
ب -الباحة الطارئة :الذن بالفعل الذي كان ممنوعا إذا وجد سبب من أسباب الباحيية
المنصوص عليها في القانون ومن أمثلة ذلك ،الدفاع الشرعي ،وتنفيييذا أميير الرئيييس إذا كييان
المنفذ موظفا ،فقد يرتكب الشخص فعل محظييورا ،ومييع ذلييك ل يعياقب لسييباب مختلفية ميين
أجلها ل يعد الفعل جريمة ،ويدخل في هذا عدم اكتمال العناصر اللزمة لقيام الجريميية ،ومييع
اعتبار الفعل جريمة قد ل يطبق النصر لنه ل يسرى في الوقت أو على المكان الذي وقع فيه
الفعل وتطبيق النص وتتوافر عناصر المسئولية الجنائية ومع ذلك ل يعاقب لقيام سبب قانوني
يحول دون العقاب.
اا ا اا ا ااا ا اااااا ا :اااا اااا
ااااااا اااااا
إذا تتبعنا ما جاء في شروح القانون المدني ،وكتب أصول القوانين نجد أن القوانين في
الصل لم توضيع إل لضيبط علقييات النياس ووضيع أحكيام لهييا ،ميع أن الصيل فيي ضييبط
علقاتهم بعضهم مع بعض ترجع إليى إرادتهيم وميا يتفقيون علييه وليو كيان ذليك مخالفيا لميا
وضعه القانون الخاص من أحكام.
وهذا التفويض الييذي قييرره القييانون لرادة الفييراد فييي تنظيييم عقييود المالييية لييم يمنييع
المشرع ميين التييدخل فييي تنظيييم هييذه العقييود بقواعييد تشييريعية ،وهييذه القواعييد الصييادرة ميين
المشرع لم تصدر منه في صيييغة الميير والنهييي ،وإنميا فييي صييغة البيييان والقيتراح ،وهييي
8
قواعييد مقييررة أو مفسييرة أو مكمليية لرادة المتعاقييدين .القواعييد القانونييية الييتي تييرد فييي هييذه
الدوائر ليست قواعد ملزمة لهم إلزاما مطلقا ،وإنما يخيرون في اللتزام بهييا أو العييدول عنهييا
إلى حكم مخالف ،غير أنهم إن سكتوا ولم يتفقوا على مييا يخالفهييا كييان ذلييك رضيياء بالحكييام
إليها ،ولذا اعتبرت مكملة لرادة المتعاقدين أو مفسرة لسكوتهم أو مقررة لرادتهم الضمنية.
والقانون المدني في المييادة 147ينييص علييى أن العقييد شييريعة المتعاقييدين أي يخضييع
لرادتهم إل إذا كان التفاق مخالفا للنظام العام والداب م .135
وهذا في جملته يتفق مع معنى الباحة إذ الفييراد مخيييرون فييي تصييرفاتهم حييتى ولييو
خالفت القانون الموضوعي الخاص دون مسيياس بالنظييام العييام أو الداب ولييذلك سييميت هييذه
القوانين الخاصة بالقوانين المقررة لنها تسمح لطرفي العقد بحق التحلل منها ،والتفاق علييى
غيرها إذ المقصود من هذا القانون تنظيم العلقات على وجه يمنييع النييزاع والخصييومة ،فييإذا
نظموها بأنفسهم فقد تحقيق المطلييوب وإل فيإذا لييم يتفييق المتعاقيدون عليى تنظييم خياص فهييم
ملزمون بالخضوع لحكام القانون الخاص .ويجوز أن يمتلكه أول واضع يد عليه .
مقارنة بين الشرع والقانون في مفاهيم الباحة: •
إذا كان القييانون المييدني قييد جيياءت أحكييامه فييي الغييالب تخييرييية ،يبيياح التفيياق علييى
مخالفتها وتحكيم ما يتفق عليه المتعاقدان من نصوص يييذكرونها .إل بالنسييبة للمييواد المتعلقيية
بالنظام العام ،والتي ل يجوز التفاق علييى مخالفتهييا ،إذ العقييد شييريعة المتعاقييدين ،فييإن الفقييه
السلمي حدد للناس حدودا في عقودهم لن العقود أسباب جعلية شيرعية للحكيام بمعنيى أن
العاقد بإرادته يتكون العقد ،أما الحكم المتعلق به فهو من جعييل الشييارع وترتيبييه .وقييد وضييع
الشارع حدودا للعقد ولكل ما يشترط الناس في عقودهم ،إن التزموها كييانت العقييود صييحيحة
والشروط ملزمة ،وما لم يرد نص يمنعه وحظره من العقود والشروط فالظاهرية ومن تابعهم
جعلوا الصل الحظر ،فل يباح إل ما قام الدليل من الشارع على صحته ،بينما يرى فريق من
فقهاء الحنابلة وبعض الشيعة أن الصل في العقود والشروط الباحة فكل ما يحدثه الناس ميين
عقود ويتفقون عليه من شروط ولم يكن ورد نص يمنعه فهو على الباحة الصلية.
وبييذلك نييرى أن دائرة الباحيية إذن فييي القييانون المييدني أوسييع منهييا فييي دائرة الفقييه
السلمي ،إذ في الول جعل العقد شريعة المتعاقدين ولم يحد من سييلطات المتعاقييدين إل بمييا
9
سن المشرع حماية للنظام العلم ،وأما فيما عدا ذلك فقد أباح التفيياق علييى مخالفيية النصييوص
التي جاء بها القانون نفسه ،أما في الفقه السلمي فإنه يعتبر مخالفة ما تتطلب المتعاقدات في
العود والشروط يجعل العقد غير صحيح أي أنه لم يبح مخالفة مييا نييص عليييه ميين أحكييام فييي
هذا ،فضل عما أشرنا إيه من اختلف الفقهاء فيما لم ينص عليه ،هل هو مباح أم محظور.
فالشارع الحكيم تولى الشراف في هذه المور فيي دائرة ميا عليم أنيه ل ييترتب عليى
صل فعله أو تركه نفع أو ضرر ،بخلف القانون الييذي يكيياد أن يكييون أطلييق العنييان لهييم فييي
ذلك.
أما فيما بين نظرة القانون الجنائي ونظرة الفقه السلمي لمفهوم الباحة فإن نظرة كل
منهما للباحة الصلية ل تكاد تختلف عن النظرة الخرى من جهة ما يتجه كل منهما إليه من
تخيير الناس بين الفعل والترك ،وعدم ترتب ثواب ول عقاب على ذلك.
إل أن القانون الجنائي يعتبر كل ما لم ينص على منعه وتجريمه فهييو مبيياح ،أميا الفقييه
السلمي فإن الفعل المباح :ما دل الدليل الشرعي على التخيير فيه أو حكم به الحيياكم العييادل
في حدود قواعد الشرع ومسايرة مصالح الناس.
أما المسكوت عنه فهو مباح أيضا بالباحة الصلية ،خلفا للمعتزلة الذين يييرون فييي الفعييال
حسنا وقبحا يدرك بالعقل وتجب مراعاته ولو لم ينص عليه الشارع ،إذ حكم الشرع إنما جيياء
مؤيدا لحكم العقل ،على أن المسكوت عنه الذي يرد نص بمنعه وتجريمه قد يكون مأمورا بييه
لورود الخطاب بذلك ،فيثاب المرء على فعله أي ل يقف عند العقاب وعدمه فقط وإنميا يتجيه
ناحية الجر والثواب وفي هذا تشجيع على المتثال والطاعة.
وأما الباحة الطارئة في نظر الفقه الجنائي فهي أشبه بالباحة بييالطلق الثيياني الييذي
ذكره الشوكاني من الصوليين فإنك ل تستعمل إل في الفعل الذي كان في ذاته غيير مبياح ثيم
عرض له ما يجعله مباحا ،وقد مثل له الشوكاني بإباحة دم المرتد ،وقييد مثييل لييه غيييره أيضييا
بافتداء المرأة من زوجها إن خافا أل يقيما حدود ال .ففي الشريعة السلمية أن الفعل في ذاته
قد يكون غير مباح ثم يعرض له ما يجعله مباحييا كيالمجنى عليييه إذا كيان غييير معصيوم الييدم
فالقتل أمر محرم في الشرع في كل اعتبار ،ولكن إذا وقع من شييخص مييا يقتصييد إباحيية دمييه
10
كالمرتد عن السلم فإنه يكون مباح الدم بالباحة الطارئة ،ويصير الفعل بعد أن كان جريميية
أمرا مباحا .سبب إباحة ما طرأ مما جعل الشخص غير محقون الدم.
ومن جهة أخرى فإن الباحة الطارئة في اصطلح شراح القييانون الجنييائي تشييبه ميين
بعض الوجوه ما أورده الصوليون والفقهاء من الترخيص بأشييياء أصييلها كييان محظييورا ثييم
رفع الضرر لموجب اقتضى ذلك ،سواء رفع ذلك الحظر إلى ما يسمى في عرفهييم إباحيية ،أو
وجوبا ،أو ندبا .فإن المقصود من ذلك انه ارتفعت المؤاخذة ولم يكن هناك سبيل على الفاعييل.
ومن أمثلة ذلك شرب الخمر ،واكل لحم الميتة لكل من المضطر والمكره ،وإتلف مال الغير،
ومن ذلك في العبادات إجراء كلميية الكفيير ،وتييرك الصييوم للسييفر والمييرض ،والكييراه ،وقييد
صرح كل من البزدوى وصاحب كشف السرار على البزدوي بتسمية ذلك مباحا حيث قييال:
" وتمام الكراه بأن يجعل عذرا يبيح الفعل" ثم قال صيياحب كشييف السييرار " :فييإن ثبتييت
الباحة في حال الكراه عرف أن الضطرار قد تحدث وأن الكراه صار ملجئا".
11
استعمال فقهي لكلمة بمعنى الصحة وهي موافقة الفعييل ذي الييوجهين للشييرع ،والجييواز بهييذا
الستعمال حكم وضعي وبالستعمالين السابقين حكم تكليفي.
ثــــانيا :الباحة والحل :
الباحة فيها تخيير ،أما الحييل فيإنه أعييم ميين ذلييك شييرعا ،لنييه يطلييق علييى مييا سييوى
التحريم ،وقد جاء مقابل له في القرآن والسنة ،كقوله تعالى " وأحــل الـ الــبيع وحــرم الربــا"
وقوله " :يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك" وقوله )ص( " أما إنــي وال ـ ل أحــل حرامــا
وأحرم حلل" .ولما كان الحلل مقابل للحرام شمل ما عييدا ميين المبيياح والمنييدوب والييواجب
والمكييروه مطلقييا عنييد الجمهييور ،وتنزيهييا عنييد أبييي حنيفيية .ولهييذا قييد يكييون الشيييء حلل
ومكروها في آن والحد كالطلق ،فإنه مكروه ،وإن وصييفه الرسييول)ص( بييانه حلل ،وعلييى
ذلك يكون كل مباح حلل ول عكس.
ثالثا :الباحة والصحة
الصحة هي موافقة الفعل ذي الوجهين للشيرع ومعنيى كيونه ذا وجهيين أنيه يقييع تيارة
موافقا للشرع ،لشتماله على الشروط التي اعتبرها الشارع ،ويقع تارة أخرى مخالفا للشييرع.
والباحة التي فيها تخيير بين الفعل والترك مغايرة للصحة وإن كانا من الحكام الشرعية ،إل
أن الباحة حكم تكليفي ،والصحة حكم وضعي على رأي الجمهور .منهم من يرد الصحة إلييى
الباحة فيقول :إن الصحة إباحة النتفاع .والفعل المباح قد يجتمع مع الفعل الصحيح ،فصيوم
يوم من غير رمضييان مبيياح ،أي ميأذون فيييه ميين الشييرع ،وهييو صييحيح إن اسييتوفى أركييانه
وشروطه وقد يكون الفعل مباحا في أصله وغير صحيح لختلل شرطه ،كالعقود الفاسدة وقد
يكون صحيحا غير مباح كالصلة فييي ثييوب مغصييوب إذا اسييتوفت أركانهييا وشييروطها عنييد
أكثر الئمة.
الباحة والتخيير :
الباحة تخيير من الشارع بييين فعييل الشيييء وتركييه ،مييع اسييتواء الطرفييين بل يرتييب
ثواب أو عقاب ،أما التخيير فقد يكون على سبيل الباحيية ،أي بييين فعييل المبيياح وتركييه ،وقييد
يكون بين الواجبات بعضها وبعض ،وهي واجبات ليست على التعيين كما في خصال الكفارة
في قييوله تعييالى " :ل يؤاخــذكم الـ بــاللغو فــي أيمــانكم ولكــن يؤاخــذكم بمــا عقــدتم اليمــان
12
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمــون أهليكــم أو كســوتهم أو تحريــر رقبــة"
فإن فعل أي واحد منها يسقط المطالبة ،لكن تركها كلها يقتضي الثم .وقد يكييون التخيييير بييين
المنيدوبات كالتنقيل قبيل صييلة العصيير ،فالمصييلى مخيير بييين أن يتنقيل بركعييتين أو بيأربع.
والمندوب نفسه في مفهومه تخيير بين الفعل والييترك ،وإن رجييع جييانب الفعييل ،وفيييه ثييواب،
بينما التخيير في الباحة ل يرجع فيه جانب على جانب ،ول يترتب عليه ثواب ول عقاب.
13
السماوات وما في الرض جميعا من" فإن هذا النص يييدل علييى أن كييل مييا خلفييه الي يكييون
مباحا إل ما ورد دليييل يثبييت لييه حكمييا آخيير ،علييى خلف وتفضيييل يرجييع إليييه فييي الملحييق
الصولي.
ثانيا :تقسيمها باعتبار الكلية والجزئية:
إباحة للجزء طلييب الكييل علييى جهيية الوجييوب ،كالكييل مثل ،فيبيياح أكييل نييوع -1
وترك آخر مما أذن به الشرع واكن المتناع عن الكل جملة حرام لما يييترتب عليييه ميين
الهلك.
إباحة للجزء مع طلب الكيل عليى جهية النيدب ،كيالتمتع بميا فيوق الحاجية مين -2
طيبات الكل والشرب ،فذلك مباح يجييوز تركييه فييي بعييض الحيييان ،ولكيين هييذا التمتييع
مندوب إليه باعتبار الكل ،على معنيى أن تركيه جملية يخيالف ميا نييدب إلييه الشيرع مين
التحدث بنعمة ال والتوسعة ،كما في حييديث " إن الي تعييالى يحييب أن يييرى أثيير نعمتييه
على عبده ،وكما قال عمر بن الخطاب )ض( إذا أوسع ال عليكم فأوسعوا على أنفسكم.
إباحة للجزء مع التحريم باعتبار الكل ،كالمباحيات الييتي تقييدح المداوميية عليهييا -3
في العدالة ،كاعتياد الحلف ،وشتم الولد فذلك مباح في الصل ،لكنه محرم بالعتياد.
إباحة للجزء مع الكراهة باعتبار الكل ،كاللعب المباح ،فإن ذلك وإن كان مباحا -4
بالصل إل أن المداومة عليه مكروهة.
14
بغير الكل ،إل إذا أذن له صاحب الوليمة أو دل عليه عييرف أو قرينيية .وبهييذا تفييارق
الباحة الهبة والصدقة بأن فيهمييا تمليكييا ،كمييا أنهييا تفييارق الوصييية حيييث تكييون هييذه
مضافة على ما بعد الموت ،ولبد فيها من إذن الدائنين والورثة أحيانييا ،كمييا لبييد ميين
صيغة في الوصية.
هذه هي آثار الباحة للعيان في إذن العباد .أما آثار الباحة للمنافع فإن إباحتها ل تفيد إل
حل النتفاع فقط ،على ما تقدم تفصيييله .فحييق النتفيياع المجييد ميين قبيييل الييترخيص بالنتفيياع
الشخصييي دون المتلك ،وملييك المنفعيية فييي اختصيياص حيياجز لحييق المسييتأجر ميين منييافع
المؤجر ،فهو أقوى وأشمل ،لن فيه حق النتفاع وزيادة .وآثار ذلك قد تقدم الكلم عليها.
15
الجارة للعذر الطارئ علييى المسييتأجر مثييل أن يسييتأجر دكانييا يتجيير فيييه فيحييترق متيياعه أو
يسرق لن طروء هذا أو أمثاله ،يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها ،وذلييك قياسييا علييى
هلك العين المستأجرة ،وحكى ابن رشد انه عقد جائز.
ومادامت الجارة عقد معاوضة فيجوز للمؤجر استيفاء الجر قبل انتفيياع المسييتأجر علييى
التفصيل الذي سيرد في موضعه.
والصل في عقد الجارة انه مشروع على سبيل الجواز .والدليل على ذلك الكتاب والسيينة
والجماع والمعقول أما الكتاب فمنه قوله تعالى " :فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن".
ومن السنة ما رواه أبو سعيد الجدري رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال ي عليييه وسييلم
قال ":من استأجر أجيرا فليعلمه لجره" وقوله" :أعطوا الجير أجره قبييل أن يجييف عرقييه"
وقوله " :ثلثة أنا خصمهم يوم القيامة" الحديث وعد منهم رجل استأجر أجيرا فاسييتوفى منييه
ولم يعطه أجره".
وأما الجماع فإن المة أجمعت على العمل بها منذ عصر الصحابة وإلى الن وأما دليلهييا
من المعقول فلن الجارة وسيلة للتسيير على الناس في الحصول على ما يبتغونه من المنييافع
التي ل يملك لهم في أعيانها ،فالحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى العيييان ،فييالفقير محتيياج إلييى
مال الغني والغني محتاج إلى عمل الفقير .ومراعاة حاجة الناس أصل في شرع العقود .وبعييد
تعريف الجارة لغة واصطلحا وبيان حكمها الشرعي سننتقل إلى توضيح أركان الجارة.
16
تنعقد بأي لفظ دال عليها كالستئجار والكتراء والكراء وتنعقد بأعرتك هذه الدار شهرا بكذا
لن العارية بعوض إجارة .كما تنعقد بوهبتك منافعها شهرا بكييذا ،وصييالحتك علييى أن تسييكن
الدار لمدة شهر بكذا...
ويشترط في الصيغة أن تكون واضحة الدللة فييي لغيية المتعاقييدين وعرفهمييا ،قاطعيية فييي
الرتبة دون تسويف أو تعليق.
الـعــاقـــدان :
ميين أركييان عقييد الجييارة عنييد غييير الحنفييية العاقييدان –المييؤجر والمسييتأجر – والحنفييية
يعتبرونها من أطراف العقد ل من أركانه.
ويشترط فيهما لنعقاد العقد ،فل تنعقد الجارة من المجنون ول من الصبي الييذي ل يميييز
فل خلف في أنها ل تنعقد إل من جائز.
التصرف في المال .ويشترط في العاقدين للصييحة أن يقييع بينهمييا عيين تييراض ،فييإذا وقييع
العقد مشوبا بإكراه فإنه يفسد ،كما يشترط في العاقدين للصحة أن يقع بينهما عن تراض ،فييإذا
وقع العقد مشوبا بإكراه فإنه يفسد .كما يشترط الشيافعية والحنابلية ومين معهيم للصيحة وليية
إنشاء العقد ،فعقد الفضولي يعتبر عندهم فاسدا ،ويشترط في العاقدي للنفاذ عند أبي حنيفيية أل
يكون العاقد مرتييدا إن كييان رجل ،لنييه يييرى أن تصييرفاته تكييون موقوفيية ،بينمييا الصيياحبان
وجمهور الفقهاء ل يشترطون ذلك لن تصرفات المرتد عندهم نافذة .كما يشترط عند الحنفية
والمالكية الذين يرون أن الولية شرط للنفاذ ،بينما يرى آخرون أنها شرط للصحة.
مـحـل الجـــارة:
الكلم هنا يتناول بمنفعة العين المؤجرة والجرة.
أول منفعة العين المؤجرة
المعقود عليه في الجارة عند الحنفييية هيو المنفعية ،وهيي تختلييف بيياختلف محلهييا وعنيد
المالكية والشافعية أن المعقود عليييه إمييا إجييارة منييافع أعيييان ،وإمييا إجييارة منييافع فييي الذميية،
واشترطوا في إجارة الذمة تعجيل النقد ،للخروج من الدين بالدين .وعنيد الحنابلية محيل العقيد
أحد ثلثيية :الول :إجييارة عمييل فييي الذميية فييي محييل معييين أو موصييوف .وجعلييوه نييوعين:
17
استئجار العامل مدة لعمل بعينه ،واستئجاره على عمل معين في الذمة كخياطيية ثييوب ورعييي
غنم .الثاني :إجارة عين موصوفة في الذمة .الثالث :إجارة عين معينة لمدة محددة.
الجــــرة :
الجرة هي ما يلتزم به المستأجر عوضييا عيين المنفعيية الييتي يتملكهييا .وكييل مييا يصييلح أن
يكون ثمنا في البيع يصلح أن يكون أجرة في الجارة وقال الجمهور :أنه يشييترط فييي الجييرة
ما يشترط في الثميين .ويجييب العلييم بييالجر لقييول النييبي )ص( " ميين اسييتأجر أجيييرا فليعلمييه
أجره" ،وإن كان الجر مما يثبت دينا في الذميية كالييدراهم والييدنانير والمكيلت والموزونييات
والمعدودات المتقاربة فلبد من بيان نسبه ونوعه وصفته وقدره .ولو كييان فييي الجيير جهاليية
مفضية للنزاع فسد العقد ،فإن استوفيت المنفعة في أجر المثل وهو ما يقدره أهل الخبرة.
وجوز الجمهور أن تكون الجرة منفعة من جنس المعقود عليه .يقول الشيييرازي :ويجييوز
إجازة المنافع من جنسها ومن غير جنسها ،لن المنيافع فيي الجيارة كالعييان فيي اليبيع .ثيم
العيان يجوز بيع بعضها ببعيض فكييذلك المنييافع .ويقيول ابين رشييد :أجيياز ماليك إجييارة دار
بسكنى دار أخرى.
18
الرض .وإذا كانت الجارة غير محددة المدة ،كأن يؤجر له الدار مشاهرة كل شهر بكذا دون
بيان عدد الشهر ،فإن لكل ذلك أحكاما مفصلة سيأتي ذكرها.
ثانيا :انقضاء الجارة بالقالة
كما أن القالة جائزة في البيع ،لقوله صلى ال عليه وسلم" :من أقال نادما بيعتييه أقييال ال ي
عثرته يوم القيامة" فهو كذلك جائزة في الجارة ،لن الجارة بيع منافع.
ثالثا :انقضاء الجارة بهلك المأجور
تفسخ الجارة بسبب هلك العين المسيتأجرة بحييث تفيوت المنيافع المقصيودة منهيا كليية،
كالسفينة إذا انقضت وصارت ألواحا ،أو الدار إذا انهدمت وصارت أنقاضا.
رابعا :انفساخ الجارة بالموت
سييبق أن ذكيير أن الحنفييية العاقييدين للييذين يعقييدان لنفسيييهما ،كمييا تنقضييي بمييوت أحييد
المسيتأجرين أو أحيد الميؤجرين فيي حصيته فقيط .ورجيع الزليعيي اليرأي الول .وقيال :لن
الشروط يراعى وجودها في البتداء دون البقاء .وعلل لنفساخ الجارة بييالموت ،فقييال :لن
العقد ينعقد ساعة فساعة بحسب حدوث المنافع ،فإذا مات المؤجر فالمنافع التي تستحق بالعقييد
هي التي تحدث على ملكه ،فلم يكن هو عاقدا ول راضيا بها .وإن مات المستأجر فغن المنفعة
ل تورث.
19
الفصل الثالث :الـجـعـالــة
20
المطلب الثاني :مشروعية الجعالة
ل تجوز الجعالة عند الحنفية 3لما فيها من الغرر أي جهالة العمل والمدة قياسا علييى سييائر
الجارات التي يشترط لها معلومييية العمييل والمييأجور والجييرة والمييدة .وغنمييا أجييازوا فقييط
استحسانا دفع الجعل لمن يرد العبد البق4أي الهارب من مستأجره أو الوصي عليييه ،ولييو بل
شرط ،من مسيرة ثلثة أيام فصاعدا ،ومقدار الجعل أربعييون درهمييا ،تغطييية للنفقيية فييي مييدة
السفر .وإن رده لقل من ذلييك المقييدار ،فبحسييابه ،اعتبييار القييل بييالكثر ،فييإذا رده مثل ميين
مسافة يومين فله ثلثاها ،ومن يوم ثلثها ،ومن رده من أقل منه ،أو وجده في البلييد يرضييخ لييه،
أي يعطي بنسبة عمله .وسبب استحقاق الجعل :هو أخذ البييق لصيياحبه ،فييدفع الجعييل طريييق
للمالك لصيانة ماله.
وتجوز الجعالة شرعا عند المالكية كما جاء في كتاب بداية المجتهد لبن رشد بييدليل قييوله
تعالى في قصة يوسف مع إخوته" :قالوا :تفقد صواع الملك ،ولمن جاء به حمل بعيــر ،وأنــا
به زعيم" 1أي كفيل .وبييدليل مييا جيياء فييي السيينة ميين أخييذ الجييرة علييى الرقييية بالفاتحيية )أم
القرآن( ،وهو ما رواه الجماعة إل النسييائي عيين أبييي سييعيد الخييدري :أن ناسييا ميين أصييحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب ،فلم يقروهم )يضيفوهم( ،فبينما هييم
كذلك إذ لدغ سييد أولئك ،فقيالوا :هيل فيكيم راق؟ فقيالوا :ليم تقرونيا ،فل نفعيل أو تجعليوا لنيا
جعل ،فجعلوا لهم قطيع شاء ،فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ،ويجمع بزاق ويتفل ،فييبرأ الرجييل،
فأتوهم بالشاء ،فقالوا ل تأخذها حتى نسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم فسييألوا رسييول الي
)ص( عن ذلك ،فضحك ،وقال" :وما أدراك ،إنها رقية ،خذوها واضربوا لي فيها بسهم".
والمعقول يؤيد ذلك :وهو أن الحاجة تدعو إلى الجعاليية ،ميين رد ضييالة ،وآبييق ،وعمييل ل
يقدر عليه صاحبه ،فجاز بذلك الجعل ،كالجارة والمضيياربة ،إل أن جهاليية العمييل والمييدة ل
تضر بخلف الجييارة ،لن الجعاليية غييير لزميية والجييارة لزميية وتفتقيير إلييى تعيييين المييدة
لمعرفة قدر المنفعة ،ولن الجعالة رخصة اتفاقا لما فيها من الجهالة ،وأجيييزت لذن الشييارع
بها.
21
المبحث الثاني :الجعالة أساليبها وشروطها
المطلب الول :صيغة الجعالة
الجعالة التزام بيإرادة واحيدة فل تتحقييق إل بصييغة ميين الجاعيل ميين الصيييغ السييابقة فيي
تعريفها ونحوها ،تدل على إذن بالعمل بطلب صريح ،بعوض معلوم مقصود عادة ملتزم بييه،
فلو عمل العامل بل إذن ،أو أذن الجاعل لشخص ،فعمل غيره ،فل شيء له ،لن الول عميير
متبرعا ،والشخص المعين في الحالية الثانيية ليم يعميل ول يشيترط فيي الجاعيل كيونه مالكيا،
فيصح لغيره أن يلتزم بجعل ويستحقه العامل الذي رد الشيء.
كما ل يشترط قبول العامل ،وإن عينه الجاعل ،لن الجعالة التزام ميين جييانب واحييد ،كمييا
أوضحت ويصح أن تكون الجعالة لواحد معين ،أو لغير معين ،كمييا يصييح أن يجعييل الجاعييل
للمعين عوضا ولسائر الناس عوضا آخر.
وتفترق الجعالة عيين الجيارة عليى عميل معليوم كبنياء وخياطية ثييوب وحمييل شييء إلييى
موضوع معلوم من نواح أربعة وهي:
أول :ل يتم استيفاء المنفعة للجاعل إل بتمام العمل كرد الشارد وبييرء المريييض .أمييا فييي
الجارة فيتم استيفاء المنفعة للمسييتأجر بمقييدار مييا عمييل الجييير .وبعبييارة أخييرى :ل تتحقييق
المنفعة في الجعالة إل بتمييام العمييل ،أمييا فييي الجييارة فتتحقييق المنفعيية للمسييتأجر بجييزء ميين
العمل .وبناء عليه ،ل يستحق العامل في الجعالة شيئا إل بتمام العمييل .وإذا عمييل الجييير فييي
الجارة بعض العمل استحق من الجر بحساب )أو مقدار( ما عمل.
ثانيا :إن الجعالة عقد يحتمل فيها الغرر ،وتجييوز جهاليية العمييل والمييدة بخلف الجييارة
فالعمل في الجعالة قد يكون معلوما ،أو مجهيول غيير معليوم ،كيرد بهيمية ضيالة ،وحفير بئر
حتى يخرج منها الماء ،وكما تصح الجعالة على عمل مجهول أو معلوم ،تصييح جهاليية المييدة.
أما الجارة فلبد من أن يكون العمل فيها معلوما كالخياطة والبناء والمدة معلومة .وإذا قدرت
الجارة بمدة لزم الجير العمل في جميع المدة ،ول يلزمه العمييل بعييدها .أمييا الجعاليية فييالمهم
فيها إنجاز العمل دون تقيد بالمدة.
ثالثا :ل يجوز اشتراط تقديم الجرة في الجعالة بخلف الجارة.
22
رابعا :الجعالة عقيد جيائز غيير لزم فيجيوز فسيخه ،بخلف الجييارة ،فإنهيا عقيد لزم ل
يفسخ.
23
تعالى " :ول تعاونوا على الثم والعدوان" ]المائدة .[5/2وأضاف المالكية" :كل ما جاز فيه
الجعل كحفر البار في فلة ،جازت فيه الجارة ،ل العكس ،فليس كل ما جازت فيه الجارة،
جاز فيه الجعل" مثل بيع سلع 2وخدمة شهر ،فالجارة أعم ميين ناحييية المحييل المعقييود عليييه،
والسبب في عدم صحة الجعالة فيما ذكير :أن الجعاليية تكيون فيميا ل يحصيل للجاعيل نفييع إل
بتمام العمل ،وهذه المور يبقى فيها للجاعل منفعة إذا لم يتم العامل العمل.
رابعا :اشترط المالكية أل يحدد للجعالة أجل ،وقال غيرهم :يصح الجمع بين تقييدير المييدة
والعمل ،مثل من خاط لي هذا الثوب في يوم فله كذا ،فإن أتى به في المدة استحق الجعييل ولييم
يلزمه شيء آخر ،وإن لم يف به فيها فل يلزمه شيء له ،وذلك بخلف الجارة.
وأضاف بعض المالكية )القاضي عبد الوهاب خلفا لبيين رشييد( شييرطا خامسييا :وهييو أن
تكون الجعالة في العمل اليسير ،ولو كان متعددا كإبييل كييثيرة شييردت .واشييترط المالكييية كمييا
تقدم عدم شرط النقد للجعل ،فإن شرط النقد يفسدها ،لنه سييلف جيير نفعييا بطريييق الحتمييال،
وأما تعجيل الجعل بل شرط فل يفسدها.
– 2بيع سلع من ثياب أو إبل إذا لم يأخذ العامل الجعل إل على بيع الجميع لن تعدد السلع بمثابة عقود
متعددة يستحق الجعل في كل سلعة
24
لئحة المراجع
25
القانونية العلوم كلية جامعة الحسن الول
والقتصادية والجتماعية بسطات
عرض في مـوضوع:
26
عبد المجيد بن جلون •
27