You are on page 1of 16

‫التعريف باإلرادة ومبدأ حريتها‬

‫في العقد الطبي‬


‫لألشياء بوجه عام طبيعتها التي تتسم بها وحقائقها التي تقوم عليها كي تكتمل‬
‫جوانبها وتتميز خصائصها فيتحدد إطارها العام وشكلها ليعكس مظهرها‪ ،‬فاإلرادة كفكرة‬
‫لها حقيقتها ودورها في جميع أنواع العقود‪ ،‬لكن تكمن خصوصيتها في العقد الطبي الذي‬
‫محله جسم اإلنسان ذو الحصانة والمعصومية‪ ،‬وكي يبرم العقد الطبي البد من أن تلتقي‬
‫فيه ارادتين متطابقتين وهذه اإلرادة من حيث المبدأ حرة وبموجبها يكون للطبيب الحرية في‬
‫اختيار مرضاه مقابل حرية المريض في اختيار طبيبه مع بعض القيود التي تحد من‬
‫هذا المبدأ‪.‬‬
‫استنادًا لما تقدم وللوقوف على حقيقة اإلرادة ومبدأ حريتها في العقد الطبي‬
‫ارتأينا في هذا الباب أن نسلط الضوء على هذه المسائل وذلك في فصلين وعلى‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬التعريف باإلرادة في العقد الطبي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مبدأ حرية اإلرادة في العقد الطبي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل األول‬
‫التعريف باإلرادة في العقد الطبي‬
‫لإلرادة دور مهم في جميع أنواع العقود سواًء كانت مس‪C‬ماة أم غ‪C‬ير مس‪C‬ماة‪ ،‬وتب‪C‬دو أهميته‪C‬ا‬
‫أك ‪CC C‬ثر في العق ‪CC C‬د الط ‪CC C‬بي‪ ،‬ألن ‪CC C‬ه من العق ‪CC C‬ود ال ‪CC C‬تي ت ‪CC C‬رد على جس ‪CC C‬م اإلنس ‪CC C‬ان ال ‪CC C‬ذي يتمت ‪CC C‬ع بحص ‪CC C‬انة‬
‫ومعص ‪CC‬ومية‪ ،‬إذ ليس بامك ‪CC‬ان الط ‪CC‬بيب المس ‪CC‬اس بجس ‪CC‬م مريض ‪CC‬ه إال بع ‪CC‬د الحص ‪CC‬ول على رض ‪CC‬ائه أو‬
‫رضاء َم ْن يمثله‪ ،‬أي بمع‪C‬نى أن‪C‬ه ال يس‪C‬تطيع القي‪C‬ام ب‪C‬أي عم‪C‬ل ط‪C‬بي ك‪C‬ان إال بع‪C‬د حص‪C‬وله على اإلذن‬
‫احترامًا إلرادة مرضاه باستثناء حاالت قليلة سنأتي على ذكرها الحقًا‪.‬‬
‫وألهمية اإلرادة هذه‪ ،‬ولعدم اتفاق الفقه حول مفهومها من ناحية وألهمية العقد الطبي ذات‪C‬ه‬
‫والذي لم ينظمه المشرع الع‪C‬راقي الفتق‪C‬اده لق‪C‬انون ط‪C‬بي منظم وموح‪C‬د من ناحي‪C‬ة أخ‪C‬رى‪ ،‬ارتأين‪C‬ا في‬
‫هذا الفصل تسليط الضوء على تعري‪CC‬ف اإلرادة لغ‪ًC‬ة واص‪CC‬طالحًا ومن ثم التط‪CC‬رق إلى تعري‪CC‬ف العق‪C‬د‬
‫الطبي وتمييزه مما يشتبه به من عقود وخصائصه وذلك في مبحثين‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية اإلرادة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلرادة لغًة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اإلرادة اصطالحًا‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مراحل اإلرادة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ماهية العقد الطبي‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف العقد الطبي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تمييز العقد الطبي مما يشتبه به من عقود‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬خصائص العقد الطبي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول‬
‫ماهية اإلرادة‬
‫من اج ‪CC‬ل الوص ‪CC‬ول إلى حقيق ‪CC‬ة اإلرادة الب ‪CC‬د من تعريفه ‪CC‬ا لغ ‪ًC‬ة واص ‪CC‬طالحًا م ‪CC‬ع اإلش ‪CC‬ارة إلى‬
‫المراحل التي تمر بها وصوًال إلى وضع تعريف مالئم لها‪ ،‬وذلك في ثالثة مطالب‪ ،‬يتناول األول‪:‬‬
‫التعري ‪CC C‬ف اللغ ‪CC C‬وي لإلرادة‪ ،‬ويتن ‪CC C‬اول المطلب الث ‪CC C‬اني‪ :‬التعري ‪CC C‬ف االص ‪CC C‬طالحي لإلرادة‪ ،‬والث ‪CC C‬الث‪:‬‬
‫يتضمن مراحل اإلرادة‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫اإلرادة لغًة‬
‫إن األصل اللغوي لكلمة اإلرادة هو الجذر الثالثي َر َو َد بمعنى طلب‪ ،‬واإلرادة المشيئة‪،‬‬
‫ويقال راوده على كذا ُم راَو دًة ورواِد ًا بالكسر بمعنى أراده‪ ،‬وراَد الكأل أي طلبُه(‪.)1‬‬
‫كما تعني اإلرادة أيضًا القصد إلى الشيء واالتجاه إليه(‪)2‬؛ وتأتي اإلرادة بمعنى اإلحساس‬
‫الذاتي بقدرة اإلنسان على تنفيذ ما يصمم أو يخطط له دون تردد أو تراجع وضمن ما تسمح به‬
‫اإلمكانيات والقدرات والقوانين(‪)3‬؛ بينما الَّر ْو ُد يعني الَّترُّد ُد في طلب الشيء برفٍق (‪.)4‬‬
‫كم‪CC C‬ا ت‪CC C‬أتي بمع‪CC C‬نى المي‪CC C‬ل بلف‪CC C‬ظ الِم ْر ود‪ ،‬ويق‪CC C‬ال إن فالن ‪ًC C‬ا يمش‪CC C‬ي على روٍد أي على مه‪CC C‬ل‬
‫وتصغيره روَيٌد ‪.‬‬
‫والمصدر اإلرادة‪ ،‬واإلرادة منقولة من راَد َيُر وُد إذا سعى في طلب الشيء وهي في‬
‫األصل قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل وهي اسٌم بمعنى النزوع عن إحساس أو تخيل‪ ،‬أي‬
‫حرية االختيار‪ ،‬فهناك اإلرادة الصالحة‪ ،‬أي التي تعمل بمقتضى الواجب‪ ،‬وهناك اإلرادة الكلية‬
‫التي تحل محل اإلرادة الفردية فيعدل فيها كل فرد عن أنانيته وينزل عن نفسه وحقوقه للمجتمع‬

‫(?) ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪1253‬؛ محمد‬ ‫‪1‬‬

‫بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬دار الرسالة‪ ،‬الكويت‪ ،1982 ،‬ص‪263‬؛ محمد بن‬
‫يعقوب الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،2000 ،‬‬
‫ص‪415‬؛ محمد مرتضى الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬دار ليبيا للنشر والتوزيع‪ ،‬بنغازي‪ ،‬ليبيا‪،‬‬
‫دون سنة‪ ،‬ص‪ 358‬ومابعدها‪.‬‬
‫(?) الموسوعة الفقهية‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،2‬تصدرها وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬طباعة ذات السالسل‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الكويت‪ ،1983 ،‬ص‪.5‬‬


‫(?) ينظر‪ :‬د‪ .‬جرجيس جرجيس‪ ،‬معجم المصطلحات الفقهية والقانونية‪ ،‬الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬ط‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1‬بيروت‪ ،1996 ،‬ص‪.35‬‬


‫(?) أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬ط األخيرة‪ ،‬شركة‬ ‫‪4‬‬

‫مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪ ،1961 ،‬ص‪.206‬‬

‫‪8‬‬
‫بأكمله‪ ،‬كما هناك إرادة االعتقاد بمعنى القدرة على االيمان‪ ،‬وهناك أيضًا إرادة الحياة بمعنى‬
‫الشيء الذي يتجلى في مختلف الموجودات وهذا االختالف هو أصل تعارض هذه الموجودات‬
‫وتصارعها‪ ،‬كما هناك إرادة القوة فهي فردية تحب ذاتها وتقسو على اآلخرين‪ ،‬بل تقسو على‬
‫نفسها ألنها ترى في المخاطرة واأللم ضرورة لها فتقلب مبادئ القيم المتعارف عليها رأسًا على‬
‫عقب من أجل أن تضع القوة مبدًأ أوًال لها(‪.)1‬‬
‫أما عن وصف لفظ اإلرادة في اللغة‪ :‬فهي صفة توجب للحي حاًال يقع منه الفعل على‬
‫وجه دون وجه آخر‪ ،‬وبهذا فانها صفة تخصص أمرًا ما لحصوله ووجوده(‪ ،)2‬كما قال اهلل تعالى‬
‫في كتابه العزيز‪ِ[ :‬إَّنَم ا َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد َش ْيئًا َأْن َيُق وَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن ](‪.)3‬‬
‫فضمن هذه الفلسفة ُتعّد اإلرادة قوة خفية غير ظاهرة‪ ،‬فهي آلة للحياة أكثر أحكامًا وتنوعًا‬
‫مما للحيوان من اآلالت‪ ،‬ألن آالت الحيوان ظاهرة وغاياتها معروفة محددة في حين أن العقل‬
‫باطن يخفي غاياته ويستخدم ما يشاء من اآلالت(‪.)4‬‬
‫ويرد البعض من اللغويين كل وجود إلى اإلرادة فيعد مرد السلوك واألخالق إلى اإلرادة‬
‫اإلنسانية وهذا ما يسمى إرادة القوة(‪.)5‬‬
‫واإلرادة تأتي بمعنى الحكم‪ ،‬كأن يقال أراد اهلل كذا معناه أنه حكم فيه أنه كذا كقوله تعالى‪:‬‬
‫[ِإْن َأَر اَد ِبُك ْم ُس وءًا َأْو َأَر اَد ِبُك ْم َر ْح َم ًة َو ال َيِج ُد وَن َلُه ْم ِم ْن ُدوِن الَّلِه َو ِلّيًا َو الَنِص يرًا](‪.)6‬‬
‫وقد يراد باإلرادة معنى األمر كأن "تقول أريد منك كذا أي آُم رَك بكذا" كقوله تعالى [ُيِر يُد‬
‫الَّلُه ِبُك ُم اْلُيْسَر َو ال ُيِر يُد ِبُك ُم اْلُعْسَر ](‪.)7‬‬

‫(?) د‪ .‬جميل صلبيا‪ ،‬المعجم الفلسفي باأللفاظ العربية والفرنسية واإلنكليزية والالتينية‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،1978 ،‬ص‪.58‬‬


‫(?) أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني المعروف بالسيد الشريف‪ ،‬التعريفات‪ ،‬دار الشؤون‬ ‫‪2‬‬

‫الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص‪.17‬‬


‫(?) سورة يس‪ ،‬اآلية ‪.82‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نديم مرعشيلي‪ ،‬أسامة مرعشيلي‪ ،‬الصحاح في اللغة والعلوم‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الحضارة‬ ‫‪4‬‬

‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1974 ،‬ص‪ 520‬ومابعدها‪ ،‬وبنفس المعنى تقريبًا‪:‬‬


‫‪ -‬د‪ .‬عبد الواحد كرم‪ ،‬معجم مصطلحات الشريعة والقانون‪ ،‬ط‪ ،2‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،1998 ،‬ص‪.31‬‬
‫(?) د‪ .‬عبد الواحد كرم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 31‬ومابعدها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ )?(6‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬


‫‪ )?(7‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.185‬‬

‫‪9‬‬
‫وقد تأتي بمعنى القصد‪ ،‬أي يقصدونه ويطلبونه كقوله تعالى [ال ُيِر يُد وَن ُعُلّو ًا‬
‫(‪)1‬‬

‫ِفي اَألْر ِض ](‪.)2‬‬


‫وفي هذا المجال تجدر اإلشارة إلى تمييز اإلرادة من غيرها من المصطلحات األخرى‬
‫لغًة(‪:)3‬‬
‫فالرضا يختلف عن اإلرادة‪ ،‬ألن الرضا هو الرغبة في الفعل واالرتياح إليه‪ ،‬وإ رادة‬
‫الطاعة تكون قبلها والرضا يكون بعدها أو معها‪ ،‬فالرضا ال يطابق اإلرادة ألن الرضا نقيض‬
‫السخط؛ والسخط من اهلل تعالى إرادة العقاب فينبغي أن يكون الرضا منه إرادة الثواب أو الحكم‬
‫به‪ ،‬فقد يريد المرء شيئًا مع أنه ال يرضاه أي ال يحبه وال يرتاح إليه وبهذا فان الرضا غير‬
‫مرادف لإلرادة إنما هو جزء منها‪.‬‬
‫كما أن هناك فرقًا بين التمني واإلرادة أيضًا‪ ،‬ألن التمني يأتي معنى في النفس‬
‫ويقع عند فوات فعٍل كان للمتمني في وقوعه نفع أو في زواله ضرر مستقبًال‪ ،‬أما‬
‫اإلرادة فال تتعلق إال بالمستقبل في حين أن التمني يجوز أن يتعلق بما ال يصح تعلق اإلرادة‬
‫به أصًال‪.‬‬
‫كما تختلف اإلرادة عن االختيار بأن األخير يعني لغًة تفضيل الشيء على غيره من غير‬
‫الجاء أو اضطرار‪ ،‬بينما تتجه اإلرادة إلى أمٍر واحد محدد(‪ ،)4‬فاإلرادة هي نزوع النفس وميلها‬
‫إلى الفعل‪ ،‬أما االختيار فهو ميل مع تفضيل واإلرادة أعم من االختيار‪ ،‬فكل اختيار إرادة لكن‬
‫ليس كل إرادة اختيارًا(‪.)5‬‬
‫وتختلف اإلرادة عن المشيئة‪ ،‬إذ إن اإلرادة تكون لما يتراخى وقته ولما ال يتراخى‪،‬‬
‫والمشيئة تكون لما لم يتراخ وقته والدليل على ذلك عندما يقال فعلت كذا شاء زيٌد أو أبى؛‬
‫كما تختلف‬ ‫(‪)6‬‬
‫على اعتبار أن المشيئة مرادفة للعناية اآللهية‪ ،‬وبهذا هي أوسع من اإلرادة‬

‫‪ )?(1‬أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب األصفهاني‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.207‬‬


‫‪ )?(2‬سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬
‫(?) يراجع‪ :‬أبو هالل العسكري‪ ،‬الفروق في اللغة‪ ،‬ط‪ ،5‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬دون مكان طبع‪،1983 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.119-116‬‬
‫‪ )?(4‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫(?) د‪ .‬جميل صلبيا‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 60‬ومابعدها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) ينظر‪ :‬د‪ .‬عبد الستار عز الدين الراوي‪ ،‬فلسفة العقل‪ ،‬دار الحرية للطباعة‪ ،‬بغداد‪ ،1984 ،‬ص‪84‬؛‬ ‫‪6‬‬

‫وبنفس المعنى‪:‬‬
‫‪ -‬يسرى وليد ابراهيم علي بك‪ ،‬إنشاء االلتزام باإلرادة المنفردة‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫مقدمة إلى كلية القانون‪ ،‬جامعة الموصل‪ ،2003 ،‬ص‪.24‬‬

‫‪10‬‬
‫اإلرادة عن القصد ألن قصد القاصد مختص بفعله دون فعل غيره‪ ،‬في حين أن اإلرادة مختصة‬
‫بأحد الفعلين دون اآلخر(‪.)1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫اإلرادة اصطالحًا‬
‫لم تح ‪CC‬دد التش ‪CC‬ريعات مض ‪CC‬مونًا لإلرادة(‪ )2‬إال أن الفق ‪CC‬ه عرفه ‪CC‬ا بتعريف ‪CC‬ات ع ‪CC‬دة نقتص ‪CC‬ر على‬
‫بيان أهمها‪ ،‬فقد عرفها جانب من الفقه بأنها‪:‬‬
‫"عمل نفسي ينعقد به العزم على شيء معين"(‪.)3‬‬
‫ومع إقرارنا بعمق هذا التعريف وأصالته إال أنه يمكن أن ترد عليه مالحظة واحدة‪ ،‬إذ‬
‫إنه لم يتضمن اإلشارة إلى اإلرادة الظاهرة وإ نما اقتصر على اإلرادة الباطنة وحدها في حين أن‬
‫اإلرادة الباطنة التشمل كل اإلرادة إنما هي قسم منها‪ ،‬بل انها المرحلة الثانية والكاشفة لها‪.‬‬
‫وعرفها جانب فقهي(‪ )4‬آخر بتعريف مطابق تقريبًا للتعريف أعاله وذلك بأنها‪:‬‬
‫"أمر نفسي ينعقد به العزم على أمر معين"‬
‫فيؤخذ على هذا التعريف المآخذ نفسها التي وردت آنفًا‪.‬‬

‫(?) ينظر في المعنى نفسه‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد رواس قلعة جي‪ ،‬د‪ .‬حامد صادق قنيبي‪ ،‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫النفائس‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1985 ،‬ص‪.53‬‬


‫(?) تجدر اإلشارة إلى أن المشرع العراقي ذكر مصطلح اإلرادة مرتين فقط‪ ،‬األولى‪ :‬عندما نص على‬ ‫‪2‬‬

‫عيوب اإلرادة في المواد (‪ ،)125-112‬والثانية‪ :‬عندما نص في المادة (‪ )184‬على اعتبار اإلرادة المنفردة‬
‫مصدرًا استثنائيًا لاللتزام اإلرادي وتأتي بعد العقد‪.‬‬
‫(?) د‪ .‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ج‪ ،1‬دار النشر للجامعات العربية‪ ،‬مصر‪ ،1952 ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.186‬‬
‫(?) د‪ .‬عبد المجيد الحكيم‪ ،‬الوسيط في نظرية العقد‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة شركة الطبع والنشر األهلية‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،1967‬ص‪124‬؛ د‪ .‬ياسين محمد الجبوري‪ ،‬المبسوط في شرح القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار وائل‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،2002 ،‬ص‪.173‬‬

‫‪11‬‬
‫وعرفها جانب آخر من الفقه(‪ )1‬بأنها‪" :‬محور التراضي واتجاه نفسي اليحس بوجوده‬
‫إّال عند وجود ما يدل عليه"‪.‬‬
‫وان أشار هذا التعريف إلى مسألة وجود اإلرادة‪ ،‬ألنه بصورة عامة اليرغب الشخص‬
‫على سبيل المثال في تناول دواء مٍر أو الخضوع لعملية جراحية قد تكون مؤلمة ألن هذه األمور‬
‫تكون بغيضة على جسد الشخص ونزعاته الحسية‪ ،‬لكن بوجود اإلرادة يستسلم لمثل هذه األمور‬
‫رغبًة منه في الشفاء‪ ،‬فالخضوع لهذه األمور دليل على وجود اإلرادة(‪ ،)2‬إال أنه جاء بصيغة‬
‫مقتضبة للغاية‪ ،‬إذ لم يبين لنا المراحل التي يمكن أن تمر بها اإلرادة‪ ،‬كما أنه اليفي بما نريد‬
‫الوصول إليه‪.‬‬
‫في حين أن جانبًا آخر من الفقه(‪ )3‬عرف اإلرادة بأنها‪" :‬مجرد اعتزام الفعل واالتجاه‬
‫إليه"‪ .‬وهذا التعريف شمل اإلرادة الباطنة بعبارة (اعتزام الفعل) فضًال عن اإلرادة الظاهرة‬
‫بعبارته (االتجاه إليه) إال أنه لم يأخذ بعين االعتبار المراحل التي يمكن أن تمر بها اإلرادة إذ‬
‫أشار إلى المرحلة الثالثة والمتمثلة بالتحرك العملي من أجل ابراز العزم الذي هو اإلرادة الظاهرة‬
‫متجاوزًا المراحل األولى لإلرادة والمتمثلة بالباعث أو النية والتروي أو التدبر‪.‬‬
‫وقد تناول جانب آخر من الفقه(‪ )4‬اإلرادة من خالل تعريفه للتصرف القانوني على اعتبار‬
‫أن التصرف القانوني هو اتجاه اإلرادة إلى إحداث أثر قانوني سواًء كان هذا األثر‬
‫هو إنشاء حق كالهبة أو نقله كالحوالة أو تعديله كالتجديد أو إنهاءه كاإلبراء‪ ،‬فال عبرة باإلرادة‬
‫التي لم تتجه إلى إحداث أثر قانوني كما هو الحال في أعمال المجامالت(‪.)5‬‬

‫(?) د‪ .‬حلمي بهجت بدوي‪ ،‬أصول االلتزامات‪ -‬الكتاب األول في نظرية العقد‪ ،‬مطبعة نوري‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاهرة‪ ،1943 ،‬ص‪71‬؛ د‪ .‬مصطفى الزرقا‪ ،‬محاضرات في القانون المدني السوري‪ ،‬دون مكان‬
‫طبع‪،‬‬
‫‪ ،1954‬ص‪.42‬‬
‫(?) ينظر في براهين وجود اإلرادة‪ :‬جي‪.‬ف‪ .‬دونسيل‪ ،‬علم النفس الفلسفي‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫بغداد‪ ،1986 ،‬ص‪.177‬‬


‫(?) د‪ .‬مصطفى الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪.395‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) د‪ .‬محمد شكري سرور‪ ،‬النظرية العامة للحق‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر العربي‪ ،‬دون مكان طبع‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،1979‬ص‪.119‬‬
‫(?) د‪ .‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح ا لقانون المدني‪-‬مصادر االلتزام‪ ،‬ج‪ ،1‬دار النهضة‬ ‫‪5‬‬

‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪185‬؛ د‪ .‬مالك دوهان الحسن‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة‬
‫في االلتزام‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الطبع والنشر األهلية‪ ،‬بغداد‪ ،1971 ،‬ص‪ 91‬؛ د‪ .‬عمر السيد أحمد عبداهلل‪ ،‬ابرام‬
‫العقد في قانون المعامالت المدنية اإلماراتي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1995 ،‬ص‪22‬؛ د‪ .‬عبد‬
‫المجيد الحكيم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪12‬‬
‫إال أن هذا التعريف ال يمكن االستناد عليه من أجل الوصول إلى تعريف اإلرادة في‬
‫االصطالح القانوني خصوصًا أن هناك جانبًا من الفقه(‪ )1‬ينتقد هذا التعريف على اعتبار‬
‫أن التصرف ليس اتجاهًا لإلرادة إنما هو ثمرة ونتيجة لهذا االتجاه وهو ليس األثر المباشر التجاه‬
‫اإلرادة على اعتبار أن كل ما يصدر عن اإلنسان بارادة حرة مدركة يتعلق به إدراكه أوًال ثم‬
‫إرادته ثم قدرته‪ ،‬وعليه فان تصرف اإلنسان ثمرة قدرته التابعة إلرادته والتابعة إلدراكه‪ ،‬وبهذا‬
‫فقد عرف التصرف القانوني بصورة أكثر دقة بأنه كل ما يصدر عن اإلنسان من قول أو فعل‬
‫بارادة حرة واعية ويرتب عليه القانون األثر(‪.)2‬‬
‫يتضح لنا من هذا التعريف أن التصرف القانوني هو ثمرة قدرة اإلنسان وهذا ال يعني‬
‫ثمرة إرادته ومن أجل أن يكون التصرف صحيحًا يجب أن يكون صادرًا عن إدراك(‪ )3‬ومن ثم‬
‫إرادة ومن ثم قدرة‪ ،‬إال أننا لو توقفنا قليًال عند هذا القول فسنجد أن اإلدراك يقع قبل اإلرادة ومن‬
‫ثم فهو ليس مرحلة من مراحل اإلرادة‪ ،‬بل هو عملية عقلية يدرك بها الشخص الموجودات من‬
‫حوله‪ ،‬كما تجدر اإلشارة إلى أن اإلدراك يختلف عن االنتباه ‪،‬الن األخير هو تركيز الشعور في‬
‫شيء ما‪ ،‬بينما اإلدراك هو معرفة هذا الشيء‪ ،‬فقد ينتبه جمع من الناس إلى موقف معين كسماع‬
‫محاضرة على سبيل المثال أو مشاهدة مسرحية ‪ ،‬فاالنتباه بهذا الفرض‬
‫واحد لكن يختلف إدراك كل منهم عن اآلخر اختالفا كبيرا وذلك الختالف ثقافتهم وخبراتهم‬
‫ووجهات نظرهم وذكائهم(‪.)4‬‬
‫ونطرح هنا على سبيل المثال حالة الشخص المجنون فهو قانونًا عديم اإلرادة ألنه‬
‫ال إدراك له أصًال في حين أن القدرة هي صفة لإلرادة فيتمكن من خاللها فعل الشيء أو‬

‫(?) د‪ .‬مصطفى الزلمي‪ ،‬المنطق القانوني‪ ،‬القسم الثالث‪ ،‬بحث منشور في مجلة جامعة النهرين للحقوق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫المجلد‪ ،4‬العدد ‪ ،5‬تموز ‪ ،2000‬ص‪ 14‬ومابعدها‪.‬‬


‫(?) د‪ .‬مصطفى الزلمي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )?(3‬يرى علماء النفس بأن اإلدراك هو بمثابة قدرة معرفية متعددة الجوانب‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬لندال دافيدوف‪ ،‬مدخل علم النفس‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ماكجروهيل للنشر‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪،1976 ،‬‬
‫ص‪.248‬‬
‫‪ -‬أ‪.‬د‪ .‬محمد جاسم محمد‪ ،‬علم النفس التربوي وتطبيقاته‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،2004 ،‬ص‪.229‬‬
‫(?) د‪ .‬احمد عزت راجح‪ ،‬أصول علم النفس‪ ،‬ط‪ ،8‬المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫اإلسكندرية‪ ،1970 ،‬ص‪178‬؛ وبنفس المعنى تقريبا‪ :‬د‪ .‬برنهارت‪ ،‬علم النفس في حياتنا العملية‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪. 209‬‬

‫‪13‬‬
‫تركه وهي تعبير عن االستطاعة فال يمكن جعل التصرف القانوني ثمرة للقدرة إنما هو ثمرة‬
‫لإلرادة التي تقرر وتتحكم في إنشاء التصرف القانوني‪.‬‬
‫كل هذا وذاك يدفعنا إلى عدم التعويل على تعريف التصرف القانوني كأساس للوصول‬
‫إلى تعريف اإلرادة‪.‬‬
‫كما ذهب جانب آخر من الفقه(‪ )1‬إلى تعريف اإلرادة بأنها‪:‬‬
‫"نشاط نفسي اتجه إلى تحقيق غرض عن طريق وسيلة معينة"‪.‬‬
‫فصحيح أن اإلرادة هي نشاط نفسي داخلي يتجه إلى غرض بوسيلة معينة إال أن هذا‬
‫التعريف لم يحدد لنا المراحل التي تمر بها اإلرادة من علم وإ دراك ومن ثم تحقيق وإ نجاز أي‬
‫تنفيذ ما انعقد العزم عليه‪.‬‬
‫وذهب جانب آخر من الفقه(‪ )2‬إلى تعريف اإلرادة بأنها‪:‬‬
‫"تحرك عملي لتحقيق وانجاز ما انعقد العزم عليه من شوق مسبوق بعلم وإدراك"‪.‬‬
‫لقد أصاب هذا التعريف بتحديده للمراحل التي تمر بها اإلرادة لكن يؤخذ عليه بأنه قد‬
‫حصر اإلرادة بالتحرك العملي بمعنى أن يكون هناك موقف ايجابي قوًال كان أم فعًال ولم يأخذ‬
‫بنظر االعتبار حالة السكوت المالبس‪.‬‬
‫وقد عرف جانب فقهي(‪ )3‬آخر اإلرادة بأنها‪:‬‬
‫"توجه كامن في النفس يرمي إلى تحقيق أمر وتجسيده بمظهر خارجي بحيث‬
‫يترتب عليه إنتاج أثر معتد به قانونًا"‪.‬‬
‫ومع إقرارنا بكون هذا التعريف والتعريفات السابقة قد أصابت جانبًا أو آخر من جوانب‬
‫اإلرادة إال أن وضع التعريف قد يكون أكثر شمولية ومالءمة لو كان في الشكل اآلتي‪:‬‬
‫اإلرادة هي عمل نفسي يمر عبر مراحل مبدؤها دواخل النفس مقرونة بالعلم‬
‫واإلدراك واالختيار ومنتهاها المظهر الخارجي المجسد بفعل أو تصرف أو سكوت‬
‫مالبس‪.‬‬
‫بهذا تكمن شمولية التعريف المقترح بأنه‪:‬‬

‫(?) المحامي محمود زكي شمس‪ ،‬المسؤولية التقصيرية لألطباء في التشريعات العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫مطبعة خالد بن الوليد‪ ،‬دمشق‪ ،1999 ،‬ص‪.431‬‬


‫(?) د‪ .‬محمد بحر العلوم‪ ،‬عيوب اإلرادة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار الزهراء للطباعة والنشر‬ ‫‪2‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،1984 ،‬ص‪ 27‬ومابعدها‪.‬‬


‫(?) د‪ .‬محمود المظفر‪ ،‬نظرية اإلرادة المنفردة وتطبيقاتها القانونية والشرعية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار حافظ‬ ‫‪3‬‬

‫للنشر والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،2002 ،‬ص‪.35‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ .1‬بيَّن لنا المراحل التي تمر بها اإلرادة وهي الباعث أو النية والتروي أو التدبر ومن ثم العزم‬
‫أو (المشيئة)‪.‬‬
‫‪ .2‬لم يحصر اإلرادة بالتحرك االيجابي قوًال كان أم فعًال إنما شمل الموقف السلبي‪ ،‬أي من خالل‬
‫الظروف المالبسة للسكوت‪.‬‬
‫‪ .3‬ربط التحرك النفسي بالعلم واإلدراك‪ ،‬أي اتجاه الفكر إلى أم‪CC‬ر معين ومن ثم اختي‪CC‬ار ه‪CC‬ذا األم‪CC‬ر‬
‫دون غيره وأخيرًا تنفيذه والبت فيه‪.‬‬
‫ف ‪CC‬المريض على س ‪CC‬بيل المث ‪CC‬ال عن ‪CC‬دما يش ‪CC‬عر أن ص ‪CC‬حته مت ‪CC‬دهورة ف ‪CC‬ان أول عم ‪CC‬ل يفك ‪CC‬ر في ‪CC‬ه‬
‫ويدركه هو حاجته إلى العمل الطبي ومن ثم اختياره للطبيب المختص وأخيرًا وص‪C‬وله إلى مرحل‪C‬ة‬
‫التنفيذ الفعلي للعمل الطبي وبهذا تلتقي إرادة المريض بطبيبه‪.‬‬
‫بع‪CC‬د اس‪CC‬تعراض التعريف‪CC‬ات الفقهي‪CC‬ة لإلرادة وتمييزه‪CC‬ا من غيره‪CC‬ا من المص‪CC‬طلحات القريب‪CC‬ة‬
‫منه ‪CC‬ا ووض ‪CC‬ع تعري ‪CC‬ف مالئم له ‪CC‬ا؛ أيمكن الق ‪CC‬ول ب ‪CC‬أن الرض ‪CC‬ا واالختي ‪CC‬ار هم ‪CC‬ا ش ‪CC‬يٌء واح ‪CC‬د؟ أم أنهم ‪CC‬ا‬
‫مختلف‪CC‬ان؟! وه‪CC‬ل يمكن الق‪CC‬ول ب‪CC‬أن كًال من الرض‪CC‬ا واالختي‪CC‬ار يش‪CC‬كالن العناص‪CC‬ر ال‪CC‬تي تق‪CC‬وم عليهم‪CC‬ا‬
‫اإلرادة؟!‬
‫في هذا الص‪CC‬دد‪ ،‬ذهب ج‪CC‬انب من الفق‪CC‬ه(‪ )1‬إلى الق‪CC‬ول ب‪CC‬أن اإلرادة تتك‪CC‬ون من عنص‪CC‬رين هم‪CC‬ا‬
‫الرض‪CC‬ا واالختي‪CC‬ار‪ ،‬لكن ه‪CC‬ل يع‪CC‬ني ه‪CC‬ذا الق‪CC‬ول ض‪CC‬رورة التالزم بين ه‪CC‬ذان العنص‪CC‬رين؟ وه‪CC‬ل ي‪CC‬ترتب‬
‫على ذلك انعدام اإلرادة لانعدم العنصران معًا ألنها مرتبطة وجودًا وعدمًا بهذين العنصرين؟!‬
‫ل ‪CC C C C‬و ك ‪CC C C C‬ان الج ‪CC C C C‬واب بااليج ‪CC C C C‬اب ف ‪CC C C C‬ان اإلرادة تك ‪CC C C C‬ون س ‪CC C C C‬ليمة إذا اجتم ‪CC C C C‬ع عنص ‪CC C C C‬راها‬
‫(الرض ‪CC‬ا واالختي ‪CC‬ار) وبالت ‪CC‬الي ي ‪CC‬ترتب عليه ‪CC‬ا ك ‪CC‬ل اآلث ‪CC‬ار القانوني ‪CC‬ة وبالمقاب ‪CC‬ل تك ‪CC‬ون اإلرادة معيب ‪CC‬ة‬
‫إذا فق ‪CC C C C‬دت عنص ‪CC C C C‬ريها ومن ثم ال ت ‪CC C C C‬ترتب عليه ‪CC C C C‬ا اآلث ‪CC C C C‬ار القانوني ‪CC C C C‬ة‪ ،‬ولكنن ‪CC C C C‬ا نج ‪CC C C C‬د أن بعض‬
‫التص ‪CC C C‬رفات يت ‪CC C C‬وافر فيه ‪CC C C‬ا االختي ‪CC C C‬ار دون الرض ‪CC C C‬ا وم ‪CC C C‬ع ذل ‪CC C C‬ك نق ‪CC C C‬ول بص ‪CC C C‬حة ت ‪CC C C‬رتب اآلث ‪CC C C‬ار‬
‫القانوني ‪CC C C‬ة عليه ‪CC C C‬ا‪ ،‬فعلى س ‪CC C C‬بيل المث ‪CC C C‬ال أن ي ‪CC C C‬بيع الش ‪CC C C‬خص داره باختي ‪CC C C‬اره لكن يمكن أن يك ‪CC C C‬ون‬
‫غير راٍض ‪ ،‬فمن هذا المثال نجد فرقًا بين االختي‪CC‬ار والرض‪CC‬ا‪ ،‬فمن غ‪C‬ير المعق‪C‬ول أن نعتبرهم‪CC‬ا ش‪CC‬يئًا‬
‫واح ‪CC C C‬دًا‪ ،‬وم ‪CC C C‬ا يع ‪CC C C‬زز وجه ‪CC C C‬ة النظ ‪CC C C‬ر ه ‪CC C C‬ذه ه ‪CC C C‬و م ‪CC C C‬ا أك ‪CC C C‬ده ال ‪CC C C‬دكتور محم ‪CC C C‬د بح ‪CC C C‬ر العل ‪CC C C‬وم في‬
‫(‪)2‬‬
‫مناقشته لقول الرس ‪CC‬ول األعظم محم ‪CC‬د (علي ‪CC‬ه أفض ‪CC‬ل الص ‪CC‬الة والس ‪CC‬الم) (إنما البيع عن تراٍض)‬

‫‪ )?(1‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬الملكية ونظرية العقد‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪ ،‬دون سنة‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫(?) عن داؤد بن صالح المدني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري ويروي الحديث‪ ،‬ينظر في تخريج‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث‪ :‬الحافظ أبو عبداهلل محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دون‬
‫سنة طبع‪ ،‬ص‪.736‬‬

‫‪15‬‬
‫وقول ‪CC‬ه (ال يحل المرئ من مال أخيه إال ما ط‪g‬ابت ب‪g‬ه نفس‪g‬ه)(‪ )3‬فه ‪CC‬ذان دليالن على أن الرض‪CCC‬ا‬
‫غير االختيار‪ ،‬ألن‪C‬ه في الح‪C‬ديث األول جع‪C‬ل من الرض‪CC‬ا ركن‪ًC‬ا لل‪C‬بيع‪ ،‬ف‪CC‬اذا انع‪C‬دم الرض‪CC‬ا انع‪C‬دم ال‪C‬بيع‪،‬‬
‫وفي الح‪CC‬ديث الث‪CC‬اني (ع‪CC‬دم الح‪CC‬ل) للم‪CC‬رء من م‪CC‬ال أخي‪CC‬ه إّال م‪CC‬ا ط‪CC‬ابت ب‪CC‬ه نفس‪CC‬ه وه‪CC‬ذا ه‪CC‬و الم‪CC‬راد ب‪CC‬ه‬
‫الرضا ال االختيار(‪.)2‬‬
‫كم ‪CC C‬ا ج ‪CC C‬اء في ق‪CC C C‬ول الرس ‪CC C‬ول األعظم محم ‪CC C‬د (ص‪CC C C‬لى اهلل علي ‪CC C‬ه وس ‪CC C‬لم) في الطالق أن ‪CC C‬ه‬
‫(ال طالق إال لمن أراد الطالق)(‪ ،)3‬ف‪CC C C‬اإلرادة المقص‪CC C C‬ودة بالح‪CC C C‬ديث الرض‪CC C C‬ا ألن الطالق من دون‬
‫الرضاء ‪-‬أي الطالق الجبري‪ -‬ال يكون طالقًا‪.‬‬
‫يتضح لنا من كل ما تقدم أن هناك فرقًا بين الرضا واالختيار وي‪C‬ترتب على ذل‪C‬ك أن وج‪C‬ود‬
‫الرض ‪CC‬اء ب ‪CC‬الحكم يس ‪CC‬تلزم وج ‪CC‬ود االختي ‪CC‬ار في ‪CC‬ه وفي س ‪CC‬ببه ويس ‪CC‬تلزم ك ‪CC‬ذلك الرض ‪CC‬ا بالس ‪CC‬بب ووج ‪CC‬ود‬
‫االختيار ال يستلزم وجود الرضا ألن مجرد القصد إلى شيء ال يستلزم منه الرغبة فيه(‪.)4‬‬
‫وفي ه‪CC‬ذا النط‪CC‬اق تج‪CC‬در اإلش‪CC‬ارة إلى أن فقه‪CC‬اء الحنفي‪CC‬ة(‪ )5‬انف‪CC‬ردوا وح‪CC‬دهم عن بقي‪CC‬ة الفقه‪CC‬اء‬
‫اآلخرين في تمييز الرضا من االختيار‪:‬‬

‫(?) ثنا محمد بن عيد بن العالء الكاتب‪ ،‬ثنا على بن حرب‪ ،‬ثنا زيد بن الحبان عن عبد الملك بن الحسن‬ ‫‪1‬‬

‫األحول مولى مروان بن الحكم‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن أبي سعيد‪ ،‬حدثني عمارة بن حارثة الضمري‪ ،‬ذكر‬
‫عن عمرو بن يثربى قال‪ :‬شهدت رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) في حجة الوداع بمنى فسمعته يقول‬
‫ويروي الحديث‪ ،‬ينظر في تخريج الحديث‪ :‬اإلمام الكبير علي بن عمر الدارقطني‪ ،‬سنن الدارقطني‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫دار المحاسن للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،1966 ،‬ص‪ 25‬ومابعدها‪.‬‬
‫(?) د‪ .‬محمد بحر العلوم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 31‬ومابعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بن فضال عن أبي بكير عن زرارة عن اليسع عن أبي‬ ‫‪3‬‬

‫عبداهلل عليه السالم وعن عبد الواحد بن المختار عن أبي جعفر عليه السالم‪ ،‬ينظر في تخريج الحديث‪:‬‬
‫الشيخ محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الفروع من الكافي‪ ،‬ج‪ ،6‬مطبعة الحيدرية‪ ،‬طهران‪ 1379 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫(?) ينظر‪ :‬الشيخ علي الخفيف‪ ،‬أحكام المعامالت الشرعية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1947 ،‬ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 362‬ومابعدها‪.‬‬
‫(?) العالمة السيد أحمد الطحطاوي الحنفي‪ ،‬حاشية الطحطاوي على الدر المختار‪ ،‬المجلد ‪ ،4‬دار‬ ‫‪5‬‬

‫المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،1975 ،‬ص‪ 72‬ومابعدها‪ .‬اإلمام عالء الدين عبد العزيز بن أحمد‬
‫البخاري‪ ،‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،1974 ،‬ص‪ 384‬ومابعدها؛ ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬ج‪ ،4‬دون مكان وسنة‬
‫طبع‪ ،‬ص‪7‬؛ عبد الرحمن الجزيري‪ ،‬كتاب الفقه على المذاهب األربعة‪ ،‬قسم المعامالت‪ ،‬ج‪ ،2‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪.162‬‬

‫‪16‬‬
‫فالرضا عندهم ه‪C‬و الرغب‪C‬ة في حكم العق‪C‬د‪ ،‬وه‪C‬و أم‪C‬ر ب‪C‬اطن ألن‪C‬ه من أعم‪C‬ال القلب‪ ،‬كم‪C‬ا أن‪C‬ه‬
‫امتالك االختيار‪ ،‬أي بلوغه نهايته؛ واالختيار عندهم هو القصد إلى أمر متردد بين الوجود والع‪CC‬دم‬
‫داخل في قدرة الفاعل بترجيح أحد الجانبين على اآلخر‪.‬‬
‫أي بمعنى أنهم فرقوا بين الرض‪CC‬ا واالختي‪C‬ار‪ ،‬ألن االختي‪C‬ار ه‪C‬و القص‪CC‬د إلى الش‪C‬يء وإ رادت‪C‬ه‬
‫سواًء كان ذلك القصد عن رغبة في التعاقد‪ ،‬أو لم يكن؛ والرضا هو الرغبة في الشيء واستحسانه‬
‫واالرتياح إليه‪ ،‬وبهذا هو أخص من االختيار فال يل‪CC‬زم من وج‪CC‬ود االختي‪CC‬ار وج‪CC‬ود الرض‪CC‬ا لكن يل‪CC‬زم‬
‫من وجود الرضا وجود االختيار(‪.)1‬‬
‫إذًا فال يمكن الق‪CC C‬ول ب‪CC C‬أن الرض‪CC C‬ا واالختي‪CC C‬ار ش‪CC C‬يء واح‪CC C‬د ألن اإلنس‪CC C‬ان ق‪CC C‬د يرض‪CC C‬ى ب‪CC C‬أمٍر‬
‫م‪CC C‬ا لكن‪CC C‬ه غ‪CCC‬ير مخت‪CC C‬ار ل‪CC C‬ه وبالمقاب‪CC C‬ل ق‪CC C‬د يخت‪CC C‬ار أم‪CC C‬رًا غ‪CCC‬ير راٍض ب‪CC C‬ه وبه‪CC C‬ذا ف‪CC C‬ان اإلرادة هي أعم‬
‫ه ‪CC C C C‬ذه األح ‪CC C C C‬وال‪ ،‬وإ ن االختي ‪CC C C C‬ار ه ‪CC C C C‬و مرتب ‪CC C C C‬ة أخص من اإلرادة والرض ‪CC C C C‬ا ه ‪CC C C C‬و مرتب ‪CC C C C‬ة أخص‬
‫من االختيار‪ ،‬فالكثير من معامالت الناس في الواقع العملي تحصل دون رضاء ‪-‬كم‪CC‬ا ذكرن‪CC‬ا آنف‪ًC‬ا‪-‬‬
‫فقد يبيع اإلنسان داره بسعر ال يرضاه في حال سعته عند احتياجه‪ ،‬فتصرفه ه‪C‬ذا ُيع‪C‬د ص‪C‬حيحًا؛ من‬
‫ذل‪CC C C C C C‬ك يمكن الق‪CC C C C C C‬ول ب‪CC C C C C C‬أن تص‪CC C C C C C‬رف اإلنس‪CC C C C C C‬ان ال يتوق‪CC C C C C C‬ف دائم ‪ًC C C C C C‬ا على الرض‪CC C C C C C‬اء ولكن‪CC C C C C C‬ه‬
‫متوقف على االختيار‪.‬‬
‫وه‪CC C C‬ذا الق‪CC C C‬ول ي‪CC C C‬ترتب علي‪CC C C‬ه ع‪CC C C‬دم التالزم بين االختي‪CC C C‬ار والرض‪CC C C‬اء‪ ،‬وإ ذا قي ‪َّC C C‬ل العكس‪،‬‬
‫أي إذا قي‪َّC C C C C‬ل زال الرض ‪CC C C C‬اء ُي زال االختي ‪CC C C C‬ار مع ‪CC C C C‬ه ألص ‪CC C C C‬بح المك ‪CC C C C‬ره بال إرادة وه ‪CC C C C‬ذا ق ‪CC C C C‬وٌل‬
‫مردود(‪.)2‬‬
‫فاإلرادة قد تكون مختارة راضية‪ ،‬وقد تكون مختارة غير راضية كما تكون إرادة راض‪CC‬ية‬
‫غير مختارة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬

‫(?) ينظر‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ ،‬النظريات الفقهية والعقود‪ ،‬ج‪ ،4‬ط‪ ،3‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫الفكر‪ ،‬دون مكان طبع‪ ،1989 ،‬ص‪189‬؛ د‪ .‬أحمد فراج حسين‪ ،‬الملكية ونظرية العقد في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬دون مكان طبع‪ ،1986 ،‬ص‪167‬؛ د‪ .‬مصطفى أحمد الزرقا‪ ،‬المدخل‬
‫الفقهي العام‪ ،‬ج‪ ،1‬مطابع ألف باء األديب‪ ،‬دمشق‪ ،1968 ،‬ص‪.366‬‬
‫(?) ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد سعود المعيني‪ ،‬اإلكراه وأثره في التصرفات الشرعية‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة الزهراء‬ ‫‪2‬‬

‫الحديثة المحدودة‪ ،‬العراق‪ -‬الموصل‪ ،1985 ،‬ص‪ .157‬وبنفس المعنى‪:‬‬


‫‪ -‬د‪ .‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬المدخل في التعريف بالفقه اإلسالمي وقواعد الملكية والعقود فيه‪،‬‬
‫مطبعة دار التأليف‪ ،‬دون مكان طبع‪ ،1966 ،‬ص‪.438‬‬

‫‪17‬‬
‫مراحل اإلرادة‬
‫بع‪CC C‬د أن ح‪CC C‬ددنا مفه‪CC C‬وم اإلرادة لغ ‪ًC C‬ة واص‪CC C‬طالحًا وميزناه‪CC C‬ا من غيره‪CC C‬ا من المص‪CC C‬طلحات‬
‫اللغوي‪CC‬ة األخ‪CC‬رى نتط‪CC‬رق في ه‪CC‬ذا المطلب إلى المراح‪CC‬ل ال‪CC‬تي تم‪CC‬ر به‪CC‬ا اإلرادة‪ ،‬إذ تم‪CC‬ر اإلرادة قب‪CC‬ل‬
‫اإلعالن والكشف عنها بمراحل عديدة‪:‬‬

‫وأولى هذه المراحل هي‪:‬‬


‫مرحل ‪CC‬ة الش ‪CC‬عور ب ‪CC‬الغرض أو الب ‪CC‬اعث أو ال ‪CC‬داعي أو الني ‪CC‬ة(‪ )1‬كم ‪CC‬ا تس ‪CC‬مى‪ ،‬ويع ‪ّC‬د الب ‪CC‬اعث أو‬
‫الداعي بمثابة المحرك األول لإلرادة‪ ،‬فمتى وج‪C‬د ال‪C‬داعي في نفس اإلنس‪C‬ان ولقَّي قب‪C‬وًال‪ ،‬هن‪C‬ا تتك‪C‬ون‬
‫النواة األولى لإلرادة‪.‬‬
‫فالب‪CC‬د من وج‪CC‬ود الغ‪CC‬رض الب‪CC‬اعث على العم‪CC‬ل والش‪CC‬عور ب‪CC‬ه فكلم‪CC‬ا ك‪CC‬ان الش‪CC‬عور ب‪CC‬الغرض‬
‫واض ‪CC‬حًا والب ‪CC‬اعث قوي‪ًC C‬ا أث‪َّC C‬ر ذل ‪CC‬ك في اإلرادة وك ‪CC‬ان جازم‪ًC C‬ا له ‪CC‬ا ف ‪CC‬اإلرادة ال تنهض م ‪CC‬الم ي ‪CC‬أت اليه ‪CC‬ا‬
‫رسول العلم أو الباعث وفي أغلب األحوال يكون الباعث من نتائج الحس أو الَتَّخ يل أو التفكير(‪.)2‬‬
‫والب‪CCC‬اعث يت‪CCC‬أثر ق‪CC C‬وًة وض‪CC C‬عفًا بع‪CCC‬دة أم‪CCC‬ور كالحاج‪CCC‬ة أو المص‪CC C‬لحة فكلم ‪CC‬ا ك ‪CC‬انت الحاج‪CCC‬ة أو‬
‫المص‪CC‬لحة قوي‪CC‬ة‪ ،‬ق‪CC‬وَّي الب‪CC‬اعث معه‪CC‬ا‪ ،‬أم‪CC‬ا إذا لم تكن ك‪CC‬ذلك فس‪CC‬وف ينقض‪CC‬ي الب‪CC‬اعث عن‪CC‬د ه‪CC‬ذا الح‪CC‬د‬
‫ويتالشى ومن ثم ال يكتب لإلرادة أن تولد أو تتطور‪.‬‬
‫وبناًء على هذا كلما كانت ص‪CC‬حة اإلنس‪C‬ان مت‪C‬دهورة ب‪C‬دت حاجت‪C‬ه ومص‪CC‬لحته قوي‪C‬ة لمراجع‪C‬ة‬
‫الطبيب المختص وهكذا‪.‬‬
‫كم‪C‬ا يت‪C‬أثر الب‪C‬اعث بالق‪C‬درة أيض‪ًC‬ا فعن‪C‬دما تك‪C‬ون ل‪C‬دى الش‪C‬خص ق‪CC‬درة على اإلق‪CC‬دام على األم‪C‬ر‬
‫يتول ‪CC C‬د في نفس ‪CC C‬ه ب ‪CC C‬اعث أو مي ‪CC C‬ل لإلق ‪CC C‬دام علي ‪CC C‬ه‪ ،‬أم ‪CC C‬ا إذا لم تكن لدي ‪CC C‬ه الق ‪CC C‬درة على اإلق ‪CC C‬دام علي ‪CC C‬ه‪،‬‬
‫فان الباعث أو الداعي سوف يتالشى ومن ثم سوف ال تولد اإلرادة(‪ )3‬وذلك ألن الق‪CC‬درة هي الص‪CC‬فة‬
‫التي تؤثر في قوة اإلرادة(‪.)4‬‬

‫(?) األعمال ضربان عادات‪ ،‬وعبادات فالنية أو القصد ال يتطلب وجودها في العادات‪ ،‬أما في العبادات فهي‬ ‫‪1‬‬

‫مشروطة ولكن ليس باطالق‪ ،‬لمزيد من التفصيل ُيراجع‪:‬‬


‫‪ -‬أبو اسحق الشاطبي‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعة‪ ،‬ط‪ ،5‬دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪ ،2001 ،‬ص‪ُ ،609‬ع نَّي بهذه الطبعة وخرج آياتها وضبط أحاديثها الشيخ ابراهيم رمضان‪.‬‬
‫(?) عبد الكريم العثمان‪ ،‬الدراسات النفسية عند المسلمين‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة وهبة‪ ،‬دون مكان طبع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1963‬ص‪.223‬‬
‫(?) ينظر‪ :‬ندى سالم مال علو‪ ،‬أثر األمراض النفسية في التصرفات القانونية‪ -‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون‪ ،‬جامعة الموصل‪ ،2001 ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ )?(4‬يرى علماء النفس بأن قوة اإلرادة هي التعبير عن قوة الحوافز الكامنة في خلق السلوك البشري‪ ،‬ينظر‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫فعندما يشعر اإلنسان بأن صحته غير جيدة يتولد في نفسه باعث أو داٍع لمراجع‪CC‬ة األطب‪CC‬اء‬
‫وهذا الباعث هو النواة األولى إلرادة المريض‪ ،‬فكلم‪CC‬ا ك‪CC‬انت حاجت‪CC‬ه إلى العم‪CC‬ل الط‪CC‬بي قوي‪CC‬ة انعكس‬
‫ذل‪CC‬ك على الب‪CC‬اعث ومنح‪CC‬ه الق‪CC‬وة؛ أم‪CC‬ا إذا لم تكن حاجت‪CC‬ه إلى العم‪CC‬ل الط‪CC‬بي قوي‪CC‬ة فس‪CC‬وف ينقض‪CC‬ي ه‪CC‬ذا‬
‫الباعث ويتالشى‪ ،‬وكلما كانت لديه القدرة على اإلقدام على العمل الطبي وتحمله تطور الب‪CC‬اعث أو‬
‫ال ‪CC‬داعي وب ‪CC‬العكس؛ كلم ‪CC‬ا ك ‪CC‬انت قدرت ‪CC‬ه ض ‪CC‬عيفة على اإلق ‪CC‬دام على العم ‪CC‬ل الط ‪CC‬بي تالش ‪CC‬ى الب ‪CC‬اعث أو‬
‫الداعي وتالشت اإلرادة قبل ظهورها‪.‬‬
‫أما عن موقف الفقه اإلسالمي من كل ما تقدم‪:‬‬
‫إلى الق ‪CC C‬ول ب ‪CC C‬أن كًال من الني ‪CC C‬ة واإلرادة والقص ‪CC C‬د هي‬ ‫(‪)1‬‬
‫فقد ذهب فريٌق من المالكية‬
‫عب‪CC C‬ارات مت‪CC C‬واردة على مع‪CC C‬نى واح‪CC C‬د؛ وق‪CC C‬د يب‪CC C‬دو أن ه‪CC C‬ذا الق‪CC C‬ول ص‪CC C‬ائب في ب‪CC C‬اب العب‪CC C‬ادات‪ ،‬أم‪CC C‬ا‬
‫في ب ‪CC‬اب المع ‪CC‬امالت فال يمكن التعوي ‪CC‬ل علي ‪CC‬ه وذل ‪CC‬ك ألن الني ‪CC‬ة والقص ‪CC‬د هم ‪CC‬ا مس ‪CC‬ألتان مترادفت ‪CC‬ان إال‬
‫أنهما جزء من اإلرادة والجزء ال يمثل الكل‪.‬‬
‫كم‪CC‬ا ذهب‪CC‬وا إلى الق‪CC‬ول ب‪CC‬أن أي عم‪CC‬ل أو حرك‪CC‬ة اليتم إال بثالث‪CC‬ة أم‪CC‬ور هي‪ :‬العلم‪ ،‬واإلرادة‪،‬‬
‫والق ‪CC‬درة ألن ‪CC‬ه اليري ‪CC‬د اإلنس ‪CC‬ان م ‪CC‬اال يعلم ‪CC‬ه‪ ،‬إنم ‪CC‬ا يري ‪CC‬د م ‪CC‬ا يعلم ‪CC‬ه وه ‪CC‬ذا الب ‪CC‬د من أن يك ‪CC‬ون مقرون‪ًC C‬ا‬
‫باإلرادة‪ ،‬أي انبع‪C‬اث القلب إلى م‪C‬ا ي‪C‬راه موافق‪ًC‬ا للغ‪C‬رض في الح‪C‬ال أو في الم‪C‬آل؛ فمن اليبص‪CC‬ر الن‪C‬ار‬
‫اليمكنه اله‪C‬رب منه‪C‬ا‪ ،‬وخل‪C‬ق اهلل س‪C‬بحانه وتع‪C‬الى الهداي‪C‬ة والمعرف‪CC‬ة وجع‪C‬ل له‪C‬ا أس‪C‬بابًا وهي الح‪C‬واس‬
‫الظاهرة والباطنة ثم يلي هذه المرحلة القدرة؛ والقدرة تنتظر الداعية الباعثة؛ والداعية تنتظ‪CC‬ر العلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬فمتى انبعثت اإلرادة انتهضت القدرة لتحريك األعضاء‪.‬‬
‫إلى القول‪ :‬بأن النية هي القص‪CC‬د وال‪CC‬دليل على ذل‪CC‬ك‬ ‫(‪)2‬‬
‫وذهب فريق آخر من المالكية‬
‫أنهم اعتبروه‪CC C‬ا ش‪CC C‬رطًا في العب‪CC C‬ادات‪ ،‬ووح‪CC C‬دها تكفي لتقيي‪CC C‬د المطلق‪CC C‬ات‪ ،‬وتخص‪CC C‬يص العمومي‪CC C‬ات‪،‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬فاخر عاقل‪ ،‬علم النفس‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫(?) اإلمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ ،4‬مكتبة ومطبعة البابي الحلبي‬ ‫‪1‬‬

‫وأوالده‪ ،‬مصر‪ ،1939 ،‬ص‪.353‬‬


‫وقال البعض أن اإلرادة هي النية‪ ،‬ينظر في ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،16‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،2002 ،‬ص‪.252‬‬
‫(?) محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي‪ ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة‬ ‫‪2‬‬

‫االستقامة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪7‬؛ الشيخ أحمد بن أحمد المختار الجكني القشنقيطي‪ ،‬مواهب‬
‫الجليل من أدلة خليل‪ ،‬ج‪ ،1‬إدارة إحياء التراث اإلسالمي‪ ،‬قطر‪ ،1983 ،‬ص‪49‬؛ شهاب الدين أبو‬
‫العباس الصنهاجي القرافي‪ ،‬الفروق‪ ،‬ج‪ ،3‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬دون سنة طبع‪،‬‬
‫ص‪.64‬‬

‫‪19‬‬
‫وتعميم المطلقات‪ ،‬وتعيين أح‪C‬د مس‪C‬ميات األلف‪C‬اظ المش‪C‬تركة؛ وبه‪C‬ذا فانه‪C‬ا تش‪C‬كل ج‪C‬زءًا من اإلرادة ال‬
‫بالمعنى المرادف لإلرادة ذاتها‪.‬‬
‫فوفق‪ًC C‬ا لم ‪CC‬ا ذهب إلي ‪CC‬ه الفري ‪CC‬ق األول من المالكي ‪CC‬ة نج ‪CC‬د أن اإلرادة تم ‪CC‬ر بثالث مراح ‪CC‬ل قب ‪CC‬ل‬
‫ظهورها للعالم الخارجي وهي العلم أو اإلدراك بالش‪C‬يء‪ ،‬ثم إرادت‪C‬ه والق‪C‬درة علي‪C‬ه مقارن‪ًC‬ة بم‪C‬ا ح‪C‬دده‬
‫علم‪CC‬اء النفس‪ ،‬ب‪CC‬أن لإلرادة أرب‪CC‬ع مراح‪CC‬ل تب‪CC‬دأ بالني‪CC‬ة‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬ومن ثم ال‪CC‬تروي‪ ،‬والت‪CC‬دبر والع‪CC‬زم‪،‬‬
‫وأخيرًا التنفيذ‪.‬‬
‫ف ‪CC C‬انهم اعت‪CC C‬بروا الني‪CC C‬ة مرادف‪CC C‬ة‬ ‫أم‪CC C‬ا عن موق‪CC C‬ف الحنفية(‪ )1‬والشافعية(‪ )2‬والحنابلة‬
‫(‪)3‬‬

‫للقص‪CC‬د بمع‪CC‬نى أن الني‪CC‬ة ليس‪CC‬ت اإلرادة إنم‪CC‬ا هي ج‪CC‬زء منه‪CC‬ا‪ ،‬ففي العب‪CC‬ادات ُأعت‪CC‬برت الني‪CC‬ة ش‪CC‬رطًا من‬
‫ش‪CC‬روط الص‪CC‬الة‪ ،‬والوض‪CC‬وء‪ ،‬وح‪CC‬تى في حل‪CC‬ف اليمين اعت‪CC‬دوا بالني‪CC‬ة وذل‪CC‬ك بق‪CC‬ولهم أن القاص‪CC‬د لليمين‬
‫البد أن تكون له نية… وهكذا‪.‬‬
‫أما عن المرحلة الثانية لإلرادة فهي‪ :‬مرحلة التروي أو التدبر؛ حيث ي‪CC‬زن الش‪CC‬خص‬
‫األم‪CC C‬ر ويت‪CC C‬دبره(‪ ،)4‬وه‪CC C‬ذه المرحل‪CC C‬ة تعتم‪CC C‬د على التفك‪CC C‬ير والعق‪CC C‬ل في تمحيص الب‪CC C‬واعث المتع‪CC C‬ددة‬
‫ال ‪CC‬تي تب ‪CC‬دو أم ‪CC‬ام اإلنس ‪CC‬ان‪ ،‬فق ‪CC‬د تتع ‪CC‬ارض المي ‪CC‬ول وعن ‪CC‬د تعارض ‪CC‬ها يقتض ‪CC‬ي األم ‪CC‬ر بوج ‪CC‬وب التفك ‪CC‬ير‬
‫والتروي وتحكم العقل ضمن هذه المرحلة‪.‬‬
‫ف‪CC‬المريض بع‪CC‬د أن يق‪CC‬وى باعث‪CC‬ه لحاجت‪CC‬ه إلى العم‪CC‬ل الط‪CC‬بي وقدرت‪CC‬ه على اإلق‪CC‬دام علي‪CC‬ه ي‪CC‬دخل‬
‫في مرحلة ثانية من مراحل اإلرادة‪ ،‬إذ يتروى ويزن األمر بعقله‪ ،‬فاذا ما اقتن‪CC‬ع ب‪CC‬ه وذل‪CC‬ك من خالل‬
‫البواعث والميول التي توصله إلى ه‪C‬ذه المرحل‪C‬ة هن‪C‬ا نتح‪C‬ول إلى مرحل‪C‬ة أخ‪C‬رى من مراح‪C‬ل اإلرادة‬
‫أال وهي الع‪CC‬زم‪ ،‬وك‪CC‬أن الم‪CC‬ريض في ه‪CC‬ذه المرحل‪CC‬ة تط‪CC‬رح أمام‪CC‬ه ع‪CC‬دة اختي‪CC‬ارات فبع‪CC‬د تروي‪CC‬ه ي‪CC‬رجح‬
‫إحدى هذه االختيارات على غيره‪C‬ا‪ ،‬فه‪C‬و إم‪C‬ا ي‪C‬رجح اإلق‪C‬دام على العم‪C‬ل الط‪C‬بي القتناع‪C‬ه بع‪C‬د تروي‪C‬ه‬

‫(?) شمس الدين السرخسي‪ ،‬المبسوط‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ط‪ ،3‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1978‬ص‪.10‬‬
‫(?) أبو اسحق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي‪ ،‬المهذب‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة عيسى البابي‬ ‫‪2‬‬

‫الحلبي وشركاه بمصر‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫(?) شمس الدين أبو عبداهلل محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية‪ ،‬أعالم الموقعين عن رب‬ ‫‪3‬‬

‫العالمين‪ ،‬ج‪ ،3‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬دون سنة طبع‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫(?) د‪ .‬أحمد محمود صبحي‪ ،‬في علم الكالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،4‬مؤسسة الثقافة الجامعية‪ ،‬دون مكان طبع‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،1982‬ص‪ .151‬وبالمعنى نفسه‪ :‬فضيلة عرفات السبعاوي‪ ،‬مستوى تحقيق الذات لدى المعلمين‬
‫والمدرسين في مركز محافظة نينوى وعالقته ببعض المتغيرات‪ ،‬رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية‬
‫التربية‪ ،‬جامعة الموصل‪ ،2001 ،‬ص‪.42‬‬

‫‪20‬‬
‫أن ه‪CC‬ذا األم‪CC‬ر الب‪CC‬د من‪CC‬ه‪ ،‬أو أن ي‪CC‬رجح الع‪CC‬زوف عن‪CC‬ه القتناع‪CC‬ه أن ص‪CC‬حته ال تتطلب الخض‪CC‬وع ألي‪CC‬ة‬
‫تداخالت طبية‪.‬‬
‫والمرحلة الثالثة واألساسية هي مرحل‪CC‬ة الع‪CC‬زم أو المش‪CC‬يئة ويتحق‪CC‬ق الع‪CC‬زم باالس‪CC‬تقرار‬
‫على رأي معين م‪CC‬ع عق‪CC‬د الني‪CC‬ة على تنفي‪CC‬ذه والتص‪CC‬ميم علي‪CC‬ه دون تراج‪CC‬ع‪ ،‬وه‪CC‬ذا الع‪CC‬زم الب‪CC‬د أن يك‪CC‬ون‬
‫حاسمًا وصادقًا أي اليكون فيه تردد أو مجال لميل آخر(‪.)1‬‬
‫ف‪CC‬المريض بع‪CC‬د تج‪CC‬اوزه مرحل‪CC‬ة الب‪CC‬اعث والت‪CC‬دبر يص‪CC‬ل إلى المرحل‪CC‬ة الثالث‪CC‬ة وهي الع‪CC‬زم إذ‬
‫يستقر رأيه وتنعقد نيته على تنفيذ العمل الطبي والتصميم عليه دون أي ت‪CC‬ردد أو تراج‪CC‬ع‪ ،‬فالمرحل‪CC‬ة‬
‫األخيرة من مراحل اإلرادة هي التنفيذ وهذا إما أن يكون سلبيًا أو ايجابيًا أي بترك العم‪CC‬ل أو القي‪CC‬ام‬
‫به‪.‬‬
‫فه ‪CC‬ذه المراح ‪CC‬ل الثالث (الب ‪CC‬اعث‪ ،‬ال ‪CC‬تروي‪ ،‬الع ‪CC‬زم أو المش ‪CC‬ئية) ت ‪CC‬دخل تحت نط ‪CC‬اق اإلرادة‬
‫الباطن ‪CC‬ة؛ ألن اإلرادة الباطن ‪CC‬ة تم ‪CC‬ر به ‪CC‬ذه المراح ‪CC‬ل قب ‪CC‬ل التعب ‪CC‬ير عنه ‪CC‬ا وبانته ‪CC‬اء ه ‪CC‬ذه المراح ‪CC‬ل تنتق ‪CC‬ل‬
‫اإلرادة إلى العالم الخارجي‪ ،‬وهذا ما نطل‪C‬ق علي‪C‬ه اإلرادة الظ‪C‬اهرة ال‪C‬تي تتخ‪C‬ذ وس‪C‬ائل وطرق‪ًC‬ا عدي‪C‬دة‬
‫للتعبير عنها كاللفظ والكتابة واإلشارة والتعاطي(‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬عبد الكريم العثمان‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.224‬‬


‫(?) ينظر تفصيًال‪ :‬د‪ .‬محمد وحيد الدين سوار‪ ،‬التعبير عن اإلرادة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة‬ ‫‪2‬‬

‫النهضة‪ ،‬مصر‪ ،1960 ،‬ص‪.216‬‬

‫‪21‬‬

You might also like