Professional Documents
Culture Documents
01
01
6
الفصل األول
التعريف باإلرادة في العقد الطبي
لإلرادة دور مهم في جميع أنواع العقود سواًء كانت مسCماة أم غCير مسCماة ،وتبCدو أهميتهCا
أك CC Cثر في العق CC Cد الط CC Cبي ،ألن CC Cه من العق CC Cود ال CC Cتي ت CC Cرد على جس CC Cم اإلنس CC Cان ال CC Cذي يتمت CC Cع بحص CC Cانة
ومعص CCومية ،إذ ليس بامك CCان الط CCبيب المس CCاس بجس CCم مريض CCه إال بع CCد الحص CCول على رض CCائه أو
رضاء َم ْن يمثله ،أي بمعCنى أنCه ال يسCتطيع القيCام بCأي عمCل طCبي كCان إال بعCد حصCوله على اإلذن
احترامًا إلرادة مرضاه باستثناء حاالت قليلة سنأتي على ذكرها الحقًا.
وألهمية اإلرادة هذه ،ولعدم اتفاق الفقه حول مفهومها من ناحية وألهمية العقد الطبي ذاتCه
والذي لم ينظمه المشرع العCراقي الفتقCاده لقCانون طCبي منظم وموحCد من ناحيCة أخCرى ،ارتأينCا في
هذا الفصل تسليط الضوء على تعريCCف اإلرادة لغًCة واصCCطالحًا ومن ثم التطCCرق إلى تعريCCف العقCد
الطبي وتمييزه مما يشتبه به من عقود وخصائصه وذلك في مبحثين:
المبحث األول :ماهية اإلرادة.
المطلب األول :اإلرادة لغًة.
المطلب الثاني :اإلرادة اصطالحًا.
المطلب الثالث :مراحل اإلرادة.
المبحث الثاني :ماهية العقد الطبي.
المطلب األول :تعريف العقد الطبي.
المطلب الثاني :تمييز العقد الطبي مما يشتبه به من عقود.
المطلب الثالث :خصائص العقد الطبي.
7
المبحث األول
ماهية اإلرادة
من اج CCل الوص CCول إلى حقيق CCة اإلرادة الب CCد من تعريفه CCا لغ ًCة واص CCطالحًا م CCع اإلش CCارة إلى
المراحل التي تمر بها وصوًال إلى وضع تعريف مالئم لها ،وذلك في ثالثة مطالب ،يتناول األول:
التعري CC Cف اللغ CC Cوي لإلرادة ،ويتن CC Cاول المطلب الث CC Cاني :التعري CC Cف االص CC Cطالحي لإلرادة ،والث CC Cالث:
يتضمن مراحل اإلرادة.
المطلب األول
اإلرادة لغًة
إن األصل اللغوي لكلمة اإلرادة هو الجذر الثالثي َر َو َد بمعنى طلب ،واإلرادة المشيئة،
ويقال راوده على كذا ُم راَو دًة ورواِد ًا بالكسر بمعنى أراده ،وراَد الكأل أي طلبُه(.)1
كما تعني اإلرادة أيضًا القصد إلى الشيء واالتجاه إليه()2؛ وتأتي اإلرادة بمعنى اإلحساس
الذاتي بقدرة اإلنسان على تنفيذ ما يصمم أو يخطط له دون تردد أو تراجع وضمن ما تسمح به
اإلمكانيات والقدرات والقوانين()3؛ بينما الَّر ْو ُد يعني الَّترُّد ُد في طلب الشيء برفٍق (.)4
كمCC Cا تCC Cأتي بمعCC Cنى الميCC Cل بلفCC Cظ الِم ْر ود ،ويقCC Cال إن فالن ًC Cا يمشCC Cي على روٍد أي على مهCC Cل
وتصغيره روَيٌد .
والمصدر اإلرادة ،واإلرادة منقولة من راَد َيُر وُد إذا سعى في طلب الشيء وهي في
األصل قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل وهي اسٌم بمعنى النزوع عن إحساس أو تخيل ،أي
حرية االختيار ،فهناك اإلرادة الصالحة ،أي التي تعمل بمقتضى الواجب ،وهناك اإلرادة الكلية
التي تحل محل اإلرادة الفردية فيعدل فيها كل فرد عن أنانيته وينزل عن نفسه وحقوقه للمجتمع
(?) ينظر :ابن منظور ،لسان العرب ،ج ،1دار لسان العرب ،بيروت ،دون سنة طبع ،ص1253؛ محمد 1
بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ،مختار الصحاح ،دار الرسالة ،الكويت ،1982 ،ص263؛ محمد بن
يعقوب الفيروزآبادي ،القاموس المحيط ،ج ،1ط ،2دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان،2000 ،
ص415؛ محمد مرتضى الزبيدي ،تاج العروس ،المجلد الثاني ،دار ليبيا للنشر والتوزيع ،بنغازي ،ليبيا،
دون سنة ،ص 358ومابعدها.
(?) الموسوعة الفقهية ،ج ،3ط ،2تصدرها وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،طباعة ذات السالسل، 2
8
بأكمله ،كما هناك إرادة االعتقاد بمعنى القدرة على االيمان ،وهناك أيضًا إرادة الحياة بمعنى
الشيء الذي يتجلى في مختلف الموجودات وهذا االختالف هو أصل تعارض هذه الموجودات
وتصارعها ،كما هناك إرادة القوة فهي فردية تحب ذاتها وتقسو على اآلخرين ،بل تقسو على
نفسها ألنها ترى في المخاطرة واأللم ضرورة لها فتقلب مبادئ القيم المتعارف عليها رأسًا على
عقب من أجل أن تضع القوة مبدًأ أوًال لها(.)1
أما عن وصف لفظ اإلرادة في اللغة :فهي صفة توجب للحي حاًال يقع منه الفعل على
وجه دون وجه آخر ،وبهذا فانها صفة تخصص أمرًا ما لحصوله ووجوده( ،)2كما قال اهلل تعالى
في كتابه العزيزِ[ :إَّنَم ا َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد َش ْيئًا َأْن َيُق وَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن ](.)3
فضمن هذه الفلسفة ُتعّد اإلرادة قوة خفية غير ظاهرة ،فهي آلة للحياة أكثر أحكامًا وتنوعًا
مما للحيوان من اآلالت ،ألن آالت الحيوان ظاهرة وغاياتها معروفة محددة في حين أن العقل
باطن يخفي غاياته ويستخدم ما يشاء من اآلالت(.)4
ويرد البعض من اللغويين كل وجود إلى اإلرادة فيعد مرد السلوك واألخالق إلى اإلرادة
اإلنسانية وهذا ما يسمى إرادة القوة(.)5
واإلرادة تأتي بمعنى الحكم ،كأن يقال أراد اهلل كذا معناه أنه حكم فيه أنه كذا كقوله تعالى:
[ِإْن َأَر اَد ِبُك ْم ُس وءًا َأْو َأَر اَد ِبُك ْم َر ْح َم ًة َو ال َيِج ُد وَن َلُه ْم ِم ْن ُدوِن الَّلِه َو ِلّيًا َو الَنِص يرًا](.)6
وقد يراد باإلرادة معنى األمر كأن "تقول أريد منك كذا أي آُم رَك بكذا" كقوله تعالى [ُيِر يُد
الَّلُه ِبُك ُم اْلُيْسَر َو ال ُيِر يُد ِبُك ُم اْلُعْسَر ](.)7
(?) د .جميل صلبيا ،المعجم الفلسفي باأللفاظ العربية والفرنسية واإلنكليزية والالتينية ،دار 1
(?) نديم مرعشيلي ،أسامة مرعشيلي ،الصحاح في اللغة والعلوم ،المجلد األول ،ج ،1دار الحضارة 4
9
وقد تأتي بمعنى القصد ،أي يقصدونه ويطلبونه كقوله تعالى [ال ُيِر يُد وَن ُعُلّو ًا
()1
ص.119-116
)?(4الموسوعة الفقهية ،المصدر السابق ،ص.5
(?) د .جميل صلبيا ،المصدر السابق ،ص 60ومابعدها. 5
(?) ينظر :د .عبد الستار عز الدين الراوي ،فلسفة العقل ،دار الحرية للطباعة ،بغداد ،1984 ،ص84؛ 6
وبنفس المعنى:
-يسرى وليد ابراهيم علي بك ،إنشاء االلتزام باإلرادة المنفردة -دراسة مقارنة ،أطروحة دكتوراه
مقدمة إلى كلية القانون ،جامعة الموصل ،2003 ،ص.24
10
اإلرادة عن القصد ألن قصد القاصد مختص بفعله دون فعل غيره ،في حين أن اإلرادة مختصة
بأحد الفعلين دون اآلخر(.)1
المطلب الثاني
اإلرادة اصطالحًا
لم تح CCدد التش CCريعات مض CCمونًا لإلرادة( )2إال أن الفق CCه عرفه CCا بتعريف CCات ع CCدة نقتص CCر على
بيان أهمها ،فقد عرفها جانب من الفقه بأنها:
"عمل نفسي ينعقد به العزم على شيء معين"(.)3
ومع إقرارنا بعمق هذا التعريف وأصالته إال أنه يمكن أن ترد عليه مالحظة واحدة ،إذ
إنه لم يتضمن اإلشارة إلى اإلرادة الظاهرة وإ نما اقتصر على اإلرادة الباطنة وحدها في حين أن
اإلرادة الباطنة التشمل كل اإلرادة إنما هي قسم منها ،بل انها المرحلة الثانية والكاشفة لها.
وعرفها جانب فقهي( )4آخر بتعريف مطابق تقريبًا للتعريف أعاله وذلك بأنها:
"أمر نفسي ينعقد به العزم على أمر معين"
فيؤخذ على هذا التعريف المآخذ نفسها التي وردت آنفًا.
(?) ينظر في المعنى نفسه :أ.د .محمد رواس قلعة جي ،د .حامد صادق قنيبي ،معجم لغة الفقهاء ،دار 1
عيوب اإلرادة في المواد ( ،)125-112والثانية :عندما نص في المادة ( )184على اعتبار اإلرادة المنفردة
مصدرًا استثنائيًا لاللتزام اإلرادي وتأتي بعد العقد.
(?) د .عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط ،ج ،1دار النشر للجامعات العربية ،مصر ،1952 ،ص 3
.186
(?) د .عبد المجيد الحكيم ،الوسيط في نظرية العقد ،ج ،1مطبعة شركة الطبع والنشر األهلية ،بغداد، 4
،1967ص124؛ د .ياسين محمد الجبوري ،المبسوط في شرح القانون المدني ،ج ،1ط ،1دار وائل
للطباعة والنشر ،األردن ،عمان ،2002 ،ص.173
11
وعرفها جانب آخر من الفقه( )1بأنها" :محور التراضي واتجاه نفسي اليحس بوجوده
إّال عند وجود ما يدل عليه".
وان أشار هذا التعريف إلى مسألة وجود اإلرادة ،ألنه بصورة عامة اليرغب الشخص
على سبيل المثال في تناول دواء مٍر أو الخضوع لعملية جراحية قد تكون مؤلمة ألن هذه األمور
تكون بغيضة على جسد الشخص ونزعاته الحسية ،لكن بوجود اإلرادة يستسلم لمثل هذه األمور
رغبًة منه في الشفاء ،فالخضوع لهذه األمور دليل على وجود اإلرادة( ،)2إال أنه جاء بصيغة
مقتضبة للغاية ،إذ لم يبين لنا المراحل التي يمكن أن تمر بها اإلرادة ،كما أنه اليفي بما نريد
الوصول إليه.
في حين أن جانبًا آخر من الفقه( )3عرف اإلرادة بأنها" :مجرد اعتزام الفعل واالتجاه
إليه" .وهذا التعريف شمل اإلرادة الباطنة بعبارة (اعتزام الفعل) فضًال عن اإلرادة الظاهرة
بعبارته (االتجاه إليه) إال أنه لم يأخذ بعين االعتبار المراحل التي يمكن أن تمر بها اإلرادة إذ
أشار إلى المرحلة الثالثة والمتمثلة بالتحرك العملي من أجل ابراز العزم الذي هو اإلرادة الظاهرة
متجاوزًا المراحل األولى لإلرادة والمتمثلة بالباعث أو النية والتروي أو التدبر.
وقد تناول جانب آخر من الفقه( )4اإلرادة من خالل تعريفه للتصرف القانوني على اعتبار
أن التصرف القانوني هو اتجاه اإلرادة إلى إحداث أثر قانوني سواًء كان هذا األثر
هو إنشاء حق كالهبة أو نقله كالحوالة أو تعديله كالتجديد أو إنهاءه كاإلبراء ،فال عبرة باإلرادة
التي لم تتجه إلى إحداث أثر قانوني كما هو الحال في أعمال المجامالت(.)5
(?) د .حلمي بهجت بدوي ،أصول االلتزامات -الكتاب األول في نظرية العقد ،مطبعة نوري، 1
القاهرة ،1943 ،ص71؛ د .مصطفى الزرقا ،محاضرات في القانون المدني السوري ،دون مكان
طبع،
،1954ص.42
(?) ينظر في براهين وجود اإلرادة :جي.ف .دونسيل ،علم النفس الفلسفي ،دار الشؤون الثقافية العامة، 2
(?) د .محمد شكري سرور ،النظرية العامة للحق ،ط ،1دار الفكر العربي ،دون مكان طبع، 4
،1979ص.119
(?) د .عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح ا لقانون المدني-مصادر االلتزام ،ج ،1دار النهضة 5
العربية ،القاهرة ،1964 ،ص185؛ د .مالك دوهان الحسن ،شرح القانون المدني ،النظرية العامة
في االلتزام ،ج ،1دار الطبع والنشر األهلية ،بغداد ،1971 ،ص 91؛ د .عمر السيد أحمد عبداهلل ،ابرام
العقد في قانون المعامالت المدنية اإلماراتي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1995 ،ص22؛ د .عبد
المجيد الحكيم ،المصدر السابق ،ص.119
12
إال أن هذا التعريف ال يمكن االستناد عليه من أجل الوصول إلى تعريف اإلرادة في
االصطالح القانوني خصوصًا أن هناك جانبًا من الفقه( )1ينتقد هذا التعريف على اعتبار
أن التصرف ليس اتجاهًا لإلرادة إنما هو ثمرة ونتيجة لهذا االتجاه وهو ليس األثر المباشر التجاه
اإلرادة على اعتبار أن كل ما يصدر عن اإلنسان بارادة حرة مدركة يتعلق به إدراكه أوًال ثم
إرادته ثم قدرته ،وعليه فان تصرف اإلنسان ثمرة قدرته التابعة إلرادته والتابعة إلدراكه ،وبهذا
فقد عرف التصرف القانوني بصورة أكثر دقة بأنه كل ما يصدر عن اإلنسان من قول أو فعل
بارادة حرة واعية ويرتب عليه القانون األثر(.)2
يتضح لنا من هذا التعريف أن التصرف القانوني هو ثمرة قدرة اإلنسان وهذا ال يعني
ثمرة إرادته ومن أجل أن يكون التصرف صحيحًا يجب أن يكون صادرًا عن إدراك( )3ومن ثم
إرادة ومن ثم قدرة ،إال أننا لو توقفنا قليًال عند هذا القول فسنجد أن اإلدراك يقع قبل اإلرادة ومن
ثم فهو ليس مرحلة من مراحل اإلرادة ،بل هو عملية عقلية يدرك بها الشخص الموجودات من
حوله ،كما تجدر اإلشارة إلى أن اإلدراك يختلف عن االنتباه ،الن األخير هو تركيز الشعور في
شيء ما ،بينما اإلدراك هو معرفة هذا الشيء ،فقد ينتبه جمع من الناس إلى موقف معين كسماع
محاضرة على سبيل المثال أو مشاهدة مسرحية ،فاالنتباه بهذا الفرض
واحد لكن يختلف إدراك كل منهم عن اآلخر اختالفا كبيرا وذلك الختالف ثقافتهم وخبراتهم
ووجهات نظرهم وذكائهم(.)4
ونطرح هنا على سبيل المثال حالة الشخص المجنون فهو قانونًا عديم اإلرادة ألنه
ال إدراك له أصًال في حين أن القدرة هي صفة لإلرادة فيتمكن من خاللها فعل الشيء أو
(?) د .مصطفى الزلمي ،المنطق القانوني ،القسم الثالث ،بحث منشور في مجلة جامعة النهرين للحقوق، 1
)?(3يرى علماء النفس بأن اإلدراك هو بمثابة قدرة معرفية متعددة الجوانب ،ينظر:
-د .لندال دافيدوف ،مدخل علم النفس ،ط ،2دار ماكجروهيل للنشر ،الواليات المتحدة األمريكية،1976 ،
ص.248
-أ.د .محمد جاسم محمد ،علم النفس التربوي وتطبيقاته ،ط ،1مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان،
األردن ،2004 ،ص.229
(?) د .احمد عزت راجح ،أصول علم النفس ،ط ،8المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، 4
اإلسكندرية ،1970 ،ص178؛ وبنفس المعنى تقريبا :د .برنهارت ،علم النفس في حياتنا العملية،
بغداد ،دون سنة طبع ،ص. 209
13
تركه وهي تعبير عن االستطاعة فال يمكن جعل التصرف القانوني ثمرة للقدرة إنما هو ثمرة
لإلرادة التي تقرر وتتحكم في إنشاء التصرف القانوني.
كل هذا وذاك يدفعنا إلى عدم التعويل على تعريف التصرف القانوني كأساس للوصول
إلى تعريف اإلرادة.
كما ذهب جانب آخر من الفقه( )1إلى تعريف اإلرادة بأنها:
"نشاط نفسي اتجه إلى تحقيق غرض عن طريق وسيلة معينة".
فصحيح أن اإلرادة هي نشاط نفسي داخلي يتجه إلى غرض بوسيلة معينة إال أن هذا
التعريف لم يحدد لنا المراحل التي تمر بها اإلرادة من علم وإ دراك ومن ثم تحقيق وإ نجاز أي
تنفيذ ما انعقد العزم عليه.
وذهب جانب آخر من الفقه( )2إلى تعريف اإلرادة بأنها:
"تحرك عملي لتحقيق وانجاز ما انعقد العزم عليه من شوق مسبوق بعلم وإدراك".
لقد أصاب هذا التعريف بتحديده للمراحل التي تمر بها اإلرادة لكن يؤخذ عليه بأنه قد
حصر اإلرادة بالتحرك العملي بمعنى أن يكون هناك موقف ايجابي قوًال كان أم فعًال ولم يأخذ
بنظر االعتبار حالة السكوت المالبس.
وقد عرف جانب فقهي( )3آخر اإلرادة بأنها:
"توجه كامن في النفس يرمي إلى تحقيق أمر وتجسيده بمظهر خارجي بحيث
يترتب عليه إنتاج أثر معتد به قانونًا".
ومع إقرارنا بكون هذا التعريف والتعريفات السابقة قد أصابت جانبًا أو آخر من جوانب
اإلرادة إال أن وضع التعريف قد يكون أكثر شمولية ومالءمة لو كان في الشكل اآلتي:
اإلرادة هي عمل نفسي يمر عبر مراحل مبدؤها دواخل النفس مقرونة بالعلم
واإلدراك واالختيار ومنتهاها المظهر الخارجي المجسد بفعل أو تصرف أو سكوت
مالبس.
بهذا تكمن شمولية التعريف المقترح بأنه:
(?) المحامي محمود زكي شمس ،المسؤولية التقصيرية لألطباء في التشريعات العربية ،ط،1 1
14
.1بيَّن لنا المراحل التي تمر بها اإلرادة وهي الباعث أو النية والتروي أو التدبر ومن ثم العزم
أو (المشيئة).
.2لم يحصر اإلرادة بالتحرك االيجابي قوًال كان أم فعًال إنما شمل الموقف السلبي ،أي من خالل
الظروف المالبسة للسكوت.
.3ربط التحرك النفسي بالعلم واإلدراك ،أي اتجاه الفكر إلى أمCCر معين ومن ثم اختيCCار هCCذا األمCCر
دون غيره وأخيرًا تنفيذه والبت فيه.
ف CCالمريض على س CCبيل المث CCال عن CCدما يش CCعر أن ص CCحته مت CCدهورة ف CCان أول عم CCل يفك CCر في CCه
ويدركه هو حاجته إلى العمل الطبي ومن ثم اختياره للطبيب المختص وأخيرًا وصCوله إلى مرحلCة
التنفيذ الفعلي للعمل الطبي وبهذا تلتقي إرادة المريض بطبيبه.
بعCCد اسCCتعراض التعريفCCات الفقهيCCة لإلرادة وتمييزهCCا من غيرهCCا من المصCCطلحات القريبCCة
منه CCا ووض CCع تعري CCف مالئم له CCا؛ أيمكن الق CCول ب CCأن الرض CCا واالختي CCار هم CCا ش CCيٌء واح CCد؟ أم أنهم CCا
مختلفCCان؟! وهCCل يمكن القCCول بCCأن كًال من الرضCCا واالختيCCار يشCCكالن العناصCCر الCCتي تقCCوم عليهمCCا
اإلرادة؟!
في هذا الصCCدد ،ذهب جCCانب من الفقCCه( )1إلى القCCول بCCأن اإلرادة تتكCCون من عنصCCرين همCCا
الرضCCا واالختيCCار ،لكن هCCل يعCCني هCCذا القCCول ضCCرورة التالزم بين هCCذان العنصCCرين؟ وهCCل يCCترتب
على ذلك انعدام اإلرادة لانعدم العنصران معًا ألنها مرتبطة وجودًا وعدمًا بهذين العنصرين؟!
ل CC C C Cو ك CC C C Cان الج CC C C Cواب بااليج CC C C Cاب ف CC C C Cان اإلرادة تك CC C C Cون س CC C C Cليمة إذا اجتم CC C C Cع عنص CC C C Cراها
(الرض CCا واالختي CCار) وبالت CCالي ي CCترتب عليه CCا ك CCل اآلث CCار القانوني CCة وبالمقاب CCل تك CCون اإلرادة معيب CCة
إذا فق CC C C Cدت عنص CC C C Cريها ومن ثم ال ت CC C C Cترتب عليه CC C C Cا اآلث CC C C Cار القانوني CC C C Cة ،ولكنن CC C C Cا نج CC C C Cد أن بعض
التص CC C Cرفات يت CC C Cوافر فيه CC C Cا االختي CC C Cار دون الرض CC C Cا وم CC C Cع ذل CC C Cك نق CC C Cول بص CC C Cحة ت CC C Cرتب اآلث CC C Cار
القانوني CC C Cة عليه CC C Cا ،فعلى س CC C Cبيل المث CC C Cال أن ي CC C Cبيع الش CC C Cخص داره باختي CC C Cاره لكن يمكن أن يك CC C Cون
غير راٍض ،فمن هذا المثال نجد فرقًا بين االختيCCار والرضCCا ،فمن غCير المعقCول أن نعتبرهمCCا شCCيئًا
واح CC C Cدًا ،وم CC C Cا يع CC C Cزز وجه CC C Cة النظ CC C Cر ه CC C Cذه ه CC C Cو م CC C Cا أك CC C Cده ال CC C Cدكتور محم CC C Cد بح CC C Cر العل CC C Cوم في
()2
مناقشته لقول الرس CCول األعظم محم CCد (علي CCه أفض CCل الص CCالة والس CCالم) (إنما البيع عن تراٍض)
)?(1الشيخ محمد أبو زهرة ،الملكية ونظرية العقد ،دار الفكر العربي ،مصر ،دون سنة ،ص.221
(?) عن داؤد بن صالح المدني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري ويروي الحديث ،ينظر في تخريج 2
الحديث :الحافظ أبو عبداهلل محمد بن يزيد القزويني ،سنن ابن ماجه ،ج ،2دار الحديث ،القاهرة ،دون
سنة طبع ،ص.736
15
وقول CCه (ال يحل المرئ من مال أخيه إال ما طgابت بgه نفسgه)( )3فه CCذان دليالن على أن الرضCCCا
غير االختيار ،ألنCه في الحCديث األول جعCل من الرضCCا ركنًCا للCبيع ،فCCاذا انعCدم الرضCCا انعCدم الCبيع،
وفي الحCCديث الثCCاني (عCCدم الحCCل) للمCCرء من مCCال أخيCCه إّال مCCا طCCابت بCCه نفسCCه وهCCذا هCCو المCCراد بCCه
الرضا ال االختيار(.)2
كم CC Cا ج CC Cاء في قCC C Cول الرس CC Cول األعظم محم CC Cد (صCC C Cلى اهلل علي CC Cه وس CC Cلم) في الطالق أن CC Cه
(ال طالق إال لمن أراد الطالق)( ،)3فCC C Cاإلرادة المقصCC C Cودة بالحCC C Cديث الرضCC C Cا ألن الطالق من دون
الرضاء -أي الطالق الجبري -ال يكون طالقًا.
يتضح لنا من كل ما تقدم أن هناك فرقًا بين الرضا واالختيار ويCترتب على ذلCك أن وجCود
الرض CCاء ب CCالحكم يس CCتلزم وج CCود االختي CCار في CCه وفي س CCببه ويس CCتلزم ك CCذلك الرض CCا بالس CCبب ووج CCود
االختيار ال يستلزم وجود الرضا ألن مجرد القصد إلى شيء ال يستلزم منه الرغبة فيه(.)4
وفي هCCذا النطCCاق تجCCدر اإلشCCارة إلى أن فقهCCاء الحنفيCCة( )5انفCCردوا وحCCدهم عن بقيCCة الفقهCCاء
اآلخرين في تمييز الرضا من االختيار:
(?) ثنا محمد بن عيد بن العالء الكاتب ،ثنا على بن حرب ،ثنا زيد بن الحبان عن عبد الملك بن الحسن 1
األحول مولى مروان بن الحكم ،حدثني عبد الرحمن بن أبي سعيد ،حدثني عمارة بن حارثة الضمري ،ذكر
عن عمرو بن يثربى قال :شهدت رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) في حجة الوداع بمنى فسمعته يقول
ويروي الحديث ،ينظر في تخريج الحديث :اإلمام الكبير علي بن عمر الدارقطني ،سنن الدارقطني ،ج،3
دار المحاسن للطباعة ،القاهرة ،1966 ،ص 25ومابعدها.
(?) د .محمد بحر العلوم ،المصدر السابق ،ص 31ومابعدها. 2
(?) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بن فضال عن أبي بكير عن زرارة عن اليسع عن أبي 3
عبداهلل عليه السالم وعن عبد الواحد بن المختار عن أبي جعفر عليه السالم ،ينظر في تخريج الحديث:
الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ،الفروع من الكافي ،ج ،6مطبعة الحيدرية ،طهران 1379 ،هـ ،ص.62
(?) ينظر :الشيخ علي الخفيف ،أحكام المعامالت الشرعية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،1947 ،ص 4
362ومابعدها.
(?) العالمة السيد أحمد الطحطاوي الحنفي ،حاشية الطحطاوي على الدر المختار ،المجلد ،4دار 5
المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان ،1975 ،ص 72ومابعدها .اإلمام عالء الدين عبد العزيز بن أحمد
البخاري ،كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ،ج ،4دار الكتاب العربي ،بيروت-
لبنان ،1974 ،ص 384ومابعدها؛ ابن عابدين ،رد المحتار على الدر المختار ،ج ،4دون مكان وسنة
طبع ،ص7؛ عبد الرحمن الجزيري ،كتاب الفقه على المذاهب األربعة ،قسم المعامالت ،ج ،2دار
الكتب العلمية ،بيروت -لبنان ،دون سنة طبع ،ص.162
16
فالرضا عندهم هCو الرغبCة في حكم العقCد ،وهCو أمCر بCاطن ألنCه من أعمCال القلب ،كمCا أنCه
امتالك االختيار ،أي بلوغه نهايته؛ واالختيار عندهم هو القصد إلى أمر متردد بين الوجود والعCCدم
داخل في قدرة الفاعل بترجيح أحد الجانبين على اآلخر.
أي بمعنى أنهم فرقوا بين الرضCCا واالختيCار ،ألن االختيCار هCو القصCCد إلى الشCيء وإ رادتCه
سواًء كان ذلك القصد عن رغبة في التعاقد ،أو لم يكن؛ والرضا هو الرغبة في الشيء واستحسانه
واالرتياح إليه ،وبهذا هو أخص من االختيار فال يلCCزم من وجCCود االختيCCار وجCCود الرضCCا لكن يلCCزم
من وجود الرضا وجود االختيار(.)1
إذًا فال يمكن القCC Cول بCC Cأن الرضCC Cا واالختيCC Cار شCC Cيء واحCC Cد ألن اإلنسCC Cان قCC Cد يرضCC Cى بCC Cأمٍر
مCC Cا لكنCC Cه غCCCير مختCC Cار لCC Cه وبالمقابCC Cل قCC Cد يختCC Cار أمCC Cرًا غCCCير راٍض بCC Cه وبهCC Cذا فCC Cان اإلرادة هي أعم
ه CC C C Cذه األح CC C C Cوال ،وإ ن االختي CC C C Cار ه CC C C Cو مرتب CC C C Cة أخص من اإلرادة والرض CC C C Cا ه CC C C Cو مرتب CC C C Cة أخص
من االختيار ،فالكثير من معامالت الناس في الواقع العملي تحصل دون رضاء -كمCCا ذكرنCCا آنفًCا-
فقد يبيع اإلنسان داره بسعر ال يرضاه في حال سعته عند احتياجه ،فتصرفه هCذا ُيعCد صCحيحًا؛ من
ذلCC C C C C Cك يمكن القCC C C C C Cول بCC C C C C Cأن تصCC C C C C Cرف اإلنسCC C C C C Cان ال يتوقCC C C C C Cف دائم ًC C C C C Cا على الرضCC C C C C Cاء ولكنCC C C C C Cه
متوقف على االختيار.
وهCC C Cذا القCC C Cول يCC C Cترتب عليCC C Cه عCC C Cدم التالزم بين االختيCC C Cار والرضCC C Cاء ،وإ ذا قي َّC C Cل العكس،
أي إذا قيَّC C C C Cل زال الرض CC C C Cاء ُي زال االختي CC C C Cار مع CC C C Cه ألص CC C C Cبح المك CC C C Cره بال إرادة وه CC C C Cذا ق CC C C Cوٌل
مردود(.)2
فاإلرادة قد تكون مختارة راضية ،وقد تكون مختارة غير راضية كما تكون إرادة راضCCية
غير مختارة.
المطلب الثالث
(?) ينظر :د .وهبة الزحيلي ،الفقه اإلسالمي وأدلته ،النظريات الفقهية والعقود ،ج ،4ط ،3دار 1
الفكر ،دون مكان طبع ،1989 ،ص189؛ د .أحمد فراج حسين ،الملكية ونظرية العقد في الشريعة
اإلسالمية ،الدار الجامعية ،دون مكان طبع ،1986 ،ص167؛ د .مصطفى أحمد الزرقا ،المدخل
الفقهي العام ،ج ،1مطابع ألف باء األديب ،دمشق ،1968 ،ص.366
(?) ينظر :د .محمد سعود المعيني ،اإلكراه وأثره في التصرفات الشرعية ،ط ،1مطبعة الزهراء 2
17
مراحل اإلرادة
بعCC Cد أن حCC Cددنا مفهCC Cوم اإلرادة لغ ًC Cة واصCC Cطالحًا وميزناهCC Cا من غيرهCC Cا من المصCC Cطلحات
اللغويCCة األخCCرى نتطCCرق في هCCذا المطلب إلى المراحCCل الCCتي تمCCر بهCCا اإلرادة ،إذ تمCCر اإلرادة قبCCل
اإلعالن والكشف عنها بمراحل عديدة:
(?) األعمال ضربان عادات ،وعبادات فالنية أو القصد ال يتطلب وجودها في العادات ،أما في العبادات فهي 1
،1963ص.223
(?) ينظر :ندى سالم مال علو ،أثر األمراض النفسية في التصرفات القانونية -دراسة مقارنة، 3
أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون ،جامعة الموصل ،2001 ،ص.46
)?(4يرى علماء النفس بأن قوة اإلرادة هي التعبير عن قوة الحوافز الكامنة في خلق السلوك البشري ،ينظر:
18
فعندما يشعر اإلنسان بأن صحته غير جيدة يتولد في نفسه باعث أو داٍع لمراجعCCة األطبCCاء
وهذا الباعث هو النواة األولى إلرادة المريض ،فكلمCCا كCCانت حاجتCCه إلى العمCCل الطCCبي قويCCة انعكس
ذلCCك على البCCاعث ومنحCCه القCCوة؛ أمCCا إذا لم تكن حاجتCCه إلى العمCCل الطCCبي قويCCة فسCCوف ينقضCCي هCCذا
الباعث ويتالشى ،وكلما كانت لديه القدرة على اإلقدام على العمل الطبي وتحمله تطور البCCاعث أو
ال CCداعي وب CCالعكس؛ كلم CCا ك CCانت قدرت CCه ض CCعيفة على اإلق CCدام على العم CCل الط CCبي تالش CCى الب CCاعث أو
الداعي وتالشت اإلرادة قبل ظهورها.
أما عن موقف الفقه اإلسالمي من كل ما تقدم:
إلى الق CC Cول ب CC Cأن كًال من الني CC Cة واإلرادة والقص CC Cد هي ()1
فقد ذهب فريٌق من المالكية
عبCC Cارات متCC Cواردة على معCC Cنى واحCC Cد؛ وقCC Cد يبCC Cدو أن هCC Cذا القCC Cول صCC Cائب في بCC Cاب العبCC Cادات ،أمCC Cا
في ب CCاب المع CCامالت فال يمكن التعوي CCل علي CCه وذل CCك ألن الني CCة والقص CCد هم CCا مس CCألتان مترادفت CCان إال
أنهما جزء من اإلرادة والجزء ال يمثل الكل.
كمCCا ذهبCCوا إلى القCCول بCCأن أي عمCCل أو حركCCة اليتم إال بثالثCCة أمCCور هي :العلم ،واإلرادة،
والق CCدرة ألن CCه اليري CCد اإلنس CCان م CCاال يعلم CCه ،إنم CCا يري CCد م CCا يعلم CCه وه CCذا الب CCد من أن يك CCون مقرونًC Cا
باإلرادة ،أي انبعCاث القلب إلى مCا يCراه موافقًCا للغCرض في الحCال أو في المCآل؛ فمن اليبصCCر النCار
اليمكنه الهCرب منهCا ،وخلCق اهلل سCبحانه وتعCالى الهدايCة والمعرفCCة وجعCل لهCا أسCبابًا وهي الحCواس
الظاهرة والباطنة ثم يلي هذه المرحلة القدرة؛ والقدرة تنتظر الداعية الباعثة؛ والداعية تنتظCCر العلم
والمعرفة ،فمتى انبعثت اإلرادة انتهضت القدرة لتحريك األعضاء.
إلى القول :بأن النية هي القصCCد والCCدليل على ذلCCك ()2
وذهب فريق آخر من المالكية
أنهم اعتبروهCC Cا شCC Cرطًا في العبCC Cادات ،ووحCC Cدها تكفي لتقييCC Cد المطلقCC Cات ،وتخصCC Cيص العموميCC Cات،
-د .فاخر عاقل ،علم النفس ،دار العلم للماليين ،بيروت -لبنان ،دون سنة طبع ،ص.240
(?) اإلمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي ،إحياء علوم الدين ،ج ،4مكتبة ومطبعة البابي الحلبي 1
االستقامة ،القاهرة ،دون سنة طبع ،ص7؛ الشيخ أحمد بن أحمد المختار الجكني القشنقيطي ،مواهب
الجليل من أدلة خليل ،ج ،1إدارة إحياء التراث اإلسالمي ،قطر ،1983 ،ص49؛ شهاب الدين أبو
العباس الصنهاجي القرافي ،الفروق ،ج ،3دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان ،دون سنة طبع،
ص.64
19
وتعميم المطلقات ،وتعيين أحCد مسCميات األلفCاظ المشCتركة؛ وبهCذا فانهCا تشCكل جCزءًا من اإلرادة ال
بالمعنى المرادف لإلرادة ذاتها.
فوفقًC Cا لم CCا ذهب إلي CCه الفري CCق األول من المالكي CCة نج CCد أن اإلرادة تم CCر بثالث مراح CCل قب CCل
ظهورها للعالم الخارجي وهي العلم أو اإلدراك بالشCيء ،ثم إرادتCه والقCدرة عليCه مقارنًCة بمCا حCدده
علمCCاء النفس ،بCCأن لإلرادة أربCCع مراحCCل تبCCدأ بالنيCCة ،واإلدراك ،ومن ثم الCCتروي ،والتCCدبر والعCCزم،
وأخيرًا التنفيذ.
ف CC Cانهم اعتCC Cبروا النيCC Cة مرادفCC Cة أمCC Cا عن موقCC Cف الحنفية( )1والشافعية( )2والحنابلة
()3
للقصCCد بمعCCنى أن النيCCة ليسCCت اإلرادة إنمCCا هي جCCزء منهCCا ،ففي العبCCادات ُأعتCCبرت النيCCة شCCرطًا من
شCCروط الصCCالة ،والوضCCوء ،وحCCتى في حلCCف اليمين اعتCCدوا بالنيCCة وذلCCك بقCCولهم أن القاصCCد لليمين
البد أن تكون له نية… وهكذا.
أما عن المرحلة الثانية لإلرادة فهي :مرحلة التروي أو التدبر؛ حيث يCCزن الشCCخص
األمCC Cر ويتCC Cدبره( ،)4وهCC Cذه المرحلCC Cة تعتمCC Cد على التفكCC Cير والعقCC Cل في تمحيص البCC Cواعث المتعCC Cددة
ال CCتي تب CCدو أم CCام اإلنس CCان ،فق CCد تتع CCارض المي CCول وعن CCد تعارض CCها يقتض CCي األم CCر بوج CCوب التفك CCير
والتروي وتحكم العقل ضمن هذه المرحلة.
فCCالمريض بعCCد أن يقCCوى باعثCCه لحاجتCCه إلى العمCCل الطCCبي وقدرتCCه على اإلقCCدام عليCCه يCCدخل
في مرحلة ثانية من مراحل اإلرادة ،إذ يتروى ويزن األمر بعقله ،فاذا ما اقتنCCع بCCه وذلCCك من خالل
البواعث والميول التي توصله إلى هCذه المرحلCة هنCا نتحCول إلى مرحلCة أخCرى من مراحCل اإلرادة
أال وهي العCCزم ،وكCCأن المCCريض في هCCذه المرحلCCة تطCCرح أمامCCه عCCدة اختيCCارات فبعCCد ترويCCه يCCرجح
إحدى هذه االختيارات على غيرهCا ،فهCو إمCا يCرجح اإلقCدام على العمCل الطCبي القتناعCه بعCد ترويCه
(?) شمس الدين السرخسي ،المبسوط ،المجلد األول ،ط ،3دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان، 1
،1978ص.10
(?) أبو اسحق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي ،المهذب ،ج ،1مطبعة عيسى البابي 2
العالمين ،ج ،3دار الفكر ،بيروت -لبنان ،دون سنة طبع ،ص.107
(?) د .أحمد محمود صبحي ،في علم الكالم ،ج ،1ط ،4مؤسسة الثقافة الجامعية ،دون مكان طبع، 4
،1982ص .151وبالمعنى نفسه :فضيلة عرفات السبعاوي ،مستوى تحقيق الذات لدى المعلمين
والمدرسين في مركز محافظة نينوى وعالقته ببعض المتغيرات ،رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية
التربية ،جامعة الموصل ،2001 ،ص.42
20
أن هCCذا األمCCر البCCد منCCه ،أو أن يCCرجح العCCزوف عنCCه القتناعCCه أن صCCحته ال تتطلب الخضCCوع أليCCة
تداخالت طبية.
والمرحلة الثالثة واألساسية هي مرحلCCة العCCزم أو المشCCيئة ويتحقCCق العCCزم باالسCCتقرار
على رأي معين مCCع عقCCد النيCCة على تنفيCCذه والتصCCميم عليCCه دون تراجCCع ،وهCCذا العCCزم البCCد أن يكCCون
حاسمًا وصادقًا أي اليكون فيه تردد أو مجال لميل آخر(.)1
فCCالمريض بعCCد تجCCاوزه مرحلCCة البCCاعث والتCCدبر يصCCل إلى المرحلCCة الثالثCCة وهي العCCزم إذ
يستقر رأيه وتنعقد نيته على تنفيذ العمل الطبي والتصميم عليه دون أي تCCردد أو تراجCCع ،فالمرحلCCة
األخيرة من مراحل اإلرادة هي التنفيذ وهذا إما أن يكون سلبيًا أو ايجابيًا أي بترك العمCCل أو القيCCام
به.
فه CCذه المراح CCل الثالث (الب CCاعث ،ال CCتروي ،الع CCزم أو المش CCئية) ت CCدخل تحت نط CCاق اإلرادة
الباطن CCة؛ ألن اإلرادة الباطن CCة تم CCر به CCذه المراح CCل قب CCل التعب CCير عنه CCا وبانته CCاء ه CCذه المراح CCل تنتق CCل
اإلرادة إلى العالم الخارجي ،وهذا ما نطلCق عليCه اإلرادة الظCاهرة الCتي تتخCذ وسCائل وطرقًCا عديCدة
للتعبير عنها كاللفظ والكتابة واإلشارة والتعاطي(.)2
21