You are on page 1of 30

‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................

‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫الجاهعة ‪ :‬دهوك‬

‫الكلية ‪ :‬العلوم السياسية‬

‫القسن‪ :‬العالاقا الوللية لالوللوهاسية‬

‫الورحلة‪ :‬الثانية‪ /‬الكورس الثالث‬

‫هحاضررررررررررررا هررررررررررراد ‪ :‬الفكرررررررررررر السياسررررررررررر الوسررررررررررري الغرلررررررررررر‬


‫لاإلساله‬

‫اسن التوريس ‪ :‬عبوال جوعة عبوالرحون‬

‫السنة الوراسية‪2021-2022:‬‬

‫‪1‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫الفكر االسياسي في العصر الوسيط‬

‫تمهيد‬

‫التعريف بالفكر السياسي‪ :‬ىو ذلك البنيان الفكري المجرد المرتبط بتفسير الوجود السياسي‪،‬‬

‫ليمثل كل ما يخطر في ذىن اإلنسان حول تنظيمو السياسي وحياتو العامة كما ىي أو كما يجب‬

‫أن تكون‪.‬‬

‫المقصود بالعصر الوسيط تمك الفترة التي تمتد من الربع األخير من القرن الخامس الميبلدي‬

‫وحتى نياية القرن الخامس عشر‪ ،‬وتميز الفكر السياسي في ىذه المرحمة ب‪:‬‬

‫ظيور مؤسسة الكنيسة وتأثيرىا في السياسة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫سادت الصراعات الدينية وبرزت مشكمة تنظيم العبلقات بين السمطة الدينية التي تمثميا‬ ‫‪-2‬‬

‫الكنيسة والبابا والسمطة الدنيوية التي يمثميا الممك أو الدولة‪.‬‬

‫خضوع األفراد لنوع من األلتزام الثنائي لم تعرفو قواعد االخالق في العصور السابقة‬ ‫‪-3‬‬

‫اساسو أن المسيحي في ىذه الدنيا ىو أحد مواطني سمطة زمنية زائمة ميما طال امدىا‪ ،‬وىو في‬

‫اآلخرة عضو في ممكوت الخالق‪.‬‬

‫بروز مشكمة العبلقة بين المؤسسات الدينية والتنظيمات السياسية ال سيما ما يتعمق منيا‬ ‫‪-4‬‬

‫بمسألة اقحام السمطة لنفسيا في العبلقة ما بين الفرد والخالق‪.‬‬

‫وان العصر الوسيط بقدر تعمق األمر بتطور الفكر السياسي‪ ،‬قد مر بثبلث مراحل تاريخية‬

‫(خبلل عشرة قرون) ميزتو عن سائر المراحل األخرى لتطور الفكر السياسي وىي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫المرحمة الولى‪ :‬تمثمت بسقوط األمبراطورية الرومانية‪ :‬في القرن الخامس لمميالد وحتى بدايات‬

‫القرن العاشر‪ ،‬وتحديد مركز الكنيسة اتجاه الدولة‪ ،‬وموقع الدولة والكنيسة‪ ،‬وتبنت الكنيسة في ىذه‬

‫المرحمة مبادئ تدعو الى تأكيد الوالء لمسمطة الزمنية‪.‬‬

‫المرحمة الثانية‪ :‬الفترة البلحقة عمى القرن العاشر وحتى القرن الثالث عشر وشيدت تنامي‬

‫واشتداد قوة الكنيسة‪ ،‬وتصاعد الصراع بين السمطة الدينية(الكنيسة)‪ ،‬والسمطة الدنيوية (الدولة)‬

‫االمرحمة الثالثة‪ :‬بداية القرن الرابع عشر – القرن الخامس عشر وتميزت بانييار سمطة الكنيسة‬

‫وقيام النظام االستبدادي المحمي ‪ .‬وخبلل ىذه الفترة يبلحظ تناقضاً حاداً واضطراباً كبي اًر‪ ،‬ذلك‬

‫ألنو كانت ىناك دعوة واضحة إلقامة مجتمع عالمي لحكومة إليية واحدة‪ ،‬وفي الوقت نفسو‬

‫كانت ىناك دعوة مقابمة اساسيا اقامة الدولة القومية‪ .‬بمعنى بروز اتجاىين أو فكرتيين‬

‫متناقضين ىما‪ :‬اتجاه يدعو الى اقامة مجتمع سياسي عالمي لحكومة اليية‪ ،‬واتجاه يدعو الى‬

‫اقامة الدولة القومية الذي نجح في تأسيس العديد من الدول القومية‪.‬‬

‫العصر الوسيط ُيدعى بعصر الظالم‬

‫العصور الوسطى المبكرة في أوروبا‪ ،‬وىي الفترة الممتدة بين عامي ‪476‬الى ‪1111‬‬

‫ميبلدية‪ ..‬قد انغمست أوروبا في ىذه الفترة في الظبلم والجيل بسبب طغيان الكنيسة ورجال‬

‫الدين (الروحي والمالي والسياسي والعممي)‪ ،‬فحين يصدر الطغيان من زعماء دنيويين فإنو قد‬

‫يكون معقوال إلى حد ما‪ ،‬أما حين يصدر عن رجال يراىم الناس قديسين ورسل سبلم وطبلب‬

‫لآلخرة فذلك مما يشق عمى النفس احتمالو‪.‬فمم تدع الكنيسة جانبا من جوانب الحياة دون أن‬

‫تمسكو بيد من حديد ‪ ..‬ىيمنت عمى المجتمع من كل نواحيو الدينية والسياسية واالقتصادية‬

‫والعممية‪ ،‬وفرضت عمى عقول الناس وأمواليم وتصرفاتيم وصاية ال حدود ليا‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫بدأ طغيان الكنيسة الروحي بعد االضطياد البالغ الذي تعرض لو أتباع المسيحية في الدولة‬

‫الرومانية‪ ،‬مما أدى إلى تحول الدعوة المسيحية إلى دعوة سرية فاختفى دعاتيا واخفوا معيم نسخ‬

‫األناجيل‪ ،‬إذ كانت تتعرض لمحرق والمصادرة ‪ ،‬فكان الداخل الجديد في دينيم يأخذ عنيم التعاليم‬

‫مشافية بعد ترجمتيا إلى لغتو ثم يبثيا في بني قومو س اًر ‪ ،‬وحينما يبرز عدم فيم مسألة فقيية‬

‫رجعوا إلى الداعية الذي يممك نسخة لئلنجيل فيبين ليم رأي اإلنجيل‪ ،‬أو رأيو الخاص‪ !!..‬ولم‬

‫يكن الدعاة يسمحون لؤلتباع بتمميك النسخ أو يطمعونيم عمييا خشية عمى أنفسيم وعمى الكتب‬

‫مما أدى إلى انحصار المصادر الدينية في أيدي فئة قميمة من الناس‪ ،‬واقتصار حق شرحيا‬

‫وتأويميا عمييم وحدىم‪ ،‬ولما انقضت عصور االضطياد واعتنق الروم المسيحية احتفظ رجال‬

‫الكنيسة بحق قراءة وشرح الكتب المقدسة حتى أنو لم يسمح لممسيحي بأن يخاطب ربو ميما‬

‫كانت ح اررة وجدانو‪ !..‬إال من خبلل وسيط ىو الكاىن‪ ،‬وىكذا ظمت مصادر الدين الكنسي حك اًر‬

‫عمييم التقع عمييا يد لباحث أو ناقد من غير رجال الدين‪ ،‬وكان باستطاعة الكنيسة أن تفرض‬

‫كل شيء باسم الدين‪ ،‬وىي آمنة من أن أحدا لن يقوم حياليا بأدنى معارضة‪ ،‬حيث كانت‬

‫الغالبية العظمى من الناس من األميين السذج الذين ألفوا العبودية والخضوع لمقوى المسيطرة‪.‬‬

‫أما من ناحية الطغيان العقمي فمقد قامت الكنيسة بحرق جميع الكتب التي تعتبر ضارة‬

‫بالعقول أو خطرة عمى العقيدة‪ ،‬وىكذا وضعت الكتب العممية والفمسفية عمى الئحة الكتب‬

‫الممنوعة‪ ،‬وبدأت الكنيسة بمبلحقة من أسمتيم بالميرطقين‪ ،‬وىم من انحرفوا ولو انحرافاً بسيطاً‬

‫عما تعتقده الكنيسة‪ ،‬من العمماء والفبلسفة وقمة من رجال الدين أدركوا خطر ماتقوم بو الكنيسة‪،‬‬

‫فأقامت محاكم التفتيش‪ ،‬وأشير من مثموا أماميا الفيمسوف االيطالي برينو والعالم الشيير جاليميو‬

‫والعالم كوبرنيكوس القائل بدوران األرض حول الشمس‪ ..‬وقد نجا منيا كوبرنيكوس ألنو أجل‬

‫نشر كتابو الذي يحتوي نظريتو الجديدة إلى يوم وفاتو بالضبط‪ ،‬بينما برينو تعرض لممبلحقة‬

‫‪4‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫بسبب تعمقو باألفكار الفمسفية‪ ،‬فعاش متنقبل ومدرسا في جامعات البمدان التي مر بيا واشتير‬

‫بنبوغو واطبلقو العديد من النظريات التي ثبتت صحتيا فيما بعد‪ ..‬ولكن غدر بو وسمم إلى‬

‫محاكم التفتيش‪ ..‬فقطع لسانو وأحرقوه ‪..‬‬

‫وقد حصمت حادثة شييرة في ذلك الوقت لشخص يدعى جان فرانسوا البار فقد قطعوا يده‬

‫ألنو كسر الصميب واقتمعوا لسانو ثم أحرقوه‪ ،‬وقد كان شابا مراىقا ال يتجاوز عمره التاسعة عشرة‬

‫وبيذه الطريقة قتل خمق كثير في ذلك الوقت‪..‬‬

‫وفي السياسة سيطرت الكنيسة عمى الحكام‪ ،‬ومن يخالفيا تعاقبو بحق الحرمان‪ ،‬وقد تعرض لذلك‬

‫الكثيرون مثل‪:‬‬

‫المموك أمثال 'فردريك' وهنري الرابع‪ ،‬وقد تعرض لو البريطانيون عندما حصل خبلف بين الممك‬

‫يوحنا ممك اإلنجميز وبين البابا‪ ،‬فحرمو البابا وحرم أمتو‪ ،‬فعطمت الكنائس من الصبلة‪ ،‬ومنعت‬

‫عقود الزواج‪ ،‬وحممت الجثث إلى القبور ببل صبلة‪ ،‬وعاش الناس حالة من الييجان واالضطراب‪،‬‬

‫صاغر يعترف بخطيئتو ويطمب الغفران من البابا‪ ،‬ولما رأى البابا ذلو وصدق‬
‫ًا‬ ‫حتى عاد يوحنا‬

‫توبتو رفع الحرم عنو وعن األمة‪..‬‬

‫كان من الطبيعي أيضا أن تزداد الكنيسة ثراء لعدة أسباب‪ ،‬كان من أىميا صكوك الغفران وىي‬
‫اإلعفاء الكامل أو الجزئي من العقاب عمى الخطايا والتي تم العفو عنيا‪ .‬يتم ضمان صكوك‬
‫الغفران من الكنيسة بعد أن يعترف الشخص اآلثم و بعد أن يتمقى اإلبراء‪ .‬كانت تمنح من قبل‬
‫الكنيسة الكاثوليكية مقابل مبمغ مادي يدفعو الشخص لمكنيسة يختمف باختبلف ذنوبو‪ ،‬و تعتبر‬
‫صكوك الغفران نقطة من النقاط الميمة‪ ،‬التي أدت إلى األحتجاج (‪ )Protest‬إلى أن يبدأ‬
‫مارتن لوثر اإلصبلح البروتستانتي‪ .‬حيث بدأت الحركة بالخبلف الذي أثار في ألمانيا حول‬
‫موضوع الغفران اإلليي خصوصاً بعد أن سمكت الكنيسة طريق بيع ىذا الغفران في شكل‬
‫(صكوك الغفران) والتي كانت مصد اًر ميماً من مصادر دخل كبار رجال الدين واعتبرت فضيحة‬
‫ليم ولمكنيسة ايضاً‪ .‬وعندىا أعمن مارتن لوثر في احدى الكنائس األلمانية عن معارضتو لتمك‬

‫‪5‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫الصكوك‪ .‬فقد تسبب ذلك في حدوث اضطراب حاد وعام‪ ،‬مؤدياً ذلك بانخفاض نسبة مبيعات‬
‫تمك الصكوك وانخفض معيا نسبة العوائد التي تجنييا الكنيسة‪.‬‬

‫وقد أكد لوثر عمى أن اإليمان والنجاة (الخبلص االخروي) مسألة فردية‪ ،‬وان اإلنسان قادر عمى‬

‫ىذا الخبلص بمجرد اعتقاده برسالة اإلنجيل‪ ،‬ويكون اإليمان الوسيمة األولى والوحيدة لمخبلص‬

‫اإلنساني‪ ،‬وعميو يكفي أن يتوجو اإلنسان إلى اهلل مباشرة ودونما وساطة‪ ،‬ويرى بأن الكاىن‬

‫البابوي وطقوسو في ىذه الحالة عقبة بين الناس وربو‪ ..،‬فكممة البروتستانتية مشتقة من الفعل‬

‫والذي يعني االحتجاج ومارتن لوثر كان راىباً عاكفاً عمى دراسة الدين ولكن كان يزعجو إيمان‬

‫المسيحيين بفكرة صكوك الغفران‪ ،‬حيث قال "إن العفو الذي يصدره البابا ال يمكن أن يزيل أقل‬

‫خطيئة ‪.‬إذا كان رافضاً لفكرة الصكوك ثم تحول رفضو إلى فعل حركي عندما قام بإعداد قائمة‬

‫باالعتراضات عمى بيع صكوك الغفران ضمت حوالي ‪ 55‬اعتراضاً‪ ،‬وعمق القائمة عمى باب‬

‫الكنيسة‪ ،‬وىذه القائمة كانت بمثابة الش اررة التي أدت إلى حركة اإلصبلح ‪ .‬ولكن لوثر لم يكن‬

‫يبتغي سوى إصبلح الخمل الكامن في الصكوك فقط‪ ،‬ولكن بعد طرده من الكنيسة واتيامو‬

‫باليرطقة أعمن لوثر حربو عمى البابوية كميا‪ ،‬فدعى إلى المساواة بين رجال الدين والمسيحيين‬

‫العاديين‪ ..‬كما دعا إلى حق الفرد في قراءة اإلنجيل‪ ،‬وىو األمر الذي شجع الفبلحين عمى قراءة‬

‫اإلنجيل الذي كشف ليم حقيقة وضعيم‪ ،‬فبدأت ثورات الفبلحين‪ ،‬وحرقوا مئات القرى واألديرة‪ ،‬فمم‬

‫يكن أمام لوثر إال أن يخرج مضحيا بحياتو ليوقف تطرف أتباعو‪ ،‬وفي النياية وبعد تفكير عميق‬

‫اعتنق لوثر فكرة التبرئة باإليمان التي تقول أن رضا الرب يأتي عن طريق اإليمان وحده وليس‬

‫عن طريق العمل الصالح‪ ...‬موجز القول ‪ ،،‬لقد أسفرت التجربة القاسية مع الكنيسة عن مثل‬

‫ىذا االنقبلب الفكري المسيحي الذي جعل اإليمان وحده كافياً دون العمل إلرضاء الرب‪ ،‬لقد‬

‫‪6‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫انتيت التجربة بمعاقبة الدين ذاتو فمم يتم التفريق بين الدين كعقيدة وبين الممارسين الذين أساءوا‬

‫استخدامو‪ ،‬بل تم تحميل الدين ذنوب مستخدميو ‪...‬فكان الدين ىو الضحية‪.‬‬

‫وفي ىذه العصور المظممة كان المتضرر الوحيد ىو اإلنسان‪ ،‬حيث وضعت القيود عمى عقمو‬

‫وفكره وال يمكن أن يكون اإلنسان إنسانا بدون استخدام ماميزه الرب بو أآل وىو العقل ! كان كل‬

‫ماحدث بيذه العصور المظممة جريمة بحق اإلنسانية جمعاء‪..‬‬

‫طبيعة الفكر المسيحي ومظاهر العالقة بين السمطتين الدينية والزمنية‬

‫يعد ظيور الكنيسة المسيحية كمؤسسة مستقمة عن الدولة ليا الحق في حكم الفرد في نطاق‬

‫الشؤون الروحية أخطر حدث ثوري في تاريخ اوربا الغربية سواء كان ذلك في اطار السياسة أو‬

‫في اطار الفكر السياسي‪ .‬وان األفكار السياسية التي طرحيا المسيحيون األوائل كانت تؤمن بـ‬

‫أوالً‪ :‬القانون الطبيعي‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مبدأ المساواة بين البشر‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ضرورة التزام الدولة بالعدالة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬طاعة السمطة الشرعية القائمة واحتراميا‪.‬‬

‫ف قد اصبحت ىذه الكممات نظرية مسيحية‪ ،‬وصار التزام الطاعة المدنية فضيمة مسيحية لم‬

‫ينكرىا زعماء الكنيسة‪ ،‬فيي (الطاعة) أي فرض بأمر اهلل وىذا يغاير طابع النظرية الدستورية‬

‫الرومانية التي ترى إن سمطة الحاكم مستمدة من الشعب‪ .‬وعميو فاحترام السمطة لم ينكره‬

‫المسيحيون‪ ،‬بحيث انيم خاضعون إللتزامين (التزام ثنائي) فقد مطالباً بإعطاء ما لقيصر واعطاء‬

‫‪7‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫ما هلل‪ ،‬بل حينما يتضارب واجبو نحو حاكمو مع واجبو نحو ربو فيجب ان يكون االلتزام نحو‬

‫الرب وليس الحاكم‪.‬‬

‫فالنظام المسيحي افترض وجود طبيعة مزدوجة لئلنسان في اإلطاعة (الدينية والدنيوية)‪ ،‬غير‬

‫أن وجود ازدواج في تنظيم المجتمع االنساني ومراقبتو‪ ،‬قادت الى تأسيس نظرية عرفت ب نظرية‬

‫السيفين (‪.)The theory of tow Swords‬‬

‫وعميو‪ ،‬ما المقصود بالطبيعة المزدوجة في التنظيم‪ ،‬وما ىي نظرية السيفين؟‬

‫أوالً‪ :‬الطبيعة المزدوجة في التنظيم‪ :‬بمعنى ان تنظيم المجتمع يتم من قبل سمطتين متصارعتين‬

‫ىما‪ :‬سمطة الكنيسة وسمطة الدولة‪ ،‬وادى ذلك الى خضوع األفراد الى ىاتين السمطتين‪ ،‬ورقابة‬

‫ىاتين السمطتين عمى تصرفات األفراد ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬نظرية السيفين‪ :‬وضعيا جالسيوس الول في مطمع العصر الوسيط ‪ ،‬فالمسيحية ظيرت‬

‫كحركة دينية ليا نظاميا المستقل عن الدولة وكانت ىي المسئولة عن النواحي الروحية لتخميص‬

‫اإلنسان من الخطيئة ( الخبلص االبدي)‪ ،‬وكانت تنظر إلى الدولة كمؤسسة مستقمة تستمد من‬

‫سمطتيا من اهلل مما يستوجب خضوع الكنيسة لسمطتيا‪ .‬ولكن مع تعاظم دور الكنيسة وتمتعيا‬

‫بسمطة منافسة لسمطة األمبراطور طرحت الكنيسة فكرة (الوالء المزدوج) والتي تدور حول وجوب‬

‫خضوع مسيحي لنوع من الوالء المزدوج انطبلقاً من ازدواج طبيعتو‪ ،‬فاإلنسان يتكون من روح‬

‫وجسد‪ ،‬والروح تتوجو نحو خالقيا والذي تظير سمطتو في األرض من خبلل الكنيسة‪ ،‬أما الجسد‬

‫فيتوجو بوالئو إلى السمطة الدنيوية متمثمة بحكومة االمبراطور‪ ،‬وعميو فنظرية السيفين بحسب ما‬

‫ذىب إليو جالسيوس يستوجب وجود فرضيات ليا‪ ،‬فمن أىم فرضيات ىذه النظرية ىي‪-:‬‬

‫‪8‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫وجود وظائف خاصة متعمقة بالقيم الروحية واألخبلقية وتتوالىا الكنيسة وتراقبيا من‬ ‫‪-1‬‬
‫خبلل القساوسة‪ .‬في حين وجود وظائف تتعمق بالمحافظة عمى األمن والنظام وتحقيق العدالة‬

‫وتتوالىا الحكومة وتنظميا من خبلل االمبراطور‪.‬‬

‫يجب ان تسود بين السمطتين (الدينية والدنيوية) عبلقة من القيم الخمقية تعتمد عمى روح‬ ‫‪-2‬‬

‫التعاون والتسامح‪.‬‬

‫ينبغي عمى األمبراطور ان يخضع ارادتو إلرادة القساوسة في المسائل الفقيية المتصمة‬ ‫‪-3‬‬
‫بالعقائد‪ ،‬وىذا يعني أن الكنيسة تكون مختصة بكامل الشؤون الدينية‪.‬‬

‫‪ -4‬تتم محاكمة رجال الدين بالنسبة لممسائل الروحية امام محاكم كنسية خاصة وليس امام‬

‫المحاكم المدنية ويبرر ذلك بالقول " إن التمييز بين المسائل الروحية والمسائل الزمنية ىو‬

‫جزء أساسي من العقيدة المسيحية وىو التزام ال يمكن ان تتخمص منو اي حكومة مسيحية"‪.‬‬

‫ال يمكن الجمع بين السمطتين (الروحية والزمنية) فيو تقميد وثني كان ممكناً في العصور‬ ‫‪-5‬‬
‫التي سبقت المسيحية ولكن بعد ظيور المسيح لم يعد ممكناً فقد امر السيد المسيح بفصل‬

‫السمطتين تقدي اًر لضعف النفس البشرية ومنعاً لغرورىا وطغيانيا‪.‬‬

‫نتيجة لما سبق أصبح من غير الجائز أن يجمع رجل‪ ،‬في نطاق الديانة المسيحية وتأسيساً عمى‬

‫نظرية السيفين‪ ،‬بين وظيفتي الممك والقس في آن واحد مع التسميم بحاجة كل سمطة الى األخرى‪.‬‬

‫حيث ان األباطرة المسيحيون يحتاجون الى األساقفة من اجل الحياة الخالدة‪ ،‬واألساقفة بحاجة‬

‫الى األنتفاع بالموائح األمبراطورية لممارسة األمور الدينية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫آباء الكنيسة الوائل‬

‫في ىذه المرحمة ىناك ثبلثة شخصيات بارزة تنتمي الى مرحمة تكوين الفكر المسيحي أطمق‬

‫عمييم لقب اساتذة الكنيسة الغربية‪ ،‬ألنيم لم يكتفوا بمواجية قضايا عصرىم الممحة بل عبروا‬

‫ايضا عن وجيات نظر تضمنت جوانب ميمة من العقائد المسيحية اصبحت بمثابة جزء أساسي‬

‫من الفكر المسيحي فيما يتصل بالعبلقة بين الدولة والكنيسة‪ ،‬وىذه الشخصيات الفكرية ىي كل‬

‫من‪ :‬أمبروز والقديس أوغسطين والقديس جريجوري‪ .‬ولكل من ىؤالء افكار متميزة عن اآلخر‬

‫وعمى النحو التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬امبروز (‪(398-343‬‬

‫يوصف امبروز بأنو رجل سياسة ممتاز ونموذج لرجل يمثل العصر الذي عاش فيو‪ ،‬استطاع أن‬

‫يحدد لرجال الدين فكرتيم عن العبلقة بين الكنيسة والدولة واعتبر في ذلك مرجعاً أىم افكاره‬

‫السياسية ىي‪:‬‬

‫الكنيسة‪ :‬يرى امبروز أن الكنيسة ىي جية األختصاص الوحيدة فيما يتعمق بما في ذلك‬ ‫‪-1‬‬

‫األمبراطور نفسو الذي ال يعدو أن يكون ابناً من أبنائيا‪ ،‬شأنو في ذلك شأن سائر المسيحيين‪.‬‬

‫لذلك ينبغي أن ينظر الى األمبراطور عمى أنو في نطاق الكنيسة وليس فوق ىذا النطاق ‪ .‬أكد‬

‫امبروز بأنو جرت العادة أن يتم محاكمة األمبراطور من قبل األساقفة‪ ،‬وال يحق لئلمبراطور‬

‫محاكمة األساقفة‪ ،‬كما انو ينبغي عمى األمبراطور ان يقدم خداماتو هلل القدير‪ ،‬ألنو ابن الكنيسة‪،‬‬

‫فيو إذن ضمن ىذه المؤسسة وليس فوقيا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫مبدأ مدى التزام الناس بطاعة السمطة المدنية ‪:‬أكد امبروز عمى التزام رجل الدين‬ ‫‪-2‬‬

‫بمحاسبة الحاكم المدني فيما يتصل باألمور االخبلقية‪ .‬وىو لم يتوقف عند الدعوة الى ىذه‬

‫المبادئ بل سعى الى تطبيقيا عممياً‪.‬‬

‫‪ -3‬سمطة المبراطور‪ :‬يسمم امبروز بامتداد سمطة األمبراطور عمى الممتمكات الدنيوية بما في‬

‫ذلك األرض الممموكة لمكنيسة‪ ،‬أما مباني الكنيسة نفسيا المخصصة ألداء الشعائر الدينية فبل‬

‫تقع في حدود سمطات الدولة او األمبراطور وفي ىذا األطار يقول‪ " :‬إن مرد(رجوع) القصور الى‬

‫األمبراطور‪ ،‬أما الكنائس فمردىا(رجوعيا) الى األساقفة"‪.‬‬

‫‪ -4‬مبدأ الطاعة عند امبروز‪ :‬يستنكر امبروز بوضوح مبدأ شرعية مقاومة تنفيذ أوامر‬

‫األمبراطور بالقوة‪ ،‬ويدعو بدالً من ذلك الى مقاومة التدخبلت السياسية في الشؤون الكنسية‬

‫بالمجوء الى وسائل المناقشة واألقناع‪ ،‬واألصرار عمى الرأي‪ .‬ىذا يدل عمى انو ال يقر المجوء الى‬

‫العنف‪ ،‬كالثورة والعصيان‪ ،‬أو حتى التحريض عمى ذلك ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬القديس أوغسطين (‪)443-354 St. Augustine‬‬

‫ولد اوغسطين في طاجسطا ‪-‬جزائر عمى الحدود التونسية‪ -‬كان استاذاً لعمم البيان وىي دراسة‬

‫التي غمبت عمييا روح (شيشرون)‪ ،‬واحب الفمسفة كثي اًر واعتنق االفبلطونية الحديثة وانتيى‬

‫بالمسيحية الكاثوليكية مما أىل عبقريتو واخبلصو لمكنيسة ليكون الزعيم الفكري لمكاثوليكية‪.‬‬

‫يعتبر أوغسطين أشير آباء الكنيسة الكاثوليكية عمى اإلطبلق وجعل ذلك أن يكون نصيبو من‬

‫الدراسات األكاديمية المميئة بافكاره الدامغة حيث أنفرد بالسيطرة عمى العقل الغربي لقرون عديدة‬

‫عمى الفكر اإلنساني‪ ،‬فقد كان تأثيره كبي اًر عمى مفكرين سياسين أمثال‪ :‬توما الكويني وأكست‬

‫كونت وجون كالفن ومارتن لوثر‪ .‬ومن أشير المجاالت التي درسيا أوغسطين المجال الديني‬
‫‪11‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫والمجال السياسي والذي كان ليا األثر الكبير في دفع عجمة التعايش بين األديان خاصة –‬

‫إسبلمي ‪ ،‬فقد دعا إلى ضرورة قيام مدينتو عمى قيم التسامح‪ ،‬وأدان طغيان المموك واستضعاف‬

‫األمم الفقيرة‪ ،‬وأكد أن يكون الممك في خدمة اإللو والشعب‪.‬‬

‫يعد اوغسطين من اشير تبلمذة امبروز‪ ،‬فاق تاثير فكره كل ما عرفتو العصور القديمة وانتقل‬

‫من طريقو معظم الفكر القديم الى العصور الوسطى‪ ،‬وكانت كتاباتو منبعا زاخ اًر من الفكر نيل‬

‫منو فيما بعد كتاب الكاثوليك والبروتستانت عمى حد سواء‪.‬‬

‫إن كتاب اوغسطين «مدينة اهلل» ىو كتاب عظيم األثر‪ ،‬ألنو يبسط تاريخاً كامبلً لممسيحية من‬

‫حيث الماضي والحاضر والمستقبل‪ .‬ويعد كتاب اوغسطين ايضاً محاولة لمرد عمى ادعاءات‬

‫الوثنيين فيما يتعمق بسقوط روما وعبادة اآللية« جوبتير»‪.‬‬

‫بنى الوثنيون ادعائيم عمى اساسين ىما‪:‬‬

‫ان المسيحية دعت الى األنسحاب من العالم‪ ،‬لذا ابعد المواطن عن خدمة الدولة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫ان مصير روما مرتبط بعبادة اآللية وانيا انزلت عقاباً باألمبراطورية بسبب تركيم‬ ‫‪-2‬‬

‫عبادتيا‪.‬‬

‫ان اوغسطين كسائر المسيحيين كان يعتقد ان كل سمطة دنيوية انما تقوم بارادة اهلل‪ ،‬وان إثم‬

‫(خطيئة) اإلنسان ىو الذي دفع ىذه السمطة الدنيوية الى استخدام العنف‪ ،‬فكان ىذا العنف بمثابة‬

‫دواء سماوي لعبلج خطيئة اإلنسان‪ .‬وان من اكثر نواحي فكر اوغسطين تأثي ارً ىي الفكرة التي‬

‫تشدد عمى ضرورة توافر الواقعية والقوة في الكنيسة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫وعميه فإن فمسفة أوغسطين تتضمن المحاور التالية‪:‬‬

‫المحور الول‪ :‬فمسفة التاريخ عند أوغسطين‬

‫تتمخص فمسفة التاريخ عند أوغسطين عمى‪ :‬أن العالم منذ منذ أن خمقو اهلل وىو في صراع‬

‫بين نوعين من الحب‪ :‬حب اإلنسان هلل وحب اإلنسان لنفسو‪ ،‬ليذا أنقسمت المدينة إلى مدينتين‪:‬‬

‫مدينة أرضية‪ ،‬ومدينة سماوية‪ .‬وانقسم التاريخ إلى تاريخ دنيوي وتاريخ مقدس‪ ،‬واالمبراطورية‬

‫البابمية واالمبراطورية الرومانية ىما نموذجان لمدولة الدنيوية‪ .‬واتجيت عناية أوغسطين بفمسفة‬

‫التاريخ والسياسة في الدور الثالث من حياتو عمى وجو التخصيص‪ ،‬ألن المشاكل السياسية كانت‬

‫تتخبط فييا االمبراطورية الرومانية التي كانت عمى وشك السقوط‪.‬‬

‫ففي ىذه االثناء كتب أغسطين كتابو ((مدينة اهلل)) وفييا تناول جميع مظاىر الحياة الروحية‬

‫والعامة‪ ،‬من سياسية ودينية وعممية وفنية‪ ،‬عمى طوال التاريخ محاوالً أن يستخرج من ىذا نظرة‬

‫في التاريخ تجعل االنحبلل في الحضارات مصدره ابتعاد الناس عن الييودية والمسيحية‬

‫باعتبارىما ديناً واحداً أو يعبر عن شيء واحد‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬فمسفة أغسطين حول الدولة‬

‫ويتحدث أغسطين عن الدولة‪ ،‬فيقول بأن الدولة ال تنشأ عن عقد وال تنشأ عن خطايا الناس‪،‬‬

‫بل تنشأ عن الغرائز الموجودة في الطبيعة‪ ،‬وليذا فالدولة ضرورية وليست شيئاً عرضياً‪ .‬المثل‬

‫األعمى لمدولة ىو المثل المسيحي‪ ،‬وىذه الدولة التي يتصورىا أوغسطين تستمد سمطتيا مباشرة‬

‫من اهلل‪ ،‬ومعنى ذلك أنيا لن تكون دولة عممانية خالصة‪ ،‬بل ستكون دولة دينية كذلك‪ ،‬لكنيا لن‬

‫تكون دينية خالصة‪ ،‬بل جامعة لمطابع العمماني‪ ،‬والطابع الديني ومعنى ىذا أن الدولة سيكون‬

‫‪13‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫من ميمتيا األصمية ىو ما يتصل بالحياة الدينية‪ ،‬أي أنيا ستعمل من أجل تحقيق السعادة عمى‬

‫األرض وتحقيق السعادة في اآلخرة بالنسبة لممواطنين‪.‬‬

‫ومن ىنا نستطيع أن نحدد العبلقة بين الكنيسة والدولة‪ ،‬فالكنيسة تشرف عمى الدولة من أجل‬

‫توجيييا إلى حياة اآلخرة‪ ،‬والدولة تساعد الكنيسة عمى تحقيق أغراضيا‪ ،‬والظاىر من ىذا أن‬

‫النصيب األكبر ىو الكنيسة‪ ،‬ولكن لم يشأ أن يفصل بين اإلثنين‪ ،‬بل جعميا مرتبطتين تماماً‪،‬‬

‫وعن طريق ىذا االرتباط الوثيق يمكن أن يقوم السبلم عمى األرض ويعم األستقرار‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬فمسفة الالهوت الديني في كتابات أوغسطين‬

‫يتخذ أوغسطين من العقيدة مصد اًر لتفسير التاريخ ومن التاريخ دليبلً عمى صدق العقيدة‪ ،‬لذا‬

‫اعتمد أوغسطين في إثبات الحقيقة التاريخية عمى أن كل عمم خادم لبلىوت ويشمل ىذا المحور‬

‫عدة نقاط وىي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬اهلل والقانون الطبيعي‬

‫إن اهلل خالق الطبيعة ومبدعيا‪ ،‬ونحن نعبد اهلل من دون السماء واألرض‪ -‬الجزئين الذان‬

‫يكونان العالم‪ -‬وال نعبد النفس وال األنفس المنتشرة في كل االجساد الحية‪ ،‬بل نعبد اهلل خالق‬

‫السماوات واألرض وكل ما فييا‪ ،‬وانو سبحانو وتعاال خالق لكل نفس أياً كان‪.‬‬

‫يرفض أوغسطين بأن الكون جزء من اهلل ألنو ال يميق باهلل‪ ،‬وعميو فإنو يشير إلى نوع من‬

‫الفصل بين الطبيعة المخموقة وطبيعة اإللو الخالق‪ .‬فيو يرفض عبادة الطبيعة دون عبادة الخالق‬

‫الذي يقوم بتدبير شؤونيا‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫فاهلل ىو مبدأ كل ما في الطبيعة وليس الطبيعة ذاتيا‪ ،‬فيقول بأن (( اهلل خمق الجسد وىو الذي‬

‫وىب النفس غير العاقمة الذاكرة والحس والقابمية‪ ،‬ووىب العاقمة والعقل والحرية‪ ،‬فيو يعقل أن‬

‫يكون ترك ممالك البشر ورؤسائيم وخدميم خارجاً عن سنن عنايتيم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اإلله والقانون الطبيعي‬

‫يذىب القديس أغسطين إلى أن األصنام اليالكة ال يمكن ليا أن تضمن لممدن ديمومة فوق‬

‫األرض وال تستطيع أن تمنع الخراب‪ ،‬ويشير إلى أن اعتقاد الرومان بتدخل اإللو في الدفاع عن‬

‫روما يوم وصل ىنيبعل‪ ،‬وأنيم رعوه بالعواصف والرعد ليتراجع عنيا‪ ،‬لكنو ينتقد ىذا االعتقاد من‬

‫خبلل ما حدث من خراب لروما في زمانو وعدم تدخل اإللو في منع ما جرى‪.‬‬

‫ففي اعتقاده بأن اإللو ليس السبب في بقاء الدول وعضمتيا‪ ،‬فالميزومون أيضاً ليم إلو‪،‬‬

‫فمماذا ال يتدخل لمساعدتيم‪ .‬ورغم ذلك يبقى أوغسطين يؤمن بتدخل اإللو الحق في مجرى‬

‫األحداث والتاريخ‪ ،‬فيقول (( ما من إنسان يممك إال بمساعدة اإللييو)) و يقول أيضاً (( رغم‬

‫تكريم اإللو فيو ال يمنع من وقوع البؤس واليزيمة))‪.‬‬

‫ثالثاَ‪ :‬طبيعة اإلنسان والخطيئة‬

‫األصل في طبيعة اإلنسان ىو الحرية والبر‪ ،‬ألن النظام الذي وضع اهلل اإلنسان فيو وخمقو ما‬

‫جعمو عبداً إلنسان آخر أو لمخطيئة‪ ،‬غير عقاب العبودية وضعتو الشريعة التي ترعى النظام‬

‫الطبيعي وتحرم مخالفتو‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫وبالرغم من من حدوث تعديل عمى نظام الطبيعة بعد الخطيئة فإن اإلنسان يبقى قاد اًر عمى‬

‫الرجوع إلى قوانين تمك الطبيعة األولى عندما يتخمص من غرائزه الفاسدة‪ ،‬ويتم ذلك من خبلل‬

‫الخمود‪ ،‬والذي يغير قابميتيا لمفساد‪.‬‬

‫فيو يعتقد بأن الخطيئة جمبت الموت والفساد إلى العالم خبلفاً لما كان عميو قبل الخطيئة‪،‬‬

‫فيقول بأن (( الموت لم يكن من طبيعة جسم اإلنسان ألن جسم اإلنسان خمق في ظروف مختمفة‬

‫قبل الخطيئة‪ ،‬أي أنو كان قاد اًر عمى أال يموت‪ ،‬ولكن منذ أن أخطأ اصبحت الطبيعة غير قادرة‬

‫عمى يحيا إلى األبد‪ ،‬فالحالة التي كان يعيشيا اإلنسان في الفردوس كان بعيدة عن حتمية‬

‫الموت‪ ،‬وكما أنو ليس مستحيبلً عمى اهلل أن يخمق ما أراد من الطبائع فيكذا ال يستحيل عميو أن‬

‫يغيرىا))‪.‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬قواعد الفكر السياسو‪ -‬الهوتي لمدينة اهلل‬

‫ويشير ىذا المحور عن قواعد الدولة كما يسمييا أوغسطين ((مدينة اهلل)) وفيو عدة نقاط رئيسية‬

‫ىي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬اهلل والقوانين االجتماعية‬

‫لم يترك اهلل المجتمعات اإلنسانية دون قوانين تنظيم حياة الناس‪ ،‬وتضبط أخبلقيم‪ ،‬فاهلل ضبط‬

‫ممالك األرض كميا وقدم مساعدتو لؤلمبراطورية‪ .‬وال يقتصر عمل اهلل عمى خمق الطبيعة بل‬

‫يتجاوز ذلك إلى تدخمو في حركة الشعوب غير المؤمنة‪ ،‬ويبقى اهلل حاض اًر في حياة اإلنسان‬

‫‪16‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫بعنايتو وشرائعو األخبلقية خبلفاً آللية الرومان التي تركت خداميا في ظبلم دون قوانين‪ ،‬وىم ال‬

‫يبالون بتنظيم حياة الشعوب وضبط أخبلقيم حتى ال تصيبيم الويبلت‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬قانون الصراع‬

‫من أبرز مبلمح أفكار أوغسطين حول الصراع اعتقاده بأن الصراع بين البشر ينظوي تحت‬

‫تقدير اهلل‪ :‬العناية اإلليية التي تتخذ الحرب سبلحاً لئلصبلح وسحقاً لمفساد البشري‪ .‬فبل يقبل‬

‫أوغسطين بالحرب عمى اإلطبلق‪ ،‬بل ىي اختبار لؤلبرار‪ ،‬وتيدف إلى تحقيق اإلصبلح وازالة‬

‫الفساد‪ .‬وان الصراع بين الناس يحدث عندما تطغى مشاىد الظمم والعنف‪ ،‬ويبتعد العقل والعدالة‬

‫بين الناس‪ ،‬وتسيطر شيوة التغمب عمييم‪ .‬كما يرفض أوغسطين‪ ،‬األمور التي تيدف إلى التسمط‬

‫والظمم‪ ،‬ويزداد األلم عندما يصبح الظالمون أسياداً عمى المظمومين‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أسباب الزدهار والسقوط‬

‫يشير القديس أغسطين إلى عدة أسباب لؤلزدىار واالنحدار‪ ،‬فاألزدىار قد ينتج الجشع‬

‫والدعارة وغيرىا من أشكال االفساد األخبلقي الذي يؤدي إلى انحبلل الدول‪ ،‬ويؤكد عمى أن‬

‫الخراب األخبلقي أشد من سيف العدو‪.‬‬

‫الفساد الديني أدى إلى الفساد األخبلقي‪ ،‬والفساد السياسي أدى إلى استسبلم الشعب إلى‬

‫نزواتو‪ ،‬ولم يعد الدولة بإقامة العدل وصيانة حقوق اإلنسان‪ .‬ومن أسباب اليزيمة الفساد الناتج‬

‫عن الشعور بالنصر فيقول ((أخذت روما تغرق في الفساد نتيجة الغرور بالنصر واألمان‪ ،‬وىو‬

‫الذي رزحت تحت شروره))‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫رابعاً‪ :‬اسباب تقدم الدول‬

‫يعتقد أوغسطين بأنو من أسباب االزدىار ىو العدل‪ ،‬فمن العدل أن يكافأ اإلنسان عمى أعمالو‬

‫الصالحة ويعاقب عمى خطاياه‪ .‬وان األلتزام بالوصايا اإلليية التي جاءت بيا األنبياء والكتب‬

‫السماوية وأعمال الرسل حول العدل واألستقامة توصل الدولة إلى السعادة في الحياة الحاضرة‬

‫والحياة األبدية‪ .‬ويعرف أوغسطين العدالة بأنو (( إعطاء كل ذي حق حقو)) فالعدالة الحقيقية‬

‫عند أوغسطين لن تكون إال في مدينة اهلل التي أسسيا المسيح‪.‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬تأثير فكر أوغسطين في القرون التي تمته عمى المجاميع‬

‫العممية الكبرى في الحوار المسيحو‪ -‬اإلسالمي والتعايش السممي‪.‬‬

‫تمخض فكر أوغسطين حول التعايش بين األديان العالمية في عدة نقاط‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬حوار التعايش والتسامح‬

‫الحوار المتعمق بالعبلقة البحتة بين معتنقي األديان‪ ،‬وييدف إلى تحسين العبلقة بين الشعوب‬

‫أو الطوائف‪ ،‬وربما تكون أقميات دينية‪ ،‬واإلسبلم يرحب بو‪ ،‬ويدعو إليو من خبلل اإلحسان والبر‬

‫والقسط وال يتنافى مع نصوص الشرع‪ ،‬وان مفيوم التعايش التسامح في اإلسبلم ىو‪ :‬التعامل مع‬

‫اآلخر وفق الحكمة والمين والمعروف سواء في ذلك التعامل في الخطاب‪ ،‬أو في مطمق‬

‫التصرف‪ ،‬وفق الضوابط الشرعية‪ .‬وأىم ضوابطو ثبلث‪:‬‬

‫‪ -1‬مراعات جانب الوالء والمصمحة العامة‬

‫‪ -2‬إقامة العدل‪.‬‬

‫‪ -3‬الحكمة في الدعوة والمعاممة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫ثانياً‪ :‬القواعد العامة لمحوار والتعايش عند أوغسطين‬

‫‪ -1‬إن اهلل لم يترك المجتمعات اإلنسانية دون قوانين تنظم حياة الناس‪.‬‬

‫‪ -2‬إن العناية اإلليية تتخذ الحرب سبلحاً لئلصبلح بشتى أنواعو وسحقاً لمفساد البشري‪.‬‬

‫‪ -3‬إن الحرب ليست مقصودة لذاتيا‪ ،‬وانما ىي اختبار لؤلبرار‪ ،‬وتيدف إلى تحقيق اإلصبلح‬

‫وازالة الفساد‪.‬‬

‫‪ -4‬إن الصراع بين الناس يحدث عندما تطغى مشاىد الظمم والعنف‪ ،‬ويبتعد العقل والعدالة‬

‫بين الناس‪ ،‬وتسيطر شيوة التغمب عمييم‪.‬‬

‫‪ -5‬يعرف العدالة بمعناىا السموكي األخبلقي (( بأنيا تعطي كل ذي حق حقو))‪.‬‬

‫‪ -6‬الدعوة إلى األلتزام بالوصايا اإلليية التي جاءت بيا النبيون والكتب السماوية وأمال‬

‫الرسل حول العدل واألستقامة توصل الدولة إلى السعادة والحياة الحاضرة وفي الحياة‬

‫األبدية‪.‬‬

‫‪ -7‬إن من العدل أن يكافأ اإلنسان عمى أعمالو الصالحة ويعاقب عمى خطاياه‪.‬‬

‫وساقت فمسفة اوغسطين عن التاريخ الى القول بان االمبراطوريات قبل المسيحية كانت دوالً‬

‫بالمعنى الضيق المحدود‪ ،‬فالدولة ينبغي ان تكون (دينية) مسيحية حتى تكون قادرة عمى اقامة‬

‫العدالة فييا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫ثالثاً‪ -‬القديس جريجوري‬

‫ولد في روما من اسرة غنية وتمقى تعميماً جيداً‪ ،‬ثم اصبح عمدة روما فاعتزل المنصب ليتعين‬

‫كمبعوث ينوب عن البابا في القسطنطينية‪ ،‬فمثل المصالح البابوية ووجية نظرىا الدينية في‬

‫االمبراطورية لمدة (‪ )6‬سنوات‪.‬‬

‫أهم افكار جريجوري السياسية‪:‬‬

‫تضمنت كتابات القديس جريجوري الحجج المؤيدة لواجب احترام السمطة الزمنية‪ ،‬فيو الوحيد‬

‫بين آباء الكنيسة الذي تكمم عن قداسة الحاكم السياسي بمغة تدعو الى الطاعة السمبية‪.‬‬

‫يعتقد جريجوري أن لمحاكم السيء الحق ليس في الطاعة وحدىا‪ ،‬وانما في أن تكون ىذه‬

‫الطاعة صامتة سمبية‪ ،‬فبل يتعين عمى الرعايا أن يطيعوا فحسب بل يتعين عمييم ايضاً األمتناع‬

‫عن محاولة الحكم عمى حياة حكاميم أو نقدىا أو مناقشتيم ‪.‬‬

‫كان جريجوري يحتج عمى أوامر األمبراطور إذا كان يعتقد انيا تناقض مع القانون‪ ،‬مع ذلك‪،‬‬

‫ال يرفض طاعتيا‪ ،‬ويبدو أن نظريتو في ذلك ىي أن األمبراطور يمتمك سمطة األمر حتى وان‬

‫كان ذلك األمر غير قانوني‪ ،‬ما دام مستعداً لتحمل مسؤولية ذلك‪ ،‬واذا ادت ىذه المسؤولية الى‬

‫تعرضو لمعنة روحية‪ ،‬فميست سمطة الحاكم مستمدة من اهلل بل إنيا أعظم سمطة عمى األرض‬

‫بعد سمطة اهلل ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫نظام اإلقطاع‬

‫اذا كان الصراع بين السمطتين الدينية والمدنية يعتبر من احد سمات العصر الوسيط‪ ،‬فإن‬

‫نظام اإلقطاع يشكل ظاىرة أخرى يمكن ان تضاف الى ىذه السمات‪.‬‬

‫لقد نما نظام اإلقطاع بسبب عاممين أساسيين ىما‪:‬‬

‫‪ -1‬ان صغار الزراع والمبلك بحثوا عن شخص قوي يوفر ليم الحماية واألمن بعد ان‬

‫استحالة تكوين سمطة مركزية تجمع الوحدات الزراعية‪.‬‬

‫‪ -2‬وجد المموك وكبار النببلء صعوبات في سبيل الحفاظ عمى نفوذىم لذا تنازلوا عن جزء‬

‫من اراضييم الى صغار النببلء الذين بدورىم أجوروىا الى صغار المزارعين الذين‬

‫يرتبطون بالوالء لؤلرض والنبيل‪ ،‬ان االركان التي قام عمييا النظام اإلقطاعي ىي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬وجود سيد اقطاعي مالك لل رض‪ ،‬ويتمتع بسمطات الحكم‬

‫إن حق أمتبلك األرض كان مقترنا بحق أمتبلك السمطة‪ ،‬فممكية األرض والسمطة كانتا مرتبطتين‬

‫معاً‪ ،‬والذي كان يمتمك األرض ىو السيد اإلقطاعي وىو حاكم اإلقميم وكانوا عادة من قواد‬

‫الجيش معينون من قبل الممك ليذه الوظيفة‪ .‬ويجود إلى جانب ىذا القائد سادة اقطاعيون آخرون‬

‫(كبار المبلك) يمتمكون أراضي زراعية واسعة‪.‬‬

‫السمطات التي تمتع بيا السيد االقطاعي ىي‪:‬‬

‫حق فرض الضرائب ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫عقد حمف مع غيره من اإلقطاعيين ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫األحتفاظ بقوة عسكرية وقيادتيا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪21‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫واليتو لمقضاء‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وفقاً ما تقدم يتضح ان اإلقطاعي كان يتمتع بجميع سمطات الحكم والقضاء واإلدارة ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬وجود رقيق الرض‪ /‬العبيد ‪:‬‬

‫العناصر التي قام عمييا نظام الرق ىي ‪:‬‬

‫ان األرض ممك لمسيد اإلقطاعي الذي تمقاىا من الممك الذي عينو او عين اباه حاكماً‬ ‫‪‬‬

‫لئلقميم‪.‬‬

‫يمتزم الرقيق بزراعة األرض ويسمم جزءاً من المحصول لئلقطاعي ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الرقيق مرتبطين باألرض وال يحق ليم األنتقال منيا فكان يشترى ويباع كجزء من العقار‬ ‫‪‬‬

‫الذي يممكو اإلقطاعي‪.‬‬

‫اقتصاد زراعي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫إن النشاط األقتصادي في العصر الوسيط اقتصر عمى الزراعة لظروف معينة منيا ضعف‬

‫سمطة المموك واضطراب األمن ظيور اإلسبلم مما حال دون تييئة األجواء المناسبة لمتجارة ‪.‬‬

‫تأسيساً عمى ذلك قام النظام االقطاعي عمى أساس تنظيم استغبلل األرض وتوزيع الدخل بين‬

‫مختمف الطبقات‪ .‬ان ىذا الواقع يدفعنا الى تأكيد حقيقتين تشكل تفاصيميما ابرز خصائص الفترة‬

‫التي ساد فييا نظام اإلقطاع‪ ،‬وىاتان الحقيقتان ىما‪:‬‬

‫انييار السمطة السياسية والقضاء عمى فكرة الدولة‪ .‬عدم وجود فكرة القومية‪ ،‬اذ انقطت‬ ‫‪-1‬‬

‫الصمة بين الفرد والدولة وبات الفرد اسير اإلقطاعية التي يسكنيا‪.‬‬

‫تطور الصراع بين الكنيسة والدولة‬ ‫‪-2‬‬

‫‪22‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫دعاوي ترجيح سمطة الكنيسة ومظاهر بدايات انحسارها‬

‫ضمن اطار النزاع بين السمطة المادية (الدولة) والسمطة الروحية (الكنيسة) سوف نأتي الى‬

‫عرض األفكار السياسية التي طرحيا كل من ىؤالء المفكرين‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬سانت برنارد وجون سالسبوري ‪ .‬ثانياً‪ :‬توماس اال كويني ‪ .‬ثالثاً‪ :‬دانتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬سانت برنارد وجون سالسبوري‬

‫سانت برنارد‬

‫عبر سانت برنارد بدقة عن تيار الفكر السياسي الديني الذي كان يبحث عن صيغتو منذ‬

‫عصور‪ ،‬لنظرية السيفين‪ .‬كيف؟‬

‫فالسيفان الروحي والمادي كبلىما ينتمي الى الكنيسة‪.‬أحد السيفين يكون بيد الكاىن‪ ،‬بينما‬

‫السيف اآلخر يتم سحبو بناءاً عمى أمر من الكاىن‪ ،‬رغم أنو تحت أٌمرة األمبراطور‪.‬‬

‫ان ىذا الفكر الذي طرحو ‪-‬سانت برنارد‪ -‬ىو لصالح الكنسية ‪ .‬فحرية الكينة ال تحترم إال‬

‫إذا مارست الكنيسة سمطتيا بشكل كامل في النواحي الزمنية كما في النواحي الروحية‪.‬‬

‫فيو يعتقد أن السمطة الممكية تستمد مكانتيا ومركزىا من الكنيسة (سمطة البابا(‪ ،‬وىذا عمى أن‬

‫سمطة البابا ينبغي أن تكون سمطة أعمى من سمطة الممك أو االمبراطور‪.‬‬

‫جون سالسبوري‬

‫سارت أفكار (سالسبوري) بنفس اتجاه افكار (سانت برنارد) ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫أىم افكار سالسبوري السياسية بخصوص العبلقة بين السمطة الممكية (المادية) والسمطة البابوية‬

‫)الكنسية)‪.‬‬

‫نادى بتفوق القوة الروحية عمى القوة الزمنية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫ناصر الكنيسة وتحدث بمسانيا ودافع عنيا‪ ،‬وىاجم السمطة الزمنية واعتبرىا تابعة‬ ‫‪-2‬‬

‫لمسمطة الروحية‪.‬‬

‫األمبراطور يستمم سيفو من الكنيسة التي تمنحو اياه وتستطيع الكنيسة نزعو منو بمعنى‬ ‫‪-3‬‬

‫تستطيع الكنيسة نزع سمطة الممك ‪.‬‬

‫ان السمطة الدنيوية يجب ان تخضع ليا الكل والذين يمارسون تعاليمو ووصاياه‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫كما اورد جون سالسبوري مجموعة من اآلراء التي تمثل اليدف من فمسفتو السياسية وىي‪:‬‬

‫ان تنظيم الدولة يجب ان يتم وفقاً لشكل الكنيسة بحيث تتحدان معاً من أجل حكم العالم‬ ‫أ‪-‬‬

‫وخبلص النفوس ‪.‬‬

‫الميمة األساسية لممنظر السياسي ىي تنمية روح المسؤولية لدى الممك ومستشاريو‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫ج‪ -‬ىناك فرق بين الممك والطاغية‪ :‬فالممك يحكم لصالح رعاياه‪ ،‬كما يحكم وفقاً لمقانون اإلليي‪،‬‬

‫أما الطاغية فأنو يحكم لمصمحتو الشخصية‪ ،‬ويدير حكمو بالقوة والبطش‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬توماس الكويني (‪)1274 -1225‬‬

‫القديس (توماس االكويني) فيمسوف الىوتي ايطالي كاثوليكي وىو أحد عمماء الكنيسة الثبلثة‬

‫والثبلثين واعتبر فمسفتو المدخل االساسي لمقاربة فكر الكنيسة‪ ،‬التحق األكويني بجامعة‬

‫نابولي(باريس) واصبح استاذا فييا‪ ،‬يعتبر االكويني اعظم فبلسفة القرن الثالث عشر جميعاً‪،‬‬

‫فمسفتو قائمة عمى التوفيق بين العقل واإليمان‪ ،‬وتم تدريسو في جميع المعاىد والجامعات‬
‫‪24‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫التعميمية الكاثوليكية باعتبارىا الدراسة الوحيدة والصحيحة‪ .‬ومن أشير مؤلفاتو‪ :‬الخبلصة‬

‫البلىوتية‪.‬‬

‫يعتقد توما الكويني بأن المعرفة ىي نور آليي بعثو اهلل لئلنسان‪ ،‬فيو يخالف رأي أوغسطين‬

‫بأن المعرفة نتاج طبيعي يحصل عمييا اإلنسان من حواس الجسم الخارجية ومن الحاسة الداخمية‬

‫المعروفة بالشعور بالذات‪.‬‬

‫فالمعرفة في رأي الكويني في داخل حدودىا حمفية بان يوثق بيا‪ ،‬وأن العالم الخارجي قد‬

‫يكون كمو خداع في خداع‪ ،‬فإذا العقل يستمد كل معموماتو الطبيعية من الحواس فإن معرفتو‬

‫المباشرة لؤلشياء الخارجة عنو مقصورة عمى األجسام أي عمى عالم الحس والمحسوس وليس‬

‫بمقدوره أن يعرف بشكل مباشر العالم الذي فوق المحسوس عالم ما فوق الطبيعة – حيث يوجد‬

‫اهلل‪ -‬وليس بمقدور عقل اإلنسان أن يعرف عنو شيئاً إال عن طريق الوحي اإلليي‪ ،‬بل بوسعنا‬

‫أن نعرف عن طريق الفيم الطبيعي بأن اهلل موجود وأنو واحد‪ ،‬ألن وحدانيتو تتؤلآلن في عجائب‬

‫العالم وحسن تنظيمو‪ ،‬ولكن ال نستطيع بعقمنا وحده أن نعرف جوىره‪ ،‬وحتى عمم المبلئكة‬

‫عاجزون وقاصرون عمى ذلك‪ ،‬واال كانوا آلية‪.‬‬

‫وقصور عممنا في حد ذاتو دليل عمى وجود عالم فوق الطبيعة‪ ،‬ويكشف اهلل لنا عن ىذه العالم‬

‫في الكتب المقدسة‪ .‬فمن الحمقى أن يقول الفبلح بأن النظريات الفمسفية كاذبة ألنيم أصبلً‬

‫يعجزون فيميا‪ ،‬وكذلك يكون من الحمقى أن يرفض اإلنسان اإليمان بالوحي اإلليي بحجة انو‬

‫يبدو لو في بعض النقاط متناقضاً لمعمومات اإلنسان الطبيعية‪ .‬وعمينا ان نثق بأنو لو كان‬

‫معموماتنا كاممة‪ ،‬لما كان ثمة تناقض بين الوحي والفمسفة‪ ،‬وأن نفرق بين ما نفيمو عن طريق‬

‫العقل وما نعتقده عن طريق االيمان‪ ،‬الن الفمسفة والتصور ميدانان منفصبلن‪ ،‬ويجب عمى‬

‫‪25‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫العمماء والفبلسفة كما يجب عمى الفبلحين أن ينحنوا أمام ق اررات الكنيسة ألنيا ىي المكان الذي‬

‫أودع فيو االو الحكمة اإلليية‪.‬‬

‫لكن ماىي االسس العامة لجوىر فمسفة األكويني السياسية؟ معالجات االكويني السياسية انصبت‬

‫عمى الدولة والمجتمع ونظم الحكم وعبلقة الدولة بالكنيسة وطبيعة القانون وبالشكل التالي‪:‬‬

‫الدولة والمجتمع‬ ‫‪-1‬‬

‫االكويني يعترف بشرعية الدولة ويرفض أن يفضي عمييا صفة الخطيئة كما يدعي اوغسطين‪،‬‬

‫بل إن وجود الدولة يستمد من إرادة البشر‪ ،‬فالعبلقة بين المدنية االليية والمدنية األرضية ليست‬

‫عبلقة صراع وتعارض‪ ،‬وانما عبلقة استيعاب واحتواء‪.‬‬

‫وفكرة –الدولة‪ -‬واصوليا تتصل‪ ،‬اساساً‪ ،‬بنزعة االندفاع االجتماعي لئلنسان‪ ،‬فطبع االنسان‬

‫االجتماعي يجعمو عدم قدرتو عمى العيش خارج الجماعة وتكوين الدولة حدث طبيعي تقتضيو‬

‫طبيعة الحياة اإلنسانية‪ ،‬فالسمطة بذلك تكون ضرورة اجتماعية لتحقيق الفضيمة‪ ،‬غير أن مصدر‬

‫السمطة ىو اهلل وليس البشر‪ ،‬غير أن أمر مزاولتيا يعود إلى البشر‪.‬‬

‫وينتقل (االكويني) إلى –المجتمع‪ -‬فيرى أن المجتمع لو أىداف وغايات تقتضي من االدنى بأن‬

‫يخدم األعمى وأن يطيعو في حين عمى األعمى أن يسود األدنى‪ ،‬ويصف المجتمع مثمما يصفو‬

‫أرسطو بانو تبادل الخدمات ومنافع‪ ،‬كما يقضي الخير العام لممجتمع بأن يكون ليذا النظام ىوية‬

‫حاكمة تسير شونو كما تسير الروح والجسد‪.‬‬

‫نظم الحكم‬ ‫‪-2‬‬

‫‪26‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫يعارض (الكويني) بشدة اولئك المثقفين المسيحيين الذين يدعون بأن رجال الكنيسة إذا قاموا‬

‫بدور الحماة االفبلطونيين في مجتمع (يحكمو الفبلسفة)‪ ،‬غير أنو ال يطيق كارسطو االحبلم‬

‫الطوبائية‪ ،‬فيو يؤمن بالتجارب التاريخية رغم رفضو نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬بل يؤكد عمى‬

‫عنصر تعاقدي في الدستور الفعمي لممجتمع العادل‪ ،‬ويؤكد عمى الخير العام ليشمل المجتمع‬

‫بأكممو‪.‬‬

‫يعتقد (الكويني) بأن أفضل مدينة زمنية ىي التي تكون عمى شكل مممكة السماء‪ ،‬وعمى‬

‫غرار ارسطو يقسم نظم الحكم الى نظم صالحة يراعي فييا الحكام مصمحة المحكومين‪ ،‬وتشمل‬

‫ىذه األنظمة عمى ( الحكومة الممكية والحكومة االستقراطية والحكومة الديمقراطية) وانظمة اخرى‬

‫فاسدة عندما ال يراعي الحكام سوى مصالحيم الذاتية وتشمل ىذه األنظمة (نظم حكم االستبدادية‬

‫واالوليكارشية والغوغائية)‪.‬‬

‫ويفضل (االكويني) النظام الممكي عمى غيره من األنظمة عمى اعتبار الممكية ىي حكومة‬

‫الفرد الفاضل خير من االرستقراطية وأكثر مطابقة لمطبيعة ويشبو ذلك بإدارة اهلل لمعالم وادارة‬

‫االب لبلسرة‪.‬‬

‫غير أن االكويني يشترط في ىذه الحكومة‪ :‬مبدأ انتخاب الممك وضرورة معاونة الممك مجمس‬

‫ارستقراطي يضم عقبلء القوم منتخبون من قبل الشعب‪ ،‬فالنظام المذكور ممكية معدلة‬

‫بارستقراطية وديمقراطية‪ .‬ويعطي االكويني حق الشعب عمى مقاومة الحكام المستبدين الذين‬

‫يتجاوزون حدود صبلحياتيم‪ ،‬ويشترط في ىذا الحق عمى أن ال تقوم بو طائفة معينة بل يمارس‬

‫ىذا الحق مجموع الشعب‪ ،‬وأن ال ينتج عن مقاومتيم مساوئ تفوق مساوئ الحاكم المستبد‪.‬‬

‫عالقة الدولة بالكنيسة‬ ‫‪-3‬‬

‫‪27‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫يشبو (توماس االكويني) العبلقة بين الدولة والكنيسة عمى غرار السفينة التي تسري في البحر‪،‬‬

‫حيث يكون الحاكم الزمني ىو البحار الذي يعمل عمى صيانتيا خبلل الرحمة‪ ،‬في حين أن‬

‫المسيح ىو بمثابة القبطان الذي يوجييا إلى ىدفيا النيائي‪ .‬فالحاكم يبحث عن الغرض االول‬

‫الدنيوي ليست كغاية وانما كوسيمة لتحقيق الغرض الثاني الروحي‪ ،‬فالدولة ليست مستقمة عن‬

‫الكنيسة‪ ،‬بل خاضعة ليا (لمسمطة الدينية أي الكنيسة) بالقدر التي يختمط فيو مجاليا‪ ،‬وعميو‬

‫فالكنيسة إذن فوق الدولة‪.‬‬

‫طبيعة القانون‬ ‫‪-4‬‬

‫يمييز (توماس االكويني) بين أربعة أشكال من القانون وىي‪:‬‬

‫القانون ال زلي‪ :‬يتطابق ىذا القانون مع العقل الرباني‪ ،‬ألن حكم اهلل لمعالم ال يحده زمن‪،‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫وىو الحكمة اإلليية المنظمة لمخميقة ويسمو عمى الطبيعة البشرية ويعمو فوق اإلنسان‪.‬‬

‫القانون الطبيعي‪ :‬وىو بمثابة انعكاس الكممة اإلليية عمى المخموقات وىي تتجمى في‬ ‫ب‪-‬‬

‫رغبات اإلنسان الطبيعية التمقائية في فعل الخير واألتجاه نحو كل ما ىو أخبلقي وفاضل‪ ،‬وىذا‬

‫القانون ىو منحة من اهلل يحكم بو العقل أو النفس الطبيعية الفاضمة التي تتأثر بالقانون األزلي‪.‬‬

‫القانون اإللهي‪ :‬ويتمثل ىذا القانون في الكتابات المقدسة واالحكام التي جاءت عن‬ ‫ت‪-‬‬

‫طريق الوحي كشريعة خاصة ( الييودية والمسيحية)‪ ،‬ففي رأي األكويني أن الوحي يؤيد العقل وال‬

‫يمكن أن يكون معادياً لو‪.‬‬

‫القانون اإلنساني الوضعي‪ :‬فيو شريعة العقل لكفالة الخير العام ويسنو المسؤول عن‬ ‫ث‪-‬‬

‫رعاية الجماعة‪ ،‬وتمس الحاجة لقانون اإلنساني بسبب صعوبتين‪ :‬أوليما‪ ،‬استحالة تفيم الناس‬

‫ألحكام ووصايا العقل الرباني وارشاداتو‪ ،‬وثانييما‪ ،‬لصعوبة تطبيق المبادئ العامة لمقانون‬

‫‪28‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫الطبيعي في حاالت وضروف معينة‪ .‬ويشترط األكويني أن يتفق القانون اإلنساني مع العقل‬

‫ويتطابق مع العدالة ويستقيم مع الصالح العام ويستمد شريعتو من الشعب إو من يمثميم‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬دانتي (‪)1321-1265‬‬

‫جاءت أفكار دانتي مناىضة ألفكار (توماس الكويني)‪ ،‬ليتجو نحو الدفاع عن استقبلل‬

‫االمبراطور ضد سيطرة البابا‪ ،‬فيو يعتقد أن السبلم ال يمكن أن يعم ما لم تتوحد االمبراطورية‬

‫تحت ظل سمطة كاممة يرأسيا االمبراطور‪ ،‬فيو يرى بأن سياسة البابا مصدر لمنزاع ال نياية ليا‪.‬‬

‫وبيذا فإن أفكار (دانتي) تتفق مع ىدف وسياسة التي اعتنقيا الموالون لبلمبراطورية‪ ،‬عمى‬

‫اعتبار أن سمطة االمبراطور مستمدة من اهلل مباشرة ومستقمة عن سمطة الكنيسة‪ ،‬ويعتقد بأنو‬

‫ليس ىنالك بين البشر من يعمو عمى االمبراطور‪ ،‬وغن اليدف السامي ال يتحقق إال في ظل‬

‫االمبراطورية والتي تكون موافقاً مع العقل والحكمة‪ ،‬ومن ثم تحقيق السبلم العام والخير والسعادة‬

‫لمجميع‪.‬‬

‫غير أن (دانتي) يعترف رغم حماسو الشديد لمحكومة العالمية الممكية‪ ،‬بأن ىناك عوامل‬

‫تتصل بالعادات والتقاليد والعرف والمغة والثقافة تفرق دائماً بين األمم والشعوب‪ ،‬وعمى الحاكم أن‬

‫يوفق في ذلك‪.‬‬

‫ويرى (دانتي) بأن لئلنساند طبيعة مزدوجة (جسدية وروحية) لكل منيما غاية‪ :‬فالغاية الجسدية‬

‫ىو تحقيق السعادة في الحياة األرضية‪ ،‬والروح تيدف إلى تحقيق السعادة في اآلخرة‪ ،‬ويحتاج‬

‫اإلنسان إلى مرشدين إثنين لتحقيق السعادة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫محاضرات مادة الفكر السياسي الوسيط الغربي واإلسالمي ‪................‬مدرس المادة‪ :‬عبدال جمعة‬ ‫‪2021-2022‬‬

‫ومن المبلحظ أن كل من (توماس الكويني) و(دانتي) يشتركون ويتفقون في عدة افكار ومن‬

‫أىم ىذه االفكار ىي‪:‬‬

‫إن الجنس البشري يكون مجتمعاً واحداً وىو بحاجة إلى حاكم واحد‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫أىم ميزة لطبيعة الجنس البشري إنو يتركب من عنصرين‪ :‬عنصر الروح وعنصر الجسد‪،‬‬ ‫‪-2‬‬

‫وبدورىا ىما بحاجة إلى سمطتين‪ :‬سمطة دينية وسمطة دنيوية‪ ،‬ويترتب عمى أن تكون حكومة‬

‫العالم قسمين‪ :‬حكومة دينية وحكومة زمنية‪ ،‬ولك منيما اختصاصات ونظم‪ ،‬وطبقات من‬

‫الموظفين‪.‬‬

‫المجتمع العالمي يمكن أن يسمى (( امبراطورية))‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫المبرر الوحيد لمسمطة الزمنية مبرر أخبلقي أو ديني وىو إقرار الصالح العام لمجماىير‬ ‫‪-4‬‬

‫البشرية‪.‬‬

‫السمطة مستمدة من اهلل ومن الشعب‪ ،‬والممك يرأس المجتمع ويخضع لقوانينو‪ ،‬وسمطة‬ ‫‪-5‬‬

‫الممك إعبلن لسمطة رعاياه‪ ،‬ولكن أقل من سمطة المجتمع بأسره‪.‬‬

‫سمطة الممك ىي صوت العقل والحكمة‪ ،‬والشعب بحاجة إلى قوة الممك اإللزامية لتكون‬ ‫‪-6‬‬

‫اء كانت مادية أو روحية‪.‬‬


‫لو القوة التي تكفل تنفيذ القوانين‪ ،‬والغرض منيا رفاىية المجتمع سو ً‬

‫‪30‬‬

You might also like