You are on page 1of 16

‫مقدمة‬

‫كان للمسلمين اهتمام بالغ في علم الكيمياء المبنى على التجربة‪ ،‬والمالحظة‪ ،‬ورصد النتائج‬
‫واالستعانة بالعلوم الرياضية‪ ،‬ودأب المشتغلون منهم في هذا المجال وتجولوا في البلدان بحثا عن‬
‫تجارب الناس وما اكتسبوه من خبرات عملية‪ ،‬ودونوا ما توصلوا إليه من معارف حتى صارت‬
‫الكيمياء عل ًما صحي ًحا بفضل جهودهم الطويلة‪ ،‬وتجربتهم الكثيرة التي أفادوا منها علما‪ ،‬وأفادوا‬
‫منها في حياتهم‪ ،‬وقدموا بها للصناعات منافع كثيرة كانت لها آثارها الطيبة في الرقي‬
‫الحضاري لذا كان من الصعب جدا حصر موضوع الكيمياء عند العرب بدراسة وجيزة بسبب‬
‫كون هذا ا لموضوع ممتد ومتشابك ويحتاج ربما الى مؤلفات واجزاء ‪ ...‬وليس في الكتب العربية‬
‫التي وصلتنا مصادر وافية عن طرائق تعلم الكيمياء في العصور السابقة لإلسالم واالشارات‬
‫الواردة قليلة في هذا الموضوع ويمكن العثور عليها في كتب العلوم وبعض تراجم العلماء وهذا‬
‫كله يشير ال ى الجانب النظري في االغلب ؛ ومن ثم اغفلت طرائق الجانب التطبيقي المتبعة في‬
‫تدريس المتعلمين على استخدام فن المالحظة واالستعانة فيها والوقوف على معرفة المتغيرات‬
‫التركيبية واالستعانة بها في التراكيب الجديدة ‪ .‬وتنصب اهمية هذا البحث في ابراز دور العرب‬
‫المسلمين ف ي تطور علم الكيمياء عند الغرب اسهامات علماء العرب بشكل كبير فيما توصل اليه‬
‫العلم األوربي من تقدم علمي في مجال الكيمياء ‪ .‬من هذا المنطلق نطرح اإلشكال حول ‪:‬‬
‫‪ -‬ماهي إسهامات الحضارة اإلسالمية في علم الكيمياء ؟‬
‫و تنبثق عن هذه اإلشكالية الرئيسية تساؤالت فرعية أبرزها ‪:‬‬
‫‪ ‬ماذا نقصد بعلم الكيمياء و متى أُرخ له في العالم اإلسالمي ؟‬
‫‪ ‬من هم أبرز العلماء المسلمين الذين برعوا في علم الكيمياء ؟‬
‫‪ ‬ماهي أهم اإلضافات التي قدمتها الحضارة اإلسالمية في مجال علم الكيمياء ؟‬
‫و لإلجابة عن هذه التساؤالت وضعنا خطة بحث كاآلتي ‪:‬‬
‫‪ ‬مقدمة‬
‫‪ ‬المبحث األول ‪ :‬الكيمياء في العالم اإلسالمي‬
‫‪ ‬المطلب األول ‪ :‬مفهوم علم الكيمياء‬
‫‪ ‬المطلب الثاني ‪ :‬نشأة علم الكيمياء عند المسلمين‬
‫‪ ‬المطلب الثالث ‪ :‬علماء المسلمين والكيمياء‬
‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ :‬جهود الحضارة اإلسالمية في علم الكيمياء‬
‫‪ ‬المطلب األول ‪ :‬اكتشافات وإسهامات المسلمين في الكيمياء‬
‫‪ ‬المطلب الثاني ‪ :‬منجزات علم الكيمياء في الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫‪ ‬خاتمة‬
‫‪ ‬قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪1‬‬
‫وقد اعتمدنا على المنهج التاريخي باإلستعانة بآليتي الوصف و التحليل ‪ ،‬كما استعنا بجملة من‬
‫المصادر و المراجع على رأسها كتاب تاريخ العرب وحضارتهم في األندلس ‪ .‬و في الحديث‬
‫عن أسباب إختيار الموضوع فالسبب الموضوعي كونه مسندًا من قبل أستاذ المقياس أما السبب‬
‫الذاتي فهو رغبتنا الملحة لدراسة هذا الموضوع الشيق ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫خطة البحث‬

‫‪ ‬مقدمة‬
‫‪ ‬المبحث األول ‪ :‬الكيمياء في العالم اإلسالمي‬
‫‪ ‬المطلب األول ‪ :‬مفهوم علم الكيمياء‬
‫‪ ‬المطلب الثاني ‪ :‬نشأة علم الكيمياء عند المسلمين‬
‫‪ ‬المطلب الثالث ‪ :‬علماء المسلمين والكيمياء‬
‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ :‬جهود الحضارة اإلسالمية في علم الكيمياء‬
‫‪ ‬المطلب األول ‪ :‬اكتشافات وإسهامات المسلمين في الكيمياء‬
‫‪ ‬المطلب الثاني ‪ :‬منجزات علم الكيمياء في الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫‪ ‬خاتمة‬
‫‪ ‬قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬المبحث األول ‪ :‬الكيمياء في العالم اإلسالمي‬
‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم علم الكيمياء‬
‫تعرف الكيمياء على ثالث معاني منها اللغوي واالصطالحي والعلمي ‪:‬‬
‫صرح غير واحد من اللغويين ان لفظ الكيمياء ليس بعربي محض ‪ 1‬؛ وقيل ان‬ ‫المعنى اللغوي ‪ّ :‬‬
‫اصلها مأخوذ من اللغة العبرية واصل اللفظ كاالتي ‪ :‬كيم به معناه أنه من هللا ؛ وفي نفس‬
‫‪2‬‬

‫المجال يذكر الخوارزمي ان اصل لفظ الكيمياء عربي بقوله ‪ :‬اسم هذه الصناعة الكيمياء وهو‬
‫‪3‬‬
‫ع ربي واشتقاقه من كمي يكمى إذا ستر وأخفى ويقال كمى الشهادة يكميها إذا كتمها‪.‬‬
‫وسميت الكيمياء في العصور القديمة باألكسير ايضا بقول الزبيدي‪ :‬واإلكسير ‪ ،‬بالكسر ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫الكيمياء ‪.‬‬
‫المعنى االصطالحي ‪ :‬هو علم يقوم على معرفة طرائق اكتساب العناصر من المواد المختلفة‬
‫‪5‬‬
‫لتكوين مادة جديدة او إفادتها خواصا لم تكن لها ‪.‬‬
‫الكيمياء بالمعنى العلمي‪ :‬ومهمتها الرئيسة هي أن تفصل المواد بمهارة‪ ،‬وتردها إلى مكوناتها‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫وأن تكشف خواصها‪ ،‬وأن تركبها بطرائق مختلفة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نشأة علم الكيمياء عند المسلمين‬
‫مرت الكيمياء بمراحل تاريخية عدة حتى وصل التطور الذي عرفت به وسنتعرض الى عرض‬
‫هذه المراحل بإيجاز و كاالتي ‪:‬‬
‫‪ ‬الحضارات القديمة‬
‫كانت غاية علم الكيمياء قديما اكتشاف طرائق تساعد على تحويل المعادن الرخيصة الى ذهب‬
‫ألهميته االقتصادية في تمويل خزائن الملوك والناس ؛ فضال عن رغبتهم في اكتشاف إكسير‬
‫الحياة ومعناه ايجاد عقار يساعد على الخلود االبدي للبشر؛ فضالً عن ذلك كله استغاللهم لهذا‬
‫العلم في تطوير الصناعات المختلفة والسيما صناعة العقاقير والدباغة والورق وغيرها ‪.‬‬
‫ففي الحضارة الصينية تمكن الصينين من اكتشاف مادة تكون الكتابة عليها أسهل منها على‬
‫الح رير أو الغاب الذين قنع بهما الصينيون‪ ،‬ذلك أن الحرير غالي الثمن والغاب ثقيل‪ ،‬فلما كان‬

‫‪ _ 1‬ابن منظور محمد بن مكرم بن علي‪ ،‬لسان العرب ‪،‬ج ‪ ، 5‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪ ،8991 ،‬مادة ‪ ،‬ك ي م ‪ ،‬ص ‪. 829‬‬
‫‪ _ 2‬القنوجي أبو الطيب محمد البخاري ‪ ،‬أبجد العلوم ‪ ،‬دار ابن حزم ‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 919‬‬
‫‪ _ 3‬الخوارزمي محمد بن أحمد بن يوسف ‪ ،‬مفاتيح العلوم‪ ،‬تحقيق ‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 222‬‬
‫‪ _ 4‬القنوجي ‪ ،‬أبجد العلوم ‪ ،‬ص ‪. 919‬‬
‫‪ _ 5‬ول ديورانت ‪ :‬ويليام جيمس ‪ ،‬قصة الحضارة تقديم الدكتور محيي الدين صابر ‪ ،‬ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود‬
‫وآخرين دار الجيل‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس ‪ ، 8911 ،‬ج ‪ ،63‬ص ‪. 818‬‬
‫‪ _ 6‬ول ديورانت ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬ج ‪ ، 82‬ص ‪. 815‬‬

‫‪4‬‬
‫عام ‪ 805‬ق ‪ .‬م تمكن رجل يدعى ( تساي لون ) من اختراع مادة للكتابة‪ 1‬أقل من الغاب ثمنا‬
‫وأخف منه وزنا ً مصنوعة من لحاء الشجر والقنب الهندي والخرق وشباك السمك وسرعان ما‬
‫انتشرت الصناعة الجديدة انتشارا ً واسع النطاق‪ ،‬وكان هذا الورق القديم يصنع من الخرق البالية‬
‫دون غيرها من المواد‪ ،‬فهو من هذه الناحية شبيه بما يصنع في هذه األيام من ورق يحتاج فيه‬
‫إلى طول البقاء‪ .‬ومع مرور الوقت استطاع الصينيون أن يرتقوا بصناعه الورق إلى أعلى درجة‬
‫وذلك با ستخدام مادة ماسكة من الغراء أو الجالتين مخلوطة بعجينة نشوية ليقووا بها األلياف‪،‬‬
‫وليجعلوا الورق سريع االمتصاص للحبر؛ وهنا البد لنا من االشارة الى ان المصريين عرفوا‬
‫الورق والحبر في العصور القديمة‪ ،‬ولكن الصين هي التي أخذت عنها أوربا صناعة الورق‬
‫والحبر فقد كان ت تصنع الحبر األحمر من كبريتور الزئبق من ثم سرعان ما عرفوا صناعة‬
‫الحبر االسود الذي كان احد العوامل المشجعة على انتشار الطباعة‪ ،‬ألنه كان أصلح المواد‬
‫ً ‪2‬‬
‫لالستعمال في القوالب الخشبية‪ ،‬ويتميز بأن الكتابة به ال تكاد تمحى مطلقا ‪.‬‬
‫وقد عرف العرب صناعة الورق في العصر العباسي األول اذ أنشأ الفضل بن يحيى البرمكي‬
‫مصنعًا للورق في عهد الخليفة هارون الرشيد ببغداد‪ ،‬فانتشرت الكتابة فيه لخفته بعد أن كانوا‬
‫يكتبون على الجلود والقراطيس المصنوعة بمصر من ورق البردى وقد كان المسلمون هم من‬
‫ادخلوا صناعة الورق الى أوروبا وكان اكثر تطورا من ورق الصين اذ كان يصنع من القطن‬
‫‪3‬‬
‫فصار رخيص الثمن ‪ ،‬وكانت اوربا قبل ذلك تكتب على ورق البردي وهو غال جدا ‪.‬‬
‫واخترع الصينيون البارود ‪ ،‬ولكنهم قصروا استخدامه على األلعاب النارية ولم يستخدموه في‬
‫صنع القنابل اليدوية وفي الحروب إال في عصور الحقة؛ اما العرب فعرفوا ملح البارود نترات‬
‫البوتاسا) ‪ -‬وهو أهم مركبات البارود في أثناء تجارتهم مع الصين وسموه “الثلج الصيني”‬
‫‪4‬‬
‫ونقلوا سر صناعته إلى أوربا ‪.‬‬
‫وفي هذا المجال يناقض غوستاف لوبون هذه اآلراء ويؤكد على ان البارود من اختراع المسلمين‬
‫‪5‬‬
‫وأن الذي كان عند الصينيين إنما هو ملح البارود ‪.‬‬
‫ويرجع استخدام االغريق للكيمياء في اطر نظرية قامت في معظمها على اساس الكيمياء الكاذبة‬
‫التي حاولت تحويل المعادن الرخيصة كالرصاص والنحاس والزئبق الى معادن نفيسة كالذهب‬
‫‪6‬‬
‫والفضة ‪.‬‬

‫‪ _ 1‬حبنكة عبد الرحمن بن حسن ‪ ،‬الحضارة اإلسالمية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات المسلمين لها ولمحات من تأثيرها‬
‫في سائر األمم ‪ ،‬دار القلم ‪ -‬دمشق‪ ، 8992 ،‬ص ‪. 520‬‬
‫‪ _ 2‬ول ديورانت قصة الحضارة ‪ ،‬ج ‪ ،82‬ص ‪. 815‬‬
‫‪ _ 3‬ول ديورانت قصة الحضارة ‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪. 856‬‬
‫‪ _ 4‬حبنكة ‪ ،‬الحضارة اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. 830‬‬
‫‪ _ 5‬ول ديورانت قصة الحضارة ‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪. 258‬‬
‫‪ _ 6‬حبنكة ‪:‬الحضارة هامش ‪ ،‬ص ‪162 .‬‬

‫‪5‬‬
‫اما المصريون القدماء فقد برعوا في امور عدة ارتبط تطورها لديهم بمعرفتهم الكيميائية فمثال‬
‫كانوا يمهرون في دباغة الجلود وكانت تلك الجلود المستعملة تعالج بطرائق صناعة وبمواد‬
‫كيميائية فبعضها ال ينزع عنها فروها ا مثل جلود الفهود أو الحيوانات وبعضها اآلخر يعالج‬
‫بطرائق اخرى ‪ 1.‬وصنعوا من نبات البردي الحبال والحصر واألخفاف والورق‪ ،‬وابتدعوا فن‬
‫‪2‬‬
‫الطالء بالميناء وغيره ‪.‬‬
‫وكذا استخدموا علوم الكيمياء في التحنيط اذا كانت اعضاء الجسم بعد استخراجها تعالج بمواد‬
‫معينة من ثم تعاد الى الجسم ثانية‪ ،‬أو توضع في أوان وتحاط بمواد تحفظها وتمنع فسادها‪،‬‬
‫وكانوا يعملون على تجفيف الجسم بمواد معينة منها النطرون وشمع العسل والقرفة والكاسيا‬
‫والبصل وأنواع من الراتنجات الصمغية وحبوب العرعر وزيته وزيت األرز وزيت الزيتون‬
‫والمر والمستكة والحناء‪ ،‬وكل ذلك بنسب وطرائق ال تزال تحوطها األسرار حتى اآلن ‪⁶¹.‬‬
‫وعرف قدماء مصر المعادن وطرائق صهرها كالذهب والفضة والزجاج والميناء واألحجار‬
‫الثمينة وغيرها ‪ ،‬وهم الذين اهتموا بالجوانب العلمية لعلم الكيمياء فساعدهم ذلك على اكتشاف‬
‫عناصر متعددة منها ‪ :‬حامض الكبريتيك‪ ،‬وحامض الفضة “النتريك” والغول “الكحول”‪ ،‬كما‬
‫استخدموا الكيمياء في المعالجات الطبية‪ ،‬فكانوا أول من نشر تركيب األدوية ‪ ،‬والمستحضرات‬
‫‪3‬‬
‫المعدنية ‪.‬‬
‫كثيرا من األمراض وصنفوا عالجها حسب مصادرها إلى أدوية‬ ‫اما في العراق القديم فقد عرفوا ً‬
‫نباتية وأخرى حيوانية وثالثة معدنية‪ ،‬كما قسموها في استعمالها إلى أدوية تستعمل من الظاهر‬
‫‪4‬‬
‫أي دهون وأخرى للتناول ‪.‬‬
‫وكان من اشهر مراكز علم الكيمياء في تلك العصور اإلسكندرية ‪ .‬وتم اول اتصال بينها‬
‫والمسلمين عن طريق خالد بن يزيد بن معاوية كما سيأتي ‪.‬‬
‫ولم تقت صر معرفة الكيمياء على هذه المناطق فحسب بل عرفت الحضارة الهندية القديمة هذا‬
‫العلم والسيما في المجال الصناعي ايضا مثل الصباغة والدبغ وصناعة الصابون والزجاج‬
‫واإلسمنت؛ كما عرفوا في بحوثهم الزئبق‪ ،‬وعمليات ‪ :‬التكليس والتقطير والتصفية والتبخير‪،‬‬
‫وخلط المساحيق ‪ ،‬وت حضير األمالح المعدنية‪ ،‬والمركبات والمخلوطات من مختلف المعادن؛‬
‫وقد تمكن المسلمون الحقا من نقل معظم هذه العلوم الحقا الى أوربا ‪.‬‬
‫اما الرومان فقد استغلوا معارفهم الكيميائية في انتاج مواد صناعية مثل الزجاج‪ ،‬واالدوات‬
‫المعدنية المصنوعة من الرصاص والبرونز‪.‬‬

‫‪ _ 1‬ول ديورانت قصة الحضارة ‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪246 .‬‬


‫‪ _ 2‬عصفور محمد أبو المحاسن‪ ،‬معالم حضارات الشرق األدني القديم‪( ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪8912 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪880‬‬
‫‪ _ 3‬ول ديورانت قصة الحضارة ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 12‬‬
‫‪ _ 4‬صالح عبد العزيز‪ ،‬الشرق األدنى القديم في مصر والعراق ‪ ،‬مكتبة دار الزمان ‪ ,‬ص ‪.661‬‬

‫‪6‬‬
‫فضال على الصباغة والدبغ وغيرها من الصناعات ‪ ³²‬كما يعزى الى هذا العصر اكتشاف “النار‬
‫اإلغريقية” والذي اكتشفها كلسنيوس وكان اصله من بالد الشام وهذه النار عبارة مزيج من ‪:‬‬
‫النفط‪ ،‬والجير الحي‪ ،‬والكبريت والزفت يلقى على سفن العدو األمر الذي يؤدي الى احراقها‪،‬‬
‫وقد ظل هذ ا السالح سرا من اسرار الدولة البيزنطية ل الى ان تمكن المسلمون من كشفه وقد‬
‫‪1‬‬
‫اندثرت اهميته مع اخترع البارود ‪.‬‬
‫وعموما يمكن القول ان الكيمياء اختلطت في العصور القديمة بالسحر والشعوذة؛ وكانت‬
‫المعرفة الكيميائية تستخدم على نطاق واسع في العمليات الصناعية مثل ‪ :‬عمليات صهر الحديد‪،‬‬
‫ودبغ الجلود ومزج األصباغ وغيرها ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬علماء المسلمين والكيمياء‬
‫تمكن العلماء المسلمين من االستعانة بالمعارف السابقة في علم الكيمياء وبدأوا ينهجون منهجا‬
‫جديدا في هذا العلم قائم على التمييز بين المركبات واستعمال التجربة وتوسعوا في استخالص‬
‫المركبات ويمكن القول ان علم الكيمياء انتقل من مرحلة النظرية والكيمياء القائمة على الكذب‬
‫والسحر الى االستقرار والتجريب للوصول الى النتائج العلمية األكثر دقة ونتيجة لذلك ظهر‬
‫علماء عباقرة لمعت اسمائهم بين االقطار نذكر منهم على الرغم من كثرة عددهم وبراعتهم اال‬
‫‪2‬‬
‫ان المجال ال يسعنا ان نذكر كل الجهود العلمية الكيميائية في هذا البحث المختصر ومنهم ‪:‬‬
‫جابر بن حيان‬
‫هو عالم من علماء القرون الوسطى المسلمين وهو مؤسس علم الكيمياء وهو من أصول عربية‪،‬‬
‫ويُعد أول من استخدام الكيمياء بطريقة علمية‪ ،‬وله انجازات كثيرة في مجاالت علمية أخرى‬
‫مثل‪ :‬الطب‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬وعلم المعادن‪ ،‬والفلك‪ ،‬ل جابر ابن حيان الكثير من اإلنجازات في علم‬
‫الكيمياء ومن أهمها‪:‬‬
‫ضا بتحضيرها ومنها‪ :‬حمض الكبريتيك والذي أطلق‬ ‫اخترع عدة حوامض كما أنه قام أي ً‬ ‫‪‬‬
‫عليه زيت الزاج‪ ،‬حمض النتريك‪ ،‬حمض الهيدروكلوريك‪.‬‬
‫قام بضم المنهج التجريبي في الكيمياء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عمل على تقسيم المواد فقد قسمها على حسب خصائصها إلى ثالثة أقسام‪ :‬األغوال‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫المركبات‪.‬‬ ‫المعادن‪،‬‬
‫هو الذي اكتشف بأن المواد التي لها قابلية لالحتراق عند احتراقها يصعد منها الكبريت‪.‬‬
‫هو أول عالم استخدم الميزان لقياس مقادير المحاليل التي يستخدمها في التجارب‬ ‫‪‬‬
‫الكيميائية‪.‬‬
‫هو أول من فصل الذهب عن الفضة بطريقة الح ّل وذلك عن طريق األحماض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ _ 1‬عصفور معالم حضارات ‪ ،‬ص ‪. 885‬‬
‫‪ _ 2‬ابن النديم أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد الوراق البغدادي ‪ ،‬الفهرست ‪ ،‬تحقيق ‪:‬إبراهيم رمضان ‪ ،‬دار المعرفة‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪، 8992 ،‬ص ‪. 969‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ ‬قام باكتشاف مادة الصودا الكاوية‪.‬‬
‫‪ ‬قام بصنع ورق ال يمكن أن يحترق‪.‬‬
‫‪ ‬قام بتحضير عدد من المواد مثل‪ :‬أكسيد الزرنيخ‪ ،‬كبريتيد الزئبق‪ ،‬وملح البارود‪.‬‬
‫أبو بكر الرازي‬
‫هو عالم مسلم عربي‪ ،‬قدم الكثير من الخدمات النافعة للبشرية‪ ،‬وقام بتأسيس علم الكيمياء‬
‫الحديثة‪ ،‬وكان يُطلق عليه أبو الطب؛ لكثرة ما قدمه في خدمة مجال الطب‪ ،‬وكان يحب الشعر‬
‫كثيرا بعلم الكيمياء وقام بدراستها وقدم لها الكثير‪ ،‬أهم‬
‫والموسيقى‪ ،‬اهتم ابو بكر الرازي ً‬
‫انجازاته في الكيمياء‪:‬‬
‫قام بتقسيم المواد إلى أربعة‪ :‬المعدنية‪ ،‬والنباتية‪ ،‬والحيوانية‪ ،‬والمواد المشتقة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استخدم بعض الطرق في معمله لتحضير بعض الحوامض‪ ،‬وتستخدم تلك الطرق حتى‬ ‫‪‬‬
‫وقتنا هذا‪.‬‬
‫قام باستخراج الكحول وذلك من خالل تقطير المواد نشوية وسكرية مختمرة ‪.‬استخدم‬ ‫‪‬‬
‫“روح الخل” في تحضير بعض من المواد السامة‪.‬‬
‫قسم المعادن إلى ست فئات على حسب طبيعة كل معدن وصفاته‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد بن الجين‬
‫عالم كيمياء‪ ،‬وكان له اهتمام كبير بالحروب والقتال‪ ،‬وكان يُلقب بالرماح والطرابلسي‪ ،‬أهم‬
‫انجازاته في علم الكيمياء‪:‬‬
‫‪ ‬هو الذي استخدم البارود كمادة متفجرة في الحرب‪ ،‬واستخدمها أي ً‬
‫ضا في المدافع‪.‬‬
‫‪ ‬قام بتحديد النسب الدقيقة لعناصر البارود وهي‪ :‬البوتاسيوم‪ ،‬والصوديوم‪ ،‬الكبريت‪،‬‬
‫الفحم‪.‬‬
‫يعقوب ابن إسحاق الكندي‬
‫هو العالم الذي نبغ وبرع في العديد من العلوم‪ ،‬حيث أنه برع في الكيمياء والفيزياء والطب‬
‫والفلسفة والفلك والرياضيات والموسيقى‪ ،‬وهو عالم كيميائي عربي من العراق‪ ،‬أهم‬
‫إنجازات الكندي في الكيمياء‪:‬‬
‫‪ ‬قام الكندي بتأسيس صناعة العطور وكان ذلك بمشاركة العالم الجليل جابر بن حيان‪.‬‬
‫أجرى العديد من األبحاث والتجارب التي تفيد في تحويل روائح النباتات إلى زيوت‬
‫عطرية‪.‬‬
‫‪ ‬رفض فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن ثمينة ومعادن كريمة مثل الذهب‬
‫والفضة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ :‬جهود الحضارة اإلسالمية في علم الكيمياء‬
‫المطلب األول ‪ :‬اكتشافات وإسهامات المسلمين في الكيمياء‬
‫يمكن االستدالل على تأثير الكيمياء العربية في اوربا في االشارة الى انجازات العرب في هذا‬
‫المجال واالمثلة كثيرة منها ‪:‬‬
‫ادخل العرب في علم الكيمياء الطريقة التجريبية العلمية ‪ :‬وفي هذا المجال يقول ول ديورانت‬
‫عن انجازات العرب في الكيمياء ‪ “ :‬ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها‬
‫علما ً من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا المالحظة الدقيقة والتجارب العلمية‪ ،‬والعناية برصد‬
‫نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان على ما نعلم على الخبرة الصناعية الفروض‬
‫‪1‬‬
‫الغامضة ‪.‬‬
‫ويضيف ‪ :‬ولما أن أعلن روجر بيكن هذه الطريقة إلى أوربا بعد أن أعلنها جابر بخمسمائة عام‬
‫كان الذي هداه إليها هو النور الذي أضاء له السبيل من عرب األندلس‪ ،‬وليس هذا الضياء نفسه‬
‫‪2‬‬
‫إال قبسا ً من نور المسلمين في الشرق ‪.‬‬
‫طور الكيميائيين العرب ادوات علم الكيمياء فاخترعوا األنبيق وسموه بهذا االسم‪ ،‬وحللوا عددا ً ال‬
‫يحصى من المواد تحليالً كيميائياً‪ ،‬ووضعوا مؤلفات في الحجارة‪ ،‬وميزوا بين القلويات‬
‫واألحماض‪ ،‬وفحصوا المواد ‪ ،‬ودرسوا العديد من العقاقير الطبية‪ ،‬وركبوا مئات منها ‪.‬‬
‫مخترعات جابر بن حيان كان جابر بن حيان اول من استخرج حامض الكبريتيك‪ ،‬وسماه زيت‬
‫ضا‬
‫الزاج وأول من اكتشف الصودا الكاوية‪ ،‬وأول من استحضر ماء الذهب وينسب إليه أي ً‬
‫استحضار مركبات أخرى‪ ،‬مثل كربونات البوتاسيوم‪ ،‬وكربونات الصوديوم‪ .‬وقد درس‬
‫خصائص مركبات الزئبق واستحضرها‪ ،‬وهو أول من وصف أعمال التقطير والتبلور‪،‬‬
‫والتذويب‪ ،‬والتحويل ‪ 3.‬وقد خالف جابر “أرسطو” في نظريته عن تكوين الفلزات‪ ،‬وخرج‬
‫بنظرية جديدة‪ ،‬بقيت معموال بها في اوربا حتى القرن الثامن عشر الميالدي‪.‬‬
‫وابتكر جابر في الكيمياء علم الموازين‪ ،‬فجعل لكل من الطبائع ميزانا‪ ،‬ولكل جسد من األجساد‬
‫موازين خاصة بطبائعه ؛ وكان جابر بن حيان أول من الحظ ما يحدث من راسب كلور عند‬
‫إضافة محلول ملح الطعام إلى محلول نترات الفضة‪ .‬واستخدم ثاني أوكسيد المنغنيز في تلوين‬

‫‪ _1‬مجموعة مؤلفين ‪ :‬موجز دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬تحرير ‪ :‬أرنولد و باسيت و هارتمان ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬نخبة من أساتذة‬
‫الجامعات المصرية والعربية ‪ ،‬المراجعة واإلشراف العلمي أ‪ .‬د‪ .‬حسن حبشي أ‪ .‬د‪ .‬عبد الرحمن عبد هللا الشيخ أ‪ .‬د‪ .‬محمد عناني‬
‫‪ ،‬مركز الشارقة لإلبداع الفكري‪ ،8991 ،‬ج ‪ ،21‬ص ‪. 2252‬‬
‫‪ _ 2‬مجموعة مؤلفين ‪ :‬موجز دائرة المعارف اإلسالمية ‪ ،‬ص‪.2222‬‬
‫‪ _ 3‬ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب ‪ ،‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‬
‫‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص‪.222‬‬

‫‪9‬‬
‫الزجاج‪ ،‬كما بحث في السموم‪ ،‬وله فيها كتاب “السموم ودفع مضارها” ولعل هذا الكتاب أروع‬
‫‪1‬‬
‫ما الف في هذا الموضوع ‪.‬‬
‫مخترعات الرازي‪ :‬كان الرازي أول من أدخل التركيبات الكيميائية في العالجات الطبية‪⁸٩.‬‬
‫ولذلك يعد من مؤسسي الكيمياء العلمية‪ ،‬فقد نحى في تجاربه منحا ً علميا ‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫لبحوثه في الكيمياء قيمة كبيرة ؛ ويتجلى فضل الرازي في علم الكيمياء بصورة واضحة من‬
‫خالل النظر الى تقسيمه المواد الكيميائية على أربعة أقسام أساسية‪ ،‬وهي‪ :‬المواد المعدنية ‪،‬‬
‫والمواد النباتية ‪ ،‬والمواد الحيوانية ‪ ،‬والمواد المشتقة‪.‬‬
‫كما قسم المعدنيات إلى ست طوائف فرعية هي‪ :‬األرواح‪ ،‬واألجساد‪ ،‬واألحجار‪ ،‬والزاجات‪،‬‬
‫والبورقات واألمالح ‪ .‬ومثل هذا التقسيم يدل على عمق مالحظة وتجربة ‪.‬‬
‫ودرس الرازي حساب الكثافات النوعية لبعض السوائل ‪ ،‬واستخدم لذلك ميزانا خاصا سماه‬
‫الميزان الطبيعي ‪.‬‬
‫اكتشف العرب الكحول الذي صار قوام األعمال الكيمياوية والصيدلية‪ ،‬وتركيب حمض‬
‫الكبريت‪ ،‬والماء الملكي‪ ،‬والماء المعشر‪ ،‬والجالب وغير ذلك من األدوية والمعاجين والمربيات‬
‫‪2‬‬
‫والهالمات وغيرها ‪.‬‬
‫صحح العرب مفاهيم الكيمياء القديمة ‪ :‬فبعد ان كانت الكيمياء تقوم على فكرة او مفهوم تحول‬
‫المعادن إلى ذهب‪ ،‬أكد معظم المشتغلون العرب في هذا المجال أن المعادن كلها تكاد ترجع في‬
‫نهاية أمرها إلى أصول واحدة‪ ،‬وأنها لهذا السبب يمكن تحويل بعضها إلى بعض اآلخر ‪ .‬وتقدم‬
‫الكتابات الكيميائية مئات بل آالف الوصفات لعمل الذهب‪ ،‬ومن كل تلك الوصفات توجد ثالث‬
‫‪3‬‬
‫طرائق رئيسية هي ‪:‬‬
‫الطريقة األولى ‪ :‬واساسها الزئبق والكبريت فالزئبق يحتوى على الماء واألرض‪ ،‬والكبريت‬
‫يحتوى على النار والهواء‪ ،‬وبذلك تكون المادتان معا قد احتوتا على العناصر األربعة‪ .‬فإذا‬
‫اتحدت أجزاء الكبريت والزئبق‪ ،‬مع توفر مصدر حراري يساعد في انضاج العملية فأنذاك ينتج‬
‫انواع مختلفة من الجواهر المعدنية فمثال‪ :‬إذا كان الزئبق صافيا والكبريت نقيا‪ ،‬وكانت‬
‫مقاديرهما على النسبة األفضل‪ ،‬والحرارة في درجة االعتدال فعندئذ ينعقد الذهب اإلبريز‪ .‬وإن‬
‫انخفضت حرارة المعدن في وسط عملية االندماج تولدت فضة بيضاء‪ ،‬وإن تعرضت لحرارة‬
‫شديدة تولد النحاس االحمر ‪ ،‬وإن انخ فضت الحرارة قبل اتحاد أجزاء الكبريت والزئبق تولد‬
‫الرصاص القلعي (أي قصدير شديد البياض ) وإن تعرضت للبرد وكانت المواد الترابية أكثر‪،‬‬

‫‪ _ 1‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.222‬‬


‫‪ _ 2‬ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب ‪ ،‬مفتاح دار السعادة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ _ 3‬السامرائي خليل إبراهيم ‪ ،‬عبد الواحد ذنون طه ‪ ،‬د ناطق صالح مصلوب ‪ ،‬تاريخ العرب وحضارتهم في األندلس ‪ ،‬دار‬
‫الكتاب الجديد المتحدة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ , 2000 ،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪10‬‬
‫تولد الحديد‪ ،‬وإن كان الزئبق أكثر والكبريت أقل والحرارة ضعيفة تولد األس ُْرب (الرصاص‬
‫األسود الرديء وإن زادت الحرارة اكثر تولد الكحل ‪ ...‬الخ وهنا البد لنا من ان نوضح أن‬
‫الزئبق والكبريت قد ال يعنيان بالضرورة ما يقصده الكيميائيون حاليا بهذين العنصرين‪ ،‬بل يفهم‬
‫من هذين المصطلحين المبادئ األساسية للسيولة واالحتراق ‪.‬‬
‫الطريقة الثانية ‪ :‬وتقوم على “علم الموازين” الذي نادى به جابر بن حيان؛ فعلى الكيميائي إقامة‬
‫عالقة متبادلة بين المعادن حسب الحجم والوزن وأن يؤسس بناء على هذه المعلومات جسما له‬
‫حجم ووزن متجاوبان ‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة ‪ :‬وتقوم على وضع االكسير ويتكون االكسير من مواد معدنية ونباتية وحيوانية‬
‫على معدن خسيس ثم ينقل ليوضع في ظروف خالية عن أية كيفية‪ ،‬فاألكسير يتخلل هذا المعدن‬
‫كما تتخلل الخميرة العجين‪ ،‬ويحوله إلى ذهب وهو أعلى قيمة من معدن الذهب ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬منجزات علم الكيمياء في الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫أن منشأ الكيمياء في الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬لم يكن منشأ علميّا ّ‬
‫فإن هؤالء‬ ‫رغم ّ‬
‫يحول المعادن‬
‫ّ‬ ‫الكيميائيّين‪ ،‬أثناء سعيهم الدّؤوب للتّوصل إلى صنع “ملح اإلكسير” الذي‬
‫الخسيسة إلى معادن ثمينة‪ ،‬قد تم ّكنوا عبر تجاربهم المتتالية ومالحظاتهم واستنتاجاتهم وخبراتهم‬
‫ي جديد‪ ،‬لم تعد غايته تحويل المعادن‬
‫ي تطبيق ّ‬
‫المتراكمة من وضع أسس علميّة دقيقة لعلم تجريب ّ‬
‫إلى ذهب‪ ،‬بل فهم تركيبات المواد المختلفة‪ ،‬وحذق التّعامل معها‪ ،‬من أجل تسخيرها للتّحكم في‬
‫المادّة وتحقيق المنفعة لإلنسان‪.‬‬
‫إن علم الكيمياء على خالف العلوم التّطبيقية العربية اإلسالمية األخرى‪ ،‬لم يستفد كثيرا من‬ ‫ّ‬
‫التّرجمات اليونانية التي حوت في أغلبها أوهاما وخرافات‪ ،‬ال تتماشى مع المنطق العلمي ال ّ‬
‫سليم‪،‬‬
‫إن ما ترجم منها‪ ،‬كلّها أو جلّها‪ ،‬منسوبة إلى شخصيّات وهميّة ال وجود لها‪ 1 ”.‬فقد اعتمد‬ ‫بل “ ّ‬
‫الكيميائيّون المسلمون أساسا على االختبارات والتّجارب التطبيقيّة من أجل تحصيل المعارف‬
‫وكشف غوامض األمور‪ .‬ويعدّ القرن الثّالث هجريّا عصر ازدهار علم الكيمياء‪ ،‬إذ خطى‬
‫شعوذة وجعلته علما تجريبيا قائما‬ ‫سحر وال ّ‬
‫المسلمون بعلم الكيمياء خطوات كبيرة‪ ،‬أبعدته عن ال ّ‬
‫وتنوع اإلنجازات العلميّة الكيميائية من اكتشافات‬
‫على قواعد علميّة دقيقة‪ ،‬وقد نتج عن ذلك تعدّد ّ‬
‫‪2‬‬
‫واختراعات وابتكارات‪.‬‬
‫خواص‬
‫ّ‬ ‫من أجل اإللمام بخصائص المادّة ومختلف تش ّكالتها‪ ،‬درس الكيميائيّون المسلمون‬
‫الموادّ المختلفة وصنّفوها حسب كثافتها إلى صنفين رئيسيّين‪:‬‬

‫طليعة‪ ،8921 ،‬ص‬ ‫‪ _ 1‬توماس‪ ،‬أرنولد (وآخرون)‪ .‬تراث اإلسالم‪( ،‬تعريب وتعليق‪ :‬جرجس فتح هللا)‪ ،‬ط ‪ ،6‬بيروت‪ :‬دار ال ّ‬
‫‪.959‬‬
‫ّ‬
‫‪ _ 2‬ينظر ‪:‬مصطفى محمود‪ ،‬سليمان ‪.‬تاريخ العلوم والتكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة الحضارة اإلسالمية فيه‪،‬‬
‫القاهرة ‪:‬الهيئة المصريّة العا ّمة للكتاب‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،2‬ص ص ‪241- 247.‬‬

‫‪11‬‬
‫والرصاص‬‫ّ‬ ‫‪ ‬األجساد ‪ :‬وهو اسم يطلق على الذّهب والفضّة والحديد والنّحاس واألسرب‬
‫والخارصين‪ ،‬ألنّها موادّ تثبت وتقوم على النّار‪.‬‬
‫والزرنيخ ّ‬
‫والزئبق والنّوشادر ألنّها تطير إذا‬ ‫‪ ‬األرواح ‪ :‬وهو اسم يطلق على مادّة الكبريت ّ‬
‫ستها النّار‪.1‬‬
‫م ّ‬
‫متنوعة الستخدامها في إجراء تجاربهم الكيميائيّة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قام الكيميائيّون المسلمون باختراع آالت‬
‫منها ‪:‬ال َب ْوتقة المر ّكبة‪ ،‬وهي بوتقة مثقوبة من أسفلها‪ ،‬توضع على أخرى ويوصل بينهما بطين‪،‬‬
‫سفلى صافيا‪ ،‬ويبقى خبثه ووسخه في العليا ‪.‬‬ ‫ث ّم يذاب المعدن في البوتقة العليا‪ ،‬فينزل إلى ال ّ‬
‫ويس ّمون هذه العملية ‪:‬االستنزال ‪.‬وكذلك آلتا ‪:‬القرع واألنبيق‪ ،‬وهما آلتان تستخدمان في تقطير‬
‫ماء الورد ‪.‬وكذلك آلة اآلثال وتعمل من زجاج أو ف ّخار على هيئة ّ‬
‫الطبق ذي المكبّة‪ ،‬وتستعمل‬
‫الزئبق والكبريت ونحوهما ‪.‬وقد ابتكر الكيميائيّون المسلمون العديد من العمليّات‬ ‫لتصعيد ّ‬
‫الكيميائيّة األساسية الجديدة ‪:‬كالتّقطير والت ّصعيد والتّحليل واإللغام والتّصويل واالستنزال‬
‫والتّكليس والتّرجيم والمعقّد‪ ،‬وأوجدوا طرقا جديدة للحصول على المواد‪ ،‬مثل ‪:‬التّرشيح‬
‫والتّبلور‪.2‬‬
‫يعتبر الكحول والحوامض المعدنيّة من أكثر االكتشافات أه ّمية في العصور الوسطى‪ ،‬وقد كان‬
‫فن التّقطير‪ ،‬فقد حصلوا عليهما معا‬ ‫التّقطير هو مفتاح الوصول إليها‪ ،‬ولما كان المسلمون سادة ّ‬
‫أن الكثير منهم يصف‬ ‫وبالرجوع إلى أعمال الكيميائيّين العرب الكبار‪ ،‬نجد ّ‬
‫ّ‬ ‫منذ تاريخ مب ّكر‪،‬‬
‫الزهراوي (توفّي‬ ‫بوضوح تقطير النّبيذ باستخدام جهاز خاص للتّقطير‪ ،‬فقد وصف أبو القاسم ّ‬
‫ي جابر بن حيّان خصائص الكحول‬ ‫سنة‪: 404‬ه‪/1013‬م )عملية تقطير الخ ّل ‪.‬كما الحظ الكيميائ ّ‬
‫متنوعة‬
‫التي لها قابلية لالشتعال بدرجة كبيرة‪ ،‬وستكون لهذه المادّة الكيميائية تطبيقات إجرائيّة ّ‬
‫الظاهرة‬‫صة ‪.‬ويقول جابر بن حيّان واصفا هذه ّ‬ ‫في مجال األبحاث الكيميائيّة العسكرية خا ّ‬
‫الكيميائيّة ومستشرفا آفاقها العلميّة الواعدة ”‪:‬النّار التي تشعل عند فوهة القوارير بسبب ‪.‬النّبيذ‬
‫يظن بعضهم أنّها قليلة الفائدة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المغلّى والملح وأشياء أخرى بمميّزاتها وخصائصها الجميلة التي‬
‫هذه األمور لها أه ّميتها الكبيرة في مثل هذه العلوم‪.” 3‬‬
‫الزاج‬‫تم ّكن الكيميائيّون المسلمون من اكتشاف وتحضير مر ّكبات كيميائيّة جديدة‪ ،‬كزيت ّ‬
‫(حامض الكبريت )وماء الفضّة (حامض النّتريك )وماء الذّهب (حامض النّتروهيدروكلوريك )‬
‫الزئبق )وحجر جهنّم (نترات الفضّة )وملح البارود (نترات البوتاس )‬ ‫سليماني (كلوريد ّ‬‫وال ّ‬
‫والزاج األخضر(كبريتات النّحاس‪ 4.‬وانتقلوا بفضل ذلك بالكيمياء من مرحلة التّجريد التي كانت‬ ‫ّ‬
‫سائدة في عهد اليونان إلى مرحلة جديدة تعتمد عل التّجريب والتّطبيق العملي في المختبرات ث ّم‬
‫ي‪ ،‬م ّكنهم من تطبيق النّتائج‬
‫ي ”وقد بلغ العرب بعلم الكيمياء مبلغا من الرق ّ‬
‫صناع ّ‬
‫في المجال ال ّ‬
‫‪ _ 1‬أبو عبد هللا مح ّمد‪ ،‬الخوارزمي ‪.‬مفاتيح العلوم‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪ _ 2‬أبو عبد هللا مح ّمد‪ ،‬الخوارزمي ‪.‬مفاتيح العلوم‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪ _ 3‬ينظر ‪:‬أحمد يوسف‪ ،‬الحسن و هيل‪ ،‬دونالد ‪.‬التّقنية في الحضارة اإلسالمية‪( ،‬ترجمة ‪:‬صالح خالد ساري)‪ ،‬ط ‪ ،1‬الكويت ‪:‬‬
‫مكتبة الفالح للنّشر والتّوزيع‪ ،2001 ،‬ص ص ‪228- 230‬‬
‫‪ _ 4‬جرجي‪ ،‬زيدان ‪.‬تاريخ التّمدّن اإلسالمي‪ ،‬القاهرة ‪:‬دار الهالل‪ ،1922 ،‬ج ‪ ،3‬ص ص ‪182 ،181‬‬

‫‪12‬‬
‫صناعية ‪.‬فاستخدموا‬
‫صلوا إليها على الصناعات المختلفة‪ ،‬وهو ما يعرف اليوم بالكيمياء ال ّ‬
‫التي تو ّ‬
‫خبرتهم الكيمياويّة في صبغ األقمشة ودبغ الجلود وصناعة المعادن وتركيبها أو تنقيتها وصقلها‬
‫الزنج سنة ‪ 239‬ه أدوية‬‫إن العرب استعملوا في معركة ّ‬ ‫وفي تركيب العطور ‪.‬يقول ابن األثير“ ‪ّ :‬‬
‫صل إليه العرب من مواد‬ ‫إذا طلي بها الخشب امتنع احتراقه” م ّما يد ّل بوضوح على مدى ما تو ّ‬
‫‪1‬‬
‫كيمياوية عازلة أو مضادّة للحرائق‪”.‬‬
‫الملونة وصناعة عجينة الورق‬ ‫ّ‬ ‫الزجاجية والمصابيح‬ ‫كما برع المسلمون في صناعة األواني ّ‬
‫صينية عندما فتحوا سمرقند سنة ‪712‬م‪ ،‬ث ّم سرعان‬ ‫من نبتة القنّب‪ ،‬التي أخذوها عن الحضارة ال ّ‬
‫شرق ‪.‬وقد أنشأ الخليفة‬ ‫ما استعمل القطن في صناعة الورق‪ ،‬لقلّة تكلفته وكثرة انتشاره ببالد ال ّ‬
‫الرشيد ّأول مصنع للورق ببغداد سنة ‪794‬م‪ ،‬م ّما ساهم في ازدهار التّرجمة والتّأليف‬ ‫هارون ّ‬
‫والنّسخ ‪.‬كما س ّخر الكيميائيّون المسلمون علم الكيمياء لخدمة األغراض الحربيّة والعسكرية‪،‬‬
‫القوة الدّافعة النّاجمة عن انفجار البارود (نيترات البوتاسيوم )الختراع‬ ‫وذلك عبر استغالل ّ‬
‫‪2‬‬
‫المدافع المطلقة للقذائف المد ّمرة‪ ،‬وقد أنجز هذا االختراع ببالد األندلس ‪.‬‬
‫فن التّعدين والمتمثّل في استخراج المعادن المختلفة وتحويلها وتصنيعها‪ ،‬فقد‬ ‫أتقن المسلمون ّ‬
‫سيوف‬ ‫سيوف وصناعتها‪ ،‬منها ‪:‬رسالة في أنواع ال ّ‬ ‫الرسائل عن ال ّ‬
‫ي عددا من ّ‬ ‫وضع الكند ّ‬
‫سيوف‬ ‫صل فيها إلى صنع الحديد الذي نس ّميه اليوم بالفوالذ‪ ،‬وتم ّكن من تلوين ال ّ‬
‫والحديد‪ ،‬وقد تو ّ‬
‫سيناميد‪ ،‬فتكسبه لونا يتراوح بين‬ ‫بمعالجة الحديد بمحاليل األعشاب التي تحتوي على مادّة ال ّ‬
‫صل كذلك إلى طريقة مبتكرة لحفظ‬ ‫األحمر واألزرق‪ ،‬وقد ذكر طرقا مختلفة لعملية التّلوين‪ .‬وتو ّ‬
‫صدأ وذلك بطالئها في أثناء صنعها بمواد تحول دون تأثير الماء واألكسجين‬ ‫سيوف من ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪3‬‬
‫فيها‪.‬‬
‫ي بدراسة الجواهر الثّمينة واألحجار الكريمة‪ ،‬من حيث أنواعها ومواصفاتها‬ ‫كما اهت ّم الكند ّ‬
‫الرسائل منها ‪:‬رسالة في أنواع الجواهر الثّمينة‬ ‫وأماكن وجودها‪ ،‬وصنّف في ذلك عددا من ّ‬
‫ي (توفّي‬ ‫سياق أن نستشهد بقول للبيرون ّ‬ ‫وغيرها ورسالة في أنواع الحجارة ‪.‬ويمكننا في هذا ال ّ‬
‫سنة ‪440‬ه )في اإلشادة بعلم الكندي في هذا الميدان“ ‪:‬ال نريد اآلن أن نخوض في تعديد الجواهر‬
‫الفن غير كتاب أبي يوسف‬ ‫ي من هذا ّ‬ ‫واألعالق النّفيسة المذخورة في الخزائن (…) ولم يقع إل ّ‬
‫ي في الجواهر واألشياء‪ ،‬وقد افترع فيها عذرته وظهر ذروته‪،‬‬ ‫يعقوب بن إسحاق الكند ّ‬
‫‪4‬‬
‫كاختراعه البدائع في ك ّل ما وصلت إليه يده من سائر الفنون‪”.‬‬
‫بفضل هذا ّ‬
‫الزخم الهائل من اإلنجازات الكيميائيّة للحضارة العربية اإلسالميّة‪ ،‬بدأت الكثير من‬
‫العلوم والمعارف الكيميائيّة‪ ،‬خالل القرون الوسطى‪ ،‬ننتقل إلى أوروبا‪ ،‬وتساهم في تشكيل وعي‬

‫الرحمان مرحبا‪ ،‬المرجع في تاريخ العلوم‪ ،‬بيروت ‪:‬دار الجيل ّ‬


‫للطبع والنّشر والتّوزيع‪ ،1998 ،‬ص ‪365‬‬ ‫‪ _ 1‬مح ّمد عبد ّ‬
‫الرحمان مرحبا‪ ،‬المرجع في تاريخ العلوم‪ ،‬ص ص ‪366. ،265‬‬ ‫‪ _ 2‬ينظر ‪:‬مح ّمد عبد ّ‬
‫الطائي‪ ،‬أعالم العرب في الكيمياء‪ ،‬بغداد ‪:‬دار الحرية‪ ،‬د ‪.‬ط ‪ ،1981 ،‬ص ص ‪92 ،91‬‬ ‫‪ _3‬فاضل أحمد‪ّ ،‬‬
‫الريحان مح ّمد بن أحمد‪ ،‬البيروني ‪.‬الجماهر في معرفة الجواهر‪ ،‬بيروت ‪:‬عالم الكتب‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص ص ‪32 ،31‬‬
‫‪ _ 4‬أبو ّ‬

‫‪13‬‬
‫ي جديد‪ ،‬ساهم في قيام نهضتها‪ ،‬وذلك عبر حركة التّرجمة المعاكسة من العربيّة إلى ّ‬
‫الالتينية‬ ‫علم ّ‬
‫وغيرها من اللّغات األوروبية‪ ،‬فالعديد من مصنّفات الكيميائيّين العرب والمسلمين ترجمت إلى‬
‫الالتينية في القرنبن الثّاني عشر والثّالث عشر ميالديّا‪ ،‬وهذه التّرجمات مازالت موجودة حتّى‬
‫ّ‬
‫يومنا هذا في شكل مخطوطات في المكتبات األوروبية الكبرى ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫خاتمة‬
‫صلنا من خالل هذا البحث إلى جملة من النّتائج لع ّل من أه ّمها‪:‬‬
‫تو ّ‬
‫سابقة‬ ‫إن علم الكيمياء يمكن أن يعدّ علما عربيا إسالميا صرفا‪ ،‬إذ بعد أن كان لدى األمم ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫سحر والخرافات واألوهام‪ ،‬أصبح بفضل جهود الكيميائيّين المسلمين‪،‬‬ ‫مجاال يختلط فيه ال ّ‬
‫ومنهجهم القائم على التّجارب والمالحظات واالستنتاجات المتراكمة‪ ،‬علما تطبيقيّا‬
‫مكونات المواد‬ ‫تجريبيّا‪ ،‬يقوم على أسس دقيقة‪ ،‬وقواعد صارمة‪ ،‬يسعى إلى تحديد طبيعة ّ‬
‫المختلفة‪ ،‬وفهم خصائصها‪ ،‬بغية تسخيرها لمنفعة اإلنسان ‪.‬فنتج عن ذلك ك ّم هائل من‬
‫صناعية‬ ‫وظفت في المجاالت ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫االكتشافات واالختراعات الكيميائيّة الجديدة‪ ،‬التي‬
‫المتعدّدة‪.‬‬
‫يعدّ القرن الثالث هجريّا‪ ،‬عصر ازدهار الكيمياء في الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬ويد ّل‬‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫وتنوع اإلنجازات العلمية الكيميائيّة من اكتشافات واختراعات وابتكارات ‪.‬‬ ‫على ذلك تعدّد ّ‬
‫وقد تمثّلت في دراسة المواد المختلفة وتقسيمها وتصنيفها‪ ،‬وكذلك اختراع آالت ّ‬
‫متنوعة‬
‫من أجل استخدامها في إجراء التّجارب الكيميائيّة‪ ،‬واستنباط العديد من العمليّات‬
‫الكيميائيّة األساسية الجديدة التي ساعدت على تحليل المواد وإعادة تركيبها‪ ،‬مثل ‪:‬التّقطير‬
‫والتّكليس والتّرشيح والتّبلور‪.‬‬
‫تم ّكن العلماء المسلمون من تحقيق االنتقال بالكيمياء من مرحلة التّجريد التي كانت سائدة‬ ‫‪‬‬
‫في العصر اليوناني إلى مرحلة جديدة‪ ،‬تعتمد على التّجريب والتّطبيق العملي المختبري‬
‫صناعي ‪.‬وقد تجلّى ذلك في اكتشاف وتحضير مر ّكبات كيميائيّة جديدة من أه ّمها مادّة‬ ‫ث ّم ال ّ‬
‫الكحول وملح البارود وحامض الكبريت ونترات الفضّة وستكون لهذه المر ّكبات الجديدة‬
‫تطبيقات عمليّة إجرائيّة في مختلف األبحاث الكيميائيّة‪.‬‬
‫صناعات المختلفة‪،‬‬ ‫صلوا إليها على ال ّ‬ ‫قام الكيميائيّون المسلمون بتطبيق النّتائج التي تو ّ‬ ‫‪‬‬
‫صناعيّة ‪.‬وقد تجلّى ذلك عمليّا في صبغ األقمشة ودبغ‬ ‫وهو ما يعرف اليوم بالكيمياء ال ّ‬
‫الجلود وصناعة المعادن‪ ،‬كما استثمرت هذه االكتشافات الكيميائيّة في المجال العسكري‬
‫عن طريق استخدام مادّة البارود في تطوير المدافع والقذائف الحربيّة‪.‬‬
‫نقل األوروبيون الكثير من هذه المعارف والمنجزات الكيميائيّة العربية اإلسالمية عن‬ ‫‪‬‬
‫طريق التّرجمة أو المعاينة المباشرة‪ ،‬وقاموا باستيعابها وتطويرها‪ ،‬م ّما ساعد على توفير‬
‫صناعية األوروبية الحديثة ‪.‬‬ ‫األسس العلميّة لقيام النّهضة العلمية وال ّ‬

‫‪15‬‬
‫قائمة المصادر و المرجع‬
‫ابن النديم أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد الوراق البغدادي ‪ ،‬الفهرست ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫إبراهيم رمضان ‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪ ،‬لبنان‪. 8992 ،‬‬
‫ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب ‪ ،‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم‬ ‫‪‬‬
‫واإلرادة‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫ابن منظور محمد بن مكرم بن علي‪ ،‬لسان العرب ‪،‬ج ‪ ، 5‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪. 8991 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫الريحان مح ّمد بن أحمد‪ ،‬البيروني ‪.‬الجماهر في معرفة الجواهر‪ ،‬بيروت ‪:‬عالم الكتب‪،‬‬‫أبو ّ‬ ‫‪‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫أحمد يوسف‪ ،‬الحسن و هيل‪ ،‬دونالد ‪.‬التّقنية في الحضارة اإلسالمية‪( ،‬ترجمة ‪:‬صالح خالد‬ ‫‪‬‬
‫ساري)‪ ،‬ط ‪ ،1‬الكويت ‪:‬مكتبة الفالح للنّشر والتّوزيع‪.2001 ،‬‬
‫توماس‪ ،‬أرنولد (وآخرون)‪ .‬تراث اإلسالم‪( ،‬تعريب وتعليق‪ :‬جرجس فتح هللا)‪ ،‬ط ‪،6‬‬ ‫‪‬‬
‫الطليعة‪.8921 ،‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار ّ‬
‫جرجي زيدان‪ ،‬تاريخ التّمدّن اإلسالمي‪ ،‬القاهرة ‪:‬دار الهالل‪.1922 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫حبنكة عبد الرحمن بن حسن ‪ ،‬الحضارة اإلسالمية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات‬ ‫‪‬‬
‫المسلمين لها ولمحات من تأثيرها في سائر األمم ‪ ،‬دار القلم ‪ -‬دمشق‪. 8992 ،‬‬
‫الخوارزمي محمد بن أحمد بن يوسف ‪ ،‬مفاتيح العلوم‪ ،‬تحقيق ‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬
‫الكتاب العربي ‪. 2002 ،‬‬
‫السامرائي خليل إبراهيم ‪ ،‬عبد الواحد ذنون طه ‪ ،‬د ناطق صالح مصلوب ‪ ،‬تاريخ العرب‬ ‫‪‬‬
‫وحضارتهم في األندلس ‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪. 2000 ،‬‬
‫صالح عبد العزيز‪ ،‬الشرق األدنى القديم في مصر والعراق ‪ ،‬مكتبة دار الزمان ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عصفور محمد أبو المحاسن‪ ،‬معالم حضارات الشرق األدني القديم‪( ،‬دار النهضة العربية‬ ‫‪‬‬
‫للطباعة والنشر‪8912 ،‬م ‪.‬‬
‫الطائي ‪.‬أعالم العرب في الكيمياء‪ ،‬بغداد ‪:‬دار الحرية‪ ،‬د ‪.‬ط ‪1981 ،‬‬ ‫فاضل أحمد‪ّ ،‬‬ ‫‪‬‬
‫القنوجي أبو الطيب محمد البخاري ‪ ،‬أبجد العلوم ‪ ،‬دار ابن حزم ‪. 2002 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫مجموعة مؤلفين ‪ :‬موجز دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬تحرير ‪ :‬أرنولد و باسيت و هارتمان ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ترجمة ‪ :‬نخبة من أساتذة الجامعات ‪ ،‬مركز الشارقة لإلبداع الفكري‪.8911،‬‬
‫الرحمان مرحبا ‪ ،‬المرجع في تاريخ العلوم‪ ،‬بيروت ‪:‬دار الجيل ّ‬
‫للطبع والنّشر‬ ‫مح ّمد عبد ّ‬ ‫‪‬‬
‫والتّوزيع‪.1998 ،‬‬
‫مصطفى محمود‪ ،‬سليمان ‪.‬تاريخ العلوم والتّكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة‬ ‫‪‬‬
‫الحضارة اإلسالمية فيه‪ ،‬القاهرة ‪:‬الهيئة المصريّة العا ّمة للكتاب‪ ،‬ط ‪.2008 ،2‬‬
‫ول ديورانت ‪ :‬ويليام جيمس ‪ ،‬قصة الحضارة تقديم الدكتور محيي الدين صابر ‪ ،‬ترجمة‬ ‫‪‬‬
‫الدكتور زكي نجيب محمود وآخرين دار الجيل‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان المنظمة العربية للتربية‬
‫والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس ‪ ، 8911 ،‬ج ‪.63‬‬

‫‪16‬‬

You might also like