You are on page 1of 10

)2017 ‫ جوان‬- ‫ مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني‬- ‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية‬ 56

‫املدرسة الواقعية يف العالقات الدولية‬


‫وقازي عقبة‬.‫أ‬
‫معهد احلقوق والعلوم السياسية‬
‫املركز اجلامعي مرسلي عبد هللا تيبازة‬
:‫ملخص الدراسة‬
‫تتطرق هذه الدراسة إىل االسس الفكرية اليت قامت عليها املدرسة الواقعية يف العالقات‬
‫الدولية يف تفسريها لسلوك الدولة ابعتبارها الفاعل األساسي يف العالقات الدولية والوقوف‬
‫على طبيعة تفاعالهتا يف النظام الدويل حبثا عن القوة واملصلحة ابلوسائل الصلبة ويف مقدمتها‬
‫ وذلك من خالل البحث يف التطورات الفكرية هلذه املدرسة (واقعية‬،‫القوة العسكرية‬
‫ واقعية كالسيكية جديدة) والتوجهات النظرية اليت اتبعتها (واقعية‬،‫ واقعية جديدة‬،‫كالسيكية‬
.‫ لفهم وحتليل العالقات الدولية‬، )‫ واقعية هجومية‬،‫دفاعية‬
Abstract :
The major aim of this studies which entitled the "realism school in the
internationals relations: " is deeply look and analyze the fundamentals and
evolution of realisme thinking.
In realisme school the state is the primary actor in international
relations, their power forms of the tangible and intangible determinations or
variables to impact the state in the internal level, connecting with specific
power (political and ideological building –geographic and economic factors-
humanitarian and technological capabilities, military forces…) and
concerning the external level it connects with the international strategic
environment and the nature of international system.
Lastly; this studies analyses and rereals one of the most important
theories of international relations, and their consequences in the strategic
thinking (Classical Realism, Neorealism, Neoclassical Realism) and
theoretical directions (Offensive Realism, Defensive Realism).
‫‪57‬‬ ‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫الواقعية هـي توجـه تنظـريي قـام بـرفض املبـادئ األخالقيـة والقانونيـة الـيت طرحهـا املثـاليون‪ ،‬وركـز‬
‫على مبادئ براغماتية انشئة عن نظرة تشاؤمية لواقع وطبيعة الظواهر السياسية والدوليـة‪ ،‬إذ ال‬
‫يوجــد تناســق وانســجام يف املصــاحل )‪ (Harmony of Interest‬بــني الوحــدات السياســية يف‬
‫اجملتمــع الــدويل‪ ،‬بــل هنــاك تضــارب بينهــا يصــل إىل درجــة انــدالع احلــرب‪ .‬فـا لعالقـات الدوليــة‬
‫هـي صـراع قـوة ومــن أجــل القـوة )‪(Struggle of Power and for power‬واإلمكانيــات‬
‫املتــوفرة للدولــة تلعــب دورا هامــا يف حتديــد نتيجــة الص ـراع الــدويل وقــدرة الدول ـة علــى التــأثري يف‬
‫س ــلوك اآلخ ـ ـرين‪ ،‬ش ـ ـريطة إدراك أن ق ــدرات الدول ــة ال تقتص ــر عل ــى اإلط ــالق عل ــى اجلان ــب‬
‫العســكري فقــط؛ بــل تشــمل متغ ـريات أخــرى كالعوامــل اجلغرافيــة وامل ـوارد الطبيعيــة والتج ــانس‬
‫(‪)40‬‬
‫السكاين والتطور التقين وطبيعة اإليديولوجية والقيادة السياسية‪.‬‬
‫وميكن حتليل أهم أفكار املدرسة الواقعية من خالل التطرق إىل أهم نظرايهتا املتمثلة يف‪:‬‬
‫الواقعية الكالسيكية ‪:Classical Realism‬‬ ‫‪.I‬‬
‫ترجع اجلذور التاريية للواقعية الكالسيكية إىل الفلسفة السياسية القدمية عند كل من‬
‫املفكر اهلندي "كوتيليا"‪ 296-312Kautilya‬ق‪.‬م‪ ‬واملفكر اإليطايل‬
‫"نيكولوماكيافيلي"‪1527-1469Nicollo Machiavelli‬م‪ ‬والفيلسوف اإلجنليزي‬
‫"توماس هوبز"‪ 1679-1588Thomas Hobbes‬وهي فلسفة قائمة على اعتبار‬
‫(‪)41‬‬
‫الصراع من أجل القوة دافع غريزي كامن يف الطبيعة اإلنسانية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى يرى كل من "بول فيـويت ومـارك كـويب" ‪Paul R Viotti and Mark V‬‬
‫‪ Kauppi‬أن امل ـ ــؤرخ الي ـ ــوانين "توس ـ ــيديدس"‪ Thusydides‬ه ـ ــو أول م ـ ــن كت ـ ــب يف الواقعي ـ ــة‬
‫التقليديــة إذ يعتــرب كتابــه احلــرب البيلوبونيزيــة‪ Peloponnesian War‬أشــهر عمــل عــرض فيــه‬
‫حســب – التسلســل الــزمين‪ 21 -‬ح ـراب وملــدة ‪ 28‬س ــنة بــني أثينــا وســربات ‪ SPARTA‬يف‬
‫القــرن اخلــامس قبــل املــيالد‪ ،‬وتوصــل إىل أن اخلــوف هــو اخلاصــية املســيطرة والعامــل الــدافع حنــو‬
‫(‪)42‬‬
‫سباق التسلح واحلرب‪.‬‬
‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬ ‫‪58‬‬

‫وقــد ظهــرت الواقعيــة الكالســيكية يف العالقــات الدوليــة يف الفــرتة الــيت تلــت احلــرب العاملي ـة‬
‫األوىل عــن طريــق كتــاابت كــل مــن "إدوارد هالــت كــار"‪Edward Hallet Carr‬؛ و"هــانس‬
‫جوشـيممورغانثو"‪ ،Hans Joachim Morgenthau‬إذ تطـرق األول يف كتابـه أزمـة العشـرين‬
‫سـنة ‪ The Twenty Years Crisis 1919-1939‬لتفسـري األسـباب العميقـة لألزمـات‬
‫الدولي ــة احلديث ــة وتوص ــل إىل أن السياس ــة حت ــت أي مع ــىن م ــا ه ــي إال سياس ــة ق ــوة انبع ــة م ــن‬
‫الطبيعة البشرية‪ )43(.‬أما "مورغانثو" صاحب كتاب السياسة بني األمم "كفاح مـن أجـل القـوة‬
‫والسـلم" ‪Politics among Nations : The Struggle for Power and Peace‬فقـد‬
‫(‪)44‬‬
‫أورد يف كتابه ستة مبادئ أساسية ترتكز عليها هذه النظرية وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬تعتقــد الواقعيــة السياســية أن السياســة حتكمهــا قـوانني موضــوعية جتــد جـذورها يف الطبيعــة‬
‫اإلنسانية؛‬
‫‪ .2‬الــركن األساســي الــذي يســاعد الواقعيــة يف حتديــدها لطبيعــة السياســة الدوليــة ه ـو مفهــوم‬
‫املصلحة املعرف مبعىن القوة؛‬
‫‪ .3‬الواقعية ال تعترب مفهوم املصلحة املعرف ابلقوة كمفهوم اثبت يف كل احلاالت؛‬
‫‪ .4‬الواقعية واعية ابلتوتر املوجود بني األمور األخالقية ومتطلبات الفعل السياسي الناجح؛‬
‫‪ .5‬الواقعيـ ــة السياسـ ــية تـ ــرفض أن تطـ ــابق الطموحـ ــات األخالقيـ ــة لكـ ــل دولـ ــة مـ ــع الق ـ ـوانني‬
‫األخالقية املتحكمة يف الكون؛‬
‫‪ .6‬الفرق بني الواقعية السياسية واملدارس األخرى حقيقي وعميق‪.‬‬
‫وإىل جانب املفكرين السابقني ساهم الكثري من الباحثني قدميا وحديثا يف تطور النظرية‬
‫الواقعية يف العالقات الدولية‪ ،‬إذ كان لكتاابت عامل الالهوت الربوتستنيت‬
‫"رينهولدنيبور"‪ 1971-1892‬األثر األكرب على الكتاابت الواقعية يف الوالايت املتحدة‬
‫األمريكية؛ إذ ينطلق من الفكرة الدينية حول اإلنسان امللطخ ابخلطيئة األوىل املنكر حملدوديته‬
‫وقيوده والذي يسعي لزايدة قوته الفردية واجلماعية‪ ،‬كما يعتقد "نيكوالس سبيكمان"‬
‫(‪ ) 1943-1893‬أن العالقات بني الدول متر عرب اجتاهات ثالثة؛ إذ تتسم ابلتعاون‬
‫‪59‬‬ ‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬

‫وتسوية اخلالفات ومعارضة بعضها البعض‪ ،‬ولكي تضمن الدولة بقائها عليها أن جتعل‬
‫هدفها األول يف سياستها اخلارجية هو احلفاظ على قوهتا أو زايدة هذه القوة‪ ،‬وألن القوة يف‬
‫معناها األخري تعين القدرة على خوض غمار احلرب فإن الدول تؤكد دائما على أمهية بناء‬
‫مؤسساهتا العسكرية‪ ،‬كما أن الدول تبقي ألهنا إما قوية أو ألن دوال أخرى تضمن‬
‫(‪)45‬‬
‫محايتها‪.‬‬
‫وميكن تلخيص أهم افرتاضات الواقعية الكالسيكية يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬الدولة هي الفاعل األساسي والوحيد يف العالقات الدولية‪.‬‬
‫‪ .2‬الدولة وحدة موحدة ومندجمة‪.‬‬
‫‪ .3‬عقالنية صانع القرار يف اختيار البدائل اليت تصب يف مصلحة الدولة‪.‬‬
‫‪ .4‬اس ــتقاللية الظـ ــاهرة السياسـ ــية‪ ،‬إذ توصـ ــف القضـ ــااي السياسـ ــية األمنيـ ــة ابلسياسـ ــة العليـ ــا‬
‫‪ Hight Politics‬بينمــا ينظــر للقضــااي االقتص ــادية واالجتماعيــة عل ــى أهن ـا أقــل أمهي ـة‬
‫(‪)46‬‬
‫ويطلق عليها اسم السياسة الدنيا ‪.Low Politics‬‬
‫‪ .5‬يف نظام دويل تسوده الفوضى وتتصارع فيه الدول مثـل كـرات البليـاردو لتحقيـق املصـلحة‬
‫القومية يؤدي توازن القوة دورا مركزاي يف حتقيق االستقرار الدويل‪.‬‬
‫أما أهم املفاهيم املعتمدة يف أنطلوجيا الواقعية الكالسيكية فنجد‪:‬‬
‫‪ -1‬املصلحة القومية ‪ :National Interest‬وحسب الواقعية مفهوم املصلحة الوطنية حمدد‬
‫يف مفهوم القوة‪ ،‬فاملصلحة هي جوهر العملية السياسية‪ ،‬واحملور الذي تدور عليه وتنطلق منه‬
‫كل مفاهيم العالقات الدولية‪ ،‬ويرجع "مورغانثو" أمهية املصلحة يف التحليل السياسي إىل أهنا‬
‫متثل اإلطار الذي يوجه صانع القرار أثناء صياغة السياسة اخلارجية واملقياس الذي نستطيع‬
‫من خالله تقييم جناحها أو فشلها‪ ،‬كما أن مفهوم املصلحة املرادف للقوة هو الذي يعزز‬
‫استقاللية علم السياسة‪ ،‬فاملصلحة عند رجل االقتصاد هي الرفاهية االقتصادية أو دولة الرفاه‬
‫‪ ،Welfare State‬وعند رجل القانون تتمثل يف مدى تطابق السياسات املنتهجة مع القواعد‬
‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬ ‫‪60‬‬

‫القانونية‪ ،‬بينما املصلحة عند الواقعي السياسي تتميز بطابع سياسي عسكري وتتعلق بكيفية‬
‫(‪)47‬‬
‫احلصول على القوة وتعزيزها‪.‬‬
‫‪ -2‬القــوة‪ :Power‬مبــا أن مفهــوم القــوة مـرادف ملفهــوم املصــلحة‪ ،‬تعتــرب الواقعيــة الكالســيكية‬
‫القوة كهدف أساسي؛ يسعى إىل حتقيقه كل صـانع قـرار علـى مسـتوى الوحـدة الدوليـة‪ ،‬فـالقوة‬
‫ليســت جمــرد وســيلة تســتعملها الدولــة للتــأثري علــى الوحــدات الدوليــة األخــرى؛ بــل هــي كــذلك‬
‫غايــة وهــدف‪ .‬كمــا أن التصــور ال ـواقعي مييــل إىل اســتخدام أو تبــين أســاليب القــوة الصــلبة‬
‫)‪ (Hard Power‬بـدل الرتكيـز علـى أسـاليب القـوة اللينـة )‪ ،(Soft Power‬وحسـب "هـانس‬
‫مورغانثو"‪ ،‬إن سعي الدول لتحقيق القوة يدور حول ثالثة حماور رئيسية‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإلبقاء أو احملافظة على القوة ‪.Keeping Power‬‬
‫ب‪ -‬إمناء أو زايدة القوة ‪.Increasing Power‬‬
‫ج‪ -‬استعراض القوة ‪.Demonstrating Power‬‬
‫وتطبيق هذه احملاور على العالقات الدولية سيؤدي إىل انتهاج ثالث سياسات أساسية‪:‬‬
‫أ‪ -‬سياسة احملافظة علـى الوضـع الـراهن ‪ :The Policy of Status Quo‬فـإذا كـان الوضـع‬
‫الدويل القائم يدم ويعزز مصاحل وقوة الدولة‪ ،‬يستعمل صانع القرار القـوة للمحافظـة علـى هـذا‬
‫الوضع‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلمربايليـة ‪ :Imperialism‬إذ تقـوم الدولـة إبحـداث تغيـري يف توزيـع القـوة علـى مســتوى‬
‫النســق الــدويل بغــرض زايدة وإمنــاء قوهتــا؛ عــن طريــق سياســات اســتعمارية توســعية أو سياســات‬
‫امربايلية استغاللية‪.‬‬
‫ج‪ -‬سياســة اهليب ــة ‪ :The Policy of Prestige‬وهــي سياســة تــدخل يف إط ــار ال ــردع‬
‫العســكري عــن طريــق إظهــار القــدرات القتاليــة والعســكرية للدولــة‪ ،‬ابلقيــام مبنــاورات عســكرية‬
‫(‪)48‬‬
‫واستعراض االخرتاعات والصناعات احلربية لتعزيز هيبتها ومكانتها الدولية‪.‬‬
‫‪ -3‬مي ـ ـزان القـ ــوة ‪ :Balance of Power‬مب ــا أن رج ــل االقتص ــاد اإلجنلي ــزي "تش ــارلز‬
‫دفنانـت"‪ Charles Davenant‬كــان أول املفكـرين الـذين طرحـوا فكـرة مبـدأ تـوازن القـوة ســنة‬
‫‪61‬‬ ‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬

‫دويل يف معاه ــدة أوترخ ــت لع ــام ‪(UTRECH) 1713‬‬ ‫‪ ،1701‬ف ــإن أمهيت ــه زادت كمب ــدأ‬
‫وحسب املؤرخ والفيلسوف الربيطاين "دافيد هيوم"‪ David Hume‬فإن مبـدأ تـوازن القـوة نشـأ‬
‫من اعتقاد أو إحساس عام بضرورة إحداث توازن بني القوى الدوليـة مـن أجـل البقـاء واحلفـاظ‬
‫(‪)49‬‬
‫على االستقالل‪.‬‬
‫وحســب "هــانس مورغــانثو" جلــأت الــدول منــذ معاهــدة وســتفاليا ســنة ‪ 1648‬لنظــام‬
‫تـ ـوازن الق ــوى لض ــمان الس ــلم واالس ــتقرار ال ــدويل‪ ،‬إذ أن أي خل ــل يف توزي ــع الق ــوة يـ ـؤدى إىل‬
‫احلــرب وزعزعــة االســتقرار ولتحقيــق ميـزان القــوة تقــوم الــدول ابلتســلح ‪ ،‬والتحــالف‪ ،‬والتوســع‪،‬‬
‫كما أن الدخول يف احلرب ميكن أن حيقق ميزان القوى لبعض الدول‪.‬‬
‫‪ -4‬الفوضــى ‪ :Anarchy‬نشــأت فكــرة الفوضــى مــن فكــرة الواقعيــة اإلنســانية‪ ،‬ومبــدأ الرتكيــز‬
‫علــى الــدول ذات الســيادة كفواعــل أساســية يف العالقــات الدوليــة‪ ،‬إذ ال توجــد ســلطة قانونيــة‬
‫ف ــوق قومي ــة وال ــدول تعمـ ــل يف إط ــار م ــن املسـ ــاعدة الذاتي ــة )‪ (Self-Help‬للمحافظ ــة علـ ــى‬
‫(‪)50‬‬
‫النفس‪.‬‬
‫‪ -5‬الصراع ‪ :Struggle‬العالقات الدوليـة حسـب الواقعيـة الكالسـيكية هـي صـراع مـن أجـل‬
‫القـ ــوة‪ ،‬إذ تصـ ــور الواقعيـ ــون السـ ــاحة الدولي ـ ــة كطاولـ ــة للبلي ـ ــاردو‪ ،‬والـ ــدول كك ـ ـرات البلي ـ ــاردو‬
‫ابعتبارهــا وحــدات منغلقــة تتباعــد؛ تتجمــع وتتصــادم فيمــا بينهــا وتســعى كــل منهــا للبقــاء علــى‬
‫طاولــة اللعبــة‪ .‬أي أتمــني البقــاء القــومي يف الســاحة الدوليــة‪ ،‬وحســب "مورغــانثو" هنــاك نــوعني‬
‫من الصراع الدويل؛ صراع من أجل اإلبقاء على الوضع الراهن‪ ،‬وصراع تنافسي لتحقيـق النفـوذ‬
‫(‪)51‬‬
‫والتوسع‪.‬‬
‫الواقعية اجلديدة ‪:Neorealism‬‬ ‫‪.II‬‬
‫‪Kenneth‬‬ ‫ظهرت الواقعية اجلديدة سنة ‪ 1979‬من خالل كتاب "كينيث والتز"‬
‫‪ Waltz‬املعنون بـ "نظرية السياسة الدولية"‪ )52(.Theory of International Politics‬إذ‬
‫قامت الواقعية اجلديدة مبراجعة الطرح الواقعي الكالسيكي وتقدميه بطريقة أكثر منهجية‬
‫وعلمية‪ ،‬إذ اتفق والتز مع معظم األفكار واملبادئ اليت طرحت من طرف الواقعية‬
‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬ ‫‪62‬‬

‫الكالسيكية‪ ،‬فرغم تغري النظام الدويل من حيث الفواعل واملواضيع‪ ،‬ال يزال يتميز مبركزية‬
‫الدولة‪،‬فوضوية النظام الدويل‪ ،‬وأاننية الدول اليت تسعى دائما لتحقيق القوةو األمن‬
‫واملصلحة‪ ،‬لكن نقطة االختالف اجلوهرية بني الطرح الواقعي الكالسيكي والطرح الواقعي‬
‫اجلديد هو تركيز والتز على النظام الدويل يف تفسريه ألاننية الدول وفوضوية النظام الدويل اليت‬
‫تتعلق أساسا ببنيته؛ ابعتباره احملدد لسلوك الدولة يف النسق الدويل هلذا مسيت الواقعية‬
‫اجلديدة ابلواقعية البنيوية ‪ ،Structural Realism‬وإىل جانب "كينث والتز" تضم الواقعية‬
‫اجلديدة خنبة من املفكرين الذين ركزوا على بنية النظام الدويل أثناء حتليل العالقات الدولية‬
‫ومن أبرز هؤالء "جون مريشامير"‪ ،John Mearcheimer‬و"ستيفن وولت" ‪Stephen‬‬
‫‪ ،Walt‬و"روبرت جرفيس"‪ ،Robert Jervis‬وحسب أنصار الواقعية اجلديدة فإن وجود‬
‫الفوضى يف النظام الدويل يؤدي إىل تبين سياستني أو إسرتاتيجيتني مها‪:‬‬
‫أ‪ -‬الواقعية اهلجومية ‪ :Offensive Realism‬وتركز على فكرة أن عدم وجود سلطة مركزية‬
‫فوق قومية يدفع الدول العظمى إىل تقوية وتعزيز القوة العسكرية وتبين سياسات توسعية‬
‫فالغموض حول األهداف املستقبلية ومفهوم "أسوأ حالة " ‪ ،Worst-Case‬يؤدي ابلدول‬
‫(‪)53‬‬
‫تبين اسرتاتيجيات هجومية غالبا ما تؤدي إىل احلرب‪.‬‬
‫ومن أهم أنصار هذا الطرح جند "جون مريشامير"‪" ،‬روبرت جلنب"‪Robert Gilpin‬‬
‫(‪)54‬‬
‫و"فريد زكرايء" ‪ ,FaridZakaria‬و"وليام وولفورث"‪.William Woholforth‬‬
‫ب‪ -‬الواقعية الدفاعية ‪ :Defensive Realism‬من أهم رواد هذا االجتاه "كينيث والتز"‪،‬‬
‫و"جاك سنايدر"‪ ،Jack Snyder‬و"ستيفن فان إيفريا"‪،Stephen Van Evera‬و"جيفري‬
‫اتليفريو"‪ )55(.Jeffry Taliaferro‬الذين يرون أن اعتناق الواقعية اهلجومية من طرف بعض‬
‫الدول يؤدي إىل تعزيز ظاهرة الفوضى الدولية‪ ،‬وأمام هذا املأزق األمين يقوم صانع القرار‬
‫بتعزيز أمن وقوة الدولة يف مواجهة الدول اليت تعتنق الواقعية اهلجومية وهذا السلوك ما يسمى‬
‫ابلواقعية الدفاعية‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬

‫واعتنــاق هــاتني السياســتني يــدخل األمــن الق ــومي يف لعب ــة صــفرية‪ ،‬ألن إمنــاء وتعزيــز‬
‫األمن القومي لدولة معينة سيؤدي إىل هتديد األمن القومي لدولة أو دول أخرى‪.‬‬
‫أما ابلنسبة ملوضوع توازن القوة فقد حاول "ستفني والت" إدخال مصطلح جديد‬
‫هو توازن التهديد ‪ The Balence of Threat‬حيث تسعى الدول إىل تعزيز قوهتا‪ ،‬ألن‬
‫القوة ال تكفي وحدها للمساس ابألمن وإمنا هناك معايري أساسية ميكن أن تساعد على‬
‫معرفة الدول اليت هتدد أمن الدولة‪ ،‬كالقدرات والنوااي اهلجومية والقرب اجلغرايف‪ )56(.‬ونتيجة‬
‫لوجود قوى مهيمنة على الساحة الدولية تلجأ الدول الضعيفة إىل إسرتاجتية املسايرة‬
‫‪ Bandwagoning‬لتحقيق مصاحلها وتفادي األخطار احملدقة أبمنها القومي‪.‬‬
‫‪ .III‬الواقعية الكالسيكية اجلديدة ‪:Neoclassical Realism‬‬
‫هي طرح توفيقي بني الواقعية الكالسيكية والواقعية اجلديدة وأول من جاء هبذا املصطلح‬
‫هو "غيدين روز"‪ Gideon Rose‬يف مقالة عنواهنا "الواقعية الكالسيكية اجلديدة ونظرايت‬
‫(‪)57‬‬
‫السياسة اخلارجية"‪.‬‬
‫ومن أبرز مفكري هذا الطرح جند "راندلشويلر"‪ RandelShweller‬الذي طرح مصطلح‬
‫توازن املصاحل ‪ Balance of Interest‬كبديل للتوازن على أساس القوة أو التهديد‪ ،‬إذ ميكن‬
‫(‪)58‬‬
‫للدولة أن تدخل يف التحالف مبجرد وجود منفعة وليس بسبب وجود قوة هتدد الدولة‪.‬‬
‫ورغم التطورات الفكرية اليت عرفتها املدرسة الواقعية يف العالقات الدولية(واقعية‬
‫كالسيكية‪ ،‬واقعية جديدة‪ ،‬واقعية كالسيكية جديدة) والتوجهات اليت اتبعتها (واقعية‬
‫دفاعية‪ ،‬واقعية هجومية) فإن هناك توافق غلى أن الدولة هي الفاعل األساسي يف العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬وأن املصلحة هي احملرك األساسي لسلوك الدول وتؤدي القوة العسكرية دورا حموراي‬
‫يف حتقيقها‪ ،‬ويف تقييمنا للمدرسة الواقعية نشري إىل تعرضها للعديد من االنتقادات خاصة يف‬
‫إشكالية التحديد الدقيق للمفاهيم املعتمدة كمفهوم املصلحة الوطنية ومفهوم القوة‪ ،‬إذ أن‬
‫هذه املفاهيم تتغري من دولة ألخرى ومن فرتة زمنية ألخرى‪ ،‬إضافة إىل اختزال ظاهرة‬
‫العالقات الدولية يف اإلطار الدواليت‪.‬‬
‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬ ‫‪64‬‬

‫ويرى الدكتور وليد عبد احلي أن النظرية التجزيئية ‪ Reductionism‬اليت اعتمدت‬


‫عليها نظرايت العالقات الدولية مبا يف ذلك الواقعية‪ ،‬ترتاجع لصاحل النظرية الكلية‬
‫)‪ (Holism‬على املستويني املنهجي واملوضوعي نتيجة التطورات العلمية احلديثة يف شىت‬
‫اجملاالت‪ )59( .‬ورغم كل ذلك تبقى الواقعية من أكثر املدارس قوة يف العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪ -40‬جنــديل عبــد الناصــر‪ ،‬التنظــري يف العالقــات الدوليــة بــني االتاهــات التفس ـريية والنظــرايت التكوينيــة (اجلزائــر‪ :‬دار‬
‫اخللدونية‪ ،‬ط‪ ،)2007 ،1.‬ص‪.133 .‬‬
‫‪ -41‬جيمس دوريت وروبرت ابلستغراف‪ ،‬النظرايت املتضاربة يف العالقـات الدوليـة‪ ،‬تـر‪ :‬وليـد عبـد احلـي (األردن‪ ،‬عمـان‪:‬‬
‫كاظمة للنشر والتوزيع‪ ، )1985 ،‬ص ص‪.60 ،59.‬‬
‫‪ -42‬عــامر مص ــباح‪ ،‬االتاه ــات النظري ــة يف لي ــل العالق ــات الدولي ــة (اجلزائــر‪ :‬دي ـوان املطبوع ــات اجلامعي ــة‪،)2006 ،‬‬
‫ص‪.‬ص‪.124-121 .‬‬
‫‪Dario Battistella, Théories des Relation Internationales (Paris: Presses -43‬‬
‫‪de sciences politique, 2003), p. 114.‬‬
‫‪Alex Macleod Et Dan O'meara, Théories des Relations‬‬ ‫‪-44‬‬

‫‪Internationales: Contestation et Résistances (Québec; Athéna Edition,‬‬


‫‪2.ed, 2004), p. 38.‬‬
‫‪ -45‬دوريت و ابلستغراف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.66-63 .‬‬
‫‪ -46‬مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.153 .‬‬
‫‪Macleod et O'meora, op.cit., p. 47.-47‬‬
‫‪ -48‬دوريت و ابلستغراف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪. 72،71 .‬‬
‫‪49-‬‬‫‪Charles Philippe David et Jean Jaques Roche, Théories de la Sécurité‬‬
‫‪(paris: éd. Montchrestien,2002 ), p. 47.‬‬
‫‪ -50‬عبـ ــد النـ ــور بـ ــن عنـ ــرت‪ ،‬تطـ ــور مفهـ ــوم األمـ ــن يف العالقـ ــات الدوليـ ــة‪،‬السياسـ ــة الدوليـ ــة‪ ،‬م ‪ ،40‬ع‪( 160 .‬أفريـ ــل‬
‫‪ ،،)2005‬ص ص‪.63-56 .‬‬
‫‪ -51‬مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.186،185‬‬
‫‪52-‬‬ ‫‪Macleod et O'meara, op. Cit., p. 49.‬‬
‫مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.231 .‬‬ ‫‪-53‬‬

‫‪54-‬‬ ‫‪Philippe David et Roche, op. cit., p. 92.‬‬


‫‪65‬‬ ‫مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ -‬مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية (العدد الثاني ‪ -‬جوان ‪)2017‬‬

‫‪55-‬‬‫‪Philippe David et Roche, op. cit., p. 93.‬‬


‫‪56-Batistella,‬‬
‫‪op. cit., p. 136.‬‬
‫‪57- Gideon Rose, Neoclassical Realism and Theories of Foreign Policy,‬‬

‫‪World Politics, vol. S1, n.1 (octobre 1998), pp. 72-144.‬‬


‫‪58-Loc. cit.‬‬

‫‪-59‬وليـ ــد عبـ ــد احلـ ــي‪ ،‬ـ ــول املسـ ــلمات يف نظـ ــرايت العالقـ ــات الدوليـ ــة (اجلزائـ ــر‪ :‬مؤسسـ ــة الشـ ــروق لإلعـ ــالم والنشـ ــر‪،‬‬
‫ط‪ ،)1،1994.‬ص ص‪.14-12 .‬‬

You might also like