You are on page 1of 10

‫‪ 

‬من تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين الفارابي من خالل كتابيه‪”  ‬‬
‫آراء أهل المدينة الفاضلة ” و” السياسة المدنية”‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد العزيز غوردو‬ ‫‪‬‬
‫أستاذ تاريخ اإلسالم والحضارة‬ ‫‪‬‬
‫المركز التربوي الجهوي‬ ‫‪‬‬
‫وجدة – المملكة المغربية‬ ‫‪‬‬

‫ملخص‬

‫تتناول هذه الدراسة الفكر السياسي عند ” المعلم الثاني ” الفارابي (‪339-260‬ه‪950-874/‬م)) من خالل كتابيه‪ ” :‬أراء أهل‬
‫المدينة الفاضلة “‪ ،‬و”السياسة المدينة “‪ ،‬وذلك من خالل مبحثين رئيسين هما‪ :‬األول‪ ،‬الشروط الذاتية والموضوعية المؤسسة‬
‫لفكر الفارابي‪ ،‬فقد تأسس الفكر السياسي للفارابي‪ ،‬على شروط ذاتية ارتبطت به وبالمحيط الثقافي الذي أثر فيه مباشرة (مطلب‬
‫أول)؛ وعلى شروط موضوعية سياسية وفكرية – سياسية‪ ،‬دفعته لتأمل واقعه والتفكر فيه‪ ،‬بغية اقتراح فكر يغنيه أو يتجاوزه‬
‫(مطلب ثان)‪.‬‬

‫أما المبحث الثاني‪ ،‬المدينة الفاضلة‪ :‬بين الحكمة والنبوة‪ ،‬فسيعرض المدنية الفاضلة ومضاداتها‪ ،‬ثم مسألة العالقة بين الحكمة‬
‫والنبوة‪ ،‬والمفاضلة بيتهما‪.‬‬

‫مقدمه‬

‫‪(،‬الفكر السياسي عند الفارابي من خالل كتابيه‪ ”.. .‬هو العنوان الذي يمكن اقتراحه‪ ،‬في هذه المقدمة‪ ،‬ليعبر عن صيغة العنوان‬
‫األصلي بطريقة مباشرة‪ ،‬وشارحة له‪ ،‬بما أن الحديث يجرر هنا عن نموذج من نماذج الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬وليس كل‬
‫هذا الفكر؟ وبحيث يمكن أن يسمح لنا هذا االقتراح بفتح زاوية أخرى لقراءة الموضوع‪ ،‬وفهم اإلطار النظري الذي صاغ فيه‬
‫الفارابي فكره السياسي‪ ،‬ويسمح لنا‪ ،‬بالتالي‪ ،‬بموقعة المفهومين المركزيين في فكر المعلم الثاني (أي النبي والفيلسوف) ضمن‬
‫هذه المنظومة الفكرية‪ ،‬أي ضمن إلضافات األخرى المقاربة لموضوع السياسة والمندرجة ضمن فكره‪.‬‬

‫والحديث عن الفكر السياسي لدى هذا الفيلسوف يستلزم ابتداء تحديد الشروط التاريخية التي أفرزته‪ ،‬أي إبراز المؤثرات‬

‫السياسية والفكرية والثقافية‪ .. .‬التي ساهمت في تشكيل شخصية الفارابي من جهة‪ ،‬ونحتت الحياة الواقعية التي عاش فيها من‬
‫جهة ثانية‪ .‬أما فكره السياسي فيستدعي استحضار مقدمات هذا الفكر عند علماء الكالم‪ ،‬ثم إلضافات التي أدخلها الفارابي على‬
‫هذا الفكر‪ ،‬باعتباره واحدا من أعمدته‪ ،‬إن لم يكن أهمها؟ وإذ نستحضر هذه إلضافات نستحضر باالستتباع مسألة النبوة‬
‫والحكمة‪ ،‬في عالقتها بالمدينة الفاضلة‪ ،‬لنتساءل في أفق ذلك‪ :‬لماذا اشتغل الفارابي على مسألة النبوة والحكمة؟ هل كان ذلك‬
‫استجابة لقناعة دينية تروم الدفاع عن النقل باعتماد العقل كما فعل علماء الكالم من قبل؟ أم كان يتوسل حال للمعضلة السياسة‪،‬‬
‫بما يقي المدينة – الدولة (أو ربما الخالفة ) مخاطر التمزق واالنكسار‪ ،‬ويصل بالتالي إلى رسم حدود فاصلة بين ما ينفع الناس‬
‫وبين ما يضرهم في حياتهم العملية؟‬

‫إن لغة الفارابي الفلسفية المكثفة‪ ،‬ومنظومته الفكرية المعقدة‪ ،‬وعدم حسمه في بعض القضايا التي أثارها‪ ،‬عرضا أو غرضا‪،‬‬
‫كلها أمور تضاعف من صعوبة البحث‪ ،‬عن نظرية صافية في السياسة‪ ،‬بسبب كونها ظلت مرتهنة باألسئلة الدينية؛ بل لعل‬
‫محاولة الفارابي صياغة أجوبة توفيقية بين العقل والنقل‪ ،‬أو الشريعة والحكمة‪ -‬كما هو شأن علم الكالم والفلسفة إلسالمية‬
‫عموما – هوما قيد فكره بالضبط لطرح نظرية واضحة في الشأن السياسي الصرف أو الخالص‪.‬‬

‫لذلك فإننا حاولنا‪ ،‬جهد إلمكان‪ ،‬توظيف ما وفره لنا كتاباه المؤثثان للموضوع “راء أهل المدينة الفاضلة؟ السياسة المدنية)‪،‬‬
‫وبعض الكتابات الموازية إلنتاجه الفكري‪ ،‬للخروج بروية تقريبية تشتق فكره السياسي من فكره الديني‪ ،‬علما بأننا نزعم في هذا‬
‫المقام بأن فكر الفارابي حمال معان‪ ،‬مما جعل‪ ،‬ويجعل‪ ،‬قراءته دائما منفتحة على اكثر من تأويل‪ ،‬وهذا كله ال يزيد البحث‪ ،‬في‬
‫فكره وفي الفكر السياسي إلسالمي عموما‪ ،‬إال إثراء وتنوعا‪ ،‬على المستوين الكمي والنوعي؟ خاصة عندما تحضر قناعة دفينة‬
‫بأن ” الكلمة األخيرة ” في الموضوع ما تزال بعيدة المنال‪ .‬ولتنزيل هذه المعطيات اقترحنا صياغتها عبر تصميم تألف من‬
‫مبحثين‪ ،‬تناسلت متهما مطالب وفروع‪ ،‬أو حتى فقرات إن اقتضى الحال‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الشروط الذاتية والموضوعية المؤسسة لفكر الفارابي‬


‫تأسس الفكر السياسي للفارابي‪ ،‬على شروط ذاتية ارتبطت به وبالمحيط الثقافي الذي أثر فيه مباشرة (مطلب أول)؟ وعلى‬
‫شروط موضوعية سياسية وفكرية – سياسية‪ ،‬دفعته لتأمل واقعه والتفكر فيه‪ ،‬بغية اقتراح فكر يغنيه أو يتجاوزه (مطلب ثان)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ظروف النشأة والبيئة الثقافية‬


‫يتناول الفر! األول‪ ،‬من هذا المطلب‪ ،‬نبذة موجزة عن سيرة الفارابي‪ ،‬بينما يعالج الفر! الثاني تأثير الترجمة في فكره السياسي‪،‬‬
‫من خالل حركة تبادل األفكار‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬سيرة ذاتية‬

‫محمد الفارابي الملقب بأبي نصر‪ -‬رغم أن المشهور أنه لم يتزوج ولم يخلف عقبا – كما يلقب بالمعلم الثاني‪ ،‬بعد المعلم األول‬
‫‪/‬أرسطو‪ ،‬نظرا ألنه اكبر شارح لفكره‪ ،‬وكذا بسبب مكانته المتميزة في مجال الفلسفة‪ )1( .‬أما الفارابي فنسبة إلى مسقط رأسه‬
‫مدينة فاراب‪ ،‬أو باراب‪ ،‬من بالد تركستان‪ )2( ،‬فهو إذن تركي األصل‪ ،‬والراجح أنه ولد سنة ‪ 259‬هـ‪ 873 – 872/‬م‪،‬‬
‫وتوفي سنة ‪ 339‬هـ‪ 901 -950/‬م‪)3(.‬‬

‫درس في بداية حياته‪ ،‬بمدينته فاراب‪ ،‬مختلف أصناف العلوم واآلداب والفلسفة والفنون‪ ،‬وأتقن عدة لغات متها التركية والعربية‬
‫والفارسية واليونانية‪ .. .‬قبل أن يلتحق سنة ‪ 310‬هـ بالعراق ليعمق معارفه في الطب (على يد يوحنا بن حيالن المسيحي)‬
‫والمنطق (على يد أبي بشر متى بن يونس المسيحي أيضا) والعلوم اللسانية (على يد ابن سراج )‪ ،‬مما يسمح لنا بالتساؤل حول‬
‫المؤثرات المسيحية في فكره الحقا؟ وفي سنة ‪ 330‬ه ـرحل مرة أخرى إلى بالد الشام‪ ،‬وبالذات إلى بالط سيف الدولة‬
‫الحمداني‪ ،‬بحلب‪ ،‬فمكث بها ثمان سنوات‪ ،‬قبل أن يرحل إلى مصر سنة ‪ 338‬هـ‪ ،‬ومتها يعود إلى بالد الشام‪ ،‬حيث توفي ودفن‬
‫بدمشق سنة ‪ 339‬هـ‪.‬‬

‫تجري الرواية بأن الفارابي عاش زاهدا متقشفا حصورا‪ ،‬رغم إلغراءات التي أحاطت به‪ ،‬مكتفيا عن قناعة منه بالقليل‪ ،‬لذلك لم‬
‫يخلف متاعا ماديا يذكر‪ ،‬لكن مخلفاته العلمية والفكرية كانت غزيرة جدا‪ )4(:‬فهل كان لحياته الصوفية انعكاس على إنتاجه‬
‫الفكري‪ ،‬خاصة في قضية الفيض والتماهي مع الموجود األول؟ أبدع الفارابي في مجال الفلسفة والفكر والسياسة والطب‬
‫والموسيقي (‪ )5‬والشعر واللغات حتى إن بعض الروايات تحصي أنه أتقن سبعين لغة!؟ وخلف كتبا عديدة لم يصل إلينا متها‪،‬‬
‫مع األسف‪ ،‬إال حوالي أربعين؛(‪ )6‬من بيتها كتابا‪ ” :‬السياسة المدنية ” المعروف أيضا ب”مبادى الموجودات “؛ وكتاب ” أراء‬
‫أهل المدينة الفاضلة “‪ ،‬اللذان يشكالن أرضية هذا الموضوع‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حركة تداول األفكار الجديدة‬

‫امتصت الفتوحات في صدر إلسالم والعصر األموي الجزء األكبر من نشاط العرب والمسلمين‪ ،‬لكن بعد أن هدأت عمليات‬
‫الفتح الكبرى انصرف الخلفاء والوالة إلى تنظيم النشاط الفكري والثقافي‪ ،‬وهو نشاط بدأ مبكرا لكنه لم يأخذ مالمحه العريضة‬
‫إال زمن العباسيين متكئا على أساسين‪ :‬إلسالم دينا والعربية لغة؛ األول رسم مضمون الثقافة والثاني حدد وعاءها الحاضن‪ ،‬أي‬
‫التعريب‪.‬‬

‫والواقع أن عملية التعريب التي جرت كانت كبيرة وشاملة‪ ،‬ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين الحد الفاصل بيتهما هو زمن المأمون‪،‬‬
‫(‪ )7‬أما مكانها فغير محدد (في جنديسابور وحران وإلسكندرية وغيرها…) !ان لعب بيت الحكمة الدور األبرز فيها‪ ،‬وهو ‪-‬بيت‬
‫الحكمة – عبارة عن مكتبة أنشئت نواتها األولى زمن المنصور واتسعت زمن الرشيد وأصبحت في عهد المأمون أعظم مركز‬
‫ثقافي في الدولة العربية‪ ،‬حيث تخصصت فيها قاعات للترجمة يقوم عليها مترجمون يتقاضون جراياتهم من الدولة‪ .‬ومن أشهر‬
‫المترجمين في التاريخ إلسالمي – إلى غاية الفارابي – ابن المقفع الفارسي‪ ،‬وجرجيس بن بختيشوع‪ ،‬ويوحنا بن ماسويه‪،‬‬
‫والحجاج بن مطر‪ ،‬وال حنين بن إسحاق‪ ،‬وال ثابت بن قرة وقسط بن لوقا (وهؤالء جميعا من السريان )(‪ )8‬وآل نوبخت من‬
‫الفرس‪.. .‬‬

‫أما الكتب التي ترجمت فكثيرة‪ ،‬يهمنا متها في المجاالت المقاربة للسياسة‪“ :‬تاريخ ملوك الفرس ” و”التاج في سيرة أنو شروان ”‬
‫اللذان ترجمهما ابن المقفع (ت‪ 142 .‬هـ) عن التراث الفارسي‪ ،‬وهو أيضا من ترجم “كليلة ودمنة ” عن التراث الهندي (مرورا‬
‫بالفارسية )؛ أما يوحنا بن البطريق (ت‪ .‬بين ‪ 182‬ه و‪ 19.‬هـ؟)(‪ )9‬فقد ترجم عددا من كتب إلغريق يهمنا متها على وجه‬
‫الخصوص كتاب “سر األسرار” المعروف أيضا ب”السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة ” ألرسطو‪ ،‬والذي أثر مباشرة في‬
‫الفارابي‪ ،‬من خالل مبحثه الخاص بالمدينة‪ )10( ،‬عبر مقولة العقل الفعال ؛ كما أثر فيه كتاب ” الجمهورية ” ألفالطون والذي‬
‫ترجمه حنين بن إسحاق (ت‪ 26 ..‬هـ)‪ )11(،‬من خالل البحث عن السعادة عن طريق الفضيلة والحكمة‪ ،‬لبناء المدينة الفاضلة‪،‬‬
‫كما تأثر الفارابي بالمقوالت اليونانية التي أدخلها الكندي (ت‪ 256 .‬هـ)‪ ،‬وحاول من خاللها التوفيق بين الفلسفة والشريعة‪،‬‬
‫بقوله إن النبوة والفلسفة طريقتان مختلفتان للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬ومعروف أن الكندي (‪ )12‬نفسه اشتغل مترجما في بيت‬
‫الحكمة زمن المأمون‪ ،‬لكنه لم يشتهر بنظرية في السياسة بقدر ما اشتهر في الطب والموسيقى والفلسفة عموما‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الفارابي في زمنه السياسي والفكر‪ -‬سياسي‬


‫عاش الفارابي في زمن انعطفت فيه الدولة نحو الضعف وتفسخت فيه الخالفة‪ ،‬وهذا ما سيعالجه الفرع األول‪،‬‬
‫وكان الزمن السياسي في الواقع يعكس ما وصل إليه علم الكالم من تجاذبات حول نظرية الخالفة ‪/‬إلمامة‪،‬‬
‫والسياسة عموما (فع ثان)‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬‬

‫منعطف القرن ‪ 4‬هـ‪ 10/‬م وبداية تفسخ الخالفة الواحدة بعد حوالي قرن ونصف من نشأته راح الحكم العباسي يترنح ليغوص‬
‫في طور طويل من االضمحالل السياسي‪ :‬إذ مباشرة بعد وفاة المتوكل (‪ 247‬هـ‪ 861/‬م)‪ ” ،‬المدافع الشرس عن السنية “(‪)13‬‬
‫تولى الخالفة المعتمد‪ ،‬وكان شقيقه الموفق هو الحاكم الفعلي‪ ،‬ثم تولى بعده المعتضد (‪ 279‬هـ‪ 892/‬م – ‪ 289‬هـ‪ 902/‬م)‪،‬‬
‫الذي تميزت فترة حكمه بكثرة استعمال العنف وسفك الدماء؟ أما األسماء التي تعاقبت بعد ذلك على المشهد السياسي العباسي‬
‫فكانت أقل بريقا‪ ،‬رغم مهارة بعضها من الناحية السياسية (القاهر‪ 32 .‬هـ‪ 932/‬م – ‪ 322‬هـ‪ 934/‬م؛ والراضي ‪ 322‬هـ‪/‬‬
‫‪934‬م – ‪329‬هـ‪ 940/‬م)؛ والمتابعة المجهرية للوقائع تبين ” أن هؤالء الخلفاء الخالسيين‪ ،‬أبناء األجنبيات والجواري‪ ،‬قد‬
‫جاؤوا إلى الحياة صدفة عن طريق عواطف األمراء… وجاؤوا إلى الحكم عن طريق المؤامرات‪)14(”.. .‬‬

‫في الواقع كان كل شيء يجري كما لو أنه يعصف بالخالفة الواحدة ‪/‬الموحدة لكل األمة‪ ،‬فالحاكم العباسي الذي ظل حاضرا في‬
‫الوجدان الجمعي كزعيم لألمة زمنيا وذهنيا‪ ،‬ووارث لخالفة النبوة‪ ،‬كانت قد انفلتت عنه‪ ،‬عمليا‪ ،‬مناطق شاسعة‪ :‬فاألمويون الذين‬
‫سقطوا في الشرق أعادوا بناء دولتهم في األندلس‪ ،‬وباقي بالد المغرب إلسالمي كانت تتقاسمها إمارات األدارسة والمدراريين‬
‫وبني رستم واألغالبة وبني قرة… أما الزيديون فأقاموا دولتهم في طبرستان‪ ،‬جنوب بحر قزوين‪ .. .‬وهذا الوضع سينتهي‬
‫بتفجير الخالفة إلسالمية منتصف القرن الرابع الهجري إلى ثالث خالفات (بغداد؛ القاهرة ؛ قرطبة)‪.‬‬

‫فزمن الفارابي إذن كان الممهد القريب‪ ،‬عبر “إلمارات المنفية “( ‪ ) 15‬هنا وهناك (‪ )16‬لتفجير الخالفة‪ ،‬حيث لن تستقيم بعد‬
‫ذلك أبدا خالفة واحدة لكل العالم إلسالمي كما كان األمر زمن الخالفة الراشدة وأمويي الشرق؟ بل سيتأكد الصراع الدموي‬
‫العنيف‪ ،‬والمهلك‪ ،‬لهذه إلمارات فيما بيتها‪ ،‬والتي كانت تستند كلها إلقامة شرعيتها على أساس ديني‪ ،‬عبر الدعاية والدعاية‬
‫المضادة الهادفة إلى إبراز أحقية كل إمارة في الحكم‪ ،‬وبالمقابل فساد دعوى إلمارات المناوئة‪ ،‬دون أن يسلم من ذلك حتى‬
‫إلمارات التي جسدت من الناحية النظرية عقيدة واحدة (انقسام الشيعة وصراعهم فيما بيتهم ؛ انقسام الخوارج وصراعهم أيضا‬
‫فيما بيتهم الخ…)؛ وهذه الدعاية السياسية المبررة للشرعية‪ ،‬هي التي تكفلت كتب السياسة الشرعية واآلداب السلطانية‪ ،‬والفكر‬
‫السياسي عموما‪ ،‬بتنزيلها إلى أرض الواقع‪ ،‬من خالل المناظرات والسجاالت المباشرة‪ ،‬في المساجد والمدارس واألسواق‪ ،‬وما‬
‫احتفظت به المدونات أيضا؛ وقد أحصى الدكتور نصر محمد عارف أزيد من ‪ 300‬كتاب‪ ،‬بين مطبوع ومخطوط‪ ،‬في السياسة‬
‫الشرعية (أو الفكر السياسي كما عرفه المسلمون)‪ )17( ،‬طبع متها أزيد من ‪ 100‬كتاب ؛ علما بأن الرقم قد يكون أكبر‪ ،‬وأن‬
‫احتمال ضياع قسم متها يبقي واردا‪)18 (.‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬مقدمات الفكر السياسي عند المسلمين إلى غاية مجيء الفارابي‬

‫عندما كان الفارابي بصدد تأليف كتابه ” أراء أهل المدينة الفاضلة ” (‪ 331‬هـ‪ 337 -‬هـ) كانت حركة تداول األفكار الجديدة في‬
‫ظل الخالفة إلسالمية قد اكتملت حلقاتها منذ مدة طويلة‪ ،‬وأصبحت بالتالي أمهات الكتب إلغريقية والهندية والفارسية‬
‫والرومانية‪ .. .‬قد وجدت طريقها إلى اللغة العربية‪ ،‬ناشرة أفكارها (الجدل والمنطق والفلسفة والعلوم والحركات الغنوصية‬
‫والشعوبية والروح المسيحية…) بين من تداولها من مثقفي الفترة وعوامها‪ ،‬من المسلمين‪ ،‬الذين استفادوا من أساليب البحث‬
‫الجديدة للدفاع عن إليمان !اظهاره‪“ ،‬فتكونت نظرية علم الكالم ابتداء من القرآن وقراءته المقننة‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والحديث‪ .. .‬ليصبح‬
‫هذا العلم عقالنيا مع المعتزلة‪ .‬وقد استخدم هذا العلم للدفاع عن إلسالم بنفس الوسائل المستخدمة في اليونان‪ ،‬والتي كانت تهتم‬
‫بالبحث في العقائد وتربط بين إليمان ومتطلبات البحث‪)19(”.… .‬‬

‫عمليا إذن‪ ،‬كان كل شيء قد جرى على أرض الواقع‪ ،‬قبل مولد الفارابي بزمن‪ ،‬سواء عبر الوقائع واألحداث التاريخية‪ ،‬أو عبر‬
‫المطارحات العقدية والفكرية التي تجد جذورها دائما في الدين‪ ،‬بحيث يستحيل أن نجد طائفة أو فرقة أو تيارا كالميا أو سياسيا‬
‫إال وخرج من مظلة العقيدة والشر!‪ ،‬أي الدين‪ )20( .‬لكن ليس الدين في عالقته بما هو فوق بشرر‪ ،‬أي الوحي والنبوة‪ ،‬وانما‬
‫الدين الذي أريد له أن يكون سياسيا؟ وذلك بالبحث في أصل مشكلة إلسالم األول التي لم تزدد مع مرور األيام إال تفاقما‪ ،‬وهي‬
‫مشكلة الخالفة ‪/‬إلمامة‪ .‬وهذا يعني أن ننظر إلى الفكر السياسي إلسالمي على أنه تراث ممتد من التراكم والتواصل‪ ،‬المستند إلى‬
‫” النقل ” (القرآن والسنة) و”الوجود” (التاريخ والواقع)‪ )21(0‬ففي القرون الثالثة األولى التي تلت الهجرة‪ ،‬أي زمن الفارابي‬
‫وما قبله‪ ،‬كان قد تم تقعيد كل شيء يهذا الخصوص‪ ،‬فمالمح الفكر السياسي إلسالمي كانت قد تشكلت فعال‪ ،‬بعد أن كانت الفرق‬
‫والتيارات قد سبقتها في التشكل طبعا‪ .‬وهكذا سيظهر التياران الكبيران األوالن‪ :‬أهل السنة والجماعة في مقابل الشيعة‪ ،‬األول‬
‫أرجع مسألة الخالفة إلى أمور الدنيا‪ ،‬واعتبرها من الفروع‪ ،‬أما الثاني فردها إلى أمور العقيدة نافيا أن تكون من األمور التي‬
‫يجري فيها التفويض لألمة‪ ،‬ألنها ركن من أركان الدين‪ ،‬وال يجوز لنبي إغفاله ؛ (‪ )22‬وعن هذين التيارين الكبيرين انبجست‬
‫تيارات أخرى كثيرة عدت المصادر متها اكثر من ‪ 70‬فرقة ؛(‪ )23‬وبما أن موضوعنا ليس البحث في االختالفات العقدية بل‬
‫السياسية‪ ،‬رغم أن المسألتين تتداخالن في أغلب األحيان‪ ،‬فإننا سنركز على أهم إلضافات في مجال الفكر السياسي لدى أهم هذه‬
‫الفرق‪ ،‬مركزين في بحثنا على نظرية الخالفة عند المتكلمين‪:‬‬
‫الخوارج‪ :‬كانوا في األصل أتباعا لعلى بن أبي طالب إال أنهم انشقوا عليه بسبب قضية التحكيم (‪ 36‬هـ)‪ ،‬فكفروه بسبب ذلك‪،‬‬
‫كما كفروا معاوية ؛ ويرى فان فلوتن بأنهم يمثلون الديمقراطية إلسالمية‪ ،‬في توجهها الجمهوري‪ ،‬إذ كانوا يرون أن الخالفة حق‬
‫لكل مسلم ما دام كفؤا‪ ،‬ال فرق في ذلك بين قرشي وغير قرشي‪ ،‬وأنه إذا اختير فال يصح له أن يعزل عتها‪ ،‬وإذا جار استحلوا‬
‫عزله أو قتله‪ )24( .‬إال أن هذا القول تناقضه المتابعة التاريخية لإلمارات الخارجية نفسها (نموذج الرستميين والمدراريين في‬
‫بالد المغرب )‪ ،‬وقد انقسموا إلى فرق عديدة متها‪ :‬األزارقة والنجدية وإلباضية والصفرية‪.‬‬

‫الشيعة‪ :‬ظهرت مالمح التشيع كل البيت أثناء الصراع الذي دار في سقيفة بني ساعدة (‪11‬هـ)‪ ،‬حيث رأى بعض الصحابة (متهم‬
‫أبو سفيان وطلحة والعباس وخالد بن سعيد بن العاص‪ ).. .‬أن عليا أحق بالخالفة من أبي بكر‪ )25(،‬لكن تأجل بروز التشيع‬
‫كتيار سياسي إلى غاية المرحلة الثانية من خالفة عثمان‪ ،‬وبالذات مع ابن سبأ الذي استقر بمصر وبدأ بنشر تعاليم التشيع األولى‬
‫(مبدأ الرجعة )‪ ،‬أما المحطة الحاسمة في تاريخ التشيع في وقعة كربالء (‪ 61‬هـ) التي وحدت الوجدان الشيعي ووجهته صراحة‬
‫نحو أل البيت‪ ،‬الذين سينقسمون الحقا إلى علويين وعباسيين (خالل النصف الثاني من ق‪ 2.‬هـ)؛ وهم يرون بأن إلمامة ركن‬
‫من أركان الدين‪ ،‬ويجب أن تتوارث داخل ذرية على وفاطمة‪ .‬ومن فرقهم‪ :‬السبئية والكسائية والزيدية والرافضة‪)26(.. .‬‬

‫المعتزلة‪ )27( :‬فرقة أنشأها واصل بن عطاء الغزال (ت‪ 131 .‬هـ) ألسباب دينية (خالفه مع أستاذه الحسن البصري) قبل أن‬
‫تدخل معترك السجال السياسي‪ .‬وهي ترى أن األمة تختار خليفتها من ملة إلسالم اليس شرطا أن يكون قرشيا) من أهل العدالة‬
‫وإليمان (في تلتفي هنا مع أراء الزيدية‪ ،‬من الشيعة‪ ،‬وأراء جميع الخوارج‪ ،‬باستثناء النجدات ‪/‬الذين يرون بعدم وجوب‬
‫إلمامة )؛ ويتأكد لقاؤها مع الشيعة‪ ،‬خاصة الزيدية‪ ،‬في كثير من األمور حتى أشكلت الفرقتان على المؤرخين (زيد بن علي‬
‫تلميذ لواصل بن عطاء‪ ،‬الذي رباه محمد بن الحنفية )؛ كالقول بعقيدة إلمامة والمهدي المنتظر وتقديم على‪ ،‬إلى درجة أن‬
‫مصادرهم تجعله في الطبقة األولى من المعتزلة‪ ،‬كما أنهم بايعوا محمد النفس الزكية (أواخر عهد األمويين ؛ ووقفوا إلى جانب‬
‫العلويين ضد العباسيين )‪ )28(.‬وجب التنويه‪ ،‬أخيرا‪ ،‬إلى أن الدولة إلدريسية بالمغرب‪ ،‬من بين الدول التي أشكلت عقيدتها على‬
‫المؤرخين‪ ،‬إذ يحوم حولها شك فيما إذا كانت شيعية أم سنية أم معتزلية؛‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المدينة الفاضلة‪ :‬بين الحكمة والنبوة‬


‫يستدعي الحديث عن المدنية الفاضلة الحديث عن مضاداتها أيضا‪ ،‬وهذا ما سيعرضه المطلب األول‪ ،‬في حين سيعرض المطلب‬
‫الثاني لمسألة العالقة بين الحكمة والنبوة‪ ،‬والمفاضلة بيتهما‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المدينة الفاضلة ومضاداتها‬


‫للمدينة الفاضلة ورئيسها مواصفات وشروط (الفرع األول)؛ كما للمدن المضادة ورؤسائها مواصفات وشروط أيضا (الفرع‬
‫الثاني )‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القول في المدينة الفاضلة ورئيسها‬

‫تجد نظرية الفيض عند الفارابي تطبيقاتها العملية في الحياة االجتماعية – السياسية مباشرة‪ ،‬وهو ينطلق – في هذا المستوى من‬
‫التحليل – من مقولة يونانية قديمة مفادها ” أن إلنسان حيوان اجتماعي بطبعه “‪ )29(،‬وأن االجتماع كله يؤول في القصد إلى‬
‫االجتماع المدني‪ ” ،‬والجماعة المدنية هي جزء لألمة واألمة تنقسم مدنا… وقرى‪ )30(،”.. .‬‬

‫مع ما يمكن استحضاره هنا لما تحمله كلمة المدينة ‪ Polis‬من داللة في الفكر السياسي اليوناني‪ ،‬أي باعتبارها رديفا للدولة‪ ،‬من‬
‫بين مترادفات أخرى غيرها‪.‬‬

‫إن الطبيعة قد تكفلت بتوفير حاجيات إلنسان وكمالياته‪ ،‬لكن هناك ما ال يستطيع إلنسان أن يدركه إال بواسطة العقل الفعال‪ ،‬الذي‬
‫يستطيع‪ ،‬وحده‪ ،‬أن يمنح لإلنسان “قوة ومبدأ به يسعي أو به يقدر… وذلك المبدأ هو العلوم األول والمعقوالت األول‪”.. .‬؛( ‪)31‬‬
‫لكن ذلك ال يتحقق إال إذا تحققت إلرادة التي تنشد السعادة‪ ،‬وهذه السعادة ال تتحقق إال من داخل نظرية الفيض نفسها‪ ،‬أي أن‬
‫الفكر السياسي للفارابي هو محض صدى‪ ،‬أو ارتداد لنظرية الفيض‪ .‬من هنا فإن المقصد الحقيقي للمدينة الفاضلة هو البحث عن‬
‫سعادة األنفس بتأملها الحقائق األزلية في العقل الفعال ؛ في سعادة عقلية صرف (‪ ،)32‬اي تلك التي تتوحد فيها إرادة مجتمع‬
‫األفاضل على هدف واحد هو البحث عن السعادة الحقيقية‪ .‬إنها‪ ،‬أي السعادة‪ ،‬مرتبطة – حسب تصور الفارابي – بتركيبة النفس‬
‫إلنسانية‪ ،‬وهي تتحقق عندما تسيطر النفس العاقلة (وفضيلتها الحكمة ) على كل من النفس الغضبية (وفضيلتها الشجاعة )‬
‫والنفس الشهوانية (وفضيلتها العفة )‪ ،‬فيصل إلنسان إلى السعادة ؛ لكنه يحتاج لبلغ ذلك إلى قائد يدله سبيل الحق‪ ،‬ويهديه إليه‪،‬‬
‫وهذا القائد هو الرئيس‪.‬‬

‫نحن إذن في قلب التفكير السياسي للفارابي‪ ،‬بما أننا نبحث عن جوهر تحقق الرياسة‪ ،‬أو الحكم‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وشرعيته‪ .‬فالهدف‬
‫يتجسد في تحقيق خير المجتمع‪ ،‬والخير المطلق هو تحقيق سعادتهم‪ ،‬أما الشرعية فمستمدة من االتصال بالعقل الفعال‪ ،‬وذلك ال‬
‫يتحقق إال لنبي أو حكيم‪ ،‬ألنهما األجدر بالرياسة‪ ،‬ومكانتهما في المجتمع بمثابة القلب من الجسد‪ ،‬وال ينبي أن يعلو فوقهما رئيس‬
‫أخر‪ ،‬ألنهما مستغنيان عن ذلك‪ )33(.‬إن الرئيس الذي تتحقق فيه مواصفات ذاتية تجعله ينجح في االتصال بالعقل األول عن‬
‫طريق العقل الفعال‪ ،‬واالنتقال بالتالي من الحالة الهيوالنية إلى الحالة إللهية‪ )34(،‬تكون قد تحققت فيه تبعا لذلك صفات تجعل‬
‫منه القادر على حكم المدينة الفاضلة وتدبير شؤونها‪ )35(.‬لنصل في النهاية‬

‫إلى المعادلة التي يعرضها الفارابي على الفكر السياسي‪ ،‬والتي تتلخص في أنه إذا اكتمل كل ما ذكرناه (من‬
‫مجتمع األفاضل الذي يبحث عن السعادة الحقيقية بقيادة األنبياء أو الحكماء) فإننا نكون إذاك‪ ،‬وإذاك فقط‪ ،‬أمام‬
‫المدينة الفاضلة‪ ،‬أما ما يضادها من مدن فإن أهلها يطلبون أشياء مضادة‪ ،‬وبوسائل مضادة أيضا‪ ،‬فتكون نتائج‬
‫ذلك مضادة قطعا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مضادات المدينة الفاضلة‬

‫تضاد المدينة الفاضلة مدن غير فاضلة‪ ،‬أجملها الفارابي في أربعة أقسام كبيرة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المدينة الجاهلة التي لم يعرف أهلها السعادة الحقيقية‪ ،‬واعتقدوا أن غاية الحياة في سالمة البدن‪ ،‬واليسار‪ ،‬والتمتع‬ ‫‪‬‬
‫باللذات‪ ،‬واالنقياد إلى الشهوات‪ ،‬وأن يكون إلنسان مكرما معظما‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ثانيا‪ :‬المدينة الفاسقة التي عرف أهلها السعادة وهللا‪ ،‬ولكن جاءت أفعالهم أفعال أهل المدن الجاهلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ثالثا‪ :‬المدينة المبدلة وهي التي كانت أراء أهلها أراء المدينة الفاضلة ولكن تبدلت فيما بعد وأصبحت أراء فاسدة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫رابعا‪ :‬المدينة الضالة وهي التي يعتقد أهلها أراء فاسدة في هللا والعقل الفعال‪ ،‬ويكون رئيسها ممن أوهم أنه يوحى إليه‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وهو ليس كذلك‪)36( .‬‬

‫وعن هذه النماذج الكبرى تتفرع تفريعات أخرى عديدة كمدينة النذالة‪ ،‬ومدينة الخسة وغيرها من المدن‪ )37().. .‬وهي كلها‬
‫مدن جاهلية تقوم على اللذة والشهوة وقلة الكرامة والغلب بداعي الشهرة‪ ،‬حيث يكون الملك بالحسب أو اليسار فقط‪ ،‬وحيث‬
‫يعتمد الملك في تحصيل المال على الخراج أو الغزو‪ ،‬وال يتورع عن تنصيب ولده من بعده (‪ .…”)38‬ثم يختص هو بأشياء‬
‫دون غيره مما له بهاء وزينة وفخامة وجاللة‪ .. .‬وشارة ثم احتجاب عن الناس‪)39(“ .‬‬

‫إضافة لذلك هناك من يسميهم الفارابي بالنوابت و “منزلتهم فيها منزلة الشيلم في الحنطة أو الشوك فيما بين الزرع‪ .. .‬ثم‬
‫البهيميون بالطبع من الناس‪ .. .‬وبعضهم مثل البهائم… وهؤالء ينبي أن يجروا مجرى البهائم‪ :‬فمن كان متهم إنسيا وانتفع به في‬
‫شيء من المدن ترك واستعبد كما تستعمل البهيمة‪ .‬ومن كان متهم ال ينتفع به أو كان ضارا عمل به ما يعمل بسائر الحيوانات‬
‫الضارة‪ )40(“ .‬فهذه مدن جاهلية‪/‬ضالة‪/‬فاسقة… تكون فيها الرئاسة إما بقصد التمكن أو اليسار أو التمتع باللذات الخ… وهي‬
‫بالتالي بعيدة عن بلغ السعادة الحقيقية ؛(‪ )41‬والرئيس الفاضل عند أهلها “هو الذي يقتدر على جودة الروية وحسن االختيار فيما‬
‫ينيلهم شهواتهم وأهواءهم على اختالف تفننها… وأما الفاضل‪ ،‬الذي هو بالحقيقة فاضل‪ ،‬وهو الذي إذا رأسهم قدر أفعالهم‬
‫وسددها نحو السعادة فهم ال يرئسونه‪! .‬اذا اتفق أن رأسهم فهو بعد إما مخلوع وإما مقتول وإما مضطرب الرئاسة منازع فيها‪(”.‬‬
‫‪)42‬‬

‫وجب التنويه أخيرا؛ أنه لما كانت الفلسفة الفيضية‪ ،‬حسب الفارابي‪ ،‬هي وحدها الفلسفة الحقيقية‪ ،‬فقد تقرر بالتالي أنه لن ينال‬
‫السعادة إال من أدرك هذه الفلسفة وعمل بمقتضياتها‪ .‬أما أراء أهل المدن الجاهلة في بعيدة كل البعد عن هذه الفلسفة‪ ،‬لذلك فقد‬
‫فسد استداللهم على العدل المفضي إلى صالح الحكم‪ ،‬فأصبح قائما عندهم على قهر القوي للضعيف واستعباده‪ ،‬وتقسيم الغنائم‬
‫حسب مراتب المنتصرين (‪)43‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحكمة ‪ /‬الفلسفة والنبوة عند الفارابي‬


‫تحتل مسألة الحكمة والنبوة مكانة مركزية في فكر الفارابي السياسي‪ ،‬وقد ردهما إلى معين واحد رغم اختالف سبلهما (الفرع‬
‫األول )‪ ،‬مما يسمح باقتراح سؤال المفاضلة بيتهما‪ ،‬بناء على أرائه من جهة‪( ،‬الفرع ثاني )‪ ،‬ويسمح من جهة ثانية باقتراح‬
‫تقويم إجمالي للفكر السياسي عند المعلم الثاني (فع ثالث )‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬منهل واحد وسبيالن مختلفان‬

‫إن من يصل مرتبة االتصال بالعقل الفعال‪ ،‬وتتجلي أمامه الحقائق في أبى صورها‪ ،‬هو أحد اثنين‪ :‬إما أن يكون نبيا فيدركها عن‬
‫طريق المخيلة‪! ،‬اما أن يكون حكيما فيدركها بواسطة العقل‪ .‬أما المجال الذي تطلب فيه فهو مجال السياسة واألخالق‪ ،‬ألن‬
‫المقصد هو الخير المطلق أو السعادة‪ .‬تقترن النبوة – في منظومة الفارابي الفكرية – بالمخيلة‪ ،‬والمخيلة وسط بين الحواس‬
‫والعقل‪ ،‬وهي تابعة للحواس وتمد العقل بالشهوة‪ ،‬تتحرر أثناء النوم وتحاكي المحسوسات والمعقوالت واألمزجة‪ .. .‬لكتها‬
‫“تحاكي أيضا المعارف الصادرة عن العقل الفعال… إما في حالة النوم واما في حالة اليقظة‪ ،‬ولكن هذه الحالة األخيرة نادرة‪،‬‬
‫وال تحدث إال عند القليل من ذوي المخيلة القوية‪ .. .‬التي لديها من القوة ما يجعلها متحررة في‬
‫حالتي اليقظة والنوم‪ ،‬وحينئذ تعكس اآلراء التي يشرقها العقل الفعال‪ ،‬وهذا ضرب من النبوة‪ ،‬وهو أسى ما تبلغ إليه المخيلة‬
‫البشرية‪)44(“ .‬‬

‫فهناك الموجود األول ‪/‬هللا‪ ،‬ومنه يتقبل العقل الفعال الحقائق‪ ،‬ويليه العقل المستفاد‪ ،‬ثم العقل المنفعل‪ ،‬فالمخيلة‪ ،‬التي تلعب‬
‫وظائف متعددة كتمثل ما نرغب فيه أو ما نخاف منه‪ ،‬أو التنبؤ باألحداث‪ ،‬أو المحاكاة (‪ .. .( 45‬لهذا يمكن أن نفهم كيف أن‬
‫النبي هو بشير ونذير‪ ،‬يضرب األمثال ويروي القصص ويتنبأ بما قد يقع من أحداث‪ ،‬ويستعمل لغة رمزية مكثفة عصية على‬
‫غيره من الناس ؛ فإذا كان ذلك كذلك فهمنا لماذا ال يحصل هذا ألي إنسان‪ ،‬بل فقط لمن كانت مخيلته قوية‪ ،‬مما يعني أن النبوة‬
‫ال تفسر باالصطفاء‪ ،‬بل بكون النبي صاحب مخيلة قوية تمكنه من االتصال بالعقل الفعال الذي يفيض عنه الوحي‪ ،‬والوحي يهذا‬
‫المعنى يكمل الشطر الثاني من إلنسان ‪/‬النبي‪ ،‬أي به تنعقد‪ ،‬وتكتمل النبوة‪ ،‬لكن فقط لإلنسان الذي توافرت فيه الشروط المذكورة‬
‫أعاله‪ ،‬والنتيجة أن النبوة – حسب الفارابي – ليست أمرا خارقا ما دامت تفسر بالعقل‪.‬‬

‫يتلقى النبي إذن حقائقه عن طريق الوحي‪ ،‬وهو يرتبط بالعقل األول عبر وسيط هو العقل الفعال ” الذي ينبي أن يقال بأنه الروح‬
‫األمين وروح القدس‪ ،‬ويسمى بأشباه هذين من األسماء‪ ،‬ورتبته تسمى الملكوت وأشباه ذلك من األسماء…”‪ )46(،‬يقول‬
‫الفارابي‪ ،‬قبل أن يستدرك‪“ :‬لكن رتبته تحوز أيضا ما تخلص من الحيوان الناطق وفاز بالسعادة‪ )47(”.. .‬وهذا العقل مفارق‬
‫لإلنسان‪ ،‬موجود في فلك القمر‪ ،‬وهو الذي يضيء عقل إلنسان‪ ،‬الذي ينجح في االتصال به ‪ ،48‬وهذا ضرب من إلشراق‪.‬‬

‫وفي المقابل ال يدرك الفيلسوف الحقائق بواسطة الخيال وانما بواسطة العقل‪ ،‬عبر االتصال بالعقل الفعال‪،‬‬
‫فترتسم لديه‬

‫الحقائق المجردة عن طريق البراهين الموصلة إلى اليقين‪“ )49( ،‬فعندما تحصل هذه المعقوالت لإلنسان يحدث له بالطبع تأمل‪،‬‬
‫وروية‪ ،‬وذكر‪ ،‬وتشوق إلى االستنباط‪ ،‬ونزوع إلى بعض ما عقله أوال‪ ،‬وشوق إليه !الى بعض ما يستنبطه‪ ،‬أو كراهته‪ ،‬والنزوع‬
‫إلى ما أدركه بالجملة هو إلرادة‪ .‬فإن كان ذلك النزوع عن إحساس أو تخيل‪ ،‬سمي باالسم العام وهو إلرادة ؛ !ان كان ذلك عن‬
‫روية أو عن نطق في الجملة‪ ،‬سمي االختيار‪) 50(.…”.‬‬

‫هكذا قارن الفارابي بين حقائق النبوة وحقائق الحكمة ‪/‬الفلسفة‪ ،‬وبين أنها من مصدر واحد هو العقل الفعال‪ ،‬فبالعقل الفعال ‪1‬‬
‫اتصير األشياء التي هي معقولة بالقوة معقولة بالفعل‪ .‬وبه يصير إلنسان الذي هو عقل بالقوة عقال بالفعل‪.. .‬‬

‫ويصير إلهيا بعد أن كان هيوالنيا”؛(‪ )51‬لكن طرق تحصيل الحقائق مختلفة‪ ،‬وطبيعتها مختلفة أيضا‪ ،‬فالحقيقة الفلسفية عادة ما‬
‫توسوم بالتجريد‪ ،‬وتقوم على البرهان والحجة‪ ،‬أما الحقيقة النبوية فتعتمد لغة رمزية‪ ،‬تحاكي ما يفيض عليها من العقل الفعال‪،‬‬
‫فإذا أضفنا إلى هذا ما يمكن أن ينشأ عبر مقارنة العقل والخيال‪ ،‬أو النبوة والمنام‪ .. .‬اقتربنا من فهم‪ ،‬ورصد‪ ،‬انعكاس كل ذلك‬
‫على الوظيفة السياسية التي ينشغل بها‪ ،‬ويؤديها‪ ،‬النبي والفيلسوف‪.‬‬

‫إن المساواة النظرية بين الدين والفلسفة تجعلنا نخلص إلى سؤال مفصلي برأسين‪ ،‬لم يحسم فيهما الفارابي‪ ،‬أو باألحرى لم يكن‬
‫جوابه قطعيا فيهما‪ ،‬عند التنزيل العملي لما هو نظري لتطبيقه على ” المدينة”‪ :‬فهل تعتبر المدينة فاضلة إذا سارت على هدى‬
‫الفلسفة‪ ،‬أم هدى الدين ؛ سؤال يفضي بنا إلى سؤال أخر‪ ،‬لم يحسم فيه الفارابي أيضا‪! ،‬ان كان مثار نزاع شديد بين من تناولوا‬
‫فكره بالدراسة‪ ،‬هو سؤال األفضلية‪ :‬النبي أم الفيلسوف؟‬

‫سؤال نرجئ إلجابة عنه إلى الفرع الموالي‪ ،‬لكن قبل ذلك علينا أن ننبه إلى أن الرجلين معا (النبي والفيلسوف ) مؤهالن‪ ،‬من‬
‫دون غيرهما من الناس‪ ،‬لرئاسة المدينة الفاضلة‪ ،‬ألنه “ليس كل إنسان يفطر معدا لقبول المعقوالت األول‪ ،‬ألن أشخاص إلنسان‬
‫تحدث بالطبع على قوى متفاضلة‪ )52(،”.. .‬وبالتالي يحتاجون بالضرورة إلى معلم أو مرشد‪ ،‬يستغني عمن يرشده‪ ،‬وهذا ”‬
‫الرئيس األول‪ .. .‬هو الملك عند القدماء”(‪ )35‬والناس الذين “يدبرون برئاسة هذا الرئيس هم الفاضلون واألخيار والسعداء‪ .‬فإن‬
‫كانوا أمة فتلك هي األمة الفاضلة‪ .‬وإن كانوا أناسا مجتمعين في مسكن واحد كان ذلك المسكن الذي يجمع جميع من تحت هذه‬
‫الرئاسة هو المدينة الفاضلة‪ )54(“ .‬لكن قد يحصل أن يكونوا متفرقين برئاسات أخر لكتهم يظلوا أناسا أفاضل ؛ فإذا اجتمع‬
‫هؤالء ” الملوك في وقت واحد جماعة إما في مدينة واحدة أو أمة واحدة أو في أمم كثيرة فإن جماعتهم جميعا تكون كملك واحد‬
‫التفاق هممهم وأغراضهم‪ .. .‬وإذا توالوا األزمان واحدا بعد أخر‪ ،‬فإن نفوسهم تكون كنفس واحدة‪ ،‬ويكون الثاني على سيرة‬
‫األول والغابر على سيرة الماضي‪ )55(00“ .‬وقد يجوز ألحدهم أن يغير شريعة شرعها‪ ،‬كما يجوز لمن يلحقه أن يغير شريعة‬
‫سلفه إذا رأى األصلح في التغيير… فهل هذا التصور الفكر‪ -‬سياسي ناتج عن تأمل نظري‪ ،‬أم هو مجرد تبرير لما ال إليه وضع‬
‫الخالفة زمن الفارابي؟‬

‫الفرع الثاني‪ :‬سؤال األفضلية بين الني والحكيم‬

‫اختلف قراء نظرية المعرفة‪ ،‬ومتها السياسية‪ ،‬عند الفارابي بين مدع أن الفارابي يفضل النبوة وفريق أخر يرى أفضلية الفلسفة؛‬
‫وال يرجع سبب هذا االخالف إلى مجرد ضرب من التأمل الفكري النظري‪ ،‬بل الغاية منه السيطرة على الساحة الفكرية وبالتالي‬
‫السيطرة على سلطة التشريع‪ ،‬ومعلوم بأن السيطرة على التشريع هي أساس كل سلطة ؛ لكننا نعلم بأن هذه السلطة في الفهم‬
‫إلسالمي‪ ،‬النظري على األقل‪ ،‬تقع فوق ما هو بشري‪ :‬حيث إن هللا هو المشرع األول‪ ،‬واألوحد‪ ،‬عبر الوحي ‪/‬القرآن؛ وأن‬
‫شريعته يمكن أن تفسر في حاالت عبر السنة‪ ،‬وفي حاالت أخرى باإلجماع‪ ،‬وفي حاالت رابعة من خالل االجتهاد‪ ،‬مرورا‬
‫بالقياس‪.‬‬

‫إن هذا الجهاز المفاهيمي النظري ال يأخذ منه الفارابي إال ما يستقيم مع نظريته ؛ وما يستقيم معها هنا يقع خارج مجال الفقه‬
‫(الذي يمكنه أن يجتهد‪ ،‬وبالتالي يشر!‪ ،‬حسب ما نقرأ عادة في كتب التراث )‪ ،‬ألنه بكل بساطة يندرج إما ضمن مجال النبوة أو‬
‫مجال الحكمة‪ ،‬فمن متهما يفضل صاحبه‪ :‬النبي أم الفيلسوف ؛ الواقع أن سؤال األفضلية هذا أقدم من فكر الفارابي نفسه‪ ،‬إذا‬
‫علمنا بأن الكندي أيضا أثاره واشتغل عليه‪ ،‬كما أنه تواصل بعد الفارابي ليشتغل عليه ابن رشد الحفا‪ .‬وإذا كان ابن رشد‪ ،‬على‬
‫غرار الكندي‪ ،‬قد جزم بأفضلية النبي على الفيلسوف في رده على الغزالي‪ ،‬في المسألة العشرين‪ ،‬فقال‪ ” :‬إن كل نبي حكيم‬
‫وليس كل حكيم نبيا”‪ )56(،‬فإن الفارابي كان أكثر مواردة ‪-‬من خالل المساواة النظرية (‪ )57‬التي أقامها بين النبي والحكيم في‬
‫رئاسة المدينة الفاضلة – مما فتح أمام شراحه تعدد القراءات‪ ،‬وبالتالي تعدد التأويالت‪ ،‬حسب مرجعية كل قراءة‪.‬‬

‫الرأي األول‪ :‬الني أرفع من الفيلسوف‪ :‬قد سبق القول بأن النبوة تتضمن الحكمة‪ ،‬والعكس ليس صحيحا طبعا‪ ،‬بل إن بعض‬
‫األنبياء قد وصفوا بالحكماء في القرآن الكريم ومتهم سليمان الحكيم ؛ وفي القرآن أيضا‪ ” :‬ومن يؤت الحكمة فقد أوني خيرا‬
‫كثيرا ” البقرة ‪269/‬؛ كما يحتج أصحاب هذا الرأي بأن النبي أرفع درجة من الفيلسوف ألن النبي زاد على الفيلسوف بإدراك‬
‫الغيبيات‪ ،‬وهو ما ال يتحقق للفيلسوف‪ ،‬ولذلك فالفيلسوف هو وريث النبي لحظة غيابه‪ ،‬وأجدر بإدارة المدينة الفاضلة من بعده‪،‬‬
‫ألنه القادر على تحصيل العلم اإللهي عبر العقل والتدبر‪ .‬إن المعلم الثاني‪ ،‬حسب هذا التأويل‪ ،‬ال يمكن أن نخرجه عن إلطار‬
‫العام للفلسفة إلسالمية الموفقة بين العقل والنقل‪ ،‬بل هو نفسه اشتغل بالتصوف ومارسه‪ ،‬ومعروف بأن التصوف ال يستند في‬
‫براهينه على األدلة المنطقية والحجاج العقلي‪ ،‬بل يستند للتدليل على فكره‬

‫بالذوق‪ ،‬المستند هو نفسه على المخيلة‪ ،‬فبات إذن – في هذه النقطة – أقرب إلى النبوة منه إلى الحكمة ؛ فالمتصوفة يدركون‬
‫الحقيقة ويتماهون مع الموجود األول وفق ذوقهم وليس عقلهم‪ ،‬وفي هذا تسليم بأن بعض الحقائق ال يمكن إدراكها بالعقل أبدا‪،‬‬
‫وهذا دليل على عجز العقل واحتالله مرتبة أدني من مرتبة النبوة‪ ،‬بل والتصوف أيضا‪ ،‬وكالهما كما أشرنا إلى ذلك من قبل‬
‫يتكئ على المخيلة‪)58( .‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬رفعة الحكمة على النبوة‪ :‬يستطيع الفيلسوف وحده‪ ،‬بفضل المنطق والتأمل العقلي‪ ،‬أن يرتقي حتى المصدر األول‬
‫للحقائق‪ ،‬أي العقل الفعال‪ ،‬ويدركها جلية واضحة‪ .‬ثم إنه ال يأخذ بظاهر الوحي‪ ،‬ألن هذا المعنى الظاهر يخفي المعنى الحقيقي‪،‬‬
‫وعلى العقل أن يكشف عن الحقيقة خلف األلفاظ والصور‪ ،‬وعليه فال بد أن تكون مرتبة الحكيم أسى من مرتبة النبي‪ )59( .‬ذلك‬
‫أن الفضائل التي يكتسيها إلنسان من معرفته للشريعة تقليدية يعتريها الظن‪ ،‬أما الفضائل التي يحصلها من معرفته للفلسفة في‬
‫برهانيه يقينية‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن النبي محتاج إلى تتميم ما يأني به من جهة الحكيم‪ ،‬أما الحكيم فهو غني عنه‪ .‬واستنتاج‬
‫ذلك مبني على منظومة الفارابي دائما‪ ،‬فهو يقول‪ ” :‬وأما القوة الناطقة‪ ،‬فال رواضع وال خدم لها من نوعها في سائر األعضاء‪،‬‬
‫بل إنما رئاستها على سائر القوى المتخيلة ؛ والرئيسة من كل جنس فيه رئيس ومرؤوس‪.‬‬

‫فهي رئيسة القوة المتخيلة‪ ،‬ورئيسة القوة الحاسة‪ .. .‬ورئيسة القوة الغاذية”؛( ‪ )60‬فإذا أضفنا لهذا أن الفارابي – تماما كأرسطو‬
‫– يجعل من الصورة أرفع شأنا من المادة‪ ،‬وعلمنا أن القوة المتخيلة عنده هي مادة للعقل‪ ،‬جاز القول باالستتباع برفعة الفلسفة‬
‫على النبوة‪.‬‬

‫إن رفعة الحكمة متأتية من رفعة خطابها ألن القياس الذي تعتمده هو أفضل أنواع القياس‪ ،‬بما هو قياس برهاني يقود إلى اليقين‪،‬‬
‫أما الجدل فمبني على الزيف واألغاليط‪ ،‬تماما كأقاويل السفسطة والشعر والخطابة… إنها مجرد أقاويل مضللة‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪:‬الفارابي فيلسوف مجدد أم مجرد مبرر للوضع القائم ؟‬

‫يتنسل عن سؤال األفضلية‪ ،‬المثار في الفرع السابق‪ ،‬سؤال يخرج من صلبه لكنه يتجاوز إصدار حكم قيمة على النبي والحكيم‪،‬‬
‫إلى تقويم الفكر الذي أنتج هذه المفاضلة نفسه‪ ،‬أي فكر الفارابي؛ لنخلص إلى السؤال‪ :‬هل الفارابي فيلسوف عقالني مجدد أم‬
‫مجرد موفق ومبرر للوضع القائم‪ ،‬أي لما انتهي إليه الحكم المستند إلى الشريعة‪-‬الخالفة ؛ ال بد من إلقرار ابتداء بأن فكر‬
‫الفارابي حمال معان‪ ،‬ولذلك فإنه من المغامرة الكبيرة الخروج برأي واضح حوله؛ فالقران الذي عقده بين النبوة والفلسفة يحيل‬
‫على األهمية الكبيرة التي بموضعها للحكمة في ذهنه وتأويله‪ ،‬ومن ثم مكانة الحكيم‪/‬الفيلسوف وأهليته إلدارة شؤون “مدينته‬
‫الفاضلة “‪.‬‬

‫غير أننا وفي الوقت الذي نلحظ فيه ما للعقل من مكانة مركزية في فكره المعرفي‪ ،‬ومن ضمنه السياسي‪ ،‬نلحظ أيضا بأنه يظل‬
‫مؤطراً بمصدر إلى‪ .‬ذلك أن العقل باعتباره المرشد للحق والدال األول عليه‪ ،‬ال بد أن يكون من مصدر إلى‪ ،‬فهو يلتقي مع‬
‫الوحي في هذه النقطة ولذلك ال تعارض جوهري بينهما‪ )61(،‬ألن الوحي ال يعدو أنه منبى عن الحقيقة ودال عليها أيضا؛‬
‫فالنبي والحكيم كالهما يدرك الحقيقة‪ ،‬وكالهما له الحق في رئاسة المدينة الفاضلة‪ ،‬لكن وفق ” دعائم موحى بها من عل‪ .‬وهنا‬
‫يسترشد الفارابي بنظرية أفالطون الخاصة بالفيلسوف الملك‪ ،‬ويضيف إليها نظرية النبي الملك‪ .‬لقد قال أفالطون إن الفيلسوف‬
‫يتأمل ” المثل” ويسترشد بها في تكوين المدينة الفاضلة وإدارتها‪ ،‬وقال الفارابي إن الفيلسوف يتأمل هو أيضا هذه الحقائق‬
‫األزلية في العقل الفعال الموجود في فلك القمر‪ ،‬كما وأن النبي يوحى إليه بها من نفس المصدر…‪)62 (”.‬‬
‫لكن من جهة أخرى ؛ نرى كيف أن الفارابي حاول أن يعقلن النبوة نفسها‪ ،‬فكل عقل ناطق ‪/‬إنسان‪ ،‬توافرت فيه‬
‫شروط‬

‫التواصل مع العقل الفعال إال وتحقق له ذلك‪ ،‬وهذا يوحي بأن إلنسان‪ ،‬بما هو عقل بالقوة يمكن أن يصبح عقال مستفادا بالفعل‪،‬‬
‫أي موحى إليه ‪/‬نبي‪ ،‬وهنا يكمن الجوهر إلنساني في النبوة‪ ،‬بما هي فعل سياسي وليس فعال دينيا فقط؛ أي أن الفارابي صاحب‬
‫فلسفة سياسية تستدعي النبوة‪ ،‬الستنطاق قضايا سياسية وثيقة االرتباط بها‪ ،‬وهي تلك التي ما كان لها أن تطرح للبحث إال في‬
‫محيط حضاري مشبع بحضور المقدس إلسالمي‪ ،‬الذي عرف تشكله في عالقة وطيدة بشخصية النبي‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬بالذات‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يمكن استحضار ما جرى زمن الردة من ادعاءات متكررة للنبوة ؛ لقد “جرى في كل المصادر وصف هؤالء‬
‫األنبياء الزائفين كأنواع من الكهنة‪ ،‬لهم شياطينهم الخاصة يهم‪ ،‬ينطقون بكالم مسجع‪ ،‬ويمارسون السلطة الروحية والسلطة‬
‫الزمنية‪ ،‬لكن كزعماء مضحكين إلى حد ما… فهل يتعلق األمر بمحاكاة محض للنبي محمد أم يتعلق بتعبير أعمق عن حقيقة‬
‫مجتمعية وحضارية؛ هل كان طليحة ومسيلمة صدى مصطنعا لمحمد‪ ،‬تكرارا أليا ألستاذيته وسلطانه العقائدي‪ ،‬أم كان األمر‬
‫متعلقا بإفراز مجتمع قبلي ال يمكنه بلغ السلطة المنظمة إال من خالل الحركة النبوية ؛” ؛ وهل كان المعلم الثاني على وعي بأن‬
‫الفلسفة يمكنها أن تقدم حال لمشكلة السلطة السياسية‪ ،‬وأن عملية تعقل الوحي يجب أن تتجه مباشرة إلى األساس الذي يقوم عليه‬
‫الدين إلسالمي على وجه التحديد وهو النبوة‪ ،‬وبالتالي يضعنا أمام تعقل الحياة السياسية؟‬

‫لكن في هذا المستوى أيضا يفجأنا التساؤل‪/‬المالحظة‪ :‬ألم يكن الفارابي قد تجاوز مرحلة الدفاع عن النبوة الحقيقية‪ ،‬المفضية‬
‫للرئاسة‪ )64( ،‬إلى شرعنة فكرة إلمامة ‪/‬الخالفة وأدلجتها‪ ،‬باعتبار أن الوحي قد انقطع ؛ فإذا جاز التسليم بأن الناس الذين‬
‫يدبرون برئاسة النبي هم الفاضلون واألخيار والسعداء… أي ” األمة الفاضلة “(‪ )65‬عندما يحيا النبي أو الحكيم بين ظهرانيهم‪،‬‬
‫فكيف يمكن التسليم بأنه قد يكون الرؤساء المتعددين جميعا‪ ،‬متزامنين أو متعاقبين‪ ،‬على الدرجة نفسها من الحكمة أو النبوة ؛(‬
‫‪ )66‬بل قد يجوز ألحدهم أن يغير شريعة شرعها‪ ،‬كما يجوز لمن يلحقه أن يغير شريعة سلفه إذا رأى األصلح في التغيير!؟(‬
‫‪ )67‬فهنا يتحول الفارابي إلى مجرد مبرر للخالفة ولطريقة انتقالها‪ ،‬أو توارثها‪ ،‬بل وحتى االعتراف ضمنيا بإمكانية انقسامها‪،‬‬
‫تماما كما جرى على أرض الواقع الذي أفرز فكره السياسي‪ ،‬حيث ظهرت إمارات وممالك متعددة عاش الفارابي في بالط‬
‫بعضها ولم ينكر شرعيتها‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫يبدو الفكر السياسي للفارابي مندغما بالدين‪ ،‬مستمدا أصوله وامتداداته منه‪ ،‬فالمدينة الفاضلة واحدة‪ ،‬وما عداها من مدن إن هي‬
‫إال في ضاللة وجهالة وفسق‪ .. .‬فهذه المدينة ‪/‬الفاضلة هي التي تبحث عن السعادة الحقيقية التي ال يمكن تحصيلها إال عبر‬
‫الحقائق المتأتية من العقل األول‪ ،‬أي هللا‪ ،‬كما أنه ال يمكن أن يرأسها إال نبي أو فيلسوف‪ ،‬فهما وحدهما قادران على طلب‬
‫السعادة داخل مجتمع األفاضل‪! ،‬ان كانت طريقة اتصالهما بالعقل الفعال مختلفة‪ ،‬لكتها تظل مرتهنة بالدين هي أيضا‪.‬‬

‫لم يقصر الفارابي رئاسة مدينته الفاضلة على الحكيم‪ ،‬كما فعل أفالطون من قبل‪ ،‬ألنه كان محاصرا بإرث تاريخي جسدته‬

‫الدولة إلسالمية كما تم تخطيط مالمحها العريضة منذ عصر النبوة‪ ،‬وكما تعاقبت إلى حدود عصره ؛ فلم يستطع بالتالي إال أن‬
‫يشرك النبي في تدبير الشأن العام‪ ،‬وبالتالي فإن حدود سلطة النبي تتجاوز ما هوديني إلى ما هو سياسي‪ ،‬وبما أن زمن النبوة قد‬
‫انقطع فال بد من إيجاد خلف للنبي‪ ،‬وهو الحكيم‪ ،‬بصيغة المفرد أو الجمع‪.‬‬

‫إن المساواة الظاهرية بين النبوة والفلسفة تنقطع لصالح النبوة‪ ،‬رغم ما يبدو من تعليالت قد تحسب لصالح المنهج الفلسفي في‬
‫تحصيل الحقيقة‪ ،‬ما دام أن كل شيء يبتدئ بالدين وينتهي إليه‪ ،‬فالفارابي قد انضبط لما انتهى إليه واقعه التاريخ‪ ،‬ويتأكد هذا‬
‫القول عندما نعلم بأنه التزم طريق التصوف منهاجا لحياته الخاصة ؛ لكن رغم ذلك تضل أهمية فكره وأصالته مستمدة من أنسنة‬
‫النبوة أوال‪ ،‬ومن انتباهه للفعل السياسي داخل النبوة ثانيا‪ ،‬لرسم معالم لما ينفع الناس أو يضرهم في تجاريهم السياسية‪ ،‬وأن ذلك‬
‫ال يمكن أن يتحقق إال بالمرور عبر تحليل واقعهم وأحوال معاشهم‪ ،‬أو ما سيسميه صاحب المقدمة الحقا بالعمران البشري‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫وافي‪ ،‬عبد الواحد‪ :‬المدينة الفاضلة‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.5 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.12 – 80‬‬ ‫‪‬‬
‫يقال بانه هو الذي اخترع آلة القانون‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17 – 13 .‬‬ ‫‪‬‬
‫تميزت المرحلة األولى بترجمة إلنتاج الهندي والفارسي‪ ،‬أما الثانية فتوجهت بالخصوص إلى اإلنتاج اإلفريقي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقد توارثوا مهنة الترجمة في أسرهم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عاش يوحنا في كنف الخليفة العباسي جعفر المتوكل بن المعتصم (ت‪ 247 .‬هـ) وهو الخليفة الذي سمع بهذا الكتاب‬ ‫‪‬‬
‫وطلب من يوحنا جلبه وترجمته إلى العربية‪ .‬انظر‪ :‬أرسطو‪ ،‬طاليس‪ :‬سر األسرار‪ ،‬تقديم سامي سلمان األعور‪ ،‬دار‬
‫العلوم العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1995 ،‬ص‪.7 .‬‬
‫التقاطي‪ ،‬حاتم‪ :‬مفهوم المدينة في كتاب السياسة ألرسطو‪ ،‬دار الحوار للنشر والتوزيع‪ ،‬الالذقية‪ ،1995 ،‬ص‪.12 .‬‬ ‫‪‬‬
‫عينه المأمون مسئوال عن بيت الحكمة وديوان الترجمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقد سبق الفارابي في قوله بالعقل الفعال (كناية عن الذكاء) والعقل المنفعل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ميكيل‪ ،‬أندري‪ :‬إلسالم وحضارته‪ ،‬ترجمة زينب عبد العزيز‪ ،‬منشورات المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا – بيروت‪ ،‬دون‬ ‫‪‬‬
‫تاريخ‪ ،‬ص‪.132 .‬‬
‫أندريه ميكيل‪ ،‬ص‪.132 .‬‬ ‫‪‬‬
‫التعبير هنا لألستاذ القبلي‪ ،‬محمد‪ :‬الدولة والوالية والمجال في المغرب الوسيط – عالئق وتفاعل‪ ،‬توبقال‪ ،‬الدار‬ ‫‪‬‬
‫البيضاء‪ ،1997 ،‬ص‪.72 .‬‬
‫هذا التمزق وصل بالخالفة إلسالمية‪ ،‬خالل هذه الفترة‪ ،‬إلى درجة أن أحد الباحثين أحصى حوالي ‪ 27‬إمارة بالجهات‬ ‫‪‬‬
‫الغربية لبالد المغرب وحدها‪ ،‬انطالقا من مصدر واحد هو اليعقوب‪ .‬انظر العلوي‪ ،‬هاشم‪ :‬مجتمع المغرب األقصى‬
‫حتى منتصف القرن الرابع الهجري‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬المحمدية‪ ،1995 ،‬ص‪.217 .‬‬
‫الحظ أن على عبد الرازق كان قد بنى أطروحته في الخالفة على إشكالية لشح المصادر العربية التي كتبت في هذا‬ ‫‪‬‬
‫الصنف؛ يقول‪“ :‬من المالحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين أن حظ العلوم السياسية فهم كان بالنسبة إلى‬
‫غيرها أسوأ حظ‪ ،‬وأن وجودها بينهم كان أضعف وجود‪ ،‬فلسنا نعرف لهم مؤلفا في السياسة وال مترجما‪ ،‬وال نعرف‬
‫لهم بحثا في شيء من أنظمة الحكم وال أصول السياسة‪ ،‬اللهم إال قليال ال يقام له وزن إزاء حركتهم العلمية في غير‬
‫السياسة من الفنون‪ !! .‬يراجع‪ :‬عبد الرازق‪ ،‬علي‪ :‬إلسالم وأصول الحكم‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪ ،2006‬ص‪ .3 ..‬ومعروف بان عبد الرازق لم يرجع إال إلى مصدرين يتصالن بالفكر السياسي عند المسلمين هما‪:‬‬
‫مقدمة ابن خلدون‪ ،‬والعقد الفريد البن عبد ربه‪.‬‬
‫عارف‪ ،‬نصر محمد‪ :‬في مصادر التراث السياسي اإلسالمي‪ ،‬منشورات المعهد العالمي للفكر إلسالمي‪ ،‬هيرندن –‬ ‫‪‬‬
‫فيرجينيا‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪ .59 .‬حيث حدد العدد في ‪ 307‬مصدرا في علم السياسة كما‬
‫عرفه العرب‪ ،‬منها ‪ 105‬تمت طباعته فعال‪ ،‬وعلما بان الباحث يقربانه لم يتمكن من مراجعة سوى ‪ % 5‬من فهارس‬
‫المخطوطات الموجودة في العالم‪.‬‬
‫أندريه ميكيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.308 -305 .‬‬ ‫‪‬‬
‫جعيط‪ ،‬هشام‪ :‬الفتنة – جدلية الدين والسياسة في إلسالم المبكر‪ ،‬ترجمة خليل أحمد خليل‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪ ،2000 ،4‬ص‪ 65 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫عارف نصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73 .‬‬ ‫‪‬‬
‫أبو غدة‪ ،‬عبد الستار‪ :‬مراجعات في الفقه السياسي اإلسالمي‪ ،‬بحث مقدم للدورة السادسة عشرة للمجلس األوربي‬ ‫‪‬‬
‫لإلفتاء والبحوث – إسطنبول‪ ،‬يوليوز ‪ ،2006‬ص‪.7 – 5 .‬‬
‫يمكن الرجو! إلى‪ :‬ابن حزم‪ ،‬على بن أحمد‪ :‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬ويهامشه‪ :‬الملل والنحل‪ ،‬للشهرستاني‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫في ‪ 5‬أجزاء‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ 1975 ،‬؛ والبغدادي‪ ،‬عبد القاهر‪ :‬الفرق بين الفرق وبيان الفرقة‬
‫الناجية منهم‪ ،‬دار االّفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪.1973 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫حسن‪ ،‬إبراهيم حسن‪ :‬تاريخ اإلسالم السياسي والديني والثقافي واالجتماعي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪،1 .‬‬ ‫‪‬‬
‫ط‪ ،1964 ،7 .‬ص‪376 .‬؛ وص‪.388 .‬‬
‫هشام جعيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 .‬‬ ‫‪‬‬
‫حسن إبراهيم حسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪ 394 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫من المؤسف أن يتم التعامل‪ ،‬مثال‪ ،‬مع الجاحظ على أنه مجرد أديب فقط‪ ،‬في حين نعلم بانه مفكر سياسي أيضا‪ ،‬وقد‬ ‫‪‬‬
‫تبنى فكر االعتزال ودافع عنه‪ ،‬وله عشرة كتب في مجال السياسة‪ ،‬ما بين مخطوط ومطبوع‪ .‬انظر‪ :‬عارف نصر‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69 .‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.426 – 418 .‬‬ ‫‪‬‬
‫الفارابي‪ ،‬أبو نصر السياسة المدنية‪ ،‬تحقيق فوزي متري نجار‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،1964 ،‬ص‪.69 .‬‬ ‫‪‬‬
‫السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.70 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.71 .‬‬ ‫‪‬‬
‫الفارابي‪ :‬أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬تقديم وتعليق ألبير نصرى نادر‪ ،‬طبعة دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬توزيع المكتبة‬ ‫‪‬‬
‫الشرقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1986 ،2 .‬ص ‪.29‬‬
‫آراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.27 .‬‬ ‫‪‬‬
‫وافي‪ ،‬المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.56 – 55 .‬‬ ‫‪‬‬
‫عدد هذه الصفات اثنتا عشر صفة‪ ،‬منها ما هو جسدي ومنها ما هو عقلي‪ .‬انظر أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.28 .‬‬ ‫‪‬‬
‫انظر بخصوص هذه المدن االربعة‪ :‬أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪ .29 – 28 .‬والسياسة المدنية‪ ،‬ص‪.87 .‬‬ ‫‪‬‬
‫السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.88 .‬‬ ‫‪‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .‬نفسها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.93 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.89 – 88 .‬‬ ‫‪‬‬
‫وافي‪ :‬المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.89 – 78.‬‬ ‫‪‬‬
‫السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.101 .‬‬ ‫‪‬‬
‫أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.30 – 29 .‬‬ ‫‪‬‬
‫أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.27 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.58 – 55 .‬‬ ‫‪‬‬
‫الفارابي‪ ،‬السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.32 .‬‬ ‫‪‬‬
‫المصدر نفسه والصفحة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.104 – 103 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.103 .‬‬ ‫‪‬‬
‫أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.105 .‬‬ ‫‪‬‬
‫السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.36 .‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.74 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪ .79-78‬والمقصود بالقدماء هنا حكماء إلغريق‪ ،‬وأساسا أفالطون وأرسطو ويضع الفارابي الرئيس‪ ،‬مثلما‬ ‫‪‬‬
‫للوجود رئيس هو هللا‪ ،‬ولإلنسان رئيس هو القلب‪ .‬وهذا الرئيس له صفات‪ :‬منها أنه تام األعضاء‪ ،‬جيد الفهم والتصور‬
‫والحفظ‪ ،‬ذكي فطن‪ ،‬حسن العبارة في تبليغ معانيه‪ ،‬محب للصدق كاره للكذب‪ ،‬محب للكرامة مستخف بأعراض الدنيا‪،‬‬
‫قوي العزيمة جسورا مقداما مجاهدا ببدنه‪ ،‬جيد التخيل‪ ،‬ويتوجه هذه الصفات جميعا بالحكمة والتعقل‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.80 .‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الجابري‪ ،‬محمد عابد‪ :‬كافت التهافت – انتصاراً للروح العلمية وتأسيسا ألخالقيات الحوار‪ ،‬سلسلة التراث العربي‬ ‫‪‬‬
‫الفلسفي – مؤلفات ابن رشد ‪ ،3‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1998 ،‬ص‪.556 .‬‬
‫فهو يرى بان الني والفيلسوف معا يحصل لهما تحقق العقل المنفعل ‪/‬المستفاد‪ ،‬بعد إشراق العقل الفعال‪ :‬األول عن‬ ‫‪‬‬
‫طريق المخيلة والوحي‪ ،‬والثاني نتيجة التعقل ؛ فهما في !!أكمل مراتب إلنسانية وفي أعلى درجات السعادة “‪ .‬أراء‬
‫أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.125 .‬‬
‫الفارابي‪ ،‬أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.27 .‬‬ ‫‪‬‬
‫من مقدمة محقق‪ :‬أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.21 .‬‬ ‫‪‬‬
‫أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪.89 .‬‬ ‫‪‬‬
‫وربما لهذا السبب سيذهب األستاذ الجابري‪ ،‬في تحليله البن رشد الحقا‪ ،‬بان الحكماء الذين كانوا يدركون زمن نبوة‬ ‫‪‬‬
‫كانوا يعتنقونها؛ ألن الحكماء هم العلماء‪ ،‬وهم ورثة األنبياء‪ .‬انظر‪ :‬الجابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.556 .‬‬
‫أراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ص‪ ،22 .‬من مقدمة المحقق‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫هشام جعيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 -39 .‬‬ ‫‪‬‬
‫ألنه قد يحصل للمخيلة أن ترمح بصاحبها وبدل أن تصل به إلى النبوة تصل به إلى الجنون‪ .‬انظر أراء أهل المدينة‬ ‫‪‬‬
‫الفاضلة‪ ،‬ص‪.116.‬‬
‫ُأ‬ ‫ُأ‬
‫السياسة المدنية‪ ،‬ص‪ .8 ..‬ويحيلنا مضمون االفة الفاضلة ” هنا مباشرة على اآلية‪ُ ” :‬كن ُت ْم َخ ْيرَ َّم ٍة ْخ ِرجَ ْ‬
‫ت لِل َّن ِ‬
‫اس”‬ ‫‪‬‬
‫يقول الفارابي‪!! :‬لكن قد يحصل أن يكونوا متفرقين برئاسات أخر‪ ،‬لكهم يظلوا أناسا أفاضل ؛ فإذا اجتمع هؤالء‬ ‫‪‬‬
‫الملوك‪ .. .‬فإن جماعتهم جميعا تكون كملك واحد التفاق هممهم وأغراضهم وإراداتهم وسيرهم‪ .‬وإذا توالوا االزمان‬
‫واحدا بعد آخر‪ ،‬فإن نفوسهم تكون كنفس واحدة‪ ،‬ويكون الثاني على سيرة األول والغابر على سيرة الماضي‪!!.. .‬‬
‫(السياسة المدنية‪ ،‬ص‪.)80 .‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪ .‬نفسها‪.‬‬ ‫‪‬‬

You might also like