Professional Documents
Culture Documents
من تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين الفارابي من خالل كتابيه”
آراء أهل المدينة الفاضلة ” و” السياسة المدنية”
أ.د .عبد العزيز غوردو
أستاذ تاريخ اإلسالم والحضارة
المركز التربوي الجهوي
وجدة – المملكة المغربية
ملخص
تتناول هذه الدراسة الفكر السياسي عند ” المعلم الثاني ” الفارابي (339-260ه950-874/م)) من خالل كتابيه ” :أراء أهل
المدينة الفاضلة “ ،و”السياسة المدينة “ ،وذلك من خالل مبحثين رئيسين هما :األول ،الشروط الذاتية والموضوعية المؤسسة
لفكر الفارابي ،فقد تأسس الفكر السياسي للفارابي ،على شروط ذاتية ارتبطت به وبالمحيط الثقافي الذي أثر فيه مباشرة (مطلب
أول)؛ وعلى شروط موضوعية سياسية وفكرية – سياسية ،دفعته لتأمل واقعه والتفكر فيه ،بغية اقتراح فكر يغنيه أو يتجاوزه
(مطلب ثان).
أما المبحث الثاني ،المدينة الفاضلة :بين الحكمة والنبوة ،فسيعرض المدنية الفاضلة ومضاداتها ،ثم مسألة العالقة بين الحكمة
والنبوة ،والمفاضلة بيتهما.
مقدمه
(،الفكر السياسي عند الفارابي من خالل كتابيه ”.. .هو العنوان الذي يمكن اقتراحه ،في هذه المقدمة ،ليعبر عن صيغة العنوان
األصلي بطريقة مباشرة ،وشارحة له ،بما أن الحديث يجرر هنا عن نموذج من نماذج الفكر السياسي عند المسلمين ،وليس كل
هذا الفكر؟ وبحيث يمكن أن يسمح لنا هذا االقتراح بفتح زاوية أخرى لقراءة الموضوع ،وفهم اإلطار النظري الذي صاغ فيه
الفارابي فكره السياسي ،ويسمح لنا ،بالتالي ،بموقعة المفهومين المركزيين في فكر المعلم الثاني (أي النبي والفيلسوف) ضمن
هذه المنظومة الفكرية ،أي ضمن إلضافات األخرى المقاربة لموضوع السياسة والمندرجة ضمن فكره.
والحديث عن الفكر السياسي لدى هذا الفيلسوف يستلزم ابتداء تحديد الشروط التاريخية التي أفرزته ،أي إبراز المؤثرات
السياسية والفكرية والثقافية .. .التي ساهمت في تشكيل شخصية الفارابي من جهة ،ونحتت الحياة الواقعية التي عاش فيها من
جهة ثانية .أما فكره السياسي فيستدعي استحضار مقدمات هذا الفكر عند علماء الكالم ،ثم إلضافات التي أدخلها الفارابي على
هذا الفكر ،باعتباره واحدا من أعمدته ،إن لم يكن أهمها؟ وإذ نستحضر هذه إلضافات نستحضر باالستتباع مسألة النبوة
والحكمة ،في عالقتها بالمدينة الفاضلة ،لنتساءل في أفق ذلك :لماذا اشتغل الفارابي على مسألة النبوة والحكمة؟ هل كان ذلك
استجابة لقناعة دينية تروم الدفاع عن النقل باعتماد العقل كما فعل علماء الكالم من قبل؟ أم كان يتوسل حال للمعضلة السياسة،
بما يقي المدينة – الدولة (أو ربما الخالفة ) مخاطر التمزق واالنكسار ،ويصل بالتالي إلى رسم حدود فاصلة بين ما ينفع الناس
وبين ما يضرهم في حياتهم العملية؟
إن لغة الفارابي الفلسفية المكثفة ،ومنظومته الفكرية المعقدة ،وعدم حسمه في بعض القضايا التي أثارها ،عرضا أو غرضا،
كلها أمور تضاعف من صعوبة البحث ،عن نظرية صافية في السياسة ،بسبب كونها ظلت مرتهنة باألسئلة الدينية؛ بل لعل
محاولة الفارابي صياغة أجوبة توفيقية بين العقل والنقل ،أو الشريعة والحكمة -كما هو شأن علم الكالم والفلسفة إلسالمية
عموما – هوما قيد فكره بالضبط لطرح نظرية واضحة في الشأن السياسي الصرف أو الخالص.
لذلك فإننا حاولنا ،جهد إلمكان ،توظيف ما وفره لنا كتاباه المؤثثان للموضوع “راء أهل المدينة الفاضلة؟ السياسة المدنية)،
وبعض الكتابات الموازية إلنتاجه الفكري ،للخروج بروية تقريبية تشتق فكره السياسي من فكره الديني ،علما بأننا نزعم في هذا
المقام بأن فكر الفارابي حمال معان ،مما جعل ،ويجعل ،قراءته دائما منفتحة على اكثر من تأويل ،وهذا كله ال يزيد البحث ،في
فكره وفي الفكر السياسي إلسالمي عموما ،إال إثراء وتنوعا ،على المستوين الكمي والنوعي؟ خاصة عندما تحضر قناعة دفينة
بأن ” الكلمة األخيرة ” في الموضوع ما تزال بعيدة المنال .ولتنزيل هذه المعطيات اقترحنا صياغتها عبر تصميم تألف من
مبحثين ،تناسلت متهما مطالب وفروع ،أو حتى فقرات إن اقتضى الحال.
محمد الفارابي الملقب بأبي نصر -رغم أن المشهور أنه لم يتزوج ولم يخلف عقبا – كما يلقب بالمعلم الثاني ،بعد المعلم األول
/أرسطو ،نظرا ألنه اكبر شارح لفكره ،وكذا بسبب مكانته المتميزة في مجال الفلسفة )1( .أما الفارابي فنسبة إلى مسقط رأسه
مدينة فاراب ،أو باراب ،من بالد تركستان )2( ،فهو إذن تركي األصل ،والراجح أنه ولد سنة 259هـ 873 – 872/م،
وتوفي سنة 339هـ 901 -950/م)3(.
درس في بداية حياته ،بمدينته فاراب ،مختلف أصناف العلوم واآلداب والفلسفة والفنون ،وأتقن عدة لغات متها التركية والعربية
والفارسية واليونانية .. .قبل أن يلتحق سنة 310هـ بالعراق ليعمق معارفه في الطب (على يد يوحنا بن حيالن المسيحي)
والمنطق (على يد أبي بشر متى بن يونس المسيحي أيضا) والعلوم اللسانية (على يد ابن سراج ) ،مما يسمح لنا بالتساؤل حول
المؤثرات المسيحية في فكره الحقا؟ وفي سنة 330ه ـرحل مرة أخرى إلى بالد الشام ،وبالذات إلى بالط سيف الدولة
الحمداني ،بحلب ،فمكث بها ثمان سنوات ،قبل أن يرحل إلى مصر سنة 338هـ ،ومتها يعود إلى بالد الشام ،حيث توفي ودفن
بدمشق سنة 339هـ.
تجري الرواية بأن الفارابي عاش زاهدا متقشفا حصورا ،رغم إلغراءات التي أحاطت به ،مكتفيا عن قناعة منه بالقليل ،لذلك لم
يخلف متاعا ماديا يذكر ،لكن مخلفاته العلمية والفكرية كانت غزيرة جدا )4(:فهل كان لحياته الصوفية انعكاس على إنتاجه
الفكري ،خاصة في قضية الفيض والتماهي مع الموجود األول؟ أبدع الفارابي في مجال الفلسفة والفكر والسياسة والطب
والموسيقي ( )5والشعر واللغات حتى إن بعض الروايات تحصي أنه أتقن سبعين لغة!؟ وخلف كتبا عديدة لم يصل إلينا متها،
مع األسف ،إال حوالي أربعين؛( )6من بيتها كتابا ” :السياسة المدنية ” المعروف أيضا ب”مبادى الموجودات “؛ وكتاب ” أراء
أهل المدينة الفاضلة “ ،اللذان يشكالن أرضية هذا الموضوع.
امتصت الفتوحات في صدر إلسالم والعصر األموي الجزء األكبر من نشاط العرب والمسلمين ،لكن بعد أن هدأت عمليات
الفتح الكبرى انصرف الخلفاء والوالة إلى تنظيم النشاط الفكري والثقافي ،وهو نشاط بدأ مبكرا لكنه لم يأخذ مالمحه العريضة
إال زمن العباسيين متكئا على أساسين :إلسالم دينا والعربية لغة؛ األول رسم مضمون الثقافة والثاني حدد وعاءها الحاضن ،أي
التعريب.
والواقع أن عملية التعريب التي جرت كانت كبيرة وشاملة ،ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين الحد الفاصل بيتهما هو زمن المأمون،
( )7أما مكانها فغير محدد (في جنديسابور وحران وإلسكندرية وغيرها…) !ان لعب بيت الحكمة الدور األبرز فيها ،وهو -بيت
الحكمة – عبارة عن مكتبة أنشئت نواتها األولى زمن المنصور واتسعت زمن الرشيد وأصبحت في عهد المأمون أعظم مركز
ثقافي في الدولة العربية ،حيث تخصصت فيها قاعات للترجمة يقوم عليها مترجمون يتقاضون جراياتهم من الدولة .ومن أشهر
المترجمين في التاريخ إلسالمي – إلى غاية الفارابي – ابن المقفع الفارسي ،وجرجيس بن بختيشوع ،ويوحنا بن ماسويه،
والحجاج بن مطر ،وال حنين بن إسحاق ،وال ثابت بن قرة وقسط بن لوقا (وهؤالء جميعا من السريان )( )8وآل نوبخت من
الفرس.. .
أما الكتب التي ترجمت فكثيرة ،يهمنا متها في المجاالت المقاربة للسياسة“ :تاريخ ملوك الفرس ” و”التاج في سيرة أنو شروان ”
اللذان ترجمهما ابن المقفع (ت 142 .هـ) عن التراث الفارسي ،وهو أيضا من ترجم “كليلة ودمنة ” عن التراث الهندي (مرورا
بالفارسية )؛ أما يوحنا بن البطريق (ت .بين 182ه و 19.هـ؟)( )9فقد ترجم عددا من كتب إلغريق يهمنا متها على وجه
الخصوص كتاب “سر األسرار” المعروف أيضا ب”السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة ” ألرسطو ،والذي أثر مباشرة في
الفارابي ،من خالل مبحثه الخاص بالمدينة )10( ،عبر مقولة العقل الفعال ؛ كما أثر فيه كتاب ” الجمهورية ” ألفالطون والذي
ترجمه حنين بن إسحاق (ت 26 ..هـ) )11(،من خالل البحث عن السعادة عن طريق الفضيلة والحكمة ،لبناء المدينة الفاضلة،
كما تأثر الفارابي بالمقوالت اليونانية التي أدخلها الكندي (ت 256 .هـ) ،وحاول من خاللها التوفيق بين الفلسفة والشريعة،
بقوله إن النبوة والفلسفة طريقتان مختلفتان للوصول إلى الحقيقة ،ومعروف أن الكندي ( )12نفسه اشتغل مترجما في بيت
الحكمة زمن المأمون ،لكنه لم يشتهر بنظرية في السياسة بقدر ما اشتهر في الطب والموسيقى والفلسفة عموما.
الفرع األول:
منعطف القرن 4هـ 10/م وبداية تفسخ الخالفة الواحدة بعد حوالي قرن ونصف من نشأته راح الحكم العباسي يترنح ليغوص
في طور طويل من االضمحالل السياسي :إذ مباشرة بعد وفاة المتوكل ( 247هـ 861/م) ” ،المدافع الشرس عن السنية “()13
تولى الخالفة المعتمد ،وكان شقيقه الموفق هو الحاكم الفعلي ،ثم تولى بعده المعتضد ( 279هـ 892/م – 289هـ 902/م)،
الذي تميزت فترة حكمه بكثرة استعمال العنف وسفك الدماء؟ أما األسماء التي تعاقبت بعد ذلك على المشهد السياسي العباسي
فكانت أقل بريقا ،رغم مهارة بعضها من الناحية السياسية (القاهر 32 .هـ 932/م – 322هـ 934/م؛ والراضي 322هـ/
934م – 329هـ 940/م)؛ والمتابعة المجهرية للوقائع تبين ” أن هؤالء الخلفاء الخالسيين ،أبناء األجنبيات والجواري ،قد
جاؤوا إلى الحياة صدفة عن طريق عواطف األمراء… وجاؤوا إلى الحكم عن طريق المؤامرات)14(”.. .
في الواقع كان كل شيء يجري كما لو أنه يعصف بالخالفة الواحدة /الموحدة لكل األمة ،فالحاكم العباسي الذي ظل حاضرا في
الوجدان الجمعي كزعيم لألمة زمنيا وذهنيا ،ووارث لخالفة النبوة ،كانت قد انفلتت عنه ،عمليا ،مناطق شاسعة :فاألمويون الذين
سقطوا في الشرق أعادوا بناء دولتهم في األندلس ،وباقي بالد المغرب إلسالمي كانت تتقاسمها إمارات األدارسة والمدراريين
وبني رستم واألغالبة وبني قرة… أما الزيديون فأقاموا دولتهم في طبرستان ،جنوب بحر قزوين .. .وهذا الوضع سينتهي
بتفجير الخالفة إلسالمية منتصف القرن الرابع الهجري إلى ثالث خالفات (بغداد؛ القاهرة ؛ قرطبة).
فزمن الفارابي إذن كان الممهد القريب ،عبر “إلمارات المنفية “( ) 15هنا وهناك ( )16لتفجير الخالفة ،حيث لن تستقيم بعد
ذلك أبدا خالفة واحدة لكل العالم إلسالمي كما كان األمر زمن الخالفة الراشدة وأمويي الشرق؟ بل سيتأكد الصراع الدموي
العنيف ،والمهلك ،لهذه إلمارات فيما بيتها ،والتي كانت تستند كلها إلقامة شرعيتها على أساس ديني ،عبر الدعاية والدعاية
المضادة الهادفة إلى إبراز أحقية كل إمارة في الحكم ،وبالمقابل فساد دعوى إلمارات المناوئة ،دون أن يسلم من ذلك حتى
إلمارات التي جسدت من الناحية النظرية عقيدة واحدة (انقسام الشيعة وصراعهم فيما بيتهم ؛ انقسام الخوارج وصراعهم أيضا
فيما بيتهم الخ…)؛ وهذه الدعاية السياسية المبررة للشرعية ،هي التي تكفلت كتب السياسة الشرعية واآلداب السلطانية ،والفكر
السياسي عموما ،بتنزيلها إلى أرض الواقع ،من خالل المناظرات والسجاالت المباشرة ،في المساجد والمدارس واألسواق ،وما
احتفظت به المدونات أيضا؛ وقد أحصى الدكتور نصر محمد عارف أزيد من 300كتاب ،بين مطبوع ومخطوط ،في السياسة
الشرعية (أو الفكر السياسي كما عرفه المسلمون) )17( ،طبع متها أزيد من 100كتاب ؛ علما بأن الرقم قد يكون أكبر ،وأن
احتمال ضياع قسم متها يبقي واردا)18 (.
الفرع الثاني:مقدمات الفكر السياسي عند المسلمين إلى غاية مجيء الفارابي
عندما كان الفارابي بصدد تأليف كتابه ” أراء أهل المدينة الفاضلة ” ( 331هـ 337 -هـ) كانت حركة تداول األفكار الجديدة في
ظل الخالفة إلسالمية قد اكتملت حلقاتها منذ مدة طويلة ،وأصبحت بالتالي أمهات الكتب إلغريقية والهندية والفارسية
والرومانية .. .قد وجدت طريقها إلى اللغة العربية ،ناشرة أفكارها (الجدل والمنطق والفلسفة والعلوم والحركات الغنوصية
والشعوبية والروح المسيحية…) بين من تداولها من مثقفي الفترة وعوامها ،من المسلمين ،الذين استفادوا من أساليب البحث
الجديدة للدفاع عن إليمان !اظهاره“ ،فتكونت نظرية علم الكالم ابتداء من القرآن وقراءته المقننة ،والتفسير ،والحديث .. .ليصبح
هذا العلم عقالنيا مع المعتزلة .وقد استخدم هذا العلم للدفاع عن إلسالم بنفس الوسائل المستخدمة في اليونان ،والتي كانت تهتم
بالبحث في العقائد وتربط بين إليمان ومتطلبات البحث)19(”.… .
عمليا إذن ،كان كل شيء قد جرى على أرض الواقع ،قبل مولد الفارابي بزمن ،سواء عبر الوقائع واألحداث التاريخية ،أو عبر
المطارحات العقدية والفكرية التي تجد جذورها دائما في الدين ،بحيث يستحيل أن نجد طائفة أو فرقة أو تيارا كالميا أو سياسيا
إال وخرج من مظلة العقيدة والشر! ،أي الدين )20( .لكن ليس الدين في عالقته بما هو فوق بشرر ،أي الوحي والنبوة ،وانما
الدين الذي أريد له أن يكون سياسيا؟ وذلك بالبحث في أصل مشكلة إلسالم األول التي لم تزدد مع مرور األيام إال تفاقما ،وهي
مشكلة الخالفة /إلمامة .وهذا يعني أن ننظر إلى الفكر السياسي إلسالمي على أنه تراث ممتد من التراكم والتواصل ،المستند إلى
” النقل ” (القرآن والسنة) و”الوجود” (التاريخ والواقع) )21(0ففي القرون الثالثة األولى التي تلت الهجرة ،أي زمن الفارابي
وما قبله ،كان قد تم تقعيد كل شيء يهذا الخصوص ،فمالمح الفكر السياسي إلسالمي كانت قد تشكلت فعال ،بعد أن كانت الفرق
والتيارات قد سبقتها في التشكل طبعا .وهكذا سيظهر التياران الكبيران األوالن :أهل السنة والجماعة في مقابل الشيعة ،األول
أرجع مسألة الخالفة إلى أمور الدنيا ،واعتبرها من الفروع ،أما الثاني فردها إلى أمور العقيدة نافيا أن تكون من األمور التي
يجري فيها التفويض لألمة ،ألنها ركن من أركان الدين ،وال يجوز لنبي إغفاله ؛ ( )22وعن هذين التيارين الكبيرين انبجست
تيارات أخرى كثيرة عدت المصادر متها اكثر من 70فرقة ؛( )23وبما أن موضوعنا ليس البحث في االختالفات العقدية بل
السياسية ،رغم أن المسألتين تتداخالن في أغلب األحيان ،فإننا سنركز على أهم إلضافات في مجال الفكر السياسي لدى أهم هذه
الفرق ،مركزين في بحثنا على نظرية الخالفة عند المتكلمين:
الخوارج :كانوا في األصل أتباعا لعلى بن أبي طالب إال أنهم انشقوا عليه بسبب قضية التحكيم ( 36هـ) ،فكفروه بسبب ذلك،
كما كفروا معاوية ؛ ويرى فان فلوتن بأنهم يمثلون الديمقراطية إلسالمية ،في توجهها الجمهوري ،إذ كانوا يرون أن الخالفة حق
لكل مسلم ما دام كفؤا ،ال فرق في ذلك بين قرشي وغير قرشي ،وأنه إذا اختير فال يصح له أن يعزل عتها ،وإذا جار استحلوا
عزله أو قتله )24( .إال أن هذا القول تناقضه المتابعة التاريخية لإلمارات الخارجية نفسها (نموذج الرستميين والمدراريين في
بالد المغرب ) ،وقد انقسموا إلى فرق عديدة متها :األزارقة والنجدية وإلباضية والصفرية.
الشيعة :ظهرت مالمح التشيع كل البيت أثناء الصراع الذي دار في سقيفة بني ساعدة (11هـ) ،حيث رأى بعض الصحابة (متهم
أبو سفيان وطلحة والعباس وخالد بن سعيد بن العاص ).. .أن عليا أحق بالخالفة من أبي بكر )25(،لكن تأجل بروز التشيع
كتيار سياسي إلى غاية المرحلة الثانية من خالفة عثمان ،وبالذات مع ابن سبأ الذي استقر بمصر وبدأ بنشر تعاليم التشيع األولى
(مبدأ الرجعة ) ،أما المحطة الحاسمة في تاريخ التشيع في وقعة كربالء ( 61هـ) التي وحدت الوجدان الشيعي ووجهته صراحة
نحو أل البيت ،الذين سينقسمون الحقا إلى علويين وعباسيين (خالل النصف الثاني من ق 2.هـ)؛ وهم يرون بأن إلمامة ركن
من أركان الدين ،ويجب أن تتوارث داخل ذرية على وفاطمة .ومن فرقهم :السبئية والكسائية والزيدية والرافضة)26(.. .
المعتزلة )27( :فرقة أنشأها واصل بن عطاء الغزال (ت 131 .هـ) ألسباب دينية (خالفه مع أستاذه الحسن البصري) قبل أن
تدخل معترك السجال السياسي .وهي ترى أن األمة تختار خليفتها من ملة إلسالم اليس شرطا أن يكون قرشيا) من أهل العدالة
وإليمان (في تلتفي هنا مع أراء الزيدية ،من الشيعة ،وأراء جميع الخوارج ،باستثناء النجدات /الذين يرون بعدم وجوب
إلمامة )؛ ويتأكد لقاؤها مع الشيعة ،خاصة الزيدية ،في كثير من األمور حتى أشكلت الفرقتان على المؤرخين (زيد بن علي
تلميذ لواصل بن عطاء ،الذي رباه محمد بن الحنفية )؛ كالقول بعقيدة إلمامة والمهدي المنتظر وتقديم على ،إلى درجة أن
مصادرهم تجعله في الطبقة األولى من المعتزلة ،كما أنهم بايعوا محمد النفس الزكية (أواخر عهد األمويين ؛ ووقفوا إلى جانب
العلويين ضد العباسيين ) )28(.وجب التنويه ،أخيرا ،إلى أن الدولة إلدريسية بالمغرب ،من بين الدول التي أشكلت عقيدتها على
المؤرخين ،إذ يحوم حولها شك فيما إذا كانت شيعية أم سنية أم معتزلية؛
تجد نظرية الفيض عند الفارابي تطبيقاتها العملية في الحياة االجتماعية – السياسية مباشرة ،وهو ينطلق – في هذا المستوى من
التحليل – من مقولة يونانية قديمة مفادها ” أن إلنسان حيوان اجتماعي بطبعه “ )29(،وأن االجتماع كله يؤول في القصد إلى
االجتماع المدني ” ،والجماعة المدنية هي جزء لألمة واألمة تنقسم مدنا… وقرى )30(،”.. .
مع ما يمكن استحضاره هنا لما تحمله كلمة المدينة Polisمن داللة في الفكر السياسي اليوناني ،أي باعتبارها رديفا للدولة ،من
بين مترادفات أخرى غيرها.
إن الطبيعة قد تكفلت بتوفير حاجيات إلنسان وكمالياته ،لكن هناك ما ال يستطيع إلنسان أن يدركه إال بواسطة العقل الفعال ،الذي
يستطيع ،وحده ،أن يمنح لإلنسان “قوة ومبدأ به يسعي أو به يقدر… وذلك المبدأ هو العلوم األول والمعقوالت األول”.. .؛( )31
لكن ذلك ال يتحقق إال إذا تحققت إلرادة التي تنشد السعادة ،وهذه السعادة ال تتحقق إال من داخل نظرية الفيض نفسها ،أي أن
الفكر السياسي للفارابي هو محض صدى ،أو ارتداد لنظرية الفيض .من هنا فإن المقصد الحقيقي للمدينة الفاضلة هو البحث عن
سعادة األنفس بتأملها الحقائق األزلية في العقل الفعال ؛ في سعادة عقلية صرف ( ،)32اي تلك التي تتوحد فيها إرادة مجتمع
األفاضل على هدف واحد هو البحث عن السعادة الحقيقية .إنها ،أي السعادة ،مرتبطة – حسب تصور الفارابي – بتركيبة النفس
إلنسانية ،وهي تتحقق عندما تسيطر النفس العاقلة (وفضيلتها الحكمة ) على كل من النفس الغضبية (وفضيلتها الشجاعة )
والنفس الشهوانية (وفضيلتها العفة ) ،فيصل إلنسان إلى السعادة ؛ لكنه يحتاج لبلغ ذلك إلى قائد يدله سبيل الحق ،ويهديه إليه،
وهذا القائد هو الرئيس.
نحن إذن في قلب التفكير السياسي للفارابي ،بما أننا نبحث عن جوهر تحقق الرياسة ،أو الحكم ،وأهدافه ،وشرعيته .فالهدف
يتجسد في تحقيق خير المجتمع ،والخير المطلق هو تحقيق سعادتهم ،أما الشرعية فمستمدة من االتصال بالعقل الفعال ،وذلك ال
يتحقق إال لنبي أو حكيم ،ألنهما األجدر بالرياسة ،ومكانتهما في المجتمع بمثابة القلب من الجسد ،وال ينبي أن يعلو فوقهما رئيس
أخر ،ألنهما مستغنيان عن ذلك )33(.إن الرئيس الذي تتحقق فيه مواصفات ذاتية تجعله ينجح في االتصال بالعقل األول عن
طريق العقل الفعال ،واالنتقال بالتالي من الحالة الهيوالنية إلى الحالة إللهية )34(،تكون قد تحققت فيه تبعا لذلك صفات تجعل
منه القادر على حكم المدينة الفاضلة وتدبير شؤونها )35(.لنصل في النهاية
إلى المعادلة التي يعرضها الفارابي على الفكر السياسي ،والتي تتلخص في أنه إذا اكتمل كل ما ذكرناه (من
مجتمع األفاضل الذي يبحث عن السعادة الحقيقية بقيادة األنبياء أو الحكماء) فإننا نكون إذاك ،وإذاك فقط ،أمام
المدينة الفاضلة ،أما ما يضادها من مدن فإن أهلها يطلبون أشياء مضادة ،وبوسائل مضادة أيضا ،فتكون نتائج
ذلك مضادة قطعا.
تضاد المدينة الفاضلة مدن غير فاضلة ،أجملها الفارابي في أربعة أقسام كبيرة ،وهي:
أوال :المدينة الجاهلة التي لم يعرف أهلها السعادة الحقيقية ،واعتقدوا أن غاية الحياة في سالمة البدن ،واليسار ،والتمتع
باللذات ،واالنقياد إلى الشهوات ،وأن يكون إلنسان مكرما معظما.
ثانيا :المدينة الفاسقة التي عرف أهلها السعادة وهللا ،ولكن جاءت أفعالهم أفعال أهل المدن الجاهلة.
ثالثا :المدينة المبدلة وهي التي كانت أراء أهلها أراء المدينة الفاضلة ولكن تبدلت فيما بعد وأصبحت أراء فاسدة.
رابعا :المدينة الضالة وهي التي يعتقد أهلها أراء فاسدة في هللا والعقل الفعال ،ويكون رئيسها ممن أوهم أنه يوحى إليه،
وهو ليس كذلك)36( .
وعن هذه النماذج الكبرى تتفرع تفريعات أخرى عديدة كمدينة النذالة ،ومدينة الخسة وغيرها من المدن )37().. .وهي كلها
مدن جاهلية تقوم على اللذة والشهوة وقلة الكرامة والغلب بداعي الشهرة ،حيث يكون الملك بالحسب أو اليسار فقط ،وحيث
يعتمد الملك في تحصيل المال على الخراج أو الغزو ،وال يتورع عن تنصيب ولده من بعده ( .…”)38ثم يختص هو بأشياء
دون غيره مما له بهاء وزينة وفخامة وجاللة .. .وشارة ثم احتجاب عن الناس)39(“ .
إضافة لذلك هناك من يسميهم الفارابي بالنوابت و “منزلتهم فيها منزلة الشيلم في الحنطة أو الشوك فيما بين الزرع .. .ثم
البهيميون بالطبع من الناس .. .وبعضهم مثل البهائم… وهؤالء ينبي أن يجروا مجرى البهائم :فمن كان متهم إنسيا وانتفع به في
شيء من المدن ترك واستعبد كما تستعمل البهيمة .ومن كان متهم ال ينتفع به أو كان ضارا عمل به ما يعمل بسائر الحيوانات
الضارة )40(“ .فهذه مدن جاهلية/ضالة/فاسقة… تكون فيها الرئاسة إما بقصد التمكن أو اليسار أو التمتع باللذات الخ… وهي
بالتالي بعيدة عن بلغ السعادة الحقيقية ؛( )41والرئيس الفاضل عند أهلها “هو الذي يقتدر على جودة الروية وحسن االختيار فيما
ينيلهم شهواتهم وأهواءهم على اختالف تفننها… وأما الفاضل ،الذي هو بالحقيقة فاضل ،وهو الذي إذا رأسهم قدر أفعالهم
وسددها نحو السعادة فهم ال يرئسونه! .اذا اتفق أن رأسهم فهو بعد إما مخلوع وإما مقتول وإما مضطرب الرئاسة منازع فيها(”.
)42
وجب التنويه أخيرا؛ أنه لما كانت الفلسفة الفيضية ،حسب الفارابي ،هي وحدها الفلسفة الحقيقية ،فقد تقرر بالتالي أنه لن ينال
السعادة إال من أدرك هذه الفلسفة وعمل بمقتضياتها .أما أراء أهل المدن الجاهلة في بعيدة كل البعد عن هذه الفلسفة ،لذلك فقد
فسد استداللهم على العدل المفضي إلى صالح الحكم ،فأصبح قائما عندهم على قهر القوي للضعيف واستعباده ،وتقسيم الغنائم
حسب مراتب المنتصرين ()43
إن من يصل مرتبة االتصال بالعقل الفعال ،وتتجلي أمامه الحقائق في أبى صورها ،هو أحد اثنين :إما أن يكون نبيا فيدركها عن
طريق المخيلة! ،اما أن يكون حكيما فيدركها بواسطة العقل .أما المجال الذي تطلب فيه فهو مجال السياسة واألخالق ،ألن
المقصد هو الخير المطلق أو السعادة .تقترن النبوة – في منظومة الفارابي الفكرية – بالمخيلة ،والمخيلة وسط بين الحواس
والعقل ،وهي تابعة للحواس وتمد العقل بالشهوة ،تتحرر أثناء النوم وتحاكي المحسوسات والمعقوالت واألمزجة .. .لكتها
“تحاكي أيضا المعارف الصادرة عن العقل الفعال… إما في حالة النوم واما في حالة اليقظة ،ولكن هذه الحالة األخيرة نادرة،
وال تحدث إال عند القليل من ذوي المخيلة القوية .. .التي لديها من القوة ما يجعلها متحررة في
حالتي اليقظة والنوم ،وحينئذ تعكس اآلراء التي يشرقها العقل الفعال ،وهذا ضرب من النبوة ،وهو أسى ما تبلغ إليه المخيلة
البشرية)44(“ .
فهناك الموجود األول /هللا ،ومنه يتقبل العقل الفعال الحقائق ،ويليه العقل المستفاد ،ثم العقل المنفعل ،فالمخيلة ،التي تلعب
وظائف متعددة كتمثل ما نرغب فيه أو ما نخاف منه ،أو التنبؤ باألحداث ،أو المحاكاة ( .. .( 45لهذا يمكن أن نفهم كيف أن
النبي هو بشير ونذير ،يضرب األمثال ويروي القصص ويتنبأ بما قد يقع من أحداث ،ويستعمل لغة رمزية مكثفة عصية على
غيره من الناس ؛ فإذا كان ذلك كذلك فهمنا لماذا ال يحصل هذا ألي إنسان ،بل فقط لمن كانت مخيلته قوية ،مما يعني أن النبوة
ال تفسر باالصطفاء ،بل بكون النبي صاحب مخيلة قوية تمكنه من االتصال بالعقل الفعال الذي يفيض عنه الوحي ،والوحي يهذا
المعنى يكمل الشطر الثاني من إلنسان /النبي ،أي به تنعقد ،وتكتمل النبوة ،لكن فقط لإلنسان الذي توافرت فيه الشروط المذكورة
أعاله ،والنتيجة أن النبوة – حسب الفارابي – ليست أمرا خارقا ما دامت تفسر بالعقل.
يتلقى النبي إذن حقائقه عن طريق الوحي ،وهو يرتبط بالعقل األول عبر وسيط هو العقل الفعال ” الذي ينبي أن يقال بأنه الروح
األمين وروح القدس ،ويسمى بأشباه هذين من األسماء ،ورتبته تسمى الملكوت وأشباه ذلك من األسماء…” )46(،يقول
الفارابي ،قبل أن يستدرك“ :لكن رتبته تحوز أيضا ما تخلص من الحيوان الناطق وفاز بالسعادة )47(”.. .وهذا العقل مفارق
لإلنسان ،موجود في فلك القمر ،وهو الذي يضيء عقل إلنسان ،الذي ينجح في االتصال به ،48وهذا ضرب من إلشراق.
وفي المقابل ال يدرك الفيلسوف الحقائق بواسطة الخيال وانما بواسطة العقل ،عبر االتصال بالعقل الفعال،
فترتسم لديه
الحقائق المجردة عن طريق البراهين الموصلة إلى اليقين“ )49( ،فعندما تحصل هذه المعقوالت لإلنسان يحدث له بالطبع تأمل،
وروية ،وذكر ،وتشوق إلى االستنباط ،ونزوع إلى بعض ما عقله أوال ،وشوق إليه !الى بعض ما يستنبطه ،أو كراهته ،والنزوع
إلى ما أدركه بالجملة هو إلرادة .فإن كان ذلك النزوع عن إحساس أو تخيل ،سمي باالسم العام وهو إلرادة ؛ !ان كان ذلك عن
روية أو عن نطق في الجملة ،سمي االختيار) 50(.…”.
هكذا قارن الفارابي بين حقائق النبوة وحقائق الحكمة /الفلسفة ،وبين أنها من مصدر واحد هو العقل الفعال ،فبالعقل الفعال 1
اتصير األشياء التي هي معقولة بالقوة معقولة بالفعل .وبه يصير إلنسان الذي هو عقل بالقوة عقال بالفعل.. .
ويصير إلهيا بعد أن كان هيوالنيا”؛( )51لكن طرق تحصيل الحقائق مختلفة ،وطبيعتها مختلفة أيضا ،فالحقيقة الفلسفية عادة ما
توسوم بالتجريد ،وتقوم على البرهان والحجة ،أما الحقيقة النبوية فتعتمد لغة رمزية ،تحاكي ما يفيض عليها من العقل الفعال،
فإذا أضفنا إلى هذا ما يمكن أن ينشأ عبر مقارنة العقل والخيال ،أو النبوة والمنام .. .اقتربنا من فهم ،ورصد ،انعكاس كل ذلك
على الوظيفة السياسية التي ينشغل بها ،ويؤديها ،النبي والفيلسوف.
إن المساواة النظرية بين الدين والفلسفة تجعلنا نخلص إلى سؤال مفصلي برأسين ،لم يحسم فيهما الفارابي ،أو باألحرى لم يكن
جوابه قطعيا فيهما ،عند التنزيل العملي لما هو نظري لتطبيقه على ” المدينة” :فهل تعتبر المدينة فاضلة إذا سارت على هدى
الفلسفة ،أم هدى الدين ؛ سؤال يفضي بنا إلى سؤال أخر ،لم يحسم فيه الفارابي أيضا! ،ان كان مثار نزاع شديد بين من تناولوا
فكره بالدراسة ،هو سؤال األفضلية :النبي أم الفيلسوف؟
سؤال نرجئ إلجابة عنه إلى الفرع الموالي ،لكن قبل ذلك علينا أن ننبه إلى أن الرجلين معا (النبي والفيلسوف ) مؤهالن ،من
دون غيرهما من الناس ،لرئاسة المدينة الفاضلة ،ألنه “ليس كل إنسان يفطر معدا لقبول المعقوالت األول ،ألن أشخاص إلنسان
تحدث بالطبع على قوى متفاضلة )52(،”.. .وبالتالي يحتاجون بالضرورة إلى معلم أو مرشد ،يستغني عمن يرشده ،وهذا ”
الرئيس األول .. .هو الملك عند القدماء”( )35والناس الذين “يدبرون برئاسة هذا الرئيس هم الفاضلون واألخيار والسعداء .فإن
كانوا أمة فتلك هي األمة الفاضلة .وإن كانوا أناسا مجتمعين في مسكن واحد كان ذلك المسكن الذي يجمع جميع من تحت هذه
الرئاسة هو المدينة الفاضلة )54(“ .لكن قد يحصل أن يكونوا متفرقين برئاسات أخر لكتهم يظلوا أناسا أفاضل ؛ فإذا اجتمع
هؤالء ” الملوك في وقت واحد جماعة إما في مدينة واحدة أو أمة واحدة أو في أمم كثيرة فإن جماعتهم جميعا تكون كملك واحد
التفاق هممهم وأغراضهم .. .وإذا توالوا األزمان واحدا بعد أخر ،فإن نفوسهم تكون كنفس واحدة ،ويكون الثاني على سيرة
األول والغابر على سيرة الماضي )55(00“ .وقد يجوز ألحدهم أن يغير شريعة شرعها ،كما يجوز لمن يلحقه أن يغير شريعة
سلفه إذا رأى األصلح في التغيير… فهل هذا التصور الفكر -سياسي ناتج عن تأمل نظري ،أم هو مجرد تبرير لما ال إليه وضع
الخالفة زمن الفارابي؟
اختلف قراء نظرية المعرفة ،ومتها السياسية ،عند الفارابي بين مدع أن الفارابي يفضل النبوة وفريق أخر يرى أفضلية الفلسفة؛
وال يرجع سبب هذا االخالف إلى مجرد ضرب من التأمل الفكري النظري ،بل الغاية منه السيطرة على الساحة الفكرية وبالتالي
السيطرة على سلطة التشريع ،ومعلوم بأن السيطرة على التشريع هي أساس كل سلطة ؛ لكننا نعلم بأن هذه السلطة في الفهم
إلسالمي ،النظري على األقل ،تقع فوق ما هو بشري :حيث إن هللا هو المشرع األول ،واألوحد ،عبر الوحي /القرآن؛ وأن
شريعته يمكن أن تفسر في حاالت عبر السنة ،وفي حاالت أخرى باإلجماع ،وفي حاالت رابعة من خالل االجتهاد ،مرورا
بالقياس.
إن هذا الجهاز المفاهيمي النظري ال يأخذ منه الفارابي إال ما يستقيم مع نظريته ؛ وما يستقيم معها هنا يقع خارج مجال الفقه
(الذي يمكنه أن يجتهد ،وبالتالي يشر! ،حسب ما نقرأ عادة في كتب التراث ) ،ألنه بكل بساطة يندرج إما ضمن مجال النبوة أو
مجال الحكمة ،فمن متهما يفضل صاحبه :النبي أم الفيلسوف ؛ الواقع أن سؤال األفضلية هذا أقدم من فكر الفارابي نفسه ،إذا
علمنا بأن الكندي أيضا أثاره واشتغل عليه ،كما أنه تواصل بعد الفارابي ليشتغل عليه ابن رشد الحفا .وإذا كان ابن رشد ،على
غرار الكندي ،قد جزم بأفضلية النبي على الفيلسوف في رده على الغزالي ،في المسألة العشرين ،فقال ” :إن كل نبي حكيم
وليس كل حكيم نبيا” )56(،فإن الفارابي كان أكثر مواردة -من خالل المساواة النظرية ( )57التي أقامها بين النبي والحكيم في
رئاسة المدينة الفاضلة – مما فتح أمام شراحه تعدد القراءات ،وبالتالي تعدد التأويالت ،حسب مرجعية كل قراءة.
الرأي األول :الني أرفع من الفيلسوف :قد سبق القول بأن النبوة تتضمن الحكمة ،والعكس ليس صحيحا طبعا ،بل إن بعض
األنبياء قد وصفوا بالحكماء في القرآن الكريم ومتهم سليمان الحكيم ؛ وفي القرآن أيضا ” :ومن يؤت الحكمة فقد أوني خيرا
كثيرا ” البقرة 269/؛ كما يحتج أصحاب هذا الرأي بأن النبي أرفع درجة من الفيلسوف ألن النبي زاد على الفيلسوف بإدراك
الغيبيات ،وهو ما ال يتحقق للفيلسوف ،ولذلك فالفيلسوف هو وريث النبي لحظة غيابه ،وأجدر بإدارة المدينة الفاضلة من بعده،
ألنه القادر على تحصيل العلم اإللهي عبر العقل والتدبر .إن المعلم الثاني ،حسب هذا التأويل ،ال يمكن أن نخرجه عن إلطار
العام للفلسفة إلسالمية الموفقة بين العقل والنقل ،بل هو نفسه اشتغل بالتصوف ومارسه ،ومعروف بأن التصوف ال يستند في
براهينه على األدلة المنطقية والحجاج العقلي ،بل يستند للتدليل على فكره
بالذوق ،المستند هو نفسه على المخيلة ،فبات إذن – في هذه النقطة – أقرب إلى النبوة منه إلى الحكمة ؛ فالمتصوفة يدركون
الحقيقة ويتماهون مع الموجود األول وفق ذوقهم وليس عقلهم ،وفي هذا تسليم بأن بعض الحقائق ال يمكن إدراكها بالعقل أبدا،
وهذا دليل على عجز العقل واحتالله مرتبة أدني من مرتبة النبوة ،بل والتصوف أيضا ،وكالهما كما أشرنا إلى ذلك من قبل
يتكئ على المخيلة)58( .
الرأي الثاني :رفعة الحكمة على النبوة :يستطيع الفيلسوف وحده ،بفضل المنطق والتأمل العقلي ،أن يرتقي حتى المصدر األول
للحقائق ،أي العقل الفعال ،ويدركها جلية واضحة .ثم إنه ال يأخذ بظاهر الوحي ،ألن هذا المعنى الظاهر يخفي المعنى الحقيقي،
وعلى العقل أن يكشف عن الحقيقة خلف األلفاظ والصور ،وعليه فال بد أن تكون مرتبة الحكيم أسى من مرتبة النبي )59( .ذلك
أن الفضائل التي يكتسيها إلنسان من معرفته للشريعة تقليدية يعتريها الظن ،أما الفضائل التي يحصلها من معرفته للفلسفة في
برهانيه يقينية ،وعلى هذا األساس فإن النبي محتاج إلى تتميم ما يأني به من جهة الحكيم ،أما الحكيم فهو غني عنه .واستنتاج
ذلك مبني على منظومة الفارابي دائما ،فهو يقول ” :وأما القوة الناطقة ،فال رواضع وال خدم لها من نوعها في سائر األعضاء،
بل إنما رئاستها على سائر القوى المتخيلة ؛ والرئيسة من كل جنس فيه رئيس ومرؤوس.
فهي رئيسة القوة المتخيلة ،ورئيسة القوة الحاسة .. .ورئيسة القوة الغاذية”؛( )60فإذا أضفنا لهذا أن الفارابي – تماما كأرسطو
– يجعل من الصورة أرفع شأنا من المادة ،وعلمنا أن القوة المتخيلة عنده هي مادة للعقل ،جاز القول باالستتباع برفعة الفلسفة
على النبوة.
إن رفعة الحكمة متأتية من رفعة خطابها ألن القياس الذي تعتمده هو أفضل أنواع القياس ،بما هو قياس برهاني يقود إلى اليقين،
أما الجدل فمبني على الزيف واألغاليط ،تماما كأقاويل السفسطة والشعر والخطابة… إنها مجرد أقاويل مضللة.
يتنسل عن سؤال األفضلية ،المثار في الفرع السابق ،سؤال يخرج من صلبه لكنه يتجاوز إصدار حكم قيمة على النبي والحكيم،
إلى تقويم الفكر الذي أنتج هذه المفاضلة نفسه ،أي فكر الفارابي؛ لنخلص إلى السؤال :هل الفارابي فيلسوف عقالني مجدد أم
مجرد موفق ومبرر للوضع القائم ،أي لما انتهي إليه الحكم المستند إلى الشريعة-الخالفة ؛ ال بد من إلقرار ابتداء بأن فكر
الفارابي حمال معان ،ولذلك فإنه من المغامرة الكبيرة الخروج برأي واضح حوله؛ فالقران الذي عقده بين النبوة والفلسفة يحيل
على األهمية الكبيرة التي بموضعها للحكمة في ذهنه وتأويله ،ومن ثم مكانة الحكيم/الفيلسوف وأهليته إلدارة شؤون “مدينته
الفاضلة “.
غير أننا وفي الوقت الذي نلحظ فيه ما للعقل من مكانة مركزية في فكره المعرفي ،ومن ضمنه السياسي ،نلحظ أيضا بأنه يظل
مؤطراً بمصدر إلى .ذلك أن العقل باعتباره المرشد للحق والدال األول عليه ،ال بد أن يكون من مصدر إلى ،فهو يلتقي مع
الوحي في هذه النقطة ولذلك ال تعارض جوهري بينهما )61(،ألن الوحي ال يعدو أنه منبى عن الحقيقة ودال عليها أيضا؛
فالنبي والحكيم كالهما يدرك الحقيقة ،وكالهما له الحق في رئاسة المدينة الفاضلة ،لكن وفق ” دعائم موحى بها من عل .وهنا
يسترشد الفارابي بنظرية أفالطون الخاصة بالفيلسوف الملك ،ويضيف إليها نظرية النبي الملك .لقد قال أفالطون إن الفيلسوف
يتأمل ” المثل” ويسترشد بها في تكوين المدينة الفاضلة وإدارتها ،وقال الفارابي إن الفيلسوف يتأمل هو أيضا هذه الحقائق
األزلية في العقل الفعال الموجود في فلك القمر ،كما وأن النبي يوحى إليه بها من نفس المصدر…)62 (”.
لكن من جهة أخرى ؛ نرى كيف أن الفارابي حاول أن يعقلن النبوة نفسها ،فكل عقل ناطق /إنسان ،توافرت فيه
شروط
التواصل مع العقل الفعال إال وتحقق له ذلك ،وهذا يوحي بأن إلنسان ،بما هو عقل بالقوة يمكن أن يصبح عقال مستفادا بالفعل،
أي موحى إليه /نبي ،وهنا يكمن الجوهر إلنساني في النبوة ،بما هي فعل سياسي وليس فعال دينيا فقط؛ أي أن الفارابي صاحب
فلسفة سياسية تستدعي النبوة ،الستنطاق قضايا سياسية وثيقة االرتباط بها ،وهي تلك التي ما كان لها أن تطرح للبحث إال في
محيط حضاري مشبع بحضور المقدس إلسالمي ،الذي عرف تشكله في عالقة وطيدة بشخصية النبي ،عليه السالم ،بالذات.
وفي هذا السياق يمكن استحضار ما جرى زمن الردة من ادعاءات متكررة للنبوة ؛ لقد “جرى في كل المصادر وصف هؤالء
األنبياء الزائفين كأنواع من الكهنة ،لهم شياطينهم الخاصة يهم ،ينطقون بكالم مسجع ،ويمارسون السلطة الروحية والسلطة
الزمنية ،لكن كزعماء مضحكين إلى حد ما… فهل يتعلق األمر بمحاكاة محض للنبي محمد أم يتعلق بتعبير أعمق عن حقيقة
مجتمعية وحضارية؛ هل كان طليحة ومسيلمة صدى مصطنعا لمحمد ،تكرارا أليا ألستاذيته وسلطانه العقائدي ،أم كان األمر
متعلقا بإفراز مجتمع قبلي ال يمكنه بلغ السلطة المنظمة إال من خالل الحركة النبوية ؛” ؛ وهل كان المعلم الثاني على وعي بأن
الفلسفة يمكنها أن تقدم حال لمشكلة السلطة السياسية ،وأن عملية تعقل الوحي يجب أن تتجه مباشرة إلى األساس الذي يقوم عليه
الدين إلسالمي على وجه التحديد وهو النبوة ،وبالتالي يضعنا أمام تعقل الحياة السياسية؟
لكن في هذا المستوى أيضا يفجأنا التساؤل/المالحظة :ألم يكن الفارابي قد تجاوز مرحلة الدفاع عن النبوة الحقيقية ،المفضية
للرئاسة )64( ،إلى شرعنة فكرة إلمامة /الخالفة وأدلجتها ،باعتبار أن الوحي قد انقطع ؛ فإذا جاز التسليم بأن الناس الذين
يدبرون برئاسة النبي هم الفاضلون واألخيار والسعداء… أي ” األمة الفاضلة “( )65عندما يحيا النبي أو الحكيم بين ظهرانيهم،
فكيف يمكن التسليم بأنه قد يكون الرؤساء المتعددين جميعا ،متزامنين أو متعاقبين ،على الدرجة نفسها من الحكمة أو النبوة ؛(
)66بل قد يجوز ألحدهم أن يغير شريعة شرعها ،كما يجوز لمن يلحقه أن يغير شريعة سلفه إذا رأى األصلح في التغيير!؟(
)67فهنا يتحول الفارابي إلى مجرد مبرر للخالفة ولطريقة انتقالها ،أو توارثها ،بل وحتى االعتراف ضمنيا بإمكانية انقسامها،
تماما كما جرى على أرض الواقع الذي أفرز فكره السياسي ،حيث ظهرت إمارات وممالك متعددة عاش الفارابي في بالط
بعضها ولم ينكر شرعيتها.
خاتمة
يبدو الفكر السياسي للفارابي مندغما بالدين ،مستمدا أصوله وامتداداته منه ،فالمدينة الفاضلة واحدة ،وما عداها من مدن إن هي
إال في ضاللة وجهالة وفسق .. .فهذه المدينة /الفاضلة هي التي تبحث عن السعادة الحقيقية التي ال يمكن تحصيلها إال عبر
الحقائق المتأتية من العقل األول ،أي هللا ،كما أنه ال يمكن أن يرأسها إال نبي أو فيلسوف ،فهما وحدهما قادران على طلب
السعادة داخل مجتمع األفاضل! ،ان كانت طريقة اتصالهما بالعقل الفعال مختلفة ،لكتها تظل مرتهنة بالدين هي أيضا.
لم يقصر الفارابي رئاسة مدينته الفاضلة على الحكيم ،كما فعل أفالطون من قبل ،ألنه كان محاصرا بإرث تاريخي جسدته
الدولة إلسالمية كما تم تخطيط مالمحها العريضة منذ عصر النبوة ،وكما تعاقبت إلى حدود عصره ؛ فلم يستطع بالتالي إال أن
يشرك النبي في تدبير الشأن العام ،وبالتالي فإن حدود سلطة النبي تتجاوز ما هوديني إلى ما هو سياسي ،وبما أن زمن النبوة قد
انقطع فال بد من إيجاد خلف للنبي ،وهو الحكيم ،بصيغة المفرد أو الجمع.
إن المساواة الظاهرية بين النبوة والفلسفة تنقطع لصالح النبوة ،رغم ما يبدو من تعليالت قد تحسب لصالح المنهج الفلسفي في
تحصيل الحقيقة ،ما دام أن كل شيء يبتدئ بالدين وينتهي إليه ،فالفارابي قد انضبط لما انتهى إليه واقعه التاريخ ،ويتأكد هذا
القول عندما نعلم بأنه التزم طريق التصوف منهاجا لحياته الخاصة ؛ لكن رغم ذلك تضل أهمية فكره وأصالته مستمدة من أنسنة
النبوة أوال ،ومن انتباهه للفعل السياسي داخل النبوة ثانيا ،لرسم معالم لما ينفع الناس أو يضرهم في تجاريهم السياسية ،وأن ذلك
ال يمكن أن يتحقق إال بالمرور عبر تحليل واقعهم وأحوال معاشهم ،أو ما سيسميه صاحب المقدمة الحقا بالعمران البشري.
الهوامش
وافي ،عبد الواحد :المدينة الفاضلة ،نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،د .ت ،ص.5 .
نفسه ،ص .60
نفسه ،ص .70
نفسه ،ص .12 – 80
يقال بانه هو الذي اخترع آلة القانون.
وافي ،مرجع سابق ،ص.17 – 13 .
تميزت المرحلة األولى بترجمة إلنتاج الهندي والفارسي ،أما الثانية فتوجهت بالخصوص إلى اإلنتاج اإلفريقي.
وقد توارثوا مهنة الترجمة في أسرهم.
عاش يوحنا في كنف الخليفة العباسي جعفر المتوكل بن المعتصم (ت 247 .هـ) وهو الخليفة الذي سمع بهذا الكتاب
وطلب من يوحنا جلبه وترجمته إلى العربية .انظر :أرسطو ،طاليس :سر األسرار ،تقديم سامي سلمان األعور ،دار
العلوم العربية ،بيروت ،1995 ،ص.7 .
التقاطي ،حاتم :مفهوم المدينة في كتاب السياسة ألرسطو ،دار الحوار للنشر والتوزيع ،الالذقية ،1995 ،ص.12 .
عينه المأمون مسئوال عن بيت الحكمة وديوان الترجمة.
وقد سبق الفارابي في قوله بالعقل الفعال (كناية عن الذكاء) والعقل المنفعل.
ميكيل ،أندري :إلسالم وحضارته ،ترجمة زينب عبد العزيز ،منشورات المكتبة العصرية ،صيدا – بيروت ،دون
تاريخ ،ص.132 .
أندريه ميكيل ،ص.132 .
التعبير هنا لألستاذ القبلي ،محمد :الدولة والوالية والمجال في المغرب الوسيط – عالئق وتفاعل ،توبقال ،الدار
البيضاء ،1997 ،ص.72 .
هذا التمزق وصل بالخالفة إلسالمية ،خالل هذه الفترة ،إلى درجة أن أحد الباحثين أحصى حوالي 27إمارة بالجهات
الغربية لبالد المغرب وحدها ،انطالقا من مصدر واحد هو اليعقوب .انظر العلوي ،هاشم :مجتمع المغرب األقصى
حتى منتصف القرن الرابع الهجري ،مطبعة فضالة ،المحمدية ،1995 ،ص.217 .
الحظ أن على عبد الرازق كان قد بنى أطروحته في الخالفة على إشكالية لشح المصادر العربية التي كتبت في هذا
الصنف؛ يقول“ :من المالحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين أن حظ العلوم السياسية فهم كان بالنسبة إلى
غيرها أسوأ حظ ،وأن وجودها بينهم كان أضعف وجود ،فلسنا نعرف لهم مؤلفا في السياسة وال مترجما ،وال نعرف
لهم بحثا في شيء من أنظمة الحكم وال أصول السياسة ،اللهم إال قليال ال يقام له وزن إزاء حركتهم العلمية في غير
السياسة من الفنون !! .يراجع :عبد الرازق ،علي :إلسالم وأصول الحكم ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
،2006ص .3 ..ومعروف بان عبد الرازق لم يرجع إال إلى مصدرين يتصالن بالفكر السياسي عند المسلمين هما:
مقدمة ابن خلدون ،والعقد الفريد البن عبد ربه.
عارف ،نصر محمد :في مصادر التراث السياسي اإلسالمي ،منشورات المعهد العالمي للفكر إلسالمي ،هيرندن –
فيرجينيا ،الواليات المتحدة األمريكية1994 ،م ،ص .59 .حيث حدد العدد في 307مصدرا في علم السياسة كما
عرفه العرب ،منها 105تمت طباعته فعال ،وعلما بان الباحث يقربانه لم يتمكن من مراجعة سوى % 5من فهارس
المخطوطات الموجودة في العالم.
أندريه ميكيل ،مرجع سابق ،ص.308 -305 .
جعيط ،هشام :الفتنة – جدلية الدين والسياسة في إلسالم المبكر ،ترجمة خليل أحمد خليل ،دار الطليعة للطباعة والنشر،
بيروت ،ط ،2000 ،4ص 65 .وما بعدها.
عارف نصر ،مرجع سابق ،ص.73 .
أبو غدة ،عبد الستار :مراجعات في الفقه السياسي اإلسالمي ،بحث مقدم للدورة السادسة عشرة للمجلس األوربي
لإلفتاء والبحوث – إسطنبول ،يوليوز ،2006ص.7 – 5 .
يمكن الرجو! إلى :ابن حزم ،على بن أحمد :الفصل في الملل واألهواء والنحل ،ويهامشه :الملل والنحل ،للشهرستاني،
في 5أجزاء ،دار المعرفة ،بيروت 1975 ،؛ والبغدادي ،عبد القاهر :الفرق بين الفرق وبيان الفرقة
الناجية منهم ،دار االّفاق الجديدة ،بيروت.1973 ،
حسن ،إبراهيم حسن :تاريخ اإلسالم السياسي والديني والثقافي واالجتماعي ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،ج،1 .
ط ،1964 ،7 .ص376 .؛ وص.388 .
هشام جعيط ،مرجع سابق ،ص.37 .
حسن إبراهيم حسن ،مرجع سابق ،ج ،1.ص 394 .وما بعدها.
من المؤسف أن يتم التعامل ،مثال ،مع الجاحظ على أنه مجرد أديب فقط ،في حين نعلم بانه مفكر سياسي أيضا ،وقد
تبنى فكر االعتزال ودافع عنه ،وله عشرة كتب في مجال السياسة ،ما بين مخطوط ومطبوع .انظر :عارف نصر،
مرجع سابق ،ص.69 .
المرجع نفسه ،ص.426 – 418 .
الفارابي ،أبو نصر السياسة المدنية ،تحقيق فوزي متري نجار ،المطبعة الكاثوليكية ،بيروت ،1964 ،ص.69 .
السياسة المدنية ،ص.70 .
نفسه ،ص.71 .
الفارابي :أراء أهل المدينة الفاضلة ،تقديم وتعليق ألبير نصرى نادر ،طبعة دار المشرق ،بيروت ،توزيع المكتبة
الشرقية ،بيروت ،ط ،1986 ،2 .ص .29
آراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.27 .
وافي ،المدينة الفاضلة ،ص.56 – 55 .
عدد هذه الصفات اثنتا عشر صفة ،منها ما هو جسدي ومنها ما هو عقلي .انظر أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.28 .
انظر بخصوص هذه المدن االربعة :أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص .29 – 28 .والسياسة المدنية ،ص.87 .
السياسة المدنية ،ص.88 .
المصدر نفسه ،ص .نفسها.
نفسه ،ص.93 .
نفسه ،ص.89 – 88 .
وافي :المدينة الفاضلة ،ص.89 – 78.
السياسة المدنية ،ص.101 .
أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.30 – 29 .
أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.27 .
نفسه ،ص.58 – 55 .
الفارابي ،السياسة المدنية ،ص.32 .
المصدر نفسه والصفحة.
أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.104 – 103 .
نفسه ،ص.103 .
أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.105 .
السياسة المدنية ،ص.36 .
السياسة المدنية ،ص.74 .
نفسه ،ص .79-78والمقصود بالقدماء هنا حكماء إلغريق ،وأساسا أفالطون وأرسطو ويضع الفارابي الرئيس ،مثلما
للوجود رئيس هو هللا ،ولإلنسان رئيس هو القلب .وهذا الرئيس له صفات :منها أنه تام األعضاء ،جيد الفهم والتصور
والحفظ ،ذكي فطن ،حسن العبارة في تبليغ معانيه ،محب للصدق كاره للكذب ،محب للكرامة مستخف بأعراض الدنيا،
قوي العزيمة جسورا مقداما مجاهدا ببدنه ،جيد التخيل ،ويتوجه هذه الصفات جميعا بالحكمة والتعقل.
نفسه ،ص.80 .
نفسه ،الصفحة نفسها.
الجابري ،محمد عابد :كافت التهافت – انتصاراً للروح العلمية وتأسيسا ألخالقيات الحوار ،سلسلة التراث العربي
الفلسفي – مؤلفات ابن رشد ،3مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،1998 ،ص.556 .
فهو يرى بان الني والفيلسوف معا يحصل لهما تحقق العقل المنفعل /المستفاد ،بعد إشراق العقل الفعال :األول عن
طريق المخيلة والوحي ،والثاني نتيجة التعقل ؛ فهما في !!أكمل مراتب إلنسانية وفي أعلى درجات السعادة “ .أراء
أهل المدينة الفاضلة ،ص.125 .
الفارابي ،أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.27 .
من مقدمة محقق :أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.21 .
أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص.89 .
وربما لهذا السبب سيذهب األستاذ الجابري ،في تحليله البن رشد الحقا ،بان الحكماء الذين كانوا يدركون زمن نبوة
كانوا يعتنقونها؛ ألن الحكماء هم العلماء ،وهم ورثة األنبياء .انظر :الجابري ،مرجع سابق ،ص.556 .
أراء أهل المدينة الفاضلة ،ص ،22 .من مقدمة المحقق.
هشام جعيط ،مرجع سابق ،ص.40 -39 .
ألنه قد يحصل للمخيلة أن ترمح بصاحبها وبدل أن تصل به إلى النبوة تصل به إلى الجنون .انظر أراء أهل المدينة
الفاضلة ،ص.116.
ُأ ُأ
السياسة المدنية ،ص .8 ..ويحيلنا مضمون االفة الفاضلة ” هنا مباشرة على اآليةُ ” :كن ُت ْم َخ ْيرَ َّم ٍة ْخ ِرجَ ْ
ت لِل َّن ِ
اس”
يقول الفارابي!! :لكن قد يحصل أن يكونوا متفرقين برئاسات أخر ،لكهم يظلوا أناسا أفاضل ؛ فإذا اجتمع هؤالء
الملوك .. .فإن جماعتهم جميعا تكون كملك واحد التفاق هممهم وأغراضهم وإراداتهم وسيرهم .وإذا توالوا االزمان
واحدا بعد آخر ،فإن نفوسهم تكون كنفس واحدة ،ويكون الثاني على سيرة األول والغابر على سيرة الماضي!!.. .
(السياسة المدنية ،ص.)80 .
نفسه ،ص .نفسها.