Professional Documents
Culture Documents
الجزء الثاني
جميع الحقوق محفوظة ،لا يسمح ب�إعادة �إصدار هذا الكتاب
�أو �أي جزء منه �أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات �أو نقله
ب�أي شكل من ال�أشكال ،دون �إذن خطي مسبق من الناشر
- 1نعم كان ابن رشد �أديبا وقد ترك شعرا في الغزل ينم عن حساسية كبرى وقدرة �أدبية في التصوير والتقاط المشاعر،
انظر :ابن شريفة ،ابن رشد الحفيد ،سيرة وثائقية ص .17-16
6
الباب األول
الفقه والسياسة
تقديم
يتطلب فهم الطرح الرشدي لعلاقة الفقه بالفلسفة ،الرجوع �إلى طبيعة النش�أة العلمية
لابن رشد� ،إلى طبيعة الظروف الاجتماعية -الثقافية التي نش�أ فيها� ،إلى طبيعة ال�أصول
الفقهية التي متح منها وشكلت وعيه الفقهي وطعمته بوعي فلسفي حاد ،وهو ما يمكن
�أن تقدمه لنا معطيات سابقة� .إن النظر �إلى الفقه عند ابن رشد ،ضمن نسقه الفلسفي،
ومن خلال همومه الفلسفية ،يمكن �أن يضيء هذه العلاقة المثيرة التي سينسجها فيلسوفنا
بين الفقه والفلسفة ،وبخاصة صلة الفقه بالفلسفة السياسية عنده .فما منزلة الفقه ضمن
رؤية ابن رشد للعلوم؟ وما علاقة الفقه بالسياسة عند ابن رشد؟
يصنف ابن رشد العلوم والصنائع الفلسفية من حيث عموميتها القصوى على �أساس
معيار الغاية �إلى ثلاثة �أقسام :علوم نظرية ،وعلوم عملية ،وعلوم مسددة .العلوم النظرية
غايتها العلم فقط� ،أما العلوم العملية فغايتها العمل ،ويضيف ابن رشد علوما يمكن تسميتها
بالعلوم المسددة ،وهي تسدد النظر في العلوم السابقة ويدرج تحتها الصنائع المنطقية(((.
ثم يقف عند العلوم النظرية ويقسمها من حيث �إلى قسمين :علوم كلية ،و�أخرى جزئية.
فما هي �أجزاء هذه العلوم ،وما هي غاياتها ،و�أين منزلة الفقه وعلومه منها؟
يقسم ابن رشد العلوم النظرية �إلى ثلاثة علوم انطلاقا من معيار فلسفي ينظر �إلى
الموجود من جهات مختلفة� ،إذ الموجود منه ما هو ملابس للمادة وللحركة والتغير
ويشكل موضوعا للعلم الطبيعي ،وللعلم الطبيعي �أقسام مختلفة تبد�أ بالسماع الطبيعي
وتنتهي بالنبات .وقد كتب ابن رشد في معظم �أجزاء هذا العلم ،وهي في حقيقتها �أسماء
لمؤلفات �أرسطو(((.
- 1ابن رشد :تلخيص ما بعد الطبيعة تح عثمان �أمين ،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي القاهرة 1958ص.2-1
- 2حول �أجزاء العلم الطبيعي تراجع مقدمة جوامع ال�آثار العلوية لابن رشد :
كتاب ال�آثار العلوية طبعة حيدر �آباد الدكن 1365صص� .5-2أو رسالة ال�آثار العلوية ضبط رفيق العجم وجيرار جيهامي
دار الفكر اللبناني بيروت ط 1994 1صص� .23-21أو كتاب ال�آثار العلوية تح سهير فضل الله �أبو وافية وسعاد علي
عبد الرزاق -المكتبة العربية ،والمجلس ال�أعلى للثقافة ط 1994 1ص.15-13
9
ومن الموجود ما هو مفارق للمادة بالقول ،ويشكل موضوعا لعلوم التعاليم ،وهذه
العلوم تجمع علوما متنافرة ليس لها غايات متقاربة((( .ولم يحتفل منها ابن رشد سوى
بعلم الهيئة الذي كتب فيه "مختصر المجسطي" المفقود .وقد رافق هذا العلم ابن رشد
في شيخوخته ،وشكل هاجسا عميقا من هواجسه المعرفية .كما �أشاد كثيرا مع �أفلاطون
بالموسيقى((( ،وهي جزء من العلم الرياضي ،و�إن لم يكتب فيها ،كما صنع غيره من
فلاسفة ال�إ سلام(((.
ومن الموجود ما هو مفارق بالقول والوجود ،ويشكل موضوعا لما بعد الطبيعة؛
الصناعة العامة التي تنظر في الوجود مطلقا (((.و�أجزاء ما بعد الطبيعة تختلف من "جوامع
ما بعد الطبيعة"(((� ،إلى "التفسير الكبير" كما تقدمها الديباجة الغنية لمقالة الزاي .بل �إن
موضوع ما بعد الطبيعة و�أجزاءه التي شكلت �أحد الاهتمامات الرئيسة في حياة ابن رشد
يطرح �أكثر من �إشكال(((.
�أما العلوم العملية التي غايتها الفعل ،فمختلفة عن العلوم النظرية من حيث موضوعها
ومبادئها ،وتنحصر عند ابن رشد في العلم المدني �أو العلم السياسي؛ وموضوعه ال�أفعال
ال�إ رادية التي تصدر عن ال�إ نسان� ،أما مبد�آه فهما ال�إ رادة والاختيار ((( .وينقسم هذا العلم
- 1انظرها عند الفارابي في:
�إحصاء العلوم طبعة علي بو ملحم دار ومكتبة الهلال ط 1996 1صص 65-49
- 2انظر �أفلاطون:
فيدون ترجمة سامي النشار وعباس الشربيني دار المعارف بمصر ،24-23وجهورية �أفلاطون ترجمة د .فؤاد زكرياء،
المؤسسة المصرية العامة للت�أليف والنشر ،صص .99- 92والضروري في السياسة ،تعريب �أحمد شحلان ،مركز
دراسات الوحدة العربية ص 86وص .95
- 3كما سنقف على ذلك في حينه من هذه الدراسة.
- 4ابن رشد:
تلخيص ما بعد الطبيعة ،مرجع سابق ص.2
- 5وهي التي نشرها عثمان �أمين تحت اسم "التلاخيص" صص .6-5انظر حول العنوان :جمال الدين العلوي :
المتن الرشدي دار توبقال ،1985صص .59 -57
- 6انظر د .محمد المصباحي:
"�أنحاء الوحدة وتجلياتها عند ابن رشد"�أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الفلسفة ،1996 ،مرقونة بكلية ال�آداب
بالرباط صص .143 - 104
- 7يقول ابن رشد في الضروري في السياسة:
"�إن هذا العلم المشهور بالعلم العملي ،بياين بجوهره العلوم النظرية[ ،و] هذا مما لاشك فيه ولا جدال� ،إذ كان
موضوعه يختلف عن موضوع موضوع من موضوعات العلوم النظرية ،ومبادئه تختلف عن مبادئها ،وذلك ل�أن
موضوع هذا العلم هو ال�أفعال ال�إ رادية التي تصدر عنا[ ]...ومبادئها ال�إ رادة والاختيار[ "]...ص .72
10
�إلى جز�أين؛ جزء �أخلاقي يبحث في ال�أفعال ال�إ رادية والعلاقات ببعضها البعض ،والجزء
الثاني جزء سياسي يفحص عن السبل المتوخاة لغرس الفضائل في النفوس((( .وقد كتب
ابن رشد في الجزئين معا كتابين مفقودين في �أصلهما العربي؛ ال�أول تلخيص كتاب
ال�أخلاق ل�أرسطو((( ،والثاني جوامع سياسة �أفلاطون ،وفيه لخص كتاب �أفلاطون بعدما
(((
افتقد كتاب السياسات ل�أرسطو ولم يجده كما صرح بذلك.
فما موقع العلوم ال�إ سلامية بعامة وصناعة الفقه بخاصة عند ابن رشد من هذه العلوم
الفلسفية المختلفة؟
في ديباجة مختصر المستصفى((( ،يقسم ابن رشد المعارف والعلوم �إلى �أصناف ثلاثة:
معرفة غايتها الاعتقاد الحاصل عنها في النفس فقط ويمثل لذلك بحدوث العالم[.]...
ومعرفة غايتها العمل ،وهي �إما معرفة جزئية؛ كالعلم ب�أحكام الصلاة ،والزكاة .و�إما كلية
بعيدة عن �إفادة العمل ،كالعلم بال�أصول التي تبنى عليها الفروع الجزئية ،والعلم بال�أحكام
الحاصلة عن هذه ال�أصول على ال�إ طلاق .ومعرفة تعطي القوانين وال�أحوال التي بها يتسدد
الذهن في المعرفتين الجزئية والكلية ،ثم يقول ابن رشد " :وهذه فنسمها سبارا وقانونا"(((.
ف�أين يدرج ابن رشد المعرفة الفقهية ال�أصولية ضمن هذا التقسيم الجديد للعلوم؟ و�أين
يضع الفقه وعلومه :هل يدخلان ضمن �إطار السبارات؟ �أم هما من العلوم الكلية البعيدة
عن العمل رغم اندراجهما تحت العلم الذي غايته العمل ،ماداما ليسا من العلوم النظرية؟
نسجل �أولا �أن ابن رشد لم يحذو حذو الغزالي في تقسيمه للعلوم ،ونظرته �إلى وضعية
الفقه و�أصول الفقه ضمنها ،كما قدمناها فيما سبق؛ �إن الفقه و�أصوله عند الغزالي علمان
دينيان ،والفقيه وال�أصولي كلاهما مقلد في مبادئ علمه((( .فلماذا انصرف ابن رشد عن
- 1ابن رشد :الضروري في السياسة ص .73
- 2توجد منه شذرات ذكرت في هامش كتاب ال�أخلاق ل�أرسطو :
تح عبدالرحمن بدوي وكالة المطبوعات الكويت ،ط .1979 1وقد تمت ترجمة تخليص �أخلاق �أرسطو من العبرية
وتحقيق نصه ومقابلته بال�أصل ال�إ غريقي بعناية �أحمد شحلان ،في طبعته ال�أولى سنة .2018
- 3ابن رشد :
الضروري في السياسة ص .73
- 4ابن رشد :محتصر المستصفى :
تح جمال الدين العلوي ،دار الغرب ال�إ سلامي ط 1994 1ص 35 - 34
- 5ابن رشد :مختصر المستصفى ص ص35
- 6الغزالي :المستصفى من علم ال�أصول طبعة محمد عبد السلام عبد الشافي ،دار الكتب العلمية بيروت لبنان
ط 1993 1ص .7 - 6
11
تقسيم الغزالي للعلوم في مقدمة المستصفى وقدم تقسيما خاصا به؟ هل يريد �أن يوحي لنا
�أن علم �أصول الفقه يندرج ضمن التصنيف العام للعلوم التي تندرج تحتها علوم الفلسفة،
و�أنه �أوثق صلة بالعلوم العقلية -الفلسفية التي �أخرجها منه �أبو حامد؟
�إن ابن رشد في ت�أريخه لنش�أة علم �أصول الفقه يبين لنا �أن النش�أة ال�أولى لعلم �أصول
الفقه نش�أة منطقية� ،إذ �إن هذا العلم ظهر ليعطي القوانين التي تحوط الذهن عند النظر في
جزئيات الفقه المتشعبة ،ف�أصبح بذلك علما �آليا غايته العلم بالسبارات التي تحول والذهن
والوقوع في الخط�أ .كما �أصبح معرفة كلية تنطوي على جزئيات كثيرة؛ �إذ �أنه لما تشعبت
العلوم واضطر الناس �إلى الوقوف على �أمور لم يجد السابقون حاجة �إليها" ،كانت الحاجة
فيها �إلى قوانين تحوط �أذهانهم عند النظر فيها �أكثر" .ثم يعقب ابن رشد قائلا" :وبين �أن
الصناعة الموسومة بصناعة الفقه في هذا الزمان[]...بهتين الحالتين"((( .فصناعة الفقه
السبار �أقرب من كونها علما كليا عمليا بعيدا عن �إفادة العمل ،و�إن كان هذا �إذن هي �إلى ِّ
المعنى ليس غريبا عنها.
وعند فحصه �أجزاء هذه العلم يبين لنا ابن رشد هذه الوضعية المفارِقة لعلم �أصول
الفقه ،فهذا العلم �أربع �أجزاء ،لكن جزءها الثالث "مباين بالجنس لتلك ال�أجزاء ال�أخرى"
التي هي "من جنس المعرفة التي غايتها العمل"((( .ومن هنا ي�أمل ابن رشد �أن يفرد الجزء
الثالث وحده بالقول من خلال بعده المنطقي الواضح ،لكنه يسلك في الكتابة عنه مسلك
�أبي حامد الذي نظر �إلى �أصول الفقه باعتباره علما نظريا جزئيا .لكن دون �أن يغفل ابن
رشد ،كلما واتته الفرصة ،ال�إ شارة �إلى البعد الدستوري لهذا العلم الفقهي.
يبدو ابن رشد في تصنيفه هذا كما لو كان مترددا في تحديد الوضعية المعرفية ل�أصول
الفقه ،فهو من جهة يعتبر �أصول الفقه من العلوم الكلية البعيدة عن �إفادة العمل والمندرجة
تحت المعرفة العملية ،ومن جهة �أخرى ينظر �إلى علم الفقه باعتباره سبارا وقانونا ،ويبدو
�أنه ينتصر في "مختصر المستصفى" للموقف ال�أخير .ولعل هذا الانتصار يبين مس�ألة
مهمة وهي �أن العلم كلما ضرب �إلى الكليات وانصرف عن الاحتفال بالجزئيات كلما
�أدى وظيفة من وظائف المنطق في قياس المعرفة واختبارها ،وهي حال "�أصول الفقه"
وحال "العلم بالخلاف" كما نظر له في "بداية المجتهد" .وهما العلمان اللذان وجد ابن
رشد شخصيته الفقهية فيهما .ومكناه من �إيجاد هذا القرب العلمي بين اهتمامه الفقهي
- 1ابن رشد :مختصر المستصفى ص.35
- 2مختصر المستصفى ،مرجع سابق ص .36
12
واهتمامه الفلسفي .وسنقدم في هذا المبحث نموذجا علميا تمثيليا لهذا القرب ،ويتمثل
في بيان وضعية الفقه ضمن النسق العلمي الفلسفي في جانبه السياسي ،لبيان كيف كان
ابن رشد الفيلسوف والفقيه مهموما بال�إ شكالات السياسة بعامة ،وال�إ شكالات السياسة
لعصره على الخصوص ،وذلك من خلال التساؤل عن منطق السياسة وسياسية المنطق
عند ابن رشد ،لنرى من خلال ذلك ،كيف يشكل الفقه �أحد العناصر ال�أساسية التي تقوم
عليها المدن ،والذي قد تؤتى المدن من قبل تجاهلها �أو خرقها .وبخاصة �أن صلة ابن
رشد بالفقه لم تكن صلة علمية باردة ،بل كانت صلة يومية حارة ،من خلال مجالس
القضاء التي كان يعقدها .ومن هنا كان الفقه يقدم للفيلسوف �أدوات �إدارة المدينة
والحفاظ على سلامتها ،وقد كان ابن رشد يمثل في شخصه "النائب عن ال�إ مام ال�أعظم".
�إن القول السياسي والقول ال�أخلاقي من جهة ،والقول الفقهي من جهة �أخرى،
يشتركون ،جميعهم ،في نظرهم �إلى الفضائل؛ القول ال�أخلاقي يعدد الفضائل ب�إطلاق
ويحصيها� ،أما القول السياسي فيرشد �إلى شروط عمل الفضائل ،وينبه �إلى طرق تعليمها
وتثبيتها ،وكذلك �إلى سبل �إزالة الرذائل وقلعها من النفوس الشريرة ،كما ينبه �إلى الفضائل
التي يكون فعلها �أكمل �إذا اجتمعت مع بعضها ،والفضائل التي يعوق بعضها عمل
البعض ال�آخر((( .ويؤكد الدور ال�أساس لممارسة العلوم النظرية في ولادة الفضائل النظرية
وتوليدها� .أما الفقه فيقتضي بذاته الفضيلة العملية ل�أن �أفعاله تولد التقوى وتقصدها� .إن
العلم المدني عند ابن رشد يكاد يكون قولا في ال�أخلاق ليس غير؛ قسمه ال�أول بحث
نظري في الفضائل ال�أخلاقية ،وقسمه الثاني نظر في كيفية اشتغال هذه الفضائل ،ومن
هنا تظل الفضيلة ال�أخلاقية الغاية ال�أولى للعلم المدني ،ويسهل بالتالي ربطها بالفقه ،وهو
ما يقيم جسورا عميقة بينه وبين الفقه ،ليصبح الفقه نفسه جزءا من هذا العلم المدني.
ينطوي الفقه عند ابن رشد ،كما كان ال�أمر عند الفارابي ،تحت العلم المدني ،ويؤم
�أهدافا سياسية بال�أساس ،و�إن كان من الصعب القول ،مع ابن رشد� ،أن على الفقه مدار
السياسة وتدبير الملك كما يفهم من مواقف �أبي حامد ،فالفقه عند ابن رشد جزء من
منظومة تعليمية متكاملة تقدم لحاكم المدينة .لكن ابن رشد سيتولى القضاء ،نائبا بذلك
في كثير من قضايا المجتمع عن " ال�إ مام ال�أعظم" ،وهو ال�أمر الذي سيوجه تفكيره نحو
قضايا المدينة ،ويفرض عليه التفكير في السياسة .وسيفكر �أبو الوليد في هذه القضايا من
خلال موجهات فلسفية بالدرجة ال�أولى ،وهو �أمر غريب عن شخصية الفقهاء الذي كانوا
- 1ابن رشد :الضروري في السياسة ص .78
13
يفكرون في السياسة من خلال موجهات ال�آداب السلطانية والسياسة الشرعية .اتخذ ابن
رشد من كتاب "جمهورية �أفلاطون"جسرا للتفكير في قضايا المدينة ال�إ سلامية ،مستعينا
في ذلك بكتابين �أرسطيين؛ "كتاب الخطابة" "وكتاب ال�أخلاق" .لكن لعل ما يشفع
لابن رشد هو التقليد الذي �أسسه الفارابي ،والذي جعل الفقه جزءا من العلم المدني.
فكيف فكر فقيهنا الفيلسوف في قضايا السياسة على مستويين :مستوى التربية السياسية
�أو ما �أسميناه منطق السياسية ،ومستوى التربية المنطقية �أو ما �أسميناه سياسة المنطق.
14
الفصل األول
منطق السياسة عند ابن رشد
يرتبط الفقه بالمشروع الفلسفي ب�أكثر من رباط عند ابن رشد .وفيلسوفنا حريص على
ربط الفقه بالفضاء السياسي وهو بهذا يحيلنا �إلى الربط نفسه الذي قام به �أبو حامد في
�إحياء علوم الدين ،و�إلى الربط الذي قام به �أبو نصر الفارابي من قبله .لكن يبدو �أن بين
نظرتي ابن رشد و�أبي حامد �أكثر من تباين؛ �إن نظرة الغزالي �إلى الفقه حكمتها موجهات
صوفية تقوم على �أساس �أن الدنيا وال�آخرة كالضرتين �إذا �أرضيت �إحداهما �أسخطت
ال�أخرى((( ،وما دام بالفقه يكون صلاح معاش الناس في دنياهم ،ف�إنه لم يظفر من الغزالي
بكبير تقدير ،رغم �أنه اعترف له بوضعية معرفية واجتماعية خاصة� .أما ابن رشد فكان
�أقرب �إلى �أبي نصر الفارابي في ربطه بين الفقه والسياسة ،ل�أن موجهاته كانت موجهات
الفلسفة السياسة �أو العلم المدني بجز�أيه ال�أخلاق والسياسات ،فكانت نظرته بذلك
نظرة فيلسوف -سياسي يبحث عن ال�أسس المعرفية والاجتماعية لبناء المدينة انطلاقا
من البحث في مفهوم الفضيلة ذي النسب العميق بالفقه ،والبحث في الشروط الممكنة
لتعويد ساكنة المدينة الفضائل ،من خلال البحث في السنن التي يقدمها علم السياسة،
وتشكل هاجس النظر الفقهي ،كما �أفصح كتاب "بداية المجتهد" عن ذلك ،والبحث في
السبل المنطقية المعينة على ال�إ قناع وخاصة ،سبل الشعر والخطابة والجدل ،وهي السبل
المنطقية التي عني بها ابن رشد ،وب�أثرها ال�إ يجابي والسلبي على المدينة ،وكانت مواقفه
منها مواقف منطقي ،فقيه ب�أدب المدينة ،وتدبيرها ،وسياستها.
يندرج النظر الفقهي �إذن تحت العلم السياسي باعتباره علما عمليا يتضمن ال�أشياء
ال�إ رادية التي مبد�أ وجودها منا .والعلم السياسي قسمان :قسم نظري عام ،يحويه كتاب
ال�أخلاق ،وقسم عملي ،يتضمنه كتاب السياسة .وعلم الفقه ،كذلك جزءان :جزء عام،
�أبعد عن الفعل ،ويتضمن القواعد العامة التي يقوم عليها الفقه ،وهو علم �أصول الفقه.
وجزء خاص� ،ألصق بالعمل ،ويتضمن المسائل الجزئية القريبة �إلى الفعل ،وهو الفقه
ب�أحكامه التفصيلية .والحاكم الفقيه لا يقوم له حكم دون دراية عميقة بجزئي الفقه
ال�أساسيين ،الفقه من جهة ،و�أصوله من جهة �أخرى .فعلاقة الفقيه بالمدن علاقة عميقة
-1ميزان العمل ،تحقيق سليمان دنيا ،دار المعارف بمصر ،1964 ،ص 340
17
خاصة �إذا تقلد منصب حكم مثل منصب القضاء ،وهو المنصب الذي تقلده ابن رشد
– الفيلسوف ،وجعله �أهلا ل�أن يقتسم الحكم مع الحاكم -الفيلسوف ،يوسف بن عبد
المؤمن ،و�أفضى به �إلى الت�أمل الفلسفي في �إشكالات المدينة ال�إ سلامية وتقديم حلول
مختلفة لها .وانطلاقا من ذلك ،ت�أمل ابن رشد حالة مدينته فوجدها وضعية فقهية مزرية
ضج لها ،على الخصوص ،في كتابه الفقهي "بداية المجتهد" ،وهو كتاب يعالج نواميس
المدينة ال�إ سلامية ،سواء تعلقت بعلاقات �أفرادها بخالقهم ،فيما يخص جزء "العبادات"،
�أو تعلقت بعلاقاتهم ببعضهم فيما يخص "المعاملات" .ولا يمكن �أن نفهم �أفق ابن رشد
السياسي ب�إغفال مواقفه من كمال المدينة ال�إ سلامية من خلال انتصاره ل�آلية الاجتهاد؛
وتطعيمها بتفكيره في الفلسفة السياسية مع �أفلاطون و�أرسطو ،وهو يروم من وراء ذلك
تصحيحا فقهيا ينقل هذه المدينة من كمال �إلى كمال ،كما رام في الفلسفة تصحيحا
نظريا وعمليا ينقل المسلم بالحقيقة من كمال �إلى كمال.
- 1الضروري ص.107
- 2منى �أحمد �أبو زيد ،المدينة الفاضلة ص.146وص.147
- 3الضروري في السياسة ص .162
- 4الضروري في السياسة ص .163
- 5الضروري ص ،163وهذه الفكرة تتردد عند ابن باجة و�أخرجها ابن طفيل في صورة فلسفية عجيبة في رسالته
الفلسفية "حي بن يقظان".
- 6شحلان ،مرجع سابق ص ..185
41
منطق المدن
خص ابن رشد مقالتين من كتابه للحديث عن منطق المدن ومنطق تحولها :المقالة ّ
الثانية لسياسة المدينة الفاضلة ،والمقالة الثالثة للسياسات غير الفاضلة .و�إذا كان بين
(((
المدينة الفاضلة وبين �أخس �أنواع المدن الفاضلة ،وهي مدينة وحدانية التسلط ،تقابل
كبير ،ف�إن المنطق المتدرج بين هذين المتقابلين يفرض تراتب وسائط مختلفة لتبلغ المدن
التي تحدث عنها ابن رشد خمس مدن((( هي على التوالي :المدينة الفاضلة ،المدينة
الكرامية ،المدينة الشهوانية ،المدينة الجماعية ،مدينة وحدانية التسلط.
فما المنطق الذي يحكم هذه المدن؟ وكيف تتحول مدينة �إلى �أخرى؟ وكيف قر�أ ابن
رشد حال المدينة ال�إ سلامية انطلاقا من المنطق ال�أفلاطوني؟
- 1يشكل حاكم المدينة الثابت المنطقي لكل �أنواع المدن� ،إذ �إن حاله حاسم في
طبع المدينة بطابعه؛ فالمدينة الفاضلة رئيسها ملك فاضل .ورئيس المدينة الكرامية يحب
الكرامة .ورئيس المدينة الشهوانية يحب الشهوة .ورئيس المدينة الجماعية يحب الحرية.
�أما رئيس وحدانية التسلط فيحب التسلط.
�أ -رئيس المدينة الفاضلة
رئيس المدينة الفاضلة �أفضل حفظة المدينة وحراسها� ،إنه "�أكثرهم ح ّبا لمنفعة �أهل
المدينة و�أكثرهم تهذيبا فيهم" ،وسياسته هي السياسة الفاضلة ،وهي سياسة لا تجتمع �إلا
لمن توفرت فيه شروط الحكمة والتعقل التام ،وجودة ال�إ قناع ،وجودة التخييل ،والقدرة
على الجهاد ،و�ألا يكون في بدنه شيء يعوقه عن مزاولة الجهاد((( ،و�أن يتميز بالثبات
على الر�أي((( .فهذه القدرات الشخصية هي التي تمكن الحاكم ،الذي هو رئيس المدينة
وملكها الفيلسوف ،من �أن يرسم السنن العادلة والتي تميز المدينة الفاضلة عن غيرها
من المدن .كما تمكنه من الدفاع عنها ضد من يقصد �إلى ال�إ ساءة �إليها((( ،ومن �إصدار
جميع ال�أوامر �إلى ولاة المدن ومن فيها من �أصناف الناس(((.
- 1الضروري في السياسة ص .167
- 2حول تنظير ابن رشد لهذا المنطق المتدرج انظر "الضروري في السياسة" صص.168-167
- 3الضروري في السياسة ص .168
- 4الضروري ص .102
- 5ابن رشد ،تلخيص الخطابة ص ،98وتلخيص الجدل صص.363
- 6تهافت التهافت ص.186-185
42
يذهب ابن رشد �إلى �أن سياسة الملك الحق ،وهي السياسة الفاضلة ،لا يمكن �أن
تكون �إلا فيمن اجتمعت فيه خمسة شروط :الحكمة والتعقل التام ،جودة ال�إ قناع ،وجودة
التخييل ،والقدرة على الجهاد ،و�أن لا يكون في بدنه شيء يعوقه عن مزاولة الجهاد(((.
لكن ما الذي يجعل من الضرورة �أن يتولى قيادة هذه المدينة فيلسوف؟
يقرب ابن رشد الجواب على هذه القضية من خلال قياس تمثيلي يؤسس فيه النظر
السياسي �إلى هذه المس�ألة على النظر السيكولوجي -ال�أخلاقي فيرى "نسبة الفضائل في ّ
�أجزاء المدينة [ ]...كنسبة القوى النفسانية في �أجزاء النفس .فتكون المدينة حكيمة في
جزئها النظري الذي تسود به في جميع �أجزائها على النحو الذي يكون به ال�إ نسان حكيما
بجزئه الناطق الذي يسود به على قواه النفسانية ال�أخرى [ ]...المرتبطة بالعقل[]...
وهذا هو العدل [عند ابن رشد � ]...أن يعمل كل واحد في المدينة العمل الذي هو مهي�أ
له بطبعه ،و�أن يقوم به ب�أكمل وجه يستطيع[ ]...وهذا �إنما يحصل بالضرورة في �أجزاء
النفس �إذا قادها سلطان العقل ،ويحصل في �أجزاء المدينة �إذا قادها �أهل العلوم النظرية
ومن على ر�أسهم �أي الفيلسوف"(((� .إن الحكمة هي التي يجب �أن تكون المدبرة ل�أمور
المدينة ،والحكمة هي فضيلة المدينة الفاضلة ،وهذا التدبير لا يكون �إلا �إذا كان رؤساء
المدينة� ،أهل العلوم النظرية ،فلاسفة(((.
�إن سياسة المدينة الفاضلة لا توجد �إلا "�إذا عرض �أن كان الملك فيلسوفا" واتفق �أن
حافظ �أهل المدينة عليها بعد وجودها((( .وحفاظ هؤلاء على المدينة يكون بهذا التعاون
الذي ينبغي �أن يحكم علاقة ا الحكام بعامة الشعب ،حيث �إن كل فئة تقدم للفئة ال�أخرى
ما يعينها على تحقيق سعادتها؛ فصنف"العامة يخدم السادة بما تتم لهم به الغاية من
الفلسفة ،والسادة يخدمون العامة بما يوصلهم �إلى سعادتهم" .ويبدو �أن ابن رشد يتحرج
من �أن يسمي رعاية الحكام خدمة ويرى "�أن ال�أولى �أن يسمى سياسة و�إرشادا"((( .ومن
هنا �أهمية ما يسميه ابن رشد بـ "الصنائع الملوكية الفاضلة" التي تؤم نفع المدنيين من
خلال هذا الاجتماع الفاضل الذي "يقصد به �أن يجعل لكل واحد من �أهل المدينة نصيبا
من السعادة على قدر ما في طبعه من ذلك"(((.
- 1الضروري في السياسة صص169-168
- 2الضروري في السياسة ص.77
- 3الضروري في السياسة ص 117
- 4الضروري في السياسة ص 135
5الضروري في السياسة ص 178
- 6الضروري في السياسة ص177
43
ما فتئ ابن رشد يؤكد �أهمية الوحدة بين �أبناء المدينة الواحدة فيرى �أنه "لا شر �أعظم
من السياسة التي تجعل من المدينة الواحدة مدنا متعددة ،كما �أنه لا خير �أعظم في سياسة
المدن من الجمع بينها وتوحيدها"((( ،فابن رشد فيلسوف الوحدة الاجتماعية وهو بذلك
وفي ل�أفلاطون الذي يقرر "�أن �أشر ما في الدولة هو ما يمزق وحدتها ويفرقها �أشتاتا،
و�أفضل خير فيها هو ما يجمع شملها ويوحدها"((( ،و�أن �أعظم خير يصيب المدينة هو
وحدة مشاعر ساكنتها((( ،وهو ما لفت ابن رشد العناية له علميا في "مناهج ال�أدلة" على
الخصوص ،في انتقاداته لعلم الكلام وما يحدثه من تصدع بين المسلمين ،كما لفت
العناية له سياسيا عندما انتقد ما يعرض ل�أهل ال�أندلس من العداوة والكره والخداع �إلى
الحد الذي يدفعهم �إلى الت�آمر على بعضهم البعض والفتك ببعضهم البعض((( .داعيا �إلى
ترك الخصومات والتشبث بالتعاون ،مؤسسا ذلك على عقيدة ال َمعاد.
لكن ما الذي يجعل من الصعوبة وجود مثل هذه المدن ،بل تصل ندرتها �إلى الحد
السراب؟ يرجع ابن رشد السبب في ذلك �إلى الذي تكاد تصبح فيه من قبيل الحلم �أو ّ
ندرة الفلاسفة الذين تجتمع فيهم الشروط والخصال التي تنبئ عن طبعهم ،وهي الخصال
التي تظهر عليهم منذ الصغر والتي يعددها ابن رشد في عشر(((� .إن منطق المدينة الفاضلة
يحكمه عند �أفلاطون وجود الفيلسوف ،و�إذا كان ابن رشد يساير المنطق ال�أفلاطوني
ف�إنه لا يجعله المنطق الوحيد ،بل �إن ابن رشد لا يرى ب�أسا في اجتماع الرؤساء ال�أخيار
وذوي الفضل على �إيجاد السياسة الفاضلة وحفظها ل ُتمسى رئاستهم رئاسة ال�أفاضل(((.
فوجود المدينة الفاضلة مرتبط بوجود الفضلاء من الناس((( ،و�إن كان هذا ال�أمر يستدعي
زمانا �أطول يسمح ب�أن يتعاقب على المدينة ملوك فضلاء لا يزالون يرعون هذه المدينة
ويؤثرون فيها �إلى �أن تصبح على �أفضل تدبير .فهذه المدينة تصبح فاضلة بال�أفعال وال�آراء؛
ال�أعمال الصالحة وال�آراء الحسنة((( .فالملوك المصلحون عند ابن رشد سبب في نش�أة
المدينة الفاضلة التي تتسم بالاجتماع الفاضل ،فبهذا الاجتماع يصل كل فرد في المدينة
- 1الضروري في السياسة ص 130
�- 2أفلاطون ،الجمهورية ص.175
- 3الجمهورية ص.179
- 4الضروري في السياسة ص 106
- 5الضروري في السياسة صص .138-137
- 6الضروري في السياسة ص .169
- 7الضروري في السياسة ص .121
- 8الضروري في السياسة ص.164
44
�إلى السعادة التي تسمح له بها قدراته ،فهواجس ساكنة هذه المدينة هواجس خ ّيرة� ،إذ �إن
لكل صنف من �أصناف هذه المدينة مقصدا واحدا هو مقصد السعادة ،وهو مقصد �آت
من قبل من يحكمهم من الملوك(((.
قد لا يكون رئيس المدينة الفاضلة ملكا ب�إطلاق كما يذهب �أفلاطون ،ولكنه قد
يكون ما يسميه ابن رشد "ملك السنة" .وابن رشد هو قارئ هنا لطبيعة المدينة ال�إ سلامية،
وملك السنة يتميز بخصلتين؛ �أولهما �أنه له قدرة على الاجتهاد ،والثانية �أن له قدرة على
الجهاد ،فهو بعبارة �أخرى فقيه مجاهد((( .وللمجاهد ،عند ابن رشد ،مواصفات محددة
فهو يجمع بين الضخامة ،والقوة ،والخفة(((.
ب -رئيس المدينة الكرامية.
يشترط ابن رشد لرئاسة المدينة الكرامية من يسميهم بالسادة ويجعل لهم صفات؛ فهم
كبار النفوس يجمعون بين القدرة والنصر ،بين الخير والنفع((( .وتمتاز هذه المدينة بتعاون
�أهلها على طلب الكرامة من حب القتال ،والسيادة الدائمة ،واليسار ،والنسب ،لاعتقادهم
�أن هذه الكرامات مقصودة لذاتها ،فيعظمونها مما يميزهم عن المدينة الفاضلة ،التي هي
�أقرب المدن �إلى المدينة الكرامية ،التي تسود فيها خاصة كرامة التساوي(((؛ ففي الوقت
الذي تكون الكرامات في المدن الفاضلة تابعة للفضائل ،تكون الكرامات مقصودة لذاتها
في المدن الكرامية؛ وتصبح الفضائل الحقيقية من بادئ الر�أي ليس غير((( .فهذه الفضائل
التي هي من بادئ الر�أي ،كالملابس الفاخرة ،واعتلاء عروش ال ّذهب ،واليسار ،والنسب،
وال�أفعال التي يبقى بعدها الذكر الحسن وغير ذلك ،تؤخذ ،في السياسة الكرامية ،على
�أنها كمالات وفضائل.
لكن عندما تجتمع هذه الفضائل في يد رئيس المدينة الكرامية وتكون "له القدرة على
�أن يوزعها على �أهل المدينة ثم يحفظها فيهم[ "]...ف�إن هذه المدينة تعرف نوعا من
العدل .لكن المدن الكرامية ال�أفضل تكون هي المدن المع ّراة عن الفضائل ،لظنّهم �أن
- 1الضروري ص 177وص .178
- 2الضروري في السياسة ص .169
- 3تلخيص الخطابة مرجع سابق ص.46
- 4الضروري في السياسة ،ص 171
- 5الضروري في السياسة مرجع سابق ص 171
- 6يعرف ابن رشد بادئ الر�أي ب�أنه "الظنون التي تخطر لل�إ نسان من �أول نظرة" الكشف عن مناهج ال�أدلة تح
محمود قاسم ،ص .203
45
الفضيلة ال�أولى هي استئهال الكرامة ،فيتعاونون على طلب ال�أفعال التي تبقى للمرء الذكر
الحسن((( ،فتضيع فيهم الفضائل الحقيقية.
ج -رئيس المدينة الشهوانية
لمدينة الشهوة �أكثر من اسم ،فهي "سياسة القلة" مرة ،ومرة"سياسة اليسار" ،و�أخرى
وقص ُد �أصحاب هذه المدن اللذات الحسية "رئاسة الخسة" ،و�أخرى "مدينة الثروة"(((ْ .
فقط((( .و�أمير هذه المدن حريص على جمع المال ،مسرف في �إنفاقه ،مست�أثر به ،ومن
هنا فهو �أكثر مدينته يسارا وقوة ،ويكون �أهلا للحكم �إذا استطاع �أن يقود مدينته �إلى
اليسار ويحفظه لها ((( .وتعتبر الثروة �أو اليسار ال�أساس الذي تقوم عليه هذه المدينة� ،إذ
هو المقصود من الاجتماع ،ولذلك تدور الصنائع عندهم على الفلاحة وال ّرعي والقنص
وتسود التجارة والسخرة .وهي بهذا تكون رئاسة قلة "ل�أن طلب المال يلزمهم �أن يكونوا
قلة بالضرورة ،و�أن تكون ال�أغلبية في هذه المدينة هم الفقراء"((( .وهي مدينة �أبعد عن
المدينة الفاضلة.
د -رئيس المدينة الجماعية
المدينة الجماعية مدينة الحرية ،فالناس فيها �أحرار من القيود ،يفعلون ما يرغبون فيه.
وهي مدينة يجتمع فيها ما تفرق في غيرها من المدن .ففيها قوم يحبون الكرامة ،و�آخرون
يحبون اليسار ،و�آخرون يحبون التغلب ،و�آخرون يحبون الفضائل وبها يتحركون .ومن
ثمة فهذه المدينة هي بالقوة جميع المدن ال�أخرى التي يمكن �أن تنش�أ فيها .ومن هنا
�أهمية هذه المدينة ليختار منها �أجود �أنواع المدن مما يتفق مع المجتمع الفاضل �إلى �أن
تقوم المدينة الفاضلة((( .و�إذا كان اليسار هو المقصود في مدينة القلة ،ف�إن المقصود في
هذه المدينة هو البيت ،فهي مدينة توجد من �أجل البيت ،ومن ثم فهي مدينة �أسروية(((.
والسيادة في هذه المدينة تكون ب�أمرين؛ �إما ب�إرادة المحكومين� ،أو وفقا لقوانين تحفظ
- 1الضروري في السياسة مرجع سابق ص 171و172
- 2تلخيص الخطابة ص.70
- 3الضروري في السياسة مرجع سابق ص179
- 4الضروري في السياسة مرجع سابق ص 173
- 5الضروري في السياسة مرجع سابق ص 174
- 6تلخيص الخطابة ص .207
- 7الضروري في السياسة مرجع سابق ص 175
46
للناس حقوقهم من �إرادة متسلطة((( ،فهي بهذا المعنى رئاسة باتفاق((( .وابن رشد يرفض
هذه المدينة رغم �أن �أرسطو يعتبر رئاسة العامة هذه قليلة الرداءة من �أجل �أن زوالها من
نوع السيرة قليل"(((.
هـ -رئيس مدينة وحدانية التسلط
يولي ابن رشد رئاسة وحدانية التسلط اهتماما كبيرا محللا نفسية حاكمها ،وعلاقاته،
وتحوله عن الرجل الجماعي .فسمة وحداني التسلط ال�أساسية �أنه رجل �أسير الرغبات
غير الضرورية ،وهي الجزء البهيمي في ال�إ نسان الذي يهيمن عندما يغفو العقل((( .ومن
هنا فهمه الوحيد هو قضاء شهوته حيث يصبح العشق والهوى محركه ال�أساسي .ولما لم
يكن له من سبيل �إلى �إشباع شهواته ،ف�إنه يوجد في توتر دائم مما يصيب نفسه بالضعف
ولا يجعل له على نفسه سلطان((( .ال�أمر الذي يجعله �أش�أم رئيس دولة عند ابن رشد؛
ِخداعا وشرا فهو :
والسعي �إلى مصلحتهم ،حتى -رجل مخادع �إذ يظهر ل�أهل مدينته حرصه عليهمّ ،
�إذا تمكّن منهم ،واستولى على �أموالهم ،و�أعجزهم خلعه� ،أشغل �أهل المدينة بالبحث عن
قوتهم اليومي.
-رجل "لا �أعظم شرا منه"((( ،بعبارة ابن رشد ،ورئاسته في غاية الجور ،فهو مجنون
الحكم طبعا وتسلطا :ف�إذا كان ه ّمه الوحيد قضاء شهوته ،ف�إنه لا يرمي ل�أهل المدينة
من الفتات �إلا بقدر ما يحتاجونه ويخدمونه به((( .وذلك لما ركب في طبعه من الحسد
والظلم وكره الناس((( ،مما يجعله عدوا لغالبية �أهل المدينة ،في ْزو ُّرون عنه مما يحدث
اختلالا في شخصيته ،ويقوى جنونه ،حتى �إنه ليخرج عن طوره ،ويصبح "حاله حال
السكران والمجنون" ،ويشتد في حسه عشق الرئاسة حتى �إنه "لا يريد الرئاسة على الناس
بل على الملائكة لو استطاع"((( .ويصبح �أمره مع قومه على اختيارين لا ثالث لهما؛
- 1الضروري في السياسة مرجع سابق ص 174
- 2الضروري في السياسة مرجع سابق ص 175
- 3ال�أخلاق ،ص.294
- 4الضروري في السياسة ص .197
- 5الضروري في السياسة صص203 - 202
- 6الضروري في السياسة ص .201
- 7الضروري في السياسة ص177
- 8الضروري في السياسة ص203
- 9الضروري في السياسة ص198
47
�إما أ�ن يقتلوه و�إما أ�ن يستبد بهم((( .لذا يسعى �إلى تكثير حراسه الشّ خصيين من غرباء
المدينة ويجعل منهم بطانته الخاصة به ،ويعمل على الفتك بخصومه وتطهير المدينة من
منافسيه(((.
�إن الشخصية التي تطبع رئيس المدينة ناتجة عن خلقه النفسي مما يجعل السلوك
السياسي تابعا ل�أخلاق النفس عند ابن رشد ،ويؤسس السياسة على ال�أخلاق عنده؛ ف�إن
�أخلاق النفس ثلاثة .فهناك المحب للحكمة ،وهو رئيس المدينة الفاضلة ،وهناك الغضبي
وهو �إذا ملكته العفة كان كراميا ،و�إذا ملكه ال�إ فراط كان متسلطا ،وهناك الشهوي المحب
للمال وهو الذي ير�أس مدينة القلة .لكن هذا لا يعني �أن السياسة لا تؤثر على �أخلاق
النفس ،بل �إن ابن رشد يؤكد "�أن السياسة القائمة لها �أثر في �إكساب الناشئ عليها خلقا
قائما ما" ،لكن هذا ال�أمر يؤسسه ،عنده ،علم ال�أخلاق نفسه� .إن علم ال�أخلاق يبين �أن
التعود هو طريق بلوغ الفضائل العملية ،في حين �أن طريق بلوغ العلوم النظرية هو التعلم.
السنن في تحول ال�إ نسان ال�أخلاقي و�أن من �أسباب بروز ال�أخلاق القبيحةومن هنا �أهمية ّ
هو فساد السنن والنواميس .وهو ال�أمر الذي يكاد يحكم منطق تحول المدن في القول
(((
-3 -
تحكّمت الموجهات الفقهية في نظر ابن رشد �إلى "جوامع سياسة �أفلاطون" ،وقد
تجلى هذا التحكم في قراءة ابن رشد جانبا من الفكر السياسي ال�أفلاطوني على ضوء
مخزونه الفقهي ومبادئه الشرعية .وهو ما سنحاول التقاطه من خلال "جمع" ابن رشد بين
التقليد الشرعي وثمراث الفلسفة ونقدمه في الصور التالية:
�أ -الدعوة �إلى الجهاد ،وذلك من �أجل حمل ال�أمم الضالة على سبيل الفضيلة؛ ف�إذا
كان �أفلاطون يعتبر الحرب سبيلا �إلى ت�أديب ال�أمم التي تجري على المجرى ال�أناني
ل�إ كراهها على الفضائل ،ف�إن ابن رشد يعتبره دعوة �إلى الله تعالى تفرضه الشريعة ال�إ سلامية
التي يؤكد طابعها ال�إ نساني((( .فابن رشد هنا يجمع بين تصورات ثلاثة للحرب :تصور
�أفلاطون وتصور ال�إ سلام ،وتصور �أرسطو �أيضا(((.
ب -لا يقبل ابن رشد �أن يكون الوجه الذي اختاره �أفلاطون لنش�أة المدينة الفضيلة هو
الوجه ال�أوحد .فقد تنش�أ المدينة الفاضلة على غير هذا الوجه ،والدليل على ذلك المدن
- 1الضروري ص .140
- 2الضروري في السياسة ص.141-140
- 3الضروري في السياسة ص.141
- 4انظر حمو النقاري ،كونية "المعلوم" عند �أبي نصر العارابي ضمن "العلم (المحلية والكونية) منشورات كلية
�آداب الرباط ط،1ص.36
- 5شحلان ،مرجع سابق ص .182
- 6الضروري في السياسة ص.81
- 7المدينة الفاضلة عند ابن رشد ،ص116
55
ال�أندلسية الفاضلة التي نش�أت على غير الوجه ال�أفلاطوني((( .ف َملكُ السنّة بالنسبة للمدينة
ال�إ سلامية مثلا هو كنسبة الفيلسوف في المدينة الفاضلة .فابن رشد هاهنا "يجمع" �أكثر
من �إمكانية لقيام المدينة الفاضلة ،ومن صورها وجود ملك السنة على ر�أسها ،وهو ما
يسمح لابن رشد بالقول عن المدينة الفاضلة ب�أن �أفقها م�أمول و�إمكانيتها متحققة ،وليست
سرابا ،كما يفهم من كلام �أفلاطون .وقد حرص ابن رشد على ت�أكيد ذلك بعرض صور
تحققت فيها هذه المدينة في تاريخ الجماعة المسلمة...
ج -يبدو لنا الجمع بين صور متعددة لحاكم المدينة الفاضلة ،في جملة مواصفات
يخلعها على ريئس الدولة ويعتبرها �أبو الوليد مترادفة� ،أو بعبارته "�أسماء �أشبه بالمتواطئة"،
ولكن مرجعياتها تبدو مختلفة؛ فالحاكم هو "الفيلسوف" ،وهو "الملك" ،وهو "واضع
الشرائع" ،وهو "ال�إ مام" ،وقد يكون"نبيا"((( .وهذه ال�أوصاف تبرز طبيعة �آلية "الجمع"
عند فيلسوفنا الذي يبدو �أنه كان يقصد جمع �أشتات المعارف ونظمها في خيط نظري
واحد ،انسجاما مع نزوعاته التّوحيدية وتبرمه من الفرقة والخلاف في السياسة والاجتماع.
د -الجمع بين فضيلة الشريعة القر�آنية والنّواميس ال�أفلاطونية في التربية وك�أنهما لا
يتعارضان جمع غريب عند �أبي الوليد� ،إذ �إن ما تشكله النّواميس ال�أفلاطونية من �أساس
تشريعي للمدينة الفاضلة اليونانية ،تشكل في جزئها ال�أكبر �إذا جمعت مع الشريعة
ال�إ سلامية ،في مقاصدها الكبرى ،ال�أساس التشريعي للمدينة الفاضلة في المجتمع
ال�إ سلامي .ويبدو هنا �أن ابن رشد يجمع بين �أفلاطون "القوانين" �-إذا صح التعبير-
وال�إ سلام� ،إذ �إن �أفلاطون "الجمهورية" لم يكن على وعي ب�أهمية التشريع في المدينة
كما كان �أفلاطون "القوانين"� ،أي �أفلاطون نواميس �أفلاطون" كما حضر عند �أبي نصر
في كتابه الذي لا نشك �أنه من الكتب التي وجهت ابن رشد في عمله السياسي رغم
سكوته عنه .فالرئيس الفاضل عند �أفلاطون ،في الجمهورية ،هو القانون� ،أما عند ابن رشد
فالنواميس التي هي �أساس قيام المدينة لديه يخضع لها الرئيس والمرؤوسون .وهذا الاهتمام
بالنواميس ،هو فضلا عن مصدره ال�أفلاطوني عبر �أبي نصره ،له �أيضا مصدر �أرسطي
كما تجلى ذلك �إما في كتاب "ال�أخلاق" ،وهو الكتاب الذي حظي بقراءة رشدية �أشبه
بالعرض ،واعتبر فيه �أرسطو الاهتمام بوضع التشريعات والنواميس �أحد �أقسام علم السياسة،
- 1الضروري في السياسة ص164
- 2يبدو �أن ابن رشد تحرج في "الضروري في السياسة" من الخوض في معالجة السؤال ال�آتي "هل يكون ال�إ مام
نبيا"؟ فقد اعتبر هذا الفحص دقيقا ،ووعد ببحثه في كتاب ال�أخلاق ،و�إن اعتبره بحثا على جهة ال�أفضل ص136
.-137
56
�أو بعبارة �أرسطو" ،الفلسفة في ال�أشياء ال�إ نسية" ،وهنا يؤكد �أرسطو �أهمية النّظر الكلي
في النواميس((( .وهو ما يلتفت �إليه ابن رشد في كتابه السياسي حين يؤكد �أهمية التربية بـ
"النواميس الكلية"((( ،وكذلك بـ "النواميس الدينية" ،التي ينظر �إليها ابن رشد على �أساس
�أنها ال�أشياء ال�إ لهية التي تهم المدن ،وهي التي يجب عدم التدخل فيها بالتعديل "ل�أنها
كالمشتركة لجميع الشرائع و�أمور الناموس"(((� .أو تجلى في "تلخيص كتاب الخطابة"
عند حديث ابن رشد عن السنن المكتوبة وغير المكتوبة ،ولعل هذا الوعي بالتشريع في
بناء المدن من ثمار شعور ابن رشد بخصوصية المجتمع ال�إ سلامي ،ولعل هذا الشعور
نفسه هو الذي حرك ابن رشد مع "شرح الجمهورية" �إلى كتابة "بداية المجتهد" الذي
يقدم التشريع العملي للمدينة في عباداتها ومعاملاتها .وكتابة "مناهج ال�أدلة" الذي يقدم
مجمل ال�آراء النظرية التي لا يسع ساكنة المدينة الجهل بها .وتقديم ال�أدوات الممكنة
لواضعي السنن من المجتهدين من حكام المدينة ال�إ سلامية الفاضلة ،لممارسة فعل �إنشاء
السنن ،وهو فعل الاجتهاد من خلال كتب محددة؛ "بداية المجتهد" نفسه و"الضروري
في ال�أصول" و"الضروري في النحو" .وهو الفعل الذي يخرج رئيس المدينة ال�أفلاطونية
الفاضل في ثوب �إسلامي سافر.
هـ � -إن العفة عند �أفلاطون خاصة بطبقة معينة وهي عند ابن رشد مشتركة بين كل
الطبقات ،فابن رشد تعلم من "ال�أخلاق" �أن "العفيف [هو الذي] يشتهي على حسب
ما يوجب التمييز الصحيح"((( ،فالعفيف "يشتهي ما ينبغي �أن يطلب ،وعلى النحو الذي
ينبغي ،وفي الوقت الذي ينبغي ،وكذلك �أيضا يرتب التميي ُز هذه ال�أشياء"((( .وابن رشد
ي�أخذ هذا الخلق الذي م َّيز به �أفلاطون فئة معينة فيجعله ساريا في جميع �أجزاء المدينة(((،
انطلاقا من حساسيته الشرعية ،ل�أن نقيض العفة هو الفسق((( ،وهو ما لا يقبله فقيه في
مدينته.
و -يشرع �أفلاطون الزواج لطبقة الحراس فقط� ،أما ابن رشد ،فانطلاقا من موجهاته
الفقهية فيشرعه لساكنة المدينة جميعها.
� - 1أرسطو ،ال�أخلاق مرجع سابق ص .362
- 2الضروري في السياسة ،ص114
- 3الضروري في السياسة ،ص.115
� - 4أرسطو ،ال�أخلاق ،ص.138
- 5ال�أخلاق ،المرجع السابق ص.139
- 6الضروري في السياسة ص77
- 7محمد جبر ،الفكر الفلسفي وال�أخلاقي عند اليونان� ،أرسطو نموذجا ،دار دمشق ،ط 1ص.1994
57
ز -يفترض التكوين العلمي للفيلسوف نسقا علميا فلسفيا نظّر له كل من �أفلاطون
و�أرسطو لكن ابن رشد سيضيف ،لهذا النّسق ،مادة علمية �أخرى؛ مادة شرعية تشكل
الجانب الناموسي في شخصية ال�إ مام وتعتبر ضرورية لحاكم المدينة الذي يعتبر الاجتهاد
من �أهم خصائص شخصيته .وابن رشد و�إن كان لم يصرح في كتابه "الضّ روري في
السياسة" ببرنامج تعليمي شرعي خاص لحاكم المدينة ،ف�إن �َأخْ َذ تفكيره السياسي في
مجمل مقاصده يؤدي �إلى هذه النتيجة المنطقية من ضرورة الجمع بين المعارف الفلسفية
والمعارف الشرعية لتكوين شخصية الحاكم؛ جمعا على الحقيقة �أو جمعا على سبيل
التعاون العلمي.
ح � -أخذ ابن رشد مفهوم العدالة من �أفلاطون و�أضفى عليه مسحة �أرسطية ظاهرة هي
من ثمار نزوعه الواقعي في المدينة ،ولعله �أيضا من ثمار شخصيته الفقهية التي تنظر �إلى
المدينة نظرة مساواة قانونية بين �أجزائها؛ يجاري ابن رشد �أفلاطون في �أن العدالة هي "�أن
يفعل كل واحد من �أهلها [�أي من �أهل المدينة] ما هو مخصوص بفعله"((( ،ولكنه يسمي
هذا الضرب من العدالة باسم يورده �أرسطو في "كتاب ال�أخلاق" وهو مفهوم "العدل
المدني"((( ،وهذا العدل يعني به �أرسطو القوانين العادلة التي تضعها الدولة سواء كانت
واحدة �أو مختلفة((( .نفس المفهوم نجد ابن رشد يفصل القول فيه في كتابه السياسي
عندما يؤكد �أن العدالة "تمنح المدينة السلامة البقاء طالما بقيت قائمة فيها ،كما تعطيها
الفضائل الثلاث [ ]...ويحصل لها ذلك عندما يجتمع ر�أي السادة والجمهور على
احترام ما توجبه النواميس .ويرسخ ذلك في ال�أطفال والنساء والعبيد والجمهور ،وبالجملة
في جميع �أجزائها [� ]...إن هذه المدينة تسوي بين �أجزائها[ ((("]...عندما يؤدي كل
فرد فيها الوظيفة الخاصة به ،وهو ما ينتصر له �أفلاطون في الجمهورية((( ،ويسميه ابن
رشد بـ "العدل المدني" .وهكذا يجمع ابن رشد بين العدل عند �أرسطو الذي يقضي �أن
"ال�أفراد جميعا متساوون �أمام القانون"((( والقول ب�إمكان انتقال ال�أفراد عبر الطبقات �إذا
- 1الضروري في السياسة ص 120
� - 2أرسطو ،ال�أخلاق ،ص .191والضروري في السياسة ص.120
� - 3أرسطو ،ال�أخلاق ،ص ،192وكذلك ،محمد جبر :الفكر الفلسفي وال�أخلاقي عند �أرسطو مرجع سابق ص.109
- 4الضروري في السياسة ص.120
� - 5أفلاطون ،الجمهورية ،ترجمة فؤاد زكرياء المؤسسة المصرية العامة للت�أليف والنشر ص 139وص 140وص .141
� - 6أميرة حلمي مطر ،الفلسفة عند اليونان ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1977 ،ص.336
58
كان مؤهلاتهم تسمح بذلك ((( ،مع الحرص على "�أن يعمل كل واحد في المدينة العمل
الذي هو مهي�أ له بطبعه و�أن يقوم به ب�أكمل وجه"((( تحقيقا لمفهوم العدل ال�أفلاطوني.
***
�إن عكوف ابن رشد على ت�أمل كتاب �أفلاطون وشرحه على المعنى يعتبر عملا جريئا
�أرجع �إليه البعض سبب ما تعرض له ابن رشد من نكبة((( ،و�إن لم يكن السبب الوحيد
عند البعض ال�آخر ((( .لكن هذا "الفيلسوف العظيم" ،وهذا "الحكيم الخبير" ،وهذا
(((
"الفيلسوف ال�إ لهي الحكيم" ،وهذا "القاضي الكامل الفقيه المحترم المتمكن ال�أوحد"
قدّم من خلال هذا الكتاب عملا فلسفيا متميزا لم يجد مع ال�أسف من يست�أنف القول
فيه ،ولعل في ظروف الاستبداد التي عاشها ،ويعيشها ،العالم ال�إ سلامي بعض ما يفسر
ذلك(((.
لا يتعدى �إلى غيره(((� ،أو حمل المجمل على المفسر عند من يرى التعارض في حين
لا تعارض بينهما عند ابن رشد(((� ،أو ترجيح القول على الفعل وحمل الفعل على
الخصوص((( .و�أحيانا نجد ابن رشد يضع بعض القواعد العامة في هذا الاتجاه مثل
قاعدة "عند تعارض الفعل والقول الوجه الجمع �أو تغليب القول"((( .وكذلك من صور
الجمع بناء العام على الخاص (((� ،أو بناء الخاص على العام( ((1وهو المعروف بمذهب
البناء .والفرق بين الجمع والبناء �أن كليهما يؤمان الجمع بين ال�أحاديث "�إلا �أن الباني
- 1الغزالي ،المستصفى ص197
- 2البداية ج 1ص.489
- 3البداية ج 2ص 469
- 4البداية ج 2ص .92
- 5البداية ج 3ص 22
- 6البداية ج 3ص 152
- 7البداية ج 3ص .435
- 8البداية ج 4ص .292
- 9البداية ج 2ص 171وج 5ص .327
- 10البداية ج 2ص 193
95
ليس يرى �أن هناك تعارضا فيجمع بين الحديثين ،و�أما الجامع فيرى �أن هناك تعارضا
في الظاهر"(((.
�إذا كان ابن رشد يثمن مذهب "الجمع" ويجعله �أولى المذاهب وواجبا �إذا �أمكن،
ويؤثره على الترجيح((( ،ف�إن هذا لا يعني �أنه لا يفزع �إلى هذا المنهج ال�أخير في الت�أويل؛
�أعني الترجيح �إذا لم يكن منه بد((( كما نجده يفعل عند دفاعه على طريقة ابن حزم
ال�أندلسي في الترجيح عند تعارض حديثين "�أحدهما فيه شرع موضوع ،وال�آخر موافق
لل�أصل الذي هو عدم الحكم ،ولم يعلم المتقدم منهما من المت�أخر ،وجب �أن يصار �إلى
الحديث المث ِبت للشرع ،ل�أنه وقد وجب العمل بنقله من طريق العدول ،وتركه الذي ورد
�أيضا من طريق العدول يمكن �أن يكون ذلك قبل شرع ذلك الحكم ،ويمكن �أن يكون
بعده ،فلم يجز �أن نترك "شرعا وجب العمل به بظن لم نؤمر �أن نوجب النسخ به �إلا لو
نقل �أنه كان بعده[]...فلا يرتفع بالشك ما ثبت بالدليل الشرعي"((( .كما نجد ابن رشد
في مس�ألة فقهية �أخرى ،مس�ألة "الحجامة للصائم" ،ينتصر بطريق غير مباشر ،عند النظر في
حديثين متعارضين ،للترجيح على حساب مذهبي الجمع والرجوع �إلى البراءة ال�أصلية" (((.
لكن مذهب الجمع يظل �أثيرا عند ابن رشد مثلما كان �أثيرا عند �أصحاب مالك الذين
يرون هذا المذهب في الت�أويل ،في مقابل الترجيح .الجمع ليس هدفا في حد ذاته� ،إنه
- 1البداية ج 1ص.569
- 2البداية ج 6ص .39
- 3لفهم مذهب الترجيح كطريقة من طرق الت�أويل الفقهي يمكن الرجوع �إلى �أبي الوليد الباجي �أحد �أقطاب
المدرسة المالكية المت�أخرة -بشهادة ابن رشد -والذي كان يفزع �إليه كثيبرا .فقد خصص الباجي في كتابيه
"المنهاج في ترتيب الحجاج" صص 139 - 221وكتابه �إحكام الفصول في �إحكام ال�أصول" صص776 - 739
صفحات تطول �أو تقصر من �أجل التعرف على هذا المنهج و�إن كان الباجي عرضه في �إطار المنافحة عن مسائل
يذهب �إليها المالكية �أو ينتصر �إليها هو و�إن خالف فيها �أصحابه بل وشيوخه كما نجده في بعض مواقفه من شيخه
الشيرازي (�إحكام الفصول صص 771و .)773فـ"الترجيح -عند الباجي -طريق لتقديم �أحد الدليلين على ال�آخر"
(كتاب المنهاج ص )221وحول الترجيح في �أخبار ال�آحاد يقول الباجي �إن هذا الترجيج "يراد لقوة غلبة الظن
ب�أحد الخبرين عند تعارضهما" ويقدم �أدلة من �إجماع السلف الصالح على تقديم بعض ال�أخبار ال�آحاد على بعض
وك�أنه يؤسس لشرعية الترجيح؛ فالخبران �إذا وردا وظاهرهما التعارض ولم يمكن الجمع بينهما بوجه ،ولم يعلم
التاريخ فيجعل �أحدهما ناسخا وال�آخر منسوخا رحج �أحدهما على ال�آخر بضرب من الترجيح ،والترجيح يكون في
موضعين في ال�إ سناد ويكون في المتن ،ويقدم الباجي �أحد عشر ضربا من الترجيح الذي يكون من جهة ال�إ سناد
(�إحكام الفصول صص )750 741-ومثلها من الترجيح الذي يكون من جهة المتن (نم صص )-759 751ثم
يقدم الترجيحات التي تكون من جهة المعاني والمقاييس (نم صص .)771-763وقد �أوجز الباجي القول في هذه
الترجيحات الثلاث في كتابه "المنهاج".
- 4البداية ج 2ص .99
- 5البداية ج 3ص .173 - 172
96
منهج يحافظ على القيمة العلمية لل�أخبار ودرجة تصديقها مثله في ذلك مثل مذهب
التخيير الذي قال به الطبري على الخصوص .فعند عند تعارض ال�أحاديث وتعذر الجمع
�أو النسخ �أو الترجيح "ذهب كثير من الفقهاء �إلى �أنـ[ها] على التخيير " وهو مذهب
صواب عند ابن رشد ((( .ويبدو هذا المذهب �أكثر وضوحا عند عرض ابن رشد لهيئات
الجلوس في الصلاة والتي جاءت فيها �أحاديث متعارضة حيث يعرض ابن رشد لقول
وح َس ٌن فعلها لثبوتها عن رسول الله صلى الله
الطبري �إن "هذه الهيئات كلها جائزةَ ،
عليه وسلم" .ويثمن �أبو الوليد هذا الموقف ويصفه بالحسن معللا "�أن ال�أفعال المختلفة
�أولى �أن تحمل على التخيير منها على التّعارض" ،ل�أن التعارض "يتصور �أكثر في الفعل مع
القول �أو في القول مع القول"((( ،فضلا عن �أن ال�أفعال -عند ابن رشد -كثيرا ما يتطرق
�إليها الاحتمال(((.
انتصار ابن رشد للمذاهب التي تحفظ على ال�أخبار قوتها التصديقية يقابله عدم
تثمين المذاهب ال�أخرى التي توهن ال�أخبار ،رغم قوة بعضها عنده((( .فابن رشد ليس مع
مذهب الترجيح ولا مع مذهب الرجوع �إلى البراءة ال�أصلية الذي يقول به داود الظاهري
والذي بموجبه ينبغي الرجوع �إلى ال�أصل عند التعارض ،ل�أن الشك يسقط الحكم ويرفعه
كما يحكي عنه ابن رشد((( .وليس مع مذهب استصحاب حال ال�إ جماع الذي يقول به
الظاهرية عند تعارض ال�آثار مما يسقط حكمها ويضطر معه �إلى المصير �إلى استصحاب
حال ال�إ جماع((( .وليس مع مذهب النسخ الذي يذهب �إليه الجمهور �أحيانا والذي يلحقه
ابن رشد �أحيانا بمذهب الترجيح(((.
لايجد مذهب "الجمع" ،الذي �آثره ابن رشد على غيره من المذاهب ،قيمته العلمية
�إلا عند صحة ال�أحاديث المتعارضة .من هنا ينبه ابن رشد �إلى عدم المصير �إلى هذا
- 1البداية ج 2ص .231
- 2البداية ج 2ص ،258ويذكر الشاطبي في الموافقات �أن ابن الطيب وغيره قال في ال�أدلة �إذا تعارضت على
المجتهد واقتضى كل واحد ضد حكم ال�آخر ولم يكن ثم ترجيح ،فله الخيرة في العمل ب�أيها شاء ،ل�أنهما صارا
بالنسبة �إليه كخصال الكفارة ج 5ص .69-68
- 3البداية ج 2ص 368
� - 4أقصد هنا مذهب استصحاب ال�إ جماع.
- 5البداية ج 2ص .99
- 6البداية ج 2ص .129وج 6ص .14
- 7هل مذهب الترجيح والنسخ مذهب واحد؟ �إننا نجد ابن رشد �أحيانا يجمع بينهما (البداية ج 2ص )193و�أحيانا
يميز بينهما (البداية ج 1ص 569وج 2ص )72لكن يبدو �أن ما يميز بينهما �أن مذهب النسخ يرفع الاحتمال كما
يسجل ابن رشد (البداية ج 2ص )223في حين �أن مذهب الترجيح يوهن خبرا لصالح خبر (البداية ج 1ص )489
97
المنهج في الت�أويل �إلا عند تعارض ال�أحاديث التي ثبتت صحتها أ�ولا((( ،وهو المنهج الذي
يجعل المذهب المالكي -كما يسجل ابن رشد� -أولى المذاهب� ،إذ به تجتمع ال�أحاديث
كلها ،كما فصلت القول في ذلك المدرسة المالكية المت�أخرة ب�أقطابها الثلاث؛ الباجي
وابن رشد الجد والمازري(((شيخ ابن رشد الحفيد.
كما �أن هذا المنحى في التفكير سيقذف بابن رشد �إلى ال�إ سهام في هذه العملية
التجديدية التي عرفتها الثقافة ال�إ سلامية حين �أقدم على الجمع بين الفقه والحديث ،كما
فصلنا القول في موضع سابق ،ونحن نذكر بهذا المعطى هاهنا ،لوضع ال�أمر في سياقه
الكلي الذي بدا لنا �أنه يحكم الفكر الرشدي في هذا المجال.
ولعل هذا الهاجس وراء هذا ال�إ حساس المرهف الذي يتميز به ابن رشد ،والذي
قد يدلنا على جانب فريد في شخصية هذا الفقيه -الفيلسوف الذي كان يشكو دائما
من تقاطع الناس والبغضة الواقعة بينهم ويدعو الله ،بقلب كسير� ،أن يتدارك الناس مما
يقع بينهم بيمنه وفضله((( ،مؤسسا ذلك على �أساس شرعي يتمثل في كراهية الشرع
للاختلاف((( ،وعلى �أساس مدني يعتبر �أن �أفضل السياسة هي التي تجمع وتوحد((( ،مما
يجعل لهذه الرغبة في "الجمع" عند ابن رشد بين الفرقاء المتصارعين دلالات �أخلاقية
تضرب في عمق تكوينه النفسي والفكري وفلسفته الاجتماعية .وللجمع بين بعض
ال�أقاويل المتعارضة ذات القوة الدلالية التي تتكاف�أ عنده ،دلالات تقربنا من الشخصية
الفقهية العميقة لابن رشد.
لعل هذه الدلالة الفقهية التي عبر عنها كتاب "البداية" وانتصر لها ابن رشد مع التقليد
المالكي حاضرة في الطب والمنطق ثم في علم النفس وما بعد الطبيعة؛
- 1د .محمد المصباحي� ،أنحاء الوحدة وتجلياتها عند ابن رشد ،السفر ال�أول� ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في
الفلسفة ،مرقونة بكلية �آداب الرباط ص.182
� - 2أنحاء الوحدة وتجلياتها ،...المرجع السابق ص،183
�- 3أنحاء الوحدة وتجلياتها ...المرجع السابق ص 183
�- 4أنظر �أنحاء الوحدة...المرجع السابق ص .184حيث يربط ال�أستاذ المصباحي الممارسة الرشدية بمهنة القضاء
بقوله� " :إن الفعل الفلسفي كما تصوره �أبو الوليد كان يعكس مزاج وروح القضاء الذي كان يمارسه ك�أحد �أهم
مهام المدينة ،فقد كان الفعل الفلسفي عنده فعل استيعاب المواقف المختلفة ..فعل تجاوز التضارب بين ال�أقوال
�إلى قول �آخر يتجاوزها "..وهو الفعل الذي نزعم �أنه تم توظيف مفهوم الجمع الفقهي من �أجل ممارسته.
112
الفصل الثاني
الجمع في السياسة
تكتسي �أحاديثنا عن الجمع في الفقه والطب والمنطق وعلم النفس وما بعد الطبيعة
�أهميتها وقوتها من بيان منزلة الفقه في الاشتغال الفلسفي الرشدي .ذلك ما يحفزنا �إلى
مغامرة علمية نروم من ورائها الحديث عن الجمع في السياسة.
عندما نتحدث عن "الجمع بين الحكيمين" في السياسة عند ابن رشد ،فنحن لا
نقصد بذلك جمعا على طريقة �أبي نصر الفارابي .حقا� ،إن ما فعله الفارابي مع �أفلاطون
و�أرسطو من جمع يكاد يقترب مما فعله الفقهاء عند عرضه لل�آراء في تعارضها ،ولكنه
يختلف عنهم في �أمر هام .ف�إذا كان الفقهاء يلجؤون �إلى الجمع من �أجل الاحتفاظ بقوة
ال�آراء التي تبدو متعارضة ،ف�إن الفارابي يلج�أ �إلى �آراء �أهل زمانه التي تقيم تعارضا بين �آراء
�أفلاطون و�أرسطو ،لكن عوض الحفاظ على تعارضها� ،أو ردها �إلى التعارض الشهير بين
�أرسطو و�أفلاطون ،كما تفصح عنه كتاباتهما ،ثم الاجتهاد في البحث عما يجمع بينها
من ت�أويل ،ف�إنه قد عمل على تفنيد �آراء �أهل زمانه ليجمع بين ر�أيي الحكيمين انطلاقا من
نص خارج نصوص الحكيمين .فك�أن الفارابي استنجد بنص ثالث للتقريب بين نصين
متعارضين ولبيان �أنهما يؤمان مقصدا واحدا ،ولعل هذا ما جعل ابن رشد لا يرضى عن
محاولة المعلم الثاني هذه((( .فقد جمع �أبو نصر بين �أفلاطون و�أرسطو جمعا في كتاب
يعتبر في تاريخ الفلسفة كتابا منحولا� ،أقصد "�أثولوجيا �أرسطو"� ،إذ �إن �إيمان الفارابي
بوحدة الحقيقة ،وانشغال متفلسفة عصره ب�إبراز التناقضات بين الحكيمين ،اضطرته �إلى
�إيجاد غطاء نظري واحد لقطبـي الحكمة في عصره �أفلاطون و�أرسطو((( ف�أسعفه كتاب
�أثلوجيا بتحقيق مقاصده الفلسفية(((.
- 1تلخيص كتاب النفس ،نشرة ال�أهواني ص .85
- 2يقول �أبو نصر .." :ف�إني ر�أيت �أكثر �أهل زماننا قد تحاضوا وتنازعوا ..وادعوا �أن بين الحكيمين المقدمين
المبرزين اختلافا � ...أردت في مقالتي هذه �أن �أشرع في الجمع بين ر�أييهما وال�إ بانة عما يدل عليه فحوى قوليهما
ليظهر الاتفاق بين ما كانا يعتقدانه ،ويزول الشك والارتياب عن قلوب الناظرين في كتبهما ،و�أبين مواضع الظنون
ومداخل الشكوك في مقالاتهما ،ل�أن ذلك من �أهم ما يقصد بيانه ،و�أنفع ما يراد شرحه و�إيضاحه" كتاب الجمع
بين ر�أيي الحكيمين تقديم وتعليق �ألبير نصري نادر ط 3دار المشرق 1980ص .79
- 3حول هذه النقطة انظر د .محمد عابد الجابري ،نحن والتراث دار الطليعة بيروت ط 1980 ،1صص .82-81
115
لكن لا بد من ال�إ شارة هنا �إلى �أن هذا الجمع بين �أفلاطون و�أرسطو ليس جديدا على
الثقافة الفلسفية ال�إ سلامية� ،إنما هو مذهب من المذاهب التي عرفها التقليد ال�أسكندراني
الفلسفي القديم ،ولعل �أبا نصر نفسه ت�أثر به .فهذا سمبليقيوس يقول في كتاب المقولات
ل�أرسطو�" :إذا ظهر الخلاف بين �أرسطوطاليس و�أفلاطون ،فالقاعدة �أن لا تقف عند ظاهر
المعنى ولا يعتقد بوجود الخلاف حقيقة بين الحكيمين بل ينبغي عليك �أن تستقصي
معناهما ،فتجدهما موافقين لا محالة"((( .بل �إن الفارابي نفسه يذكر في كتابه "الجمع بين
ر�أيي الحكيمين" رسالة ل�أمونيوس جمع فيها �أقوال �أفلاطون و�أرسطو في �إثبات الصانع(((.
سيستمر هذا الجمع في التقليد الفلسفي ال�إ سلامي :فنجد البطليوسي لا يرى فرقا بين
الحكيمين في كثير من المسائل التي عرضها في "الحدائق"((( ،كما نجد ابن باجة يفزع
�إلى �أفلاطون في نصوصه التي كتبها ابتداء ،وسيحضر �أستاذ �أرسطو مع تلميذه في "تدبير
المتوحد" في جمع يذكرنا بالجمع الذي قام به ابن رشد ،كما سنفصل فيما بعد.
�إذا كان �أبو نصر قد �أقدم على الجمع بين الفيلسوفين من خلال كتاب منحول،
ومقتفيا تقليدا قديما ،ف�إن ابن رشد سـ"يجمع" بينهما بسبب غياب كتاب ارسطو في
السياسة ،كما صرح بذلك .لكن فيلسوفنا يختلف عن �أبي نصر في �أنه في كتاباته
الفلسفية �إجمالا ،لا يؤمن ب�أن الفيلسوفين اليونانيين متطابقان في تفكيرهما� .إن انتصار
"الشارح ال�أكبر" ل�أرسطو �أظهر من �أن يشار �إليه ،وتقديره ل�أفلاطون تقدير واضح ،لكن
هذا �أمر ،والفروقات بينهما في حسه فروقات متمايزة؛
تقدم لنا مقالات تفسير ما بعد الطبيعة �أوضح نموذج لهذه الفرو قات التي يظهر فيها
�أفلاطون خصما ل�أرسطو خاصة في نقد هذا ال�أخير لنظرية الصور ال�أفلاطونية من خلال
حجج تبين �أن هذه النظرية لا تفيد لا في قيام العلم ولا في تفسير كون الوجود(((� .إن
نظرية الصور ال�أفلاطونية على الخصوص �أخذت حيزا كبيرا في نقد ابن رشد في تفسيره
- 1ذكره دافيد سانتلانا في :المذاهب اليونانية الفلسفية في العالم ال�إ سلامي،تح ونقديم وتعليق محمد جلال شرف،
دار النهضة العربية ،1981 ،ص89-88
- 2يقول الفارابي " :ول�أمونيوس رسالة مفردة في ذكر �أقاويل هذين الحكيمين في �إثبات الصانع استغنينا لشهرتها
عن �إحضارنا �إياها في هذا الموضوع ،"..الجمع بين ر�أيي الحكيمين ،قدم له وعلق عليه �ألبير نصري نادر دار
المشرق بيروت ط 3ص.102
- 3البطليوسي ،الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة ،تقديم عبد الكريم يافي ،اعتناء محمد رضوان
الداية،دار الفكر دمشق ،ط 1988 1صص 123-90-89-54-53 - 45
- 4مقالة الزاي ص 838ومقالة اللام .1403
116
للميتافيزيقا ال�أرسطية((( ،ولعل مرد ذلك عناية �أرسطو بها من جهة ،وكونها �أيضا مذهبا
لخصم ابن رشد الفلسفي؛ ابن سينا((( .بل �إن ابن رشد يسجل على الشيخ الرئيس و�أبي
نصر ،ميلهما معا �إلى مذهب �أفلاطون لكونه "قريب الشبه مما يعتقده المتكلمون من
�أهل ملتنا"(((.
�إن شعور ابن رشد بالفروق بين �أفلاطون و�أرسطو ،وخلافه التقليدي مع علم الكلام
ومع الفارابيين ،لم ُي َخ ِّسس في عينيه شخصية فلسفية كبيرة مثل �أفلاطون ،بل �إنه يعتبر
مذهب �أفلاطون �إلى جانب مذهب �أرسطو "منتهى ما وقفت عليه العقول ال�إ نسانية"(((.
لمذهب �أفلاطوني ،فنجده يعتبر ر�أيا له
ِ من هنا هذا التثمين الذي نصادفه مرة بعد المرة
�أقنع ال�آراء ر�أيا((( ،ويعتبر قولا له "في غاية العلم" ،وينتصر ل�أفلاطون على الغزالي الذي
(((
استعمل قولا سفسطائيا في �إبطال مذهب له((( .بل نكاد نجد ابن رشد يجمع بين من
سماهم "�آل ارسطاطاليس و�آل �أفلاطون" في سياق دفاعه عن �أرسطو الذي اتهمه �أصحاب
�أفلاطون ،لقولهم بحدوث العالم ،ب�أنه عندما وضع �أن العالم قديم "ف�إنه لا يرى �أن للعالم
صانعا ،فاحتاج "�أصحاب �أرسطو �أن يجيبوا عنه ب�أجوبة تقضي �أن �أرسطو يرى �أن للعالم
صانعا وفاعلا" ،وينتصر ابن رشد لهذا الر�أي في تقديمه لدليل الحركة((( .فهذا الجمع
بين �أفلاطون و�أرسطو في قولهم معها بالصانع الفاعل له دلالة كبيرة في هذا السياق ،وهو
يفتح على نقاش فلسفي �آخر حول الت�أويل الذي �أوله �أرسطو ل�أفلاطون وق َّوله "حدوث
العالم" باعتباره من ال�أقدمين الذي يقول وحده ب�أن العالم محدث((( .كما �أن ابن رشد،
مع �أرسطو ،يثمنان -معا -مذهب �أفلاطون في الكلام السفسطائي باعتباره يمس ما "ليس
بموجود [وما ليس] داخلا في الموجود[..وذلك ل�أن] كلام السوفسطائي هو فيما
بالعرض" عند �أفلاطون(.((1
- 1انظر على الخصوص مقالة ال�ألف الكبرى ص . 68مقالة الباء ص 237وص 294مقالة اللام ص1417
وصص1483-1480
- 2التهافت ص .407
- 3مقالة الزاي ص886
- 4تهافت التهافت ص187
- 5تهافت التهافت ص.177
- 6التهافت ص 433
- 7التهافت ص.29
- 8التهافت ص 172-171
- 9انظر مثالا على هذا النقاش في فيدون ،مرجع سابق147-144 ،
- 10مقالة الهاء ص719
117
�إن حرص ابن رشد على تعليل كثير من ال�آراء ال�أفلاطونية دليل على احتفائه بهذا
الفيلسوف الذي دشّ ن مع سقراط القول في "تدبير المدن" عندما انتبها �إلى السبب
الغائي((( ففتحا بذلك قارة "السياسة" .فهل يكون هذا ال�أمر هو ما �ألج�أ ابن رشد �إلى
�أفلاطون ال�إ لهي؟ وهل كان ابن رشد يؤمن ،فعلا ،بوحدة الحقيقة في السياسة بين
الحكيمين ،بعدما �أبرز عدم �إيمانه بوحدتها عنده في الفلسفة الطبيعية والميتافيزيقا؟ �أم
�أن الحادث العرضي ،الذي نسب �إليه ابن رشد لجوءه �إلى �أفلاطون ،كاف في تبرير هذا
الجمع؟ وما دور �أبي نصر وابن باجة في هذا الجمع؟ وهل كان من السهل على ابن رشد
الجمع بين فيلسوفين بينهما من التعارض الكثير على مستوى النظر السياسي وعلى مستوى
الكتابة السياسية؟ وكيف صنع ذلك؟
جملة �أسئلة نحاول فحصها في هذا الفصل.
-1-
لا يترك ابن رشد قارئه في حيرة بسبب عدوله عن كتاب "السياسة" ل�أرسطو واحتفاله
بجمهورية �أفلاطون ،فهو يصرح ،في البدايات ال�أولى للكتاب ،ب�أن هذا العدول سببه
غياب النص ال�أرسطي من الحقل الفلسفي ،في عصره ،غيابا مطلقا .و�أن هذا الاحتفال
سببه ما يحفل به نص �أفلاطون من معطيات سياسية هي من صميم القول الفلسفي-
العملي رفعها ابن رشد �إلى درجة القول البرهاني .و�إن كان هذا التصريح بالعدول وهذا
الضرب من الاحتفاء يطرحان كثيرا من ال�إ شكالات على دارس الفكر الرشدي:
ف�أما التصريح بالعدول فهو تصريح مباشر� ،إذ يقول ابن رشد في سياق �إقباله على الجزء
الثاني من العلم المدني�]...[" :إنا لم نحصل على كتاب �أرسطو [في السياسة].((("...
�أما التصريح بالاحتفاء فبعضه مباشر وبعضه غير مباشر .والمباشر قول ابن رشد في
نفس السياق السابق ":والثاني [�أي القسم الثاني من العلم المدني] يفحص عنه [�أي
�أرسطو] في كتابه المعروف بـ "السياسة" ،و�أيضا في كتاب �أفلاطون الذي نروم تلخيص
هاهنا[ .((("]...ففي هذا التصريح يبدو �أن احتفال ابن رشد بجمهورية �أفلاطون سببه �أنها
تضم القسم السياسي من العلم المدني الذي يشكل القسم العملي من الفلسفة.
- 1مقالة ال�ألف الكبرى ص161
- 2الضروري في السياسة ص 73
- 3نفس المرجع والصفحة
118
لم يكن لهذه المادة السياسية التي يحفل بها هذا الكتاب ال�أفلاطوني �أن تحظ بعناية
ابن رشد لو لم تكن تستجيب لسبارات القول العلمي -الضروري كما يفهمها ابن رشد،
وهذا هو المستوى الثاني من التصريح الذي نعتبره تصريحا غير مباشر .وقد تدخل هذا
ال�أمر في بنية الكتاب الذي قام ابن رشد بقراءته؛ فعوض المقالات العشر التي تُكون
جمهورية �أفلاطون� ،أصبح الكتاب عند ابن رشد ثلاث مقالات احتفظ فيها بما اعتبره
قولا برهانيا� ،أو كان على جهة الضروري ،وحذف منها ما اعتبره غير علمي �أو �أن �إيراده
يكون على جهة ال�أفضل ليس غير؛ وهكذا �أسقط ابن رشد المقالة العاشرة من كتاب
الجمهورية برمتها ل�أنه اعتبر ما جاء فيها ليس ضروريا في العلم السياسي((( .كما �أسقط
المقالة ال�أولى جميعها وشطرا من الثانية ل�أنه اعتبر ما جاء فيها �أقاويل جدلية((( .وهكذا
اجتمع ه ّمان؛ منطقي وتربوي-تعليمي ،فغيرا بنية كتاب فريد في المنظومة الفلسفية.
قبل �أن نتلمس مظاهر حضور الحكيمين عند ابن رشد نتساءل :هل يكفي قول ابن
رشد ب�أنه لم يجد كتاب السياسة ل�أرسطو عذرا في �إقباله على كتاب �أفلاطون ليخرج منه
مادة علمية سياسية ؟ لقد صرح ابن رشد في "مناهج ال�أدلة" �أن كتب المعتزلة لم تصل
�إلى ال�أندلس ،ولكنه كان مع ذلك عارفا ب�آرائهم ومذاهبهم ،بل ومنتصرا لها �أحايين كثيرة،
�إلى درجة �أنه يمكن اعتبار كلام ابن رشد عن عدم اطلاعه على كتب المعتزلة كلاما
غريبا ،لولا �أن ابن رشد لا يمكن �أن يتهم .فهل عدم ابن رشد حيلة في �أن يطلع على �آراء
�أرسطو في السياسة والحال �أن كثيرا منها مبسوط في "ال�أخلاق �إلى نيقوماخوس" وفي
"الخطابة" ،بل وفي "ميتافيزيقاه" �أيضا ،وبعض منها مبسوط في كتب �أبي نصر؟ فلم لم
يستخرج ابن رشد ،من هذه ال�أسفار ،مادة سياسية علمية "ضرورية" تُ ْكمل القسم العملي
من العلم المدني عوض �أن يلج�أ �إلى �أفلاطون خصمه في الفلسفة؟ .هل كان كتاب
السياسة فعلا مفقودا في زمانه �أم �أن حساسيات �أخرى تحكمت في عدول ابن رشد عن
�أرسطو واحتفائه ب�أفلاطون في هذا المقام؟ هل كان ت�أثير جالينوس الذي قام ابن رشد
بقراءة تلخيصه على كتاب السياسة ل�أفلاطون ،فنقل عنه وصححه وانتقده((( ،وكذلك
ت�أثير كتابات الفارابي السياسية ،مثل "مبادئ الموجودات" الذي يصادر ابن رشد على
ما جاء فيه في ثنايا كتابه ،وغيره ،ت�أثيرا حاسما في �إقبال ابن رشد على تلخيص كتاب
- 1الضروري في السياسة ص 207
- 2الضروري في السياسة ص 208
- 3ابن رشد ،الضروري في السياسة ،مرجع سابق ص 128وص 129وص 206
119
"جمهورية" �أفلاطون؟ بل �إننا نجد �أنفسنا ،في هذا السياق ،مضطرين للتساؤل عن سبب
�إقدام ابن رشد على "قراءة" الجمهورية وعدم اتخاذه كتاب"القوانين" غرضا لتلخيصه
وهو الكتاب الذي كتبه �أفلاطون في �أواخر عمره ولخصه الفارابي ويعتبر �أنضج سياسيا من
كتاب الجمهورية؟
يقدم ال�أستاذ محسن مهدي في مقاله القيم "فلسفة �أرسطو والفكر السياسي في
المجتمع ال�إ سلامي :ت�أملات ومقارنات" ((( فرضيات مهمة تجيب عن بعض هذه
التساؤلات وبخاصة المتعلق منها بالاحتفاء بكتاب �أفلاطون في السياسة عوض كتاب
�أرسطو معللا اختفاءه ،ب�أنه اختفاء مقصود .فبالنسبة له ،ف�إن الفلسفة العربية ال�إ سلامية
تظل غير مفهومة �إذا لم نمسك بالفرق ،في ال�أصل وفي وجهة النظر ،بين الفلسفة
وال�أديان السماوية ،و�إذا لم نمسك بالتعارض ال�أولي لمواقفهما ،وبالوعي ب�أن كلا من
الفلسفة وال�أديان يشكل تحديا حقيقيا وجديا لل�آخر من خلال اقتراحه اختيارا من �أجل
قيادة الحياة(((� .إن ال�أديان السماوية التي اخترقت الفضاء الهليني تحدت بـشكل كبير
الفلسفة((( .وعندما تنبه الفلاسفة �أن المتن ال�أرسطي ليس بالمتن المقبول من لدن ال�أديان
السماوية ،وكان بعض المتكلمين قد قبلوا شطرا من المذاهب ال�أفلاطونية ،وبعض الدوائر
الكلامية فقد قبلت بصدر رحب بعضا من الفلسفة ال�أفلوطينية ،وتم ،فضلا عن ذلك،
الاقتناع بضرورة �إقامة علاقة منسجمة بين الفلسفة والدين ،عندما تضافرت هذه الشروط،
�أصبح السؤال الملح عندئذ هو :كيف نذوذ عن �أرسطو ونحميه؟
�إن هذه المهمة تمت بالعمل على �إخفاء �أرسطو عن العامة((( ،فتم الذهاب �إلى ال�أديان
السماوية مع �أفلوطين �أولا مشفوعا ب�أفلاطون ال�إ لهي على �أن يظل �أرسطو في الخلف لا
يقر�أ �إلا لماما� ،أو يقر�أ فقط من طرف المختصين بشرط �أن يكونوا قد ُهيئوا بقراءة �أفلاطون
�أولا ثم قراءة �أفلوطين من بعده .ليتم ،بعد ذلك ،تقديم �أرسطو في ثوب �أفلوطيني من
خلال كتاب "�أثولوجيا" .كما �أنه تمت حماية �أرسطو بعدم تعليم مؤلفاته و�أصبحت
تقر�أ هذه المؤلفات في جلسات خاصة ،كما �أصبحت كتب �أرسطو تغلف بشروحات
�أفلاطونية و�أفلوطينية محدثة .لكن ما المصير الغريب لكتاب السياسة ل�أرسطو؟
1 -Muhsin Mahdi, philosophie d’Aristote et pensée politique dans la communauté islamique reflexion
et comparaison. In penser avec Aristote. Edition Eres 1991. pp 209-225.
- 2المرجع السابق .213
- 3المرجع السابق ص .212
-4المرجع السابق ص .214
120
يذهب محسن مهدي �إلى �أن هذا الكتاب اختفى في نهاية المرحلة الهلنستية وعلى
امتداد المرحلة الوسيطية �إلى حدود نصف القرن الثالث عشر الميلادي ،ومع ذلك فقد
كان الكتاب موجودا بدليل �أن اللاتين لم يجدوا صعوبة في العثور على مخطوطاته عندما
شرعوا في البحث عنها .بل �إن الفلاسفة في المجتمع ال�إ سلامي يعرفون كتاب السياسة
ل�أرسطو ،وعن �أي شيء يتحدث ،ولكنهم لا يعرضون مذهبه بالتفصيل ((( .والفيلسوف
الوحيد الذي يمكن �أن يقول شيئا عن كتاب السياسة هو ابن رشد.
لا يقول ابن رشـد �إن هذا الكتاب لم يترجم �إلى العربية و�أن السابقين لم يصلوا �إليه،
و�إنما يقول �إنه هو نفسه لم يعثر عليه وبالتالي سيشرح بدلا منه كتاب السياسة ل�أفلاطون.
�إنه لا يقدم �أي �إشارة حول المشاكل التي يمكن �أن يثيرها تعويض مثل هذا ،وفيما �إذا
كانت جمهورية �أفلاطون لاتتلاءم مع حرفية نص �أرسطو ،ال�أمر الذي لا يمكن لابن رشد،
وهو ال�أكثر معرفة ب�أرسطو� ،أن يجهله.
قر�أ ابن رشد كتاب "ال�أخلاق" ل�أرسطو ووجد في الكتاب السادس منه النقاش
ال�أساس ل�أرسطو بصدد العلم النظري والسياسي ،كما قر�أ كتاب "الخطابة" فوجد فيه
التقسيم ال�أرسطي لل�أنظمة المختلفة� .إن ابن رشد كان قادرا على امتلاك رؤية واضحة
جدا لل�أفكار ال�أرسطية حول العلم السياسي ،ولكنه يصدر مع ذلك ،كما لو �أن من
الطبيعي من �أجل �إتمام ال�أخلاق ،في غياب سياسية �أرسطو� ،أن نوظف جمهورية �أفلاطون
للقيام بالمهمة.
�إن كتاب السياسة ل�أرسطو ليس ملائما ولا مطابقا لل�أديان السماوية ،ف�إن وجهة نظر
�أرسطو حول الاكتفاء الذاتي للحياة السياسية �أو للمعرفة العلمية لا تظهر �إلا بشكل باهت
في "ال�أخلاق" و"الخطابة" .لذا ف�إن �إخفاء العلم السياسي ال�أرسطي يكون ب�إعادة عرض
السياسة ال�أفلاطونية ،ومن هنا �أصبحت جمهورية �أفلاطون ونواميسه الكتابان ال�أساس
للفلسفة السياسية العربية((( .ف�إلى �أي حد يمكن �أن نقبل هذه التعليلات التي يقدمها
ال�أستاذ محسن مهدي؟
�إن الهاجس الذي كان يؤرق كلا من �أفلاطون و�أرسطو في قوليهما السياسي هو
تحديد شروط وجود نظام سياسي وشروط اشتغاله بشكل جيد وكذلك شروط عدالته.
وكانت انشغالتهم تدور حول الحماية ضد ما سيسميه ابن رشد "وحدانية التسلط"،
- 1المرجع السابق ص .215
-2المرجع السابق ص .216
121
وتحديد زمان وقت هذه السلطة ،وتقليص ت�أثير ال�أرستقراطية و�أمور �أخرى غيرها (((.لكن
رغم هذه التماثلات ف�إن الفرق بين الفيلسوفين واضح مند البداية ،كما سنفصل القول في
موضع �آخر .لكن يمكن القول بعجالة �إن كتاب السياسة ل�أرسطـو من الكتب الفلسفية
القليلة في تاريخ الفكر السياسي التي تعالج طبيعة السياسة �أو طبيعة الش�أن السياسي(((،
والمفهوم المركزي في هذا الكتاب هو مفهوم Politeiaوبمعنى �آخر constitution de
�أي الدستور � .إن �أرسطو بعيد عن الدفاع عن الديموقراطية في حد ذاتها�،إذ �إنه يبين �أن ما
هو مهم قبل كل شيء هي فكرة الدستور التي يؤدي الاعتراف بها �إلى خضوع المواطن
للقوانين ،لكن �أرسطو لا يرتبط بالقوانين ال�أساسية التي يعرفها المجتمع� ،إنه �أقل ارتباطا
بها ،بل �إنه �أقرب �إلى بناء جديد للقوانين ،فالسياسة عنده هي خلق ،ومن هنا اعتبر
�أرسطو مدافعا عن المساواة السياسية ،ففكرته حول الدستور السياسي هي فكرة التوازن؛
فالملكية لا ينبغي لها �أن تصبح متسلطة وال�أرستقراطية لا ينبغي لها �أن تصبح حكم قلة،
والديموقراطية لا ينبغي لها �أن تصبح ديكتاتورية �أو فوضوية(((.
�إذا كان �أرسطو مفكر المساواة السياسية ف�إن �أفلاطون يعتبر مفكر الشرعية السياسية،
وجمهوريته تعطي �أهمية للقوانين المعطاة على عكس ما كان �أرسطو ينزع �إليه ،ولا
يمكن �أن نجد صعوبة في �إقامة تفاضل بين الفيلسوفين وحول من كان �أقرب �إلى ابن
رشد ،فالقول بقرب �أفلاطون في هذا ال�إ طار يمكن �أن يكون �أثيرا عند فقيهنا الفيلسوف،
�إذ �إن دفاع �أفلاطون عن القوانين المكتوبة شيء مهم ويشكل موجها لفكره السياسي-
ال�أخلاقي .ولعل كتاب القوانين ل�أفلاطون مدخل هام لمعرفة لم �آثر ابن رشد كتاب
الجمهورية على سياسة �أرسطو بل وعلى "القوانين" نفسها؟
يبتدئ هذا الكتاب بسؤال يعتبر هاما جدا ويمس في الصميم القانون ال�إ لهي .السؤال
هو �" :إلى من يمكن �أن ينسب فضل تنظيم قوانين [ ..المدينة] �أترى ينسب ل�إ له ما� ،أو
لبعض الناس؟"((( .وقد اعتبر هذا التساؤل المطروح ،خاصة مع تلخيص الفارابي لنواميس
�أفلاطون((( ،بداية لاتجاه الفلسفة في المجتمع ال�إ سلامي نحو السياسة ودخول الفلسفة
1 - Nicolas Tenzer; La Politique, que sais- je? deuxieme édition 1993 p : 11-12
2 - ibid p: 8
3 - ibid , p 12-13
� - 4أفلاطون ،القوانين ،ترجمه من اليونانية �إلى ال�إ نجليزية د .تيلور .نقله �إلى العربية محمد حسن ظاظا .مطابع الهيئة
المصرية العامة للكتاب 1986ص83
- 5يقول �أبو نصر ":س�أل سائل في وضع النواميس .ومعنى "السبب" هاهنا هو "الفاعل .وفاعلها هو واضعها"...
تلخيص نواميس �أفلاطون ،ضمن �أفلاطون في ال�إ سلام ،تحقيق عبد الرحمن بدوي ،دار ال�أندلس ط 1980 2ص 37
122
السياسية الخالصة �إلى المجتمع ال�إ سلامي((( .ومن �أهم ما يمتاز به كتاب "القوانين" هو
ال�أقوال الدينية والتوجيهات ال�أخلاقية التي يحفل بها ،وخاصة في بعض كتبه التي لاشك
�أنها تناسب الحساسية الدينية لفقيه قرطبة ،فلم لم يختر ابن رشد �إذن كتاب القوانين مع
قيمته العلمية والتاريخية؟ هل يمكن القول �إن ما ينفرد به هذا الكتاب من عناية خاصة
بمس�ألة التشريع ،(((،ليست من القضايا الكبرى التي وجد ابن رشد فيها للمسلمين
خصاصا ،كما وجده في المنطق والفلسفة ،ل�أن حضارتهم غنية فقه وتشريعا ؟ .هل شعر
ابن رشد الفقيه �أن هناك كفاية تشريعية لمدينته ال�إ سلامية ف�أخذ مدينة �أفلاطون لكن على
�ألا تدار بقوانينه و�إنما بقوانين الفقهاء؟ �إن كتاب الجمهورية يعالج مسائل الدين والقانون
بشكل �أقل شمولي ،وهو يتكلم في التعليم �أكثر مما يتكلم في الدين بل و�أكثر مما يتكلم
في القانون ،ومن هنا فاختيار ابن رشد للجمهورية �أولى ل�أن الحاجة �إلى دروس التربية
والتعليم ،وهو ما كان المجتمع الموحدي يطلبه� ،أكبر من الحاجة �إلى دروس الدين
والقانون .فضلا عن ذلك ف�إن كتاب القوانين كتاب في وضع القوانين ،وهذا العمل
جزء من العلم السياسي كما ن َّظرت له الجمهورية ،ومن هنا فالجمهورية �أشمل و�أكثر
كلية من القوانين ،وحماسة ابن رشد للكليات وال�أصول العامة حماسة �أشد من حماسته
للتفاصيل والجزئيات التي تستغرق كتاب القوانين .يجد ذلك تفسيره عند �أبي نصر في
كتابه الذي رتب فيه كتب �أفلاطون فجعل غرض الجمهورية ت�أسيس المدينة بالقول
وغرض"النواميس"ت�أسيسها بالفعل" .ثم �إن الفضاء العربي -ال�إ سلامي عرف تلخيصا ل�أهم
مقالات هذا الكتاب مع �أبي نصر ،ولعل ابن رشد اعتبر ذلك مغنيا وك�أنه يردد قول ابن
باجة "والقول فيما قيل ف�أحكم ،جهل �أو فضل �أو شرارة" .زيادة على ما يمتاز به هذا
الكتاب من طول غير عادي ،وعدد من المتناقضات والشذوذ المتنوع في بعض التركيبات
النحوية ،بسبب �أن �أفلاطون لم يراجعه �أبدا((( .فهل يمكن �أن نجد في هذه التبريرات� ،أو
في بعضها على ال�أقل ،ما يفسر عدم اختيار ابن رشد لـ"القوانين" واحتفاءه بالجمهورية؟
لم يجد ابن رشد "قوانين" �أفلاطون قريبة منه ،وافتقد كتاب السياسة ،فمال �إلى
"جمهورية" �أفلاطون ،لكن الغريب �أن ابن رشد سيسجن �أفلاطون في �إهاب �أرسطي
كبير ؛ �إهاب �أخلاقياته وخطابته!! فقد استفاد ابن رشد كثيرا من التصور ال�أخلاقي
1- Muhsin Mahdi, philosophie d’Aristote p 209.
- 2يرى د .تيلور �أن كتاب القوانين "رسالة في �أصول التشريع" ،مقدمة القوانين مرجع سابق ص21
- 3د .تيلور ،مقدمة القوانين ،مرجع سابق ص 17وص26
123
ال�أرسطي في تقديم المادة السياسية ال�أفلاطونية .و�إن نظرة متفحصة لكتاب "ال�أخلاق �إلى
نيقوماخوس" تقدم لنا فهما �أعمق للعمل الذي قام به ابن رشد حين جمع بين الفيلسوفين
الكبيرين ،كما �أن كتاب "السياسة" ل�أرسطو ،يقدم �أدوات هامة في هذا السياق .قدم
�أرسطو في كتابه ال�أخلاقي المنهجية العامة التي سيسلكها ابن رشد في كتابته السياسية،
وسيجد ابن رشد عند �أفلاطون مادة سياسية تستجيب لذوقه الفقهي وحساسياته الدينية.
و�إذا كان ابن رشد تجر�أ على �أفلاطون و�أسقط من جمهوريته ما اعتبره على هامش النظر
العلمي البرهاني ،ف�إن ما يحفل به كتاب السياسة ل�أرسطو من �آراء غير علمية تضرب �إلى
التحيز ،قد يكون من �أسباب غيابه عن الوسط ال�إ سلامي((( ،وهي �أمور قد ُتسقط ابن رشد
في حرج كبير مع معلّمه "الذي كمل الحق عنده" .من هنا ف�إن هذا "الجمع" الذي قام به
ابن رشد بين �أرسطو و�أفلاطون قد مهدت له �أخلاقيات �أرسطو تمهيدا واضحا ،وساعدت
عليه تلك الروح ال�أفلاطونية التي كانت تسكن �أرسطو في العلم المدني رغم المسافة
العلمية -النقدية التي كان يحرص على �إقامتها بينه وبين �أستاذه ،والتي نجدها بارزة في
كتابه في "السياسات"..
-2-
قدمنا فيما سبق جملة من فرضيات حول �إيثار ابن رشد لجمهورية �أفلاطون على
قوانينه .منها تلك التي تقضي ب�أن ابن رشد وجد نفسه في كتاب �أفلاطون �أكثر مما
وجدها عند �أرسطو .فنظرة �أفلاطون �إلى النواميس التي يقوم عليها المجتمع تختلف عن
نظرة �أرسطو على �أساس �أن النواميس عند �أرسطو �أكثرها غير مكتوب ،في حين هي عند
�أفلاطون لا بد �أن تكون مكتوبة رغم الخلاف بينهما حول منزلة النواميس في المدينة.
هنا سيكون ابن رشد �أقرب �إلى �أرسطو ،و�إلى "نواميس �أفلاطون" الذي ترى �أن النواميس
تشكل الجهاز التشريعي التي تقوم عليه المدينة ،وكل انفراط لها هو انفراط للمدينة ذاتها،
منه �إلى �أفلاطون" الجمهورية" ،وهو ما ينسجم مع العقلية الفقهية لفقيه قرطبة .ولعل
للفارابي وغيره من متفلسفة ال�إ سلام دورا في هذا النزوع الرشدي .فما مكانة ابن رشد من
فلاسفة ال�إ سلام فيما صنعه من جمع بين �أفلاطون و�أرسطو؟ سؤال نسعى لل�إ جابة عنه قبل
الوقوف عند صور الجمع التي اختارها ابن رشد بين الفيلسوفين.
- 1بول كروس ،التراجم ال�أرسططاليسة المنسوبة �إلى ابن المقفع ،ضمن التراث اليوناني في الحضارة ال�إ سلامية،
ترجمة عبدالرحمن بدوي ،ط ،3دار النهضة العربية القاهرة ،1965 ،ص .109
124
�إن ت�أثير بعض الفلاسفة والمفكرين على التوجهات الفكرية لابن رشد ليس بال�أمر
المستبعد في اختياره لكتاب السياسة لابن رشد ،وهو �أمر ليس بدعا في توجهات ابن
رشد؛ ف�أثر �أبي حامد الغزالي عليه كبير وابن رشد نفسه يصرح بذلك ،وت�أثير ال�إ سكندر
وابن باجة واضح في كثير من اختياراته ،فلم لا يكون اختيار ابن رشد لكتاب السياسية
ال�أفلاطوني مت�أثرا فيه ببعض من اهتم قبله بهذا الكتاب المفيد .بل �إننا نجد �أرسطو نفسه،
حكيم ابن رشد ال�أكبر ،يعطي عناية كبرى للقول السياسي ال�أفلاطوني فيقوم بتلخيص
جمهورية �أستاذه في كتاب ذي ثلاثة �أبواب ،كما سيلخص كتاب النواميس وهو الكتاب
الذي ناقشه في الفصل الثالث من الباب الثاني من كتابه في السياسة((( ،كما سيعرض
بالنقد لكثير من القضايا في الجهورية في كتاب السياسة((( .كما لخص جالينوس كتاب
الجمهورية ،هذا الطبيب الذي نعرف التقدير الذي كان ابن رشد يكنه له .وقد شكل
هذا الكتاب �إحدى مرجعيات ابن رشد في قراءته لكتاب �أفلاطون((( .لكن لعل الرجل
الذي كان له كبير ال�أثر على هذا الاختيار هو الفارابي ،كما نزعم هنا �أن دور ابن باجة
لن يكون �أقل �أثرا ،وبخاصة من خلال كتابه "تدبير المتوحد" ،فضلا عن قرب القول
السياسي ال�أفلاطوني �إلى عقلية ابن رشد وروحه ،رغم اختلافه في كثير من ال�أمور مع
�أفلاطون ،كما سيتبين لنا.
يعتبر �أبو نصر مدشنا للخطاب السياسي الفلسفي -ال�إ سلامي� .(((،إن التفكير الفلسفي
في السياسة بد�أ مع احتفاء �أبي نصر ب�أفلاطون سياسيا ،وهو ال�أمر الذي يبدو على ال�أقل
في عنايته بترتيب كتبه ترتيبا منطقيا بحيث يفضي كل كتاب �إلى الكتاب الذي يليه ،وفي
عنايته بتلخيص نواميسه .لكن هل كان �أبو نصر يعرف كتب �أفلاطون عن كثب بحيث
�إنه فحص مضمونها ورتبها كما نجدها في مقالته "فلسفة �أفلاطون و�أجزاؤها -ومراتب
�أجزائها من �أولها �إلى �آخرها((( "-؟
� - 1أرسطو ،في السياسة نقله من ال�أصل اليوناني �إلى العربية وقدم له وعلق عليه ال�أب �أوغسطينس برباره البولسي
الطبعة الثالثة اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع 1980ص 48هامش )1( - 2و( )2وصص-71 65
- 2انظر كتاب السياسة ،الفصل ال�أول والثاني من الباب الثاني ،والفصل العاشر من الباب الخامس.
-3ماجد فخري ،ابن رشد فيلسوف قرطبة ،دار المشرق بيروت ط 19992 3ص .118
- 4يقول محسن مهدي :عندما اعترف الفارابي ب�أن "نواميس" �أفلاطون تطرح �أسئلة تمس بالتدقيق القانون ال�إ لهي
...ف�إن الفلسفة اتجهت نحو السياسية .ودخلت الفلسفة الخالصة سياسيا �إلى المجتمع ال�إ سلامي" .فلسفة
�أفلاطون والفكر السياسي في المجتمع السياسي "..مرجع سابق ص 209-
- 5وردت ضمن �أفلاطون في ال�إ سلام تح عبد الرحمن بدوي دار ال�أندلس ط 1980 2صص.27 - 6
125
�إن المبرر لهذا السؤال هو اعتماد أ�بي نصر في هذه المقالة كتاب رجل �أفلاطوني
يسمى بـ "ثاون" بعنوان "مراتب قراءة كتب �أفلاطن و�أسماء ما صنفه" ،وهو كتاب مفقود
في �أصله اليوناني لا يعرف عنه �إلى ما �أوردته المصادر العربية :ابن النديم والقفطي وابن
�أبي �أصيبعة كما يقول بدوي((( .فهل استغنى �أبو نصر بهذا الكتاب عن الفحص المباشر
لنصوص �أفلاطون �أم �أن ال�أمر غير ذلك؟ يبدو �أن ال�أمر ليس كذلك ،فقد كانت ل�أبي
نصر معرفة بكتب �أفلاطون كما تفصح عن ذلك رسالته "تلخيص نواميس �أفلاطون" �إذ
يعلن الفارابي في ديباجتها عن خبرته بكتب �أفلاطون في الوقت الذي يشير �إلى سر من
�أسرار الكتابة عنده((( .ولا شك �أن كتب �أفلاطون عرفت في العالم ال�إ سلامي في وقت
مبكر؛ فهذا ابن النديم يورد قائمة من كتب �أفلاطون مترجمة �إلى اللغة العربية منها كتاب
السياسة الذي فسره حنين بن �إسحق((( ،و�إن كانت �أوفى قائمة هي قائمة ابن �أبي �أصيبعة
التي يذكر فيها طائفة مهمة من كتب �أفلاطون((( ويورد نصا هاما عن حنين بن �إسحاق
يتحدث فيه عن "كتاب جوامع كتب �أفلاطون" لجالينوس يقول فيه" :ووجدت من هذا
الفن من الكتب كتابا �آخر فيه �أربع مقالات من ثمان مقالات لجالينوس فيها جوامع كتب
�أفلاطون في المقالة ال�أولى منها جوامع خمس كتب من كتب �أفلاطون ،وهي كتاب
�أقراطلس في ال�أسماء ،وكتاب سوفسطسيس في القسمة ،وكتاب بوليطيقيوس في المدبر،
وكتاب برمنيدس في الصور ،وكتاب �أوتيديمس .وفي المقالة الثانية جوامع مقالات من
كتاب �أفلاطن في السياسة ،وفي المقالة الثالثة جوامع المقالات الباقية في كتاب السياسة
وجوامع الكتاب المعروف بطيماوس في العلم الطبيعي وفي المقالة الرابعة جمل معاني
ال�إ ثنتي عشرة مقالة في السير ل�أفلاطون"((( .ولابد من ال�إ شارة هنا �إلى �أن علاقة ابن رشد
بجالينوس كانت علاقة قوية سواء على مستوى الطب �أو على مستوى السياسة ،مما يؤكد
معرفته بكتب هذا الرجل .لكن معرفة الفارابي -قبله -بهذه الكتب ال�أفلاطونية ،سواء
في ترجمتها �أو في تلخيص جالينوس لبعضها ،وقراءتها من خلال ت�أويل خاص هي التي
جعلته يؤسس الحقل السياسي الفلسفي في ال�إ سلام
� - 1أفلاطون في ال�إ سلام مرجع سابق صص 30-29
- 2الفارابي ،تلخيص نواميس �أفلاطون ،ضمن �أفلاطون في ال�إ سلام مرجع سابق ص .36
- 3ابن النديم ،الفهرست ،تح رضا المازنداري ،دار المسيرة ،الطبعة الثالثة 1988ص307 - 306
- 4ابن �أبي �أصيبعة ،عيون ال�أنباء في طبقات ال�أطباء ،الجزء ال�أول ،دار الثقافة بيروت لبنان ط 1981 3ص 84 - 83
- 5عيون ال�أنباء ،الجزء ال�أول ،دار الثقافة بيروت لبنان ط 1981 3ص152-151
126
في رسالته عن مراتب �أجزاء فلسفة �أفلاطون ،يبدو �أن الهم السياسي هو الخيط الناظم
بين هذه المؤلفات ال�أفلاطونية عند �أبي نصر� .إن المس�ألة السياسية تحتل موقعا عميقا
في النسق الفلسفي ال�أفلاطوني كما يعرضه الفارابي ،فقد كان هاجس �أفلاطون هو بلوغ
الفيلسوف الكمال الذي هو علم وسلوك ،علم يتجلى في معرفة تامة بالموجودات وسلوك
يتجسد في سيرة فاضلة بين الناس .وتعتبر المدينة هي الفضاء الذي يمكن للفيلسوف �أن
يبلغ فيه كماله العلمي والعملي هذا؛ لكن لذلك شرط ،ف�إما �أن تكون المدينة خالية من
العوائق والموانع فيسهل على الفيلسوف حصوله على كماله ونيل سعادته ،و�إما �أن تض ّج
هذه المدينة بال�آراء الكاذبة والسير القبيحة فتنتصب هذه العوائق �أمام الفيلسوف وتشكل
تحديا كبيرا له :ف�إما �أن تهلكه كما فعلت بسقراط ،و�إما �أن تحرمه من الكمال .لذا يصبح
البحث عن المدينة الفاضلة ضرورة �أفلاطونية ،و�أنسب مدخل لهذا البحث عنها هو مفهوم
العدل؛ ما هو وكيف يكون؟ وكيف ينبغي �أن يكون؟ وكيف ينبغي �أن يستعمل؟ وهذه
التساؤلات �أفرد لها �أفلاطون كتابه "الجمهورية" حيث �أوجد فيه المدينة الفاضلة بالقول،
ليسعى في �إيجادها بالفعل في كتابه الذي خصصه لواضع النواميس ،وهو كتابه الموسوم
بـ "القوانين"� ،أو الذي عرفه المسلمون تحت اسم "نواميس �أفلاطون" .ففي هذا الكتاب
�أعطى �أفلاطون السير الفاضلة التي يؤخذ بها �أهل المدينة الفاضلة((( ،و�أبرز فيه �أن من
- 1مراتب فلسفة أ�فلاطون ،مرجع سابق صص .25-24ولاشك أ�ن تقديم خطاطة عامة مركزة ما �أمكن لهذا
الكتاب القيم ل�أبي نصر يمكن �أن يفيد �أكثر في بيان هذا المنهج الذي سلكه الفارابي في تقديم المتن ال�أفلاطوني،
من خلال نموه الفكري ،تقديما �أشرع ال�أبواب �أمام القول السياسي -الفلسفي مبتدئا بكتابه "القيبدياس" منتهيا
بـ"رسائل �أفلاطون" �":إن �أو ل مبحث شغل به �أفلاطون -عند �أبي نصر -هو البحث في العلم والسيرة التي ُيحصل
بها على السعادة في �أول كتبه ،ثم شفعه بالبحث عن السعادة الحقيقية التي هي "السيرة الفاضلة التي تنال بها هذه
السعادة" [في كتاب فيليص] ،ولما تبين �أن العلم الذي يحصل به كمال ال�إ نسان هو العلم بجوهر موجود موجود
من الموجودات [في كتاب طائطيوس] ،و�أن السيرة الفاضلة هي سبيل السعادة ،شرع في الفحص عن ذلك العلم
هل يمكن الحصول عليه �أم لا؟ فينتهي �إلى "�أن هذا العلم[ ]...ممكن �أن يحصل ويؤخذ ،و�أن هذا العلم هو من
الكمال ال�إ نساني" [في كتاب �أفروطاغوراس] .ثم فحص �أن هذا العلم يمكن "�أن يحصل بفحص وبقوة صناعية
يكون بها ذلك الفحص" [في كتاب مانن] ،ثم شرع يبحث عن هذا العلم ما هو ،هل الفحص الدياني؟ فبان له
"�أنه ليس في مقدار ما يعطيه كفاية" [في كتاب �أوثفرون] ،،وهل هو الفحص اللساني؟ فتبين له "كم تعطيه هذه
الصناعة من العلم لذي يكون طريقا �إلى ذلك التعليم المطلوب" [في كتاب �أقراطلس] .ثم فحص هل "الطريق
الشعري هو طريق �إلى ذلك العلم وتلك السيرة �أم لا؟ .وتبين له [�]...أن الطريق الشعرية لا تعطي شيئا من ذلك
�أصلا �أبدا ،بل تبعد عنه غاية البعد" [في كتاب اين ،ص ،]11ثم فحص هل "استعمال صناعة الخطابة في النظر
في الموجودات يعطينا ذلك العلم �أو علم تلك السيرة؟ فبين �أنه لا يفعل ذلك" [في كتاب غورجيس ص ،]11ثم
فحص عن الصناعة السفسطائية هل هي طريق �إلى ذلك العلم؟ فبين "�أن السفسطائية لا يعطي ذلك العلم" [كتاب
سوفسطس ص ]11ليبين في فحص �آخر �أن التعليم السفسطائي �أقرب �إلى اللعب [في كتاب �أثوديموص] ،ثم نظر
في الفحص الجدلي هل يفضي بال�إ نسان �إلى ذلك العلم �أو لا؟ فبين �أنه مهم جدا في الوصول �إلى ذلك العلم [في
127
كتاب برمنيدس].
ولما وجد �أفلاطون �أن الصنائع النظرية لا توصل �إلى العلم بالموجودات والسيرة الفاضلة ،طريقي الكمال ،توجه
�إلى الفحص عن الصنائع العملية وال�أفعال الكائنة عنها ،هل توصل هذه الصنائع �إلى ما عجزت عنه العلوم النظرية
�أم لا؟ �إن الصنائع العملية تجمع العلم والعمل معا ،لكنها لا توصل العلم المطلوب ولا السيرة الفاضلة ل�أن القصد
منها ليس الكمال ال�أقصى المنشود و�إنما نيل "ال�أمور النافعة والمربحة فقط" ،وخصص �أحد كتبه لبيان ما هو
الفاضل عند الجمهور؟ وما المربح والنافع عنده؟ ،هل هو كما يظن الجمهور حقيقة فاضلا ومربحا ونافعا ،ليبين
�أن ال�أمر ليس كذلك [كتاب القيبدياس الثاني] ،ليفحص بعد ذلك "عن ال�أمور النافعة في الحقيقة ،وعن المربحة
يوصل �إليه بالصنائع المشهورة"[كتاب في الحقيقة ،وعن ال�أرباح الفاضلة في الحقيقة ،و�أنه ليس شيء من هذه َ
ايرخس] .ثم فحص ب�أي سيرة ينال الكمال المطلوب والغاية المطلوبة؛ هل بسيرة �أهل الرياء والمغالطين لبيين �أن
هذه السيرة لا تعطي الغاية المطلوبة[كتاب افيس] ،ثم فحص عن سير �أصحاب اللذات هل تُبلغ ال�إ نسان الكمال
المطلوب �أم لا؟ ليبين عدم �إمكان ذلك مجليا "اللذة التي هي بالحقيقة لذة" [كتاب اللذة].
فلما نزع �أفلاطون عن الصنائع العلمية والعملية التي اشتهر بها الجمهور فضيلة الوصول �إلى العلم المنشود والسيرة
المطلوبة� ،أبرز الصناعة التي تعطي في الموجودات هذا العلم وهذه السيرة ،وحددها في صناعة الفلسفة وفي
الفيلسوف باعتباره ال�إ نسان الذي يعطي ما هو مطلوب [في كتاب ثيجس] ،ليبين بعد �أن الفلسفة هي من ال�أشياء
الفاضلة والنافعة الضرورية لل�إ نسانية ،و�أن الصناعة ال َم َل ِكية والمدنية هي الصناعة العملية التي تعطي السيرة المطلوبة
وتقوم ال�أفعال وتسدد ال�أنفس نحو السعادة" مبينا �أن ال�إ نسان الفيلسوف وال�إ نسان الملك شيء واحد" [في كتاب
فادروس] ،ليفحص بعد ذلك عن العفة في الحقيقة [في كتاب خرميدس] ،وعن الشجاعة التي هي في الحقيقة
شجاعة [في كتاب لاخس ص ،]8وعن المحبة والصداقة ،ليفحص بعد ذلك عن الكيفية التي ينبغي �أن يكون بها
ال�إ نسان فيلسوفا �أو مدنيا ،وعن الطريق التي سبيل ال�إ نسان ،الذي يقصد الفلسفة� ،أن يستعملها في فحصه ،وهي
طريق التقسيم والتركيب ،ليفحص عن طريق التعليم و�أنه طريق الخطابة وطريق الجدل وبيين ما ال�أشياء التي ينبغي
معرفتها ليصبح ال�إ نسان فيلسوفا [في كتاب السياسي الذي لم يورده الفارابي].
ولما تبين له �أن صناعة الفلسفة مختلفة عن الصنائع المشهورة في زمانه ،و�أن السير التي عليها زمانه ليست هي السير
الفاضلة ،و�أن الفيلسوف الكامل والملك يتعذر عليها استعمال �أفعالهما في ال�أمم والمدن التي كانت في زمانه..
ابتد�أ الفحص �أنه لا ينبغي على الفيلسوف �أن يقيم على �آراء وسير �أهل مدينته دون الفحص عنها "ودون �أن يلتمس
بلوغ ال�أشياء الفاضلة...و�أنه ينبغي �أن يلتمس الحق في ال�آراء والفاضل من السير الذي هو في الحقيقة فاضل"
[في كتاب �أقريطن] .ثم فحص في ما �إذا كان على ال�إ نسان �أن يؤثر السلامة مع الحياة والجهل �أو لا ينبغي له؟
وهل ما �إذا يئس ال�إ نسان من �أن يعيش على السيرة الفاضلة وعلى الفلسفة ،هل عليه �أن يصبر على العيش �أم يؤثر
الموت؟ فبين �أن الموت �آثر من هذه الحياة التي تجعل ال�إ نسان بهيمة� ،إذ ال�إ نسان "�إذا كان مشاركا ل�أهل تلك
ال�أمم والمدن ...كانت حياته ليست هي حياة �إنسان ،و�إن رام �أن يزول عما هم عليه وينفرد دونهم ،والتمس �أن
ينال الكمال ،كان عيشه عيشا نكدا وبعيدا �أن يتم له ما يريد ،ل�أنه لابد �أن يكون تعرض له �إحدى حالين � :إما
هلاك �أو حرمان الكمال"[في كتابي :احتجاج سقراط ،وفاذن ص .]23لذا لا بد من مدينة و�أمة واحدة �أخرى غير
المدن وال�أمم الموجودة في ذلك الزمان .فبد�أ �أفلاطون يبحث عن هذه المدينة؛ ففحص عنها من خلال الفحص
عن العدل على حقيقته ،والعدل المستعمل في المدن التي تتسم بالجور التام والشر الكبير لا يزول �إلا بزوال هذه
المدن ونش�أة مدينة �أخرى يوجد فيها العدل بالحقيقة ،ويكون الفيلسوف فيها هو الملك .فهذه المدينة ،التي هي
غاية المشروع الفلسفي ال�أفلاطوني -هي التي يبلغ ال�إ نسان فيها الكمال المطلوب دون غيرها [في كتاب السياسة،
�أي الجمهورية] .فلما كملت هذه المدينة عند �أفلاطون بالقول ،شرع في بحث �آخر ليوجدها بالفعل ،ف�أعطى [في
كتاب طيماوس] الموجودات ال�إ لهية والطبيعية موضوع العلم المطلوب ،ثم �أعطى [في كتاب النواميس ص]24
السير الفاضلة التي يؤخذ بها �أهل هذه المدينة الفاضلة .ثم بين [في كتاب كرتياس] �أي كمال يكون قد بلغ في
ال�إ نسانية من اجتمعت له العلوم النظرية والمدنية ،و�أي مرتبة ينبغي �أن تكون رتبته في هذه المدينة ،فبين �أنها رتبة
128
شرط حصول المدينة الفاضلة واضع النواميس ،وهو الكتاب الذي قام الفارابي بتلخيص
معانيه(((؛
في كتابه "تلخيص نواميس �أفلاطون" يقدم الفارابي عرضا مركزا ل�أهم المعاني وال�أفكار
التي احتفل بها �أفلاطون في هذا الكتاب �إذ �إن كتب �أفلاطون ،كما لاحظ ذلك جالينوس،
تتميز بالطول((( ،لذا قام الفارابي ب "استخراج المعاني التي �أوم�أ �إليها في هذا الكتاب
وجمعها مقالته"(((ُ ،م َث ِّمنا في كثير من المواضع �أقاويل �أفلاطون ومنتصرا لها .والكتاب
عبارة عن تسع مقالات؛ ثمان مقالات منها في �أصول النواميس وما يجب على صاحب
الناموس �أن يعنى به و�ألا يهمل �أمره بجهة من الجهات وهي القوانين وال�أصول .ومقالة
تاسعة في بيان ال�أشياء التي اعتبرها "زين الناموس ومحاسنه وتوابع تلك ال�أصول"(((.
رئاسة المدينة .ثم ذكر �أنه لكي تتجسد هذه المدينة بالفعل وتحصل لا بدمن واضع نواميس هذه المدينة ،ففحص
عنه كيف ينبغي �أن يكون [في كتاب �أبينمس] ،ثم فحص عن كيفية تعليم �أهل المدن وال�أمم وب�أي طريق يكون؛
هل بطريق الفحص العلمي �أم طريق الت�أدب والتعليم؟ لينتهي �إلى �أن الفيلسوف والملك وواضع النواميس ينبغي
�أن يجمع القدرة على استعمال الطريقين معا ،ليفحص بعد ذلك في كيفية تعظيم الملوك [في كتاب منكسانس
ص ،]26لينتهي في رسائله �إلى حال الكامل من الناس مع جمهور �أهل المدن في زمانه .فنحن في هذا ال�إ طار �أمم
خطاب فلسفي -سياسي �أفلاطوني في الصميم ،وهو ما حرص الفارابي على �إبرازه.
- 1في "تلخيص نواميس �أفلاطون" مرجع سابق
- 2جوامع كتاب طيماوس ،ضمن �أفلاطون في ال�إ سلام ،مرجع سابق ص .87
-3تلخيص نواميس �أفلاطون ص36
- 4تلخيص نواميس �أفلاطون ،المرجع السابق ص ،80لا يمكن �أن يغفل دارس للخطاب الفلسفي-السياسي عند
ابن رشد كتاب الفارابي "تلخيص نواميس �أفلاطون" ،فلماذا عمد �أبو نصر �إلى تلخيص هذا الكتاب؟وما موضوعه؟
وكيف توسل �إلى عرض مضامينه؟
أ
-1في ديباجة الكتاب ونهايته يقدم الفارابي ما يشبه تبريرا لتقديم تلخيص لمعاني هذا الكتاب ال�فلاطوني؛ فكتاب
�أفلاطون يحمل كثيرا من اللطائف والدقائق والمعاني النافعة [ص ،] 82ولذلك ضرب الفارابي �إلى مقالاته التسع
مت�أملا ،فاحصا ،واستخرج من معانيها ما لاح له وعلم �أن الحكيم مما قصد �إلى بيانه ،وهو يرجو بهذا العمل
احتساب المثوبة والذكر الجميل [ ص .] 82-83وقصدا تعليميا يبدو في تقديم مادة علمية كافية من هذا الكتاب
تكون "عونا لمن �أراد معرفة ذلك الكتاب وغُنية لمن لا يحتمل مشقة الدرس والت�أمل" [ ص.] 37
� - 2إن موضوع الكتاب موضوع واقعي يمس مسا مباشرا �إدارة الش�أن السياسي للمدينة ،من هنا �أهميته الكبرى في
فهم العمل الرشدي الذي سرت فيه روح واقعية كبرى وتشبت بالنواميس ليس له حدود؛ فالكتاب يجعل النواميس
موضوعا له ،قصد عرضها وبيان �أهميتها في تسيير المدينة محاججا على �أن في قوام النواميس قوام المدن و�أن في
فسادها فساد المدن[ص ] 67و�أنها طريق الخيرات ومعدنها [ص ،]54ردا على من يبطلها ويقصد �إلى تخسيسها
في �أعين الناس [ ص .] 37وهو ما �أفرد له المقالة ال�أولى.
�إن الكتاب ي�أخذ على عاتقه �إثبات �أطروحة �أساسية وهي �أن المدن لا تقوم �إلا بالنواميس ،ولما كان من �أصعب
ال�أشياء على الناس �أن يعملوا بما تقتضيه النواميس [ ص ،] 41ف�إنه لابد �أن يكون الشخص �أو ال�أشخاص الذين
يضعون النواميس للمدينة هم �أول من يستعمل هذه النواميس قبل �أن ي�أمروا بها غيرهم ليحسن وقع كلامهم في نفوس
الم�أمورين [ص ]42من �أهل المدن الذين عليهم ،بدورهم� ،أن يقبلوا الحق "من واضعي النواميس �إذا لم يقدروا على
التمييز ب�أنفسهم" [ص]44وذلك ل�أن في ذلك صلاحهم� ،إذ باتباع النواميس ،يتمكنون من مغالبة نفوسهم وقمع
شرورهم النفسانية وطلب العدل في �أمورهم و�أمور غيرهم[ ،ص ،]38كما يتمكنون من رفع الحروب ،وهو ما لا
129
يمكن �إلا �إذا تم الالتزام بالناموس ،كما يتمكنون من نصب "الحاكم ال َم ْرضي ووجوب طاعته وذلك " للمصالح
التي ترجوها المدينة من ذلك ،خاصة و�أن الناموس يبين "كيف ينبغي �أن تكون سيرة الحاكم المرضي في...حسن
التدبير" [ص .]38ل�أن �أهل المدينة لابد لهم من رئيس وسياسة مرضية لتستقيم �أمورهم [ص .]55ولا طريق لذلك
�إلا طريق النواميس.
�إن قصد واضعي النواميس هو سلامة المدينة وبث السلم النفسي والاجتماعي والسياسي فيها ،وصاحب الناموس،
وهو المشرف على ذلك� ،أشد الناس �إدراكا لطبيعة الناس لحملهم على ما يوافق النواميس ،فهو يدرك ال�أشياء
الطبيعية في الناس والتي هي �أسباب �أخلاقهم و�أفعالهم فيقصد �إلى تقويمها بنواميس خاصة ل�أن بتقويمها تقويم
ال�أخلاق وال�أفعال [ص ،]45وهو ما عالجه في المقالة الثانية ،وملاك هذه ال�أشياء الطبيعية �أمران بهما تحصل
الفضائل على الخصوص؛ اللذة وال�أذى ،فبهاذين ال�أمرين يتوسل صاحب الناموس �إلى �إصلاح الناس ،فصاحب
الناموس يتخذ اللذات سبيلا لتمسك الناس بالناموس موظفا في ذلك ال�أعياد والموسيقى [ص 45-46وص.]72
مع حرص شديد على �أن يكون الناموس مهيجا �أفراد المدينة ،صغارا وكبارا ،نحو خيرهم وسعادتهم ،ولذلك لابد
�أن يكون الناموس مواقفا لطباع الناس و�أخلاقهم المتباينة [ص ]46يخاطب كل صنف بما هو �أقرب �إلى �أفهامهم
وعقولهم [ص ]47معتنيا عناية كبرى ب�أمر المحبة ليسهل �أخذ الناس بالنواميس [ص ]56محتفيا ب�أمر الحرية ملتزما
طريقها ليتم لصاحب الناموس طاعة الناس بشهوة وهشاشة ،ويولى الفارابي �أمر الحرية قسطا من الاهتمام ،فصاحب
الناموس وهو يلزم الناس بال�أخذ بال�أخلاق والتمسك بها يجب �أن يفعل ذلك على طريق الحرية لا على طريق
العبودية [ص ،]56ومما يهيء لقبول السنن على طريق الحرية عند �أفلاطون الموسيقى [ص ،]57فالفارابي ،مع
�أفلاطون ،يدينان طريق العبودية ويعتبر �أن "في التعبد نبوة ونفارا ،والمدينة متى لم يكن �أمرها على المحبة الذاتية
وال�أدب التام ،والعقل الكامل كان مصيرها �إلى الهلاك والفساد" [ص ،]57فالقصد من وضع الناموس ل�أهل المدينة
ليس هو السمع والطاعة فحسب بل "و�أن يصير �أهل المدينة ذوي �أخلاق محمودة وعادات مرضية" [ص� ،]57إذ
كلما كان �أهل المدينة �أخيارا كان حاكمهم �أكثر �إلهية [ص� .]59إن حرص واضع السنن يجب �أن يتجه �إلى ال�أشياء
التي تورث ال� أ َ
نفس العق َل فيعنى بها عناية تامة ليكون �أمر الناموس �آكد و�أوثق ،ويعتبر الفارابي ت�أكيد �أفلاطون على
�أن الذي يشهد للناموس بالحق والخير هو العق ُل من المعاني الحسنة عند �أفلاطون .فيصبح استحسان العقلاء معيارا
يميز به بين ما يجب قبوله من النواميس في المدينة وما يجب رفضه� ،أما العقل فلا يورث �إلا بال�أدب [ص.]54
ومن �أهم ما يتم لفت الانتباه �إليه هذه العلاقة بين السنن والسياسة؛ فهذه العلاقة تبدو في تبعية السياسات للسنن
من جهة وفي تمهيد السياسة لقبول السنن من جهة �أخرى؛
-فالسياسة تبنى على السنن [ص ،]59ومن حظ المدينة �أن يكون واضع سننها في غاية الحذق والمعرفة والتهذيب
و�أن يكون �أهل مدينته متهيئين لقبول السنن في السياسات [ص]58؛ �إذ �أن صاحب السنن هو الذي ُيعلِّم السياسي
والحاكم كيف يدبر ش�أن المدينة تدبيرا صوابا[ ]78وينبهه �إلى ضرورة العناية ب�أجزاء المدينة [ص ]76و�إلى العناية
بالصناع وسكان �أطراف المدينة واضعا لهم من السنن ما يليق بتقويمهم [ص.]78كما ينبهه �إلى عدم الاشتغال
باللذات الخارجة عن السنن [ص .]77واصفا ال�أغذية التي يجب �أخذ �أهل المدينة بها ،ناظرا في �أمر البيوع
وال�أشربة [ص ،]79واصفا ال�أماكن التي يجب تخصيصها للعبادة ،مبينا �أمر السرقات و�أمر المقتنيات [ص.]78
وهذه العلاقة بين السنن والسياسة ،والتي هي من شروط قيام المدينة ال�أربع التي بينها في المقالة الرابعة ،هي علاقة
تبعية ،تجعل �أنواع السياسات بعدد �أنواع السنن [.]59
-كما �أن السياسة توطىء للسنن� ،إذ �أن السنن لا يمكن �أن تثبت في النفوس ما لم يكن من قبل وضعها
توطئات[ص ]60ولذلك الحرص على غرس الناموس في قلوب الناس بكثير من الرفق معتمدا على التوطئات
الموجودة في قلوب الناس [ص ،]60فالمدينة لا يتم �أمرها �إلا ب�أن توط�أ لسننها توطئات من السياسات حتى �إذا
تمكنت تلك التوطئات عملت السنة العظيمة عملها [ص ،]64ومن هذه التوطئات ما يسميه الفارابي بالتغلب،
فالحاجة �إلى التغلب ضرورية ليصير توطئة للسنة ال�إ لهية ،والحاجة �إلى التغلب يفرضه تنظيف المدينة من ال�أشرار،
وجعلهم عبرة لل� أخيار ليقبلوا سنة المت�ألهين بسهولة وهشاشة [ص .] 64والفارابي مدرك للطبيعة غير السوية
للتغلب ،ولكنه يحدد هذا الجانب السيء في التغلب �إذا كان اللجوء �إليه لا لحاجة �أهل المدينة �إليه بل فقط "ل�أن
صاحب الرئاسة متغلب بطبعه"� ،أما �إذا كان �أهل المدينة غير �أخيار وتم قهر المدينة لتوضع فيها من السنن ما هو
130
�إلهي فذلك محمود ومرضي جدا ،فمن هذه الجهة يكون �أمر التغلب �أدعى �إلى تقويم �أهل المدينة [ص ،]58ف�أكبر
هم الرئيس صلاح المرؤوسين [ص ]59ومن هنا فقهر ال�أشرار هو في غاية الجودة� ،أما قهر ال�أحرار وال�أفاضل فهو
في غاية الرداءة [ص .]58كما تعتبر الموسيقى من التوطئات التي تمكن للناموس في النفوس من طريق الحرية
[ص .]57ولهذا يجب العناية بها في المدينة بصنفيها؛ الصنف الذي يحث على الجهاد[ص� ،]72إذ �أن سماع
المدائح والمذام �إن كان على الطريقة المستقيمة وكما يوجبه الناموس انغرس منه في قلوب ال�أحداث الحرص
على اقتناء الفضائل بالجهاد [ص]76والصنف الذي يعمل في السلم وال�أفراح [ص .]72كا تعتبر ال�آداب توطئات
للسنن يجب العناية بها [ص.]66
ومن �أهم ما يجب العناية به في المدينة �أمر الترتيبات [ص ،]79وهو ما �ُأفردت له المقالة السادسة التي عالجت
مس�ألة الترتيبات في المدينة وبيان �أن المدينة لا يستقيم �أمرها �إلا �إذا كانت رئاستها مرتبة ترتيبا حسنا طبيعيا ،سواء
تعلق ال�أمر ب�أهل المدينة �أو ب�أصحاب الحروب ورؤسائهم ومديريهم [ص ،]68وبالوزراء و�أهل التجارب و�أصحاب
الر�أي ،فترتيب كل هؤلاء واجب في �إصلاح المدن [ص ،]69ولذلك حرص �أبو نصر على �إشباع القول في
الترتيبات الطبيعية [ص ]70من القول في ترتيب الخدم [ص ،]70ومياه المدينة [ص،]71والجرائم والعقوبات
والموسيقاريين [ص ،]72وترتيب ال�أعياد ،ول�أهمية هذا الترتيب ال�أخير عقد له الفارابي في �أول الكتاب بيانا مجملا
فصل فيه القول تفصيلا [ص ،]75فالعيد هو المناسبة التي تعقد لتعظيم ال�آلهة وتجديد ذكرهم، وفي المقالة الثامنة َّ
عند �أفلاطون ،وفي ذلك تعظيم للسنن والنواميس ولو كانت تدخل في باب الكمالات؛ �إذ �أن ال�أخيار بمعدنهم
الحر �أحق الناس بترويض نفوسهم للتمسك بما يزين الناموس ليكونوا خيرة وسعداء [ص ،]80وهو ما �أفرد له المقالة
ال�أخيرة من الكتاب.
وحتى تظل هذه السنن والنواميس حية مع الزمان في نفوس �أهل المدينة يجب �إثبات تذاكير لتكون المرجع المناسب
بعد انقضاء �أيام حياة �أصحاب النواميس [ص ،]72و ُين َّبه في المقالة السابعة ،على �أصناف ال�أقاويل التي يمكن
�أن تكون مثبتة في التذاكير من ذكر للمواعظ التي �إذا سمعها �أهل المدينة لانت قلوبهم ،وذكر �أمثال يعتبر بها
�أهل المدينة [ص ،]73وتقديم توجيهات عامة مما يجب على �أهل المدينة من حفظ لهذه ال�أقاويل ودرسها حتى
تبقى حية في نفوسهم ،فلا تدرس فينفرط بدروسها عقد المدينة� .إذ �أن الناموس يبقى ما بقي الناس يخوضون
في استخراج غرائب معانيه [ص .]74وينبه الفارابي في المقالة الثالثة �إلى �أن فساد النواميس يكون من جهتين؛
�أحدهما مرور ال�أزمان الطوال عليها ،وال�أخرى الحوادث العامة التي تحدث في العالم ،ولذلك يجب دوما تجديد
النواميس بعد فساد سيرة المدينة عندما يترك قومها ما ينفعهم استعماله من نواميس وتمرض نفوسهم ب�إعراضهم عن
�آداب السياسة ال�إ لهية [ص 51وص 53وص .]55ومن هنا يكون صاحب الناموس كالطبيب الذي يرفق بالصبيان
الذي يجب عليه الرفق ب�إحياء السنن وحفظها على الناس جيدا [ص .]60وفي المقالة الثانية بين �أن في ال�إ نسان
�أشياء طبيعية هي �أسباب ل�أخلاقه و�أفعاله ينبغي �أن يقصدها واضع الناموس فيقومها بنواميس خاصة ل�أنه �إذا تقومت
هذه ال�أشياء الطبيعية الفطرية تقومت ال�أفعال وال�أخلاق [ص .]45وقد �أفرد الفارابي المقالة الخامسة للعناية ب�أمر
النفس ل�أنها �أشرف ال�أشياء الطبيعية ،وبيان �أن العناية بها هو �إعطاؤها الكرامة[ ،ص ،]61وكرامة النفس في ت�أديبها
و�إعطائها من الشهوات ما مدحته السنن ال�إ لهية ،وكلما كانت الشهوات مذمومة عند الناموس ف�إن منع النفس عنها
�إكرامها [ص ،]62من هنا ضرورة �إكرام السنن والنظر �إليها مع السياسات بعين ال�إ كبار [ص ،]65وقد فصل �أفلاطون
في هذه المقالة كيف يكون �إكرام النفس ،ثم بعد ذلك كيف يكون �إكرام البدن [ص ]62مع بيان الطريق �إلى اقتناء
الفضائل الخلقية مؤكدا وجوب الاستعانة بال�آلهة في اقتناء هذه ال�آداب [ص.] 63
� - 3أما الطريقة التي عرض بها الفارابي قضايا هذا الكتاب ف�أبعد عما �ألفنا عند �أبي الوليد على ال�أقل في الجمهورية،
ف�إذا كان من عادة ابن رشد �أن يعمد �إلى مقالات الكتاب ال�أصلي فيختزلها في مقالات قليلة كما فعل في الجمهورية
بل وفي جوامع ما بعد الطبيعة �أيضا ،ف�إن �أبا نصر يسير مع �أفلاطون حذو القدة بالقدة يستخلص معاني الكتاب ويبرز
ما يرى �أنه �أحق بال�إ براز ،فضلا عن ذلك ف�إن �أبا الوليد ،عادة ما يقدم في تلاخيصه مادة معرفية تغني عن الرجوع
�إلى الكتاب ال�أصلي� ،أما �أبو نصر فيكثر من ال�إ حالة �إلى الكتاب ال�أصلي ليرجع �إليه من �أراد متابعة �أفلاطون فيما
131
أ�و بعبارة رشدية أ�ثيرة المقالات الثمانية ال�أولى في الضروري من النواميس في المدينة،
والمقالة ال�أخيرة تعرض للنواميس التي هي على جهة ال�أفضل في المدينة.
تخف بالواقع والغارق في المس ِ
�إننا هنا -مع �أبي نصر -مع �أفلاطون �آخر غير �أفلاطون ْ
عالم المثل ،كما عرفه الكندي على سبيل المثال؛
لفيلسوف العرب ال�أول �أبي يعقوب رسالة في النفس سماها "المقول في النفس،
المختصر من كتاب �أرسطو وفلاطن وسائر الفلاسفة"((( ،والمت�أمل لهذه الرسالة يلاحظ
ت�أثرا عميقا بنظرية �أفلاطون في النفس ومذهبه في الزهد في الدنيا((( ،فالكندي يعتبر
النفس جوهرا من جوهر الباري عز وجل ،ويؤكد على انفرادها عن الجسم ومباينتها له
مع التشديد على جوهرها ال�إ لهي الروحي((( ،وهذه الخاصية التي تنفرد بها النفس تجعل
علمها مطلقا ،والدليل على جوهرية النفس وعلمها المطلق ،عند الكندي� ،أن "كثيرا
�أشبع فيه القول� ،أو �أطنب فيه ،من �أجل تعميق النظر في القول ال�أفلاطوني مما يشي عنده �أن الفرع لا يغني عن
ال�أصل [ص ،52ص ،59ص ،64ص ،65ص ،66ص 70ص 72ص ،74ص ،82ص ]80على خلاف ما نجد
عند �أبي الوليد الذي يعالج تلاخيصه من خلال مفهوم الكافي الذي يغني فعلا عن النص ال�أصلي ،وليس فقط يتخذ
شعارا كما قد يبدو من صنيع الفارابي هاهنا.
***
�إن "تلخيص نواميس �أفلاطون" من �أهم ما كتب الفارابي في الفلسفة السياسة في روحه الواقعية من جهة والقريبة
من جهة �أخرى من الحساسية الدينية للمسلمين؛
-فيما يتعلق بالجانب ال�أول نجد �أنفسنا �أبعد عن الجانب التنظيري الكلي المجرد في "الجمهورية"و�أقرب �إلى
الجانب المحتفي ،فضلا عن التوجيهات الكلية ،بالجزئيات الواقعية الكثيرة المبثوثة في الكتاب والتي تعالج كثيرا
من ال�أشياء التي تمس بشكل مباشر �إدارة المدينة في تفاصيلها من مثل؛ تفضيل جمع المال [ص ]65والقول
في الخدم [ص ]70-71وفي الجرائم والعقوبات [ص ،]72والجود والبخل في النفقات [ص ]69و�أمر السرقة
[ص ،]78وغير ذلك كثير من ال�أمور التي تشعر دارس النص ب�أن الكاتب �أمام مشاكل واقعية ينظر لها ويبحث لها
عن حلول واقعية ملموسة.
-فيما يتعلق بالجانب الثاني فيتمثل في ال�إ علاء من ش�أن الناموس في قيام المدينة ،وبيان �أن غرض واضع النواميس
هو ابتغاء وجه الله تعالى واقتناء الفضيلة العظمى [ص ،]39و�أن واضع النواميس بالحقيقة هو من خلقه الله وهي�أه
لذلك [ص]42كما يتجلى ذلك في تقديم الفضائل ال�إ لهية على الفضائل ال�إ نسية [ص ،]39وبيان �أهمية ال�أعياد
وفوائدها العجيبة [ص ،]75ثم ربط صفة "ال�إ لهية" بالسنن والناموس والرئيس الخَ ـيـِّـر في المدينة[ص 58وص 59
وص 64وص 66وص.]53وبالسياسة ،حيث يسميها السياسة ال�إ لهية [ص ،]55وغير ذلك من ال�أشياء المبثوثة في
الكتاب ،فضلا عن الروح السارية فيه ،والتي تجعل قضاياه �أقرب �إلى الذوق العربي -ال�إ سلامي.
وهاتان الخاصيتان؛ الواقعية من جهة والقرب من التداول العربي ال�إ سلامي من جهة �أخرى لاشك �أنهما قربا
كتاب"تلخيص نواميس �أفلاطون" �إلى فقيه قرطبة وفيلسوفها ال�أول �أبو الوليد بن رشد الذي كان حريصا على �إنشاء
السنن للمدينة ال�إ سلامية وتصحيح ما تم �إفساده منها كما فعل في"بداية المجنهد" وفي مناهج ال�أدلة.
- 1انظرها في رسائل الكندي الفلسفية تح محمد عبد الهادي �أبو ريدة دار الفكر العربي مطبعة الاعتماد بمصر
.1950
- 2رسائل الكندي الفلسفية ج 1صص 275-274
- 3رسائل الكندي ،مرجع سابق ص237
132
من الفلاسفة الطاهرين القدماء لما تجرد عن الدنيا وتهاونوا بال�أشياء الحسوسة وتفردوا
بالنظر والبحث عن حقائق ال�أشياء انكشف لهم علم الغيب ،وعلموا بما يخفيه الناس
في نفوسهم واطلعوا على سرائر الخلق" .والكندي يعتبر هذا المذهب مذهب �أفلاطون
ويصادر عليه ويصدقه .فمذهب �أفلاطون ،عند الكندي ،هو مذهب الزهد في اللذائذ،
والتحريض على "الفكر والتمييز والبحث عن غوامض العلم"وذلك من �أجل التشبه بال�إ له،
ف�إذا "تجردت النفس وفارقت [ ]...البدن وصارت في عالم العقل[ ]...صارت في نور
الباري عز وجل وطابقت نوره وجلت في ملكوته ،فانكشف لها علم كل شيء وصارت
ال�أشياء كلها بارزة لها كمثل ما هي بارزة للباري عز وجل"((( .وهكذا يصبح العالم
ال�أرضي عند الكندي هو "العالم الدنس"((( ،وينتصب التقابل بين المطعم والمشرب
والنكاح والسماع والشم واللمس باعتبارها "لذات حسية دنسة" واللذات ال�إ لهية الروحانية
الملكوتية((( ،ويصبح المتعبد هو من "هجر الدنيا ولذاتها الدنية"(((.ولما كان ل�أرسطو
مكانته في حس الكندي ف�إننا نجده يجمع بين التلميذ و�أستاذه جمعا غريبا حيث ُيلبس
�أرسطو حلة �أفلاطونية خاصة(((.
�إن لهذا ال�أمر دلالته العميقة في سياقنا هذا� ،إذ �إننا نجد "�أن �أفلاطون الذي دخل �إلى
العالم ال�إ سلامي �أفلاطونا �آخر؛ �إنه �أفلاطون الهلنستي ال�إ لهي المستغرق في التفكير في
العالم ال�آخر[�]...إن �أفلاطون الذي وصل �إلى المسلمين هو �أفلاطون الذي لا علاقة له
بالسياسة� ،إنه �أفلاطون الذي تعتبر الفلسفة بالنسبة �إليه تمرينا واستعدادا للموت .نعم� ،إن
�أفلاطون كان معروفا لديهم باعتباره مؤلفا للجمهورية وللقوانين ،ولكن السياق السياسي
- 1رسائل الكندي ،مرجع سابق ،ص276-275
- 2رسائل الكندي ،ص276
- 3رسائل الكندي ص 277
- 4رسائل الكندي ص279
- 5يقول الكندي في ذلك" :وصف �أرسططاليس �أمر الملك اليوناني الذي تحرج بنفسه ،فمكث لا يعيش ولا يموت
�أياما كثيرة ،كلما �أفاق �أعلم الناس بفنون من الغيب وحدثهم بما ر�أى من ال�أنفس والصور والملائكة و�أعطاهم في
ذلك البراهين ،و�أخبر جماعة من �أهل بيته بعمر واحد واحد منهم ،فلما ام ُتحن كان ما قال ،لم يتجاوز �أحد منهم
المقدار الذي حد له من العمر ،و�أخبر �أن خسفا يكون في بلاد ال�أوس بعد سنة ،وسيكون في موضع �آخر بعد
سنتين ،فكان ال�أمر كما قال.
وذكر أرسططاليس أن السبيل يف ذلك أن نفسه إمنا علمت ذلك العلم ألهنا كادت أن تفارق البدن ،وانفصلت
عنه بعض االنفصال ،فرأت ذلك ،فكيف لو فارقت البدن على احلقيقة! لكانت قد رأت عجائب من أمر
امللكوت األعلى"رسائل الكندي ،مرجع سابق ص279
133
المباشر ل�أعماله كانت قد فقد"((( .ومن هنا ال�أهمية الكبرى ل�أبي نصر الفارابي؛ "�إن
ما قدمه الفارابي هو بمعنى ت�أويل غير �أفلاطوني ل�أفلاطون� ،أو على ال�أقل ل�أفلاطون كما
كان ينظر �إليه من طرف التقاليد الهلنستية �إلى حدود �إعادة ظهوره في الفترة الوسيطية.
لقد قدم الفارابي �أفلاطونا سياسيا[�]...إنه خلق �أو �إعادة خلق من �أبي نصر"� ،إنه فهم
مرتبط بفهم �أبي نصر الخاص للحياة وللعلم السياسيْ ،فهم "حرك �أبا نصر �إلى �إعادة خلق
سياسية �أفلاطونية انطلاقا من التّرجمات والملخصات التي كانت في متناوله"((( .ف�إذا كان
للسفر "�إلى العالم الحقيقي"((( البعيد عن هموم "�أفلاطون الكندي" هو �أفلاطون ال ُم َن ِّظر َّ
واقع المدينة و�إشكالاتها ،فنحن ،مع الفاربي� ،أمام �أفلاطون يفكر في هموم الواقع من
خلال تفكيره في المدينة.
�إن هذا العمل الفريد الذي قام به �أبو نصر في كتبه الفلسفية -السياسية والتي �أكثر
ابن رشد الفزع �إليها ،هي التي سمحت لابن رشد بهذا "الجمع" بين فيلسوفين واقعين،
ليقوم ب�إثراء الحقل الفلسفي -السياسي بشرحه لكتاب جمهورية �أفلاطون ،وهو جمع
َس ُيشغِّل فيه ابن رشد على الخصوص كلا من كتابي ال�أخلاق والخطابة ال�أرسطيين في
شرحه العربي لهما.
لا يمكن �أن نجد في مقامنا هذا ل�أبي نصر وحده فضل الت�أثير على ابن رشد ،فهناك
فيلسوف �أقرب منه زمانا و�أقرب منه �أيضا حساسية فلسفية و�أثر فيه بعمق في نظريته في
النفس فغلَّطه كما قال �أبو الوليد؛ �إنه ابن باجة تلميذ �أبي نصر .ونحن نجد في "تدبير
المتوحد" -هذا الكتاب الذي حظي بعناية من ابن رشد على مستوى القول ولم يسعفه
وقته حتى ُيفرده بشرح على اللفظ �أو على المعنى كما فعل في كثير من كتاباته � -إرهاصات
�أولية في الغرب ال�إ سلامي ،لهذا الجمع الذي نزعمه هنا بين الحكيمين ،وظفه �أبو بكر بن
الصائغ من �أجل صياغة قول سياسي فريد لم يعرف له مثيل في ثقافتنا الفلسفية العربية.
يبدو هذا الجمع بين الحكيمين عند ابن باجة ،في كتابه "تدبير المتوحد" ،في
النّصوص التي تخترق نسيج الكتاب والتي �أكثر �أبو بكر الفزع �إليها ،ومنها ،في هذا المقام
الذي يخصنا ،كتاب السياسة ل�أفلاطون الذي يحيل عليه في ثلاثة مواضع((( ،ويستلهمه
- 1محسن مهدي" ،فلسفة �أفلاطون والفكر السياسي في المجتمع السياسي "..مرجع سابق ص.217-216
- 2محسن مهدي ،المرجع السابق 217
- 3رسائل الكندي الفلسفية مرجع سابق ص280
- 4ابن باجة ،تدبير المتوحد تح معن زيادة دار الفكر ال�إ سلامي ،دار الفكر ط 1978 1صص 42-41وص 88وص
111
134
في مواطن متعددة من الكتاب .كما يحيل على كتابي الخطابة((( وال�أخلاق ل�أرسطو(((.
ومما له دلالة في هذا السياق �أنه لايذكر الفارابي سوى مرة واحدة((( وك�أن قوله لايجد له
ت�أسيسا عند المعلم الثاني� ،أكثر مما يجد ت�أسيسا له عند المعلم ال�أول و�أستاذه .فكيف
جمع ابن باجة بين الحكيمين ،وكيف �أرسى قولا سياسيا فريدا لن يجد ابن رشد مندوحة
عن الثّناء عليه.؟
يمكن القول �إن كتاب السياسة ل�أفلاطون ،وكتابي الخطابة وال�أخلاق ل�أرسطو ،عند
ابن باجة ،هي كتاب واحد بالقول ثلاثة كتب بالفعل والعدد؛ فهي كتب تضرب في
سياسة المدينة وسياسة الفرد ،لكن ابن باجة سيضرب صفحا عن سياسة المدينة ل�أن
(((
القول فيها تم مع �أفلاطون" ،وتكلّف القول فيما قد قيل ف�ُأحكم فضل �أو جهل �أو شرارة"
كما يقول� .إن ابن باجة سينقل القول من تدبير المدن كما �أسسه �أفلاطون وتبعه في ذلك،
من فلاسفة ال�إ سلام ،الفارابي� ،إلى القول في تدبير المتوحد ،وسيصبح قوله الجديد هذا
لامعنى له في المدينة الفاضلة((( .حقا ،لقد ت�أثر ابن رشد بمشروع ابن باجة في سياسة
المتوحد ،فقد ثمن ابن رشد كتاب التدبير ووعد بشرحه ،واستبطنه ،لكنه اختلف عنه .لم
يكف �أبو الوليد عن التفكير في سياسة المدينة ،وكان �أبو بكر قد اعتبر التفكير في سياسة
المدينة ،بعد قول �أفلاطون ،مما استنفذ �أغراضه ،لكن ابن رشد سيجمع بين الحديث عن
سياسة المدينة وسياسة الفرد كذلك .وهو جميع جديد بين �أفلاطون وابن باجة.
كان الحفيد منخرطا ،بحكم ممارسته القضاء ،كنائب عن الحاكم ،في معالجة شؤون
الرعية ،فكان ان است�أنف التفكير في السياستين معا؛ سياسة المتوحد وسياسة المدينة؛
�أما عن السياسة ال�أولى فتتمثل فيما نجده في مصنفات ابن رشد وفي مصنفه السياسي
على الخصوص من شكوى من وضعية الفيلسوف الذي تتنوع تشبيهاته عند ابن رشد،
فهو مرة يجعله �أشبه بـ "الملاح الحاذق في فن الفلاحة [الذي ] لا يجد من يتعلمها
- 1ابن باجة ،التدبير ،ص61
- 2يحيل في كتاب ال�أخلاق على المقالة ال�أولى ص 91والسادسة ،65و�أحيانا على ال�أخلاق عموما ص 83و50
- 3ابن باجة ،التدبير ،ص46
- 4ابن باجة ،تدبير التوحد مرجع سابق ص 41قد يكون هذا القول بكمال القول ال�أفلاطوني في سياسة المدينة
وجهات الكبرى في اختيار ابن رشد باستئناف القول في سياسة المدينة ،ونحن نتساءل هنا عن مصدر ما من ال ُم ِّ
صرحت به منى �أحمد �أبو زيد في كتابها عن "المدينة الفاضلة عند ابن رشد"من �أن لابن باجة تصورا عن المدينة
الفاضلة ص.269
- 5تدبير المتوحد ،ص47
135
على يديه ولا من يستفيد منها"((( .وتارة يجعله يعيش بين وحوش ضارية[ ]...وهذه
الوضعية الصعبة في المدينة ال�إ سلامية تلجئ الفيلسوف في كثير من ال�أحيان �إلى التوحد
على الطريقة الباجية .ومع تقدير ابن رشد لهذه الطريقة ،فهو يعتبرها مانعة ال�إ نسان من
الحصول على الكمال ال�أسمى الذي لا يحصل �إلا في المدينة(((.
ومن هنا عناية ابن رشد بالسياسة الثانية ،سياسة المدينة ،واستئنافه القول ،بعد ان
اعتبر ابن باجة �أن القول في ذلك قد استنفد �أغراضه بعد القول ال�أفلاطوني .و�إن من �أهم
ما سيؤثر كتاب التدبير في ابن رشد ،في سياقنا هذا ،هو هذا الجمع الذي قام به ابن
باجة بين الحكيمين� ،أفلاطون و�أرسطو ،وفي هذا ال�أفق سيكون قول ابن رشد في سياسة
المدينة.
-3-
فما طبيعة الجمع الذي قام به ابن رشد بين �أفلاطون و�أرسطو ؟
سنحاول ال�إ جابة عن هذا السؤال من خلال مستويين؛ المستوى ال�أول نتساءل فيه
عن طبيعة النظر السياسي -ال�أخلاقي عند �أفلاطون و�أرسطو وهل فعلا بينهما من القرابة ما
يجعل الجمع بينهما في هذا سياق الصناعة المدنية ممكنا؟ �أما المستوى الثاني فنبحث
فيه عن جملة من ال�أشكال التي �أمكن لابن رشد من خلالهما الجمع بين الفيلسوفين.
المستوى ال�أول :
يعتبر �أرسطو ال�أخلاق والسياسة علمان عمليان ،لا يقصدان �إلى النظر و�إنما يقصدان
�إلى العمل ل�أن معرفة علة ال�أشياء ال�أخلاقية والسياسية فيهما غير ذات �أهمية قصوى� ،إنما
(((
ال�أهم معرفة الوقائع((( ،ففي العلم السياسي يتخذ البحث في ال�أفعال كيف ينبغي فعلها
�أهمية �أكبر .ولهذا ال�أمر انعكاسه على مستوى الفحص العلمي� ،إذ �إن البحث السياسي
طريقه ليس البرهان وما يتبعه من استقصاء في القول كما هو ال�أمر في الموضوعات النظرية
- 1الضروري في السياسة ص139
- 2الضروري في السياسة ص141
� - 3أرسطو ،ال�أخلاق ،ترجمة �إسحق بن حنين ،حققه وشرحه وقدم له عبد الرحمن بدوي ،وكالة المطبوعات
الكويت الطبعة ال�أولى 1979ص58
� - 4أرسطو ،ال�أخلاق مرجع سابق ص87
136
التي تحكمها العلل� ،إنما يقتصر النظر السياسي على الرسم ل�أنه ينصب على الوقائع؛
موضوعات الفلسفة المدنية(((.
رغم هذا الطابع العملي للفلسفة المدنية ،ف�إن �أرسطو يعتبر صاحبها "رئيس بحار
العلم"((( ،ويعتبر غاية السياسة هي الغاية العليا ،ل�أن هذا العلم يجعل اهتمامه الرئيسي
تحويل المواطنين �إلى "كائنات فاضلة وقادرة على القيام ب�أعمال نبيلة"((( .ولذا يعتبر
�أرسطو صناعة تدبير المدن ،والتي تجمع بين ال�أخلاق والسياسة� ،أشرف الصناعات ل�أنها
تتشوق خير ال�إ نسان فردا كان �أو شركة.
�إن جميع الصناعات تتشوق خيرا ما ،لكن الصناعات ليست واحدة ،بل هي متراتبة؛
منها رئيسية ومنها ثانوية تحتها ،وصناعة تدبير المدن ،عند �أرسطو ،هي الصناعة الرئيسة
بغاياتها التي هي هدف الصناعات التي تحتها .ويمكن القول �إن هذه الصناعة الرئيسية هي
صناعة تقديرية بجهة ما؛ فهي تقدر طبيعة الصناعات والعلوم التي تحتاجها المدن ،كما
تقدر طبيعة الصناعات والعلوم التي يجب على كل طبقة �أن تتعلمها ،كما تقدر غايات
المتعلم من هذه الصناعات .وهذه السمة التّقديرية تبرز بشكل كبير �أن غرض صناعة تدبير
المدن هو العمل ،وهو ما سيؤكده ابن رشد في "الضروري"� ،إذ �إنها ،وهي تستعمل العلوم
العلمية ،ف�إنها تحدد ما ينبغي فعله وما ينبغي تركه ،من هنا تكون غاياتها �أشمل من غايات
الصناعات التي تحتها كصناعة الطب ،وصناعة الحرب ،وصناعة الخطابة ،وصناعة تدبير
المنزل .وهذه الغاية مرتبطة بالخير الذي تتش ّوقه هذه الصناعة الرئيسية وهو خير المدينة،
"وهو �أعظم و�أكمل"((( .من هنا هذا البعد ال�أخلاقي للعلم السياسي الذي يذكرنا بكثير
من المبادئ ال�أفلاطونية في الجمهورية.
تعتبر الصلة بين ال�أخلاق والسياسية ،والتي تبدو على �أكثر من مستوى� ،أهم معلم من
معالم الكتابة ال�أخلاقية -السياسية عند �أرسطو .لكن المستوى البارز في هذه العلاقة،
على ما يبدو ،هو المستوى الت�أسيسي ،ولعل هذا المستوى راجع ،من بين ما يرجع �إليه،
�إلى �أسبقية كتاب ال�أخلاق زمنيا على كتاب السياسة(((.
� - 1أرسطو ،ال�أخلاق ،مرجع سابق ،ص88
� - 2أرسطو ،ال�أخلاق ،مرجع سابق،ص261
� - 3أرسطو ،ال�أخلاق ،مرجع سابق ،ص74
� - 4أرسطو ،ال�أخلاق ،مرجع سابق ،ص55
- 5يحيل �أرسطو في كتابه " في السياسة" على كتاب ال�أخلاق �إلى نيقوماخوس مرجع سابق ص 50
137
يربط �أرسطو بين ال�أخلاق والسياسة برباط ت�أسيسي عندما يجعل الفحص ال�أخلاقي
مقدمة �أساسية للبحث السياسي((( .لكن �أين تبدو مظاهر هذا الت�أسيس عند �أرسطو؟
يعتبر �أرسطو �أن الخير الذي يقصده العلم السياسي هو السعادة ،فالسعادة ،بجهة
من القول هي الكمال ال�إ نساني والمدني ،ومن هنا ارتباطها بالفضيلة .وترتبط السعادة
بالفضيلة برباط السببية من خلال �أن السبب الفعال للسعادة يجد �أساسه في الفعل الموافق
للفضيلة(((� ،إذ �إن السعادة ليست سوى حسن سيرة وجميل فعال((( .كما ترتبط السعادة
بالسياسة �أكثر من خلال �أن السعادة هي "تمام ال�أشياء ال�إ نسية"((( ،بمعنى �أنها منتهى ما
تقف عنده ال�أفعال ال�إ نسانية ذات الطبيعة ال�أخلاقية والسياسية .و�إذا كان العلم السياسي
يبحث عن الطرق التي ُيم ِّكن بها للسعادة في المدينة ف�إن ال�أخلاق هي العلم الذي يبحث
للسعادة ،ويقدم للسياسي �أدوات فهمها قبل تمكينها ،ل�أن معرفة في الصور المختلفة ّ
الفضيلة غير كافية ،بل ينبغي اقتناؤها واستعمالها ،وهو ما يقصد �إليه علم السياسة .
(((
ومن هنا يطلب �أرسطو في المقبل على العلم السياسي شروطا �أخلاقية منها �أن يكون
ممن يشتهي ويفعل على حسب ما يوجبه الفكر والر�أي((( .وثانيا �أن تكون �أخلاقه تجري
على ما ينبغي((( �إذ �أن وكده واهتمامه هو تحويل المواطنين �إلى كائنات فاضلة ذات
�أعمال نبيلة((( ،وذلك بجعلهم منقادين للنّواميس((( .لكن من هو هذا المقبل على العلم
السياسي؟
يبدو �أن المشتغلين بالش�أن السياسي صنفان من الناس :واضعو النواميس و�إدارة
المدينة� ،أو �أصحاب السلطة؛ وهم يتميزون في عملهم و�إن كانت اهتماماتهم واحدة
و�أحيانا تدخُّ لهم في المدينة واحد؛ �أما عمل واضعي النواميس ف�إيجاد النواميس ،وهي
قوانين عامة تؤم جعل الشركة المدنية ،كما يسميها �أرسطو� ،أوفق بنشر العدل� ،أي �أنها
- 1عندما يقول " :و�إذا كان هذا البحث �إنما هو لتدبير المدن" ال�أخلاق ص81
� - 2أرسطو ،ال�أخلاق ،ص76
� - 3أرسطو ،ال�أخلاق ،مرجع سابق ص 70
� - 4أرسطو ،ال�أخلاق ،ص347
� - 5أرسطو ،ال�أخلاق ،ص365
� - 6أرسطو ،ال�أخلاق ،ص56
� - 7أرسطو ،ال�أخلاق ،ص58
� - 8أرسطو ،ال�أخلاق ،ص74
� - 9أرسطو ،ال�أخلاق ،ص80
138
حصل اتفاق الر أ�ي بين سكان المدينة وهذا الاتفاق هو "مح ّبة مدينة"(((� ،إذ �إن كل ما تُ ِّ
يقوله الناموس يقصد خير الجميع �أو خير ال�أفاضل والسادة ،ولذا يقول �أرسطو �إن "ال�أشياء
الناموسية عادلة بنوع ما"((( ،لذا يحرص عليها �أرسطو كثيرا فيجعل وضع النواميس جزءا
من الصناعة المدنية((( ،ويؤكد �أن الغرض الذي يؤمه واضعو النواميس هو تعويد �أهل
المدينة على فعل الخير ليجعلوهم �أخيارا((( ،وهذا الغرض والقصد يشترك فيه واضعو
النواميس مع �أصحاب السلطة� ،إلا �أن واضعي النواميس ينفصلون عن هؤلاء ب�أمر بين
هو �أن واضعي النواميس همهم الكليات ،و�إدارة المدينة تحتفل بالجزئيات ،وهم بذلك
يتكاملون؛
�إن الخاصية الدائمة للنواميس �أنها عامة ،ومن هنا ف�إن عقلية واضعي النواميس تختلف
عن عقلية ال�إ دارة ل�أن واضع الناموس همه البحث في الكليات ،في حين �أن ال�إ دارة تهتم
بتفاصيل ال�أمور وجزئياتها ل�أنها وحدها تقوم بالعمل((( ،ويظهر تكاملهم في �أن الناموس لا
يستوعب ،عادة ،الجزئيات جميعها ل�أنه لا ي�أخذ في الاعتبار �إلا ال�أحوال ال�أكثر شيوعا،
في حين �أن هناك حالات معينة لا يستطيع الناموس �أن ينطبق عليها بدقة ،بل هناك
"�أحوالا نوعية يستحيل وضع قانون لها" ل�أنه "لا يمكن فيها وضع صيغة عامة" وهو �أمر
سب ُبها "طبيعة ال�أشياء ،ل�أن مادة ال�أشياء العملية هي في جوهرها
يمكن �أن يوقع في �أخطاء َ
نفسه ذات طابع غير منتظم" .ومن هنا "ف�إذا وضع الناموس قاعدة عامة ثم جرت حالة
خارج القاعدة العامة فيحق للمرء[�]...أن يصحح ما �أغفله [المشرع]" .وهذا المصحح
يسميه �أرسطو بـ"المنصف" و"مصحح العدالة الناموسية"((( ،وهو �إلى الاهتمام بالتفاصيل
والجزئيات �أقرب ل�أنه �أعرف بها .من هنا �أيضا يتميز واضع النواميس عن �إدارة المدينة
بخصلة لا توجد عند هذا "المنصف" وهي خصلة "الروية" ،فهذه الخصلة لا تكون في
ال�أمور الجزئية لـ "�أن هذه ال�أشياء �إنما تدرك بالحس ف�إن روى فيها مرت �إلى ما لا نهاية"(((.
�إن غاية واضعي النواميس هي صلاح المدينة ،والروية لا تكون في غايات ال�أمور و�إنما في
� - 1أرسطو ،ال�أخلاق ،ص318
� - 2أرسطو ،ال�أخلاق ،ص175
� - 3أرسطو ،ال�أخلاق ،ص360
� - 4أرسطو ،ال�أخلاق ،ص86
� - 5أرسطو ،ال�أخلاق ،ص219
� - 6أرسطو ،ال�أخلاق ،ص202
� - 7أرسطو ،ال�أخلاق ،ص116
139
(((
الطرائق وال�أساليب التي تؤدي �إلى هذه الغايات ،للفحص عن الطرائق ال�أسهل وال�أجود
في بلوغ هذه الغايات الكبيرة التي �أنيط بواضعي النواميس بلوغها ،والتي تقوم السلطة
بالسهر على تطبيقها� ،أو تصحيحها ،وتفسيرها� ،أو وضع مراسيم لما تعذر �إيجاد نواميس
له .وهذا التمييز بين واضعي السنن وبين ال�إ دارة يوضحه �أرسطو في كتاب السياسة� ،إذ
�إن السلطة العليا في المدينة يجب �أن تكون "للشرع القويم الوضع"� ،أي يكون خاضعا
للنواميس التي يضعها واضعو النواميس� .أما صاحب السلطة فـ "لا يتصرف كسلطة عليا
�إلا في ال�أمور التي لا تستطيع الشرائع �أن تضبطها ضبطا دقيقا"((( ،وهو يعتني بالفضيلة
عناية كبيرة "ل�أن وكده و�إرادته �أن يجعل �أهل المدينة خيارا �أو منقادين للنواميس"(((� .إن
�إدارة المدينة تتدخل مباشرة في تربية الناس على الشرائع وهو �أمر يمكن لواضعي النواميس
�أن يقوموا به �أيضا ،حسب ما يفهم من كلام �أرسطو� ،إذ �إن واضعي النواميس عنده يعاقبون
ويجلون ،فهم يعاقبون من يفعل الرداءة ،ويجلون من يفعل ال�أمور الجميلة ليحثوا على
محاسن ال�أفعال ويردعوا عن قبيحها((( ،فك�أن واضعي النواميس يشاركون ال�إ دارة في متابعة
تطبيقها كما تشارك ال�إ دارة واضعي النواميس في وضع مراسيم لل�أشياء التي تند عن وضع
قانون عام لها ،وجميعهم يؤم خير المدينة وسعادتها.
تعتبر ال�أخلاق عند �أرسطو جزءا من النسيج السياسي للدولة ،وهو ما نجد التعبير
الواضح عنه في كتابه "في السياسة" ،فالدولة عند �أرسطو هي شَ رِكة ،والنّاس عندما ي�أتلفون
فهم لا يفعلون ذلك لمجرد �أي عيش و�إنما يفعلونه من �أجل "عيش فاضل" ،فالمجتمع
المدني عند �أرسطو لا يبتغى منه مجرد الت�آلف و�إنما يبتغى منه صالح ال�أعمال((( .لهذا
السبب ُيكثر واضعو النواميس النظر في الفضائل والرذائل المدنية من �أجل "سن شرائع
صالحة"((( .وهذا التكوين ال�أخلاقي لسياسة المدينة هو ما يوجز �أرسطو التعبير عنه بقوله:
"الدولة شركة حياة فاضلة" جاعلا الحياة الفاضلة الغاية التي تنشدها الدولة((( ،وجاعلا
� - 1أرسطو ،ال�أخلاق ،ص115
� - 2أرسطو ،في السياسة ،نقله من ال�أصل اليوناني �إلى العربية وقدم له وعلق عليه ال�أب �أوغسطينس برباره البولسي
الطبعة الثانية اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع 1980ص148
� - 3أرسطو ،ال�أخلاق ،ص80
� - 4أرسطو ،ال�أخلاق ،ص119
� - 5أرسطو ،في السياسة ،ص141
� - 6أرسطو ،في السياسة ،ص139
� - 7أرسطو ،في السياسة ،ص141
140
من واجبات الدولة العناية بالفضيلة لجعل المواطنين "من �أهل الصلاح والعدل"((( .فالحياة
المنشودة في الحياة التي تشرف الفضيلة على سيرها ،سواء كانت هذه الحياة حياة �أفراد،
�أم حياة دولة((( .وما يثير عند �أرسطو في هذا الش�أن هو �أنه يجعل ال�أسلوب والمبادئ التي
ُيبنى بها الرجل الفاضل هي نفسها التي يمكن تنشئة الدولة الفاضلة بها((( ،وهو جسر عميق
بين ال�أخلاق التي وكدها الاهتمام بالفرد ،وبين السياسة التي تسعى �إلى الاهتمام بطرق
تربية الفرد لتصنع بها حياة الدولة؛ �إذ للدولة ،عند �أرسطو ،حياة ،وحياتها هي السياسة،
لكن هذه الحياة لابد �أن تكون فاضلة .لكن �أين تتجلى فضيلة الدولة عند �أرسطو؟
�إن فضيلة الدولة ،كفضيلة الفرد ،هي الاعتدال((( .ومن هنا يعرف �أرسطو الحياة
الفاضلة ب�أنها الحياة المعتدلة ،ويصف خير السياسات ب�أنها السياسة المعتدلة((( .لكن
الاعتدال في السياسة يتجسد عندما تحكم الطبقة الوسطى ،فحكم هذه الطبقة هو الحكم
المعتدل ،وهو خير حكم سياسي عند �أرسطو((( .وينحرف الحكم عن مهيع العدل عندما
يخطئ الحكا َم الانسجام مع الفضيلة انسجاما صالحا((( ،ومن هنا ت�أكيد �أرسطو �أن خير
ال�أخلاق هي دوما علة خير السياسات ،و�أن ال�أخلاق �إذ تنشئ السياسات ف�إنها تعمل
�أيضا على صيانتها(((.
�إن هذه العلاقة التي �أقام �أرسطو بين ال�أخلاق والسياسة ستقود خطى ابن رشد في
النظر �إلى العلم المدني كما درج على تسميته الفلاسفة المسلمون ،فالمنحى العام الذي
�أ ّسسه كتاب ال�أخلاق للنظر �إلى العلم السياسي ،وهو الكتاب الذي حظي بعناية من ابن
رشد حين قدم تلخيصا له لا يزال مفقودا ،سيقرب به ابن رشد القضايا ال�أخلاقية كما
ُعرضت في نيقوماخيا ،والقضايا السياسية -ال�أخلاقية كما عرضت في كتاب الجمهورية.
فعند النظر� ،إلى طبيعة النظر ال�أخلاقي -السياسي عند كل من �أفلاطون و�أرسطو نجد
مس�ألة �أساسية تعتبر الجامع بينهما وتتجلى في جعل البؤرة ال�أخلاقية المحور ال�أساس في
تفكيرهما ،فهما معا يركزان على الفضيلة ويعتبران ال�أخلاق علة خير السياسات .فمن
� - 1أرسطو ،في السياسة ،ص140 - 139
� - 2أرسطو ،في السياسة ،ص354
� - 3أرسطو ،في السياسة ،ص175
� - 4أرسطو ،في السياسة ،ص212
� - 5أرسطو ،في السياسة ،ص241
� - 6أرسطو ،في السياسة216 ،
� - 7أرسطو ،في السياسة ،ص 271 272-
- 8ارسطو ،في السياسة ،ص319
141
هذا المنظور الجمع بينهما قريب وممكن ،وبخاصة أ�ن أ�رسطو في أ�خلاقياته يثمن في
�أحايين كثيرة قول �أستاذه �أفلاطون وينقل عنه((( .وهو يعتبر �أفلاطون صديقا له مما يشي
بعمق الت�أثير الذي تركه فيه في �أخلاقياته ،و�إن لم تحل بينه هذه الصداقة من �إيثار الحق
على �أفلاطون حين يستدعي المقام ذلك((( ،وهو ال�أمر الذي يبدو كثيرا -فيما يخص مقامنا
هذا -في المجال السياسي -ال�أخلاقي.
لكن رغم هذه النظرة الواحدة �إلى الفضيلة ال�أخلاقية باعتبارها غاية الفرد والمدينة،
ف�إن �أفلاطون يعتبر علمي السياسة وال�أخلاق علمين منفصلين� ،أما �أرسطو فيرى �إن كان من
الناحية المنهجية تخصيص الخير ال�أعظم للمدينة والخير ال�أعظم للفرد بدراسات منفصلة
�أمرا معقولا ،ف�إن ال ِعلمين يشكلان في الحقيقة واحد عنده ،ل�أن المدينة جهاز �أخلاقي
مزود بضمير� .إن علم ال�أخلاق عند �أرسطو مواز لعلم السياسة وهو يشكلان بحثا واحدا
عنده عكس ما ذهب �إليه �أفلاطون(((.
�أفاد �أرسطو من �أفلاطون ،فهو يثمن عرضه الحاذق في الجمهورية للعناصر التي تت�ألف
منها الدولة و�إن كان ي�أخذ عليه �أنه لم يعطها حقها من التعمق ،ال�أمر الذي ترتب عنه
�أنه جعل نش�أة الدولة لديه ك�أنما "لسد ضرورات العيش وليس بال�أحرى ل�أجل الفضيلة
والكمال الروحي"((( .ومن هنا ُي َطعم �أرسطو الفئات التي اقترحها �أفلاطون لنش�أة الدولة
بفئات �أخرى تتقدمها في الترتيب ،ويدمج فئة المحاربين التي لا يجعلها �أفلاطون قسما
من الدولة �إلا عند حالة الحرب ،ومن هذه الفئات :القائمين على العدالة والقضاء ،طبقة
المستشيرين ،طبقة المحاربين ،طبقة الموسرين ،طبقة الحكام(((.
كما جترى �أرسطو �أفلاطون في نظرته �إلى ال�أحكام السياسية و�إن كان اعتباره غير
اعتبار �أفلاطون ،ف�أرسطو ،مثل �أفلاطون ،يرى �أن الحكم الطغياني �أسو�أ الانحرافات
السياسية ،ويليه في الابتعاد عن السياسة الفاضلة حكم ال�أقلية� ،أما "�أكثر الانحرافات
السياسية اعتدالا [عنده] فهو الحكم الشعبي" ،لكن �أفلاطون يرى �أن هذا الحكم الشعبي
هو فعلا �أحط ال�أحكام �إن كانت ال�أحكام ال�أخرى جيدة ،ولكنه �أفضل ال�أحكام �إن كانت
� - 1أنظر مثلا كتاب ال�أخلاق :صص334 - 176 - 89
� - 2أرسطو ،ال�أخلاق ،ص61
- 3جان شوفالييه تاريخ الفكر السياسي ص79
� - 4أرسطو ،في السياسة ،ص190
� - 5أرسطو ،في السياسة ،ص 191 - 190
142
كلها سيئة .لكن أ�رسطو ،مختلفا عن أ�فلاطون ،يرى أ�ن ال�أحكام الثلاثة كلها مخطئة
�إطلاقا ،ولا يصح القول �إلا �أن �أحد ال�أحكام ال�أقلية �أقل فسادا من ال�آخر(((.
هناك فروقات كثيرة بين �أرسطو و�أفلاطون؛ منها �أن �أفلاطون يعادي البحر في حين
�أن �أرسطو يحبذ القرب منه((( .كما �أن �أرسطو يستبعد التخصص الوظيفي الصارم في
"الجمهورية"((( ،ويظهر �أقل ارتباطا بالقوانين المكتوبة من �أستاذه �أفلاطون ،و�أكثر ارتباطا
بالمساواة ،ف�إذا كان �أفلاطون يخص الفيلسوف بالحكم ف�إن �أرسطو ،فيلسوف المساواة
السياسية ،لا يرى مانعا من �أن يلي الحكم جميع المواطنين(((� .إن �أرسطو لا يعتقد
�أن للحاكم الحق �أن يتخذ قرارات فردية في تسيير شؤون الحكم كما يعتقد �أفلاطون،
وذلك ل�أن الحاكم عند �أرسطو مقيد بقانون عام ،وتوجد مساواة تامة بينه وبين بقية
�أفراد مجتمعه .في حين يضع �أفلاطون الثقة كاملة في الحاكم الفيلسوف الذي يقرر
ما يراه مفيدا وينظم �أمور الدولة حسب الخطة التي توافق وجهات نظره ،ل�أنه يعتقد �أنه
�أدرى الناس بما يحتاجه ال�أفراد ،بينما يشعر �أرسطو �أن نظام الحكم على الدستور �أحسن
نظام تسير بمقتضاه الدولة حيث يكفل لها صفة الدوام والاستقرار ولا يرتبط بقاء النظام
السياسي ببقاء حاكم معين في الحكم(((� .أما فضيلة الرجل والمر�أة عند �أفلاطون فهي
واحدة بعينها عكس �أرسطو الذي يرى "�أن عفة المر�أة غير عفة الرجل ،و�أن الشجاعة
والعدل يختلفان فيهما"(((.
لكن �أهم ما ينتقد فيه �أرسطو �أستاذه �أفلاطون ما ذهب �إليه هذا ال�أخير من قول
بالشيوعية ،ومن قوله في الانقلابات السياسية؛
-يعتقد �أفلاطون �أن الدولة يجب �أن تكون واحدة ،باعتبار "�أن تلك الوحدة []...
هي �أسمى الخيرات" ،ومن هنا انتصاره لشيوعية النساء وال�أموال ،لكن �أرسطو يرى �أن
هذه الشيوعية "�أعجز من �أن تؤدي �إلى الغاية التي يعينها [�أفلاطون ]...لكل دولة"� ،إذ
�إن "الدولة �إذا تجاوزت الوحدة الم�ألوفة �إلى وحدة �أتم لا تعود دولة ،ل�أن الدولة جمهرة
ما ،ف�إن �أضحت كاملة الوحدة تحولت من دولة �إلى �أسرة ومن �أسرة �إلى فرد"� .إن
� - 1أرسطو ،في السياسة ،ص183
- 2جان جان شوفلييه ،تاريخ الفكر السياسي ص93
- 3جان شوفلييه ،تاريخ الفكر السياسي ص94
� - 4أرسطو ،في السياسة ،ص50
- 5د.محمد نصر مهنا ،علم السياسة ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة صص103 - 102
� - 6أرسطو ،في السياسة ص40
143
الحرص على وحدة الدولة على هذا الشكل ،عند �أرسطو ،فيه �إتلاف للدولة ،ل�أن الدولة
لا تت�آلف من �أناس كثيرين �أشباه ونظائر ،و�إنما من �أناس مختلفين بنوعهم"(((� .إن الوحدة
التي يثمنها �أرسطو هي الوحدة التي تنش�أ عن المساواة في التكافؤ ،فهذه هي الوحدة
التي تصون الدولة لديه� ،إنها الوحدة التي تتفق �أن يلي الحكم المواطنون جميعهم(((،
وليس الوحدة المفرطة التي يدعو �إليها �أفلاطون والتي رام من خلالها توحيد الدولة من
اقتراحه لشيوعية النساء وال�أموال .فهذه الشيوعية ،عنده ،تضعف �أواصر المودة وتسبب
في تلاشيها �إذا شاعت النساء وال�أولاد ،في حين �أن "المودة �أكبر الخيرات التي قد تحصل
عليها الدول� ،إذ يندر �أن تقع فيها ثورات ،عندما تربط �أواصر المودة �أهلها"((( .كما �أن
هذه الشيوعية تمنع ،عند �أرسطو ،فضيلتين؛ فضيلة العفة وفضيلة الجود� :أما فضيلة العفة
فتتعلق بالنساء� ،إذ فعل هذه الفضيلة �أن يتعفف المرء عن امر�أة غريبه .و�أما فعل الجود
فيتعلق بالمقتنيات ل�أنه لا تعطى للمرء فرصة ليظهر الكرم والسخاء "ل�أن �أفعال السخاء في
استعمال المقتنيات الخاصة"(((.
�إن الاهتمام الضمني بالوحدة المدنية قوي جدا في الجمهورية((( ،لكنها ليست وحدة
كاملة ،فقد ر�أى �أرسطو في مظهرها المشاعي �إتلافا للدولة ،وقضاء على المودة ،بسبب
شيوع النساء وال�أولاد� ،إذ �إن البعض سيصل ،رغم ما وضعه �أفلاطون من وسائط ليصدّهم
عن ذلك� ،إلى معرفة �إخوته وبنيه و�آبائه و�أمهاته من خلال التشابه فتضعف بينهم �أواصر
الصداقة((( .في حين �أن المودة عند �أرسطو�" ،أكبر الخيرات التي قد تحصل عليها الدول،
�إذ يندر �أن تقع فيها الثورات عندما تربط �أواصر المودة �أهلها"((( .لقد بين �أرسطو العيوب
الاجتماعية والسياسية وال�أدبية لما ذهب �إليه �أفلاطون من قول بالشيوعية ،فكان هذا �أبرز
خلاف سياسي بينهما.
-هناك خلاف �آخر يبرزه �أرسطو في كتابه في "في السياسة" وهو خلافه معه حول
منطق التحولات السياسية؛ �إن �أفلاطون ،حسب �أرسطو ،لا يجيد الكلام في الانقلابات
السياسية ،عندما يرد سببها �إلى "عدم استقرار ال�أمور ،وتح ّول كل شيء عقب حقبة
� - 1أرسطو ،في السياسة ،ص 49 - 48
� - 2أرسطو ،في السياسة ص50
� - 3أرسطو ،في السياسة ،ص ص 55وص54
� - 4أرسطو ،في السياسة ،ص59
- 5جان شوفلييه ،تاريخ الفكر السياسي ص61
� - 6أرسطو ،في السياسة ص 53وص54
� - 7أرسطو ،في السياسة ،ص55
144
معينة من الزمن" عندما تنشئ الطبيعة ،في نظر أ�فلاطون ،تارة �أناسا غير قابلين للتربية،
وتارة �أناسا صالحين لها .لا يجد �أرسطو حرجا في قبول هذا القول� ،إذ يحتمل عنده
"�أن يقوم �أناس لا يمكن تهذيبهم ويستحيل �أن يمسوا �أهل فضل وصلاح"((( فيخلفون
في الحكم �أهل الصلاح فيفسدون �أصول السياسة ويحولونها من حكم صالح �إلى حكم
فاسد� .إن هذا الذي يقبله �أرسطو كاحتمال يعتبره �أفلاطون المنطق ال�أساس لتحول وتبدل
ال�أحكام السياسية ،وبخاصة السياسة الفاضلة ،وهو ال�أمر الذي يطرح حوله �أرسطو تساؤلا
استنكاريا" :لماذا يكون عدم الاستقرار هذا علة انقلاب خاص بما يسميه سقراط السياسة
المثلى ،دون سائر السياسات ال�أخرى ،لا بل دون سائر ال�أحوال"؟((( ،فضلا عن ذلك،
ف�إن �أرسطو لا يتفق مع الطرح ال�أفلاطوني في منطقه الذي يتابع فيه هذا التحول ،ف�إذا
كان �أفلاطون يرى �أن السياسة تتحول من الحكم الفاضل �إلى حكم ال�أقلية ،ومن حكم
ال�أقلية �إلى الحكم الشعبي ومن الحكم الشعبي �إلى الحكم الطغياني ،ف�إن �أرسطو يرى في
تحول السياسات اتجاها �آخر فـ"تحول السياسة من الحكم الشعبي �إلى حكم ال�أقلية �أكثر
وقوعا من تحولها �إلى الحكم الفردي"((( .كما �أن �أفلاطون ،حسب �أرسطو لا يتحدث
عن الطغياني هل يتحول �أولا ،و�إذا تحول فما علة التحول وما الشكل من الحكم الذي
يتحول �إليه؟ بل �إن �أرسطو ينتقد �أفلاطون الذي قال باستحالة الحكم الطغياني �إلى الشكل
السياسي ال�أول وال�أفضل� ،إذ �إن هذا يؤدي ،حسب هذا المنطق� ،إلى �أن "يحدث اتصال
بين الانقلابات ،فتكون دائرة تامة" ،في حين �أن الطغيان ،حسب الواقع التاريخي الذي
يقدمه �أرسطو ،يستحيل �إلى طغيان ،ويتحول الطغيان �إلى حكم �أقلية ،ويتحول �إلى حكم
شعبي ،ويتحول �إلى حكم �أعيان((( ،وك�أن ليس هناك منطق ثابت لهذا التحول كما يريده
له �أفلاطون� .إن �أفلاطون ،حسب �أرسطو ،يقف عند سبب واحد يحكم منطق تحول
الدول لديه هو الطيش والخلاعة واستهلاك ال�أموال بسبب �إمعانهم في الحرية ،ال�أمر الذي
يؤدي بهم �إلى الفقر .وهي دعوى �أفلاطونية تستند على فرضية خاطئة وهي �أن الجميع �أو
ال�أكثرية �أغنياء منذ البدء.
�أفرد �أرسطو �أستاذه �أفلاطون بعناية نقدية خاصة في كتابه "في السياسات" ووجه �إليه
كثيرا من الملاحظات .ولعل الخلاف الكبير بينهما في هذا الصدد يكمن في اختلاف
� - 1أرسطو ،في السياسة ،ص312
� - 2أرسطو ،في السياسة ،ص313
� - 3أرسطو ،في السياسة ،ص313
� - 4أرسطو ،في السياسة ،ص314
145
جهة نظريها �إلى السياسة� ،أحدهما ينظر �إليها من زاوية نظر يوتوبية� ،أما ال�آخر فيحرص
على النظر �إليها نظرة واقعية تاريخية ،و�أبرز ما يمكن �أن نسوقه في هذا الصدد استغراب
�أرسطو من قول �أفلاطون �إن السياسة تستحيل �إلى حكم ال�أقلية بسب تعاطي �أهل الحكم
للتجارة في حين �أن الواقع التاريخي يرد ذلك عند �أرسطو ،كما �أن �أفلاطون لا يلتفت
�إلى تعدد �أصناف حكم ال�أقلية ،و�أصناف الحكم الشعبي ،ولا يتحدث عن تحولها �إلا
على �أنها صنف واحد((( ،مغفلا عن تجليات ال�أحكام السياسية في الواقع؛ ثم �إن �أول
ما يثير في التمييز بين �أفلاطون و�أرسطو كذلك هو طبيعة الكتابة في كل من الجمهورية
والسياسية ،فالمقالات المنفصلة التي يت�ألف منها كتاب السياسة ل�أرسطو ،والتي تم
جمعها بعد �أرسطو وتنسيقها بشكل غير كاف تصيب "قارئها بالتشوش والنفور [�أين منها]
اللذة التي وجدها في قراءة محاورة الجمهورية"(((.
المستوى الثاني :
� -إن بين القول السياسي ال�أفلاطوني وال�أرسطي �أكثر من تباين واختلاف ،بل و�أكثر
من تعارض في كثير من ال�أحيان ،فكيف �أمكن لابن رشد الجمع بين �آراء الحكيمين؟
لا بد من ال�إ شارة �أولا �إلى �أن ابن رشد ،على ال�أقل على حد تصريحه ،لا يعرف
�أرسطو "السياسي" ،وبالتالي يعسر �إيجاد "جمع" على غرار ما فعله �أبو نصر مع الحكيمين.
فالفارابي ،على ال�أقل ،كان يعرف معرفة كافية الرجلين! ،وكان يعرف قصده من هذا
الجمع الذي تمحله� .أما ابن رشد وهو يجهل شطرا هاما من الجانب السياسي ال�أرسطي،
�إذا نحن اعتبرنا "تلخيص كتاب ال�أخلاق" و"تلخيص كتاب الخطابة" نوعا من الدراية
نصه السياسي سيكون بجانب مهم من سياسة �أرسطو ،ف�إن تعامله مع الحكيمين في ّ
مختلفا ،فابن رشد لن يصرح ب�أن غرضه من الكتاب هو "جمع" بين �أرسطو و�أفلاطون،
لكن المتفحص للنص السياسي الرشدي سيلمس ضربا خاصا من الجمع.
ُي ْقبل ابن رشد على الكتاب ال�أفلاطوني وهو مجهز بجهاز فلسفي قوي يوجد معينه في
الفلسفة ال�أرسطية ،سيشكل هذا الجهاز "ع ْينا" له على نص �أفلاطون ،فلا يسمح بمرور ما
لا يقبله الحس ال�أرسطي مما سيجعله يدمغ كثيرا من ال�آراء ب�أنها غير برهانية ،وهو ضرب
من الوصاية المشائية التي سيمارسها ابن رشد على فكر �أفلاطون.
يقر�أ ابن رشد �أفلاطون قراءتين على ال�أقل؛
� - 1أرسطو ،في السياسة ،ص 316
- - 2جان شوفالييه ،تاريخ الفكر السياسي ص76
146
-قراءة نصية يتابع فيها �أقاويل �أفلاطون ،ويلخص معانيها .ومن هنا يمكن اعتبار كتابه
هذا نوعا من التلخيص؛ شرحا على المعنى ،يؤم المقاصد الكبرى من النص ال�أفلاطوني
ومعانيه الكلية ،كما هو التلاخيص.
� -أما القراءة ال�أخرى ،المحايثة للقراءة ال�أولى ،فهي قراءة ت�أويلية تهجم على النص
ال�أفلاطوني بعيون مختلفة؛ سيشكل �أرسطو عينا منها ،لكننا سنجد عيونا �أخرى ترجع
�إلى الفارابي� ،إلى جالينوس� ،إلى المقاصد الكلية للشريعة� ،إلى الواقع السياسي ال�إ سلامي،
وهي جملة عوامل ستسهم في تشكيل القراءة الرشدية لهذا العمل المتميز ل�أفلاطون.
لهذا السبب سيتوسع مفهوم الجمع عندنا في قراءتنا لكتاب ابن رشد حيث سنقول
به ،كما يقول القدماء ،بتشكيك ،يقال بتقديم على رفع التعارض ،وهو المعنى الذي
نفترض �أنه ذو مرجعية فقهية ،ويقال بت�أخير على "جمع المتفرق" ،ونحن نستخدمه
بالمعنيين معا ،و�إن كنا نشعر �أن المعطيات التي يمكن �أن تعضد المعنى ال�أول تظل
ضعيفة ل�أن ابن رشد لم يقصد �إلى "الجمع قصدا" ،لكن ما يشفع لما قمنا به �أن هذه
الفرضية يمكن �أن تقدم نوعا من ال�إ ضاءة في فهم النص السياسي .فما تجليات الجمع
في "الضروري في السياسة" الذي كتبه ابن رشد في العلم المدني؟ :
الجمع لـ"رفع التعارض".
- 1يتجلى هذا الجمع في �أن ابن رشد يحكي �أقوالا سياسية ل�أرسطو نقلا عن الفارابي
�إما لتطعيم سياسة �أفلاطون� ،أو لتقييمها باعتبارها قولا مقابلا لقول �أفلاطون؛ وذكرهما معا
نوع من الجمع الغريب الذي يريده ابن رشد لعلمه السياسي� .إذ لو اعتبر قول �أفلاطون
هذا قولا غير علمي كان من المفروض �أن يحذفه انسجاما مع منهجيته في القراءة.
- 2ثم �إن ابن رشد يشرح �أفلاطون ثم تجده يدمج في نسيج هذا الشرح موقفا مخالفا
ل�أرسطو وينتصر له ،ونحن نعتبر هذا الاختراق ال�أرسطي لنسيج هذا الشرح الرشدي
لكتاب �أفلاطون ضربا من الجمع خاصة �أن ابن رشد يحرر ال�أدلة للر�أيين معا ،كما يبدو
في انتصار ابن رشد لقول �أرسطو في العلاقة بين الفضائل والصنائع .حيث ي�أخذ ابن
رشد بقول �أرسطو في �أن الفضائل استعدادات للصنائع والصنائع استعدادات للفضائل،
ويصدف عن مذهب �أفلاطون في �أن فضيلة الشجاعة غير مرتبطة بصناعة الحرب بعلاقة
استعداد ،و�إنما العلاقة بينهما هي على جهة الاضطرار؛ فهي تساعد على الاستعداد
للحرب من �أجل وقاية المدينة مما يمكن �أن يروعها ،في حين �أن �أرسطو يرى فضيلة
147
الشجاعة باعتبارها فضيلة معدّة �أصلا لصناعة الحرب انطلاقا من هذه العلاقة المتبادلة
بين الفضائل والصنائع(((.
-3لم تكن الطريقة التي نظر بها ابن رشد �إلى النص ال�أفلاطوني ،طريقة بريئة ،فقد
لج�أ ابن رشد �إلى كتاب �أفلاطون وقر�أه بالعيون التي كان يقر�أ بها النص ال�أرسطي وبخاصة
فيما سمي"الجوامع" ،فابن رشد لم يتتبع النص ال�أفلاطوني تتبعا حرفيا كما فعل مع بعض
النصوص ال�أرسطية و�إنما تدخل فيه بالحذف والتغيير؛ فمقالات �أفلاطون العشر �أصبحت
ثلاث مقالات فقط ،وابن رشد يذكرنا بما فعله في جوامع ما بعد الطبيعة ،عندما حذف
الكتاب الخامس منه ،لكن حذفه لهذا الكتاب كان لاعتبارات تربوية فقط� ،أما ما حذفه
ابن رشد من كتاب �أفلاطون فكان لاعتبارات تتعلق بالنظر المنطقي كما يفهمه ،فكما
حذف من بعض"الجوامع" ما اعتبره �أقاويل جدلية للمفسرين والشراح ،ف�إنه في كتاب
�أفلاطون حذف مقالات بكاملها و�أجزاء من �أخرى باعتبارها لا تستجيب لسبارات القول
المنطقي البرهاني ،كما حدّده �أرسطو ،ثم التقليد المشائي من بعده .فقراءات النص
ال�أفلاطوني بعيون �أرسطية نعتبره هنا نوعا من الجمع بين "المتفرق" في الفضاء الفلسفي
ال�إ سلامي ،واعتبار سلطة �أرسطو فوق كل سلطة فلسفية عندما يتعذر الجمع.
- 4يعرف �أفلاطون الفيلسوف ب�أنه الذي يطلب معرفة الوجود ،الناظر في حقيقته
مجردا من الهيولى� .أما الفيلسوف عند �أرسطو فهو الذي جعل نظره في العلوم النظرية
على القصد ال�أول ،على حسب شروط �أربعة عددت في كتاب البرهان؛ �أحدها �أن تكون
له القدرة على تعلمها((( .وابن رشد يحتفظ بالر�أيين معا ،وهو ما نعتبره نوعا من الجمع،
�إذ �إن التعريف ال�أفلاطوني ينطبق على جزء من النظر ال�أرسطي ،وهو النّظر الميتافيزيقي.
-5يبدو هذا الجمع� ،أيضا ،في اعتبار ابن رشد المنطق فاتحة التعليم عند الفيلسوف،
مع احتفاظه ب�أهمية التعليم الرياضي كما يريده �أفلاطون ،فجمع في التعليم بين ر�أيين
مختلفين لاعتبارات منطقية وفلسفية مشائية كذلك� .إن ابن رشد في نصه السياسي جمع
بين ما يعتبره منسجما والروح ال�أرسطية -المشائية وما وقف عليه العقل ال�أفلاطوني من
قول برهاني في �إدارة المدينة .وضع ابن رشد التّرتيب ال�أرسطي في التّعليم بدل الترتيب
ال�أفلاطوني ،وهو في هذا يجمع بين �أفضل ما في التّعليمين ،فهو �إذ يحتفظ بالرياضيات
التي اعتبر �أفلاطون البداية بها �أفضل ،ويغير مرتبتها �إلى الثانية ليبد�أ بالمنطق منتصرا ل�أرسطو
- 1الضروري في السياسة ،صص 83 - 81
- 2الضروري في السياسة ص 135
148
ولعلم ال�أدب .فضلا عن تقديم مادة علمية شرعية تكون الجانب الناموسي في شخصية
ال�إ مام الذي هو الرئيس الفاضل للمدينة ال�إ سلامية .فيجمع ابن رشد بين �أفلاطون و�أرسطو،
وبينهما والتقليد التعليمي ال�إ سلامي.
- 6يرى �أفلاطون �أن التحول بين المدن ضروري؛ فانتقال مدينة �إلى مدينة �أخرى بعد
توفر عوامل هذا التحول هو ضربة لازب ،ويستعين ابن رشد بقانون فلسفي �أرسطي يعتبر
�أن الضرورة لا تكون �إلا في ال�أمور الطبيعية ليخفف من غلواء هذا الزعم ال�أفلاطوني،
ُمنزلا منطق التحول من مستوى "الضرورة" �إلى مستوى "ال�أغلب" .ونحن نعتبر ما فعله
ابن رشد هنا شكلا من الجمع بين موقفين ،فابن رشد يحتفظ بمنطق التحول ،ولكنه يراه
بعيون فلسفية �أرسطية باعتبار �أن ال�أغلب هو ما يقع في كثير من ال�أحيان.
"الجمع" بين �أفلاطون وجالينوس
يعتقد �أفلاطون �أن عدد الحفظة في المدينة الفاضلة �ألف مقاتل ،ويعترض جالينوس
على ر�أي �أفلاطون باعتبار �أن تقدير �أفلاطون غير صحيح ،وابن رشد يجمع بين الر�أيين
على �أساس �أن ر�أي �أفلاطون هو بحسب زمانه و�أمته ،فهو بهذا المعنى ليس ر�أيا كليا لا
يقبل التغيير ،وهو ما يسمح لابن رشد بالاحتفاظ بر�أيي الرجلين ،ويجد لكل عذره(((.
جمع المتفرق �أو "الجمع"على طريق الاستظهار
� -1إقامة العلم السياسي ال�أفلاطوني على �أساس �أخلاقي �أرسطي.
يعتقد ابن رشد �أن صناعة السياسة قد كملت في عصره كباقي الصنائع ،لذا قدمها
بمنهجه التّعليمي ،وانتقائه الضروري ،كما وجدها في كتاب �أفلاطون الجمهورية .لكن هل
يشكل هذا الكتاب فعلا كمالا للقول السياسي ،في حين لا يبلغ كتاب السياسة ل�أرسطو
ذلك الكمال ،وهو الكتاب الذي افتقده ابن رشد ،لكن تعذر عليه(((� ،أو كان يعرف �أن
�أرسطو لم يبلغ في القول السياسي ما بلغه في �أقاويله ال�أخرى من كمال ،فرفع عنه الحرج؟
يظل القول في كمال القول السياسي في عصر ابن رشد بالمعلمين �أفلاطون و�أرسطو،
قولا معتبرا مع ذلك .ف�أفلاطون قدم المادة السياسية في الجمهورية� ،أما �أرسطو فقدم
ال�أساس الفلسفي الذي يقوم عليه النظر السياسي ،والممارسة السياسية ،كما عرفها ابن
رشد عند �أفلاطون وعند جالينوس والفارابي.
- 1الضروري في السياسة ص113
- 2الضروري في السياسة ص 73
149
والدارس لكتاب "جوامع سياسة �أفلاطون" يجد �أن ابن رشد يستظهر ب�آراء �أرسطو من
�أجل تدعيم القول السياسي عند �أفلاطون ،فما تفرق عند الحكيمين يحرص ابن رشد على
جمعه ،ف�إذا كان العلم المدني سياسة و�أخلاق؛ سياسة �أفلاطونية و�أخلاق �أرسطية ،ف�إن
الجزء ال�أول من العلم المدني لا يمكنه �أن يقوم ،فضلا عن �أساسه ال�أخلاقي ال�أرسطي،
دون �أساس من علم طبيعي يجد مصادراته ،على الخصوص ،في كتاب النفس ل�أرسطو.
فما الوضعية المعرفية للعلم المدني عموما ولم يتجز�أ �إلى هذين العلمين؟
(((
يعتبر العلم المدني العلم العملي من الفلسفة؛ فهو يتميز عن العلوم الفلسفية النظرية
في �أن موضوعه هو ال�أفعال ال�إ رادية التي تصدر عن ال�إ نسان� ،أما مبادئه التي يقوم عليها
فمبد�آن؛ ال�إ رادة والاختيار .و�إذا كان هذا العلم ينقسم �إلى علمين اثنين ف�إنه ليس بدعا في
ذلك� ،إذ بعض العلوم العملية ال�أخرى تنقسم �إلى نفس القسمة وبخاصة علم الطب الذي
يحلو لابن رشد مقارنة العلم المدني به كثيرا في كتابه السياسي� .إذ في العلم المدني،
مثل علم الطب ،قسمان :قسم �أبعد عن العمل ،وقسم �أقرب �إلى العمل .ذلك ما يعبر
عنه ابن رشد بقوله" :فما كان من ال�أمور العامة المستنبطة في هذا العلم �أكثر كلية كان
�أكثر بعدا عن العمل ،وما كان منها �أقل كلية ازداد قربا ،لكونها مستفادة مما هو عملي.
وكذلك ال�أمر في صناعة الطب ،ولذلك سمي القسم ال�أول بالقسم النظري والقسم الثاني
بالقسم العملي"(((� .إذن فالعلم المدني ،رغم كونه علما عمليا ،قسمان :قسم نظري
وقسم عملي؛ القسم النظري هو القسم الذي يحوي �أقاويل كلية بعيدة عن العمل وهو
ما يشتمل عليه علم ال�أخلاق .والقسم العملي وهو الذي �أقاويله قريبة من العمل ،وهو ما
يشتمل عليه العلم السياسي .والعلاقة بين القسمين تتمثل في �أن القسم العملي تتبين فيه
ال�أشياء التي �إذا �أتت في ال�أمور الكلية [التي يقدمها علم ال�أخلاق] �أمكن لها �أن تفعل في
الباقي" ،كما يقول ابن رشد .يفحص العلم السياسي عن الكيفية التي ترسخ بها الملكات
في النفوس ،وكيف تعمل ملكة في �أخرى((( .وهي الملكات التي تم تعديدها في علم
ال�أخلاق؛ القسم النظري من العلم المدني.
- 1يقارن ابن رشد بين العلم المدني والعلم الطبيعي وعلم ما بعد الطبيعة من حيث الموضوع والمبادئ؛ فموضوع
العلم الطبيعي ال�أشياء الطبيعية �أما مبدؤه فالطبع والطبيعة .في حين �أن موضوع العلم ال�إ لهي ال�أمور ال�إ لهية ومبدؤها
الله سبحانه وتعالى .الضروري في السياسة ص .72
- 2الضروري في السياسة ص 73
- 3الضروري في السياسة ص 73
150
لكن كيف استطاع ابن رشد أ�ن يجمع بين الروح السياسية ال�أفلاطونية والروح
ال�أخلاقية ال�أرسطية في ممارسة علمية واحدة رغم تباين الممارسة العلمية عند الفيلسوفين؟
�إذا كانت الشقة الفلسفية بين الفيلسوفين تبعد كثيرا �أو قليلا في حديثهما الفلسفي
في الطبيعيات وال�إ لهيات ،ف�إن حديثهما السياسي ال�أخلاقي يكاد يخرج من مشكاة علمية
واحدة ،خاصة �أن بعض الدارسين تنبهوا �إلى �أن الروح ال�أفلاطونية تسكن كتاب ال�أخلاق
�إلى نيقوماخوس ال�أرسطي .فقد كتب �أرسطو هذا الكتاب وبقية من ال�أفلاطونية لا تزال
فيه .وهو ما يبدو �أنه انسجم مع العقلية السياسية -ال�أخلاقية لفيلسوف قرطبة .من هنا
حرص ابن رشد �أن يقيم العلم السياسي كما قدمه �أفلاطون على �أساس من �أخلاق �أرسطية
وعلم نفس �أرسطي كذلك .فكيف �أسس ابن رشد دعائم السياسة على هاذين العلمين
ال�أرسطيين؟
لا يمكن الحديث عن العلم السياسي عند ابن رشد دون الحديث عن الجانب
ال�أخلاقي الذي يشكل الجزء ال�أول من هذا العلم ،وقد لخص ابن رشد كتاب ال�أخلاق
ل�أرسطو ،ولم يخرج فيه عن �إطار المعلم ال�أول.
يشترك القول السياسي والقول ال�أخلاقي في نظرهما �إلى الفضائل؛ القول ال�أخلاقي
يعدد الفضائل ب�إطلاق ويحصيها� ،أما القول السياسي فيرشد �إلى شروط عمل الفضائل
وينبه �إلى طرق تعليمها وتثبيتها وكذلك �إلى سبل �إزالة الرذائل وقلعها من النفوس الشريرة،
كما ينبه �إلى الفضائل التي يكون فعلها �أكمل �إذا اجتمعت مع بعضها والفضائل التي يعوق
بعضها عمل البعض ال�آخر((( .فهل يمكن القول �إن العلم المدني عند ابن رشد هو قول
في ال�أخلاق ليس غير؟ قسمه ال�أول بحث نظري في الفضائل ال�أخلاقية ،وقسمه الثاني
نظر في كيفية اشتغال هذه الفضائل ،ومن هنا تظل الفضيلة ال�أخلاقية الغاية ال�أولى للعلم
المدني� .إن السياسة هنا مغمورة في �أرضية �أخلاقية تنطلق منها لخدمتها من خلال مفهوم
التدبير (((.ولذلك كانت سياسة المدينة عند ابن رشد "�أنسب للمتكهلين الذين يجمعون
بين العلوم النظرية والتجربة المكتسبة بطول العمر"(((� ،أي لهؤلاء الذين لهم معرفة نظرية
بالفضائل وخبرة الزمان في التربية عليها .فما الفضائل التي ينظر �إليها القول ال�أخلاقي؟
وكيف يقدم القول السياسي �أدوات تثبيتها؟
- 1الضروري في السياسة ص .78
- 2الضروري في السياسة ص .74
- 3الضروري في السياسة ص79
151
�إن البحث في �أخلاق النفس ضروري للسياسي لفهم �آليات الاشتغال السياسي� .إن
تباين السياسات مرتبط بتباين �أخلاق النفس ،وعلاقة �أجزاء النفس ببعضها مر�آة لفهم
حالة المدينة؛ ف�إذا كانت �أجزاء المدينة لا يفضل بعضها بعضا كان الاجتماع ال�إ نساني
اجتماع �أحرار ،و�إذا كانت �أجزاء النفس خاضعة للجزء الغضبى كان الاجتماع ال�إ نساني
هو الاجتماع الكرامي �أو الغضبي ،و�إذا كانت النفس الشهوانية هي المهيمنة ف�إن الاجتماع
ال�إ نساني الفاضل يكون اجتماع يسار �أو شهوة� ،أما �إذا كان الجزء الناطق العملي من
النفس هو الذي له السيادة على جميع �أجزاء النفس ف�إن المدينة التي تنش�أ عن ذلك
هي المدينة الفاضلة التي يحكمها هذا الجزء العاقل من النفس((( .من هذه الجهة يعتبر
علم النفس خادما للعلم السياسي ،وسيفرد ابن رشد لهذه الخدمة ،في كتابه ،استطرادا
هاما يقيم فيه القول السياسي ال�أفلاطوني على دعائم طبيعية �أرسطية وهو ما نعتبره جمعا
للمتفرق ،جمعا على طريق الاستظهار.
� -2إقامة العلم السياسي ال�أفلاطوني على �أساس من السيكولوجيا ال�أرسطية.
في مناسبة فريدة في "الضروري في السياسة" يجد ابن رشد نفسه مضطرا �إلى استطراد
مهم يخرج به �أبو الوليد عن النص ال�أفلاطوني في اتجاه ت�أسيس العلم المدني على علم
النفس ال�أرسطي الذي هو جزء من العلم الطبيعي((( ،ومناسبة هذا الخروج هو الحديث عن
التعليم المناسب للفيلسوف� .إن الحديث عن البرنامج التعليمي الذي ينبغي للفيلسوف �أن
يخضع له يستدعي مفهوما فلسفيا مهما هو مفهوم "الغاية"� ،إذ هذا الحديث يقذف نحو
معرفة الغاية التي ينشدها الفيلسوف -الحاكم من سياسته و�إدارته للمدينة ،فمعرفة الغاية
من الحكم هو الذي سيفرض المنهج التعليمي المناسب ،والفحص عن الغاية يستمد
ضرورته من "�أن من لا يعرف الغاية التي ينشدها فهو بالضرورة لا يقدر �أن يعرف ما
سينتهي �إليه"((( .ورغم وعي ابن رشد ب�أن البحث في هذا المفهوم يتعلق بالجزء ال�أول من
العلم المدني� ،أي بمبحث ال�أخلاق ف�إنه سيخصص له حيزا في العلم السياسي مؤسسا
هذا المفهوم على �أساس سيكولوجي � -أرسطي .فكيف قدّم �أرسطو ل�أفلاطون ال�أساس
السيكولوجي الذي سيبني عليه ابن رشد الغاية من البرنامج التعليمي للفيلسوف؟
- 1الضروري في السياسة ص 180
- 2يقول ابن رشد �" :إن النظر في �أمور النفس...هو من نظر صاحب العلم الطبيعي" مختصر النفس ص.80
- 3الضروري في السياسة ص 142
152
يصرح ابن رشد �أن نظره في الغاية سيكون نظرا طبيعيا ،من هنا ت�أكيده �أن الغاية هي
قصد كل موجود طبيعي ،وما دام ال�إ نسان كائنا طبيعيا فلابد �أن تكون له غاية ُخلق من
�أجلها ،خاصة و�أنه �أشرف المخلوقات((( .ويربط ابن رشد بين الغاية عند ال�إ نسان ،وبين
كونه كائنا يعيش في مدينة� ،إذ �إن المدينة ضرورية لوجود ال�إ نسان ،لذا فغايته "هي له من
جهة �أنه جزء من مدينة" .فما غاية ال�إ نسان ومنتهى ما يطلبه(((؟ وما الغاية التي يجب �أن
يؤمها الفيلسوف من �إدارته للمدينة التي يحكمها؟
يقوم ابن رشد ،قبل ال�إ جابة عن هذه السؤالين ،ب�إحصاء الغايات المشهورة في زمانه
والتي يقصدها الناس لقضاء م�آربهم الشخصية؛ فهناك من الغايات ما هو ضروري مثل
حفظ الصحة وحمايتها .وهناك من الغايات ما يكون على جهة ال�أفضل .وهناك من يرى
الغاية في اليسار .وهناك من يراها في الكرامة .لكن هناك من يراها في اللذة؛ واللذات
�أنواع؛ فهناك من يراها في اللذات الحسية ،وهناك من يراها في المعرفة العقلية ،وهناك
من يراها في السيادة على الغير.
ويلتفت ابن رشد في هذا الموضع �إلى الشرائع المشهورة في زمانه �أيضا فيؤكد �أن
غاية ال�إ نسان فيما �أرادته ال�إ رادة ال�إ لهية لا يعرف �إلا بالنبوة ،مؤكدا �أن قصد الشرائع ،في
جزئيها العقدي والعبادي هو نفس ما تقصده الفلسفة ،فالشريعة مبناها على �أن كل ما
يؤدي �إلى الغاية فهو خير وحسن و�أن كل ما يعوق الوصول �إليها فهو على عكس ذلك،
وهو نفس ما تنبني عليه الفلسفة عنده .ويغتنمها ابن رشد فرصة لينتقد موقف المتكلمين
من الغاية ل�أن ت�أويلهم بالقول بالتحسين والتقبيح الوضعيين لا ينسجم ومقصد الشرع(((.
ثم بعد ذلك ينتقل ابن رشد �إلى فحص �آراء الفلاسفة متسائلا عن الغاية ،التي هي غاية في
الحقيقة؟ لكي يجيب ابن رشد عن هذا السؤال ،يصادر على ما تبـيـن في العلم الطبيعي
لاشتراك العلم المدني والعلم الطبيعي في النظر �إلى العلة الغائية(((.
لقد تبين في العلم الطبيعي �أن الغاية هي كمال لجسم طبيعي ،والعلم الطبيعي
ينظر في هذه الغاية ويقايس بينها وبين الكمالات ال�أخرى لعله يجد لها �أكثر من كمال
- 1الضروري في السياسة ص .142
- 2يعرف ابن رشد الغاية ب�أنها "منتهى الشيء" .الضروري في السياسة ص .143
- 3الضروري في السياسة ص.145
- 4في جوامع السماع الطبيعي يقول ابن رشد "و�أما السبب الذي هو الغاية ففي وجوده شكوك قد تقصاها �أرسطو،
�إلا �أن يظهر عند الفحص �أن كل ما تفعله الطبيعة ف�إنها تفعله لمكان شيء ما "...تح .جوزيف بويج ،المعهد
ال�إ سباني للثقافة -المجلس ال�أعلى للبحوث العلمية مدريد 1983ص.25
153
واحد((( .وال�إ نسان لا توجد له الكمالات ال�إ نسانية تامة منذ البداية ،فهذه الكمالات لا
توجد �إلا على شكل استعدادات ،ولا يمكن للطبيعة ،لقصورها� ،أن تقدم ما يكفي في
بلوغ هذه الكمالات ،لذا لابد �أن يسلك ال�إ نسان� ،إذا هو �أراد �أن يبلغ كمالاته ،سبيل
التعلم والمهارة .فلا نصل �إلى الكمالات بالطبع و�إنما بال�إ رادة والاختيار .ومن هذه الجهة
ف�إن صاحب العلم المدني ينظر في الغاية "من جهة �أن بلوغ الكمالات هو عن اختيار
(((
و�إرادة"
�أما السيكولوجي ،وهو الرجل الذي يلتقي مع صاحب العلم المدني في النظر �إلى
الغاية ،فينظر فيها نظرا خاصا يصادر على كثير منه المشتغل بالش�أن المدني؛ وسيقدم ابن
رشد خمس مصادرات سيكولوجية يستند عليها في الحديث عن الغاية في العلم المدني؛
�أولى هذه المصادرات� ،أن ال�إ نسان مركب من نفس وجسم؛ الجسم بمنزلة المادة
والنفس بمنزلة الصورة ،والمادة من �أجل الصورة والصورة من �أجل ال�أفعال والانفعالات
الصادرة عنها .وكمال ال�إ نسان وغايته �إنما ي�أتيان من ال�أفعال الصادرة عن النفس بالضرورة.
ثاني هذه المصادرات� ،أن �أفعال ال�إ نسان تنقسم �إلى �أفعال مشتركة و�أفعال خاصة؛
�أفعال يشترك فيها مع غيره من الموجودات الطبيعية وهذه ال�أفعال تصدر عن صور
مشتركة ،و�أفعال خاصة به تصدر بالضرورة عن صور خاصة بال�إ نسان (((.
ثالث هذه المصادرات� ،أن ما يجمع ال�إ نسان بال�أجسام البسيطة هو قوة ليست نفسا
ولا �أفعالها ب�أفعال النفس وهي القوة الشهوانية� ،أما ما يجمع ال�إ نسان مع ال�أجسام المركبة
فهي نفس ضرورة .وال�أجسام المركبة نوعان؛ نبات وحيوان .وال�إ نسان يشترك مع النبات
في النفس الغاذية والنامية والتناسلية ،وهو يشترك ،مع الحيوان فضلا عن القوى السابقة،
في القوى الحاسة والمتخيلة ،كما يشتركان في القوة النزوعية على نحو ويختلفان على
�أنحاء� .أما ما ينفرد به ال�إ نسان عن غيره من الكائنات فهو القوة العاقلة بجزئيها؛ العقل
العملي والعقل النظري.
رابع هذه المصادرات� ،أن علاقة الصور المشتركة بالصور الخاصة هي كعلاقة المادة
بالصورة� ،إذ تتنزل ال�أولى من الثانية منزلة المادة من الصورة ،وال�إ نسان موجود من �أجل
- 1الضروري في السياسة ص .145
- 2الضروري في السياسة ص146
- 3الضروري في السياسة ص.146
154
صورته الخاصة به ،وهو �أمر مؤسس على "�أن كل موجود هو على ما هو عليه من قبل
صورته الخاصة به والتي عنها تصدر �أفعاله التي له"(((.
يستخلص ابن رشد من التسليم بهذه المصادرات ال�أربع �أن الحسن والقبح في �أفعال
ال�إ نسان �إنما يكون في �أفعاله الخاصة بالضرورة ،لذا يحصل ال�إ نسان على سعادته عندما
تصدر �أفعاله الخاصة به عنه ،وهي في غاية الخير والفضيلة .ومن هنا يعرف ابن رشد
السعادة ب�أنها "فعل النفس الناطقة ،فعل الفضيلة"(((.
خامس هذه المصادرات تتعلق بتعدد �أجزاء النفس الناطقة وهو ما يترتب عنه تعدد
في الفضائل وتعدد في الكمالات ال�إ نسانية؛ فقد تبين في علم النفس �أن النفس جزءان؛
ناطقة ِعلمية وناطقة َعملية ،وكذلك الكمالات منها كمالات ِعلمية وكمالات َعملية،
وهذه الكمالات يحصيها ابن رشد مرة في ثلاث كمالات هي على التوالي؛ فضائل نظرية
وفضائل خلقية وصنائع عملية ومرة في �أربع كمالات حيث تضاف الفضائل العلمية.
وهذه الكمالات ال�إ نسانية المتعددة هي كمالات بعضها من �أجل بعض فهي كمالات
لموجود واحد((( .وهذه الكمالات لا يمكن �أن تتحقق في جميع الناس� ،إنما لكل صنف
من الناس كمالهم الخاص به ،و�إن كانت هناك كمالات مشتركة مثل العفة التي هي
فضيلة خلقية يشترك فيها جميع �أفراد المدينة .وهذه العلاقات بين الكمالات وبين الناس
تستوجب تصنيف الناس انطلاقا من تصنيف الكمالات ،ف�أدنى الفضائل هي من �أجل
�أسمى الفضائل ،وهذا الترتيب هو ما يؤسس لل�إ جتماع ال�إ نساني عند ابن رشد� ،إذ لو كان
في �إمكان كل فرد �أن يحصل على الفضائل جميعها مع ضرورة حصولها عند كل شخص
بمن فيهم المخدوم والخادم والمسود والسيد لكانت الطبيعة تفعل باطلا� .إذ جميع هؤلاء
يصيرون سادة وهو ما يستحيل وقوعه ،كما �أنه يستحيل �أن تحصل هذه الفضائل في �إنسان
واحد ،لذا لابد �أن يكون كل صنف من الناس مستعد لصنف من �أصناف الكمالات.
ولابد من تحديد الفضيلة التي تكون جميع الفضائل من �أجلها والتي لا تكون هي من
�أجل فضيلة �أخرى ،وبالتالي تكون هي الفضيلة المطلوبة لذاتها وغيرها مطلوب من �أجلها
فهذه الفضيلة هي الكمال ال�أسمى والسعادة القصوى .فما السعادة القصوى التي يؤمها
ال�إ نسان في حياته؟ وكيف السبيل �إليها؟
- 1الضروري في السياسة ص .147
- 2الضروري في السياسة ن.ص
- 3الضروري في السياسة ص .148
155
�إن السعادة ال�إ نسانية هي ضرب من الكمال ال�إ نساني ،ولا سبيل �إلى الوصول �إليها
عن طريق نهج سبيل الصنائع العملية ،ل�أن وجود هذه الصنائع "هو من �أجل سد النقص
العارض لل�إ نسان" ،من هنا فوجود هذا الصنائع بالنسبة لل�إ نسان ليس على جهة الكمال،
�إنما وجودها له من جهة الضرورة ل�أن ال�إ نسان لا يمكنه الحياة بدون صنائع.
�إن الكمال ال�إ نساني مرتبط بالجزء النظري في ال�إ نسان ،فهذا الجزء هو في ال�إ نسان
من جهة ال�أفضل ،وليس من جهة الضرورة كما هو ال�أمر مع الصنائع" ،وما وجوده على
ال�أفضل فهو �أفضل مما وجوده من �أجل الضرورة" .ولما كانت الصنائع العملية مرتبطة
بالعقل العملي ل�أنها �إنما "وجدت لما يترتب عنها من �أفعالها ،و�أفعالها وجدت للخلق"،
ف�إن وجود العقل العملي هو من �أجل العقل النظري ،ويكون العقل النظري سيدا على
العقل العملي في نفس الفرد((( .من هنا يؤكد ابن رشد �أن السيد هو الشخص المستعد
لقبول العلوم النظرية� ،أما المسود فهو من اكتفى بالصنائع العملية .ستمكن هذه النتيجة
ابن رشد من �أن يقترح مع �أفلاطون برنامجا تعليميا مناسبا للفيلسوف عموده الفقري جملة
العلوم النظرية التي سبق و�أن كتب فيها �أرسطو؛ ابتداء بالمنطق مرورا بالعلم الطبيعي انتهاء
بالميتافيزيقا .وهذه العلوم ،فضلا عن علوم التعاليم وهو العلوم ال�أثيرة عند �أفلاطون ،يعتبرها
ابن رشد ضرورية للحكم �أو للصناعة الرئيسية "صناعة سياسة المدن"(((.
�إن طريق السعادة هو طريق الفضائل النظرية وال�أخلاقية ،والجزء النظري في الانسان
لا يوجد على كماله ال�أسمى في �أول ال�أمر� ،إن وجوده في الانسان �أولا هو وجود بالقوة،
وللحصول على الكمال ال�أسمى بالفعل ،وهو الكمال الذي لا تشوبه قوة �أصلا ،لابد من
تجنيد الاختيار وال�إ رادة .وتشكل جميع الفضائل مقدمة للكمال النظري عند ابن رشد(((،
ولا يتمم ابن رشد مسار تحليله ليحدد لنا طبيعة هذه السعادة وطرائق الوصول �إليها،
و�إنما يكتفي بال�إ حالة على ما تبين في العلم الطبيعي((( في جانبه السيكولوجي ال�أرسطي،
حيث تم تفصيل القول في نظرية الاتصال ،الطريق الملكي �إلى السعادة عند الفلاسفة
المسلمين.
- 1الضروري في السياسة صص 150-149
- 2الضروري في السياسة ص .154
- 3الضروري في السياسة ص155
- 4الضروري في السياسة ص 157
156
- 3يحظر أ�فلاطون على أ�ي ساكن في المدينة أ�ن يملك ثروة يتصرف فيها كما
يشاء ،ويستظهر ابن رشد بنيقوماخيا �أرسطو يبرز فيها فكرة علاقة العمل بالقيمة ويتحدث
عن العملة ،وهي فكرة وجدت في كتاب ال�أخلاق ل�أرسطو ولم توجد عند �أفلاطون؛ ف�إذا
كانت المدن الفاضلة لا تحتاج �إلى العملة ف�إن حاجة المدن غير الفاضلة �إلى الذهب
والفضة ضرورية لصعوبة المعاملات من جهة ،ول�أنها من جهة �أخرى نافعة كوسيلة في
�إيقاع تساوي العمل في ال�أمور التي يصعب تقدير حدوث التساوي فيها((( ،فالذهب
والفضة بهذا المعنى "هما بالقوة كل ال�أشياء"((( ،وهكذا يجمع بين ر�أيي �أفلاطون في عدم
الحاجة �إلى العملة والحاجة �إليها عند �أرسطو ،و�إن كان ،على ما يبدو� ،أقرب ما يكون
جمعا على طريق الاستظهار.
***
�إن العلاقة التي �أقامها ابن رشد بين �أفلاطون وبين المنظومة العلمية التي ورثها سواء
عن الثقافة الفلسفية التي يشكل �أرسطو قطبها ال�أكبر� ،أو عن ثقافته ال�إ سلامية ومعايشته
للتاريخ ال�إ سلامي سواء في خصوصيته التي تند عن التفسير ال�أفلاطوني �أو في ما هو
مشترك مما يمكن تفسيره وفق النظريات التي قدمها �أفلاطون في كتابه السياسي ،كل
هذه المعطيات تحكّمت في قراءته للنص ال�أفلاطوني .لقد قدّم ابن رشد ضربا من قراءة
"جمع" به بين ما تفرق في كتب مختلفة ،مستلهما في ذلك تاريخ الفلسفة استلهاما ذكيا
�أجاب به عن �إشكالات عصره .وهذا الذي فعله ابن رشد في "جوامع سياسة �أفلاطون"،
كليا �أو جزيئا ،فعله في نصوص �أخرى بشكل �أكثر جلاء ووضوح كما لمسنا ذلك في
نصوص فلسفية سيكولوجية �أو منطقية �أو طبية �أو في نصوص فقهية ،كما لمسنا ذلك في
"بداية المجتهد" على الخصوص والتي يبدو فيه مفهوم "الجمع" في �أجلى مظاهره .وهو
ما يجرئنا على الزعم بوحدة العمل الرشدي ،في الفلسفة والفقه على السواء ،وفق هذا
المفهوم الفقهي الذي يلحم كثيرا من �أجزاء المتن الرشدي الممتد في التاريخ والمكان
والزمان ،والذي يبدو فيه الفكر السياسي ال ّرشدي الموضع الممتاز الذي تتقاطع فيه
المفاصل الكبرى للمشروع الفلسفي الرشدي.
اختيار ابن رشد اسم "الجامع" للكتب الفلسفية التي التقط منها ال�أقاويل العلمية وهذبها
مما علق بها من �أقاويل جدلية قد يكون ذو مرجعية فقهية بارزة .ومن هنا يسهل �أن
يلتقي المختصر والجامع و�إن كان ليس من الضروري �أن يكون كل مختصر جامعا وكل
جامع مختصرا بالضرورة كما هو حال "الجامع الكبير" للشيباني ،ولكن يبدو �أن كثيرا من
الكتب الرشدية سواء اتخذت شكل مختصر �أو جامع بل وتلخيص �أيضا كتبت ب�أقاويل
عادلة "وهي ال�أقاويل التي لايكون فيها �أكثر مما في طبيعة الشيء ولا ناقصا عنها"(((،
وهي التي عبر عنها ابن رشد بمفهوم الكفاية.
فما ال�أساس الذي تقوم عليه مقاربة الاختصار عند ابن رشد؟ �إن هذه المقاربة تقوم
على ما عبر عنه ابن عبد البر وابن رشد الجد بـ "ما لايسع المرء جهله"((( وهي عبارة تتردد
عند كثير من فقهاء ال�إ سلام ،كما نجد عند الباقلاني الذي �ألف كتابا سماه "ال�إ نصاف
فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به" ،وقد عبر عنها ابن رشد بمفهوم "الضروري"،
والذي عنون به بعض كتاباته مثل "الضروري في المنطق" و"الضروري في النحو" وغيرهما
من كتابات ابن رشد في هذا السياق ،والكتابة في الضروري تقليد �إسلامي لاشك �أن ابن
رشد ت�أثر بهّ ،
فتقصاه؛
�إن هذا المفهوم ال�أساسي ،مفهوم الضروري ،ستطوف به مفاهيم �أخرى ذات نفس
فلسفي تشكل الحقل الدلالي الذي �أسس به ابن رشد لهذا المفهوم ،والذي سيسمح
لنا الوقوف عندها �إضاءة شكل من �أشكال الكتابة التي توخاها ابن رشد من �أجل عرض
المعارف التي يعتبرها ضرورية في ما يسميه بـ "الكمال ال�إ نساني"� .إن مفهوم "الضروري"
- 1الحجوي ،تاريخ الفكر السامي،ج 1ص436-435
- 2مقالة الزاي من تفسير ما بعد الطبيعة ص.803
- 3المقدمات الممهدات مرجع سابق ص 10
167
هذا سيتوسل به ابن رشد للجمع بين �أكثر من ت�أليف واحدة في وحدة وتجانس .وهذا
المفهوم يـشكل نواة لحقل دلالي يتكون من مفاهيم مطيفة به من مثل :ال�أفضل -الكلي
-الصناعي -التام -ال�أشهر -الكفاية -التذكرة .وهي مفاهيم تحكمت في ت�أليف كثير
من النصوص العلمية لابن رشد ،وسمحت ب�إدماج الخطاب الفقهي ،على مستوى كتابته،
في الكتابة الفلسفية الرشدية.
-1-
بين الضروري وال�أفضل
يتحدد مفهوم "الضروري" أ�و "جهة الضرورة" من خلال مفهوم �آخر يقترن به هو
"جهة ال�أفضل" ،فكثيرا ما يحضر هذان المفهومان عند ابن رشد في كثير من نصوصه
الفلسفية .لكن يبدو �أن لهما مجالين :مجال منطقي ،ومجال نفسي -بيولوجي .مجالان
يضيئان فهم الفضاءات المختلفة التي يستعملهما فيها ابن رشد في حديثه عن المنهجية
التي سلكها في كتابة كثير من مختصراته.
�أ -يقدم ابن رشد في "تلخيص كتاب العبارة" وقبله في "المختصر في المنطق"
تحليلا منطقيا لمفهوم الضروري والممكن وهما من المفاهيم ال�أساسية التي تضيء فهم
عبارة ابن رشد الشهيرة "الضروري في الكمال ال�إ نساني" ،والتي جعلها شعارا لبعض
مشاريعه العلمية التي كان يتوخى منها قصدا تعليميا واضحا ،ومنها "البداية" و"الكليات".
ويبدو �أن علاقة الضروري بالكمال تطبعها بعض من مفارقة� ،إذ الضروري مرتبط بمفهوم
الواجب((( ،ومرتبط بمفهوم الدوام(((� .أما مفهوم الكمال ال�إ نساني فمرتبط بما هو ممكن
�أو"بجهة ال�أفضل" .فعلاقة المحمول بالموضوع في العبارة السابقة ليست علاقة ضرورية،
فالمحمول ليس ضروري الوجود للموضوع ،وما يجعل هذا ال�أمر هكذا �أن مفهوم الممكن
مرتبط بالمستقبل ،ولو قلنا بالضرورة في ال�أمور التي ستحدث في المستقبل لارتفعت
طبيعة الممكن ،وهو �أمر يؤدي �إلى نتائج فلسفية غير مقبولة؛ �إذ لا يعود هناك شيء
- 1يقول ابن رشد ":وما هو واجب فهو ضروري الوجود" تلخيص كتاب العبارة تح محمود قاسم الهئية المصرية
العامة للكتاب مركز البحوث ال�أمريكي بمصر 1981ص .79
- 2يقول ابن رشد " :والضروري هو الذي يدل على الذي لم يزل ولايزال ،كقولنا ال�إ نسان باضطرار حيوان" مختصر
المنطق ،نقله من الحرف العبري �إلى العربية وحققه شارل بتروت ،نسخة غير منشورة .ص .40
168
يحدث بالاتفاق ،ولا يعود هناك شيء معد �أن يكون �أو لايكون ،فيؤدي هذا �إلى ارتفاع
الروية والاستعداد للت�أهب للخير ،وهو ما يعتبره ابن رشد في غاية الشناعة وخلاف الفطرة
ال�إ نسانية(((.
�إن الضروري عند ابن رشد لا يرفع الممكن ،ومن ثم تصنيفه ال�أشياء صنفين :صنف
ضروري وصنف ممكن ،وتصنيفه الوجود �إلى ضروري ،هو الوجود الحاضر والماضي،
والوجود الممكن ،وهو المستقبل .فما علاقة ما هو ضروري بما هو ممكن و�أفضل� ،أي
بـ "الكمال ال�إ نساني"؟
يخفف من غلواء هذه المفارقة �أن ابن رشد في تقسيمه للممكن يجعله على �أصناف
ثلاثة :الممكن على التساوي ،والممكن على ال�أكثر ،والممكن على ال�أقل .وفي تقسيمه
للضروري يجعله صنفين :الضروري ب�إطلاق ،والضروري الذي لا ب�إطلاق ،وهذا ال�أخير هي
ال�أشياء التي وجودها ضروري في الوقت الذي هي فيه موجودة� ،أو �أشياء عدمها ضروري
في الوقت الذي هي فيه معدومة((( .فكيف يسمح هذا التقسيم بربط الضروري بالممكن؟
�إن الموجودات الضرورية عند ابن رشد تقتسم الصدق والكذب على التحصيل في
نفسه� ،أي �أن الصادق منها والكاذب محصل في نفسه خارج النفس ،و�إن لم تتحصل
لنا معرفته وجهلنا كيف ال�أمر فيه� .أما الموجودات الممكنة في المستقبل� ،أو بعبارة ابن
رشد "و�أما في المادة الممكنة في ال�أمور المستقبلية" ف�إنهما و�إن كانا يقتسمان الصدق
والكذب ،ف�إن �أحد المتناقضين يوجد ضرورة �أيضا فيما "يستقبل ،لكن لا على التحصيل
في �أنفسهما ،بل على �أنهما في طبيعتهما من عدم التحصيل مثل ما هو عندنا" ،ولذلك
يعتقد ابن رشد �أنه لا يمكن �أن يكون علم للمستقبل� ،أو بعبارة ابن رشد" :لا يمكن
�أن يحصل في هذا الجنس معرفة� ،إذ كان ال�أمر في نفسه مجهولا" .لكن ابن رشد يرى
�أن هذا التحليل ينطبق على "الممكن على التساوي"� .أما على "الممكن على ال�أكثر"
و"الممكن على ال�أقل" فلا ،فيمكن ذلك في ال�أول "ل�أن �أحد المتقابلين فيه �أحرى
بالصدق من الثاني� ،إذ كان وجوده �أحرى من لا وجوده" ،كما يمكن في "الممكن
على ال�أقل ،ف�إن كذب �أحد المتقابلين فيهما �أحرى بالكذب من الثاني"((( ،وهو ما
- 1تلخيص كتاب العبارة ص .81
- 2تلخيص كتاب العبارة ص .82
- 3تلخيص كتاب العبارة ص .84 - 83
169
يفتح معرفة الاحتمالات الممكنة ،ويصبح "الكمال ال�إ نساني" من جنس "الممكن على
ال�أكثر" .ومن �أجل بلوغ هذا الممكن يتوسل �إليه ب�أمور "ضرورية لا ب�إطلاق" ،ونخص
منها "ال�أشياء التي وجودها ضروري في الوقت الذي هي فيه موجودة" ((( ،وهو ما ينطبق
على جملة المعارف التي �أدخلها ابن رشد في جنس الضروري.
و�إذا كان ابن رشد في مرحلة من حياته العلمية قد اعتبر �أن زمانه لا يستسيغ من
المعارف ما هو من جهة ال�أفضل((( ،فقدم ما اعتبره ضروريا في الكمال ال�إ نساني ،وك�أن
هناك تقابلا بين الضروري وال�أفضل ،ف�إنه فيما بعد سيقتصر على الضروري ،رغم رفع
ال َك ْر ِب الذي تحدث عنه في "مختصر النفس" وفي "مختصر المجسطي"((( ،وقدّم
نصوصا اختصر فيها ما يعتبر ضروريا في معارف مختلفة ،ل�أن هاجس الكمال ال�إ نساني
ظل حاضرا لديه ،وخاصة عندما يتجسد هذا الكمال في القدرة على ال�إ بداع والتجديد،
كما يصرح بذلك في "البداية" وفي "الكليات".
ب � -أهم ما يقدمه "مختصر النفس" و"تلخيص كتاب النفس" الت�أسيس السيكلوجي-
البيولوجي لمفهومي "الضروري" "وال�أفضل"؛ فهناك في الحيوان �أشياء ضرورية لا يقوم
وجوده دونها ،وهناك �أشياء موجودة له "من �أجل ال�أفضل" .ذلك ما نجده عند حديث
ابن رشد مثلا "عن القوة المولدة" التي يعتبرها موجودة في بعض الحيوان "لا على
جهة الضرورة ،كالحال في القوة الغاذية والنامية ،بل على جهة ال�أفضل ،ليكون لهذه
الموجودات حظ من البقاء ال�أزلي بحسب ما يمكن في طباعها"((( .كما نجد هذين
المفهومين عند حديثه عن الحواس الخمس ،حيث يقول" :وبالجملة ،فهذه القوى
الثلاث (�أي اللمس والذوق والشم) هي القوى الضرورية �أكثر في وجود الحيوان .و�أما قوة
السمع وال�إ بصار فموجودة في الحيوان من �أجل ال�أفضل ،لا من �أجل الضرورة .((("..بل
- 1تلخيص كتاب العبارة ص .82
- 2يقول ابن رشد " :وطلب ال�أفضل في زمننا هذا يكاد يكون ممتنعا" مختصر المنطق ص .2
- 3في مختصر المجسطي يشبه ابن رشد نفسه في تلك الفترة الحرجة من فترات انتقال السلطة من يد المرابطين
�إلى يد الموحدين "بحال الرجل الذي يرى النيران تلتهم بيته ،فلا يرى �إلا �إنقاذ ال�أشياء النفيسة ،وال�أمور الضرورية
في حياته".
Munk; Mélange de la philosophie juive et arabe p:432.
- 4مختصر النفس ص.19
- 5مختصر النفس ص .26وانظر �أيضا "تلخيص كتاب النفس" حيث يشير ابن رشد لنفس المعنى ص .149
وص .153
170
�إن عضوا واحدا قد يكون ضروريا من جهة ،من جهة ال�أفضل من جهة �أخرى((( .وفي
نفس السياق السيكولوجي يؤكد كتاب "الحس والمحسوس" �أن القوى الحسية منها ما
هي ضرورية في وجود الحيوان ،ومنها ما هي موجودة في الحيوان لمكان ال�أفضل(((.
فالضروري في هذه السياق هو ما لا يمكن �أن يعيش الحيوان بدونه� ،أما ال�أفضل فهو
ما كان زيادة وكمالا لذلك الشيء (((.فكيف يشتغل ابن رشد بهذين المفهومين اللذين
�أسسهما منطقيا وسيكولوجيا.
يقدم لنا "المختصر في النفس" مفهوم الضروري �أيضا في سياق فلسفي مرتبط
بمفهوم الكمال ال�إ نساني الذي كان يشكل �أفقا �أخلاقيا وميتافيزيقيا عند ابن رشد .ففي
هذا المختصر يعلن انشغاله بـ "�إنقاذ الضروري من الكمال ال�إ نساني" والذي "به تحصل
�أول مراتب ال�إ نسان" ،مفصحا عن ظروف صعبة يمر بها لا تسمح له باستقصاء القول
في القضايا العلمية التي يعالجها((( .فلجوء ابن رشد �إلى جمع المعرفة الضرورية� ،أي
المعرفة التي لا يعذر �أحد بجهلها ،والتي يشْ ُرف بها ال�إ نسان نحو الكمال ال�إ نساني،
كان من وراء كتابة نصوص كثيرة في مرحلة الخمسينات من القرن السادس الهجري،
نصوص �أصولية -فقهية ومنطقية وفلسفية .لكن عندما تستقيم �أحوال ابن رشد،
سيحتفظ بمفهوم الضروري هذا ،فيكتب من خلاله بعض المصنفات ،ومن بين هذه
- 1يقول ابن رشد " �إن الطبيعة استعملت �إدخال الهواء و�إخراجه في الحيوان في فعلين� ،أحدهما التنفس وال�آخر
التصويت ،كما استعملت اللسان في الذوق وفي الكلام .وكما �أن استعمالها اللسان في الذوق هو ضروري في
وجود الحيوان واستعمالها �إياه في الكلام هو له من جهة ال�أفضل ،كذلك استعمالها �إدخال الهواء بالتنفس لتبريد
حرارة القلب هو �أمر ضروري لا يمكن الحيوان المتنفس �أن يعيش �إلا به ،و�أما استعمالها �إياه في التصويت فهو
لموضع ال�أفضل" تلخيص كتاب النفس ص .83
- 2تلخيص الحس والمحسوس ،تح بلومبرج ال�أكاديمية ال�أمريكية للعصور الوسطى كامبدرج ماساشوسيتس 1972
ص.4
- 3يقول �أبو حامد الغزالي " :الفضيلة م�أخوذة من الفضل وهي الزيادة ،ف�إذا تشارك شيئان في �أمر واختص �أحدهما
بمزيد يقال فضله ،وله الفضل عليه مهما كانت زيادته فيما هو كمال ذلك الشيء"� .إحياء علوم الدين دار المعرفة
بيروت الجزء ال�أول 1982ص.12
- 4يقول ابن رشد " :والقول في هذه ال�أشياء على سبيل الاستقصاء ،فيستدعي قولا �أبسط من هذا بكثير ،لكن قولنا
جرى في هذه ال�أشياء بحسب ال�أمر الضروري فقط ،و�إن فسح الله تعالى في العمر ،وجلى هذه الكرب فسنتكلم
في هذه ال�أشياء بقول �أبين و�أوضح و�أشد استقصاء من هذا كله،لكن هذا القدر الذي كتبناه في هذه ال�أشياء هو
الضروري في الكمال ال�إ نساني ،وبه تحصل �أول مراتب ال�إ نسان" تلخيص كتاب النفس تح د�.أحمد فؤاد ال�أهواني
مكتبة النهضة المصرية ط 1950 1ص .44ط 1والجدير بالذكر �أن هذا النص الذي اعتبره ال�أهواني "تلخيصا" هو
مختصر كما يصفه ابن رشد نفسه في نفس الكتاب ،عندما يقول )..(" :ولذلك يستدعي الحكم بين المذهبين
قول �أبسط من هذا لا يحتمله هذا المختصر "ص .87
171
المصنفات هذين الكتابين "البداية" والكليات" ،محتفظا بالغاية في حصول مراتب
الكمال ال�إ نساني ،لكن هذه المرة يحدد هذه المرتبة ،فيجعلها حصول مرتبة الاجتهاد
في الفقه والطب((( .ومن هنا حرص ابن رشد على توجيه كتابه �إلى مخاطب محتمل
في "الكليات"((( ،و�إلى مخاطب ضمني في "البداية"(((.
ج – لكن ما علاقة الضروري بـ "الكمال ال�إ نساني" الذي يقدمه ابن رشد على
�أنه زيادة في الوجود ال�إ نساني وكمال له؛ �أي �أن هذا "الكمال" هو لل�إ نسان من جهة
ال�أفضل؟ وكيف يت�أسس مفهوم الكمال عنده؟
مشروع الضروري في الكمال ال�إ نساني ،فضلا عن بعده المنطقي -البيولوجي،
يت�أسس عند ابن رشد على نظريته في العقل ،هذا العقل الذي ينتقل من مرتبة �إلى �أخرى
حتى يصل �إلى كماله ال�أخير� ،أي هو الكمال الذي يجده العقل في الاتصال .ومشروع
الضروري هدفه �أن يصل العقل �إلى المرتبة ال�أولى في الكمال ال�إ نساني(((.
هكذا يقيم ابن رشد في "مختصر النفس" علاقة واضحة بين الاستكمال وبين
المعاني(((؛ فقوة اللمس تستكمل بمعاني ال�أمور المحسوسة .وقوة الشم تقبل معاني ال�أمور
المشمومة((( .وقوة السمع تستكمل بمعاني ال�آثار الحادثة في الهواء عن مقارعة ال�أجسام
بعضها بعضا المسماة �أصواتا((( .وقوة البصر تقبل معاني ال�ألوان مجردة عن الهيولى ،من
جهة ما هي معان شخصية((( .والقوة الحاسة تستكمل بمعاني ال�أمور المحسوسة من
جهة ما هي معان شخصية((( .فكمال قوى النفس مرتبط بهذه المعاني ،فتقبل كل قوة
- 1يقول ابن رشد في الكليات �" :أحد الشروط المعدودة في الكمال في الصنائع� ،أن يكون لصاحب الصناعة قوة
على �أن يستنبط منها ما يحتاج �إلى استنباطه" ص .392
- 2كثيرا ما يتردد في النص قول ابن رشد "وينبغي �أن تعلم" ،صص ....180-167-166-154-152 -103والجدير
بالذكر هنا �أن هذا المخاطب المحتمل هو مخاطب �أوسع من المخاطب المسلم ال�أندلسي حيث نجده كثيرا ما
يذكر �أشربة و�أطعمة محرمة دون �أن يعلق عليها ل�أن المس�ألة عنده مرتبطة بعادة الناس في الغذاء.ص 372وص.388
- 3هذا المخاطب هو الفقيه الذي يريد بلوغ مرتبة الاجتهاد والخروج من طوق التقليد .انظر البداية حيث يصرح
ب�أن ما يذكره من مسائل ،الهدف منه �أن "يحصل في نفس الفقيه كالقانون والدستور الذي يعمل فيه ما لم يجد
فيه نصا ممن تقدمه� ،أو فيما لم يقف على نص فيه لغيره" ج 5ص .36ويصرح بعد ذلك �أن "هذا الكتاب �إنما
وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الاجتهاد "...نم ص .69
- 4يقول ابن رشد �إن الكمال هو "شيء زائد على ال�إ جزاء" بداية المجتهد ج 2ص 278
- 5مختصر النفس ص .45
- 6مختصر النفس .39
- 7مختصر النفس 35
- 8مختصر النفس ص29
- 9مختصر النفس ص .24
172
من هذه القوى معانيها المجردة عن الهيولى من جهة ما هي معاني شخصية تنقلها �إلى
كمالها� .أما القوة الناطقة فلا تبلغ كمالها �إلا بمعاني مجردة عن الهيولى ،خاصة و�أن هذه
القوة "ليست فينا [ ]...معشر الناس على كمالها ال�أخير ،و�إنما في تزيد دائم ،لكن ليس
يمكن �أن يمر ال�أمر فيها �إلى غير نهاية ل�أن الطباع ت�أبى ذلك"(((.
من هذه المعاني التي تنقل القوة الناطقة من كمال �إلى كمال المعاني المعرفية التي
تت�أملها النفس وتشتغل بها عن المحسوسات .هنا يمكن �أن نفهم لماذا يحتفي ابن رشد،
في مصنفاته الضرورية للكمال ال�إ نساني ،بال�أقاويل الكلية .ذلك �أن انتقال العقل من رتبته
الهيولانية �إلى رتبته التعقلية يتوقف على المعرفة التي تنطلق من ال�إ حساس ،وتنتقل �إلى
الكليات ،ثم بعد ذلك �إلى المعقولات المفارقة بالقول والوجود .وال�أقوال الكلية في كل
علم �إنساني ضرورية لحصول المرتبة ال�أولى من الكمال ،ل�أن تتبع الجزئيات والفروع في
العلوم والصنائع ينقطع العمر دونها ولا يوصل �إلى كمال .لهذا السبب يحرص ابن رشد
في مشروعه العلمي هذا على تقديم ال�أقاويل الكلية الضرورية في كل صناعة ،فيقوم بحصر
�أصولها وقواعدها ومسائلها ،ل�أن تعقل هذه الكليات والت�أمل فيها يولد الملكة العقلية التي
تصبح قادرة على ال�إ بداع والتجديد وتحرر المرء من التقليد.
لا يكمل العقل عند ابن رشد �إلا عندما يعمل ذاته في المعاني المفارقة التي هي
كليات عامة ،فينتقل بذلك من كمال �إلى كمال ،وهو ال�أمر الذي يصبح عليه عسيرا �إذا
اشتغل صاحبه بالفروع والجزئيات .فالقوة التي تدرك المعاني الكلية غير القوة التي تدرك
المعاني الشخصية الجزئية ،فهما قوتان متباينتان ،والقوة الناطقة التي تدرك المعاني مجردة
من الهيولى ،وتركب المعاني بعضها �إلى بعض ،وتحكم ببعضها على بعض ،من خلال
فعليها؛ التصور والتصديق((( .ولعل هذه العلاقة بين القوة الناطقة والكمال ال�إ نساني سر
وجودها في ال�إ نسان(((!
تنقسم القوة الناطقة �إلى قسمين :العقل العملي؛ واستكماله يكون بمعان صناعية ممكنة
معدة نحو العمل .ثم العقل النظري ،وفعله واستكماله يكون بمعان ضرورية ليس وجودها
�إلى اختيارنا .العقل ال�أول عند ابن رشد قوة مشتركة "لجميع ال�أناسي[ ]...لا يخلو �إنسان
- 1مختصر النفس ص .67
- 2مختصر النفس .68
� - 3إن وجود ال�إ نسان -عند ابن رشد -مرتبط بقوة النطق ،وبدونها لن يكون له وجود البتة .فبهذه القوة يدرك ال�إ نسان
المعاني مجردة عن الهيولى ،ويركب بعضها �إلى بعض ،ويستنبط بعضها عن بعض حتى تلتئم عن ذلك صنائع
كثيرة ومهن نافعة في وجوده :مختصر النفس ص.68
173
منها ،و�إنما يتفاوتون فيها بال�أقل وال�أكثر"� .أما القوة النظرية "فيظهر من �أمرها �أنها �إلهية جدا،
و�أنها �إنما توجد في بعض الناس ،وهم المقصودون �أولا بالعناية من هذا النوع"(((.
من هذا التقسيم يبدو �أن مشروع الضروري يهدف استكمال العقل العملي ما دام
استكمال العقل الثاني يكون ب�أمور خارجة عن �إرادة ال�إ نسان .من ثم نفهم قول ابن رشد
"�أولى مراتب الكمال[ ."]...فالعقل العملي يتوجه �إلى �إدراك المبادئ الفكرية المعينة
في العمل ،فيكون استكماله بمعان صناعية ممكنة ،وهو الكمال ال�أول� ،أي الكمال في
وجود ال�إ نسان المحسوس ،لا في وجود ال�إ نسان ال�أفضل مطلقا ،ل�أن هذا الوجود مرتبط
بالعقل النظري ومبادئه النظرية((( .لعل ابن رشد من �أجل كمال العقل العملي ،يضع
كتبه الضرورية ،وبخاصة كتابيه "البداية" و"الكليات" في قالب صناعي� ،إذ كان شرطه
للكمال ،كما سنقف على ال�أمر في حينه.
يستهدف الضروري استكمال العقل العملي �إذن ،وهو يستهدفه خلال ال�أقاويل الكلية
ل�أن العقل صدقه �أكثري فيها ،كما يقول ابن رشد((( .لكن من �أهم ما قدمه لنا التحليل
السابق �أن هذا الاستهداف ي�أتي في قالب صناعي ،فالعقل لا يستكمل �إلا من معان
صناعية .فماذا يقصد ابن رشد بذلك؟ وما علاقة الضروري بالصناعي؟
-2-
بين الضروري والصناعي
من �أجل مقاربة هذه العلاقة بين المفهومين ننطلق من نصين قصيرين لابن رشد يقول
في ال�أول ]...[" :ليس في المصنوع �إلا شيء واجب ضروري� ،أو ليكون به المصنوع
�أتم و�أفضل� ،إن لم يكن ضروريا فيه ،وهذا هو معنى الصناعة" .ويقول في الثاني.." :لو لم
يكن هاهنا �أسباب ضرورية في وجود ال�أمور المصنوعة لم تكن هنالك صناعة �أصلا.((("..
- 1مختصر النفس ص 69
- 2مختصر النفس ،نفس الصفحة
- 3في تلخيص كتاب النفس يقيم ابن رشد بين ال�أشياء الكلية وال�أشياء الجزية تقابل تضاد فيقول �" :إن ال�أشياء
الكلية والجزئية متضادة ،ونحن نجد العقل في صدقه في �أحد الضدين �أكثريا وهي الكليات ،وخط�أه في الضد
ال�أخر �أكثر وهو الجزئيات "...تح �ألفرد عبري المكتبة العربية المجلس ال�أعلى للثقافة القاهرة 1994ص.115-114
- 4مناهج ال�أدلة في عقائد الملة تح د .محمود قاسم مكتبة ال�أنجلو مصرية ط 1964 ،2ص .145
174
ما يخرج به القارئ من هذين النصين �أن ما هو ضروري يدخل في حد ما هو صناعي
فلا يمكن تصور صناعة �أصلا دونه .ففي النص ال�أول يحضر ما هو ضروري مع ال�أفضل
في حد الصناعة .والضروري وال�أفضل مفهومان �أساسيان في النصوص التي كتبهما ابن
رشد على المجرى الصناعي ،وبخاصة في "البداية" و"الكليات".
فما معالم ما هو صناعي عند ابن رشد؟
�إن اللجوء �إلى الكتابة على المجرى الصناعي نوع من تقعيد العلم الذي كمل في
زمان ابن رشد ،فهو يرى �أن المعرفة قد كملت في عصره((( ،و�أن كتابتها على الترتيب
الصناعي �أدعى �إلى ثباتها ،و�أنها تصبح ملكة بذلك((( .وعندما يصبح العلم ملكة ،يصبح
هيئة راسخة في النفس يعسر زوالها ،وتصبح "التذكرة" عاملا من عوامل تثبيت ما ن ُِس َي
منه .وهو ما يصرح به ابن رشد في "تلخيص الجدل" عندما يربط ما هو صناعي بالحفظ
والتحصيل((( .ومفهوم التذكرة من المفاهيم التي تتردد في كثير من الكتابات الرشدية سواء
منها المنطقية(((؛ �أو الفقهية((( �أو الطبية"(((� .إن القصد من الكتابة على جهة التذكرة هو،
كما قال العامري� ،أن تلقح العقول بالتذكرة حتى يحسن الصواب منها((( .من هنا فكتابة
(((
لهذا الغرض لا يمكن �أن تكون ب�أي طريقة اتفق ،بل لابد �أن تخضع لترتيب خاص
يكون على المجرى الصناعي.
ينفتح مفهوم "الصناعي" على ما هو كلي وما هو جمالي في الكتابة الرشدية.
فالصناعي هو "القانون الكلي الذي يشتمل على �أكثر من جنس واحد"((( ،ثم �إن القيمة
- 1ذلك ما يصرح به في مختصر المنطق ص .108
- 2ابن رشد تلخيص المقولات تح موريس بويج دار المشرق بيروت الطبعة الثانية 1983ص 71و.72
- 3عندما يعدل ابن رشد عن تعليم �أرسطو ،ويتقصى تعليم ثامسطيوس وثاوفراسطس في ترتيبهما يقول " :يشبه
�أن يكون �أكثر صناعيا و�أعون على الحفظ والتحصيل" تح محمد سليم سالم الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980
ص 320و.368
- 4يقول ابن رشد " :النظر في هذه الصناعة على جهة التذكرة " كتاب السفسطة ص.170
- 5بداية المجتهد ج 1ص.325
- 6يقول ابن رشد :قال جالينوس " :فهذا القول �أرى �أنه كاف في كون ال�أخلاط واستحالتها ليحفظ منه مذهب
�أبقراط و�أرسطوطاليس وسائر القدماء في هذه ال�أشياء ،ول�أن يكون كتابي كالتذكرة لكتب القدماء وكالمسهل
لـفهمها" "الرسائل الطبية" ص251
- 7العامري ،ال�إ علام بمناقب ال�إ سلام ،مرجع سابق ،ص123
- 8في كتاب ال�آثار العلوية يصرح ابن رشد �أن الترتيب في النظر في الحيوان بعضه ضروري ،وبعضه على جهة
ال�أفضل .تح سهير فضل الله وسعاد علي عبد الرزاق القاهرة 1994ص .15وطبعة حيدر �آباد ص .05
- 9شرح البرهان مرجع سابق ص 223ونجد عند السلجماسي في المنزع البديع شيئا قريبا من ذلك " :وتصير العلوم
وال�أفكار صنائع عندما تنحصر في قوانين تحصل في نفس ال�إ نسان على تريب معلوم" المنزع البديع في تجنيس
�أساليب البديع �إبي محمد القاسم السلجماسي .تقديم وتحقيق المشمول بعفو الله ال�أستاذ علال الغازي .مكتبة
المعارف الرباط ط 1980-1401 ،1ص .158
175
الجمالية لكثير من النصوص الرشدية تكمن في الطريقة التي كتبت بها ،فقول الفقه �أو
الفلسفة بطريقة جديدة في تراكيب خاصة حتى تصبح �أحرى �أن تتعلم و�أن تتذكر سببه
�أنها �أولا كلية ،ثم سببه الجمال الكامن فيها .فلبلوغ الكمال ال�إ نساني لا بد �أن ترتب
المعرفة في الذاكرة ترتيبا صناعيا ،و�إلا كانت المعرفة التي يحصل عليها غير مرتبة مهلكة
لصاحبها ،فكثير ممن ضل في الفلسفة كان من جملة �أسباب ضلاله سوء ترتيب نظره
في كتب القدماء((( .من هنا كانت الصناعية تضفي كثيرا من مظاهر الانسجام على �أجزاء
المتن الرشدي ،ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالقصد التعليمي عند ابن رشد؟
من هذه الجهة فمفهوم الصناعي ذو علاقة بما هو منطقي وبخاصة على مستوى
التعليم الخطبي المقنع� .إذ"كل صناعة �إنما هي ُم َعلِّمة� ،أي مبرهنة ومقنعة في الجنس
الذي تنظر فيه لا في جميع ال�أجناس"((( .من هنا فكل ما هو صناعي ،وهو "الذي وجوده
لاختيارنا ورويتنا ونحن الفاعلون له"((( هو تعليمي �إقناعي .وقد كان ابن رشد حريصا على
الترتيب الصناعي الذي هو ترتيب قياسي((( ل�أنه يضفي على العمل العلمي جودة نظام
و�إقناع ،وهو القصد ال�أول من القول الخطبي ،ثم يجعله �أقرب �إلى الحفظ والتذكرة .حقا
�إن الترتيب الصناعي لا يجد القبول عند الكثيرين وذلك ل�أكثر من سبب؛ �أولا ،ل�أن هؤلاء
يظنون �أن القول اللازم عن الترتيب الصناعي "�إنما لزم من جهة الصناعة لا من جهة ال�أمر
نفسه" .ثانيا ،ل�أن "الترتيب الصناعي يقتضي �أن يصرح فيه بجميع المقدمات الضرورية
في بيان ذلك المطلوب ،والجمهور لا يستطيعون �أن يفهموا لزوم النتيجة التي تلزم عن
مقدمات كثيرة"((( .ثالثا ،ل�أن �أكثر الناس يضيق عليهم النظر في الكتب الموضوعة على
الطريق الصناعي التي تجمع وصفين :تقر�أ على ترتيب وتقر�أ بعد تحصيل علوم �أخر� ،إلا
�إذا كان ذا فطرة فائقة فهو القادر عليها لكن ما �أقلهم ،لـ"قلة وجود الفطرة في الناس"(((.
ولعل المحتفين بالمعرفة العلمية في عصر ابن رشد قد قل لهذه ال�أسباب وكثر الطاعنون
في الفلسفة في المدينة ال�إ سلامية.
فكيف يكون الترتيب الصناعي؟ وما علاقته بالتذكرة؟
- 1فصل المقال نشرة مركز دراسات الوحدة العربية ضمن سلسة التراث الفلسفي العربي ص.94
- 2تلخيص الخطابة ص .16
- 3نفس المرجع والصفحة.
- 4المرجع السابق ص .324
- 5نفس المرجع ص.21-20
- 6تهافت التهافت ص.357
176
يقتضي هذا الترتيب �أن يكون الكلام الجزئي الذي يتعلق بالموجود الجزئي بعد الكلام
الكلي المشترك((( ،وينبه ابن رشد على وجوب تشبه الصناعة بالطبيعة ،وذلك �أن تحدد
الصناعة غرضا واحدا ،وغاية واحدة ،و�أن يكون لها فيها مبد�أ ووسط "و�أن يكون الوسط
�أفضلها ،ف�إن الموجودات التي وجودها في الترتيب وحسن النظام �إذا عدمت ترتيبها لم
يوجد لها الفعل الخاص بها"(((.
يقدم لنا �أبو محمد ،ابن فيلسوفنا ابن رشد ،معالم هذا الترتيب الصناعي ،فيقول �إن
الترتيب الصناعي "يكون ب�أن ننظر في غايته التي يقصد �إيجادها ما هي ،ثم ينظر �أي
ال�أشياء هي التي �إذا وضعت موجودة لزم عنها وجود تلك الغاية ،ف�إذا وقع عليها بالفكر
نظر �أيضا �أي ال�أشياء هي التي �إذا وضعت �أيضا موجودة لزم عنها وجود تلك ال�أشياء ال�أول
حتى تبلغ من هذه ال�أشياء المتلازمة �إلى �أشياء يمكن �أن يعقلها بنفسه ،ف�إذا وقع عليها
شرع في عملها ،و�أنه �إذا عملها لزم عنها تلك ال�أشياء ،وعن تلك ال�أشياء تلك ال�أشياء
ال�أخر ،وعن تلك الغاية التي قصدها[ .((("]...فالترتيب الصناعي قائم على تلازم ونظام
�إذن((( ،ولا يقدر عليه �إلا من �أحاط ب�أجزاء الصناعة فـ"�إن الذي لا يعلم ماهية الشيء ،ولا
ذاته ،و�آنيته ،لا يمكنه ترتيب �أجزائه وموافقته ولوازمه وتوابعه بتصيده له ،و�إن ادعى ذلك
مدع فقد ادعى باطلا[ .((("]...فالصنعة في ال�أساس مرتبطة بالمعرفة� ،إذ هي باختصار
"العلم المتعلق بكيفية العمل"((( .فمن �أغراض هذا الترتيب سهولة تذكر الصناعة وتلقيح
العقل ،و"�إذا لم تلقح العقول بالتذكرة لم يحسن الصواب منها" .كما قال �أحد المفكرين
قديما(((.
�إن مفهوم "التذكرة" من المفاهيم المهمة عند ابن رشد في الكتابة على المجرى
الصناعي ،فهو حاضر في نصوصه الفقهية والفلسفية ،بل وفي بعض نصوصه المنطقية
�أيضا.
- 1تلخيص ال�آثار العلوية ،تح جمال الدين العلوي دار الغرب ال�إ سلامي بيروت لبنان ط.1994 ،1ص18
- 2تلخيص كتاب الشعر ص.89
- 3تلخيصات جالينوس مقالة في حيلة البرء ص273
- 4يقول �أبو محمد بن رشد �":إدراك ال�أشياء المتلازمة والنظام الذي بينهما هو الذي يسمى صناعة" في حيلة البرء
ص 274
- 5الفارابي ،تلخيص نواميس �أفلاطون ،ص 49
- 6المنزع البديع ،مرجع سابق ص.158
- 7العامري ،الاعلام بمناقب الاسلام ص123
177
-3-
التذكرة
ينقلنا المفهوم الرشدي "على جهة التذكرة" �إلى كتاب "تلخيص الحس والمحسوس"،
حيث يحاول ابن رشد �أن يقربنا منه ،وهو يفحص في بعض قوى النفس الجزئية .نجد
في المقالة الثانية مفهومي "الذكر" والتذكر" ،المشتقان من مفهوم "التذكرة" ،وهما من
المفاهيم التي يمكن لها �أن تضئ لنا قصد ابن رشد وما يرمي �إليه.
يؤسس �أبو الوليد لمفهوم الذكر من خلال تمييزه بين ال�أشياء التي يدركها المرء
حسب الزمان ،ليخلص �إلى �أن الذكر مرتبط بالمعرفة التي تحصل لل�إ نسان في الماضي(((،
"و�إنما يذكر المرء ما حصلت له المعرفة به قبل في الزمان الماضي"((( .ويحرص ابن
رشد بعد ت�أسيسه لهذا المفهوم �أن يميز بينه وبين التذكر من جهة ،وبينه وبين الحفظ
من جهة �أخرى .ويبدو �أن هذا الحرص الذي �أخط�أ كلا من �أرسطو من جهة ،وابن سينا
والفارابي من جهة �أخرى((( ،يحمل �أكثر من دلالة على ال�أهمية التي يوليها ابن رشد لعملية
الحفظ من جهة ،وعملية التذكر من جهة �أخرى في تثبيت المعرفة الموصلة �إلى الكمال
ال�إ نساني ،و�إحضارها �إذا �أصاب بعضها �أوكلها النسيان ،عندما تتعلق ال�إ رادة بذلك.
�إذا كان الذكر عند ابن رشد هو معرفة ما عرف بعد �أن انقطعت معرفته ،ف�إن هذا الفعل
يوجد عامة للحيوان المتخيل((( .فالتذكر فعل خاص بال�إ نسان� ،إنه عملية عقلية شعورية
مرتبطة ب�إرادة ال�إ نسان في استحضار المعرفة التي نسيها� ،أو بعبارة قريبة من عبارة ابن رشد
�إنه طلب المعرفة الماضية ب�إرادة �إذا نسيها المرء ،و�إحضارها بعد غيبتها بالفكرة فيها .و�إذا
كان الذكر يكون للصور السهلة الاسترجاع ،فالتذكر يكون للصور العسيرة الاسترجاع(((.
وبعد تمييز الذكر عن التذكر ،ي�أتي تمييز الذكر عن الحفظ و�إن كانا قريبين جدا من
بعضهما� ،إذ �إن كلا منهما يدخل في حد ال�آخر .يعرف ابن رشد الحفظ ب�أنه ذكر متصل،
- 1يقول ابن رشد �" :إن ال�أشياء المدركة لنا �إما �أن تكون في ال�آن والزمان الواقف مثل مدركات الحس ،و�إما �أن
تكون متوقعة الوجود في الزمان المستقبل وهذه هي ال�أمور المظنونة ،و�إما �أن تكون مدركة في الزمان الماضي.
وبين �أن الذكر �إنما يكون في هذه "...ص.36
- 2تلخيص الحس والمحسوس مرجع سابق ص .36
- 3بلومبرج ،مقدمة تلخيص الحس والمحسوس ص15
- 4تلخيص الحس والمحسوس ص.37
- 5تلخيص الحس والمحسوس ص .47
178
ويعرف الذكر ب�أنه حفظ منقطع ،وهو يعتبرهما واحدا بالموضوع اثنان بالجهة(((؛ �إذ �إن
القوة التي تدرك المعنى �إذا �أدركته متصلا كانت حافظة ،وتلك هي القوة المسؤولة عن
الحفظ ،و�إذا �أدركته منفصلا سميت ذاكرة((( ،وهي القوة المختصة بالذكر.
ويحرص ابن رشد كثيرا على تحديد معاني هذه المفاهيم ،فيعرف الحفظ ب�أنه
استصحاب وجود معنى المحسوس في القوة الذاكرة من غير �أن ينقطع ،ويعرف النسيان
ب�أنه ذهاب هذا المعنى المحسوس من القوة الذاكرة وانقطاعه .كما يقول عن الذكر �إنه
رجوع المعنى المحسوس �إلى القوة الذاكرة بعد نسيانه ،وعن التذكر �أنه استرجاع هذا
(((
المعنى المحسوس �إلى القوة الذاكرة وهو خاص بال�إ نسان.
لكن القوة الذاكرة هي من القوى المدركة لل�أمور الجزئية الشخصية .فكيف ُيتذكر
الكلي؟ �إن المعاني الكلية تتذكر عند ابن رشد "من جهة المتخيلات التي تستند عليها،
ولذلك كان النسيان يلحقها كما يلحق المعاني الجزئية"((( .ولما كانت هذه المعاني
الكلية تندرج طبعا ضمن الصور "الكثيرة الروحانية القليلة الجسمانية" ف�إنها تظل صورا
عسيرة الاسترجاع ،والتذكر �إنما يكون خاصة لهذه الصور من جهة متخيلاتها كما نبه
�إلى ذلك ابن رشد في نفس السياق.
كتب ابن رشد نصوصا فقهية وفلسفية كتابة صناعية تتوخى الكلي "على جهة
التذكرة" حفظا للمعرفة من الدروس والنسيان ،وتثبيتا لحالة الكمال ال�إ نساني التي يريدها
لكثير من �أهل عصره .ولما كان الحفظ باعتباره "استصحاب وجود المعنى المحسوس
في القوة الذاكرة من غير �أن ينقطع"((( مما يتعذر على المرء.
�إن الحفظ والتذكر �أساسيان في سيكولوجية ابن رشد ،وهما يؤسسان للطريقة التي
كتب بها نصوصا كثيرة ليستذكر بها حاجته من المعرفة عند الضرورة((( .ول�أهمية الحفظ
نجد ابن رشد يعدل �أحيانا عن تعليم الحكيم �أرسطو ،في كتابة نصوصه ،ل�أنه ينشد
- 1تلخيص الحس والمحسوس ص .37
- 2نم ص .39
- 3نم ص .43
- 4نم ص .47
- 5تلخيص الحس والمحسوس ص .43
- 6يعرف ابن منظور "التذكرة" ب�أنها "ما تستذكر به الحاجة" ،لسان العرب دار صادر المجلد الرابع ب.ت ص
.309وسنجد هذا المفهوم عندالقرطبي الذي يصرح في تفسيره "الجامع ل�أحكام القر�آن" �أنه �إنما كتبه تذكره
لنفسه ج 1ص3
179
الرياضة الذهنية((( ،ويسلك سبيل ثامسطيوس وثاوفرسطس في ترتيبهما ل�أنه "يشبه �أن
يكون �أكثر صناعيا و�أعون على الحفظ والتحصيل"(((.
�إذا كان اللجوء �إلى الصناعي يرجع �إلى اختيار علمي((( ف�إن من مقاصده تيسير الحفظ
والتذكرة .فالصناعة تصبح معقولة عند من لم يصنعها لكونها صادرة عن عقل وهي
الصورة التي في نفس الصانع((( ،ولذلك فالصناعي ضد البخت والاتفاق((( .وعندما
يحصل العلم صناعة ف�إنه يصبح ملكة ((( مما يجعله �أدعى �إلى ثباته(((.
-4-
(الكلي-التام ) و(ال�أشهر -الكافي)
تقوم الكتابة على المجرى الضروري -الصناعي عند ابن رشد على زوجين �أساسيين:
الكلي – التام / ال�أشهر – الكافي.
�أ -الكلي -التام
يعتبر هذان المفهومان من المفاهيم ال�أساسية في الكتابة الرشدية ،فهما حاضران في
متنه الفلسفي ويقودانه في كتابته الضرورية – الصناعية .فكيف يفهم ابن رشد هذين
المفهومين؟ وما العلاقة التي تجمع بينهما؟
يقال مفهوم "التام" عند ابن رشد على �أنواع كثيرة ،فيقال على الكل ،ويقال على
الذي لا ينقصه شيء من نوع فضيلته ،ويقال على ما له غاية فاضلة ،وما له غاية تامة(((.
�أما "الكلي" فهو �أيضا يقال على �أنواع كثيرة؛ فيقال على الذي لم يذهب منه جزء من
ال�أجزاء ،ويقال على المحيط والمحاط به ،وهذا يقال على نوعين يقال عن الكل والكلي،
كما يقال الكل على المتصل ذي النهاية .لكن �أهم دلالة تهمنا في هذا السياق هي
- 1تلخيص الجدل ص274
- 2تلخيص الجدل ص 320وص 368
- 3يقول ابن رشد "�إن الصناعة راجعة �إلى الاختيار" تلخيص ما بعد الطبيعة ص81
- 4تلخيص ما بعد الطبيعة ص49
- 5تلخيص البرهان (بدوي ) ص ،137ومقالة اللام ص ،1456ومقالة الهاء ص ،736ومقالة الزاي ص.841
- 6تلخيص المقولات ص71
- 7تلخيص المقولات ص72
- 8مقالة الدال تفسير ما بعد الطبيعة تح موريس بويج الطبعة الثالثة دار المشرق بيروت 1990ص .626-623
180
دلالة الكلي "الذي يحمل على ال�أشياء الجزئية فتصير واحدة" (((� .أو على الكلام الكلي
الذي"هو الكلام المشترك لجميع الموجودات التي ينطبق عليها ذلك الكلام"((( ،وهذا
الكلي هو �أساس المعرفة عند ابن رشد ،فما هو غير متناه لا يحصل عنه �أمر كلي تعرف
منه الجزئيات التي تحته� ،إن هذه المعرفة لا تحصل �إلا �إذا كانت المقدمات التي ننطلق
(((
منها مقدمات عامة وتحتها جزئيات غير متناهية .كما يورد ابن رشد من قول لل�إ سكندر
�إنه �إذا لم يحصل الكلي ارتفع العلم ل�أنه لا علم �إلا بالكلي .فالنظر في المسائل الكلية
يصير بنا �إلى معرفة الجزئيات التي تحتها ،بل و�إلى معرفة جميع الجزئيات غير المتناهية
بالقوة((( .لكن هل هذا ال�أمر ينطبق على جميع الكليات �أم �أن الكليات التي ينطبق عليها
بالقصد ال�أول من طبيعة خاصة؟
�إن الكليات هي التي تفعل المعرفة المجهولة((( .من هنا يؤكد ابن رشد -في هذا
الصدد� -أن من شرط الكليات التي يمكن �أن تتذكر في التعليم ويمكن �أن يستنبط عنها
شيء ما بسرعة� ،أن تكون كليات قريبة لا كليات في غاية العموم ،عندئذ فقط يصير
من الكلية القريبة �إلى الجزئي بطريق صناعي ،و�إلا �إذا كانت الكليات عامة في الغاية ف�إنه
لا يصار منها �إلى الجزئي �إلا بضرب من العرض والاتفاق((( .ومن هنا حرص ابن رشد،
في كتبه التي كتبها على جهة التذكرة ،على اقتناص الكليات القريبة التي يصار منها �إلى
الجزئيات بطريق صناعي محدد من ال�أول.
لقد احتفى ابن رشد في متنه الفلسفي بهذين المفهومينَ ،ف�َأهمه كثيرا متى يحصل
العلم بالشيء على التمام؟ فوجد هذا العلم التام في العلم بال�أسباب((( ،كما شكل هذا
المفهوم هاجسا له وهو ينظر في كتب �أرسطو و�أقواله هل تحتاج �إلى تتميم �أم لا (((؟ لكن
- 1نم ص .669
- 2تلخيص ال�آثار العلوية تح جمال الدين العلوي ص 18وص 167
- 3يقول ال�إ سكندر " :ما هو غير متناه ولا منحصر ،فليس يحصل لنا من معرفة �أشخاص منها متناهية �أمر كلي نصير
منه �إلى �أمور جزئية غير متناهية( ،)...و�أما المقدمات العامة للمقدمات الجزئية فمتناهية ،وتحتها جزئيات غير
متناهية ،ف�إذا حصلنا العامة منها �أمكننا المصير منها �إلى الجزئية التي تحتها ،وحصلت لنا جميع المقدمات الجزئية
الغير المتناهية بالقوة بحصول العامة المتناهية."...ابن رشد ،تلخيص كتاب الجدل تح محمد سليم سالم الهيئة
المصرية العامة للكتاب 1980ص.76
- 4تلخيص الجدل ،المرجع السابق ص 76وص.88
- 5تلخيص الحس والمحسوس ص.72
- 6تلخيص الجدل ،المرجع السابق ص.471
- 7تلخيص النفس مرجع سابق ص 66وص .6
- 8تلخيص السفسطة تح محمد سليم سالم مطبعة دار الكتب 1972ص 55
181
مفهوم التمام هو بجهة ما مرادف للكلي عند ابن رشد((( ،ف�إذا كان العلم الجزئي ليس
علما ل�أنه لا يعكس ماهيات ال�أشياء ،ف�إن المعاني الكلية من جملة الشروط التي تعطي
التمام للمعرفة ،ل�أن ال�أمور الكلية لا تقبل التغيير(((.
ب -ال�أشهر -الكافي
�أما الزوج ال�أشهر -الكافي ،فيشكل حضوره ثقلا �أساسيا في الكتابة الرشدية ،و�إذا
كنا لم نجد عند ابن رشد لمفهوم الكفاية تعريفا له ،ف�إن تردده في كتاباته يمكننا من
استخلاص تعريف له من ت�أمل معانيه الواردة في الحقل الدلالي العربي .جاء في لسان
العرب ":كفى يكفي كفاية �إذا قام بال�أمر ،ويقال كفاك هذا ال�أمر �أي حسبك ،وكفاك
هذا الشيء .وفي الحديث :من قر�أ ال�آيتين من �آخر سورة البقرة كفتاه �أي �أغنتاه عن قيام
الليل .وقيل �إنهما �أقل ما يجزئ في القراءة في قيام الليل .وقال سبحانه {�أو لم يكف بربك
�أنه على كل شيء شهيد} معناه �أو لم يكف بربك� ،أولم تكفهم شهادة ربك ،ومعنى
الكفاية هاهنا �أنه قد تبين لهم ما فيه كفاية في الدلالة على توحيده[ ]...يقال كفاه ال�أمر
�إذا قام فيه مقامه .((( ".وهكذا فكل ما قام بال�أمر و�أغنى عن غيره و�أجز�أ فيجب الوقوف
عنده ،وهو كاف في المعرفة من الطول وحشو الكلام .وهذا الكافي وجده ابن رشد في
القواعد وال�أصول التي تقوم عليها المعرفة ،فلسفية كانت �أو فقهية .وعندما يجد صناعة
"من تكلم فيها لم يتكلم فيها بما هو كاف في �أمرها" ،ف�إنه يتصدر لذلك كما فعل مع
صناعة الخطابة حيث سيقول فيها قولا كافيا في �أمرها بالحديث عن ال�أجزاء التي تت�ألف
منها ،وكيف ت�أتلف منها ،وعن جنسها وفصلها((( .ولا يكون القول كافيا عند ابن رشد �إلا
اذا استجمع كفايتين ،فكان كافيا بحسب غرض المؤلف ،كافيا بحسب الحق في نفسه
�أيضا((( ،مما يجعل لمفهوم الكافي علاقتين علاقة بالغرض ،وعلاقة بالحق؛
-لا يفت�أ ابن رشـد ،عند كل كتابة صناعية ،من تحديد غرضه من هذه الكتابة،
فيحدد مقاصده من ت�أليفه ويرسم �أهدافه ومراميه .وهو ما يمكن اعتباره الشرط الذاتي
في الكتابة على المجرى الصناعي .لكن القول لا يكون كافيا �إذا كان غرض المؤلف لا
- 1تلخيص ما بعد الطبيعة تح عثمان �أمين مطبعة مصطفى الحلبي بمصر القاهرة 1958ص .28
- 2الضروري في السياسة نقله من العبرية �إلى العربية الدكتور �أحمد شحلان .نشر مركز دراسات الوحدة العربية
ص .113
- 3لسان العرب المجلد الخامس عـشر ص . 226-225
- 4تلخيص الخطابة ص 15
- 5مناهج ال�أدلة ،نشرة الجابري ص 185
182
يستقيم مع الشرط الموضوعي للصناعة ،بحيث يستوفي �أجزاء القول بموضوعية كاملة ما
وسعه ذلك و�إلا كان �أقرب �إلى التقصير.
�أما مفهوم ال�أشهر فمرتبط عند ابن رشد بصناعة الجدل التي تقوم على المقدمات
المشهورة ،كما �أنه مرتبط بالمحمود في الشرع((( ،ومرتبط ،كذلك ،ب�أسلوب التعليم،
�إذ �إن "�أفضل القول في التفهيم ،المشهور"((( .والتعليم بالمشهور "لذيذ ومحبوب عند
الجميع"((( .لكن ليس كل مشهور بصادق ((( ومعروف بنفسه(((� ،أما المعايير التي نحكم
بها على المشهور فهي "الشهادات و�أنواعها"((( .من هنا التعارض بين المشهور والشاذ
من ال�أقوال((( ،وهو ما كان يقيمه ابن رشد كثيرا في البداية .وتكمن �أهمية المشهورات
عندما ت�أتي لتقوي البيانات البرهانية على جهة الاستظهار ،كما يذكر ابن رشد عن عادة
�أرسطو في الكتابة(((.
حرص ابن رشد في كثير من كتاباته على استيفاء المعاني المشهورة� ،أو التي بحسب
ال�أشهر ،كما نجد في تلخيص كتاب المقولات((( من �أجل بسط ما هو كاف في الصناعة
وتقريبها �إلى المخاطبين بها ،وابن رشد يؤسس ذلك على تقليد �أرسطي لايني يتبعه �أرسطو
في الكلام في ال�أشياء على جهة الشهرة( ،((1وهو التقليد الذي �أ ّمه ابن رشد في كتاباته
كما نجد في "البداية" و"الكليات" وفي "الضروري في السياسة" عند تعداد المشهور في
زمانه من �أنواع الغايات(.((1
و�إذا كان ال�أشهر يخدم الكافي ،ف�إن الكلي بدوره يخدم ال�أشهر� ،إذ �إن المعاني الكلية
في الصنائع هي دوما معاني مشهورة ،واستيفاء القول فيها يحقق كفاية علمية ويمكنه �أن
- 1تلخيص السفسطة مرجع سابق ص 94وص .96
- 2تلخيص السفسطة ص .142
- 3تهافت التهافت ص.187
- 4ابن رشد ،شرح البرهان ص.259
- 5تهافت التهافت ص.14
- 6شرح البرهان ص161
- 7يقول الرازي ... " :فعليك بال�أشهر مما �أجمع عليه ،ودع الشاذ واقتصر على ما جربت" ابن �أصيبعة ،عيون
ال�أنباء ج 2ص .350
- 8شرح البرهان ،ص 181وص333
- 9تلخيص المقولات مرجع سابق ص.123-122
- 10تلخيص المقولات ص.63
- 11ص .143
183
يصل بالعلم �إلى تمامه� ،إذ �إن الوقوف عند جزئيات العلوم لا يجعل المعرفة علمية من
جهة ،كما �أن هذا ال�أمر مما ينقطع العمر دونه ،كما يحب ابن رشد �أن يقول.
�إذن فالمعرفة الضرورية في الكمال ال�إ نساني عند ابن رشد هي المعرفة الكلية والتامة،
التي تتميز بالشهرة والكفاية العلمية تجري على الترتيب الصناعي ،وما دونها من المعرفة
فيمكن �أن تكون ذات �أهمية ولكن على جهة ال�أفضل لا على جهة الضرورة .من هنا هذا
الاحتفاء الرشدي بهذه المفاهيم ال�أساسية التي سوف يتردد صداها في كثير من �أجزاءلمتنه
العلمي لتؤكد وحدة الممارسة العلمية لديه في الفلسفة والفقه على السواء.
184
الفصل الثاني
وحدة الكتابة الفلسفية والفقهية
عند ابن رشد
[نماذج]
الغرض من هذا المبحث تقديم رؤية تطبيقية للمبحث السابق في �أفق بيان �أن الكتابة
الرشدية تخضع لضرب من الوحدة المنهجية ،وسن�أخذ ،لهذا الغرض ،بعض النماذج
من الكتابة الرشدية نحصيها في " :مختصر المستصفى" ،و"بداية المجتهد" ،و"مناهج
ال�أدلة" ،و"مختصر النفس" ،و"الضروري في المنطق" ،و"الضروري في النحو" .وقد
كان بال�إ مكان معالجة كتاب "الكليات في الطب" باعتباره قولا في الضروري في القول
الطبي ،و"تهافت التهافت" باعتباره كتابا في الضروري في الفلسفة ،وكتاب "جوامع ما
بعد الطبيعة" باعتباره كتابا في الضروري في الميتافيزيقا ،وكتاب جوامع سياسة �أفلاطون
�أو "مختصر كتاب سياسة �أفلاطون" ،باعتباره كتابا في "الضروري في السياسة"((( ،ولكننا
سنقتصر على هذه النماذج الستة ،ل�أن الغاية تقديم نماذج تمثيلية متنوعة من المتن
الرشدي تعزز ما نقصد بيانه.
-1-
مختصر المستصفى� ،أو الضروري في �أصول الفقه
يعتبر كتاب ابن رشد في "الكلام الفقهي" ،كتاب مختصر المستصفى ،من الكتب
التي تظهر فيها بشكل واضح منهجية الكتابة التي قدمنا بعضا من معالمها فيما سبق.
فالكتاب مختصر ،كما يؤكد ابن رشد على ذلك((( ،يقدم الكفاية من الضروري من المادة
ال�أصولية التي يحتاجها الفقيه((( لممارسة الاجتهاد؛ كتبه ابن رشد "على جهة التذكرة"
لنفسه" ،بقول موجز ومختصر صناعي"((( ،متوخيا ال�أشهر مع حرص تام على �أن تصل
صناعة �أصول الفقه �إلى كليتها وتمامها.
- 1انظر مدخل ال�أستاذ الجابري للكتاب الذي نقـله عن العبرية �إلى العربية ال�أستاذ �أحمد شحلان مركز دراسات
الوحدة العربية ط.1998 ،1
- 2الضروري ص.60
- 3الضروري ص.84
- 4الضروري ص.34
187
وقد عمد ابن رشد �إلى كتاب �أبي حامد من �أجل استخراج هذه المادة الضرورية،
ل�أن كتاب الغزالي كتب بفنية عالية تجلت في ترتيبه الصناعي ال�أمثل .لذا صرح �أبو
الوليد بتحريه ما هو صناعي في مستصفى الغزالي من خلال مفهوم الضروري .وهكذا
سيعمل ابن رشد على تخليص ال�أصول مما اعتبره غير ضروري فيها ،فنجده يخرج من
ال�أصول المباحث المنطقية((( ،وبعض المباحث اللغوية((( ،وبعض المسائل الاجتهادية(((،
والفروعية(((� .إذ لا حاجة للمجتهد بتفاريع الفقه((( ،وكذلك بعض المباحث الكلامية(((.
حرص ابن رشد على تخليص ال�أصول من التكلف المفضي �إلى التشويش((( .ولا يتردد
في بعض المباحث التي �أوردها الغزالي �أن يقول ":وهذا كله ليس من هذا العلم"(((.
ويتعجب من �أبي حامد الذي يجعل النظر في بعض المسائل في جزء معين من كتابه(((،
مؤكدا منهجيته في الاختصار الذي هو ضرب من الحذف .وهكذا نجده عندما يقف
عند الترجيح ك�آلية في الت�أويل الفقهي لا يخوض فيه كثيرا على �أساس �أن"ال�أشياء التي يقع
بها الترجيح تكاد لا تتناهى"( .((1كذلك عندما يقف عند ال�إ جماع عند �أبي حامد يقول
فيه ،وفي شروطه ،قولا مختصرا يغني عن �إطناب الغزالي .ثم يقف عند ذلك ،غير خائض
في المسائل التي تلحقه والاعتراضات التي �أكثر �أبو حامد من ذكرها ل�أن هذه المسائل
والاعتراضات "قد يقف عليها بسهولة من تصور ال�إ جماع هذا المقدار الذي كتبناه"(،((1
وهو المقدار الذي يعتبره ابن رشد كافيا في تصور ال�إ جماع.
مفهوم الكفاية من المفاهيم التي تخترق النص جميعه ،وتلحم المقادير الضرورية
من المعرفة ال�أصلية بلحمة خاصة لتقدمها للفقيه المترقي عن حضيض التقليد �إلى يفاع
- 1الضروري ص .37
- 2فنجده مثلا يقول ":فهذا النظر لغوي وهو �أليق بغير هذا الموضع" الضروري في �أصول الفقه ،مرجع سابق ،ص
.49
- 3يقول ابن رشد ...":فتلك مس�ألة اجتهادية تحتمل الوجهين ،وهي خارجة عن هذا الغرض" ص،60
ويقول":وبالجملة فهي مس�ألة اجتهادية...فهي قليلة الغناء" ص.64
- 4يقول ابن رشد " :و�إلحاق مس�ألة مس�ألة بهذين الصنفين نظر فروعي"ص55
- 5الضروري ص138
- 6الضروري ص 42و 43و.45وص.63وص84
- 7الضروري ص43
- 8الضروري ص43
- 9الضروري ص .49
- 10الضروري ص 75
- 11الضروري ص.95
188
الاجتهاد .فهذا المفهوم يظهر من أ�ول النص((( ،ويخترق النص جميعه ليستبعد كل ما
هو زائد عن الكفاية المعرفية المتوخاة ،ويثبت ما هو كاف في المعرفة ال�أصولية ،كما
يظهر في هذا النص التمثيلي":وبالجملة فالنظر فيما يجوز من هذا على الله تعالى وما لا
يجوز ليس يخص الفقيه بما هو فقيه ،والذي يكفي الفقيه من هذا �أن يسلم �أن في الشرع
�أحكاما رفعت بعد ال�أمر بها ،ويعتقد ذلك سواء كان ذلك كشفا عن انقضاء مدة العبادة
�أو لم يكن ،و�إن وقوع مثل هذا شرعا مما ثبت تواترا .و�أما تجويز وقوعه عقلا فليس يخصه
النظر فيه ولا في جهة جوازه.".
يكفي الفقيه المشهور من ال�أقاويل ،وهو مبني عنده على اعتماد ما عليه جماهير
ال�أمة ،وعلى ما تقتضيه كثير من ال�آيات "لهذه ال�أمة [من] التعظيم والتشريف واتباع
سبيلهم وموافقتهم والنهي عن مخالفتهم والخروج عن جماعتهم "((( .وقول ابن رشد
�إنه يكتب على عادة الفقهاء يتردد في �أكثر من موضع((( ،وهو في ذلك يسلك المشهور
ويتنكب سبيل الشذوذ ،وما سبيله "التحكم في الشرع بال�أهواء وال�إ رادات" .كما يلمس
من النقد العنيف الذي صبه ابن رشد على �أبي حامد في مس�ألة فقهية ينتصر فيها الغزالي
لظنية الدلائل المستعملة في الاجتهاد و�أنه "يحصل عنها النقيضان بالسواء و�أن الترجيح
فيها �إنما هو بحسب ما طبع عليه شخص شخص من الميل �إلى حكم حكم ،ونازلة
نازلة" ،ليعتبر ابن رشد هذا القول سفسطائيا ويحذر من خطره العظيم على الشريعة(((.
و�إن كان في "بداية المجتهد" سيراجع موقفه هذا بعض مراجعة(((.
كتب المختصر بترتيب صناعي ،وابن رشد لا يني يسمي �أصول الفقه بالصناعة(((،
وهو ما يبدو في حرصه على وضع كل قول في موضعه الخاص به فلا يخلط بين
المعارف ،وهو ما يترجمه حذفه القول المنطقي ،وكذلك بعض الاعتراضات التي يحتاج
القول فيها �إلى "قواعد تحتاج �إلى تمهيد طويل وفحص كثير ".في حين "�أنه ليس ينبغي
�أن نفحص عن كل شيء ولا عن �أشياء كثيرة في موضع واحد" .بل �إن النظر الصناعي
- 1الضروري ص يقول ابن رشد " :ف�إن غرضي من هذا الكتاب �أن �أثبت لنفسي...جملة كافية بحسب الضروري
في هذه الصناعة"ص.34
- 2الضروري ص90
- 3يقول ابن رشد " :ومن عادتهم ....كما �أن من عادتهم"..ص ،117ويقول .. ":لكن ر�أينا �أن نجري ...على
عادة المتكلمين"ص ،37ويقول " :وقد يتعلق بالكلام في هذا مسائل نحن نرسمها على عادتهم" ص.122
- 4الضروري ص140
- 5بداية المجتهد ج 5ص11
- 6الضروري ص ،101وص .102
189
يقتضي "�أن يفرد بالقول كل واحد منها في الموضع اللائق به"((( والذي يحمل على هذا
الخلط عند ابن رشد هو "حب التكثير بما ليس يفيد شيئا"(((.
يبرز النظر الصناعي �أيضا في حرص ابن رشد على ما هو كلي في ال�أصول ،وهو لا
يتردد مثلا في �أن يعطي قوانين كلية تدخل تحتها ال�أشياء التي يحتج بها من يجوز ت�أخير
البيان((( ،وفي حرصه �أيضا على المشهور من ال�آراء ال�أصولية ،و�إن كان يطرح مشروعا
علميا في الكتابة في �أصول الفقه هو المشروع الكفيل بجعل صناعة �أصول الفقه "تامة
وكلية وكافية" كما يقول((( .ويتحدد هذا المشروع في كتابة �أصولية تتحرى النظر في
�أقاويل المختلفين في ال�أشياء التي يفحص عنها ال�أصولي ،وعرضها ،مع رد هذه ال�أقاويل
�إلى ال�أسباب التي دعت �إلى الاختلاف فيها ،وذلك على غرار ما فعله في البداية بالمسائل
المنطوقة بها في الشرع� .إذ هذا هو "النظر الصناعي" الكفيل ب�أن يصل ب�أصول الفقه
�إلى كماله "في نظر الجميع من �أهل الاجتهاد"((( ،ويجعل ال�أصولي "من �أهل الحق"(((.
وابن رشد و�إن كان لا يقدم على كتابة من هذا القبيل تصل بصناعة �أصول الفقه �إلى
تمامها وكفايتها عند جميع الفقهاء ،ولجوئه ،عوض ذلك� ،إلى كتابة �أصولية تتقصى عادة
المتكلمين في الكتابة ال�أصولية ف�إنه �أشار في كتابه الضروري ،كما قال�" ،إلى شيء من
ذلك الغرض" الذي �أ ّمله من �أصول الفقه والذي يترجمه شعوره العميق بالكمال الذي
يجب �أن تصله صناعة �أصول الفقه.
الجرم ،الذي كتبه ابن رشد في الكلام الفقهي، �إن ما يثير في هذا الكتاب الصغير ِ
كما كان يحب �أن يسمي �أصول الفقه ،هو ت�أكيده في �آخره على ازدواجية الكتابة فيه؛ �إذ
هو مختصر ومخترع في نفس الوقت .هو مختصر ل�أن فيه حذف �إطناب الغزالي وتطويله
مع حرص على �إيجاز القول الغزالي .وهو مخترع ل�أن فيه تتميما وتكميلا وهو الجانب
- 1وهو ما يقوله �أيضا " :وينبغي �أن يقال في كل موضع بحسب ما يحتمل ال�أمر المقول فيه" ص82
- 2الضروري ص .52
- 3الضروري ص .106
- 4الضروري ص37
- 5يقول ابن رشد في هذا النص الهام .." :و�إما �أن يرسم ويعدد الاختلاف الواقع فيها ،وتعطي ال�أحوال والقوانين
التي بها تستنبط ال�أحكام بحسب ر�أي ر�أي في تلك ال�أصول ،وبالجملة كيف لزوم بعض تلك ال�آراء فيها عن
بعض ،ومناسبتها للفروع ،حتى يقال مثلا كيف يكون الاستنباط على ر�أي الظاهرية وعلى ر�أي القائـلين بالقياس.
وبالجملة بحسب ر�أي ر�أي من ال�آراء المشهورة .وهذا الوجه هو ال�أنفع في هذه الصناعة .وبهذا النظر يكون هذا
الجنس من المعارف صناعة تامة وكلية وكافية في نظر الجميع من �أهل الاجتهاد" ص .37
- 6انظر تهافت التهافت تح موريس بويج ص.126
190
ال ُم َض َّمخ بقسمات ابن رشد الشخصية واستقلاله الفكري ،الذي يبرز في جميع كتاباته(((.
كتاب الضروري في �أصول الفقه نموذج للكتابة الرشدية التي تخترق كثيرا من �أجزاء
متنه ،مما يجعل للتعدد الرشدي وحدة منهجية واضحة.
-2-
بداية المجتـهد� ،أو الضروري في المعرفة الفقهية
فهم كتاب البداية بمعزل عن السياق العلمي الذي �أنتج فيه ابن رشد كتاباته الفلسفية
على الخصوص يجعل فهمه �أبعد عن الصواب� .إن الروح الفلسفية التي تخترق ما سمي
بالمختصرات والجوامع والتلاخيص ثاوية في كتاب البداية سواء خلال بعض معالم
المنهجية التي كتب بها وهي المنهجية الصناعية� ،أو من الروح التساؤلية التي يستهل بها
ابن رشد كثيرا من �أبواب الكتاب� ،أو من خلال هذه الروح القوية ،روح النظر والت�أمل
والتدبر ،وهي الروح التي جعلها ابن رشد في "فصل المقال" عصب التفكير الفلسفي.
لعل من �أسباب الروح الفلسفية التي تسكن البداية �أن ابن رشد كتب كتابه الفقهي في
خضم نشاطه الفلسفي ،و�أن نظره في هذا الكتاب رافقه بياض حياته وراجعه وهو في قمة
نشاطه الفلسفي .و�إن نظرة فاحصة لديباجة كتاب الحج توقفنا على روح فلسفية جديدة
لانجدها بارزة في ديباجات الكتب ال�أخرى بقوة مما يشي بت�أثير كبير للهاجس الفلسفي
الرشدي على كتابته الفقهية.
�ألف ابن رشد هذا الكتاب في ستينات القرن السادس الهجري"على جهة التذكرة
لنفسه" ،وراجعه في الثمانيات منه .وابن رشد في الستينات كان مهموما بما سمي
بالتلاخيص ،وهي شروح على المعنى هدفها رفع قلق العبارة الفلسفية وتحمل من سمات
الاختصار والجامع الكثير ،كما نلمس في"تلخيص كتاب العبارة" ،و"تلخيص كتاب
البرهان"على ال�أقل .و َه ُّم التلخيص في "بداية المجتهد" َه ٌّم جلي يتجلى في هذا الحرص
على تلخيص �آراء الفقهاء من جهة ،ورفع قلق العبارة الفقهية من جهة �أخرى.
- 1الاستقلال الفكري لابن رشد تبرزه هذه الكتب التي �ألفها ليتحرر بها من وصاية غيره؛ فتحرر من وصاية الفقهاء
بكتابه "بداية المجتهد" ،وتحرر من علماء الكلام بـ"بمناهج ال�أدلة" ،وتحرر من ال�أطباء بـ"الكليات في الطب"،
وتحرر من وصاية الغزالي بـ"مختصر �أصول الفقه" و"تهافت التهافت" ،وتحرر من وصاية الفلاسفة المسلمين
بالتلاخيص والشروح...
191
لعل أ�هم مظهر في الكتابة الفقهية الرشدية في "البداية" هو مظهر الاختصار ،وهو
المظهر الذي جعله ابن رشد علما على كتابه عندما سماه "مختصر" ،وهذا المظهر يقرب
كتابنا هذا من كتاب ذي نسب عريق بالفلسفة هو كتاب "الكليات في الطب".
لا تكاد الكتابة الرشدية في الكليات تخرج عن كتابته في "بداية المجتهد" ،فال َنفَس
العلمي الذي رافق ابن رشد وهو يكتب الكليات ،هو نفسه الذي الحاضر في كتابة
"بداية المجتهد" ،وبالتالي فنفس السمات ،ونفس ال�أهداف الكلية يتقاسمانها ،و�إن
كان ابن رشد في البداية �أكثر تصريحا بمقاصده .اهتم ابن رشد في "البداية" بالكليات،
فحرص على ذكر المسائل الفقهية المشهورة التي تجري مجرى ال�أمهات((( ،وال�أصول(((،
والقواعد((( ،وهي المسائل المجمع عليها والمشهورات المختلف فيها((( .وهذه ال�أحكام
المشهورة �أكثرها منطوق به �أو له تعلق بالمنطوق به((( .ولاينس ابن رشد ذكر المـشهور
الذي يستند �إلى صحابي �أو سماع((( .و�إذا شعر �أن المسائل كثيرة ف�إنه يذكر �أشهرها(((.
ومن ثم حرص ابن رشد على ال�إ حاطة بالقواعد الفقهية((( ،وال�أصول الكلية((( .بل �إنه
عندما يقارب المذهب المالكي ف�إنه يقاربه من خلال ما اشتهر فيه(.((1
�إن ابن رشد حريص على ما هو كاف في غرضه الذي قصد �إليه .من هنا نجد مفهوم
"الكفاية" حاضرا بشكل كبير في البداية ،فهو يتحدث عن القواعد الكافية( ،((1وعن
ال�أصول الكافية( ((1سيرا على منهجه في اختصار الضروري من المعرفة الفقهية التي لا
يكمل الفقيه والفقه �إلا بها .فليس غرض ابن رشد تجمي ُع المعرفة الفقهية بدون ضوابط،
- 1بداية المجتهد مرجع سابق الجزء ال�أول ص .349
- 2نم ص .403
- 3نم ص.448
- 4نم ص.518
- 5نم الجزء الثالث ص.193
- 6نم الجزء الثاني ص 483
- 7نم الجزء الرابع ص .513
- 8نم ص 527-وص .542
- 9نم ص .534
- 10نم الجزء الثاني ص.27
- 11نم ص 46وص .95
- 12نم ص 68وص.131
192
بل الهدف من البداية تحصيل ال�أصول الكلية المشهورة لا تفريع الفروع((( ،بل �إنه ينتقد
الفقهاء في زمانه الذين يظنون "�أن ال�أفقه فقط هو الذي حفظ مسائل �أكثر"(((.
وفي عرض ابن رشد هذه ال�أمور يتحرى القول الصناعي ل�أنه القول الجاري على
نظام((( .من هنا تقسيم مصنفه �إلى كتب ،وتقسيم الكتاب �إلى �أبواب كما نجد في كتاب
الطهارة� ،أو تقسيم الكتاب �إلى جمل ،والجملة �إلى مسائل �أو �إلى �أبواب ،وتقسيم الباب
�إلى فصول كما نجد في كتاب الصلاة ،وتجوزا في كتاب �أحكام الميت .و�أحيانا لا
يحرص ابن رشد على هذا التقسيم فيلج�أ �إلى تقسيم �آخر كما نجد في كتاب الزكاة .و�إذا
كان ابن رشد لم يراع تقسيما واحدا ،ف�إنه قد حرص في كل كتاب على تقديم ال�أصول
المحيطة بالعبادة التي يقف عليها.
تتجلى صناعية البداية في حرص ابن رشد على عدم تكرار ما سبق �أن تحدث عنه
و�إن كان السياق مختلفا((( ،وحرصه على ترك كل مس�ألة �إلى مكانها((( ،وحرصه ،عند
الوقوف عند كل مس�ألة من مسائل الفقه المشهورة ،على �أن يذكر المجمع عليه فيها
والمختلف فيها ،ويقف عند �أسباب الخلاف َف ُيفيض �أحيانا و ُيجمل �أحيانا ،ولكنه دائما
حريص على الضروري ،مما يبدو في تحريه الانتباه �إلى ما قد ُيستدرج له من قول ُيخرج
الكتاب عن صناعيته ،فتتردد في كتابه كثيرا عبارة" :وليس قصدنا[]...كما �أنه ليس
قصدنا[ .((("]...فالكتاب رغم جلالة قدره ،ليس �إلا مختصرا ،كما �أشار �إلى ذلك .لذا
نجده مثلا لا يتعرض لمسائل فصلت في المذهب المالكي ل�أن ذلك غير موافق لغرضه(((.
ويتحرى ما هو قانون عند المالكية((( ،و�إن كان يشكو من افتقار المذهب المالكي �إلى
قانون يجمع مسائله(((.
هذا الترتيب الصناعي لكتاب البداية يبدو �أن وراءه هاجس"التذكرة" الذي كان من
الدوافع ال�أساسية التي نهضت بابن رشد �إلى كتابة مصنفه هذا ،كما يصرح في مقدمة
- 1نم الجزء الرابع ص .521
- 2نم ج 5ص .69
- 3نم ص203
- 4نم ج 2ص .37وص .255
- 5نم الجزء الرابع ص 64وص.243
- 6نم ص .424
- 7نم الجزء الثالث ص 66
- 8نم ص.287
- 9نم الجزء الرابع ص .514
193
كتابه .وهاجس التذكرة يعول على الحفظ ،والترتيب الصناعي مساعد على ذلك ،خاصة
�إذا كان القول المرتب صناعيا مما تدعو الحاجة �إليه باستمرار ل�أجل الفتوى التي كان
يتصدر لها فيلسوف الفقهاء في مجلسه القضائي .لقد وضع ابن رشد كتابه ليبلغ به
المجتهد رتبة الاجتهاد �إذا حصل قدرا كافيا �أيضا من علم النحو واللغة وصناعة �أصول
الفقه((( .وبداية المجتهد يقدم جملة الدساتير والقوانين الفقهية الكلية الكافية التي يستطيع
الفقيه �أن يستنبط منها ال�أحكام التي تنصب على الوقائع وال�أحداث الجزئية التي عادة ما
لا تتناهى ،فيكون مجتهدا حيث يسود التقليد ،مبدعا حيث يسود الجمود ،وهو درس
من الدروس التي يريد ابن رشد �أن يقدمها لقارئ "البداية"(((.
كتاب البداية نقطة مضيئة في تاريخ الفقه المالكي يبرز قيمة الوعي بال�أشياء المختلفة،
وينقل الفقه �إلى مرحلة علمية متقدمة ب�إخضاعه الكتابة �إلى منهجية صناعية صارمة دائرة
حول الحقل الدلالي لمفهوم "الضروري" .لكن يبدو �أن جهدا رشديا كهذا لم يخلف �أثرا
كبيرا يذكر ،ل�أن فقه المسائل سيطغى على فقه السنة الذي دعت �إليه البداية.
-3-
مناهج ال�أدلة �أو الضروري في العقائد
كتب ابن رشد هذا الكتاب في الفقه ال�أكبر ،وقدم فيه ما اعتبره ضروريا في العقائد،
�أو بعبارته "العقائد الواجبة في الشرع والتي لا يتم ال�إ يمان �إلا بها"((( .فهو كتاب في
الضروري من المعرفة العقدية التي تنقل المسلم من كمال �إلى كمال .تنقله من حال
المسلم بالاشتراك �إلى �أن يكون مسلما بالحقيقة((( ،وقد سلك ابن رشد في ذلك نفس
المسلك الذي تتضح معالمه الكبرى في كثير من كتبه؛ فهو يكتبه بلغة الكليات حيث
- 1نم الجزء الخامس ص .69
- 2يقول ابن رشد " :ونحن نذكر من هذه المسائل ما اشتهر الخلاف فيه بين الفقهاء ،ليكون ما يحصل من ذلك
في نفس الفقيه كالقانون والدستور الذي يعمل عليه فيما لم يجد فيه نصا ممن تقدمه� ،أو فيما لم يقف على نص
فيه لغيره" البداية ج 5ص .36
- 3الكشف عن مناهج ال�أدلة ،ص134-133
- 4الكشف المرجع سابق ص 159
194
نجده يصرح ب�أن كتابه كتاب في �أصول الشريعة((( ،الغرض منه الفحص عن الظاهر من
العقائد((( .وقد حدد ابن رشد هذه العقائد في:
� -إثبات وجود الخالق على �أساس �أن �أول معرفة يجب على المكلف معرفتها معرفة
الطريق التي تؤدي �إلى معرفة الصانع ((( ،مؤكدا على طريقين :دليل العناية ودليل
الاختراع((( باعتبارهما طريقا الجمهور والخواص(((.
-وفي وحدانيته ،وذلك من �أجل نفي الشريك عنه ،مقدما "الدليل بالطبع والشرع
في معرفة الوحدانية" ((( .منتقدا دليل الممانعة الذي تتكلفه ال�أشعرية باعتباره غير برهاني
ولا شرعي(((.
-ومعرفة صفاته السبع ،وهي"ال�أوصاف التي صرح الكتاب العزيز بوصف الصانع
الموجد للعالم بها" وهي سبعة :العلم ،الحياة ،القدرة ،ال�إ رادة ،السمع ،البصر ،الكلام،
مؤكدا �أن "الذي ينبغي �أن يعلم الجمهور من �أمر هذه الصفات هو ما يصرح به الشرع
فقط وهو الاعتراف بوجودها دون تفصيل ال�أمر فيها هذا التفصيل"(((.
-وتنزيهه لنفي صفات المخلوق عن الخالق كالموت والنسيان والخط إ�((( .مؤسسا ذلك
على مبد�إ كلي هو �أن "الموجودات محفوظة لا يتخللها اختلال ولا فساد ولو كان الخالق
تدركه غفلة �أو خط�أ �أو نسيان �أو سهو لاختلت الموجودات"( .((1ويترتب على ذلك قول في
صفة الجسمية التي يرى ابن رشد �أن الواجب "في هذه الصفة �أن يجري فيها على منهاج
الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا �إثبات"( .((1وقول في الجهة مثبتا �أن ظواهر الشرع تقتضي
الجهة ،و�إن كان المعتزلة وال�أشاعرة قد نفياها في حين "�أن �إثبات الجهة واجب بالشرع
والعقل ،و�أنه الذي جاء به الشرع وانبنى عليه ،و�أن �إبطال هذه القاعدة �إبطال للشرائع"(.((1
- 1الكشف ص.184
- 2الكشف ص 132وص 185
- 3الكشف ص134
- 4المرجع السابق ص .150
- 5المرجع السابق ص .153
- 6الكشف ص.156
- 7المرجع السابق ص .157
- 8الكشف ص167
- 9الكشف ص169
- 10المرجع السابق ص .170
- 11الكشف ص171
- 12الكشف ص.178
195
وقول في الرؤية ،وهو قول مؤسس على القول في الجهة ،ف�إذا تم السكوت عن نفي
الجسمية ،وتم النظر �إلى الله تعالى على �أنه {نور السموات وال�أرض} انتفت الحيرة التي
�أوقعها المتكلمون بالشريعة في هذه المس�ألة((( ،والتقى الفلاسفة والجمهور في مس�ألة رؤية
الله ،و�إن كان للراسخين في العلم قول �أعمق في المس�ألة لا يجوز التصريح به(((.
ثم معرفة �أفعال الخالق والتي قسمها ابن رشد �إلى خمسة �أقوال :
قول في �إثبات خلق العالم ،ل�أن الشرع قصد من معرفة العالم معرفة �أنه مصنوع لله،
و�أنه مخترع له ،و�أنه لم يوجد صدفة .وطريق الشرع في �إثبات هو الطريق البسيط طريق
العناية((( ،الذي يحتفي به ابن رشد كثيرا(((.
وقول في بعث الرسل ،وابن رشد يؤكد �أن الرسل ظاهرة متواترة في التاريخ ،اقتضتها
العناية ال�إ لهية لسعادة الناس دنيا و�أخرى ،والدليل على وجودهم المعجزات الظاهرة من جهة
وهي من �أفعال الرسالة ،ثم �إتيانهم بالشرائع الكاملة ((( ،وابن رشد ،بهذين الدليلين يجمع
كعادته بين ما تقتضيه طبيعة الجمهور وما تشرف �إليه همة العلماء� ،أي الفلاسفة .فطريق
المعجزات الظاهرة� ،أو بعبارة ابن رشد ،طريق المعجز البراني هو طريق تصديق الجمهور،
�أما الطريق الثاني ،طريق المعجز ال�إ لهي المناسب فمشترك بين الجمهور والعلماء(((.
وقول في القضاء والقدر يعتبره ابن رشد "من �أعوص المسائل الشرعية" لتعارض �أدلة
السمع وحجج العقول حولها((( ،مقدما فيها ما يعتبره ظاهرا من مقصد الشرع((( من كون
ال�أشياء الموجودة عن �إرادتنا يتم وجودها بال�إ رادة ال�إ نسانية وال�أسباب الخارجية(((.
وقول في الجور والعدل ،والذي يعتبر قول ال�أشعرية فيه قولا "غريبا جدا في العقل
والشرع"( ،((1مقدما ما اعتبره الت�أويل الصحيح للمس�ألة حسب مقصد الشرع(.((1
- 1الكشف ص.186-185
- 2المرجع السابق ص .192-191
- 3الكشف ص193
- 4المرجع السابق .197
- 5الكشف ص 215
- 6المرجع السابق ص.222
- 7الكشف ص223
- 8المرجع السابق ص .226
- 9المرجع السابق ص .228
- 10المرجع السابق ص.234
- 11الكشف ص .339-336
196
وقول في المعاد ،وهو الذي "قامت البراهين على وجوده و�إنما اختلفت الشرائع[]...
في الحقيقة في المثالات التي مثلت بها للجمهور تلك الحال الغائبة((( ،عارضا ما يعتبره
ضروريا في هذه المس�ألة منتصرا للتمثيل الذي في شريعة ال�إ سلام ،ل�أنه "�أتم �إفهاما ل�أكثر
الناس و�أكثر تحريكا لنفوسهم �إلى ما هنالك"((( .
وابن رشد يعرض هذه المسائل الكلية في حرص كبير على ترتيبها ترتيبا صناعيا ظاهرا،
فصناعية الكتاب واضحة ،وبخاصة في تحديد الغرض من الكتاب وتحاشي كل ما لا
يصب في الغرض والقصد ،وفي ترتيب مسائل الكتاب ترتيبا منهجيا يفضي بعضها �إلى
البعض ،مع الحرص على رفع قلقها الذي �أضفاه المتكلمون على هذه العقائد بوضعهم
طرقا معتاصة في السلوك �إليها((( ،وهي طرق غير صالحة لا للعلماء ولا للجمهور(((،
و�إثارتهم شكوكا عويصة في قضاياها((( بما بثوه من ت�أويل مخالف لما قصده الشارع،
فسلك ابن رشد في هذا الكتاب نفس المسلك الذي سلكه في كتابة تلاخيصه التي جعل
غرضه من كتابتها "رفع قلق العبارة الفلسفية" ،حيث نجده هنا حريصا كذلك على رفع
قلق العبارة ال َعقَدية ،كما كان حريصا في "البداية" على رفع قلق العبارة الفقهية.
يرتبط مفهوم الكلي ،الذي عبر عنه ابن رشد بال�أصول ،بمفهوم الضروري ،حيث
نجده في الكشف يحصر �أهم ال�أغراض المتعلقة بالشرع((( في ال�أصول الكلية التي
يقصدها؛ فيحصيها مثلا في ال�آيات الضرورية التي يراها كافية في فهم وجود الصانع(((.
كما يحصر الضروري في معرفة الصفات السبع التي تتصف بها الذات ال�إ لهية((( ،لينتقل
بعد ذلك �إلى �إثبات تنزيه الذات ال�إ لهية ،فيقول في صفة الجسمية ،وفي الجهة ،وفي
مس�ألة الرؤية مقدما في ذلك ما اعتبره "عقائد الشرع ال�أول في التنزيه والمقدار" ،الضروري
الذي سلكه الشرع في تعليم الجمهور ذلك(((.
- 1الكشف ص240
- 2المرجع السابق ص 244
- 3الكشف ص135
- 4الكشف ص137
- 5الكشف ص 139-137
- 6الكشف ص251
- 7الكشف ص152
- 8الكشف ص165-161
- 9الكشف ص.191
197
�إن الضروري مرتبط بمفهوم الكافي ،وهو مفهوم يعادل مفهوما �آخر في الكشف وهو
مفهوم "الق ْدر" ،وهو ما يؤكده في القدر المعرفي ،في هذه المسائل العقدية الكبرى ،التي
"به تحصل السعادة المشتركة للجميع بدون زيادة ولا نقصان"((( .وكما يقول في موضع
�آخر� :إن صاحب الشرع يعرف الجمهور من ال�أمور مقدار ما تحصل لهم به سعادتهم(((،
وهذا القدر �أو المقدار هو الكافي بنوعيه سواء كان الكافي بحسب الغرض� ،أو ما يترجمه
مفهوم المقصد الذي يتردد كثيرا في هذا الكتاب �إلى الحد الذي يمكن القول معه �إن
كتاب الكشف كتاب في"مقاصد العقيدة"(((� .أو كافيا بحسب الحق في نفسه بحيث
لا يسقط منه ما يشكل �أساس النظر العقدي عند المسلم بالحقيقة .بل �إنه يجمع بين
القدر والكافي في عبارة واحدة بحيث يتحدث عن "القدر الكافي"((( ،ليتضافر الكافي
بحسب الغرض ،والكافي بحسب الحق((( في جعل كتاب الكشف كتابا في "الكافي
في العقائد" ،على غرار الكافي في الفقه عند ابن عبد البر .ومفهوم الكافي في المعرفة
العقدية ،بمعناه ال�أول على ال�أقل ،يفتح على مفهوم التمام �إذ �إن"معرفة الغاية المقصودة
بموجود ما والسبب الذي من �أجله خلق يوقف بالتمام على دليل العناية"� .إن الكتاب
يقدم الكافي ،ولكن ينفتح على مفهوم التمام لمن �أراد من العلماء �أن يدرك الصنعة �إدراكا
عميقا لمعرفة الصانع معرفة �أتم ،كما قال في "فصل المقال".
�إن لجوء ابن رشد �إلى �آيات القر�آن الكريم من �أجل الحجاج عن �أطروحاته ،هو لجوء
الخ ْطـبـي
�إلى المشهورات في المجتمع ال�إ سلامي ،ل�أن قصده ال�إ قناع ،وهو ما يبرز القصد َ
- 1الكشف ص.168
- 2تهافت التهافت ص.429
- 3يتردد مفهوم المقصد بشكل ملفت للنظر في كتاب الكشف وهو في صفحتين مثلا يتردد ثمان مرات مما يدل
على �أن هاجس ابن رشد المقاصدي في الكشف كان قويا .ومن �أقواله في هذا الصدد :
-الاطلاع على مقصد رسالة محمد �إلى الناس شرط العلم (ص.)99
-تحري مقصد الشريعة الشارع صلى الله عليه وسلم من العقائد التي قصد الشارع حمل الجمهور عليها..
(ص.)99
-العدول عن مقصد الشارع صلى اللع عليه وسلم(...ص.)100
-الضلال عن فهم مقصد الشريعة( ...ص)100
-الحشوية فرقة ضالة مقصرة عن مقصود الشرع (ص.)102
-لو كانت الطريقة الصوفية مقصودة بالناس لبطلت طريقة النظر (..ص.)117
-القصد من معرفة منافع جميع الموجودات معرفة الله معرفة تامة(..ص)119
- 4تكفير الفرق بعضها بعضا جهل بمقصد الشرع (ص.)251
-الكشف ص239
- 5الكشف ص 222وص 239
198
من الكتاب مع نفحة جدلية بارزة ،ويؤكدها في �أدلة يعرضها بطابعها ال�إ قناعي((( ،متحاشيا
ما هو خاص عند �إثبات �أطروحاته .ذلك �أن خطابه موجه للجمهور((( ،وهم الذين لم
يبلغوا مرتبة الجدل((( ولم يتمرسوا بالبرهان((( ،و�إن كان ينبه �إلى كثير من مقدمات ال�آراء
الفلسفية دون �أن يخوض فيها خوضه في كتبه الفلسفية ،وك�أن ما يحذوه في الكشف
حذو التعليم الشرعي ،فالشرع ضرب للجمهور المثالات لمزيد فهم و�إقناع ،ون ّبه الفلاسفة
على المعاني الدقيقة لمزيد فحص وت�أمل(((.
يؤمن ابن رشد بـ "التّعليم الشرعي" لشهرته� ،أو بعبارته ل�أنه "نافع لل�أكثر"((( ،لذا يفزع
�إلى القر�آن يستقرئ �آياته((( بحثا عما يعتبره طرقا شرعية تجمع وصفين؛ اليقين والبساطة
�أي تقل فيها المقدمات((( ،ومن ثم يعرض الفرق الكلامية المختلفة على ظاهر الشرع
ويحاكمها على ضوء ذلك((( ليبين تنكبها عن مقصد الشرع منهجا ومضمونا؛ حيث يتميز
منهجهم بالعواصة ،ومضمون قولهم بكثرة التشكيك ،واصما �إياهم بوصمتين شرعيتين
على ال�أقل؛ وصمة "البدعة"(،((1ل�أنهم �أحدثوا في الشرع ما ليس فيه كقولهم بنفي
الجهة( .((1ووصمة "الزيغ" ل�أنهم لم يتبعوا ظواهر الشرع ولم يلحقوا بمرتبة �أهل اليقين(.((1
�إن كتاب "الكشف" هو كتاب في الضروري؛ في الكلي -ال�أشهر -وفي الكافي .وهو
ما لمسناه في "مختصر المستصفى" و"البداية" ،وما سنلمسه في بعض من كتابات ابن رشد
الفلسفية ،مما يبرز �أن الكتابة العلمية عند ابن رشد كانت كتابة واحدة تخضع لمنطق واحد.
- 1يقول ابن رشد ":الطرق الشرعية مقنعة �أي �أن التصديق لها �أكثر" ص173
- 2الكشف ص183
- 3الكشف ص162
- 4الكشف ص167
- 5الكشف ص 191 - 190
- 6الكشف ص.179
-* 7الكشف ص150
- 8الكشف ص148
- 9يقول ابن رشد :
" -فهذه حال الحشوية مع ظاهر الشرع"ص .135
-طريق ال�أشعرية "ليست هي الطرق الشرعية التي نبه الله عليها" ص .135
-طرق ال�أشعرية المشهورة في السلوك �إلى معرفة الله تعالى ليست ...طرقا شرعية "..ص.148
-طرق الصوفية ليست طرقا شرعية ل�أن القر�آن كله دعاء للنظر ص.149
- 10فيتحدث عن "البـدع الحادثة في الاسلام" ص 174وص،182والفرق الحادثة في ال�إ سلام التي يصم موقفها من
الجسمية بالبدعة ص،175
- 11الكشف ص.189
- 12الكشف ص.207
199
-4-
مختصر كتاب النفس �أو الضروري في السيكلوجيا
يعتبر هذا الكتاب من الكتب التي نهج فيها ابن رشد نفس النهج في الكتابة
"الضرورية" .فقد قدم فيه "ال�أقاويل الكلية من علم النفس حسب ما جرت به عادة
المشائين"((( .يسمي ابن رشد كتابه هذا "المختصر"((( مجردا فيه من ال�أقاويل الضرورية
ما اعتبره منها كافيا في حصول الكمال ال�إ نساني ،حاذفا منه ال�آراء التي تعد شكوكا على
�أقاويل �أرسطو ،ل�أن معرفة هذه ال�آراء "غير ضرورية في حصول الكمال ال�إ نساني"(((.
ال�أمر الذي يجعل الكتاب يجمع بين بنية الجوامع والمختصر .ذلك �أن هذا الكتاب
السيكولوجي ينظر في كتاب النفس ال�أرسطي ،وينظر في التراث النفسي المشائي �أيضا(((.
بل �إن دراسة مت�أنية لل�إ شكالات التي يطرحها هذا المختصر تؤدي �إلى ملاحظة قوامها �أن
هويته وهوية "تلخيص كتاب النفس" تكاد تكون واحدة �أو متقاربة((( ،مما يدعم �أن ابن
رشد لم يكن يجد غضاضة في الكتابة المتنوعة� ،إذا اقتضى المقام ذلك ،كما هو الحال
في القضايا الخطيرة التي يعالجها كتاب النفس.
فقول ابن رشد في المسائل النفسية في المختصر هو "بحسب ال�أمر الضروري[]...
وهو الضروري في الكمال ال�إ نساني الذي به تحصل �أول مراتب ال�إ نسان"((( .وهو ال�أمر
الذي تؤديه �أيضا بعض كتب "الجوامع" و"التلاخيص" التي اتخذت "القول الجملي"جسرا
للكتابة خاصة� .إذ �إن القول المختصر �أو ما يسميه في موضع �آخر "القول الكلي" يقابل
"القول ال�أبسط" ،وهو ما يسميه في موضع غيره القول على جهة "الاستقصاء"((( ،ف�إذا
كان القول ال�أول يكون على جهة الضروري ،ف�إن الثاني يكون على جهة ال�أفضل((( .وهذا
القول ال�أبسط هو الذي لج�أ �إليه ابن رشد في الشروح التي قدم في كثير منها مساهماته
- 1تح ال�أهواني ص 101
- 2تح ال�أهواني ص.87
- 3تلخيص كتاب النفس ص16
- 4انظر جمال الدين العلوي ،تطور �إشكالية العقل عند ابن رشد ،من النظر الفليلولوجي �إلى النظر الفلسفي ،مرجع
سابق ص .1129
- 5المرجع السابق ص1140
- 6تلخيص كتاب النفس .44
- 7تلخيص كتاب النفس تح عبري ص66
- 8تلخيص كتاب النفس ص.87
200
ال�أصيلة في الفلسفة ،مثل ما صنع في "شرح كتاب النفس" الذي قدم فيه ت�أويله الخاص
لعلاقة العقل الهيولي ،باعتباره �أزليا واحدا بالنسبة للنوع ال�إ نساني ،وهو الت�أويل الذي اشتهر
به عند اللاتين(((.
-5-
الضروري في المنطق
قبل �أن يتوغل ابن رشد في مغامراته المنطقية ،كما �أفصحت عنها تلاخيصه ،وشرحه
الكبير لكتاب البرهان ،قدم مختصرا صغيرا جمع فيه �أجزاء المنطق بنظر كلي -صناعي
حيث �ألف كتابه الموسوم "الضروري في المنطق" ،ج ّرد فيه "ال�أقاويل الضرورية من
صناعة المنطق" ،معتبرا �إياها "المقدار ...الضروري �أكثر ذلك في تعلم الصنائع التي
كملت على نحو ما عليه في زماننا هذا �أكثر الصنائع" ،كما يقول(((� .أما �إذا اضطر ابن
رشد �إلى �أن يورد بعض ال�أقاويل المنطقية التي يعتبرها "على جهة ال�أفضل" ،مثل حديثه
عن "ال�أشياء التي تلتئم منها ال�أقاويل المنطقية وتعمل" ،ف�إن القصد من ذلك �إما تنشيط
المتعلم� ،إذ تكون "كالمدخل لمن وجد في نفسه نشاطا وفراغا و�أحب �أن يستوفي �أجزاء
الصناعة"((( فيما بعد ،ل�أن "طلب ال�أفضل" كان في الزمان الذي كتب فيه ابن رشد
جوامعه الصغار ،كما كان يحب تسمية مختصراته" ،يكاد يكون ممتنعا"((( .و�إما شعوره
بنفعها فيما هو بصدده كحديثه عن " المقولات العشر"(((.
لكن ابن رشد� ،إذ يعرض كليات صناعة المنطق في مختصره ،يفعل ذلك على عادة
المناطقة((( ،فهو في هذا الضروري المنطقي يلج�أ �إلى ال�أشهر((( كعادته في كثير من
الكتب ،على عكس ما صنع في "الضروري في النحو" الذي �أبدع فيه �إبداعا .ولاضروري
بدون كلي ،وهو ما دفع ابن رشد �إلى القول �إن معرفة الشكل الثالث هو على جهة التحرير
� - 1أنظر جمال الدين العلوي ،تطور �إشكالية العقل عند ابن رشد ،من النظر الفليلولوجي �إلى النظر الفلسفي ،مرجع
سابق ص .1150
- 2الضروري في المنطق ،بعناية شارل بوتروت ص 2نسخة غير منشورة.
- 3الضروري في المنطق ،ص 3 2-وص.107
- 4الضروري في المنطق ،ص3-2
- 5الضروري في المنطق ص 20وص.23
- 6الضروري في المنطق ،ص 17وص .54
- 7الضروري في المنطق ،ص132
201
وليس على جهة الضروري ل�أن هذا الشكل "ليس يستعمل شيئا من ضروبه في ال�أقاويل
العلمية �إذ كانت نتائجه جزئية" ،في حين �أن "نتائج البرهان كلية" .لكنه مع ذلك يلج�أ
فقط "�إلى الضروب المنتجة على ال�إ طلاق من غير �أن نلحظ في جهة �أصلا"((( ،منسجما
مع نظره الكلي.
من �أهم المواضع التي يبدو فيها �إحساس ابن رشد بالكلي الموضع الذي يتحدث عن
الجنس الرابع من �أجناس المتقابلات وهو المضافان ،فابن رشد يسكت عنه في مختصره ولا
يذكره ،ويعلل ذلك بقلة وجوده ،ولكن �أهم تعليل في نظرنا هو اعتبار "حكمه حكم الملكة
والعدم ومعرفته منطوية بالقوة في معرفتهما"((( ،فالنظر �إلى المضاف �إذن نظر جزئي منطو
تحت الكلي من القول في الملكة العدم ال�أمر الذي يبرز �أن ال�أعم ينطوي فيه دائما ال�أخص(((.
يدل الحرص على الكليات ،عناية ابن رشد بالقوانين في هذا المدخل المنطقي(((،
وبال�أصول الكلية الموضوعة في الصنائع البرهانية التي بها يبلغ الكمال في صناعة
المنطق((( ،مميزا بين القوانين التي تعتبر ضرورية في الكمال مثل القوانين التي تستعمل
في صناعة البرهان ،والقوانين غير الضرورية مثل المقاييس الخطبية والشعرية� .أما القوانين
الجدلية ف�إن"الضرورة �إليها عند الفحص في الصنائع التي لم تكمل بعد� ،أما �إذا كملت
فلا ،بل �إن كان ولابد فمن جهة ال�أفضل(((.
هذا الحرص على الكليات المنطقية رهين بتقديم ما هو كاف في صناعة المنطق،
ومفهوم "الكافي" الذي يرافق مفهوم "المقدار" يلحم �أجزاء هذه الكليات ،فابن رشد في
حديثه عن المعرفة الموطئة للتصديق يقدم مقدارا محددا من القول "بحسب غرضه في
ال�إ يجاز ،وهو كاف" ،كما يقول((( .وهو ما يشير �إليه في موضع �آخر حين يقدم مقدارا في
المعرفة المنطقية بـ "المواضع" يعتبره كافيا بحسب الغرض الذي يؤمه في هذا الكتاب(((،
وهو في ذلك يؤم الكلي الذي يعبر عنه ابن رشد من خلال مفاهيم "القانون" و"ال�أصول"،
وكذلك مفهوم "جميع"؛ فابن رشد يقول في"جميع �أصناف المقاييس المستعملة في
- 1الضروري في المنطق ص.79
- 2الضروري في المنطق ،ص.51
- 3الضروري في المنطق ،ص85
- 4الضروري في المنطق ،ص.107
- 5الضروري في المنطق ص 107
- 6الضروري في المنطق ،ص108
- 7الضروري في المنطق ،ص.52
- 8الضروري في المنطق ،ص.145
202
البراهين الواقعة في الشكل ال�أول"((( ،كما يذكر "جميع �أصناف المقاييس الحملية"(((،
ولا يمكن القول في "جميع" �إلا �إذا كان َح ْصراً و�إِحاط ًة ،وهو ما يقدمه الكلي من القول.
�إن "الضروري في المنطق" كتاب ينسجم مع الكتابة الرشدية فيما هو ضروري في
الكمال ال�إ نساني ،وقد نسجه بمفاهيم ر�أينا �أنها تشكل ِملاك كثير من متنه العلمي.
-6-
الضروري في النحو
يعتبر النحو عند ابن رشد ضروريا في " فهم كتاب الله تعالى وفهم سنة نبيه صلى الله
عليه وسلم" بل "وفهم جميع العلوم التي تتعلم بقول :العلمية والعملية"((( .من هنا ضرورته
في فهم �أسباب الاختلاف الفقهي والتي تهيء لاجتهاد المجتهد كما عبر عن ذلك ابن
رشد في كتابه "بداية المجتهد" كما نلمس في ثنايا مختصر المستصفى .فالنحو ضروري
في فهم دلالات ال�ألفاظ ومقاصد الشرع ،وهو ما جعل ابن رشد ينظر �إليه ك�آلة ضرورية
في فهم العلوم جميعها� ،إذ هو عنده من "�أجناس العلوم التي تراد لغيرها لا لنفسها[]..
َو[]...هي مسددة للذهن في ال�ألفاظ �أولا وفي المعاني ثانيا"(((.
�ألف ابن رشد في هذه الصناعة كتابه "الضروري في النحو" وقصد من كتابته �أن
يذكر "من علم النحو ما هو كالضروري ،لمن �أراد �أن يتكلم على عادة العرب في
كلامهم ،ويتحرى في ذلك ما هو �أقرب �إلى ال�أمر الصناعي ،و�أسهل تعليما و�أشد تحصيلا
للمعاني"حريصا على التمييز بين ما هو ضروري من "ال�أمور الضرورية في كل مخاطبة
ومشتركة لجميع ال�ألسنة" ،وما هو "فضل غير ضروري لعدم تعلق ال�إ عراب به"كما
يقول (((.وهو ما يبرزه في الضروري في المنطق عند حديثه عن باب ال�أخبار في صناعة
النحو مؤكدا "�أن مثل هذا ضروري من صناعة النحو لل�أمة التي يخصها هذا اللسان
- 1الضروري في المنطق ،ص.71
- 2الضروري في المنطق ص.82
- 3ابن رشد ،الضروري في النحو ،تحقيق ودراسة منصور علي عبد السميع ،دار الفكر العربي الطبعة ال�أولى 2002
ص4
- 4المصدر نفسه ،ص 5
- 5قال الصفدي ،قال الخليل بن �أحمد " :لا يصل �أحد من النحو �إلى ما يحتاج �إليه �إلا بعد معرفة ما لا يحتاج
�إليه" ،الوافي بالوفيات ،باعتناء س.ديدرينغ دار فرانز شتايز بفسبادن ط ،2ج 1974 ،1ص6
203
وكذلك ل�أمة �أمة بحسب لسانها" ،منبها �إلى احتواء صناعة النحو على ما هو "ضروري
في فهم المعاني []...كرفع الفاعل في لسان العرب ،ونصب المفعول في لسان العرب.
والقسم ال�آخر غير ضروري في هذه الصناعة كنصب خبر كان ،ونصب اسم �أن ،ولذلك
ليس نجد �أكثر هذا القسم بالمتفق عليه عند جميع العرب"(((.
كتب �أبو الوليد كتابه على غرار كتبه السابقة بمنهجية تكاد تكون واحدة ،فكتب
على المجرى الصناعي" :وينبغي �أن نستفتح القول في ذلك بال�أشياء التي جرت العادة �أن
نستفتح بها كل صناعة ،يرام تعلمها على المجرى الصناعي ،ف�إن الاستفتاح بها نافع في
التعلم ،وهو �أن يخبر �أولا ما غرض هذه الصناعة؟ وثانيا ما منفعتها؟ ،وثالثا ما �أقسامها؟
ورابعا النحو المستعمل في تحصيلها والطرق المسلوكة في �إثبات ما وضع فيها �أعني
�أنحاء الدلائل المستعملة فيها ،ف�إن لكل صناعة تدريبا يخصها في تعلمها ،و�أنحاء من
الدلائل خاصة بتلك الصناعة .وخامسا مرتبتها من العلوم في التعلم ،وسادسا نسبتها من
سائر العلوم� ،أعني �أي جنس من �أجناس العلوم تعد؟ وسابعا :ما يدل عليه اسمها .وثامنا
معرفة من وضعها"[.ص]3
توسل ابن رشد بهذا الترتيب الصناعي في عرض ما �أسماه "كليات صناعة النحو"،
وتشديده على مفهوم الكليات يؤكد الارتباط الشديد بين ما هو صناعي وما هو كلي
وهو ما يؤكده في قوله " :ف�إن الصناعة هي التي تحيط ب�أمور كلية يصل بها ال�إ نسان �إلى
الغرض المطلوب بتلك الصناعة ،ومعرفة تلك الكليات تكون �أتم �إذا عرفت ب�أسبابها ،ولما
كان هذا مطلوبا بالطبع من �أمر الصناعات �أعني تعريف الكليات التي هي �أجزاؤها ب�أسبابها
صار النحاة يتكفلون من �إعطاء �أسباب الكليات التي يضعونها في هذه الصناعة فوق ما
تحتمله الصناعة .و�إذا تقرر هذا فظاهر هذه الصناعة �أن تعطي الكليات والقوانين ب�أسبابها
التي يقدر بها ال�إ نسان �أن ينطق ب�أشكال ال�ألفاظ التي جرت عادة �أهل ذلك اللسان �أن
ينطقوا بها� ،إما لسان العرب و�إما غيره من ال�ألسنة ،و�أعني بالكليات والقوانين �أقاويل عامة
تعرف بها جزئيات كثيرة"(((.
�إن الخوض في الجزئيات التي لا يتناهى القول فيها خصم للقول الصناعي ولا
ينسجم معه البتة .وما يعضد هذا ال�أمر هذه المطابقة عند ابن رشد بين مفهومي
"القوانين"و"الكليات" كما لمسنا في نصه السابق .وهذه المطابقة يمكن �أن تفسر ب�أن
القوانين هي حاملة الكليات ،والميسرة لفهمها والانطلاق منها �إلى جزئياتها .يقول ابن
- 1الضروري في المنطق ،بعناية شارل بوتروت نسخة غير منشورة ص .105
- 2المصدر نفسه ،ص . 4 3
204
رشد " :فهذه القوانين...الوقوف عليها ..من �أنفع ال�أشياء لمن �أراد �أن يستوفي �أجزاء هذه
الصناعة �أو المستعمل منها في ال�أكثر ،وخاصة ال�أولاد ف�إنهم ي�أخذون بحفظ هذه القوانين
�أولا ،ثم �إذا صاروا �إلى الفهم� ،أخذوا بفهم �أسباب هذه القوانين ،ووجه انقسام الكلام
�إليها وانحصاره فيها ،ثم بتفصيل ما في قانون منها ،حتى يستوفوا معرفة جميع الجزئيات
المنحصرة في هذه القوانين".
يقود هذا المنهج في المعرفة �إلى "التمام"� ،إذ بها "تتم الصناعة بسهولة وتحصيل تام
في زمان يسير" .في موضع �آخر من الكتاب يشدد على �أن المعرفة التامة بال�إ عراب "�إنما
تكون بمعرفة صورته ومادته والسبب الموجود لكون الصورة في المادة" ناصحا "من �أزمع
ال�إ عراب معرفة تامة �أن يعرفه من قبل الجمل الواقعة فيه ."..كما �أنه يقود �إلى "الكفاية"
�إذ �أن من اقتصر على هذه القوانين"كفاه كثيرا من تشغيب وتفنن القوانين ،التي رام النحاة
�أن يحصروا من قبلها هذا الجزء من الصناعة" ،ويؤكد ابن رشد على مفهوم كفاية القوانين
هذا بالمعنى عندما يقول .." :ومن وقف على هذه القوانين ،وفهم انحصار الكلام فيها
وكان من �أهل صناعة النحو� ،أمكنه �أن ي�أتي بتفاصيلها من كتب النحاة و�أن يحصر ما
افترق من كتبهم" ،وابن رشد في ذلك يعيد ترتيب صناعة النحو ترتيبا جديدا يحصر
معانيه الكبرى مما يجعله "�أدخل في ال�أمر الصناعي و�أضبط في باب المعاني مما جرت
به عادة النحاة في ذلك".
بيد �أن النظر في الضروري في النحو هو �أن ابن رشد ،على غير عادته ،لا يتوخى
ال�أقاويل المشهورة في النحو بل يصب جام نقده عليها ويعتبرها ،على غير عادته ،من
معوقات النظر العلمي ويعزو �إليها ما ستلقاه محاولته في التقديم الصناعي للنحو من معارضة
من طرف نحاة ال�أندلس فيقول " :لكن ربما عابه قوم ،لمفارقته المعتاد ،و�أنكروه لما في
طبيعة ال�أقاويل المشهورة من الاستعباد" معتبرا �أن رتبة العوام تشهد على غلبة المشهور
عندهم على المعقول .ولعل مرد ذلك �أن �أبا الوليد اتخذ في الضروري في النحو موقفا
�أكثر جر�أة من مواقفه من الصنائع التي يعتبرها قد كملت في عصره باعتبار �أن هذه الصناعة
لاتزال تعاني من المفعول التجميدي لسلطة عوام النحويين ولم تبلغ بعد كمالها(((.
- 1لعل ما خطه ابن رشد في الضروري في النحو ينسجم مع المنهج الذي عبر عنه الجاحظ ،في رسالة التجارة حيث
يقول " :و�أما النحو فلا تشغل قلب ولدك منه �إلا بقدر ما يؤديه �إلى السلامة من فاحش اللحن في كتاب كتبه �أو
شعر �أنشده� ،أو شيء وصفه ،وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو �أولى به ومذهلة عما هو �أنفع منه...و�إنما يرغب
في بلوغ غايته من لا يحتاج �إلى تعرف مسببات ال�أمور ومن ليس له حظ غيره ،ولا معاش سواه ،وعويص النحو لا
يجدي في المعاملات ولا يضطر �إلى شيءمنه " ذكره الحجوي في الفكر السامي ج 1دار التراث القاهرة -المكتبة
العلمية بالمدينة المنورة ط1396هـ ص328
205
لعل هذا الموقف الرشدي يجعل "كتاب الضروري في النحو" �أكثر المختصرات
الرشدية �إلى الاختراع منها �إلى الاختصار ،فكثرة التدخلات الرشدية والمواقف الخاصة
التي عبر عنها مخالفا بذلك التقليد النحوي الاسلامي تضيف جرعة قرية ل�أصالة ابن رشد
عنها في كتابه "مختصر المستصفى" الذي يمكن اعتباره هامشا طريفا على كتاب �أبي
حامد ،وكتاب الضروري في المنطق والذي يمكن اعتباره هامشا يكاد يكون مكرورا
للمتن المنطقي الفارابي...
***
و�أخيرا ،ف�إن ما فعله ابن عبد البر والباجي بالموط�إ ،وما فعله ابن رشد ال�أكبر بالمدونة
على الخصوص ،وما فعله المفسرون بالكتاب العزيز هو نفسه ما فعله ابن رشد بالمتن
ال�أرسطي وكثير من �أجزاء متنه العلمي� .إن ما تغير هو المتن �أما المقاربة فتكاد تكون
واحدة.
�أخضع ابن رشد ت�آليفه ،من الضروري �إلى الشروح �إلى المقالات الموضوعة ،لمنطق
واحد في الكتابة فجمع بذلك بين �أكثر من مقاربة ل�أن غرضه هو ال�إ سهام في �أن يترفع
ال�إ نسان على الاقتصار في وجوده على ما هو ضروري ليجري �إلى غاية يكون بها �أفضل،
مؤكدا "�أن الناس �إذا حصل لهم الضروري نزعوا �إلى ما يشتهونه"((( .ولما كان الجزء
النظري في ال�إ نسان يوجد على جهة ال�أفضل وليس على جهة الضرورة ،وكان هذا الجزء
�أفضل وجود له((( ،ف�إن ابن رشد سيضرب �إلى ما يعتبره ضروريا في هذا الوجود ال�أفضل
لل�إ نسان وهو الكمال ال�إ نساني ،محرضا على بلوغه ،مقدما مادة علمية متـنوعة لهذا
ال�إ نسان ليبلغ بها �أولى مراتب كماله قبل �أن يتدرج في رحلة علمية محفوفة بالمغامرات
للوصول �إلى الكمال ال�أخير؛ الكمال ال�أقصى ،وهو الكمال الذي يجد مقدماته النظرية
الطبيعية في الفلسفة والطب قبل �أن يجد نهايته في النتائج الميتافيزيقية التي تشرع �أمام
الفلاسفة باب الاتصال الفلسفي(((.
- 1مقالة ال�ألف الصغري ،من تفسير ما بعد الطبيعة ،مرجع سابق ص ،47
- 2مقالة ال�ألف الصغرى ،المرجع السابق ،ص43
- 3لا يمكن �أن يكون من قبيل الصدفة كثرة استشهادات ابن رشد بموقف �إبراهيم عليه السلام من ال�أفلاك كما
عرضها القر�آن الكريم في قوله تعالى { :وكذلك نري �إبراهيم ملكوت السموات وال�أرض وليكون من الموقنين}..
ال�آية 76من سورة ال�أنعام ،التهافت ص .416ولاشك �أن الحفيد كان يرى في الخليل عليه السلام نموذجا للنبي
الذي شغله الت�أمل الفكري و�أه َّمه البحث النظري حتى كان نموذجا لمن رجح ميزان "شريعة الحكماء" على
"الشريعة المشتركة" لكن دون �أن يضيع هذه ال�أخيرة ،وفعلا فقدكان �إبراهيم عليه السلام لا يرضى بغير اليقين ملاذا
و�إن ج َّر�أه ذلك على التسلح ب "الشك المنهجي" كما تجلى في نظره الخاص والمتميز في ال�أجرام السماوية،
و�أكثر من ذلك كما تجلى في طلبه من ربه �أن يريه كيف يحي الموتى [سورة البقرة ال�آية ]259طلبا لمعرفة ،يقينية
ومط ْم ِئنة ،مؤسسة على مزيد وضوح وبرهان...
209
الئحة المصادر والمراجع
مصادر فلسفية
ابن طفيل،
-حي بن يقظان ،مخطوط البودليان ب�أكسفورد .رقم .133
�أرسطو،
-ال�أخلاق ،ترجمة �إسحاق بن حنين ،تح عبد الرحمن بدوي ،وكالة المطبوعات
الكويت ،ط.1979 ،1
-في السياسة ،،نقله من ال�أصل اليوناني �إلى العربية وقدم له وعلق عليه ال�أب �أوغسطينس
برباره البولسي الطبعة الثانية اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع 1980
�أفلاطون،
-جمهورية �أفلاطون ترجمة د .فؤاد زكرياء ،المؤسسة المصرية العامة للت�أليف والنشر،
-فيدون ترجمة سامي النشار وعباس الشربيني دار المعارف بمصر
ابن باجة،
-تدبير المتوحد ،تح معن زيادة دار الفكر الاسلامي ،دار الفكر ط1978 1
-تعاليق ابن باجة على البرهان" تح ماجد فخري ،دار المشرق بيروت 1987
" -ومن كلامه ما بعث به ل�أبي جعفر بن حسداي" ضمن رسائل فلسفية ل�أبي بكر بن
باجة ،نصوص فلسفية غير منشورة تح جمال الدين العلوي ،دار الثقافة بيروت ،دار
النشر المغربية ،البيضاء المغرب .1983
ابن حزم� ،أبو محمد
-التقريب لحد المنطق والمدخل �إليه بال�ألفاظ العامية وال�أمثلة الفقهية " ضمن رسائل ابن
حزم تح �إحسان عباس الجزء الرابع المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط.1983 1
210
-رسالة في مراتب العلوم ،ضمن رسائل ابن حزم ال�أندلسي تح �إحسان عباس ج4
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1983 1
ابن رشد�،أبو الوليد
-السماع الطبيعي ،ضمن سلسلة "رسائل ابن رشد الفلسفية" تقديم وضبط وتعليق د.
رفيق العجم ود .جيرار جيهامي .دار الفكر اللبناني بيروت ط1994 1
-السماع الطبيعي ،تح .جوزيف بويج ،المعهد ال�إ سباني للثقافة -المجلس ال�أعلى
للبحوث العلمية مدريد 1983
-تلخيص كتاب النفس تح د�.أحمد فؤاد ال�أهواني مكتبة النهضة المصرية ط.1950 ،1
-تلخيص ال�آثار العلوية ،تح جمال الدين العلوي ،دار الغرب الاسلامي ،ط1994 ،1
-الكشف عن مناهج ال�أدلة في عقائد الملة ،تح مصطفى حنفي ب�إشراف ال�أستاذ
الجابري ،مركز دراسات الوحدة العربية.
-مناهج ال�أدلة في عقائد الملة تح د .محمود قاسم مكتبة ال�أنجلو مصرية ط1964 ،2
-فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ،تح محمد عبد الواحد
العسري� ،إشراف د .محمد عابد الجابري ضمن سلسلة التراث الفلسفي العربي،
مركز دراسات الوحدة العربية ط1997 1
-فصل المقال نشرة �ألبير نصري نادر ط 3دار المشرق بيروت .1973
ــ الضروري في النحو ،تحقيق ودراسة منصور علي عبد السميع ،دار الفكر العربي ،الطبعة
ال�أولى.2000 ،
-مقالات في المنطق والعلم الطبيعي ،تح جمال الدين العلوي دار النشر المغربية الدار
البيضاء .1983
-مقالة ال�ألف الصغرى ضمن تفسير ما بعد الطبيعة تحقيق موريس بويج دار المشرق
بيروت 1967
-تلخيص كتاب النفس ،تح �ألفرد عبري المكتبة العربية المجلس ال�أعلى للثقافة القاهرة
1994
-كتاب ال�آثار العلوية تح سهير فضل الله �أبو وافية وسعاد علي عبد الرزاق -المكتبة العربية،
والمجلس ال�أعلى للثقافة ط. 1994 1
211
-الكليات في الطب ،تح سعيد شيبان وعمار الطالبي المجلس ال�أعلى للثقافة .1989
-الكليات في الطب ،نشرة مركز دراسات الوحدة العربية ط ،1ماي 1999
-الكليات في الطب ،تح Morales de Alvarez.C - Besteiro Forneas.M..J
مدرسة الدراسات العربية في غرناطة .المجلس ال�أعلى للبحوث العلمية -مدريد 1987
-رسائل ابن رشد الطبية ،تحقيق جورج قنواتي وسعيد زايد .الهيئة المصرية العامة للكتاب
. 1987
-شرح البرهان تح عبد الرحمن بدوي ط 1ضمن السلسلة التراثية الكويت 1984
-شرح السماء والعالم ،مخطوط المكتبة الوطنية في تونس رقم 18118
-الضروري في السياسة نقله من العبرية �إلى العربية �أحمد شحلان .نشر مركز دراسات
الوحدة العربية ،ط.1998 ،1
-تلخيص الخطابة تح عبد الرحمن بدوي وكالة المطبوعات الكويت ،دار القلم بيروت،
ب.ت
-تلخيص الحس والمحسوس ،تح بلومبرج ال�أكاديمية ال�أمريكية للعصور الوسطى كامبدرج
ماساشوسيتس . 1972
-تلخيص السفسطة تح محمد سليم سالم مطبعة دار الكتب 1972
-تلخيص الشعر تح محمد سليم سالم القاهرة ،1971
-تلخيص القياس تح محمود قاسم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 1983
-تلخيص الكون والفساد تح جمال الدين العلوي ،دار الغرب الاسلامي ،ط.1995 1
-تلخيص المقولات تح موريس بويج دار المشرق بيروت الطبعة الثانية 1983
-تلخيص كتاب الجدل تح محمد سليم سالم الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980
-تلخيص كتاب العبارة تح محمود قاسم الهيئة المصرية العامة للكتاب مركز البحوث
ال�أمريكي بمصر . 1981
-تلخيص ما بعد الطبيعة تح عثمان �أمين مطبعة مصطفى الحلبي بمصر القاهرة 1958
-رسالة ما بعد الطبيعة نشرة رفيق العجم وجيرار جيهامي ،دار الكتاب اللبناني ط،1
.1994
-تهافت التهافت تح موريس بويج دار المشرق بيروت الطبعة الثانية 1987
212
-جوامع الشعر مع جوامع الجدل والخطابة لابن رشد وهي في ال�أصل ال�أجزاء الثلاثة
ال�أخيرة من المختصر في المنطق نشرها تشارلس بوتروت بنييويورك 1997
-شذرات من تلخيص كتاب ال�أخلاق ،على هامش كتاب ال�أخلاق ل�أرسطو ،تح
عبدالرحمن بدوي وكالة المطبوعات الكويت ،ط.1979 1
-كتاب ال�آثار العلوية طبعة حيدر �آباد الدكن 1365
-كتاب ال�آثار العلوية ،تح سهير فضل الله وسعاد علي عبد الرزاق القاهرة .1994
-كتاب النفس طبعة حيدر �آباد ط1947 1
-مختصر المنطق ،نقله من الحرف العبري �إلى العربية وحققه شارل بتروت ،نسخة غير
منشورة.
-مقالة الباء من تفسير ما بعدالطبيعة ،تحقيق موريس بويج الجزء ال�أول الطبعة الرابعة دار
المشرق ،الطبعة الرابعة 1991
-مقالة الجيم من تفسير ما بعد الطبيعة ،تح موريس يويج ،ط ،4دار المشرق،1991 ،
-مقالة الحاء ،تفسير ما بعدالطبيعة ،تح موريس بويج دار المشرق
-مقالة الدال تفسير ما بعد الطبيعة تح موريس بويج الطبعة الثالثة دار المشرق بيروت
1990
-مقالة الزاي ،من تفسير ما بعد الطبيعة ،تح موريس بويج دار المشرق ،الجزء الثاني
الطبعة الثالثة . 1990
-مقالة اللام من تفسير ما بعد الطبيعة من تفسير ما بعد الطبيعة تح موريس بويج دار
المشرق..
-مقالة الهاء من تفسير ما بعد الطبيعة تح موريس بويج دار المشرق دار المشرق..
ابن عربي ،محيي الدين
-الفتوحات المكية :ج 1ضبطه وصححه ووضع فهارسه �أحمد شمس الدين منشورات
محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
-الفتوحات المكية ج ،4دار الكتب العربية الكبرى مصر ب.ت
ابن سبعين،
-بد العارف ،تحقيق وتقديم د.جورج كتورة ،دار ال�أندلس-دار الكندي ،بيروت ط،1
،1978
213
ابن سينا� ،أبو علي،
-الخطابة من موسوعة الشفاء تح محمد سليم سالم ،منشورات �آيت العظمى المرعشي
النجفي قم �إيران .1404
-ال�إ لهيات (ج )2تح محمد يوسف موسى ،سليمان دنيا ،سعيد زايد ،الجمهورية العربية
المتحدة ،القاهرة ،الهيئة العامة لشؤون المطابع ال�أميرية 1960
-الطبيعيات من عيون الحكمة ،ضمن تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات ،تح وتقديم
د .حسن عاصي دار قابس ،ط1986 1
-في �أقسام العلوم العقلية ،ضمن تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات،
-المقالة ال�أولى من �إلهيات الشفاء ،تح ال�أب قنواتي وسعيد زايد ،الهيئة العامة لشئون
المطابع ال�أميرية .1960
ابن طوملوس،
-كتاب المدخل لصناعة المنطق ،وقف على طبعه �آسين بلاسيوس المطبعة ال�إ بيرية
مجريط .1916
ال�أشعري� ،أبو الحسن،
-ال�إ بانة في �أصول الديانة نشرة السيد محمد ال�أخضر حسين دار القادري ط. 1991 ،1
الغزالي� ،أبو حامد
-مقاصد الفلاسفة ،تح سليمان دنيا سلسلة ذحائر العرب 29دار المعارف بمصر 1961
-المنقذ من الضلال نشرة فريد جبر ط 2اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع بيروت 1969
-جواهر القر�آن ،تح لجنة �إحياء التراث العربي منشورات دار ال�آفاق الجديدة بيروت الطبعة
الخامسة .1983
-مشكاة ال�أنوار ومصفاة ال�أسرار تح عبد العزيز عز الدين السيروان عالم الكتب 1950
-تهافت الفلاسفة تح موريس بويج المطبعة الكاثوليكية.
-ميزان العمل تح سليمان دنيا دار المعارف بمصر سلسلة ذخائر العرب 38ط1964 1
الفارابي� ،أبو نصر
" -كتاب البرهان" نشر مع كتاب شرئط اليقين وتعاليق ابن باجة على البرهان ،تح ماجد
فخري ،دار المشرق بيروت 1987
214
" -مقالة �أبي نصر فيما يصح وما لايصح من �أحكام النجوم ضمن "رسالتان فلسفيتان" تح
جعفر �آل ياسين دار المناهل ط1987 1
" -فلسفة افلاطون و�أجزاؤها -ومراتب �أجزائها من �أولها �إلى �آخرها-ضمن �أفلاطون في
الاسلام تح عبد الرحمن بدوي دار ال�أندلس ط1980 2
-فصول منتزعة تح د.فوزي النجار دار المشرق ط،1993 ،2
-كتاب الجدل ،تحقيق رفيق العجم ،دار المشرق بيروت ،1986
-كتاب الحروف تح محسن مهدي ،دار المشرق بيروت .1969
-كتاب الملة تح محسن مهدي دار المشرق بيروت ط.1991 2
-كتاب الموسيقى الكبير ،تحقيق وشرح غطاس عبد الملك خشبة ،مراجعة وتصدير د.
محمود �أحمد الحنفي دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة .
-كتاب تحصيل السعادة تح جعفر �آل ياسين دار ال�أندلس ط1981 1
� -أبو نصر�،إحصاء العلوم ،قدم له وشرحه وبوبه علي بو ملحم دار ومكتبة الهلال ط،1
...1996
-تلخيص نواميس �أفلاطون ،ضمن �أفلاطون في الاسلام ،تح عبد الرحمن بدوي ،ط،2
دار ال�أندلس .1980
الكاتب ،الحسن بن �أحمد بن علي،
-كتاب كمال �أدب الغناء ،تح غطاس عبد الملك خشبة مراجعة د .محمود �أحمد
الحنفي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 1975
الكندي� ،أبو يعقوب،
-الفلسفة ال�أولى للكندي �إلى المعتصم بالله تحقيق �أحمد فؤاد ال�أهواني دار التقدم
العربي -مؤسسة دار الكتاب الحديث بيروت الطبعة الثالثة . 1986
-رسائل الكندي الفلسفية تح محمد عبد الهادي �أبو ريدة دار الفكر العربي مطبعة
الاعتماد بمصر .1950
-رسالة الكندي في خبر صناعة الت�أليف" تحقيق يوسف شوقي دار الكتب المصرية،
مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة ،1996
215
مصادر فقهية
�أبو عبدالله محمد بن �أحمد بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي،
-طبقات علماء الحديث ،ج 3تح �إبراهيم الزيبق مؤسسة الرسالة ط1989 1
ابن حزم� ،أبو محمد
" -رسالة التلخيص لوجوه التخليص" ضمن رسائل ابن حزم ال�أندلسي تح �إحسان عباس
ج 3المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط2
-المحلى 1تح �أحمد محمد شاكر� ،إدارة المطبعة المنيرية مطبعة النهضة بشارع عبد
العزيز بمصر
-كتاب ملخص �إبطال القياس لابن حزم ،تح سعيد ال�أفغاني دار الفكر ط1969 2
ابن رشد� ،أبو الوليد
-بداية المجتهد تح علي محمد معوض وعادل �أحمد عبد الموجود ،دار الكتب العلمية
بيروت لبنان ،ط .1996 ،1ستة �أجزاء.
-بداية المجتهد ،مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة ،1358-1928
-بداية المجتهد من تحقيق طه عبد الرءوف سعد ،والصادر عن دار الجيل ببيروت
ومكتبة الكليات ال�أزهرية بالقاهرة ط1989 ،11
-مختصر المستصفى ،تح جمال الدين العلوي ،دار الغرب ال�إ سلامي ،بيروت لبنان،
ط1994 1
ابن عطية ،عبد الحق،
-المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز تح المجلس العلمي بفاس ج1975.2،
-فهرس ابن عطية ،تح محمد �أبو ال�أجفان ومحمد الزاهي دار الغرب ال�إ سلامي بيروت
لبنان ط.1983 2
ابن عبد البر،
-كتاب الاستذكار تحقيق عبد المعطي �أمين قلعجي ،دار قتيبة للطباعة والنشر دمشق-
بيروت ،دار الوعي حلب القاهرة . 1993
216
الطبري،
-اختلاف الفقهاء ،تح فريد ريك كون دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط 2ب.ت
ابن الزيات،
-التشوف� ،أخبار �أبي العباس السبتي ،تح �أحمد توفيق منشورات كلية ال�آداب بالرباط
1984
الخطابي� ،أبو سليمان حمد بن محمد البستي،
-معالم السنن ،نشرة المكتبة العلمية ،ط 1981 2بيروت لبنان
الغزالي� ،أبو حامد،
-كتاب الوجيز في فقه مذهب ال�إ مام الشافعي ،دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان
1979
�أبو زهرة،
� -أصول الفقه ،دار الفكر العربي المعاصر1958 ،
�أبو عبيدة ،قاسم،
-كتاب ال�أموال تح محمد عمارة دار الشروق ط1989 1
�أحمد زروق،
-قواعد التصوف ،صححه محمد زهري النجار ،علي معبد فرغلي دار الجيل بيروت ط1
1992
ابن العربي� ،أبو بكر،
� -أحكام القر�آن ،تحقيق علي محمد اليحياوي المجلد ال�أول ،دار الفكر.
-كتاب القبس في شرح موط إ� ال�إ مام مالك ،تح محمد عبد الله ولد كريم دار الغرب
ال�إ سلامي ط،1992 1
ابن القصار،
-المقدمة في ال�أصول ل�أبي الحسن علي بن عمر بن القصار المالكي البغدادي المتوفى
سنة 397هـ مع ملاحق نادرة في �أصول الفقه المالكي قر�أها وعلق عليها محمد بن
الحسين السليماني ،دار الغرب ال�إ سلامي ط1996 1
217
ابن تيمية ،تقي الدين،
-الفتاوى ،مكتبة المعارف الرباط المجلد 7ص 295والمجلد 12
ابن خلدون ،عبد الرحمن
-شفاء السائل وتهذيب المسائل ،تح محمد مطيع الحافظ دار الفكر دمشق -سورية،
دار الفكر المعاصر بيروت -لبنان ط.1996 1
ابن عبد البر،
" -الاستذكار لمذاهب فقهاء ال�أمصار وعلماء ال�أقطار فيما تضمنه الموط�أ من معاني الر�أي
وال�آثار وشرح ذلك كله بال�إ يجاز والاختصار" تح وتقديم د .عبد المعطي �أمين قلعجي
دار قتيبة للطباعة والنشر ،دمشق بيروت -دار الوعي ،حلب القاهرة ط1993 ،1
-الكافي في فقه �أهل المدينة المالكي ،دار الكتب العلمية بيروت لبنان الطبعة الثانية
1992
-جامع بيان العلم ج 2دار الفكر ب.ت .
"-الانتقاء في فضائل ال�أئمة الثلاثة الفقهاء :مالك بن �أنس ال�أصبحي المدني ومحمد
بن �إدريس الشافعي المطلبي و�أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وعيون �أخبارهم
الشاهدة ب�إمامتهم وفضلهم في �آدابهم وعلمهم" نشرة عبد الفتاح �أبو غدة مكتبة
المطبوعات ال�إ سلامية بحلب ط.1997 1
الباجي� ،أبو الوليد :
" -الاستيفاء" من �إيراد الحديث والمس�ألة من ال�أصل ،ثم اتبعت ذلك ما يليق به من
الفرع" كتاب المنتقى شرح موط�أ �إمام دار الهجرة ،مطبعة السعادة بجوار محافظة
مصر ط1331 1هـ
-كتاب المنهاج ،تح عبد المجيد التركي ،دار الغرب الاسلامي ،ط.1987 ،2
� -إحكام الفصول في �أحكام ال�أصول تح عبد المجيد تركي دار الغرب الاسلامي ط،2
1995
البطليوسي ،ابن سيد
-ال�إ نصاف في التنبيه على المعاني وال�أسباب التي �أوجبت الاختلاف بين المسلمين في
�آرائهم" انظر تح محمد رضوان الداية دار الفكر دمشق سورية ط1987 3
218
البغدادي ،الخطيب،
-كتاب الفقيه والمتفقه ،تصحيح وتعليق �إسماعيل ال�أنصاري ،مطابع القصيم الرياض
ط1389 2
الجد ،ابن رشد،
-البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة ل�أبي الوليد بن رشد
الجد وضمنه المستخرجة من ال�أسمعة المعروفة بالعتبية لمحمد العتبي القرطبي تح
محمد حجي دار الغرب ال�إ سلامي ج 1ط1988 2
-المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من ال�أحكام الشرعيات والتحصيلات
المحكمات ل�أمهات مسائلها المشكلات ،تحقيق د .محمد حجي دار الغرب
ال�إ سلامي الطبعة ال�أولى 1988
-فتاوى ابن رشد ،تقديم وتحقيق وجمع وتعليق المختار بن الطاهر التليلي السفر الثالث
دار الغرب ال�إ سلامي ط1987 1
-مسائل �أبي الوليد ابن رشد الجد ،تحقيق محمد الحبيب التجكاني منشورات دار ال�آفاق
الجديدة المغرب الطبعة ال�أولى 1922
الجويني،
-البرهان في �أصول الفقه ،تعليق صلاح بم محمد بن عويضة ،دار الكتب العلمية بيروت
لبنان ط1997 1
-غياث ال�أمم في التياث الظلم ،تحقيق عبد العظيم الديب مطبعة نهضة مصر ط2
1401هـ
الحجوي،
-الفكر السامي في تاريخ الفقه ال�إ سلامي ،ج 2دار التراث القاهرة
السبكي،
-طبقات الشافعية ،تح محمد محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو مطبعة عيسى
البابي الحلبي ج ،3ط1964 ،1
السرخسي،
-المحرر في �أصول الفقه خرج �أحاديثه وعلق عليه صلاح بن محمد بن محمد عويضة
ج 1دار الكتب العلمية ط.1996 1
219
السليماني ،محمد بن الحسين
" -المدخل �إلى "المقدمة في ال�أصول" لابن القصار ،دار الغرب ال�إ سلامي ط.1996 1
الشاطبي،
-الموافقات ،نشرة �أبو عبيدة مشهور بن حسن �آل سلمان المجلد الثالث دار ابن عفان،
ط1997،
الطحاوي� ،أبو جعفر،
-كتاب "مختصر اختلاف العلماء " اختصار �أبي بكر الجصاص دراسة تحقيق د .عبد
الله نذير �أحمد ج 1دار البشائر ال�إ سلامية ط.1996 2
العامري� ،أبو الحسن،
-ال�إ علام في مناقب �أهل ال�إ سلام ،تح �أحمد عبد الحميد غراب دار الكتاب العربي
للطباعة والنشر.1967 ،
الغزالي� ،أبو حامد،
-المستصفى من علم ال�أصول طبعة محمد عبد السلام عبد الشافي ،دار الكتب العلمية
بيروت لبنان ط1993 1
�إحياء علوم الدين ج 1دار المعرفة بيروت لبنان ،1982
الفاسي ،علال
مقاصد الشريعة ال�إ سلامية ومكارمها ،مكتبة الوحدة العربية ،الدار البيضاء ب.ت.
القرطبي� ،أبو عبد الله،
-الجامع ل�أحكام القر�آن اعتنى هشام سهير البخاري ،دار �إحياء التراث العربي ،ط،1
.1995
القشيري� ،أبو القاسم،
-الرسالة القشيرية ،تح عبد الحليم محمود ،1989 ،دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر
المنذر�،أبو بكر
-ال�إ جماع ،تح فؤاد عبد المنعم �أحمد ،ط 1987 2مطبوعات رئاسة المحاكم الشرعية
والشؤون الدينية بدولة قطر.
220
المقدسي ،ابن قدامة،
-الكافي في فقه ال�إ مام �أحمد ،حققه وعلق عليه محمد فارس ومسعد عبد الحميد
السعدني المجلد ال�أول دار الكتب العلمية بيروت لبنان
النسائي،
-سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية السندي ،دار �إحياء التراث
العربي بيروت لبنان ج1
مسلم،
-صحيح مسلم مع شرح ال�أبي والسنوسي في طبعة السعادة بجوار محافظة مصر ط1
.1327
221
مصادر ومراجع عامة
�أومليل ،علي،
-السلطة السياسية والسلطة العلمية في الاسلام ،ضمن ندوة �أبي حامد الغزالي دراسات
في فكره وعصره وت�أثيره ،الرباط كلية ال�آداب.1988 ،
ابن الخطيب،
-ال�إ حاطة في �أخبار غرناطة ،تح محمد عبد الله عنان ،مكتبة الخانجي بالقاهرة ،الشركة
المصرية للطباعة والنشر ،ط.1974 ،1
-ابن الصديق� ،إبراهيم :
-فقيه ال�أندلس – عبد الملك بن حبيب في ميزان المحدثين .مجلة دار الحديث الحسنية
العدد ال�أول 1979
ابن عاشور ،محمد،
-ال�إ مام المازري ،حياته �آثاره ضمن ملتقى ال�إ مام المازري،
-بن سعيد،
-المغرب في حلى المغرب ،تح شوقي ضيف دار المعارف مصر سلسلة ذخائر
العرب.ب.ت
أ�بو العباس الغبريني،
-عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية .تحقيق عادل نويهض
منشورات الت�أليف والترجمة والنشر – بيروت سلسلة ذخائر التراث العربي – المكتبة
الجزائرية ب.ت.
بورشاشن� ،إبراهيم
-هل نحن في حاجة �إلى ابن رشد ،سليكي �أخوين ،طنجة 2015
-هل نحن في حاجة �إلى ابن طفيل ،سليكي أ�خوين ،طنجة 2016
-مع ابن طفيل في تجربته الفلسفية ،دار الثقافة ،البيضاء.2010 ،
222
البختي ،جمال علال،
�" -أبو عمر السلالجي وفكره العقدي" ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا مرقون بكلية
�آداب الرباط السنة الجامعية 1995-1996 ،.1415-1416
الريسوني� ،أحمد،
-نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الاسلامية ،ط.1994 ،1
-المنحى المقاصدي في فقه ابن رشد ،دعوة الحق دجنبر 1999العدد 348
الشهرستاني،
-الملل والنحل ،تح محمد سيد كيلاني ،دار المعرفة بيروت لبنان،
المراكشي ،عبد الواحد،
-المعجب في تلخيص �أخبار المغرب ،نشرة ممدوح حقي دار الكتاب الدارر البيضاء
ط.1978 ،7
المصباحي ،محمد
�" -أنحاء الوحدة وتجلياتها عند ابن رشد"�أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الفلسفة،
،1996مرقونة بكلية ال�آداب بالرباط
-مرتبة الفحص الدلالي والفحص الجدلي -ال�إ شكالي من علم ما بعد الطبيعة عند ابن
رشد ،مجلة كلية ال�آداب والعلوم ال�إ نسانية بفاس العدد الثامن ،1986
-منزلة العقل العملي في فلسفة ابن رشد ،ضمن الوجه ال�آخر لحداثة ابن رشد ،دار
الطليعة بيروت ط1998 ،1
"-منزلة مقالة الزاي من كتاب ما بعد الطبيعة بين ابن سينا وابن رشد" وهي تشكل الفصل
الثامن من كتاب "الوجه ال�آخر لحداثة ابن رشد"...
" -الطريقة الصناعية في الطب في مواجهة الطريقة الضدية �أو العودة بالطب �إلى الطريقة
البرهانية عند عبد الله بن رشد" ضمن العلم والفكر العلمي بالغرب الاسلامي في
العصر الوسيط ،منشورات كلية �آداب الرباط ط.2001 ،1
-الوجه ال�آخر لحداثة ابن رشد دار الطليعة بيروت ط..1998 ،1
-حضور كتاب ما بعد الطبيعة في فصل المقال..ضمن تحولات في تاريخ الوجود والعقل
دار الغرب الاسلامي ط1995 ،1
223
المصلح ،محمد،
� -أبو الحسن اللخمي وجهوده في تطوير الاتجاه النقدي في المذهب المالكي بالغرب
الاسلامي� ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في ال�آداب ،رسالة مرقونة بكلية �آداب وجدة،
السنة الجامعية .1999-2000
المباركي� ،أحمد بن علي بن سير،
-كتاب العرف و�أثره في الشريعة والقانون ،الرياض ،المملكة العربية السعودية 1966
النبهان ،فاروق،
� -أثر مالك في تدعيم مكانة السنة النبوية في المنهج الفقهي العام مجلة دار الحديث
الحسنية العدد الرابع 1984
الناصري،
-الاستقصاء ل�أخبار دول المغرب ال�أقصى ،تح جعفر الناصري ومحمد الناصري ،دار
الكتب البيضاء .1954
الورياغلي ،محمد حماد،
-الفقه والحديث في مذهب مالك ،مجلة دار الحديث الحسنية العدد الرابع 1984
بنشريفة ،محمد،
-ابن رشد الحفيد ،دراسة وثائقية .ط ،1مطبعة النجاح الجديدة،1999 ،
حجي محمد،
-مكانة ابن رشد بين فقهاء المالكية من سبقه ومن لحقه ،سلسلة مطبوعات المنظمة
ال�إ سلامية للعلوم الطبية ،السلسلة التراثية الندوة ال�أولى
عبد الرحمن ،طه،
-تجديد المنهج في تقويم التراث ،المركز الثقافي العربي،ب.ت.
-فقه الفلسفة ،الفلسفة والترجمة ،المركز الثقافي العربي ،ط.1995 ،1
فوقية حسين محمود،
-الجويني �إمام الحرمين سلسلة �أعلام العرب الهيئة المصرية العامة للت�أليف والنشر ط2
1970
224
كنون،عبد الله،
-ابن رشد الفقيه ،دعوة الحق ،العدد الثاني السنة الحادية عشرة رمضان ،1387دجنبر
.1967
كوربان ،هنرى :
-تاريخ الفلسفة ال�إ سلامية المكتبة الفلسفية منشورات عويدات بيروت لبنان ط1966 1
الكتاني ،محمد بن جعفر،
-الرسالة المستظرفة ،دار البشائر الاسلامية،ط1986 ،4
الكتاني ،يوسف،
-ال�إ مام الخطابي شارح صحيح البخاري كتاب جمعية الامام البخاري 1993
�أحمادي ،عبد الملك :
-ابن رشد [الجد] �أصوليا ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،مرقونة بكلية ال�آداب
بمكناس.
�أبو زيد ،منى �أحمد
-المدينة الفاضلة عند ابن رشد ،منش�أة المعارف،ط.2000 ،1
�أحنانة ،يوسف،
-تطور المذهب ال�أشعري بالغرب ال�إ سلامي رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،مرقونة
بكلية �آداب الرباط.
�أنطون سيف،
-ابن رشد في رؤية عربية معاصرة ،مجلة الفكر العربي ،العدد 81السنة 16صيف
.1995
ابن �أبي �أصيبعة،
-عيون ال�أنباء دار الثقافة بيروت لبنان ط ،1981 3ج.،3
ابن �أبي زرع،
البيان المغرب في �أخبار ال�أندلس والمغرب ،قسم الموحدين ،تح جماعة من ال�أساتذة،
دار الغرب الاسلامي ،بيروت لبنان دار الثقافة الدار البيضاء.
225
ابن ال�أبار،
-التكملة مكتبة الخانجي بمصر والمثنى ببغداد نشر عزت العطار 1375-1955
ابن النديم،
-الفهرست تح رضا المازاندي دار المسيرة ،ط1988 3
ابن بشكول،
-كتاب الصلة نشر عزت العطار الحسيني 1955 -1374
ابن خلدون،عبد الرحمن
-المقدمة نشرة دار القلم بيروت .1978
ابن خلكان،
-نفح الطيب تح �إحسان عباس دار صادر للطباعة والنشر بيروت
ابن صاحب الصلاة،
-المن بال�إ مامة تح عبد الهادي التازي دار ال�أندلس ط1964 1
ابن فرحون ،برهان الدين،
-الديباج المذهب في معرفة �أعيان المذهب ،طبعة عباس بن عبد السلام بن شقرون
بالفحامين بمصر ط1351 1
ابن مخلوف ،محمد،
-شجرة النور الزكية دار الفكر ب.ت .
ابن منظور ،جمال الدين
-لسان العرب دار صادر بيروت ب.ت
ال�أنصاري ،ابن عبد الملك،
-الذيل والتكملة ،السفر السادس تح �إحسان عباس دار الثقافة بيروت -لبنان ط.1973 1
البطليوسي،
-ال�إ نصاف ،تح محمد رضوان الداية دار الفكر دمشق سورية ط1987 3
البغا ،مصطفى ديب :
� -أثر ال�أدلة المختلف فيها في الفقه ال�إ سلامي ،دار ال�إ مام البخاري ،دمشق حلبوني.
226
الجابري ،محمد عابد :
" -قرطبة ومدرستها الفكرية" ضمن التراث والحداثة المركز الثقافي العربي ط.1991 ،
-ابن رشد ،سيرة وفكر ،مركز دراسات الوحدة العربية �أكتوبر 1998
-النزعة البرهانية في المغرب وال�أندلس" ضمن "التراث والحداثة" المركز الثقافي العربي
بيروت -البيضاء ط1991 1
الجيدي ،عمر،
-الاختصار و�أثره على الفقه المالكي" ضمن كتاب "مباحث في المذهب المالكي
بالمغرب ط1993 1
-مباحث في المذهب المالكي بالمغرب ط،1993 ،1
-التشريع الاسلامي� ،أصوله وقواعده ،منشورات عكاظ ،ط1987 ،1
الحنفي ،مصطفى سعيد،
� -أثر الاختلاف في القواعد ال�أصولية في اختلاف الفقهاء ،مؤسسة الرسالة ،ط.1989 ،5
الخضري ،محمد،
-تاريخ التشريع ال�إ سلامي دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1988 1
السوداني� ،أحمد بابا،
نيل الابتهاج على هامش الديباج دار الكتب العلمية.
السجلماسي� ،أبو محمد
-المنزع البديع في تجنيس �أساليب البديع ،تقديم وتحقيق علال الغازي مكتبة المعارف
الرباط .ط.1401-1980 ،1
الجيدي ،عمر،
-محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب ال�إ سلامي منشورات عكاظ ب.ت.
السيوطي،
-بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ،مطبعة السعادة بمصر ط1326 1
الشاذلي ،عبد اللطيف،
-التصوف والمجتمع نماذج من ق 10هـ ص� 71أطروحة جامعية مرقونة بكلية ال�آداب
بمكناس.
227
الشيرازي،
-طبقات الفقهاء ،تح علي محمد عمر مكتبة الثقافة الدينية بور سعيد الظاهر ط1997 1
الصغير ،عبد المجيد،
" -مواقف "رشدية" لتقي الدين بن تيمية؟ -ملاحظات �أولية -ضمن تجليات الفكر
المغربي دراسات ومراجعات نقدية في تاريخ الفلسفة والتصوف بالمغرب شركة النشر
والتوزيع الدار البيضاء الطبعة ال�أولى .2000
-الدلالة الفكرية والسياسية لحضور "مستصفى" الغزالي عند ابن رشد وفلسفية ضمن
مجلة مقدمات عدد 15شتاء 1998عدد خاص عن ابن رشد
الفكر ال�أصولي و�إشكالية السلطة العلمية في ال�إ سلام" دار المنتخب العربي ط1994 1
� -إشكالية استمرار الدرس الفلسفي الرشدي ،حول �أثر الغزالي في المدرسة الرشدية
بالمغرب ،ضمن مجلة البلاغة المقارنة العدد السادس عشر 1996عدد خاص عن
ابن رشد والتراث العقلاني في الشرق والغرب.
-فصل المقال فيما بين المنطق والشريعة من الاتصال ،النزعة الغزالية في الغرب الاسلامي
مجلة المناظرة العدد الثالث .
الصفدي،
الوافي بالوفيات ،باعتناء س.ديدرينغ دار فرانز شتايز بفسبادن ط ،2ج1974 ،1
الضبي� ،أحمد بن يحيى،
-بغية الملتمس في تاريخ رجال �أهل ال�أندلس ،تح روحية عبد الرحمن السويفي ،دار
الكتب العلمية بيروت لبنان ط.1997 ،1
العبيدي ،حمادي،
-ابن رشد الحفيد ،حياته – علمه -فقهه ،الدار العربية للكتاب.1984 ،
-ابن رشد وعلوم الشريعة ،دار الفكر العربي بيروت ط.1991 ،1
العراقي ،عاطف،
-تصدير كتاب "مشكلة الاتصال بين ابن رشد والصوفية" لمجدي محمد �إبراهيم مكتبة
الثقافة الدينية ط،2001 ،1
228
العلمي ،محمد،
-التصنيف الفقهي في المذهب المالكي ،تاريخه وقضاياه المنهجية ،الخلاف العالي
نموذجا� ،إلى حدود القرن السادس الهجري� ،أطروحة لنيل دكتوراة الدولة مرقونة بدار
الحديث الحسنية.
العلوي ،جمال الدين،
� -إشكالية العلاقة بين العلم الطبيعي وما بعد الطبيعة عند ابن رشد ،مجلة كلية ال�آداب
والعلوم ال�إ نسانية بفاس 1988
-المتن الرشدي دار توبقال للنشر ط. 1986 1
-تطور �إشكالية العقل عند ابن رشد ،من النظر الفيلولوجي �إلى النظر الفلسفي ،ضمن
الحضارة العربية والاسلامية في ال�أندلس ،الجزء الثاني ،مركز دراسات الوحدة
العربيةط..1998 ،1
العلوي ،سعيد بنسعيد،
-الخطاب ال�أشعري مساهمة في دراسة العقل الاسلامي العربي ،دار المنتخب العربي،
ط1992 ،1
عالية ،سمير،
-القضاء والعرف في ال�إ سلام ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،ط،1
.1997
الفيروزابادي،
-القاموس المحيط دار الكتب العلمية ج1995 3
القبلي ،محمد،
"-ال�إ حياء وقضية الحكم في المغرب الوسيط ضمن ندوة "�أبو حامد الغزالي ،دراسات في
فكره وعصره وت�أثيره .منشورات كلية ال�آداب بالرباط 1988
القرشي،
-المنطوق به والمسكوت عنه في فقه ابن رشد ،الدار التونسية للنشر .1993
المراكشي ،عبد الواحد،
-المعجب ،تقديم ممدوح حقي دار الكتاب البيضاء ط1978 7
229
المراكشي ،محمد بن عبد الملك،
-الذيل والتكملة ،السفر السادس تح �إحسان عباس ط 1دار الثقافة بيروت . 1956
المصطفى ،الوظيفي :
" -المنهج ال�أصولي بين القول بالتجريد والت�أثير العقدي" دعوة الحق العدد 348
مجمع اللغة العربية،
المعجم الفلسفي ،الهيئة العامة لشؤون المطابع ال�أميرية 1983
المقري،
� -أزهار الرياض ،صندوق �إحياء التراث ال�إ سلامي ج.3
المنوني ،محمد
-حضارة الوحدين ،دار توبقال للنشر ،ط.1989 ،1
� -إحياء علوم الدين في منظور الغرب ال�إ سلامي ،ضمن ندوة "�أبو حامد الغزالي ،دراسات
في فكره وعصره وت�أثيره .منشورات كلية ال�آداب بالرباط
1988
النقاري ،حمو :
-المنهجية ال�أصولية والمنطق اليوناني من خلال �أبي حامد الغزالي وتقي الدين بن تيمية.
ضمن سلسلة "بدايات" .الشركة المغربية للنشر والولادة -الدار البيضاء الطبعة ال�أولى
.1991
-كونية "المعلوم" ومحليته عند �أبي نصر الفارابي ضمن "العلم (المحلية والكونية)".
منشورات كلية ال�آداب والعلوم ال�إ نسانية الرباط سلسلة ندوات ومناظرات رقم .98
ط.2002 ،1
النيفر ،محمد الشاذلي،
-المازري في بعض �آرائه وتلاميذه ،ضمن �أعمال ملتقى ال�إ مام المازري للفلسفة
ال�إ سلامية منشورات الحياة الثقافية وزارة الشؤون الثقافية تونس مطبعة الدار التونسية
للنشر �أكتوبر 1978
230
الهتناني ،نجم الدين :
-تطور المذهب الحنفي بالقيروان خلال القرون الوسطى مجلة التاريخ العربي التي
تصدرها جمعية المؤرخين المغاربة العدد 13
بلومبرج،
-مقدمة تلخيص الحس والمحسوس تح بلومبرج ال�أكاديمية ال�أمريكية للعصور الوسطى
كامبدرج ماساشوسيتس . 1972
بنشريفة ،محمد،
-ظهور ت�أليفين لابن رشد الحفيد العلم الثقافي � 21أكتوبر .2000
جبر ،محمد،
-الفكر الفلسفي وال�أخلاقي عند اليونان� ،أرسطو نموذجا ،دار دمشق ،ط.1994 ،1
جولدزيهر،
-مقدمة "كتاب �أعز ما يطلب" لابن تومرت الجزائر .1903
الزحيلي ،محمد،
-تاريخ القضاء في الاسلام ،دار الفكر المعاصر بيروت لبنان ،دار الفكر دمشق سوريا،
ط.1995 ،1
الحدادي ،عزيز،
-صورة ابن رشد في الكتابات ال�أوروبية والعربية ،مطبعة ما بعد الحداثة ،فاس المغرب
ط.2000 ،1
الخضري ،زينب
" -مشروع ابن رشد ال�إ سلامي والغرب المسيحي" ضمن ندوة "ابن رشد مفكرا عربيا ورائدا
للاتجاه العقلاني" الصادرة عن المجلس ال�أعلى للثقافة ،لجنة الفلسفة والاجتماع.
مطبعة الهئية العامة لشئون المطابع ال�أميرية القاهرة . 1993
� -أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى ،دار التنوير ط1985 ،2
شحلان� ،أحمد،
-ابن رشد والفكر العبري الوسيط المطبعة والوراقة الوطنية ،ط1999 ،1
231
شوفالييه ،جان،
-تاريخ الفكر السياسي ،ترجمة د .محمد عرب صاصيلا ،ط.1988 ،4
شوقي ،يوسف،
-مقدمة تحقيق رسالة الكندي ،في خبر صناعة الت�أليف
عبد الرحمن ،حسن عبد الحميد،
-المراحل الارتقائية لمنهجية الفكر العربي ال�إ سلامي ،المنهج في النسق الفقهي الاسلامي،
حوليات كلية �آداب جامعة الكويت ،الحولية الثامنة1407-1408 ،هـ1987 - 1986 ،
عبد الرحمن ،طه،
-ال�إ سهام المغربي في التراث ال�إ سلامي �إسهام �أخلاقي ،مجلة التاريخ العربي التي تصدرها
جمعية المؤرخين المغاربة ،العدد الرابع عشر 2000
-حوارات من �أجل المستقبل ،كتاب الجيب ،منشورات جريدة الزمن� ،أبريل 2000
-لماذا لست رشديا؟ ولماذا ينبغي �أن لانكون رشديين؟ ضمن حوارات من �أجل المستقبل
منشورات الزمن �أبريل .2000
عبد الرزاق ،مصطفى،
-تمهيد لتاريخ الفلسفة ال�إ سلامية ،لجنة الت�أليف والترجمة والنشر ،ط3
عياض� ،أبو عبد الله،
-التعريف بالقاضي عياض لولده ابن عبد الله ،تقديم وتحقيق محمد بنشريفة ط 2مطبعة
فضالة المحمدية1982 ،
عياض ،القاضي،
-الغنية ،تح ماهر زهير بيروت ط1982 1
فارمر ،هنري جورج،
" -تاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي" ،تعريب جرجيس فتح الله
المحامي ،منشورات دار مكتبة الحياة بيروت لبنان.
كوهن ،جان،
-بنية اللغة الشعرية ترجمة محمد الولي ومحمد العمري دار توبقال ط.1986 ،1
232
لانغاد ،جاك،
-ال�إ يمان والعقل :موقف ابن رشد-وجهات نظر تاريخية وفلسفية ضمن مجلة مقدمات
عدد 15شتاء 1998عدد خاص عن ابن رشد
محمد �إبراهيم ،مجدي
-مشكلة الاتصال بين ابن رشد والصوفية ،مكتبة الثقافة الدينية بورسعيد .الطبعة ،1
2001
مطر� ،أميرة حلمي،
-الفلسفة عند اليونان ،دار النهضة العربية ،القاهرة1977 ،
مهنا ،محمد نصر،
-علم السياسة ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة
ميكلوش ،موراني،
-دراسات في مصادر الفقه المالكي ،نقله عن ال�ألمانية مجموعة من ال�أساتذة ،دار الغرب
الاسلامي ،بيروت ،لبنان ،ط.1988 ،1
المقري� ،أحمد
-نفح الطيب تح �إحسان عباس المجلد السابع دار صادر بيروت 1968
يفوت ،سالم،
-ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب وال�أندلس ،المركز الثقافي العربي البيضاء .ط،1
،1986
233
مراجع �أجنبية
Juan Martos Quesada.
- Introduction al mundo Juridico De La Espana, musulman Edition Martin
Madrid 1999.
Dominique Urvoy,
- Ibn Rushd (Averroès) Cariscript Paris 1996
Loui Gardet
- originalitè d’Ibn Rochd.
.1978 الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر نونبر،ضمن ملتقى �أعمال مؤتمر ابن رشد
Madkour Ibrahim.
- L’organon D’aristote dans le Monde Arabe – Paris – Vrin 1969
Muhsin Mahdi
- Philosophie d’Aristote et pensée politique dans la communauté isla-
mique : Reflexions et comparaisons. In Penser Avec Aristote éres 1991.
R. Brunchfig.
- Averroès juriste ; in Etudes D’islamologie. Tome Second Paris. Edition
Maisonneuve et Larose 1976.
Mahmud Ali Makki;
- contribution de Averroes a la ciencia juridica musulmana; in AL En-
cuentro de Averroes. Madrid : Editorial Trotta, 1993.
Maurice Bouyges.
- Essai de chronologie des œuvres de Al-Ghazali. Imprimerie catholique
beyrouth
Multiple Averroés,
- Acte du colloque international organisé à l’occasion du 850ème Anniver-
saire d'Averroés, Paris septembre 1976, Les Belles lettres 1978.
Munk;
- Mélange de la philosophie juive et arabe Vrin 1955.
Roger Arnaldez.
- Avérroés un rationaliste en islame 2 édition Le Nadir. Balland. 1998.
234
الفهرس
مقدمة 3.........................................................................
الباب الثالث :منزلة الت�أليف الفقهي من الت�أليف الفلسفي عند ابن رشد 159.........
الفصل ال�أول � :أسس الكتابة الرشدية 161........................................
الفصل الثاني :وحدة الكتابة الفلسفية والفقهية عند ابن رشد [نماذج] 185.......
خاتمة 207......................................................................
لائحة المصادر والمراجع 210....................................................
235