Professional Documents
Culture Documents
مقدمة :
لقد كان عبد الرحمن الكواكبي من اعالم الفكر االسالمى لمدرسةالتجدبد ال تى
بدأها الشيخ رفاعه الطهطاوى واالمام محمد عب ده وال تى ارادت تجدي د حي اة
المسلمين بتجديد الدين والرجوع به الى اصله الم بين واساس ه اعم ال العق ل
وتحرير الضمائرمن حيث تمليك االرادة ورفع البالدة وتنقية الدين من ك ل م ا
ادخل عليه مما يش ين فال دين ه و المبص ر بطرائ ق العلم والتعلم الص حيحين
لقيام التربية الحسنة واستقرار االخالق المنتظمة وب ذلك يع د االنس ان انس انا
ويعيش الناس إخوانا 0
و هي تجربة إنسانية اتسمت بمعايشة وتفعيل معاني الدين بطريقة واقعي ة من
خالل جهاده ضد الظلم واالستبداد والدفاع عن حقوق المظل ومين فل ه أه داف
ومب ادئ س امية ال يتخلى عنه ا ح تى ان ه في كث ير من المواق ف تخلى عن
وظيفت ه أو منص به عن دما وج د أن الوظيف ة أو المنص ب س تكون ح ائال ً في
تحقيق رسالته وأهدافه 0
وفد فكر وتأمل فى احوال المسلمين وما اصبح حالهم علي ه من خم ول وبالده
وتواكل وجمود واحباط ولهو وعبث نتيج ة التفري ط فى ام ر دينهم واتخ اذهم
من الع ادات والخراف ات والزي ادات ال تى ادخلت على ال دين ومن الش يع
واالحزاب والمذاهب ومن افكار وآراء الفقهاء مقدسات وعب ادات فبع دوا ك ل
البعد عن الدين االسالمى الحنيف بتل ويثهم لفط رتهم النقي ة ال تى فط رهم هللا
عليها فبحث فى االسباب فخلص ان االستبداد هو اس البالء به تنحط االخالق
وتهدم الحضارات وتنهار االمم فال علم وال دين والتربيه وال مج د وال أص اله
بل اكثر من ذل ك فه و يقلب الحق ائق فيس مى الجاه ل ع الم والم رائى ص ادق
أمين والمتردد ملهم والنذل شجاع 0
2
وقد تم ق راءة افك اره من خالل مؤلفات ه فى الكت ابين الل ذين ق ام بكتابتهم ا
وهما " كتاب طبائع االستبدا ومصارع االستعباد وكتاب أم القرى"
نشأته وحياته
ولد السيد /عبد الرحمن الكواكبي في حلب عاصمة سوريا عام 1854م – *
1271هـ فى أسرة عربية تمتد جذورها إلى اإلمام /على بن أبى طالب (كرم
هللا وجهه ) وقد تعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم على يد الشيخ
.طاهر الكنزى
ولقد قام بفتح مكتب للمحاماة للدفاع عن المظلومين كما انه تخلى عن *
وظيفته في محكمة وعمل كحرضحالجى للقيام بكتابة شكاوى المظلومين ضد
االستبداد العثماني محاوال ً القيام بإصالح اجتماعي واقتصادي وديني
.للمجتمع
بعد أن أتقن التركية في إنطاكية ودرس الشريعة واألدب وعلوم الطبيعة *
والرياضة في المدرسة الكوكبية الذي كان يشرف عليها ويدرس فيها والده
مع سادة من كبار العلماء استطاع بعد ذلك أن يطلع على علوم السياسة
والمجتمع والتاريخ والفلسفة وكان ذلك باطالعه على كنوز المكتبة الكوكبية
.التي تحتوى على مخطوطات قديمة وحديثة
شغل مناصب كثيرة في المالية والمعارف العمومية العامة ورئاسة غرفة *
التجارة ولجنة امتحان المحامين وكانت كل هذه المناصب ال تجعله تابعا
للحكام العثمانيين أو تغيير منهجه في نصرة الحق وخدمة المظلومين فى
المجتمع الذي نشأ فيه 0
بدأ حياته بالكتابة في الصحافة ولكن تخلى عن وظيفته في الجرائد *
الرسمية عندما أحس انه لم يستطيع إن يعبر بحرية عن آراءه وأفكاره ضد
الظلم والمستبدين وأنشأ جريدتين باسم جريدة اعتدال وجريدة الشهباء ولكن
بسبب أفكاره وآراءه ضد السلطة العثمانية قام العثمانيين بإغالق الجريدتين
3
لقد تعرض الكواكبى ألسوء أنواع االضطهاد التي وصلت إلى السجن ظلما ً *
لمدة عام تقريبا ً بعد ان كان يقترض ليعيش عندما صودرت أمالكه ثم تعرض
لالغتيال ولقد نجا منه بأعجوبة بعد إن طعنه المغتال عدة طعنات مما اضطره
الى الهروب الى مصر عام 1900الستكمال رسالته ولكن يد المستبد وصلت
اليه حيث تم دس السم له في قهوته وانتقل الى جوار ربه فى يوم 5من شهر
ربيع األول عام 1320هـ الموافق 4من يونيو عام 1902م عن عمريناهز
47 .عام
ويقول كذلك " إن الصالة تنهي عن الفحشاء والمنكر لكنها ال تمنع الفحشاء
والمنكر " ألن القيام بها شكال ال تمنع القيام بالفحشاء والمنكرألن ذلك يحتاج
الي تدريب وتمرين للعقل ليسمو وللجوارح للتطهر وللنفس لتصفو وهذا ما
يفعله المربون والرواد 0
يتضح فهمه وافكاره فى الدين من خالل نصائحه الى شباب االمه بكلمات
بسيطه ال تحتاج الى مراجع وال معاجم والمعلمين وال كهنة وال مرشدين
دينيين ولكنها تساعد الشباب وتدفعهم الى الصدق والعلم والعمل بجد
والحفاظ على الوقت والبحث عن السعادة فيما بين ايديهم لبناء مستقبلهم
دون الوقوف على سرد احداث الماضى والعيش على حكاياته ولخص ذلك
فيمايلى:
االستبداد ومقاومته
ما هو االستبداد:
عاش الكواكبي وقضية حياته هى مقاومة االستبداد فقد رآه آفه االفات التى
تنخر جسد االمة وعقلها وقلبها وان المسلمون قد اصيبوا بهذا الداء منذ
الف سنة منذ بداية الدوله العباسية حيث ابتلى المسلمون بالحكام المستبدين
والحكومات المستبدة التى سلبت االموال وضيعت الحقوق ونشرت الفساد و
أزهقت االرواح وحاربت العلم والعلماء ورفعت مراتب الجهالء والمرائين
والفاسدين ،فانقلبت الموازين وضاعت التربية واألخالق وازداد الجهل
والفقر والمرض وعم البالء وانتشرت البالدة والتواكل واالتكال ،وضيع
الدين بين الغوغائيين وتناحر المتناظرين فى توافه األمور 0
رد الكواكبى على من يدعون على االسالم بانه جاء مؤيدا لالستبداد
ال سلطة دينية أو تغلبية تتحكم فى النفوس أو االجسام
-جاء االسالم مهذبا لليهودية والنصرانية مؤسسا على الحكمة والعزم
هادما للتشريك بالكلية ومحكما لقواعد الحرية السياسية وبين
الديمقراطة واالرستوقراطية ،فأسس التوحيد ،ونزع كل سلطة دينية او
تغلبية تتحكم فى النفوس او االجسام ووضع شريعة حكمة اجمالية
صالحة لكل زمان ومكان واوجد مدنية فطرية سامية وأوجد للوجود
حكومة لم يسمح الزمان بمثلها بين البشر.
عدم األستبداد بالرأى
-جاء القرآن مشحونا بتعاليم أماتة االستبداد واحياء العدل
والتساوى"مثل قصة بلقيس ملكة سبأ" ليتعلم الناس كيف يستشير
8
-فال شك فى ان الدين اذا كان مبنى على العقل ،يكون افضل صارفا
للفكر عن الوقوع فى مصائد المخرفين ،وأنفع وازع يضبط النفس من
الشطط ،أقوى مؤثر لتهذيب االخالق ،وأكبر معين على تحمل مشاق
الحياة ،وأعظم منشط على االعمال المهمة الخطرة ،وأجل مثبت على
المبادىء الشريفة0
-وفى النتيجة يكون اصح مقياس يستدل به على االحوال النفسية فى
األمم واألفراد رقيا وانحطاطا ،وإن الناظر فى القرآن حق النظر يرى
أنه ال يكلف االنسان باألذعان لشىء فوق العقل ،بل ينهاه اتباعا لرأى
الغير أوتقليدا لآلباء .ويراه طافحا الى اعمال األنسان فكره ونظره فى
الكائنات وعظيم انتظامها ،ثم يستدل على الصانع الذى ابدعها ثم
االنتقال الى معرفة الصفات التى يستلزم أن يكون هذا الصانع متصفا
بها ،أو منزها عنها.
وقد وجه نداءا الى اصحاب الديانات من الشرقيين فقال " ما احوج الشرقيين
اجمعين من بوذيين ومسلمين ومسيحيين واسرائيليين وغيرهم ،الى حكماء
ال يبالون بغوغاء العلماء المرائيين االغبياء ،والرؤساء القساة الجهالء ،
فيجددون النظر فى الدين نظر من اليحفل بغير الحق الصريح نظر من ال
يضيع النتائج بتشويش المقدمات نظر من يقصد اظهار الحقيقة ال اظهار
11
الفصاحة ،نظر من يريد وجه ربه ال استمالة الناس اليه ،وبذلك يعيدون
النواقص المعطله فى الدين ،ويهذبونه من الزوائد الباطلة ،ويرجعون بالدين
الى اصله المبين البرىء من حيث تمليك االيرادة ورفع البالدة من كل ما
يشين والمبصر بطرائق التعليم والتعلم الصحيحين ،وقيام التربية الحسنة
واسقرار االخالق المنتظمه0
لهذا كان األستبداد يستولى على العقول الضعيفة للعامة فضال عن
األجسام فيفسدها كما يريد ،ويشوش الحقائق فى االذهان كما يهوى
فينقادون الى المستبد انقيادا اعمى ،ويقاومون الرشد واألرشاد.
14
قد اتفق الحكماء الذين اكرمهم هللا بوظيفة األخذ بيد األمم فى بحثهم
عن المهلكات والمنجيات ،على أن فساد األخالق يخرج األمم عن أن تكون
قابلة للخطاب ،وأن اصالح األخالق من اصعب األمور وأحوجها الى الحكمة
البالغة والعزم القوى وذكرو أن فساد األخالق يعم المستبد وأعوانه وعماله
ثم يدخل العدوى الى كل بيت ،ال سيما بيوت الطبقة العليا التى تتمثل بها
السفلى ،وهكذا يفشو الفساد وتمسى األمة يبكيها المحب ويشمت فيها
العدو ،وتبيت ودائها عياء يتعاصى على الدواء.
وقد سلك األنبياء عليهم السالم ،فى انقاذ األمم من فساد األخالق مسلك
األبتداء :
أوال :بفك العقول من تعظيم غير هللا اواإلذعان لسواه ،وذلك بتقوية حسن
االيمان المفطور عليه وجدان كل انسان
15
األستبداد والتربية
خلق هللا األنسان وفيه استعداد للصالح واستعدادا للفساد فأباه يصلحانه أو
يفسدانه أى أن التربية تربو بأستعداد األنسان جسما ونفسا وعقال إن خيرا
فخير وإن شرا فشر،واألستبداد يؤثر فى األجسام فيورثها األسقام ويسطو
على النفوس فيفسد األخالق ،ويضغط على العقول فيمنع نمائها بالعلم هذا
األنسان الذى حمل االمانه وقد ابتها العوالم كافة ،فأتم خالقه استعداده ثم
أوكله لحريته وإختياره فال حد لغايته رقيا أو إنحطاطا فهو إن يشأ الكمال يبلغ
فيه إلى ما فوق مرتبة المالئكة ،وإن يشأ تلبس بالرزائل حتى يكون أحط من
الشياطين.
األنسان فى نشأته كالغصن الرطب فهو مستقيم لدن بطعه ولكن أهواء
التربيه تميل به الى يمين الخير أو الى شمال الشر،فإن شب يبس وبقى على
أمياله ما دام حيا بل وتبقى روحه الى ابد اآلبدين فى نعيم السرور ،بإيفائه
حق وظيفته فى الحياة ،أو فى جحيم الندم على تفريطه.
واألستبداد ريح صرصر يجعل األنسان كل ساعة فى شأن وهو مفسد للدين
فى اهم قسميه أى األخالق ،اما العبادات منه ال يمسها ألنها تالئمه فى األكثر
،ولذا تبقى األديان عبارة عن عبادات مجردة صارت عادات فال تفيد فى
تطهير النفوس شيئا وال تنهى عن فحشاء وال عن منكر ،لفقد األخالص فيها
تبعا لفقده فى النفوس التى ألفت الكذب والرياء والخداع والنفاق ونبذ الجد
وترك العمل وتربية الناس على هذه الخصال الملعونة0
وما ابعد األسراء عن قبول التربية التى هى قصر النظر على المحاسن والعبر
وقصر السمع على الفوائد والحكم وتعويد اللسان على قول الخير ،وتعويد
اليد على األتفان ،وتكبير النفس عن السفائس وتكبير الوجدان عن نصرة
الباطل ورعاية الترتيب فى الشئون ورعاية التوفير فى الوقت والمال،
واألندفاع بالكلية لحفظ الشرف وحفظ الحقوق ولحماية الدين ولحماية
الناموس وحب الوطن وحب العائلة وإلعانة العلم والضعيف وإحتقار
الظالمين وليس احتقار الحياة وكل ذلك ال ينبت إال فى ارض العدل وتحت
سماء الحرية 0
األستبداد والمال :
يقول الكواكبى " المال هو كل ماينتفع به قي الحياة القوة مال والوقت مال
والعقل مال والعلم مال والدين مال والثبات مال والجاه مال والجمال مال
والترتيب مال واألقتصاد مال والشهرة مال 0
والمال يستمد من الفيض الذى أودعه هللا تعالي في الطبيعة ونواميسها وال
يملك أن يختص بإنسان إال بعمل فيه أو في مقابله0
ويرى أن اعمال البشر في تحصيل المال الي :
إستحضار المواد األولية
تهيئة المواد لآلنتفاع بها
توزيعها علي الناس
وهي األصول التي تسمي بالزراعة والصناعة والتجارة وكل وسيلة خارجة
عن هذه االصول وفروعها فهي وسيلة ظالمة ويرى أن المال هو قيمة
األعمال وال يجتمع في ايد األغنياء إال بنوع من الغلبة والخداع وال يكون
احراز المال وادخاره محمودا إال بشروط ثآلثه وهي:
17
-أن يكون إحراز المال بوجه مشروع حالل على ما تقوم بتفصيله
الشرائع المدنية
-اال يكون في احراز المال تضييق علي حاجات الغير كاحتكار
الضروريات أو مزاحمة الصناع والعمال الضعفاء او التغلب علي
المباحثات مثل إمتال ك األراضي
-أال يتجاوز إدخار المال وإمتالكه قدر الحاجة بكثير ،ألن إفراط الثروة
مهلكة لألخالق الحميده في األنسان
لذلك فإن جميع األديان حرمت الربا ألنه كسب بدون مقابل مادى ففيه
معني الغصب ،وبدون عمل ألن المرابي يكسب وهونائم ،ومن دون
تعرض لخسائر طبيعية ففيه نماء مطلق يؤدى ألنحصار الثروات فبالربا
تربو الثروات فيختل التقارب والتساوى بين الناس0
ولهذا حرصت جميع األديان ان يؤخذ من مال األغنياء ويرد الي الفقراء
بحيث يحصل التعديل وال يموت النشاط للعمل0
ومن طبائع األستبداد أن األغنياء أعدائه فكرا وأوتاده عمال فهم ربائط
المستبد يذلهم فيئنون ويستدرهم فيحنون ولهذا يرسخ الذل في األمم التي
يكثر فيها األغنياء ،أما الفقراء فيخافهم المستبد ويتحبب اليهم ببعض
األعمال ظاهرها الرأفة ويقصد أن يغصب قلوبهم التي ال يملكون غيرها ،
وهم يخافونه خوف دنائة ونذالة 0
قرر األخالقيون ان األنسان يكون حرا تاما ما لم تكن له صنعة مستقل
فيها أى غير مرؤس ألحد ،ألن حريته الشخصية تكون تابعة ألرتباطه
بالرؤساء ،وعليه تكون أقبح الوظائف هي الوظائف الحكومية ،وقالوا إن
للصنعة تأثير في األخالق واألميال وهي من أصدق ما يستدل به علي
أحوال األمم واألقوام.
وقالوا :خير المال ما يكفي صاحبه ذل القلة وطغيان الكثرة ويقال الغني
غنى النفس ،والغني من قلت حاجته ،والغني من أستغنى عن الناس،
وقال بعض الحكماء :كل إنسان فقير بطبعه ،ينقصه مثل ما يملك فمن
يملك عشرة يرى نفسه محتاج لعشرة أخرى.
18
األستبداد والترقي:
الحركة هي سنة هللا في كل ما في الكون وهي حركة دائبة بين أرتفاع
وسقوط ،شخوص وهبوط ،فإذا ترقت أو انحطت أفراد أمةترقت او
انحطت هيئتها الجتماعية ،فإذا رئينا قى أمة آثار حركة الترقي هي الغالبة
علي أفرادها ،حكمنا لها بالحياة ،ومتي رأينا عكس ذلك كان الحكم أقرب
عليها بالموت .
ويرى الكواكبي أن الترقي الذى يتدرج فيه األنسان بفطرته وهمته هو :
أوال :الترقي فى الجسم صحة وتلذذا.
ثانيا :الترقي قي القوة بالعلم والمال.
ثالثا :ترقي النفس بالخصال والمفاخرة.
رابعا :الترقي بالعائلة استئناسا وتعاونا .
خامسا:الترقي بالعشيرة تناصرا عند الطوارىء .
سادسا :الترقي باألنسانية وهذا منتهي الترقي .
وهناك نوع آخر من الترقي يتعلق بالروح وبالكمال ،وهو ان االنسان
يحمل نفسا ملهمة بأن لها وراء حياتها هذه حياة أخرى تترقي اليها علي
سلم العدل والرحمة والحسنات .فأهل األديان ،ما عدا اهل التوراة ،
يؤمنون بالبعث أو التناسخ ،فيأتون بالعدل والرحمة رجاء المكافأة او
خوف المجازاة.
وهذه الترقيات بأنواعها الستة ال يزال يسعي اليها األنسان ،ما لم
يعترضه مانع غالب يسلب إرادته ،وهو إما قدر محتوم أو هو األستبداد
المشؤوم علي أن القدر قد يصدم سير الترقي لمحة ثم يطلقه فينطلق راقيا
،أما األستبداد فإنه يقلب السير في الترقي الي اإلنحطاط ،ومن التقدم الي
التأخر ومن النماء الي الفناء ،يالزم األمة مالزمة الغريم الشحيح ،
ويفعل فيها افعاله دهرا طويال .ويجعل أفراد األمة أسراء األستبداد حتي
األغنياء منهم كلهم مساكين ال حراك فيهم ،يعيشون منحطين في األدراك،
منحطين في األحساس ،منحطين في األخالق.
وقد أجمع الحكماء علي ان ما يجب عمله علي اآلخذين بيد األمم ،الذين
فيهم نسمة مروءة وشرارة حمية الذين يعرفون وظيفتهم نحو األنسانية،
19
يقول انه يجب تشخيص المرض تشخيصا مدققا وذلك بالبحث اوال
مراكز المرض ثم عن جراثيمه ليتعين بعد ذلك الدواء الشافي األسهل وجودا
و األضمن نتيجة و بالتنقيب ثانيا عن تدبير إدخاله في جسم األمة بحكمة
.تصرع العناد و الوهم و تتغلب على مقاومة أعضاء الذوق و الشم
ووصف هذه الحالة بالفتور فال نكاد نجد اقليمين متجاورين او ناحيثين فى
اقليم او قريتين فى ناحيه او بيتين فى قريه احدهما مسلمون و اآلخر غير
مسلمين اال و نجد المسلمين اقل نشاطا وانتظاما فى جميع شئونهم واقل
اتقانا من نظرائهم فى كل فن و صنعة والفتورعام كونه شامال للجميع فى
مشارق االرض ومغاربها ال يسلم منه اال افراد شاذه لدرجة توهم كثير من
الحكماء ان االسالم و النظام ال يجتمعان .ويرى ان مقاالت الكتاب و
:الفضالء فى هذا الموضوع في ذلك العصر تتلخص فى اربعة مقاصد
بيان الحالة الحاضرة ووصف اعراضها بوجه عام وصفا بديعا يقيد 1-
.التأثرويدعو الى التدبر على ان ذلك ال يلبث اال عشية او ضحاها
بيان سبب الخلل النازل و هو الجهل الشامل بيان اجمال و تلميح مع ان 2-
.المقام يقتضى عدم االحتشام من التفصيل و التشريح
.انذ ار االمة بسوء العاقبة بها انذارا هائال تطير منه النفوس 3-
20
توجيه اللوم و التبعه على االمراء و العلماء على الكافه لتقاعسهم عن 4-
استعمال قوة االتفاق على النهضه مع ان االتفاق وهم متشاكسون متعذر ال
.متعسر
:اسباب الفتور
ثالثة انواع :دينية و سياسية و اخالقية
:اسباب دينيه
تأثيرعقيدة الجبر و فتن الجدل فى افكار االمه .والتفرق فى الدين و الذهول
عن سماحة الدين وسهولة التدين به و تشديد الفقهاء المتأخرين فى الدين
خالفا للسلف وادخال العلماء المدلسين على الدين مقتبسات كتابيه وخرافات
وبدعا مضره وادخال المدلسين والمقابريه على العامه كثيرا من االوهام
وايهام الدجالين و المداجين ان فى الدين امور سرية و أن العلم حجاب
واعتقاد منافاة العلوم الحكمية والعقلية للدين والغفله عن حكمة الجماعة
والجمعة وجمعية الحج وتأثير المزهدات فى السعى والعمل وزينة الحياة
وتشويش افكار االمة بكثرة تخالف اآلراء فى فروع احكام الدين وفقد امكانية
مطابقة القول للعمل فى الدين بسبب التخليط و التشديد وتطرق الشرك
الصريح او الخفى الى عقائد العامة والتعصب للمذاهب وآلراء المتأخرين
وهجر النصوص ومسلك السلف
ِ وتكليف المسلم نفسه ما اليكلفه به هللا وتهاونه فيما هو مأمور به
تفويض خدم الدين للجهالء وفقد قوة الرأى العام بالحجر و التفريق ،و
انغماس االمراء فى الترف و دواعى الشهوات ،وحصر االهتمام السياسى
.بالجبايه و الجنديه
:عالج الفتور
يجب تدارك هذا الفتور سريعا واال فتنحل عصبيتهم كليا وجرثومة
.الداء الجهل المطلق و اضر فروع الجهل هو الجهل فى الدين
:و الدواء هو
.اوال :تنوير االفكار بالتعليم
.ثانبا :ايجاد شوق للترقى فى رؤوس الناشئة
:وسيلة المداواة
.عقد الجمعيات التعليميه و القانونية
:المكلفون بالتدبير
.حكماء و نجباء االمه من السراه و العلماء
.والكفاءة الذالة هذا الفتور بالتدريج موجودة فى العرب خاصة
ويلزم تشكيل جمعية ذات مكانة ونفوذ باسم جمعية تعليم الموحدين فقوة
جمعية منتظمة من نجباء احرار وحكماء احرار كافية ألن تخرق طبل حزب
الشيطان و تسترعى سمع االمه مهما كانت فى رقاد عميق و تقودها الشاط
.مهما كانت فى فتور مستحكم
القول الصريح فى النصيحة للدين بدون رياء وال استحياء وال مراعاة ذوق *
.عامة او عتاة
ترك اختالف المذاهب جانبا التى نحن متبعوها تقليدا وان نعتمد ما نعلم من *
صريح الكتاب و السنه و ثابت االجماع وذلك لكى ال نتفرق فى اآلراء و
.ليكون ما نقرره مقبوال عند جميع اهل القبلة
عدم االصرار على الرأى الذاتى و عدم االنتصار له و اعتبار أن ما يقوله *
ويبديه ما هو اال خاطر سنح له فربما كان صوابا أو خطأ فما احد منا ملزم
برأى يبديه و ال هو بملوم عليه وله ان يعدل او يرجع عنه الى ضده ألننا
.باحثون ال متناظرون
.ال يهولنا تفاقم اسباب الضعف و الفتور كى ال نيأس من روح هللا *
ومنذ أذن إبراهيم سرت الصيحة فى الوجود عبر الزمان والمكان فهفت
أفئدة طالبة عاشقة محبة تهوى الى بيت هللا أينما كانوا الطالبين وحيثما كان
البيت وسقط الزمان والمكان
وها هو احد النتسبين آلل البيت يطلق صيحة حقية فى مواجهة ظلم
االستبداد داعيا الى اعمال العقل وحرية التفكير بعيدا عن الزيف والتشدد
والتشويش والتزيد والرجوع الى فطرة هللا " فطرة هللا التي فطر الناس
عليها ال تبديل لخلق هللا ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس اليعلمون الروم30:
" فطرة هللا النقية الملهمة الي المعاني الحقية وهو يعلم انه عندما اطلقها
فهي صيحة قد تكون في وقتها فى مهب الريح إال انه يعلم انها ال تضيع هباء
ولكنها باقية وسوف تؤتي ثمارها ما شاء هللا لها لتخلع اوتاد الظلم فى يوم
من االيام ،حتي لو كان ثمن تلك الصيحة هو حياته وهو يعلم ذلك ،وشاء
هللا أن يحقق له ذلك ومات شهيدا في سبيل دعوته الي الحق .
وقد أتخذ لنفسه منبرا يبلغ منه افكاره وآراءه ،ويدعو من خالله الناس
من جميع االديان مسلين ومسيجيين ويهود وبوذيون الى الرجوع الى اصل
دينهم وجوهره ليجدوا أن جميع الشرائع تدعوا الي عبادة الواحد األحد ال
شريك له ،ودعاهم الى أن يعملوا جميعا الى نبذ الخالفات والبعد عن
المهاترات والمناظرات فى الفروع والصغائر والتفاهات والرجوع الي
الجوهروالحفاظ علي الحياة وكسبها والرقى باألنسان ،ليصبح األنسان
انسانا ويكون حقا خليفة هللا على األرض .
ونادى على اهل الشرق حملة الديانات وما اصابهم من تواكل وفتور من
كثرة ما اصاب دياناتهم من بدع وزيادات وتشدد وتناحر وتناظر فى الفروع
والقشور حتى ضاع الدين الحق وطالبهم بأعمال العقل وحثهم على العمل
والجد واألجتهاد والبحث والعلم .
ونادى على أهل الغرب وما صار اليه حال أهله من حب جم للمال
فأصبحوا ماديين وتركوا الدين لظنهم أنه مدعاة للتخلف والتكاسل وتناسوا ما
فيه من قيم روحية تحث على كسب الحياة والعمل واالجتهاد وحذرهم من
سوء العاقبة ألن النفس التشبع مهما أوتت من مال فإن كان لألنسان وادى
من فضة أراد أن يكون له واديان ،وأوصاهم بأخوانهم بالشرق النهم
المحافظون لهم على المبادىء واألخالق واالديان وما فيها من قيم
26
وها نحن االن وبعد مائة سنه أو يزيد نستمع الي صيحه الحق وما زال دعاء
اهل البيت ينطلق في اآلفاق ليعم األرض جميعا بل فى أثير الكون محمال
بالرحمة والنور ومعانى الحق ليعود الناس الى فطرتهم السليمة ويكسبوا
كرتهم لينتقلوا اصحاء بالحب والحرية فى معراج الحق الالنهائي وقد تلقي
تلك الصيحة فى األثير قلبا طالبا او عقل منيرا أو نفس صافية تستقبلها
وتتفاعل معها وتكسبها فتتالقي األرواح دون أن تتالقياألجساد0
ونحن ندعوا معه هللا ليحق الحق بكلماته ويزهق الباطل بقدرته ،
فمشيئة هللا فاعلة في صراع دائم ال ينتهي بين الخير والشر بين النور
والظالم ،بين الحق والباظل ،وليس لألنسان اال ما سعي ،وليس لألنسان إال
ما وعي ،وليس لألنسان إال ما أراد أن يكون متفكرا متأمال متدبرا عامال
فاعال في معسكر الحق أو معسكر الباطل ،وعلى قدر استطاعته وسعته ال
يكلف اال بهذا القدر ،وما عليه إال ان يبذل كل جهده فيما كلفه هللا على قدر
استطاعته0
ليكون من أصحاب النفس التقية التي تتقي افكار السوء وأخالق السوء
وأفعال السوء وكل الرزائل فيكون من أصحاب الفضائل المتخلقون بأخالق
هللا فيكون كتاب هللا آياته وسنة رسوله هدا لهم ،فيدفع فى اتجاه ما يراه أنه
الحق بيده أو بلسانه أو بقلبه وبكل ما يملك ،وخير ما يملك هوالدعاء
والرجا واألمل ،وكفى باهلل معينا ومجيبا ،وقوى الخير والرحمة والنور فى
السماوات واألرض معه تعينه وتساعده .