You are on page 1of 30

‫‪1‬‬

‫السيد ‪/‬عبدالرحمن الكواكبى‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫لقد كان عبد الرحمن الكواكبي من اعالم الفكر االسالمى لمدرسةالتجدبد ال تى‬
‫بدأها الشيخ رفاعه الطهطاوى واالمام محمد عب ده وال تى ارادت تجدي د حي اة‬
‫المسلمين بتجديد الدين والرجوع به الى اصله الم بين واساس ه اعم ال العق ل‬
‫وتحرير الضمائرمن حيث تمليك االرادة ورفع البالدة وتنقية الدين من ك ل م ا‬
‫ادخل عليه مما يش ين فال دين ه و المبص ر بطرائ ق العلم والتعلم الص حيحين‬
‫لقيام التربية الحسنة واستقرار االخالق المنتظمة وب ذلك يع د االنس ان انس انا‬
‫ويعيش الناس إخوانا ‪0‬‬

‫و هي تجربة إنسانية اتسمت بمعايشة وتفعيل معاني الدين بطريقة واقعي ة من‬
‫خالل جهاده ضد الظلم واالستبداد والدفاع عن حقوق المظل ومين فل ه أه داف‬
‫ومب ادئ س امية ال يتخلى عنه ا ح تى ان ه في كث ير من المواق ف تخلى عن‬
‫وظيفت ه أو منص به عن دما وج د أن الوظيف ة أو المنص ب س تكون ح ائال ً في‬
‫تحقيق رسالته وأهدافه ‪0‬‬

‫وفد فكر وتأمل فى احوال المسلمين وما اصبح حالهم علي ه من خم ول وبالده‬
‫وتواكل وجمود واحباط ولهو وعبث نتيج ة التفري ط فى ام ر دينهم واتخ اذهم‬
‫من الع ادات والخراف ات والزي ادات ال تى ادخلت على ال دين ومن الش يع‬
‫واالحزاب والمذاهب ومن افكار وآراء الفقهاء مقدسات وعب ادات فبع دوا ك ل‬
‫البعد عن الدين االسالمى الحنيف بتل ويثهم لفط رتهم النقي ة ال تى فط رهم هللا‬
‫عليها فبحث فى االسباب فخلص ان االستبداد هو اس البالء به تنحط االخالق‬
‫وتهدم الحضارات وتنهار االمم فال علم وال دين والتربيه وال مج د وال أص اله‬
‫بل اكثر من ذل ك فه و يقلب الحق ائق فيس مى الجاه ل ع الم والم رائى ص ادق‬
‫أمين والمتردد ملهم والنذل شجاع ‪0‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد تم ق راءة افك اره من خالل مؤلفات ه فى الكت ابين الل ذين ق ام بكتابتهم ا‬
‫وهما " كتاب طبائع االستبدا ومصارع االستعباد وكتاب أم القرى"‬

‫نشأته وحياته‬
‫ولد السيد ‪ /‬عبد الرحمن الكواكبي في حلب عاصمة سوريا عام ‪ 1854‬م – *‬
‫‪ 1271‬هـ فى أسرة عربية تمتد جذورها إلى اإلمام ‪ /‬على بن أبى طالب (كرم‬
‫هللا وجهه ) وقد تعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم على يد الشيخ‬
‫‪ .‬طاهر الكنزى‬
‫ولقد قام بفتح مكتب للمحاماة للدفاع عن المظلومين كما انه تخلى عن *‬
‫وظيفته في محكمة وعمل كحرضحالجى للقيام بكتابة شكاوى المظلومين ضد‬
‫االستبداد العثماني محاوال ً القيام بإصالح اجتماعي واقتصادي وديني‬
‫‪.‬للمجتمع‬
‫بعد أن أتقن التركية في إنطاكية ودرس الشريعة واألدب وعلوم الطبيعة *‬
‫والرياضة في المدرسة الكوكبية الذي كان يشرف عليها ويدرس فيها والده‬
‫مع سادة من كبار العلماء استطاع بعد ذلك أن يطلع على علوم السياسة‬
‫والمجتمع والتاريخ والفلسفة وكان ذلك باطالعه على كنوز المكتبة الكوكبية‬
‫‪ .‬التي تحتوى على مخطوطات قديمة وحديثة‬
‫شغل مناصب كثيرة في المالية والمعارف العمومية العامة ورئاسة غرفة *‬
‫التجارة ولجنة امتحان المحامين وكانت كل هذه المناصب ال تجعله تابعا‬
‫للحكام العثمانيين أو تغيير منهجه في نصرة الحق وخدمة المظلومين فى‬
‫المجتمع الذي نشأ فيه ‪0‬‬
‫بدأ حياته بالكتابة في الصحافة ولكن تخلى عن وظيفته في الجرائد *‬
‫الرسمية عندما أحس انه لم يستطيع إن يعبر بحرية عن آراءه وأفكاره ضد‬
‫الظلم والمستبدين وأنشأ جريدتين باسم جريدة اعتدال وجريدة الشهباء ولكن‬
‫بسبب أفكاره وآراءه ضد السلطة العثمانية قام العثمانيين بإغالق الجريدتين‬
‫‪3‬‬

‫وقاموا بمحاربة تجارته وحرق مزروعاته فقام بالكتابة في صحف عربية‬


‫‪.‬تصدر فى بلدان عربية‬
‫قام بإصدار كتابين األول بعنوان ( ام القرى ) والذي يتضمن إنشاء جمعية *‬
‫إسالمية تضم مندوبي المسلمين للتفكير فى األسباب التي أدت إلى تدهور‬
‫‪.‬حال المسلمين و كيفية معالجة األسباب‬
‫والكتاب الثانى بعنوان ( طبائع االستبداد ومصارع االستبداد ) وتضمن ان‬
‫استبداد العثمانيين كان في جميع مناحي الحياة واعتبر المستبد انه هو العامل‬
‫الرئيسي لتدهور األمة كما كا ن له مفاهيم في معاني االستبداد والدين‪،‬‬
‫االستبداد والعلم ‪ ،‬العروبة ‪ ،‬المرأة ‪ ،‬االستبداد والمال ‪ ،‬االستبداد واألخالق ‪،‬‬
‫االستبداد والترقي ‪0‬‬

‫لقد تعرض الكواكبى ألسوء أنواع االضطهاد التي وصلت إلى السجن ظلما ً *‬
‫لمدة عام تقريبا ً بعد ان كان يقترض ليعيش عندما صودرت أمالكه ثم تعرض‬
‫لالغتيال ولقد نجا منه بأعجوبة بعد إن طعنه المغتال عدة طعنات مما اضطره‬
‫الى الهروب الى مصر عام ‪ 1900‬الستكمال رسالته ولكن يد المستبد وصلت‬
‫اليه حيث تم دس السم له في قهوته وانتقل الى جوار ربه فى يوم ‪ 5‬من شهر‬
‫ربيع األول عام ‪ 1320‬هـ الموافق ‪ 4‬من يونيو عام ‪ 1902‬م عن عمريناهز‬
‫‪ 47 .‬عام‬

‫افكاره وفهمه فى الدين ‪:‬‬


‫ال فائدة لدين ال يعمل به‪:‬‬
‫يقول الكواكبي "اناشدكم باهلل يا مسلمين ‪ :‬اال يغرنكم دين ال تعملون به‪ ،‬وإن‬
‫كان خير دين وال تغرنكم أنفسكم انكم أمة خير أو خير أمة ‪ ،‬أنتم المتواكلون‬
‫المقتصرون علي شعار‪ :‬ال حول وال قوة اال باهلل العلي العظيم ‪ .‬ونعم شعار‬
‫شعارالمؤمنين ولكن أين هم ؟ إني ال ارى أمامي أمة تعرف حقا معني ‪ :‬ال إله‬
‫إال هللا ‪ ،‬بل أمة خبلتها عبادة الظالمين‪".‬‬
‫‪4‬‬

‫ال فائدة من القيام في العبادات شكال وتقليدا‪:‬‬


‫ويقول الكواكبي" وال أظنكم تجهلون أن كلمة الشهادة ‪ ،‬والصوم والصالة ‪،‬‬
‫والحج والزكاة‪ ،‬كلها ال تغني شيئا مع فقد اإليمان إنما يكون القيام بهذه‬
‫الشعائر ‪ ،‬قياما بعبادات وتقليدات وهوسات تضيع بها األموال واألوقات "‬
‫والدين ما يدين به الفرد ال ما يدين به المجموع ‪ ،‬والدين يقين وعمل ‪ ،‬ال علم‬
‫وحفظ في االذهان "‪0‬‬

‫ويقول كذلك " إن الصالة تنهي عن الفحشاء والمنكر لكنها ال تمنع الفحشاء‬
‫والمنكر " ألن القيام بها شكال ال تمنع القيام بالفحشاء والمنكرألن ذلك يحتاج‬
‫الي تدريب وتمرين للعقل ليسمو وللجوارح للتطهر وللنفس لتصفو وهذا ما‬
‫يفعله المربون والرواد ‪0‬‬

‫يتضح فهمه وافكاره فى الدين من خالل نصائحه الى شباب االمه بكلمات‬
‫بسيطه ال تحتاج الى مراجع وال معاجم والمعلمين وال كهنة وال مرشدين‬
‫دينيين ولكنها تساعد الشباب وتدفعهم الى الصدق والعلم والعمل بجد‬
‫والحفاظ على الوقت والبحث عن السعادة فيما بين ايديهم لبناء مستقبلهم‬
‫دون الوقوف على سرد احداث الماضى والعيش على حكاياته ولخص ذلك‬
‫فيمايلى‪:‬‬

‫‪ -1‬دينى ما اظهروال اخفى‬


‫‪ -2‬اكون حيث يكون الحق وال ابالى‬
‫‪-3‬انا حر وسوف اموت حرا‬
‫‪-4‬أنا مستقل ال اتكل على غير نفسى وعقلى‬
‫‪-5‬انا انسان الجد واالستقبال الانسان الماضى والحكايات‬
‫‪ -6‬نفسى ومنفعتى قبل كل شىء‬
‫‪ -7‬الحياة كلها تعب لذيذ‬
‫‪-8‬الوقت غالى عزيز‬
‫‪5‬‬

‫‪ -9‬الشرف فى العلم فقط‬


‫‪ -10‬اخاف هللا ال اخاف سواه‬

‫االستبداد ومقاومته‬
‫ما هو االستبداد‪:‬‬

‫اإلستبداد هو لغة غرور المرء برأيه واألنفةعن قبول النصيحةأو اإلستقالل‬


‫في الرأىوفي الحقوق المشتركه ويراد باإلستبداد علي اطآلقه‪ :‬إستبداد‬
‫الحكومات خاصة ألنها أعظم مظاهر أضراره التي جعلت اإلنسان أشقي ذوى‬
‫الحياة‬
‫وأما تحكم النفس علي العقل وتحكم األب والزوج واألستاذ ورؤساء بعض‬
‫األديان وبعض المصالح فيوصف باإلستبداد مجازا أو مع اإلضافة‪0‬‬

‫عاش الكواكبي وقضية حياته هى مقاومة االستبداد فقد رآه آفه االفات التى‬
‫تنخر جسد االمة وعقلها وقلبها وان المسلمون قد اصيبوا بهذا الداء منذ‬
‫الف سنة منذ بداية الدوله العباسية حيث ابتلى المسلمون بالحكام المستبدين‬
‫والحكومات المستبدة التى سلبت االموال وضيعت الحقوق ونشرت الفساد و‬
‫أزهقت االرواح وحاربت العلم والعلماء ورفعت مراتب الجهالء والمرائين‬
‫والفاسدين‪ ،‬فانقلبت الموازين وضاعت التربية واألخالق وازداد الجهل‬
‫والفقر والمرض وعم البالء وانتشرت البالدة والتواكل واالتكال ‪ ،‬وضيع‬
‫الدين بين الغوغائيين وتناحر المتناظرين فى توافه األمور ‪0‬‬

‫كل ذلك يرجعه الكواكبى الى األستبداد فهو يرى ان ما اصاب‬


‫المسلمون من فتور وبالدة وما اصاب الدين من زيادات وتروهات وما فرقه‬
‫الى مذاهب وشيع وفرق ونحل انما هو االستبداد ‪ ،‬كذلك ما اصاب العلم من‬
‫تأخر وما اصاب العلماء من عدم البحث والنبوغ وما اصاب المسلمون من‬
‫انحطاط بين االمم فهو االستبداد كذلك ما ساءت االخالق وما ضاعت التربية‬
‫االبسبب االستبداد بل اكثر من ذلك فإن ضياع الثروة الطبيعية والثروة العامة‬
‫‪6‬‬

‫لالمة االسالمية وطمع األمم االخرى بل واستعمارها لألمة االسالمية ماكان‬


‫اال بسبب االستبداد والحكومات المستبدة‬

‫اوال‪ :‬األستبداد والدين ‪:‬‬


‫يقول الكواكبى‪ :‬تضافرت آراء اكثر العلماء الناظرين فى التاريخ‬
‫الطبيعى لالديان على ان االستبداد السياسى متولد من االستبداد الدينى وان‬
‫لم يكن هناك توليد فهم اخوان فهما حاكمان احدهما فىاالجسام واآلخر فى‬
‫عالم القلوب ويرى ان العلماء مصيبون فى حكمهم بالنظر الى اساطير‬
‫االولين والقسم التاريخى من التوراة والرسائل المضافة الى االنجيل ولكنهم‬
‫مخطئون فى حق االقسام التعليمية واالخالقية الوارده فى هذه االديان كما هم‬
‫مخطئون حيث نظرو الى ان االسالم جاء مؤيدا لالستبداد السياسى وهم‬
‫معذورون حيث قالوا اننا ال ندرك دقائق القرآن نظرا لخفائها علينا فى طى‬
‫بالغته وال العلم باسباب نزول آ ياته وانما نبنى نتيجتنا على مقدمات ما‬
‫نشاهد‪0‬‬
‫ويقولوا إن التعاليم الدينية ومنها الكتب السماوية تدعو البشر الى‬
‫خشية قوة عظيمة هائلة التدرك العقول كنهها ويرون ان هذه القوة تتهدد‬
‫االنسان بكل مصيبة فى الحياة الدنيا فقط كما فى البوذية واليهوديه او فى‬
‫الحياة وبعد الممات كما فى المسيحية واألسالم وهذا التهديد ترتعد منه‬
‫الفرائص فتخور القوى وتنذهل منه العقول فتستسلم للخبل والخمول ثم تفتح‬
‫ابواب النجاة من تلك المخاوف نجاة ورائه نعيم مقيم ‪.‬‬
‫ولكن على تلك األبواب حجاب من البراهمة والكهنة والقساوسة‬
‫وأمثالهم‪ ،‬الذين ال يأذنون للناس بالدخول مالم يعظموهم ويرزقوهم بأسم‬
‫النذر أو ثمن الغفران حتى أن اولئك فى بعض االديان يمنعوا االرواح بلقاء‬
‫ربها مالم يأخذوا منهم مكوس المرور وفدية الخالص من مطهر االرواح‬
‫وهؤالء هم المهيمنون على االديان‪0‬‬
‫كذلك فإن السياسيين يبنون استبدادهم على هذا االساس فهم‬
‫يسترهبون الناس بالتعالى الشخصى والتشامخ الحسى ويزلوهم بالقهر‬
‫والقوة وسلب االموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم عاملين الجلهم يتمتعون‬
‫‪7‬‬

‫بهم كأنهم نوع من االنعام يأكلون لحومها ويركبون ظهورها ويرى‬


‫السياسيون ان االستبداد والدين يمشيا متكاتفين وأن اصالح الدين أسهل‬
‫واقرب طريقا ألصالح السياسة ‪0‬‬

‫الكواكبي والنظرة األنسانية بعيدا عن التعصب الديني‪:‬‬

‫يقول الكواكبى " ما احوج الشرقيين من بوذييين ومسلمين ومسيحيين‬


‫واسرائلين وغيرهم الي حكماء ال يبالون بغوغاء العلماء المرائين األغبياء ‪،‬‬
‫والرؤساء القساة الجهالء ‪ ،‬فيجددون النظر الي الدين ‪ ،‬نظر من ال يحفل‬
‫بغير الحق الصريح ‪ ،‬نظر من ال يضيع النتائج بتشويش المقدمات ‪ ،‬نظر من‬
‫يقصد إظهارا الحقيقة ال إظهار الفصاحة ‪،‬نظر من يريد وجه ربه الإستمالة‬
‫الناس اليه‪ ،‬وبذلك يعيدون النواقص المعطلة فى الدين ‪ ،‬وبهذبونه من‬
‫الزوائد الباطلة مما يطرأ علي أى دين يتقادم عهده ‪ ،‬فيحتاج الي مجددين‬
‫يرجعون به الي اصله المبين البرىء من حيث تمليك األرادة ورفع البالدة‬
‫من كل ما يشين "‪0‬‬

‫رد الكواكبى على من يدعون على االسالم بانه جاء مؤيدا لالستبداد‬
‫ال سلطة دينية أو تغلبية تتحكم فى النفوس أو االجسام‬
‫‪ -‬جاء االسالم مهذبا لليهودية والنصرانية مؤسسا على الحكمة والعزم‬
‫هادما للتشريك بالكلية ومحكما لقواعد الحرية السياسية وبين‬
‫الديمقراطة واالرستوقراطية‪ ،‬فأسس التوحيد‪ ،‬ونزع كل سلطة دينية او‬
‫تغلبية تتحكم فى النفوس او االجسام ووضع شريعة حكمة اجمالية‬
‫صالحة لكل زمان ومكان واوجد مدنية فطرية سامية وأوجد للوجود‬
‫حكومة لم يسمح الزمان بمثلها بين البشر‪.‬‬
‫عدم األستبداد بالرأى‬
‫‪ -‬جاء القرآن مشحونا بتعاليم أماتة االستبداد واحياء العدل‬
‫والتساوى"مثل قصة بلقيس ملكة سبأ" ليتعلم الناس كيف يستشير‬
‫‪8‬‬

‫الملوك المالء ومثل قوله " وشاورهم فى األمر" من سورة آل عمران‬


‫‪ 159‬ومن قوله" يا أيها الذين آمنوا أطيعو هللا وأطيعو الرسول وأولى‬
‫األمر منكم" سورة النساء‪ :‬اى اصحاب الرآى والشأن منكم اال انه قد‬
‫ضاع معنى أولى االمرحيث اغفل العلماء كل هذه المعانى ‪0‬‬
‫العدل والمساواة بين الناس‬
‫‪ -‬وجاء فى القرآن" إن هللا يأمر بالعدل"سورة النحل " وأذا حكمتم بين‬
‫الناس أن تحكموا بالعدل"النساء ‪58‬أى التساوى ‪ ،‬ثم استنتج اكواكبى‬
‫عدم اطاعة الظامين وإن قال بوجوبها بعض الفقهاء دفعا للفتنة ويرى‬
‫ذلك تضليل لالفهام ألن هؤالء العلماء جعلوا للفظ العدل الذى يأمر به‬
‫هللا معنا عرفيا هو الحكم بما قاله الفقهاء حتى اصبح لفظ العدل اليدل‬
‫على غير المعنى هذا ويرى ان فقهاء االستبداد جاءوا بتقديس الحكام‬
‫عن المسئوليه حتى أنهم أوجبو لهم الحمد اذا عدلوا وأوجبوا الصبر‬
‫عليهم إذا ظلموا ‪0‬‬
‫اإلسالم يدعو الي الحرية والديمقراطية‪:‬‬
‫‪ -‬وقد اوضح ان القواعد االسالمية مؤسسة على اصول الحرية برفعها‬
‫كل سيطرة وتحكم فهى تأمر بالعدل والمساواة والقسط واالخاء‬
‫وتحض على االحسان والتحابب وقد جعلت اصول حكومتها الشورى‬
‫األريستوقراطية اى شورى اهل الحل والعقد فى االمة بعقولهم ال‬
‫بسيوفهم وجعلت اصول ادارة االمة التشريع الديمقراطى فال يوجد‬
‫نفوذ دينى مطلقا ‪0‬‬

‫اطالق الفكر واعمال العقل‬


‫‪ -‬ويستمرالكواكبى في الرد على المتأولين بقوله" إن دين االسالم مبنى‬
‫على العقل المحض وهو موصوف بدين الفطرة‪ ،‬وال اعنى باالسالم ما‬
‫يدين به اكثر المسلمين اآلن ‪ ،‬وانما اريد باالسالم ‪ :‬دين القرآن اى‬
‫الدين الذى يقوى على فهمه من القرآن كل انسان غير مقيد الفكر‬
‫بتفحص زيد او تحكم عمر‪0‬‬
‫‪9‬‬

‫‪ -‬فال شك فى ان الدين اذا كان مبنى على العقل ‪ ،‬يكون افضل صارفا‬
‫للفكر عن الوقوع فى مصائد المخرفين‪ ،‬وأنفع وازع يضبط النفس من‬
‫الشطط‪ ،‬أقوى مؤثر لتهذيب االخالق‪ ،‬وأكبر معين على تحمل مشاق‬
‫الحياة‪ ،‬وأعظم منشط على االعمال المهمة الخطرة‪ ،‬وأجل مثبت على‬
‫المبادىء الشريفة‪0‬‬
‫‪ -‬وفى النتيجة يكون اصح مقياس يستدل به على االحوال النفسية فى‬
‫األمم واألفراد رقيا وانحطاطا‪ ،‬وإن الناظر فى القرآن حق النظر يرى‬
‫أنه ال يكلف االنسان باألذعان لشىء فوق العقل ‪ ،‬بل ينهاه اتباعا لرأى‬
‫الغير أوتقليدا لآلباء ‪ .‬ويراه طافحا الى اعمال األنسان فكره ونظره فى‬
‫الكائنات وعظيم انتظامها ‪ ،‬ثم يستدل على الصانع الذى ابدعها ثم‬
‫االنتقال الى معرفة الصفات التى يستلزم أن يكون هذا الصانع متصفا‬
‫بها ‪ ،‬أو منزها عنها‪.‬‬

‫عبادة هللا وحده ال شريك له‬


‫‪ -‬وكفى باألسالم رقيا فى التشريع رقيا بالبشر الى منزلة حصره أسارة‬
‫األنسان فى جهة شريفة واحدة وهى "هللا" وعتق عقل البشر عن‬
‫توهم وجود قوة ما فى غير هللا من شأنها أن تأتى بخير ما أو تدفع‬
‫عنه شر ما‪ ،‬فاألسالم يجعل األنسان اليرجو وال يهاب من رسول أو‬
‫نبى أو ملك أو فلك ‪ ،‬أو ولى أو جنى‪ ،‬أو ساحر أو كاهن ‪ ،‬أو شيطان‬
‫أو انسان‪".‬‬

‫البعد عن الموروثات المنقولة من االوهام والخياالت‬


‫‪ -‬بتعاليم اإلسالم يرمى االنسان عن عاتقه جباال من الخوف واألوهام‬
‫والخياالت ‪ ،‬جباال اعتقدها منذ كان يسرح مع الغيالن ‪ ،‬أو ورثها عن‬
‫ابيه آ دم الذى طغاه الشيطان أو ليس العتيق من االوهام يصبح صحيح‬
‫العقل ‪ ،‬قوى االرادة ‪ ،‬ثابت العزيمة ‪ ،‬قائده الحكمة ‪ ،‬سائقه الوجدان‬
‫‪،‬فيعيش حرا ‪ ،‬فرحا صبورافخورا‪ ،‬ال يبالى حتى بالموت لعلمه‬
‫بالسعادة التى يستقبلها التى مثلها له القرآن‪ ......‬فيها كل ما تشتهي‬
‫النفس وتقر به العينان ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫أسف الكواكبي وحسرته لما حدث لإلسالم‬


‫ويأسف الكواكبى لما حدث لهذا الدين القيم فيقول" وا أسفاه على هذا‬
‫الدين الحرالحكيم السهل السمح الظاهر فيه معانى الرقى على غيره من‬
‫سوابقه ‪،‬الدين الذى رفع االصر واالغالل ‪ ،‬واباد الميزة واالستبداد‪ ،‬الدين‬
‫الذى ظلمه الجاهلون فهجروا حكمة القرآن ودفنوها فى قبور الهوان‬
‫الدين الذى فقد االنصار االبرار والحكماء االخيارفسطا عليه‬
‫المستبدون والمترشحون ل ٍالستبداد وجعلوه آلة الهوائهم السياسية فضيعو‬
‫مزاياه‪ ،‬وحيروا اهله بالتفريع والتوسيع والتشديد والتشويش واتخذوه‬
‫وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم االمة شيعا ‪ ،‬وادخال ماليس فيه كما فعل قبلهم‬
‫أصحاب االديان السائرة حتى جعلوه دينا حرجا يتوهم الناس فيه أن كل ما‬
‫دونه المتفننون بين دفتى كتاب ينسب ألسم اسالمى هو من الدين‬
‫وبمقتضاهاأال يقوى على القيام بواجباته وآدابه ومريداته إال من العالقة له‬
‫بالحياة الدنيا بل ةاصبحت حتى حياة االنسان طويل العمر العاطل عن كل عمل‬
‫ال تفى بتعاليم ماهى االسالمية عجزا عن التمييزبين الصحيح والباطل من تلك‬
‫االراء المتشعبة التى أطال أهلها فيها الجدل والمناظرة ‪0‬‬

‫وفى النهاية قال اللهم إن المستبدين وشركائهم قد جعلوا دينك غير‬


‫الدين الذى أنزلت‪ ،‬فال حول وال قوة اال بك "‪0‬‬

‫الحاجة الي حكماءإلظهار الحقيقة‪:‬‬

‫وقد وجه نداءا الى اصحاب الديانات من الشرقيين فقال " ما احوج الشرقيين‬
‫اجمعين من بوذيين ومسلمين ومسيحيين واسرائيليين وغيرهم‪ ،‬الى حكماء‬
‫ال يبالون بغوغاء العلماء المرائيين االغبياء ‪ ،‬والرؤساء القساة الجهالء ‪،‬‬
‫فيجددون النظر فى الدين نظر من اليحفل بغير الحق الصريح نظر من ال‬
‫يضيع النتائج بتشويش المقدمات نظر من يقصد اظهار الحقيقة ال اظهار‬
‫‪11‬‬

‫الفصاحة ‪ ،‬نظر من يريد وجه ربه ال استمالة الناس اليه ‪ ،‬وبذلك يعيدون‬
‫النواقص المعطله فى الدين ‪ ،‬ويهذبونه من الزوائد الباطلة‪ ،‬ويرجعون بالدين‬
‫الى اصله المبين البرىء من حيث تمليك االيرادة ورفع البالدة من كل ما‬
‫يشين والمبصر بطرائق التعليم والتعلم الصحيحين ‪،‬وقيام التربية الحسنة‬
‫واسقرار االخالق المنتظمه‪0‬‬

‫تحذير من فقد الدين كليا ‪:‬‬

‫والشرقيون ما داموا على حاضر حالهم بعيدين عن الجد والعزم ‪،‬‬


‫مرتاحين للهو والهزل تسكينا آلالم إسارة النفس ‪ ،‬وإخالدا للخمول‬
‫والتسفل ‪ ،‬طلبا لراحة الفكر المضغوط عليه من كل جانب ‪ ،‬يتألمون من‬
‫تذكيرهم بالحقائق ‪ ،‬ومطالبتهم بالمال ‪ ،‬ينتظرون زواال العناد بألتواكل ‪ ،‬أو‬
‫مجرد التمنى والدعاء او يتربصون مصادفة تأتيهم مثل ما أتت بعض الدول ‪.‬‬
‫فليتوعدوا إذن أن يفقدوا الدين كليا فيمسوا دهريين ال يدرون أى الحياتين‬
‫أشقى ولينظروا ما حاق باألمم المنقرضة التى اندمجت فى غيرها خدما ‪.‬‬

‫ويرى الكواكبى أنه من األمر الغريب أن كل األمم المنحطة تحصر بلية‬


‫إنحطاطها فى تهاونها بأمور دينها وال ترجو تحسين حالتها اال بالتمسك‬
‫بعروة الدين تمسكا مكينا ‪ ،‬ويريدون بالدين العبادة ولنعم األعتقاد لو كان‬
‫يفيد شيئا ‪ ،‬لكنه ال يفيد ابدا ‪ ،‬ألنه قول ال يمكيجب أن يكون وراءه عمل‬
‫وذلك ألن الدين بذر جيد ال شبهة فيه فإذا صادف مغرسا طيبا نبت‬
‫ونما ‪ ،‬وإذا صادف أرضا قاحلة مات وفات ‪ ،‬أو ارضا مغراقا هاف ولم يثمر‬
‫وما هى أرض الدين أرض الدين هى تلك األمة التى أعمى األستبداد بصرها‬
‫وبصيرتها وأفسد أخالقها ودينها ‪ ،‬حتى صارت ال تعرف للدين معنى غير‬
‫العبادة والنسك اللذين زيادتهما عن الحد المشروع أضر على األمة من‬
‫نقصهما ‪.‬‬
‫وما أجدر باألمم أن تلتمس دوائها من طريق احياء العلم وإحياء الهمة‬
‫مع األستعانة بالدين واألستفادة منه بمثل "إن الصالة تنهى عن الفحشاء‬
‫‪12‬‬

‫والمنكر "العنكبوت ‪ 45‬ال أن يتكلو على أن الصالة تمنع الناس عن الفحشاء‬


‫والمنكر بطبعها‪.‬‬
‫ثانيا االستبداد والعلم ‪:‬‬
‫يقول الكواكبى العلم قبسة من نور هللا وقد خلق هللا النور كشافا مبصرا والدا‬
‫للحرارة والقوة وجعل العلم مثله وضاحا للخير ‪ ،‬فضاحا للشر ويولد فى‬
‫النفوس حرارة وفى الرؤس شهامة والعلم نور والظلم ظالم من طبيعة النور‬
‫تبديد الظالم والمستبد اليخشى علوم اللغة التى يقوم بعضها على اللسان ما‬
‫لم يكن وراء اللسان حكمة وحماس تعقد االلوية ‪ ،‬كذلك ال يخاف المستبد من‬
‫العلوم الدينية المتعلقة بالميعاد المختصة بين العبد وربه‪ ،‬العتقاده انها ال‬
‫ترفع غباوة وال تزيل غشاوة ‪ ،‬وانما يتلهى بها المتهوسون للعلم حتى اذا‬
‫ضاع فيها عمرهم وامتألت بها ادمغتهم وأخذ منهم الغرور ما أخذ فصاروا ال‬
‫يرون علما غير علمهم ‪ ،‬وبذلك يأمن المستبد منهم كما يأمن شر السكران اذا‬
‫خمر وال يعدم المستبد وسيلة الستخدامهم فى تأييد أمرة ومجاراة هواه بان‬
‫يضحك عليهم بشيء من التعظيم او بسد افواههم بلقيمات من فتات مائدة‬
‫االسنبداد‪.‬‬

‫وترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة مثل الحكمة والفلسفة العقلية‬


‫وحقوق االمم وطالب الحرية وعلوم االجتماع والسياسة وكافة العلوم التى‬
‫تكبر النفوس وتوسع العقول وتعرف االنسان ما حقوقه وكيف الطلب وكيف‬
‫النوال ‪0‬‬

‫والخالصة أن المستبد يخاف من هؤال العلماء العاملين الراشدين المرشدين‬


‫ال من العلماء المنافقين أو الذين حشوا رؤوسهم محفوظات كثيرة كأنها‬
‫مكتبات مقفلة‪،‬وال يحب المستبد ان يرى وجه عالم عاقل يفوقه فكرا فاذا‬
‫اضطر الى طبيب أو مهندس اختار الغبى المتصاغر المتملق وبين االستبداد‬
‫والعلم حربا دائمة وطرادا مستمرا ‪ :‬يسعى العلماء فى تنوير العقول ويجتهد‬
‫المستبد فى اطفائها‪ ،‬والطرفان يتجاذبان العوام ‪ ،‬والعوام هم قوة المستبد‬
‫وقوته ‪ ،‬بهم وعليهم يصول ويجول‪ ،‬يغصب امالهم فيحمدونه ‪ ،‬يهينهم‬
‫‪13‬‬

‫فيثنون عليه‪،‬اذا اسرف فى اموالهم يقولون كريما ‪ ،‬الحاصل أن العوام‬


‫يذبحون انفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشىء من الجهل والغباوة فاذا رفع‬
‫الجهل وتنور العقل زال الخوف واصبح الناس ال ينقادون لغير منافعهم عند‬
‫ذلك ال بد للمستبد من االعتدال أو االعتزال وكم اجبرت االمم بترقيتها المستبد‬
‫اللئيم على الترقى معها واالنقالب على رغم طبعه ‪ ،‬الى وكيل أمين يخشى‬
‫الحساب ورئيس عادل يخشى االنتقام وأب حليم يتللذ بالتحابب وحينئذ تنال‬
‫االمه حياة رخاء وهناء ونماء ويكون حظ الرئيس من ذلك رأس الحظوظ‪0‬‬
‫لكن قاتل هللا االستبداد الذى استهان بالعلم حتى جعله سلعة يعطى ويمنح‬
‫لالميين وال يجرؤ احد على االعتراض‪ ،‬قاتل هللا االستبداد الذى رجع باألمة‬
‫فالتقى آخرها بأولها ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االستبداد واألخالق ‪:‬‬


‫األخالق بذرها الوراثة وتربتها التربية‪ ،‬وسقياها العلم والقائمون عليه‬
‫هم رجال الحكومة وبناء عليه تفعل السياسة فى أخالق البشر ما تفعله‬
‫العناية فى انماء الشجر‪.‬واألستبداد يتصرف فى اكثر االميال الطبيعية‬
‫واألخالق الحسنة فيضعفها أو يفسدها فيجعل االنسان يكفر بنعم مواله النه ال‬
‫يملكها حق الملك ويجعله حاقدا على قومه فاقدا لحب وطنه ألنه غير آمن‬
‫على األستقرار فيه ويود لو انتفل منه ‪ ،‬ضعيف الحب لعائلته ألنه غير‬
‫مطمئن على دوام عالقته معها ‪ ،‬مختل الثقة فى صداقة احبابه ألنه انهم مثله‬
‫ال يملكون التكافؤ ‪ ،‬واسير األستبداد اليملك شيئا ليحرص علي حفظه ألنه ال‬
‫يملك ماالغير معرض للسلب ‪ ،‬وال شرفا غير معرض لألهانه وال يملك آمال‬
‫مستقبلية ليتبعها‪0‬‬

‫لهذا كان األستبداد يستولى على العقول الضعيفة للعامة فضال عن‬
‫األجسام فيفسدها كما يريد ‪ ،‬ويشوش الحقائق فى االذهان كما يهوى‬
‫فينقادون الى المستبد انقيادا اعمى‪ ،‬ويقاومون الرشد واألرشاد‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫فاألستبداد قلب الحقائق‪ ،‬فإن الناس وضعوا الحكومات ألجل خدمتهم‬


‫واألستبداد قلب الموضوع ‪ ،‬فجعل الرعية خادمة للرعاة ‪ ،‬فقبلوا وقنعوا ‪،‬‬
‫ويرى الكواكبى ان االستبداد استخدم قوة الشعب وهى قوة الحكومة على‬
‫مصالح الشعب ال لمصحته‪ ،‬ويؤثر األستبداد فى أخالق الناس ألفة الرياء‬
‫والنفاق ولبئس السيئتين ‪،‬كذلك يعين األشرار على اجراء غى نفوسهم‬
‫آمنين من كل تبعة ولو أدبية فال اعتراض وال انتقاد وال افتضاح ألن أكثر‬
‫أعمال األشرار تبقى مستورة‪ ،‬ملقى عليها رداء خوف الناس من تبعة‬
‫الشهادةعلى ذى شر ‪ ،‬لذلك شاع بين الناس " اذا كان الكالم من فضه فإن‬
‫الكوت من ذهب" وقد تغالى وعاظهم فى سد االفواه ‪ ،‬حتى جعلوا لهم أمثال‬
‫من الحكم النبوية فهم يقرأون "ال يحب هللا الجهر بالسوء من القول "‬
‫ويغفلون بقية اآلية "إال من ظلم"‪0‬‬
‫ويرى الكواكبى اال تكون االخالق اخالقا ما لم تكن ملكة مطردة على قانون‬
‫فطرى تقتضيه أوال ‪ :‬وظيفة االنسان حول نفسه ثانيا‪ :‬وظيفته نحو عائلته ‪،‬‬
‫ثالثا‪ :‬وظيفته نحو قومه ‪ ،‬رابعا‪ :‬وظيفته نحواألنسانية وهذا القانون ما‬
‫يسمى بالناموس‪.‬‬

‫قد اتفق الحكماء الذين اكرمهم هللا بوظيفة األخذ بيد األمم فى بحثهم‬
‫عن المهلكات والمنجيات ‪ ،‬على أن فساد األخالق يخرج األمم عن أن تكون‬
‫قابلة للخطاب ‪ ،‬وأن اصالح األخالق من اصعب األمور وأحوجها الى الحكمة‬
‫البالغة والعزم القوى وذكرو أن فساد األخالق يعم المستبد وأعوانه وعماله‬
‫ثم يدخل العدوى الى كل بيت ‪ ،‬ال سيما بيوت الطبقة العليا التى تتمثل بها‬
‫السفلى ‪ ،‬وهكذا يفشو الفساد وتمسى األمة يبكيها المحب ويشمت فيها‬
‫العدو‪ ،‬وتبيت ودائها عياء يتعاصى على الدواء‪.‬‬

‫وقد سلك األنبياء عليهم السالم ‪ ،‬فى انقاذ األمم من فساد األخالق مسلك‬
‫األبتداء ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬بفك العقول من تعظيم غير هللا اواإلذعان لسواه‪ ،‬وذلك بتقوية حسن‬
‫االيمان المفطور عليه وجدان كل انسان‬
‫‪15‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تنوير العقول بمبادىء الحكمة‬


‫ثالثا ‪ :‬تعريف األنسان كيف يملك ارادته اى حريته وافكاره واختياره ألعماله‬
‫رابعا ‪ :‬اطالق زمام العقول‬
‫خامسا ‪ :‬تعريف االنسان بقانون األنسانية وتعليمه ذلك بأساليب التعليم‬
‫المقنع وبث التربية التهذيبية ثم مطالبته بحسن األخالق‪0‬‬

‫األستبداد والتربية‬
‫خلق هللا األنسان وفيه استعداد للصالح واستعدادا للفساد فأباه يصلحانه أو‬
‫يفسدانه أى أن التربية تربو بأستعداد األنسان جسما ونفسا وعقال إن خيرا‬
‫فخير وإن شرا فشر‪،‬واألستبداد يؤثر فى األجسام فيورثها األسقام ويسطو‬
‫على النفوس فيفسد األخالق ‪ ،‬ويضغط على العقول فيمنع نمائها بالعلم هذا‬
‫األنسان الذى حمل االمانه وقد ابتها العوالم كافة ‪ ،‬فأتم خالقه استعداده ثم‬
‫أوكله لحريته وإختياره فال حد لغايته رقيا أو إنحطاطا فهو إن يشأ الكمال يبلغ‬
‫فيه إلى ما فوق مرتبة المالئكة ‪ ،‬وإن يشأ تلبس بالرزائل حتى يكون أحط من‬
‫الشياطين‪.‬‬
‫األنسان فى نشأته كالغصن الرطب فهو مستقيم لدن بطعه ولكن أهواء‬
‫التربيه تميل به الى يمين الخير أو الى شمال الشر‪،‬فإن شب يبس وبقى على‬
‫أمياله ما دام حيا بل وتبقى روحه الى ابد اآلبدين فى نعيم السرور ‪ ،‬بإيفائه‬
‫حق وظيفته فى الحياة ‪ ،‬أو فى جحيم الندم على تفريطه‪.‬‬

‫التربية ملكة تحصل بالتعليم والتمرين والقدوة واألقتباس ‪ ،‬فأهم اصولها‬


‫وجود المربين واهم فروعها وجود الدين ويقول واالكواكبى " جعلت الدين‬
‫فرعا ال أصال ‪ ،‬ألن الدين علم ال يفيد العمل إذا لم يكن مقرونا بالتمرين‪ ،‬وهذا‬
‫هو سبب إختالف األخالف من علماء الدين في االسالم عن امثالهم من‬
‫البراهمة والنصارى وهو سبب إقبال المسلمين على قبول أصول الطرائق‬
‫التى كانت لبا محضا لما كانت تعليما وتمريننا ‪ ،‬اى تربية للمريدين ‪ ،‬ثم‬
‫خالطها القشر ‪ ،‬ثم صارت قشرا محضا ثم صار اكثرها لهوا وكفرا‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫واألستبداد ريح صرصر يجعل األنسان كل ساعة فى شأن وهو مفسد للدين‬
‫فى اهم قسميه أى األخالق ‪ ،‬اما العبادات منه ال يمسها ألنها تالئمه فى األكثر‬
‫‪ ،‬ولذا تبقى األديان عبارة عن عبادات مجردة صارت عادات فال تفيد فى‬
‫تطهير النفوس شيئا وال تنهى عن فحشاء وال عن منكر‪ ،‬لفقد األخالص فيها‬
‫تبعا لفقده فى النفوس التى ألفت الكذب والرياء والخداع والنفاق ونبذ الجد‬
‫وترك العمل وتربية الناس على هذه الخصال الملعونة‪0‬‬
‫وما ابعد األسراء عن قبول التربية التى هى قصر النظر على المحاسن والعبر‬
‫وقصر السمع على الفوائد والحكم وتعويد اللسان على قول الخير ‪ ،‬وتعويد‬
‫اليد على األتفان ‪ ،‬وتكبير النفس عن السفائس وتكبير الوجدان عن نصرة‬
‫الباطل ورعاية الترتيب فى الشئون ورعاية التوفير فى الوقت والمال‪،‬‬
‫واألندفاع بالكلية لحفظ الشرف وحفظ الحقوق ولحماية الدين ولحماية‬
‫الناموس وحب الوطن وحب العائلة وإلعانة العلم والضعيف وإحتقار‬
‫الظالمين وليس احتقار الحياة وكل ذلك ال ينبت إال فى ارض العدل وتحت‬
‫سماء الحرية ‪0‬‬
‫األستبداد والمال ‪:‬‬
‫يقول الكواكبى " المال هو كل ماينتفع به قي الحياة القوة مال والوقت مال‬
‫والعقل مال والعلم مال والدين مال والثبات مال والجاه مال والجمال مال‬
‫والترتيب مال واألقتصاد مال والشهرة مال ‪0‬‬
‫والمال يستمد من الفيض الذى أودعه هللا تعالي في الطبيعة ونواميسها وال‬
‫يملك أن يختص بإنسان إال بعمل فيه أو في مقابله‪0‬‬
‫ويرى أن اعمال البشر في تحصيل المال الي ‪:‬‬
‫إستحضار المواد األولية‬
‫تهيئة المواد لآلنتفاع بها‬
‫توزيعها علي الناس‬
‫وهي األصول التي تسمي بالزراعة والصناعة والتجارة وكل وسيلة خارجة‬
‫عن هذه االصول وفروعها فهي وسيلة ظالمة ويرى أن المال هو قيمة‬
‫األعمال وال يجتمع في ايد األغنياء إال بنوع من الغلبة والخداع وال يكون‬
‫احراز المال وادخاره محمودا إال بشروط ثآلثه وهي‪:‬‬
‫‪17‬‬

‫‪ -‬أن يكون إحراز المال بوجه مشروع حالل على ما تقوم بتفصيله‬
‫الشرائع المدنية‬
‫‪ -‬اال يكون في احراز المال تضييق علي حاجات الغير كاحتكار‬
‫الضروريات أو مزاحمة الصناع والعمال الضعفاء او التغلب علي‬
‫المباحثات مثل إمتال ك األراضي‬
‫‪ -‬أال يتجاوز إدخار المال وإمتالكه قدر الحاجة بكثير ‪ ،‬ألن إفراط الثروة‬
‫مهلكة لألخالق الحميده في األنسان‬

‫لذلك فإن جميع األديان حرمت الربا ألنه كسب بدون مقابل مادى ففيه‬
‫معني الغصب ‪ ،‬وبدون عمل ألن المرابي يكسب وهونائم‪ ،‬ومن دون‬
‫تعرض لخسائر طبيعية ففيه نماء مطلق يؤدى ألنحصار الثروات فبالربا‬
‫تربو الثروات فيختل التقارب والتساوى بين الناس‪0‬‬
‫ولهذا حرصت جميع األديان ان يؤخذ من مال األغنياء ويرد الي الفقراء‬
‫بحيث يحصل التعديل وال يموت النشاط للعمل‪0‬‬
‫ومن طبائع األستبداد أن األغنياء أعدائه فكرا وأوتاده عمال فهم ربائط‬
‫المستبد يذلهم فيئنون ويستدرهم فيحنون ولهذا يرسخ الذل في األمم التي‬
‫يكثر فيها األغنياء ‪ ،‬أما الفقراء فيخافهم المستبد ويتحبب اليهم ببعض‬
‫األعمال ظاهرها الرأفة ويقصد أن يغصب قلوبهم التي ال يملكون غيرها ‪،‬‬
‫وهم يخافونه خوف دنائة ونذالة ‪0‬‬
‫قرر األخالقيون ان األنسان يكون حرا تاما ما لم تكن له صنعة مستقل‬
‫فيها أى غير مرؤس ألحد‪ ،‬ألن حريته الشخصية تكون تابعة ألرتباطه‬
‫بالرؤساء‪ ،‬وعليه تكون أقبح الوظائف هي الوظائف الحكومية ‪ ،‬وقالوا إن‬
‫للصنعة تأثير في األخالق واألميال وهي من أصدق ما يستدل به علي‬
‫أحوال األمم واألقوام‪.‬‬

‫وقالوا ‪ :‬خير المال ما يكفي صاحبه ذل القلة وطغيان الكثرة ويقال الغني‬
‫غنى النفس ‪ ،‬والغني من قلت حاجته ‪ ،‬والغني من أستغنى عن الناس‪،‬‬
‫وقال بعض الحكماء ‪ :‬كل إنسان فقير بطبعه ‪ ،‬ينقصه مثل ما يملك فمن‬
‫يملك عشرة يرى نفسه محتاج لعشرة أخرى‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫األستبداد والترقي‪:‬‬
‫الحركة هي سنة هللا في كل ما في الكون وهي حركة دائبة بين أرتفاع‬
‫وسقوط ‪ ،‬شخوص وهبوط ‪ ،‬فإذا ترقت أو انحطت أفراد أمةترقت او‬
‫انحطت هيئتها الجتماعية‪ ،‬فإذا رئينا قى أمة آثار حركة الترقي هي الغالبة‬
‫علي أفرادها ‪ ،‬حكمنا لها بالحياة‪ ،‬ومتي رأينا عكس ذلك كان الحكم أقرب‬
‫عليها بالموت ‪.‬‬
‫ويرى الكواكبي أن الترقي الذى يتدرج فيه األنسان بفطرته وهمته هو ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الترقي فى الجسم صحة وتلذذا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الترقي قي القوة بالعلم والمال‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ترقي النفس بالخصال والمفاخرة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الترقي بالعائلة استئناسا وتعاونا ‪.‬‬
‫خامسا‪:‬الترقي بالعشيرة تناصرا عند الطوارىء ‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الترقي باألنسانية وهذا منتهي الترقي ‪.‬‬
‫وهناك نوع آخر من الترقي يتعلق بالروح وبالكمال ‪ ،‬وهو ان االنسان‬
‫يحمل نفسا ملهمة بأن لها وراء حياتها هذه حياة أخرى تترقي اليها علي‬
‫سلم العدل والرحمة والحسنات ‪ .‬فأهل األديان ‪ ،‬ما عدا اهل التوراة ‪،‬‬
‫يؤمنون بالبعث أو التناسخ ‪ ،‬فيأتون بالعدل والرحمة رجاء المكافأة او‬
‫خوف المجازاة‪.‬‬
‫وهذه الترقيات بأنواعها الستة ال يزال يسعي اليها األنسان ‪ ،‬ما لم‬
‫يعترضه مانع غالب يسلب إرادته ‪ ،‬وهو إما قدر محتوم أو هو األستبداد‬
‫المشؤوم علي أن القدر قد يصدم سير الترقي لمحة ثم يطلقه فينطلق راقيا‬
‫‪ ،‬أما األستبداد فإنه يقلب السير في الترقي الي اإلنحطاط ‪ ،‬ومن التقدم الي‬
‫التأخر ومن النماء الي الفناء ‪ ،‬يالزم األمة مالزمة الغريم الشحيح ‪،‬‬
‫ويفعل فيها افعاله دهرا طويال‪ .‬ويجعل أفراد األمة أسراء األستبداد حتي‬
‫األغنياء منهم كلهم مساكين ال حراك فيهم ‪ ،‬يعيشون منحطين في األدراك‪،‬‬
‫منحطين في األحساس ‪،‬منحطين في األخالق‪.‬‬
‫وقد أجمع الحكماء علي ان ما يجب عمله علي اآلخذين بيد األمم ‪ ،‬الذين‬
‫فيهم نسمة مروءة وشرارة حمية الذين يعرفون وظيفتهم نحو األنسانية‪،‬‬
‫‪19‬‬

‫الملتمسين إلخوانهم العافية ‪ ،‬أن يسعوا في رفع الضغط علي العقول‬


‫لينطلق سبيلها في النمو فتمزق غيوم األوهام التي تمطر بالمخاوف‪ ،‬وأن‬
‫يكون األرشاد متناسبا مع الغفلة خفة وقوة ‪ ،‬واألمة بعد أن نامت أجياال‬
‫طويلة تحتاج الي من يسقيها مر من الزواجر والقوارص علهم يفيقون‬
‫و إال فهم ال يفيقون حتي يأتي القضاء من السماء ‪ ،‬فحينئذ يصحون ولكن‬
‫صحوة الموت‪.‬‬

‫توصبف الكواكبى لحال المسلمين التى طرحها فى كتاب أم القرى ‪:‬‬

‫يقول انه يجب تشخيص المرض تشخيصا مدققا وذلك بالبحث اوال‬
‫مراكز المرض ثم عن جراثيمه ليتعين بعد ذلك الدواء الشافي األسهل وجودا‬
‫و األضمن نتيجة و بالتنقيب ثانيا عن تدبير إدخاله في جسم األمة بحكمة‬
‫‪ .‬تصرع العناد و الوهم و تتغلب على مقاومة أعضاء الذوق و الشم‬
‫ووصف هذه الحالة بالفتور فال نكاد نجد اقليمين متجاورين او ناحيثين فى‬
‫اقليم او قريتين فى ناحيه او بيتين فى قريه احدهما مسلمون و اآلخر غير‬
‫مسلمين اال و نجد المسلمين اقل نشاطا وانتظاما فى جميع شئونهم واقل‬
‫اتقانا من نظرائهم فى كل فن و صنعة والفتورعام كونه شامال للجميع فى‬
‫مشارق االرض ومغاربها ال يسلم منه اال افراد شاذه لدرجة توهم كثير من‬
‫الحكماء ان االسالم و النظام ال يجتمعان ‪ .‬ويرى ان مقاالت الكتاب و‬
‫‪ :‬الفضالء فى هذا الموضوع في ذلك العصر تتلخص فى اربعة مقاصد‬
‫بيان الحالة الحاضرة ووصف اعراضها بوجه عام وصفا بديعا يقيد ‪1-‬‬
‫‪ .‬التأثرويدعو الى التدبر على ان ذلك ال يلبث اال عشية او ضحاها‬
‫بيان سبب الخلل النازل و هو الجهل الشامل بيان اجمال و تلميح مع ان ‪2-‬‬
‫‪ .‬المقام يقتضى عدم االحتشام من التفصيل و التشريح‬
‫‪ .‬انذ ار االمة بسوء العاقبة بها انذارا هائال تطير منه النفوس ‪3-‬‬
‫‪20‬‬

‫توجيه اللوم و التبعه على االمراء و العلماء على الكافه لتقاعسهم عن ‪4-‬‬
‫استعمال قوة االتفاق على النهضه مع ان االتفاق وهم متشاكسون متعذر ال‬
‫‪ .‬متعسر‬

‫‪ :‬اسباب الفتور‬
‫ثالثة انواع ‪ :‬دينية و سياسية و اخالقية‬
‫‪ :‬اسباب دينيه‬
‫تأثيرعقيدة الجبر و فتن الجدل فى افكار االمه‪ .‬والتفرق فى الدين و الذهول‬
‫عن سماحة الدين وسهولة التدين به و تشديد الفقهاء المتأخرين فى الدين‬
‫خالفا للسلف وادخال العلماء المدلسين على الدين مقتبسات كتابيه وخرافات‬
‫وبدعا مضره وادخال المدلسين والمقابريه على العامه كثيرا من االوهام‬
‫وايهام الدجالين و المداجين ان فى الدين امور سرية و أن العلم حجاب‬
‫واعتقاد منافاة العلوم الحكمية والعقلية للدين والغفله عن حكمة الجماعة‬
‫والجمعة وجمعية الحج وتأثير المزهدات فى السعى والعمل وزينة الحياة‬
‫وتشويش افكار االمة بكثرة تخالف اآلراء فى فروع احكام الدين وفقد امكانية‬
‫مطابقة القول للعمل فى الدين بسبب التخليط و التشديد وتطرق الشرك‬
‫الصريح او الخفى الى عقائد العامة والتعصب للمذاهب وآلراء المتأخرين‬
‫وهجر النصوص ومسلك السلف‬
‫ِ وتكليف المسلم نفسه ما اليكلفه به هللا وتهاونه فيما هو مأمور به‬

‫أسباب سياسية‪ :‬نختصرها فى ‪ :‬تتمثل في السياسة المطلقة من‬


‫السيطرة و المسئولية‪ ،‬وحرمان األمة حرية القول والعمل‪ ،‬وفقدانها األمن‬
‫واألمل‪ ،‬وفقدان العدل والمساواة في الحقوق بين طبقات األمة‪ ،‬وم ْيل األُمراء‬
‫للعلماء المدلسين‪ ،‬وإبعادهم للناصحين وتقريبهم للمتملِّقين وحرمان العلماء‬
‫العاملين وطالب العلم من الرزق و التكريم و تفرق االمه الى عصبيات و‬
‫احزاب سياسية و اعتبار العلم عطيه يحسن بها االمراء على االخصاء و‬
‫‪21‬‬

‫تفويض خدم الدين للجهالء وفقد قوة الرأى العام بالحجر و التفريق ‪ ،‬و‬
‫انغماس االمراء فى الترف و دواعى الشهوات ‪ ،‬وحصر االهتمام السياسى‬
‫‪ .‬بالجبايه و الجنديه‬

‫أسباب خلقية‪ :‬نختصرها فى ‪ :‬االستغراق في الجهل واالرتياح إليه‪،‬‬


‫واستيالء اليأس من اللحاق بالفائزين فى الدين والدنيا واإلخالد إلى الكسل‬
‫والخمول‪ ،‬وفقد التناصح و ترك البغض فى هللا ‪ ،‬وفساد التعليم‪ ،‬وفقد‬
‫التربية الدينية و االخالقية ‪ ،‬وفقد القوة المالية االشتراكية بسبب التهاون‬
‫فى فى الزكاة ‪ ،‬وفساد النظام المالي‪ ،‬وإهمال طلب الحقوق جبنًا‪ ،‬وتفضيل‬
‫الوظائف على الصنائع‪ ،‬والتباعُد عن المكاشفات و المفاوضات في الشئون‬
‫العامة ‪ ،‬و توهم ان علم الدين قائم فى العمائم ‪ ،‬ومعاداة العلوم العالية‬
‫‪ .‬ارتياحا للجهاله و السفاله‬
‫‪ :‬اسباب شتى‬
‫‪ .‬خلل االداره والسياسه فى المملكة العثماتيه *‬
‫‪ .‬عدم تطابق االخالق بين الرعية و الرعاه *‬
‫الغراره ( وهى الغفلة عن ترتيب شئون الحياة ) ‪ :‬وهى من اقوى اسباب *‬
‫‪ .‬الفتور‬
‫‪ .‬عن لزوم توزيع وترتيب االعمال و االوقات و النفقات ‪-‬‬
‫‪ .‬وعن االذعان لالتقان فى االمور و ترتيبها ‪-‬‬
‫توهم ان شئون الحياة سهلة و بسيطه فنظن ان العلم بالشىء اجماال و ‪-‬‬
‫نظريا بدون التمرن عليه يكفى للعمل به وكذلك الظن بان الكياسه فى انى‬
‫ادرى و اقدر و قاعدة ان بعض الشىء يغنى عن كله‬
‫‪ .‬ترك االعتناء بتعليم النساء وعدم االلتفات للكفاءة فى الزوجات *‬
‫‪ .‬سقوط الهمه و االعتزال فى الحياة و التواكل *‬
‫‪ .‬التفرنج وهو تقليد االجانب و اتباعهم *‬
‫الفتور علة معديه تسرى من الشيوخ الى الشباب ومن الطبقة العليا الى *‬
‫‪ .‬العامه‬
‫‪22‬‬

‫‪ :‬عالج الفتور‬
‫يجب تدارك هذا الفتور سريعا واال فتنحل عصبيتهم كليا وجرثومة‬
‫‪ .‬الداء الجهل المطلق و اضر فروع الجهل هو الجهل فى الدين‬
‫‪ :‬و الدواء هو‬
‫‪ .‬اوال ‪ :‬تنوير االفكار بالتعليم‬
‫‪ .‬ثانبا ‪ :‬ايجاد شوق للترقى فى رؤوس الناشئة‬
‫‪ :‬وسيلة المداواة‬
‫‪ .‬عقد الجمعيات التعليميه و القانونية‬
‫‪ :‬المكلفون بالتدبير‬
‫‪ .‬حكماء و نجباء االمه من السراه و العلماء‬
‫‪ .‬والكفاءة الذالة هذا الفتور بالتدريج موجودة فى العرب خاصة‬
‫ويلزم تشكيل جمعية ذات مكانة ونفوذ باسم جمعية تعليم الموحدين فقوة‬
‫جمعية منتظمة من نجباء احرار وحكماء احرار كافية ألن تخرق طبل حزب‬
‫الشيطان و تسترعى سمع االمه مهما كانت فى رقاد عميق و تقودها الشاط‬
‫‪ .‬مهما كانت فى فتور مستحكم‬

‫‪ :‬رؤيته الهمية الجماعه‬


‫تأسيس جمعية قانونية منتظمه امر هام ألن الجمعية المنتظمه يتثنى لها‬
‫الثبات على مشروعها عمرا طويال يفى بما ال يفى به عمر الواحد الفرد ( يد‬
‫هللا مع الجماعه ) و الجمعيات تقوم بالعظائم و تاتى بالعجائب و هذا هو سر‬
‫نشأة االمم الغربية وسر النجاح فى كل االعمال المهمة‪0‬‬
‫أن امر يحصل بقوة قليلة فى زمان طويل يكون أحكم و أرسخ و اطول ((‬
‫‪ )) .‬عمرا مما اذا حصل بمزيد قوة فى زمان قصير‬
‫و يتمنى انتظام جمعية يكون لها صوت جهورى اذا نادى مؤذنها حى على‬
‫‪ .‬الفالح فى رأس الرجاء يبلغ أقصى الصين صداه‬
‫‪ :‬ويوصى الجماعه‬
‫ان يكون شعار اإلخوة هو ( النعبد اال هللا ) *‬
‫‪23‬‬

‫القول الصريح فى النصيحة للدين بدون رياء وال استحياء وال مراعاة ذوق *‬
‫‪ .‬عامة او عتاة‬
‫ترك اختالف المذاهب جانبا التى نحن متبعوها تقليدا وان نعتمد ما نعلم من *‬
‫صريح الكتاب و السنه و ثابت االجماع وذلك لكى ال نتفرق فى اآلراء و‬
‫‪ .‬ليكون ما نقرره مقبوال عند جميع اهل القبلة‬
‫عدم االصرار على الرأى الذاتى و عدم االنتصار له و اعتبار أن ما يقوله *‬
‫ويبديه ما هو اال خاطر سنح له فربما كان صوابا أو خطأ فما احد منا ملزم‬
‫برأى يبديه و ال هو بملوم عليه وله ان يعدل او يرجع عنه الى ضده ألننا‬
‫‪ .‬باحثون ال متناظرون‬
‫‪ .‬ال يهولنا تفاقم اسباب الضعف و الفتور كى ال نيأس من روح هللا *‬

‫‪:‬رؤيته لدور المرأه‬


‫ان إلنحالل اخالقنا سببا مهما يتعلق بالنساء و تركهن جاهالت ( لظن ان‬
‫العلم يدعو الى الفجور و الجهل يدعو الى العفه ) على خالف ما كان عليه‬
‫اسالفنا ( مثال السيده عائشه اخذ عنها نصف علوم الدين ) ‪ ..‬و ربما كانت‬
‫‪ .‬العالمه اقدر على الفجور من الجاهله و لكن الجاهله اجسر عليه من العالمه‬
‫ضرر جهل النساء و سوء تاثيره فى اخالق البنين و البنات – اما تاثيره‬
‫على اخالق االزواج فيه بعض خفاء يستلزم البحث ‪ :‬الرجال ميالون بالطبع‬
‫لزوجاتهم والمراة اقدر مطلقا من الرجل فى ميدان التجاذب لالخالق و ال‬
‫يتوهم عكس ذلك بان الزوجة ضعيفة مسكينة ومسخرة لخدمة الرجل‬
‫فحقيقة االمر انها قابضه على زمامه تسوقه كيف شاءت فال يغره انه امامها‬
‫ظنا انه قائد لها فالحقيقة التى يراها كل الناس من حولها ‪ -‬دونه – إنما‬
‫‪ .‬تمشى وراءه بصفة سائق ال تابع‬
‫الصينيون اقدم البشر فى المدنية التزموا تقصير ارجل البنات بالضغط ((‬
‫‪ .‬عليها لتعسير المشى عليها حتى اليكزن لهن سعى فى افساد الحياة الشريفه‬
‫))‬
‫المرأة امرت فى االسالم بالحجاب لعدم ابداء الزينة لالجانب و عدم ((‬
‫))‪ .‬االجتماع بهم فى خلوة‬
‫‪24‬‬

‫التفاعل مع األفكار و األنطباع‬


‫خالل ما اطلعت عليه تبين ان السيد عبد الرحمن الكواكبي وهو المنتسب آلل‬
‫بيت رسول هللا وكدأب آل البيت فإنهم جميعا داعون الى الحق مرتبطون به‬
‫ال تغفل لهم عين عن مناصرته ومقاومة الظلم والظالم والشر واالشرار‬
‫يدعون الى الحق ويجاهدون بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل نصرة الحق‬
‫ودحض الباطل وازهاقه فال يضنون في سبيل ذلك بكل غال ونفيس بأرواحم‬
‫واوالدهم واموالهم ‪ ،‬ألنهم ينظرون الى هدف سامى نبيل ال تساوي هذه‬
‫الدنيا بزخارفها وزينتها ذرة في سبيل تحقيق هذا الهدف‪ ،‬الن نفوسهم سمت‬
‫وأرتقت فصعدت الي مصدر النور والرحمة والحياة فهانت عليهم الدنيا‬
‫وعلموا انهم كعابرى سبيل كما سمعوها ووعوها وورثوها من النور الهادى‬
‫من رسول هللا الكريم‬
‫ولكنهم يبذلون قصارى جهدهم ليكسبوا كرتهم فيها ليخرجوا منها بخير زاد‬
‫وهو التقوى‪.‬‬
‫ولم يكتفوا بالمعرفة النفسهم ولكن حملوا أمانة اإلبالغ للناس وتحملوا‬
‫المشاق فى ذلك وواجهوا معسكر الظلم واعوان الشر بالدعوة الي الحق‬
‫ونشر المبادىء السامية والرجوع بالناس الي الفطرة السليمة‪.‬‬
‫ومن الدالئل المرئية للكافة أن دعوة الحق تسرى في الكون اليحدها‬
‫مكان وال زمان دعوة سيدنا أبراهيم "ربنا ابعث فيهم رسوال منهم يتلو‬
‫عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك انت العزيز الحكيم (البقرة‬
‫‪ ")129‬ويقول الحق " لقد جائكم رسول من انفسكم "‬
‫كذلك ما قاله ابراهيم " ربنا انى اسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع‬
‫عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصالة فإجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم‬
‫وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون (ابراهيم‪ ")37‬فجاءه األمر "وأذن فى‬
‫الناس بالحج يأتوك رجاال وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق الحج(‬
‫‪")27‬‬
‫‪25‬‬

‫ومنذ أذن إبراهيم سرت الصيحة فى الوجود عبر الزمان والمكان فهفت‬
‫أفئدة طالبة عاشقة محبة تهوى الى بيت هللا أينما كانوا الطالبين وحيثما كان‬
‫البيت وسقط الزمان والمكان‬
‫وها هو احد النتسبين آلل البيت يطلق صيحة حقية فى مواجهة ظلم‬
‫االستبداد داعيا الى اعمال العقل وحرية التفكير بعيدا عن الزيف والتشدد‬
‫والتشويش والتزيد والرجوع الى فطرة هللا " فطرة هللا التي فطر الناس‬
‫عليها ال تبديل لخلق هللا ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس اليعلمون الروم‪30:‬‬
‫" فطرة هللا النقية الملهمة الي المعاني الحقية وهو يعلم انه عندما اطلقها‬
‫فهي صيحة قد تكون في وقتها فى مهب الريح إال انه يعلم انها ال تضيع هباء‬
‫ولكنها باقية وسوف تؤتي ثمارها ما شاء هللا لها لتخلع اوتاد الظلم فى يوم‬
‫من االيام ‪ ،‬حتي لو كان ثمن تلك الصيحة هو حياته وهو يعلم ذلك ‪ ،‬وشاء‬
‫هللا أن يحقق له ذلك ومات شهيدا في سبيل دعوته الي الحق ‪.‬‬
‫وقد أتخذ لنفسه منبرا يبلغ منه افكاره وآراءه ‪ ،‬ويدعو من خالله الناس‬
‫من جميع االديان مسلين ومسيجيين ويهود وبوذيون الى الرجوع الى اصل‬
‫دينهم وجوهره ليجدوا أن جميع الشرائع تدعوا الي عبادة الواحد األحد ال‬
‫شريك له ‪ ،‬ودعاهم الى أن يعملوا جميعا الى نبذ الخالفات والبعد عن‬
‫المهاترات والمناظرات فى الفروع والصغائر والتفاهات والرجوع الي‬
‫الجوهروالحفاظ علي الحياة وكسبها والرقى باألنسان ‪ ،‬ليصبح األنسان‬
‫انسانا ويكون حقا خليفة هللا على األرض ‪.‬‬
‫ونادى على اهل الشرق حملة الديانات وما اصابهم من تواكل وفتور من‬
‫كثرة ما اصاب دياناتهم من بدع وزيادات وتشدد وتناحر وتناظر فى الفروع‬
‫والقشور حتى ضاع الدين الحق وطالبهم بأعمال العقل وحثهم على العمل‬
‫والجد واألجتهاد والبحث والعلم ‪.‬‬
‫ونادى على أهل الغرب وما صار اليه حال أهله من حب جم للمال‬
‫فأصبحوا ماديين وتركوا الدين لظنهم أنه مدعاة للتخلف والتكاسل وتناسوا ما‬
‫فيه من قيم روحية تحث على كسب الحياة والعمل واالجتهاد وحذرهم من‬
‫سوء العاقبة ألن النفس التشبع مهما أوتت من مال فإن كان لألنسان وادى‬
‫من فضة أراد أن يكون له واديان ‪ ،‬وأوصاهم بأخوانهم بالشرق النهم‬
‫المحافظون لهم على المبادىء واألخالق واالديان وما فيها من قيم‬
‫‪26‬‬

‫وها نحن االن وبعد مائة سنه أو يزيد نستمع الي صيحه الحق وما زال دعاء‬
‫اهل البيت ينطلق في اآلفاق ليعم األرض جميعا بل فى أثير الكون محمال‬
‫بالرحمة والنور ومعانى الحق ليعود الناس الى فطرتهم السليمة ويكسبوا‬
‫كرتهم لينتقلوا اصحاء بالحب والحرية فى معراج الحق الالنهائي وقد تلقي‬
‫تلك الصيحة فى األثير قلبا طالبا او عقل منيرا أو نفس صافية تستقبلها‬
‫وتتفاعل معها وتكسبها فتتالقي األرواح دون أن تتالقياألجساد‪0‬‬
‫ونحن ندعوا معه هللا ليحق الحق بكلماته ويزهق الباطل بقدرته ‪،‬‬
‫فمشيئة هللا فاعلة في صراع دائم ال ينتهي بين الخير والشر بين النور‬
‫والظالم ‪ ،‬بين الحق والباظل‪ ،‬وليس لألنسان اال ما سعي ‪ ،‬وليس لألنسان إال‬
‫ما وعي ‪ ،‬وليس لألنسان إال ما أراد أن يكون متفكرا متأمال متدبرا عامال‬
‫فاعال في معسكر الحق أو معسكر الباطل ‪ ،‬وعلى قدر استطاعته وسعته ال‬
‫يكلف اال بهذا القدر ‪ ،‬وما عليه إال ان يبذل كل جهده فيما كلفه هللا على قدر‬
‫استطاعته‪0‬‬
‫ليكون من أصحاب النفس التقية التي تتقي افكار السوء وأخالق السوء‬
‫وأفعال السوء وكل الرزائل فيكون من أصحاب الفضائل المتخلقون بأخالق‬
‫هللا فيكون كتاب هللا آياته وسنة رسوله هدا لهم‪ ،‬فيدفع فى اتجاه ما يراه أنه‬
‫الحق بيده أو بلسانه أو بقلبه وبكل ما يملك ‪ ،‬وخير ما يملك هوالدعاء‬
‫والرجا واألمل ‪ ،‬وكفى باهلل معينا ومجيبا‪ ،‬وقوى الخير والرحمة والنور فى‬
‫السماوات واألرض معه تعينه وتساعده ‪.‬‬

‫وهللا ولي التوفيق‪.....‬‬


‫مع تحيات المشاركين والدعاء الى هللا بأن نستفيد من‬
‫هذا البحث‬
‫األخ ‪ /‬محمد حامد‬
‫األخ ‪ /‬عبدالفتاح‬
‫األخ ‪ /‬صابر صالح‬
27
28
29
30

You might also like