You are on page 1of 17

‫مكانة الفقهاء ونفوذهم في الدولة المرابطية ‪ :‬محاولة في التعليل التاريخي‬

‫إشكالية الموضوع‬
‫قامت الدولة المرابطية على أساس جهود ثلة من فقهاء المالكي ة ب الغرب اإلس المي‪ ،‬فهم ال ذين نظ روا لمش روعها اإلص الحي‪ ،‬ومه دوا‬
‫السبل لتحقيق ه على مس رح الت اريخ‪ .‬ويتعل ق األم ر بالجي ل األول من الفقه اء الم رابطين‪ ،‬بقي ادة أبي عم ران الفاس ي‪ ،‬ووج اج بن زل و‬
‫اللمطي‪ ،‬وعبد هللا بن ياسين()‪ .‬ثم انخ رطت األجي ال الالحق ة من الفقه اء في ه ذا المش روع‪ ،‬فمكن وا الدول ة من االرتق اء في س لم الق وة‬
‫والنفوذ‪ ،‬فتحققق لها بذلك توحيد المغرب واألندلس‪ ،‬واالنتقال من دائرة المحلية إلى دائرة اإلقليمية في إطار الخالفة اإلسالمية الس نية()‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬أن وظيفة الفقهاء في الدولة المرابطية لم تقتصر على المستوى الديني‪ ،‬بل امتدت إلى ما هو أشمل من ذلك‪ ،‬من خالل إس هامهم في‬
‫تدبير شؤون الدولة إلى جانب شركائهم في السلطة من أمراء وقادة عسكريين‪ ،‬حيث اضطلعوا بوظائف ومهام سياسية وإدارية وقض ائية‬
‫سامية في الدولة‪ ،‬كما ارتبطوا بخدمة المجتمع بشكل وثيق من خالل وظائفهم الديني ة والتربوي ة‪ .‬وق د تمكن ه ؤالء الفقه اء على اختالف‬
‫أجيالهم وفق منطق التراكم اإليجابي من بناء مغ رب إس المي جدي د‪ ،‬من خالل ص ياغة هويت ه اإلس المية الس نية بالقض اء على الخالف‬
‫المذهبي واالنحراف الديني‪ ،‬وذلك موازاة مع التوحيد السياسي الذي نقل المغرب من مرحلة الطائفي ة المتمثل ة في تع دد الكيان ات القبلي ة‬
‫إلى مرحل ة الوح دة واالس تقرار في إط ار الدول ة المركزي ة بمختل ف مقوماته ا المادي ة والروحي ة‪.‬‬
‫ولعل اضطالع الفقهاء المرابطين بهذه الوظائف السامية خدم ة للدول ة والمجتم ع‪ ،‬ق د أكس بهم مكان ة متم يزة في الس لم اإلداري واله رم‬
‫االجتماعي‪ ،‬مما عرضهم لحمالت من النقد الشديد من طرف فئ ة واس عة من أه ل القلم من معاص ريهم ومن الالحقين عليهم من الفقه اء‬
‫واألدباء والشعراء والمؤرخين‪ ،‬الذين تصدوا ـ كل من موقعه ـ لمهاجمة الفقهاء وتسويد صورتهم السياسية واالجتماعية‪ ،‬وتسفيه مواقفهم‬
‫الفكرية والدينية‪ ،‬مما يجعل هذا الموضوع جديرا بالمساءلة التاريخية‪ .‬لذا‪ ،‬يتطلع هذا البحث إلى تش ريح ه ذه اإلش كالية‪ ،‬ومحاول ة تق ييم‬
‫ف()‪.‬‬ ‫ذه المواق‬ ‫ه‬
‫وقد تراوحت التهم الموجهة إلى الفقهاء المرابطين ما بين التهم العقدية والفقهية‪ ،‬والتهم السياسية واالجتماعية‪ .‬فتم نعتهم بأقصى درج ات‬
‫التزمت الديني والفقهي‪ ،‬واالنتهازية السياسية واالجتماعية‪ .‬ووصل األمر إلى حد الطعن في عقيدتهم بإعالن تكفيرهم من طرف البعض‪.‬‬
‫ف‪:‬‬ ‫ك المواق‬ ‫ة لتل‬ ‫ة العام‬ ‫ا يلي الخطاط‬ ‫وفيم‬
‫ية‬ ‫ة وسياس‬ ‫ة وديني‬ ‫ادات علمي‬ ‫اء ‪ :‬انتق‬ ‫ة من الفقه‬ ‫رف فئ‬ ‫ادات من ط‬ ‫أ ــ انتق‬
‫ديني‬ ‫ير ال‬ ‫ي والتكف‬ ‫د السياس‬ ‫ومرت بين النق‬ ‫‪ ‬ابن ت‬
‫لم ا ك ان ابن ت ومرت زعيم ث ورة تس تهدف اإلطاح ة بالدول ة المرابطي ة وإقام ة دول ة جدي دة على أنقاض ها‪ ،‬هي دول ة أه ل التوحي د أو‬
‫الموحدين‪ ،‬ولما كان الفقهاء هم أصحاب القرار وهم المؤهلون لمواجهة مشروعه الفكري والسياسي‪ ،‬فقد وجه سهامه النقدي ة إلى الفقه اء‬
‫ات‪:‬‬ ‫ك االتهام‬ ‫ا يلي أهم تل‬ ‫رابطين‪ .‬وفيم‬ ‫ام الم‬ ‫اس‪ ،‬ومن خاللهم للحك‬ ‫ة األس‬ ‫بالدرج‬
‫‪ -‬استغالل الدين من أجل كسب الدنيا‪ :‬اتهم ابن تومرت الفقهاء المرابطين باستغالل تكوينهم الديني لتحقيق المصالح الدنيوية‪ .‬ففي رسالته‬
‫إلى أنصاره الموحدين()‪ ،‬يعلن ابن تومرت الحرب على ثالثة طوائف وهي‪ :‬البرابر المفسدين‪ ،‬والملبسين من الطلبة المكارين‪ ،‬وغ يرهم‬
‫من أولياء الشياطين وأعوان الكفرة الملثمين‪ ،‬حيث يقول‪" :‬فهذه الطوائف الثالثة الذين شمروا وتجردوا له دم ال دين وإماتت ه‪ ،‬أع ني أه ل‬
‫التجسيم الملثمين والبرابر المفسدين والمكارين الملبسين من الطلبة وهم شر الثالثة تسموا باسم العلم‪ ،‬ونس بوا أنفس هم إلى الس نة وتزين وا‬
‫بالفقه والدين‪ ،‬وتعلقوا بالكفرة‪ ،‬وانحازوا إلى جنبهم‪ ،‬واستفرغوا مجهودهم في معونتهم وفي طلب مرضاتهم‪ ،‬لما رأوا ال دنيا في جنبتهم‪،‬‬
‫اطلهم‪.)(" ...‬‬ ‫انوهم على ب‬ ‫ورهم‪ ،‬وأع‬ ‫وا دينهم وراء ظه‬ ‫وترك‬
‫‪ -‬شرعنة سلطة المرابطين "الكفار" والتعلق بهم‪ :‬لم يتردد ابن تومرت في تكفير الم رابطين وفقه ائهم‪ ،‬باعتب ارهم هم ال ذين ش رعوا لهم‬
‫طاعة المسلمين‪ ،‬فجعلوا"طاعتهم الزمة‪ ،‬واالنقياد إليهم واجب "‪ ،‬رغم علمهم بخروجهم عن السبيل‪ ،‬فقالوا لهم‪" :‬عليكم الس مع والطاع ة‬
‫ه‪.)("...‬‬ ‫روكم ب‬ ‫ا أم‬ ‫لم‬ ‫في ك‬
‫‪ -‬تبغيض أهل التوحيد‪ :‬لم يكتف الفقهاء في نظر ابن تومرت بشرعنة سلطة المرابطين‪ ،‬بل قاموا أيضا بتبغيض أنصاره "أه ل التوحي د"‬
‫عند عموم المسلمين‪ ،‬بتشويه صورتهم‪ ،‬وترويج األكاذيب ضدهم‪ ،‬مثل الق ول بتكف ير ابن ت ومرت للمس لمين وامتناع ه عن الص الة على‬
‫أهل القبلة وإشاعة الفساد؛ في حين كان ابن تومرت يعتبر أن ما كان يدعو الناس إلي ه ه و الح ق بعين ه‪ ،‬وأن م ا ك ان ي دعو إلي ه الفقه اء‬
‫المرابط ون ه و الض الل()‪ .‬ل ذلك‪ ،‬حم ل ابن ت ومرت الفقه اء الم رابطين مس ؤولية االنح راف السياس ي واالجتم اعي وال ديني للدول ة‬
‫المرابطية‪ ،‬فجعل الجهاد في حقههم واجبا شرعيا‪ ،‬حيث يقول‪" :‬فمن قتل من المجسمين والمفسدين فهو في النار ومن قت ل من الموح دين‬
‫هيد"‪)(.‬‬ ‫وش‬ ‫دين فه‬ ‫المجاه‬
‫ام الفقهية‬ ‫ع في األحك‬ ‫د والتفري‬ ‫تي التقلي‬ ‫ولي لنزع‬ ‫د أص‬ ‫ربي ‪ :‬نق‬ ‫ربن الع‬ ‫و بك‬ ‫‪ ‬أب‬
‫انتقد أبو بكر بن العربي بشدة نزعة التقليد عند فقهاء عصره من المالكية األندلس يين‪ ،‬وهي ظ اهرة لم تكن ـ حس ب ابن الع ربي ـ ولي دة‬
‫العصر المرابطي‪ ،‬بل متجذرة في األندلس منذ عهد األم ويين‪ ،‬حيث أل زم الفقه اء المالكي ة الن اس العم ل بم ذهب مال ك‪" ،‬فص ار التقلي د‬
‫دينهم‪ ،‬واالقتداء يقينهم"()‪ .‬لكن الخطير في األمر حسب ابن العربي‪ ،‬هو استغالل فقهاء التقلي د عالقتهم بالس لطة الحاكم ة لمناهض ة ك ل‬
‫حركة فكرية تجديدية أو تأصيلية‪ ،‬حيث كانوا "كلما جاء أح د من أه ل المش رق بعلم دفع وا في ص دره‪ ،‬وحق روا من أم ره إال أن يس تتر‬
‫عندهم بالمالكية‪ ،‬ويجعل ما عندهم من علوم على رسم التبعية"()‪ .‬فترتب عن ذلك اضطراب خطير لحركة االجتهاد‪ ،‬وتك ريس لنزع تي‬
‫التقليد والتفريع عند عموم الفقهاء‪ ،‬مما "جعل الخلف منهم يتبع الس لف‪ ،‬ح تى آلت الح ال إلى النظ ر في ق ول مال ك وأك بر أص حابه"‪)(.‬‬
‫اعي‬ ‫ترقي االجتم‬ ‫ل ال‬ ‫ه من أج‬ ‫ف الفق‬ ‫عراء‪ :‬توظي‬ ‫اء والش‬ ‫ادات األدب‬ ‫ب ــ انتق‬
‫من الصيغ النقدية المتوارثة في هذا الموضوع ما قاله الشاعر األندلس ي أب و جعف ر ابن الب ني ‪-‬ابن األبيض‪ -‬في أبي ات ش عرية ن الت من‬
‫الش هرة م ا جعله ا على لس ان ك ل دارس لت اريخ الم رابطين وفقه اء األن دلس‪ ،‬حيث يق ول()‪:‬‬
‫ْب الـدواب بأشهـب‬ ‫أهل الرياء لبستمو ناموسـكـم فملكتمو الدنيا بمذهب مالــك وركبتمو ُشه َ‬
‫كال ذئب أدلج في الظالم العـاتـم وقس متمو األم وال ب ابن القاسـم وبأص بغ ص بغت لكم فـي العــالـم‬
‫ثم أض اف بش كل ص ريح يهج و أب ا عب د هللا محم د بن حم دين‪ ،‬قاض ي قرطب ة‪ ،‬فق ال في حق ه‪:‬‬
‫أدجَّال هذا أوانُ الخروج يريد ابن حمدين أن يعتفي إذا سـئـل العرْ فَ َحـ َّ‬
‫ك اسْـــتَـــهُ‬
‫وي ا ش مس ل وحي من المغ رب وج دواه أن أى من الك وكب لي ُْـثبـِـتَ دعــواه فــي تـغــلـــ ِ‬
‫ب‬
‫كم ا تع رض الفقه اء للنق د والهج اء من ط رف ش عراء آخ رين مث ل ابن خفاج ة ال ذي يق ول في حقهم()‪:‬‬
‫درسوا العلوم ليملكوا بجد الهم وتـزهـدوا حـتـى أصابـوا فـرصـــة‬
‫الس فـي أخـذ مـال مـساجد وكـنائـس‬ ‫راتب ومج‬ ‫دور م‬ ‫اص‬ ‫فيه‬
‫افر بين العلم والعمل‬ ‫وفية ‪ :‬التن‬ ‫اد والص‬ ‫ادات الزه‬ ‫ج ــ انتق‬
‫انتقدت ثلة من الزهاد والصوفية فقهاء المرابطين متهمين إياهم باالنحراف السلوكي عن أخالق العلماء‪ ،‬حيث اتهموهم بالفصل بين الفق ه‬
‫والورع‪ ،‬أو بين العلم والعمل‪ .‬كما انتقدوهم أيضا لنزوعهم نحو التقليد في الفقه‪ ،‬باعتباره من المذاهب المذمومة()‪ .‬إال أن خصوصية نق د‬
‫الصوفية للفقهاء كان على المستوى السلوكي األخالقي‪ .‬فقد انتقد أبو العباس بن العريف‪ ،‬مثال‪ ،‬فقهاء عص ره وخاص ة المف تين منهم‪ ،‬من‬
‫خالل جدلية الفقه والورع‪ ،‬حيث يقول‪" :‬فالفقيه على الحقيقة الذي يسمى عامال هو الذي يوافق ِعلُمه َع َمله‪ ،‬فإذا أفتى غيره أفتى بأق ل م ا‬
‫يقدر عليه‪ ،‬ألنه هو من جهة يقينه فيما يشغل ذمة غيره‪ ،‬وإذا َع ِم َل‪ ،‬عمل بأكثر مما يقدر عليه‪ ،‬ألن ه ه و جه ة يقين ه فيم ا ت برأ ب ه ذمت ه‪.‬‬
‫وهذا هو الجمع بين الفقه والورع في حق المفتي‪ ،‬فأما السائل إذا سمع الفتوى بأق ل مم ا يش غل ذمت ه فعم ل ب أكثر م ا يش غل ذمت ه لليقين‬
‫بالبراءة‪ ،‬فهو الجمع بين الفقه والورع في حق المستفتي وال يحصل اليقين في الدين للعمال في براءة الذمم إال بجم ع ال ورع والفق ه‪ ،‬وق د‬
‫ذلك"()‪.‬‬ ‫دين ب‬ ‫عف ال‬ ‫ل اليقين وض‬ ‫ه وال ورع‪ ،‬فبط‬ ‫ق على الفق‬ ‫ثر الخل‬ ‫ر أك‬ ‫اقتص‬
‫ولذلك‪ ،‬لم يتردد في وصف هذا الصنف من العلماء بكونهم "علماء السوء وكبراء أهل الدنيا المغترين به ا في جم ع األم وال والج اه"()‪.‬‬
‫وهؤالء حسب ابن العريف "لم يتواضعوا بالذهب في الدنيا‪ ،‬وال خشعت جباههم ذال بحقائق اإليم ان‪ ،‬وال تج افت جن وبهم عن المض اجع‬
‫في طلب األم ان‪ ،‬وال نص بت ظه ورهم في الرك وع والس جود بين ي دي المل ك المعب ود‪ ،‬ون اموا واتك أوا بجن وبهم على اللين من أن واع‬
‫الملبوس‪ ،‬إيثارا لراحة النفوس عمال متماديا‪ ،‬واعتمدوا بظهورهم على صدور المجالس زهوا على الخواطر المجالس‪ ،‬ظ اهرا بادي ا"()‪.‬‬
‫د ــ ‪ ‬انتق ادات الم ؤرخين الق دامى والمعاص رين ‪ :‬انتق ادات ش املة م ؤطرة بخلفي ات ‪ ‬إيديولوجي ة مختلفة‬
‫يعتبر عبد الواحد المراكشي صاحب كتاب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" بمثاب ة المص در األص ل لك ل االنتق ادات ال تي وجهه ا‬
‫المؤرخون القدامى والمحدثون‪ ،‬ليس فقط للفقهاء المرابطين‪ ،‬بل للدولة المرابطية ككل‪ .‬لقد ق رر المراكش ي من ذ ح والي ‪621‬ﻫ ـ تاريخ‬
‫انتهائ ه من ت أليف المعجب ـ جمل ة من الص فات له ؤالء الفقه اء‪ ،‬ظلت عن اوين ب ارزة للعص ر الم رابطي‪ ،‬ت تردد أص داؤها في معظم‬
‫الدراس ات التاريخي ة القديم ة والحديث ة‪ ،‬ح تى أص بحت بمثاب ة حق ائق تاريخي ة ثابت ة غ ير قابل ة ألي نق اش‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول عن حال الفقهاء في عهد األمير علي بن يوسف بن تاشفين(‪537-500‬ﮬ)‪" :‬واشتد إيثاره ألهل الفقه والدين‪ ،‬وكان‬
‫ُث حكوم ة في‬ ‫ال يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء؛ فكان إذا ولى أحدا من قضاته كان فيما يعهد إليه أال يقطع أم را وال يَب َّ‬
‫صغير من األمور وال كبير إال بمحضر أربعة من الفقهاء؛ فبلغ الفقهاء في أيام ه مبلغ ا عظيم ا لم يبلغ وا مثل ه في الص در األول من فتح‬
‫األندلس‪ .‬ولم يزل الفقهاء على ذلك‪ ،‬وأمور المسلمين راجعة إليهم‪ ،‬وأحكامهم صغيرها وكبيرها موقوف ة عليهم‪ ،‬ط ول مدت ه؛ فعظم أم ر‬
‫بهم…"()‪.‬‬ ‫عت مكاس‬ ‫والهم‪ ،‬واتس‬ ‫ذلك أم‬ ‫ثرت ل‬ ‫اس إليهم‪ ،‬فك‬ ‫وه الن‬ ‫رفت وج‬ ‫اء… وانص‬ ‫الفقه‬
‫؛ فلم يكن أحد من مشاهير أهل ذلك الزمان يعتني بهما كامل االعتناء‪ ،‬ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخ وض في ش يء‬
‫من علوم الكالم؛ وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيح علم الكالم وكراهة السلف له وهجرهم من ظهر عليه شيء من ه‪ ،‬وأن ه بدع ة في‬
‫الدين وربما أدى أكثره إلى اختالل في العقائد‪ ،‬في أشباه لهذه األقوال‪ ،‬حتى استحكم في نفسه بُغض علم الكالم وأهله‪ ،‬فكان يكتب عنه في‬
‫كل وقت إلى البالد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه‪ ،‬وتوعُّد من ُو ِج َد عن ده ش يء من كتب ه؛ ولم ا دخلت كتب أبي حام د الغ زالي ‪:‬‬
‫المغرب‪ ،‬أمر أمير المسلمين بإحراقها‪ ،‬وتقدم بالوعيد الشديد‪ ،‬من سفك الدم واستئصال المال‪ ،‬إلى من وجد عنده شيء منها؛ واشتد األمر‬
‫في ذلك"()‪.‬كما يقول في نص آخر حول نفس الموضوع‪" :‬ولم يكن يقرب من أم ير المس لمين ويحظى عن ده إال من َع ِل َم ِع ْلم الف روع‪،‬‬
‫أعني فروع مذهب مالك‪ ،‬فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعُمل بمقتضاها ونُ ِب َذ ما سواها‪ ،‬وكثر ذلك حتى نسي النظ ر في كت اب هللا‬
‫ول هللا‬ ‫ديث رس‬ ‫وح‬
‫وقد تلقف الدارسون المعاصرون وخاص ة المستش رقين ه ذه االنتق ادات‪ ،‬وروج وا له ا في كتاب اتهم عن الدول ة المرابطي ة وعن فقهائه ا‬
‫بالخصوص‪ .‬ومن أبرز هؤالء المستشرقين رينهارت دوزي وألفرد بل() وجورج مارصي()‪ ،‬وغيرهم كثير‪ .‬وقد جمع بين ه ؤالء قاس م‬
‫مشترك هو تصويرهم السوداوي للدولة المرابطية‪ ،‬باعتبارها دولة بربرية ال عه د له ا بالحض ارة بمختل ف معالمه ا المادي ة والمعنوي ة‪،‬‬
‫وتحميلهم المسؤولية الكبرى للفقهاء المرابطين‪ ،‬حيث اتهموهم باالستئثار بالمكاسب المادي ة والمعنوي ة من س لطة وث روة‪ ،‬باإلض افة إلى‬
‫اتهامهم بالتعصب الفكري والجمود ومحاربة االجتهاد والتجديد ومعاداة التيارات الفكري ة العقالني ة وأنص ارها‪ .‬وفي ه ذا الص دد‪ ،‬يق ول‬
‫دوزي‪" :‬لقد جاوز تعصب الفقهاء كل حد‪ ،‬وكان أفق تفكيرهم شديد الضيق‪ ،‬هذا إلى قلة إلمامهم ب القرآن واألح اديث النبوي ة‪ ،‬فلم يأخ ذوا‬
‫أنفسهم بالتعمق إال في دراسة ما كتبه تالميذ مالك بن أنس الذين عدوهم أئمة معصومين‪ ،‬وال يجوز ألحد أن يخرج عما وض عوه‪ ،‬وك ان‬
‫إلمامهم‪ -‬والحق يقال‪ -‬بالشريعة إلماما دقيقا‪ .‬ولم تجد نفعا تلك المحاوالت التي ق ام به ا جماع ة من مس تنيري الفقه اء للح د من أفك ارهم‪،‬‬
‫فكان ردهم عليهم أن أخذوا في اضطهادهم واعتبرهم الناس زنادقة وكفرة مرت دين"()‪ .‬ويق ول أيض ا موض حا نف وذ الفقه اءعلى حس اب‬
‫غيرهم من أهل القلم‪" :‬كان الفقهاء يجنون الثمار التي كانوا وع دوا أنفس هم به ا من االحتالل الم رابطي‪ ،‬وربم ا ك ان م ا حص دوه يف وق‬
‫الهم"‪)(.‬‬ ‫آم‬
‫وس ار كث ير من الم ؤرخين الع رب على نفس النهج‪ ،‬حيث ص وروا الحي اة الفكري ة على نفس الص ورة ال تي رس مها المراكش ي من‬
‫القدامى()‪ .‬يقول عبد هللا العروي‪" :‬كان الحزب الموالي للمرابطين يمثل أقلية‪ ،‬وربم ا أقلي ة محتق رة ومهان ة من قب ل‪ ،‬فتص رفت بعدئ ذ‪،‬‬
‫وباستمرار تصرف األقلية المطوقة والمشفقة على نفوذها ومنزلتها المتميزة‪ ،‬فأعلنت حربا ال هوادة فيها على الخصوم والمنافسين ح تى‬
‫ولو لم يختلفوا عنهم إال في الحرص على السبك والتحرير وتنظيم المقاالت كالشافعيين‪ .‬وال ش ك أن ه ذا ك ان ال دافع الحقيقي لتب ديع أبي‬
‫حامد الغزالي"()‪ .‬وكانت النتيجة‪ ،‬حسب العروي‪ ،‬هي أن انتهى األم ر به ؤالء الفقه اء إلى الجم ود المطل ق والعج ز الت ام عن االجته اد‬
‫والتجدي د‪ ،‬ل ذلك ظل وا منع زلين ومع زولين‪ ،‬ولم يس تطيعوا اس تمالة ال النس اك وال المتكلمين أو أص حاب ال رأي واالجته اد()‪.‬‬
‫من خالل هذه النصوص‪ ،‬يتبين أن منظومة النقد الموجهة للفقهاء المرابطين متكاملة وش املة‪ ،‬وهي مؤسس ة على عنص رين م ترابطين‪:‬‬
‫‪ -‬التكوين الفكري للفقهاء‪ :‬وهو تكوين تمثل في اإللمام بالفروع في إطار المذهب المالكي واالبتعاد عن األصول أي الكتاب والس نة‪ .‬ومن‬
‫ثم وقع التمكين للفقه على حساب أصول الفقه وما يرتبط بها من آليات االجتهاد‪ ،‬كما انعكس التشبث الحرفي بالمذهب الم الكي س لبا على‬
‫علوم العقل والنظر والجدل‪ ،‬فاستهدفت علوم الكالم والفلسفة والمنط ق والتص وف والش عر واألدب‪ .‬ف انعكس ك ل ذل ك س لبا على مج ال‬
‫التش ريع‪ ،‬فتك رس التقلي د ونب ذ االجته اد والتجدي د والتأص يل‪ ،‬وس اد الجم ود واالنحط اط في الحي اة الفكري ة‪.‬‬
‫‪ -‬النفوذ السياسي واالجتماعي للفقهاء في الدولة المرابطية‪ :‬بفضل تكوينهم الفقهي تمكن الفقهاء من االس تئثار بالس لطة وال ثروة والمكان ة‬
‫االجتماعي ة على حس اب غ يرهم من أص حاب القلم‪ ،‬وعلى حس اب الس لطة نفس ها ال تي لم تع د ق ادرة على االس تغناء عنهم في أي وقت‬
‫اء والتهميش‪.‬‬ ‫يق واإلقص‬ ‫عر بالض‬ ‫ات تش‬ ‫اقي الفئ‬ ‫لب‬ ‫ا جع‬ ‫وحين‪ ،‬مم‬
‫هذه مستويات وعناصر اإلشكالية كما تجلت لنا من خالل تلك الخطاطة العامة التجاهات النق د والمعارض ة لفقه اء الم رابطين‪ .‬وب النظر‬
‫لتعدد األطراف المساهمة في بناء تلك األطروحات النقدية ضد فقهاء المذهب المالكي في العصر الم رابطي‪ ،‬وب النظر الختالف المواق ع‬
‫والخلفيات التاريخية والفكري ة والسياس ية ألص حابها‪ ،‬إذ هن اك الخص م الت اريخي للم رابطين وفقه ائهم (ابن ت ومرت)‪ ،‬وهن اك الخص م‬
‫الفكري للفقهاء (المتصوفة والش عراء)‪ ،‬وهن اك الخص م الحض اري ممثال في طائف ة من المستش رقين‪ ،‬وهن اك ـ ربم ا ـ من ك ان ينش د‬
‫ة‪.‬‬ ‫ا كامل‬ ‫ز عن التقاطه‬ ‫ا وعج‬ ‫يبا منه‬ ‫ط نص‬ ‫ا أو التق‬ ‫ة ولم يلتقطه‬ ‫وعية التاريخي‬ ‫الموض‬
‫ب النظر لك ل ه ذه االختالف ات‪ ،‬وفي خض مها‪ ،‬ومن أج ل تش ريح المكان ة السياس ية واالجتماعي ة للفقه اء في الدول ة المرابطي ة نط رح‬
‫ة‪:‬‬ ‫اؤالت التالي‬ ‫التس‬
‫‪ -‬م ا هي ح دود النف وذ السياس ي لفقه اء المالكي ة في الدول ة المرابطي ة؟ إلى أي م دى تمكن الفقه اء‬
‫المالكيون من تشكيل"طبقة اجتماعية" نافذة في الدولة والمجتمع‪ ،‬موحدة األهداف والمصالح؟ ما مدى مصداقية الق ول باس تغالل الفقه اء‬
‫لثقافتهم الشرعية والفقهية على الخصوص لتحقيق المصالح الدنيوية‪ ،‬من مال وجاه ومناصب سياسية وإدارية‪..‬؟‬
‫‪ -‬إلى أي مدى عملت الدولة المرابطية على إقصاء سائر المفكرين والمثقفين ـ باستثناء الفقه اء المالكي ة ـ من المش اركة في إدارة الش أن‬
‫ع؟‬ ‫ة والمجتم‬ ‫ام للدول‬ ‫الع‬
‫‪ -‬إذا سلمنا‪ ،‬جدال‪ ،‬بصحة هذه االنتقادات‪ ،‬فهل كان هؤالء الفقهاء يشكلون القاعدة أم االستثناء ضمن الئح ة الفقه اء الم رابطين؟ ومن هم‬
‫ه ؤالء الفقه اء المس تهدفون بالتحدي د به ذا النق د الش ديد؟ ه ذه التس اؤالت وغيره ا س نحاول اإلجاب ة عنه ا في ه ذا البحث‪.‬‬
‫ددات‬ ‫ات والمح‬ ‫ة ‪ :‬التجلي‬ ‫‪ 1‬ــ ‪ ‬نفـوذ الفقـهاء في الــدولة المرابطي‬
‫ة المرابطية‬ ‫اء في الدول‬ ‫وذ الفقه‬ ‫اهر نف‬ ‫ات ومظ‬ ‫‪ 1‬ـ ‪ / 1‬تجلي‬
‫ال شك أن الفقهاء قد احتلوا مكانة متميزة في الدولة المرابطية‪ ،‬وحظوا بعناية خاصة من طرف السلطة السياسية العليا المرابطي ة‪ .‬وتثبت‬
‫السيرورة التاريخية للدولة المرابطية قوة وأهمية مكان ة الفقه اء في ت اريخ الم رابطين‪ ،‬من ذ فج ر الحرك ة المرابطي ة‪ ،‬إلى غاي ة تأس يس‬
‫ا‪.‬‬ ‫ة تاريخه‬ ‫ة‪ ،‬وطيل‬ ‫الدول‬
‫يس‬ ‫ة التأس‬ ‫‌أ ‪ -‬في مرحل‬
‫كان التفكير في تأسيس الدولة المرابطية إبداعا خالصا لفقهاء المالكية بالغرب االسالمي‪ .‬فقد انطلق العم ل في مش روع ه ذه الدول ة على‬
‫األقل من القيروان على يد العالم المغربي أبي عمران الفاسي في لقائه التاريخي بالزعيم الجدالي يحيى بن اب راهيم‪ .‬ويعت بر أب و عم ران‬
‫صاحب الفضل في لبنة التنظير والتخطيط‪ ،‬حيث كان لهذا العالم مشروع إلنقاذ المجتمع المغ ربي من خط ر االنح راف ال ديني والتفك ك‬
‫العقدي والسياس ي ال ذي ع انى من ه في غي اب دول ة مركزي ة س نية‪ .‬وه و الوض ع ال ذي ح اول تص حيحه من خالل تفعيل ه لمب دإ األم ر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومه الشمولي في ظل الس لطة المغراوي ة الزناتي ة‪ ،‬مم ا عرض ه للط رد من موطن ه ف اس‪ ،‬فالتج أ إلى‬
‫القيروان مهووسا‪ ،‬بدون شك‪ ،‬بمشروع إقامة كيان سياسي سني لتحقيق طموحه اإلصالحي()‪ .‬وهو المشروع ال ذي تكل ف بتنفي ذه فقه اء‬
‫ى‪.‬‬ ‫المغرب االقص‬ ‫ةب‬ ‫المالكي‬
‫وقد برز في هذا السياق الفقيه عبد هللا بن ياسين الجزولي الذي صبر وصابر ورابط وجاهد من أجل تحقيق المشروع اإلص الحي الس ني‬
‫على أرض الواقع وإقامة الدولة التي ترعاه‪ ،‬وتكوين اإلنسان المرابطي الق ادر على تحم ل مس ؤولية التمكين له ذا المش روع على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬بل ضحى عمليا من أجله في المعارك والغزوات العسكرية ضد قوى االنحراف الديني والسياسي (الخوارج والش يعة والزن اتيون‬
‫يين()‪.‬‬ ‫د البرغواط‬ ‫هيدا على ي‬ ‫برغواطيون…)‪ ،‬وذهب ش‬ ‫وال‬
‫ولذلك بدت سلطته منذ فجر الحركة المرابطية وكأنها سلطة مطلقة‪ ،‬رغم وج ود قي ادة سياس ية عس كرية إلى جانب ه‪ ،‬ممثل ة في يح يى بن‬
‫ابراهيم الجدالي ومن خلفه من أمراء لمتونة‪ .‬فكانت الكلمة العليا في سياسة الحركة المرابطية ترجع إليه()‪ ،‬حيث اض طلع ب دور ال زعيم‬
‫الروحي والمرشد التربوي‪ ،‬كما اضطلع بوظيفة القائد السياسي والعسكري الميداني‪ .‬فقد "كان (عبد هللا بن ياس ين) في الحقيق ة‪ ،‬األم ير‪،‬‬
‫أمر وينهى"()‪.‬‬ ‫ذي ي‬ ‫و ال‬ ‫وه‬
‫ومما يؤكد المكانة السامية للفقيه عبد هللا بن ياسين باعتباره المرشد الروحي للحرك ة في ت دبير ش ؤونها‪ ،‬تح ّك ُم ه في نق ل مقالي د الس لطة‬
‫داخلها()‪ .‬فعبد هللا بن ياسين هو الذي نقل القيادة السياسية للحركة المرابطية من قبيلة كدالة بعد وفاة األمير يحيى بن إبراهيم الجدالي إلى‬
‫قبيلة لمتونة في شخص يحيى بن عمر اللمتوني‪ .‬يقول ابن أبي زرع‪" :‬وتوفي يحيى بن إبراهيم الكدالي فأراد عب د هللا بن ياس ين أن يق دم‬
‫غيره في موضعه ليقوم بحروبهم‪ .‬وكان أكثر قبائل صنهاجة طاعة هلل تعالى ودينا وصالحا لمتونة (‪ )...‬فجمع عبد هللا بن ياس ين رؤس اء‬
‫القبائل من صنهاجة‪ .‬فقدم عليهم يحيى بن عمر اللمتوني وأ ّمره على س ائرهم (‪ )...‬وك ان يح يى ش ديد االنقي اد لعب د هللا بن ياس ين‪ ،‬كث ير‬
‫الطاعة له فيما يأمره وينهاه"()‪ .‬وتكرر نفس األمر بعد وفاة يحيى بن عمر‪ ،‬حيث عين الشيخ عبد هللا بن ياسين أبا بكر بن عم ر خلف ا ل ه‬
‫ة()‪.‬‬ ‫ة ودرع‬ ‫ل سجلماس‬ ‫ائر الملثمين وأه‬ ‫ة وس‬ ‫ه لمتون‬ ‫ة‪ ،‬فبايعت‬ ‫على رأس الحرك‬
‫ولما انقسمت الحركة المرابطي ة إلى ش طري الش مال والجن وب‪ ،‬بع ودة أبي بك ر بن عم ر إلى الص حراء مس تخلفا ابن عم ه يوس ف بن‬
‫تاشفين على قيادتها في الشمال‪ ،‬كان البد له من اصطحاب قيادة دينية معه إلى الجنوب‪ ،‬وقد تمثلت هذه القيادة في الفقيه والعالم األصولي‬
‫أبي بكر محمد بن الحسين الحضرمي المرادي‪ .‬ولعل هذا العالم كان يضطلع بنفس المهمة التي كان يضطلع بها عبد هللا بن ياسين()‪ .‬وقد‬
‫كان أبو بكر بن عمر عموما يقرب الفقهاء ويصغي إليهم()‪ ،‬ومن ذلك إشهاد الفقهاء على انتقال الس لطة بين ه وبين يوس ف بن تاش فين()‪.‬‬
‫فين‬ ‫ف بن تاش‬ ‫د يوس‬ ‫ب ـ ‪ ‬في ‪ ‬عه‬
‫رغم عدم تردد ذكر اسم منظر مرشد جديد يقوم بنفس مهام الشيخ عبد هللا بن ياسين في الشمال بع د انقس ام الحرك ة‪ ،‬ب دليل ع دم ارتب اط‬
‫يوسف بفقيه واحد كما كان الشأن سابقا في فجر الحركة‪ ،‬فإن هذا ال يعني أبدا تراجع مكانة الفقهاء في الدولة المرابطية‪ .‬ب ل على العكس‬
‫من ذلك‪ ،‬فقد ازدادت مكانة الفقهاء شموخا‪ ،‬وازداد نفوذهم قوة‪ .‬فبدل فقيه واحد‪ ،‬حظي فقهاء كثيرون بالرعاي ة‪ ،‬حيث ظ ل أم راء الدول ة‬
‫المرابطية أوفياء لرجال الفقه والعلم الشرعي‪ .‬فأمير المسلمين يوسف بن تاشفين ظل وفيا لهذا التوجه‪ ،‬ولم يس جل علي ه الت اريخ أب دا أي‬
‫محاولة للتخلص منه‪ ،‬رغم ما تحقق على يديه من قوة للدولة ق د تش كل م بررا لالس تبداد بش ؤون الدول ة على حس اب غ يره‪ ،‬وذهب في‬
‫تقريب الفقهاء وتعظيم مكانتهم في تسيير الدولة ما جعله مضرب األمثال‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول عنه ابن ع ذاري‪" :‬ك ان يفض ل الفقه اء‬
‫ويعظم العلماء ويصرف األموال إليهم ويأخذ فيها برأيهم ويقضي على نفسه بفتي اهم"()‪ .‬ومن بين ه ؤالء الفقه اء مثال القاض ي أبي عب د‬
‫المالك بن سمجون اللواتي الذي حظي عنده بمكانة خاص ة في ت دبير ش ؤون الدول ة في عه ده‪ ،‬حيث ص رف إلي ه جمي ع أم ور المغ رب‬
‫واألندلس()؛ وكذلك أبي عبد هللا محمد بن أحمد التجيبي الذي فوض إليه أمور األندلس الكبار أيام قض ائه وفت واه()‪ .‬كم ا أن ه ك ان يحتكم‬
‫لرأي كل من أبي عبد هللا بن مسعود القيرواني وأبي الحجاج يوسف بن الملجوم في عزل وتعيين القضاة()‪ .‬وبلغ يوسف من بره بالعلماء‬
‫والفقهاء أنه أجرى عليهم األرزاق‪ ،‬ورتب لهم األعطيات من بيت المال()‪ ،‬وكان مكرما ألهل العلم عموما()‪ .‬ولذلك ال غرابة إذا وجدناه‬
‫يؤدي اليمين امتثاال لفتوى الفقيه أبي عبد هللا بن الفراء‪ ،‬حين أراد استخالص ضريبة إض افية (المعون ة) من الن اس لالض طالع الجه اد‪.‬‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة المرابطي‬ ‫ي للدول‬ ‫دبير السياس‬ ‫اء في الت‬ ‫ير للفقه‬ ‫وذ الكب‬ ‫دى النف‬ ‫ذا يعكس م‬ ‫وه‬
‫والمالحظ أن يوسف بن تاشفين كان ملتزما برأي الفقهاء وليس مجرد مشاور لهم‪ ،‬بم ا في ذل ك رأيهم في القض ايا االس تراتيجية للدول ة‪،‬‬
‫وعلى رأسها قضايا التوحيد والجهاد سواء بالمغرب أو باألندلس‪ ،‬ومنه ا الموق ف من الوض ع الم تردي باألن دلس الطائفي ة‪ ،‬وال ذي ك ان‬
‫يتطلب التدخل االستعجالي إلنفاذ البالد من عبث ملوك الطوائف()‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬استفتى الفقهاء في شأن ص احب س بتة ال ذي رفض‬
‫تسليمها له لتسهيل العبور إلى األندلس‪ ،‬فأفتوه بوجوب قتاله وفتحها‪ ،‬وهو ما تحقق سنة ‪477‬ﻫ‪ )(.‬كما استفتى بعض فقهاء المغرب في‬
‫مصير ملوك الطوائف‪ ،‬فأفتاه الفقيه يوسف بن عيسى الملجوم الفاس ي (ت‪492‬ﻫ) بوجوب خلعهم()‪ .‬ولم يكتف يوسف بفتاوى علماء‬
‫المغرب في شأن األندلس‪ ،‬بل دفعه ضميره وورعه إلى استفتاء علماء المشرق‪ ،‬وعلى رأسهم اإلمام الغزالي الذي ج اءت فت واه مطابق ة‬
‫ف()‪.‬‬ ‫وك الطوائ‬ ‫ع مل‬ ‫وب خل‬ ‫ذلك على وج‬ ‫ل اإلجمـاع ب‬ ‫رب()‪ .‬وحص‬ ‫اء المغ‬ ‫وى علم‬ ‫لفت‬
‫وخالل إنجاز مشروع التوحيد باألندلس‪ ،‬لم يتردد يوسف في استفتاء الفقهاء كذلك‪ .‬وهكذا استفتى العلم اء من جدي د في ش أن المعتم د بن‬
‫عباد‪ ،‬فأفتى بعضهم بارتداده الستغاثته بالنصارى ضد المرابطين‪ ،‬وأباحوا دمه()‪ ،‬وهي الفت وى ال تي عم ل يوس ف به ا ‪ ،‬ف اكتفى بإلق اء‬
‫القبض عليه‪ ،‬ونفيه إلى المغرب()‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬قبل اإلطاحة بالمعتمد‪ ،‬كان يوسف قد أنصفه في نزاعه مع ابن رش يق‪ ،‬اس تنادا إلى فت وى‬
‫الفقه اء()‪ .‬ك ل ذل ك يؤك د م دى اح ترام وتق دير يوس ف بن تاش فين لس لطة الفقه اء ال ذين اعتم د عليهم في تس يير ش ؤون دولت ه‪.‬‬
‫وتبلغ سلطة الفقهاء أوجها في عه د يوس ف بن تاش فين بتحكمهم في ش رعية حكم ه‪ ،‬حين اش ترطوا علي ه ض رورة الحص ول على تقلي د‬
‫رسمي من الخليفة العباسي من أجل مبايعته‪ ،‬وهي المهمة التي اضطلع بها الفقي ه ابن الع ربي في س فارته إلى بغ داد()‪ .‬كم ا اعتم د على‬
‫مشورتهم في تعيين ولي عهده()‪ .‬ويذكر صاحب "البيان المغرب" مظهرا آخر من مظاهر نفوذ الفقهاء لدى األمير يوسف وه و المتمث ل‬
‫في االعتماد عليهم في إقامة مشاريع البنية التحتية للدولة من مساجد وموانئ‪ ،‬حيث يقول‪" :‬وكان يوسف بن تاش فين أم ر القاض ي محم د‬
‫بن عيسى ببناء جامع سبتة وزاد فيه حتى أشرف على البحر وكان بنيانه عام إحدى وتسعين (…) وقبل بناء الجامع ب أعوام أم ر يوس ف‬
‫بن تاش فين ببن اء س ور المين اء الس فلي بس بتة على ي د القاض ي إب راهيم بن أحم د"()‪ .‬وهن اك نم اذج أعم ال أخ رى من نفس الن وع‪.‬‬
‫من خالل تتبع مسار عالقة األمير يوسف بالفقهاء يتبين ب أن التعام ل بين الس لطتين السياس ية والديني ة في عه ده ك ان مبني ا على أس اس‬
‫االلتزام بضوابط الشرع من الطرفين‪ ،‬ومن ذلك اجتهاد الفقهاء في تدبير شؤون الدين والدولة‪ .‬ولذلك‪ ،‬رغم ما ك ان يت وفر علي ه من ق وة‬
‫عس كرية‪ ،‬لم يكن يتح رك خاص ة في الخط وات الك برى إال اس تنادا إلى رأي الفقه اء‪ ،‬وليس في ذل ك أي ن وع من الرغب ة في اس تغالل‬
‫الفتوى كمجرد غطاء شرعي لسياسته‪ ،‬بل التزاما ص ادقا من ه بض وابط الش ريعة‪ ،‬ب دليل م ا حظيت ب ه قرارات ه تل ك من إجم اع ش عبي‬
‫وشرعي‪ ،‬حيث لم تسعفنا المصادر التاريخية للوقوف على فتاوى مناهضة لتوجهات ه أو لتل ك الفت اوى المناص رة ل ه‪ ،‬كم ا لم تس عفنا في‬
‫ك‪.‬‬ ‫ه تل‬ ‫عبية لقرارات‬ ‫ةش‬ ‫وف على معارض‬ ‫الوق‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين أن الفقهاء قد حظوا بمكانة هامة في الدولة المرابطية في عهد يوس ف بن تاش فين‪ .‬وبفض ل تل ك المكان ة أس هموا في نج اح‬
‫مشروع الجهاد والتوحيد باألندلس التي كانت على وشك السقوط المبكر في يد الص ليبيين‪ ،‬فتحق ق التوحي د السياس ي والم ذهبي للمغ رب‬
‫اإلسالمي األقصى ألول مرة في تاريخه‪ ،‬وتشكلت خريطته الجيوسياسية التي امتدت من حدود نهر النيجر جنوبا إلى خطوط التماس م ع‬
‫الممالك النصرانية المتاخمة لألندلس اإلسالمية شماال‪ ،‬وأصبح المغرب ألول مرة في تاريخه قوة إقليمي ة ودولي ة مس تقلة‪ .‬باإلض افة إلى‬
‫تأكيدهم التوجهات الوحدوية لألمة اإلسالمية من خالل إلزام أمير المسلمين يوسف بن تاش فين بض رورة الحص ول على التقلي د الرس مي‬
‫من الخالفة اإلسالمية ببغداد‪ ،‬وإعالن تبعية الدولة المرابطية لهذه الخالفة حفاظا على مبدإ وحدة الخالفة اإلس المية الس نية‪ .‬فه ل اس تمر‬
‫ح ال الفقه اء على م ا ك ان علي ه في المراح ل الالحق ة من ت اريخ الدول ة أم تزاي د نف وذهم أك ثر من ذل ك؟ وم ا ح دود ذل ك النف وذ ؟‬
‫د علي بن يوسف‬ ‫ج ـ في عه‬
‫إن مشروعية تجديد طرح هذه األسئلة ومثيالتها مستمدة من اعتبار أساسي مفاده أن كل االتهام ات ال تي وجهت للفقه اء ك انت تس تهدف‬
‫بالخصوص سياسة األمير علي بن يوسف بن تاشفين ( ‪537-500‬ﮬ)‪ .‬لقد تحدث المراكشي على جملة من المؤشرات السلبية الدالة ـ في‬
‫نظ ره ـ على تس لط وتحكم الفقه اء في دول ة الم رابطين زمن علي بن يوس ف‪ ،‬وهي مؤش رات سياس ية وتش ريعية واجتماعي ة()‪.‬‬
‫فمن الناحية السياسية يرى المراكشي أن أمير المسلمين علي بن يوسف لم يكن قادرا على تسيير شؤون دولته إال بمشاورة الفقه اء‪ ،‬حيث‬
‫يقول عنه‪" :‬واشتد إيثاره أله ل الفق ه وال دين‪ ،‬وك ان ال يقط ع أم را في جمي ع مملكت ه دون مش اورة الفقه اء"()‪ .‬ومن الناحي ة القض ائية‬
‫التشريعية ألزم قضاته بضرورة استشارة أربعة فقهاء‪ ،‬حيث "كان إذا ولى أحدا من قضاته ك ان فيم ا يعه د إلي ه أال يقط ع أم را وال يبت‬
‫حكومة في صغير من األمور وال كبير إال بمحضر أربعة من الفقهاء"()‪ ،‬مما أدى إلى ترسيخ نف وذ الفقه اء‪ ،‬فتع اظم بفع ل ذل ك نف وذهم‬
‫االجتماعي‪ ،‬وكثرت أموالهم‪ ،‬وتضخمت ثروتهم‪ .‬ومن جهة أخر أوصى بضرورة احترام القضاة وأحكامهم احتراما خاص ا كم ا س نرى‪.‬‬
‫وحاول المراكشي تفسير تلك الوضعية بخصال أمير المسلمين التي كانت أقرب إلى خصال الزهاد والمتبتلين‪ ،‬وأبعد عن خصال المل وك‬
‫والمتغلبين()‪ .‬فما مدى مصداقية تقييم المراكشي لعالقة األمير علي بن يوسف بالفقهاء؟ وقبل ذلك ما هي التجليات االخرى لنفوذ الفقه اء‬
‫ة؟‬ ‫ة المرابطي‬ ‫في الدول‬
‫إن نفوذ الفقهاء في الدولة المرابطية في عهد علي بن يوسف بالخصوص‪ ،‬يتجلى من خالل عدة زوايا‪ :‬تارة بصفتهم فقهاء وخاصة فقهاء‬
‫الشورى‪ ،‬وتارة أخرى بصفتهم قضاة وخاصة قضاة الجماعة‪ .‬ولعل المظهر السياسي األكثر تعبيرا عن م دى ق وة نف وذ الفقه اء في ظ ل‬
‫حكم األمير علي بن يوسف‪ ،‬يتمثل في دور الفقهاء المشاورين في رعاي ة انتق ال المل ك في الدول ة من خالل تع يين ولي العه د‪ .‬لق د ك ان‬
‫للفقهاء وخاصة أهل الشورى القرار الحاسم في اختيار علي بن يوسف البنه األمير تاشفين وليا للعهد‪ ،‬ب دل األم ير إس حاق‪ ،‬حيث أجم ع‬
‫أهل الشورى على اختيار األول‪ ،‬وبرروا ذلك بأسباب موضوعية‪ ،‬منها تدينه وشجاعته وش هامته ورجاح ة عقل ه وخبرت ه العس كرية()‪.‬‬
‫ومن مظاهر ذلك أيضا التزامه بفتاويهم في كثير من القضايا االجتماعية والسياسية الحساسة‪ ،‬منها مثال قضية نفي النص ارى المعاه دين‬
‫إلى مراكش‪ ،‬حيث أفتى الفقيه أبو الوليد بن رشد "بتغريبهم وإجـالئهم إلـى العدوة عن أوطـانهم"()‪ .‬كما عـمل أمير المسلمين بـفتوى ابن‬
‫رشد فـي مسألة تسوير مدينة مراكش()‪ .‬ومما يستدل به أيضا على سـلطة الفقهاء ونفوذهم فـي عهد هذا األمير‪ ،‬تنفي ذه لفت وى الفقي ه أبي‬
‫زالي()‪.‬‬ ‫ام الغ‬ ‫اء لإلم‬ ‫اب اإلحي‬ ‫راق كت‬ ‫أن إح‬ ‫دين بش‬ ‫د هللا بن حم‬ ‫عب‬
‫‪﴿ :‬وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على هللا﴾()‪ .‬مما يعني إعماال لمبدإ الشورى على جميع المستويات اإلداري ة‪.‬ومن خالل تتب ع‬
‫منهجية التدبير السياسي واإلداري للدولة‪ ،‬تتبين مكانة الفقهاء في الدولة فعال‪ ،‬وخاصة الفقهاء المشاورين الذين شاركوا في تدبير ش ؤون‬
‫الدولة على جميع المستويات المركزية والالمركزية‪ .‬فكان نواب أم ير المس لمين س واء ب المغرب أو باألن دلس مل زمين باالستش ارة م ع‬
‫الفقهاء في كل القضايا()‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لوالة الجهات‪ ،‬حيث كانوا هم أيضا ملزمين باستشارة أهل الرأي في جهاتهم‪" ،‬ليطلع وهم‬
‫على ما يخفى عليهم من أحوال رعاياهم"()‪ .‬فكانت التوجيه ات األميري ة تلح على ض رورة اح ترام قواع د الش ورى في الحكم واعتب ار‬
‫الفقهاء واألخذ برأيهم‪ .‬وبهذا طولب األمير تاشفين بن علي عندما ضم إلى واليته باألندلس والية قرطبة‪ ،‬حيث ج اء التعليم ات الموجه ة‬
‫وله‬ ‫ول لرس‬ ‫إن هللا ‪ ‬يق‬ ‫تباه‪ ،‬ف‬ ‫واطن االش‬ ‫ورة في م‬ ‫ن المش‬ ‫تظهر بحس‬ ‫الي‪" :‬واس‬ ‫ه كالت‬ ‫إلي‬
‫ولعل الفئة الثانية من الفقهاء التي حظيت بالتقدير واإلجالل من طرف السلطة المرابطية هي فئة القضاة وخاصة قض اة الجماع ة‪ ،‬ال ذين‬
‫كانوا يرأسون هيئة القضاء‪ .‬وقد كان هناك قاض يان للجماع ة في الدول ة المرابطي ة‪ ،‬يش رف أح دهما على القض اء باألن دلس ومق ره في‬
‫قرطبة‪ ،‬ويشرف اآلخر على القضاء بالمغرب ومقره بمراكش عاصمة الدولة‪ ،‬ويدعى أحيانا بقاضي الحضرة()‪ .‬وكان هذا األخير بحكم‬
‫منصبه من أهم أعضاء مجلس الشورى األميري‪ ،‬وأنفذهم لدى أمير المسلمين()‪ .‬وكانت سلطة قاضي الجماعة عموما سواء بالمغرب أو‬
‫باألندلس قوية‪ ،‬بحيث كان يتعين على أمير المسلمين أو نائبه أن يستشيره في تعيين غ يره من القض اة وغيره ا من الش ؤون‪ ،‬مم ا جعلهم‬
‫يتحكمون في القرارات االستراتيجية للدولة‪ ،‬من ذلك مثال مطالبة القاضي أبي الوليد بن رشد بخلع أخيه األمير أبي طاهر تميم عن والية‬
‫األندلس واالستجابة الفورية لألمير علي بن يوسف لذلك()‪ .‬ومن أبرز قضاة الجماعة الم رابطين‪ :‬أب و القاس م أحم د بن حم دين التغل بي‪،‬‬
‫وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد‪ ،‬وأبو عبد هللا محمد بن احمد بن خلف التجيبي المعروف بابن الحاج‪ .‬ومن أب رز قض اة الحض رة أب و‬
‫نهاجي()‪.‬‬ ‫ف هللا الص‬ ‫عيد بن خل‬ ‫وس‬ ‫د اللخمي‪ ،‬وأب‬ ‫د هللا بن محم‬ ‫د عب‬ ‫محم‬
‫وكان أمير المسلمين ال ي ّدخر جهدا للحفاظ على المكان ة االعتباري ة للقض اة عموم ا وفي مق دمتهم قض اة الجماع ة‪ ،‬حيث ك ان يطلب من‬
‫العمال والوالة بذل أقصى الجهود في سبيل ذلك‪ .‬وكان التركيز ش ديدا على ض رورة االمتث ال ألحك ام القض اة من ط رف الجمي ع س واء‬
‫مرابطين أو غيرهم‪ .‬وفي هذا اإلطار وجه أمير المسلمين رسائل متعددة لوالته وعماله‪ ،‬كم ا وج ه رس الة إلى أح د قض اته يخ بره ب ذلك‬
‫ويؤكد له ما يحظى به من عناية واحترام‪ ،‬حيث يقول مخاطبا قاضي الجماعة ابن حمدين‪" :‬وقد عهدنا إلى جماعة الم رابطين أن يس لموا‬
‫لك في كل حق تمضيه‪ ،‬وال يعترضوا عليك في قضاء تقضيه‪ ،‬ونحن أوال‪ ،‬وكلهم آخر‪ ،‬وقد صرت قاضيا سامعون منك غير معترض ين‬
‫في حق عليك‪ ،‬والعمال والرعية كافة سواء في الحق‪ ،‬فإن شكت إليك بعامل وصح عندك ظلمه لها‪ ،‬وال يتجه في ذلك عم ل غ ير عزل ه‪،‬‬
‫فاعزله‪ ،‬وإن شكا العامل من رعيته خالفا في الواجب فاشكه منا‪ ،‬وقومها له‪ ،‬ومن اس تحق من كال الف ريقين الض رب والس جن فاض ربه‬
‫واسجنه‪ ،‬وإن استوجب الغرم في ما استهلك فاغرمه‪ ،‬واس ترجع الح ق ش اء أو أبى من لدن ه‪ ،‬واألم ر في اس تكفاء من يكفي ك ويغ ني في‬
‫بعض األمور عنك إليك‪ ،‬وال نشير عليك بشيء‪ ،‬وتصرفك أحيانا في إصالح صنعك وترفيع معاشك غير مضيق علي ك في ه فاعلم ه"()‪.‬‬
‫ولم يتوان أمير المسلمين في التعبير عن سخطه وغضبه لما كانت تقابل به أحيانا أحكام بعض القضاة من مواق ف منافي ة لتوجهات ه‪ ،‬كم ا‬
‫تدل على ذلك رسالته حول حالة قاضي القضاة بشرق األندلس حين لقيت أحكامه اع تراض طائف ة من الن اس في تل ك المنطق ة‪ ،‬إذ وج ه‬
‫األمير خطابا شديد اللهجة لعاملها يحثه فيه على وجوب احترام وحماية جناب هذا القاضي وإنذار المعترضين علي ه بتوقي ع أش د العق اب‬
‫ره()‪.‬‬ ‫ه وأوام‬ ‫ة أحكام‬ ‫تمرارهم في مخالف‬ ‫ة اس‬ ‫عليهم في حال‬
‫وقد بلغ من شدة حرصه على مكانة القضاء‪ ،‬أنه اعتبر سلطة القاضي فوق سلطة الحاكم اإلداري والعسكري‪ ،‬إذ جعله رقيب ا على ال والة‬
‫والعمال التابعين له‪ ،‬كما تدل على ذلك رسالة وجهها إلى قاضي مالق ة أبي محم د عب د هللا بن أحم د بن عم ر القيس ي الم القي()‪ ،‬في ذي‬
‫الحجة من سنة ‪523‬ﻫ‪ ،‬جاء فيها ما يلي‪" :‬وقد قلدناك تقليدا تاما أن تنظر بجهتك من شكاوى العامة في اللطيف والجليل وسلمناك القيام‬
‫بالخفيف منها والثقيل‪ ،‬فتفقد ما قبلك حتى تفقده (…) وأي عامل من عمال الرعية قامت الشهادة عن دك بتعدي ه وعلمت بص حة اس تهدافه‬
‫وتصديه فإن أمره إلى صاحب البلد مستعمله وموليه‪ ،‬وأشعره بما ثبت عندك فيه فإن غل ي د أديت ه وأنف ذ عزل ه عن رعيت ه‪ ،‬وإال ف أخف‬
‫ذلك إلينا في س ائر م ا يتوق ف ل ديك من األم ور ال تي تقص ر عنه ا ي دك‪ ،‬وأي ع ذر ل ك وق د ش ددنا من أزرك وعض دنا من أم رك"()‪.‬‬
‫ومن األمثلة الدالة على ذلك إلزام أمير إشبيلية واجداي بن عمر بن سير بدفع فدية ألسر المس لمين ال ذين تس بب في أس رهم خالل إح دى‬
‫أ()‪.‬‬ ‫ك الخط‬ ‫ل ذل‬ ‫زل بفع‬ ‫و الع‬ ‫ان ه‬ ‫يره ك‬ ‫ل إن مص‬ ‫اة‪ ،‬ب‬ ‫تجابة لطلب القض‬ ‫ه‪ ،‬اس‬ ‫غزوات‬
‫وباإلضافة إلى ما سبق‪ ،‬أشرف القضاة على شؤون عدة خط ط منه ا اإلش راف على بيت الم ال واألحب اس وش ؤون المس اجد من إمام ة‬
‫وخطبة وبناء‪ .‬وهكذا أشرف قاضي فاس محمد بن داوود على توسيع جامع القرويين بفاس سنة ‪530‬ﻫ()‪ .‬وأشرف القاضي عبد الحق بن‬
‫عطية على الزيادة في المسجد الجامع بألمرية سنة ‪531‬ﮬ()‪ ،‬وأشرف القاضي عياض على توسيع جامع سبتة من جهته الغربية()‪ .‬كل‬
‫هذا وغيره يدل بوضوح على التقدير الكبير للقضاء والفقهاء من طرف السلطة المرابطية عموم ا وفي عه د علي بن يوس ف خصوص ا‪.‬‬
‫لكن المالحظ أن تقدير القضاة في هذا العه د لم يقتص ر على الس لطة‪ ،‬ب ل ش مل ك ذلك العام ة من المجتم ع‪ ،‬حيث ك ان الن اس يخرج ون‬
‫لالحتفاء بلقائهم كاألمراء أو أفضل من ذلك()‪ .‬وكان بعض القضاة ال يترددون في حفظ ورعاية هذه المكانة كم ا تكش ف عن ذل ك وثيق ة‬
‫تاريخية تتعلق بأبي بكر بن أسود "قاضي قضاة الشرق" الذي مر بمرسية فلم يحفل له الزبير بن عمر أم ير غرناط ة‪ ،‬ولم يظه ر ل ه من‬
‫اإلجالل واإلكرام ما تعود عليه أمثاله من كبار الفقهاء‪ ،‬فغضب لذلك‪ ،‬وشكاه إلى نائب أمير المسلمين ـ تاشفين بن علي ـ باألندلس‪ ،‬فبادر‬
‫أمره()‪.‬‬ ‫ةب‬ ‫يره في العناي‬ ‫ي وتقص‬ ‫ه بالقاض‬ ‫دم احتفال‬ ‫ه على ع‬ ‫ير يلوم‬ ‫ة إلى الزب‬ ‫ذا بالكتاب‬ ‫ه‬
‫ومما جاء في ه ذه الرس الة وبأس لوب اس تغرابي ربم ا لم يعه ده األم ير تاش فين‪ ،‬ولم يكن يتوقع ه من مس ؤول في دول ة عظمت الفقه اء‬
‫والقضاة‪ ،‬قوله‪ )...(" :‬خبرنا أعزك هللا‪ :‬كيف أن يجتاز بكم الفقيه األجل القاضي األعدل أبو بك ر بن أس ود‪ ،‬قاض ي قض اة الش رق‪ ،‬وم ا‬
‫بموضعه خفا وال باحتفاء الدولة العلية به احتفا‪ ،‬فتهاونتم بمثواه‪ ،‬ونمتم جميعا عن قراه‪ .‬كأنه قد مر منكم بفالة أو حط على رفات‪ ،‬وج از‬
‫وات…"()‪.‬‬ ‫وام أم‬ ‫على أق‬
‫وإذا كان عهد األمير تاشفين بن علي لم يحتفظ لنا بوثائق كثيرة تساعدنا على استجالء مكانة الفقهاء في عهده‪ ،‬فإن المنشور الذي أصدره‬
‫في العشر األول من جمادى األولى سنة ثمان وثالثين وخمسمائة ( ‪538‬ﮬ) حول مصادر الفتوى يوضح إلى حد كبير استمرار نفوذ‬
‫الفقهاء المالكيين‪ ،‬من خالل التأكيد الشديد على االقتصار في الفت وى على الم ذهب الم الكي ومحارب ة ك ل م ا س واه‪ ،‬حيث يق ول األم ير‬
‫تاشفين‪" :‬واعلموا‪ ،‬رحمكم هللا‪ ،‬أن مدار الفتيا ومجرى األحك ام والش ورى في الحض ر والب دا‪ ،‬على م ا اتف ق علي ه الس لف الص الح ‪ ‬من‬
‫االقتصار على مذهب إمام دار الهجرة أبي عبد هللا مالك بن أنس ‪ ‬فال عدول لقاض وال مفت عن مذهب ه‪ ،‬وال يأخ ذ في تحلي ل وال تح ريم‬
‫إال به‪ ،‬ومن حاد عن رأيه بفتواه‪ ،‬ومال من األئمة إلى سواه‪ ،‬فقد ركب رأسه واتبع هواه‪ ،‬ومتى عثرتم على كتاب بدعة أو صاحب بدعة‪،‬‬
‫وخاصة‪ ،‬وفقكم هللا‪ ،‬كتب أبي حامد الغزالي‪ ،‬فليتتبع أثرها‪ ،‬وليقطع بالحرق المتابع خبرها‪ ،‬ويبحث عليه ا‪ ،‬وتغل ظ األيم ان على من يتهم‬
‫ا"()‪.‬‬ ‫بكتمانه‬
‫وإذا كنا ال نعرف حقيقة األسباب المباشرة التي جعلت األمير تاش فين يص در ه ذا البالغ ش ديد اللهج ة‪ ،‬خاص ة وأن ه موج ه إلى الفقه اء‬
‫والمفتين والعلماء الذين لم نعهد مث ل ه ذا األس لوب في مخ اطبتهم من ط رف أم راء الم رابطين‪ ،‬فق د يك ون ال داعي لتش ديد اللهج ة ه و‬
‫استفحال أمر المهدي بن تومرت والتيار الصوفي وتزعزع جهاز الفقهاء المالكيين‪ ،‬لذلك نعتقد أن هذا المنشور ه و محاول ة للحف اظ على‬
‫لطة‪.‬‬ ‫رة للس‬ ‫ة المناص‬ ‫ة المالكي‬ ‫ة أي الجبه‬ ‫ة الداخلي‬ ‫ك الجبه‬ ‫تماس‬
‫وهناك مؤشر آخر على المكانة االجتماعية للقضاة في ظل الدولة المرابطية‪ ،‬ويتعلق األمر بالثورات التي تزعموها في آخر عص ر ه ذه‬
‫الدولة‪ .‬ذلك أنه مهما اختلفت آراء الباحثين في تفسير ه ذه الث ورات بين قائ ل بالعام ل القومـي()‪ ،‬وقـائل بالـعامـل االجـتـماعـي()‪ ،‬أو‬
‫بالـعامـل اإلديـولـوجـي()‪ ،‬أو الـعامـل الـمصلـحي البـرغـمـاتي()‪ ،‬فـإنه ال يـمكـن نـفي قاسـم مشـترك اجـتماعـي بيـن زعـماء هـذه‬
‫الثورات أال وهو انتماؤهم ألسر عريقة بالمجتمع األندلسي()‪ .‬هذه أمثلة عن مكانة ونفوذ الفقه اء الم الكيين في ت اريخ الدول ة المرابطي ة‪.‬‬
‫لقد تبين من خالل ماسبق أن الفقهاء فعال‪ ،‬قد حظوا بمكانة سامية في الدولة المرابطية‪ .‬ولعل الفقه اء‪/‬القض اة والفقه اء‪/‬المش اورين ك انوا‬
‫األكثر بروزا من ضمن مجموع الفقهاء من حيث تأثيرهم في مجريات األمور في الدولة‪ ،‬بعد فقهاء الجيل المؤس س‪ .‬فه ل تع ود مك انتهم‬
‫تلك إلى كونهم مجرد فقهاء مالكيين أم أن وظائفهم كقضاة ومشاورين هي التي ض منت لهم تل ك المكان ة؟ ه ل تع ود تل ك المكان ة لعلمهم‬
‫الشرعي بحكم سمو مكانة العالم في المجتمع اإلسالمي ع بر الت اريخ؟ وإذا ك ان احتالل الفقه اء ـ أي ا ك انت وظ ائفهم ـ لمناص ب هام ة‬
‫ومواقع متقدمة جدا في الدولة والمجتمع أمرا محل إجماع‪ ،‬كما اتض ح من خالل الع رض الس ابق‪ ،‬فه ل اس تغل الفقه اء ذل ك لمص لحتهم‬
‫ا؟‬ ‫ة ومجتمع‬ ‫ع‪ ،‬دول‬ ‫لحة الجمي‬ ‫ة أم لمص‬ ‫الخاص‬
‫ة المرابطية‬ ‫اء في الدول‬ ‫وذ الفقه‬ ‫رة لنف‬ ‫ل المفس‬ ‫‪ 2‬ـ ‪ / 2‬العوام‬
‫ة والمهنية‬ ‫ة واالجتماعي‬ ‫ل التاريخي‬ ‫أ ـ العوام‬
‫من المعلوم أن الفقهاء قد احتلوا على مر التاريخ االس المي مكان ة متم يزة في المجتم ع والدول ة‪ ،‬حيث ش كلوا النخب ة العالم ة‪ ،‬والس لطة‬
‫الفكرية والدينية التي لم يكن باالمكان أبدا تجاوزه ا أو تجاهله ا من ط رف الس لطة السياس ية‪ ،‬مم ا أهلهم لتص در المجتم ع والدول ة‪ .‬ولم‬
‫يخرج المجتمع المغربي واألندلسي عن هذه القاع دة‪ ،‬كم ا لم تخ رج الدول ة المغربي ة أيض ا عن ذل ك‪ .‬فق د ك انت مكان ة الفقه اء س امية‪،‬‬
‫وكرامتهم مصانة‪ ،‬وكلمتهم قوية ومسموعة‪ ،‬ومواقفهم محركة للتاريخ‪ .‬فمن خالل تتبع األصول التاريخية لنفوذ الفقهاء المالكيين في ه ذه‬
‫الربوع وخاصة في األندلس منذ استقرار المذهب المالكي هناك‪ ،‬يتبين أن الفقهاء المالكية قد حظوا بتقدير كبير سواء من ط رف الس لطة‬
‫أو المجتمع لعدة اعتبارات تاريخية()‪ .‬ولذلك‪ ،‬لم يكن الحال في الدولة المرابطية إال استمرارا لما كان عليه سابقا‪ ،‬بل وترسيخا ل ه بش كل‬
‫وى()‪.‬‬ ‫أق‬
‫ويعتبر القضاء أكثر المجاالت التي تعكس نفوذ الفقه اء في الدول ة المرابطي ة‪ .‬ل ذلك‪ ،‬ف إن فئ ة الفقه اء القض اة بمختل ف م راتبهم‪ ،‬تعت بر‬
‫بامتياز في قلب دائرة الفقهاء المستهدفين بالنقد الشديد نظرا للمكانة االجتماعية التي كان يحتلها القض اة في الدول ة والمجتم ع‪ .‬وس نحاول‬
‫من خالل تتبع المسار التاريخي ألهم العائالت القضائية بالخصوص‪ ،‬اختب ار م دى أهمي ة العام ل السوس يو ت اريخي في تحدي د الوض ع‬
‫االجتم اعي ال ذي ك ان علي ه قض اة الدول ة المرابطي ة‪ .‬فم ا هي إذن أهم الع ائالت القض ائية في الدول ة المرابطي ة؟‬
‫المغرب‬ ‫ائية ب‬ ‫ائالت القض‬ ‫أهم الع‬
‫ا‪:‬‬ ‫ر‪ .‬ومن أهمه‬ ‫ب الحواض‬ ‫ائالت حس‬ ‫ذه الع‬ ‫نيف ه‬ ‫نحاول تص‬ ‫س‬
‫ة‪:‬‬ ‫ائالت التالي‬ ‫ا الع‬ ‫بتة ‪ ،‬ومنه‬ ‫ائالت س‬ ‫‪   -‬ع‬
‫‪ -‬عائلة اللواتي‪ :‬تنتمي إلى بيت علم‪ ،‬من أشهر رجاالتها أب و محم د م روان بن عب د المل ك الل واتي ال ذي اش تغل قاض يا بس بتة في عه د‬
‫يوسف بن تاشفين‪ ،‬وكان أخوه أبو الحسن من فقهاء طنجة وحفاظها‪ ،‬وخلف عدة أبناء قضاة‪ ،‬منهم‪ :‬عبد هللا بن علي‪ ،‬ولي قضاء غرناطة‬
‫مدة‪ ،‬ثم استعفى فأعفي منها‪ ،‬وولي قضاء تلمسان فبقي بها قاضيا إلى أن مات‪ ،‬وكان ولي قبل ذلك قضاء الجزيرة‪ ،‬وعب د الرحم ان ك ان‬
‫فقيها حافظا‪ ،‬ولي قضاء مكناسة إلى أن توفي‪ .‬وترك ابنه علي بن عبد الرحمان الذي خلف عمه على قضاء تلمسان‪ .‬وأما الفقيه م روان‪،‬‬
‫فكان له بنون نجباء حفاظ‪ ،‬منهم‪ :‬عبد الخالق الذي ولي قضاء طنجة مكان أبيه‪ ،‬وأخوه عبد الوهاب الذي ولي بع ده قض اء طنج ة‪ ،‬وعب د‬
‫الرزاق بن مروان الذي حصل علوما جمة‪ ،‬وولي قضاء طنجة‪ ،‬طيلة حيات ه‪ ،‬وول ده محم د ال ذي وص ف بالزه د‪ ،‬وولي قض اء مكناس ة‬
‫وبع دها ألمري ة‪ ،‬وس لك في حيات ه مس لك الع دل والزه د‪ .‬وعموم ا وص فت ه ذه العائل ة بأنه ا ك انت من "ن درات الزم ان"()‪.‬‬
‫‪ -‬عائلة المسيلي اللواتي‪ :‬من أشهر أبنائها أبو محمد عبد هللا بن حمو بن عمر اللواتي الذي تولى أحكام القضاء في أيام برغواطة‪ ،‬ثم لحق‬
‫رئاس ة عن د الم رابطين()‪ .‬وك ان ابن ه أب و عب د هللا محم د قاض يا في عه د الم رابطين‪ ،‬كم ا اش تغل بت دريس العلم()‪.‬‬
‫‪ -‬عائل ة التميمي()‪ :‬من أك بر فقهائه ا القاض ي أب و عب د هللا محم د بن عيس ى الميتمي‪ ،‬وه و أح د ش يوخ عي اض‪.‬‬
‫‪ -‬عائل ة عي اض()‪ :‬وهي عائل ة عريق ة ذات نباه ة‪ ،‬ول و ك ان عي اض وح ده ممثال له ا لكفاه ا فخ را‪)(.‬‬
‫‪ -‬عائلة بني يربوع‪ :‬من أشهر أبناء هذا البيت إسماعيل بن يربوع الذي تصرف في علوم كثيرة مثل أبيه وجده()‪ ،‬كما تشرف ه ذا ال بيت‬
‫بالقاضي أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يربوع‪ ،‬الذي كان"صادعا بالحق‪ ،‬صليبا فيه‪ ،‬ال تأخذه في هللا لومة الئم‪ ،‬مغلظا على أهل الش ر‬
‫دعارة"‪)(.‬‬ ‫وال‬
‫‪ -‬عائلة بني العجوز‪ :‬كانت هذه العائلة عائلة علم بامتياز‪ ،‬حتى إن عياضا قال في حقها‪" :‬قل بيت فيه من التقدير في العلم مال ه ألح د عن‬
‫أبيه وغيره"‪ .‬ومن أشهر أبنائها الفقيه الفاضل عبد الرحيم بن العجوز‪ ،‬وابنه عبد العزي ز(ت ‪430‬ﻫ)()‪ ،‬وكان أخوه عبد الرحمن (سنة‬
‫‪449‬ﻫ) هو اآلخر من أهل الفقه والصالح‪ ،‬ومن رؤوس فقهاء سبتة ومفتيهم‪ ،‬وعليه دارت الشورى أيام قضاء محمدين عتاب()‪ .‬وخلف‬
‫عبد الرحمن هذا ابنا كان‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬من كبار فقهاء سبتة‪ ،‬مقدما في المفتين به ا‪ ،‬ومدرس يها‪ .‬وق د واله أم ير المس لمين قض اء ف اس()‪،‬‬
‫وخلف هو اآلخر ثالثة أبناء‪ ،‬هم‪ :‬عبد هللا‪ ،‬وعبد الرحيم‪ ،‬وعبد الرحمن الذي كان أفقههم وأنبلهم()‪ .‬وقد لخص عياض في فهرس ته نب وغ‬
‫هذه العائلة في ترجمته لهذا األخير‪ ،‬فقال‪" :‬الفقيه القاضي أبو القاسم من بيت علم وجاللة‪ ،‬فقيه ابن فقيه ابن فقي ه‪ ،‬خ امس خمس ة‪ ،‬وعب د‬
‫ال رحمن أك برهم في العلم والجالل ة واألمان ة…"‪ )(.‬وق د ت ولى قض اء الجزي رة الخض راء وس ال وخالف ة القض اء بالحض رة()‪.‬‬
‫اس ‪:‬‬ ‫ائالت ف‬ ‫‪   -‬ع‬
‫‪ -‬عائلة بني الملجوم‪ :‬تعتبر من العائالت العريقة بمدينة ف اس حيث يرج ع نفوذه ا إلى عه د إدريس الث اني‪ ،‬ت داول أبناؤه ا على القض اء‬
‫والفتوى والشهادة بها‪ ،‬فقد كان جدهم الفقيه العالم يوسف بن عيسى من أهل الفتوى والشورى‪ ،‬وهو ال ذي اس تفتاه يوس ف بن تاش فين في‬
‫أمر العبور إلى األندلس لمنازلة ملوكها الثوار‪ .‬ومن أبناء ه ذا ال بيت ك ذلك الفقي ه القاض ي عيس ى بن الملج وم ال ذي ت ولى قض اء ف اس‬
‫ومكن اس‪ ،‬وك انت وفات ه س نة ‪545‬ﻫ‪ ،‬وتولى بعده ابنه عبد الرحيم بن عيسى القضاء كذلك()‪.‬‬
‫‪ -‬عائلة بني اللواتي‪ :‬ومنها الفقيه الحسن اللواتي الذي عايش الفترة المغراوية‪ ،‬ومنه ا ول ده الفقي ه علي بن الحس ن الل واتي ال ذي عاص ر‬
‫الدول ة المرابطي ة‪ ،‬وق د ك ان فقيه ا مش اورا‪ ،‬ومنه ا ك ذلك ال ولي الص الح علي الل واتي ال ذي عاص ر الدول ة الموحدي ة()‪.‬‬
‫ال ‪:‬‬ ‫ائالت س‬ ‫‪  -‬ع‬
‫م()‪.‬‬ ‫ني القاس‬ ‫رة أو ب‬ ‫ني عش‬ ‫ةب‬ ‫ا عائل‬ ‫ومنه‬
‫ة‪:‬‬ ‫ائالت طنج‬ ‫‪-‬ع‬
‫منه ا عائل ة ب ني س مجون ال تي تعت بر من الع ائالت العريق ة وذات النف وذ المتج در علمي ا وقض ائيا‪.‬‬
‫ومن أشهر أبنائها خالل عصر المرابطين‪ ،‬بعض األسماء التي سطع نجمها ليس في المغرب‪ ،‬بل في األندلس‪ ،‬في مجال القض اء والعلم‪،‬‬
‫ا‪:‬‬ ‫ومنه‬
‫‪ -‬أبو محمد عبد هللا سمجون اللواتي‪ :‬من أهل طنجة‪ ،‬روى عن أبيه وعمه أبي عبد الملك مروان بن عبد المل ك بن س مجون‪ ،‬ولي قض اء‬
‫الجزيرة الخضراء ليوسف بن تاشفين‪ ،‬ثم نقله منها إلى قضاء غرناطة سنة ‪490‬ﻫ‪ ،‬وأقام عليها إلى شهر ربيع اآلخر سنة ‪508‬ﻫ‪ ،‬بعد‬
‫‪524‬ﻫ ‪)(.‬‬ ‫سنة‬ ‫توفي‬ ‫وقد‬ ‫نة ‪503‬ﻫ‪،‬‬ ‫يرة س‬ ‫ف إلى طلب‬ ‫زا في جيش علي بن يوس‬ ‫أن غ‬
‫‪ -‬أبو محمد عبد المنعم بن مروان سمجون اللواتي (ت ‪524‬ﻫ)‪ :‬من أهل طنجة‪ ،‬نشأ بغرناطة وتفقه بها‪ ،‬وكان فقيها جليال جزال مهيبا‪،‬‬
‫ولي قضاء إشبيلية بعد صرف أبي مروان الباجي عن واليته الثانية‪ ،‬ثم نقل إلى قضاء غرناطة في مدة إمارة علي بن يوس ف‪ ،‬ونق ل إلى‬
‫قضاء ألمرية بعد أبي الحسن بن أضحى سنة ‪517‬ﻫ فاشتد في األحكام‪ ،‬وزهد في الكسب‪ ،‬وأعيد إلى قضاء إشبيلية بعد أبي القاسم بن‬
‫ورد‪ ،‬ثم إلى قضاء غرناطة‪ ،‬واستعفى من ذلك‪ ،‬وألح ولم يعفه السلطان‪ ،‬فاستناب على األحكام محمد بن سعيد‪ ،‬وص ار إلى ألمري ة ال تي‬
‫ا()‪.‬‬ ‫وفي به‬ ‫ت‬
‫دلس‬ ‫ائية باألن‬ ‫ائالت القض‬ ‫أهم الع‬
‫ا‪:‬‬ ‫رها أيض‬ ‫ب حواض‬ ‫ة حس‬ ‫ائالت التالي‬ ‫ا الع‬ ‫ذكر منه‬ ‫ن‬
‫ا‪:‬‬ ‫ة‪ ،‬منه‬ ‫ائالت قرطب‬ ‫‪-‬ع‬
‫‪ -‬عائلة بني رشد‪ :‬اشتهرت هذه العائلة بعلمين بارزين من أعالم الفقه والفلسفة في تاريخ األندلس‪ ،‬فأبو الوليد بن رشد الجد يعد من أك بر‬
‫فقهاء األندلس على اإلطالق‪ ،‬تتلمذ عليه الفقيه الشهير القاضي عياض وغيره من كبار الفقهاء والمحدثين‪ ،‬وتولى منص ب قاض ي قض اة‬
‫قرطبة أو قاضي الجماعة بها على عهد علي بن يوسف‪ ،‬وقام بمهام ديبلوماسية تفاوض ية ت ارة باس م الس لطة‪ ،‬وت ارة باس م أه ل قرطب ة‬
‫وأهل األندلس عامة‪ .‬وكان ابنه أبو القاسم هو اآلخر فقيها له عدة تآليف‪ ،‬تولى قضاء قرطب ة س نة ‪532‬ﻫ بعد عزل القاضي الثائر أبي‬
‫جعفر بن حمدين‪ ،‬وبذلك دخل في سلك كبار رجال الدولة كأبيه‪ .‬وكان ألبي القاسم هذا عدة أبناء من أشهرهم ب الطبع الفيلس وف أحم د بن‬
‫رشد المتوفى سنة ‪622‬ﻫ‪ .‬وقد كان هو اآلخر فقيها وقاضيا إلى جانب اهتمامه بالطب‪ ،‬أما ابنه عبد هللا فاشتهر في الطب كذلك‪ ،‬وكان‬
‫طبيبا للخليفة الموحدي الناصر()‪.‬‬
‫‪ -‬عائلة بني حمدين‪ :‬من األسر األندلسية التي طبعت تاريخ األندلس الفقهي والسياسي واالجتماعي‪ .‬تميزت هذه األسرة بميولها السياسي‪،‬‬
‫ومن أشهر ممثليها القاضي أبو عبد هللا محمد بن حمدين قاضي قضاة قرطبة في عه د علي بن يوس ف‪ ،‬ال ذي ك ان أج ل رج ال األن دلس‬
‫وزعيمها في وقته ومقدمها جاللة ونباهة وفهما‪ ،‬وأخوه أبو القاسم‪ ،‬وأخوه القاضي أبو جعفر الذي ت زعم ث ورة أه ل قرطب ة على ال والي‬
‫رابطي()‪.‬‬ ‫الم‬
‫‪ -‬عائل ة ب ني الح اج‪ :‬من أش هر ممثلي ه ذا ال بيت القاض ي أب و عب د هللا محم د بن الح اج المت وفى س نة ‪529‬ﮬ‪)( .‬‬
‫‪ -‬عائلة بني مخلد‪ :‬وصف ابن بشكوال هذا البيت بكونه بيت علم ونباهة وفضل وجالل ة()‪ .‬كم ا وص فه عي اض بقول ه‪" :‬من أج ل بي وت‬
‫العلم بقرطبة وأعرقهم في ذلك وبقية مشيختها"()‪ .‬ومن أبناء هذا البيت الذين تولوا القض اء‪ ،‬ت ذكر المص ادر أحم د بن بقي بن مخل د (ت‬
‫‪324‬ﻫ)()‪ ،‬وأبا عبد هللا محمد بن مخلد (ت ‪470‬ﻫ)()‪ ،‬وابنه الفقيه الحاكم أبي القاسم أحمد بن محمد (ت ‪532‬ﻫ) الذي تولى الفتيا والحكم‬
‫اء()‪.‬‬ ‫ولى القض‬ ‫ع عن ت‬ ‫ا امتن‬ ‫ه‪ ،‬كم‬ ‫ك كل‬ ‫ة ‪ ،‬ثم تخلى عن ذل‬ ‫بقرطب‬
‫ني مغيث()‪.‬‬ ‫اب()‪ ،‬وب‬ ‫ني عت‬ ‫مد()‪ ،‬وب‬ ‫د الص‬ ‫ني عب‬ ‫ائالت ب‬ ‫‪-‬ع‬
‫ا‪:‬‬ ‫بيلية‪ ،‬منه‬ ‫ائالت إش‬ ‫‪-‬ع‬
‫‪ -‬عائلة الهوزني‪ :‬كان لهذه العائلة نفوذ علمي في ظل إمارة بني عباد بإشبيلية‪ ،‬واستمر متوارث ا م ع أبنائه ا()‪ ،‬ومن أش هر أبنائه ا الفقي ه‬
‫العالم المجاهد أبو حفص عمر بن حسين الهوزني ال ذي قتل ه المعتض د بي ده()‪ ،‬ثم أب و القاس م الحس ن بن عم ر بن الحس ن اله وزني (ت‬
‫المرابطي()‪.‬‬ ‫الحكم‬ ‫ظل‬ ‫في‬ ‫ببلده‬ ‫مشاورا‬ ‫كان‬ ‫الذي‬ ‫‪512‬ﻫ)‬
‫ور()‪.‬‬ ‫ني المنظ‬ ‫ةب‬ ‫‪ -‬عائل‬
‫‪ -‬عائلة بني شريح الرعينين‪ :‬وهي أسرة المقرئين بامتياز‪ ،‬من أبنائها‪ :‬أبو عبد هللا شريح‪ ،‬وابنه أبو الحسن القاضي ال ذي عاص ر الدول ة‬
‫ة()‪.‬‬ ‫المرابطي‬
‫‪ -‬عائلة بني زهر‪ :‬وهي أسرة توارثت التضلع في علم الطب‪ ،‬مما أكسبها نفوذا وجاها كبيرين في األندلس طيل ة ثالث ة ق رون من ال زمن‬
‫(ق‪ 5‬إلى ق‪7‬ﮬ‪ 13-11/‬م)‪ ،‬فضال عن معرفة عميقة بالعلوم األخرى كالفقه واألدب والسياسة‪ .‬وكان من أعظم أبنائها الطبيب أب و م روان‬
‫بن عبد الملك بن أبي العال بن زهر ( ‪487‬ﻫ‪557-‬ﮬ) الذي اعتبر أعظم طبيب في العالمين المسيحي واإلسالمي في وقته‪ ،‬وأعظم طبيب‬
‫ده()‪.‬‬ ‫تى عه‬ ‫الينوس ح‬ ‫دج‬ ‫بع‬
‫‪ -‬عائلة الباجي‪ :‬من أبرز أعالمها القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت ‪474‬ﻫ)‪ ،‬وابنه أبو القاسم أحمد بن سليمان الباجي()‪.‬‬
‫‪ -‬عائلة بني العربي‪ :‬من أشهر أبنائها القاضي أبو بكر محمد بن عبد هللا المعافري المعروف بابن العربي‪ ،‬وقد كان أبوه محم د من فقه اء‬
‫ف()‪.‬‬ ‫د الطوائ‬ ‫ائها في عه‬ ‫بيلية ورؤس‬ ‫إش‬
‫طة ‪:‬‬ ‫ائالت سرقس‬ ‫‪   -‬ع‬
‫‪ -‬عائلة بني فورتش‪ :‬وهو بيت شهير في الفضل والعلم والجاللة والقضاء والنباهة‪ ،‬من أبنائه القاضي أبو عبد هللا محمد بن إس ماعيل بن‬
‫فورتش الذي ولي القضاء ببلده سرقسطة()‪ ،‬وابنه أبو محمد عبد هللا الذي ولي التحكيم ببلده‪-‬كذلك‪-‬ثم القصاء على إكراه من ه‪ ،‬وق د ت وفي‬
‫نة ‪495‬ﻫ‪)(.‬‬ ‫س‬
‫‪ -‬عائلة الصدفي‪ :‬من أبرز أبنائها خالل عصر المرابطين الفقيه القاضي المحدث الشهيد أبو علي الحسين بن محمد المعروف بابن س كرة‬
‫دفي()‪.‬‬ ‫الص‬
‫‪ -‬عائلة بني ثابت‪ :‬كان بيت بني ثابت بيت نباه ة وحس ب‪ .‬من أب رز أبنائ ه الفقي ه القاض ي األج ل أب و الحس ن ث ابت بن عب د هللا قاض ي‬
‫‪)(.‬‬ ‫ام ‪514‬ﻫ‬ ‫وفى ع‬ ‫طة المت‬ ‫سرقس‬
‫ة‪:‬‬ ‫ائالت غرناط‬ ‫‪   -‬ع‬
‫رابطين‪.‬‬ ‫ة الم‬ ‫ف داعي‬ ‫د بن خل‬ ‫ر أحم‬ ‫و جعف‬ ‫ي أب‬ ‫ا القاض‬ ‫ني القعليعي()‪ ،‬منه‬ ‫ةب‬ ‫‪ -‬عائل‬
‫‪ -‬عائل ة ب ني أض حى()‪ ،‬منه ا القاض ي أب و الحس ن بن أض حى الث ائر في غرناط ة أواخ ر الم رابطين()‪.‬‬
‫رس()‪.‬‬ ‫د المنعم بن الف‬ ‫ي عب‬ ‫ا القاض‬ ‫رس‪ ،‬منه‬ ‫ني الف‬ ‫ةب‬ ‫‪ -‬عائل‬
‫‪ -‬عائل ة ب ني عطي ة‪ ،‬منه ا الفقي ه المش اور الحاف ظ القاض ي أب و محم د عب د الح ق بن غ الب بن عطي ة المح اربي وأبـوه()‪.‬‬
‫ة‪:‬‬ ‫ائالت مالق‬ ‫‪   -‬ع‬
‫‪ -‬عائل ة ب ني حس ون‪ :‬ومن أب رز أبنائه ا أب و الحكم بن حس ون ال ذي ث ار به ا في نهاي ة عه د الم رابطين()‪  .‬‬
‫ماك()‪.‬‬ ‫ني س‬ ‫ةب‬ ‫‪ -‬عائل‬
‫ا‪:‬‬ ‫ية‪ ،‬منه‬ ‫ائالت مرس‬ ‫‪   -‬ع‬
‫‪ -‬عائل ة ب ني أبي جعف ر‪ ،‬منه ا الفقي ه القاض ي أب و جعف ر ال ذي ث ار بمرس ية‪ ،‬وب ايع ابن حم دين()‪.‬‬
‫عادة()‪.‬‬ ‫ني الس‬ ‫رة()‪ ،‬وب‬ ‫ني أبي جم‬ ‫ائالت ب‬ ‫‪-‬ع‬
‫‪ -‬ع ائالت بلنس ية‪ ،‬منه ا‪ :‬عائل ة ب ني عب د العزي ز()‪ ،‬وعائل ة ب ني جح اف()‪ ،‬وعائل ة ب ني واجب()‪.‬‬
‫وز()‪.‬‬ ‫ني مف‬ ‫ةب‬ ‫ا عائل‬ ‫اطبة‪ ،‬ومنه‬ ‫ائالت ش‬ ‫‪-‬ع‬
‫‪ -‬عائالت أوريولة‪ ،‬ومنها عائلة بني فتحون‪ :‬من أشهر أبنائها أبو القاسم خلف بن سليمان بن خلف بن محمد فتح ون ال ذي ت ولى القض اء‬
‫نة ‪505‬ﮬ‪.‬‬ ‫وفي س‬ ‫ة()‪ ،‬وت‬ ‫اطبة وداني‬ ‫بش‬
‫من خالل هذا الجرد‪ ،‬يتبين فعال أن بعض العائالت قد استأثرت بمنصب القضاء وتوارثته من جي ل إلى جي ل‪ ،‬مم ا يؤك د ظ اهرة ت راكم‬
‫النفوذ االجتماعي لعائالت معينة في الدولة المرابطية‪ .‬لكن هذه الظاهرة لم تكن وليدة العصر المرابطي بل تضرب بجذورها في التاريخ‪.‬‬
‫فهناك عائالت توارثت منصب القضاء منذ ما قبل العصر الـمرابـطي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يب دو أن الس لطة ال دخ ل له ا في تمكين ه ذه األس ر من‬
‫نفوذها االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬خاصة في ظل الصالحيات التي كانت تخولها السلطة للسكان في اختيار قضاتهم()‪ .‬ومن ناحية أخ رى‪،‬‬
‫يمكن القول إن ظاهرة التوراث القضائي هذه ال يمكن فصلها عن ظاهرة أشمل منها‪ ،‬وهي ظاهرة التوراث العلمي‪ .‬فغالبية العائالت التي‬
‫توارثت منصب القضاء قد توارثت أيضا العلم‪ .‬ومن المعلوم أن التكوين الفقهي الرفيع كان شرطا أساسيا لت ولي ه ذا المنص ب‪ ،‬وبم ا أن‬
‫أبناء تلك األسر العلمية كانوا من هذا الصنف‪ ،‬فقد كان القضاء من نصيب عدد كبير منهم‪ ،‬ليس من باب المحاب اة أو المحس وبية‪ ،‬ب ل من‬
‫الكفاءة واالستحقاق العلمي واالخالقي‪ .‬ولعل ما يزكي هذا االستنتاج هو انفتاح أمير المسلمين علي بن يوسف على عم وم المواط نين في‬
‫تعيين قضاة سامين مثل قاضي الجماعة()‪ ،‬فضال عن غيره من القضاة()‪ .‬أما من حيث النفوذ المادي‪ ،‬فكثيرا ما كانت هذه األسر العلمي ة‬
‫ذات جاه ونفوذ خالل مراحل مختلفة من تاريخ األندلس‪ .‬فوصف أفراده ا في كتب ال تراجم ب أنهم أص حاب ق در عظيم‪ ،‬وم ال ع ريض‪،‬‬
‫وجاه جليل‪ ،‬وغير ذلك من األوصاف التي تحبل بها ترجمات كثير من الفقهاء المنتمين لتاريخ ما قبل العصر المرابطي ي دل على أهمي ة‬
‫االمتداد التاريخي لنفوذهم إلى ما قبل العصر المرابطي()‪ .‬ومعنى هذا أن ثروة الكثير من األس ر‪ ،‬موض وع الدراس ة هن ا‪ ،‬لم تكن ولي دة‬
‫العصر المرابطي‪ ،‬بل جاءت نتيجة كفاح أجي ال من أبنائه ا‪ .‬ولع ل العام ل الم ادي ك ان أح د العوام ل األساس ية المس اهمة في اس تمرار‬
‫احتكار تلك األسر لمنصب القضاء‪ ،‬لما كان يتطلبه من إمكانات مادية للتمكن من ني ل تك وين فقهي م تين وثقاف ة عالي ة‪ ،‬وه و م ا لم يكن‬
‫يتأتى للعموم‪ ،‬إذ كان األمر يستلزم نفقات كبيرة خاصة مع ارتفاع أجور بعض األساتيذ‪ ،‬مما ك ان يثق ل كاه ل أبن اء األس ر المتواض عة‪،‬‬
‫ويحول دون مواصلة الكثير منهم لمسيرتهم العلمية‪ ،‬عكس أبناء األسر الميسورة()‪ .‬ولذلك أثر النفوذ المادي في تشكيل الجهاز القضائي‪.‬‬
‫ولكن هذا ال يعني غياب وجود عدد كبير من القضاة من أبناء األسر المتواض عة اجتماعي ا‪ ،‬بفع ل م ا تم يزوا ب ه من إص رار كب ير على‬
‫يل العلمي‪.‬‬ ‫التحص‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬إذن‪ ،‬يتبين أن ثراء مجموعة ال يستهان بها من القضاة لم يكن مرده إلى ما كس بوه من مناص بهم القض ائية في الدول ة‬
‫المرابطية‪ ،‬بل كان نتيجة إرث اآلباء واألجداد‪ .‬هذا مع ضرورة اإلشارة إلى أن كثيرا من هؤالء القضاة األغني اء س خروا غن اهم لخدم ة‬
‫المجتمع‪ ،‬ولم يحرصوا على زيادة ثرواتهم ومكاس بهم المادي ة‪ ،‬ولم يس تغلوا مناص بهم لخدم ة مص الحهم الخاص ة‪ ،‬ب ل ك انوا في خدم ة‬
‫المجتمع والدولة بما أوتوا من طاقات مادية ومعنوية‪ .‬فابن حمدين الذي استهدف باالسم من خالل النقد الشديد المت داول عن د الم ؤرخين‪،‬‬
‫كان جميل الطريقة ساعيا في كل خير‪ ،‬قطع الضرائب والمعاون عن أهل قرطبة()‪ .‬وعاش بعض القضاة متواض عي الح ال رغم غن اهم‬
‫المادي كما هو الشأن بالنسبة للقاضي أبي عبد هللا محمد بن عيسى التميمي‪-‬ت ‪505‬ﻫ –الذي "كان من أحسن القضاة وأنزههم وأجراهم‬
‫على الطريقة القويمة‪ ،‬فمضى فقيرا()‪ .‬وكان بعضهم اآلخر يستثمر غناه في خدم ة الفق راء والمس اكين‪ ،‬مث ل قاض ي الجماع ة محم د بن‬
‫أص بغ ال ذي ك ان ينف ق في ك ل ي وم على ثالثمائ ة بيت "يعي ل دي ارهم ويقي ل ع ثراثهم"()‪.‬‬
‫وهناك نماذج كثيرة من الفقهاء والقضاة الزهاد الذين اشتهروا بزهدهم في الدنيا ورفض هم للمناص ب ال تي عين وا فيه ا وخاص ة منص ب‬
‫ة‪:‬‬ ‫اذج التالي‬ ‫ع‪ .‬ومنهم النم‬ ‫رف المجتم‬ ‫يرا من ط‬ ‫ا كب‬ ‫بهم احترم‬ ‫ا أكس‬ ‫اء‪ ،‬مم‬ ‫القض‬
‫⬜ ‪  ‬الفقيه القاضي أبو عبد هللا محمد بن عيسى التميمي (‪505-429‬ﻫ)‪ :‬كان من "أجل شيوخ سبتة‪ ،‬ومقدم فقهائهم‪ ،‬وهو من شيوخ‬
‫عياض‪ ،‬وكان كثير الكتب حافظا عارفا بالفقه‪ ،‬تولى القضاء بسبتة نحو ست سنين‪ ،‬واستعفى من ذلك أخيرا فأعفي‪ ،‬وذلك في محرم سنة‬
‫‪496‬ﻫ‪ ،‬ثم التزم القضاء بمدينة فاس بعد أن سجن على إبايته من ذلك سنة ‪503‬ﻫ‪ ،‬فنهض إليها ثم انصرف زائرا إلى سبتة وتلذذ بها‬
‫رج اء تخلص ه من الخط ة‪ ،‬وك ان من أحس ن القض اة وأن زههم وأج راهم على الطريق ة القويم ة‪ ،‬فمض ى فقي دا‪-‬فق يرا‪-‬حمي دا"()‪.‬‬
‫⬜ ‪   ‬محمد بن مروان بن عبد الملك اللواتي‪ :‬تولى القضا بعدة مدن (مكناسة‪ ،‬ألمرية‪ ،‬غرناطة)‪ ،‬وسلك في حيلت ه مس لك الزه د والع دل‪.‬‬
‫ه()‪.‬‬ ‫ه لم يعف‬ ‫تعفاء‪ ،‬ولكن‬ ‫لمين لالس‬ ‫ير المس‬ ‫كوى على أم‬ ‫ثر الش‬ ‫أك‬
‫⬜ ‪   ‬أبو العباس بن الصقر األنصاري الخزرجي‪ :‬أحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬كان حيا سنة ‪541‬ﻫ‪ ،‬عمل إماما بجامع مراكش‪ ،‬وأصله من‬
‫سرقسطة‪ ،‬واشتغل عاقدا للشروط وكاتبا لبعض القضاة مثل أبي عبد هللا بن حسون بمراكش والقاضي عياض بغرناطة‪ ،‬كما تولى والي ة‬
‫األحك ام والص الة ب وادي آش‪ .‬رفض أخ ذ الم ال من عم ال الم رابطين وم واالتهم‪ ،‬ورفض أن يغ ادر دي دن أه ل العلم والفقه اء()‪.‬‬
‫⬜ ‪   ‬أبو محمد الهاللي‪ ،‬عبد المنعم بن مروان بن عبد المالك سمجون‪ :‬أصله من طنجة‪ ،‬س كن غرناط ة وت وفي بألمري ة‪ ،‬ت ولى القض اء‬
‫كسبه()‪.‬‬ ‫في‬ ‫والزهد‬ ‫حكمه‪،‬‬ ‫في‬ ‫بالعدل‬ ‫الملك‬ ‫عبد‬ ‫ابن‬ ‫وصفه‬ ‫نة‪517‬ﻫ‪،‬‬ ‫س‬
‫⬜ ‪   ‬أبو الحسن بن برطلة األزدي‪ ،‬سليمان بن موسى‪ :‬توفي سنة ‪539‬ﮬ‪ ،‬كان قاضيا لمرسية أيام الثورة على المرابطين‪ ،‬وكان زاهدا‬
‫دنيا()‪.‬‬ ‫متقلال من ال‬
‫⬜ ‪  ‬أبو الحسن صالح بن عبد الملك بن سعيد األوسي (‪586-500‬ﻫ)‪ :‬اشتغل قاضيا في حدود سنة ‪530‬ﮬ‪ ،‬وكان زاهدا في الدنيا()‪.‬‬
‫⬜ ‪  ‬أبو مروان عبد الملك بن أحمد األبهري‪ ،‬من شنت مرية الشرق‪ ،‬تـوفي بـعد ‪490‬ﮬ‪ :‬اشتغل قاضيا ببلده‪ .‬وكان زاهدا فاضال()‪.‬‬
‫⬜ ‪   ‬أبو عبد هللا بن أبي صوفة الحجري‪ ،‬محمد بن أحمد‪ :‬من قرطبة‪ ،‬سكن الجزي رة الخض راء‪ ،‬ك ان حي ا س نة ‪513‬ﻫ‪ ،‬اشتهر بالزهد‬
‫راء()‪.‬‬ ‫الجزيرة الخض‬ ‫يا ب‬ ‫تغل قاض‬ ‫ا اش‬ ‫ة‪ ،‬كم‬ ‫اورا بقرطب‬ ‫ان مش‬ ‫ورع‪ ،‬وك‬ ‫وال‬
‫وهناك نماذج كثيرة من الفقهاء الذين امتنعوا عن تولي الوظائف الرسمية‪ ،‬وحبذوا االبتع اد عن الس لطة رغم اإلكراه ات ال تي تعرض وا‬
‫ا يلي البعض منهم‪:‬‬ ‫ا‪ ،‬وفيم‬ ‫له‬
‫⬜ ‪  ‬أبو محمد القيسي‪ ،‬عبد الملك بن إبراهيم بن هاشم القيسي‪ :‬يعتق د أن ه من ألمري ة‪ ،‬امتن ع عن ت ولي القض اء‪ ،‬رغم أن س كان ألمري ة‬
‫اتفقوا على توليته باإلجماع‪ ،‬وتقدموا بطلب في هذا الش أن ليوس ف بن تاش فين‪ ،‬لكن ه تش دد في رفض ه ذا المنص ب‪ ،‬وه دد ب الفرار عن‬
‫وقفهم()‪.‬‬ ‫بثوا بم‬ ‫أوالده إذا هم تش‬
‫⬜ ‪   ‬أبو عبد هللا بن الحمزي‪ ،‬محمد بن أحمد بن خلف القيسي‪ ،‬توفي سنة ‪539‬ﻫ‪ :‬اشتغل مشاورا وخطيبا وقاضيا بألمرية‪ ،‬وكان فقيها‬
‫حافظا‪ ،‬تخلى عن القضاء بطلب منه()‪ .‬وتفرغ للتدريس كما يؤكد ذل ك الع دد الكب ير من تالمي ذه ال ذين ك ان من أش هرهم أب و القاس م بن‬
‫كوال()‪.‬‬ ‫بش‬
‫⬜ ‪  ‬أبو عبد هللا بن المجاهد األنصاري‪ ،‬محمد بن أحمد‪574-483( ،‬ﮬ)‪ :‬من اشبيلية‪ ،‬كان واحد وقته‪ ،‬زاهد في الدنيا‪ ،‬مجتهدا على‬
‫العبادة‪ ،‬احتج على ارتباط ابن العربي بالسلطان‪ ،‬حيث قال عنه‪" :‬كان يدرس وبغلته عند الب اب ينتظ ر الرك وب إلى الس لطان"‪ ،‬وامتن ع‬
‫عن تولي منصب القضاء بشريش‪ ،‬وتفرغ للتدريس واإلقراء()‪ .‬ولم يكن يسمح ألحد بالتعرض إليه بهدية أو تحف ة قلت أو ك ثرت‪ ،‬ال من‬
‫بهم‪)(.‬‬ ‫ق طيب مكس‬ ‫د تحق‬ ‫ائه ممن ق‬ ‫اد من بعض خلص‬ ‫يرهم‪ ،‬إال من آح‬ ‫وك وال من غ‬ ‫المل‬
‫فامتنع()‪.‬‬ ‫القضاء‬ ‫لتولي‬ ‫عليه‬ ‫عزم‬ ‫عيد (ت ‪529‬ﮬ)‪:‬‬ ‫د بن س‬ ‫ام بن أحم‬ ‫واد‪ ،‬هش‬ ‫⬜ ‪  ‬ابن الع‬
‫⬜ ‪  ‬الفقيه عبد هللا أحمد بن واشون الهذلي (ت ‪529‬ﮬ)‪ :‬فضل السجن على تولي القضاء‪ ،‬إذا أنه أمر بتولي القضاء بمدينة فاس‪ ،‬فامتنع‬
‫جنه()‪.‬‬ ‫أمر بس‬ ‫ه‪ ،‬ف‬ ‫ا طلب من‬ ‫ه فيم‬ ‫در علي‬ ‫ا‪ ،‬ولم يق‬ ‫ا كلي‬ ‫امتناع‬
‫⬜ ‪   ‬الفقيه القاضي أبو علي الصدفي‪ :‬تولى القضاء بمرسية نزوال عند رغبة أهلها‪" ،‬فسار فيه سيرة فض حت من ك ان قبل ه وأتعبت من‬
‫جاء بعده"()‪ ،‬لكنه ما لبث أن استعفى‪ ،‬فلما لم يعف ه رب إلى ألمري ة وت وارى فيه ا ش هورا إلى أن ج اءه كت اب اإلعف اء‪ ،‬فظه ر خدم ة‬
‫ه()‪.‬‬ ‫لطلبت‬
‫⬜ ‪  ‬الفقيه الجليل القاضي أبو الوليد بن رشد (ت ‪520‬ﮬ)‪ :‬ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة ‪511‬ﻫ‪ ،‬ثم استعفى منها سنة ‪515‬ﻫ‪ ،‬وتفرغ‬
‫ة()‪.‬‬ ‫ه الفقهي‬ ‫ال تآليف‬ ‫إلكم‬
‫⬜ ‪  ‬الفقيه أبو الحسن بن عبد األعلى الكالعي (ت‪505‬ﻫ بأغمات)‪ :‬من أهل سفاقس‪ ،‬سكن المغرب واألندلس‪ ،‬استوطن سبتة فشاوره‬
‫ال()‪.‬‬ ‫ا فاض‬ ‫ان منقبض‬ ‫امتنع‪ ،‬وك‬ ‫رة ف‬ ‫اء الجزي‬ ‫د على قض‬ ‫اة‪ ،‬وأري‬ ‫ا بعض القض‬ ‫به‬
‫وإلى جانب االبتعاد عن السلطة والزهد في الدنيا‪ ،‬شكل تفاني العلماء في التدريس والتعليم من أهل العوامل المحددة لمكانتهم االجتماعي ة‬
‫لدى عامة المجتمع وخاصته‪ .‬ذلك أن مكانة الفقهاء في المجتم ع اإلس المي عام ة ترج ع‪ ،‬من ض من م ا ترج ع إلي ه‪ ،‬إلى طبيع ة األدوار‬
‫والمهام الطالئعية التي كانوا يقومون به ا‪ ،‬وعلى رأس ها مهم ة التعليم وخدم ة المتعلمين‪ ،‬مم ا جعلهم يحظ ون ب احترام كب ير من ط رف‬
‫ين‪.‬‬ ‫اء المدرس‬ ‫اهير الفقه‬ ‫ا يلي بعض مش‬ ‫ل‪ .‬وفيم‬ ‫ع كك‬ ‫ائالتهم‪ ،‬ومن المجتم‬ ‫ة وع‬ ‫الطلب‬
‫⬜ ‪  ‬أبو العباس األنصاري الخزرجي‪ ،‬أحمد بن طاهر(‪532-467‬ﻫ)‪ :‬المحدث الضابط‪ ،‬العالم بالمسائل‪ ،‬اشتغل بتدريس الحديث ببلده‬
‫اض()‪.‬‬ ‫ل عي‬ ‫و الفض‬ ‫هورين‪ :‬أب‬ ‫ذه المش‬ ‫ة‪ .‬من تالمي‬ ‫دة طويل‬ ‫م‬
‫⬜ ‪  ‬أبو عمر األزدي‪ ،‬أحمد بن عبد هللا بن جابر األشبيلي (‪536-417‬ﮬ)‪ :‬اشتغل بإقراء القرآن والحديث بإشبيلية لمدة تزيد عن ‪60‬‬
‫س نة‪ ،‬وك ان م تين ال دين ش هير الفض ل والص الح‪ ،‬من تالمي ذه المش هورين‪ :‬أب و بك ر بن خ ير وأب و القاس م بن بش كوال()‪.‬‬
‫⬜ ‪  ‬أبو العباس بن عاصم الثقفي‪ ،‬أحمد بن عبد الرحمن‪( ،‬ت ‪540‬ﮬ)‪ :‬أصله من برجة‪ ،‬سكن قصبة ألمرية‪ ،‬كان مقرئا مجودا ضابطا‪،‬‬
‫ة()‪.‬‬ ‫امع ألمري‬ ‫ديث بج‬ ‫رآن والح‬ ‫راء الق‬ ‫رغ إلق‬ ‫تف‬
‫⬜ ‪  ‬الفقيه القاضي أبو بكر بن العربي (تـ‪543‬ﻫ)‪ :‬هو"اإلمام والعالم الحافظ المستبحر‪ ،‬ختام علماء األندلس‪ ،‬آخر أئمتها وحفاظها"()‪،‬‬
‫بع د عودت ه من رحلت ه الش هيرة نح و المش رق انص رف إلى بل ده"فس مع ودرس الفق ه واألص ول وجلس للوع ظ والتفس ير ورح ل إلي ه‬
‫للسماع"()‪ .‬كان كثير االحتمال لطلبته‪ ،‬حسن المعاشرة‪ ،‬لين الكنف‪ ،‬حريصا على نشر العلم()‪ .‬وقد بلغ من حرص ابن العربي على إفادة‬
‫الطلبة في كل أوقاته‪ ،‬أنهم كانوا في بعض األحيان يبيتون معه ببيته بقرطبة()‪ .‬وبعد عودته إلى اش بيلية ب نى به ا مس جدا اكتظت جوانب ه‬
‫برواد المعرفة‪ ،‬واتصلت حلقاته في التفسير والحديث والفقه واألصول وعلم الكالم واللغة واألدب واألخبار والس ير()‪ .‬ولع ل خ ير دلي ل‬
‫على باعه الطويل في ميدان العلم والتعليم‪ ،‬ذلك العدد الكبير من تالميذه وأصحابه المتواجدين في كل جهة ومكان‪ ،‬والذين طالت شهرتهم‬
‫ول()…‬ ‫ه‪ ،‬األدب‪ ،‬األص‬ ‫ديث‪ ،‬الفق‬ ‫ة‪ :‬الح‬ ‫االت المعرف‬ ‫ل مج‬ ‫ك‬
‫⬜ ‪  ‬القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت ‪544‬ﻫ)‪ :‬فقيه الفقهاء في قطره()‪ ،‬وأحد سالطين العلم الذين سارت مآثرهم مسيرة الشمس‬
‫والقمر()‪ .‬تولى القضاء عدة مرات بسبتة سنة ‪515‬ﻫـ()‪ ،‬وقضاء غرناطة سنة ‪530‬ﻫ‪ ،‬التي لم يستمر بها سوى مدة قصيرة ‪ ،‬ثم عين من‬
‫جديد قاضيا لسبتة سنة ‪539‬ﻫ()‪ .‬وكان في كل هذه المرات "حسن السيرة‪ ،‬محمود الطريقة‪ ،‬مشكور الخلة‪ ،‬أقام الحدود على ضروبها‬
‫واختالف أنواعها"()‪ ،‬دائما يبتهج به أهل المدينة التي يتولى بها القضاء‪ ،‬محافظا على استقاللية القضاء عن السلطة التنفيذية وال يرضى‬
‫عن ذلك تبديال‪ .‬لكن رغم انشغاالته الكثيرة بوظيفة القضاء والشورى‪ ،‬فإنه لم يتخلّ قط عن مهمة التدريس حيثم ا ح ل وارتح ل وخاص ة‬
‫ببلده سبتة‪ ،‬حيث اتخذ من جامعها مركزا للتدريس واإلقراء‪ ،‬فكان "محب ا في طلبت ه العلم محرض ا لهم على طلب ه‪ ،‬مس هال لهم الطرائ ق‬
‫مبادرا لقضاء حوائجهم"()‪ .‬وقد بوأه هذا الحرص على نشر العلم والتعليم مكانة كبرى في بلده وفي غيره‪ ،‬ي دل على ذل ك ك ثرة تالمي ذه‬
‫ة‪.‬‬ ‫ون المعرف‬ ‫ل فن من فن‬ ‫في ك‬
‫⬜ ‪  ‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد ( ‪520-450‬ﮬ)‪" :‬زعيم فقهاء وقته بأقطار األندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة‬
‫النظر وجودة التأليف ودقة الفقه‪ ،‬وكان إليه المفزع في المش كالت‪ ،‬بص يرا باألص ول والف روع والف رائض والتفنن‪ ،‬في العل وم‪ ،‬وك انت‬
‫الدراية أغلب عليه من الرواية‪ ،‬كثير التصنيف مطبوعه"()‪ .‬تولى قضاء الجماعة بقرطبة سنة ‪511‬ﻫ‪ ،‬ثم استعفى منها سنة ‪515‬ﻫ‪ .‬رحل‬
‫الناس إليه من كل أقطار األندلس والمغرب للتفقه عليه طيلة م دة حيات ه إلى أن ت وفي س نة ‪520‬ﻫ‪ ،‬كمايدل على ذلك العدد الكبير من‬
‫تالميذه‪ ،‬ومن أشهرهم‪ :‬محمد بن أصبغ األزدي (ت ‪536‬ﻫ) قاضي الجماعة بقرطبة()‪ ،‬القاضي عياض (ت ‪544‬ﻫ)()‪ ،‬الحافظ المفسر‬
‫أبو الحسن علي بن عبدهللا األنصاري المعروف بابن النعمة ت ‪567‬ﻫ)()‪ ،‬المحدث الفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة اليحصبي (ت‬
‫‪578‬ﻫ)‪)(.‬‬ ‫(ت‬ ‫بشكوال‬ ‫بن‬ ‫الملك‬ ‫عبد‬ ‫بن‬ ‫خلف‬ ‫المؤرخ‬ ‫المحدث‬ ‫‪552‬ﻫ)()‪،‬‬
‫⬜ـ ‪ ‬محمد بن أحمد بن إبراهيم بن جامع األنصاري الجياني (ت‪546‬ﻫ)‪ :‬من مصنفاته "أسرار اإليمان"‪ ،‬وله في مسائل الخالف تعليق‬
‫مشهور في ‪ 7‬أسفار‪ .‬اشتغل بالتدريس طيلة حياته وخاصة منذ عودته من رحلته إلى المشرق‪ ،‬فبعد عودته من ه ذه الرحل ة ن زل بج امع‬
‫القرويين يدرس الفقه‪ ،‬ثم لما انتقل إلى بلده جيان‪ ،‬جلس في مسجده المنس وب إلي ه للوع ظ واإلرش اد وإي راد حكاي ات الص الحين‪ ،‬ونحى‬
‫منحى الزهد‪ ،‬فكانت العامة تنتاب مجلسه‪ ،‬واستمر على ذلك إلى غاية ‪539‬ﻫ أو ‪540‬ﻫ‪ ،‬فخرج من بلده للفتنة الدهماء التي اجتاحته‪،‬‬
‫ه()‪.‬‬ ‫ائل الخالف إلى وفات‬ ‫وله ومس‬ ‫ه وأص‬ ‫درس الفق‬ ‫اي‬ ‫ام به‬ ‫اس‪ ،‬وأق‬ ‫ةف‬ ‫د مدين‬ ‫وقص‬
‫⬜ ‪ ‬الشيخ الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الجياني الغساني ( ‪498-427‬ﻫ)‪ :‬كان من كبار المحدثين والمسندين "شيخ األندلس في وقته‬
‫وصاحب رحلتهم"()‪ ،‬كان له حظ واسع وافر من األدب والنسب والمعرفة بأسماء الرجال وسعة السماع‪ ،‬رحل الناس إلي ه من األقط ار‪،‬‬
‫وعولوا عليه في الرواية‪ ،‬وجلس لذلك بالمسجد الجامع بقرطبة فسمع من ه علماؤه ا وفقهاؤه ا وطلبته ا‪ ،‬وك ان حفي ا بطلب ة العلم()‪ .‬ومن‬
‫اض()‪.‬‬ ‫ي عي‬ ‫هورين القاض‬ ‫ذه المش‬ ‫تالمي‬
‫⬜ ‪ ‬القاضي الشهيد أبو علي حسين بن محمد بن فيره الص دفي (ت ‪514‬ﻫ) المعروف بابن سكرة‪ .‬تعدد شيوخه بالمغرب والمشرق‪،‬‬
‫جمع منهم القاضي عياض مائتي شيخ في مصنفه "المعجم" الذي يعتبر مفقودا لحد اآلن()‪ .‬بعد عودته من رحلته إلى المشرق‪ ،‬استقر في‬
‫مرسية منصرفا إلى العلم وتدريسه محدثا بجامعها‪ ،‬فرحل إليه الطلبة من كل أنحاء األندلس والمغرب وك ثر س ماعهم علي ه‪ ،‬وك ان ب ارا‬
‫بطلبته صابرا عليهم‪ ،‬فانتفع به الكثير من الطلبة‪ ،‬بل غ ع ددهم ‪ 314‬طالب ا من كب ار العلم اء والفقه اء والمح دثين‪ ،‬جمعهم ابن األب ار في‬
‫اب المعجم()‪.‬‬ ‫كت‬
‫⬜ ‪  ‬الفقيه أبو محمد بن شبونة‪ ،‬عبد هللا بن أحمد بن خلوف األزدي (ت ‪537‬ﻫ) ‪ :‬أحد الحفاظ المدرسين للمذهب العالمين به‪ ،‬انتقل إلى‬
‫أغم ات بع د س بتة وس ال فك ان رأس ا به ا مق دما في الت دريس به ا والفتي ا وتفق ه عن ده خل ق كث ير()‪.‬‬
‫ف السـلطة‬ ‫اء عن مواق‬ ‫ة للعلم‬ ‫تقاللية المواقـف الفكري‬ ‫ة ‪ :‬اس‬ ‫ل الفكري‬ ‫ب ـ العوام‬
‫من المعلوم أن الفقهاء قد احتلوا على مر التاريخ مكانة مهمة في المجتمع والدولة اإلسالمية‪ ،‬حيث ش كلوا النخب ة الماس كة بزم ام الس طة‬
‫العلمية‪ ،‬مما جعلهم دائما في معترك التاريخ‪ ،‬بحكم الحاجة الدائمة إليهم سواء من طرف الماسكين بزمام الس لطة السياس ية أو من ط رف‬
‫المجتمع‪ .‬وقد وجدت هذه الفئة في نصوص الشرع ما يدعم مكانتها ويقوي سلطتها من الناحية النظرية‪ .‬فالعلماء ورثة األنبياء وهم أيض ا‬
‫أولو األمر الذين وجبت طاعتهم‪ .‬لكن من الناحية الواقعية والتاريخية كانت هذه المكانة تخضع‪ -‬باإلضافة إلى السند الشرعي‪ -‬لمتغ يرات‬
‫الواقع‪ ،‬وخاصة متغير العالقة بين السلطة السياسية والسلطة العلمية وانعكاسات ذلك على الموقف من المجتمع‪ .‬فكلما حافظ العلم اء على‬
‫استقالليتهم عن السلطة السياسية وانحازوا لقضايا المجتمع كلما تعززت مكانتهم لديه‪ ،‬خاصة في ظل التوتر التاريخي ال ذي طب ع عالق ة‬
‫السلطة السياسية بالمجتمع()‪ .‬ولعل الحديث عن مكان ة الفقه اء في الدول ة المرابطي ة يف رض علين ا مقارب ة اإلش كال من زاوي ة الت داخل‬
‫البنيوي بين السلطتين السياسية والعلمية وليس مجرد الح ديث عن تمظه رات العالق ة المتوافق ة أو المتن افرة بين الس لطتين‪ ،‬وذل ك بحكم‬
‫والدة المشروع المرابطي وتطوره في أحض ان الفقه اء كم ا ت بين ذل ك من خالل ح ديثنا عن مظ اهر وتجلي ات نف وذ الفقه اء في الدول ة‬
‫المرابطية السنية المالكية‪ ،‬مما يجعل منها دولة الفقهاء بامتياز‪ .‬وقد ض من ه ذا الوض ع المكان ة المس تحقة للفقه اء في الدول ة والمجتم ع‪.‬‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬فإن الوقائع التاريخية تسمح لنا بإمكانية الحديث عن االستقالل الفكري للفقهاء كسلطة فكرية عن السلطة السياسية مما ض من‬
‫ع‪.‬‬ ‫د المجتم‬ ‫ة عن‬ ‫ة محترم‬ ‫لهم مكان‬
‫وال بوزيره وال بضجيعه في قبره‪ ،‬وال ممن ال يشك في عدله‪ .‬ف إن ك ان القض اة والفقه اء أنزل وك منزلت ه في الع دل فاهلل تع الى س ائلهم‬
‫وحسيبهم عن تقلدهم فيك…"()‪ .‬وضجيعه في قبره‪ ،‬وال يشك في عدله‪ ،‬وليس أم ير المس لمين بص احب رس ول هللا ‪‬ذل ك أن الس مة‬
‫الغالبة على الفقهاء المرابطين هي نصرتهم للحق دون محاباة أي ط رف‪ ،‬وخ ير مث ال على ذل ك م ا تداولت ه المص ادر عن حكم قاض ي‬
‫ألمرية أبي عبد هللا بن الفراء على أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بأداء القسم في المسجد من أجل السماح له بجباية مبل غ من الم ال من‬
‫المسلمين بغرض الجهاد‪ ،‬حيث قال له‪" :‬فليدخل أمير المسلمين المسجد الجامع بحضرة من هن اك من أه ل العلم‪ ،‬وليحل ف أن ليس عن ده‬
‫في بيت مال المسلمين درهم ينفقه‪ ،‬وحينئذ تجب معونته"()‪ .‬كما أن الصيغة إلتي خاطب بها هذا القاضي أمير المسلمين تدل على الج رأة‬
‫في قول الحق‪ ،‬حيث قال في معرض جوابه عليه‪" :‬فقد بلغني ما ذكره أم ير المس لمين من اقتض اء المعون ة وت أخري عن ذل ك‪ ،‬وأن أب ا‬
‫الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة واألندلس أفتوه بأن عمر بن الخطاب ‪  ‬اقتضاها‪ ،‬فالقضاة والفقهاء إلى النار دون زبانية‪ ،‬فإن‬
‫ول هللا‬ ‫احب رس‬ ‫ان ص‬ ‫دك‬ ‫اها فق‬ ‫ر اقتض‬ ‫ان عم‬ ‫ك‬
‫وكان موقف فقهاء األندلس من شرعية حكم يوسف بن تاشفين موقفا صارما كذلك‪ .‬فعلى الرغم من الجه د الكب ير ال ذي ق ام ب ه في إنق اذ‬
‫األندلس وإسقاط ملوك الطوائ ف‪ ،‬فق د اش ترطوا علي ه ضرورةالحص ول على التزكي ة من الخليف ة العباس ي ح تى تك ون طاعت ه واجب ة‬
‫وشرعية‪ ،‬حيث قالوا له‪" :‬إنه ال تجب طاعتك على المسلمين حتى يكون لك عهد من الخليفة"()‪ ،‬وهي المهم ة ال تي اض طلع به ا قاض ي‬
‫إشبيلية الفقيه عبد هللا بن العربي المعافري وابنه أبو بكر محمد()‪ .‬وهناك فقهاء آخرون شهد لهم أمراء المسلمين بالصرامة في قول الحق‬
‫من طرف‪ ،‬مثل الفقيه أبي محمد بن شبونة(ت ‪537‬ﻫ) الذي "كان ال يداهن في فتياه وال يصانع أحدا‪ ،‬وكان أمير المسلمين علي بن‬
‫يوسف يصفه بذلك"()‪ .‬لكن إذا كان األمر كذلك من حيث عالقة الفقه اء بالس لطة‪ ،‬فه ل ك انت مواق ف الفقه اء منس جمة وموح دة فكري ا‬
‫ا؟‬ ‫دين اجتماعي‬ ‫وا ملتحمين وموح‬ ‫ا أنهم لم يكون‬ ‫ا رأين‬ ‫دم‬ ‫يا‪ ،‬بع‬ ‫وسياس‬
‫هناك قضايا أساسية تساعد على الجواب‪ ،‬ونخص بالذكر الموقف من اإلحياء‪ ،‬والموقف من السلطة المرابطية باألندلس في آخر عه دها‪.‬‬
‫فيما يخص القضية األولى‪ ،‬اختلفت مواقف الفقهاء المالكيين من قضية إحراق "اإلحياء" لإلمام الغزالي‪ ،‬حيث نجد ثالثة مواقف مختلفة‪،‬‬
‫فهن اك الموق ف المتب ني لعملي ة اإلح راق والمؤي د له ا‪ ،‬والموق ف المع ارض ب اإلطالق‪ ،‬والموق ف المتحف ظ()‪.‬‬
‫يمثل الموقف األول فقهاء الدولة‪ ،‬وعلى رأسهم قاضي قرطبة ابن حمدين التغلبي (ت‪508‬ﻫ‪1114 /‬م)‪ ،‬فهو الذي تزعم الحمل ة الطاعن ة‬
‫في فكر الغزالي من خالل الفتوى بإحراق كتابه إحياء علوم الدين()‪ .‬ولم يكتف ابن حمدين بإصدار فتوى إحراق "اإلحياء" واجتثاث ه من‬
‫مكتبات المغاربة واألندلسيين‪ ،‬بل ألف في الرد عليه رسالة قرأها عليه تلميذه ابن عطية()‪ ،‬أو رسائل قرأها عليه كذلك تلميذه عي اض()‪،‬‬
‫يرهم()‪.‬‬ ‫ة وغ‬ ‫اء قرطب‬ ‫انده فقه‬ ‫ة‪ ،‬حيث س‬ ‫ذه المعرك‬ ‫ده في ه‬ ‫دين وح‬ ‫الطبع لم يكن ابن حم‬ ‫وب‬
‫لكن في مقابل هؤالء المتحمسين إلحراق اإلحياء‪ ،‬انتصب فقهاء آخرون للدفاع عنه سرا وعالنية‪ ،‬منهم الفقي ه أب و الحس ن ال برجي‪( ،‬ت‬
‫‪509‬ﻫ‪ 1116-15/‬م) إذ يقول عنه ابن األبار‪" :‬وهو الذي أوجب في كتب أبي حامد الغزالي حين أحرقها أبو عبد هللا بن حمدين… تأديب‬
‫محرقها‪ ،‬وتضمينه قيمتها ألنها مال مسلم‪ ،‬وقيل له أتكتب بما قلته خط يدك‪ ،‬قال‪ :‬سبحان هللا‪ ،‬كبر مقتا عند هللا أن تقولوا ما ال تفعلون‪ ،‬ثم‬
‫كتب السؤال في النازلة وكتب فتياه بعقبة‪ ،‬ودفع إلى أبي بكر عمر بن أحمد بن الفصيح‪ ،‬وأبي القاسم بن ورد‪ ،‬وغيرهما من فقهاء المرية‬
‫ومشايخها‪ ،‬فكتب كل واحد منهم بخطه‪ :‬وبه يقول فالن‪ ،‬مسلمين لعلمه وزهده‪ ،‬فغاظ ابن حم دين ذل ك لم ا بلغ ه‪ ،‬وكس ر من ه‪ ،‬وكتب إلى‬
‫قاض ي ألمري ة (…) بعزل ه عن خط ة إن ك انت بي ده‪ ،‬ف أخبر بزهادت ه وانقباض ه عن أه ل ال دنيا…"()‪.‬‬
‫وبمدينة فاس انتصر لكتاب "اإلحياء" الفقيه أبو الفضل النحوي()‪ .‬وبج وار عاص مة الدول ة المرابطي ة ـ م راكش ـ وعلى مش ارفها في‬
‫مدينة أغمات وريكة‪ ،‬كان الفقيه أبو محمد عبد هللا المليجي (توفي قبل ‪540‬ﻫ‪ )1146-45/‬من الرافضين لإلحراق‪ ،‬فقد ذك ر ابن الزي ات‬
‫عنه "أنه لما أفتى الفقهاء بمراكش ب إحراق كت اب اإلحي اء للغ زالي‪ ،‬ف أحرق بص حن ج امع الس لطان‪ .‬س أل أب و محم د عن ال ذين أفت وا‬
‫بإحراقه‪ .‬فكان كلما سمى له واحد منهم دعا عليه"()‪ .‬وبالطبع لم يكن هؤالء وح دهم في معرك ة مناص رة اإلحي اء‪ .‬وإال فم ا ال داعي ألن‬
‫يصدر األمير تاشفين بن علي سنة ‪538‬ﻫ‪1143/‬م مرسوما شديد اللهجة للتحذير من قراءة كتاب اإلحياء خاصة وكتب الغزالي عام ة()؟‬
‫ألم تتمكن فتوى اإلحراق التي صدرت قبل هذا التاريخ بأكثر من ثالثين سنة ‪ ،‬وأوامر أبيه علي بن يوسف القاضية بضرورة إح راق م ا‬
‫دلس؟‬ ‫رب واألن‬ ‫اء من المغ‬ ‫اث اإلحي‬ ‫حابها()‪ ،‬من اجتث‬ ‫ا من أص‬ ‫اء وانتزاعه‬ ‫خ اإلحي‬ ‫د من نس‬ ‫وج‬
‫إن ما يشجع على التشكيك في مدى نجاح دعوة ابن حمدين وأنصاره ضد اإلحي اء‪ ،‬ه و أن التح ذير الش ديد ال ذي ورد في رس الة األم ير‬
‫تاشفين جاء مرفوقا بالتأكيد على ضرورة االلتزام بالمذهب المالكي في الفتيا واألحكام والشورى‪ ،‬حيث يق ول مخاطب ا الفقه اء والقض اة‪:‬‬
‫د ركب رأس ه واتب ع ه واه‪.)("..‬‬ ‫واه‪ ،‬وم ال من األئم ة إلى س واه‪ ،‬فق‬ ‫"ومن ح اد عن رأي ه بفت‬
‫وهناك فئة ثالثة من الفقهاء ال ذين اش تهروا بمك انتهم الس امية في الدول ة المرابطي ة‪ ،‬لكنهم لم ينس اقوا م ع موق ف ابن حم دين وق رارات‬
‫السلطة العليا في شأن هذا الموضوع‪ .‬ويتعلق األمر بقضاة الحكم المرابطي المش هورين أبي الولي د بن رش د الج د‪ ،‬وأبي علي الص دفي‪،‬‬
‫اض‪.‬‬ ‫ي عي‬ ‫ربي‪ ،‬والقاض‬ ‫ر بن الع‬ ‫وأبي بك‬
‫فبالنسبة البن رشد‪ ،‬نجد أنه قد التزم الصمت إزاء ضجة اإلحراق‪ ،‬فلم يعلن تحيزه العلني لإلحياء‪ ،‬كما لم يلتحق بركب خص ومه‪ .‬فبم اذا‬
‫نفسر صمته هذا؟ هل هو صمت إيجابي لصالح اإلحياء أم ضده؟ لو أن موقفه كان معارضا لإلحياء‪ ،‬فما المانع من التصريح به؟ لذا‪ ،‬ق د‬
‫يكون صمته في هذه القضية مؤشرا على تضامنه مع اإلحياء لكن دون إحداث ض جة تش وش على الس لطة‪ ،‬وه و م ا ذهب إلى ترجيح ه‬
‫محمد القبلي‪ ،‬حيث اعتبر أن صمت ابن رشد يترجم تل ك المحافظ ة التقليدي ة ال تي دأب عليه ا جمه ور علم اء األن دلس أم ام ك ل حرك ة‬
‫تجديدية خشية المغامرة والشرع من جهة‪ .‬ومن جهة أخرى فإن الصمت نفسه قد يكون صمت قاض يعتمد في أحكامه النزاه ة وال تروي‬
‫وعدم مسايرة الضغوط الرسمية()‪ .‬وإذا كنا نعتبر أن االفتراض األول قد يكون صحيحا بالنظر لم ا يع ززه من ش واهد في ت اريخ علم اء‬
‫األندلس()‪ ،‬فإن االفتراض الثاني يصطدم بما عرفناه عن ابن رشد من جرأة في المواجهة وقول الحق‪ ،‬فضال عن أن الص مت عن الح ق‬
‫ليس من خصال العلماء المخلصين أمثال ابن رشد‪ .‬وحتى إذا افترضنا تقديره للظروف المحيطة ب القرار األم يري بش أن اإلح راق‪ ،‬ف إن‬
‫هذا االفتراض ذاته يسقط أمام حقيقة أخرى وهي اصطدامه مع الجند المرابطي واحتجاجه على مساندة السلطة ألعوانه ا وطلب ه اإلعف اء‬
‫من القضاء‪ .‬وهناك افتراض آخر نطرحه ويتعلق بتجنب ابن رشد االصطدام المباشر مع أمير المسلمين علي بن يوسف الذي كان مق دما‬
‫عنده عظيم المنزلة معتمدا عليه في العظائم أيام حياته()‪ .‬لكن مهما يكن من أمر‪ ،‬فإن موقفه رغم أن ه يظ ل محاط ا ب الغموض‪ ،‬فإن ه يع د‬
‫حس ابيا لص الح اإلحي اء‪ ،‬ونقط ة ض عف في س جل الط رف المع ادي لإلحي اء أي جن اح الم رابطين‪.‬‬
‫ولم يعلن ابن العربي عالنية عن موقف التأييد أو الرفض لحادثة اإلحراق‪ ،‬فهل نفسر صمته بما فسرنا ب ه ص مت ابن رش د؟ لق د تس اءل‬
‫محمد القبلي نفس السؤال تقريبا وانتهى إلى القول بناء على بعض المعطيات() ب أن الص مت "العم ومي" ال ذي لزم ه التلمي ذ من قض ية‬
‫شيخه لم يكن ليخلو من بعض التقية القائمة على المسالمة وتجنب االستفزاز‪ ،‬خصوصا وأن السلطة كانت قد بادرت إلى الحيلولة بين أبي‬
‫بك ر بن الع ربي وبين مخلف ات أبي ه لس بب نجهل ه‪ ،‬فلم يتمكن من رد األمالك المحتج زة إال بفض ل ش فاعة أبي علي الص دفي"()‪.‬‬
‫غير أن هذا الطرح ال يصمد أمام بعض النصوص المتداولة البن العربي والتي توض ح موقف ه من ش يخه‪ ،‬حيث يق ول في نق ده لإلحي اء‬
‫ومؤلفات أخرى للغزالي‪" :‬يعلم هللا ويشهد لي كتبي ومسائلي وكالمي مع الفرق بأني جد بصير بأغراض الق وم ومقاص دهم‪ ،‬ف إن معلمي‬
‫كان فحال من فحولهم‪ )...( ،‬وتاهلل كنت محتشما له‪ ،‬غير راض عنه‪ ،‬وق د ت ردد علي ه فيم ا أمكن واحتش مت جانب ه فيم ا تيس ر"()‪ .‬ف ابن‬
‫العربي‪ ،‬حقا‪ ،‬لم ينخرط في حملة التشويه والتحريم لقراءة اإلحياء أو غ يره من كتب الغ زالي‪ ،‬وربم ا ق د يك ون ذل ك من ب اب "التحف ظ‬
‫والحيطة من جراء تشبعه "الثابت" بالتعاليم المحظورة‪ ،‬وحرصه لنفس الس بب في الغ الب على مجامل ة الحكم واالتص ال ب ه أو التق رب‬
‫منه على مرأى ومسمع من الجميع"()‪ ،‬مما جعل موقفه هذا يتسم بالمرونة‪ ،‬التي اعتبرها عبد المجيد النج ار من الخص ال ال تي اكتس بها‬
‫ابن العربي من ج راء معاش رته للمتمرس ين بالعم ل السياس ي وت أثير عيش ته الحض رية ونش أته ش به األرس تقراطية()‪ .‬لكن ه ذا ال رأي‬
‫يصطدم بما عرف عن ابن العربي من صرامة في تطبيق الحدود واألحكام القضائية‪ ،‬وال تي أدرجت من قب ل بعض مترجمي ه في نط اق‬
‫رائب()‪.‬‬ ‫الغ‬
‫أما موقف عياض فكان أقل غموضا‪ ،‬حيث عاب على اإلمام الغزالي بعض القضايا‪ ،‬لكن دون أن ينساق مع فت وى اإلح راق‪ ،‬حيث ينق ل‬
‫عنه الذهبي فقرة من كتابه معجم أبي علي الصدفي‪ ،‬ورد فيه ا‪" :‬والش يخ أب و حام د ذو األنبي اء الش نيعة‪ ،‬والتص انيف العظيم ة‪ ،‬غال في‬
‫طريقة التصوف وتجرد لنصر مذهبهم‪ ،‬وصار داعية في ذلك‪ .‬وألف فيه تآليف مش هورة أخ ذ علي ه فيه ا مواض ع…"()‪ .‬وك ان عي اض‬
‫يقول كذلك في حق كتاب اإلحياء‪" :‬لو اختصر هذا الكتاب‪ ،‬واقتصر على ما فيه من خالص العلم لكان كتابا مفيدا"()‪ .‬هكذا يكون عياض‬
‫قد ظل بعيدا بمسافة فكرية كبيرة عن ما توصل إليه ابن حمدين الذي أفتى باإلحراق‪ ،‬فاكتفى بتحبيذ اختصاره اعترافا من ه بقيم ة الكت اب‬
‫وقيمة صاحبه اإلمام الغزالي‪ ،‬ولم ينخدع بمستوى عالقته مع السلطة المرابطية‪ ،‬وبالتالي ظ ل محافظ ا على اس تقالليته العلمي ة‪ ،‬لكن ه لم‬
‫يشأ الدخول في مواجهات مع السلطة سواء خالل المرحلة األولى من الحملة ض د اإلحي اء في عه د ابن حم دين وعلي بن يوس ف أو في‬
‫فين بن علي‪.‬‬ ‫ه تاش‬ ‫د ابن‬ ‫عه‬
‫أما موقف أبي علي الصدفي فقد اتسم هو اآلخر بالتزام الصمت إزاء هذه القضية‪ ،‬وهو الصمت الذي اعت بره القبلي ال يخ رج عن نط اق‬
‫الظروف المحيطة بضجة اإلحراق‪ ،‬فجاء صمته هذا توفيقا بين اختياراته الشخصية المتمثلة في الزه د واالبتع اد عن المناص ب والتخلي‬
‫عنها‪ ،‬وخاصة القضاء()‪ ،‬والظروف المضطربة المحيطة‪ .‬فكان زهده الشخص ي متماس كا م ع موقف ه العملي‪ ،‬وفض ل االبتع اد عن ك ل‬
‫اد()‪.‬‬ ‫يء إال عن العلم والتعليم والجه‬ ‫ش‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين أن فقهاء المغرب واألندلس‪ ،‬رغم وحدة مذهبهم الم الكي ورغم عالق ة بعض هم القوي ة بالس لطة السياس ية‪ ،‬لم يتبن وا موقف ا‬
‫موحدا من قضية اإلحياء التي كانت السلطة طرفا رئيسا فيها‪ .‬وتظل المبررات التي اعتمدها كل ط رف لت برير موقف ه نابع ة من اجته اد‬
‫ر‪.‬‬ ‫رف آخ‬ ‫لطة أو أي ط‬ ‫اة الس‬ ‫ة‪ ،‬وليس محاب‬ ‫ك النازل‬ ‫اص في تل‬ ‫خ‬
‫أم ا القض ية الثاني ة ال تي ت بين اختالف الفقه اء الم الكيين الم رابطين ك ذلك ‪ ،‬فهي قض ية الث ورات ال تي ان دلعت باألن دلس ض د الدول ة‬
‫المرابطية‪ .‬فإذا كان بعضهم قد ركب جواد الثورة صد الدولة المرابطية والتنكي ل بوالته ا وعماله ا وجن دها‪ ،‬وه و م ا ح دث في ك ل من‬
‫قرطبة على يد الثائر القاضي أبي جعفر بن حمدين()‪ ،‬وفي غرناطة بزعامة القاضي أبي الحسن علي بن عمر بن أضحى()‪ ،‬وفي جي ان‬
‫على يد القاضي ابن جزي()‪ ،‬وفي مالق ة على ي د القاض ي أبي الحكم بن حس ون()‪ ،‬وفي مرس ية على ي د القاض ي أبي محم د بن الح اج‬
‫اللورقي()‪ ،‬ثم بعده أبو جعفر بن أبي جعف ر الخش ني‪ )(،‬وفي أوريول ة على ي د القاض ي أحم د بن عاص م()؛ ففي المقاب ل نج د ع ددا من‬
‫الفقهاء قد رفضوا هذا المسلك واعتبروه نكثا لبيعة المرابطين التي في أعناقهم‪ ،‬وهو ما عبر عنه القاضي أبو جعفر بن الحس ين األزدي‪،‬‬
‫حيث رفض مبايعة القاضي ابن عبد العزيز ‪ ،‬وقال‪" :‬وهللا ال أفعل وبيعة تاشفين في عنقي"()‪ .‬وأصر قض اة آخ رون على تش بثهم ببيع ة‬
‫المرابطين()؛ وعبر البعض اآلخر عن ندم ه وت ذمره من االنخ راط في ه ذه الث ورات وتزكيته ا()‪ .‬ولع ل في الموق ف االول اتجاه ا من‬
‫أولئك الفقهاء نحو االنتهازية السياسية‪ ،‬خاصة وأن منهم من ك ان معروف ا بقرب ه الش ديد من الس لطة السياس ية العلي ا المرابطي ة مث ل آل‬
‫حم دين‪ .‬أم ا الموق ف الث اني في دل على ثب ات أص حابه على المب ادئ وخاص ة مب دأ البيع ة ال تي ك انت ت ربطهم ب األمراء الم رابطين‪.‬‬
‫هذه بعض األمثلة الدالة على عدم انسجام مواقف الفقهاء مع السلطة بشكل مطل ق من جه ة‪ ،‬وع دم انس جام م واقفهم فيم ا بينهم من جه ة‬
‫أخرى‪ ،‬وهذا مؤشر قوي على أن الفقهاء لم يكونوا كلهم على تلك الصورة التي رس مها المراكش ي وغ يره من حيث النف وذ والس لطة في‬
‫أجهزة الدولة المرابطية‪ .‬فمنهم أصحاب المصالح ومنهم أصحاب المبادئ‪ .‬وس تتأكد ع دم مص داقية أطروح ة المراكش ي أك ثر من خالل‬
‫الحديث عن نفوذ مفكرين ومثقفين آخرين ـ من غير الفقهاء ـ في أجهزة الدولة‪ ،‬ومن خالل الحديث عن وجود موظفين سامين في الدول ة‬
‫ال ينتمون إلى التيار المتهم بالسيطرة على الدولة أي التيار الفروعي من الفقهاء المالكيين‪ ،‬وهو ما س يتم توض يحه من خالل اإلجاب ة عن‬
‫األسئلة التالية‪ :‬ألم تقرب السلطة المرابطية مثقفين آخرين من أدباء وفالسفة وأطباء وغيرهم؟ ألم يتمتع موظفو الدولة ـ من غير الفقه اء ـ‬
‫بمكانة سامية ونفوذ قوي في دواليب الدولة؟ وأخ يرا ه ل ك انت المناص ب الس امية في الدول ة محتك رة من ط رف فقه اء الف روع فق ط؟‬
‫ة المرابطية‬ ‫اء ـ ‪ ‬في الدول‬ ‫ير الفقه‬ ‫ل العلم ـ من غ‬ ‫ة أه‬ ‫‪ 2‬ــ مكان‬
‫فيما يخص نفوذ المثقفين بمختلف مشاربهم الفكرية وتخصصاتهم في الدولة المرابطية‪ ،‬يمكن القول إن جمي ع االتجاه ات ك انت حاض رة‬
‫في بنية الدولة‪ .‬فقد كان لألدباء مكانتهم المحترمة في الدولة المرابطية‪ ،‬وتتجلى هذه المكانة في الوظ ائف ال تي لم يكن يتواله ا تقريب ا إال‬
‫األدباء والشعراء‪ .‬يؤكد ذلك عبد الواحد المراكشي من خالل حديثة عن اإلقبال الكبير ألدباء األندلس على المغ رب س واء في عه د أم ير‬
‫المسلمين يوسف أو ابنه علي لالشتغال بوظيفة الكتابة‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ف انقطع إلى أم ير المس لمين من الجزي رة من أه ل ك ل علم فحول ه‪،‬‬
‫حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم … واجتمع له والبنه من أعيان الكتاب وفرسان البالغة ما لم يتف ق اجتماع ه‬
‫ار"()‪.‬‬ ‫ر من األعص‬ ‫في عص‬
‫وهكذا‪ ،‬وجد يوسف بن تاشفين وخلفاؤه في األن دلس معين ا ال ينض ب من الكت اب ذوي الب اع الطوي ل في الفص احة والبالغ ة‪ ،‬فاعتم دوا‬
‫عليهم في إغناء ديوان الرسائل والمكاتبات‪ ،‬وشكلوا من خالل جه ازهم ه ذا ص لة وص ل بين أم ير المس لمين ومختل ف الق وى األخ رى‬
‫الداخلية والخارجية()‪ .‬وإذا كان هؤالء الكتاب لم تثبت لهم سلطة ذاتية‪ ،‬حيث اقتصر دورهم على تنفيذ أوامر السلطة العليا‪ ،‬ف إنهم أحيان ا‬
‫كانوا يقدمون النصائح‪ ،‬ومع ذلك فإن قربهم من السلطة العليا للبالد يعني أنهم لم يكونوا بمنأى عن المشاركة في تسيير شؤون الدولة‪ ،‬بل‬
‫ا‪.‬‬ ‫ية العلي‬ ‫لطة السياس‬ ‫ية الس‬ ‫انوا من حاش‬ ‫ك‬
‫وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن الوظائف الرس مية لم تكن محتك رة من ط رف المت وافقين م ع الس لطة وتوجهه ا الفك ري فق ط‪ ،‬بمع نى أن ه لم يت ول‬
‫الوظائف الرسمية الهامة فقط من كان على علم بالفروع من المالكية‪ .‬فقد ت ولى القض اء والكتاب ة وخط ة األحك ام وغيره ا من الوظ ائف‬
‫الرسمية عدد من أهل الكالم واالصول (أصول الفقه) والجدل والفلسفة والطب‪ ...‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد عين في منصب القض اء فقه اء من‬
‫غير المالكية‪ ،‬وكانوا من المقربين من السلطة السياسية المرابطية‪ .‬وفيما يلي بعض النم اذج من مختل ف المش ارب واالتجاه ات والمهن‪:‬‬
‫‪ -‬األصولي المتكلم أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي المرادي (ت ‪489‬ﮬ)‪ :‬بعد انقسام الحركة المرابطية إلى شطرين الشطر الجنوبي‬
‫بقيادة أبي بكر بن عمر والشطر الشمالي بقيادة يوسف بن تاشفين‪ ،‬انصرف أب و بك ر الحض رمي إلى الجن وب رفق ة أبي بك ر بن عم ر‪،‬‬
‫واشتغل قاضيا بأزكي بالصحراء في أحضان هذا األخير‪ .‬واستمر كذلك رغم وف اة أبي بك ر بن عم ر‪ .‬أم ا عن تكوين ه العلمي‪ ،‬فق د ك ان‬
‫ى"‪.‬‬ ‫المغرب األقص‬ ‫ادات ب‬ ‫وم االعتق‬ ‫ل عل‬ ‫"أول من أدخ‬
‫ولعل المقصود بكالم ابن الزيات هذا حول االعتقاد على الطريقة األشعرية‪ .‬فقد كان المرادي أصوليا ولم يكن مجرد فقيه فروعي‪ ،‬يق ول‬
‫عنه ابن بش كوال‪" :‬ك ان رجال نبيه ا عالم ا بالفق ه وإمام ا في أص ول ال دين‪ ،‬ول ه في ذل ك توالي ف حس ان مفي دة… ل ه نه وض في علم‬
‫االعتقادات واألصول ومشاركة في األدب وقرض الشعر"‪ .‬ولم يشتغل فقط بالقضاء‪ ،‬بل مارس مهمة أخرى وهي الكتاب ة ألح د األم راء‬
‫رابطين‪.‬‬ ‫الم‬
‫‪ -‬الكاتب أبو بكر بن المرخي اللخمي‪ ،‬محمد بن عبد الملك (ت‪536‬ﻫ)‪ :‬كان محدثا ومتقدما في حفظ اللغات واآلداب‪ ،‬اشتغل كاتبا ألمير‬
‫ال()‪.‬‬ ‫د هللا بن أبي الخص‬ ‫انب أبي عب‬ ‫ف إلى ج‬ ‫لمين علي بن يوس‬ ‫المس‬
‫‪ -‬األصولي الشافعي أبو عبد هللا بن الرمامة‪ ،‬محمد بن علي بن جعفر بن أحمد القيسي القلعي‪479( ،‬ﻫ – ‪567‬ﻫ)‪ :‬من قلعة بني حماد من‬
‫حوز بجاية‪ ،‬سكن فاس‪ ،‬وكان حافظا للفقه نظارا فيه بارعا في معرف ة أص وله م اهرا في اس تنباط معاني ه ش افعي الم ذهب‪ ،‬مع ِّوال على‬
‫بسيط الغزالي‪ ،‬مبرزا في علم الكالم‪ ،‬ومع ذلك فقد سمح له بممارسة التدريس‪ ،‬بل أك ثر من ذل ك فق د ت ولى القض اء بف اس س نة ‪533‬ﻫ‪،‬‬
‫ولعل ما هو أكثر من ذلك كله هو أنه لما شهر فضله استخلصه أمير المسلمين علي بن يوسف‪ ،‬فكان من أخص حاضري مجلسه لديه() ‪.‬‬
‫وكان هذا الفقيه شغوفا بالعلوم النظرية عاكف ا على تحص يلها‪ ،‬بم ا في ذل ك كت اب اإلحي اء للغ زالي المض طهد من ط رف الم رابطين()‪.‬‬
‫‪ -‬األصولي المتكلم أبو جعفر بن باق الجذامي‪ ،‬محمد بن حكم (توفي سنة ‪538‬ﻫ)‪ :‬أصله من قرطبة‪ ،‬سكن غرناطة وسرقسطة وفاس‪،‬‬
‫و"كان متحققا من علم الكالم وأصول الفقه محصال لهما"‪ ،‬صنف في الجدل مصنفين‪ ،‬وله عقيدة جي دة‪ ،‬ت ولى أحك ام ف اس وعم ل مفتي ا‬
‫ة()‪.‬‬ ‫ا للعربي‬ ‫ا‪ ،‬ومدرس‬ ‫له‬
‫‪ -‬الطبيب أبو مروان عبدالملك بن زهر (ت ‪557‬ﻫ)‪ ،‬المتحقق بصناعة الطب‪ ،‬كان وجيه بلده‪ ،‬حظيا عند األمراء والملوك‪ ،‬صنف لألمير‬
‫اد()‪.‬‬ ‫الح األجس‬ ‫اد في ص‬ ‫اب االقتص‬ ‫فين كت‬ ‫ف بن تاش‬ ‫وب يوس‬ ‫أبي يعق‬
‫‪ -‬المحدث واألصولي والمتكلم أبو الحسن بن الطالء القيسي‪ ،‬عبد الملك محم د بن هش ام (ت ‪551‬ﻫ)‪ :‬كان محدثا حافظا ضابطا عارفا‬
‫بالفقه وأصوله عارفا بعلم الكالم‪ ،‬من شيوخه في هذا المجال أبو عبدهللا بن شبرين‪ .‬مارس عدة وظائف رس مية‪ ،‬فاش تغل قاض يا بحص ن‬
‫ا()‪.‬‬ ‫ده وخطيب‬ ‫اورا ببل‬ ‫ق‪ ،‬ومش‬ ‫مرجي‬
‫‪ -‬األديب أبو مروان بن أبي الخصال الغافقي‪ ،‬عبدالملك بن مسعود (ت‪539‬ﻫ) عن ‪ 60‬سنة‪ :‬من قرطبة‪ ،‬لم يكن فقيها وال عالما بالفق ه‪،‬‬
‫بل كان من أه ل األدب والبالغ ة والش عر‪ ،‬اش تغل كاتب ا لبعض رؤس اء لمتون ة بم راكش وف اس وغيرهم ا‪ .‬وتخلى عن الكتاب ة وانقط ع‬
‫ادة()‪.‬‬ ‫للعب‬
‫‪ -‬المحدث والفقيه الظاهري أبو العب اس األنص اري الخ زرجي‪ ،‬أحم د بن ط اهر‪532-467 ( :‬ﻫ)‪ :‬من شارقة سكن دانية‪ ،‬كان محدثا‬
‫ضابطا وعالما بالمسائل‪ ،‬لكنه كان يميل في فقهه إلى الظاهر‪ ،‬ومع ذلك فقد تولى خطة الشورى بدانية لمدة تزيد عن ‪ 20‬سنة‪ ،‬فضال عن‬
‫ه()‪.‬‬ ‫أليف في‬ ‫ديث والت‬ ‫دريس الح‬ ‫تغل بت‬ ‫ه اش‬ ‫أن‬
‫‪ -‬الفيلس وف ابن وهيب األزدي‪ ،‬مال ك بن يحي (ت ‪525‬ﻫ)‪ :‬من أهل إشبيلية‪ ،‬كان أحد رجال الكمال بمعرفة العلوم على تفاريعها‬
‫وأنواعها المختلفة‪ .‬وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية‪ ،‬من أهل الفلسفة‪ ،‬بل لقد وصف بأنه فيلسوف المغرب‪ .‬استدعاه أمير المس لمين‬
‫علي بن يوسف إلى مراكش وجعله جليسه ومستشاره المقرب()‪ .‬وهو الذي ناظر ابن تومرت()‪ ،‬وأش ار على أم ير المس لمين بض رورة‬
‫راكش()‪.‬‬ ‫ه من م‬ ‫ه اكتفى بإخراج‬ ‫ه()‪ .‬لكن‬ ‫قتل‬
‫‪ -‬الفيلسوف أبو بكر بن باجة (ت ‪532‬ﻫ)‪ :‬فيلسوف المغرب واألندلس خالل عصر المرابطين‪ ،‬بل هو أحد كبار فالسفة اإلسالم‪ ،‬عاش‬
‫في كنف السلطة المرابطية المتهمة بمناهضة الفلسفة‪ ،‬حيث اتخذه العامل المرابطي على سرقسطة أبو بكر إب راهيم بن تيفل ويت كاتب ا ل ه‬
‫قبل عام ‪509‬ﮬ‪ .‬وبعد وفاة هذا العامل‪ ،‬انتقل إلى فاس ـ بعد ألمرية وغرناطة وإشبيلية ـ حيث نال رضى أبي بكر يحيى بن يوسف بن‬
‫ه()‪.‬‬ ‫را ل‬ ‫ار وزي‬ ‫فين‪ ،‬وص‬ ‫تاش‬
‫لطة في الدولة‬ ‫ال الس‬ ‫ة رج‬ ‫‪ 3‬ــ مكان‬
‫وأخيرا‪ ،‬أختم بالحديث عن نفوذ رجاالت السلطة من غير المثقفين في أجهزة الدولة‪ ،‬إذ لم يتمتع فقط الفقهاء بالنفوذ والس لطة في الدول ة‪،‬‬
‫بل إن رجاالت اإلدارة والجيش هم أيضا كان لهم نفوذهم وسلطتهم ال تي نستش ف عظم م داها من خالل بعض الوث ائق المرابطي ة‪ ،‬ومن‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة المرابطي‬ ‫يير اإلداري للدول‬ ‫ول التس‬ ‫ةح‬ ‫ات التاريخي‬ ‫خالل بعض المعطي‬
‫فقد تمتع حكام األقاليم بنفوذ قوي في ظل سلطة محلي ة مطلق ة‪ ،‬ولم تكن ت ربطهم بالس لطة العلي ا للـبالد س وى رابـطة الـوالء ورابـطة‬
‫القـرابة‪ ،‬بـاعتبار أن هـؤالء الحكام كانوا على صلة قرابة بالسلطة العليا‪ ،‬مم ا جع ل بعض الم ؤرخين يص فون النظ ام الم رابطي بكون ه‬
‫ا()‪.‬‬ ‫ا ال مركزي‬ ‫ا إقطاعي‬ ‫نظام‬
‫وبالفعل فقد كان نواب األمير على األندلس والمغ رب يتمتع ون بص الحيات واس عة ج دا‪ ،‬مم ا جع ل من المغ رب واألن دلس والي ة ش به‬
‫مستقلة‪ .‬لقد كان أمير المسلمين يعين نائبا له على المغرب وآخر على األن دلس‪ ،‬وغالب ا م ا يك ون ه ذا األخ ير ولي ا للعه د‪ ،‬وتك اد س لطة‬
‫هؤالء أن تكون مطلقة‪ ،‬فكانوا يولون الوالة ويراقبونهم ويعزلونهم‪ ،‬حيث كتب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى أحد نواب ه باألن دلس‬
‫ما يلي‪" :‬واستعمل عليها من يرفق بها‪ ،‬ويعدل فيها‪ ،‬وأخرج كل من يحيف عليها‪ ،‬ويؤذيها ومن س بب عليه ا من عمال ك زي ادة أو خ رق‬
‫في أمرها عادة أو غير رسما أو بدل حكما أو أخذ لنفسه منها درهما ظلما‪ ،‬فاعزله عن عمله وعاقبه في بدنه"()‪ .‬وأك ثر من ذل ك ت دخلوا‬
‫في ش ؤون القض اء()‪ ،‬حيث روى أن األم ير "س ير "نق ل القاض ي ابن ش برين إلى قض اء إش بيلية‪.‬‬
‫وتوضح وثيقة أخرى في عهد على بن يوسف حدود صالحيات ونفوذ النائب التي يب دو أنه ا ك انت ش به مطلق ة‪ ،‬ولع ل ظ روف الح رب‬
‫المستمرة باألندلس زادت من توسيع تلك الصالحيات‪ ،‬حيث يقول أمير المسلمين في إحدى رسائله التي وجهه ا ي وم األربع اء ‪ 17‬ص فر‬
‫الخير سنة ‪520‬ﻫ‪ ،‬جوابا على رسالة جاءته من نائبه وابنه أبي بكر على األندلس‪" :‬وقد رأينا ـ وهللا الموفق للصواب ـ أن نقدمك على‬
‫جميع الجيوش بتلك الجزيرة ـ عصمها هللا ـ عموما يشمل من كان هناك منها‪ ،‬ومن وصل من هذه العدوة ـ حرس ها هللا ـ إلي ك‪ ،‬وخاطبن ا‬
‫عمالك بالسمع منك والطاعة لك‪ ،‬وأن يطابق كل واحد منهم رأيك‪ ،‬ويوافق عملك‪ .)("..‬لكنه وانسجاما مع توجهه العام القائم على أس اس‬
‫الش ورى‪ ،‬نص حه بالتش اور م ع الق واد وأه ل ال رأي من األجن اد‪ ،‬واالبتع اد عن االس تبداد()‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ال يمكن تجاوز نفوذ الوزراء عند الحديث عن نفوذ األط ر اإلداري ة في الدول ة‪ .‬فق د احت ل ال وزير مكان ة ممت ازة في‬
‫الدولة‪" ،‬وكان من سمو الهمة بحيث يجلو الظالم العاكر ويخجل الموسم الباكر"()‪ .‬وكان المرابطون يثقون بوزرائهم ثقة كبيرة ويطلقون‬
‫أيديهم في الشؤون المالية‪ ،‬وهو ما يتبين من خالل هذا النص الذي أطلق بموجب ه أم ير المس لمين علي بن يوس ف ل وزيره أبي محم د بن‬
‫مالك اليد في التصرف في األندلس‪ ،‬حيث "أقطعه ماله في األندلس من خطة وأقعده على تلك المنصة وجد في صرف الشوائب عن حماه‬
‫ووجه أمواال لرم خلله وحسم علله وإقامة ميله وانتعاش رجله وخيله‪ ،‬ثم خاف أن ينهبها العمال وتتع ذر تل ك اآلم ال فقل ده فوقه ا وحمل ه‬
‫أوقه ا ووجه ه لبن اء األقط ار ونبه ه لقض اء تل ك األوط ار‪ ،‬فاس تقل به ا أحس ن اس تقالل ونظم معالمه ا نظم اآلل"()‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬كان الوزير مقربا من السلطة العلي ا‪ ،‬مطلع ا على ك ل كب يرة وص غيرة‪ ،‬وه و الواس طة بين األم ير وبقي ة الم وظفين بمن فيهم‬
‫القضاة‪ ،‬بل هو الذي يحدد للعمال والمتصرفين من القباض والخراص وغيرهم الحدود ال تي يجب أن ال يتع دوها دون زي ادة أو ج ور()‪.‬‬
‫فهل يمكن القول بعد كل هذا إن فقهاء الفروع هم وحدهم من تمتع بالنفوذ في الدولة المرابطية؟ هل بعد كل هذه النم اذج الدال ة على نف وذ‬
‫مختلف المفكرين ‪-‬من غير الفقهاء‪ -‬مازال باإلمكان مسايرة عبد الواحد المراكشي في تصوره النقدي ضد فقهاء المرابطين‪ ،‬والذي حوله‬
‫البعض إلى أطروحة مركزية في التاريخ المرابطي؟ ألم يشهد عبد الواحد المراكشي نفسه باحتضان البالط المرابطي ‪ -‬وخاصة في عهد‬
‫علي بن يوسف الذي اتهمه بالخضوع لسلطة فقهاء الفروع ‪ -‬ألعيان الكتاب من جزيرة األندلس‪ ،‬وأن أمير المسلمين ص رف عنايت ه إلى‬
‫ك؟()‬ ‫ع لمل‬ ‫ا لم يجتم‬ ‫ه منهم م‬ ‫عل‬ ‫تى اجتم‬ ‫ك‪ ،‬ح‬ ‫ذل‬
‫إن االعتماد على مصادر متعددة وخاصة على كتب التراجم‪ ،‬وتحلي ل نص وص المراكش ي وغيره ا‪ ،‬ونق دها نق دا داخلي ا‪ ،‬ق د مكنن ا من‬
‫تجاوز كل محاوالت تعميم خطاب المراكشي على جميع فقهاء العصر المرابطي‪ ،‬وتقديم صورة مغايرة للسلطة المرابطية وفقهائها‪ .‬وق د‬
‫ت بين أن مكان ة الفقه اء المتم يزة‪ ،‬في الدول ة والمجتم ع مع ا‪ ،‬له ا م ا يفس رها من العوام ل التاريخي ة والسياس ية واالجتماعي ة والفكري ة‬
‫والشرعية‪ ،‬ولكنها لم تكن بتلك الصورة االستبدادية التي رسمها لهم المراكشي‪ ،‬كما تبين مشاركة مختلف أصناف المثقفين المل تزمين في‬
‫ه‪.‬‬ ‫ة إلي‬ ‫ة الحاج‬ ‫ه ودرج‬ ‫ب اختصاص‬ ‫ل حس‬ ‫ة‪ ،‬ك‬ ‫يير الدول‬ ‫تس‬
‫بيل الختم‬ ‫على س‬
‫في خاتمة هذا البحث البد من التأكيد على المكانة السامية للفقهاء في تاريخ الدولة المرابطية‪ ،‬وذلك من خالل اضطالعهم بأدوار تاريخية‬
‫ساهمت في تغيير الوجه التاريخي للمغ رب االقص ى والغ رب االس المي عموم ا‪ .‬فش كلت إنج ازاتهم لبن ات متكامل ة في بن اء المش روع‬
‫ا يلي‪:‬‬ ‫ا فيم‬ ‫تي يمكن إجماله‬ ‫رابطي‪ ،‬وال‬ ‫الحي الم‬ ‫االص‬
‫ط‪.‬‬ ‫ير والتخطي‬ ‫ة التنظ‬ ‫‪ -‬لبن‬
‫اء‪.‬‬ ‫يس والبن‬ ‫ة التأس‬ ‫‪ -‬لبن‬
‫اد‪.‬‬ ‫د والجه‬ ‫ة التوحي‬ ‫‪ -‬لبن‬
‫رعية‪.‬‬ ‫ة والش‬ ‫ة التزكي‬ ‫‪ -‬لبن‬
‫يير‪.‬‬ ‫ة التدبيروالتس‬ ‫‪ -‬لبن‬
‫يد‪.‬‬ ‫ه والترش‬ ‫ة التوجي‬ ‫‪ -‬لبن‬
‫إال أن اإلشكال الذي يطرح حول وضعية الفقهاء المالكية في الدولة المرابطي ة يرتب ط بم دى توظي ف ه ؤالء الفقه اء لتك وينهم الش رعي‬
‫والفقهي بالخصوص من أجل االستئثار بالنفوذ السياسي واالجتماعي والمادي في الدولة على حس اب المب ادئ وعلى حس اب غ يرهم من‬
‫المفكرين والمثقفين أنصار التيارات الفكرية األخرى‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬البد من التأكيد على أن الفقه اء المالكي ة ق د تمتع وا‪ ،‬فعال‪ ،‬بنف وذ‬
‫االت‪:‬‬ ‫دة مج‬ ‫ة في ع‬ ‫ة المرابطي‬ ‫ير في الدول‬ ‫كب‬
‫اء‬ ‫ي للفقه‬ ‫وذ السياس‬ ‫•‪ ‬النف‬
‫لقد بدت سلطة الفقهاء في كثير من األحيان‪ ،‬وكأنها فوق سلطة السياسيين‪ ،‬على اختالف مراتبهم طيلة مراحل الدول ة‪ ،‬س واء في مرحل ة‬
‫التأسيس من خالل نفوذ الشيخ عبد هللا بن ياسين ودوره المحوري في قيادة الحركة؛ أو في عهد أمير المس لمين يوس ف بن تاش فين ال ذي‬
‫ظل مفضال للفقهاء‪ ،‬معظما للعلماء‪ ،‬يصرف األمور إليهم‪ ،‬ويأخذ فيها برأيهم؛ أو في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف الذي برز نف وذ‬
‫الفقهاء في عهده بامتياز‪ ،‬حيث كان ال يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورتهم ؛ واستمر األمر ك ذلك ح تى نهاي ة الدول ة المرابطي ة‪،‬‬
‫حيث تزعم كثير من الفقهاء أصحاب النفوذ االجتماعي الكب ير حرك ات سياس ية معارض ة للدول ة المرابطي ة‪ ،‬مث ل القاض ي ابن حم دين‬
‫اج…‬ ‫حى وابن الح‬ ‫ي ابن أض‬ ‫والقاض‬
‫اء‬ ‫ريعي للفقه‬ ‫وذ التش‬ ‫‪ • ‬النف‬
‫بفضل تكوينهم الفقهي‪ ،‬وبما أن الفقه هو التشريع اليومي لحي اة الن اس‪ ،‬فق د حظي الفقه اء بمكان ة س امية في المجتم ع‪ ،‬فك ان يلتج أ إليهم‬
‫للفتوى سواء من طرف السلطة أو عامة المجتمع‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬كان القضاة ملزمين باستش ارتهم قب ل البث في الن وازل ال تي تع رض‬
‫مين‪.‬‬ ‫ا بين المتخاص‬ ‫ل فيه‬ ‫ارهم للفص‬ ‫على أنظ‬
‫ة في الدولة‬ ‫ائف الهام‬ ‫ب والوظ‬ ‫اء للمناص‬ ‫ولي الفقه‬ ‫‪    •    ‬ت‬
‫بفضل تك وينهم الفقهي‪ ،‬ت ولى الفقه اء وظ ائف س امية في الدول ة كالقض اء بمختل ف مراتب ه والش ورى‪ ،‬كم ا مكنهم تك وينهم العلمي من‬
‫االحتكاك المباشر بالمجتمع وخدمته سواء من خالل هذه الوظائف أو من خالل ممارسة الفت وى‪ ،‬وخاص ة من خالل التعليم ال ذي أكس ب‬
‫أصحابه تقديرا واحتراما كبيرين في المجتمع‪ .‬فكانت بعض الوظائف (القض اء مثال) مص در س لطة ونف وذ سياس ي واجتم اعي‪ ،‬وبعض‬
‫الوظائف األخرى مصدر نفوذ مالي (التوثيق مثال)‪ ،‬وأخرى مصدر نفوذ اجتماعي (التعليم مثال)‪ .‬وقد وجد كثير من الفقهاء ال ذين ك انت‬
‫تجتمع فيهم هذه المصادر الثالث ة للنف وذ السياس ي واالجتم اعي والم الي‪ ،‬فب دوا مس تفيدين من الوض ع الق ائم دون غ يرهم من المفك رين‬
‫والمثقفين‪.‬‬
‫ولتفس ير ه ذه الظ اهرة ت بين لن ا أنه ا ترج ع إلى ع دة عوام ل متج ذرة في الت اريخ منه ا‪:‬‬
‫دلس‬ ‫الكيين باألن‬ ‫اء الم‬ ‫وذ الفقه‬ ‫ة لنف‬ ‫ول التاريخي‬ ‫‪    •    ‬األص‬
‫فمنذ استقرار المذهب المالكي باألندلس وعبر مختلف مراحل ت اريخ االن دلس ح تى العص ر الم رابطي‪ ،‬احت ل الفقه اء الم الكيون مكان ة‬
‫متميزة في الدولة والمجتمع‪ ،‬مما جعلهم يحظون بتقدير كبير س واء من ط رف الس لطة أو المجتم ع‪ .‬ل ذلك ف إن مكان ة الفقه اء في الدول ة‬
‫المرابطية هي تتويج لمسار تاريخي طويل‪ ،‬وهذا معناه أن الحديث عن نفوذ الفقهاء في العصر المرابطي بمع زل عن ج ذوره التاريخي ة‬
‫ا‪.‬‬ ‫ديثا ناقص‬ ‫يظل ح‬ ‫دلس س‬ ‫الكيين في األن‬ ‫اء الم‬ ‫ة الفقه‬ ‫كلت فئ‬ ‫ذ أن تش‬ ‫من‬
‫‪    •    ‬األص ول االجتماعي ة لكث ير من الفقه اء الم رابطين ال ذين تول وا المناص ب العلي ا في الدولة‬
‫إن النفوذ الكبير لبعض الفقهاء القضاة في العصر المرابطي لم يكن وليد ذلك العصر‪ ،‬بل كان مجرد استمرار لم ا حظيت ب ه أس رهم من‬
‫نفوذ اجتماعي متأصل تاريخيا قبل العصر المرابطي‪ .‬ولذلك فحتى الثروات التي كان يملكها هؤالء لم تكن وليدة الوظائف التي قاموا به ا‬
‫في هذه الدولة‪ ،‬ولكنها استمرارا لتراكمات حققتها هذه األسر عبر السنين‪ ،‬ومن هذه األسر والعائالت‪ :‬عائلة بني الملجوم‪ ،‬وعائلة اللواتي‬
‫الفاسيتين؛ وعائلة بني عشرة السالوية‪ ،‬وعائلة بني سمجون الطنجية؛ وعائالت عياض وب ني العج وز وب ني يرب وع الس بتية‪ ،‬وع ائالت‬
‫بني حمدين وبني رشد وبني عتاب وبني الحاج القرطبية‪ ،‬وعائالت بني العربي وب ني ش ريح وب ني الج د االش بيلية‪ ،‬وع ائالت الص دفي‬
‫والطرطوشي السرقسطية‪ ،‬وعائالت بني أضحى وب ني عطي ة الغرناطي ة‪ ،‬وغيره ا كث ير‪ .‬لق د ت وارثت ه ذه الع ائالت العلم والمناص ب‬
‫والجاه والثروة جيال عن جيل‪ ،‬بل لقد استمر نفوذ الكث ير من ه ذه الع ائالت ح تى بع د العص ر الم رابطي‪ ،‬أي خالل العص ر الموح دي‪.‬‬
‫لمين‬ ‫ة للمس‬ ‫اة العام‬ ‫ومي للحي‬ ‫ريع ي‬ ‫ه كتش‬ ‫ة للفق‬ ‫ة الملح‬ ‫‪    •    ‬الحاج‬
‫نظرا لطبيعة المجتمع المسلم الملزم بضرورة احترام الشريعة اإلسالمية في ك ل مج االت الحي اة‪ ،‬فق د ك ان الب د من الفق ه والفقه اء‪ ،‬فهم‬
‫الذين يفصلون في كل النـزاعات والخصومات سواء من خالل القضاء أو من خالل الفتوى‪ .‬وفضال عن كل هذا وذاك فهم الذين يعلم ون‬
‫الناس دينهم في المساجد وخ ارج المس اجد‪ ،‬وهم ال ذين تش رئب إليهم أعن اق الطلب ة لتلقي العلم‪ ،‬ومن ثم ك ان الفقي ه في المجتم ع بمثاب ة‬
‫الطبيب أو أكثر‪ .‬ولم يكن ذلك حالة خاصة بالمجتمع المغربي واألندلسي‪ ،‬بل في كل المجتمع ات اإلس المية‪ ،‬فالظ اهرة ال ترتب ط بزم ان‬
‫لم‪.‬‬ ‫ع المس‬ ‫ة المجتم‬ ‫لب طبيع‬ ‫ة من ص‬ ‫اهرة عام‬ ‫ل هي ظ‬ ‫ين‪ ،‬ب‬ ‫ان خاص‬ ‫ومك‬
‫نية مالكية‬ ‫ةس‬ ‫ة كدول‬ ‫ة المرابطي‬ ‫ة الدول‬ ‫‪    •    ‬طبيع‬
‫كان للفقهاء الدور المركزي في نهوضها واستمراها وتدبيرها‪ .‬وقد كان حكام الدول ة المرابطي ة أم راء المس لمين على وعي به ذا ال دور‬
‫وبأهمية الفقهاء في النهوض الشامل للدولة المرابطية‪ ،‬لذلك تنافسوا في تقدير الفقهاء واحترامهم وتوفير فرص العيش الشريف لهم‪ ،‬دون‬
‫ان يكون ذلك ض عفا منهم‪ ،‬ب ل على العكس من ذل ك ك ان أم را طبيعي ا ب النظر إلى تك وينهم في أحض ان فقه اء المالكي ة ورع ايتهم لهم‪.‬‬
‫لطة‬ ‫بة للس‬ ‫ام بالنس‬ ‫أن الع‬ ‫اء في إدارة الش‬ ‫ة دور الفقه‬ ‫‪    •    ‬مركزي‬
‫كان الفقهاء بالنسبة ألي سلطة مصدر الشرعية‪ ،‬فهم الذين يضفون الشرعية أو ينفونها على حاكم ما مهما كانت قوته وسطوته‪ .‬وبالنس بة‬
‫للمرابطين كان للفقهاء دور محوري في انتقال السلطة وشرعنتها من خالل البيع ة‪ ،‬وفي إدارة الش ؤون العام ة للدول ة من خالل القض اء‬
‫ية‪.‬‬ ‫ورى والديبلوماس‬ ‫والش‬
‫إال أن اإلقرار بالنفوذ القوي للفقهاء في الدولة والمجتمع في العصر المرابطي ال يعني اإلقرار المطلق بما تقدمه تلك األطروحات النقدي ة‬
‫التي أسست عليها إشكالية هذا البحث‪ .‬وأعتقد أن مما يهدم مصداقية هذه األطروحات هو مبدأ التعميم الذي تبنت ه‪ ،‬حيث أص بح االس تثناء‬
‫هو القاعدة‪ ،‬والقاعدة استثناء‪ ،‬بل لم تتحدث اطالقا عن االستثناء‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن بعض المواقف واالطروح ات تفق د مص داقيتها‬
‫عندما نستحضر الخلفية التي تحرك أصحابها‪ ،‬مثل أطروحة ابن تومرت ضد الفقهاء المرابطين‪ ،‬التي تنطلق من منطل ق سياس ي محض‬
‫هدفه االنقالب على الدولة المرابطية واإلطاحة بها‪ .‬فوعيا منه بأهمية الدور المحوري للفقهاء في بناء الدولة المرابطية‪ ،‬فق د وج ه حرب ه‬
‫اإلعالمي ة‪ ،‬أوال‪ ،‬بح دة قوي ة ج دا إلى الفقه اء‪ ،‬ألن تش ويه الفقه اء‪ ،‬حتم ا‪ ،‬س يؤدي إلى ع زلهم عن المجتم ع‪ ،‬وبالت الي خل ق رأي ع ام‬
‫معارض‪ ،‬مما يسهل محاربة الدولة المرابطية سياسيا وعسكريا‪ ،‬ومن ثم شرعنة اإلطاحة به ا‪ .‬أم ا أطروح ة المراكش ي في "المعجب"‪،‬‬
‫فتحمل في طياتها نقيضها‪ .‬فعبد الواحد المراكشي الذي قال بهيمنة فقهاء الفروع على الدولة واستبدادهم بتسيير الشأن العام وكسبهم المال‬
‫والجاه والنفوذ بفضل ذلك االستبداد‪ ،‬هو نفسه يقول بحضور قوي ألصناف المثقفين في أحضان الدولة المرابطية‪ .‬وهكذا ن ذكر بم ا قال ه‬
‫عن عهد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين‪" :‬ف انقطع إلى أم ير المس لمين من الجزي رة من أه ل ك ل علم فحول ه‪ ،‬ح تى أش بهت حض رته‬
‫حض رة ب ني العب اس في ص در دولتهم… واجتم ع ل ه والبن ه من أعي ان الكت اب وفرس ان البالغ ة م ا لم يتف ق اجتماع ه في عص ر من‬
‫األعصار‪ .)("...‬كما نذكر بنص آخر للمراكشي يتحدث فيه عن أمير المسلمين علي بن يوسف‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ولم يزل أمير المسلمين من‬
‫أول إمارته يستدعي أعيان الكتاب من جزيرة األندلس‪ ،‬وصرف عنايته إلى ذلك؛ حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك‪ ،‬كأبي القاس م بن‬
‫الجد المعروف باألحدب‪ ،‬أحد رجال البالغة‪ ،‬وأبي بكر محمد بن محمد المعروف بابن القبطرنة‪ ،‬وأبي عبد هللا بن أبي الخص ال‪ ،‬وأخي ه‬
‫أبي مروان‪ ،‬وأبي محمد عبد المجيد بن عبدون… وكان من أنبههم عنده‪ ،‬وأكبرهم مكانة لديه‪ :‬أبو عبد هللا محمد بن أبي الخصال‪ ،‬وح ق‬
‫له ذلك؛ إذ هو آخر الكتاب‪ ،‬وأحد من انتهى إليهم علم اآلداب‪ ،‬وله مع ذلك في علم القرآن والحديث واألثر وم ا يتعل ق به ذه العل وم الب اع‬
‫ولى"()‪.‬‬ ‫د الط‬ ‫األرحب‪ ،‬والي‬
‫ومن عناصر ضعف أطروحة المراكشي كذلك‪ ،‬سقوطه في خطأ التعميم‪ ،‬حيث انطلق من حالة واح دة‪ ،‬وهي إح راق إحي اء عل وم ال دين‬
‫لإلمام الغزالي‪ ،‬ليقرر حكما عاما وه و مناهض ة الدول ة لعلم الكالم واض طهاد أنص اره تحت ض غط الفقه اء‪ ،‬ه ذا إذا س لمنا‪-‬على س بيل‬
‫االفتراض‪-‬أن إحراق اإلحياء تحكمت فيه دواعي عقدية‪ .‬كما سقط في التعميم حين ق رر أن ه "لم يكن يق رب من أم ير المس لمين ويحظى‬
‫عنده إال من علم الفروع"()‪ .‬إذا كان ذلك صحيحا‪ ،‬فأين سنصنف ذلك العدد الهام من علماء الكالم‪ ،‬وخاصة الذين تولوا مناصب عليا في‬
‫ة‪...‬؟‬ ‫د هللا بن الرمام‬ ‫رادي وأبي عب‬ ‫ر الم‬ ‫ل أبي بك‬ ‫ا‪ ،‬مث‬ ‫ورى وغيرهم‬ ‫اء والش‬ ‫ة‪ ،‬كالقض‬ ‫الدول‬
‫ومن عناصر ضعف هذه األطروحة كذلك‪ ،‬مناقضتها لمنطق الشورى كمبدإ إسالمي في الحكم عند ما يتعلق األمر بوصف نف وذ الفقه اء‬
‫في مجال القضاء باعتب اره اس تبدادا‪ .‬فق د اعت بر المراكش ي أن إل زام القض اة باستش ارة الفقه اء قب ل البت في الحكم من نق ائص العص ر‬
‫المرابطي‪ ،‬فهل يعد هذا فعال أمرا سلبيا؟ أال يمكن أن يكون ذل ك خط وة متقدم ة في مج ال نزاه ة القض اء ومص داقية أحكام ه م ا دامت‬
‫تخضع الجتهاد أربعة فقهاء باإلضافة إلى القاضي الذي هو أصال فقيه؟ فهل األفضل أن تتداول خمسة عق ول في قض ية واح دة أم ي ترك‬
‫المجال لعقل واحد إلصدار الحكم؟() ومن مجال القضاء نعمم القول على باقي مرافق الدولة‪ ،‬فهل تعد استشارة الفقهاء أمرا مخال بالس ير‬
‫العادي للشؤون العامة للدولة والمجتمع‪ ،‬أم أمرا مقوما وموجها لها؟ هل يمكن أن يقوم بوظيفة الفقيه غير الفقي ه‪ ،‬ك األديب أو الش اعر أو‬
‫رين؟‬ ‫يره من المفك‬ ‫غ‬
‫فالدولة المرابطية تعاملت مع أهل الفكر وفق منطق االختصاص‪ ،‬وحسب حاجيات الدولة والمجتم ع‪ .‬ومن الممكن الق ول ب تراجع مكان ة‬
‫بعض المفكرين لصالح البعض اآلخر حسب طبيعة الدولة‪ ،‬ولكن ال يمكن الحكم باالقصاء التام للجمي ع باس تثناء الفقه اء‪ .‬فمكان ة األدب اء‬
‫والشعراء مثال‪ ،‬لم تعد كما كانت عليه في عصر مل وك الطوائ ف‪ ،‬حيث ك ان للش عر‪ ،‬م دحا وهج اءا ونفاق ا‪ ،‬الكلم ة األولى تحت س لطة‬
‫ملوك ضعاف وانتهازيين‪ ،‬لم تكن تهمهم سوى مص لحتهم الخاص ة أي البق اء في عروش هم ب أي ثمن ك ان‪ ،‬ول و على حس اب المقدس ات‬
‫الشرعية والوطنية والقومية‪ ،‬في حين تغير األم ر في الدول ة المرابطي ة تحت س لطة أم راء‪ ،‬ك انوا أق رب إلى الزه اد المتبتلين منهم إلى‬
‫بين‪.‬‬ ‫ام المتغل‬ ‫الحك‬
‫ة‪:‬‬ ‫ات التالي‬ ‫روري اإلدالء بالخالص‬ ‫ه من الض‬ ‫دو أن‬ ‫ك يب‬ ‫اء على ذل‬ ‫وبن‬
‫‪ 1‬ـ لم يشكل فقهاء المالكية طبقة اجتماعية متميزة عن غيرها من طبقات أو شرائح المجتمع‪ ،‬موحدة من حيث المصالح واأله داف‪ .‬ذل ك‬
‫أن فئة قليلة جدا من الفقهاء هي التي كانت أكثر استفادة من الوضع القائم وخاصة قضاة الجماعة‪ ،‬في حين كانت غالبية الفقه اء بمن فيهم‬
‫كثير من القضاة يكابدون شظف العيش‪ ،‬ولم يكونوا من خاصة المجتمع من الناحية المادية‪ ،‬رغم أنهم كانوا من نخبت ه العلمي ة والفكري ة‪،‬‬
‫وذلك بسبب ما كان يغلب عليهم من سلوكات الزهد في الحياة المادية وفي المناصب‪ .‬ول ذلك رفض الكث ير منهم االس تمرار في مناص ب‬
‫مغرية كالقضاء‪ ،‬وتخلوا عنها رغم م داخيلها المربح ة‪ ،‬ورفض آخ رون ت ولي ه ذه المناص ب أص ال ول و أدى بهم األم ر إلى التع رض‬
‫ظف العيش‪.‬‬ ‫ه من ش‬ ‫ان في‬ ‫اك‬ ‫ع والعلم‪ ،‬رغم م‬ ‫ة للمجتم‬ ‫دريس خدم‬ ‫وا للت‬ ‫اب‪ ،‬وتفرغ‬ ‫للعق‬
‫‪ 2‬ـ لم يشكل الفقهاء المالكية تيارا فكريا منغلقا على نفسه‪ ،‬موحد الرؤى والتصورات‪ ،‬إال في الحدود ال دنيا من حيث االع تزاز باالنتم اء‬
‫إلى المذهب المالكي كمذهب فقهي‪ ،‬ولكن مع تباينات واختالفات كبيرة فيما بينهم من حيث درجة تكوينهم الفكري ومواقفهم من جملة من‬
‫اء‪.‬‬ ‫اب اإلحي‬ ‫ية كت‬ ‫ا مثال قض‬ ‫تي واجهتهم‪ ،‬ومنه‬ ‫ة ال‬ ‫كاالت الفكري‬ ‫ايا واإلش‬ ‫القض‬
‫‪ 3‬ـ إن عالقة السلطة السياسية العليا المرابطية بالمفكرين لم تكن كما صورها المراكشي ال ذي تح دث عن اس تئثار فقه اءالفروع ب النفوذ‬
‫السياسي واالجتماعي والمادي في الدولة‪ ،‬على حساب باقي المفكرين بمن فيهم األصوليون واألدباء والش عراء‪ ...‬ب ل لق د تص در الكث ير‬
‫اورون‪...‬‬ ‫اة والمش‬ ‫اب والقض‬ ‫ان منهم الكت‬ ‫ة‪ ،‬فك‬ ‫امية في الدول‬ ‫ب الس‬ ‫ؤالء المناص‬ ‫من ه‬
‫‪ 4‬ـ ال يمكن الحديث عن التوافق المطلق بين مواقف السلطة والفقهاء‪ :‬فرغم أن السلطة كانت حريصة على تنفيذ فتاوى الفقهاء وتحويله ا‬
‫إلى أوامر وتعليمات سياسية تسخر لها كل أجهزتها لتنفيذها‪ ،‬ف إن الكث ير منهم ك انوا عكس ذل ك‪ ،‬متح ررين من ض غط الس لطة‪ ،‬ول ذلك‬
‫وجدناهم يعارضون أشهر فتوى في العصر المرابطي والمتعلقة بإحراق كتاب إحي اء عل وم ال دين لإلم ام الغ زالي‪ .‬ومم ا ي دل على ذل ك‬
‫كذلك تعرض كثير من الفقهاء المالكيين لالمتحان من طرف السلطة المرابطية‪ ،‬ولم يكن ذلك مقتصرا فق ط على غ ير الم الكيين أو غ ير‬
‫الفروعيين‪ ،‬مثل الصوفية والمتكلمين وغيرهم‪ .‬ولكن مع محدودية هذه الظواهر‪ ،‬يمكن القول إن العالقة بين الطرفين لم تبرز على ش كل‬
‫صراع بين كتلتين‪ ،‬بل على صورة توزيع للمهام‪ :‬فالسلطة مدعومة بغالبية الفقه اء المالكي ة ك انت تح اول الحف اظ على التالحم الفك ري‪،‬‬
‫وإرساء وحدة األندلس في إطار اإلسالم السني المالكي‪ ،‬أما النخبة من رجال العلم فقد ت ابعت متطلب ات التعمي ق الفك ري ال ذي هب على‬
‫المالكي ة من ذ الب اجي()‪ ،‬وب ذلك تك املت أدوارهم‪ ،‬ولم يكن بإمك ان أي ط رف أن يس تغني عن اآلخ ر‪.‬‬
‫‪ - 5‬ال يمكن أن نعفي الفقه اء تمام ا من بعض األوص اف ال تي أورده ا المراكش ي وغ يره في حقهم س واء على المس توى الفك ري أو‬
‫المستوى االجتماعي والسياسي‪ .‬فقد أكدت أبحاث أخرى وجود تيار كبير من فقهاء التقليد بالمغرب واألندلس في العصر المرابطي‪ ،‬كم ا‬
‫أكدت مواقف كثير من الفقهاء القضاة من الدولة المرابطي ة وهي تواج ه إعص ار الموح دين ب المغرب أك دت انته ازيتهم المطلق ة عن دما‬
‫أعلنوا انقالبهم عليها والتجاء بعضهم إلى التحالف مع النصارى في سبيل تحقيق طموحاتهم()‪ .‬ويع ز علين ا أن نختم البحث باالش ارة إلى‬
‫هذا االنحراف القيمي عند بعض الفقهاء‪ ،‬لنـذكر بنموذج من الفقـهاء المخلصين للمبادئ الـدينية والـشرعية الـسياسية أال وهـو القاضـي‬
‫عياض ‪.:‬‬
‫ببيلوغرافيا البحث‬
‫ادر‬ ‫المص‬
‫‪    •    ‬ابن األبار القضاعي‪ ،‬محمد بن عبد هللا (ت‪658‬ﮬ‪1210/‬م)‪ :‬التكملة لكتاب الصلة‪ ،‬تح ك وديرا وريب يرا‪ ،‬طبع ة مدري د ‪-1886 ،‬‬
‫‪ /1887‬طبعة القاهرة في جزءين ‪ ، 2-1‬تحقيق عزة العطار الحسيني‪ ،‬مكتبة الخ انجي‪ ،‬مص ر‪ /1955 ،‬طبع ة الق اهرة‪ ،‬تحقي ق إب راهيم‬
‫األبياري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪/ 1983 ،‬طبعة البيضاء في ‪4‬ج‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عبد السالم الهراس‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬البيضاء‪،‬‬
‫‪.1996‬‬
‫‪    •    ‬ابن األب ار‪ :‬المعجم في أص حاب القاض ي اإلم ام أبي علي الص دفي‪ ،‬دار ص ادر‪ ،‬ب يروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪    •    ‬ابن األب ار‪ :‬الحل ة الس يراء‪ ،‬ج‪ ،2‬تحقي ق د‪ .‬حس ين م ؤنس‪ ،‬الش ركة العربي ة للطباع ة‪ ،‬الق اهرة‪.1963 ،‬‬
‫‪    •    ‬ابن األحم ر‪ ،‬إس ماعيل‪ :‬بيوت ات ف اس الك برى‪ ،‬دار المنص ور للطباع ة والنش ر‪ ،‬الرب اط‪.1972 ،‬‬
‫‪     •    ‬ابن ابي زرع الفاسي‪ :‬األنيس المطرب بروض القرطا س في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬دار المنص ور للطباع ة‬
‫اط‪.1972 ،‬‬ ‫ة‪ ،‬الرب‬ ‫والوراق‬
‫‪    •    ‬ابن بش كوال‪ :‬كت اب الص لة‪ ،‬نش ر ع زت العط ار الحس يني‪ ،‬مكتب ة الخ انجي‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬ط‪.1994 ،2 .‬‬
‫‪    •    ‬ابن الكردبوس‪ :‬االكتفاء في أخبار الخلفاء‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد مختار العبادي‪ ،‬مجلة المعهد المص ري للدراس ات اإلس المية بمدري د‪،‬‬
‫‪.1966-1965‬‬ ‫د ‪،13‬‬ ‫المجل‬
‫‪     •    ‬ابن عياض‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن القاضي عياض اليحصبي‪ :‬التعريف بالقاضي عياض‪ ،‬تحقيق محمد بن شريفة‪ ،‬مطبعة فضالة‬
‫ة‪.1982 ،‬‬ ‫المحمدي‬
‫‪    •    ‬ابن الخطيب‪ ،‬لسان الدين‪ :‬أعم ال األعالم في من بوي ع قب ل االحتالل من مل وك اإلس الم‪ ،‬قس م األن دلس‪ ،‬نش ر ليفي بروفنس ال‬
‫المية‪.1956 ،‬‬ ‫بانيا اإلس‬ ‫اريخ إس‬ ‫وان‪ :‬ت‬ ‫بعن‬
‫‪    •    ‬ابن س عيد المغ ربي‪ :‬المغ رب في حلى المغ رب‪ ،‬تحقي ق د‪ .‬ش وقي ض يف‪ ،‬دار المع ارف‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬ط‪.1978 ،3 ،‬‬
‫‪    •    ‬ابن عطيـة المحاربي االندلسي‪ ،‬أبو محمد عبد الحق (ت‪541‬ﮬ)‪ :‬فهرس ابن عطية‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪-1980 ،‬‬
‫‪.1400‬‬
‫‪    •    ‬ابن طمل وس‪ ،‬اب و الحج اج يوس ف‪ :‬كت اب الم دخل لص ناعة المنط ق‪ ،‬المطبع ة األبيرق ة‪ ،‬مدري د‪.1916 ،‬‬
‫‪     •    ‬ابن فرحون‪ :‬الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب‪ ،‬تحقيق محمد األحم دي أب و الن ور‪ ،‬مكتب ة دار ال تراث‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬
‫‪.1972‬‬
‫‪    •    ‬ابن الزيات‪ ،‬أبو يعقوب يوسف بن يحيى النادلي(ت ‪617‬ﮬ)‪ :‬التشوف إلى رجال التصوف‪ ،‬تحقيق أحمد التوفيق‪ ،‬الرباط‪.1984 ،‬‬
‫‪    •    ‬ابن بشكوال‪ ،‬أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود الخ زرجي األنص اري القرط بي( ‪578-494‬ﮬ‪1183 -1100/‬م)‪ :‬كت اب‬
‫الص لة في ت اريخ أئم ة األن دلس وعلم ائهم ومح دثيهم وفقه ائهم وأدب ائهم‪ ،‬ال دار المص رية للت أليف والترجم ة‪ ،‬الق اهرة‪.1966 ،‬‬
‫‪     •    ‬ابن بلقين‪ ،‬عبد هللا‪ :‬كتاب التبيان لألمير عبد هللا بن بلقين آخر أمراء بني زيري بغرناطة‪ ،‬تحقيق أمين توفيق الطيبي‪ ،‬منشورات‬
‫اط‪.1995 ،‬‬ ‫اظ‪ ،‬الرب‬ ‫عك‬
‫‪    •    ‬ابن العريف‪ ،‬أبو العباس‪ :‬مفتاح السعادة وتحقي ق طري ق الس عادة‪ ،‬تحقي ق عص مت دن دش‪ ،‬دار الغ رب اإلس المي‪ ،‬الطبع ة ‪،1‬‬
‫‪.1993‬‬
‫‪     •    ‬ابن عبد الملك المراكشي‪ :‬الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة‪ ،‬س ‪ ،8‬ق‪ ،2‬تحقي ق محم د بن ش ريفة‪ ،‬منش ورات أكاديمي ة‬
‫اط‪.1984 ،‬‬ ‫ة‪ ،‬الرب‬ ‫المملك‬
‫‪     •    ‬ابن عذاري المراكشي‪ :‬البيان المغرب في أخبار ملوك األندلس والمغرب‪ ،‬ج ‪ ،4‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ب يروت‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪.1980‬‬ ‫‪،2‬‬
‫‪    •    ‬ابن خلك ان‪ ،‬ش مس ال دين‪ :‬وفي ات األعي ان وأنب اء أبن اء الزم ان‪ ،‬ج‪ ،7 .‬تحقي ق إحس ان عب اس‪ ،‬دار ص ادر‪ ،‬ب يروت‪.1994 ،‬‬
‫‪    •    ‬المرادي‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي‪ :‬السياسة أو االش ارة في ت دبير اإلم ارة‪ ،‬تق ديم المحق ق ال دكتور س امي النش ار‪،‬‬
‫اء‪.1981 ،‬‬ ‫البيض‬
‫‪     •    ‬المراكشي‪ ،‬عبد الواحد‪ :‬المعجب في تلخيص اخبار المغرب‪ ،‬تحقيق محمد سعيد العري ان ومحم د الع ربي العلمي‪ ،‬دار الكت اب‪،‬‬
‫ة ‪.1978.،7‬‬ ‫اء‪ ،‬الطبع‬ ‫دار البيض‬ ‫ال‬
‫‪    •    ‬المقري‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد شهاب ال دين التلمس اني‪ :‬أزه ار الري اض في أخب ار عي اض‪ ،‬ج ‪ ،3‬تحقي ق مص طفى الس قا‬
‫اط‪.1978 ،‬‬ ‫لبي‪ ،‬الرب‬ ‫ظش‬ ‫د الحفي‬ ‫اري وعب‬ ‫راهيم األبي‬ ‫وإب‬
‫‪     •    ‬اليحصبي‪ ،‬أبو الفضل القاضي عياض‪ :‬الغنية‪ ،‬فهرست شيوخ القاضي عياض ‪ ،1149-544/1083 -476‬تحقيق ماهر زه ير‬
‫‪.1402-1982‬‬ ‫يروت‪ ،‬ط‪،1 .‬‬ ‫المي‪ ،‬ب‬ ‫رب االس‬ ‫رار‪ ،‬دار الغ‬ ‫ج‬
‫‪    •    ‬اليحصبي‪ ،‬القاضي عياض‪ :‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعيان علم اء م ذهب مال ك‪ ،‬ج‪ ،.8‬تحقي ق س عيد أع راب‪،‬‬
‫وان‪.1983 ،‬‬ ‫بتط‬
‫‪    •    ‬الحميري‪ ،‬محمد بن عبد المنعم (ت ‪727‬ﮬ)‪ :‬الروض المعطار في خبر األقطار‪ ،‬تحقيق د‪ .‬احسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ .‬ببيروت‪،‬‬
‫‪.1975‬‬
‫‪     •    ‬مجهول‪ :‬الحلل الموشية في ذكر االخبار المراكشية‪ ،‬تحقيق سهيل زكار وعبد القادر زمامة‪ ،‬دار الرشاد الحديثة‪ ،‬ط‪.1979 ،1 .‬‬
‫‪    •    ‬النويري‪ :‬تاريخ المغرب اإلسالمي في العصر الوسيط‪ ،‬من كتاب‪ :‬نهاي ة األرب في فن ون األدب‪ ،‬تحقب ق مص طفى أب و ض يف‬
‫اء‪1985 ،‬‬ ‫دار البيض‬ ‫د‪ ،‬ال‬ ‫أحم‬
‫يروت ‪.1982‬‬ ‫يروت‪ ،‬ب‬ ‫ادر‪ ،‬ب‬ ‫اريخ‪ ،‬ج ‪ ،10‬دار ص‬ ‫ل في الت‬ ‫ير‪ ،‬الكام‬ ‫‪ ‬ابن األث‬ ‫‪  • ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪     •    ‬ابن خاقان‪ ،‬أبو نصر الفتح‪ :‬قالئد العقيان في محاسن األعيان‪ ،‬قدم له ووضع فهارسه محمد العن ابي‪ ،‬ت ونس‪ /1966 ،‬تحقي ق د‪.‬‬
‫ة‪.‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫ير محقق‬ ‫رى غ‬ ‫ة أخ‬ ‫ار‪ ،‬األردن‪ /1989 ،‬طبع‬ ‫ة المن‬ ‫وش‪ ،‬مكتب‬ ‫ف خرب‬ ‫ين يوس‬ ‫حس‬
‫ع الحديثة‬ ‫المراج‬
‫‪     •    ‬ابن إبراهيم المراكشي‪ ،‬العباس‪ :‬اإلعالم بمن حل مراكش وأغمات من االعالم‪ ،‬ج ‪ ،4‬مراجعة عبد الوهاب بن منصور‪ ،‬المطبعة‬
‫اط‪.1993-1413 ،‬‬ ‫ة‪ ،‬الرب‬ ‫الملكي‬
‫‪    •    ‬ابن بيه‪ ،‬محمد محمود عبد هللا‪ :‬األث ر السياس ي للعلم اء في عص ر الم رابطين‪ ،‬دار األن دلس الخض راء للنش ر والتوزي ع‪ ،‬ج دة‬
‫ة األولى‪.2000 ،‬‬ ‫ان‪ ،‬الطبع‬ ‫يروت لبن‬ ‫ع‪ ،‬ب‬ ‫ر والتوزي‬ ‫ة والنش‬ ‫زم للطباع‬ ‫عودية‪ ،‬ودار ابن ح‬ ‫الس‬
‫‪    •    ‬ابن عب ود‪ ،‬امحم د‪ :‬الت اريخ السياس ي واالجتم اعي إلش بيلية في عه د دول الطوائ ف‪ ،‬تط وان‪.1983 ،‬‬
‫‪    •    ‬ابن عب ود‪ ،‬امحم د‪ :‬ج وانب من الواق ع األندلس ي في األن دلس في الق رن الخ امس الهج ري‪ ،‬تط وان‪.1987 ،‬‬
‫‪     •    ‬أحمد محمود‪ ،‬حسن‪ :‬قيام دولة المرابطين صفحة مشرقة من تاريخ المغرب في العصور الوسطى‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪.1996‬‬ ‫‪،2‬‬
‫‪    •    ‬عباس الجراري‪" :‬قضايا مرابطية في منظ ور بعض المستش رقين"‪ ،‬ض من‪ :‬المغ رب في الدراس ات االستش راقية‪ ،‬مطبوع ات‬
‫اط‪.1995 ،‬‬ ‫ة‪ ،‬الرب‬ ‫ة المغربي‬ ‫ة المملك‬ ‫أكاديمي‬
‫ر‪.1974 ،‬‬ ‫ة ج ‪ ،2‬الجزائ‬ ‫ربي الكالمي‬ ‫ر بن الع‬ ‫البي‪ ،‬آراء أبي بك‬ ‫ار الط‬ ‫‪ ‬عم‬ ‫‪  • ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    •    ‬عزاوي‪ ،‬أحمد‪ :‬رس ائل موحدي ة مجموع ة جدي دة‪ ،‬تحقي ق ودراس ة أحم د ع زاوي‪ ،‬منش ورات كلي ة االداب والعل وم االنس انية‬
‫‪.1995‬‬ ‫دة‪ ،‬ط‪،1.‬‬ ‫اح الجدي‬ ‫ة النج‬ ‫ائق رقم‪ ،2‬مطبع‬ ‫وص ووث‬ ‫لة‪ :‬نص‬ ‫القنيطرة سلس‬ ‫ب‬
‫‪     •    ‬دندش‪ ،‬عصمت‪ :‬األندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحدين‪ ،‬عصر الطوائف الثاني ‪510‬ﮬ‪546 :‬ﮬ‪1116/‬م‪1151:‬م تاريخ‬
‫‪.1988‬‬ ‫‪،1408‬‬ ‫يروت‪ ،‬ط‪،1.‬‬ ‫المي ب‬ ‫رب االس‬ ‫ارة‪ ،‬دار الغ‬ ‫ي وحض‬ ‫سياس‬
‫‪    •    ‬دوزي‪ ،‬رينهرت‪ :‬المسلمون في االندلس‪ ،‬ترجمة د‪.‬حسن حبشي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،1995 ،‬ج‪ ،3.‬ص‪161.‬؛ انخل‬
‫جنث الت بالنثي ا‪ ،‬ت اريخ الفك ر األندلس ي‪ ،‬ترجم ة د‪ .‬حس ين م ؤنس‪ ،‬ط‪ ،1.‬مكتب ة النهض ة المص رية للق اهرة‪.1955 ،‬‬
‫‪     •    ‬بل‪ ،‬ألفرد‪ :‬الفرق اإلسالمية في الشمال اإلفريقي من الفتح العربي حتى اليوم‪ ،‬ترجمة عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار الغرب االسالمي‪،‬‬
‫‪.1987‬‬ ‫ط‪،3.‬‬
‫‪     •    ‬عنان‪ ،‬محمد عبد هللا‪ :‬عصر المرابطين والموحدين في المغرب واألندلس (القسم الثاني)‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪،‬‬
‫اهرة‪.1964 ،‬‬ ‫الق‬
‫ر‪.1960 ،‬‬ ‫ارف‪ ،‬مص‬ ‫ي‪ ،‬دار المع‬ ‫ودت‪ :‬في االدب االندلس‬ ‫‪ ‬الركـابي‪ ،‬ج‬ ‫‪  • ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    •    ‬النجار‪ ،‬عبد المجيد‪ :‬المهدي بن تومرت أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا المغربي السوسي المتوفى سنة‪524‬ﮬ‪ 1129/‬حياته وآراؤه‬
‫‪.1403-1983‬‬ ‫وثورت ه الفكري ة واالجتماعي ة وأث ره ب المغرب‪ ،‬دار الغ رب االس المي‪ ،‬ب يروت‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪    •    ‬الع روي‪ ،‬عب د هللا‪ :‬مجم ل ت اريخ المغ رب‪ ،‬ج ‪ ،2‬المرك ز الثق افي الع ربي‪ ،‬ال دار البيض اء‪ -‬ب يروت‪ ،‬ط‪.1994 ،1.‬‬
‫‪     •    ‬القادري بوتشيش‪ ،‬إبراهيم‪ :‬أثر اإلنقطاع في تاريخ األندلس السياسي من منتصف الق رن الث الث الهج ري ح تى ظه ور الخالف ة‬
‫‪.1992‬‬ ‫عكاظ‪،‬‬ ‫منشورات‬ ‫‪316-250‬ﻫ‪،‬‬
‫‪    •    ‬الناص ري‪ ،‬أحم د بن خال د‪ :‬االستقص ا ألخب ار دول المغ رب االقص ى‪ ،‬ج ‪ ،.2‬ال دار البيض اء‪.1954 ،‬‬
‫‪    •    ‬حرك ات‪ ،‬إب راهيم‪ :‬النظ ام السياس ي والح ربي في عه د الم رابطين‪ ،‬منش ورات مكتب ة الوح دة العربي ة‪ ،‬البيض اء‪ ،‬د‪.‬ت‪.،‬‬
‫‪    •    ‬بنس باع‪ ،‬مص طفى‪ :‬الس لطة بين التس نن و"التش يع" والتص وف م ا بين عص ري الم رابطين والموح دين‪ ،‬تط وان‪.1999 ،‬‬
‫‪ ‬ش عيرة‪ ،‬محم د عب د اله ادي‪ :‬المرابط ون ت اريخهم السياس ي‪ ،‬ط ‪ ،1‬الق اهرة‪.1969 ،‬‬ ‫‪  • ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    •    ‬دندش‪ ،‬عصمت‪ :‬دور المرابطين في نشر االسالم في غرب إفريقيا ‪515-430‬ﻫ ‪1121-1038‬م مع نش ر وتحقي ق رس ائل أبي‬
‫يروت‪.1988 ،‬‬ ‫المي‪ ،‬ب‬ ‫رب اإلس‬ ‫ربي‪ ،‬ط‪ ،1 .‬دار الغ‬ ‫ر بن الع‬ ‫بك‬
‫‪     •    ‬مكي‪ ،‬محمود علي‪ :‬وثائق تاريخية جديدة عن عصر المرابطين‪ ،‬صحيفة المعهد المص ري للدراس ات اإلس المية بمدري د‪ ،‬م‪،7.‬‬
‫‪.1959‬‬
‫‪     •    ‬مكي‪ ،‬محمود علي‪ :‬وثائق تاريخية جديدة عن عصر المرابطين (الرسالة التاسعة) صحيفة المعهد المصري للدراسات اإلسالمية‬
‫‪.1959‬‬ ‫د‪ ،‬م‪،7.‬‬ ‫بمدري‬
‫‪    •    ‬سالم‪ ،‬السيد عبد العزيز‪ :‬تاريخ مدينة ألمرية قاعدة أس طول األن دلس‪ ،‬نش ر مؤسس ة ش باب الجامع ة للطباع ة والنش ر‪.1984 ،‬‬
‫‪     •    ‬مؤنس‪ ،‬حسين‪ :‬سبع وثائق جديدة عن الدولة المرابطين وأيامهم في األندلس‪ ،‬صحيفة المعهد المصري للدراس ات اإلس المية في‬
‫‪.1954-1373‬‬ ‫د‪ ،‬ع ‪ .2-1‬م ‪،2‬‬ ‫مدري‬
‫‪     •    ‬عنان‪ ،‬محمد عبد هللا‪ :‬عصر المرابطين والموحدين في المغرب واألندلس‪( ،‬القسم األول‪ ،‬الكتاب الثالث)‪ .‬ط‪ ،1 .‬القاهرة‪.1964 .‬‬
‫‪    •    ‬م ؤنس‪ ،‬حس ين‪ :‬ش يوخ العص ر في االن دلس‪ ،‬ال دار المص رية للت أليف والترجم ة‪ ،‬الق اهرة‪ ،1965 ،‬ص‪.26 .‬‬
‫‪    •    ‬الج ابري‪ ،‬محم د عاب د‪ :‬ابن رش د س يرة وفك ر‪ ،‬مرك ز دراس ات الوح دة العربي ة‪ ،‬ط‪ ،1 .‬ب يروت ‪.1998‬‬
‫‪     •    ‬المغراوي‪ ،‬محمد‪ :‬مساهمة في دراسة النظم بالغرب اإلسالمي‪ :‬خطة القضاء بالمغرب في الدولة الموحدية ‪668-515‬ﻫ‪-1121/‬‬
‫اط‪.1987 ،‬‬ ‫ة اآلداب الرب‬ ‫بر‪ ،‬كلي‬ ‫د زني‬ ‫راف د‪ .‬محم‬ ‫‪1269‬م‪ ،‬إش‬
‫‪    •    ‬أع راب‪ ،‬س عيد‪ :‬م ع القاض ي أبي بك ر بن الع ربي‪ ،‬دار الفك ر اإلس المي‪ ،‬ب يروت ط ‪.1987 ،1‬‬
‫‪    •    ‬أوملي ل‪ ،‬علي‪ :‬الس لطة الثقافي ة والس لطة السياس ية‪ ،‬مرك ز دراس ات الوح دة العربي ة‪ ،‬ب يروت‪ ،‬ط‪.1996 ،1.‬‬
‫‪     •    ‬المنوني‪ ،‬محمد‪" :‬إحياء علوم الدين في منظور الغرب اإلسالمي أيام المرابطين والموحدين"‪ ،‬ضمن‪ :‬أبو حامد الغزالي دراسات‬
‫في فك ره وعص ره وت اثيره‪ ،‬منش ورات كلي ة اآلداب بالرب اط‪ ،‬سلس لة‪ ،‬ن دوات ومن اظرات رقم ‪.1988 ،9‬‬
‫‪     •    ‬مؤنس‪ ،‬حسين‪ :‬نصوص سياسية عن فترة االنتقال من المرابطين إلى الموحدين‪ ،‬مجلة المعهد المصري للدراسات اإلسالمية‪ ،‬ع‬
‫‪.1955-3/1374‬‬
‫‪     •    ‬القبلي‪ ،‬محمد‪" :‬رمز اإلحياء وقضية الحكم في المغرب الوسيط"ضمن‪ :‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬دراسات في فكره وعصره وت أثيره‪،‬‬
‫‪.1988‬‬ ‫اظرات رقم ‪،9‬‬ ‫دوات ومن‬ ‫لة ن‬ ‫اط‪ ،‬سلس‬ ‫ة اآلداب بالرب‬ ‫ورات كلي‬ ‫منش‬
‫‪    •    ‬النجار‪ ،‬عبد المجيد‪ :‬المهدي بن تومرت أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا المغربي السوسي المتوفى سنة‪524‬ﮬ‪ 1129/‬حياته وآراؤه‬
‫‪.1403-1983‬‬ ‫وثورت ه الفكري ة واالجتماعي ة وأث ره ب المغرب‪ ،‬دار الغ رب االس المي‪ ،‬ب يروت‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪    •    ‬النج ار‪ ،‬عب د المجي د‪ :‬فق ه اإلص الحيين التربي ة السياس ية (ابن الع ربي وابن ت ومرت نموذج ا)‪ ،‬ط ‪ ،1‬الرب اط‪.1997 ،‬‬
‫‪    •    ‬ب دوي‪ ،‬عب د ال رحمن‪ :‬مؤلف ات الغ زالي‪ ،‬وكال ة المطبوع ات‪ ،‬الك ويت‪ ،‬الطبع ة الثاني ة‪.1977 ،‬‬
‫‪    •    ‬حم دي‪ ،‬عب د المنعم‪ :‬ت اريخ المغ رب واألن دلس في عص ر الم رابطين‪ ،‬اإلس كندرية‪.1987 ،‬‬
‫‪    •    ‬الت ازي‪ ،‬عب د اله ادي‪ :‬القاض ي عي اض بين العلم والسياس ة‪ ،‬ض من مجل ة المناه ل‪ ،‬ع ‪.19‬‬
‫‪.G. Marçais، La Berbérie musulmane et l'Orient au moyen âge ، Paris، 1946     •    ‬‬
‫‪E. LEVI- PROVENÇAL، Reflexions sur l’Empire Almoravide au debut du XII Siècle، Faculté     •    ‬‬
‫‪.d’Alger،‬‬ ‫‪1932‬‬
‫‪.R. Dozy، Histoire des Musulmans d’Espagne، Leyden، 1932، T. 3     •    ‬‬
‫‪DOMINIQUE URVOY; le Monde des Ulémas Andalous، Genève، 197    •    ‬‬

You might also like