Professional Documents
Culture Documents
إشكالية الموضوع
قامت الدولة المرابطية على أساس جهود ثلة من فقهاء المالكي ة ب الغرب اإلس المي ،فهم ال ذين نظ روا لمش روعها اإلص الحي ،ومه دوا
السبل لتحقيق ه على مس رح الت اريخ .ويتعل ق األم ر بالجي ل األول من الفقه اء الم رابطين ،بقي ادة أبي عم ران الفاس ي ،ووج اج بن زل و
اللمطي ،وعبد هللا بن ياسين() .ثم انخ رطت األجي ال الالحق ة من الفقه اء في ه ذا المش روع ،فمكن وا الدول ة من االرتق اء في س لم الق وة
والنفوذ ،فتحققق لها بذلك توحيد المغرب واألندلس ،واالنتقال من دائرة المحلية إلى دائرة اإلقليمية في إطار الخالفة اإلسالمية الس نية().
ذلك ،أن وظيفة الفقهاء في الدولة المرابطية لم تقتصر على المستوى الديني ،بل امتدت إلى ما هو أشمل من ذلك ،من خالل إس هامهم في
تدبير شؤون الدولة إلى جانب شركائهم في السلطة من أمراء وقادة عسكريين ،حيث اضطلعوا بوظائف ومهام سياسية وإدارية وقض ائية
سامية في الدولة ،كما ارتبطوا بخدمة المجتمع بشكل وثيق من خالل وظائفهم الديني ة والتربوي ة .وق د تمكن ه ؤالء الفقه اء على اختالف
أجيالهم وفق منطق التراكم اإليجابي من بناء مغ رب إس المي جدي د ،من خالل ص ياغة هويت ه اإلس المية الس نية بالقض اء على الخالف
المذهبي واالنحراف الديني ،وذلك موازاة مع التوحيد السياسي الذي نقل المغرب من مرحلة الطائفي ة المتمثل ة في تع دد الكيان ات القبلي ة
إلى مرحل ة الوح دة واالس تقرار في إط ار الدول ة المركزي ة بمختل ف مقوماته ا المادي ة والروحي ة.
ولعل اضطالع الفقهاء المرابطين بهذه الوظائف السامية خدم ة للدول ة والمجتم ع ،ق د أكس بهم مكان ة متم يزة في الس لم اإلداري واله رم
االجتماعي ،مما عرضهم لحمالت من النقد الشديد من طرف فئ ة واس عة من أه ل القلم من معاص ريهم ومن الالحقين عليهم من الفقه اء
واألدباء والشعراء والمؤرخين ،الذين تصدوا ـ كل من موقعه ـ لمهاجمة الفقهاء وتسويد صورتهم السياسية واالجتماعية ،وتسفيه مواقفهم
الفكرية والدينية ،مما يجعل هذا الموضوع جديرا بالمساءلة التاريخية .لذا ،يتطلع هذا البحث إلى تش ريح ه ذه اإلش كالية ،ومحاول ة تق ييم
ف(). ذه المواق ه
وقد تراوحت التهم الموجهة إلى الفقهاء المرابطين ما بين التهم العقدية والفقهية ،والتهم السياسية واالجتماعية .فتم نعتهم بأقصى درج ات
التزمت الديني والفقهي ،واالنتهازية السياسية واالجتماعية .ووصل األمر إلى حد الطعن في عقيدتهم بإعالن تكفيرهم من طرف البعض.
ف: ك المواق ة لتل ة العام ا يلي الخطاط وفيم
ية ة وسياس ة وديني ادات علمي اء :انتق ة من الفقه رف فئ ادات من ط أ ــ انتق
ديني ير ال ي والتكف د السياس ومرت بين النق ابن ت
لم ا ك ان ابن ت ومرت زعيم ث ورة تس تهدف اإلطاح ة بالدول ة المرابطي ة وإقام ة دول ة جدي دة على أنقاض ها ،هي دول ة أه ل التوحي د أو
الموحدين ،ولما كان الفقهاء هم أصحاب القرار وهم المؤهلون لمواجهة مشروعه الفكري والسياسي ،فقد وجه سهامه النقدي ة إلى الفقه اء
ات: ك االتهام ا يلي أهم تل رابطين .وفيم ام الم اس ،ومن خاللهم للحك ة األس بالدرج
-استغالل الدين من أجل كسب الدنيا :اتهم ابن تومرت الفقهاء المرابطين باستغالل تكوينهم الديني لتحقيق المصالح الدنيوية .ففي رسالته
إلى أنصاره الموحدين() ،يعلن ابن تومرت الحرب على ثالثة طوائف وهي :البرابر المفسدين ،والملبسين من الطلبة المكارين ،وغ يرهم
من أولياء الشياطين وأعوان الكفرة الملثمين ،حيث يقول" :فهذه الطوائف الثالثة الذين شمروا وتجردوا له دم ال دين وإماتت ه ،أع ني أه ل
التجسيم الملثمين والبرابر المفسدين والمكارين الملبسين من الطلبة وهم شر الثالثة تسموا باسم العلم ،ونس بوا أنفس هم إلى الس نة وتزين وا
بالفقه والدين ،وتعلقوا بالكفرة ،وانحازوا إلى جنبهم ،واستفرغوا مجهودهم في معونتهم وفي طلب مرضاتهم ،لما رأوا ال دنيا في جنبتهم،
اطلهم.)(" ... انوهم على ب ورهم ،وأع وا دينهم وراء ظه وترك
-شرعنة سلطة المرابطين "الكفار" والتعلق بهم :لم يتردد ابن تومرت في تكفير الم رابطين وفقه ائهم ،باعتب ارهم هم ال ذين ش رعوا لهم
طاعة المسلمين ،فجعلوا"طاعتهم الزمة ،واالنقياد إليهم واجب " ،رغم علمهم بخروجهم عن السبيل ،فقالوا لهم" :عليكم الس مع والطاع ة
ه.)("... روكم ب ا أم لم في ك
-تبغيض أهل التوحيد :لم يكتف الفقهاء في نظر ابن تومرت بشرعنة سلطة المرابطين ،بل قاموا أيضا بتبغيض أنصاره "أه ل التوحي د"
عند عموم المسلمين ،بتشويه صورتهم ،وترويج األكاذيب ضدهم ،مثل الق ول بتكف ير ابن ت ومرت للمس لمين وامتناع ه عن الص الة على
أهل القبلة وإشاعة الفساد؛ في حين كان ابن تومرت يعتبر أن ما كان يدعو الناس إلي ه ه و الح ق بعين ه ،وأن م ا ك ان ي دعو إلي ه الفقه اء
المرابط ون ه و الض الل() .ل ذلك ،حم ل ابن ت ومرت الفقه اء الم رابطين مس ؤولية االنح راف السياس ي واالجتم اعي وال ديني للدول ة
المرابطية ،فجعل الجهاد في حقههم واجبا شرعيا ،حيث يقول" :فمن قتل من المجسمين والمفسدين فهو في النار ومن قت ل من الموح دين
هيد")(. وش دين فه المجاه
ام الفقهية ع في األحك د والتفري تي التقلي ولي لنزع د أص ربي :نق ربن الع و بك أب
انتقد أبو بكر بن العربي بشدة نزعة التقليد عند فقهاء عصره من المالكية األندلس يين ،وهي ظ اهرة لم تكن ـ حس ب ابن الع ربي ـ ولي دة
العصر المرابطي ،بل متجذرة في األندلس منذ عهد األم ويين ،حيث أل زم الفقه اء المالكي ة الن اس العم ل بم ذهب مال ك" ،فص ار التقلي د
دينهم ،واالقتداء يقينهم"() .لكن الخطير في األمر حسب ابن العربي ،هو استغالل فقهاء التقلي د عالقتهم بالس لطة الحاكم ة لمناهض ة ك ل
حركة فكرية تجديدية أو تأصيلية ،حيث كانوا "كلما جاء أح د من أه ل المش رق بعلم دفع وا في ص دره ،وحق روا من أم ره إال أن يس تتر
عندهم بالمالكية ،ويجعل ما عندهم من علوم على رسم التبعية"() .فترتب عن ذلك اضطراب خطير لحركة االجتهاد ،وتك ريس لنزع تي
التقليد والتفريع عند عموم الفقهاء ،مما "جعل الخلف منهم يتبع الس لف ،ح تى آلت الح ال إلى النظ ر في ق ول مال ك وأك بر أص حابه")(.
اعي ترقي االجتم ل ال ه من أج ف الفق عراء :توظي اء والش ادات األدب ب ــ انتق
من الصيغ النقدية المتوارثة في هذا الموضوع ما قاله الشاعر األندلس ي أب و جعف ر ابن الب ني -ابن األبيض -في أبي ات ش عرية ن الت من
الش هرة م ا جعله ا على لس ان ك ل دارس لت اريخ الم رابطين وفقه اء األن دلس ،حيث يق ول():
ْب الـدواب بأشهـب أهل الرياء لبستمو ناموسـكـم فملكتمو الدنيا بمذهب مالــك وركبتمو ُشه َ
كال ذئب أدلج في الظالم العـاتـم وقس متمو األم وال ب ابن القاسـم وبأص بغ ص بغت لكم فـي العــالـم
ثم أض اف بش كل ص ريح يهج و أب ا عب د هللا محم د بن حم دين ،قاض ي قرطب ة ،فق ال في حق ه:
أدجَّال هذا أوانُ الخروج يريد ابن حمدين أن يعتفي إذا سـئـل العرْ فَ َحـ َّ
ك اسْـــتَـــهُ
وي ا ش مس ل وحي من المغ رب وج دواه أن أى من الك وكب لي ُْـثبـِـتَ دعــواه فــي تـغــلـــ ِ
ب
كم ا تع رض الفقه اء للنق د والهج اء من ط رف ش عراء آخ رين مث ل ابن خفاج ة ال ذي يق ول في حقهم():
درسوا العلوم ليملكوا بجد الهم وتـزهـدوا حـتـى أصابـوا فـرصـــة
الس فـي أخـذ مـال مـساجد وكـنائـس راتب ومج دور م اص فيه
افر بين العلم والعمل وفية :التن اد والص ادات الزه ج ــ انتق
انتقدت ثلة من الزهاد والصوفية فقهاء المرابطين متهمين إياهم باالنحراف السلوكي عن أخالق العلماء ،حيث اتهموهم بالفصل بين الفق ه
والورع ،أو بين العلم والعمل .كما انتقدوهم أيضا لنزوعهم نحو التقليد في الفقه ،باعتباره من المذاهب المذمومة() .إال أن خصوصية نق د
الصوفية للفقهاء كان على المستوى السلوكي األخالقي .فقد انتقد أبو العباس بن العريف ،مثال ،فقهاء عص ره وخاص ة المف تين منهم ،من
خالل جدلية الفقه والورع ،حيث يقول" :فالفقيه على الحقيقة الذي يسمى عامال هو الذي يوافق ِعلُمه َع َمله ،فإذا أفتى غيره أفتى بأق ل م ا
يقدر عليه ،ألنه هو من جهة يقينه فيما يشغل ذمة غيره ،وإذا َع ِم َل ،عمل بأكثر مما يقدر عليه ،ألن ه ه و جه ة يقين ه فيم ا ت برأ ب ه ذمت ه.
وهذا هو الجمع بين الفقه والورع في حق المفتي ،فأما السائل إذا سمع الفتوى بأق ل مم ا يش غل ذمت ه فعم ل ب أكثر م ا يش غل ذمت ه لليقين
بالبراءة ،فهو الجمع بين الفقه والورع في حق المستفتي وال يحصل اليقين في الدين للعمال في براءة الذمم إال بجم ع ال ورع والفق ه ،وق د
ذلك"(). دين ب عف ال ل اليقين وض ه وال ورع ،فبط ق على الفق ثر الخل ر أك اقتص
ولذلك ،لم يتردد في وصف هذا الصنف من العلماء بكونهم "علماء السوء وكبراء أهل الدنيا المغترين به ا في جم ع األم وال والج اه"().
وهؤالء حسب ابن العريف "لم يتواضعوا بالذهب في الدنيا ،وال خشعت جباههم ذال بحقائق اإليم ان ،وال تج افت جن وبهم عن المض اجع
في طلب األم ان ،وال نص بت ظه ورهم في الرك وع والس جود بين ي دي المل ك المعب ود ،ون اموا واتك أوا بجن وبهم على اللين من أن واع
الملبوس ،إيثارا لراحة النفوس عمال متماديا ،واعتمدوا بظهورهم على صدور المجالس زهوا على الخواطر المجالس ،ظ اهرا بادي ا"().
د ــ انتق ادات الم ؤرخين الق دامى والمعاص رين :انتق ادات ش املة م ؤطرة بخلفي ات إيديولوجي ة مختلفة
يعتبر عبد الواحد المراكشي صاحب كتاب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" بمثاب ة المص در األص ل لك ل االنتق ادات ال تي وجهه ا
المؤرخون القدامى والمحدثون ،ليس فقط للفقهاء المرابطين ،بل للدولة المرابطية ككل .لقد ق رر المراكش ي من ذ ح والي 621ﻫ ـ تاريخ
انتهائ ه من ت أليف المعجب ـ جمل ة من الص فات له ؤالء الفقه اء ،ظلت عن اوين ب ارزة للعص ر الم رابطي ،ت تردد أص داؤها في معظم
الدراس ات التاريخي ة القديم ة والحديث ة ،ح تى أص بحت بمثاب ة حق ائق تاريخي ة ثابت ة غ ير قابل ة ألي نق اش.
وفي هذا اإلطار ،يقول عن حال الفقهاء في عهد األمير علي بن يوسف بن تاشفين(537-500ﮬ)" :واشتد إيثاره ألهل الفقه والدين ،وكان
ُث حكوم ة في ال يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء؛ فكان إذا ولى أحدا من قضاته كان فيما يعهد إليه أال يقطع أم را وال يَب َّ
صغير من األمور وال كبير إال بمحضر أربعة من الفقهاء؛ فبلغ الفقهاء في أيام ه مبلغ ا عظيم ا لم يبلغ وا مثل ه في الص در األول من فتح
األندلس .ولم يزل الفقهاء على ذلك ،وأمور المسلمين راجعة إليهم ،وأحكامهم صغيرها وكبيرها موقوف ة عليهم ،ط ول مدت ه؛ فعظم أم ر
بهم…"(). عت مكاس والهم ،واتس ذلك أم ثرت ل اس إليهم ،فك وه الن رفت وج اء… وانص الفقه
؛ فلم يكن أحد من مشاهير أهل ذلك الزمان يعتني بهما كامل االعتناء ،ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخ وض في ش يء
من علوم الكالم؛ وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيح علم الكالم وكراهة السلف له وهجرهم من ظهر عليه شيء من ه ،وأن ه بدع ة في
الدين وربما أدى أكثره إلى اختالل في العقائد ،في أشباه لهذه األقوال ،حتى استحكم في نفسه بُغض علم الكالم وأهله ،فكان يكتب عنه في
كل وقت إلى البالد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه ،وتوعُّد من ُو ِج َد عن ده ش يء من كتب ه؛ ولم ا دخلت كتب أبي حام د الغ زالي :
المغرب ،أمر أمير المسلمين بإحراقها ،وتقدم بالوعيد الشديد ،من سفك الدم واستئصال المال ،إلى من وجد عنده شيء منها؛ واشتد األمر
في ذلك"().كما يقول في نص آخر حول نفس الموضوع" :ولم يكن يقرب من أم ير المس لمين ويحظى عن ده إال من َع ِل َم ِع ْلم الف روع،
أعني فروع مذهب مالك ،فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعُمل بمقتضاها ونُ ِب َذ ما سواها ،وكثر ذلك حتى نسي النظ ر في كت اب هللا
ول هللا ديث رس وح
وقد تلقف الدارسون المعاصرون وخاص ة المستش رقين ه ذه االنتق ادات ،وروج وا له ا في كتاب اتهم عن الدول ة المرابطي ة وعن فقهائه ا
بالخصوص .ومن أبرز هؤالء المستشرقين رينهارت دوزي وألفرد بل() وجورج مارصي() ،وغيرهم كثير .وقد جمع بين ه ؤالء قاس م
مشترك هو تصويرهم السوداوي للدولة المرابطية ،باعتبارها دولة بربرية ال عه د له ا بالحض ارة بمختل ف معالمه ا المادي ة والمعنوي ة،
وتحميلهم المسؤولية الكبرى للفقهاء المرابطين ،حيث اتهموهم باالستئثار بالمكاسب المادي ة والمعنوي ة من س لطة وث روة ،باإلض افة إلى
اتهامهم بالتعصب الفكري والجمود ومحاربة االجتهاد والتجديد ومعاداة التيارات الفكري ة العقالني ة وأنص ارها .وفي ه ذا الص دد ،يق ول
دوزي" :لقد جاوز تعصب الفقهاء كل حد ،وكان أفق تفكيرهم شديد الضيق ،هذا إلى قلة إلمامهم ب القرآن واألح اديث النبوي ة ،فلم يأخ ذوا
أنفسهم بالتعمق إال في دراسة ما كتبه تالميذ مالك بن أنس الذين عدوهم أئمة معصومين ،وال يجوز ألحد أن يخرج عما وض عوه ،وك ان
إلمامهم -والحق يقال -بالشريعة إلماما دقيقا .ولم تجد نفعا تلك المحاوالت التي ق ام به ا جماع ة من مس تنيري الفقه اء للح د من أفك ارهم،
فكان ردهم عليهم أن أخذوا في اضطهادهم واعتبرهم الناس زنادقة وكفرة مرت دين"() .ويق ول أيض ا موض حا نف وذ الفقه اءعلى حس اب
غيرهم من أهل القلم" :كان الفقهاء يجنون الثمار التي كانوا وع دوا أنفس هم به ا من االحتالل الم رابطي ،وربم ا ك ان م ا حص دوه يف وق
الهم")(. آم
وس ار كث ير من الم ؤرخين الع رب على نفس النهج ،حيث ص وروا الحي اة الفكري ة على نفس الص ورة ال تي رس مها المراكش ي من
القدامى() .يقول عبد هللا العروي" :كان الحزب الموالي للمرابطين يمثل أقلية ،وربم ا أقلي ة محتق رة ومهان ة من قب ل ،فتص رفت بعدئ ذ،
وباستمرار تصرف األقلية المطوقة والمشفقة على نفوذها ومنزلتها المتميزة ،فأعلنت حربا ال هوادة فيها على الخصوم والمنافسين ح تى
ولو لم يختلفوا عنهم إال في الحرص على السبك والتحرير وتنظيم المقاالت كالشافعيين .وال ش ك أن ه ذا ك ان ال دافع الحقيقي لتب ديع أبي
حامد الغزالي"() .وكانت النتيجة ،حسب العروي ،هي أن انتهى األم ر به ؤالء الفقه اء إلى الجم ود المطل ق والعج ز الت ام عن االجته اد
والتجدي د ،ل ذلك ظل وا منع زلين ومع زولين ،ولم يس تطيعوا اس تمالة ال النس اك وال المتكلمين أو أص حاب ال رأي واالجته اد().
من خالل هذه النصوص ،يتبين أن منظومة النقد الموجهة للفقهاء المرابطين متكاملة وش املة ،وهي مؤسس ة على عنص رين م ترابطين:
-التكوين الفكري للفقهاء :وهو تكوين تمثل في اإللمام بالفروع في إطار المذهب المالكي واالبتعاد عن األصول أي الكتاب والس نة .ومن
ثم وقع التمكين للفقه على حساب أصول الفقه وما يرتبط بها من آليات االجتهاد ،كما انعكس التشبث الحرفي بالمذهب الم الكي س لبا على
علوم العقل والنظر والجدل ،فاستهدفت علوم الكالم والفلسفة والمنط ق والتص وف والش عر واألدب .ف انعكس ك ل ذل ك س لبا على مج ال
التش ريع ،فتك رس التقلي د ونب ذ االجته اد والتجدي د والتأص يل ،وس اد الجم ود واالنحط اط في الحي اة الفكري ة.
-النفوذ السياسي واالجتماعي للفقهاء في الدولة المرابطية :بفضل تكوينهم الفقهي تمكن الفقهاء من االس تئثار بالس لطة وال ثروة والمكان ة
االجتماعي ة على حس اب غ يرهم من أص حاب القلم ،وعلى حس اب الس لطة نفس ها ال تي لم تع د ق ادرة على االس تغناء عنهم في أي وقت
اء والتهميش. يق واإلقص عر بالض ات تش اقي الفئ لب ا جع وحين ،مم
هذه مستويات وعناصر اإلشكالية كما تجلت لنا من خالل تلك الخطاطة العامة التجاهات النق د والمعارض ة لفقه اء الم رابطين .وب النظر
لتعدد األطراف المساهمة في بناء تلك األطروحات النقدية ضد فقهاء المذهب المالكي في العصر الم رابطي ،وب النظر الختالف المواق ع
والخلفيات التاريخية والفكري ة والسياس ية ألص حابها ،إذ هن اك الخص م الت اريخي للم رابطين وفقه ائهم (ابن ت ومرت) ،وهن اك الخص م
الفكري للفقهاء (المتصوفة والش عراء) ،وهن اك الخص م الحض اري ممثال في طائف ة من المستش رقين ،وهن اك ـ ربم ا ـ من ك ان ينش د
ة. ا كامل ز عن التقاطه ا وعج يبا منه ط نص ا أو التق ة ولم يلتقطه وعية التاريخي الموض
ب النظر لك ل ه ذه االختالف ات ،وفي خض مها ،ومن أج ل تش ريح المكان ة السياس ية واالجتماعي ة للفقه اء في الدول ة المرابطي ة نط رح
ة: اؤالت التالي التس
-م ا هي ح دود النف وذ السياس ي لفقه اء المالكي ة في الدول ة المرابطي ة؟ إلى أي م دى تمكن الفقه اء
المالكيون من تشكيل"طبقة اجتماعية" نافذة في الدولة والمجتمع ،موحدة األهداف والمصالح؟ ما مدى مصداقية الق ول باس تغالل الفقه اء
لثقافتهم الشرعية والفقهية على الخصوص لتحقيق المصالح الدنيوية ،من مال وجاه ومناصب سياسية وإدارية..؟
-إلى أي مدى عملت الدولة المرابطية على إقصاء سائر المفكرين والمثقفين ـ باستثناء الفقه اء المالكي ة ـ من المش اركة في إدارة الش أن
ع؟ ة والمجتم ام للدول الع
-إذا سلمنا ،جدال ،بصحة هذه االنتقادات ،فهل كان هؤالء الفقهاء يشكلون القاعدة أم االستثناء ضمن الئح ة الفقه اء الم رابطين؟ ومن هم
ه ؤالء الفقه اء المس تهدفون بالتحدي د به ذا النق د الش ديد؟ ه ذه التس اؤالت وغيره ا س نحاول اإلجاب ة عنه ا في ه ذا البحث.
ددات ات والمح ة :التجلي 1ــ نفـوذ الفقـهاء في الــدولة المرابطي
ة المرابطية اء في الدول وذ الفقه اهر نف ات ومظ 1ـ / 1تجلي
ال شك أن الفقهاء قد احتلوا مكانة متميزة في الدولة المرابطية ،وحظوا بعناية خاصة من طرف السلطة السياسية العليا المرابطي ة .وتثبت
السيرورة التاريخية للدولة المرابطية قوة وأهمية مكان ة الفقه اء في ت اريخ الم رابطين ،من ذ فج ر الحرك ة المرابطي ة ،إلى غاي ة تأس يس
ا. ة تاريخه ة ،وطيل الدول
يس ة التأس أ -في مرحل
كان التفكير في تأسيس الدولة المرابطية إبداعا خالصا لفقهاء المالكية بالغرب االسالمي .فقد انطلق العم ل في مش روع ه ذه الدول ة على
األقل من القيروان على يد العالم المغربي أبي عمران الفاسي في لقائه التاريخي بالزعيم الجدالي يحيى بن اب راهيم .ويعت بر أب و عم ران
صاحب الفضل في لبنة التنظير والتخطيط ،حيث كان لهذا العالم مشروع إلنقاذ المجتمع المغ ربي من خط ر االنح راف ال ديني والتفك ك
العقدي والسياس ي ال ذي ع انى من ه في غي اب دول ة مركزي ة س نية .وه و الوض ع ال ذي ح اول تص حيحه من خالل تفعيل ه لمب دإ األم ر
بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومه الشمولي في ظل الس لطة المغراوي ة الزناتي ة ،مم ا عرض ه للط رد من موطن ه ف اس ،فالتج أ إلى
القيروان مهووسا ،بدون شك ،بمشروع إقامة كيان سياسي سني لتحقيق طموحه اإلصالحي() .وهو المشروع ال ذي تكل ف بتنفي ذه فقه اء
ى. المغرب االقص ةب المالكي
وقد برز في هذا السياق الفقيه عبد هللا بن ياسين الجزولي الذي صبر وصابر ورابط وجاهد من أجل تحقيق المشروع اإلص الحي الس ني
على أرض الواقع وإقامة الدولة التي ترعاه ،وتكوين اإلنسان المرابطي الق ادر على تحم ل مس ؤولية التمكين له ذا المش روع على أرض
الواقع ،بل ضحى عمليا من أجله في المعارك والغزوات العسكرية ضد قوى االنحراف الديني والسياسي (الخوارج والش يعة والزن اتيون
يين(). د البرغواط هيدا على ي برغواطيون…) ،وذهب ش وال
ولذلك بدت سلطته منذ فجر الحركة المرابطية وكأنها سلطة مطلقة ،رغم وج ود قي ادة سياس ية عس كرية إلى جانب ه ،ممثل ة في يح يى بن
ابراهيم الجدالي ومن خلفه من أمراء لمتونة .فكانت الكلمة العليا في سياسة الحركة المرابطية ترجع إليه() ،حيث اض طلع ب دور ال زعيم
الروحي والمرشد التربوي ،كما اضطلع بوظيفة القائد السياسي والعسكري الميداني .فقد "كان (عبد هللا بن ياس ين) في الحقيق ة ،األم ير،
أمر وينهى"(). ذي ي و ال وه
ومما يؤكد المكانة السامية للفقيه عبد هللا بن ياسين باعتباره المرشد الروحي للحرك ة في ت دبير ش ؤونها ،تح ّك ُم ه في نق ل مقالي د الس لطة
داخلها() .فعبد هللا بن ياسين هو الذي نقل القيادة السياسية للحركة المرابطية من قبيلة كدالة بعد وفاة األمير يحيى بن إبراهيم الجدالي إلى
قبيلة لمتونة في شخص يحيى بن عمر اللمتوني .يقول ابن أبي زرع" :وتوفي يحيى بن إبراهيم الكدالي فأراد عب د هللا بن ياس ين أن يق دم
غيره في موضعه ليقوم بحروبهم .وكان أكثر قبائل صنهاجة طاعة هلل تعالى ودينا وصالحا لمتونة ( )...فجمع عبد هللا بن ياس ين رؤس اء
القبائل من صنهاجة .فقدم عليهم يحيى بن عمر اللمتوني وأ ّمره على س ائرهم ( )...وك ان يح يى ش ديد االنقي اد لعب د هللا بن ياس ين ،كث ير
الطاعة له فيما يأمره وينهاه"() .وتكرر نفس األمر بعد وفاة يحيى بن عمر ،حيث عين الشيخ عبد هللا بن ياسين أبا بكر بن عم ر خلف ا ل ه
ة(). ة ودرع ل سجلماس ائر الملثمين وأه ة وس ه لمتون ة ،فبايعت على رأس الحرك
ولما انقسمت الحركة المرابطي ة إلى ش طري الش مال والجن وب ،بع ودة أبي بك ر بن عم ر إلى الص حراء مس تخلفا ابن عم ه يوس ف بن
تاشفين على قيادتها في الشمال ،كان البد له من اصطحاب قيادة دينية معه إلى الجنوب ،وقد تمثلت هذه القيادة في الفقيه والعالم األصولي
أبي بكر محمد بن الحسين الحضرمي المرادي .ولعل هذا العالم كان يضطلع بنفس المهمة التي كان يضطلع بها عبد هللا بن ياسين() .وقد
كان أبو بكر بن عمر عموما يقرب الفقهاء ويصغي إليهم() ،ومن ذلك إشهاد الفقهاء على انتقال الس لطة بين ه وبين يوس ف بن تاش فين().
فين ف بن تاش د يوس ب ـ في عه
رغم عدم تردد ذكر اسم منظر مرشد جديد يقوم بنفس مهام الشيخ عبد هللا بن ياسين في الشمال بع د انقس ام الحرك ة ،ب دليل ع دم ارتب اط
يوسف بفقيه واحد كما كان الشأن سابقا في فجر الحركة ،فإن هذا ال يعني أبدا تراجع مكانة الفقهاء في الدولة المرابطية .ب ل على العكس
من ذلك ،فقد ازدادت مكانة الفقهاء شموخا ،وازداد نفوذهم قوة .فبدل فقيه واحد ،حظي فقهاء كثيرون بالرعاي ة ،حيث ظ ل أم راء الدول ة
المرابطية أوفياء لرجال الفقه والعلم الشرعي .فأمير المسلمين يوسف بن تاشفين ظل وفيا لهذا التوجه ،ولم يس جل علي ه الت اريخ أب دا أي
محاولة للتخلص منه ،رغم ما تحقق على يديه من قوة للدولة ق د تش كل م بررا لالس تبداد بش ؤون الدول ة على حس اب غ يره ،وذهب في
تقريب الفقهاء وتعظيم مكانتهم في تسيير الدولة ما جعله مضرب األمثال .وفي هذا الصدد ،يقول عنه ابن ع ذاري" :ك ان يفض ل الفقه اء
ويعظم العلماء ويصرف األموال إليهم ويأخذ فيها برأيهم ويقضي على نفسه بفتي اهم"() .ومن بين ه ؤالء الفقه اء مثال القاض ي أبي عب د
المالك بن سمجون اللواتي الذي حظي عنده بمكانة خاص ة في ت دبير ش ؤون الدول ة في عه ده ،حيث ص رف إلي ه جمي ع أم ور المغ رب
واألندلس()؛ وكذلك أبي عبد هللا محمد بن أحمد التجيبي الذي فوض إليه أمور األندلس الكبار أيام قض ائه وفت واه() .كم ا أن ه ك ان يحتكم
لرأي كل من أبي عبد هللا بن مسعود القيرواني وأبي الحجاج يوسف بن الملجوم في عزل وتعيين القضاة() .وبلغ يوسف من بره بالعلماء
والفقهاء أنه أجرى عليهم األرزاق ،ورتب لهم األعطيات من بيت المال() ،وكان مكرما ألهل العلم عموما() .ولذلك ال غرابة إذا وجدناه
يؤدي اليمين امتثاال لفتوى الفقيه أبي عبد هللا بن الفراء ،حين أراد استخالص ضريبة إض افية (المعون ة) من الن اس لالض طالع الجه اد.
ة. ة المرابطي ي للدول دبير السياس اء في الت ير للفقه وذ الكب دى النف ذا يعكس م وه
والمالحظ أن يوسف بن تاشفين كان ملتزما برأي الفقهاء وليس مجرد مشاور لهم ،بم ا في ذل ك رأيهم في القض ايا االس تراتيجية للدول ة،
وعلى رأسها قضايا التوحيد والجهاد سواء بالمغرب أو باألندلس ،ومنه ا الموق ف من الوض ع الم تردي باألن دلس الطائفي ة ،وال ذي ك ان
يتطلب التدخل االستعجالي إلنفاذ البالد من عبث ملوك الطوائف() .وفي هذا السياق ،استفتى الفقهاء في شأن ص احب س بتة ال ذي رفض
تسليمها له لتسهيل العبور إلى األندلس ،فأفتوه بوجوب قتاله وفتحها ،وهو ما تحقق سنة 477ﻫ )(.كما استفتى بعض فقهاء المغرب في
مصير ملوك الطوائف ،فأفتاه الفقيه يوسف بن عيسى الملجوم الفاس ي (ت492ﻫ) بوجوب خلعهم() .ولم يكتف يوسف بفتاوى علماء
المغرب في شأن األندلس ،بل دفعه ضميره وورعه إلى استفتاء علماء المشرق ،وعلى رأسهم اإلمام الغزالي الذي ج اءت فت واه مطابق ة
ف(). وك الطوائ ع مل وب خل ذلك على وج ل اإلجمـاع ب رب() .وحص اء المغ وى علم لفت
وخالل إنجاز مشروع التوحيد باألندلس ،لم يتردد يوسف في استفتاء الفقهاء كذلك .وهكذا استفتى العلم اء من جدي د في ش أن المعتم د بن
عباد ،فأفتى بعضهم بارتداده الستغاثته بالنصارى ضد المرابطين ،وأباحوا دمه() ،وهي الفت وى ال تي عم ل يوس ف به ا ،ف اكتفى بإلق اء
القبض عليه ،ونفيه إلى المغرب() .وبالمقابل ،قبل اإلطاحة بالمعتمد ،كان يوسف قد أنصفه في نزاعه مع ابن رش يق ،اس تنادا إلى فت وى
الفقه اء() .ك ل ذل ك يؤك د م دى اح ترام وتق دير يوس ف بن تاش فين لس لطة الفقه اء ال ذين اعتم د عليهم في تس يير ش ؤون دولت ه.
وتبلغ سلطة الفقهاء أوجها في عه د يوس ف بن تاش فين بتحكمهم في ش رعية حكم ه ،حين اش ترطوا علي ه ض رورة الحص ول على تقلي د
رسمي من الخليفة العباسي من أجل مبايعته ،وهي المهمة التي اضطلع بها الفقي ه ابن الع ربي في س فارته إلى بغ داد() .كم ا اعتم د على
مشورتهم في تعيين ولي عهده() .ويذكر صاحب "البيان المغرب" مظهرا آخر من مظاهر نفوذ الفقهاء لدى األمير يوسف وه و المتمث ل
في االعتماد عليهم في إقامة مشاريع البنية التحتية للدولة من مساجد وموانئ ،حيث يقول" :وكان يوسف بن تاش فين أم ر القاض ي محم د
بن عيسى ببناء جامع سبتة وزاد فيه حتى أشرف على البحر وكان بنيانه عام إحدى وتسعين (…) وقبل بناء الجامع ب أعوام أم ر يوس ف
بن تاش فين ببن اء س ور المين اء الس فلي بس بتة على ي د القاض ي إب راهيم بن أحم د"() .وهن اك نم اذج أعم ال أخ رى من نفس الن وع.
من خالل تتبع مسار عالقة األمير يوسف بالفقهاء يتبين ب أن التعام ل بين الس لطتين السياس ية والديني ة في عه ده ك ان مبني ا على أس اس
االلتزام بضوابط الشرع من الطرفين ،ومن ذلك اجتهاد الفقهاء في تدبير شؤون الدين والدولة .ولذلك ،رغم ما ك ان يت وفر علي ه من ق وة
عس كرية ،لم يكن يتح رك خاص ة في الخط وات الك برى إال اس تنادا إلى رأي الفقه اء ،وليس في ذل ك أي ن وع من الرغب ة في اس تغالل
الفتوى كمجرد غطاء شرعي لسياسته ،بل التزاما ص ادقا من ه بض وابط الش ريعة ،ب دليل م ا حظيت ب ه قرارات ه تل ك من إجم اع ش عبي
وشرعي ،حيث لم تسعفنا المصادر التاريخية للوقوف على فتاوى مناهضة لتوجهات ه أو لتل ك الفت اوى المناص رة ل ه ،كم ا لم تس عفنا في
ك. ه تل عبية لقرارات ةش وف على معارض الوق
وهكذا ،يتبين أن الفقهاء قد حظوا بمكانة هامة في الدولة المرابطية في عهد يوس ف بن تاش فين .وبفض ل تل ك المكان ة أس هموا في نج اح
مشروع الجهاد والتوحيد باألندلس التي كانت على وشك السقوط المبكر في يد الص ليبيين ،فتحق ق التوحي د السياس ي والم ذهبي للمغ رب
اإلسالمي األقصى ألول مرة في تاريخه ،وتشكلت خريطته الجيوسياسية التي امتدت من حدود نهر النيجر جنوبا إلى خطوط التماس م ع
الممالك النصرانية المتاخمة لألندلس اإلسالمية شماال ،وأصبح المغرب ألول مرة في تاريخه قوة إقليمي ة ودولي ة مس تقلة .باإلض افة إلى
تأكيدهم التوجهات الوحدوية لألمة اإلسالمية من خالل إلزام أمير المسلمين يوسف بن تاش فين بض رورة الحص ول على التقلي د الرس مي
من الخالفة اإلسالمية ببغداد ،وإعالن تبعية الدولة المرابطية لهذه الخالفة حفاظا على مبدإ وحدة الخالفة اإلس المية الس نية .فه ل اس تمر
ح ال الفقه اء على م ا ك ان علي ه في المراح ل الالحق ة من ت اريخ الدول ة أم تزاي د نف وذهم أك ثر من ذل ك؟ وم ا ح دود ذل ك النف وذ ؟
د علي بن يوسف ج ـ في عه
إن مشروعية تجديد طرح هذه األسئلة ومثيالتها مستمدة من اعتبار أساسي مفاده أن كل االتهام ات ال تي وجهت للفقه اء ك انت تس تهدف
بالخصوص سياسة األمير علي بن يوسف بن تاشفين ( 537-500ﮬ) .لقد تحدث المراكشي على جملة من المؤشرات السلبية الدالة ـ في
نظ ره ـ على تس لط وتحكم الفقه اء في دول ة الم رابطين زمن علي بن يوس ف ،وهي مؤش رات سياس ية وتش ريعية واجتماعي ة().
فمن الناحية السياسية يرى المراكشي أن أمير المسلمين علي بن يوسف لم يكن قادرا على تسيير شؤون دولته إال بمشاورة الفقه اء ،حيث
يقول عنه" :واشتد إيثاره أله ل الفق ه وال دين ،وك ان ال يقط ع أم را في جمي ع مملكت ه دون مش اورة الفقه اء"() .ومن الناحي ة القض ائية
التشريعية ألزم قضاته بضرورة استشارة أربعة فقهاء ،حيث "كان إذا ولى أحدا من قضاته ك ان فيم ا يعه د إلي ه أال يقط ع أم را وال يبت
حكومة في صغير من األمور وال كبير إال بمحضر أربعة من الفقهاء"() ،مما أدى إلى ترسيخ نف وذ الفقه اء ،فتع اظم بفع ل ذل ك نف وذهم
االجتماعي ،وكثرت أموالهم ،وتضخمت ثروتهم .ومن جهة أخر أوصى بضرورة احترام القضاة وأحكامهم احتراما خاص ا كم ا س نرى.
وحاول المراكشي تفسير تلك الوضعية بخصال أمير المسلمين التي كانت أقرب إلى خصال الزهاد والمتبتلين ،وأبعد عن خصال المل وك
والمتغلبين() .فما مدى مصداقية تقييم المراكشي لعالقة األمير علي بن يوسف بالفقهاء؟ وقبل ذلك ما هي التجليات االخرى لنفوذ الفقه اء
ة؟ ة المرابطي في الدول
إن نفوذ الفقهاء في الدولة المرابطية في عهد علي بن يوسف بالخصوص ،يتجلى من خالل عدة زوايا :تارة بصفتهم فقهاء وخاصة فقهاء
الشورى ،وتارة أخرى بصفتهم قضاة وخاصة قضاة الجماعة .ولعل المظهر السياسي األكثر تعبيرا عن م دى ق وة نف وذ الفقه اء في ظ ل
حكم األمير علي بن يوسف ،يتمثل في دور الفقهاء المشاورين في رعاي ة انتق ال المل ك في الدول ة من خالل تع يين ولي العه د .لق د ك ان
للفقهاء وخاصة أهل الشورى القرار الحاسم في اختيار علي بن يوسف البنه األمير تاشفين وليا للعهد ،ب دل األم ير إس حاق ،حيث أجم ع
أهل الشورى على اختيار األول ،وبرروا ذلك بأسباب موضوعية ،منها تدينه وشجاعته وش هامته ورجاح ة عقل ه وخبرت ه العس كرية().
ومن مظاهر ذلك أيضا التزامه بفتاويهم في كثير من القضايا االجتماعية والسياسية الحساسة ،منها مثال قضية نفي النص ارى المعاه دين
إلى مراكش ،حيث أفتى الفقيه أبو الوليد بن رشد "بتغريبهم وإجـالئهم إلـى العدوة عن أوطـانهم"() .كما عـمل أمير المسلمين بـفتوى ابن
رشد فـي مسألة تسوير مدينة مراكش() .ومما يستدل به أيضا على سـلطة الفقهاء ونفوذهم فـي عهد هذا األمير ،تنفي ذه لفت وى الفقي ه أبي
زالي(). ام الغ اء لإلم اب اإلحي راق كت أن إح دين بش د هللا بن حم عب
﴿ :وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على هللا﴾() .مما يعني إعماال لمبدإ الشورى على جميع المستويات اإلداري ة.ومن خالل تتب ع
منهجية التدبير السياسي واإلداري للدولة ،تتبين مكانة الفقهاء في الدولة فعال ،وخاصة الفقهاء المشاورين الذين شاركوا في تدبير ش ؤون
الدولة على جميع المستويات المركزية والالمركزية .فكان نواب أم ير المس لمين س واء ب المغرب أو باألن دلس مل زمين باالستش ارة م ع
الفقهاء في كل القضايا() ،وكذلك الحال بالنسبة لوالة الجهات ،حيث كانوا هم أيضا ملزمين باستشارة أهل الرأي في جهاتهم" ،ليطلع وهم
على ما يخفى عليهم من أحوال رعاياهم"() .فكانت التوجيه ات األميري ة تلح على ض رورة اح ترام قواع د الش ورى في الحكم واعتب ار
الفقهاء واألخذ برأيهم .وبهذا طولب األمير تاشفين بن علي عندما ضم إلى واليته باألندلس والية قرطبة ،حيث ج اء التعليم ات الموجه ة
وله ول لرس إن هللا يق تباه ،ف واطن االش ورة في م ن المش تظهر بحس الي" :واس ه كالت إلي
ولعل الفئة الثانية من الفقهاء التي حظيت بالتقدير واإلجالل من طرف السلطة المرابطية هي فئة القضاة وخاصة قض اة الجماع ة ،ال ذين
كانوا يرأسون هيئة القضاء .وقد كان هناك قاض يان للجماع ة في الدول ة المرابطي ة ،يش رف أح دهما على القض اء باألن دلس ومق ره في
قرطبة ،ويشرف اآلخر على القضاء بالمغرب ومقره بمراكش عاصمة الدولة ،ويدعى أحيانا بقاضي الحضرة() .وكان هذا األخير بحكم
منصبه من أهم أعضاء مجلس الشورى األميري ،وأنفذهم لدى أمير المسلمين() .وكانت سلطة قاضي الجماعة عموما سواء بالمغرب أو
باألندلس قوية ،بحيث كان يتعين على أمير المسلمين أو نائبه أن يستشيره في تعيين غ يره من القض اة وغيره ا من الش ؤون ،مم ا جعلهم
يتحكمون في القرارات االستراتيجية للدولة ،من ذلك مثال مطالبة القاضي أبي الوليد بن رشد بخلع أخيه األمير أبي طاهر تميم عن والية
األندلس واالستجابة الفورية لألمير علي بن يوسف لذلك() .ومن أبرز قضاة الجماعة الم رابطين :أب و القاس م أحم د بن حم دين التغل بي،
وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ،وأبو عبد هللا محمد بن احمد بن خلف التجيبي المعروف بابن الحاج .ومن أب رز قض اة الحض رة أب و
نهاجي(). ف هللا الص عيد بن خل وس د اللخمي ،وأب د هللا بن محم د عب محم
وكان أمير المسلمين ال ي ّدخر جهدا للحفاظ على المكان ة االعتباري ة للقض اة عموم ا وفي مق دمتهم قض اة الجماع ة ،حيث ك ان يطلب من
العمال والوالة بذل أقصى الجهود في سبيل ذلك .وكان التركيز ش ديدا على ض رورة االمتث ال ألحك ام القض اة من ط رف الجمي ع س واء
مرابطين أو غيرهم .وفي هذا اإلطار وجه أمير المسلمين رسائل متعددة لوالته وعماله ،كم ا وج ه رس الة إلى أح د قض اته يخ بره ب ذلك
ويؤكد له ما يحظى به من عناية واحترام ،حيث يقول مخاطبا قاضي الجماعة ابن حمدين" :وقد عهدنا إلى جماعة الم رابطين أن يس لموا
لك في كل حق تمضيه ،وال يعترضوا عليك في قضاء تقضيه ،ونحن أوال ،وكلهم آخر ،وقد صرت قاضيا سامعون منك غير معترض ين
في حق عليك ،والعمال والرعية كافة سواء في الحق ،فإن شكت إليك بعامل وصح عندك ظلمه لها ،وال يتجه في ذلك عم ل غ ير عزل ه،
فاعزله ،وإن شكا العامل من رعيته خالفا في الواجب فاشكه منا ،وقومها له ،ومن اس تحق من كال الف ريقين الض رب والس جن فاض ربه
واسجنه ،وإن استوجب الغرم في ما استهلك فاغرمه ،واس ترجع الح ق ش اء أو أبى من لدن ه ،واألم ر في اس تكفاء من يكفي ك ويغ ني في
بعض األمور عنك إليك ،وال نشير عليك بشيء ،وتصرفك أحيانا في إصالح صنعك وترفيع معاشك غير مضيق علي ك في ه فاعلم ه"().
ولم يتوان أمير المسلمين في التعبير عن سخطه وغضبه لما كانت تقابل به أحيانا أحكام بعض القضاة من مواق ف منافي ة لتوجهات ه ،كم ا
تدل على ذلك رسالته حول حالة قاضي القضاة بشرق األندلس حين لقيت أحكامه اع تراض طائف ة من الن اس في تل ك المنطق ة ،إذ وج ه
األمير خطابا شديد اللهجة لعاملها يحثه فيه على وجوب احترام وحماية جناب هذا القاضي وإنذار المعترضين علي ه بتوقي ع أش د العق اب
ره(). ه وأوام ة أحكام تمرارهم في مخالف ة اس عليهم في حال
وقد بلغ من شدة حرصه على مكانة القضاء ،أنه اعتبر سلطة القاضي فوق سلطة الحاكم اإلداري والعسكري ،إذ جعله رقيب ا على ال والة
والعمال التابعين له ،كما تدل على ذلك رسالة وجهها إلى قاضي مالق ة أبي محم د عب د هللا بن أحم د بن عم ر القيس ي الم القي() ،في ذي
الحجة من سنة 523ﻫ ،جاء فيها ما يلي" :وقد قلدناك تقليدا تاما أن تنظر بجهتك من شكاوى العامة في اللطيف والجليل وسلمناك القيام
بالخفيف منها والثقيل ،فتفقد ما قبلك حتى تفقده (…) وأي عامل من عمال الرعية قامت الشهادة عن دك بتعدي ه وعلمت بص حة اس تهدافه
وتصديه فإن أمره إلى صاحب البلد مستعمله وموليه ،وأشعره بما ثبت عندك فيه فإن غل ي د أديت ه وأنف ذ عزل ه عن رعيت ه ،وإال ف أخف
ذلك إلينا في س ائر م ا يتوق ف ل ديك من األم ور ال تي تقص ر عنه ا ي دك ،وأي ع ذر ل ك وق د ش ددنا من أزرك وعض دنا من أم رك"().
ومن األمثلة الدالة على ذلك إلزام أمير إشبيلية واجداي بن عمر بن سير بدفع فدية ألسر المس لمين ال ذين تس بب في أس رهم خالل إح دى
أ(). ك الخط ل ذل زل بفع و الع ان ه يره ك ل إن مص اة ،ب تجابة لطلب القض ه ،اس غزوات
وباإلضافة إلى ما سبق ،أشرف القضاة على شؤون عدة خط ط منه ا اإلش راف على بيت الم ال واألحب اس وش ؤون المس اجد من إمام ة
وخطبة وبناء .وهكذا أشرف قاضي فاس محمد بن داوود على توسيع جامع القرويين بفاس سنة 530ﻫ() .وأشرف القاضي عبد الحق بن
عطية على الزيادة في المسجد الجامع بألمرية سنة 531ﮬ() ،وأشرف القاضي عياض على توسيع جامع سبتة من جهته الغربية() .كل
هذا وغيره يدل بوضوح على التقدير الكبير للقضاء والفقهاء من طرف السلطة المرابطية عموم ا وفي عه د علي بن يوس ف خصوص ا.
لكن المالحظ أن تقدير القضاة في هذا العه د لم يقتص ر على الس لطة ،ب ل ش مل ك ذلك العام ة من المجتم ع ،حيث ك ان الن اس يخرج ون
لالحتفاء بلقائهم كاألمراء أو أفضل من ذلك() .وكان بعض القضاة ال يترددون في حفظ ورعاية هذه المكانة كم ا تكش ف عن ذل ك وثيق ة
تاريخية تتعلق بأبي بكر بن أسود "قاضي قضاة الشرق" الذي مر بمرسية فلم يحفل له الزبير بن عمر أم ير غرناط ة ،ولم يظه ر ل ه من
اإلجالل واإلكرام ما تعود عليه أمثاله من كبار الفقهاء ،فغضب لذلك ،وشكاه إلى نائب أمير المسلمين ـ تاشفين بن علي ـ باألندلس ،فبادر
أمره(). ةب يره في العناي ي وتقص ه بالقاض دم احتفال ه على ع ير يلوم ة إلى الزب ذا بالكتاب ه
ومما جاء في ه ذه الرس الة وبأس لوب اس تغرابي ربم ا لم يعه ده األم ير تاش فين ،ولم يكن يتوقع ه من مس ؤول في دول ة عظمت الفقه اء
والقضاة ،قوله )...(" :خبرنا أعزك هللا :كيف أن يجتاز بكم الفقيه األجل القاضي األعدل أبو بك ر بن أس ود ،قاض ي قض اة الش رق ،وم ا
بموضعه خفا وال باحتفاء الدولة العلية به احتفا ،فتهاونتم بمثواه ،ونمتم جميعا عن قراه .كأنه قد مر منكم بفالة أو حط على رفات ،وج از
وات…"(). وام أم على أق
وإذا كان عهد األمير تاشفين بن علي لم يحتفظ لنا بوثائق كثيرة تساعدنا على استجالء مكانة الفقهاء في عهده ،فإن المنشور الذي أصدره
في العشر األول من جمادى األولى سنة ثمان وثالثين وخمسمائة ( 538ﮬ) حول مصادر الفتوى يوضح إلى حد كبير استمرار نفوذ
الفقهاء المالكيين ،من خالل التأكيد الشديد على االقتصار في الفت وى على الم ذهب الم الكي ومحارب ة ك ل م ا س واه ،حيث يق ول األم ير
تاشفين" :واعلموا ،رحمكم هللا ،أن مدار الفتيا ومجرى األحك ام والش ورى في الحض ر والب دا ،على م ا اتف ق علي ه الس لف الص الح من
االقتصار على مذهب إمام دار الهجرة أبي عبد هللا مالك بن أنس فال عدول لقاض وال مفت عن مذهب ه ،وال يأخ ذ في تحلي ل وال تح ريم
إال به ،ومن حاد عن رأيه بفتواه ،ومال من األئمة إلى سواه ،فقد ركب رأسه واتبع هواه ،ومتى عثرتم على كتاب بدعة أو صاحب بدعة،
وخاصة ،وفقكم هللا ،كتب أبي حامد الغزالي ،فليتتبع أثرها ،وليقطع بالحرق المتابع خبرها ،ويبحث عليه ا ،وتغل ظ األيم ان على من يتهم
ا"(). بكتمانه
وإذا كنا ال نعرف حقيقة األسباب المباشرة التي جعلت األمير تاش فين يص در ه ذا البالغ ش ديد اللهج ة ،خاص ة وأن ه موج ه إلى الفقه اء
والمفتين والعلماء الذين لم نعهد مث ل ه ذا األس لوب في مخ اطبتهم من ط رف أم راء الم رابطين ،فق د يك ون ال داعي لتش ديد اللهج ة ه و
استفحال أمر المهدي بن تومرت والتيار الصوفي وتزعزع جهاز الفقهاء المالكيين ،لذلك نعتقد أن هذا المنشور ه و محاول ة للحف اظ على
لطة. رة للس ة المناص ة المالكي ة أي الجبه ة الداخلي ك الجبه تماس
وهناك مؤشر آخر على المكانة االجتماعية للقضاة في ظل الدولة المرابطية ،ويتعلق األمر بالثورات التي تزعموها في آخر عص ر ه ذه
الدولة .ذلك أنه مهما اختلفت آراء الباحثين في تفسير ه ذه الث ورات بين قائ ل بالعام ل القومـي() ،وقـائل بالـعامـل االجـتـماعـي() ،أو
بالـعامـل اإلديـولـوجـي() ،أو الـعامـل الـمصلـحي البـرغـمـاتي() ،فـإنه ال يـمكـن نـفي قاسـم مشـترك اجـتماعـي بيـن زعـماء هـذه
الثورات أال وهو انتماؤهم ألسر عريقة بالمجتمع األندلسي() .هذه أمثلة عن مكانة ونفوذ الفقه اء الم الكيين في ت اريخ الدول ة المرابطي ة.
لقد تبين من خالل ماسبق أن الفقهاء فعال ،قد حظوا بمكانة سامية في الدولة المرابطية .ولعل الفقه اء/القض اة والفقه اء/المش اورين ك انوا
األكثر بروزا من ضمن مجموع الفقهاء من حيث تأثيرهم في مجريات األمور في الدولة ،بعد فقهاء الجيل المؤس س .فه ل تع ود مك انتهم
تلك إلى كونهم مجرد فقهاء مالكيين أم أن وظائفهم كقضاة ومشاورين هي التي ض منت لهم تل ك المكان ة؟ ه ل تع ود تل ك المكان ة لعلمهم
الشرعي بحكم سمو مكانة العالم في المجتمع اإلسالمي ع بر الت اريخ؟ وإذا ك ان احتالل الفقه اء ـ أي ا ك انت وظ ائفهم ـ لمناص ب هام ة
ومواقع متقدمة جدا في الدولة والمجتمع أمرا محل إجماع ،كما اتض ح من خالل الع رض الس ابق ،فه ل اس تغل الفقه اء ذل ك لمص لحتهم
ا؟ ة ومجتمع ع ،دول لحة الجمي ة أم لمص الخاص
ة المرابطية اء في الدول وذ الفقه رة لنف ل المفس 2ـ / 2العوام
ة والمهنية ة واالجتماعي ل التاريخي أ ـ العوام
من المعلوم أن الفقهاء قد احتلوا على مر التاريخ االس المي مكان ة متم يزة في المجتم ع والدول ة ،حيث ش كلوا النخب ة العالم ة ،والس لطة
الفكرية والدينية التي لم يكن باالمكان أبدا تجاوزه ا أو تجاهله ا من ط رف الس لطة السياس ية ،مم ا أهلهم لتص در المجتم ع والدول ة .ولم
يخرج المجتمع المغربي واألندلسي عن هذه القاع دة ،كم ا لم تخ رج الدول ة المغربي ة أيض ا عن ذل ك .فق د ك انت مكان ة الفقه اء س امية،
وكرامتهم مصانة ،وكلمتهم قوية ومسموعة ،ومواقفهم محركة للتاريخ .فمن خالل تتبع األصول التاريخية لنفوذ الفقهاء المالكيين في ه ذه
الربوع وخاصة في األندلس منذ استقرار المذهب المالكي هناك ،يتبين أن الفقهاء المالكية قد حظوا بتقدير كبير سواء من ط رف الس لطة
أو المجتمع لعدة اعتبارات تاريخية() .ولذلك ،لم يكن الحال في الدولة المرابطية إال استمرارا لما كان عليه سابقا ،بل وترسيخا ل ه بش كل
وى(). أق
ويعتبر القضاء أكثر المجاالت التي تعكس نفوذ الفقه اء في الدول ة المرابطي ة .ل ذلك ،ف إن فئ ة الفقه اء القض اة بمختل ف م راتبهم ،تعت بر
بامتياز في قلب دائرة الفقهاء المستهدفين بالنقد الشديد نظرا للمكانة االجتماعية التي كان يحتلها القض اة في الدول ة والمجتم ع .وس نحاول
من خالل تتبع المسار التاريخي ألهم العائالت القضائية بالخصوص ،اختب ار م دى أهمي ة العام ل السوس يو ت اريخي في تحدي د الوض ع
االجتم اعي ال ذي ك ان علي ه قض اة الدول ة المرابطي ة .فم ا هي إذن أهم الع ائالت القض ائية في الدول ة المرابطي ة؟
المغرب ائية ب ائالت القض أهم الع
ا: ر .ومن أهمه ب الحواض ائالت حس ذه الع نيف ه نحاول تص س
ة: ائالت التالي ا الع بتة ،ومنه ائالت س -ع
-عائلة اللواتي :تنتمي إلى بيت علم ،من أشهر رجاالتها أب و محم د م روان بن عب د المل ك الل واتي ال ذي اش تغل قاض يا بس بتة في عه د
يوسف بن تاشفين ،وكان أخوه أبو الحسن من فقهاء طنجة وحفاظها ،وخلف عدة أبناء قضاة ،منهم :عبد هللا بن علي ،ولي قضاء غرناطة
مدة ،ثم استعفى فأعفي منها ،وولي قضاء تلمسان فبقي بها قاضيا إلى أن مات ،وكان ولي قبل ذلك قضاء الجزيرة ،وعب د الرحم ان ك ان
فقيها حافظا ،ولي قضاء مكناسة إلى أن توفي .وترك ابنه علي بن عبد الرحمان الذي خلف عمه على قضاء تلمسان .وأما الفقيه م روان،
فكان له بنون نجباء حفاظ ،منهم :عبد الخالق الذي ولي قضاء طنجة مكان أبيه ،وأخوه عبد الوهاب الذي ولي بع ده قض اء طنج ة ،وعب د
الرزاق بن مروان الذي حصل علوما جمة ،وولي قضاء طنجة ،طيلة حيات ه ،وول ده محم د ال ذي وص ف بالزه د ،وولي قض اء مكناس ة
وبع دها ألمري ة ،وس لك في حيات ه مس لك الع دل والزه د .وعموم ا وص فت ه ذه العائل ة بأنه ا ك انت من "ن درات الزم ان"().
-عائلة المسيلي اللواتي :من أشهر أبنائها أبو محمد عبد هللا بن حمو بن عمر اللواتي الذي تولى أحكام القضاء في أيام برغواطة ،ثم لحق
رئاس ة عن د الم رابطين() .وك ان ابن ه أب و عب د هللا محم د قاض يا في عه د الم رابطين ،كم ا اش تغل بت دريس العلم().
-عائل ة التميمي() :من أك بر فقهائه ا القاض ي أب و عب د هللا محم د بن عيس ى الميتمي ،وه و أح د ش يوخ عي اض.
-عائل ة عي اض() :وهي عائل ة عريق ة ذات نباه ة ،ول و ك ان عي اض وح ده ممثال له ا لكفاه ا فخ را)(.
-عائلة بني يربوع :من أشهر أبناء هذا البيت إسماعيل بن يربوع الذي تصرف في علوم كثيرة مثل أبيه وجده() ،كما تشرف ه ذا ال بيت
بالقاضي أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يربوع ،الذي كان"صادعا بالحق ،صليبا فيه ،ال تأخذه في هللا لومة الئم ،مغلظا على أهل الش ر
دعارة")(. وال
-عائلة بني العجوز :كانت هذه العائلة عائلة علم بامتياز ،حتى إن عياضا قال في حقها" :قل بيت فيه من التقدير في العلم مال ه ألح د عن
أبيه وغيره" .ومن أشهر أبنائها الفقيه الفاضل عبد الرحيم بن العجوز ،وابنه عبد العزي ز(ت 430ﻫ)() ،وكان أخوه عبد الرحمن (سنة
449ﻫ) هو اآلخر من أهل الفقه والصالح ،ومن رؤوس فقهاء سبتة ومفتيهم ،وعليه دارت الشورى أيام قضاء محمدين عتاب() .وخلف
عبد الرحمن هذا ابنا كان ،هو اآلخر ،من كبار فقهاء سبتة ،مقدما في المفتين به ا ،ومدرس يها .وق د واله أم ير المس لمين قض اء ف اس()،
وخلف هو اآلخر ثالثة أبناء ،هم :عبد هللا ،وعبد الرحيم ،وعبد الرحمن الذي كان أفقههم وأنبلهم() .وقد لخص عياض في فهرس ته نب وغ
هذه العائلة في ترجمته لهذا األخير ،فقال" :الفقيه القاضي أبو القاسم من بيت علم وجاللة ،فقيه ابن فقيه ابن فقي ه ،خ امس خمس ة ،وعب د
ال رحمن أك برهم في العلم والجالل ة واألمان ة…" )(.وق د ت ولى قض اء الجزي رة الخض راء وس ال وخالف ة القض اء بالحض رة().
اس : ائالت ف -ع
-عائلة بني الملجوم :تعتبر من العائالت العريقة بمدينة ف اس حيث يرج ع نفوذه ا إلى عه د إدريس الث اني ،ت داول أبناؤه ا على القض اء
والفتوى والشهادة بها ،فقد كان جدهم الفقيه العالم يوسف بن عيسى من أهل الفتوى والشورى ،وهو ال ذي اس تفتاه يوس ف بن تاش فين في
أمر العبور إلى األندلس لمنازلة ملوكها الثوار .ومن أبناء ه ذا ال بيت ك ذلك الفقي ه القاض ي عيس ى بن الملج وم ال ذي ت ولى قض اء ف اس
ومكن اس ،وك انت وفات ه س نة 545ﻫ ،وتولى بعده ابنه عبد الرحيم بن عيسى القضاء كذلك().
-عائلة بني اللواتي :ومنها الفقيه الحسن اللواتي الذي عايش الفترة المغراوية ،ومنه ا ول ده الفقي ه علي بن الحس ن الل واتي ال ذي عاص ر
الدول ة المرابطي ة ،وق د ك ان فقيه ا مش اورا ،ومنه ا ك ذلك ال ولي الص الح علي الل واتي ال ذي عاص ر الدول ة الموحدي ة().
ال : ائالت س -ع
م(). ني القاس رة أو ب ني عش ةب ا عائل ومنه
ة: ائالت طنج -ع
منه ا عائل ة ب ني س مجون ال تي تعت بر من الع ائالت العريق ة وذات النف وذ المتج در علمي ا وقض ائيا.
ومن أشهر أبنائها خالل عصر المرابطين ،بعض األسماء التي سطع نجمها ليس في المغرب ،بل في األندلس ،في مجال القض اء والعلم،
ا: ومنه
-أبو محمد عبد هللا سمجون اللواتي :من أهل طنجة ،روى عن أبيه وعمه أبي عبد الملك مروان بن عبد المل ك بن س مجون ،ولي قض اء
الجزيرة الخضراء ليوسف بن تاشفين ،ثم نقله منها إلى قضاء غرناطة سنة 490ﻫ ،وأقام عليها إلى شهر ربيع اآلخر سنة 508ﻫ ،بعد
524ﻫ )(. سنة توفي وقد نة 503ﻫ، يرة س ف إلى طلب زا في جيش علي بن يوس أن غ
-أبو محمد عبد المنعم بن مروان سمجون اللواتي (ت 524ﻫ) :من أهل طنجة ،نشأ بغرناطة وتفقه بها ،وكان فقيها جليال جزال مهيبا،
ولي قضاء إشبيلية بعد صرف أبي مروان الباجي عن واليته الثانية ،ثم نقل إلى قضاء غرناطة في مدة إمارة علي بن يوس ف ،ونق ل إلى
قضاء ألمرية بعد أبي الحسن بن أضحى سنة 517ﻫ فاشتد في األحكام ،وزهد في الكسب ،وأعيد إلى قضاء إشبيلية بعد أبي القاسم بن
ورد ،ثم إلى قضاء غرناطة ،واستعفى من ذلك ،وألح ولم يعفه السلطان ،فاستناب على األحكام محمد بن سعيد ،وص ار إلى ألمري ة ال تي
ا(). وفي به ت
دلس ائية باألن ائالت القض أهم الع
ا: رها أيض ب حواض ة حس ائالت التالي ا الع ذكر منه ن
ا: ة ،منه ائالت قرطب -ع
-عائلة بني رشد :اشتهرت هذه العائلة بعلمين بارزين من أعالم الفقه والفلسفة في تاريخ األندلس ،فأبو الوليد بن رشد الجد يعد من أك بر
فقهاء األندلس على اإلطالق ،تتلمذ عليه الفقيه الشهير القاضي عياض وغيره من كبار الفقهاء والمحدثين ،وتولى منص ب قاض ي قض اة
قرطبة أو قاضي الجماعة بها على عهد علي بن يوسف ،وقام بمهام ديبلوماسية تفاوض ية ت ارة باس م الس لطة ،وت ارة باس م أه ل قرطب ة
وأهل األندلس عامة .وكان ابنه أبو القاسم هو اآلخر فقيها له عدة تآليف ،تولى قضاء قرطب ة س نة 532ﻫ بعد عزل القاضي الثائر أبي
جعفر بن حمدين ،وبذلك دخل في سلك كبار رجال الدولة كأبيه .وكان ألبي القاسم هذا عدة أبناء من أشهرهم ب الطبع الفيلس وف أحم د بن
رشد المتوفى سنة 622ﻫ .وقد كان هو اآلخر فقيها وقاضيا إلى جانب اهتمامه بالطب ،أما ابنه عبد هللا فاشتهر في الطب كذلك ،وكان
طبيبا للخليفة الموحدي الناصر().
-عائلة بني حمدين :من األسر األندلسية التي طبعت تاريخ األندلس الفقهي والسياسي واالجتماعي .تميزت هذه األسرة بميولها السياسي،
ومن أشهر ممثليها القاضي أبو عبد هللا محمد بن حمدين قاضي قضاة قرطبة في عه د علي بن يوس ف ،ال ذي ك ان أج ل رج ال األن دلس
وزعيمها في وقته ومقدمها جاللة ونباهة وفهما ،وأخوه أبو القاسم ،وأخوه القاضي أبو جعفر الذي ت زعم ث ورة أه ل قرطب ة على ال والي
رابطي(). الم
-عائل ة ب ني الح اج :من أش هر ممثلي ه ذا ال بيت القاض ي أب و عب د هللا محم د بن الح اج المت وفى س نة 529ﮬ)( .
-عائلة بني مخلد :وصف ابن بشكوال هذا البيت بكونه بيت علم ونباهة وفضل وجالل ة() .كم ا وص فه عي اض بقول ه" :من أج ل بي وت
العلم بقرطبة وأعرقهم في ذلك وبقية مشيختها"() .ومن أبناء هذا البيت الذين تولوا القض اء ،ت ذكر المص ادر أحم د بن بقي بن مخل د (ت
324ﻫ)() ،وأبا عبد هللا محمد بن مخلد (ت 470ﻫ)() ،وابنه الفقيه الحاكم أبي القاسم أحمد بن محمد (ت 532ﻫ) الذي تولى الفتيا والحكم
اء(). ولى القض ع عن ت ا امتن ه ،كم ك كل ة ،ثم تخلى عن ذل بقرطب
ني مغيث(). اب() ،وب ني عت مد() ،وب د الص ني عب ائالت ب -ع
ا: بيلية ،منه ائالت إش -ع
-عائلة الهوزني :كان لهذه العائلة نفوذ علمي في ظل إمارة بني عباد بإشبيلية ،واستمر متوارث ا م ع أبنائه ا() ،ومن أش هر أبنائه ا الفقي ه
العالم المجاهد أبو حفص عمر بن حسين الهوزني ال ذي قتل ه المعتض د بي ده() ،ثم أب و القاس م الحس ن بن عم ر بن الحس ن اله وزني (ت
المرابطي(). الحكم ظل في ببلده مشاورا كان الذي 512ﻫ)
ور(). ني المنظ ةب -عائل
-عائلة بني شريح الرعينين :وهي أسرة المقرئين بامتياز ،من أبنائها :أبو عبد هللا شريح ،وابنه أبو الحسن القاضي ال ذي عاص ر الدول ة
ة(). المرابطي
-عائلة بني زهر :وهي أسرة توارثت التضلع في علم الطب ،مما أكسبها نفوذا وجاها كبيرين في األندلس طيل ة ثالث ة ق رون من ال زمن
(ق 5إلى ق7ﮬ 13-11/م) ،فضال عن معرفة عميقة بالعلوم األخرى كالفقه واألدب والسياسة .وكان من أعظم أبنائها الطبيب أب و م روان
بن عبد الملك بن أبي العال بن زهر ( 487ﻫ557-ﮬ) الذي اعتبر أعظم طبيب في العالمين المسيحي واإلسالمي في وقته ،وأعظم طبيب
ده(). تى عه الينوس ح دج بع
-عائلة الباجي :من أبرز أعالمها القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474ﻫ) ،وابنه أبو القاسم أحمد بن سليمان الباجي().
-عائلة بني العربي :من أشهر أبنائها القاضي أبو بكر محمد بن عبد هللا المعافري المعروف بابن العربي ،وقد كان أبوه محم د من فقه اء
ف(). د الطوائ ائها في عه بيلية ورؤس إش
طة : ائالت سرقس -ع
-عائلة بني فورتش :وهو بيت شهير في الفضل والعلم والجاللة والقضاء والنباهة ،من أبنائه القاضي أبو عبد هللا محمد بن إس ماعيل بن
فورتش الذي ولي القضاء ببلده سرقسطة() ،وابنه أبو محمد عبد هللا الذي ولي التحكيم ببلده-كذلك-ثم القصاء على إكراه من ه ،وق د ت وفي
نة 495ﻫ)(. س
-عائلة الصدفي :من أبرز أبنائها خالل عصر المرابطين الفقيه القاضي المحدث الشهيد أبو علي الحسين بن محمد المعروف بابن س كرة
دفي(). الص
-عائلة بني ثابت :كان بيت بني ثابت بيت نباه ة وحس ب .من أب رز أبنائ ه الفقي ه القاض ي األج ل أب و الحس ن ث ابت بن عب د هللا قاض ي
)(. ام 514ﻫ وفى ع طة المت سرقس
ة: ائالت غرناط -ع
رابطين. ة الم ف داعي د بن خل ر أحم و جعف ي أب ا القاض ني القعليعي() ،منه ةب -عائل
-عائل ة ب ني أض حى() ،منه ا القاض ي أب و الحس ن بن أض حى الث ائر في غرناط ة أواخ ر الم رابطين().
رس(). د المنعم بن الف ي عب ا القاض رس ،منه ني الف ةب -عائل
-عائل ة ب ني عطي ة ،منه ا الفقي ه المش اور الحاف ظ القاض ي أب و محم د عب د الح ق بن غ الب بن عطي ة المح اربي وأبـوه().
ة: ائالت مالق -ع
-عائل ة ب ني حس ون :ومن أب رز أبنائه ا أب و الحكم بن حس ون ال ذي ث ار به ا في نهاي ة عه د الم رابطين() .
ماك(). ني س ةب -عائل
ا: ية ،منه ائالت مرس -ع
-عائل ة ب ني أبي جعف ر ،منه ا الفقي ه القاض ي أب و جعف ر ال ذي ث ار بمرس ية ،وب ايع ابن حم دين().
عادة(). ني الس رة() ،وب ني أبي جم ائالت ب -ع
-ع ائالت بلنس ية ،منه ا :عائل ة ب ني عب د العزي ز() ،وعائل ة ب ني جح اف() ،وعائل ة ب ني واجب().
وز(). ني مف ةب ا عائل اطبة ،ومنه ائالت ش -ع
-عائالت أوريولة ،ومنها عائلة بني فتحون :من أشهر أبنائها أبو القاسم خلف بن سليمان بن خلف بن محمد فتح ون ال ذي ت ولى القض اء
نة 505ﮬ. وفي س ة() ،وت اطبة وداني بش
من خالل هذا الجرد ،يتبين فعال أن بعض العائالت قد استأثرت بمنصب القضاء وتوارثته من جي ل إلى جي ل ،مم ا يؤك د ظ اهرة ت راكم
النفوذ االجتماعي لعائالت معينة في الدولة المرابطية .لكن هذه الظاهرة لم تكن وليدة العصر المرابطي بل تضرب بجذورها في التاريخ.
فهناك عائالت توارثت منصب القضاء منذ ما قبل العصر الـمرابـطي .وبالتالي ،يب دو أن الس لطة ال دخ ل له ا في تمكين ه ذه األس ر من
نفوذها االجتماعي واالقتصادي ،خاصة في ظل الصالحيات التي كانت تخولها السلطة للسكان في اختيار قضاتهم() .ومن ناحية أخ رى،
يمكن القول إن ظاهرة التوراث القضائي هذه ال يمكن فصلها عن ظاهرة أشمل منها ،وهي ظاهرة التوراث العلمي .فغالبية العائالت التي
توارثت منصب القضاء قد توارثت أيضا العلم .ومن المعلوم أن التكوين الفقهي الرفيع كان شرطا أساسيا لت ولي ه ذا المنص ب ،وبم ا أن
أبناء تلك األسر العلمية كانوا من هذا الصنف ،فقد كان القضاء من نصيب عدد كبير منهم ،ليس من باب المحاب اة أو المحس وبية ،ب ل من
الكفاءة واالستحقاق العلمي واالخالقي .ولعل ما يزكي هذا االستنتاج هو انفتاح أمير المسلمين علي بن يوسف على عم وم المواط نين في
تعيين قضاة سامين مثل قاضي الجماعة() ،فضال عن غيره من القضاة() .أما من حيث النفوذ المادي ،فكثيرا ما كانت هذه األسر العلمي ة
ذات جاه ونفوذ خالل مراحل مختلفة من تاريخ األندلس .فوصف أفراده ا في كتب ال تراجم ب أنهم أص حاب ق در عظيم ،وم ال ع ريض،
وجاه جليل ،وغير ذلك من األوصاف التي تحبل بها ترجمات كثير من الفقهاء المنتمين لتاريخ ما قبل العصر المرابطي ي دل على أهمي ة
االمتداد التاريخي لنفوذهم إلى ما قبل العصر المرابطي() .ومعنى هذا أن ثروة الكثير من األس ر ،موض وع الدراس ة هن ا ،لم تكن ولي دة
العصر المرابطي ،بل جاءت نتيجة كفاح أجي ال من أبنائه ا .ولع ل العام ل الم ادي ك ان أح د العوام ل األساس ية المس اهمة في اس تمرار
احتكار تلك األسر لمنصب القضاء ،لما كان يتطلبه من إمكانات مادية للتمكن من ني ل تك وين فقهي م تين وثقاف ة عالي ة ،وه و م ا لم يكن
يتأتى للعموم ،إذ كان األمر يستلزم نفقات كبيرة خاصة مع ارتفاع أجور بعض األساتيذ ،مما ك ان يثق ل كاه ل أبن اء األس ر المتواض عة،
ويحول دون مواصلة الكثير منهم لمسيرتهم العلمية ،عكس أبناء األسر الميسورة() .ولذلك أثر النفوذ المادي في تشكيل الجهاز القضائي.
ولكن هذا ال يعني غياب وجود عدد كبير من القضاة من أبناء األسر المتواض عة اجتماعي ا ،بفع ل م ا تم يزوا ب ه من إص رار كب ير على
يل العلمي. التحص
من خالل ما سبق ،إذن ،يتبين أن ثراء مجموعة ال يستهان بها من القضاة لم يكن مرده إلى ما كس بوه من مناص بهم القض ائية في الدول ة
المرابطية ،بل كان نتيجة إرث اآلباء واألجداد .هذا مع ضرورة اإلشارة إلى أن كثيرا من هؤالء القضاة األغني اء س خروا غن اهم لخدم ة
المجتمع ،ولم يحرصوا على زيادة ثرواتهم ومكاس بهم المادي ة ،ولم يس تغلوا مناص بهم لخدم ة مص الحهم الخاص ة ،ب ل ك انوا في خدم ة
المجتمع والدولة بما أوتوا من طاقات مادية ومعنوية .فابن حمدين الذي استهدف باالسم من خالل النقد الشديد المت داول عن د الم ؤرخين،
كان جميل الطريقة ساعيا في كل خير ،قطع الضرائب والمعاون عن أهل قرطبة() .وعاش بعض القضاة متواض عي الح ال رغم غن اهم
المادي كما هو الشأن بالنسبة للقاضي أبي عبد هللا محمد بن عيسى التميمي-ت 505ﻫ –الذي "كان من أحسن القضاة وأنزههم وأجراهم
على الطريقة القويمة ،فمضى فقيرا() .وكان بعضهم اآلخر يستثمر غناه في خدم ة الفق راء والمس اكين ،مث ل قاض ي الجماع ة محم د بن
أص بغ ال ذي ك ان ينف ق في ك ل ي وم على ثالثمائ ة بيت "يعي ل دي ارهم ويقي ل ع ثراثهم"().
وهناك نماذج كثيرة من الفقهاء والقضاة الزهاد الذين اشتهروا بزهدهم في الدنيا ورفض هم للمناص ب ال تي عين وا فيه ا وخاص ة منص ب
ة: اذج التالي ع .ومنهم النم رف المجتم يرا من ط ا كب بهم احترم ا أكس اء ،مم القض
⬜ الفقيه القاضي أبو عبد هللا محمد بن عيسى التميمي (505-429ﻫ) :كان من "أجل شيوخ سبتة ،ومقدم فقهائهم ،وهو من شيوخ
عياض ،وكان كثير الكتب حافظا عارفا بالفقه ،تولى القضاء بسبتة نحو ست سنين ،واستعفى من ذلك أخيرا فأعفي ،وذلك في محرم سنة
496ﻫ ،ثم التزم القضاء بمدينة فاس بعد أن سجن على إبايته من ذلك سنة 503ﻫ ،فنهض إليها ثم انصرف زائرا إلى سبتة وتلذذ بها
رج اء تخلص ه من الخط ة ،وك ان من أحس ن القض اة وأن زههم وأج راهم على الطريق ة القويم ة ،فمض ى فقي دا-فق يرا-حمي دا"().
⬜ محمد بن مروان بن عبد الملك اللواتي :تولى القضا بعدة مدن (مكناسة ،ألمرية ،غرناطة) ،وسلك في حيلت ه مس لك الزه د والع دل.
ه(). ه لم يعف تعفاء ،ولكن لمين لالس ير المس كوى على أم ثر الش أك
⬜ أبو العباس بن الصقر األنصاري الخزرجي :أحمد بن عبد الرحمن ،كان حيا سنة 541ﻫ ،عمل إماما بجامع مراكش ،وأصله من
سرقسطة ،واشتغل عاقدا للشروط وكاتبا لبعض القضاة مثل أبي عبد هللا بن حسون بمراكش والقاضي عياض بغرناطة ،كما تولى والي ة
األحك ام والص الة ب وادي آش .رفض أخ ذ الم ال من عم ال الم رابطين وم واالتهم ،ورفض أن يغ ادر دي دن أه ل العلم والفقه اء().
⬜ أبو محمد الهاللي ،عبد المنعم بن مروان بن عبد المالك سمجون :أصله من طنجة ،س كن غرناط ة وت وفي بألمري ة ،ت ولى القض اء
كسبه(). في والزهد حكمه، في بالعدل الملك عبد ابن وصفه نة517ﻫ، س
⬜ أبو الحسن بن برطلة األزدي ،سليمان بن موسى :توفي سنة 539ﮬ ،كان قاضيا لمرسية أيام الثورة على المرابطين ،وكان زاهدا
دنيا(). متقلال من ال
⬜ أبو الحسن صالح بن عبد الملك بن سعيد األوسي (586-500ﻫ) :اشتغل قاضيا في حدود سنة 530ﮬ ،وكان زاهدا في الدنيا().
⬜ أبو مروان عبد الملك بن أحمد األبهري ،من شنت مرية الشرق ،تـوفي بـعد 490ﮬ :اشتغل قاضيا ببلده .وكان زاهدا فاضال().
⬜ أبو عبد هللا بن أبي صوفة الحجري ،محمد بن أحمد :من قرطبة ،سكن الجزي رة الخض راء ،ك ان حي ا س نة 513ﻫ ،اشتهر بالزهد
راء(). الجزيرة الخض يا ب تغل قاض ا اش ة ،كم اورا بقرطب ان مش ورع ،وك وال
وهناك نماذج كثيرة من الفقهاء الذين امتنعوا عن تولي الوظائف الرسمية ،وحبذوا االبتع اد عن الس لطة رغم اإلكراه ات ال تي تعرض وا
ا يلي البعض منهم: ا ،وفيم له
⬜ أبو محمد القيسي ،عبد الملك بن إبراهيم بن هاشم القيسي :يعتق د أن ه من ألمري ة ،امتن ع عن ت ولي القض اء ،رغم أن س كان ألمري ة
اتفقوا على توليته باإلجماع ،وتقدموا بطلب في هذا الش أن ليوس ف بن تاش فين ،لكن ه تش دد في رفض ه ذا المنص ب ،وه دد ب الفرار عن
وقفهم(). بثوا بم أوالده إذا هم تش
⬜ أبو عبد هللا بن الحمزي ،محمد بن أحمد بن خلف القيسي ،توفي سنة 539ﻫ :اشتغل مشاورا وخطيبا وقاضيا بألمرية ،وكان فقيها
حافظا ،تخلى عن القضاء بطلب منه() .وتفرغ للتدريس كما يؤكد ذل ك الع دد الكب ير من تالمي ذه ال ذين ك ان من أش هرهم أب و القاس م بن
كوال(). بش
⬜ أبو عبد هللا بن المجاهد األنصاري ،محمد بن أحمد574-483( ،ﮬ) :من اشبيلية ،كان واحد وقته ،زاهد في الدنيا ،مجتهدا على
العبادة ،احتج على ارتباط ابن العربي بالسلطان ،حيث قال عنه" :كان يدرس وبغلته عند الب اب ينتظ ر الرك وب إلى الس لطان" ،وامتن ع
عن تولي منصب القضاء بشريش ،وتفرغ للتدريس واإلقراء() .ولم يكن يسمح ألحد بالتعرض إليه بهدية أو تحف ة قلت أو ك ثرت ،ال من
بهم)(. ق طيب مكس د تحق ائه ممن ق اد من بعض خلص يرهم ،إال من آح وك وال من غ المل
فامتنع(). القضاء لتولي عليه عزم عيد (ت 529ﮬ): د بن س ام بن أحم واد ،هش ⬜ ابن الع
⬜ الفقيه عبد هللا أحمد بن واشون الهذلي (ت 529ﮬ) :فضل السجن على تولي القضاء ،إذا أنه أمر بتولي القضاء بمدينة فاس ،فامتنع
جنه(). أمر بس ه ،ف ا طلب من ه فيم در علي ا ،ولم يق ا كلي امتناع
⬜ الفقيه القاضي أبو علي الصدفي :تولى القضاء بمرسية نزوال عند رغبة أهلها" ،فسار فيه سيرة فض حت من ك ان قبل ه وأتعبت من
جاء بعده"() ،لكنه ما لبث أن استعفى ،فلما لم يعف ه رب إلى ألمري ة وت وارى فيه ا ش هورا إلى أن ج اءه كت اب اإلعف اء ،فظه ر خدم ة
ه(). لطلبت
⬜ الفقيه الجليل القاضي أبو الوليد بن رشد (ت 520ﮬ) :ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511ﻫ ،ثم استعفى منها سنة 515ﻫ ،وتفرغ
ة(). ه الفقهي ال تآليف إلكم
⬜ الفقيه أبو الحسن بن عبد األعلى الكالعي (ت505ﻫ بأغمات) :من أهل سفاقس ،سكن المغرب واألندلس ،استوطن سبتة فشاوره
ال(). ا فاض ان منقبض امتنع ،وك رة ف اء الجزي د على قض اة ،وأري ا بعض القض به
وإلى جانب االبتعاد عن السلطة والزهد في الدنيا ،شكل تفاني العلماء في التدريس والتعليم من أهل العوامل المحددة لمكانتهم االجتماعي ة
لدى عامة المجتمع وخاصته .ذلك أن مكانة الفقهاء في المجتم ع اإلس المي عام ة ترج ع ،من ض من م ا ترج ع إلي ه ،إلى طبيع ة األدوار
والمهام الطالئعية التي كانوا يقومون به ا ،وعلى رأس ها مهم ة التعليم وخدم ة المتعلمين ،مم ا جعلهم يحظ ون ب احترام كب ير من ط رف
ين. اء المدرس اهير الفقه ا يلي بعض مش ل .وفيم ع كك ائالتهم ،ومن المجتم ة وع الطلب
⬜ أبو العباس األنصاري الخزرجي ،أحمد بن طاهر(532-467ﻫ) :المحدث الضابط ،العالم بالمسائل ،اشتغل بتدريس الحديث ببلده
اض(). ل عي و الفض هورين :أب ذه المش ة .من تالمي دة طويل م
⬜ أبو عمر األزدي ،أحمد بن عبد هللا بن جابر األشبيلي (536-417ﮬ) :اشتغل بإقراء القرآن والحديث بإشبيلية لمدة تزيد عن 60
س نة ،وك ان م تين ال دين ش هير الفض ل والص الح ،من تالمي ذه المش هورين :أب و بك ر بن خ ير وأب و القاس م بن بش كوال().
⬜ أبو العباس بن عاصم الثقفي ،أحمد بن عبد الرحمن( ،ت 540ﮬ) :أصله من برجة ،سكن قصبة ألمرية ،كان مقرئا مجودا ضابطا،
ة(). امع ألمري ديث بج رآن والح راء الق رغ إلق تف
⬜ الفقيه القاضي أبو بكر بن العربي (تـ543ﻫ) :هو"اإلمام والعالم الحافظ المستبحر ،ختام علماء األندلس ،آخر أئمتها وحفاظها"()،
بع د عودت ه من رحلت ه الش هيرة نح و المش رق انص رف إلى بل ده"فس مع ودرس الفق ه واألص ول وجلس للوع ظ والتفس ير ورح ل إلي ه
للسماع"() .كان كثير االحتمال لطلبته ،حسن المعاشرة ،لين الكنف ،حريصا على نشر العلم() .وقد بلغ من حرص ابن العربي على إفادة
الطلبة في كل أوقاته ،أنهم كانوا في بعض األحيان يبيتون معه ببيته بقرطبة() .وبعد عودته إلى اش بيلية ب نى به ا مس جدا اكتظت جوانب ه
برواد المعرفة ،واتصلت حلقاته في التفسير والحديث والفقه واألصول وعلم الكالم واللغة واألدب واألخبار والس ير() .ولع ل خ ير دلي ل
على باعه الطويل في ميدان العلم والتعليم ،ذلك العدد الكبير من تالميذه وأصحابه المتواجدين في كل جهة ومكان ،والذين طالت شهرتهم
ول()… ه ،األدب ،األص ديث ،الفق ة :الح االت المعرف ل مج ك
⬜ القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544ﻫ) :فقيه الفقهاء في قطره() ،وأحد سالطين العلم الذين سارت مآثرهم مسيرة الشمس
والقمر() .تولى القضاء عدة مرات بسبتة سنة 515ﻫـ() ،وقضاء غرناطة سنة 530ﻫ ،التي لم يستمر بها سوى مدة قصيرة ،ثم عين من
جديد قاضيا لسبتة سنة 539ﻫ() .وكان في كل هذه المرات "حسن السيرة ،محمود الطريقة ،مشكور الخلة ،أقام الحدود على ضروبها
واختالف أنواعها"() ،دائما يبتهج به أهل المدينة التي يتولى بها القضاء ،محافظا على استقاللية القضاء عن السلطة التنفيذية وال يرضى
عن ذلك تبديال .لكن رغم انشغاالته الكثيرة بوظيفة القضاء والشورى ،فإنه لم يتخلّ قط عن مهمة التدريس حيثم ا ح ل وارتح ل وخاص ة
ببلده سبتة ،حيث اتخذ من جامعها مركزا للتدريس واإلقراء ،فكان "محب ا في طلبت ه العلم محرض ا لهم على طلب ه ،مس هال لهم الطرائ ق
مبادرا لقضاء حوائجهم"() .وقد بوأه هذا الحرص على نشر العلم والتعليم مكانة كبرى في بلده وفي غيره ،ي دل على ذل ك ك ثرة تالمي ذه
ة. ون المعرف ل فن من فن في ك
⬜ أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد ( 520-450ﮬ)" :زعيم فقهاء وقته بأقطار األندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة
النظر وجودة التأليف ودقة الفقه ،وكان إليه المفزع في المش كالت ،بص يرا باألص ول والف روع والف رائض والتفنن ،في العل وم ،وك انت
الدراية أغلب عليه من الرواية ،كثير التصنيف مطبوعه"() .تولى قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511ﻫ ،ثم استعفى منها سنة 515ﻫ .رحل
الناس إليه من كل أقطار األندلس والمغرب للتفقه عليه طيلة م دة حيات ه إلى أن ت وفي س نة 520ﻫ ،كمايدل على ذلك العدد الكبير من
تالميذه ،ومن أشهرهم :محمد بن أصبغ األزدي (ت 536ﻫ) قاضي الجماعة بقرطبة() ،القاضي عياض (ت 544ﻫ)() ،الحافظ المفسر
أبو الحسن علي بن عبدهللا األنصاري المعروف بابن النعمة ت 567ﻫ)() ،المحدث الفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة اليحصبي (ت
578ﻫ))(. (ت بشكوال بن الملك عبد بن خلف المؤرخ المحدث 552ﻫ)()،
⬜ـ محمد بن أحمد بن إبراهيم بن جامع األنصاري الجياني (ت546ﻫ) :من مصنفاته "أسرار اإليمان" ،وله في مسائل الخالف تعليق
مشهور في 7أسفار .اشتغل بالتدريس طيلة حياته وخاصة منذ عودته من رحلته إلى المشرق ،فبعد عودته من ه ذه الرحل ة ن زل بج امع
القرويين يدرس الفقه ،ثم لما انتقل إلى بلده جيان ،جلس في مسجده المنس وب إلي ه للوع ظ واإلرش اد وإي راد حكاي ات الص الحين ،ونحى
منحى الزهد ،فكانت العامة تنتاب مجلسه ،واستمر على ذلك إلى غاية 539ﻫ أو 540ﻫ ،فخرج من بلده للفتنة الدهماء التي اجتاحته،
ه(). ائل الخالف إلى وفات وله ومس ه وأص درس الفق اي ام به اس ،وأق ةف د مدين وقص
⬜ الشيخ الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الجياني الغساني ( 498-427ﻫ) :كان من كبار المحدثين والمسندين "شيخ األندلس في وقته
وصاحب رحلتهم"() ،كان له حظ واسع وافر من األدب والنسب والمعرفة بأسماء الرجال وسعة السماع ،رحل الناس إلي ه من األقط ار،
وعولوا عليه في الرواية ،وجلس لذلك بالمسجد الجامع بقرطبة فسمع من ه علماؤه ا وفقهاؤه ا وطلبته ا ،وك ان حفي ا بطلب ة العلم() .ومن
اض(). ي عي هورين القاض ذه المش تالمي
⬜ القاضي الشهيد أبو علي حسين بن محمد بن فيره الص دفي (ت 514ﻫ) المعروف بابن سكرة .تعدد شيوخه بالمغرب والمشرق،
جمع منهم القاضي عياض مائتي شيخ في مصنفه "المعجم" الذي يعتبر مفقودا لحد اآلن() .بعد عودته من رحلته إلى المشرق ،استقر في
مرسية منصرفا إلى العلم وتدريسه محدثا بجامعها ،فرحل إليه الطلبة من كل أنحاء األندلس والمغرب وك ثر س ماعهم علي ه ،وك ان ب ارا
بطلبته صابرا عليهم ،فانتفع به الكثير من الطلبة ،بل غ ع ددهم 314طالب ا من كب ار العلم اء والفقه اء والمح دثين ،جمعهم ابن األب ار في
اب المعجم(). كت
⬜ الفقيه أبو محمد بن شبونة ،عبد هللا بن أحمد بن خلوف األزدي (ت 537ﻫ) :أحد الحفاظ المدرسين للمذهب العالمين به ،انتقل إلى
أغم ات بع د س بتة وس ال فك ان رأس ا به ا مق دما في الت دريس به ا والفتي ا وتفق ه عن ده خل ق كث ير().
ف السـلطة اء عن مواق ة للعلم تقاللية المواقـف الفكري ة :اس ل الفكري ب ـ العوام
من المعلوم أن الفقهاء قد احتلوا على مر التاريخ مكانة مهمة في المجتمع والدولة اإلسالمية ،حيث ش كلوا النخب ة الماس كة بزم ام الس طة
العلمية ،مما جعلهم دائما في معترك التاريخ ،بحكم الحاجة الدائمة إليهم سواء من طرف الماسكين بزمام الس لطة السياس ية أو من ط رف
المجتمع .وقد وجدت هذه الفئة في نصوص الشرع ما يدعم مكانتها ويقوي سلطتها من الناحية النظرية .فالعلماء ورثة األنبياء وهم أيض ا
أولو األمر الذين وجبت طاعتهم .لكن من الناحية الواقعية والتاريخية كانت هذه المكانة تخضع -باإلضافة إلى السند الشرعي -لمتغ يرات
الواقع ،وخاصة متغير العالقة بين السلطة السياسية والسلطة العلمية وانعكاسات ذلك على الموقف من المجتمع .فكلما حافظ العلم اء على
استقالليتهم عن السلطة السياسية وانحازوا لقضايا المجتمع كلما تعززت مكانتهم لديه ،خاصة في ظل التوتر التاريخي ال ذي طب ع عالق ة
السلطة السياسية بالمجتمع() .ولعل الحديث عن مكان ة الفقه اء في الدول ة المرابطي ة يف رض علين ا مقارب ة اإلش كال من زاوي ة الت داخل
البنيوي بين السلطتين السياسية والعلمية وليس مجرد الح ديث عن تمظه رات العالق ة المتوافق ة أو المتن افرة بين الس لطتين ،وذل ك بحكم
والدة المشروع المرابطي وتطوره في أحض ان الفقه اء كم ا ت بين ذل ك من خالل ح ديثنا عن مظ اهر وتجلي ات نف وذ الفقه اء في الدول ة
المرابطية السنية المالكية ،مما يجعل منها دولة الفقهاء بامتياز .وقد ض من ه ذا الوض ع المكان ة المس تحقة للفقه اء في الدول ة والمجتم ع.
ورغم ذلك ،فإن الوقائع التاريخية تسمح لنا بإمكانية الحديث عن االستقالل الفكري للفقهاء كسلطة فكرية عن السلطة السياسية مما ض من
ع. د المجتم ة عن ة محترم لهم مكان
وال بوزيره وال بضجيعه في قبره ،وال ممن ال يشك في عدله .ف إن ك ان القض اة والفقه اء أنزل وك منزلت ه في الع دل فاهلل تع الى س ائلهم
وحسيبهم عن تقلدهم فيك…"() .وضجيعه في قبره ،وال يشك في عدله ،وليس أم ير المس لمين بص احب رس ول هللا ذل ك أن الس مة
الغالبة على الفقهاء المرابطين هي نصرتهم للحق دون محاباة أي ط رف ،وخ ير مث ال على ذل ك م ا تداولت ه المص ادر عن حكم قاض ي
ألمرية أبي عبد هللا بن الفراء على أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بأداء القسم في المسجد من أجل السماح له بجباية مبل غ من الم ال من
المسلمين بغرض الجهاد ،حيث قال له" :فليدخل أمير المسلمين المسجد الجامع بحضرة من هن اك من أه ل العلم ،وليحل ف أن ليس عن ده
في بيت مال المسلمين درهم ينفقه ،وحينئذ تجب معونته"() .كما أن الصيغة إلتي خاطب بها هذا القاضي أمير المسلمين تدل على الج رأة
في قول الحق ،حيث قال في معرض جوابه عليه" :فقد بلغني ما ذكره أم ير المس لمين من اقتض اء المعون ة وت أخري عن ذل ك ،وأن أب ا
الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة واألندلس أفتوه بأن عمر بن الخطاب اقتضاها ،فالقضاة والفقهاء إلى النار دون زبانية ،فإن
ول هللا احب رس ان ص دك اها فق ر اقتض ان عم ك
وكان موقف فقهاء األندلس من شرعية حكم يوسف بن تاشفين موقفا صارما كذلك .فعلى الرغم من الجه د الكب ير ال ذي ق ام ب ه في إنق اذ
األندلس وإسقاط ملوك الطوائ ف ،فق د اش ترطوا علي ه ضرورةالحص ول على التزكي ة من الخليف ة العباس ي ح تى تك ون طاعت ه واجب ة
وشرعية ،حيث قالوا له" :إنه ال تجب طاعتك على المسلمين حتى يكون لك عهد من الخليفة"() ،وهي المهم ة ال تي اض طلع به ا قاض ي
إشبيلية الفقيه عبد هللا بن العربي المعافري وابنه أبو بكر محمد() .وهناك فقهاء آخرون شهد لهم أمراء المسلمين بالصرامة في قول الحق
من طرف ،مثل الفقيه أبي محمد بن شبونة(ت 537ﻫ) الذي "كان ال يداهن في فتياه وال يصانع أحدا ،وكان أمير المسلمين علي بن
يوسف يصفه بذلك"() .لكن إذا كان األمر كذلك من حيث عالقة الفقه اء بالس لطة ،فه ل ك انت مواق ف الفقه اء منس جمة وموح دة فكري ا
ا؟ دين اجتماعي وا ملتحمين وموح ا أنهم لم يكون ا رأين دم يا ،بع وسياس
هناك قضايا أساسية تساعد على الجواب ،ونخص بالذكر الموقف من اإلحياء ،والموقف من السلطة المرابطية باألندلس في آخر عه دها.
فيما يخص القضية األولى ،اختلفت مواقف الفقهاء المالكيين من قضية إحراق "اإلحياء" لإلمام الغزالي ،حيث نجد ثالثة مواقف مختلفة،
فهن اك الموق ف المتب ني لعملي ة اإلح راق والمؤي د له ا ،والموق ف المع ارض ب اإلطالق ،والموق ف المتحف ظ().
يمثل الموقف األول فقهاء الدولة ،وعلى رأسهم قاضي قرطبة ابن حمدين التغلبي (ت508ﻫ1114 /م) ،فهو الذي تزعم الحمل ة الطاعن ة
في فكر الغزالي من خالل الفتوى بإحراق كتابه إحياء علوم الدين() .ولم يكتف ابن حمدين بإصدار فتوى إحراق "اإلحياء" واجتثاث ه من
مكتبات المغاربة واألندلسيين ،بل ألف في الرد عليه رسالة قرأها عليه تلميذه ابن عطية() ،أو رسائل قرأها عليه كذلك تلميذه عي اض()،
يرهم(). ة وغ اء قرطب انده فقه ة ،حيث س ذه المعرك ده في ه دين وح الطبع لم يكن ابن حم وب
لكن في مقابل هؤالء المتحمسين إلحراق اإلحياء ،انتصب فقهاء آخرون للدفاع عنه سرا وعالنية ،منهم الفقي ه أب و الحس ن ال برجي( ،ت
509ﻫ 1116-15/م) إذ يقول عنه ابن األبار" :وهو الذي أوجب في كتب أبي حامد الغزالي حين أحرقها أبو عبد هللا بن حمدين… تأديب
محرقها ،وتضمينه قيمتها ألنها مال مسلم ،وقيل له أتكتب بما قلته خط يدك ،قال :سبحان هللا ،كبر مقتا عند هللا أن تقولوا ما ال تفعلون ،ثم
كتب السؤال في النازلة وكتب فتياه بعقبة ،ودفع إلى أبي بكر عمر بن أحمد بن الفصيح ،وأبي القاسم بن ورد ،وغيرهما من فقهاء المرية
ومشايخها ،فكتب كل واحد منهم بخطه :وبه يقول فالن ،مسلمين لعلمه وزهده ،فغاظ ابن حم دين ذل ك لم ا بلغ ه ،وكس ر من ه ،وكتب إلى
قاض ي ألمري ة (…) بعزل ه عن خط ة إن ك انت بي ده ،ف أخبر بزهادت ه وانقباض ه عن أه ل ال دنيا…"().
وبمدينة فاس انتصر لكتاب "اإلحياء" الفقيه أبو الفضل النحوي() .وبج وار عاص مة الدول ة المرابطي ة ـ م راكش ـ وعلى مش ارفها في
مدينة أغمات وريكة ،كان الفقيه أبو محمد عبد هللا المليجي (توفي قبل 540ﻫ )1146-45/من الرافضين لإلحراق ،فقد ذك ر ابن الزي ات
عنه "أنه لما أفتى الفقهاء بمراكش ب إحراق كت اب اإلحي اء للغ زالي ،ف أحرق بص حن ج امع الس لطان .س أل أب و محم د عن ال ذين أفت وا
بإحراقه .فكان كلما سمى له واحد منهم دعا عليه"() .وبالطبع لم يكن هؤالء وح دهم في معرك ة مناص رة اإلحي اء .وإال فم ا ال داعي ألن
يصدر األمير تاشفين بن علي سنة 538ﻫ1143/م مرسوما شديد اللهجة للتحذير من قراءة كتاب اإلحياء خاصة وكتب الغزالي عام ة()؟
ألم تتمكن فتوى اإلحراق التي صدرت قبل هذا التاريخ بأكثر من ثالثين سنة ،وأوامر أبيه علي بن يوسف القاضية بضرورة إح راق م ا
دلس؟ رب واألن اء من المغ اث اإلحي حابها() ،من اجتث ا من أص اء وانتزاعه خ اإلحي د من نس وج
إن ما يشجع على التشكيك في مدى نجاح دعوة ابن حمدين وأنصاره ضد اإلحي اء ،ه و أن التح ذير الش ديد ال ذي ورد في رس الة األم ير
تاشفين جاء مرفوقا بالتأكيد على ضرورة االلتزام بالمذهب المالكي في الفتيا واألحكام والشورى ،حيث يق ول مخاطب ا الفقه اء والقض اة:
د ركب رأس ه واتب ع ه واه.)(".. واه ،وم ال من األئم ة إلى س واه ،فق "ومن ح اد عن رأي ه بفت
وهناك فئة ثالثة من الفقهاء ال ذين اش تهروا بمك انتهم الس امية في الدول ة المرابطي ة ،لكنهم لم ينس اقوا م ع موق ف ابن حم دين وق رارات
السلطة العليا في شأن هذا الموضوع .ويتعلق األمر بقضاة الحكم المرابطي المش هورين أبي الولي د بن رش د الج د ،وأبي علي الص دفي،
اض. ي عي ربي ،والقاض ر بن الع وأبي بك
فبالنسبة البن رشد ،نجد أنه قد التزم الصمت إزاء ضجة اإلحراق ،فلم يعلن تحيزه العلني لإلحياء ،كما لم يلتحق بركب خص ومه .فبم اذا
نفسر صمته هذا؟ هل هو صمت إيجابي لصالح اإلحياء أم ضده؟ لو أن موقفه كان معارضا لإلحياء ،فما المانع من التصريح به؟ لذا ،ق د
يكون صمته في هذه القضية مؤشرا على تضامنه مع اإلحياء لكن دون إحداث ض جة تش وش على الس لطة ،وه و م ا ذهب إلى ترجيح ه
محمد القبلي ،حيث اعتبر أن صمت ابن رشد يترجم تل ك المحافظ ة التقليدي ة ال تي دأب عليه ا جمه ور علم اء األن دلس أم ام ك ل حرك ة
تجديدية خشية المغامرة والشرع من جهة .ومن جهة أخرى فإن الصمت نفسه قد يكون صمت قاض يعتمد في أحكامه النزاه ة وال تروي
وعدم مسايرة الضغوط الرسمية() .وإذا كنا نعتبر أن االفتراض األول قد يكون صحيحا بالنظر لم ا يع ززه من ش واهد في ت اريخ علم اء
األندلس() ،فإن االفتراض الثاني يصطدم بما عرفناه عن ابن رشد من جرأة في المواجهة وقول الحق ،فضال عن أن الص مت عن الح ق
ليس من خصال العلماء المخلصين أمثال ابن رشد .وحتى إذا افترضنا تقديره للظروف المحيطة ب القرار األم يري بش أن اإلح راق ،ف إن
هذا االفتراض ذاته يسقط أمام حقيقة أخرى وهي اصطدامه مع الجند المرابطي واحتجاجه على مساندة السلطة ألعوانه ا وطلب ه اإلعف اء
من القضاء .وهناك افتراض آخر نطرحه ويتعلق بتجنب ابن رشد االصطدام المباشر مع أمير المسلمين علي بن يوسف الذي كان مق دما
عنده عظيم المنزلة معتمدا عليه في العظائم أيام حياته() .لكن مهما يكن من أمر ،فإن موقفه رغم أن ه يظ ل محاط ا ب الغموض ،فإن ه يع د
حس ابيا لص الح اإلحي اء ،ونقط ة ض عف في س جل الط رف المع ادي لإلحي اء أي جن اح الم رابطين.
ولم يعلن ابن العربي عالنية عن موقف التأييد أو الرفض لحادثة اإلحراق ،فهل نفسر صمته بما فسرنا ب ه ص مت ابن رش د؟ لق د تس اءل
محمد القبلي نفس السؤال تقريبا وانتهى إلى القول بناء على بعض المعطيات() ب أن الص مت "العم ومي" ال ذي لزم ه التلمي ذ من قض ية
شيخه لم يكن ليخلو من بعض التقية القائمة على المسالمة وتجنب االستفزاز ،خصوصا وأن السلطة كانت قد بادرت إلى الحيلولة بين أبي
بك ر بن الع ربي وبين مخلف ات أبي ه لس بب نجهل ه ،فلم يتمكن من رد األمالك المحتج زة إال بفض ل ش فاعة أبي علي الص دفي"().
غير أن هذا الطرح ال يصمد أمام بعض النصوص المتداولة البن العربي والتي توض ح موقف ه من ش يخه ،حيث يق ول في نق ده لإلحي اء
ومؤلفات أخرى للغزالي" :يعلم هللا ويشهد لي كتبي ومسائلي وكالمي مع الفرق بأني جد بصير بأغراض الق وم ومقاص دهم ،ف إن معلمي
كان فحال من فحولهم )...( ،وتاهلل كنت محتشما له ،غير راض عنه ،وق د ت ردد علي ه فيم ا أمكن واحتش مت جانب ه فيم ا تيس ر"() .ف ابن
العربي ،حقا ،لم ينخرط في حملة التشويه والتحريم لقراءة اإلحياء أو غ يره من كتب الغ زالي ،وربم ا ق د يك ون ذل ك من ب اب "التحف ظ
والحيطة من جراء تشبعه "الثابت" بالتعاليم المحظورة ،وحرصه لنفس الس بب في الغ الب على مجامل ة الحكم واالتص ال ب ه أو التق رب
منه على مرأى ومسمع من الجميع"() ،مما جعل موقفه هذا يتسم بالمرونة ،التي اعتبرها عبد المجيد النج ار من الخص ال ال تي اكتس بها
ابن العربي من ج راء معاش رته للمتمرس ين بالعم ل السياس ي وت أثير عيش ته الحض رية ونش أته ش به األرس تقراطية() .لكن ه ذا ال رأي
يصطدم بما عرف عن ابن العربي من صرامة في تطبيق الحدود واألحكام القضائية ،وال تي أدرجت من قب ل بعض مترجمي ه في نط اق
رائب(). الغ
أما موقف عياض فكان أقل غموضا ،حيث عاب على اإلمام الغزالي بعض القضايا ،لكن دون أن ينساق مع فت وى اإلح راق ،حيث ينق ل
عنه الذهبي فقرة من كتابه معجم أبي علي الصدفي ،ورد فيه ا" :والش يخ أب و حام د ذو األنبي اء الش نيعة ،والتص انيف العظيم ة ،غال في
طريقة التصوف وتجرد لنصر مذهبهم ،وصار داعية في ذلك .وألف فيه تآليف مش هورة أخ ذ علي ه فيه ا مواض ع…"() .وك ان عي اض
يقول كذلك في حق كتاب اإلحياء" :لو اختصر هذا الكتاب ،واقتصر على ما فيه من خالص العلم لكان كتابا مفيدا"() .هكذا يكون عياض
قد ظل بعيدا بمسافة فكرية كبيرة عن ما توصل إليه ابن حمدين الذي أفتى باإلحراق ،فاكتفى بتحبيذ اختصاره اعترافا من ه بقيم ة الكت اب
وقيمة صاحبه اإلمام الغزالي ،ولم ينخدع بمستوى عالقته مع السلطة المرابطية ،وبالتالي ظ ل محافظ ا على اس تقالليته العلمي ة ،لكن ه لم
يشأ الدخول في مواجهات مع السلطة سواء خالل المرحلة األولى من الحملة ض د اإلحي اء في عه د ابن حم دين وعلي بن يوس ف أو في
فين بن علي. ه تاش د ابن عه
أما موقف أبي علي الصدفي فقد اتسم هو اآلخر بالتزام الصمت إزاء هذه القضية ،وهو الصمت الذي اعت بره القبلي ال يخ رج عن نط اق
الظروف المحيطة بضجة اإلحراق ،فجاء صمته هذا توفيقا بين اختياراته الشخصية المتمثلة في الزه د واالبتع اد عن المناص ب والتخلي
عنها ،وخاصة القضاء() ،والظروف المضطربة المحيطة .فكان زهده الشخص ي متماس كا م ع موقف ه العملي ،وفض ل االبتع اد عن ك ل
اد(). يء إال عن العلم والتعليم والجه ش
وهكذا ،يتبين أن فقهاء المغرب واألندلس ،رغم وحدة مذهبهم الم الكي ورغم عالق ة بعض هم القوي ة بالس لطة السياس ية ،لم يتبن وا موقف ا
موحدا من قضية اإلحياء التي كانت السلطة طرفا رئيسا فيها .وتظل المبررات التي اعتمدها كل ط رف لت برير موقف ه نابع ة من اجته اد
ر. رف آخ لطة أو أي ط اة الس ة ،وليس محاب ك النازل اص في تل خ
أم ا القض ية الثاني ة ال تي ت بين اختالف الفقه اء الم الكيين الم رابطين ك ذلك ،فهي قض ية الث ورات ال تي ان دلعت باألن دلس ض د الدول ة
المرابطية .فإذا كان بعضهم قد ركب جواد الثورة صد الدولة المرابطية والتنكي ل بوالته ا وعماله ا وجن دها ،وه و م ا ح دث في ك ل من
قرطبة على يد الثائر القاضي أبي جعفر بن حمدين() ،وفي غرناطة بزعامة القاضي أبي الحسن علي بن عمر بن أضحى() ،وفي جي ان
على يد القاضي ابن جزي() ،وفي مالق ة على ي د القاض ي أبي الحكم بن حس ون() ،وفي مرس ية على ي د القاض ي أبي محم د بن الح اج
اللورقي() ،ثم بعده أبو جعفر بن أبي جعف ر الخش ني )(،وفي أوريول ة على ي د القاض ي أحم د بن عاص م()؛ ففي المقاب ل نج د ع ددا من
الفقهاء قد رفضوا هذا المسلك واعتبروه نكثا لبيعة المرابطين التي في أعناقهم ،وهو ما عبر عنه القاضي أبو جعفر بن الحس ين األزدي،
حيث رفض مبايعة القاضي ابن عبد العزيز ،وقال" :وهللا ال أفعل وبيعة تاشفين في عنقي"() .وأصر قض اة آخ رون على تش بثهم ببيع ة
المرابطين()؛ وعبر البعض اآلخر عن ندم ه وت ذمره من االنخ راط في ه ذه الث ورات وتزكيته ا() .ولع ل في الموق ف االول اتجاه ا من
أولئك الفقهاء نحو االنتهازية السياسية ،خاصة وأن منهم من ك ان معروف ا بقرب ه الش ديد من الس لطة السياس ية العلي ا المرابطي ة مث ل آل
حم دين .أم ا الموق ف الث اني في دل على ثب ات أص حابه على المب ادئ وخاص ة مب دأ البيع ة ال تي ك انت ت ربطهم ب األمراء الم رابطين.
هذه بعض األمثلة الدالة على عدم انسجام مواقف الفقهاء مع السلطة بشكل مطل ق من جه ة ،وع دم انس جام م واقفهم فيم ا بينهم من جه ة
أخرى ،وهذا مؤشر قوي على أن الفقهاء لم يكونوا كلهم على تلك الصورة التي رس مها المراكش ي وغ يره من حيث النف وذ والس لطة في
أجهزة الدولة المرابطية .فمنهم أصحاب المصالح ومنهم أصحاب المبادئ .وس تتأكد ع دم مص داقية أطروح ة المراكش ي أك ثر من خالل
الحديث عن نفوذ مفكرين ومثقفين آخرين ـ من غير الفقهاء ـ في أجهزة الدولة ،ومن خالل الحديث عن وجود موظفين سامين في الدول ة
ال ينتمون إلى التيار المتهم بالسيطرة على الدولة أي التيار الفروعي من الفقهاء المالكيين ،وهو ما س يتم توض يحه من خالل اإلجاب ة عن
األسئلة التالية :ألم تقرب السلطة المرابطية مثقفين آخرين من أدباء وفالسفة وأطباء وغيرهم؟ ألم يتمتع موظفو الدولة ـ من غير الفقه اء ـ
بمكانة سامية ونفوذ قوي في دواليب الدولة؟ وأخ يرا ه ل ك انت المناص ب الس امية في الدول ة محتك رة من ط رف فقه اء الف روع فق ط؟
ة المرابطية اء ـ في الدول ير الفقه ل العلم ـ من غ ة أه 2ــ مكان
فيما يخص نفوذ المثقفين بمختلف مشاربهم الفكرية وتخصصاتهم في الدولة المرابطية ،يمكن القول إن جمي ع االتجاه ات ك انت حاض رة
في بنية الدولة .فقد كان لألدباء مكانتهم المحترمة في الدولة المرابطية ،وتتجلى هذه المكانة في الوظ ائف ال تي لم يكن يتواله ا تقريب ا إال
األدباء والشعراء .يؤكد ذلك عبد الواحد المراكشي من خالل حديثة عن اإلقبال الكبير ألدباء األندلس على المغ رب س واء في عه د أم ير
المسلمين يوسف أو ابنه علي لالشتغال بوظيفة الكتابة ،حيث يقول" :ف انقطع إلى أم ير المس لمين من الجزي رة من أه ل ك ل علم فحول ه،
حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم … واجتمع له والبنه من أعيان الكتاب وفرسان البالغة ما لم يتف ق اجتماع ه
ار"(). ر من األعص في عص
وهكذا ،وجد يوسف بن تاشفين وخلفاؤه في األن دلس معين ا ال ينض ب من الكت اب ذوي الب اع الطوي ل في الفص احة والبالغ ة ،فاعتم دوا
عليهم في إغناء ديوان الرسائل والمكاتبات ،وشكلوا من خالل جه ازهم ه ذا ص لة وص ل بين أم ير المس لمين ومختل ف الق وى األخ رى
الداخلية والخارجية() .وإذا كان هؤالء الكتاب لم تثبت لهم سلطة ذاتية ،حيث اقتصر دورهم على تنفيذ أوامر السلطة العليا ،ف إنهم أحيان ا
كانوا يقدمون النصائح ،ومع ذلك فإن قربهم من السلطة العليا للبالد يعني أنهم لم يكونوا بمنأى عن المشاركة في تسيير شؤون الدولة ،بل
ا. ية العلي لطة السياس ية الس انوا من حاش ك
وأكثر من ذلك ،فإن الوظائف الرس مية لم تكن محتك رة من ط رف المت وافقين م ع الس لطة وتوجهه ا الفك ري فق ط ،بمع نى أن ه لم يت ول
الوظائف الرسمية الهامة فقط من كان على علم بالفروع من المالكية .فقد ت ولى القض اء والكتاب ة وخط ة األحك ام وغيره ا من الوظ ائف
الرسمية عدد من أهل الكالم واالصول (أصول الفقه) والجدل والفلسفة والطب ...وأكثر من ذلك ،فقد عين في منصب القض اء فقه اء من
غير المالكية ،وكانوا من المقربين من السلطة السياسية المرابطية .وفيما يلي بعض النم اذج من مختل ف المش ارب واالتجاه ات والمهن:
-األصولي المتكلم أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي المرادي (ت 489ﮬ) :بعد انقسام الحركة المرابطية إلى شطرين الشطر الجنوبي
بقيادة أبي بكر بن عمر والشطر الشمالي بقيادة يوسف بن تاشفين ،انصرف أب و بك ر الحض رمي إلى الجن وب رفق ة أبي بك ر بن عم ر،
واشتغل قاضيا بأزكي بالصحراء في أحضان هذا األخير .واستمر كذلك رغم وف اة أبي بك ر بن عم ر .أم ا عن تكوين ه العلمي ،فق د ك ان
ى". المغرب األقص ادات ب وم االعتق ل عل "أول من أدخ
ولعل المقصود بكالم ابن الزيات هذا حول االعتقاد على الطريقة األشعرية .فقد كان المرادي أصوليا ولم يكن مجرد فقيه فروعي ،يق ول
عنه ابن بش كوال" :ك ان رجال نبيه ا عالم ا بالفق ه وإمام ا في أص ول ال دين ،ول ه في ذل ك توالي ف حس ان مفي دة… ل ه نه وض في علم
االعتقادات واألصول ومشاركة في األدب وقرض الشعر" .ولم يشتغل فقط بالقضاء ،بل مارس مهمة أخرى وهي الكتاب ة ألح د األم راء
رابطين. الم
-الكاتب أبو بكر بن المرخي اللخمي ،محمد بن عبد الملك (ت536ﻫ) :كان محدثا ومتقدما في حفظ اللغات واآلداب ،اشتغل كاتبا ألمير
ال(). د هللا بن أبي الخص انب أبي عب ف إلى ج لمين علي بن يوس المس
-األصولي الشافعي أبو عبد هللا بن الرمامة ،محمد بن علي بن جعفر بن أحمد القيسي القلعي479( ،ﻫ – 567ﻫ) :من قلعة بني حماد من
حوز بجاية ،سكن فاس ،وكان حافظا للفقه نظارا فيه بارعا في معرف ة أص وله م اهرا في اس تنباط معاني ه ش افعي الم ذهب ،مع ِّوال على
بسيط الغزالي ،مبرزا في علم الكالم ،ومع ذلك فقد سمح له بممارسة التدريس ،بل أك ثر من ذل ك فق د ت ولى القض اء بف اس س نة 533ﻫ،
ولعل ما هو أكثر من ذلك كله هو أنه لما شهر فضله استخلصه أمير المسلمين علي بن يوسف ،فكان من أخص حاضري مجلسه لديه() .
وكان هذا الفقيه شغوفا بالعلوم النظرية عاكف ا على تحص يلها ،بم ا في ذل ك كت اب اإلحي اء للغ زالي المض طهد من ط رف الم رابطين().
-األصولي المتكلم أبو جعفر بن باق الجذامي ،محمد بن حكم (توفي سنة 538ﻫ) :أصله من قرطبة ،سكن غرناطة وسرقسطة وفاس،
و"كان متحققا من علم الكالم وأصول الفقه محصال لهما" ،صنف في الجدل مصنفين ،وله عقيدة جي دة ،ت ولى أحك ام ف اس وعم ل مفتي ا
ة(). ا للعربي ا ،ومدرس له
-الطبيب أبو مروان عبدالملك بن زهر (ت 557ﻫ) ،المتحقق بصناعة الطب ،كان وجيه بلده ،حظيا عند األمراء والملوك ،صنف لألمير
اد(). الح األجس اد في ص اب االقتص فين كت ف بن تاش وب يوس أبي يعق
-المحدث واألصولي والمتكلم أبو الحسن بن الطالء القيسي ،عبد الملك محم د بن هش ام (ت 551ﻫ) :كان محدثا حافظا ضابطا عارفا
بالفقه وأصوله عارفا بعلم الكالم ،من شيوخه في هذا المجال أبو عبدهللا بن شبرين .مارس عدة وظائف رس مية ،فاش تغل قاض يا بحص ن
ا(). ده وخطيب اورا ببل ق ،ومش مرجي
-األديب أبو مروان بن أبي الخصال الغافقي ،عبدالملك بن مسعود (ت539ﻫ) عن 60سنة :من قرطبة ،لم يكن فقيها وال عالما بالفق ه،
بل كان من أه ل األدب والبالغ ة والش عر ،اش تغل كاتب ا لبعض رؤس اء لمتون ة بم راكش وف اس وغيرهم ا .وتخلى عن الكتاب ة وانقط ع
ادة(). للعب
-المحدث والفقيه الظاهري أبو العب اس األنص اري الخ زرجي ،أحم د بن ط اهر532-467 ( :ﻫ) :من شارقة سكن دانية ،كان محدثا
ضابطا وعالما بالمسائل ،لكنه كان يميل في فقهه إلى الظاهر ،ومع ذلك فقد تولى خطة الشورى بدانية لمدة تزيد عن 20سنة ،فضال عن
ه(). أليف في ديث والت دريس الح تغل بت ه اش أن
-الفيلس وف ابن وهيب األزدي ،مال ك بن يحي (ت 525ﻫ) :من أهل إشبيلية ،كان أحد رجال الكمال بمعرفة العلوم على تفاريعها
وأنواعها المختلفة .وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية ،من أهل الفلسفة ،بل لقد وصف بأنه فيلسوف المغرب .استدعاه أمير المس لمين
علي بن يوسف إلى مراكش وجعله جليسه ومستشاره المقرب() .وهو الذي ناظر ابن تومرت() ،وأش ار على أم ير المس لمين بض رورة
راكش(). ه من م ه اكتفى بإخراج ه() .لكن قتل
-الفيلسوف أبو بكر بن باجة (ت 532ﻫ) :فيلسوف المغرب واألندلس خالل عصر المرابطين ،بل هو أحد كبار فالسفة اإلسالم ،عاش
في كنف السلطة المرابطية المتهمة بمناهضة الفلسفة ،حيث اتخذه العامل المرابطي على سرقسطة أبو بكر إب راهيم بن تيفل ويت كاتب ا ل ه
قبل عام 509ﮬ .وبعد وفاة هذا العامل ،انتقل إلى فاس ـ بعد ألمرية وغرناطة وإشبيلية ـ حيث نال رضى أبي بكر يحيى بن يوسف بن
ه(). را ل ار وزي فين ،وص تاش
لطة في الدولة ال الس ة رج 3ــ مكان
وأخيرا ،أختم بالحديث عن نفوذ رجاالت السلطة من غير المثقفين في أجهزة الدولة ،إذ لم يتمتع فقط الفقهاء بالنفوذ والس لطة في الدول ة،
بل إن رجاالت اإلدارة والجيش هم أيضا كان لهم نفوذهم وسلطتهم ال تي نستش ف عظم م داها من خالل بعض الوث ائق المرابطي ة ،ومن
ة. ة المرابطي يير اإلداري للدول ول التس ةح ات التاريخي خالل بعض المعطي
فقد تمتع حكام األقاليم بنفوذ قوي في ظل سلطة محلي ة مطلق ة ،ولم تكن ت ربطهم بالس لطة العلي ا للـبالد س وى رابـطة الـوالء ورابـطة
القـرابة ،بـاعتبار أن هـؤالء الحكام كانوا على صلة قرابة بالسلطة العليا ،مم ا جع ل بعض الم ؤرخين يص فون النظ ام الم رابطي بكون ه
ا(). ا ال مركزي ا إقطاعي نظام
وبالفعل فقد كان نواب األمير على األندلس والمغ رب يتمتع ون بص الحيات واس عة ج دا ،مم ا جع ل من المغ رب واألن دلس والي ة ش به
مستقلة .لقد كان أمير المسلمين يعين نائبا له على المغرب وآخر على األن دلس ،وغالب ا م ا يك ون ه ذا األخ ير ولي ا للعه د ،وتك اد س لطة
هؤالء أن تكون مطلقة ،فكانوا يولون الوالة ويراقبونهم ويعزلونهم ،حيث كتب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى أحد نواب ه باألن دلس
ما يلي" :واستعمل عليها من يرفق بها ،ويعدل فيها ،وأخرج كل من يحيف عليها ،ويؤذيها ومن س بب عليه ا من عمال ك زي ادة أو خ رق
في أمرها عادة أو غير رسما أو بدل حكما أو أخذ لنفسه منها درهما ظلما ،فاعزله عن عمله وعاقبه في بدنه"() .وأك ثر من ذل ك ت دخلوا
في ش ؤون القض اء() ،حيث روى أن األم ير "س ير "نق ل القاض ي ابن ش برين إلى قض اء إش بيلية.
وتوضح وثيقة أخرى في عهد على بن يوسف حدود صالحيات ونفوذ النائب التي يب دو أنه ا ك انت ش به مطلق ة ،ولع ل ظ روف الح رب
المستمرة باألندلس زادت من توسيع تلك الصالحيات ،حيث يقول أمير المسلمين في إحدى رسائله التي وجهه ا ي وم األربع اء 17ص فر
الخير سنة 520ﻫ ،جوابا على رسالة جاءته من نائبه وابنه أبي بكر على األندلس" :وقد رأينا ـ وهللا الموفق للصواب ـ أن نقدمك على
جميع الجيوش بتلك الجزيرة ـ عصمها هللا ـ عموما يشمل من كان هناك منها ،ومن وصل من هذه العدوة ـ حرس ها هللا ـ إلي ك ،وخاطبن ا
عمالك بالسمع منك والطاعة لك ،وأن يطابق كل واحد منهم رأيك ،ويوافق عملك .)("..لكنه وانسجاما مع توجهه العام القائم على أس اس
الش ورى ،نص حه بالتش اور م ع الق واد وأه ل ال رأي من األجن اد ،واالبتع اد عن االس تبداد().
باإلضافة إلى ذلك ،ال يمكن تجاوز نفوذ الوزراء عند الحديث عن نفوذ األط ر اإلداري ة في الدول ة .فق د احت ل ال وزير مكان ة ممت ازة في
الدولة" ،وكان من سمو الهمة بحيث يجلو الظالم العاكر ويخجل الموسم الباكر"() .وكان المرابطون يثقون بوزرائهم ثقة كبيرة ويطلقون
أيديهم في الشؤون المالية ،وهو ما يتبين من خالل هذا النص الذي أطلق بموجب ه أم ير المس لمين علي بن يوس ف ل وزيره أبي محم د بن
مالك اليد في التصرف في األندلس ،حيث "أقطعه ماله في األندلس من خطة وأقعده على تلك المنصة وجد في صرف الشوائب عن حماه
ووجه أمواال لرم خلله وحسم علله وإقامة ميله وانتعاش رجله وخيله ،ثم خاف أن ينهبها العمال وتتع ذر تل ك اآلم ال فقل ده فوقه ا وحمل ه
أوقه ا ووجه ه لبن اء األقط ار ونبه ه لقض اء تل ك األوط ار ،فاس تقل به ا أحس ن اس تقالل ونظم معالمه ا نظم اآلل"().
وعموما ،كان الوزير مقربا من السلطة العلي ا ،مطلع ا على ك ل كب يرة وص غيرة ،وه و الواس طة بين األم ير وبقي ة الم وظفين بمن فيهم
القضاة ،بل هو الذي يحدد للعمال والمتصرفين من القباض والخراص وغيرهم الحدود ال تي يجب أن ال يتع دوها دون زي ادة أو ج ور().
فهل يمكن القول بعد كل هذا إن فقهاء الفروع هم وحدهم من تمتع بالنفوذ في الدولة المرابطية؟ هل بعد كل هذه النم اذج الدال ة على نف وذ
مختلف المفكرين -من غير الفقهاء -مازال باإلمكان مسايرة عبد الواحد المراكشي في تصوره النقدي ضد فقهاء المرابطين ،والذي حوله
البعض إلى أطروحة مركزية في التاريخ المرابطي؟ ألم يشهد عبد الواحد المراكشي نفسه باحتضان البالط المرابطي -وخاصة في عهد
علي بن يوسف الذي اتهمه بالخضوع لسلطة فقهاء الفروع -ألعيان الكتاب من جزيرة األندلس ،وأن أمير المسلمين ص رف عنايت ه إلى
ك؟() ع لمل ا لم يجتم ه منهم م عل تى اجتم ك ،ح ذل
إن االعتماد على مصادر متعددة وخاصة على كتب التراجم ،وتحلي ل نص وص المراكش ي وغيره ا ،ونق دها نق دا داخلي ا ،ق د مكنن ا من
تجاوز كل محاوالت تعميم خطاب المراكشي على جميع فقهاء العصر المرابطي ،وتقديم صورة مغايرة للسلطة المرابطية وفقهائها .وق د
ت بين أن مكان ة الفقه اء المتم يزة ،في الدول ة والمجتم ع مع ا ،له ا م ا يفس رها من العوام ل التاريخي ة والسياس ية واالجتماعي ة والفكري ة
والشرعية ،ولكنها لم تكن بتلك الصورة االستبدادية التي رسمها لهم المراكشي ،كما تبين مشاركة مختلف أصناف المثقفين المل تزمين في
ه. ة إلي ة الحاج ه ودرج ب اختصاص ل حس ة ،ك يير الدول تس
بيل الختم على س
في خاتمة هذا البحث البد من التأكيد على المكانة السامية للفقهاء في تاريخ الدولة المرابطية ،وذلك من خالل اضطالعهم بأدوار تاريخية
ساهمت في تغيير الوجه التاريخي للمغ رب االقص ى والغ رب االس المي عموم ا .فش كلت إنج ازاتهم لبن ات متكامل ة في بن اء المش روع
ا يلي: ا فيم تي يمكن إجماله رابطي ،وال الحي الم االص
ط. ير والتخطي ة التنظ -لبن
اء. يس والبن ة التأس -لبن
اد. د والجه ة التوحي -لبن
رعية. ة والش ة التزكي -لبن
يير. ة التدبيروالتس -لبن
يد. ه والترش ة التوجي -لبن
إال أن اإلشكال الذي يطرح حول وضعية الفقهاء المالكية في الدولة المرابطي ة يرتب ط بم دى توظي ف ه ؤالء الفقه اء لتك وينهم الش رعي
والفقهي بالخصوص من أجل االستئثار بالنفوذ السياسي واالجتماعي والمادي في الدولة على حس اب المب ادئ وعلى حس اب غ يرهم من
المفكرين والمثقفين أنصار التيارات الفكرية األخرى .وفي هذا اإلطار ،البد من التأكيد على أن الفقه اء المالكي ة ق د تمتع وا ،فعال ،بنف وذ
االت: دة مج ة في ع ة المرابطي ير في الدول كب
اء ي للفقه وذ السياس • النف
لقد بدت سلطة الفقهاء في كثير من األحيان ،وكأنها فوق سلطة السياسيين ،على اختالف مراتبهم طيلة مراحل الدول ة ،س واء في مرحل ة
التأسيس من خالل نفوذ الشيخ عبد هللا بن ياسين ودوره المحوري في قيادة الحركة؛ أو في عهد أمير المس لمين يوس ف بن تاش فين ال ذي
ظل مفضال للفقهاء ،معظما للعلماء ،يصرف األمور إليهم ،ويأخذ فيها برأيهم؛ أو في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف الذي برز نف وذ
الفقهاء في عهده بامتياز ،حيث كان ال يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورتهم ؛ واستمر األمر ك ذلك ح تى نهاي ة الدول ة المرابطي ة،
حيث تزعم كثير من الفقهاء أصحاب النفوذ االجتماعي الكب ير حرك ات سياس ية معارض ة للدول ة المرابطي ة ،مث ل القاض ي ابن حم دين
اج… حى وابن الح ي ابن أض والقاض
اء ريعي للفقه وذ التش • النف
بفضل تكوينهم الفقهي ،وبما أن الفقه هو التشريع اليومي لحي اة الن اس ،فق د حظي الفقه اء بمكان ة س امية في المجتم ع ،فك ان يلتج أ إليهم
للفتوى سواء من طرف السلطة أو عامة المجتمع .وأكثر من ذلك ،كان القضاة ملزمين باستش ارتهم قب ل البث في الن وازل ال تي تع رض
مين. ا بين المتخاص ل فيه ارهم للفص على أنظ
ة في الدولة ائف الهام ب والوظ اء للمناص ولي الفقه • ت
بفضل تك وينهم الفقهي ،ت ولى الفقه اء وظ ائف س امية في الدول ة كالقض اء بمختل ف مراتب ه والش ورى ،كم ا مكنهم تك وينهم العلمي من
االحتكاك المباشر بالمجتمع وخدمته سواء من خالل هذه الوظائف أو من خالل ممارسة الفت وى ،وخاص ة من خالل التعليم ال ذي أكس ب
أصحابه تقديرا واحتراما كبيرين في المجتمع .فكانت بعض الوظائف (القض اء مثال) مص در س لطة ونف وذ سياس ي واجتم اعي ،وبعض
الوظائف األخرى مصدر نفوذ مالي (التوثيق مثال) ،وأخرى مصدر نفوذ اجتماعي (التعليم مثال) .وقد وجد كثير من الفقهاء ال ذين ك انت
تجتمع فيهم هذه المصادر الثالث ة للنف وذ السياس ي واالجتم اعي والم الي ،فب دوا مس تفيدين من الوض ع الق ائم دون غ يرهم من المفك رين
والمثقفين.
ولتفس ير ه ذه الظ اهرة ت بين لن ا أنه ا ترج ع إلى ع دة عوام ل متج ذرة في الت اريخ منه ا:
دلس الكيين باألن اء الم وذ الفقه ة لنف ول التاريخي • األص
فمنذ استقرار المذهب المالكي باألندلس وعبر مختلف مراحل ت اريخ االن دلس ح تى العص ر الم رابطي ،احت ل الفقه اء الم الكيون مكان ة
متميزة في الدولة والمجتمع ،مما جعلهم يحظون بتقدير كبير س واء من ط رف الس لطة أو المجتم ع .ل ذلك ف إن مكان ة الفقه اء في الدول ة
المرابطية هي تتويج لمسار تاريخي طويل ،وهذا معناه أن الحديث عن نفوذ الفقهاء في العصر المرابطي بمع زل عن ج ذوره التاريخي ة
ا. ديثا ناقص يظل ح دلس س الكيين في األن اء الم ة الفقه كلت فئ ذ أن تش من
• األص ول االجتماعي ة لكث ير من الفقه اء الم رابطين ال ذين تول وا المناص ب العلي ا في الدولة
إن النفوذ الكبير لبعض الفقهاء القضاة في العصر المرابطي لم يكن وليد ذلك العصر ،بل كان مجرد استمرار لم ا حظيت ب ه أس رهم من
نفوذ اجتماعي متأصل تاريخيا قبل العصر المرابطي .ولذلك فحتى الثروات التي كان يملكها هؤالء لم تكن وليدة الوظائف التي قاموا به ا
في هذه الدولة ،ولكنها استمرارا لتراكمات حققتها هذه األسر عبر السنين ،ومن هذه األسر والعائالت :عائلة بني الملجوم ،وعائلة اللواتي
الفاسيتين؛ وعائلة بني عشرة السالوية ،وعائلة بني سمجون الطنجية؛ وعائالت عياض وب ني العج وز وب ني يرب وع الس بتية ،وع ائالت
بني حمدين وبني رشد وبني عتاب وبني الحاج القرطبية ،وعائالت بني العربي وب ني ش ريح وب ني الج د االش بيلية ،وع ائالت الص دفي
والطرطوشي السرقسطية ،وعائالت بني أضحى وب ني عطي ة الغرناطي ة ،وغيره ا كث ير .لق د ت وارثت ه ذه الع ائالت العلم والمناص ب
والجاه والثروة جيال عن جيل ،بل لقد استمر نفوذ الكث ير من ه ذه الع ائالت ح تى بع د العص ر الم رابطي ،أي خالل العص ر الموح دي.
لمين ة للمس اة العام ومي للحي ريع ي ه كتش ة للفق ة الملح • الحاج
نظرا لطبيعة المجتمع المسلم الملزم بضرورة احترام الشريعة اإلسالمية في ك ل مج االت الحي اة ،فق د ك ان الب د من الفق ه والفقه اء ،فهم
الذين يفصلون في كل النـزاعات والخصومات سواء من خالل القضاء أو من خالل الفتوى .وفضال عن كل هذا وذاك فهم الذين يعلم ون
الناس دينهم في المساجد وخ ارج المس اجد ،وهم ال ذين تش رئب إليهم أعن اق الطلب ة لتلقي العلم ،ومن ثم ك ان الفقي ه في المجتم ع بمثاب ة
الطبيب أو أكثر .ولم يكن ذلك حالة خاصة بالمجتمع المغربي واألندلسي ،بل في كل المجتمع ات اإلس المية ،فالظ اهرة ال ترتب ط بزم ان
لم. ع المس ة المجتم لب طبيع ة من ص اهرة عام ل هي ظ ين ،ب ان خاص ومك
نية مالكية ةس ة كدول ة المرابطي ة الدول • طبيع
كان للفقهاء الدور المركزي في نهوضها واستمراها وتدبيرها .وقد كان حكام الدول ة المرابطي ة أم راء المس لمين على وعي به ذا ال دور
وبأهمية الفقهاء في النهوض الشامل للدولة المرابطية ،لذلك تنافسوا في تقدير الفقهاء واحترامهم وتوفير فرص العيش الشريف لهم ،دون
ان يكون ذلك ض عفا منهم ،ب ل على العكس من ذل ك ك ان أم را طبيعي ا ب النظر إلى تك وينهم في أحض ان فقه اء المالكي ة ورع ايتهم لهم.
لطة بة للس ام بالنس أن الع اء في إدارة الش ة دور الفقه • مركزي
كان الفقهاء بالنسبة ألي سلطة مصدر الشرعية ،فهم الذين يضفون الشرعية أو ينفونها على حاكم ما مهما كانت قوته وسطوته .وبالنس بة
للمرابطين كان للفقهاء دور محوري في انتقال السلطة وشرعنتها من خالل البيع ة ،وفي إدارة الش ؤون العام ة للدول ة من خالل القض اء
ية. ورى والديبلوماس والش
إال أن اإلقرار بالنفوذ القوي للفقهاء في الدولة والمجتمع في العصر المرابطي ال يعني اإلقرار المطلق بما تقدمه تلك األطروحات النقدي ة
التي أسست عليها إشكالية هذا البحث .وأعتقد أن مما يهدم مصداقية هذه األطروحات هو مبدأ التعميم الذي تبنت ه ،حيث أص بح االس تثناء
هو القاعدة ،والقاعدة استثناء ،بل لم تتحدث اطالقا عن االستثناء .باإلضافة إلى ذلك ،فإن بعض المواقف واالطروح ات تفق د مص داقيتها
عندما نستحضر الخلفية التي تحرك أصحابها ،مثل أطروحة ابن تومرت ضد الفقهاء المرابطين ،التي تنطلق من منطل ق سياس ي محض
هدفه االنقالب على الدولة المرابطية واإلطاحة بها .فوعيا منه بأهمية الدور المحوري للفقهاء في بناء الدولة المرابطية ،فق د وج ه حرب ه
اإلعالمي ة ،أوال ،بح دة قوي ة ج دا إلى الفقه اء ،ألن تش ويه الفقه اء ،حتم ا ،س يؤدي إلى ع زلهم عن المجتم ع ،وبالت الي خل ق رأي ع ام
معارض ،مما يسهل محاربة الدولة المرابطية سياسيا وعسكريا ،ومن ثم شرعنة اإلطاحة به ا .أم ا أطروح ة المراكش ي في "المعجب"،
فتحمل في طياتها نقيضها .فعبد الواحد المراكشي الذي قال بهيمنة فقهاء الفروع على الدولة واستبدادهم بتسيير الشأن العام وكسبهم المال
والجاه والنفوذ بفضل ذلك االستبداد ،هو نفسه يقول بحضور قوي ألصناف المثقفين في أحضان الدولة المرابطية .وهكذا ن ذكر بم ا قال ه
عن عهد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين" :ف انقطع إلى أم ير المس لمين من الجزي رة من أه ل ك ل علم فحول ه ،ح تى أش بهت حض رته
حض رة ب ني العب اس في ص در دولتهم… واجتم ع ل ه والبن ه من أعي ان الكت اب وفرس ان البالغ ة م ا لم يتف ق اجتماع ه في عص ر من
األعصار .)("...كما نذكر بنص آخر للمراكشي يتحدث فيه عن أمير المسلمين علي بن يوسف ،حيث يقول" :ولم يزل أمير المسلمين من
أول إمارته يستدعي أعيان الكتاب من جزيرة األندلس ،وصرف عنايته إلى ذلك؛ حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك ،كأبي القاس م بن
الجد المعروف باألحدب ،أحد رجال البالغة ،وأبي بكر محمد بن محمد المعروف بابن القبطرنة ،وأبي عبد هللا بن أبي الخص ال ،وأخي ه
أبي مروان ،وأبي محمد عبد المجيد بن عبدون… وكان من أنبههم عنده ،وأكبرهم مكانة لديه :أبو عبد هللا محمد بن أبي الخصال ،وح ق
له ذلك؛ إذ هو آخر الكتاب ،وأحد من انتهى إليهم علم اآلداب ،وله مع ذلك في علم القرآن والحديث واألثر وم ا يتعل ق به ذه العل وم الب اع
ولى"(). د الط األرحب ،والي
ومن عناصر ضعف أطروحة المراكشي كذلك ،سقوطه في خطأ التعميم ،حيث انطلق من حالة واح دة ،وهي إح راق إحي اء عل وم ال دين
لإلمام الغزالي ،ليقرر حكما عاما وه و مناهض ة الدول ة لعلم الكالم واض طهاد أنص اره تحت ض غط الفقه اء ،ه ذا إذا س لمنا-على س بيل
االفتراض-أن إحراق اإلحياء تحكمت فيه دواعي عقدية .كما سقط في التعميم حين ق رر أن ه "لم يكن يق رب من أم ير المس لمين ويحظى
عنده إال من علم الفروع"() .إذا كان ذلك صحيحا ،فأين سنصنف ذلك العدد الهام من علماء الكالم ،وخاصة الذين تولوا مناصب عليا في
ة...؟ د هللا بن الرمام رادي وأبي عب ر الم ل أبي بك ا ،مث ورى وغيرهم اء والش ة ،كالقض الدول
ومن عناصر ضعف هذه األطروحة كذلك ،مناقضتها لمنطق الشورى كمبدإ إسالمي في الحكم عند ما يتعلق األمر بوصف نف وذ الفقه اء
في مجال القضاء باعتب اره اس تبدادا .فق د اعت بر المراكش ي أن إل زام القض اة باستش ارة الفقه اء قب ل البت في الحكم من نق ائص العص ر
المرابطي ،فهل يعد هذا فعال أمرا سلبيا؟ أال يمكن أن يكون ذل ك خط وة متقدم ة في مج ال نزاه ة القض اء ومص داقية أحكام ه م ا دامت
تخضع الجتهاد أربعة فقهاء باإلضافة إلى القاضي الذي هو أصال فقيه؟ فهل األفضل أن تتداول خمسة عق ول في قض ية واح دة أم ي ترك
المجال لعقل واحد إلصدار الحكم؟() ومن مجال القضاء نعمم القول على باقي مرافق الدولة ،فهل تعد استشارة الفقهاء أمرا مخال بالس ير
العادي للشؤون العامة للدولة والمجتمع ،أم أمرا مقوما وموجها لها؟ هل يمكن أن يقوم بوظيفة الفقيه غير الفقي ه ،ك األديب أو الش اعر أو
رين؟ يره من المفك غ
فالدولة المرابطية تعاملت مع أهل الفكر وفق منطق االختصاص ،وحسب حاجيات الدولة والمجتم ع .ومن الممكن الق ول ب تراجع مكان ة
بعض المفكرين لصالح البعض اآلخر حسب طبيعة الدولة ،ولكن ال يمكن الحكم باالقصاء التام للجمي ع باس تثناء الفقه اء .فمكان ة األدب اء
والشعراء مثال ،لم تعد كما كانت عليه في عصر مل وك الطوائ ف ،حيث ك ان للش عر ،م دحا وهج اءا ونفاق ا ،الكلم ة األولى تحت س لطة
ملوك ضعاف وانتهازيين ،لم تكن تهمهم سوى مص لحتهم الخاص ة أي البق اء في عروش هم ب أي ثمن ك ان ،ول و على حس اب المقدس ات
الشرعية والوطنية والقومية ،في حين تغير األم ر في الدول ة المرابطي ة تحت س لطة أم راء ،ك انوا أق رب إلى الزه اد المتبتلين منهم إلى
بين. ام المتغل الحك
ة: ات التالي روري اإلدالء بالخالص ه من الض دو أن ك يب اء على ذل وبن
1ـ لم يشكل فقهاء المالكية طبقة اجتماعية متميزة عن غيرها من طبقات أو شرائح المجتمع ،موحدة من حيث المصالح واأله داف .ذل ك
أن فئة قليلة جدا من الفقهاء هي التي كانت أكثر استفادة من الوضع القائم وخاصة قضاة الجماعة ،في حين كانت غالبية الفقه اء بمن فيهم
كثير من القضاة يكابدون شظف العيش ،ولم يكونوا من خاصة المجتمع من الناحية المادية ،رغم أنهم كانوا من نخبت ه العلمي ة والفكري ة،
وذلك بسبب ما كان يغلب عليهم من سلوكات الزهد في الحياة المادية وفي المناصب .ول ذلك رفض الكث ير منهم االس تمرار في مناص ب
مغرية كالقضاء ،وتخلوا عنها رغم م داخيلها المربح ة ،ورفض آخ رون ت ولي ه ذه المناص ب أص ال ول و أدى بهم األم ر إلى التع رض
ظف العيش. ه من ش ان في اك ع والعلم ،رغم م ة للمجتم دريس خدم وا للت اب ،وتفرغ للعق
2ـ لم يشكل الفقهاء المالكية تيارا فكريا منغلقا على نفسه ،موحد الرؤى والتصورات ،إال في الحدود ال دنيا من حيث االع تزاز باالنتم اء
إلى المذهب المالكي كمذهب فقهي ،ولكن مع تباينات واختالفات كبيرة فيما بينهم من حيث درجة تكوينهم الفكري ومواقفهم من جملة من
اء. اب اإلحي ية كت ا مثال قض تي واجهتهم ،ومنه ة ال كاالت الفكري ايا واإلش القض
3ـ إن عالقة السلطة السياسية العليا المرابطية بالمفكرين لم تكن كما صورها المراكشي ال ذي تح دث عن اس تئثار فقه اءالفروع ب النفوذ
السياسي واالجتماعي والمادي في الدولة ،على حساب باقي المفكرين بمن فيهم األصوليون واألدباء والش عراء ...ب ل لق د تص در الكث ير
اورون... اة والمش اب والقض ان منهم الكت ة ،فك امية في الدول ب الس ؤالء المناص من ه
4ـ ال يمكن الحديث عن التوافق المطلق بين مواقف السلطة والفقهاء :فرغم أن السلطة كانت حريصة على تنفيذ فتاوى الفقهاء وتحويله ا
إلى أوامر وتعليمات سياسية تسخر لها كل أجهزتها لتنفيذها ،ف إن الكث ير منهم ك انوا عكس ذل ك ،متح ررين من ض غط الس لطة ،ول ذلك
وجدناهم يعارضون أشهر فتوى في العصر المرابطي والمتعلقة بإحراق كتاب إحي اء عل وم ال دين لإلم ام الغ زالي .ومم ا ي دل على ذل ك
كذلك تعرض كثير من الفقهاء المالكيين لالمتحان من طرف السلطة المرابطية ،ولم يكن ذلك مقتصرا فق ط على غ ير الم الكيين أو غ ير
الفروعيين ،مثل الصوفية والمتكلمين وغيرهم .ولكن مع محدودية هذه الظواهر ،يمكن القول إن العالقة بين الطرفين لم تبرز على ش كل
صراع بين كتلتين ،بل على صورة توزيع للمهام :فالسلطة مدعومة بغالبية الفقه اء المالكي ة ك انت تح اول الحف اظ على التالحم الفك ري،
وإرساء وحدة األندلس في إطار اإلسالم السني المالكي ،أما النخبة من رجال العلم فقد ت ابعت متطلب ات التعمي ق الفك ري ال ذي هب على
المالكي ة من ذ الب اجي() ،وب ذلك تك املت أدوارهم ،ولم يكن بإمك ان أي ط رف أن يس تغني عن اآلخ ر.
- 5ال يمكن أن نعفي الفقه اء تمام ا من بعض األوص اف ال تي أورده ا المراكش ي وغ يره في حقهم س واء على المس توى الفك ري أو
المستوى االجتماعي والسياسي .فقد أكدت أبحاث أخرى وجود تيار كبير من فقهاء التقليد بالمغرب واألندلس في العصر المرابطي ،كم ا
أكدت مواقف كثير من الفقهاء القضاة من الدولة المرابطي ة وهي تواج ه إعص ار الموح دين ب المغرب أك دت انته ازيتهم المطلق ة عن دما
أعلنوا انقالبهم عليها والتجاء بعضهم إلى التحالف مع النصارى في سبيل تحقيق طموحاتهم() .ويع ز علين ا أن نختم البحث باالش ارة إلى
هذا االنحراف القيمي عند بعض الفقهاء ،لنـذكر بنموذج من الفقـهاء المخلصين للمبادئ الـدينية والـشرعية الـسياسية أال وهـو القاضـي
عياض .:
ببيلوغرافيا البحث
ادر المص
• ابن األبار القضاعي ،محمد بن عبد هللا (ت658ﮬ1210/م) :التكملة لكتاب الصلة ،تح ك وديرا وريب يرا ،طبع ة مدري د -1886 ،
/1887طبعة القاهرة في جزءين ، 2-1تحقيق عزة العطار الحسيني ،مكتبة الخ انجي ،مص ر /1955 ،طبع ة الق اهرة ،تحقي ق إب راهيم
األبياري ،القاهرة ،دار الكتاب المصري ،القاهرة/ 1983 ،طبعة البيضاء في 4ج ،تحقيق د .عبد السالم الهراس ،دار المعرفة ،البيضاء،
.1996
• ابن األب ار :المعجم في أص حاب القاض ي اإلم ام أبي علي الص دفي ،دار ص ادر ،ب يروت ،د.ت.
• ابن األب ار :الحل ة الس يراء ،ج ،2تحقي ق د .حس ين م ؤنس ،الش ركة العربي ة للطباع ة ،الق اهرة.1963 ،
• ابن األحم ر ،إس ماعيل :بيوت ات ف اس الك برى ،دار المنص ور للطباع ة والنش ر ،الرب اط.1972 ،
• ابن ابي زرع الفاسي :األنيس المطرب بروض القرطا س في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس ،دار المنص ور للطباع ة
اط.1972 ، ة ،الرب والوراق
• ابن بش كوال :كت اب الص لة ،نش ر ع زت العط ار الحس يني ،مكتب ة الخ انجي ،الق اهرة ،ط.1994 ،2 .
• ابن الكردبوس :االكتفاء في أخبار الخلفاء ،تحقيق :أحمد مختار العبادي ،مجلة المعهد المص ري للدراس ات اإلس المية بمدري د،
.1966-1965 د ،13 المجل
• ابن عياض ،أبو عبد هللا محمد بن القاضي عياض اليحصبي :التعريف بالقاضي عياض ،تحقيق محمد بن شريفة ،مطبعة فضالة
ة.1982 ، المحمدي
• ابن الخطيب ،لسان الدين :أعم ال األعالم في من بوي ع قب ل االحتالل من مل وك اإلس الم ،قس م األن دلس ،نش ر ليفي بروفنس ال
المية.1956 ، بانيا اإلس اريخ إس وان :ت بعن
• ابن س عيد المغ ربي :المغ رب في حلى المغ رب ،تحقي ق د .ش وقي ض يف ،دار المع ارف ،الق اهرة ،ط.1978 ،3 ،
• ابن عطيـة المحاربي االندلسي ،أبو محمد عبد الحق (ت541ﮬ) :فهرس ابن عطية ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت-1980 ،
.1400
• ابن طمل وس ،اب و الحج اج يوس ف :كت اب الم دخل لص ناعة المنط ق ،المطبع ة األبيرق ة ،مدري د.1916 ،
• ابن فرحون :الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ،تحقيق محمد األحم دي أب و الن ور ،مكتب ة دار ال تراث ،الق اهرة،
.1972
• ابن الزيات ،أبو يعقوب يوسف بن يحيى النادلي(ت 617ﮬ) :التشوف إلى رجال التصوف ،تحقيق أحمد التوفيق ،الرباط.1984 ،
• ابن بشكوال ،أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود الخ زرجي األنص اري القرط بي( 578-494ﮬ1183 -1100/م) :كت اب
الص لة في ت اريخ أئم ة األن دلس وعلم ائهم ومح دثيهم وفقه ائهم وأدب ائهم ،ال دار المص رية للت أليف والترجم ة ،الق اهرة.1966 ،
• ابن بلقين ،عبد هللا :كتاب التبيان لألمير عبد هللا بن بلقين آخر أمراء بني زيري بغرناطة ،تحقيق أمين توفيق الطيبي ،منشورات
اط.1995 ، اظ ،الرب عك
• ابن العريف ،أبو العباس :مفتاح السعادة وتحقي ق طري ق الس عادة ،تحقي ق عص مت دن دش ،دار الغ رب اإلس المي ،الطبع ة ،1
.1993
• ابن عبد الملك المراكشي :الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ،س ،8ق ،2تحقي ق محم د بن ش ريفة ،منش ورات أكاديمي ة
اط.1984 ، ة ،الرب المملك
• ابن عذاري المراكشي :البيان المغرب في أخبار ملوك األندلس والمغرب ،ج ،4تحقيق إحسان عباس ،دار الثقافة ،ب يروت ،ط.
.1980 ،2
• ابن خلك ان ،ش مس ال دين :وفي ات األعي ان وأنب اء أبن اء الزم ان ،ج ،7 .تحقي ق إحس ان عب اس ،دار ص ادر ،ب يروت.1994 ،
• المرادي ،أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي :السياسة أو االش ارة في ت دبير اإلم ارة ،تق ديم المحق ق ال دكتور س امي النش ار،
اء.1981 ، البيض
• المراكشي ،عبد الواحد :المعجب في تلخيص اخبار المغرب ،تحقيق محمد سعيد العري ان ومحم د الع ربي العلمي ،دار الكت اب،
ة .1978.،7 اء ،الطبع دار البيض ال
• المقري ،أبو العباس أحمد بن محمد شهاب ال دين التلمس اني :أزه ار الري اض في أخب ار عي اض ،ج ،3تحقي ق مص طفى الس قا
اط.1978 ، لبي ،الرب ظش د الحفي اري وعب راهيم األبي وإب
• اليحصبي ،أبو الفضل القاضي عياض :الغنية ،فهرست شيوخ القاضي عياض ،1149-544/1083 -476تحقيق ماهر زه ير
.1402-1982 يروت ،ط،1 . المي ،ب رب االس رار ،دار الغ ج
• اليحصبي ،القاضي عياض :ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعيان علم اء م ذهب مال ك ،ج ،.8تحقي ق س عيد أع راب،
وان.1983 ، بتط
• الحميري ،محمد بن عبد المنعم (ت 727ﮬ) :الروض المعطار في خبر األقطار ،تحقيق د .احسان عباس ،دار صادر .ببيروت،
.1975
• مجهول :الحلل الموشية في ذكر االخبار المراكشية ،تحقيق سهيل زكار وعبد القادر زمامة ،دار الرشاد الحديثة ،ط.1979 ،1 .
• النويري :تاريخ المغرب اإلسالمي في العصر الوسيط ،من كتاب :نهاي ة األرب في فن ون األدب ،تحقب ق مص طفى أب و ض يف
اء1985 ، دار البيض د ،ال أحم
يروت .1982 يروت ،ب ادر ،ب اريخ ،ج ،10دار ص ل في الت ير ،الكام ابن األث •
• ابن خاقان ،أبو نصر الفتح :قالئد العقيان في محاسن األعيان ،قدم له ووضع فهارسه محمد العن ابي ،ت ونس /1966 ،تحقي ق د.
ة.د.ت. ير محقق رى غ ة أخ ار ،األردن /1989 ،طبع ة المن وش ،مكتب ف خرب ين يوس حس
ع الحديثة المراج
• ابن إبراهيم المراكشي ،العباس :اإلعالم بمن حل مراكش وأغمات من االعالم ،ج ،4مراجعة عبد الوهاب بن منصور ،المطبعة
اط.1993-1413 ، ة ،الرب الملكي
• ابن بيه ،محمد محمود عبد هللا :األث ر السياس ي للعلم اء في عص ر الم رابطين ،دار األن دلس الخض راء للنش ر والتوزي ع ،ج دة
ة األولى.2000 ، ان ،الطبع يروت لبن ع ،ب ر والتوزي ة والنش زم للطباع عودية ،ودار ابن ح الس
• ابن عب ود ،امحم د :الت اريخ السياس ي واالجتم اعي إلش بيلية في عه د دول الطوائ ف ،تط وان.1983 ،
• ابن عب ود ،امحم د :ج وانب من الواق ع األندلس ي في األن دلس في الق رن الخ امس الهج ري ،تط وان.1987 ،
• أحمد محمود ،حسن :قيام دولة المرابطين صفحة مشرقة من تاريخ المغرب في العصور الوسطى ،دار الفكر العربي ،مصر ،ط.
.1996 ،2
• عباس الجراري" :قضايا مرابطية في منظ ور بعض المستش رقين" ،ض من :المغ رب في الدراس ات االستش راقية ،مطبوع ات
اط.1995 ، ة ،الرب ة المغربي ة المملك أكاديمي
ر.1974 ، ة ج ،2الجزائ ربي الكالمي ر بن الع البي ،آراء أبي بك ار الط عم •
• عزاوي ،أحمد :رس ائل موحدي ة مجموع ة جدي دة ،تحقي ق ودراس ة أحم د ع زاوي ،منش ورات كلي ة االداب والعل وم االنس انية
.1995 دة ،ط،1. اح الجدي ة النج ائق رقم ،2مطبع وص ووث لة :نص القنيطرة سلس ب
• دندش ،عصمت :األندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحدين ،عصر الطوائف الثاني 510ﮬ546 :ﮬ1116/م1151:م تاريخ
.1988 ،1408 يروت ،ط،1. المي ب رب االس ارة ،دار الغ ي وحض سياس
• دوزي ،رينهرت :المسلمون في االندلس ،ترجمة د.حسن حبشي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1995 ،ج ،3.ص161.؛ انخل
جنث الت بالنثي ا ،ت اريخ الفك ر األندلس ي ،ترجم ة د .حس ين م ؤنس ،ط ،1.مكتب ة النهض ة المص رية للق اهرة.1955 ،
• بل ،ألفرد :الفرق اإلسالمية في الشمال اإلفريقي من الفتح العربي حتى اليوم ،ترجمة عبد الرحمن بدوي ،دار الغرب االسالمي،
.1987 ط،3.
• عنان ،محمد عبد هللا :عصر المرابطين والموحدين في المغرب واألندلس (القسم الثاني) ،مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،
اهرة.1964 ، الق
ر.1960 ، ارف ،مص ي ،دار المع ودت :في االدب االندلس الركـابي ،ج •
• النجار ،عبد المجيد :المهدي بن تومرت أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا المغربي السوسي المتوفى سنة524ﮬ 1129/حياته وآراؤه
.1403-1983 وثورت ه الفكري ة واالجتماعي ة وأث ره ب المغرب ،دار الغ رب االس المي ،ب يروت ،ط،1 .
• الع روي ،عب د هللا :مجم ل ت اريخ المغ رب ،ج ،2المرك ز الثق افي الع ربي ،ال دار البيض اء -ب يروت ،ط.1994 ،1.
• القادري بوتشيش ،إبراهيم :أثر اإلنقطاع في تاريخ األندلس السياسي من منتصف الق رن الث الث الهج ري ح تى ظه ور الخالف ة
.1992 عكاظ، منشورات 316-250ﻫ،
• الناص ري ،أحم د بن خال د :االستقص ا ألخب ار دول المغ رب االقص ى ،ج ،.2ال دار البيض اء.1954 ،
• حرك ات ،إب راهيم :النظ ام السياس ي والح ربي في عه د الم رابطين ،منش ورات مكتب ة الوح دة العربي ة ،البيض اء ،د.ت.،
• بنس باع ،مص طفى :الس لطة بين التس نن و"التش يع" والتص وف م ا بين عص ري الم رابطين والموح دين ،تط وان.1999 ،
ش عيرة ،محم د عب د اله ادي :المرابط ون ت اريخهم السياس ي ،ط ،1الق اهرة.1969 ، •
• دندش ،عصمت :دور المرابطين في نشر االسالم في غرب إفريقيا 515-430ﻫ 1121-1038م مع نش ر وتحقي ق رس ائل أبي
يروت.1988 ، المي ،ب رب اإلس ربي ،ط ،1 .دار الغ ر بن الع بك
• مكي ،محمود علي :وثائق تاريخية جديدة عن عصر المرابطين ،صحيفة المعهد المص ري للدراس ات اإلس المية بمدري د ،م،7.
.1959
• مكي ،محمود علي :وثائق تاريخية جديدة عن عصر المرابطين (الرسالة التاسعة) صحيفة المعهد المصري للدراسات اإلسالمية
.1959 د ،م،7. بمدري
• سالم ،السيد عبد العزيز :تاريخ مدينة ألمرية قاعدة أس طول األن دلس ،نش ر مؤسس ة ش باب الجامع ة للطباع ة والنش ر.1984 ،
• مؤنس ،حسين :سبع وثائق جديدة عن الدولة المرابطين وأيامهم في األندلس ،صحيفة المعهد المصري للدراس ات اإلس المية في
.1954-1373 د ،ع .2-1م ،2 مدري
• عنان ،محمد عبد هللا :عصر المرابطين والموحدين في المغرب واألندلس( ،القسم األول ،الكتاب الثالث) .ط ،1 .القاهرة.1964 .
• م ؤنس ،حس ين :ش يوخ العص ر في االن دلس ،ال دار المص رية للت أليف والترجم ة ،الق اهرة ،1965 ،ص.26 .
• الج ابري ،محم د عاب د :ابن رش د س يرة وفك ر ،مرك ز دراس ات الوح دة العربي ة ،ط ،1 .ب يروت .1998
• المغراوي ،محمد :مساهمة في دراسة النظم بالغرب اإلسالمي :خطة القضاء بالمغرب في الدولة الموحدية 668-515ﻫ-1121/
اط.1987 ، ة اآلداب الرب بر ،كلي د زني راف د .محم 1269م ،إش
• أع راب ،س عيد :م ع القاض ي أبي بك ر بن الع ربي ،دار الفك ر اإلس المي ،ب يروت ط .1987 ،1
• أوملي ل ،علي :الس لطة الثقافي ة والس لطة السياس ية ،مرك ز دراس ات الوح دة العربي ة ،ب يروت ،ط.1996 ،1.
• المنوني ،محمد" :إحياء علوم الدين في منظور الغرب اإلسالمي أيام المرابطين والموحدين" ،ضمن :أبو حامد الغزالي دراسات
في فك ره وعص ره وت اثيره ،منش ورات كلي ة اآلداب بالرب اط ،سلس لة ،ن دوات ومن اظرات رقم .1988 ،9
• مؤنس ،حسين :نصوص سياسية عن فترة االنتقال من المرابطين إلى الموحدين ،مجلة المعهد المصري للدراسات اإلسالمية ،ع
.1955-3/1374
• القبلي ،محمد" :رمز اإلحياء وقضية الحكم في المغرب الوسيط"ضمن :أبو حامد الغزالي ،دراسات في فكره وعصره وت أثيره،
.1988 اظرات رقم ،9 دوات ومن لة ن اط ،سلس ة اآلداب بالرب ورات كلي منش
• النجار ،عبد المجيد :المهدي بن تومرت أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا المغربي السوسي المتوفى سنة524ﮬ 1129/حياته وآراؤه
.1403-1983 وثورت ه الفكري ة واالجتماعي ة وأث ره ب المغرب ،دار الغ رب االس المي ،ب يروت ،ط،1 .
• النج ار ،عب د المجي د :فق ه اإلص الحيين التربي ة السياس ية (ابن الع ربي وابن ت ومرت نموذج ا) ،ط ،1الرب اط.1997 ،
• ب دوي ،عب د ال رحمن :مؤلف ات الغ زالي ،وكال ة المطبوع ات ،الك ويت ،الطبع ة الثاني ة.1977 ،
• حم دي ،عب د المنعم :ت اريخ المغ رب واألن دلس في عص ر الم رابطين ،اإلس كندرية.1987 ،
• الت ازي ،عب د اله ادي :القاض ي عي اض بين العلم والسياس ة ،ض من مجل ة المناه ل ،ع .19
.G. Marçais، La Berbérie musulmane et l'Orient au moyen âge ، Paris، 1946 •
E. LEVI- PROVENÇAL، Reflexions sur l’Empire Almoravide au debut du XII Siècle، Faculté •
.d’Alger، 1932
.R. Dozy، Histoire des Musulmans d’Espagne، Leyden، 1932، T. 3 •
DOMINIQUE URVOY; le Monde des Ulémas Andalous، Genève، 197 •