You are on page 1of 10

‫حوار مع ملحد‬

‫بقلم د‪ .‬عبداهلل الشارف‬


‫قبل سنتني‪ ،‬نشرت شريط فيديو حتت عنوان‪“ :‬مقرر الفلسفة يف املغرب وأثره يف انتشار اإلحلاد بني‬
‫التالمي ذ “‪ ،‬حيث تن اولت موض وع الت أثري الس ليب ألفك ار فالس فة أورب ا يف عق ول تالمي ذ مس توى‬
‫الثانوي‪ ،‬مما يؤدي إىل إحداث بعض الشكوك على مستوى العقيدة واهلوية الدينية‪ .‬كما أشرت إىل أن‬
‫الفالسفة املسلمني املدرجني يف املقرر‪ ،‬ال حيظون باملكانة واألمهية اليت حيظى هبا فالسفة الغرب‪.‬‬

‫وبعد مرور بضعة أيام على نشر الفيديو‪ ،‬وردت علي بعض التعليقات واملالحظات واالنتقادات‪ ،‬من‬
‫س إحلادي‪ ،‬بعث هبا شخص يسمى أو يدعى خالد علي‪.‬‬ ‫بينها انتقادات متتابعة ذات نَ َف ٍ‬

‫وراودتين بعد هذه املدة‪ ،‬فكرة نشر تلك االنتقادات وردودي عليها‪ ،‬لعلي أسهم بذلك يف الرد على‬
‫املالحدة ودحض حججهم ودعاواهم‪.‬‬

‫قال خالد علي‪:‬‬

‫ح ىت ل و درس نا من تس ميهم فالس فة اإلس الم ‪ ،‬ف إنكم كفرمتوهم ومل تقبل وا تص وراهتم ‪ ،‬أنت ال ذي‬
‫تتحدث عن ابن رشد ‪ ،‬هل تقبل قوله بقدم العامل ؟ أتقبل قوله بإنكار بعث األجسام وتشكيكه يف‬
‫أقوام ذكرت يف القرآن كعاد ومثود ؟ أنتم تتناقضون مع أنفسكم ؟‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫مهال مهال‪ ،‬ال ترس ل الكالم على عواهن ه‪ .‬من ق ال ل ك أين كف رت أح دا من أه ل القبل ة‪ .‬ثبت أن‬
‫فالسفة املسلمني كانوا يصلون ويصومون… كغريهم من املسلمني‪ .‬بل منهم من كان إماما يف الفقه‬
‫واألص ول وعل وم الش ريعة ك ابن رش د‪ .‬نعم هن اك من الفقه اء من رمى فالس فة املس لمني ب الكفر‬
‫والزندق ة‪ .‬وه ذا يف رأيي يرج ع إىل التعص ب واالن دفاع يف إص دار األحك ام‪ .‬نعم جيب على العلم اء‬
‫والفقهاء أن يبينوا للناس االحنرافات الفكرية والعقدية اليت وقع فيها هؤالء الفالسفة مثل قدم العامل‪،‬‬
‫والعق ول العش رة‪ ،‬والعق ل الفع ال وغريه ا من األفك ار اليوناني ة امليتافيزيقي ة اخليالي ة‪ .‬لق د أخط أ ه ؤالء‬
‫الفالس فة املس لمون عن دما تبن وا بعض األفك ار الفلس فية اليوناني ة‪ .‬لكن احلكم عليهم ب الكفر وهم من‬
‫أه ل القبل ة بس بب ه ذه األخط اء ينط وي على ش يء من املبالغ ة والتعص ب‪ .‬ولع ل أفك ارهم املنحرف ة‬
‫ك انت عب ارة عن ش طحات فكري ة‪ ،‬وأهنم تراجع وا عنه ا‪ ،‬وأن اهلل ق د غف ر هلم لك وهنم مس لمني ب ل‬
‫علماء وفقهاء‪.‬‬

‫قال خالد علي‪:‬‬

‫ال جيوز ل ك إذك اء ن ريان الفتن ة م ا بني االس اتذة وتالم ذهتم ‪ ،‬ويل زم أن تعلم أن الفلس فة فك ر ح ر ال‬
‫يتقيد بأفكار مسبقة وأساطري ومقدسات ‪ ،‬وكما قال املعري ‪ ” :‬صنفان من الناس ‪ :‬رجل عاقل بال‬
‫دين ‪ ،‬أو متدين بال عقل “‪ ،‬فال جتتمع الفلسفة بالدين ‪ ،‬ألنه ما شاع الدين يف جمتمع إال كان ساسته‬
‫ديكت اتوريني ‪ ،‬فع اش الن اس الفق ر والظلم ‪ ،‬وم ا ش اعت الفلس فة إال وانتص رت الدميقراطي ة واحلري ة ‪،‬‬
‫وعاش كل الناس باختالف معتقداهتم يف ظل جو من التسامح والتعايش واالنفتاح ‪ ،‬خطابكم أكل‬
‫الدهر عليه وشرب ‪ ،‬وقريبا سريى الشباب النور واملعرفة اليت حتررهم من أغالل اخلرافة واألسطورة ‪.‬‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫وماذا تقول يف ظاهرة إقبال عشرات اآلالف من الغربيني كل سنة على اإلسالم‪ ،‬حيث ضربوا بعرض‬
‫احلائط كل الفلسفات والرتهات واملاديات‪ ،‬واعرتفوا بأهنم كانوا على ضالل‪ .‬وال يتسع الوقت لذكر‬
‫بعض أمسائهم‪ ،‬وأكتفي فق ط بإس م واح د‪ :‬رج اء (روجي) غ ارودي الفيلس وف الفرنس ي ال ذي أل ف‬
‫كتب ا يف الفلس فة‪ ،‬وع اش مخس ني س نة يف الكف ر واإلحلاد والش يوعية‪ .‬أتظن أن ك ومن على ش اكلتك‬
‫أعلم بالفلس فة من غ ارودي ؟ اإلس الم الق وي ب دأ يع ود ويق وى من جدي د‪ .‬والق رآن مبا يتض منه من‬
‫حقائق مذهلة يغزو عقول الغربيني ويؤثر فيهم فينجذبون إليه‪“ .‬فإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعمى‬
‫القلوب اليت يف الصدور”‪.‬‬
‫قال خالد علي‪:‬‬

‫تس تدل ب روجي غ ارودي ‪ ،‬ومن ق ال ل ك أس لم ألن اإلس الم أقنع ه؟ ‪ ،‬إن من يع ود إىل ال دين كمن‬
‫يبحث عن إشباع روحي وعاطفي ‪ ،‬أما العقل والدين فهما متعارضان ‪ ،‬وأنا عن نفسي لو اتقيت اهلل‬
‫وع دت للقي ام بالش عائر ‪ ،‬ف ذلك ليس إال ألج ل أن أه رب من الش عور بعبثي ة احلي اة ‪ ،‬إن الت دين ليس‬
‫سوى خمدر خيفف من وجع احلياة وعبثيتها ‪.‬‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫أوال‪ :‬قولك عن روجيه جارودي الفرنسي الذي أسلم‪“ :‬ومن قال لك أسلم ألن اإلسالم أقنعه‪ ،‬إنه‬
‫جمرد إش باع روحي‪ ،‬وع اطفي‪ ،‬أم ا العق ل وال دين فهم ا متعارض ان”‪.‬‬
‫رجم ب الغيب وظن خ اطئ‪ ،‬وم ا علي ك للتأك د من ص حة اقتناع ه باإلس الم‪ ،‬إال أن تطل ع على املس رية‬
‫العلمية لبعض من أسلم من علماء الغرب‪ ،‬وبعد ذلك سيتضح لك إن كنت موضوعيا ومتجردا من‬
‫األهواء أن إسالم هؤالء سببه الرباهني‪ ،‬واألدلة العلمية وليس الدافع الروحي والعاطفي‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬قول ك‪“ :‬أم ا العق ل وال دين فهم ا متعارض ان”؛ كالم تلوك ه ألس نة احلداثيني والعلم انيني‬
‫واملس تغربني‪ ،‬ويرج ع أص له إىل نت ائج وخملف ات الص راع بني الكنيس ة والعلم اء‪ ،‬إب ان عص ر النهض ة‬
‫األوربي ة‪ .‬وإذا ك ان ه ذا احلكم يص دق على الواق ع الثق ايف والفك ري ل دى األورب يني‪ ،‬فإن ه ال يص دق‬
‫على منطق الفكر اإلسالمي وواقع الثقافة اإلسالمية وحضارهتا قدميا وحديثا ‪ ،‬وكيف استطاعت هذه‬
‫احلض ارة أن هتيمن على رقع ة جغرافي ة مرتامي ة األط راف‪ ،‬وت ؤثر يف ش عوب كث رية بع د دخوهلا يف‬
‫اإلس الم‪ ،‬وبقيت تتح دى الع امل بقوهتا الديني ة والعلمي ة‪ ،‬والعس كرية أك ثر من عش رة ق رون‪ ،‬أي إىل‬
‫ح دود الق رن التاس ع عش ر امليالدي‪ ،‬واق رأ الت اريخ الق دمي واحلديث‪ ،‬لواق ع وحض ارة املس لمني قب ل‬
‫توردة‪.‬‬ ‫ة واملس‬ ‫ام الواهي‬ ‫دار األحك‬ ‫إص‬
‫وأنص حك بق راءة كت اب واح د فق ط للمستش رقة األملاني ة زيغري د “حض ارة اإلس الم تس طع على‬
‫الغرب” ‪ ،‬ليتبني لك أن مقولة تعارض العقل والدين ال تنطبق على الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قولك‪ :‬وأنا عن نفسي لو اتقيت اهلل وعدت للقيام بالشعائر‪ ،‬فذلك ليس إال ألجل أن أهرب من‬
‫الش عور بعبثي ة احلي اة‪ .‬إن الت دين ليس س وى خمدر خيف ف من وج ع احلي اة وعبثيته ا‪.‬‬
‫كالم ك ه ذا إن كنت ص ادقا‪ ،‬يفي د أن ك كنت مت دينا مث ط اف ب ك لص وص املالح دة‪ ،‬ه داك اهلل‪،‬‬
‫وأخرجوك من ملتك‪ ،‬أو “تتملحد”‪ ،‬أو وجلت باب اإلحلاد طمعا يف مال أو دنيا فانية‪ ،‬أو عن قناعة‬
‫بصحة اإلحلاد‪ .‬بيد أنين أشك يف االحتمال األخري لكون احلجج اليت تقدمها وتت ذرع هبا يف الدفاع‬
‫عن أطروحتك ال ترقى إىل أدىن مستوى عقلي أو منطقي‪ ،‬إمنا كالم جيرته ويردده العاملون يف مجعيات‬
‫ومراكز اإلحلاد والزندقة‪ ،‬خدمة يقدموهنا ألسيادهم جمانا أو مقابل أجرة حقرية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬قولك‪ :‬إن التدين ليس سوى خمدر خيفف من وجع احلياة وعبثيتها؛ من خملفات وزباالت زعيم‬
‫عوب‪.‬‬ ‫ون الش‬ ‫دين أفي‬ ‫ل‪ :‬ال‬ ‫اركس القائ‬ ‫ارل م‬ ‫دة ك‬ ‫املالح‬
‫فإذا كان الدين الكنسي يف ما مضى خيدر املسيحيني املقهورين من طرف الباباوات والقساوسة‪ ،‬فإن‬
‫ال دين حس ب زعم ك يق وم اآلن بوظيف ة التخفي ف من وج ع احلي اة وعبثيته ا‪ ،‬وأنت هبذا ال زعم ت ردد‬
‫كالم أقط اب علم االجتم اع ال ديين وعلى رأس هم أوجس ت ك ونت ال ذي أس س دين اإلنس انية‪،‬‬
‫وكذلك إمييل دور كامي وكل من يكتب ويؤلف يف علم االجتماع الديين باملفهوم الغريب من املالحدة‬
‫والعلم انيني واحلداثيني يف ال وطن الع ريب‪ .‬وال داعي ل ذكر األمساء كم ا ال يتس ع اجملال لتفص يل ه ذا‬
‫اجلانب ال وظيفي العلم اين لل دين‪ ،‬ويكفي أن أش ري إىل أن علم اء االجتم اع الغرب يني املالح دة من‬
‫املتخصصني يف علم االجتماع الديين واجهتهم ظاهرة األزمة الروحية‪ ،‬والفراغ الروحي لدى الغربيني‪،‬‬
‫وإقب ال املاليني منهم على الديانات ال سيما اإلسالم‪ ،‬وك ذلك البوذية حيث ممارسة اليوغا الروحية‪،‬‬
‫اض طروا أي؛ علم اء االجتم اع الغربي ون إىل االع رتاف بأمهية ال دين‪ ،‬وكون ه عنص را اجتماعي ا وظيفي ا‬
‫هام ا‪ ،‬ومن هن ا أوح وا إىل أولئ ك ال ذين يع انون تل ك األزم ات لالخنراط يف اجلمعي ات الروحي ة أو‬
‫ممارس ة اليوغ ا‪ ،‬أو الت دين ب دين معني هبدف العالج النفس ي‪ ،‬واحلص ول على األمن ال روحي ال غ ري‪،‬‬
‫وهذا أيضا وباختصار؛ مرجع كالمك املستورد‪ :‬إن التدين ليس سوى خمدر خيفف من وجع احلياة‬
‫وعبثيتها‪.‬‬
‫قال خالد علي‪:‬‬
‫مث اذا وسعت من أفق تفكريك ستجد أن إقبال الناس على التدين أو خروجهم منه سيان ‪ .‬فهل تنتظر‬
‫من عامل غريب أو فيلسوف ليسلم ‪ ،‬من أجل ان تدعم حكمك املسبق بأن هذا الدين هو احلق؟ ‪ ،‬اذن‬
‫أنت مل تفهم بعد معىن الدين‪.‬‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫قولك‪ :‬إقبال الناس على التدين أو خروجهم منه سيان‪ ،‬ردا على قويل املتعلق بإقبال رجاء جارودي‬
‫وغ ريه من الغرب يني على اإلس الم‪ ،‬كالم يفق رت إىل أدىن أس اس منطقي وعقلي‪ ،‬وينم عن جه ل م ذقع‬
‫حبقيقة ومعىن الدين‪ ،‬السيما الدين اإلسالمي‪.‬‬

‫إن عب ارة “اإلقب ال على ال دين واخلروج من ه س يان” كالم فاس د عقال ومنطق ا‪ ،‬إذ ل و خ اطبت ب ه‬
‫شخص ا مت دينا مهم ا ك ان دين ه؛ بوذي ا‪ ،‬أو يهودي ا‪ ،‬أو هندوس يا‪ ،‬فسيس خر من ك‪ ،‬ب ل يعت ربك مص ابا‬
‫باهلذيان‪ ،‬ألن ه يعتق د أن دين ه أص ح األدي ان‪ ،‬وبالت ايل ف إن اخلروج من ه وال دخول يف دين آخ ر‪ ،‬يعت رب‬
‫مروقا وردة قد تستوجب العقوبة‪.‬‬

‫وق د ت وحي عبارت ك “إقب ال الن اس على الت دين واخلروج من ه س يان” ب أن األم ر جمرد لعب أو ت رف‬
‫عقلي‪ ،‬بينم ا حق ائق الواق ع تفي د أن معظم س اكنة األرض ي دينون ب دين معني‪ ،‬ويعتق دون ج ازمني‬
‫ص حته‪ ،‬وإن ك ان كث ري منهم ال يل تزمون مبمارس ة الش عائر الديني ة وم ع ذل ك ي دافعون عن دينهم‬
‫بإخالص وصدق‪.‬‬

‫ويكفي أن تعلم ٱن ه ذا الق رن يوص ف بق رن الص راعات واحلروب الديني ة‪ ،‬وه و م ا يؤك ده كث ري من‬
‫الب احثني‪ ،‬ب ل تنب أ ب ه جمموع ة من العلم اء والكت اب يف الق رن املاض ي‪ .‬ومن حيث الع دد ف إن جمم وع‬
‫املس لمني واملس يحيني والب وذيني واهلن دوس يش كل ملي ارات املت دينني‪ ،‬يف حني تظ ل نس بة املالح دة‬
‫والالدينيني ضعيفة جدا‪ .‬وال تغرنك شعارت ومظاهر احلياة العلمانية واملادية يف البلدان الغربية‪ ،‬فإن‬
‫ج ل الغرب يني إم ا كثوليك يني‪ ،‬أو بروتس تانتيني‪ ،‬وأعظم دلي ل على تعص بهم ل دينهم؛ ك راهيتهم لل دين‬
‫اإلسالمي وإعالن احلرب على املسلمني حتت إسم اإلرهاب‪ ،‬وقد صرح الرئيس بوش السابق وغريه‬
‫بأن احلرب على اإلسالم صليبية‪ .‬وأثري نتباهك إىل أن الكنيسة اإلجنيلية الربوتستانتية يف أمريكا‪ ،‬واليت‬
‫يف وق ع دد أتباعه ا مائ ة ملي ون أم ريكي‪ ،‬هي أك رب مناص ر وم دعم للكي ان اليه ودي الص هيوين يف‬
‫فلس طني‪ ،‬وذل ك ألس باب ورواب ط جتمعهم ا‪ ،‬وأنص حك ب البحث يف ه ذا املوض وع لعل ك تقتن ع ب أن‬
‫االعتقاد الديين والتدين ليس مسألة لعب أو دخول وخروج بالسهولة اليت تعتقدها‪.‬‬

‫قال خالد علي‪:‬‬

‫إذا أردت أن تكون شخصا عقالنيا وحمبا للحقيقة فقط ‪ ،‬فضع نفسك مكان املخالف لدينك‪.‬‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫قولك‪“ :‬إذا كنت شخصا عقالنيا وحمبا للحقيقة فقط‪ ،‬فضع نفسك مكان املخالف”‪ .‬هذه اجلملة‬
‫األخ رية أدخلته ا تعس فا وتدليس ا‪ ،‬وهي من ب اب كلم ة ح ق أري د هبا باط ل‪ ،‬ألن االس تعمال املألوف‬
‫واملتبادل لعبارة “ضع نفسك مكان غريك”‪ ،‬يكون دائما يف سياق واحد مفاده مثال أن تضع نفسك‬
‫مكان الفقري أو املظلوم لكي تتصور أو تدرك معاناهتما مما قد يؤثر إجيابا يف موقفك جتاههما‪ ،‬أو أن‬
‫تضع نفسك مكان شخص أغضبك فنهرته بسبب سلوك اضطر إىل الوقوع فيه اضطرارا؛ كالتأخر‬
‫عن احلضور يف وقت حمدد‪ ،‬فوضع نفسك مكانه جيعلك تندم على ما صدر منك من انفعال‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫إن معىن “ضع نفسك مكان الغري” مقيد بالشرط املذكور لكنك أطلقته على عمومه فقد يكون هذا‬
‫الغري خمطئا أو ظاملا أو ضاال مضال‪ ،‬أليس كذلك؟‪ ،‬لكنك أبيت إال التدليس والتمويه قصد اصطياد‬
‫املغفلني شأنك يف ذلك شأن زمالئك من الدعاة إىل اإلحلاد‪.‬‬
‫قال خالد علي‪:‬‬

‫إذا أردت أن تفهم فاخرج من نفسك ‪ ،‬وافعل على األقل كما فعل الغزايل الذي قال‪ ” :‬من مل يشك‬
‫مل ينظر ‪ ،‬ومن مل ينظر مل يبصر ‪ ،‬ومن مل يبصر ‪ ،‬بقي يف متاهات العمى‪ .‬إن احلقيقة بنت الشك ” ‪.‬‬
‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫قول ك‪“ :‬إذا أردت أن تفهم ف اخرج من نفس ك”؛ كالم ال يص ح عقال وال منطق ا‪ ،‬إذ يس تحيل على‬
‫اإلنس ان اخلروج بالكلي ة عن نفس ه‪ .‬فل و نب ذ اإلنس ان احلق وخ رج من ه وه و مطلبكم معش ر املالح دة‬
‫ومبتغ اكم‪ ،‬لوق ع يف الباط ل‪ ،‬وكالمها نفس ه؛ ألن النفس إم ا أن تري د احلق وحتب ه‪ ،‬وإال أرادت الباط ل‬
‫وأحبته وال بد‪ .‬فقولك “اخرج من نفسك” أي؛ جترد من ثقافتك وهويتك ودينك كي تفهم وتصفو‬
‫نفس ك‪ ،‬يتع ارض م ع العق ل واحلس‪ ،‬إذ ال ميكن أن نتص ور نفس ا عاقل ة ص فحة بيض اء‪ .‬فال ينف ك‬
‫اإلنسان مقيما يف إحدى الدائرتني أو املنزلتني‪ :‬منزلة احلق أو منزلة الباطل واهلوى‪.‬‬

‫و قولك‪ ” :‬فافعل على األقل كما فعل أبو حامد الغزايل الذي قال‪“ :‬من مل يشك مل ينظر ومل يبصر‬
‫وبقي يف متاهة العمى‪ ،‬إن احلقيقة بنت الشك…”‪.‬‬

‫حبثت عن ه ذا النص “من مل يش ك…العمى ” فوجدت ه مس طرا يف الص فحة األخ رية من كت اب ”‬
‫م يزان العم ل” أليب حام د الغ زايل رمحه اهلل‪ .‬والنص ج اء يف مع رض الكالم عن آخ ر مبحث من‬
‫مباحث الكتاب واملعنون ب”بيان معىن املذهب واختالف الناس فيه”‪.‬‬

‫قال أبو حامد الغزايل‪ ”:‬فمن ولد يف بلد املعتزلة أو األشعرية أو الشفعوية أو احلنفية‪ ،‬انغرس يف نفسه‬
‫من ذ ص باه التعص ب ل ه‪ ،‬وال ذب دون ه‪ ،‬وال ذم ملا س واه‪ ..‬فيق ال ه و أش عري املذهب‪ ،‬أو مع تزيل أو‬
‫شفعوي أو حنفي ومعناه أنه يتعصب” (…)‬

‫” ف إن الن اس متفق ون على النط ق ب أن املذهب واح د‪ ،‬مث يتفق ون على التعص ب ملذهب أبيهم أو‬
‫معلمهم‪ ،‬وأهل بلدهم…”‪.‬‬

‫” ول و مل يكن يف جمال ه ذه الكلم ات يف اعتق ادك املوروث لتنت دب للطلب‪ ،‬فناهي ك ب ه نفع ا‪ ،‬إذ‬
‫الش كوك هي املوص لة إىل احلق‪ ،‬فمن مل يش ك مل ينظ ر‪ ،‬ومن مل ينظ ر مل يبص ر‪ ،‬ومن مل يبص ر بقي يف‬
‫العمى والض الل‪ ،‬نع وذ باهلل من ذل ك وص لى اهلل وس لم على س يدنا حمم د وعلى ال ه وص حبه وس لم”‬
‫ميزان العمل‪ ،‬دار املعارف ص‪.61_60‬‬

‫يتضح من هذه النصوص أن أبا حامد الغزايل رمحه اهلل يتناول ويناقش موضوع “املذهب واختالف‬
‫الناس فيه”‪ ،‬إال أنك عمدت إىل برت النص املقصود‪ ،‬وعزلته عن النصوص األخرى املتعلقة بتوضيح‬
‫وبيان جوانب املسألة املذهبية‪ .‬ويف قطع النص عن السياق حتريف ملنطوق الكالم املستدل به وإخفاء‬
‫حلقيق ة معن اه‪ ،‬وذل ك على طريق ة “وي ل للمص لني”‪ ،‬لت وهم الق ارئ أو املخ اطب من خالل “فمن مل‬
‫يش ك مل ينظ ر…إىل العمى” أن أب ا حام د الغ زايل رمحه اهلل ش ك يف ك ل ش يء مبا يف ذل ك دين ه‬
‫ه!‬ ‫وخالق‬
‫أتظن أنك هبذا البرت والتمويه والكذب‪ ،‬ستحقق ما تتمناه؟ كال إن سعيك وسعي أمثالك لسراب يف‬
‫صحراء يباب‪.‬‬
‫قال خالد علي‪:‬‬

‫أتعلم اليوم أن من مل ينفتح على قراءة ودراسة األديان األخرى يعترب أميا ؟‪.‬‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫قولك‪“ :‬من مل ينفتح على دراسة األديان يعترب أميا”؛ كالم سخيف ال ينهض على دليل وال يصدر‬
‫إال عن م أفون‪ .‬وه ل يش رتط لرف ع األمي ة دراس ة األدي ان؟ وه ل درس ك ل العلم اء على اختالف‬
‫ان؟‬ ‫ادة األدي‬ ‫اهتم م‬ ‫ارهبم وختصص‬ ‫مش‬
‫وإذا كنت تقصد أن دراسة األديان ضرورية ملعرفة الدين الصحيح‪ ،‬وما أظنه مقصدك لكونك داعيا‬
‫لإلحلاد‪ ،‬فإن ذلك يلزم غري املسلمني من الضالني واحليارى‪ ،‬ولذلك أسلم كثري من علماء الغرب بعد‬
‫عكوفهم على دراسة األديان ومقارنة بعضها ببعض‪.‬‬
‫قال خالد علي‪:‬‬
‫إن احلقيقة ليست مطلقة وال واحدة‪ ،‬بل هي نسبية ومتعددة‪.‬‬

‫فأجبت عنه‪:‬‬

‫قول ك‪“ :‬إن احلقيق ة ليس ت مطلق ة وال واح دة‪ ،‬ب ل هي نس بية ومتع ددة”‪.‬‬
‫هذا ليس كالمك مثل باقي أقوالك ودعاويك‪ ،‬كما أنه قول فاسد عقال ونقال؛ ألن أصله يرجع إىل‬
‫الفلس فة السوفس طائية ال يت هي أح ط أن واع الفلس فات اليوناني ة‪ .‬وأص حاب ه ذه الف دلكات‬
‫والسفس طات من املالح دة واحلداثيني املعاص رين يزعم ون أن ” احلق املطل ق ال ميلك ه أح د”‪ ،‬أو “ال‬
‫أحد يدعي امتالك احلقيقة”‪ ،‬وذلك عندما تقهرهم حجج وبراهني مناظرهيم من املسلمني‪ ،‬وألجل أن‬
‫تعم الفوضى والشك واخلالفات فيما خيص احلق ائق الثابتة ال يت جاءت هبا الش رائع حىت جيهل الن اس‬
‫ة‪.‬‬ ‫بغة اإلهلي‬ ‫رة والص‬ ‫لة الفط‬ ‫دون بوص‬ ‫حيح‪ ،‬ويفق‬ ‫دين الص‬ ‫ال‬
‫إن الفيلسوف بروتاغوراس السوفسطائي الذي عاش فيما بني القرنني الرابع واخلامس قبل امليالد‪ ،‬هو‬
‫أول من ق ال هبذه النس بية عن دما ك انت اليون ان مس رحا لألفك ار واملعتق دات واملذاهب املختلف ة‬
‫واملتعارضة‪.‬‬
‫يقول الدكتور سامي النشار‪ ” :‬نسبية كل شيء قال هبا بروتاغوراس السوفسطائي حني أراد أن ينقد‬
‫أصول املعرفة‪“ .‬إن اإلنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما ال يوجد”‪ ،‬مث أخذ‬
‫الشكاك بعده‪ ،‬فطبقوها على احلد كما طبقوها على نواحي العلم كله‪ ،‬فلم تعد حقيقة من حقائق‬ ‫هبذا ُ‬
‫العلم ثابت ة أو مس تقرة‪ ،‬ب ل ك ل ش يء –كم ا يق ول ه رقليطس‪ -‬يف تغ ري مس تمر”‪ ( . .‬د‪ .‬س امي‬
‫النشار؛”مناهج البحث عند مفكري اإلسالم”‪ ،‬ص ‪.) 191‬‬

‫وقال الدكتور أمحد عبد الرمحن يف كتابه “أساطري املعاصرين ص ‪“ :”170 – 169‬الفلسفة النسبية‬
‫هي السند الفكري األخري واملرجع النهائي لكل التيارات املناوئة ملبدأ “الثبات اإلسالمي” يف العقيدة‬
‫والش ريعة واألخالق والنظم ‪ ..‬فالنس بية‪ :‬فلس فة ت زعم أن احلق ائق العلمي ة‪ ،‬والقيم اخللقي ة‪ ،‬واملب ادئ‬
‫التش ريعية‪ ،‬والنظم االجتماعي ة والسياس ية‪ ،‬كله ا تتب دل وتتغ ري بتغ ري الزم ان واملك ان ‪ ،‬فم ا ك ان حق ا‬
‫ب األمس ال ب د أن ينقلب ب اطاًل الي وم أو غ ًدا‪ ،‬وم ا ك ان ع داًل ل دى اليون ان قب ل ق رون من الزم ان‬
‫يستحيل أن يظل ك ذلك إىل اليوم‪ ،‬ال ف رق يف ذلك بني قانون وضعي وش ريعة ديني ة‪ .‬وهبذا التصور‬
‫الشامل للفلسفة النسبية يقرر أنصار التجديد أن الشعر املقفى‪ ،‬واللغة الفصحى‪ ،‬والعمارة اإلسالمية‪،‬‬
‫والشريعة اإلسالمية‪ ،‬والعقيدة اإلسالمية‪ ..‬إخل‪ ،‬كانت صاحلة لعصر النبوة والراشدين‪ ،‬ولكنها ال ميكن‬
‫أن تصلح لنا اليوم‪ ،‬وال مفر أمامنا من أحد أمرين‪ :‬إما نقل نظائرها األوروبية العصرية‪ ،‬وإما التخلف‬
‫عن العص ر والفن اء تبعًا ل ذلك … لق د ول دت النس بية يف حج ر السوفس طائيني‪ ،‬ال ذين ص اغوها يف‬
‫العبارة املشهورة “اإلنسان معيار كل شيء” مبعىن‪ :‬أنه هو الذي حيدد احلقائق العلمية‪ ،‬والقيم اخللقية‪،‬‬
‫وبوسعه أن يعدهلا‪ ،‬أو يلغيها‪ ،‬أو يستبدل هبا غريها‪”.‬‬

‫ولقد اعتمدت الفلسلة الربمجاتية اليت أسسها الفيلسوف األمريكي وليام جيمس على السوفسطائية يف‬
‫تقعي د بعض مبادئه ا‪ ،‬حيث ادعت مقررة أن األم ر أو الفك رة أو الشيء املعنوي ال يكون حقيقيا إال‬
‫إذا كان نافعا وموافقا ملطلوبنا ورغباتنا‪ ،‬أي أن مقياس صحة األفكار يف نظر الفلسفة الربمجاتية يتوقف‬
‫على م ا حتقق ه من نت ائج ومن افع‪ ،‬ومن هن ا ف إن احلقيق ة نس بية‪ ،‬وتتغ ري بتغ ري الظ روف واملص احل‪.‬‬
‫واخلالص ة أن املالح دة واحلداثيني املعاص رين ي رددون أفك ار السوفس طائيني اليون انيني‪ ،‬والربمجاتيني‬
‫األمريكيني والغربيني‪ ،‬تلك األفكار الناطقة بنسبية احلقائق؛ حيث أن احلق عندهم يوجد يف كل شيء‬
‫كما يعتقده ويتصوره معتقده وصاحبه‪ ،‬وأن احلقائق نسبية غري ثابتة‪ ،‬وتابعة لعقائد الناس املختلفة‪،‬‬
‫وهذا التصور أو املعتقد فاسد ال نصيب له من العقل واملنطق وإمنا هي أهواء وميوالت نفسية وعمى‬
‫وحرية وتيه وضالل‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬هوية بريس‬

You might also like