Professional Documents
Culture Documents
وبعد مرور بضعة أيام على نشر الفيديو ،وردت علي بعض التعليقات واملالحظات واالنتقادات ،من
س إحلادي ،بعث هبا شخص يسمى أو يدعى خالد علي. بينها انتقادات متتابعة ذات نَ َف ٍ
وراودتين بعد هذه املدة ،فكرة نشر تلك االنتقادات وردودي عليها ،لعلي أسهم بذلك يف الرد على
املالحدة ودحض حججهم ودعاواهم.
ح ىت ل و درس نا من تس ميهم فالس فة اإلس الم ،ف إنكم كفرمتوهم ومل تقبل وا تص وراهتم ،أنت ال ذي
تتحدث عن ابن رشد ،هل تقبل قوله بقدم العامل ؟ أتقبل قوله بإنكار بعث األجسام وتشكيكه يف
أقوام ذكرت يف القرآن كعاد ومثود ؟ أنتم تتناقضون مع أنفسكم ؟
فأجبت عنه:
مهال مهال ،ال ترس ل الكالم على عواهن ه .من ق ال ل ك أين كف رت أح دا من أه ل القبل ة .ثبت أن
فالسفة املسلمني كانوا يصلون ويصومون… كغريهم من املسلمني .بل منهم من كان إماما يف الفقه
واألص ول وعل وم الش ريعة ك ابن رش د .نعم هن اك من الفقه اء من رمى فالس فة املس لمني ب الكفر
والزندق ة .وه ذا يف رأيي يرج ع إىل التعص ب واالن دفاع يف إص دار األحك ام .نعم جيب على العلم اء
والفقهاء أن يبينوا للناس االحنرافات الفكرية والعقدية اليت وقع فيها هؤالء الفالسفة مثل قدم العامل،
والعق ول العش رة ،والعق ل الفع ال وغريه ا من األفك ار اليوناني ة امليتافيزيقي ة اخليالي ة .لق د أخط أ ه ؤالء
الفالس فة املس لمون عن دما تبن وا بعض األفك ار الفلس فية اليوناني ة .لكن احلكم عليهم ب الكفر وهم من
أه ل القبل ة بس بب ه ذه األخط اء ينط وي على ش يء من املبالغ ة والتعص ب .ولع ل أفك ارهم املنحرف ة
ك انت عب ارة عن ش طحات فكري ة ،وأهنم تراجع وا عنه ا ،وأن اهلل ق د غف ر هلم لك وهنم مس لمني ب ل
علماء وفقهاء.
ال جيوز ل ك إذك اء ن ريان الفتن ة م ا بني االس اتذة وتالم ذهتم ،ويل زم أن تعلم أن الفلس فة فك ر ح ر ال
يتقيد بأفكار مسبقة وأساطري ومقدسات ،وكما قال املعري ” :صنفان من الناس :رجل عاقل بال
دين ،أو متدين بال عقل “ ،فال جتتمع الفلسفة بالدين ،ألنه ما شاع الدين يف جمتمع إال كان ساسته
ديكت اتوريني ،فع اش الن اس الفق ر والظلم ،وم ا ش اعت الفلس فة إال وانتص رت الدميقراطي ة واحلري ة ،
وعاش كل الناس باختالف معتقداهتم يف ظل جو من التسامح والتعايش واالنفتاح ،خطابكم أكل
الدهر عليه وشرب ،وقريبا سريى الشباب النور واملعرفة اليت حتررهم من أغالل اخلرافة واألسطورة .
فأجبت عنه:
وماذا تقول يف ظاهرة إقبال عشرات اآلالف من الغربيني كل سنة على اإلسالم ،حيث ضربوا بعرض
احلائط كل الفلسفات والرتهات واملاديات ،واعرتفوا بأهنم كانوا على ضالل .وال يتسع الوقت لذكر
بعض أمسائهم ،وأكتفي فق ط بإس م واح د :رج اء (روجي) غ ارودي الفيلس وف الفرنس ي ال ذي أل ف
كتب ا يف الفلس فة ،وع اش مخس ني س نة يف الكف ر واإلحلاد والش يوعية .أتظن أن ك ومن على ش اكلتك
أعلم بالفلس فة من غ ارودي ؟ اإلس الم الق وي ب دأ يع ود ويق وى من جدي د .والق رآن مبا يتض منه من
حقائق مذهلة يغزو عقول الغربيني ويؤثر فيهم فينجذبون إليه“ .فإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعمى
القلوب اليت يف الصدور”.
قال خالد علي:
تس تدل ب روجي غ ارودي ،ومن ق ال ل ك أس لم ألن اإلس الم أقنع ه؟ ،إن من يع ود إىل ال دين كمن
يبحث عن إشباع روحي وعاطفي ،أما العقل والدين فهما متعارضان ،وأنا عن نفسي لو اتقيت اهلل
وع دت للقي ام بالش عائر ،ف ذلك ليس إال ألج ل أن أه رب من الش عور بعبثي ة احلي اة ،إن الت دين ليس
سوى خمدر خيفف من وجع احلياة وعبثيتها .
فأجبت عنه:
أوال :قولك عن روجيه جارودي الفرنسي الذي أسلم“ :ومن قال لك أسلم ألن اإلسالم أقنعه ،إنه
جمرد إش باع روحي ،وع اطفي ،أم ا العق ل وال دين فهم ا متعارض ان”.
رجم ب الغيب وظن خ اطئ ،وم ا علي ك للتأك د من ص حة اقتناع ه باإلس الم ،إال أن تطل ع على املس رية
العلمية لبعض من أسلم من علماء الغرب ،وبعد ذلك سيتضح لك إن كنت موضوعيا ومتجردا من
األهواء أن إسالم هؤالء سببه الرباهني ،واألدلة العلمية وليس الدافع الروحي والعاطفي.
ثاني ا :قول ك“ :أم ا العق ل وال دين فهم ا متعارض ان”؛ كالم تلوك ه ألس نة احلداثيني والعلم انيني
واملس تغربني ،ويرج ع أص له إىل نت ائج وخملف ات الص راع بني الكنيس ة والعلم اء ،إب ان عص ر النهض ة
األوربي ة .وإذا ك ان ه ذا احلكم يص دق على الواق ع الثق ايف والفك ري ل دى األورب يني ،فإن ه ال يص دق
على منطق الفكر اإلسالمي وواقع الثقافة اإلسالمية وحضارهتا قدميا وحديثا ،وكيف استطاعت هذه
احلض ارة أن هتيمن على رقع ة جغرافي ة مرتامي ة األط راف ،وت ؤثر يف ش عوب كث رية بع د دخوهلا يف
اإلس الم ،وبقيت تتح دى الع امل بقوهتا الديني ة والعلمي ة ،والعس كرية أك ثر من عش رة ق رون ،أي إىل
ح دود الق رن التاس ع عش ر امليالدي ،واق رأ الت اريخ الق دمي واحلديث ،لواق ع وحض ارة املس لمني قب ل
توردة. ة واملس ام الواهي دار األحك إص
وأنص حك بق راءة كت اب واح د فق ط للمستش رقة األملاني ة زيغري د “حض ارة اإلس الم تس طع على
الغرب” ،ليتبني لك أن مقولة تعارض العقل والدين ال تنطبق على الدين اإلسالمي.
ثالثا :قولك :وأنا عن نفسي لو اتقيت اهلل وعدت للقيام بالشعائر ،فذلك ليس إال ألجل أن أهرب من
الش عور بعبثي ة احلي اة .إن الت دين ليس س وى خمدر خيف ف من وج ع احلي اة وعبثيته ا.
كالم ك ه ذا إن كنت ص ادقا ،يفي د أن ك كنت مت دينا مث ط اف ب ك لص وص املالح دة ،ه داك اهلل،
وأخرجوك من ملتك ،أو “تتملحد” ،أو وجلت باب اإلحلاد طمعا يف مال أو دنيا فانية ،أو عن قناعة
بصحة اإلحلاد .بيد أنين أشك يف االحتمال األخري لكون احلجج اليت تقدمها وتت ذرع هبا يف الدفاع
عن أطروحتك ال ترقى إىل أدىن مستوى عقلي أو منطقي ،إمنا كالم جيرته ويردده العاملون يف مجعيات
ومراكز اإلحلاد والزندقة ،خدمة يقدموهنا ألسيادهم جمانا أو مقابل أجرة حقرية.
رابعا :قولك :إن التدين ليس سوى خمدر خيفف من وجع احلياة وعبثيتها؛ من خملفات وزباالت زعيم
عوب. ون الش دين أفي ل :ال اركس القائ ارل م دة ك املالح
فإذا كان الدين الكنسي يف ما مضى خيدر املسيحيني املقهورين من طرف الباباوات والقساوسة ،فإن
ال دين حس ب زعم ك يق وم اآلن بوظيف ة التخفي ف من وج ع احلي اة وعبثيته ا ،وأنت هبذا ال زعم ت ردد
كالم أقط اب علم االجتم اع ال ديين وعلى رأس هم أوجس ت ك ونت ال ذي أس س دين اإلنس انية،
وكذلك إمييل دور كامي وكل من يكتب ويؤلف يف علم االجتماع الديين باملفهوم الغريب من املالحدة
والعلم انيني واحلداثيني يف ال وطن الع ريب .وال داعي ل ذكر األمساء كم ا ال يتس ع اجملال لتفص يل ه ذا
اجلانب ال وظيفي العلم اين لل دين ،ويكفي أن أش ري إىل أن علم اء االجتم اع الغرب يني املالح دة من
املتخصصني يف علم االجتماع الديين واجهتهم ظاهرة األزمة الروحية ،والفراغ الروحي لدى الغربيني،
وإقب ال املاليني منهم على الديانات ال سيما اإلسالم ،وك ذلك البوذية حيث ممارسة اليوغا الروحية،
اض طروا أي؛ علم اء االجتم اع الغربي ون إىل االع رتاف بأمهية ال دين ،وكون ه عنص را اجتماعي ا وظيفي ا
هام ا ،ومن هن ا أوح وا إىل أولئ ك ال ذين يع انون تل ك األزم ات لالخنراط يف اجلمعي ات الروحي ة أو
ممارس ة اليوغ ا ،أو الت دين ب دين معني هبدف العالج النفس ي ،واحلص ول على األمن ال روحي ال غ ري،
وهذا أيضا وباختصار؛ مرجع كالمك املستورد :إن التدين ليس سوى خمدر خيفف من وجع احلياة
وعبثيتها.
قال خالد علي:
مث اذا وسعت من أفق تفكريك ستجد أن إقبال الناس على التدين أو خروجهم منه سيان .فهل تنتظر
من عامل غريب أو فيلسوف ليسلم ،من أجل ان تدعم حكمك املسبق بأن هذا الدين هو احلق؟ ،اذن
أنت مل تفهم بعد معىن الدين.
فأجبت عنه:
قولك :إقبال الناس على التدين أو خروجهم منه سيان ،ردا على قويل املتعلق بإقبال رجاء جارودي
وغ ريه من الغرب يني على اإلس الم ،كالم يفق رت إىل أدىن أس اس منطقي وعقلي ،وينم عن جه ل م ذقع
حبقيقة ومعىن الدين ،السيما الدين اإلسالمي.
إن عب ارة “اإلقب ال على ال دين واخلروج من ه س يان” كالم فاس د عقال ومنطق ا ،إذ ل و خ اطبت ب ه
شخص ا مت دينا مهم ا ك ان دين ه؛ بوذي ا ،أو يهودي ا ،أو هندوس يا ،فسيس خر من ك ،ب ل يعت ربك مص ابا
باهلذيان ،ألن ه يعتق د أن دين ه أص ح األدي ان ،وبالت ايل ف إن اخلروج من ه وال دخول يف دين آخ ر ،يعت رب
مروقا وردة قد تستوجب العقوبة.
وق د ت وحي عبارت ك “إقب ال الن اس على الت دين واخلروج من ه س يان” ب أن األم ر جمرد لعب أو ت رف
عقلي ،بينم ا حق ائق الواق ع تفي د أن معظم س اكنة األرض ي دينون ب دين معني ،ويعتق دون ج ازمني
ص حته ،وإن ك ان كث ري منهم ال يل تزمون مبمارس ة الش عائر الديني ة وم ع ذل ك ي دافعون عن دينهم
بإخالص وصدق.
ويكفي أن تعلم ٱن ه ذا الق رن يوص ف بق رن الص راعات واحلروب الديني ة ،وه و م ا يؤك ده كث ري من
الب احثني ،ب ل تنب أ ب ه جمموع ة من العلم اء والكت اب يف الق رن املاض ي .ومن حيث الع دد ف إن جمم وع
املس لمني واملس يحيني والب وذيني واهلن دوس يش كل ملي ارات املت دينني ،يف حني تظ ل نس بة املالح دة
والالدينيني ضعيفة جدا .وال تغرنك شعارت ومظاهر احلياة العلمانية واملادية يف البلدان الغربية ،فإن
ج ل الغرب يني إم ا كثوليك يني ،أو بروتس تانتيني ،وأعظم دلي ل على تعص بهم ل دينهم؛ ك راهيتهم لل دين
اإلسالمي وإعالن احلرب على املسلمني حتت إسم اإلرهاب ،وقد صرح الرئيس بوش السابق وغريه
بأن احلرب على اإلسالم صليبية .وأثري نتباهك إىل أن الكنيسة اإلجنيلية الربوتستانتية يف أمريكا ،واليت
يف وق ع دد أتباعه ا مائ ة ملي ون أم ريكي ،هي أك رب مناص ر وم دعم للكي ان اليه ودي الص هيوين يف
فلس طني ،وذل ك ألس باب ورواب ط جتمعهم ا ،وأنص حك ب البحث يف ه ذا املوض وع لعل ك تقتن ع ب أن
االعتقاد الديين والتدين ليس مسألة لعب أو دخول وخروج بالسهولة اليت تعتقدها.
إذا أردت أن تكون شخصا عقالنيا وحمبا للحقيقة فقط ،فضع نفسك مكان املخالف لدينك.
فأجبت عنه:
قولك“ :إذا كنت شخصا عقالنيا وحمبا للحقيقة فقط ،فضع نفسك مكان املخالف” .هذه اجلملة
األخ رية أدخلته ا تعس فا وتدليس ا ،وهي من ب اب كلم ة ح ق أري د هبا باط ل ،ألن االس تعمال املألوف
واملتبادل لعبارة “ضع نفسك مكان غريك” ،يكون دائما يف سياق واحد مفاده مثال أن تضع نفسك
مكان الفقري أو املظلوم لكي تتصور أو تدرك معاناهتما مما قد يؤثر إجيابا يف موقفك جتاههما ،أو أن
تضع نفسك مكان شخص أغضبك فنهرته بسبب سلوك اضطر إىل الوقوع فيه اضطرارا؛ كالتأخر
عن احلضور يف وقت حمدد ،فوضع نفسك مكانه جيعلك تندم على ما صدر منك من انفعال ،وهكذا.
إن معىن “ضع نفسك مكان الغري” مقيد بالشرط املذكور لكنك أطلقته على عمومه فقد يكون هذا
الغري خمطئا أو ظاملا أو ضاال مضال ،أليس كذلك؟ ،لكنك أبيت إال التدليس والتمويه قصد اصطياد
املغفلني شأنك يف ذلك شأن زمالئك من الدعاة إىل اإلحلاد.
قال خالد علي:
إذا أردت أن تفهم فاخرج من نفسك ،وافعل على األقل كما فعل الغزايل الذي قال ” :من مل يشك
مل ينظر ،ومن مل ينظر مل يبصر ،ومن مل يبصر ،بقي يف متاهات العمى .إن احلقيقة بنت الشك ” .
فأجبت عنه:
قول ك“ :إذا أردت أن تفهم ف اخرج من نفس ك”؛ كالم ال يص ح عقال وال منطق ا ،إذ يس تحيل على
اإلنس ان اخلروج بالكلي ة عن نفس ه .فل و نب ذ اإلنس ان احلق وخ رج من ه وه و مطلبكم معش ر املالح دة
ومبتغ اكم ،لوق ع يف الباط ل ،وكالمها نفس ه؛ ألن النفس إم ا أن تري د احلق وحتب ه ،وإال أرادت الباط ل
وأحبته وال بد .فقولك “اخرج من نفسك” أي؛ جترد من ثقافتك وهويتك ودينك كي تفهم وتصفو
نفس ك ،يتع ارض م ع العق ل واحلس ،إذ ال ميكن أن نتص ور نفس ا عاقل ة ص فحة بيض اء .فال ينف ك
اإلنسان مقيما يف إحدى الدائرتني أو املنزلتني :منزلة احلق أو منزلة الباطل واهلوى.
و قولك ” :فافعل على األقل كما فعل أبو حامد الغزايل الذي قال“ :من مل يشك مل ينظر ومل يبصر
وبقي يف متاهة العمى ،إن احلقيقة بنت الشك…”.
حبثت عن ه ذا النص “من مل يش ك…العمى ” فوجدت ه مس طرا يف الص فحة األخ رية من كت اب ”
م يزان العم ل” أليب حام د الغ زايل رمحه اهلل .والنص ج اء يف مع رض الكالم عن آخ ر مبحث من
مباحث الكتاب واملعنون ب”بيان معىن املذهب واختالف الناس فيه”.
قال أبو حامد الغزايل ”:فمن ولد يف بلد املعتزلة أو األشعرية أو الشفعوية أو احلنفية ،انغرس يف نفسه
من ذ ص باه التعص ب ل ه ،وال ذب دون ه ،وال ذم ملا س واه ..فيق ال ه و أش عري املذهب ،أو مع تزيل أو
شفعوي أو حنفي ومعناه أنه يتعصب” (…)
” ف إن الن اس متفق ون على النط ق ب أن املذهب واح د ،مث يتفق ون على التعص ب ملذهب أبيهم أو
معلمهم ،وأهل بلدهم…”.
” ول و مل يكن يف جمال ه ذه الكلم ات يف اعتق ادك املوروث لتنت دب للطلب ،فناهي ك ب ه نفع ا ،إذ
الش كوك هي املوص لة إىل احلق ،فمن مل يش ك مل ينظ ر ،ومن مل ينظ ر مل يبص ر ،ومن مل يبص ر بقي يف
العمى والض الل ،نع وذ باهلل من ذل ك وص لى اهلل وس لم على س يدنا حمم د وعلى ال ه وص حبه وس لم”
ميزان العمل ،دار املعارف ص.61_60
يتضح من هذه النصوص أن أبا حامد الغزايل رمحه اهلل يتناول ويناقش موضوع “املذهب واختالف
الناس فيه” ،إال أنك عمدت إىل برت النص املقصود ،وعزلته عن النصوص األخرى املتعلقة بتوضيح
وبيان جوانب املسألة املذهبية .ويف قطع النص عن السياق حتريف ملنطوق الكالم املستدل به وإخفاء
حلقيق ة معن اه ،وذل ك على طريق ة “وي ل للمص لني” ،لت وهم الق ارئ أو املخ اطب من خالل “فمن مل
يش ك مل ينظ ر…إىل العمى” أن أب ا حام د الغ زايل رمحه اهلل ش ك يف ك ل ش يء مبا يف ذل ك دين ه
ه! وخالق
أتظن أنك هبذا البرت والتمويه والكذب ،ستحقق ما تتمناه؟ كال إن سعيك وسعي أمثالك لسراب يف
صحراء يباب.
قال خالد علي:
أتعلم اليوم أن من مل ينفتح على قراءة ودراسة األديان األخرى يعترب أميا ؟.
فأجبت عنه:
قولك“ :من مل ينفتح على دراسة األديان يعترب أميا”؛ كالم سخيف ال ينهض على دليل وال يصدر
إال عن م أفون .وه ل يش رتط لرف ع األمي ة دراس ة األدي ان؟ وه ل درس ك ل العلم اء على اختالف
ان؟ ادة األدي اهتم م ارهبم وختصص مش
وإذا كنت تقصد أن دراسة األديان ضرورية ملعرفة الدين الصحيح ،وما أظنه مقصدك لكونك داعيا
لإلحلاد ،فإن ذلك يلزم غري املسلمني من الضالني واحليارى ،ولذلك أسلم كثري من علماء الغرب بعد
عكوفهم على دراسة األديان ومقارنة بعضها ببعض.
قال خالد علي:
إن احلقيقة ليست مطلقة وال واحدة ،بل هي نسبية ومتعددة.
فأجبت عنه:
قول ك“ :إن احلقيق ة ليس ت مطلق ة وال واح دة ،ب ل هي نس بية ومتع ددة”.
هذا ليس كالمك مثل باقي أقوالك ودعاويك ،كما أنه قول فاسد عقال ونقال؛ ألن أصله يرجع إىل
الفلس فة السوفس طائية ال يت هي أح ط أن واع الفلس فات اليوناني ة .وأص حاب ه ذه الف دلكات
والسفس طات من املالح دة واحلداثيني املعاص رين يزعم ون أن ” احلق املطل ق ال ميلك ه أح د” ،أو “ال
أحد يدعي امتالك احلقيقة” ،وذلك عندما تقهرهم حجج وبراهني مناظرهيم من املسلمني ،وألجل أن
تعم الفوضى والشك واخلالفات فيما خيص احلق ائق الثابتة ال يت جاءت هبا الش رائع حىت جيهل الن اس
ة. بغة اإلهلي رة والص لة الفط دون بوص حيح ،ويفق دين الص ال
إن الفيلسوف بروتاغوراس السوفسطائي الذي عاش فيما بني القرنني الرابع واخلامس قبل امليالد ،هو
أول من ق ال هبذه النس بية عن دما ك انت اليون ان مس رحا لألفك ار واملعتق دات واملذاهب املختلف ة
واملتعارضة.
يقول الدكتور سامي النشار ” :نسبية كل شيء قال هبا بروتاغوراس السوفسطائي حني أراد أن ينقد
أصول املعرفة“ .إن اإلنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما ال يوجد” ،مث أخذ
الشكاك بعده ،فطبقوها على احلد كما طبقوها على نواحي العلم كله ،فلم تعد حقيقة من حقائق هبذا ُ
العلم ثابت ة أو مس تقرة ،ب ل ك ل ش يء –كم ا يق ول ه رقليطس -يف تغ ري مس تمر” ( . .د .س امي
النشار؛”مناهج البحث عند مفكري اإلسالم” ،ص .) 191
وقال الدكتور أمحد عبد الرمحن يف كتابه “أساطري املعاصرين ص “ :”170 – 169الفلسفة النسبية
هي السند الفكري األخري واملرجع النهائي لكل التيارات املناوئة ملبدأ “الثبات اإلسالمي” يف العقيدة
والش ريعة واألخالق والنظم ..فالنس بية :فلس فة ت زعم أن احلق ائق العلمي ة ،والقيم اخللقي ة ،واملب ادئ
التش ريعية ،والنظم االجتماعي ة والسياس ية ،كله ا تتب دل وتتغ ري بتغ ري الزم ان واملك ان ،فم ا ك ان حق ا
ب األمس ال ب د أن ينقلب ب اطاًل الي وم أو غ ًدا ،وم ا ك ان ع داًل ل دى اليون ان قب ل ق رون من الزم ان
يستحيل أن يظل ك ذلك إىل اليوم ،ال ف رق يف ذلك بني قانون وضعي وش ريعة ديني ة .وهبذا التصور
الشامل للفلسفة النسبية يقرر أنصار التجديد أن الشعر املقفى ،واللغة الفصحى ،والعمارة اإلسالمية،
والشريعة اإلسالمية ،والعقيدة اإلسالمية ..إخل ،كانت صاحلة لعصر النبوة والراشدين ،ولكنها ال ميكن
أن تصلح لنا اليوم ،وال مفر أمامنا من أحد أمرين :إما نقل نظائرها األوروبية العصرية ،وإما التخلف
عن العص ر والفن اء تبعًا ل ذلك … لق د ول دت النس بية يف حج ر السوفس طائيني ،ال ذين ص اغوها يف
العبارة املشهورة “اإلنسان معيار كل شيء” مبعىن :أنه هو الذي حيدد احلقائق العلمية ،والقيم اخللقية،
وبوسعه أن يعدهلا ،أو يلغيها ،أو يستبدل هبا غريها”.
ولقد اعتمدت الفلسلة الربمجاتية اليت أسسها الفيلسوف األمريكي وليام جيمس على السوفسطائية يف
تقعي د بعض مبادئه ا ،حيث ادعت مقررة أن األم ر أو الفك رة أو الشيء املعنوي ال يكون حقيقيا إال
إذا كان نافعا وموافقا ملطلوبنا ورغباتنا ،أي أن مقياس صحة األفكار يف نظر الفلسفة الربمجاتية يتوقف
على م ا حتقق ه من نت ائج ومن افع ،ومن هن ا ف إن احلقيق ة نس بية ،وتتغ ري بتغ ري الظ روف واملص احل.
واخلالص ة أن املالح دة واحلداثيني املعاص رين ي رددون أفك ار السوفس طائيني اليون انيني ،والربمجاتيني
األمريكيني والغربيني ،تلك األفكار الناطقة بنسبية احلقائق؛ حيث أن احلق عندهم يوجد يف كل شيء
كما يعتقده ويتصوره معتقده وصاحبه ،وأن احلقائق نسبية غري ثابتة ،وتابعة لعقائد الناس املختلفة،
وهذا التصور أو املعتقد فاسد ال نصيب له من العقل واملنطق وإمنا هي أهواء وميوالت نفسية وعمى
وحرية وتيه وضالل.
المصدر :هوية بريس