You are on page 1of 37

‫النقـــد الذاتي للتصــــوف‬

‫لـدى الصوفيــة‬

‫إعداد‬
‫عبد الحافظ أحمد طه محمد‬
‫المدرس في قسم األديان والمذاهب‬
‫كلية الدعوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫جامعـة األزهــر‬
‫‪324‬‬
‫ملخص البحث‪:‬‬
‫بين هذا البحث أن التصوف من المعضالت الكبرى التي شكلت عالمة استفهام واضحة في تاريخ اإلسالم والمسلمين‪،‬‬
‫إال أنه بات من المعلوم داخل األوساط العلمية الجادة‪ ،‬وفي إطار المنهجية البحثية المستقيمة‪ ،‬أن علم التصوف‬
‫(بمعناه األخالقي والسلوكي)‪ :‬جليل في ذاته‪ ،‬عظيم في أصله‪ ،‬دقيق في فروعه‪ ،‬وكان الرواد األوائل له‪ ،‬والشيوخ‬
‫السابقون فيه‪ ،‬علي عقيدة صاف ية‪ ،‬وإيمان عميق‪ ،‬وسلوك نقي‪ ،‬ال تشوبه شائبة‪ ،‬ولكن بمرور الزمن‪ ،‬وتقادم األيام‪،‬‬
‫انحرفت فئات من المتصوفة عن جادة الطريق‪ ،‬وزينت لهم شياطين اإلنس والجن ما لم ينزل الله ـ تعالي ـ به من‬
‫سلطان ‪ ،‬سواء من بدع في األقوال واألعمال‪ ،‬أو من تورط في مخالفات وشذوذات‪ ،‬وما كانت هذه ـ أو تلك ـ من‬
‫لوازم التصوف‪ ،‬غير أنه كان لها السبب األكبر في تشويه صورته‪ ،‬وأن دخل فيه ما يعقده‪ ،‬ويخرجه عن نقائه وبهائه‬
‫‪.‬‬
‫وقد قيض الله ‪‬من الصوفية‪ ،‬رجاالً أكفاء‪ ،‬علماء بأصول الدين‪ ،‬ذوي بصر ودقة‪ ،‬غيورين علي التصوف الصحيح‬
‫أن تضيع معالمه‪ ،‬وتلوح قوائمه‪ ،‬ف كان لهم إرشادات سامية‪ ،‬وإشعاعات مضيئة‪ ،‬وجهود ال تغمط‪ ،‬في اإلنكار علي‬
‫الخارجين عن سنن التصوف الصحيح‪ ،‬الذي هو في بوتقة الكتاب والسنة‪ ،‬فكم وقفوا ضدهم‪ ،‬وكم حاربوهم‪ ،‬وكم‬
‫شددوا في النكير عليهم‪ ،‬وكم رصدوا أخطاءهم‪ ،‬وكم فضحوا مسالكهم وبينوها للناس‪ ،‬بل وحكموا بكفر بعضهم أحيانا ً‬
‫؟؟؟ !! ‪.‬‬
‫وقد جاء ت هذه الدراسة فى‪ :‬مبحثين وتسع مطالب وهى كالتالى المبحث األول ‪ :‬النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً وفيه‪:‬‬
‫تعريف النقد الذاتي للتصوف وبيان داللته ‪ .‬ومكانة التصوف لدي الصوفية ‪ .‬وتاريخ النقد الذاتي للتصوف عبر‬
‫القرون ‪ .‬والنقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النقد الذاتي للتصوف نموذجا ً ( عقيدة الحلول ) وفيه‪ :‬تعريف الحلول واالتحاد والفرق بينهما ‪.‬‬
‫والحلولية من الصوفية ‪ .‬والحسين بن منصور الحالج ‪.‬وموقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج ‪.‬‬
‫و نقد عقيدة الحلول في فكر أئمة التصوف‪.‬‬
‫ثم ذيل البحث بخاتمة‪ ،‬جاء فيها‪:‬‬
‫أن ناقدي التصوف – من أهله – وإن كانوا أقلة إال أنهم متنوعون عصراً ومصراً وطريقة وفكراً وعلما ً وعمالً‬
‫وسلوكاً‪ ،‬ولكن جمعهم حب التصوف والغيرة عليه‪ ،‬والمعذرة إلي الله يوم القيامة‬
‫يلزم العقالء من الناس أال يحكموا علي الصوفية بحكم واحد‪ ،‬إيجابا ً أو سلباً‪ ،‬مدحا ً أو قدحاً‪ ،‬حبا ً أو ذماً‬
‫أن شيوخ التصوف الكبار‪ ،‬كانوا علي عقيدة سليمة وعبادة صحيحة بشهادة كبار العلماء‪.‬‬
‫الكلمات الدالة‪:‬‬
‫النقد‪-‬الذات‪-‬التصوف‪-‬الصوفية‬
‫‪323‬‬
‫‪‬‬
‫مقدمـــة‬

‫الحمد لله‪ ،‬أحمده حمداً كثيراً طيبا ً مباركا ً فيه‪ ،‬يمأل أرجاء السموات واألرضين‪ ،‬دائماً أبد اآلبدين إلي يوم الدين‪ ،‬في كل‬
‫ساعة وآن ووقت وحين‪ ،‬كما ينبغي لجالله العظيم‪ ،‬وسلطانه القديم‪ ،‬ووجهه الكريم‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال الله‪ ،‬وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وال ولد له‪ ،‬وال والد له‪ ،‬وال صاحبة له وال نظير وال وزير له‪ ،‬وال مشير وال نديد وال قسيم له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسوله‪ ،‬وحبيبه وخليله‪ ،‬صاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق كلهم يوم القيامة‪ ،‬حتى الخليل‬
‫إبراهيم – عليه السالم‪ -‬اللهم صل وسلم تسليما ً كثيراً عليه وعلي سائر إخوانه من النبيين والمرسلين‪ ،‬وارض عن جميع‬
‫أصحابه الغر الكرام‪ ،‬السادة النجباء ‪ ،‬خالصة العالم بعد األنبياء‪ ،‬ما اختلط الظالم بالضياء‪ ،‬وأعلن الداعي بالنداء‪،‬‬
‫وارض اللهم عن جميع أتباعه‪،‬وعلي كل من اهتدي بهديه‪،‬واستن بسنته‪،‬واقتفي أثره إلي يوم الدين‪ .....‬وبعـد ‪،،،‬‬
‫فإن التصوف من المعضالت الكبرى التي شكلت عالمة استفهام واضحة في تاريخ اإلسالم والمسلمين‪ ،‬إال أنه بات من‬
‫المعلوم داخل األوساط العلمية الجادة‪ ،‬وفي إطار المنهجية البحثية المستقيمة‪ ،‬أن علم التصوف (بمعناه األخالقي‬
‫والسلوكي)‪ :‬جليل في ذاته‪ ،‬عظيم في أصله‪ ،‬دقيق في فروعه‪ ،‬وكان الرواد األوائل له‪ ،‬والشيوخ السابقون فيه‪ ،‬علي‬
‫عقيدة صافية‪ ،‬وإيمان عم يق‪ ،‬وسلوك نقي‪ ،‬ال تشوبه شائبة‪ ،‬ولكن بمرور الزمن‪ ،‬وتقادم األيام‪ ،‬انحرفت فئات من‬
‫المتصوفة عن جادة الطريق‪ ،‬وزينت لهم شياطين اإلنس والجن ما لم ينزل الله ـ تعالي ـ به من سلطان ‪ ،‬سواء من بدع‬
‫في األقوال واألعمال‪ ،‬أو من تورط في مخالفات وشذوذات‪ ،‬وما كانت هذه ـ أو تلك ـ من لوازم التصوف‪ ،‬غير أنه كان‬
‫لها السبب األكبر في تشويه صورته‪ ،‬وأن دخل فيه ما يعقده‪ ،‬ويخرجه عن نقائه وبهائه ‪.‬‬
‫وقد قيض الله ‪‬من الصوفية‪ ،‬رجاالً أكفاء‪ ،‬علماء بأصول الدين‪ ،‬ذوي بصر ودقة‪ ،‬غيورين علي التصوف الصحيح أن‬
‫تضيع معالمه‪ ،‬وتلوح قوائمه‪ ،‬فكان لهم إرشادات سامية‪ ،‬وإشعاعات مضيئة‪ ،‬وجهود ال تغمط‪ ،‬في اإلنكار علي‬
‫الخارجين عن سنن التصوف الصحيح‪ ،‬الذي هو في بوتقة الكتاب والسنة‪ ،‬فكم وقفوا ضدهم‪ ،‬وكم حاربوهم‪ ،‬وكم شددوا‬
‫في النكير عليهم‪ ،‬وكم رصدوا أخطاءهم‪ ،‬وكم فضحوا مسالكهم وبينوها للناس‪ ،‬بل وحكموا بكفر بعضهم أحيانا ً ؟؟؟ !! ‪.‬‬
‫وإنها ـ بحق ـ معالجات تستحق الوقوف عندها‪ ،‬والتأمل الجاد في رصدها‪ ،‬إذ بها يستنير جميع من أراد التعرف علي‬
‫معالم طريق التصوف الصحيح‪ ،‬ولم ال وروادها لهم القدح المعلي في فهم الحق علي وجهه‪ ،‬وفي السلوك الحق علي‬
‫وجهه‪ ،‬حتى صاروا من الذين يصفهـم الله ـ تعالي ـ بقولــه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﮊ ( سورة العصر‪ ،‬اآليات ‪. 3، 2، 1‬‬

‫إنهم قاموا بواجب النصيحة في نشر التصوف الصحيح‪ ،‬والنهي عن البدع باسم التصوف ‪ ،‬والتحذير من‬
‫غوائلها‪،‬واستجابوا في ذلك ألمر النبي ‪ ‬في قوله‪:‬من رأي منكم منكراً فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪،‬فإن لم‬
‫يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان‪، )1 (‬فأقاموا الحجة‪،‬وأبانوا المحجة‪ ،‬ووضحوا الفرقان بين الحق والباطل‪ ،‬بين‬
‫الصوفي والدعي‪ ،‬بين المتصوف ‪ ،‬والمتمصوف أو المستصوف ‪.‬‬
‫فلله در أولئك المصلحين الذين تفانوا في أداء واجبهم‪ ،‬وع رفوا قيمة األعباء الملقاة علي عواتقهم‪ ،‬فصنعوا تاريخهم‬
‫بأيديهم‪ ،‬وكتبوا صفحات مجدهم بمداد الفخار علي صفحات من النور في سجل الخالدين ليقرأها الزمن‪ ،‬ولترددها‬
‫األجيال‪ ،‬ولتنعم اإلنسانية بثمارها إلي يوم الدين ‪.‬‬
‫وإنها لعمري دعوة إلي ثالثة أمور‪- :‬‬
‫أوالً‪ :‬أن ينظر أص حاب التصوف في عصرنا ومحبيه والمائلين بقلوبهم إليه والمدافعين عنه جميعه في أحوالهم‪ ،‬ويدققوا‬
‫في أفعالهم ‪ ،‬وفي صورة التصوف الماثلة أمام أعينهم‪ ،‬هل هو ذلكم التصوف الذي ضبطه الشيوخ الكبار بالكتاب والسنة‬
‫‪ ،‬ونبهوا علي أن من خرج عنهما ليس بصوفي؟!‪ ،‬وسبيلهم في ذلك التعرف علي مزيد من الشيوخ نقدوا أوضاعاً‪ ،‬من‬
‫التصوف وهم من أهله‪ ،‬بل من صفوتهم وخيرتهم‪ ،‬أال فليعلموا أن الزعامة واإلمامة ليس معناها بطن تمأل وتتخم‪،‬‬
‫وأموال تكدس وتدخر‪ ،‬وألقاب ترن وتطن‪ ،‬بل تعني أن يعيشوا لغيرهم ال ألنفسهم‪ ،‬وأن يعملوا ألمتهم ال ألوالدهم ‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬وفي نفس الوقت دعوة إلي أن ينظر كل ناقد للتصوف إلي تلك األوجه من النقد‪ ،‬وستقوده إلي أن هناك في‬
‫التصوف أموراً وأذواقا ً ومشارب ما ارتضاها بعض الشيوخ أنفسهم‪ ،‬والنتيجة الحاصلة من ذلك هي كمال العلم بقول‬
‫الله ﮋههه ﮊ )سورة آل عمران‪،‬اآلية‪ ،)113:‬وبالتالي سيجتنب إش كالية التعميم في األحكام‪ ،‬الذي تعج به األوساط العلمية‬
‫في عصرنا ‪ ،‬دونما النظر في كل حالة علي حدة‪ ،‬ووضع الدليل في مناطه‪ ،‬وهذه المنهجية الخاطئة ‪ ،‬مع كونها تصادم‬
‫الشرع الحنيف‪ ،‬تصادم أيضا ً قيم التعامل اإلنساني السليم‪ ،‬قال ‪ ‬ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﮊ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب بيان كون النهي عن المنكر من اإليمان‪ ، 96 /1 ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬تحقيق‪/‬‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫(سورة المائدة‪،‬آية‪،) 8:‬فما جاء التعصب إال من الجهل العلمي‪ ،‬والضيق الفكري وسوء الفهم عن الله ورسوله ‪ ،‬فأين‬
‫القسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان ؟!! ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ودعوة أن تنظر كل جماعة أو أصحاب اتجاه معين‪ ،‬بين الفينة والفينة‪ ،‬إلي أصول مذهبهم‪ ،‬وتطبيقات أفرادهم لها‪،‬‬
‫فيقيمون ذواتهم بأنفسهم‪ ،‬إذ أن إصرار كل جماعة من الجماعات علي سلبياتها هو الذي يفاقم األوضاع‪ ،‬ويقود األمة إلي‬
‫التفرق والتشرذم‪ ،‬أما إذا كان هناك سعي من أجل اإلصالح‪ ،‬فهذا بال شك يساعد علي تقريب الهوة بين الجماعات ‪.‬‬
‫أال فلتنظر كل جماعة في سلبياتها‪ ،‬أال فليعيد كل منا النظر في طبيعة عالقته باآلخرين‪ ،‬أال فلنعمل جميعا ً علي اإلصالح‬
‫والتوجيه‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬حتى يحصد ثماره المباركة عالمنا العربي واإلسالمي‪ ،‬ويومئذ يأتي‬
‫النصر‪ ،‬ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كله استخرت الله ‪ ‬أن أكتب هذه الوريقات ‪.‬‬
‫وقد جاءت – بعد توفيق الله ‪ ، ‬في مقدمة ومبحثين تحت كل منهما مطالبه الخاصة به وخاتمة‪ ،‬وذلك علي النحو التالي‬
‫‪-:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً وفيه المطالب اآلتية ‪-:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف النقد الذاتي للتصوف وبيان داللته ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مكانة التصوف لدي الصوفية ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تاريخ النقد الذاتي للتصوف عبر القرون ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬النقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النقد الذاتي للتصوف نموذجا ً‬
‫( عقيدة الحلول )‬
‫وفيه المطالب اآلتية ‪-:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف ا لحلول واالتحاد والفرق بينهما ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحلولية من الصوفية ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الحسين بن منصور الحالج ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬موقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج ‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬نقد عقيدة الحلول في فكر أئمة التصوف‪ ،‬ثم ذيلت البحث بخاتمة‪ ،‬تضمنت نتائج البحث ووصاياه‪،‬‬
‫وأردفتها ببيان المصادر والمراجع التى اعتمدت عليها‪،‬‬
‫‪ .‬ثم فهرسا ً ودليالً لعناصر البحث ‪.‬‬
‫والله ـ سبحانه وتعالي ـ أضرع إليه‪:‬‬
‫اللهم ارزقنا نوراً نمشي به في الظلمات‪ ،‬وهب لنا فرقانا ً نميز به بين المتشابهات‪ ،‬واغفر لنا يا ربنا ما زل به القلم أو‬
‫الفكر‪ ،‬وال تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين‪ ،‬آمين يا رب العالمين‪.‬‬
‫وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين‪،،،‬‬
‫وكتبه العبد الفقير إلي عفو مواله‪ /‬عبد الحافظ أحمد طه محمد ‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً‬

‫الحديث عن تاريخ النقد الذاتي للتصوف ‪ ،‬يدفعنا إلي التساؤل عن معني النقد الذاتي للتصوف أوالً‪ ،‬وما دالالته؟ وما‬
‫قيمة ومكانة التصوف في قلوب الناقدين‪ ،‬ومتي بدأ تحديداً نقد الظاهرة الصوفية؟ ومن رواد النقد علي مر العصور‬
‫واألزمنة‪ ،‬وهل خال العصر الحديث من نماذج منهم ؟ ذلك ما أريد بيانه في هذا المبحث علي النحو التالي ‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف النقد الذاتي للتصوف وداللته‬


‫النقد لغة‪ :‬لو رجعنا إلي معاجم اللغة سنجد أن كلمة " نقد" تعني‪ :‬تمييز الخالص من األشياء‪ ،‬وإخراج الزيف منها‪،‬‬
‫فمعني نقد الدرهم مثالً " أن يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك‪ ،‬ونقد الدينار نقداً‪ :‬نقره ليختبر جودته " ( ‪ ،)1‬أما‬
‫كلمة" الذاتي" ‪ ،‬فإن ذات الشئ وعينه‪ :‬نفسه‪ ،‬وذات الشئ أيضاً‪ :‬حقيقته وخاصته‪ ،‬ويقال‪ :‬جاء فالن بذاته‪ :‬عينه ونفسه‪،‬‬
‫ويقال في األدب‪ :‬نقد ذاتي ‪:‬نقد يرجع إلي آراء الشخص وانفعاالته ( ‪ ،)2‬فبإضافة الكلمتين بعضهما إلي بعض‪ ،‬يصبح‬
‫المعنى‪:‬التأمل الشخصي‪ ،‬أو التأمل النفسي‪ ،‬أو تأمل الشخص في مكونات نفسه‪ ،‬أو تأمل الذات في نفسها‪ ،‬أو كشف‬
‫المرء عن حالته بنفسه ‪ ،‬وإجراء فحوصات عليها ‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬النقد الذاتي للتصوف‪ ،‬نعنى به‪ :‬التأمل –من قبل الصوفية‪ -‬فيما تضمنه التصوف من صفات إيجابية وسلبية‪،‬‬
‫بغية تنمية اإليجابي والتخلص من السلبي ‪.‬‬
‫ونعني به كذلك‪ :‬نقد الظواهر المرضية المتقشية في التصوف‪ ،‬التي تتعارض مع أصول الدين وقواعد التصوف بواسطة‬
‫شيوخ التصوف أنفسهم‪ ،‬فهي محاوالت جادة من شيوخ القوم أن يرصدوا أخطاء الغالطين منهم‪ ،‬ليحذر منها السالكون ‪،‬‬
‫ويعلنوا – للناس جميعاً ‪ -‬براءتهم من تلك األخطاء‪ ،‬وتنزه التصوف الصحيح من هذه األغالط والنقوصات‪ ،‬بسب‬
‫خروجها عن آداب الدين ‪ ،‬وإنه – ال غير ضابط النقد عندهم ‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،524 /3‬مادة نقد ‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬ط‪ ، 1‬د‪.‬ت‪ ،‬وانظر نفس المادة عند أبي‬
‫الحسين أحمد بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،594 /4‬دار الجيل – بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1521‬هـ ‪1666 -‬م‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد‬
‫السالم هارون‪ ،‬وكذلك عند أبي القاسم علي بن جعفر السعداوي‪ ،‬األفعال ‪ ،242 /3‬عالم الكتب – بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1513‬هـ ‪-‬‬
‫‪1623‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ـ مجمع اللغة العربية ـ المعجم الوجيز‪ ،‬ص ‪ ،252‬مادة ذات‪ ،‬ص ‪ 924‬مادة نفس‪ ،‬طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم‬
‫بجمهورية مصر العربية – سنة ‪1514‬هـ ‪1669 -‬م ‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫داللة النقد الذاتي للتصوف من شيوخه ‪-:‬‬
‫ما قام به نقاد التصوف من جهد في سبيل إصالح التصوف‪ ،‬يحمل في طياته ـ في نظري ـ عدة دالالت‪ ،‬هي علي النحو‬
‫التالي ‪-:‬‬
‫‪ -1‬إنه مؤشر للنضج‪ ،‬أي نضوج الفكرة‪ ،‬ووضوح الرؤية لدي الناقدين عن التصوف‪ ،‬ووعيهم الكامل بصحيح‬
‫التصوف ودخيله‪ ،‬بغثه وثمينه‪ ،‬وبالصوفي الحقيقي‪ ،‬والمتمصوف الزائف‪ ،‬باألصالء والدخالء واألدعياء ‪.‬‬
‫‪ -2‬إنه أمضي سالح في ي د شيوخ التصوف الذين قاموا بنقد التصوف‪ ،‬يقوون به من حركتهم‪ ،‬ويرفعون من‬
‫قدراتها‪ ،‬ويعمقون جذورها القرآنية والنبوية‪ ،‬وإنهم يؤكدون بذلك علي صحة وسالمة التصوف‪ ،‬وحمايته من‬
‫كل محاولة مقصودة أو غير مقصودة تستهدف تشويه صورته ‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم غرور أو إعجاب هؤالء الناقدين بالتصوف جملة‪ ،‬وبالمنتسبين إلي طريقتهم جميعا ً ورؤيتهم الوجه‬
‫اإليجابي لهم أوله فحسب‪ ،‬وإال ما اعترفوا بأخطاء بعضهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬الشجاعة األدبية لدي الناقدين‪ ،‬وعدم خوفهم من استطالة ألسنة الناس عليهم بتوجيه سهام االتهام لهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬إنها محاوالت منهم لتحسين صورة التصوف‪ ،‬واكتساب ثقة اآلخرين به ‪.‬‬
‫‪ -6‬هو أحد السبل لدينا لتشخيص الوجه الحقيقي للتصوف‪ ،‬ومعرفة ما فيه من سلبيات وإيجابيات ‪.‬‬
‫‪ -7‬حتى نتعرف أن كل من يجتهد يخطئ ويصيب ‪ ،‬وكل من يجري يكبو ويعثر‪ ،‬ولكل جواد كبوة ‪ ،‬وكال يؤخذ‬
‫من قوله ويرد إال المعصوم صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬فالعصمة دفنت بموته ‪. ‬‬
‫تلك بعض الدالالت التي حاولت ـ قدر استطاعتي ـ استنباطها واستنتاجها وراء نقد الناقدين للتصوف وهم من أهله ‪ ،‬وال‬
‫يذهبن بك الوهم أن ذلك دال علي استخفافهم بالتصوف كعلم‪ ،‬وزهدهم فيه‪ ،‬بل هو مأل أسماعهم وأبصارهم ويصور ذلك‬
‫الجنيد ( ‪ ،)1‬سيد الطائفة في القرن الثالث الهجري ـ فيقول‪( :‬لو علمت أن تحت أديم السماء علما أجل من علمنا لقصدته‬
‫وسعيت إليه) ( ‪ ،)2‬وبشيء من اإليجاز أعرض لهذه الفكرة الهامة فيما يلي ‪-:‬‬

‫(‪ )1‬هو أبو القاسم الجنيد بن محمد‪ ،‬سيد الطائفة وإمامهم‪ ،‬من أهل بغداد ومولده بها‪ ،‬وكان فقيها علي مذهب أبي ثور‪ ،‬وكان يفتي‬
‫في حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة‪ ،‬صحب خاله السري والحارث المحاسبي مات سنة سبع وستين ومائتين وقيل ثمانية وتسعين‬
‫ومائتين ‪ ،‬انظر اإلمام أبو القاسم القشيري – الرسالة القشيرية ص ‪ ،29‬المكتبة التوفيقية – القاهرة – تحقيق‪ /‬هاني الحاج‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي‪ ،‬البصائر والذخائر ‪ ،142 /1‬دار صادر بيروت – لبنان ‪ ،‬ط‪ 5‬سنة ‪1516‬هـ ‪-‬‬
‫‪1666‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬وداد القاضي ‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫نبذة عن مكانة التصوف لدي الصوفية‬
‫كان للتصوف أنصاره والمعجبون به‪ ،‬ومن الطبعي أن يكون في مقدمة هؤالء األنصار ا لصوفية أنفسهم‪ ،‬ألن انتسابهم‬
‫إلي التصوف‪ ،‬وتثبيتهم لدعائمه‪ ،‬وتوضيحهم ألسسه خير شاهد علي أنهم يجدون فيه من الفضيلة والكمال ما ال يجدون‬
‫في سواه‪ ،‬وألن تمسكهم به علي الرغم مما نالهـم من األذى أحيانا ً ( ‪ )1‬ـ خير دليل علي اقتناعهم به ووالئهم له‪ ،‬وحديث‬
‫الصوفية عن ال تصوف ورجاله حديث مملوء باإلعجاب والفخر‪ ،‬فالتصوف عندهم ـ هو طريق موصل إلي والية الله ـ‬
‫تعالي ـ‪ ،‬وهو مدرسة لتخريج األولياء والصوفية‪ ،‬كما يقول السهر وردي ( ‪ )2‬صاحب عوارف المعارف‪ :‬هم أهل القرب‬
‫واالجتباء‪ ،‬ألبسهـم الله ـ تعالي ـ مالبس العرفان‪ ،‬وخصهم من بين عباده بخصائص اإلحسان‪ ،‬فصارت ضمائرهم من‬
‫مواهب األنس مملوة‪ ،‬ومرائي قلوبهم بنور القدس مجلوة‪ ،‬فتهيأت لقبول األمداد القدسية‪ ،‬واستعدت لورود األنوار‬
‫العلوية‪ ...‬أجساد أرضية‪ ،‬بقلوب سماوية‪ ،‬وأشباح فرشية( أرضية) بأرواح عرشية‪ ،‬نفوسهم في منازل الخدمة سيارة‪،‬‬
‫وأرواحهم في فضاء القرب طيارة‪ ،‬تسلوا بالصلوات عن الشهوات‪ ،‬وتعوضوا بحالوة التالوة عن اللذات‪ ،‬يلوح من‬
‫صفحات وجوههم بشر الوجدان‪ ،‬وينم عن مكنون سرائرهم نضارة العرفان‪ ،‬طريقتهم مبنية علي الكتاب والسنة‪ ،‬متحققة‬
‫بهما‪ ،‬وهم أوفر الناس حظا من متابعة النبي ‪ ‬وأوفرهم حظا ً من محبة الله ـ تعالي ( ‪. )3‬‬
‫أما " القشيري" ( ‪ )4‬فإنه في مقدمة" رسالته" يري أن الله ـ تعالي ـ جعل هذه الطائفة صفوة أوليائه‪ ،‬وفضلهم علي الكافة‬
‫من عباده بعد رسله وأنبيائه ـ صلوات الله وسالمه عليهم ـ وجعل قلوبهم معدن أسراره‪ ،‬واختصهم من بين األمة بطوالع‬
‫أنواره‪ ،‬صفاهم من كدورات ( ‪ )5‬البشرية‪ ،‬ووفقهم للقيام بآداب العبودية‪ ،‬وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية‪ ،‬فقاموا بأداء ما‬
‫عليهم من واجبات التكليف‪ ،‬ثم رجعوا إلي الله بصدق االفتقار ( ‪،)6‬ونعت االنكسار ( ‪ .)7‬ولقد انضم إلي رحاب التصوف‬
‫علماء أماجد‪ ،‬وأئمة فضالء‪ ،‬أمثال " أبي حامد الغزالي" ( ‪ )8‬الذي بز ( ‪ )9‬غيره في علوم أصول الدين‪ ،‬وفي العلوم العقلية‬
‫والفلسفية‪ ،‬حتى شهد األعداء قبل األصدقاء بعلو قدره‪ ،‬وسمو منزلته‪ ،‬ولكنه إلثر أزمة نفسية مرت به‪ ،‬غيرت السيرة‬

‫(‪ )1‬جمع الشعراني صوراً من اإليذاء والمحن التي وقعت للمتقدمين منهم والمستأخرين‪ ،‬انظر الطبقات الكبري ‪ ،14 ،15 ، 13 /1‬مطبعة محمد علي صبيح‬
‫وأوالده – د‪.‬ت‪ ،‬وله أيضاً اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر ‪ ، 15 /1‬مطبعة مصطفي البابي الحلبي وأوالده بمصر‪ ،‬الطبعة األخيرة‪1342 ،‬هـ ‪1646 -‬م‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو إمام الصوفية في وقته‪ ،‬شهاب الدين أبو حفص عمر بن مح مد بن عبد الله السهر وردي‪ ،‬إليه انتهت الرياسة في تربية المريدين‪ ،‬والتسليك ‪ ،‬ودعاء الخلق‬
‫إلي الله‪ ،‬ظهر له القبول من الخاص والعام‪ ،‬ت ‪ 932‬هـ ‪ ،‬انظر شمس الدين الذهبي ‪ ،‬سير أعالم النبالء ‪ ،344 ،349 ،344 ،345 /22‬مؤسسة الرسالة ط‪،6‬‬
‫سنة ‪1513‬هـ ‪ -‬تحقيق ‪ /‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬محمد نعيم العرقسوسي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو حفص عمر بن محمد السهر وردي البغدادي‪ ،‬عوارف المعارف‪ ،‬الجزء الخامس من إحياء علوم الدين ص ‪ ،91 ،46 ،52‬دار الحديث ‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬وانظر‬
‫د‪ /‬عبد الحميد عبد المنعم مدكور‪ ،‬لمحة عن التصوف عند المسلمين ص ‪ ، 133 ،132‬بحث بمجلة المسلم المعاصر‪ ،‬ال سنة الخامسة عشرة‪ ،‬العدد ‪ ،91‬سنة‬
‫‪1511‬هـ ‪ 1661 -‬م ‪ ،‬إصدارات مؤسسة المسلم المعاصر والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ‪.‬‬
‫(‪ )5‬هو اإلمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري الصوفي‪ ،‬شيخ خراسان‪ ،‬وأستاذ الجماعة‪ ،‬قال عنه السمعاني‪ :‬كان عالمة ف ي الفقه والتفسير‬
‫والحديث واألصول والشعر والكتابة وعلم التصوف ‪ ،‬جمع بين الشريعة والحقيقة ت ‪ 594‬هـ ‪ ،‬انظر ‪ ،‬شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان‬
‫وأنباء أبناء الزمان ‪ – 214 /3‬دار الثقافة‪ ،‬لبنان‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الكدر‪ :‬نقيض الصفاء‪ ، ،‬انظر محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪. 135 /4‬‬
‫(‪ )9‬النعت ‪ :‬وصفك الشيء‪ ،‬انظر المصدر السابق ‪. 66/2‬‬
‫(‪ )4‬أبو القاسم عبد الكريم القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية في علم التصوف ص ‪ 21‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو محمد بن محمد أبو حامد الطوسي المعروف بالغزالي‪ ،‬الفقيه الشافعي‪ ،‬كان إماماً في علم الفقه مذهباً وخالفاً‪ ،‬وفي أصول‬
‫الديانات‪ ،‬وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد‪ ،‬ثم ترك التدريس والمناظرة واشتغل بالعبادة ألحوال مرت به‪ ،‬له الكتب الكثيرة التي‬
‫من تأملها عرف محل الرجل من فنون العلم ت ‪ 414‬هـ ‪ ،‬انظر أبو القاسم علي بن الحسين ابن عساكر‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق ‪211 /44‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬دار الفكر ـ بيروت سنة ‪1664‬م ‪ ،‬تحقيق‪ /‬محب الدين بن غرامة العمري ‪.‬‬
‫(‪ )6‬بزه يبزه بزاً‪ :‬غلبه وغصبه ‪ ،‬انظر لسان العرب ‪. 312 /4‬‬
‫‪324‬‬
‫الذاتية له‪ ،‬ووجهته الوجهة الصوفية الجديدة‪ ،‬وذلك ألنه رأي أن سيرتهم أحسن السير‪ ،‬وطريقهم أصوب الطرق‪ ،‬بل‬
‫يقول‪ ( :‬لو جمع عقل العقالء‪ ،‬وحكمة الحكماء‪ ،‬وعلم الواقفين علي أسرار الشرع من العلماء‪ ،‬ليغيروا شيئا ً من سيرهم‬
‫وأخالقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إلي ذلك سبيالً ‪ ،‬فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم‪ ،‬مقتبسة‬
‫من نور مشكاة النبوة‪ ،‬وليس وراء نور النبوة علي وجه األرض نور يستضاء به) ( ‪. )1‬‬
‫ويري الدكتور‪ :‬الحسيني أبو فرحة‪ :‬أن التصوف هو أرفع درجات اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم درجات‪ ،‬أعالها الدرجة التي فيها‬
‫الصوفية‪ ،‬فهم كمل األمة اإلسالمية ( ‪ ، )2‬ويطول بنا الحديث‪ ،‬وال يتسع المقام‪ ،‬لو أردنا أن نعدد منزلة التصوف‪،‬‬
‫ونحصي مكانته لدي أنصاره ومحبيه والمائلين بقلوبهم إليه‪ ،‬ولكن مما تجدر اإلشارة إليه هنا أن ثقة الصوفية بالتصوف‪،‬‬
‫واعتزازهم به‪ ،‬وتفضيلهم له سواه ‪ ،‬لم تمنع شيوخ الصوفية أنفسهم من توجيه بعض النقد إلي من ينتسبون إلي‬
‫التصوف‪ ،‬فليس كل من انتسب إلي التصوف مخلصاً‪ ،‬وليس كل من اجتهد فيه مصيباً‪ ،‬بل وجد من بينهم أصحاب‬
‫األغراض واألدعياء والمنحرفون عن مقاصد التصوف التي حددها شيوخه‪ ،‬وقد كان الشيوخ يتعقبون هؤالء ويظهرون‬
‫عوراتهم‪ ،‬ويتبرءون من أخطائهم‪ ،‬وقد كان ذلك من أهدافهم في تأليف الكتب في التصوف ( ‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المنقذ من الضالل ص ‪ ،124‬دار الكتاب المصري‪ ،‬سنة ‪1515‬هـ ‪1665 -‬م‪ -‬تحقيق د‪ /‬عبد الحليم محمود‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجلة التصوف اإلسالمي ص ‪ – 44‬العدد ‪ 119‬السنة ‪ 12‬جمادي آخر سنة ‪1519‬هـ ‪ -‬نوفمبر ‪1664‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬عبد الحميد مدكور‪ ،‬لمحة عن التصوف عند المسلمين ص ‪. 139‬‬
‫‪344‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫تاريخ النقد ال ذاتي للتصوف عبر القرون‬
‫إذا كان" الطوسي" ( ‪ )1‬هو أقدم من ألف في تاريخ التصوف فإنه يعتبر " واضع أساس هذا المنهج النقدي" كتابة‪،‬‬
‫( ‪)3‬‬ ‫( ‪)2‬‬

‫إذ خصص بابا ً في " اللمع" بعنوان " باب في ذكر من غلط من المترسمين بالتصوف‪ ،‬ومن أين يقع الغلط‪ ،‬وكيف وجوه‬
‫ذلك‪ ،‬وقسم نقده إلي قسمين‪ :‬ما يتعلق بالفروع‪ ،‬وما يتعلق باألصول ( ‪.)4‬‬
‫والظاهر أنه يقصد باألولي‪ :‬بعض األمور العملية التي ترجع إلي السلوك وبعض آداب الطريق التي أخطأ فيها قوم دون‬
‫خروج علي أصول الدين وفقه العقيدة‪ ،‬ولذا يقول عنهم‪ " :‬ذكر من غلط في الفروع التي لم تؤدهم إلي الضاللة " ( ‪،)5‬‬
‫أما الثانية‪ :‬فيعني بها الخطأ في المبادئ والمفاهيم‪ ،‬والمعتقدات واألفكار التي قد تفضي إلي الخروج عن أصول العقيدة‬
‫الصحيحة‪ ،‬ولذا يقول عنهم " ذكر من غلط في األصول ‪ ،‬وأداه ذلك إلي الضاللة ( ‪ " )6‬ثم ألحق بهم بعد ذلك طبقة ثالثة‪:‬‬
‫كان غلطهم فيما غلطوا فيه هفوة وزلة ‪ ،‬ال علة وجفوة‪ ،‬فإذا تبين ذلك عادوا إلي مكارم األخالق‪ ،‬ومعالي األمور‪ ،‬فسدوا‬
‫الخلل‪ ،‬ولموا الشعث‪ ،‬وتركوا العناد‪ ،‬وأذعنوا للحق ( ‪. )7‬‬
‫يقول الدكتور " الشافعي"‪ :‬ولكن الطبقة الثالثة ‪ ،‬إما أن تدخل في المخالفات الفرعية التي ال تؤدي إلي ضاللة‪ ،‬أو أن‬
‫تهمل تماما ً في ب اب الغلط واالنحراف‪ ،‬لما أنهم ال يلبثون أن يعودوا إلي االستقامة ويذعنوا للحق كما قال ( ‪ ،)8‬وعندي‪:‬‬
‫أن هؤالء يدخلون في المخالفات الفرعية‪ ،‬ولكن ال ينبغي إهمال ذكر غلطاتهم وانحرافاتهم في باب الغلط‪ ،‬ليكون الوجه‬
‫الصحيح للتصوف ظاهراً للعيان‪ ،‬ال ينكره إال ذو رمد في عينيه‪ ،‬فيعرف من هو داخل في إطاره ومن هو خارج عنه ‪.‬‬
‫قال ‪ ‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪"42:‬‬

‫ومن النماذج التي ذكرها الطوسي ألخطاء من غلط في الفروع ‪ ،‬وهي موجودة بيننا إلي هاتيك اللحظة ووضح غلطهم‬
‫منذ أكثر من ألف عام‪ - :‬جماعة ظنوا أن التصوف‪ :‬هو السماع والرقص‪ ،‬واتخاذ الدعوات‪ ،‬وطلب اإلرفاق‪ ،‬والتكلف‬
‫لالجتماعات علي الطعام‪ ،‬وعند سماع القصائد‪ ،‬والتواجد ( ‪ )9‬والرقص‪ ،‬ومعرفة صياغة األلحان باألصوات الطيبة‪،‬‬
‫والنغمات الشجية‪ ،‬واالختراع من األشعار الغزلية‪ ،‬وقد غلطوا في ذلك ‪ ،‬ألن كل قلب ملوث بحب الدنيا‪ ،‬وكل نفس‬
‫معتادة بالبطالة والغفلة‪ ،‬فسماعه معلول‪ ،‬وحركته وقيامه تكلف‪ ،‬فمن ظن أنه يصير بتكلفه وحيله وتمنيه‪ ،‬من المتحققين‪،‬‬
‫في وقت السماع‪ ،‬وغير ذلك‪ :‬فقد غلط في ذلك ( ‪. )10‬‬
‫ومن النماذج التي ذكرها ألخطاء من غلط في األصول‪ :‬فرقة ضلت في تفضيل الوالية علي النبوة‪ ،‬ووقع غلطهم في‬
‫قصة موسي والخضر ( ‪ ،^ )11‬إذ يقول ‪     :‬‬

‫(‪ )1‬هو أبو نصر عبد الله بن علي بن السراج الطوسي‪ ،‬الملقب بطاووس الفقراء‪ ،‬وشيخ الصوفية‪،‬وقال عنه السخاوي‪ :‬كان علي طريقة‬
‫أهل السنة ‪ ،‬ت ‪ 342‬هـ ‪ ،‬انظر ترجمته في مقدمة كتابه " اللمع في تاريخ التصوف ‪ ، 4 ،5 ،3‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬
‫ط‪ 1‬سنة ‪1521‬هـ ‪ 2111‬م‪ ،‬بتحقيق‪ /‬كامل مصطفي الهنداوي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪ /‬حسن الشافعي‪ ،‬فصول التصوف ص ‪ ، 216‬دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬الفجالة‪ ،‬مصر سنة ‪1519‬هـ ‪1669 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن الشافعي‪ ،‬د‪ /‬أبو اليزيد العجمي‪ ،‬في التصوف اإلسالمي ص ‪ ،212‬دار السالم‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1522‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو نصر السراج الطوسي‪ ،‬اللمع في تاريخ التصوف اإلسالمي ص ‪. 393 ،392‬‬
‫(‪ )4‬انظر المصدر السابق ص ‪. 395‬‬
‫(‪ )9‬المصدر السابق ص ‪ ،342‬د‪ /‬حسن ا لشافعي‪ ،‬فصول في التصوف اإلسالمي ص ‪. 212‬‬
‫(‪ )4‬اللمع ص ‪. 393‬‬
‫(‪ )2‬فصول في التصوف ص ‪. 213‬‬
‫(‪ )6‬هو استدعاء الوجد بضرب اختيار وليس لصاحبه‪ ،‬كمال الوجد لما يتضمن من التكلف‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 123‬‬
‫(‪ )11‬اللمع ص ‪ 341‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )11‬علي األرجح اسمه " بليا" بفتح الب اء وكنيته " أبو العباس" ‪ ،‬وسمي بالخضر‪ ،‬لقول رسول الله ‪ ‬إنما سمي الخضر أنه جلس علي فروة بيضاء ‪،‬‬
‫فإذا هي تهتز من خلفه خضراء)‪ ،‬انظر ابن حجر العسقالني ـ فتـح الباري بشرح صحيح البخاري ‪ 523 /9‬ـ المكتبة ا ٍإلسالمية ـ عين شمس ـ القاهرة ‪،‬‬
‫تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬والحديث رواه البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء باب حديث الخضر مع موسي ‪ ،‬برقم ‪. 3512‬‬
‫‪344‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪(    ‬سورة الكهف‪،‬اآلية‪،)65:‬ثم قال لموسي ‪ ‬مع تخصيصه بالكالم‬
‫والرسالة ‪        ‬‬
‫(سورة الكهف‪،‬اآلية‪ ،)67:‬فيقول له موسي ‪      ‬‬
‫‪(      ‬سورة الكهف‪،‬اآلية‪ ،)73:‬فظنت‬
‫هذه الطائفة الضالة‪ ،‬أن ذلك نقص في نبوة موسي ‪ ‬وزيادة للخضر ‪ ‬علي موسي في الفضيلة‪ ،‬ففضلوا األولياء‬
‫علي األنبياء‪ ،‬وقد ذهب عنهم أن الله ‪ ‬خص من يشاء بما يشاء كيف يشاء‪ ،‬وكل ولي من األولياء ينال ما ينال من‬
‫الكرامة بحسن اتباعه لنبيه ‪ ، ‬فكيف يجوز أن يفضل التابع علي المتبوع‪ ،‬والمقتدي علي المقتدي به‪ ،‬وإنما يعطي‬
‫األولياء رشاشة مما يعطي األنبياء & وال ذي قال‪:‬إن األنبياء & يوحي إليهم بواسطة ‪ ،‬واألولياء يتلقفون ( ‪ )1‬من الله بال‬
‫واسطة‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬غلطتم في ذلك‪ ،‬ألن األنبياء‪ ،‬هذا حالهم علي الدوام‪ ،‬يعني اإللهام ‪ ،‬والمناجاة‪ ،‬والتلقف من الله ‪‬‬
‫بال واسطة‪ ،‬واألولياء وقتا دون وقت ( ‪. )2‬‬

‫وقد أطال الطوسي الحديث عن غ لطات الصوفية السابقين عليه والمعاصرين له‪ ،‬حتى وصل عدد األوراق التي كتبها في‬
‫ذلك‪ ،‬ما يقرب من خمس وعشرين ورقة ( ‪ )3‬بأسلوب بارع‪،‬ونقد سديد وفهم ثاقب‪ ،‬وحب للتصوف‪ ،‬وغيرة عليه‪ ،‬فبارك‬
‫الله له جهده‪ ،‬وشكر صنيعه‪ ،‬وليت زماننا يجود بمثله ‪.‬‬
‫وفي القرن الخامس الهجري‪:‬‬
‫صنف " السلمي" ( ‪ )4‬مؤلفا ً بعنوان "أصول المالمتية وغلطات الصوفية"‪ ،‬والجزء الخاص بغلطات الصوفية‪ ،‬معظمه‬
‫مأخوذ مما جاء في اللمع للطوسي‪ ،‬وقد تجاوز السلمي في نقله من الطوسي أخذ المعني إلي أخذ اللفظ والعبارة ( ‪. )5‬‬
‫ومن نفس رجال الفترة " القشيري" ( ‪ ،)6‬الذي كان أستاذ الجماعة في خراسان ( ‪ ،)7‬وصاحب الرسالة القشيرية‪ ،‬والمتأمل‬
‫فيها يالحظ في وضوح اتجاه القشيري لتصحيح التصوف علي أساس عقيدة أهل السنة‪ ،‬فيقول‪ " :‬اعلموا – رحمكم الله‬
‫– أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم علي أصول صحيحة في التوحيد‪ ،‬صانوا بها عقائدهم عن البدع‪ ،‬ودانوا بما‬
‫وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل وال تعطيل‪ ،‬وعرفوا ما هو حق القدم‪ ،‬وتحققوا بما هو نعت‬
‫الموجود عن العدم‪ ،‬قال سيد هذه الطريقة الجنيد ( ‪ )8‬ـ ~ ـ‪ :‬التوحيد إفراد القدم من الحدث ( ‪ ")9‬وينطوي كالمه هذا علي‬
‫إنكار ضمني علي صوفية الشطح ( ‪ ،)10‬الذي ن نطقوا بعبارات توهم الخلط بين صفات األلوهية وأخصها القدم‪ ،‬وصفات‬
‫البشرية وأخصها الحدوث‪ ،‬إال أنه يصرح في موضع آخر بنقدهم قائالً‪ " :‬وادعوا أنهم تحرروا عن رق األغالل‪،‬‬
‫وتحققوا بحقائق الوصال‪ ،‬وأنهم قائمون بالحق تجري عليهم أحكامه‪ ،‬وهم محو‪ ،‬وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه‬
‫عتب وال لوم" ( ‪. )11‬‬

‫(‪ )1‬اللقف ‪ :‬تناول الشئ يرمي به إليك ‪ ،‬انظر أبو منصور محمد بن أحمد األزهري – تهذيب اللغة ‪ ،131 /6‬دار إحياء التراث العربي‬
‫‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪2111‬م‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمد عوض مرعب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللمع ‪ ،344 ،345‬باختصار كبير ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اللمع من ‪. 329 ،392‬‬
‫(‪ )5‬هو محمد بن الحسين بن محمد أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي النيسابوري‪ ،‬صاحب مصنف طبقات الصوفية‪ ،‬ت ‪512‬هـ ‪،‬‬
‫انظر أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد ‪ ،252 /2‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬أصول المالمتية وغلطات الصوفية ص ‪ ، 144‬مطبعة اإلرشاد بمصر ‪ ،‬سنة ‪1514‬هـ ‪1624 -‬م‪،‬‬
‫(‪ )5‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫تحقيق د‪ /‬عبد الفتاح أحمد الفاوي محمود ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬وفيات األعيان ‪. 214 /3‬‬
‫(‪ )6‬الرسالة القشيرية ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )11‬الشطح هو عبارة عن كلمة عليها رائحة رعونة ودعوي‪ ،‬انظر الجرجاني ـ التعريفات ص ‪ ،112‬مطبعة مصطفي البابي الحلبي‬
‫وأوالده بمصر سنة ‪1344‬هـ ـ ‪1632‬م ‪.‬‬
‫(‪ )11‬الرسالة القشيرية ص ‪. 21‬‬
‫‪342‬‬
‫ويعطينا القشيري صورة أخري عن انحرافات صوفية القرن الخامس في عبارات أخاذة‪ ،‬قائالً‪ " :‬إن المحققين من هذه‬
‫الطائفة ( الصوفية) انقرض أكثرهم‪ ،‬ولم يبق في زماننا من هذه الطائفة إال أثرهم‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وأري نساء الحي غير نسائها‬ ‫‪..‬‬ ‫أما الخيام فإنها كخيامهم‬
‫حصلت الفترة ( ‪ )2‬في هذه الطريقة‪ ،‬ال بل اندرست الطريقة بالحقيقة‪ ،‬ومضي الشيوخ الذين كانوا بهم اهتداء‪ ،‬وقل‬
‫الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء‪ ،‬وزال الورع وطوي بساطه‪ ،‬واشتد الطمع وقوي رباطه‪ ،‬وارتحل عن‬
‫القلوب حرمة الشريعة‪ ،‬فعدوا قلة المباالة بالدين أوثق ذريعة‪ ،‬ورفضوا التمييز بين الحالل والحرام‪ ،‬ودانوا ( ‪ )3‬بترك‬
‫االحترام ‪ ،‬وطرح االحتشام ( ‪ ، )4‬واستخفوا بأداء العبادات‪ ،‬واستهانوا بالصوم والصالة‪ ،‬وركضوا ( ‪ )5‬في ميدان الغفالت‪،‬‬
‫وركنوا إلي اتباع الشهوات‪ ،‬وقلة المباالت بتعاطي المحظورات" ( ‪ ،)6‬وقد يكون في كالمه هذا شئ من المبالغة‪ ،‬ولكنه‬
‫علي أي حال دلنا علي أن التصوف في عصره بدأ ينحرف عن مساره األول من ناحية العقيدة‪ ،‬أو من ناحية األخالق‬
‫والسلوك‪ ،‬علي السواء‪ ،‬ولذلك يعلن القشيري أنه كتب رسالته غيرة منه علي هذه الطريقة ‪ ،‬فهو ال يريد أن يذكر أحد‬
‫أهلها بسوء‪ ،‬مستنداً إلي انحراف بعض األدعياء لها‪ ،‬فهي علي حد تعبيره " سلوي عن الشكوي" مما كان عليه تصوف‬
‫عصره ( ‪. )7‬‬
‫وفي نفس الفترة يعالج " الهجويري"( ‪ )8‬ذات الموضوع علي أساس االختفاء التام لعلم التصوف في زمنه‪ ،‬خصوصا ً في‬
‫( ‪)10‬‬
‫المنطقة التي يعيش فيها ( ‪ ،)9‬وأنه لم ي بق منه إال صورة مشوهة مخالفة لألصل‪ ،‬يقول‪ :‬اعلم أن هذا العلم قد اندرس‬
‫في الحقيقة في زمننا‪ ،‬وبخاصة في هذه الديار‪ ،‬حيث انشغل الخلق جميعا ً بأهوائهم‪ ،‬وقد بدت لعلماء هذا العصر وأدعياء‬
‫هذا الوقت‪ ،‬صورة لهذه الطريقة علي خالف أصلها‪ ،‬ثم يبدي تعجبه من صوفية زمانه الذين أسموا النفاق زهداً‪ ،‬وهذيان‬
‫( ‪ )11‬الطبع معرفة‪ ،‬وحركات القلب وحديث النفس محبة‪ ،‬والزندقة فناء ( ‪ ،)12‬وترك طريق النبي ‪ ‬شريعة ( ‪ ،)13‬وإذا‬
‫أمر الصوفية كذلك في القرن الخامس الهجري‪ ،‬فكيف لو عاش القشيري والهجويري إلي عصرنا‪ ،‬ورأيا ما عليه‬
‫صوفية زماننا من الهنات والتخبيط والبدع‪ ،‬فماذا يقوالن ؟!!! ‪.‬‬
‫وفي القرن السادس الهجري ‪-:‬‬

‫(‪ )1‬ينسب البيت لـ " علي بن أحمد بن سلك الفالي‪ ،‬وكنيته" أبو الحسن‪" ،‬ويعرف بالمؤدب‪ ،‬مات سنة ‪552‬هـ ‪ ،‬انظر أبو عبد الله‬
‫ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ‪ ،452 ،451 /3‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1511‬هـ ‪1661 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفترة‪ :‬االنكسار والضعف‪ ،‬وفتر الشئ أي سكن بعد حدة‪ ،‬والن بعد شدة‪ ،‬لسان العرب ‪. 53 /4‬‬
‫(‪ )3‬يقال ‪ :‬دان إذا أطاع‪ ،‬ودان إذا عصي‪ ،‬ودان إذا اعتاد خيراً أو شراً‪ ،‬انظر المصدر السابق ‪. 141 /13‬‬
‫(‪ )5‬أي الحياء‪ :‬انظر السابق ‪. 134 /12‬‬
‫(‪ )4‬الركض‪ :‬تحريك الرجل ‪ ،‬انظر محمد بن أبي بكر ‪ ،‬عبد القادر الرازي ‪ ،‬مختار الصحاح ص ‪ ،244‬الهيئة المصرية العامة لشئون‬
‫المطابع األميرية ‪ ،‬ط‪ 11‬سنة ‪1334‬هـ ‪ 1619 -‬م ‪ ،‬تحقيق‪ /‬السيد محمود خاطر ‪.‬‬
‫(‪ )9‬الرسالة القشيرية ص ‪ ،21 ،21‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر د‪ /‬أبو الوفا التفتازاني‪ ،‬مدخل إلي التصوف االسالمي ص ‪ ، 152 ، 154‬دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط الثالثة‪ ، ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو الحسن علي بن عثمان الهجويري ت ‪594‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )6‬غزنة وتقع اآلن علي الطريق بين كابل وقندهار في أفغانستان ‪.‬‬
‫(‪ )11‬أي عفا ‪ ،‬انظر مختار الصحاح ص ‪. 213‬‬
‫(‪ )11‬الهذيان كالم غير معقول‪ ،‬انظر الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬العين ‪ ، 21 /5‬دار هالل ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬مهدي المخزومي‪ ،‬د‪ /‬إبراهيم‬
‫السامرائي ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )12‬الفناء‪ :‬سقوط األوصاف المذمومة‪ ،‬وهو علي نوعين‪ ،‬أحدهما ما ذكرناه‪ ،‬والثاني عدم اإلحساس بعالم الملك والملكوت ‪ ،‬انظر‬
‫السيد الشريف الجرجاني‪ ،‬التعريفات ص ‪ ، 152‬والمراد بالعبارة التي أوردها الهجويري أن بعض الصوفية في زمانه خرجوا عن الشرع‪ ،‬وإن‬
‫حاجهم حاج ادعوا أنهم أهل فناء‪ ،‬ووصول إلي الله – عز وجل‪ ،‬فال عتب عليهم في شئ يفعلونه ‪.‬‬
‫(‪ )13‬أبو الحسن علي بن عثمان الهجويري‪ ،‬كشف المحجوب ‪ ، 166 ،164 ،34 /1‬المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ‪ ،‬القاهرة‬
‫سنة ‪1525‬هـ ‪ 2115 -‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬إسعاد عبد الهادي قنديل‪ ،‬مراجعة د‪ /‬أمين عبد المجيد بدوي ‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫قسم " أبو حامد الغزالي" ( ‪ ، )1‬متصوفة زمانه إلي فرق كثيرة‪ ،‬وأخذ ينتقد أفعالهم‪ ،‬ويعدد أخطاءهم فرقة بعد أخري‪،‬‬
‫مبينا ً مواطن غرورهم وانحرافهم عن المنهج السوي‪ ،‬وهذا يدل علي أن حبه للتصوف وانخراطه في حوزة أهله لم يقف‬
‫حجر عثرة وحائالً دون بيان غلط الغالطين‪ ،‬وغرور المغرورين‪ ،‬وال عجب في ذلك‪ ،‬فقد انتقد من قبل طرائق الفالسفة‬
‫والحكماء والمتكلمين‪ ،‬والموسومين بالعلم فيما بين الناس‪ ،‬يقول الغزالي عن الصوفية‪" :‬وما أغلب الغرور علي هؤالء‬
‫المغرورين – منهم متصوفة أهل هذا الزمان – إال من عصمه الله – ممن اغتروا بالزي والمنطق والهيئة‪ ،‬ولم يتعبوا‬
‫أنفسهم قط بالمجاهدة والرياضة والمراقبة للقلب في تطهير الباطن والظاهر" ( ‪ ،)2‬وهذا نقد من الغزالي لفئة من‬
‫الصوفية‪ ،‬أطلق عليهم " ابن تيمية " ( ‪ )3‬من بعده صوفية الرسم ( ‪ ،)4‬أي الشكل وا لهيئة والمظهر‪ ،‬وهؤالء ليسوا من‬
‫جنس صوفية أهل الحقائق وإنما هم دخالء علي الطريق‪ ،‬وضررهم أشد من ضرر اللصوص ‪.‬‬
‫ومن المتصوفة من يبغض الفقهاء والعلماء والمحدثين‪ ،‬ويعتقد أنه أعلي منهم مقاماً‪ ،‬وأسمي منهم منزلة‪ ،‬وأشرف منهم‬
‫علما‪ ،‬إذ أنه عليم في علم الباطن‪ ،‬وهؤالء فقهاء في العلم الظاهر‪ ،‬وقد يتشدق أحد هؤالء فيقول ساخراً من الفقهاء‬
‫والمحدثين‪ :‬علمكم علم الورق‪ ،‬وعلمنا علم الخرق‪ ،‬أخذتم علمكم ميتا ً عن ميت ‪ ،‬وأخذنا علمنا عن الحي الذي ال يموت‪،‬‬
‫علمكم القشر‪ ،‬وعلمنا اللباب‪ ،‬وما دري أولئك أن الصوفي ما هو إال فقيه عمل بعلمه‪ ،‬وأنه البد للتصوف من الفقه‪ ،‬كما‬
‫أنه ال استغناء للناس عن الشمس‪ ،‬وينتقد الغزالي هذا الصنف من الصوفية‪ ،‬الذين كانوا سبباً واضحا ً – في نظري – في‬
‫توهج وازدياد الخالف بين الصوفية وغيرهم فيقول‪ " :‬وفرقة أخري ادعت علم المكاشفة‪ ،‬ومشاهدة الحق‪ ،‬والوصول‬
‫إلي القرب‪ ،‬فينظر إلي المحدثين والمفسرين‪ ،‬وأصناف العلماء ‪ ،‬بعين االزدراء‪ ،‬فضالً عن العوام‪ ،‬وهو من الحمقي‬
‫الجاهلين‪ ،‬لم يحكم قط علما‪ ،‬وال يراقب قلباً" ( ‪ ،)5‬ومن جهالء الصوفية من اعتقد أن من توكل علي الله حق توكله‪،‬‬
‫استوي عنده السبب وعدمه‪ ،‬وإنهم يجهلون أن مقام التوكل من أعمال القلوب‪ ،‬ولذلك كان سيدنا رسول الله ‪ ‬وهو الذي‬
‫قام بتمام العبودية المطلوبة منه في هذا المقام‪ ،‬آخذاً باألسباب الظاهرة‪ ،‬مع عقد قلبه علي أنها ال تنفع وال تضر إال بإذن‬
‫الله ‪ ،‬فقلبه مع الله – تعالي‪ -‬باطناً‪ ،‬وجوارحه في األخذ باألسباب ظاهراً‪ ،‬وينتقد الغزالي فرقة من الصوفية غفلوا عن‬
‫الوجه الحقيقي للتوكل فقال عنهم" ‪ :‬ومنهم من يخوض البوادي من غير زاد‪ ،‬ليصحح التوكل‪ ،‬وليس يدري أن ذلك بدعة‬
‫لم تنقل عن السلف والصحابة ‪. )6 ( "‬‬
‫والطريق إلي الله ‪ ‬وعرة ‪ ،‬يكتنفها الكثير من المخاطر‪ ،‬واالبتالءات‪ ،‬سواء بالشر أو الخير‪ ،‬ومن لم يرزق من الله‬
‫عوناً‪ ،‬وال من الذات العلية توفيقاً‪ ،‬فإنه سيحرم الوصول إلي مقصده‪ ،‬وكثير من الصوفية اغتروا بما شاهدوا‪ ،‬فربما‬
‫تعلقت قلوبهم بما رأوا‪ ،‬وربما نطقوا بألفاظ ظاهرها كفر‪ ،‬وفيها دعوي أنهم وصلوا‪ ،‬ولكنهم ما اتصلوا‪ ،‬يقول الغزالي ـ‬
‫~ ـ‪ " :‬وفرقة أخري ابتدأوا سلوك الطر يق‪ ،‬وانفتحت لهم أبواب المعرفة‪ ،‬فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة فرحوا‬
‫بها‪ ،‬فتعلقت قلوبهم بااللتفات إليها‪ ،‬والتفكر فيها‪ ،‬فحرموا الوصول إلي المقصد‪ ،‬وفرقة أخري جاوزت هؤالء‪ ،‬ولم تلتفت‬
‫إلي األنوار التي في الطريق‪،‬جادين في السير‪ ،‬فلما قاربوا الوصول‪ ،‬ظنوا أنهم وصلوا‪،‬فربما صرح أحدهم وقال‪:‬أنا‬
‫الحق( ‪ ،)7‬وبهذه العين نظر النصارى إلي المسيح ـ ‪ ‬ـ فغلطوا" ( ‪ )8‬هذه بعض أنواع الغرور‪ ،‬في طريق السالكين إلي‬
‫الله من الصوفية‪ ،‬سطرها " الغزالي" لتكون عبرة وعظة لمن سلك سبيلهم إلي يوم الدين ‪.‬‬
‫وفي القرن السابع الهجري‪-:‬‬

‫(‪ )1‬سبقت ترجمته ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين ‪ ، 515 /3‬القاهرة ‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد اللطيف عاشور ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪ ،‬وانظر لنفس المؤلف‪ :‬أصناف‬
‫المغرورين ص ‪ ،45 :99‬مكتبة القرآن ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد اللطيف عاشور ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية الحراني المتوفي سنة ‪422‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أحمد بن تيمية‪ ،‬مجموعة الفتاوي مج ‪ 9‬ج ‪ 11‬ص ‪ ،14‬دار الوفاء‪ ،‬المنصورة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1512‬هـ ‪1664 -‬م‪ ،‬تحقيق‪/‬‬
‫عامر الجزار ‪ ،‬أنور الباز ‪.‬‬
‫(‪ )4‬اإلحياء ‪. 514 /3‬‬
‫(‪ )9‬نفسه ‪. 519/ 3‬‬
‫(‪ )4‬صاحب هذه المقولة هو‪ :‬الحسين بن منصور الحالج‪ ،‬ولم يصرح الغزالي باسمه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلحياء ‪. 514 /3‬‬
‫‪343‬‬
‫ينبغي أن نعطي أهمية خاصة لهذا النقد العنيف الذي وجهه " ابن عربي" ( ‪ )1‬إلي صوفية عصره‪ ،‬وال سيما في المشرق‬
‫( ‪ ،)2‬وذلك لصدوره – أوالً – عن صوفي عاصرهم ‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬الحتوائه علي قدر كبير من الموضوعية‪ ،‬فراح " ابن عربي" يبين لصوفية المشرق ما هم عليه من الفساد‪ ،‬وأهم‬
‫ما لفت نظره ذ لك االهتمام الزائد بالمظهر الصوفي‪ ،‬يقول‪ :‬فأول ما وصلت إلي هذه البالد‪ ،‬سألت عن أهل هذه الطريقة‬
‫المثلي‪ ،‬عسي أجد منهم نفحة الرفيق األعلي‪ ،‬فحملت إلي جماعة‪ ،‬جمعتهم "خانقاه" ( ‪ ،)3‬عالية البناء‪ ،‬واسعة الفناء‪،‬‬
‫فنظرت إلي مغزاهم المطلوب‪ ،‬ومنحاهم المرغوب‪ ،‬تنظيف مرقعاتهم ( ‪ ،)4‬بل مشهراتهم ( ‪ ،)5‬وترجيل لحاهم ( ‪،)6‬‬
‫علي السجادات والمرقعات والمشهرات والعكاكز ( ‪ ،)7‬وأظهروا السبحات المزينة كالعجائز ( ‪ ،)8‬لذلك نراه إزاء هذه‬
‫المظهرية الخادعة يبين لهم جوهر التصوف الحقيقي قائالً‪ :‬والله ما علم الطريق هكذا‪ ،‬وما كان إال بالقعـود في مرابض‬
‫الكالب ( ‪ )9‬ـ مجاهدة‪ ،‬وتحمل األذى وكفه – رياضة‪ ،‬والرحمة والشفقة علي الفقراء والمسلمين كافة – تحقيقا ً ومعرفة‬
‫( ‪ ،)10‬لكنهم أبعد الناس عن ذلك‪ ،‬نظراً لما هم عليه من تكالب علي الدنيا وتعظيم لها‪،‬فهم " صوفية صوف‪ ،‬بأغراض‬
‫الدنيا موشحون ( ‪ ،)11‬عظمت الدنيا في قلوبهم‪ ،‬فال يرون فوقها مطلباً‪ ،‬وصغر الحق في نفوسهم‪ ،‬فأعجلوا عنه هربا ً‬
‫( ‪ ،)12‬وهو يري أنهم جمعوا إلي هذا التكالب علي الدنيا جهالً تاما ً بأمور الحالل والحرام ‪ ،‬فضالً عن أوليات العبادة ‪،‬‬
‫فهم طغام ( ‪ ،)13‬صبيان‪ ،‬أحالم‪ ،‬ال علم عن الحرام يردهم‪ ،‬وال زهد عن الرغبة في الدنيا يصدهم ( ‪ ،)14‬أما طريقة أدائهم‬
‫للصالة‪ ،‬فيرسم لها" ابن عربي" صورة مضحكة حين يقول‪ :‬والله " يا وليي‪ ،‬لو رأيتهم في صالتهم ينقرونها‪ ،‬وفي‬
‫صفوفهم ال يقيمونها‪ ،‬يجعل الواحد بينه وبين صاحبه في الصف ‪ ،‬قدر ما يدخل منه ألف شيطان‪ ،‬ثم إذا جئت أن تسد‬
‫الخلل‪ ،‬تراهم قد قطبوا ( ‪ )15‬وجوههم‪،‬فإن غفلت ووطئت برجلك سجادة أحدهم‪،‬لكمك لكمة‪ ،‬حيث جاءت منك‪،‬وقد يكون‬
‫فيها حتفك ( ‪ ، )16‬ومن اآلراء التي كانت تتردد في هذا الوسط الصوفي ما يذكره " ابن عربي" في روح القدس من القول‬
‫بعدم جدوي شفاعة الرسول ‪ ،‬نتيجة لمبدأ اتصال الصوفي بربه‪ ،‬وكذلك القول بأن الجنة لم تخلق بعد‪ ،‬يقول ابن‬

‫(‪ )1‬هو محمد بن علي بن محمد ابن عربي‪ ،‬أبو عبد الله الطائي األندلسي‪ ،‬لقب عند الصوفية بالشيخ األكبر‪ ،‬وله مصنفات كثيرة منها الفتوحات‬
‫المكية وفصوص الحكم وغيرهما ت ‪ 932‬هـ ‪ ،‬انظر إسماعيل بن عمر بن كثير ‪ ،‬البداية والنهاية ‪ ،149 /13‬مكتبة المعارف ‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زار ابن عربي مصر والشام‪ ،‬وله في كل بلد دخلها مؤلفات‪ ،‬انظر الطبقات الكبري للشعراني ‪.193/1‬‬
‫(‪ )3‬هو رباط الصوفية ومتعبدهم‪ ،‬انظر محمد مزدنى الحسيني الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس ‪ ، 345 /39‬دار الهداية‪،‬‬
‫تحقيق‪ /‬مجموعة من المحققين‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الرقعة‪ :‬الخرقة‪ ،‬انظر لسان العرب ‪. 132 /2‬‬
‫(‪ )4‬أي ما يشتهرون بها بين الناس أنهم صوفية ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ترجيل الشعر أي‪ :‬إرساله بمشطه‪ ،‬انظر مختار الصحاح ص ‪. 239‬‬
‫(‪ )4‬العكازة هي عصا في أسفلها زج يتوكأ عليها الرجل‪ ،‬انظر لسان العرب ‪. 321 /4‬‬
‫(‪ )2‬محيي الدين ابن عربي‪ ،‬روح القدس في مناصحة النفس ص ‪ ، 39‬الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ‪2114‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬حامد‬
‫طاهر ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ربوض الغنم والبقر والكلب مثل بروك اإلبل وجثوم الطير ‪ ،‬مختار الصحاح ص ‪. 226‬‬
‫(‪ )11‬روح القدس ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )11‬التوشح بالرداء مثل التأبط واالضطباع ‪ ،‬لسان العرب ‪. 933 /2‬‬
‫(‪ )12‬روح القدس ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )13‬تقول العرب للرجل األحمق طغامة والجمع الطغام‪ ،‬لسان العرب ‪. 392 /12‬‬
‫(‪ )15‬روح القدس ص ‪. 32‬‬
‫(‪ )14‬القطب بفتح القاف‪ :‬تزوي ما بين العينين عند العبوس‪ ،‬انظر العين ‪. 114 /4‬‬
‫(‪ )19‬روح القدس ص ‪. 36 ، 32‬‬
‫‪344‬‬
‫عربي‪ " :‬وأما المدعون في هذه الطريقة‪ ،‬فقد قاربوا الخروج من الجماعة ( ‪ ،)1‬بل خرجوا‪ ،‬فطائفة بلغني عنهم أنهم‬
‫استغنوا عن شفاعة الرسول ‪ ، ‬لما تحققوا به مع الحق من حقائق الوصال‪ ،‬ولو رأيت أحوالهم‪ ،‬لرأيت نقيصة الكون‪،‬‬
‫وما تسخن به العين‪ ،‬وقال من تبرز ( ‪ )2‬فيها إماماً‪ ،‬تحل إليه الحبا ( ‪ ،)3‬وهو ال يعرف ما خلق له‪ ،‬وال يرتضي‪ ،‬ويدعي‬
‫الكشف األتم مع الحق‪ ،‬فقال‪ :‬إن الجنة لم تخلق‪ ،‬هذا أعطاه كشفه المكشوف‪ ،‬وعقله السخيف المتلوف ( ‪. )4‬‬

‫(‪ )1‬أي جماعة المسلمين ‪.‬‬


‫(‪ )2‬أي فاق علي أصحابه‪ ،‬مختار الصحاح ص ‪. 52‬‬
‫(‪ )3‬الحباء ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به ‪ ،‬لسان العرب ‪. 192 /15‬‬
‫(‪ )5‬روح القدس ص ‪. 36‬‬
‫‪344‬‬
‫وفي القرن السابع الهجري ‪-:‬‬
‫ظهر أيضا ً " أبو الحسن الشاذلي" الذي جلس إليه" تقي الدين بن العيد " وقال عنه‪ :‬ما رأيت أعرف بالله منه ‪،‬‬
‫( ‪)3‬‬ ‫( ‪)2‬‬ ‫( ‪)1‬‬

‫لقد انتقد " الشاذلي" عمليا – الفكرة الخاطئة عن التصوف‪ ،‬وهي أنه يدعو إلي الفقر والكسل وترك الدنيا بالكلية‪ ،‬إذ كان‬
‫يعمل في الزراعة علي نطاق واسع‪ ،‬فهو يتحدث في خطاب له ألحد أصدقائه عن سبب تأخيره في السفر فيقول‪" :‬‬
‫وسبب اإلمساك عن السفر زرع لنا يدرس‪ ،‬قد حرث لنا في ثالثة مواضع" ( ‪ ،)4‬ويعلق اإلمام عبد الحليم محمود ‪،‬‬
‫( ‪)5‬‬

‫علي هذا بقوله‪ :‬وإن الذي يؤخر أبا الحسن عن السفر ليس هو زرع فدان أو فدانين‪ ،‬وال حصد فدان أو فدانين‪ ،‬فاألرض‬
‫قد حرثت في ثالثة مواضع ( ‪ ، )6‬ويعلن أن المالبس الرثة ال عالقة لها بالتصوف ‪ ،‬دخل عليه مرة فقير ( صوفي) ‪،‬‬
‫وعليه لباس من شعر ( صوف) ‪ ،‬فلما فرغ الشيخ من كالمه‪ ،‬أمسك الفقير بمالبس الشيخ‪ ،‬وقال له‪ :‬ما عبد الله بمثل هذا‬
‫اللباس الذي عليك ( وكان لباس الشيخ لباسا ً لينا )‪ ،‬فأمسك الشيخ بملبس الفقير فوجد فيه خشونة‪ ،‬فقال له‪ :‬وال عبد الله‬
‫بمثل هذا اللباس الذي عليك‪ ،‬ولباسي يقول‪ :‬أنا غني عنكم فال تعطوني‪ ،‬ولباسك يقول‪ :‬أنا فقير إليكم فأعطوني ( ‪. )7‬‬
‫وفي القرن التاسع الهجري‪:‬‬
‫يعترف " أحمد زروق" ( ‪ )8‬أن الصوفية وقعوا في الطامات‪ ،‬وتكلموا بالشطحات‪ ،‬حتى كفر من كفر‪ ،‬وبدع من بدع‪،‬‬
‫وفسق من فسق‪ ،‬بواضح الشريعة‪ ،‬ولسان العلم ظاهراً وباطنا ً ‪ ،‬فلزم التحفظ في القبول ألنه ال يؤخذ إال عن الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وفي اإللقاء بأنه ال يلقي إال بالوجه السائغ فيهما من غير منازع‪ ،‬وإال فال عتب علي منكر استند إلي أصل‬
‫صحيح ( ‪. )9‬‬
‫وفي القرن العاشر الهجري‪-:‬‬
‫كتابا ً بنقد مرير والذع لمدعي التصوف في عصره‪ ،‬هو كتاب " تنبيه‬ ‫)‬‫‪10‬‬ ‫(‬
‫خصص اإلمام " عبد الوهاب الشعراني"‬
‫( ‪)11‬‬
‫المغترين أواخر القرن العاشر علي ما خالفوا فيه السلف الطاهر " ‪ ،‬وذكر في مقدمته أنه كالسيف القاطع لعنق كل‬
‫مدع للمشيخة في هذا الزمان بغير حق‪ ،‬ألنه يفلسه حتى يري نفسه منسلخة من أخالق القوم‪ ،‬كما تنسلخ الحية من ثوبها‬
‫( ‪ ، )12‬واستفتح حديثه عن أخالق السلف بخلق " مالزمة الكتاب والسنة"‪ ،‬وبين أنهم يالزمونهما مالزمة الظل للشخص‪،‬‬
‫وال يتصدر أحدهم لإلرشاد إال بعد تبحره في علوم الشريعة المطهرة‪ ،‬بحيث يطلع علي جميع أدلة المذاهب المندرسة‬
‫( ‪ )13‬والمستعملة ( ‪ ، )14‬ومن ذلك نقد شيوخ التصوف في عصره‪ ،‬في أنهم لم يكونوا علي قدر من العلم والفقه‪ ،‬يقول‪ :‬هذا‬

‫(‪ )1‬هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي‪ ،‬من شاذلة قريبة من إفريقية‪ ،‬الضرير الزاهد ‪ ،‬نزيل اإلسكندرية‪ ،‬وشيخ الطريقة الشاذلية‪ ،‬مات وهو في طريقه إلي‬
‫الحج سنة ‪ 949‬هـ ‪ ،‬انظر عبد الوهاب الشعراني ‪ ،‬الطبقات الكبرى ‪. 12 :5/2‬‬
‫(‪ )2‬هو محمد بن علي بن وهب أبو الفتح تقي الدين القشيري‪ ،‬ولي قضاء الديار المصرية سنة ‪964‬هـ ‪ ،‬وتوفي بالقاهرة سنة ‪412 ،‬هـ ‪ ،‬انظر عنه اإلمام‬
‫السيوطي‪ ،‬طبقات الحفاظ ‪ ،419 /1 ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1513‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحافظ عبد الله الصديق الغماري‪ ،‬اإلعالم بأن التصوف من شريعة اإلسالم ص ‪ ،92‬علق عليه عصام محمد الصاوي‪ ،‬مكتبة‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1525‬هـ ‪2115 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )5‬اإلمام عبد الحليم محمود‪ ،‬أبو الحسن الشاذلي ص ‪ ،14‬جمع وترتيب محمد عبد الله ‪ ،‬مكتبة اإليمان بالقاهرة‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )9‬أبو الحسن الشاذلي ص ‪. 14‬‬ ‫(‪ )4‬شيخ األزهر األسبق ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن عطاء الله السكندري ـ لطائف المنن ص ‪ 214‬تحقيق د‪ /‬عبد الحليم محمود‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬سنة ‪1519‬هـ ‪1629 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو أحمد بن أحمد بن محمد الفاسي المعروف بـ " زروق" المتوفي سنة ‪266‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أحمد زروق ‪ ،‬قواعد التصوف ‪ ،‬قاعدة ‪ ،215‬ص ‪ ، 129‬دار الكتب العلمية بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 3‬سنة ‪1522‬هـ ‪2114 -‬م ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ /‬عبد المجيد خيالي ‪.‬‬
‫(‪ )11‬هو عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن ذوقا الشعراني المصري الشافعي الصوفي‪ ،‬كان من جلة مشايخ الصوفية في عصره ت‬
‫‪643‬هـ ‪ ،‬انظر نجم الدين محمد بن محمد الغزي‪ ،‬الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة ص ‪ ،552‬بدون بيانات ‪.‬‬
‫(‪ )11‬طبعته مؤخراً المكتبة الثقافية الدينية بمصر‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1524‬هـ‪ 2114 /‬م‪ ،‬تحقيق د‪ /‬أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬المستشار ‪ /‬توفيق علي وهبه ‪.‬‬
‫(‪ )5‬التي عفا عليها الزمن ‪.‬‬ ‫(‪ )12‬المصدر السابق ص ‪. 5‬‬
‫(‪ )9‬أي صوفية ‪.‬‬ ‫(‪ )15‬المصدر السابق ص ‪. 12‬‬
‫‪344‬‬
‫الخلق قد صار غريبا ً في فقراء ( ‪ )1‬هذا الزمان‪ ،‬فصار أحدهم يجتمع بمن ليس له قدم في الطريق‪ ،‬ويتلقف منه كلمات‬
‫في الفناء والبقاء والشطح ( ‪ ،)2‬بما ال يشهد له كتاب وال سنة ( ‪.)3‬‬
‫وضرب علي ذلك شاهداً ومثاالً وقع معه‪ ،‬يقول‪ :‬وقد دخل علي شخص منهم فصار يخوض بغير علم وال ذوق في الفناء‬
‫والبقاء‪ ،‬ومعه جماعة يعتقدونه‪ ،‬فواظبني أياماً‪ ،‬فقلت له‪ :‬أخبرني عن شروط الوضوء والصالة ما هي؟ فقال لي‪ :‬أنا ما‬
‫قرأت شيئا ً في العلم‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أخي‪ ،‬إن تصحيح العبادات علي الكتاب والسنة أمر واجب باإلجماع‪ ،‬ومن لم يفرق بين‬
‫الواجب والمندوب‪ ،‬وال بين المحرم والمكروه‪ ،‬فهو جاهل‪،‬والجاهل ال يجوز االقتداء به ال في طريق الظاهر وال في‬
‫طريق الباطن‪،‬فخرس ولم يرد جوابا ً ( ‪ ،)4‬كذلك انتقد قول القائلين من الصوفية " بحجية اإللهام" ( ‪ ،)5‬وقال‪ :‬قد زل في‬
‫هذا الباب خلق كثير‪ ،‬فضلوا وأضلوا ‪ ،‬ولنا في ذلك مؤلف سميته " حد الحسام في عنق من أطلق إيجاب العمل باإللهام‬
‫( ‪. )6‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬النقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث‬

‫ولقد سرت تلك الروح إلي عصرنا ال ذي صار التصوف فيه حرفة لبعض المعممين‪ ،‬يتصيدون به األتباع‪ ،‬ويجمعون به‬
‫األموال‪ ،‬ويرددون عبارات الصوفية‪ ،‬كما تردد الببغاء كلمات المتكلمين‪ ،‬دون فهم لمعناها‪ ،‬وعمل بمقتضاها ‪.‬‬
‫إن التصوف في العصر الحديث ال يخفي علي عاقل منصف ما أصيب به من ركود واندثار ( أقصد كعلم ) ‪ ،‬بسبب‬
‫المخالفات الكثيرة التي وقع فيها – عمداً أو سهواً أو جهالً – أتباع الطرق الصوفية‪ ،‬سواء في أمور العقيدة أو مجاالت‬
‫السلوك‪ ،‬والواقع خير شاهد‪ ،‬وليس المخبر كالمعاين‪ ،‬وليس من راء كمن سمعا ‪ ،‬ألن العيان أشفي من الخبر‪ ،‬ولكن تلك‬
‫المخالفات ‪ ،‬كما أنها انتقدت م ن قبل علماء ال ينتمون إلي التصوف‪ ،‬ألنهم رأوا مناقضتها لظاهر الكتاب والسنة‪ ،‬انتقدها‬
‫– كذلك‪ -‬بعض الصوفية أنفسهم‪ ،‬بدافع الحب للتصوف الصحيح والغيرة علي أهله ‪.‬‬

‫‪ -1‬فهذا هو د‪ /‬التفتازاني‪ ،‬األستاذ الجامعي ( ‪ ،)7‬وشيخ مشايخ الطرق الصوفية األسبق‪ :‬ينتقد الطرق الصوفية وما آلت‬
‫إليه في القرون المتأخرة من شغف بالوالية واألولياء والكرامات والقباب التي شيدت علي القبور‪ ،‬وأخذت من‬
‫األموال الكثير والكثير فيقول عن أتباعها‪" :‬انصرف أتباع هذه الطرق شيئا ً فشيئا ً إلي الشكليات والرسوم‪ ،‬وابتعدوا‬
‫عن العناية بجوهر التصوف ذاته‪ ،‬وسيطرت علي جما هير المنتسبين إلي تلك الطرق األوهام والمبالغة في التحدث‬
‫بمناقب األولياء وكراماتهم‪ ،‬التي لم يكن يأبه لها المحققون من أوائل شيوخ التصوف‪ ،‬ولم يكن يعتبرونها دالة علي‬
‫كمال العلم والعمل‪ ،‬ومن هنا استهدفت الطرق لنقد شديد في العصور الحديثة من المصلح الديني محمد بن عبد‬
‫الوهاب ( ‪ )8‬وأتباعه ( ‪. )9‬‬

‫(‪ )2‬سبق توضيح معني الفناء والشطح‪ ،‬أما البقاء فإنه يعني‪ :‬رؤية العبد قيام الله علي كل شئ " انظر التعريفات للجرجاني ص ‪. 239 ، 112‬‬
‫(‪ )6‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬تنبيه المغترين ص ‪. 12‬‬
‫(‪ )4‬اإللهام هو أن يلقي الله – تعالي ‪ -‬في النفس أمراً يبعثه علي الفعل والترك‪ ،‬وكثيراً ما يعبر الصوفية عن اإللهام " بالكشف" ‪ ،‬ألنه يكشف لهم عن أمور مغيبة عما سواهم ‪ ،‬واعتبر الغزالي‬
‫الكشف أمراً يطلب‪ ،‬والحقيقة أنه أمر يوهب‪ ،‬وقد ناقشه القرضاوي في ذلك ‪ ،‬انظر كتاب ه موقف اإلسالم من اإللهام والكشف والرؤي ص ‪ ، 114 ،65 ،19‬وما بعدها – مؤسسة الرسالة ‪-‬‬
‫ط‪ 1‬سنة ‪ 1514‬هـ ‪1669 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )9‬اآللوسي ‪ ،‬روح المعاني ‪ ، 14 / 19‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو األستاذ الدكتور‪ /‬أبو الوفا الغنيمي التفتازاني‪ ،‬من مواليد كفر الغنيمي ( ‪1631‬هـ ‪ 1665 -‬م) ‪ ،‬رئيس قسم الفلسفة بكلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬سابقاً ‪ ،‬وأنشأ أقسام الفلسفة بجامعات بيروت وقطر وعمان والكويت ‪ ،‬وهو شيخ الطريقة الغنيمية‪ ،‬وشيخ‬
‫مشايخ الطرق الصوفية في مصر ‪ ،‬وكان التصوف مدار حياته منذ شبابه‪ ،‬وتخصصه األكاديمي ‪ ،‬انظر د‪ /‬عبد المنعم الحفني‪ ،‬الموسوعة‬
‫الصوفية ص ‪ ،112‬ترجمة ‪ ،414‬مكتبة مدبولي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1525‬هـ ‪2113 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب المشرفي التميمي النجدي ( ‪1219 – 1114‬هـ ) ( ‪1461 – 1413‬م ) ‪ ،‬أحد كبار أعالم‬
‫الدعوة السلفية في عصرنا ‪ ،‬ودعوته رائدة الحركات اإلصالحية التي ظهرت إبان التخلف والجمود الفكري في العالم اإلسالمي‪ ،‬انظر‬
‫لالستزادة الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب واألحزاب المعاصرة ‪ ،195 /1‬إشراف وتخطيط د‪ /‬مانع بن حماد الجهني ‪ ،‬دار‬
‫الندوة العالمية للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ 3‬سنة ‪ 1512‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )6‬مدخل إلي التصوف اإلسالمي ص ‪. 259‬‬
‫‪344‬‬
‫‪ -2‬وذلك رائد العشيرة المحمدية " محمد زكي إبراهيم " ( ‪ )1‬ال يعجبه هذا اللون من الذكر الذي نسمعه من بعض‬
‫المنتسبين إلي طوائف الصوفية‪ ،‬بكلمة " أه ‪ ،‬أه " أو بغيرها‪ ،‬فيقول في جرأة وشجاعة‪ " :‬أما تحريف أسماء الله‬
‫الحسني في حلقات الذكر‪ ،‬فإنه حرام بإجماع أئمة التصوف‪ ،‬وحسبك فيه قول الله – تعالي ‪  -‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪(      ‬سورة‬
‫األعراف‪،‬اآلية‪ ،)180:‬وهذا اإللحاد يشمل نحو ق ولهم ها‪،‬ها‪ ،‬أو "هي‪،‬هي " أو " أه ‪ ،‬أه " ( ‪ ،)2‬وغير ذلك من‬
‫األصوات الساذجة الحمقاء‪ ،‬التي ال تكون أبداً من كرام الناس‪ ،‬وال من أفاضلهم‪ ،‬ال أسلوبا ً وال أداء ‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول الشيخ األخضري ( ‪ )3‬في أرجوزته الصوفية‪:‬‬
‫‪ ..‬فألحدوا في أعظم األسماء‬ ‫أبقوا من اسم الله حرف الهاء‬
‫( ‪)4‬‬
‫‪ ..‬تخر منه الشامخات هدا ‪.‬‬ ‫لقـــد أتوا والله شيئـا ً إدا‬
‫‪ -3‬وينتقد محمد زكي إبراهيم‪ ،‬كذلك – ما في حلقات الذكر‪ ،‬أو الحضرات‪ ،‬من رقص أو طبل أو تمايل وأصوات ينفر‬
‫منها العقل السليم‪ ،‬ويأباها الطبع النظيف‪ ،‬ويقبل عليها الشباب المبك وت‪ ،‬تلك األمور التي هي نوع من الهزل‬
‫والتمثيل الصاخب وال تدل علي أن صاحبها ذاكر لله – ‪ -‬حقا ً ‪ ،‬وال أن قلبه مطمئن بذكره يقيناً‪ ،‬قال ‪ ‬ﮋ ﰈ ﰉ‬
‫ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ (سورة الرعد‪،‬اآلية‪ ،)28:‬وقال أيضاً‪:‬ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸﮊ) سورة األنفال‪،‬اآلية‪ )2:‬يقول الشيخ‪ ":‬فأما استخدام الرقص‬
‫والطبل والزمر والغناء‪ ،‬فيما يسمي (حلقات الذكر)‪ ،‬فليس من دين الله (قوالً واحداً) سواء عند أئمة الصوفية‪ ،‬أو‬
‫غير الصوفية‪ ،‬وإنما هو من الدخيل والدسيس الذي تسرب إلي التصوف‪ ،‬فأفسده‪ ،‬وأساء إليه‪ ،‬يقول شاعر الصوفية‪:‬‬
‫يا عصبة ماضر أمة أحمــــــد ‪ ..‬وسعي علي إفسادها إال هي‬
‫طار ‪ ،‬ومزمار‪ ،‬ونغمة شــــادن ‪ ..‬أتكون قط عبادة بمالهي" ( ‪. )5‬‬
‫وما أروع وأجل مما يقول الشيخ عن ذلك في أبيات من قصيدته " هذا تصوف المسلمين " ‪-:‬‬
‫ليس التصوف رقص الراقصين وال ‪ ..‬طبل وزمر وتصخاب ( ‪ )6‬وتهييج‬
‫وال هو الذكر باأللفاظ ساذجـــة ‪ ..‬محرفات وال صعق ( ‪ )7‬وتشنيج‬
‫وال مواكب رايات ملونـــــة ‪ ..‬فيها لما يغضب الديان ترويـج‬
‫وال العمة الكبري وال سبــــح ‪ ..‬حول الرقاب ‪ ،‬وال جمع مفاليج‬
‫( ‪)1‬‬
‫وال التعطل أو دعوي الواليــة أو ‪ ..‬صنع الخوارق ‪ ،‬أو كذب وتدبيج‬

‫(‪ )1‬هو رائد العشيرة المحمدية ومؤسسها رسميا سنة ‪1631‬م ‪ ،‬لتكون وسيلته للدعوة اإلصالحية اإلسالمية الصوفية‪ ،‬وقد عمل عضواً في الهيئة العليا‬
‫للدعوة باألزهر‪ ،‬وقام بعدة مؤتمرات من أجل تطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬عرضت عليه مشيخة الطرق الصوفية فأبي وقال‪ :‬ما سرني أن صرت شيخ ًا‬
‫لطبال وزمار ‪ ،‬ت ‪1516‬هـ ‪1662 -‬م‪ ،‬انظر منتدي الصوفية للتراجم والمناقب ‪ ،‬الشبكة العنكبوتية – تاريخ الزيارة ‪2111 /2 /2‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يقول اإلمام األكبر الشيخ محمود شلتوت‪ " :‬أما الذكر بكلمة "أه" فهي لفظ مهمل‪ ،‬ليس له معني في اللغة العربية‪ ،‬وليس قطعاً من‬
‫أ سماء الله الحسني التي وردت في الكتاب ‪ ،‬أو صح ورودها عن الرسول ‪ ، ‬وذكر الله عبادة‪ ،‬وال يصح لنا أن نعبده إال بما أذن لنا أن‬
‫نعبده به‪ ،‬انظر الفتاوي ص ‪ ،164‬دار الشروق ط‪ 9‬سنة ‪1642‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو عبد الرحمن بن محمد بن الصغير األخضري الجزائري المالكي‪ ،‬كان متين الديانة علماً وزهداً وورعا‪ ،‬وله الكثير من المنظومات‬
‫في فنون العلم المختلفة ت ‪623‬هـ ‪ ،‬انظر إسماعيل باشا البغدادي ‪ ،‬هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ‪، 454 ،459 /4‬‬
‫دار الكتب العلمية – بيروت سنة ‪1513‬هـ ‪1662 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )5‬محمد زكي إبراهيم ‪ ،‬أبجدية التصوف اإلسالمي بعض ماله وما عليه ص ‪ 41‬باختصار ‪ ،‬مطبوعات العشيرة المحمدية ‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )4‬نفس المصدر ص ‪ 52 ،54‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )9‬اصطخب القوم‪ :‬تصايحوا‪ ،‬المعجم الوجيز ص ‪ ، 391‬سنة ‪1514‬هـ ‪1669 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صعق الرجل ‪ ،‬بكسر العين‪ :‬غشي عليه‪ ،‬انظر مختار الصحاح ص ‪. 393‬‬
‫‪344‬‬
‫إن التصوف فقه الدين قاطبــــة ‪ ..‬والفقه بالدين توثيق وتخريج‬
‫( ‪)2‬‬
‫إن التصوف ( تحقيق الخالفــة في ‪ ..‬أرض اإلله ) وإال فهو تهريج ‪.‬‬
‫‪ -4‬ويبدو أن استخدام الرقص أو الدوران الذي يقع من بعض المتصوفة أثناء حلق الذكر بات محل سخط واعتراض‬
‫وتذمر ليس من شيوخ التصوف فحسب ‪ ،‬وإنما حتى من المائلين إلي نصرة المذهب وأتباعه ‪ ،‬فهذا هو الدكتور‬
‫البوطي ( ‪ ، )3‬ينتقد علي طوائف من المتصوفة وقعت في هذه المنكرات‪ ،‬وتلوثت بهذه المحرمات يقول‪ " :‬وقد اختلق‬
‫بعضهم زيادة علي الحديث ( يقصد حديث تقديم أبي بكر ماله كله للرسول ‪ ،)‬وأنه أجابه حينما سأله‪ ،‬ما أبقيت‬
‫ألهلك‪ " :‬أبقيت لهم الله ورسوله" ( ‪ :)4‬أن النبي ‪ ‬قال له‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬إن الله راض عنك فهل أنت راض عنه؟‬
‫فاستفزه السرور والوجد‪ ، ،‬وقام يرقص أمام رسول الله ‪ ‬قائالً‪ :‬كيف ال أرضي عن الله ؟! " ثم ذهبوا يجعلون من‬
‫( ‪)5‬‬
‫هذه الزيادة المختلقة دليالً علي مشروعية الرقص والدوران‪ ،‬في حلق الذكر علي نحو ما يفعل " المولوية"‬
‫وطوائف أخري من المتصوفة ‪.‬‬
‫فأما الدليل الذي يستندون إليه‪ ،‬فهو دليل مختلق‪ ،‬وأما المدلول ‪ ،‬فال نقول‪ :‬إنه لم يثبت عليه‪ ،‬بل الحق الذي ينبغي أن‬
‫يقال‪ :‬إن الدليل قد ثبت علي حرمته ثم ذكر رأي الجمهور ليقطع دابر األلسنة المتكلمة في المسألة فقال‪ " :‬ذهب‬
‫الجمهور إلي أن الرقص محرم‪ ،‬إن كان مع التثني ( ‪ ،)6‬واتفقوا علي أنه مكروه إن كان بدون ذلك" ثم قال معقباً‪" :‬‬
‫فإدخال الرقص – مهما كانت كيفيته – في ذكر الله ـ تعالي ـ إقحام لما هو مكروه أو محرم في عبادة مشروعة‪،‬‬
‫وتحويل له بذلك إلي عبادة يتقرب بها إلي الله دون دليل عليها‪ ،‬أضف إلي ذلك ما يتلبس به حال هؤالء ( الذاكرين) من‬
‫التفوه بأصوات ليست من ألفاظ الذكر في شئ‪ ،‬وإنما هي حمحمات وهمهمات تصاعد من حلوقهم‪ ،‬ليتكون منها دوي‬
‫متناسق معين ينسجم مع تواقيع المنشدين والمطربين‪ ،‬فتحــدث بذلك مزيداً من النشوة والطـرب في النفوس‪ ،‬فكيف يكون‬
‫هذا ذكراً لله – تعالي ـ ‪ ،‬وكيف يكون هذا العمل عبادة‪ ،‬ثم نظر " البوطي" إلي مبتدعة الرقص في الذكر نظرة كلها‬
‫ازدراء واستهجان لما يفعلونه فيقول‪ " :‬فكم من محرمات استحلوها‪ ،‬ومن موبقات ارتكبوها‪ ،‬باسم الوجد أو التواجد آناً‪،‬‬
‫وباسم االنعتاق من ربقة التكاليف آنا ً آخر ( ‪.)7‬‬
‫وقد يتعجب القارئ من موقف الدكتور " البوطي" من هذه القضية‪ ،‬لشهرته أنه ميال إلي المتصوفة‪ ،‬ولكنه سعي حثيثا ً‬
‫إلزالة أي عجب يكتنف نفوس قارئيه ومحبيه‪ ،‬ونري أن ما قاله من سبب جدير بالقبول‪ ،‬وجدير أن تختم به كالمنا‪ ،‬بل‬
‫ويعمم في جميع نقاط بحثنا هذا‪ ،‬يقول‪ " :‬قد يعجب البعض من أني أنكر علي الوهابية ( ‪ )8‬الكثير من آرائهم‪ ،‬مع ما أفعله‬
‫هنا من االنحياز إليهم‪ ،‬الستنكار ما يراه اآلخرون ( يقصد الصوفية ) وال ريب أن هذا العجب إنما هو نتيجة تصور‬
‫خاطئ لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم ‪ ،‬فليس من اإلسالم في شئ أن يتحول لدينا البحث العلمي في العقل إلي‬
‫عصبية مستحكمة في النفس‪ ،‬وهيهات أن يكون من اإلسالم في شئ ما يفعله بعضهم من االنتصار لما عرف به من‬
‫مذهب ورأي‪ ،‬مصطنعا ً بذلك االنتصار لإلسالم‪ ،‬وهو يعلم في قرارة نفسه أنه إنما ينتصر للرأي الذي أصبح جزءاً من‬
‫شخصيته وكيانه بين الناس‪ ،‬ال ينبغي للمسلم (لدي البحث العلمي)‪ ،‬أن يضع أي شئ نصب عينيه إال كتاب الله وسنة‬
‫رسوله ‪ ،‬وال يجوز له أن يدع أي سلطان من دون سلطانهما يتسلل بالتأثير علي نفسه وفكره‪ ،‬وإذا كنت أبحث اآلن في‬
‫مس ألة انتهيت فيها إلي موافقة أولئك البعض (الوهابية)‪ ،‬ومخالفة كثير من عوام المسلمين أو المتصوفة فيهم‪ ،‬فليس ذلك‬
‫حبا ً بمخالفتهم أو شهرة لنقدهم‪ ،‬ولكن رغبة خالصة في أن ال أحيد عن كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬مع تقديري لكثير من‬

‫(‪ )1‬دبج الشئ – دبجاً‪ :‬زينه ونقشه ‪ ،‬انظر المعجم الوجيز ص ‪. 216‬‬
‫(‪ )2‬المسلم‪ ،‬ص ‪ ، 32‬مجلة العشيرة المحمدية‪ ،‬السنة ‪ ،56‬العدد (‪ ، )1‬رجب ‪1524‬هـ ‪ -‬أغسطس – سبتمبر ‪2115‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬كاتب وداعية سوري معاصر‪ ،‬من مواليد عام ‪ 1626‬م ‪ ،‬حصل علي شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة – جامعة األزهر الشريف ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الترمذي ‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب في مناقب أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما‪ 915 /4 -‬برقم ‪ ، 3944‬وقال‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬تحقيق‪ /‬أحمد محمد شاكر وآخرون ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أنشأها الشاعر الفارسي جالل الدين الرومي ( ت ‪942‬هـ ) يتميزون بإدخال الرقص واإليقاعات في حلقات الذكر‪ ،‬وقد انتشروا في‬
‫تركيا وآسيا الغربية‪ ،‬انظر الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة ص ‪. 352‬‬
‫(‪ )9‬انثني في مشيته‪ :‬تمايل ‪ ،‬انظر المعجم الوجيز‪ ،‬مادة ثني ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )4‬د‪ /‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬فقه السيرة ص ‪ ، 313 ، 312‬باختصار يسير‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ 16‬سنة ‪ 1526‬هـ ‪2112 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب – ~ ‪. -‬‬
‫‪334‬‬
‫هؤالء السادة(الصوفية)‪ ،‬ويقيني بصالحهم وصفاء نياتهم‪ ،‬وعذري أن هذا التقدير ال يسوغ تجاوز النصوص أو القواعد‬
‫أو التأويل لها ‪.‬‬
‫ولو بحث المسلمون عن الحق الذي يجب اتباعه‪ ،‬عن طريق هذا الميزان ‪ ،‬لما قامت فئات تتخاصم وتتجافي عن‬
‫بعضها‪ ،‬رغم ما قد يقع بينها من خالف في الرأي واالجتهاد‪ ،‬ولكن العصبية والغلو هما ال لذان أوديا بالمسلمين إلي هذا‬
‫الذي نراه ‪ ،‬يحاسب المتصوفة خصومهم علي ما يرونه عندهم من تطرف وغلو‪ ،‬وال يحاسبون أنفسهم علي ما يتلبسون‬
‫( ‪)1‬‬
‫به هم من الغلو والبدع التي ال وجه في اإلسالم يسوغها‪ ،‬أفهذا هو الحق الذي ينبغي أن يكون ؟!!! ؟‬

‫(‪ )1‬فقه السيرة ص ‪ ، 313‬هامش ‪ ،111‬باختصار ‪.‬‬


‫‪334‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النقد الذاتي للتصوف نموذجا ً ( عقيدة الحلول )‬
‫بعد ذلك االستعراض للنقد الذاتي للتصوف عبر القرون واألزمنة‪ ،‬وذكر أمثلة علي ذلك من كل شخصية حسب البيئة‬
‫التي يعيش فيها‪ ،‬أشفع ذلك بإلقاء الضوء علي عقيدة رفضها الفكر الصوفي الصحيح‪ ،‬ولفظها االتجاه الصوفي السليم‪،‬‬
‫وحاربها الشيوخ الكبار‪ ،‬إنها عقيدة الحلول واالتحاد‪ ،‬وسيكون حديثنا عنها كاآلتي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف الحلول واالتحاد والفرق بينهما‬
‫من الغلطات الكثيرة في أصول الدين التي انحرف بها بعض الصوفيـة ‪ ،‬وانتقدها شيوخهم الكبار " عقيدة الحلول" ‪،‬‬
‫والحلول لغة هو‪ :‬مصدر للفعل "‪ "  ‬بضم الحاء‪ ،‬وحل العذاب يحل بالضم" أي نزل‪ ،‬قال تعالي‪ :‬ﮋﮠ ﮡ ﭨ‬
‫ﭩ ﮤﮊ (سورة الرعد‪،‬اآلية‪ ،)31:‬أي تنزل‪،‬والمحل‪ :‬المكان الذي يحل به ( ‪ )1‬ومعنى حل في المكان! نزل‪ ،‬وحط‪ ،‬ورضي‪،‬‬
‫وثبت‪ ،‬ورسخ‪ ،‬وحل‪ ،‬وأناخ‪ ،‬وبرك‪ ،‬وأقام ( ‪. )2‬‬
‫وعرفه الرازي ( ‪ )3‬بقوله‪:‬هو نزول شئ في شئ آخر ( ‪ ،)4‬وبمعنى أوضح‪ :‬أن يحصل جسم أو متحيز في شئ‪ ،‬فيكون‬
‫الحاصل‪ :‬حاالً‪ ،‬والمحصول فيه‪ :‬محالً‪ ،‬وتسمي النسبة بينهما‪ :‬حلوالً ( ‪ ،)5‬أما باالصطالح العقائدي فهو يعني‪ :‬حلول الله‬
‫ـ تعالي ـ في مخلوقاته‪ ،‬أو في بعض مخلوقاته ‪.‬‬
‫والحلولية علي وجهين أحدهما‪ :‬أهل الحلول الخاص‪ ،‬كالنصارى واعتقادهم في المسيح – ‪ - ‬والغالية من هذه األمة‬
‫الذين يقولون بالحلول إما في علي ( ‪ -  - )6‬وإما في غيره‪ ،‬والثاني‪ :‬القائلون بالحلول العام‪ ،‬الذين يقولون بالحلول في‬
‫جميع المخلوقات‪ ،‬أي أن الله بذاته حال في كل شئ‪ ،‬وهؤالء مثل قدماء الجهمية ( ‪. )7‬‬
‫وقرين الحلول‪ ،‬االتحاد ويعني‪ :‬امتزاج الشيئين واختالطهما حتى يصيرا شيئا ً واحداً ( ‪ ،)8‬وفي االصطالح العقائدي‪:‬‬
‫اتحاد الله بمخلوقاته أو ببعض مخلوقاته‪ ،‬وهناك فرق بين الحلول واالتحاد ‪.‬‬
‫‪ -1‬الحلول فيه إثبات لوجودين‪ ،‬بخالف االتحاد فهو إثبات لوجود واحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬الحلول يقبل االنفصال‪ ،‬بخالف االتحاد فهو ال يقبل االنفصال ‪.‬‬
‫وإذا أردنا مثاالً لنشعر بالفرق بينهما أقول‪ :‬السكر إذا وضعته في الماء دون تحريك فهو حلول‪ ،‬أما إذا حركته فذاب في‬
‫الماء صار اتحاداً‪ ،‬ألنه ال يقبل أن ينفصل مرة أخري ( ‪. )9‬‬
‫ولم يرد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يفيد أن الله ـ تعالي ـ حل في خلقه‪ ،‬أو أنه اصطفي أجساما ً حل فيها‪ ،‬كما‬
‫أجمع العلماء علي استحالة حلول الخالق – جل شأنه في المخلوقات‪ ،‬وفي مفتتح سورة الفاتحة التي يرددها المسلم كل‬
‫يوم – في صالته المفروضة‪ -‬سبع عشرة مرة‪ ،‬إبطال لعقيدة الحلول‪ ،‬قال تعالي‪ :‬ﮋﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﮊ (سورة‬
‫الفاتحة‪،‬اآلية‪ ،)2 :‬فهذه اآلية (تدل علي أن ذاته منزهة عن الحلول في المحل‪ ،‬ألنه لما كان ربا ً للعالمين ‪ ،‬كان خالقا ً لكل‬
‫ما سواه‪ ،‬والخالق سابق علي المخلوق‪ ،‬فكانت ذاته ـ تعالي ـ موجودة قبل كل محل‪ ،‬فكانت ذاته غنية عن كل محل‪ ،‬فبعد‬
‫وجود المحل امتنع احتياجه إلي المحل) ( ‪ )10‬وكيف يسوغ لعاقل أن يقول بهذا االعتقاد الفاسد مع قوله – تعالي ـ ‪‬‬
‫‪ (      ‬سورة طه‪،‬‬

‫(‪ )1‬محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،‬مختار الصحاح ‪ ،‬ص ‪. 141 ، 141‬‬
‫(‪ )2‬محمد بن عبد الملك بن مالك الطائي‪ ،‬األلفاظ المؤتلفة ص ‪ ، 145‬تحقيق د‪ /‬محمد حسن عواد‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1511‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو محمد بن محمد الرازي التحتاني المتوفي سنة ‪499‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )5‬محمد بن محمد الرازي التحتاني‪ ،‬ذكر الفرق التي غلطت في اإلباحة والحلول واالتحاد والتجسيم وبيان دعواهم والرد عليهم ص ‪ ، 94‬مطبعة الحسين‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،2‬سنة ‪1515‬هـ ‪ 1665 -‬م‪ ،‬تحقيق د‪ /‬حسن جبر شقير‪.‬‬
‫(‪ )4‬محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي‪ ،‬اإلعالم بما في دين النصارى من أوهام ص ‪ ، 131‬تحقيق د‪ /‬أحمد حجازي السقا‪ ،‬دار التراث الع ربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ 1362‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )9‬هو ابن عم رسول الله ‪ ‬وزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها‪ ،‬ووالد الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أحمد بن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل ‪ ، 142 / 9‬تحقيق‪ :‬عبد اللطيف عبد الرحمن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1514‬هـ ‪1664 -‬م‪ ،‬وانظر‬
‫مجموعة الفتاوي ‪ ،221 /2‬والجهمية هم أصحاب جهم بن صفوان ‪ ،‬وأهل السنة يكفرونه هو وأتباعه ‪ .‬انظر فخر الدين الرازي‪ ،‬اعتقادات فرق المسلمين‬
‫والمشركين ص ‪ ، 115 ،113‬مكتبة الكليات األزهرية – القاهرة ‪ -‬سنة ‪1362‬هـ ‪ 1642 -‬م ‪ ،‬تحقيق ‪ /‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬مصطفي الهواري ‪.‬‬
‫(‪ )2‬السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني‪ ،‬التعريفات ص ‪ ،5‬انظر ‪ /‬محمد عبد الرؤوف المناوي ‪ ،‬التعاريف ص ‪ – 31‬تحقيق د‪/‬‬
‫محمد رضوان الدايه‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1511‬هـ‬
‫(‪ )6‬محمد بن إبراهيم الحمد‪ ،‬مصطلحات في كتب العقائد ص ‪ ، 51‬عن شبكة االنترنت ‪ ،‬مجلس العقيدة‪ ،‬تاريخ الزيارة ‪2111 /1 / 15‬م ‪.‬‬
‫(‪ )11‬الرازي – ا لتفسير الكبير‪ ،‬أو مفاتيح الغيب ‪ ،141 /1‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1521‬هـ ‪2111‬م ‪.‬‬
‫‪332‬‬
‫اآلية‪ ،) 5:‬وقوله تعالي‪ :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ(سورة فاطر‪ ،‬اآلية‪ ،)10:‬وكيف يصعد إليه شئ هو معه‪ ،‬أو يرفع إليه‬
‫عمل هو عنده‪ ،‬فالله ـ تعالي ـ هو العلي‪ ،‬األعلى‪ ،‬وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه‪ ،‬واأليدي ترفع بالدعاء إليه ( ‪. )1‬‬
‫ومن أدلة المباينة‪ :‬أن لله ـ ‪ ‬ـ حجابا ً من نور‪ ،‬كما ثبت ذلك عن أبي موسي األشعري ( ‪  )2‬أنه – قال‪ :‬قام فينا رسول‬
‫الله ‪ ‬بخمس كلمات فقال‪ :‬إن الله ‪ ‬ال ينام‪ ،‬وال ينبغي له أن ينام‪ ،‬يخفض القسط ويرفعه‪ ،‬يرفع إليه عمل الليل قبل‬
‫عمل النهار‪ ،‬وعمل النهار قبل عمل الليل‪ ،‬حجابه النور‪ ،‬وفي روايــة " النار" ‪ ،‬لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه‪ ،‬ما‬
‫انتهي إليه بصره من خلقه ( ‪ ،)3‬ولذلك قال ابن خزيمة( ‪:)4‬من لم يقر بأن الله ـ تعالي ـ علي عرشه‪ ،‬قد استوي فوق سبع‬
‫سمواته‪ ،‬فهو كافر به‪ ،‬يستتاب‪ ،‬فإن تاب وإال ضربت عنقه " ( ‪. )5‬‬
‫وعلي الرغم من كل ذلك إال أنه قد ظهرت في اإلسالم طائفة الحلولية‪ ،‬سواء أهل الحلول العام‪ ،‬مثل قدماء الجهمية‬
‫الذين رأوا أن معبودهم في كل مكان بذاته‪ ،‬أو أهل الحلول الخاص‪ ،‬الذين رأوا أن معبودهم في شخص بذاته‪ ،‬أو في شئ‬
‫بذاته‪ ،‬قال البغدادي ( ‪ )6‬ـ بعد أن عد منهم عشر فرق‪ :‬وتفصيل فرقهم في األكثر يرجع إلي غالة الروافض ( ‪. )7‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحلولية من الصوفية‬
‫وانتقلت تلك العقيدة إلي غالة الصوفية‪ ،‬يقول أبو الحسن األشعري ( ‪ " :)8‬وفي األمة قوم ينتحلون النسك ‪ ،‬يزعمون أنه‬
‫جائز علي الله سبحانه الحلول في األجسام‪ ،‬وإذا رأوا شيئا ً يستحسنونه قالوا‪ :‬ال ندري لعله ربنا ( ‪ ،)9‬ويقول " السيوطي"‬
‫( ‪ : )10‬بعض المتصوفة قالوا‪ :‬إن السالك إذا أمعن في السلوك وخاض معظم لجة الوصول‪ ،‬فربما يحل الله فيه كالنار في‬
‫الجمر‪ ،‬بحيث ال تمايز‪ ،‬أ و يتحد به‪ ،‬بحيث ال اثنينية وال تغاير‪ ،‬وصح أن يقول‪ :‬هو أنا ‪ ،‬وأنا هو" ( ‪ ،)11‬وعد الرازي‬
‫( ‪ " )12‬الحلولية" فرقة من فرق الصوفية‪ ،‬ويصفهم بأنهم ليس لهم من العلوم العقلية نصيب ( ‪ ،)13‬ولم يذكر لنا أحداً من‬
‫أسمائهم‪ ،‬ولكن " البغدادي" ( ‪ )14‬في طي ذكره لفرق الحلولية ذكر" الحالجية"( ‪ ،)1‬والحالجية هي إحدى فرق الصوفية‬

‫(‪ )1‬ابن قتيبة ( عبد الله بن مسلم) ‪ ،‬تأويل مختلف الحديث ص ‪ ، 241‬باختصار تحقيق‪ /‬محمد زهري النجار – دار الجيل – بيروت سنة ‪1363‬هـ‬
‫‪1642 -‬م‪ ،‬حافظ حكمي – معارج القبول ‪165 /1‬باخ تصار ‪ ،‬تحقيق‪ /‬عمر بن محمود أبو عمر‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام ط‪ 1‬سنة ‪1511‬هـ ‪-‬‬
‫‪1661‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬اسمه عبد الله بن قيس بن سليم‪،‬من أصحاب رسول الله ‪ ،‬انظر ابن حجر العسقالني‪،‬اإلصابة في تمييز الصحابة ‪ ،211 /5‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1512‬هـ ‪1662 -‬م ‪ ،‬تحقيق‪ /‬علي محمد البجاوي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان ‪ ،‬ب‪ :‬في قوله ‪ ‬إن الله ال ينام‪ ،191 /1 ،‬برقم ‪. 146‬‬
‫(‪ )5‬هو محمد بن اسحاق بن خزيمة الحافظ الحجة شيخ اإلسالم وإمام األئمة ت ‪ 311‬هـ ‪ ،‬انظر شمس الدين الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء ‪/ 15‬‬
‫‪.394‬‬
‫(‪ )4‬ابن قدامة المقدسي – إثبات صفة العلو ص ‪ ، 124‬تحقيق‪ /‬بدر عبد الله البدر‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1519‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )9‬هو أبو منصور عبد القاهر بن محمد البغدادي الفقيه الشافعي األصولي ت ‪526‬هـ‪ ،‬انظر وفيات األعيان ‪. 213 /3‬‬
‫(‪ )4‬الفرق بين الفرق ص ‪ ،251‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2‬سنة ‪1644‬م‪ ،‬والروافض سموا بذلك االسم ألن زيد بن علي بن الحسين بن علي‬
‫بن أبي طالب خرج علي هشام بن عبد الملك فطعن عسكره في أبي بكر فمنعهم من ذلك فرفضوه ولم يبق معه إال مئتا فارس فقال لهم ‪ :‬رفضتموني‪،‬‬
‫قالوا نعم‪ ،‬فبقي عليهم هذا االسم‪ ،‬وحكم الغالة منهم علي األئمة أنهم آلهة ‪ ،‬انظر اعتقادات فرق المسلمين ‪. 29 ،44‬‬
‫(‪ )2‬هو إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل األشعري اليماني البصري ‪ ،‬ت ‪325‬هـ ‪ ،‬انظر سير أعالم النبالء ‪. 29 /14‬‬
‫(‪ )6‬أبو الحسن األشعري‪ ،‬مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين ص ‪ 222‬تحقيق‪ /‬هلموت ريتر‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ط‪ ،3‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )11‬هو جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت ‪ 611‬هـ انظر مصطفي بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي‪ ،‬كشف‬
‫الظنون عن أسامي الكتب والفنون ‪ ،49 /1‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1513‬هـ ‪1662 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )11‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬الحاوي للفتاوي ‪ ،122 /2‬تحق يق‪ /‬عبد اللطيف حسن عبد الرحمن‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪ 1‬سنة ‪1521‬هـ ‪2111 ،‬م ‪.‬‬
‫(‪ )12‬هو فخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازي ت ‪919‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫(‪ )13‬فخر الدين الرازي ‪ ،‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪. 119‬‬
‫‪334‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫يري براءته من تلك التهمة‪،‬حيث إن كتبه –‬ ‫التي يترأسها " الحسين بن منصور الحالج" ( ‪ ،)2‬وإن كان "الهجويري"‬
‫كما زعم ـ ليس فيها شئ سوي التحقيق ( ‪.)4‬‬
‫ومن بين قائمة الصوفية التي اتهمت بأن أقوالها تدور بين الحلول واالتحاد "أبي يزيد البسطامي" ( ‪ )5‬وإن كنت ال أري‬
‫هذا الرأي‪ ،‬ألن شطح أبي يزيد قاله وهو في حالة سكر‪ ،‬وقد برأه الجنيد وهو سيد الطائفة آنذاك‪ ،‬بل شرح كالمه‬
‫ووضح غامضه‪ ،‬وجمع ذلك " الطوسي" في اللمع ( ‪ ،)6‬هذا بخالف أن له أقواالً حسنة في التمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬قال‬
‫صاحب سير أعال م النبالء‪ :‬جاء عنه أشياء مشكلة ال مساغ لها‪ ،‬الشأن في ثبوتها عنه‪ ،‬أو أنه قالها في حالة الدهشة‬
‫والسكر ‪ ،‬فيطوي وال يحتج بها ( ‪. )7‬‬
‫كذلك ممن اتهم عند البعض بالقول بالحلول واالتحاد "ابن عربي‪،‬وابن سبعين ( ‪،)8‬وابن الفارض ( ‪ ،)9‬والقونوي ( ‪،)10‬‬
‫والتلمساني ( ‪ ،)11‬وذلك علي أنهم من القائلين بوحدة الوجود ( ‪ ،)12‬الذي صدر عن أصل باطل يخالف دين اإلسالم‪ ،‬وهو‬
‫الحلول واالتحاد (‪ )13‬ولكن ألن "الحالج" كان نقطة انطالق ألصحاب مذهب وحدة الوجود‪ ،‬فهذه النظرية الفلسفية في‬
‫تفسير الوجود مدينة ألفكار الحالج بشكل أو بآخر‪ ،‬وهذا ما يشير إليه نيكلسون (‪ )14‬بعد أن تحدث عن رفض‬
‫المسلمين لفكر الحالج‪ ،‬يقول" ومع كل هذا يدين التصوف اإلسالمي للحالج بدين ال يمكن تقديره‪ ،‬فإن مذهبه هذا‬
‫الذي رفضه المسلمون هو الذي أدخل في اإلسالم تلك الفكرة التي أحدثت فيه انقالبا ً عظيماً‪ ،‬أعني فكرة الكثرة في‬
‫الوحدة المطلقة‪ ،‬أو مبدأ التغاير في الوحدة (‪ ،)15‬فمن أجل ذلك آثرت أن أتحدث عن " الحالج" وأقواله في الحلول في‬
‫األسطر التالية‪:‬‬
‫المطلـــب الثالـــث‪ :‬الحــــالج‬

‫(‪ )5‬سأعود إلي الحديث عنه بعد قليل ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر الفرق بين الفرق ص ‪. 341 ،259 ،251‬‬
‫(‪ )9‬كشف المحجوب ‪. 411 /2‬‬ ‫(‪ )3‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو طيفور بن عيسي بن شروسان البسطامي‪ ،‬أحد صوفية القرن الثالث الهجري ت ‪291‬هـ ‪ ،‬انظر عنه أبو عبد الرحمن السلمي‪،‬‬
‫طبقات الصوفية ص ‪ ،94‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ط‪ 2‬سنة ‪1523‬هـ ‪ 2113 -‬م‪ ،‬تحقيق‪ /‬مصطفي عبد القادر عطا ‪.‬‬
‫(‪ )6‬سير أعالم النبالء ‪. 22 /13‬‬ ‫(‪)9‬ص ‪ 324‬إلي ‪. 334‬‬
‫(‪ )2‬هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين ‪ ،‬كان صوفيا علي قاعدة زهد الفالسفة وتصوفهم ت ‪996‬هـ ‪ ،‬انظر شمس الدين الذهبي‪،‬‬
‫تاريخ اإلسالم ‪ 225 /56‬تحقيق د‪ /‬عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1514‬هـ ‪1624 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن الحموي األصل‪ ،‬المصري المولد والدار والوفاة‪ ،‬المعروف بابن الفارض‪ ،‬له قصيدة مقدار ستمائة بيت علي اص طالح الصوفية ومنهجهم‪،‬‬
‫ت ‪932‬هـ ‪ ،‬انظر أبو العباس شمس الدين أحمد بن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ‪ ،545 /3‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )11‬هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف الرومي‪ ،‬الصوفي علي مذهب أهل الوحدة‪ ،‬صحب ابن عربي‪ ،‬وصار شيخ االتحادية بقونية ت ‪942‬هـ ‪ ،‬انظر تا ريخ اإلسالم‪ ،‬الذهبي ‪. 62 /41‬‬
‫(‪ )11‬انظر ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوي ‪ ، 216 /2‬والتلمساني هو أبو الربيع عفيف الدين سليمان بن علي‪ ،‬المعروف بعفيف الدين التلمساني ت ‪ 961‬هـ ‪ ،‬انظر د‪ /‬يوسف زيدان‪ ،‬ديوان عفيف‬
‫الدين التلمساني ‪ ، 21 :13 /1‬أخبار اليوم‪ ،‬إدا رة الكتب والمكتبات ‪.‬‬
‫(‪ )12‬ومذهب وحدة الوجود يعني عند أصحابه أنه ال موجود علي الحقيقة إال الله‪ ،‬فهو وجود واحد‪ ،‬وأما ما نراه من الكثرة المشاهدة في هذا ال عالم فهو وهم علي التحقيق تحكم به العقول‬
‫القاصرة ‪ ،‬علي أن من أصحاب وحدة الوجود كابن عربي‪ ،‬من يفسح ال مجال للقول بوجود الممكنات والمخلوقات علي نحو ما ‪ ،‬ومنهم من يطلق القول بالوحدة‪ ،‬ويعني في ذلك إلي الحد‬
‫الذي يجعله ال يثبت إال وجود الله فقط‪ ،‬وهؤالء هم أصحاب الوحدة المطلقة‪ ،‬وعلي رأسهم ابن سبعين ‪ ،‬انظر د‪ /‬حسن الشافعي ‪ ،‬د‪ /‬أبو الي زيد العجمي‪ ،‬في التصوف اإلسالمي ص ‪، 126‬‬
‫مرجع سابق ‪.‬‬
‫(‪ )13‬د‪ /‬محمد مصطفي حلمي – الحياة الروحية في اإلسالم ص ‪ 161‬بتصرف كبير‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ‪1625‬م ‪.‬‬
‫(‪ )15‬هو رينولد ألين نيكلسون ( ‪ 1654 – 1292‬م ) ‪ ،‬مستشرق انجليزي‪ ،‬له ميل إلي دراسة التصوف ( العقيقي‪ ،‬المستشرقون ‪ )424 /2‬دار المعارف‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )14‬نيكلسون‪ ،‬في التصوف اإلسالمي وتاريخه ص ‪ ،24‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة‪ ،‬القاه رة سنة ‪1322‬هـ ‪1696 -‬م ‪ ،‬ترجمة د‪ /‬أبو العال عفيفي ‪ ،‬وفي التصوف‬
‫اإلسالمي د‪ /‬الشافعي‪ ،‬د‪ /‬العجمي ص ‪ ، 122‬ووجدت اإلمام الشوكاني أشار إلي ذلك قبلهم في مصنفه الصوارم الحداد القاطعة لعالئق أرباب االتحاد ص ‪ ،32‬تحقيق‪/‬‬
‫(‪ )3‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫محمد صبحي حسن الخالق‪ ،‬دار الهجرة‪ /‬صنعاء ‪ ،‬اليمن ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1511‬هـ ‪1661 -‬م ‪.‬‬
‫‪333‬‬
‫هو الحسين بن منصور الحالج‪ ،‬من مدينة بيضاء بفارس‪ ،‬نشأ بواسط ‪ ،‬وقيل بتستر‪ ،‬وقدم بغداد ‪ ،‬فخالط الصوفية‪،‬‬
‫وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد ( ‪ ،)1‬وأبا الحسين النوري ( ‪ ،)2‬وعمرو المكي ( ‪ ،)3‬وتعبد فبالغ في المجاهدة‬
‫والترهب‪ ،‬وسافر إلي الهند‪ ،‬وجال في خراسان وبالد ما وراء النهر ( ‪ ،)4‬وفي سنة ‪299‬هـ ادعي للناس أنه إله‪ ،‬وأنه‬
‫يقول بحلول الالهوت في الناسوت ( ‪ ،)5‬وفي سنة ‪301‬هـ قبض الراسبي أمير األهواز علي الحالج‪ ،‬وكتب إلي بغداد‬
‫يذكر أن البينة قامت عنده أن الحالج يدعي الربوبية ويقول بالحلول ( ‪ ،)6‬فأدخل الحالج بغداد مشهوراً علي جمل‪ ،‬وعلق‬
‫مصلوبا‪ ،‬ونودي‪ :‬هذا أحد دعاة القرامطة ( ‪ )7‬فاعرفوه‪ ،‬ثم حبس ( ‪ ،)8‬وفي سنة ‪309‬هـ قتل بإجماع فقهاء عصره ( ‪،)9‬‬
‫خال ابن سريج الشافعي ( ‪ ،)10‬الذي قال‪ :‬هذا رجل خفي عني حاله‪ ،‬وما أقول فيه شيئا ً ( ‪ ،)11‬وكان قتله في عهد الخليفة‬
‫المقتدر ( ‪،)12‬والقاضي أبي عمر محمد بن يوسف ( ‪،)13‬بعد تقريره علي مذهبه‪،‬وقيام الشهادات عليه بإلحاد ( ‪ ،)14‬ولما‬
‫أخرج ليقتل قال ألصحابه‪ :‬ال يهولنكم هذا فإني عائد إليكم بعد ثالثين يوما ً ( ‪ ،)15‬فضرب تمام األلف سوط‪ ،‬ثم قطعت يده‬
‫ثم رجله ثم يده ثم رجله‪ ،‬وحز رأسه‪ ،‬وأحرقت جثته ( ‪ ،)16‬وكان يقرأ في وقت الصلب ‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪(    ‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪. )17 ( ) 157 :‬‬
‫وأكثر المتكلمين علي أن الحالج من الحلولية‪ ،‬وقالوا عنه إنه قال‪ :‬من هذب نفسه في الطاعة‪ ،‬وصبر علي اللذات‬
‫والشهوات ارتقي إلي مقام المقربين‪ ،‬ثم ال يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة‪ ،‬حتى يصفو عن البشرية‪ ،‬فإذا لم‬
‫يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح اإلله ( ‪ ،)18‬وأحيانا ً يكسو الحلول بعبارات التصوف‪ ،‬ليتوهم البعض أن ذلك مما ال‬

‫(‪ )2‬هو أبو الحسين أحمد بن محمد النوري‪ ،‬بغدادى المولد والمنشأ‪ ،‬وكان كبير الشأن ت ‪264‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )3‬الخطيب البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد ‪ ، 112/2‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬وعمرو المكي هو عمرو بن عثمان المكي‪ ،‬وكنيته أبو عبد الله‪ ،‬وهو عالم‬
‫بعلوم األصول ‪ ،‬وروي الحديث‪ ،‬ت ‪261‬هـ ‪ ،‬انظر طبقات الصوفية ص ‪. 192‬‬
‫(‪ )5‬شمس الدين الذهبي ‪ ،‬العبر في خبر من غبر ‪ ،155 /2‬مطبعة حكومة الكويت‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪ 1625‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬صالح الدين المنجد ‪.‬‬
‫(‪ )4‬وفيات األعيان ‪. 152 /2‬‬
‫(‪ )9‬ابن العماد الحنبلي‪ ،‬شذرات الذهب ‪ ،244 /2‬دارابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪ 1519‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ /‬عبد القادر األرنؤوط ‪ ،‬محمود األرنؤوط ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هي حركة باطنية هدامة‪ ،‬اعتمدت الت نظيم السري العسكري‪ ،‬ظاهرها التشيع آلل البيت‪ ،‬وحقيقتها اإللحاد واإلباحية‪ ،‬تنسب إلي حمدان قرمط الذي نشرها في‬
‫سواد الكوفة سنة ‪ 242‬هـ ‪ ،‬انظر الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة ص ‪ ، 364‬الندوة العالمية للشباب اإلسالمي بالرياض ‪.‬‬
‫(‪ )11‬سير أعالم النبالء للذهبي ‪. 331 /15‬‬ ‫(‪ )2‬العبر ‪ ،123 ،122 /2‬وشذرات الذهب ‪. 233 /2‬‬
‫(‪ )11‬هو أبو العباس أحمد بن عمر بن س ريج‪ ،‬شيخ الشافعية‪ ،‬ولقب بالباز األشهب ت ‪ 319‬هـ ‪ ،‬انظر عبد الله بن أسعد اليافعي‪ ،‬مرآة الجنان وعبرة اليقظان ‪/2‬‬
‫‪ ، 259‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1513‬هـ ‪1663 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )11‬وفيات األعيان ‪. 155 /2‬‬
‫(‪ )12‬هو أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم العباسي‪ ،‬قتل سنة ‪321‬هـ ‪ ،‬انظر مرآة الجنان ‪/2‬‬
‫‪. 246‬‬
‫(‪ )13‬هو ابن عم القاضي إسماعيل بن إسحاق الذي حوكم الصوفية في عهده‪ ،‬وبعد موته تولي القضاء ابن عمه أبو عمر محمد بن يوسف‪ ،‬انظر‬
‫الحسن بن عبد الله البناهي المالقي ‪ ،‬تاريخ قضاة األندلس ص ‪ ،39‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 4‬سنة ‪1513‬هـ ـ ‪1623‬م‪ ،‬تحقيق لجنة‬
‫التراث ‪.‬‬
‫(‪ )15‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬
‫(‪ )14‬تاريخ بغداد ‪ ،131 /2‬وابن الجوزي‪ ،‬المنتظم في تاريخ الملوك واألمم‪ ،219 /13 ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1342‬هـ ‪،‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ بغداد ‪. 151 /2‬‬ ‫وقال‪ -:‬هذا إسناد صحيح ال شك فيه‪.‬‬
‫(‪ )14‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬فضائح الباطنية‪ ،‬ص ‪ ، 116‬دار الكتب الثقافية‪ ،‬الكويت‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬عبد الرحمن بدوي ‪.‬‬
‫(‪ )12‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪ 119‬هامش (‪ ، )1‬والفرق بين الفرق ص ‪. 252‬‬
‫‪334‬‬
‫بأس به في التصوف‪ ،‬ويستنط ذلك من كتبه التي كان يرسل بها إلي أتباعه‪ ،‬يقول أبو بكر بن ممشاذ ( ‪ :)1‬حضر عندنا‬
‫بالدينور ( ‪ )2‬رجل معه مخالة‪ ،‬ففتشوها فوجدوا فيها كتابا ً للحالج‪ ،‬عنوانه " من الرحمن الرحيم إلي فالن بن فالن" فبعث‬
‫بالكتاب إلي بغداد‪ ،‬فأحضر وعرض عليه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا خطي‪ ،‬وأنا كتبته فقالوا له‪ :‬كنت تدعي النبوة‪ ،‬صرت تدعي‬
‫الربوبية‪ ،‬قال‪ :‬ال ولكن هذا عين الجمع ( ‪)3‬عندنا‪ ،‬هل الكاتب إال الله وأنا ( ‪. )4‬‬
‫فمما ال شك فيه أن الحال ج له أقوال صريحة في "الحلول" صادم بها مشاعر المسلمين نحو عقيدتهم‪ ،‬وال أدل علي ذلك‬
‫من مقالته المشهورة في مصنفه " الطواسين" والتي قال فيها" أنا الحق" ( ‪ )5‬هذه المقالة التي أعلن فيها – كما ذكر‬
‫الدكتور‪ /‬محمد مصطفي حلمي‪ -‬اتحاده بالذات اإللهية‪ ،‬زعم أنه أصبح وهذه الذات شيئا ً واحداً ( ‪ ،)6‬ومما قال شعراً في‬
‫عقيدته ‪:‬‬
‫أنا من أهوي‪ ،‬ومن أهوي أنا ‪ ..‬نحن روحان حللنا بدنا‬
‫فإذا أبصرتني أبصرتـــه ‪ ..‬وإذا أبصرته أبصرتنا ( ‪. )7‬‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫مزجت روحك في روحي ‪ ،‬كما ‪ ..‬تمزج الخمرة في الماء الزالل‬
‫فــــإذا مسـك شئ مسنـي ‪ ..‬فإذا أنت أنا في كل حـــال ( ‪. )8‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫أنت بين الشغاف والقلب تجري ‪ ..‬مثل جري الدموع في األجفان‬
‫وتحل الضمير جــوف فؤادي ‪ ..‬كحلول األرواح في األبـدان ( ‪. )9‬‬
‫تلك األقوال التي وصفها د‪/‬أبو العال عفيفي‪ ،‬أنها أقوال جريئة‪ ،‬جرت علي لسان صوفي مسلم ( ‪ ،)10‬ويقطع د‪ /‬أبو الوفا‬
‫التفت ازاني‪ :‬أن الحالج صرح فيها بلفظ الحلول‪ ،‬ويعني به حلول الطبيعة اإللهية في الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬أو تعبير آخر‬
‫اصطالحي عنده‪ ،‬حلول الالهوت في الناسوت ( ‪ ،)11‬ثم قال‪ :‬ويتضمن الحلول عند الحالج‪ :‬فناء اإلرادة اإلنسانية تماما ً‬
‫في اإلرادة اإللهية‪ ،‬بحيث يصبح كل فعل صادر عن اإلنسان صادراً عن الله‪ ،‬فاإلنسان عنده " كما ال يملك أصل فعله‪،‬‬
‫كذلك ال يملك فعله" ( ‪. )12‬‬
‫ولكن مع ذلك يبدو في مذهب الحالج في الحلول تناقض أو تردد‪ ،‬فهو – أحيانا ً – يقول بالحلول مع االمتزاج ـ كما مرـ‬
‫‪ ،‬وأحيانا ً أخري ينفي االمتزاج‪ ،‬ويعلن التنزيه صراحة‪ ،‬وهذا في م ثل قولــه‪ " :‬من ظن أن اإللهية تمتزج بالبشرية‪،‬‬
‫والبشرية باإللهية‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬فإن الله تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم‪ ،‬وال يشبههم بوجه من الوجوه‪ ،‬وال‬
‫يشبهونه" ( ‪ ، )13‬ومن أقواله المنزهة لله ـ تعالي ـ عن الحلول في األجسام قوله‪ " :‬ألزم الكل الحدث ‪ ،‬ألن القدم له‪ ،‬فالذي‬

‫(‪ )1‬هو محمد بن عبد الله بن ممشاذ يعرف بالقنديل ت ‪356‬هـ أو ‪ 341‬هـ ‪ ،‬انظر أبو نعيم األصبهاني‪ ،‬تاريخ أصبهان ‪ ،249 /2‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1511‬هـ ‪ 1661 -‬م ‪ ،‬تحقيق‪ /‬سيد كسروي حسن ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مدينة كثيرة الزروع والثمار‪ ،‬بينها وبين همذان نيف وعشرون فرسخا‪ ،‬انظر ياقوت الحموي ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ، 454 /2‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يقول القشيري‪ :‬ما يكون من قبل الحق من إبداء معان وإسداء لطف وإحسان فهو جمع ‪ ،‬أي من أشهده الحق سبحانه ما ي وليه من أفعال نفسه فهو عبد يشاهد الجمع ‪ ،‬انظر الرسالة ا لقشيرية ص‬
‫‪ 621‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الخطيب البغدادي ‪ ،‬تاريخ بغداد ‪ ، 124 /2‬وسير أعالم النبالء ‪ ،324 /15‬وشذرات الذهب ‪. 244 /2‬‬
‫(‪ )4‬الحسين بن منصور الحالج‪ ،‬الطواسين ص ‪ ، 35‬مكتبة الكليات األزهرية بالقاهرة‪ ،‬تحقيق‪ /‬محيي الدين الطعمي ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬د‪ /‬محمد مصطفي حلمي‪ ،‬الحياة الروحية في اإلسالم ص ‪132 ،134‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ بغداد ‪ ، 114 /2‬وابن كثير – البداية والنهاية ‪. 133 /11‬‬ ‫(‪ )4‬مرآة الجنان ‪ ،244 /2‬ووفيات األعيان ‪. 151 /2‬‬
‫(‪ )6‬أبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬طبقات الصوفية ص ‪. 232‬‬
‫(‪ )11‬التصوف الثورة الروحية في اإلسالم ص ‪ ،153‬دار المعارف ‪ ،‬مصر ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )11‬د ‪ /‬أبو الوفا التفتازاني‪ ،‬مدخل إلي التصوف ص ‪. 124‬‬
‫(‪ )12‬المصدر السابق ‪ ،‬من نفس الموضع‪ ،‬وطبقات الصوفية ص ‪. 236‬‬
‫(‪ )13‬ماسينيون ‪ ،‬أخبار الحالج ص ‪ ، 22‬نقالً عن مدخل إلي التصوف ص ‪ ، 122‬وانظر الرازي‪ ،‬ذكر الفرق التي غلطت في اإلباحة‬
‫والحلول واالتحاد والتجسيم ‪ ،‬ص ‪ ،21‬هامش ‪. 11‬‬
‫‪334‬‬
‫بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه ( ‪ ،)1‬ومن أحسن ما يحمل عليه هذا الكالم‪ :‬أن قائله أراد به إبطال مذهب االتحاد‬
‫والحلول‪ ،‬وظهور الالهوت في الناسوت‪ ،‬وأن الرب سبحانه – ليس حاالً في شئ من المخلوقات‪ ،‬وال يظهر في شئ من‬
‫األجسام المصنوعات‪ ،‬فقوله " ألزم الكل الحدث" أي جعله الزما ً لهم‪ ،‬ال يفارقهم ‪ ،‬فال يصير المحدث قديما ً ( ‪. )2‬‬
‫وهكذا اختلفت األقوال عنه‪ ،‬فهو هنا ينظر إلي الالهوت والناسوت‪ ،‬أو الرب والعبد‪ ،‬أو المحب والمحبوب‪ ،‬علي أنهما‬
‫شيئان متمايزان في ذاتهما وحقيقتهما ‪ ،‬بقدر ما كان هناك حلوليا ً واتحاديا ً معا ً ‪ ،‬يري أن الذات اإللهية يمكن أن تحل في‬
‫الذات اإلنسانية علي وجه تمتزج فيه الذاتان‪ ،‬بحيث تصيران ذاتا ً واحدة‪ ،‬ومع ذلك فإنه حاول بعض العلماء رفع هذا‬
‫التناقض‪ ،‬فقال‪ :‬الحالج حلولي‪ ،‬وحلولي صريح في أغلب نواحي مذهبه‪ ،‬يري أن الالهوت يمكن أن يحل في الناسوت‬
‫إذا تهيأ لهذا األخير حظ من الفناء النفسي‪ ،‬والصفاء الروحي‪ ،‬وهنالك يصدر اإلنسان في أفعاله عن اإلرادة اإللهية‪ ،‬ال‬
‫عن إرادته اإلنسانية‪ ،‬دون أن يترتب علي ذلك أن يكون اإلنسان عين الله‪ ،‬أو أن يكون الله عين اإلنسان ( ‪ ،)3‬وعلـى‬
‫ذلك يري د‪ /‬التفتازاني ـ أن الحلول عند الحالج مجازي ‪ ،‬وليس حقيقيا ً ‪ ،‬ألنه مجرد شعور نفسي يتم في حال الفناء في‬
‫الله‪ ،‬وبناء علي ذلك فقول الحالج بالحلول ثمرة وجد صوفي ال غير‪ ،‬أي نطقه بالحلول كان نتيجة الفناء‪ ،‬وهذا أمر ال‬
‫إرادة فيه ( ‪. )4‬‬
‫وتلك محاولة من التفتازاني" أن يبرئ " الحالج" من قوله بالحلول‪ ،‬وإيجاد معاذير ألقواله والتماس تأويالت لحالته‬
‫ً‬
‫النفسية أثناء نطقه بهذه الكلمات التي أعدم بسببها ‪ ،‬ولعل حادي تلك المحاولة في ظني حسن الظن به‪ ،‬بل وإن كثيرا من‬
‫المتأخرين نسج علي نفس المنوال‪ ،‬واقتفي ذات األثر ‪ ،‬حتى جعله بعضهم " شهيد التصوف اإلسالمي"‪ ،‬ولكن لعل ابن‬
‫خلدون ( ‪ )5‬أصاب ك بد الحقيقة حين قال‪ :‬وأما األلفاظ الموهمة التي يعبرون عنها بالشطحات‪ ،‬ويؤاخذهم بها أهل الشرع‪،‬‬
‫فاعلم أن اإلنصاف في شأن القوم أنهم أهل غيبة عن الحس ‪ ،‬والواردات تملكهم‪ ،‬حتى ينطقوا عنها بما ال يقصدونه ‪،‬‬
‫فمن علم منهم فضله حمل علي القصد الجميل ‪ ،‬كما وقع ألبي يزيد وأمثاله‪ ،‬ومن لم يعلم فضله فمؤاخذ بما صدر عنه ‪..‬‬
‫وأما من تكلم بمثلها وهو حاضر ولم يملكه الحال فمؤاخذ أيضاً‪،‬ولهذا أفتى الفقهاء وأكابر المتصوفة بقتل الحالج‪ ،‬ألنه‬
‫تكلم في حضور ‪ ،‬وهو مالك لحاله ( ‪ ،)6‬ومع ذلك فإني كنت ذكرت سابقا ً أن الحالج ورد عنه الشيء وضده‪ ،‬لكون محله‬
‫أقبل لذلك من غيره‪ ،‬لذا فإني أفوض أمره إلى الله‪ ،‬إن الله بصير بالعباد ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫موقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج‬
‫إذا كان جمهور الصوفية المتأخرين يمجدون الحالج‪ ،‬ويشيدون بذكره‪ ،‬ألنه كان في نظرهم – كما رأي نيكلسون ( ‪ )7‬ـ‬
‫الشهيد الذي لقي حتفه من أجل إباحته بسر ربه‪ ،‬وينكرون أنه قال بالحلول‪ ،‬ويؤولون كالمه تأويالً يتفق وعقيدة التوحيد‬
‫اإلسالمية ( ‪ ،)8‬أو يجعلون قتله ألمور سياسية ( ‪ ،)9‬فإنه مما ال ريب فيه أن شيوخ بغداد من الصوفية كانوا أعلم بحاله من‬
‫غيرهم‪ ،‬يقول السلمي‪ " :‬والمشايخ في أمره مختلفون‪ ،‬رده أك ثر المشايخ‪ ،‬ونفوه‪ ،‬وأبوا أن يكون له قدم في التصوف ‪،‬‬
‫وقبله من جملتهم أبو العباس بن عطاء( ‪ ،)10‬وأبو عبد الله محمد بن خفيف ( ‪ ،)1‬وأبو القاسم‪ ،‬إبراهيم بن محمد النصر‬

‫(‪ )1‬الرسالة القشيرية ص ‪. 24‬‬


‫(‪ )2‬أحمد بن تيمية االستقامة ‪ ، 116 /1‬جامعة اإلمام محمد بن سعود ‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1513‬هـ تحقيق د‪ /‬محمد رشاد سالم ‪ ،‬وال تتعجب من شرح شيخ‬
‫اإلسالم لكالم الحالج علي هذا الوجه ‪ ،‬مع قناعته التامة بكفر ا لحالج‪ ،‬ألنه ممن يري أن الحالج ورد عنه الشئ وضده لكون محله أقبل لذلك من غي ره ‪ ،‬انظر المصدر‬
‫السابق من نفس الموضع ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحياة الروحية في اإلسالم ص ‪. 152‬‬
‫(‪ )5‬مدخل إلي التصوف ص ‪ ، 126 ، 122‬وهو نفس رأي السيوطي في الحاوي للفتاوي ‪. 123 /2‬‬
‫(‪ )4‬هو عبد الرحمن بن محم د بن خلدون ‪ ،‬مؤسس علم االجتماع ‪ ،‬المولود بتونس سنة ‪432‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )9‬عبد الرحمن بن محمد بن خلدون – المقدمة ‪ ، 544 /1‬دار القلم – بيروت ط‪ 4‬ـ سنة ‪. 1625‬‬
‫(‪ )4‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في التصوف اإلسالمي وتاريخه ص ‪ ، 134 ،135‬ترجمة د‪ /‬أبو العال عفيفي ‪.‬‬
‫(‪ )6‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المنقذ من الضالل مع أبحاث التصوف للدكتور‪ /‬عبد الحليم محمود ‪ ،‬ص ‪. 249‬‬
‫(‪ )11‬هو أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء اآلدمي‪ ،‬من أقران الجنيد ت ‪ 316‬هـ ‪ ،‬انظر أبو البركات عبد الرحمن الحامي‬
‫‪ ،‬نفحات‪ /‬األنس من حضرات القدس ص ‪ ، 564 ،565 ،563 ،562‬مطبوعات األزهر الشريف سنة ‪ 1516‬هـ ‪1626 ،‬م ‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫أباذي ( ‪ ،)2‬وأثنوا عليه ( ‪ ،)3‬والذين نفوه من الصوفية ال شك أنهم " نسبوه إلي الزندقة في عقيدته" ( ‪ ،)4‬وقد تنبأ " الجنيد"‬
‫سيد الطائفة في القرن الثالث الهجري‪ ،‬بما آل الحالج إليه من تلك القتلة الشنيعة ‪ ،‬فقال له مرة‪ " :‬إنك فتحت في اإلسالم‬
‫ثغرة ال يسدها إال رأسك" ( ‪ ، )5‬ومر الحالج مرة عليه فقال له‪ :‬أنا الحق‪ ،‬فقال له الجنيد‪ :‬أي خشبة تقصد‪ ،‬فتحقق فيه ما‬
‫قال الجنيد‪ ،‬ألنه صلب بعد ذلك ( ‪. )6‬‬
‫ومن شيوخ الصوفية من كان يلعنه مثل عمرو بن عثمان المكي‪ ،‬الذي كان يقول‪ :‬لو قدرت عليه لقتلته بيدي ‪ ،‬فقيل‪ :‬إيش‬
‫وجد الشيخ عليه‪ ،‬فقال‪ :‬قرأت آية من كتاب الله‪ ،‬فقال‪ :‬يمكنني أن أؤلف مثله" ( ‪.)7‬‬
‫وذكر القشيري وابن عربي والشعراني أن عمرو بن عثمان المكي رأي الحسين بن منصور يكتب شيئاً‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ ‪،‬‬
‫قال‪ :‬هو ذا أعارض القرآن‪ ،‬فدعا عليه وهجره‪ ،‬قال القشيري‪ ،‬قال الشيوخ‪ :‬إن ما حل به بعد طول المدة‪ ،‬كان لدعاء‬
‫ذلك الشيخ عليه ( ‪ ،)8‬وكتب عمرو بن عثمان‪ ،‬إلي اآلفاق كتبا ً كثيرة يلعنه فيها ويحذر الناس منه ( ‪ ،)9‬ومن شيوخ بغداد‬
‫من كفره مثل أبي يعقوب األقطع ( ‪ ،)10‬الذي زوجه ابنته – وجعفر الخلدي ( ‪ ،)11‬حيث قاال‪ :‬الحالج كافر خبيث ( ‪،)12‬‬
‫وقال أبو يعقوب األقطع‪ :‬زوجت ابنتي من الحالج‪ ،‬لما رأيت من حسن طريقته‪ ،‬فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر‬
‫محتال خبيث كافر ( ‪ ،)13‬وقال أبو محمد الجريري ( ‪:)14‬هذا كافر يقتل ( ‪،)15‬وعرض علي الشبلي( ‪ )16‬بعض ما كتب‬
‫فقال‪:‬من يقول هذا يمنع ( ‪ ،)17‬وتكلم النهرجوري ( ‪ ،)18‬فيه وقال‪ :‬إنه مخدوم من الجن ( ‪ ،)19‬وقال عنه إبراهيم بن شيبان‬
‫( ‪ : )20‬من أراد أن ينظر إلي ثمرات الدعاوي الفاسدة فلينظر إلي الحالج وإلي ما صار إليه ( ‪ ،)21‬وإن ذلك الموقف‬
‫المتشدد ضد الفكر الحالجي ما كان من شيوخ بغداد المعاصرين فحسب‪ ،‬وإنما ظل علي تواص وتواصل به بعض‬

‫(‪ )1‬اسمه محمد بن خفيف ت ‪341‬هـ ‪ ،‬انظر طبقات الصوفية ص ‪. 354‬‬


‫(‪ )2‬شيخ خراسان في وقته ت ‪ 396‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 114‬‬
‫(‪ )11‬ابن كثير البداية والنهاية ‪. 132 /11‬‬ ‫(‪ )3‬طبقات الصوفية ص ‪. 239‬‬
‫(‪ )4‬ماسينيون‪ ،‬أخبار الحالج عن الفلسفة الصوفية في اإلسالم ‪ ،‬د‪ /‬عبد القادر محمود ص ‪ ،341‬دار الفكر العربي‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )9‬الفرق بين الفرق ‪ ، 252 ،254‬وتاريخ بغداد ‪. 112 /2‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ بغداد ‪ ،121 /2‬شذرات الذهب ‪ ،245 /2‬البداية والنهاية ‪ ،154 /11‬سير أعالم النبالء ‪. 326 /15‬‬
‫(‪ )2‬الرسالة القشيرية ص ‪ ، 356‬محيي الدين ابن عربي‪ ،‬الفتوحات المكية ‪ ،51 ، 21 /3‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1‬سنة‬
‫(‪ )5‬تاريخ بغداد ‪ ،113 /2‬والبداية والنهاية ‪. 154 /11‬‬ ‫‪ 1512‬هـ ـ ‪1662‬م ‪ ،‬الطبقات الكبري للشعراني ‪. 49 /1‬‬
‫(‪ )11‬كان من صوفية البصرة‪ ،‬ثم انتقل إلي مكة فأقام بها‪ ،‬وكاتب الجن يد وراسله من مكة ‪ ،‬انظر عبد الرحمن الجامي‪ ،‬نفحات األنس من حضرات القدس ص ‪، 544 ،549‬‬
‫‪. 542‬‬
‫(‪ )11‬هو جعفر بن محمد بن نصير‪ ،‬أبو محمد الخواص‪ ،‬بغدادي المنشأ والمولد ت ‪ 352‬هـ ‪ ،‬انظر طبقات السلمي ص ‪. 329‬‬
‫(‪ )12‬عريب بن سعد القرطبي‪ ،‬صلة تاريخ الطبري ص ‪ ،45‬منشورات مؤسسة األعلمي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )13‬نفس المصدر السابق ص ‪ ، 42‬وتاريخ بغداد ‪ ،121 /2‬وشذرات الذهب ‪. 245 /2‬‬
‫(‪ )15‬اسمه أحمد بن محمد بن الحسين‪ ،‬هو من علماء ومشايخ القوم ‪ ،‬ت ‪312‬هـ ‪ ،‬انظر نفحات األنس ‪. 529‬‬
‫(‪ )14‬سير أعالم النبالء ‪. 324 /15‬‬
‫(‪ )19‬اسمه دلف بن جحدر الشبلي‪ ،‬بغدادي المولد والمنشأ ‪ ،‬ت ‪335‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 113‬‬
‫(‪ )14‬تاريخ بغداد ‪. 122 /2‬‬
‫(‪ )12‬اسمه إسحاق بن محمد‪ ،‬أقام بالحرم سنين كثيرة مجاوراً وبه مات سنة ‪331‬هـ ‪ ،‬انظر طبقات الصوفية ص ‪. 229‬‬
‫(‪ )16‬تاريخ بغداد ‪. 129 /2‬‬
‫(‪ )21‬هو أبو اسحاق القرميسيني‪ ،‬كان شديداً علي المدعين‪ ،‬متمسكاً بالكتاب والسنة‪ ،‬ت ‪352‬هـ ‪ ،‬انظر طبقات الصوفية ص ‪. 313‬‬
‫(‪ )21‬تاريخ بغداد ‪. 121 /2‬‬
‫‪334‬‬
‫الشيوخ الكبار السائرين علي نفس نهج الجنيد وأمثاله ‪ ،‬فلم يعده " الكالباذي" ( ‪ )1‬في التعرف ضمن رجال الصوفية‪ ،‬ال‬
‫فيمن نطق بعلومهم وعبر عن مواجيدهم‪ ،‬وال فيمن نشر علومهم كتبا ً ورسائل‪ ،‬وال فيمن صنف في المعامالت‬
‫( ‪، )2‬وكذلك أغفل ذكره "القشيري" في شيوخ الصوفية الذين عددهم في رسالته( ‪ ،)3‬أما "أحمد الرفاعي" ( ‪ ،)4‬فقد أخطأ‬
‫صاحب الفلسفة الصوفية ( ‪ ، )5‬حين عده من الصوفية الذين توقفوا عن إبداء رأيهم في الحالج‪ ،‬ألنه قال في البرهان‬
‫المؤيد‪ " :‬ينقلون عن الحالج أنه قال‪ :‬أنا الحق‪ ،‬أخطأ بوهمه‪ ،‬لو كان علي الحق ما قال أنا الحق‪ ،‬يذكرون له شعراً يوهم‬
‫الوحدة‪ ،‬كل ذلك ومثله باطل‪ ،‬ما أراه رجالً واصالً أبداً‪ ،‬ما أراه شرب‪ ،‬ما أراه حضر‪ ،‬ما أراه سمع رنة أو طنينا‪،‬‬
‫فأخذه الوهم من حال إلي حال" ( ‪ ،)6‬وقال أيضاً‪:‬لو كنت في زمن الحالج ألفتيت مع من أفتي بقتله إذا صح‬
‫الخبر‪،‬ولقنعت منه بالتوبة والرجوع إلي الله( ‪ ،)7‬وال تتعجب من مواقف بعض الصوفية من الحالج‪ ،‬إذ أنهم كانوا‬
‫أصحاب عقيدة سليمة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد بات من المعلوم لدي كافة المنصفين من العلماء سلفا وخلفا‪ ،‬صحة اعتقاد شيوخ التصوف‪ ،‬ورجاله المحققين‪ ،‬ألن‬
‫طريقهم ـ في األصل ـ مبني علي اتباع األحسن أبداً‪ ،‬فمن العقائد علي اتباع السلف‪ ،‬ومن األحكام علي الفقه‪ ،‬ومن‬
‫الفضائل علي مذهب المحدثين ( ‪ ،)8‬ويوضح تلك الحقيقة الغائبة عن البعض – اإلمام القشيري ( ‪ ،)9‬قائالً‪" :‬اعلموا رحمكم‬
‫الله أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم علي أصول صحيحة في التوحيد‪ ،‬صانوا بها عقائدهم عن البدع ‪ ،‬ودانوا‬
‫بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل وال تعطيل ( ‪ ،)10‬ويؤيد هذا الكالم رجل كان أضبط الناس ـ‬
‫في عصره ـ معرفة وبصراً بسنة رسول الله ‪ ‬وأقواله وأفعاله وقضاياه ووقائعه ( ‪ ،)11‬هو " ابن تيمية" ( ‪ )12‬الذي تتبع‬
‫عقائد الصوفية في جل مؤلفاته بالنقد تارة وبالثناء أخري‪ ،‬ولكنه قال عن كالم القشيري السابق‪ " :‬هذا كالم صحيح‪ ،‬فإن‬
‫كالم أئمة المشايخ الذي لهم في األمة لسان صدق‪ ،‬كانوا علي ما كان عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل‬
‫وال تعطيل" ( ‪ ، )13‬وقال في موضع آخر‪ " :‬والشيوخ األكابر الذين ذكرهم " أبو عبد الرحمن السلمي " في طبقات‬
‫الصوفية‪" ،‬وأبو القاسم القشيري" في الرسالة‪ ،‬كانوا علي مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب أهل الحديث‪ ،‬كالفضيل بن‬
‫عياض ( ‪ ،)14‬والجنيد بن محمد‪ ،‬وسهل بن عبد الله التستري ( ‪ ،)1‬وعمرو بن عثمان المكي‪ ،‬وأبي عبد الله بن خفيف‬
‫الشيرازي وغيرهم ( ‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬هو محمد بن إبراهيم بن يعقوب الملقب بتاج الدين‪ ،‬من حفاظ الحديث ت ‪ 321‬هـ ‪ ،‬انظر مقدمة كتابه التعرف لمذهب أهل‬
‫التصوف ص ‪ – 12‬المكتبة األزهرية للتراث ‪ ،‬القاهرة ط ‪ 3‬سنة ‪1512‬هـ ‪1662 -‬م‪ ،‬تحقيق‪ /‬محمود أمين النواوي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 114 :93‬‬ ‫(‪ )2‬انظر من المصدر السابق ص ‪. 55 : 35‬‬
‫(‪ )5‬هو أحمد بن أبي الحسين الرفاعي‪ ،‬سكن بأم عبيدة بأرض البطائح بالعراق إلي أن مات بها‪ ،‬انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق‬
‫وشرح أحوال القوم ت ‪442‬هـ ‪ ،‬انظر الطبقات الكبري للشعراني ‪. 121 /1‬‬
‫(‪ )4‬د‪ /‬عبد القادر محمود‪ ،‬الفلسفة الصوفية في اإلسالم ص ‪ ، 343‬دار الفكر العربي‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )9‬أحمد الرفاعي‪ ،‬البرهان المؤيد ص ‪ ، 39‬دار الكتاب النفيس – بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1612‬م ‪.‬تحقيق‪ /‬عبد الغني نكه مي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرسائل الصوفية‪ ،‬رسالة الشيخ أحمد الرفاعي إلي الشيخ عبد السميع الهاشمي ‪ ،‬الرسالة األولي‪ ،‬ص ‪ ، 11‬المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬سنة‬
‫‪1349‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أحمد زروق ‪ ،‬شرح حكم ابن عطاء الله ص ‪ ، 26‬تحقيق د‪ /‬عبد الحليم محمود‪ ،‬د‪ /‬محمود بن الشريف ‪ ،‬مكتبة النجاح ‪ ،‬ليبيا‪،‬‬
‫د‪.‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )11‬الرسالة القشيرية ص ‪. 22‬‬ ‫(‪ )6‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )11‬الحافظ أبو حفص عمر بن علي البزار‪ ،‬األعالم العلية في مناقب ابن تيمية ص ‪ ، 21‬تحقيق‪ /‬زهير الشاويش ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ، 3‬سنة ‪1511‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )12‬المتوفي سنة ‪ 422‬هـ ‪ ،‬وينظر المصدر السابق في سيرته ‪.‬‬
‫(‪ )13‬اإلمام أحمد بن تيمية ‪ ،‬االستقامة ‪.61 /1‬‬
‫(‪ )15‬هو الفضيل بن عياض بن مسعود ‪ ،‬خراساني األصل‪ ،‬من ناحية مرو‪ ،‬ت ‪124‬هـ ‪ ،‬انظر أبو نعيم األصبهاني ‪ ،‬حلية األولياء‬
‫وطبقات األصفياء ‪ ، 25 /2‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 5‬سنة ‪ 1514‬هـ ‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫وأن الشيوخ األكابر كانوا علي مذهب أهل السنة‪ ،‬ألن كالمهم يدورحول التسليم والتفويض‪،‬والتبري من النفس‪،‬والتوحيد‬
‫بالخلق والمشيئة‪،‬قال بذلك " اإلسفراييني" ( ‪ ،)3‬و" البغدادي" ( ‪ ،)4‬أما بدعة حلول الله في األجسام فكم حذر أئمة القوم من‬
‫ضالل هذه المقولة – كما رأي ذلك ابن تيمية ( ‪ )5‬والسيوطي ( ‪ )6‬وبينوا فسادها‪ ،‬ولننقل نصا "البن تيمية" فرق فيه بين‬
‫مشايخ التصوف الحقيقيين‪،‬وبين الحلولية فيهم‪ ،‬يقـــول‪ " :‬وأئمة الهدي الذين جعل الله – تعالي‪ -‬لهم لسان صدق في‬
‫األمة مثل سعيد بن المسيب ( ‪ ،)7‬والحسن البصري ( ‪ ،)8‬وعمر بن عبد العزيز ( ‪ ،)9‬ومالك بن أنس ( ‪ ،)10‬واألوزاعي ‪،‬‬
‫( ‪)11‬‬

‫وإبراهيم بن أدهم ( ‪ ،)12‬وسفيان الثوري ( ‪ ،)13‬والفضيل بن عياض ( ‪ ،)14‬ومعروف الكرخي ( ‪ ،)15‬والشافعي ( ‪ ،)16‬وأبي‬
‫سليمان ( ‪ ،)17‬وأحمد بن حنبل ( ‪ ،)18‬وبشر الحافي ( ‪ ،)19‬وعبد الله بن المبارك ( ‪ ،)20‬وشقيق البلخي ( ‪ ،)21‬ومن ال يحصي‬
‫كثرة‪ ،‬إلي مثل المتأخرين مثل الجنيد بن محمد القواريري ( ‪ ،)22‬وسهل بن عبد الله التستري ( ‪ ،)23‬وعمرو بن عثمان‬

‫(‪ )1‬أحد أئمة القوم ولم يكن له في وقته نظير في المعامالت والورع ت ‪223‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 44‬‬
‫(‪ )2‬أحمد بن تيمية‪ ،‬الصفدية ‪ ،294 /1‬تحقيق‪ /‬محمد رشاد سالم‪ ،‬دار الفضيلة ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬سنة ‪1521‬هـ ‪2111 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو األستاذ شهفور بن طاهر بن محمد االسفراييني ‪ ،‬أبو المظفر ‪ ،‬الفقيه ‪ ،‬األصولي ‪ ،‬المتكلم ت ‪541‬هـ ‪ ،‬انظر‪ ،‬السبكي ‪،‬‬
‫طبقات الشافعية ‪ ،11 /4‬هجر للطباعة والنشر ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1513‬هـ ‪ ،‬تحقيق د ‪ /‬محمود الطناحي ‪ ،‬د‪ /‬محمد الحلو ‪.‬‬
‫(‪ )5‬التبصير في الدين ص ‪ ،162‬وأصول الدين ألبي منصور البغدادي ‪ ،‬ص ‪ ، 314‬دار الكتب العلمية – بيروت ‪ ،‬لبنان ط‪ 3‬سنة‬
‫‪1511‬هـ ‪1621 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )4‬العقيدة األصفهانية ص ‪ – 145‬مكتبة الرشد – الرياض – ط‪ 1‬سنة ‪1514‬هـ ‪ -‬تحقيق ‪ /‬إبراهيم سعيداوي ‪.‬‬
‫(‪ )9‬الحاوي للفتاوي ‪. 123 /2‬‬
‫(‪ )4‬هو سعيد بن المسيب بن حزن‪ ،‬أفقه أهل الحجاز ‪ ،‬توفي بالمدينة سنة ‪65‬هـ ‪ ،‬انظر ابن قتيبة ‪ ،‬المعارف ص ‪ ،534‬دار المعارف‬
‫– القاهرة ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬ثروت عكاشه ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو الحسن بن أبي الحسن واسم أبيه يسار ‪ ،‬من زهاد البصرة وشيوخها ت ‪ 111‬هـ ‪ ،‬انظر لإلستزادة ‪ ،‬المصدر السابق ص ‪. 551 ،551‬‬
‫(‪ )6‬هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ‪ ،‬وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب‪ ،‬أحد خلفاء بني أمية‪ ،‬وكان زاهداً ورعا ‪ ،‬ت ‪111‬هـ ‪ ،‬انظر‬
‫سيرة عمر بن عبد العزيز ألبي محمد عبد الله بن عبد الحكم ‪ ،‬عالم الكتب بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪ 9‬سنة ‪1515‬هـ ‪ ،1622 -‬تحقيق ‪ /‬أحمد عبيد ‪.‬‬
‫(‪ )11‬هو مالك بن أنس بن مالك ‪ ،‬إمام دار الهجرة ‪ ،‬والمذهب المالكي ت ‪ 146‬هـ ودفن بالبقيع ‪ ،‬انظر المعارف ص ‪. 566‬‬
‫(‪ )11‬هو عبد الرحمن بن عمر‪ ،‬إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ت ‪144‬هـ ‪ ،‬انظر تاريخ اإلسالمي للذهبي ‪. 562 /6‬‬
‫(‪ )12‬هو إبراهيم بن أدهم بن منصور ‪ ،‬الزاهد‪ ،‬ت ‪192‬هـ ‪ ،‬انظر نفس المصدر السابق ‪ 53 /11‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(‪ )13‬هو سفيان بن سعيد بن مسروق ويكني أبا عبد الله ‪ ،‬مات بالبصرة ‪ ،‬سنة ‪191‬هـ ـ راجع المعارف البن قتيبة ص ‪. 564‬‬
‫(‪ )15‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )14‬هو أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي من كبار الصوفية ت ‪ 211‬وقيل ‪211‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 94‬‬
‫(‪ )19‬هو اإلمام محمد بن إدريس الشافعي صاحب مذهب الشافعية ت ‪215‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )14‬هو أبو سليمان الداراني من كبار الصوفية مات ‪214‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 46‬‬
‫(‪ )12‬هو إمام أهل السنة والجماعة أبو عبد الله ت ‪251‬هـ ‪.‬‬
‫(‪ )16‬أصله من مرو وسكن بغداد وتوفي بها سنة ‪224‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 41‬‬
‫(‪ )21‬يكني أبا عبد الرحمن من أهل مرو من كبار الصلحاء والزهاد والعباد‪ ،‬ت ‪121‬هـ ‪ ،‬انظر المعارف ص ‪. 411‬‬
‫(‪ )21‬هو أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي ‪ ،‬من مشايخ خراسان ‪ ،‬انظر عنه الرسالة القشيرية ص ‪. 49 :45‬‬
‫(‪ )19‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫(‪ )22‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫المكي ( ‪ ،)1‬ومن بعدهم‪ ،‬إلي أبي طالب المكي ( ‪ ،)2‬إلي مثل الشيخ عبد القادر الجيالني ( ‪ ،)3‬وأمثال هؤالء المشايخ الذين‬
‫كانوا بالحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب وخراسان من األولين واآلخرين‪ ،‬كل هؤالء متفقون علي تكفير هؤالء‬
‫( أي من قال بالحلول) وإن الله – سبحانه – ليس هو خلقه وال جزأ من خلقه‪ ،‬وال صفة لخلقه ‪ ،‬بل هو سبحانه مميز‬
‫بنفسه المقدسة ‪ ،‬بائن بذاته المعظمة عن مخلوقاته‪ ،‬وبذلك جاءت الكتب األربعة اإللهية من التوراة واإلنجيل والزبور‬
‫والقرآن ‪ ،‬وعليه فطر الله عباده ‪ ،‬ودلت عليه العقول ( ‪. )4‬‬
‫وقد رد " ابن القيم " ( ‪ )5‬علي الجهمية في مواطن عدي دة من مصنفاته‪ ،‬ولكنه في مصنفه " اجتماع الجيوش اإلسالمية‬
‫علي غزو المعطلة والجهمية" لم ينس جيش الزهاد وأكابر الصوفية في الوقوف ضد هؤالء ‪ ،‬فذكر لنا أقوال أئمة الزهاد‬
‫والصوفية في أوقاتهم مثل مالك بن دينار ( ‪ ،)6‬وبشر الحافي ( ‪ ،)7‬وذي النون المصري ( ‪،)8‬وأبي طالب المكي ( ‪،)9‬وعبد‬
‫القادر الجيالني ( ‪ ،)10‬وأبي عبد الله بن خفيف الشيرازي ( ‪ ،)11‬وأبي إسماعيل عبد الله الهروي ( ‪ ،)12‬والمحاسبي ( ‪،)13‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬مستشهداً بأقوالهم في بيان ما اجتمعت عليه األمة من السنن ‪ ،‬وأن خالفها بدعة ‪ ،‬أورد ابن القيم تلك الشواهد‬
‫المتعددة التي يدلل بها علي أن شيوخ القوم لم يكونوا من الحلولية‪ ،‬بل كانوا في معسكر أهل السنة – في باب " أقوال‬
‫الزهاد والصوفية أهل االتباع وسلفهم ( ‪. " )14‬‬
‫ولوال خوف اإلطالة لذكرت جميع تلك األقوال‪ ،‬ولكني سأكتفي منها بقولين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قال الحارث المحاسبي‪:‬وأما قوله تعالي‪   :‬‬
‫‪(   ‬سورة طه‪،‬اآلية‪ ،)5:‬وقوله ‪   ‬‬
‫‪(       ‬سورة‬
‫األنعام‪،‬اآلية‪ )18:‬وقوله‪      :‬‬
‫‪ ( "      ‬سورة‬
‫الملك‪،‬اآلية‪ )16:‬وقوله‪ :‬ﮋﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ، 42 :‬فهذه وغيرها توجب أنه فوق العرش‪ ،‬فوق‬
‫األشياء كلها‪ ،‬متنزه عن الدخول في خلقه‪ ،‬ال يخفي عليه منهم خافية ( ‪. )15‬‬
‫‪ 2‬ـ وقال معمر بن أحمد األصبهاني شيخ الصوفية أواخر المائة الرابعة‪:‬أحببت أن أوصي أصحابي‪ ،‬بوصية من‬
‫السنة وموعظة من الحكمة‪،‬وأجمع ما كان عليه أهل الحديث واألثر وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين‬
‫والمتأخرين‪ ،‬قال فيها‪ :‬وإن الله استوي علي عرشه‪ ،‬بال كيف وال تشبيه وال تأويل‪ ،‬واالستواء معقول‪ ،‬والكيف‬

‫(‪ )1‬سبقت ترجمته ‪.‬‬


‫(‪ )2‬هو محمد بن علي بن عطية ‪ ،‬صاحب قوت القلوب ت ‪329‬هـ ‪ ،‬انظر نفحات األنس ص ‪. 511 ،511‬‬
‫(‪ )3‬هو عبد القادر بن موسي بن عبد الله ت ‪491‬هـ ‪ ،‬انظر عنه الطبقات الكبري للشعراني ‪. 116 ،112 /1‬‬
‫(‪ )5‬أحمد بن تيمية – مجموعة الرسائل والمسائل ‪ ، 129 /1‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1513‬هـ ‪1623 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو شمس الدي ن ‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ابن قيم الجوزية الحنبلي‪ ،‬كان واسع العلم‪ ،‬جرئ الجنان ‪ ،‬عارفا بالخالف ‪ ،‬ومذاهب السلف ت ‪ 444‬هـ ‪ ،‬انظر ابن‬
‫حجر العسقالني‪ ،‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ‪ ، 132 /4‬مجلس دائرة المعارف العثمانية ‪ ،‬الهند ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1362‬هـ ‪ 1642 -‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬محمد عبد المعيد ضان ‪.‬‬
‫(‪ )9‬الزاهد ‪ ،‬الذي كان لشهوات الدنيا تاركاً ‪ ،‬وللنفس عن غلبتها مالكاً ت ‪123‬هـ وقيل غير ذلك ‪ ،‬انظر الحلية ‪. 344 /2‬‬
‫(‪ )4‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو ذو النون بن إبراهيم المصري‪ ،‬ت ‪254‬هـ ‪ ،‬انظر طبقات الصوفية ص ‪. 24‬‬
‫(‪ )9‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫(‪ )6‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )11‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )12‬هو عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر‪ ،‬أبو إسماعيل األنصاري ‪ ،‬الهروي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬ت ‪521‬هـ ‪ ،‬انظر نفحات األنس ص ‪ 5‬هامش (ب) ‪.‬‬
‫(‪ )13‬هو أبو عبدالله ‪ ،‬الحارث بن أسد المحاسبي‪ ،‬مات ببغداد سنة ‪253‬هـ ‪ ،‬انظر الرسالة القشيرية ص ‪. 42‬‬
‫(‪ )15‬شمس الدين ابن قيم الجوزية ‪ ،‬اجتماع الجيوش ا ٍإلسالمية ص ‪ ، 144 : 196‬دار الكتب العلمية – بيروت ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1515‬هـ ‪1625 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )14‬اجتماع الجيوش اإلسالمية البن القيم ص ‪. 142‬‬
‫‪344‬‬
‫مجهول‪ ،‬وأنه – ‪ -‬بائن من خلقه‪ ،‬والخلق بائنون من ه‪ ،‬بال حلول وال ممازجة ‪ ،‬وال اختالط وال مالصقة ( ‪. )1‬‬
‫وهذا يوضح أن المشايخ الذين يقتدي بهم في الدين ‪ ،‬متفقون في أصول الديانة علي ما اتفق عليه سلف األمة وأئمتها ‪،‬‬
‫من أن الخالق – سبحانه مباين للمخلوقات‪ ،‬وأنه علي عرشه استوي‪ ،‬فال هو في الخلق‪ ،‬وال هم فيه‪ ،‬وكيف يحل القديم‬
‫في الحادث‪ ،‬والقادر في العاجز‪ ،‬والذي ليس كمثله شئ في الذي له مثل ونظير وشبيه وند‪ ،‬كيف يحل الباقي في الفاني‪،‬‬
‫والذي وسع كرسيه السموات واألرض في الذي ال يملك شيئا ً في السموات واألرض‪ ،‬تعالي ربي عما يقول الظالمون‬
‫علواً كبيراً‪ ،‬وتنزه شيوخ التصوف أن يفتروا علي الله كذبا ً ‪.‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫نقد عقيدة الحلول في فكر أئمة التصوف‬
‫بعد أن بينا نقاء عقيدة الشيوخ الكبار وصفاء عبادتهم‪ ،‬وذلك بشهادة أقطاب أئمة السلفية مثل ابن تيمية وابن القيم‬
‫رحمهما الله‪ ،‬بقي أن نوضح إعالن براءتهم – كذلك – ممن يقول بفكرة تناقض عقيدتهم المستقيمة‪ ،‬وال شك أن الخبل‬
‫الواضح في فكرة الحلول‪ ،‬حلول الله عز وجل في العنصر اإلنساني‪ ،‬يتنافي تنافيا ً كامالً مع التوحيد الذي جاء به رسل‬
‫الله جميعاً‪ ،‬لذلك فهي عقيدة باطلة شرعا ً وعقالً ‪ ،‬وقد وضح أئمة التصوف بطالنها – كما يلي ‪: -‬‬
‫نقد الطوسي والهجويري والسلمي ‪:‬‬
‫ً‬
‫سابق الصوفية قاطبة في نقد مذهب الحلولية من الصوفية كتابة وتأليفا هو بال شك " الطوسي"‪ ،‬انتقد زعمهم بشدة‬
‫وعنف‪ ،‬بالدالئل والبراهين‪ ،‬العقلية والنقلية‪ ،‬وهم غالطون في نظره‪ ،‬بل هم ضالل وكفرة‪ ،‬يقول الشيخ‪ " :‬بلغني أن‬
‫جماعة من الحلولية زعموا أن الحق – تعالي‪ -‬ذكره – اصطفي أجساما ً ‪ ،‬حل فيها بمعاني الربوبية‪ ،‬وأزال عنها معاني‬
‫البشرية‪ ،‬فإن صح عن أحد أنه قال هذه المقالة فقد غلط في ذلك‪ ،‬وذهب عليه أن الشئ في الشئ مجانس للشئ الذي حل‬
‫فيه ( ‪ ،)2‬وهنا يقرر دليالً علي بطالن الحلول‪ ،‬وهو أن الحال البد أن يكون مجانسا ً للشئ يعني للمحل الذي حل فيه ‪،‬‬
‫وهل هناك تجانس بين الله وخلقه‪ ،‬حتى يصح حلوله – تعالي – في ذواتهم ؟! الله – تعالي‪ ( -‬بائن من األشياء‪،‬‬
‫واألشياء بائنة منه بصفاتها) ( ‪ ،)3‬فأوصاف الحق ‪ ،‬تختلف عن صفات الخلق‪ ،‬وصدق الطوسي حينما قال‪ " :‬والله –‬
‫تعالي ‪ -‬موصوف بما وصف به نفسه‪      :‬‬
‫‪()4 (    ‬سورة الشوري‪،‬اآلية‪ ، )11:‬وهذا هو السبب –‬
‫في غلط من غلط بهذه المقالة السوء‪ ،‬غلط ألنه غفل عن الفروق التي بين الله – تعالي‪ -‬وعباده " والذي غلط في الحلول‬
‫غلط ‪ ،‬ألنه لم يحسن أن يميز بين أوصاف الحق وبين أوصاف الخلق‪ ،‬ألن الله – تعالي‪ -‬ال يحل في القلوب‪ ،‬وإنما يحل‬
‫في القلوب اإليمان به ‪ ،‬والتصديق له‪ ،‬والتوحيد والمعرفة‪ ،‬وهذه أوصاف مصنوعاته من جهة صنع الله بهم‪ ،‬ال هو‬
‫بذاته أو بصفاته يحل فيهم‪ ،‬تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً " ( ‪. )5‬‬
‫ثم حكم بالحكم الشرعي علي الحلولية‪ ،‬وعلي كل من اجترأ علي هذه المقولة الفاسدة قائالً‪ " :‬فمن صح عنه شئ من هذه‬
‫المقوالت فهو ضال بإجماع األمة ‪ ،‬كافر يلزمه الكفر فيما أشار إليه" ( ‪. )6‬‬
‫وقد لعنهم " الهجويري" قائالً" وأما الحلولية‪ ،‬لعنهم الله ‪ ،‬قال تعالي ‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ (    ‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪ ،)32 :‬وهم عنده من الطوائف المطرودة ( ‪ )7‬التي تنتمي إلي هذه‬
‫الطائفة‪ ،‬بل قال‪ " :‬كل قائل مقالة تخالف التوحيد والتحقيق‪ ،‬ليس له من الدين أي نصيب‪ ،‬وحين يكون أصل الدين غير‬
‫مستحكم ‪ ،‬فاألولي أن يكون التصوف – وهو نتيجة وفرع – مختال ‪ ،‬ألن إظهار الكرامات‪ ،‬وكشف اآليات‪ ،‬ال يكون إال‬
‫علي أهل الدين والتوحيد ( ‪ ،)8‬ولما كان أصل كالم الحلوليين بعامة مبنيا ً علي قاعدة أن الروح قديمة ويسمونها روح اإلله‬
‫الذي لم يزل‪ ،‬وهي تنتقل من شخص إلي شخص‪ ،‬ويعبدونها‪ ،‬أفاض بالكالم عن الروح وماهيتها ‪ ،‬وبين فساد أدلتهم ‪.‬‬

‫(‪ )1‬نفس المصدر ص ‪ ، 145‬وانظر البن قيم‪ ،‬الصواعق المرسلة علي الجهمية والمعطلة ‪ – 1261 /5‬دار العاصمة – الرياض – ط‪ ،3‬سنة ‪1512‬هـ ‪1662 -‬م‬
‫– تحقيق د‪ /‬علي بن محمد الدخيل‪ ،‬وانظر البن تيمية‪ ،‬االستقامة ‪ ،192 /1‬وله أيضاً مجموعة الفتاوي ‪ ،51 /4‬وكذلك درء التعارض ‪. 249 /9‬‬
‫(‪ )2‬اللمع ص ‪. 342‬‬
‫(‪ )3‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬
‫(‪ )5‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬
‫(‪ )3‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬
‫(‪ )4‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬كشف المحجوب ‪. 411 /2‬‬
‫‪342‬‬
‫أما السلمي ( ‪ )1‬فإنه عقد فصال في الرد علي القائلين بالحلول‪ ،‬وهو ينفي وجود حلولي واحد من بين شيوخ القوم الكبار‬
‫الذين يشار إليهم بالبنان‪ ،‬ويقتدي بهم في األقوال واألفعال‪ ،‬وتلك عبارته التي بدأها بصيغة النفي يقول فيها‪ " :‬ما قال‬
‫بالحلول أحد من أئمة القوم ومشايخهم ومن يرجع منهم إلي دين" ( ‪ )2‬ثم نقل لنا بعض أقوال الشيوخ استدالالً بها علي ما‬
‫رأي‪ ،‬فنقل كالم " الجنيد" سيد القوم‪ ،‬الذي يقول‪ :‬اعلموا – رحمكم الله – أن الحق سبحانه – ال يوصف بالحلول في‬
‫األمكنة‪ ،‬وال ينعت بمرور األزمنة ‪ ،‬كان الحق – تعالي‪ -‬وال شئ موجود‪ ،‬وال شخص معبود‪ ،‬فكيف يصير بحالة كان‬
‫في األزل عنها غنياً‪ ،‬وكيف ينتقل بانتقال الفناء ـ جل وتعالي ـ أن يوصف بشئ من هذه العلل ( ‪ ،)3‬وكالم ذي النون‬
‫المصري ( ‪ : )4‬الحلول ال يلحق األغيار المخترعة والهياكل المبتدعة‪ ،‬وكيف يحوي الحق مكان أو يضمه أوان‪ ،‬وال مكان‬
‫‪ ،‬وال أوان ‪ ،‬وال زمان – جل وتعالي‪ -‬عن ذلك ( ‪ ،)5‬إلي آخر ما نقل السلمي من أقوال تدل علي أن عقيدة الحلول لم تكن‬
‫عقيدة ألئمة القوم يوما ً ما ‪ ،‬وإنما أطلق هذا القول قوم ليس لهم في التصوف قدم ‪ ،‬وال لهم مع مشايخهم ذكر ( ‪.)6‬‬
‫نقــــد الغزالـــي‪:‬‬
‫لكي يثبت الغزالي بطالن فكرة الحلول ‪ ،‬ويخر بالسقف علي أصحابها من فوقهم‪ ،‬اعتمد علي ما يقرره العقل ‪ ،‬ألن‬
‫العقل الصريح السليم‪ ،‬كالميزان مع الكتاب والسنة‪ ،‬ويستحيل في نظر العقل حلول رب في عبد ‪ ،‬أو خالق في مخلوق‪،‬‬
‫يقول‪" :‬المفهوم من الحلول أمران‪ :‬أحدهما‪ :‬ال نسبة التي بين الجسم وبين مكانه الذي يكون فيه‪ ،‬وذلك ال يكون إال بين‬
‫جسمين‪ ،‬فالبرئ من الجسمية يستحيل في حقه ذلك‪ ،‬والثاني‪ :‬النسبة التي بين العرض والجوهر ( ‪ ،)7‬فإن العرض يكون‬
‫قوامه بالجوهر‪ ،‬فقد يعبر عنه بأنه حال فيه‪ ،‬وذلك محال علي كل ما قوامه بنفسه‪ ،‬فدع عنك ذكر الرب – تعالي وتقدس‬
‫ـ في ذلك المعرض‪ ،‬فإن كل ما قوامه بنفسه يستحيل أن يحل فيما بنفسه إال بطريق المجاورة الواقعة بين األجسام‪ ،‬فال‬
‫يتصور الحلول بين عبدين‪ ،‬فكيف يتصور بين العبد والرب" ( ‪ ،)8‬علي الرغم من أن العبد عبد ‪ ،‬والرب رب!!!؟ هذا‬
‫بصفاته الحادثة‪ ،‬وذلك بصفات ه القديمة‪ ،‬هذا محال في طور العقل‪،‬ومن صدق بمثل هذا المحال فقد " انخلع عن غريزة‬
‫العقل" ( ‪ " ، )9‬ومن لم يفرق بين ما أحاله العقل وبين ما ال يناله العقل‪ ،‬فهو أخس من أن يخاطب‪ ،‬فيترك وجهله ( ‪،)10‬وإذا‬
‫قال قائل‪ :‬إن كلمات الصوفية بناء علي مشاهدات‪ ،‬انفتحت لهم في طور الوالية‪ ،‬والعقل يقصر عن درك ذلك ‪ ،‬قال‬
‫الغزالي‪ " :‬اعلم أنه ال يجوز أن يظهر في طور الوالية ما يقضي العقل باستحالته " ( ‪. )11‬‬
‫ومع شدة إنكار الغزالي لعقيدة الحلول‪ ،‬ألن العقل يقضي باستحالتها ‪ ،‬غير أنه في مصنفه " مشكاة األنوار" كان أكثر‬
‫تسامحا ً مع أرباب الحلول من الصوفية‪ ،‬وإن لم أجده صرح بذكر واحد منهم باسمه‪ ،‬مكتفيا ً بذكر أقوالهم‪ ،‬مؤوالً إياها‬
‫أنهم قالوها في حالة سكر وفناء ‪ ،‬بل فناء الفناء‪ ،‬وكالم السكران يطوي وال يحكي ( ‪ ،)12‬ومن ثم أنكر البعض ( ‪ )13‬نسبة‬
‫الكتاب له‪ ،‬أو مطعم بآراء ليست له‪ ،‬وال شك أن حسن ظن الغزالي‪ ،‬هو الذي بر ر اعتذاره عن شطحات الصوفية‪ ،‬علي‬
‫أساس أن ما يقولونه ليس هو الحقيقة‪ ،‬أما إذا كانوا يؤكدون أن ما يقولونه هو الحقيقة‪ ،‬فكل ما يقولونه عن الحلول‪،‬‬
‫واالتحاد‪ ،‬واالتصال‪ ،‬فهو غير صحيح ‪ ،‬بل هو باطل‪ ،‬والمسألة في نظر الغزالي مجرد استغراقات‪ ،‬وهو نوع من‬

‫(‪ )4‬أصول المالمتية وغلطات الصوفية ص ‪. 162‬‬ ‫(‪ )1‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبقت ترجمته ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬نفس المصدر ص ‪. 166‬‬
‫(‪ )4‬أصول المالمتية وغلطات الصوفية ص ‪. 166‬‬
‫(‪ )9‬عينه من ذات الموضع ‪.‬‬
‫(‪ )4‬العرض هو الموجود الذي يحتاج في وجوده إلي موضع‪ ،‬أي محل يقوم به‪ ،‬والجوهر هو ماهية إذا وجدت في األعيان كانت ال في‬
‫موضوع‪ ،‬انظر الشريف الجرجاني‪ ،‬التعريفات ص ‪. 126 ، 41‬‬
‫(‪ )2‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المقصد األسني في شرح معاني أسماء الله الحسني‪ ، 144 / 1‬تحقيق‪ /‬بسام عبد الوهاب الجابي‪ ،‬دار النشر‪:‬‬
‫الجفان والجابي – قبرص‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1514‬هـ ‪ 1624 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )6‬نفس المصدر ‪. 149 /1‬‬
‫(‪ )11‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬
‫(‪ )11‬نفس المصدر والموضع ‪.‬‬
‫(‪ )12‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬مشكاة األنوار ص ‪ ، 42 – 44‬تحقيق د‪ /‬أبو العال عفيفي‪ ،‬الدار القومية للطباعة والنشر سنة ‪1322‬هـ ‪1695 -‬م ‪.‬‬
‫(‪ )13‬انظر د‪ /‬محمود قاسم – دراسات في الفلسفة اإلسالمية ص ‪ ، 24‬هامش (‪ ،)1‬دار المعارف بمصر ‪ ،‬ط‪ 3‬سنة ‪1641‬م ‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وهو غلط محض‪ ،‬يضاهي من يحكم علي‬ ‫القرب يكاد يتخيل م نه طائفة الحلول‪ ،‬وطائفة االتصال‪ ،‬وكل ذلك خطأ"‬
‫المرآة بصورة الحمرة‪ ،‬إذ ظهر فيها لون الحمرة مقابلها ( ‪. )2‬‬
‫نقـــد الشعـــراني‪:‬‬
‫ألف الشعراني في علم العقائد مصنفا ً بعنوان " اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر" ‪ ،‬جلي فيه عقيدة شيوخ‬
‫الصوفية وبين مطابقتها للكتاب والسنة‪ ،‬وفي خضم حديثه عن جملة من القواعد والضوابط التي يحتاج إليها من يريد‬
‫التبحر في علم الكالم‪ ،‬عقد مبحثا ً في وجوب اعتقاد أنه تعالي لم يحدث بابتداعه العالم في ذاته حادث‪ ،‬وأنه ال حلول وال‬
‫ً ( ‪)3‬‬
‫اتحاد‪ ،‬قال‪":‬إذ القول بذلك يؤدي إلي أنه في أجواف السباع والحشرات والوحوش ‪ ،‬وتعالي الله عن ذلك علواً كبيرا"‬
‫ثم قال مدافعا ً عن الصوفية بعقد مقارنة بين الدعوي المنسوبة إليهم وبين ما قال عباد األصنام عــن سبب توجههم إليهـا‬
‫بالعبـادة " ولعمري إذا كان عباد األوثان لم يتجرءوا علي أن يجعل وا آلهتهم عين الله تعالي‪ ،‬بل قالوا ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫( ‪)4‬‬
‫ﮖﮊ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ، 3 :‬فكيف يظن بأولياء الله – تعالي‪ -‬أنهم يدعون االتحاد بالحق هذا كالمحال في حقهم"‬
‫أي شيوخهم الكبار المشهود لهم بالخير والصالح وحسن االعتقاد والمتابعة‪ ،‬وال أعتقد أن الشعراني يقصد جميع الطائفة‬
‫بقوله هذا ‪.‬‬
‫االتحاد الصحيح ‪:‬‬
‫ولعل الشعراني من الصوفية القائلين أن االتحاد في كالم القوم يعني‪ :‬أن تتحد أعمال العبد علي الوجه الذي أراده الرب ‪،‬‬
‫ألنه نقل لنا كالم شيخه " علي بن وفا" ( ‪ )5‬الذي يقول فيه‪ :‬المراد باالتحاد حيث جاء في كالم القوم‪ ،‬فناء مراد العبد في‬
‫مراد الحق – تعالي‪ -‬كما يقال بين فالن وفالن اتحاد‪ ،‬إذا عمل كل منهما بمراد صاحبه‪ ،‬ثم أنشد ‪:‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫هو المعني المسمي باتحاد‬ ‫‪..‬‬ ‫وعلمك أن كل األمر أمري‬
‫ابن القيم يحكم بصحة هذا النوع من االتحاد‪:‬‬
‫ويصحح ابن القيم في عدد من مؤلفاته ذلك النوع من االتحاد‪ ،‬ويري أنه هو االتحاد المطلوب من العباد ‪ ،‬ألنه اتحاد‬
‫المحبين ‪ ،‬وفناء المقربين‪ ،‬يقول‪ :‬وإن كان العبد مشمراً للفناء العالي‪ ،‬وهو الفناء عن إرادة السوي‪ ،‬لم يبق في قلبه مراد‬
‫يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني ‪ ،‬بل يتحد المرادان فيصير عين مراد الرب هو مراد العبد‪ ،‬وهذا حقيقة‬
‫المحبة الخالصة‪ ،‬وفيها يكون االتحاد الصحيح‪ ،‬وهو االتحاد في المراد ال في المريد ( ‪ ،)7‬وفي موضع آخر يقول‪" :‬‬
‫وليس في العقل اتحاد صحيح إال هذا ‪ ...‬فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب‪ ،‬وفناء إرادة المحب في مراد‬
‫المحبوب‪ ،‬فهذا االتحاد والف ناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم‪ ،‬فنوا بعبادة محبوبهم عن عبادة ما سواه‪ ،‬وبحبه‬
‫وخوفه ورجائه والتوكل عليه واالستعانة به والطلب منه‪ ،‬عن حب ما سواه وخوفه ورجائه والتوكل عليه " ( ‪ )8‬فهو‬
‫عبادة القلب لله ‪ ‬وحده‪ ،‬وذي عالمات القلب السليم الذي قال الله فيه ﮋﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ ( سورة الشعراء ‪89 :‬‬
‫) ‪ ،‬فهو سليم من االطمئنان ألي مخلوق إال لفاطره وخالقه ‪.‬‬
‫وأخيراً‪ :‬وما كان نقد عقيدة الحلول الضالة خافيا ً علي حاملي راية التصوف في العصر الحديث ‪ ،‬الذابين عن الدخيل‬
‫فيه‪ ،‬والجهاالت والخرافات والفلسفات والمنكرات التي وقع فيها ط وائف متاجرة باسم التصوف والدين‪ ،‬فهذا هو شيخ‬
‫مشايخ الطرق الصوفية األسبق " حسن الشناوي" يقول حول قول الله – تعالي‪ -‬ﮋﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ سورة الحديد ‪،‬اآلية‪،4:‬‬
‫وقوله ﮋﯚﯛﯜ ﮊسورة التوبة‪ ،‬اآلية‪ : 40:‬الله يكون معي لكن ال يحل في ‪ ،‬لماذا؟ ألن الله له وضع آخر يخالف األحداث‪،‬‬
‫ويخالف األشياء المعروفة‪ ،‬ربنا قديم أزالً قبل كل شئ ‪ ،‬وسيبقي بعد كل شئ ‪ ،‬وهذه خاصية له فقط ‪ ،‬أما اإلنسان‬

‫(‪ )1‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المنقذ من الضالل ص ‪ ، 122‬وانظر د‪ /‬عبد القادر محمود – الفلسفة الصوفية في اإلسالم ص ‪. 235‬‬
‫(‪ )2‬أبو حامد الغزالي ‪ ،‬إحياء علوم الدين ‪. 261 /2‬‬
‫(‪ )4‬نفس المصدر ‪. 94 /1‬‬ ‫(‪ )3‬اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر ‪. 93 /1‬‬
‫(‪ )4‬هو علي بن محمد بن وفا من صوفية مصر ت ‪211‬هـ ‪ ،‬انظر الطبقات الكبري للشعراني ‪. 21، 21 /2‬‬
‫(‪ )9‬اليواقيت والجواهر ‪. 94 /1‬‬
‫(‪ )4‬ابن قيم الجوزيه ‪ ،‬مدارج السالكين ‪ ، 592 /1‬دار الكتاب العربي – بيروت ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1363‬هـ ‪1643 -‬م‪ ،‬تحقيق ‪ /‬محمد حامد الفقي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬نفس المصدر ‪ ، 194 / 1‬وجلي ابن القيم رأيه ذلك في غير مصنف من مصنفاته مثل ط ريق الهج رتين وباب السعادتين ص ‪ 49‬دار ابن القيم – الدمام ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1515‬ه ـ‬
‫‪1665 -‬م – تحقيق عمر بن محمود أبو عمر‪ ،‬وكذلك روضة المحبين ونزهة المشتاقين ص ‪ ،294‬دار الكتب العلمية – بيروت – سنة ‪1512‬هـ ‪1662 -‬م ‪.‬‬
‫‪343‬‬
‫والحيوان والجماد فله مبدأ وله نهاية ( ‪ ،)1‬ورضي " محمد زكي إبراهيم" رائد العشيرة المحمدية – الشك وسوء الظن في‬
‫بعض الصوفية القائلين بالحلول ‪ ،‬لوضع حد للجدال والمناقشات‪ ،‬وللتفرغ للعقبات األخرى التي وراء تقدم األمة‬
‫ونهوضها‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وقد أرضي مؤقتا ً أن أسلم جدالً بسوء الظن بهؤالء األئمة لوضع حد للمهاترة حولهم بال مبرر مقبول‪ ،‬أليس من‬
‫الخير كل الخير أن نسلم أمرهم إلي الله‪ ،‬لنفرغ لما هو أهدي وأجدي؟! ‪.‬‬
‫إن هؤالء ليسوا كل الصوفية‪ ،‬وال هم أكثرية الصوفية‪ ،‬وال هم الدعاة ال غيرهم من الصوفية‪ ،‬وقد انتهوا وأصبح فكرهم‬
‫تاريخا ً وثقافة ليست من العقائد‪ ،‬فهل من اإلنصاف أخذ الخلف بما جني السلف‪ ،‬الذي لم يعد له به صلة؟!‪ ،‬بل لقد أذهب‬
‫إلي أكثر من ذلك‪ ،‬أذهب إلي إسقاط حساب هؤالء القلة من المحيط الصوفي" ( ‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬حسن الشناوي ‪ ،‬حول قضايا التصوف ص ‪ ، 54‬مجلة التصوف اإلسالمي ‪ ،‬السنة (‪ ، )22‬عدد (‪ )1‬سنة ‪ 1521‬هـ ‪1666 -‬م‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجلة العشيرة المحمدية – المسلم ص ‪ 24‬باختصار ‪ ،‬السنة ‪ ،56‬عدد (‪ )1‬سنة ‪1524‬هـ ‪2115 -‬م ‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫الخاتمة وتتضمن أهم النتائج والتوصيات‬

‫بعد هذا الجهد المتواضع والتطواف الممتع حول موضوع النقد الذاتي للتصوف لدي شيوخ التصوف‪ ،‬يخلص البحث إلي‬
‫النتائج التالية ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أشار البحث إلي أن هناك شيوخا ً في التصوف لهم جهود ال تغمط في اإلنكار علي الخارجين من الصوفية عن‬
‫سنن التصوف الصحيح ‪ ،‬المضبوط عندهم في بوتقة الكتاب والسنة‪ ،‬فقاموا بواجب النصيحة واألمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫‪ -2‬أفصح البحث أن ناقدي التصوف – من أهله – وإن كانوا أقلة إال أنهم متنوعون عصراً ومصراً وطريقة وفكراً‬
‫وعلما ً وعمالً وسلوكاً‪ ،‬ولك ن جمعهم حب التصوف والغيرة عليه‪ ،‬والمعذرة إلي الله يوم القيامة ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﮊ سورة األعراف ( اآلية ‪. )164 :‬‬
‫‪ -3‬يلزم البحث العقالء من الناس أال يحكموا علي الصوفية بحكم واحد‪ ،‬إيجابا ً أو سلباً‪ ،‬مدحا ً أو قدحاً‪ ،‬حبا ً أو ذما‪ً،‬‬
‫وإنما الواجب الشرعي يحتم أن نحكم علي كل حالة بما يناسبها‪ ،‬علي حسب قربها أو قرب القائل بها من‬
‫الشريعة أو البعد عنها‪ ،‬ألن من شيوخ التصوف ممن لم يرتضوا بأقوال‪ ،‬ولم يوافقوا علي أفعال ‪.‬‬
‫‪ -4‬أثبت البحث أن شيوخ التصوف – علي اختالف عصورهم – انتقدوا الكثير من األمور علي المتصوفة ‪،‬‬
‫وشنوا حربا ً شعواء علي أصحابها‪ ،‬مثل فتنة السماع والرقص واالختراع من األشعار الغزلية واالجتماع عليها‪،‬‬
‫وعناية بعضهم بشكليات التصوف ‪ ،‬وجهلهم بحقائق الدين‪ ،‬وازدرائهم للفقهاء والعلماء‪ ،‬وشطحهم وافتنانهم‬
‫بأنفسهم‪ ،‬إلي آخر ذلك من أفعال يتلبس بعض الصوفية بها إلي اليوم ‪ ،‬وكانت فكرة فكرة تصحيح التصوف‬
‫والنقد هي السبب في تأليفهم الكتب أحياناً‪ ،‬وهذا ظهر واضحا ً لدي الطوسي والقشيري والغزالي والشعراني ‪.‬‬
‫‪ -5‬أومأ البحث إلي أن شيوخ التصوف الكبار‪ ،‬كانوا علي عقيدة سليمة وعبادة صحيحة بشهادة ابن تيمية وابن قيم‬
‫الجوزية – رحمهما الله ‪. -‬‬
‫‪ -6‬تبرأ أكثر شيوخ بغداد من الحالج‪ ،‬إذ أعلن فكرة اتحاده بالله وحلول الله – ‪ – ‬في عنصره البشري بل‬
‫وكفره بعضهم ‪ ،‬وانضموا إلي صفوف الفقهاء الذين أفتوا بقتله وصلبه‪ ،‬ونفوض أمره إلى الله‪ ،‬إن الله بصير‬
‫بالعباد ‪.‬‬
‫‪ -7‬انتقد شيوخ التصوف قديما ً وحديثا ً عقيدة الحلول‪ ،‬وبينوا بطالنها بالدالئل الشرعية والعقلية‪ ،‬وأعلنوا براءتهم‬
‫منها ‪ ،‬ولعنهم لقائليها ‪.‬‬
‫‪ -8‬شارك في نقد التصوف في العصر الحديث كثيرون مثل د‪ /‬أبو الوفا التفتازاني الذي انتقد الطرق الصوفية‬
‫لمبالغة أتباعها في التحدث بمناقب األولياء وكراماتهم‪ ،‬ود‪ /‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ومحمد زكي إبراهيم‪،‬‬
‫مما يدل علي عدم رضاء هؤالء عن التصوف في حالته المعاصرة الراهنة‪ ،‬واستيائهم من كثير من أتباعه ‪.‬‬
‫‪ -9‬االتحاد الصحيح الذي يعرفه الشرع والعقل هو اتحاد أفعال العبد وفق مراد الرب جل وعال ‪ ،‬فهو اتحاد في‬
‫المراد ال في المريد ‪.‬‬
‫وختاما ً يوصي الباحث بما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬العناي ة التامة بأمثال هذه البحوث من قبل الدارسين‪ ،‬فهي سند كبير للناس جميعاً‪ ،‬ينير لهم الطريق ويكشف لهم‬
‫حقائق التصوف ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن نعمل جميعا ً علي أن نحرر التصوف من دخنه ودخيله وبدعه وهرطقاته‪ ،‬وذلك من أجل الوصول إلي تربية‬
‫صوفية سليمة وواقعية وعقلية ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يواصل شيوخ التصوف المعاصرون جهود أسالفهم في مسيرة إصالح التصوف‪ ،‬ونقد ما يستحق االنتقاد‬
‫فيه‪ ،‬عسي أن تقترب الصفوف‪ ،‬وتأتلف الجماعات‪ ،‬تحقيقا ً للوحدة اإلسالمية ‪ .‬والله أسأل أن يجعل هذا العمل‬
‫خالصا ً لجالل وجهه وعظيم سلطانه‪ ،‬والحمد لله أوالً وآخراً‪ ،‬وصلي الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله‬
‫وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫وكتبه العبد الفقير إلي عفو مواله ‪ :‬عبد الحافظ أحمد طه‬
‫‪344‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‬

‫‪ -1‬القرآن كتاب الله الخالد ‪.‬‬


‫‪ -2‬ابن تيمية – االستقامة‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1403‬هـ ‪ -‬تحقيق د‪ /‬محمد رشاد سالم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ابن تيمية‪ ،‬مجموعة الفتاوي‪،‬دار الوفاء – المنصورة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1418‬هـ ‪1997 -‬م‪ ،‬تحقيق ‪ /‬عامر‬
‫الجزار – أنور الباز ‪.‬‬
‫‪ -4‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري – المكتبة اإلسالمية – عين شمس – القاهرة ‪ ،‬تحقيق‬
‫‪ /‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫‪ -5‬ابن خلكان ‪ ،‬وفيات األعيان‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬تحقيق ‪ /‬إحسان عباس‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -6‬ابن عربي‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪ 1418‬هـ ‪ 1998 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -7‬ابن عربي‪ ،‬روح القدس في مناصحة النفس‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ‪2005‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬حامد‬
‫طاهر ‪.‬‬
‫‪ -8‬ابن عساكر ‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬دار العلم – بيروت سنة ‪1995‬م ‪ ،‬تحقيق ‪ /‬محب الدين بن غرامة العمري ‪.‬‬
‫‪ -9‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬اجتماع الجيوش اإلسالمية علي غزو المعطلة والجهمية ‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت ط‪1‬‬
‫سنة ‪1404‬هـ ‪1984 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -10‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬مدارج السالكين‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1393‬هـ ‪1973 -‬م ‪ ،‬تحقيق‪/‬‬
‫محمد حامد الفقي ‪.‬‬
‫‪ -11‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬ط‪ ، 1‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -12‬أبو الحسن األشعري‪ ،‬مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ط ‪– 3‬‬
‫تحقيق‪ /‬هلموت ريتر ‪.‬‬
‫‪ -13‬أبو القاسم عبد الكريم القشيري – الرسالة القشيرية – المكتبة التوفيقية – تحقيق‪ :‬هاني الحاج ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -14‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المنقذ من الضالل مع تعليقات وأبحاث د‪ /‬عبد الحليم محمود‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬سنة‬
‫‪1414‬هـ ‪1994 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -15‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -16‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬أصناف المغرورين‪ ،‬مكتبة القرآن القاهرة‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد اللطيف عاشور‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -17‬أبو عبد الرحمن السلمي‪ ،‬أصول المالمتية وغلطات الصوفية‪ ،‬مطبعة اإلرشاد بمصر سنة ‪1405‬هـ ‪1985 -‬م‬
‫‪ ،‬تحقيق د‪ /‬عبد الفتاح أحمد الفاوي محمود ‪.‬‬
‫‪ -18‬أبو منصور األزهري ‪ ،‬تهذيب اللغة‪ ،‬دار التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪2001‬م ‪ ،‬تحقيق محمد عوض‬
‫مرعب ‪.‬‬
‫‪ -19‬أحمد الرفاعي‪ ،‬البرهان المؤيد‪ ،‬دار الكتاب النفيس‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1908‬م‪ ،‬تحقيق‪ /‬عبد الغني نكه مي ‪.‬‬
‫‪ -20‬البغدادي ‪ ،‬الفرق بين الفرق‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1977‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬مطبعة مصطفي البابي الحلبي بمصر سنة ‪1357‬هـ ‪1938 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -22‬الخطيب البغدادي ‪ ،‬تاريخ بغداد‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -23‬د‪ /‬أبو الوفا التفتازاني‪ ،‬مدخل إلي التصوف اإلسالمي ‪،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع – مصر – ط‪ ،3‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -24‬د‪ /‬حسن الشافعي‪ ،‬فصول في التصوف اإلسالمي‪ ،‬دار الثقافة‪ -‬الفجالة بمصر سنة ‪1416‬هـ ‪1996 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -25‬د‪ /‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬فقه السيرة‪ ،‬دار السالم – مصر – ط‪ 19‬سنة ‪1429‬هـ ‪2008 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -26‬د‪ /‬محمد مصطفي حلمي‪ ،‬الحياة الروحية في اإلسالم – الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1984‬م ‪.‬‬
‫‪ -27‬السراج الطوسي‪ ،‬اللمع في تاريخ التصوف‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1421‬هـ ‪-‬‬
‫‪2001‬م ‪ ،‬تحقيق‪ /‬كامل مصطفي الهنداوي ‪.‬‬
‫‪ -28‬عبد الوهاب الشعراني ‪ ،‬اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر‪ ،‬مطبعة مصطفي البابي الحلبي وأوالده‬
‫بمصر ‪ ،‬الطبعة األخيرة سنة ‪1378‬هـ ‪1959 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -29‬عبد الوهاب الشعراني‪ ،‬الطبقات الكبري‪ ،‬مطبعة محمد علي صبيح وأوالده بمصر‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -30‬عبد الوهاب الشعراني‪ ،‬تنبيه المغترين ‪ ،‬المكتبة الثقافية الدينية بمصر ‪ ،‬ط‪ 1‬سنة ‪1425‬هـ ‪2005 -‬م ‪ ،‬تحقيق‬
‫د‪ /‬أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬المستشار‪ /‬توفيق علي وهبه‪.‬‬
‫‪ -31‬محمد بن محمد بن عمر الرازي ( التحتاني) ‪ ،‬ذكر الفرق التي غلطت في اإلباحة والحلول واالتحاد والتجسيم‬
‫وبيان دعواهم والرد عليهم‪ ،‬دار الحسين اإلسالمية – مصر ‪ ،‬ط‪ 2‬سنة ‪1414‬هـ ‪1994 -‬م ‪ ،‬تحقيق د‪ /‬حسن‬
‫جبر شقير ‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫‪ -32‬محمد زكي إبراهيم‪ ،‬أبجدية التصوف اإلسالمي‪ ،‬بعض ماله وما عليه‪ ،‬مطبوعات العشيرة المحمدية‪ ،‬ط‪ ،5‬د‪.‬ت‬
‫‪.‬‬
‫‪ -33‬الهجويري‪ ،‬كشف المحجوب – المجلس األعلى للشئون اإلسالمية بالقاهرة سنة ‪1424‬هـ ‪2004 -‬م ‪ ،‬تحقيق د‪/‬‬
‫إسعاد قنديل ‪.‬‬
‫‪ -34‬مجلة التصوف اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ -35‬مجلة المسلم ‪ ،‬إصدارات العشيرة المحمدية ‪.‬‬
‫‪ -36‬مجلة المسلم المعاصر‪ ،‬إصدارات مؤسسة المسلم المعاصر والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ -37‬مواقع علي شبكة االنترنت ‪.‬‬
‫هذا بخالف المصادر األخ رى المبثوثة في ثنايا البحث ‪،،،‬‬
‫‪344‬‬
‫فهـــرس البحــــث‬
‫رقم الصفحة‬ ‫الموضـــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫‪2‬‬ ‫المقدمة‬
‫المبحث األول‪ :‬النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً‬
‫‪6‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬تعريف النقد الذاتي للتصوف وداللته‬
‫‪7‬‬ ‫داللة النقد الذاتي للتصوف من شيوخه‬
‫‪8‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مكانة التصوف لدي الصوفية‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬تاريخ النقد الذاتي للتصوف عبر القرون‬
‫‪20‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬النقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النقد الذاتي للتصوف نموذجا ً " عقيدة الحلول واالتحاد"‬
‫‪25‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تعريف االتحاد والحلول والفرق بينهما‬
‫‪27‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الحلولية من الصوفية‬
‫‪29‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬الحسين بن منصور الحالج‬
‫‪33‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬موقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج‬
‫‪39‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬نقد عقيدة الحلول في فكر أئمة التصوف‬
‫‪42‬‬ ‫االتحاد الصحيح ورأي ابن القيم‬
‫‪45‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪45‬‬ ‫النتائج والتوصيات‬
‫‪47‬‬ ‫أهم المصادر والمراجع‬
‫‪50‬‬ ‫فهارس البحث‬

You might also like