Professional Documents
Culture Documents
لـدى الصوفيــة
إعداد
عبد الحافظ أحمد طه محمد
المدرس في قسم األديان والمذاهب
كلية الدعوة اإلسالمية بالقاهرة
جامعـة األزهــر
324
ملخص البحث:
بين هذا البحث أن التصوف من المعضالت الكبرى التي شكلت عالمة استفهام واضحة في تاريخ اإلسالم والمسلمين،
إال أنه بات من المعلوم داخل األوساط العلمية الجادة ،وفي إطار المنهجية البحثية المستقيمة ،أن علم التصوف
(بمعناه األخالقي والسلوكي) :جليل في ذاته ،عظيم في أصله ،دقيق في فروعه ،وكان الرواد األوائل له ،والشيوخ
السابقون فيه ،علي عقيدة صاف ية ،وإيمان عميق ،وسلوك نقي ،ال تشوبه شائبة ،ولكن بمرور الزمن ،وتقادم األيام،
انحرفت فئات من المتصوفة عن جادة الطريق ،وزينت لهم شياطين اإلنس والجن ما لم ينزل الله ـ تعالي ـ به من
سلطان ،سواء من بدع في األقوال واألعمال ،أو من تورط في مخالفات وشذوذات ،وما كانت هذه ـ أو تلك ـ من
لوازم التصوف ،غير أنه كان لها السبب األكبر في تشويه صورته ،وأن دخل فيه ما يعقده ،ويخرجه عن نقائه وبهائه
.
وقد قيض الله من الصوفية ،رجاالً أكفاء ،علماء بأصول الدين ،ذوي بصر ودقة ،غيورين علي التصوف الصحيح
أن تضيع معالمه ،وتلوح قوائمه ،ف كان لهم إرشادات سامية ،وإشعاعات مضيئة ،وجهود ال تغمط ،في اإلنكار علي
الخارجين عن سنن التصوف الصحيح ،الذي هو في بوتقة الكتاب والسنة ،فكم وقفوا ضدهم ،وكم حاربوهم ،وكم
شددوا في النكير عليهم ،وكم رصدوا أخطاءهم ،وكم فضحوا مسالكهم وبينوها للناس ،بل وحكموا بكفر بعضهم أحيانا ً
؟؟؟ !! .
وقد جاء ت هذه الدراسة فى :مبحثين وتسع مطالب وهى كالتالى المبحث األول :النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً وفيه:
تعريف النقد الذاتي للتصوف وبيان داللته .ومكانة التصوف لدي الصوفية .وتاريخ النقد الذاتي للتصوف عبر
القرون .والنقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث .
المبحث الثاني :النقد الذاتي للتصوف نموذجا ً ( عقيدة الحلول ) وفيه :تعريف الحلول واالتحاد والفرق بينهما .
والحلولية من الصوفية .والحسين بن منصور الحالج .وموقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج .
و نقد عقيدة الحلول في فكر أئمة التصوف.
ثم ذيل البحث بخاتمة ،جاء فيها:
أن ناقدي التصوف – من أهله – وإن كانوا أقلة إال أنهم متنوعون عصراً ومصراً وطريقة وفكراً وعلما ً وعمالً
وسلوكاً ،ولكن جمعهم حب التصوف والغيرة عليه ،والمعذرة إلي الله يوم القيامة
يلزم العقالء من الناس أال يحكموا علي الصوفية بحكم واحد ،إيجابا ً أو سلباً ،مدحا ً أو قدحاً ،حبا ً أو ذماً
أن شيوخ التصوف الكبار ،كانوا علي عقيدة سليمة وعبادة صحيحة بشهادة كبار العلماء.
الكلمات الدالة:
النقد-الذات-التصوف-الصوفية
323
مقدمـــة
الحمد لله ،أحمده حمداً كثيراً طيبا ً مباركا ً فيه ،يمأل أرجاء السموات واألرضين ،دائماً أبد اآلبدين إلي يوم الدين ،في كل
ساعة وآن ووقت وحين ،كما ينبغي لجالله العظيم ،وسلطانه القديم ،ووجهه الكريم ،وأشهد أن ال إله إال الله ،وحده ال
شريك له ،وال ولد له ،وال والد له ،وال صاحبة له وال نظير وال وزير له ،وال مشير وال نديد وال قسيم له ،وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله ،وحبيبه وخليله ،صاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق كلهم يوم القيامة ،حتى الخليل
إبراهيم – عليه السالم -اللهم صل وسلم تسليما ً كثيراً عليه وعلي سائر إخوانه من النبيين والمرسلين ،وارض عن جميع
أصحابه الغر الكرام ،السادة النجباء ،خالصة العالم بعد األنبياء ،ما اختلط الظالم بالضياء ،وأعلن الداعي بالنداء،
وارض اللهم عن جميع أتباعه،وعلي كل من اهتدي بهديه،واستن بسنته،واقتفي أثره إلي يوم الدين .....وبعـد ،،،
فإن التصوف من المعضالت الكبرى التي شكلت عالمة استفهام واضحة في تاريخ اإلسالم والمسلمين ،إال أنه بات من
المعلوم داخل األوساط العلمية الجادة ،وفي إطار المنهجية البحثية المستقيمة ،أن علم التصوف (بمعناه األخالقي
والسلوكي) :جليل في ذاته ،عظيم في أصله ،دقيق في فروعه ،وكان الرواد األوائل له ،والشيوخ السابقون فيه ،علي
عقيدة صافية ،وإيمان عم يق ،وسلوك نقي ،ال تشوبه شائبة ،ولكن بمرور الزمن ،وتقادم األيام ،انحرفت فئات من
المتصوفة عن جادة الطريق ،وزينت لهم شياطين اإلنس والجن ما لم ينزل الله ـ تعالي ـ به من سلطان ،سواء من بدع
في األقوال واألعمال ،أو من تورط في مخالفات وشذوذات ،وما كانت هذه ـ أو تلك ـ من لوازم التصوف ،غير أنه كان
لها السبب األكبر في تشويه صورته ،وأن دخل فيه ما يعقده ،ويخرجه عن نقائه وبهائه .
وقد قيض الله من الصوفية ،رجاالً أكفاء ،علماء بأصول الدين ،ذوي بصر ودقة ،غيورين علي التصوف الصحيح أن
تضيع معالمه ،وتلوح قوائمه ،فكان لهم إرشادات سامية ،وإشعاعات مضيئة ،وجهود ال تغمط ،في اإلنكار علي
الخارجين عن سنن التصوف الصحيح ،الذي هو في بوتقة الكتاب والسنة ،فكم وقفوا ضدهم ،وكم حاربوهم ،وكم شددوا
في النكير عليهم ،وكم رصدوا أخطاءهم ،وكم فضحوا مسالكهم وبينوها للناس ،بل وحكموا بكفر بعضهم أحيانا ً ؟؟؟ !! .
وإنها ـ بحق ـ معالجات تستحق الوقوف عندها ،والتأمل الجاد في رصدها ،إذ بها يستنير جميع من أراد التعرف علي
معالم طريق التصوف الصحيح ،ولم ال وروادها لهم القدح المعلي في فهم الحق علي وجهه ،وفي السلوك الحق علي
وجهه ،حتى صاروا من الذين يصفهـم الله ـ تعالي ـ بقولــه :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﮊ ( سورة العصر ،اآليات . 3، 2، 1
إنهم قاموا بواجب النصيحة في نشر التصوف الصحيح ،والنهي عن البدع باسم التصوف ،والتحذير من
غوائلها،واستجابوا في ذلك ألمر النبي في قوله:من رأي منكم منكراً فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم
يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان، )1 (فأقاموا الحجة،وأبانوا المحجة ،ووضحوا الفرقان بين الحق والباطل ،بين
الصوفي والدعي ،بين المتصوف ،والمتمصوف أو المستصوف .
فلله در أولئك المصلحين الذين تفانوا في أداء واجبهم ،وع رفوا قيمة األعباء الملقاة علي عواتقهم ،فصنعوا تاريخهم
بأيديهم ،وكتبوا صفحات مجدهم بمداد الفخار علي صفحات من النور في سجل الخالدين ليقرأها الزمن ،ولترددها
األجيال ،ولتنعم اإلنسانية بثمارها إلي يوم الدين .
وإنها لعمري دعوة إلي ثالثة أمور- :
أوالً :أن ينظر أص حاب التصوف في عصرنا ومحبيه والمائلين بقلوبهم إليه والمدافعين عنه جميعه في أحوالهم ،ويدققوا
في أفعالهم ،وفي صورة التصوف الماثلة أمام أعينهم ،هل هو ذلكم التصوف الذي ضبطه الشيوخ الكبار بالكتاب والسنة
،ونبهوا علي أن من خرج عنهما ليس بصوفي؟! ،وسبيلهم في ذلك التعرف علي مزيد من الشيوخ نقدوا أوضاعاً ،من
التصوف وهم من أهله ،بل من صفوتهم وخيرتهم ،أال فليعلموا أن الزعامة واإلمامة ليس معناها بطن تمأل وتتخم،
وأموال تكدس وتدخر ،وألقاب ترن وتطن ،بل تعني أن يعيشوا لغيرهم ال ألنفسهم ،وأن يعملوا ألمتهم ال ألوالدهم .
ثانيا ً :وفي نفس الوقت دعوة إلي أن ينظر كل ناقد للتصوف إلي تلك األوجه من النقد ،وستقوده إلي أن هناك في
التصوف أموراً وأذواقا ً ومشارب ما ارتضاها بعض الشيوخ أنفسهم ،والنتيجة الحاصلة من ذلك هي كمال العلم بقول
الله ﮋههه ﮊ )سورة آل عمران،اآلية ،)113:وبالتالي سيجتنب إش كالية التعميم في األحكام ،الذي تعج به األوساط العلمية
في عصرنا ،دونما النظر في كل حالة علي حدة ،ووضع الدليل في مناطه ،وهذه المنهجية الخاطئة ،مع كونها تصادم
الشرع الحنيف ،تصادم أيضا ً قيم التعامل اإلنساني السليم ،قال ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﮊ
( )1صحيح مسلم ،كتاب اإليمان ،باب بيان كون النهي عن المنكر من اإليمان ، 96 /1 ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،تحقيق/
محمد فؤاد عبد الباقي .
324
(سورة المائدة،آية،) 8:فما جاء التعصب إال من الجهل العلمي ،والضيق الفكري وسوء الفهم عن الله ورسوله ،فأين
القسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان ؟!! .
ثالثاً :ودعوة أن تنظر كل جماعة أو أصحاب اتجاه معين ،بين الفينة والفينة ،إلي أصول مذهبهم ،وتطبيقات أفرادهم لها،
فيقيمون ذواتهم بأنفسهم ،إذ أن إصرار كل جماعة من الجماعات علي سلبياتها هو الذي يفاقم األوضاع ،ويقود األمة إلي
التفرق والتشرذم ،أما إذا كان هناك سعي من أجل اإلصالح ،فهذا بال شك يساعد علي تقريب الهوة بين الجماعات .
أال فلتنظر كل جماعة في سلبياتها ،أال فليعيد كل منا النظر في طبيعة عالقته باآلخرين ،أال فلنعمل جميعا ً علي اإلصالح
والتوجيه ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،حتى يحصد ثماره المباركة عالمنا العربي واإلسالمي ،ويومئذ يأتي
النصر ،ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
ومن أجل ذلك كله استخرت الله أن أكتب هذه الوريقات .
وقد جاءت – بعد توفيق الله ، في مقدمة ومبحثين تحت كل منهما مطالبه الخاصة به وخاتمة ،وذلك علي النحو التالي
-:
المبحث األول :النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً وفيه المطالب اآلتية -:
المطلب األول :تعريف النقد الذاتي للتصوف وبيان داللته .
المطلب الثاني :مكانة التصوف لدي الصوفية .
المطلب الثالث :تاريخ النقد الذاتي للتصوف عبر القرون .
المطلب الرابع :النقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث .
المبحث الثاني :النقد الذاتي للتصوف نموذجا ً
( عقيدة الحلول )
وفيه المطالب اآلتية -:
المطلب األول :تعريف ا لحلول واالتحاد والفرق بينهما .
المطلب الثاني :الحلولية من الصوفية .
المطلب الثالث :الحسين بن منصور الحالج .
المطلب الرابع :موقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج .
المطلب الخامس :نقد عقيدة الحلول في فكر أئمة التصوف ،ثم ذيلت البحث بخاتمة ،تضمنت نتائج البحث ووصاياه،
وأردفتها ببيان المصادر والمراجع التى اعتمدت عليها،
.ثم فهرسا ً ودليالً لعناصر البحث .
والله ـ سبحانه وتعالي ـ أضرع إليه:
اللهم ارزقنا نوراً نمشي به في الظلمات ،وهب لنا فرقانا ً نميز به بين المتشابهات ،واغفر لنا يا ربنا ما زل به القلم أو
الفكر ،وال تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين ،آمين يا رب العالمين.
وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين،،،
وكتبه العبد الفقير إلي عفو مواله /عبد الحافظ أحمد طه محمد .
324
المبحث األول :النقد الذاتي للتصوف تاريخا ً
الحديث عن تاريخ النقد الذاتي للتصوف ،يدفعنا إلي التساؤل عن معني النقد الذاتي للتصوف أوالً ،وما دالالته؟ وما
قيمة ومكانة التصوف في قلوب الناقدين ،ومتي بدأ تحديداً نقد الظاهرة الصوفية؟ ومن رواد النقد علي مر العصور
واألزمنة ،وهل خال العصر الحديث من نماذج منهم ؟ ذلك ما أريد بيانه في هذا المبحث علي النحو التالي :
( )1انظر محمد بن مكرم بن منظور ،لسان العرب ،524 /3مادة نقد ،دار صادر بيروت ،ط ، 1د.ت ،وانظر نفس المادة عند أبي
الحسين أحمد بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،594 /4دار الجيل – بيروت – لبنان ،ط 2سنة 1521هـ 1666 -م ،تحقيق /عبد
السالم هارون ،وكذلك عند أبي القاسم علي بن جعفر السعداوي ،األفعال ،242 /3عالم الكتب – بيروت ،ط 1سنة 1513هـ -
1623م .
( )2انظر ـ مجمع اللغة العربية ـ المعجم الوجيز ،ص ،252مادة ذات ،ص 924مادة نفس ،طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم
بجمهورية مصر العربية – سنة 1514هـ 1669 -م .
324
داللة النقد الذاتي للتصوف من شيوخه -:
ما قام به نقاد التصوف من جهد في سبيل إصالح التصوف ،يحمل في طياته ـ في نظري ـ عدة دالالت ،هي علي النحو
التالي -:
-1إنه مؤشر للنضج ،أي نضوج الفكرة ،ووضوح الرؤية لدي الناقدين عن التصوف ،ووعيهم الكامل بصحيح
التصوف ودخيله ،بغثه وثمينه ،وبالصوفي الحقيقي ،والمتمصوف الزائف ،باألصالء والدخالء واألدعياء .
-2إنه أمضي سالح في ي د شيوخ التصوف الذين قاموا بنقد التصوف ،يقوون به من حركتهم ،ويرفعون من
قدراتها ،ويعمقون جذورها القرآنية والنبوية ،وإنهم يؤكدون بذلك علي صحة وسالمة التصوف ،وحمايته من
كل محاولة مقصودة أو غير مقصودة تستهدف تشويه صورته .
-3عدم غرور أو إعجاب هؤالء الناقدين بالتصوف جملة ،وبالمنتسبين إلي طريقتهم جميعا ً ورؤيتهم الوجه
اإليجابي لهم أوله فحسب ،وإال ما اعترفوا بأخطاء بعضهم .
-4الشجاعة األدبية لدي الناقدين ،وعدم خوفهم من استطالة ألسنة الناس عليهم بتوجيه سهام االتهام لهم .
-5إنها محاوالت منهم لتحسين صورة التصوف ،واكتساب ثقة اآلخرين به .
-6هو أحد السبل لدينا لتشخيص الوجه الحقيقي للتصوف ،ومعرفة ما فيه من سلبيات وإيجابيات .
-7حتى نتعرف أن كل من يجتهد يخطئ ويصيب ،وكل من يجري يكبو ويعثر ،ولكل جواد كبوة ،وكال يؤخذ
من قوله ويرد إال المعصوم صلي الله عليه وسلم ،فالعصمة دفنت بموته .
تلك بعض الدالالت التي حاولت ـ قدر استطاعتي ـ استنباطها واستنتاجها وراء نقد الناقدين للتصوف وهم من أهله ،وال
يذهبن بك الوهم أن ذلك دال علي استخفافهم بالتصوف كعلم ،وزهدهم فيه ،بل هو مأل أسماعهم وأبصارهم ويصور ذلك
الجنيد ( ،)1سيد الطائفة في القرن الثالث الهجري ـ فيقول( :لو علمت أن تحت أديم السماء علما أجل من علمنا لقصدته
وسعيت إليه) ( ،)2وبشيء من اإليجاز أعرض لهذه الفكرة الهامة فيما يلي -:
( )1هو أبو القاسم الجنيد بن محمد ،سيد الطائفة وإمامهم ،من أهل بغداد ومولده بها ،وكان فقيها علي مذهب أبي ثور ،وكان يفتي
في حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة ،صحب خاله السري والحارث المحاسبي مات سنة سبع وستين ومائتين وقيل ثمانية وتسعين
ومائتين ،انظر اإلمام أبو القاسم القشيري – الرسالة القشيرية ص ،29المكتبة التوفيقية – القاهرة – تحقيق /هاني الحاج ،د .ت .
( )2أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي ،البصائر والذخائر ،142 /1دار صادر بيروت – لبنان ،ط 5سنة 1516هـ -
1666م ،تحقيق د /وداد القاضي .
324
المطلب الثاني
نبذة عن مكانة التصوف لدي الصوفية
كان للتصوف أنصاره والمعجبون به ،ومن الطبعي أن يكون في مقدمة هؤالء األنصار ا لصوفية أنفسهم ،ألن انتسابهم
إلي التصوف ،وتثبيتهم لدعائمه ،وتوضيحهم ألسسه خير شاهد علي أنهم يجدون فيه من الفضيلة والكمال ما ال يجدون
في سواه ،وألن تمسكهم به علي الرغم مما نالهـم من األذى أحيانا ً ( )1ـ خير دليل علي اقتناعهم به ووالئهم له ،وحديث
الصوفية عن ال تصوف ورجاله حديث مملوء باإلعجاب والفخر ،فالتصوف عندهم ـ هو طريق موصل إلي والية الله ـ
تعالي ـ ،وهو مدرسة لتخريج األولياء والصوفية ،كما يقول السهر وردي ( )2صاحب عوارف المعارف :هم أهل القرب
واالجتباء ،ألبسهـم الله ـ تعالي ـ مالبس العرفان ،وخصهم من بين عباده بخصائص اإلحسان ،فصارت ضمائرهم من
مواهب األنس مملوة ،ومرائي قلوبهم بنور القدس مجلوة ،فتهيأت لقبول األمداد القدسية ،واستعدت لورود األنوار
العلوية ...أجساد أرضية ،بقلوب سماوية ،وأشباح فرشية( أرضية) بأرواح عرشية ،نفوسهم في منازل الخدمة سيارة،
وأرواحهم في فضاء القرب طيارة ،تسلوا بالصلوات عن الشهوات ،وتعوضوا بحالوة التالوة عن اللذات ،يلوح من
صفحات وجوههم بشر الوجدان ،وينم عن مكنون سرائرهم نضارة العرفان ،طريقتهم مبنية علي الكتاب والسنة ،متحققة
بهما ،وهم أوفر الناس حظا من متابعة النبي وأوفرهم حظا ً من محبة الله ـ تعالي ( . )3
أما " القشيري" ( )4فإنه في مقدمة" رسالته" يري أن الله ـ تعالي ـ جعل هذه الطائفة صفوة أوليائه ،وفضلهم علي الكافة
من عباده بعد رسله وأنبيائه ـ صلوات الله وسالمه عليهم ـ وجعل قلوبهم معدن أسراره ،واختصهم من بين األمة بطوالع
أنواره ،صفاهم من كدورات ( )5البشرية ،ووفقهم للقيام بآداب العبودية ،وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية ،فقاموا بأداء ما
عليهم من واجبات التكليف ،ثم رجعوا إلي الله بصدق االفتقار ( ،)6ونعت االنكسار ( .)7ولقد انضم إلي رحاب التصوف
علماء أماجد ،وأئمة فضالء ،أمثال " أبي حامد الغزالي" ( )8الذي بز ( )9غيره في علوم أصول الدين ،وفي العلوم العقلية
والفلسفية ،حتى شهد األعداء قبل األصدقاء بعلو قدره ،وسمو منزلته ،ولكنه إلثر أزمة نفسية مرت به ،غيرت السيرة
( )1جمع الشعراني صوراً من اإليذاء والمحن التي وقعت للمتقدمين منهم والمستأخرين ،انظر الطبقات الكبري ،14 ،15 ، 13 /1مطبعة محمد علي صبيح
وأوالده – د.ت ،وله أيضاً اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر ، 15 /1مطبعة مصطفي البابي الحلبي وأوالده بمصر ،الطبعة األخيرة1342 ،هـ 1646 -م
.
( )2هو إمام الصوفية في وقته ،شهاب الدين أبو حفص عمر بن مح مد بن عبد الله السهر وردي ،إليه انتهت الرياسة في تربية المريدين ،والتسليك ،ودعاء الخلق
إلي الله ،ظهر له القبول من الخاص والعام ،ت 932هـ ،انظر شمس الدين الذهبي ،سير أعالم النبالء ،344 ،349 ،344 ،345 /22مؤسسة الرسالة ط،6
سنة 1513هـ -تحقيق /شعيب األرنؤوط ،محمد نعيم العرقسوسي.
( )3أبو حفص عمر بن محمد السهر وردي البغدادي ،عوارف المعارف ،الجزء الخامس من إحياء علوم الدين ص ،91 ،46 ،52دار الحديث ،د.ت ،وانظر
د /عبد الحميد عبد المنعم مدكور ،لمحة عن التصوف عند المسلمين ص ، 133 ،132بحث بمجلة المسلم المعاصر ،ال سنة الخامسة عشرة ،العدد ،91سنة
1511هـ 1661 -م ،إصدارات مؤسسة المسلم المعاصر والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي .
( )5هو اإلمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري الصوفي ،شيخ خراسان ،وأستاذ الجماعة ،قال عنه السمعاني :كان عالمة ف ي الفقه والتفسير
والحديث واألصول والشعر والكتابة وعلم التصوف ،جمع بين الشريعة والحقيقة ت 594هـ ،انظر ،شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان ،وفيات األعيان
وأنباء أبناء الزمان – 214 /3دار الثقافة ،لبنان ،تحقيق :إحسان عباس ،د .ت .
( )4الكدر :نقيض الصفاء ، ،انظر محمد بن مكرم بن منظور ،لسان العرب . 135 /4
( )9النعت :وصفك الشيء ،انظر المصدر السابق . 66/2
( )4أبو القاسم عبد الكريم القشيري ،الرسالة القشيرية في علم التصوف ص 21باختصار .
( )2هو محمد بن محمد أبو حامد الطوسي المعروف بالغزالي ،الفقيه الشافعي ،كان إماماً في علم الفقه مذهباً وخالفاً ،وفي أصول
الديانات ،وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد ،ثم ترك التدريس والمناظرة واشتغل بالعبادة ألحوال مرت به ،له الكتب الكثيرة التي
من تأملها عرف محل الرجل من فنون العلم ت 414هـ ،انظر أبو القاسم علي بن الحسين ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق 211 /44
وما بعدها ،دار الفكر ـ بيروت سنة 1664م ،تحقيق /محب الدين بن غرامة العمري .
( )6بزه يبزه بزاً :غلبه وغصبه ،انظر لسان العرب . 312 /4
324
الذاتية له ،ووجهته الوجهة الصوفية الجديدة ،وذلك ألنه رأي أن سيرتهم أحسن السير ،وطريقهم أصوب الطرق ،بل
يقول ( :لو جمع عقل العقالء ،وحكمة الحكماء ،وعلم الواقفين علي أسرار الشرع من العلماء ،ليغيروا شيئا ً من سيرهم
وأخالقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إلي ذلك سبيالً ،فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم ،مقتبسة
من نور مشكاة النبوة ،وليس وراء نور النبوة علي وجه األرض نور يستضاء به) ( . )1
ويري الدكتور :الحسيني أبو فرحة :أن التصوف هو أرفع درجات اإلسالم ،فاإلسالم درجات ،أعالها الدرجة التي فيها
الصوفية ،فهم كمل األمة اإلسالمية ( ، )2ويطول بنا الحديث ،وال يتسع المقام ،لو أردنا أن نعدد منزلة التصوف،
ونحصي مكانته لدي أنصاره ومحبيه والمائلين بقلوبهم إليه ،ولكن مما تجدر اإلشارة إليه هنا أن ثقة الصوفية بالتصوف،
واعتزازهم به ،وتفضيلهم له سواه ،لم تمنع شيوخ الصوفية أنفسهم من توجيه بعض النقد إلي من ينتسبون إلي
التصوف ،فليس كل من انتسب إلي التصوف مخلصاً ،وليس كل من اجتهد فيه مصيباً ،بل وجد من بينهم أصحاب
األغراض واألدعياء والمنحرفون عن مقاصد التصوف التي حددها شيوخه ،وقد كان الشيوخ يتعقبون هؤالء ويظهرون
عوراتهم ،ويتبرءون من أخطائهم ،وقد كان ذلك من أهدافهم في تأليف الكتب في التصوف ( . )3
( )1أبو حامد الغزالي ،المنقذ من الضالل ص ،124دار الكتاب المصري ،سنة 1515هـ 1665 -م -تحقيق د /عبد الحليم محمود
.
( )2مجلة التصوف اإلسالمي ص – 44العدد 119السنة 12جمادي آخر سنة 1519هـ -نوفمبر 1664م .
( )3د /عبد الحميد مدكور ،لمحة عن التصوف عند المسلمين ص . 139
344
المطلب الثالث
تاريخ النقد ال ذاتي للتصوف عبر القرون
إذا كان" الطوسي" ( )1هو أقدم من ألف في تاريخ التصوف فإنه يعتبر " واضع أساس هذا المنهج النقدي" كتابة،
( )3 ( )2
إذ خصص بابا ً في " اللمع" بعنوان " باب في ذكر من غلط من المترسمين بالتصوف ،ومن أين يقع الغلط ،وكيف وجوه
ذلك ،وقسم نقده إلي قسمين :ما يتعلق بالفروع ،وما يتعلق باألصول ( .)4
والظاهر أنه يقصد باألولي :بعض األمور العملية التي ترجع إلي السلوك وبعض آداب الطريق التي أخطأ فيها قوم دون
خروج علي أصول الدين وفقه العقيدة ،ولذا يقول عنهم " :ذكر من غلط في الفروع التي لم تؤدهم إلي الضاللة " ( ،)5
أما الثانية :فيعني بها الخطأ في المبادئ والمفاهيم ،والمعتقدات واألفكار التي قد تفضي إلي الخروج عن أصول العقيدة
الصحيحة ،ولذا يقول عنهم " ذكر من غلط في األصول ،وأداه ذلك إلي الضاللة ( " )6ثم ألحق بهم بعد ذلك طبقة ثالثة:
كان غلطهم فيما غلطوا فيه هفوة وزلة ،ال علة وجفوة ،فإذا تبين ذلك عادوا إلي مكارم األخالق ،ومعالي األمور ،فسدوا
الخلل ،ولموا الشعث ،وتركوا العناد ،وأذعنوا للحق ( . )7
يقول الدكتور " الشافعي" :ولكن الطبقة الثالثة ،إما أن تدخل في المخالفات الفرعية التي ال تؤدي إلي ضاللة ،أو أن
تهمل تماما ً في ب اب الغلط واالنحراف ،لما أنهم ال يلبثون أن يعودوا إلي االستقامة ويذعنوا للحق كما قال ( ،)8وعندي:
أن هؤالء يدخلون في المخالفات الفرعية ،ولكن ال ينبغي إهمال ذكر غلطاتهم وانحرافاتهم في باب الغلط ،ليكون الوجه
الصحيح للتصوف ظاهراً للعيان ،ال ينكره إال ذو رمد في عينيه ،فيعرف من هو داخل في إطاره ومن هو خارج عنه .
قال ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ سورة األنفال ،اآلية"42:
ومن النماذج التي ذكرها الطوسي ألخطاء من غلط في الفروع ،وهي موجودة بيننا إلي هاتيك اللحظة ووضح غلطهم
منذ أكثر من ألف عام - :جماعة ظنوا أن التصوف :هو السماع والرقص ،واتخاذ الدعوات ،وطلب اإلرفاق ،والتكلف
لالجتماعات علي الطعام ،وعند سماع القصائد ،والتواجد ( )9والرقص ،ومعرفة صياغة األلحان باألصوات الطيبة،
والنغمات الشجية ،واالختراع من األشعار الغزلية ،وقد غلطوا في ذلك ،ألن كل قلب ملوث بحب الدنيا ،وكل نفس
معتادة بالبطالة والغفلة ،فسماعه معلول ،وحركته وقيامه تكلف ،فمن ظن أنه يصير بتكلفه وحيله وتمنيه ،من المتحققين،
في وقت السماع ،وغير ذلك :فقد غلط في ذلك ( . )10
ومن النماذج التي ذكرها ألخطاء من غلط في األصول :فرقة ضلت في تفضيل الوالية علي النبوة ،ووقع غلطهم في
قصة موسي والخضر ( ،^ )11إذ يقول :
( )1هو أبو نصر عبد الله بن علي بن السراج الطوسي ،الملقب بطاووس الفقراء ،وشيخ الصوفية،وقال عنه السخاوي :كان علي طريقة
أهل السنة ،ت 342هـ ،انظر ترجمته في مقدمة كتابه " اللمع في تاريخ التصوف ، 4 ،5 ،3دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،
ط 1سنة 1521هـ 2111م ،بتحقيق /كامل مصطفي الهنداوي .
( )2د /حسن الشافعي ،فصول التصوف ص ، 216دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الفجالة ،مصر سنة 1519هـ 1669 -م .
( )3د /حسن الشافعي ،د /أبو اليزيد العجمي ،في التصوف اإلسالمي ص ،212دار السالم ،ط 1سنة 1522هـ .
( )5أبو نصر السراج الطوسي ،اللمع في تاريخ التصوف اإلسالمي ص . 393 ،392
( )4انظر المصدر السابق ص . 395
( )9المصدر السابق ص ،342د /حسن ا لشافعي ،فصول في التصوف اإلسالمي ص . 212
( )4اللمع ص . 393
( )2فصول في التصوف ص . 213
( )6هو استدعاء الوجد بضرب اختيار وليس لصاحبه ،كمال الوجد لما يتضمن من التكلف ،انظر الرسالة القشيرية ص . 123
( )11اللمع ص 341باختصار .
( )11علي األرجح اسمه " بليا" بفتح الب اء وكنيته " أبو العباس" ،وسمي بالخضر ،لقول رسول الله إنما سمي الخضر أنه جلس علي فروة بيضاء ،
فإذا هي تهتز من خلفه خضراء) ،انظر ابن حجر العسقالني ـ فتـح الباري بشرح صحيح البخاري 523 /9ـ المكتبة ا ٍإلسالمية ـ عين شمس ـ القاهرة ،
تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،والحديث رواه البخاري ،كتاب أحاديث األنبياء باب حديث الخضر مع موسي ،برقم . 3512
344
( سورة الكهف،اآلية،)65:ثم قال لموسي مع تخصيصه بالكالم
والرسالة
(سورة الكهف،اآلية ،)67:فيقول له موسي
( سورة الكهف،اآلية ،)73:فظنت
هذه الطائفة الضالة ،أن ذلك نقص في نبوة موسي وزيادة للخضر علي موسي في الفضيلة ،ففضلوا األولياء
علي األنبياء ،وقد ذهب عنهم أن الله خص من يشاء بما يشاء كيف يشاء ،وكل ولي من األولياء ينال ما ينال من
الكرامة بحسن اتباعه لنبيه ، فكيف يجوز أن يفضل التابع علي المتبوع ،والمقتدي علي المقتدي به ،وإنما يعطي
األولياء رشاشة مما يعطي األنبياء & وال ذي قال:إن األنبياء & يوحي إليهم بواسطة ،واألولياء يتلقفون ( )1من الله بال
واسطة ،فيقال لهم :غلطتم في ذلك ،ألن األنبياء ،هذا حالهم علي الدوام ،يعني اإللهام ،والمناجاة ،والتلقف من الله
بال واسطة ،واألولياء وقتا دون وقت ( . )2
وقد أطال الطوسي الحديث عن غ لطات الصوفية السابقين عليه والمعاصرين له ،حتى وصل عدد األوراق التي كتبها في
ذلك ،ما يقرب من خمس وعشرين ورقة ( )3بأسلوب بارع،ونقد سديد وفهم ثاقب ،وحب للتصوف ،وغيرة عليه ،فبارك
الله له جهده ،وشكر صنيعه ،وليت زماننا يجود بمثله .
وفي القرن الخامس الهجري:
صنف " السلمي" ( )4مؤلفا ً بعنوان "أصول المالمتية وغلطات الصوفية" ،والجزء الخاص بغلطات الصوفية ،معظمه
مأخوذ مما جاء في اللمع للطوسي ،وقد تجاوز السلمي في نقله من الطوسي أخذ المعني إلي أخذ اللفظ والعبارة ( . )5
ومن نفس رجال الفترة " القشيري" ( ،)6الذي كان أستاذ الجماعة في خراسان ( ،)7وصاحب الرسالة القشيرية ،والمتأمل
فيها يالحظ في وضوح اتجاه القشيري لتصحيح التصوف علي أساس عقيدة أهل السنة ،فيقول " :اعلموا – رحمكم الله
– أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم علي أصول صحيحة في التوحيد ،صانوا بها عقائدهم عن البدع ،ودانوا بما
وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل وال تعطيل ،وعرفوا ما هو حق القدم ،وتحققوا بما هو نعت
الموجود عن العدم ،قال سيد هذه الطريقة الجنيد ( )8ـ ~ ـ :التوحيد إفراد القدم من الحدث ( ")9وينطوي كالمه هذا علي
إنكار ضمني علي صوفية الشطح ( ،)10الذي ن نطقوا بعبارات توهم الخلط بين صفات األلوهية وأخصها القدم ،وصفات
البشرية وأخصها الحدوث ،إال أنه يصرح في موضع آخر بنقدهم قائالً " :وادعوا أنهم تحرروا عن رق األغالل،
وتحققوا بحقائق الوصال ،وأنهم قائمون بالحق تجري عليهم أحكامه ،وهم محو ،وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه
عتب وال لوم" ( . )11
( )1اللقف :تناول الشئ يرمي به إليك ،انظر أبو منصور محمد بن أحمد األزهري – تهذيب اللغة ،131 /6دار إحياء التراث العربي
،بيروت ،ط 1سنة 2111م ،تحقيق /محمد عوض مرعب .
( )2اللمع ،344 ،345باختصار كبير .
( )3اللمع من . 329 ،392
( )5هو محمد بن الحسين بن محمد أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي النيسابوري ،صاحب مصنف طبقات الصوفية ،ت 512هـ ،
انظر أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ،252 /2دار الكتب العلمية ،بيروت ،د.ت .
( )4أبو عبد الرحمن السلمي ،أصول المالمتية وغلطات الصوفية ص ، 144مطبعة اإلرشاد بمصر ،سنة 1514هـ 1624 -م،
( )5سبقت ترجمته . تحقيق د /عبد الفتاح أحمد الفاوي محمود .
( )9سبقت ترجمته . ( )4وفيات األعيان . 214 /3
( )6الرسالة القشيرية ص . 22
( )11الشطح هو عبارة عن كلمة عليها رائحة رعونة ودعوي ،انظر الجرجاني ـ التعريفات ص ،112مطبعة مصطفي البابي الحلبي
وأوالده بمصر سنة 1344هـ ـ 1632م .
( )11الرسالة القشيرية ص . 21
342
ويعطينا القشيري صورة أخري عن انحرافات صوفية القرن الخامس في عبارات أخاذة ،قائالً " :إن المحققين من هذه
الطائفة ( الصوفية) انقرض أكثرهم ،ولم يبق في زماننا من هذه الطائفة إال أثرهم ،كما قيل:
( )1
وأري نساء الحي غير نسائها .. أما الخيام فإنها كخيامهم
حصلت الفترة ( )2في هذه الطريقة ،ال بل اندرست الطريقة بالحقيقة ،ومضي الشيوخ الذين كانوا بهم اهتداء ،وقل
الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء ،وزال الورع وطوي بساطه ،واشتد الطمع وقوي رباطه ،وارتحل عن
القلوب حرمة الشريعة ،فعدوا قلة المباالة بالدين أوثق ذريعة ،ورفضوا التمييز بين الحالل والحرام ،ودانوا ( )3بترك
االحترام ،وطرح االحتشام ( ، )4واستخفوا بأداء العبادات ،واستهانوا بالصوم والصالة ،وركضوا ( )5في ميدان الغفالت،
وركنوا إلي اتباع الشهوات ،وقلة المباالت بتعاطي المحظورات" ( ،)6وقد يكون في كالمه هذا شئ من المبالغة ،ولكنه
علي أي حال دلنا علي أن التصوف في عصره بدأ ينحرف عن مساره األول من ناحية العقيدة ،أو من ناحية األخالق
والسلوك ،علي السواء ،ولذلك يعلن القشيري أنه كتب رسالته غيرة منه علي هذه الطريقة ،فهو ال يريد أن يذكر أحد
أهلها بسوء ،مستنداً إلي انحراف بعض األدعياء لها ،فهي علي حد تعبيره " سلوي عن الشكوي" مما كان عليه تصوف
عصره ( . )7
وفي نفس الفترة يعالج " الهجويري"( )8ذات الموضوع علي أساس االختفاء التام لعلم التصوف في زمنه ،خصوصا ً في
( )10
المنطقة التي يعيش فيها ( ،)9وأنه لم ي بق منه إال صورة مشوهة مخالفة لألصل ،يقول :اعلم أن هذا العلم قد اندرس
في الحقيقة في زمننا ،وبخاصة في هذه الديار ،حيث انشغل الخلق جميعا ً بأهوائهم ،وقد بدت لعلماء هذا العصر وأدعياء
هذا الوقت ،صورة لهذه الطريقة علي خالف أصلها ،ثم يبدي تعجبه من صوفية زمانه الذين أسموا النفاق زهداً ،وهذيان
( )11الطبع معرفة ،وحركات القلب وحديث النفس محبة ،والزندقة فناء ( ،)12وترك طريق النبي شريعة ( ،)13وإذا
أمر الصوفية كذلك في القرن الخامس الهجري ،فكيف لو عاش القشيري والهجويري إلي عصرنا ،ورأيا ما عليه
صوفية زماننا من الهنات والتخبيط والبدع ،فماذا يقوالن ؟!!! .
وفي القرن السادس الهجري -:
( )1ينسب البيت لـ " علي بن أحمد بن سلك الفالي ،وكنيته" أبو الحسن" ،ويعرف بالمؤدب ،مات سنة 552هـ ،انظر أبو عبد الله
ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ،452 ،451 /3دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1511هـ 1661 -م .
( )2الفترة :االنكسار والضعف ،وفتر الشئ أي سكن بعد حدة ،والن بعد شدة ،لسان العرب . 53 /4
( )3يقال :دان إذا أطاع ،ودان إذا عصي ،ودان إذا اعتاد خيراً أو شراً ،انظر المصدر السابق . 141 /13
( )5أي الحياء :انظر السابق . 134 /12
( )4الركض :تحريك الرجل ،انظر محمد بن أبي بكر ،عبد القادر الرازي ،مختار الصحاح ص ،244الهيئة المصرية العامة لشئون
المطابع األميرية ،ط 11سنة 1334هـ 1619 -م ،تحقيق /السيد محمود خاطر .
( )9الرسالة القشيرية ص ،21 ،21باختصار .
( )4انظر د /أبو الوفا التفتازاني ،مدخل إلي التصوف االسالمي ص ، 152 ، 154دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة ،ط الثالثة ، ،د.ت .
( )2هو أبو الحسن علي بن عثمان الهجويري ت 594هـ .
( )6غزنة وتقع اآلن علي الطريق بين كابل وقندهار في أفغانستان .
( )11أي عفا ،انظر مختار الصحاح ص . 213
( )11الهذيان كالم غير معقول ،انظر الخليل بن أحمد الفراهيدي ،العين ، 21 /5دار هالل ،تحقيق د /مهدي المخزومي ،د /إبراهيم
السامرائي ،د.ت .
( )12الفناء :سقوط األوصاف المذمومة ،وهو علي نوعين ،أحدهما ما ذكرناه ،والثاني عدم اإلحساس بعالم الملك والملكوت ،انظر
السيد الشريف الجرجاني ،التعريفات ص ، 152والمراد بالعبارة التي أوردها الهجويري أن بعض الصوفية في زمانه خرجوا عن الشرع ،وإن
حاجهم حاج ادعوا أنهم أهل فناء ،ووصول إلي الله – عز وجل ،فال عتب عليهم في شئ يفعلونه .
( )13أبو الحسن علي بن عثمان الهجويري ،كشف المحجوب ، 166 ،164 ،34 /1المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ،القاهرة
سنة 1525هـ 2115 -م ،تحقيق د /إسعاد عبد الهادي قنديل ،مراجعة د /أمين عبد المجيد بدوي .
344
قسم " أبو حامد الغزالي" ( ، )1متصوفة زمانه إلي فرق كثيرة ،وأخذ ينتقد أفعالهم ،ويعدد أخطاءهم فرقة بعد أخري،
مبينا ً مواطن غرورهم وانحرافهم عن المنهج السوي ،وهذا يدل علي أن حبه للتصوف وانخراطه في حوزة أهله لم يقف
حجر عثرة وحائالً دون بيان غلط الغالطين ،وغرور المغرورين ،وال عجب في ذلك ،فقد انتقد من قبل طرائق الفالسفة
والحكماء والمتكلمين ،والموسومين بالعلم فيما بين الناس ،يقول الغزالي عن الصوفية" :وما أغلب الغرور علي هؤالء
المغرورين – منهم متصوفة أهل هذا الزمان – إال من عصمه الله – ممن اغتروا بالزي والمنطق والهيئة ،ولم يتعبوا
أنفسهم قط بالمجاهدة والرياضة والمراقبة للقلب في تطهير الباطن والظاهر" ( ،)2وهذا نقد من الغزالي لفئة من
الصوفية ،أطلق عليهم " ابن تيمية " ( )3من بعده صوفية الرسم ( ،)4أي الشكل وا لهيئة والمظهر ،وهؤالء ليسوا من
جنس صوفية أهل الحقائق وإنما هم دخالء علي الطريق ،وضررهم أشد من ضرر اللصوص .
ومن المتصوفة من يبغض الفقهاء والعلماء والمحدثين ،ويعتقد أنه أعلي منهم مقاماً ،وأسمي منهم منزلة ،وأشرف منهم
علما ،إذ أنه عليم في علم الباطن ،وهؤالء فقهاء في العلم الظاهر ،وقد يتشدق أحد هؤالء فيقول ساخراً من الفقهاء
والمحدثين :علمكم علم الورق ،وعلمنا علم الخرق ،أخذتم علمكم ميتا ً عن ميت ،وأخذنا علمنا عن الحي الذي ال يموت،
علمكم القشر ،وعلمنا اللباب ،وما دري أولئك أن الصوفي ما هو إال فقيه عمل بعلمه ،وأنه البد للتصوف من الفقه ،كما
أنه ال استغناء للناس عن الشمس ،وينتقد الغزالي هذا الصنف من الصوفية ،الذين كانوا سبباً واضحا ً – في نظري – في
توهج وازدياد الخالف بين الصوفية وغيرهم فيقول " :وفرقة أخري ادعت علم المكاشفة ،ومشاهدة الحق ،والوصول
إلي القرب ،فينظر إلي المحدثين والمفسرين ،وأصناف العلماء ،بعين االزدراء ،فضالً عن العوام ،وهو من الحمقي
الجاهلين ،لم يحكم قط علما ،وال يراقب قلباً" ( ،)5ومن جهالء الصوفية من اعتقد أن من توكل علي الله حق توكله،
استوي عنده السبب وعدمه ،وإنهم يجهلون أن مقام التوكل من أعمال القلوب ،ولذلك كان سيدنا رسول الله وهو الذي
قام بتمام العبودية المطلوبة منه في هذا المقام ،آخذاً باألسباب الظاهرة ،مع عقد قلبه علي أنها ال تنفع وال تضر إال بإذن
الله ،فقلبه مع الله – تعالي -باطناً ،وجوارحه في األخذ باألسباب ظاهراً ،وينتقد الغزالي فرقة من الصوفية غفلوا عن
الوجه الحقيقي للتوكل فقال عنهم" :ومنهم من يخوض البوادي من غير زاد ،ليصحح التوكل ،وليس يدري أن ذلك بدعة
لم تنقل عن السلف والصحابة . )6 ( "
والطريق إلي الله وعرة ،يكتنفها الكثير من المخاطر ،واالبتالءات ،سواء بالشر أو الخير ،ومن لم يرزق من الله
عوناً ،وال من الذات العلية توفيقاً ،فإنه سيحرم الوصول إلي مقصده ،وكثير من الصوفية اغتروا بما شاهدوا ،فربما
تعلقت قلوبهم بما رأوا ،وربما نطقوا بألفاظ ظاهرها كفر ،وفيها دعوي أنهم وصلوا ،ولكنهم ما اتصلوا ،يقول الغزالي ـ
~ ـ " :وفرقة أخري ابتدأوا سلوك الطر يق ،وانفتحت لهم أبواب المعرفة ،فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة فرحوا
بها ،فتعلقت قلوبهم بااللتفات إليها ،والتفكر فيها ،فحرموا الوصول إلي المقصد ،وفرقة أخري جاوزت هؤالء ،ولم تلتفت
إلي األنوار التي في الطريق،جادين في السير ،فلما قاربوا الوصول ،ظنوا أنهم وصلوا،فربما صرح أحدهم وقال:أنا
الحق( ،)7وبهذه العين نظر النصارى إلي المسيح ـ ـ فغلطوا" ( )8هذه بعض أنواع الغرور ،في طريق السالكين إلي
الله من الصوفية ،سطرها " الغزالي" لتكون عبرة وعظة لمن سلك سبيلهم إلي يوم الدين .
وفي القرن السابع الهجري-:
( )1هو محمد بن علي بن محمد ابن عربي ،أبو عبد الله الطائي األندلسي ،لقب عند الصوفية بالشيخ األكبر ،وله مصنفات كثيرة منها الفتوحات
المكية وفصوص الحكم وغيرهما ت 932هـ ،انظر إسماعيل بن عمر بن كثير ،البداية والنهاية ،149 /13مكتبة المعارف ،بيروت ،د.ت .
( )2زار ابن عربي مصر والشام ،وله في كل بلد دخلها مؤلفات ،انظر الطبقات الكبري للشعراني .193/1
( )3هو رباط الصوفية ومتعبدهم ،انظر محمد مزدنى الحسيني الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس ، 345 /39دار الهداية،
تحقيق /مجموعة من المحققين ،د.ت .
( )5الرقعة :الخرقة ،انظر لسان العرب . 132 /2
( )4أي ما يشتهرون بها بين الناس أنهم صوفية .
( )9ترجيل الشعر أي :إرساله بمشطه ،انظر مختار الصحاح ص . 239
( )4العكازة هي عصا في أسفلها زج يتوكأ عليها الرجل ،انظر لسان العرب . 321 /4
( )2محيي الدين ابن عربي ،روح القدس في مناصحة النفس ص ، 39الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2114م ،تحقيق د /حامد
طاهر .
( )6ربوض الغنم والبقر والكلب مثل بروك اإلبل وجثوم الطير ،مختار الصحاح ص . 226
( )11روح القدس ص . 34
( )11التوشح بالرداء مثل التأبط واالضطباع ،لسان العرب . 933 /2
( )12روح القدس ص . 34
( )13تقول العرب للرجل األحمق طغامة والجمع الطغام ،لسان العرب . 392 /12
( )15روح القدس ص . 32
( )14القطب بفتح القاف :تزوي ما بين العينين عند العبوس ،انظر العين . 114 /4
( )19روح القدس ص . 36 ، 32
344
عربي " :وأما المدعون في هذه الطريقة ،فقد قاربوا الخروج من الجماعة ( ،)1بل خرجوا ،فطائفة بلغني عنهم أنهم
استغنوا عن شفاعة الرسول ، لما تحققوا به مع الحق من حقائق الوصال ،ولو رأيت أحوالهم ،لرأيت نقيصة الكون،
وما تسخن به العين ،وقال من تبرز ( )2فيها إماماً ،تحل إليه الحبا ( ،)3وهو ال يعرف ما خلق له ،وال يرتضي ،ويدعي
الكشف األتم مع الحق ،فقال :إن الجنة لم تخلق ،هذا أعطاه كشفه المكشوف ،وعقله السخيف المتلوف ( . )4
لقد انتقد " الشاذلي" عمليا – الفكرة الخاطئة عن التصوف ،وهي أنه يدعو إلي الفقر والكسل وترك الدنيا بالكلية ،إذ كان
يعمل في الزراعة علي نطاق واسع ،فهو يتحدث في خطاب له ألحد أصدقائه عن سبب تأخيره في السفر فيقول" :
وسبب اإلمساك عن السفر زرع لنا يدرس ،قد حرث لنا في ثالثة مواضع" ( ،)4ويعلق اإلمام عبد الحليم محمود ،
( )5
علي هذا بقوله :وإن الذي يؤخر أبا الحسن عن السفر ليس هو زرع فدان أو فدانين ،وال حصد فدان أو فدانين ،فاألرض
قد حرثت في ثالثة مواضع ( ، )6ويعلن أن المالبس الرثة ال عالقة لها بالتصوف ،دخل عليه مرة فقير ( صوفي) ،
وعليه لباس من شعر ( صوف) ،فلما فرغ الشيخ من كالمه ،أمسك الفقير بمالبس الشيخ ،وقال له :ما عبد الله بمثل هذا
اللباس الذي عليك ( وكان لباس الشيخ لباسا ً لينا ) ،فأمسك الشيخ بملبس الفقير فوجد فيه خشونة ،فقال له :وال عبد الله
بمثل هذا اللباس الذي عليك ،ولباسي يقول :أنا غني عنكم فال تعطوني ،ولباسك يقول :أنا فقير إليكم فأعطوني ( . )7
وفي القرن التاسع الهجري:
يعترف " أحمد زروق" ( )8أن الصوفية وقعوا في الطامات ،وتكلموا بالشطحات ،حتى كفر من كفر ،وبدع من بدع،
وفسق من فسق ،بواضح الشريعة ،ولسان العلم ظاهراً وباطنا ً ،فلزم التحفظ في القبول ألنه ال يؤخذ إال عن الكتاب
والسنة ،وفي اإللقاء بأنه ال يلقي إال بالوجه السائغ فيهما من غير منازع ،وإال فال عتب علي منكر استند إلي أصل
صحيح ( . )9
وفي القرن العاشر الهجري-:
كتابا ً بنقد مرير والذع لمدعي التصوف في عصره ،هو كتاب " تنبيه )10 (
خصص اإلمام " عبد الوهاب الشعراني"
( )11
المغترين أواخر القرن العاشر علي ما خالفوا فيه السلف الطاهر " ،وذكر في مقدمته أنه كالسيف القاطع لعنق كل
مدع للمشيخة في هذا الزمان بغير حق ،ألنه يفلسه حتى يري نفسه منسلخة من أخالق القوم ،كما تنسلخ الحية من ثوبها
( ، )12واستفتح حديثه عن أخالق السلف بخلق " مالزمة الكتاب والسنة" ،وبين أنهم يالزمونهما مالزمة الظل للشخص،
وال يتصدر أحدهم لإلرشاد إال بعد تبحره في علوم الشريعة المطهرة ،بحيث يطلع علي جميع أدلة المذاهب المندرسة
( )13والمستعملة ( ، )14ومن ذلك نقد شيوخ التصوف في عصره ،في أنهم لم يكونوا علي قدر من العلم والفقه ،يقول :هذا
( )1هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي ،من شاذلة قريبة من إفريقية ،الضرير الزاهد ،نزيل اإلسكندرية ،وشيخ الطريقة الشاذلية ،مات وهو في طريقه إلي
الحج سنة 949هـ ،انظر عبد الوهاب الشعراني ،الطبقات الكبرى . 12 :5/2
( )2هو محمد بن علي بن وهب أبو الفتح تقي الدين القشيري ،ولي قضاء الديار المصرية سنة 964هـ ،وتوفي بالقاهرة سنة 412 ،هـ ،انظر عنه اإلمام
السيوطي ،طبقات الحفاظ ،419 /1 ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1513هـ .
( )3الحافظ عبد الله الصديق الغماري ،اإلعالم بأن التصوف من شريعة اإلسالم ص ،92علق عليه عصام محمد الصاوي ،مكتبة
القاهرة ،ط 2سنة 1525هـ 2115 -م .
( )5اإلمام عبد الحليم محمود ،أبو الحسن الشاذلي ص ،14جمع وترتيب محمد عبد الله ،مكتبة اإليمان بالقاهرة ،د.ت .
( )9أبو الحسن الشاذلي ص . 14 ( )4شيخ األزهر األسبق .
( )4ابن عطاء الله السكندري ـ لطائف المنن ص 214تحقيق د /عبد الحليم محمود ،دار الشعب ،سنة 1519هـ 1629 -م .
( )2هو أحمد بن أحمد بن محمد الفاسي المعروف بـ " زروق" المتوفي سنة 266هـ .
( )6أحمد زروق ،قواعد التصوف ،قاعدة ،215ص ، 129دار الكتب العلمية بيروت ،لبنان ،ط 3سنة 1522هـ 2114 -م ،
تحقيق /عبد المجيد خيالي .
( )11هو عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن ذوقا الشعراني المصري الشافعي الصوفي ،كان من جلة مشايخ الصوفية في عصره ت
643هـ ،انظر نجم الدين محمد بن محمد الغزي ،الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة ص ،552بدون بيانات .
( )11طبعته مؤخراً المكتبة الثقافية الدينية بمصر ،ط 1سنة 1524هـ 2114 /م ،تحقيق د /أحمد عبد الرحيم السايح ،المستشار /توفيق علي وهبه .
( )5التي عفا عليها الزمن . ( )12المصدر السابق ص . 5
( )9أي صوفية . ( )15المصدر السابق ص . 12
344
الخلق قد صار غريبا ً في فقراء ( )1هذا الزمان ،فصار أحدهم يجتمع بمن ليس له قدم في الطريق ،ويتلقف منه كلمات
في الفناء والبقاء والشطح ( ،)2بما ال يشهد له كتاب وال سنة ( .)3
وضرب علي ذلك شاهداً ومثاالً وقع معه ،يقول :وقد دخل علي شخص منهم فصار يخوض بغير علم وال ذوق في الفناء
والبقاء ،ومعه جماعة يعتقدونه ،فواظبني أياماً ،فقلت له :أخبرني عن شروط الوضوء والصالة ما هي؟ فقال لي :أنا ما
قرأت شيئا ً في العلم ،فقلت له :يا أخي ،إن تصحيح العبادات علي الكتاب والسنة أمر واجب باإلجماع ،ومن لم يفرق بين
الواجب والمندوب ،وال بين المحرم والمكروه ،فهو جاهل،والجاهل ال يجوز االقتداء به ال في طريق الظاهر وال في
طريق الباطن،فخرس ولم يرد جوابا ً ( ،)4كذلك انتقد قول القائلين من الصوفية " بحجية اإللهام" ( ،)5وقال :قد زل في
هذا الباب خلق كثير ،فضلوا وأضلوا ،ولنا في ذلك مؤلف سميته " حد الحسام في عنق من أطلق إيجاب العمل باإللهام
( . )6
المطلب الرابع :النقد الذاتي للتصوف في العصر الحديث
ولقد سرت تلك الروح إلي عصرنا ال ذي صار التصوف فيه حرفة لبعض المعممين ،يتصيدون به األتباع ،ويجمعون به
األموال ،ويرددون عبارات الصوفية ،كما تردد الببغاء كلمات المتكلمين ،دون فهم لمعناها ،وعمل بمقتضاها .
إن التصوف في العصر الحديث ال يخفي علي عاقل منصف ما أصيب به من ركود واندثار ( أقصد كعلم ) ،بسبب
المخالفات الكثيرة التي وقع فيها – عمداً أو سهواً أو جهالً – أتباع الطرق الصوفية ،سواء في أمور العقيدة أو مجاالت
السلوك ،والواقع خير شاهد ،وليس المخبر كالمعاين ،وليس من راء كمن سمعا ،ألن العيان أشفي من الخبر ،ولكن تلك
المخالفات ،كما أنها انتقدت م ن قبل علماء ال ينتمون إلي التصوف ،ألنهم رأوا مناقضتها لظاهر الكتاب والسنة ،انتقدها
– كذلك -بعض الصوفية أنفسهم ،بدافع الحب للتصوف الصحيح والغيرة علي أهله .
-1فهذا هو د /التفتازاني ،األستاذ الجامعي ( ،)7وشيخ مشايخ الطرق الصوفية األسبق :ينتقد الطرق الصوفية وما آلت
إليه في القرون المتأخرة من شغف بالوالية واألولياء والكرامات والقباب التي شيدت علي القبور ،وأخذت من
األموال الكثير والكثير فيقول عن أتباعها" :انصرف أتباع هذه الطرق شيئا ً فشيئا ً إلي الشكليات والرسوم ،وابتعدوا
عن العناية بجوهر التصوف ذاته ،وسيطرت علي جما هير المنتسبين إلي تلك الطرق األوهام والمبالغة في التحدث
بمناقب األولياء وكراماتهم ،التي لم يكن يأبه لها المحققون من أوائل شيوخ التصوف ،ولم يكن يعتبرونها دالة علي
كمال العلم والعمل ،ومن هنا استهدفت الطرق لنقد شديد في العصور الحديثة من المصلح الديني محمد بن عبد
الوهاب ( )8وأتباعه ( . )9
( )2سبق توضيح معني الفناء والشطح ،أما البقاء فإنه يعني :رؤية العبد قيام الله علي كل شئ " انظر التعريفات للجرجاني ص . 239 ، 112
( )6نفس المصدر والموضع . ( )3تنبيه المغترين ص . 12
( )4اإللهام هو أن يلقي الله – تعالي -في النفس أمراً يبعثه علي الفعل والترك ،وكثيراً ما يعبر الصوفية عن اإللهام " بالكشف" ،ألنه يكشف لهم عن أمور مغيبة عما سواهم ،واعتبر الغزالي
الكشف أمراً يطلب ،والحقيقة أنه أمر يوهب ،وقد ناقشه القرضاوي في ذلك ،انظر كتاب ه موقف اإلسالم من اإللهام والكشف والرؤي ص ، 114 ،65 ،19وما بعدها – مؤسسة الرسالة -
ط 1سنة 1514هـ 1669 -م .
( )9اآللوسي ،روح المعاني ، 14 / 19دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،د .ت .
( )4هو األستاذ الدكتور /أبو الوفا الغنيمي التفتازاني ،من مواليد كفر الغنيمي ( 1631هـ 1665 -م) ،رئيس قسم الفلسفة بكلية
اآلداب ،جامعة القاهرة ،سابقاً ،وأنشأ أقسام الفلسفة بجامعات بيروت وقطر وعمان والكويت ،وهو شيخ الطريقة الغنيمية ،وشيخ
مشايخ الطرق الصوفية في مصر ،وكان التصوف مدار حياته منذ شبابه ،وتخصصه األكاديمي ،انظر د /عبد المنعم الحفني ،الموسوعة
الصوفية ص ،112ترجمة ،414مكتبة مدبولي ،ط 1سنة 1525هـ 2113 -م .
( )2هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب المشرفي التميمي النجدي ( 1219 – 1114هـ ) ( 1461 – 1413م ) ،أحد كبار أعالم
الدعوة السلفية في عصرنا ،ودعوته رائدة الحركات اإلصالحية التي ظهرت إبان التخلف والجمود الفكري في العالم اإلسالمي ،انظر
لالستزادة الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب واألحزاب المعاصرة ،195 /1إشراف وتخطيط د /مانع بن حماد الجهني ،دار
الندوة العالمية للطباعة والنشر ،ط 3سنة 1512هـ .
( )6مدخل إلي التصوف اإلسالمي ص . 259
344
-2وذلك رائد العشيرة المحمدية " محمد زكي إبراهيم " ( )1ال يعجبه هذا اللون من الذكر الذي نسمعه من بعض
المنتسبين إلي طوائف الصوفية ،بكلمة " أه ،أه " أو بغيرها ،فيقول في جرأة وشجاعة " :أما تحريف أسماء الله
الحسني في حلقات الذكر ،فإنه حرام بإجماع أئمة التصوف ،وحسبك فيه قول الله – تعالي -
( سورة
األعراف،اآلية ،)180:وهذا اإللحاد يشمل نحو ق ولهم ها،ها ،أو "هي،هي " أو " أه ،أه " ( ،)2وغير ذلك من
األصوات الساذجة الحمقاء ،التي ال تكون أبداً من كرام الناس ،وال من أفاضلهم ،ال أسلوبا ً وال أداء .
وفي ذلك يقول الشيخ األخضري ( )3في أرجوزته الصوفية:
..فألحدوا في أعظم األسماء أبقوا من اسم الله حرف الهاء
( )4
..تخر منه الشامخات هدا . لقـــد أتوا والله شيئـا ً إدا
-3وينتقد محمد زكي إبراهيم ،كذلك – ما في حلقات الذكر ،أو الحضرات ،من رقص أو طبل أو تمايل وأصوات ينفر
منها العقل السليم ،ويأباها الطبع النظيف ،ويقبل عليها الشباب المبك وت ،تلك األمور التي هي نوع من الهزل
والتمثيل الصاخب وال تدل علي أن صاحبها ذاكر لله – -حقا ً ،وال أن قلبه مطمئن بذكره يقيناً ،قال ﮋ ﰈ ﰉ
ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ (سورة الرعد،اآلية ،)28:وقال أيضاً:ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﰊ ﰋ ﰌ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸﮊ) سورة األنفال،اآلية )2:يقول الشيخ ":فأما استخدام الرقص
والطبل والزمر والغناء ،فيما يسمي (حلقات الذكر) ،فليس من دين الله (قوالً واحداً) سواء عند أئمة الصوفية ،أو
غير الصوفية ،وإنما هو من الدخيل والدسيس الذي تسرب إلي التصوف ،فأفسده ،وأساء إليه ،يقول شاعر الصوفية:
يا عصبة ماضر أمة أحمــــــد ..وسعي علي إفسادها إال هي
طار ،ومزمار ،ونغمة شــــادن ..أتكون قط عبادة بمالهي" ( . )5
وما أروع وأجل مما يقول الشيخ عن ذلك في أبيات من قصيدته " هذا تصوف المسلمين " -:
ليس التصوف رقص الراقصين وال ..طبل وزمر وتصخاب ( )6وتهييج
وال هو الذكر باأللفاظ ساذجـــة ..محرفات وال صعق ( )7وتشنيج
وال مواكب رايات ملونـــــة ..فيها لما يغضب الديان ترويـج
وال العمة الكبري وال سبــــح ..حول الرقاب ،وال جمع مفاليج
( )1
وال التعطل أو دعوي الواليــة أو ..صنع الخوارق ،أو كذب وتدبيج
( )1هو رائد العشيرة المحمدية ومؤسسها رسميا سنة 1631م ،لتكون وسيلته للدعوة اإلصالحية اإلسالمية الصوفية ،وقد عمل عضواً في الهيئة العليا
للدعوة باألزهر ،وقام بعدة مؤتمرات من أجل تطبيق الشريعة اإلسالمية ،عرضت عليه مشيخة الطرق الصوفية فأبي وقال :ما سرني أن صرت شيخ ًا
لطبال وزمار ،ت 1516هـ 1662 -م ،انظر منتدي الصوفية للتراجم والمناقب ،الشبكة العنكبوتية – تاريخ الزيارة 2111 /2 /2م .
( )2يقول اإلمام األكبر الشيخ محمود شلتوت " :أما الذكر بكلمة "أه" فهي لفظ مهمل ،ليس له معني في اللغة العربية ،وليس قطعاً من
أ سماء الله الحسني التي وردت في الكتاب ،أو صح ورودها عن الرسول ، وذكر الله عبادة ،وال يصح لنا أن نعبده إال بما أذن لنا أن
نعبده به ،انظر الفتاوي ص ،164دار الشروق ط 9سنة 1642م .
( )3هو عبد الرحمن بن محمد بن الصغير األخضري الجزائري المالكي ،كان متين الديانة علماً وزهداً وورعا ،وله الكثير من المنظومات
في فنون العلم المختلفة ت 623هـ ،انظر إسماعيل باشا البغدادي ،هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، 454 ،459 /4
دار الكتب العلمية – بيروت سنة 1513هـ 1662 -م .
( )5محمد زكي إبراهيم ،أبجدية التصوف اإلسالمي بعض ماله وما عليه ص 41باختصار ،مطبوعات العشيرة المحمدية ،ط،4
.
( )4نفس المصدر ص 52 ،54باختصار .
( )9اصطخب القوم :تصايحوا ،المعجم الوجيز ص ، 391سنة 1514هـ 1669 -م .
( )4صعق الرجل ،بكسر العين :غشي عليه ،انظر مختار الصحاح ص . 393
344
إن التصوف فقه الدين قاطبــــة ..والفقه بالدين توثيق وتخريج
( )2
إن التصوف ( تحقيق الخالفــة في ..أرض اإلله ) وإال فهو تهريج .
-4ويبدو أن استخدام الرقص أو الدوران الذي يقع من بعض المتصوفة أثناء حلق الذكر بات محل سخط واعتراض
وتذمر ليس من شيوخ التصوف فحسب ،وإنما حتى من المائلين إلي نصرة المذهب وأتباعه ،فهذا هو الدكتور
البوطي ( ، )3ينتقد علي طوائف من المتصوفة وقعت في هذه المنكرات ،وتلوثت بهذه المحرمات يقول " :وقد اختلق
بعضهم زيادة علي الحديث ( يقصد حديث تقديم أبي بكر ماله كله للرسول ،)وأنه أجابه حينما سأله ،ما أبقيت
ألهلك " :أبقيت لهم الله ورسوله" ( :)4أن النبي قال له :يا أبا بكر ،إن الله راض عنك فهل أنت راض عنه؟
فاستفزه السرور والوجد ، ،وقام يرقص أمام رسول الله قائالً :كيف ال أرضي عن الله ؟! " ثم ذهبوا يجعلون من
( )5
هذه الزيادة المختلقة دليالً علي مشروعية الرقص والدوران ،في حلق الذكر علي نحو ما يفعل " المولوية"
وطوائف أخري من المتصوفة .
فأما الدليل الذي يستندون إليه ،فهو دليل مختلق ،وأما المدلول ،فال نقول :إنه لم يثبت عليه ،بل الحق الذي ينبغي أن
يقال :إن الدليل قد ثبت علي حرمته ثم ذكر رأي الجمهور ليقطع دابر األلسنة المتكلمة في المسألة فقال " :ذهب
الجمهور إلي أن الرقص محرم ،إن كان مع التثني ( ،)6واتفقوا علي أنه مكروه إن كان بدون ذلك" ثم قال معقباً" :
فإدخال الرقص – مهما كانت كيفيته – في ذكر الله ـ تعالي ـ إقحام لما هو مكروه أو محرم في عبادة مشروعة،
وتحويل له بذلك إلي عبادة يتقرب بها إلي الله دون دليل عليها ،أضف إلي ذلك ما يتلبس به حال هؤالء ( الذاكرين) من
التفوه بأصوات ليست من ألفاظ الذكر في شئ ،وإنما هي حمحمات وهمهمات تصاعد من حلوقهم ،ليتكون منها دوي
متناسق معين ينسجم مع تواقيع المنشدين والمطربين ،فتحــدث بذلك مزيداً من النشوة والطـرب في النفوس ،فكيف يكون
هذا ذكراً لله – تعالي ـ ،وكيف يكون هذا العمل عبادة ،ثم نظر " البوطي" إلي مبتدعة الرقص في الذكر نظرة كلها
ازدراء واستهجان لما يفعلونه فيقول " :فكم من محرمات استحلوها ،ومن موبقات ارتكبوها ،باسم الوجد أو التواجد آناً،
وباسم االنعتاق من ربقة التكاليف آنا ً آخر ( .)7
وقد يتعجب القارئ من موقف الدكتور " البوطي" من هذه القضية ،لشهرته أنه ميال إلي المتصوفة ،ولكنه سعي حثيثا ً
إلزالة أي عجب يكتنف نفوس قارئيه ومحبيه ،ونري أن ما قاله من سبب جدير بالقبول ،وجدير أن تختم به كالمنا ،بل
ويعمم في جميع نقاط بحثنا هذا ،يقول " :قد يعجب البعض من أني أنكر علي الوهابية ( )8الكثير من آرائهم ،مع ما أفعله
هنا من االنحياز إليهم ،الستنكار ما يراه اآلخرون ( يقصد الصوفية ) وال ريب أن هذا العجب إنما هو نتيجة تصور
خاطئ لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم ،فليس من اإلسالم في شئ أن يتحول لدينا البحث العلمي في العقل إلي
عصبية مستحكمة في النفس ،وهيهات أن يكون من اإلسالم في شئ ما يفعله بعضهم من االنتصار لما عرف به من
مذهب ورأي ،مصطنعا ً بذلك االنتصار لإلسالم ،وهو يعلم في قرارة نفسه أنه إنما ينتصر للرأي الذي أصبح جزءاً من
شخصيته وكيانه بين الناس ،ال ينبغي للمسلم (لدي البحث العلمي) ،أن يضع أي شئ نصب عينيه إال كتاب الله وسنة
رسوله ،وال يجوز له أن يدع أي سلطان من دون سلطانهما يتسلل بالتأثير علي نفسه وفكره ،وإذا كنت أبحث اآلن في
مس ألة انتهيت فيها إلي موافقة أولئك البعض (الوهابية) ،ومخالفة كثير من عوام المسلمين أو المتصوفة فيهم ،فليس ذلك
حبا ً بمخالفتهم أو شهرة لنقدهم ،ولكن رغبة خالصة في أن ال أحيد عن كتاب الله وسنة رسوله ،مع تقديري لكثير من
( )1دبج الشئ – دبجاً :زينه ونقشه ،انظر المعجم الوجيز ص . 216
( )2المسلم ،ص ، 32مجلة العشيرة المحمدية ،السنة ،56العدد ( ، )1رجب 1524هـ -أغسطس – سبتمبر 2115م .
( )3كاتب وداعية سوري معاصر ،من مواليد عام 1626م ،حصل علي شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة – جامعة األزهر الشريف .
( )5رواه الترمذي ،كتاب المناقب ،باب في مناقب أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما 915 /4 -برقم ، 3944وقال :هذا حديث
حسن صحيح ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،تحقيق /أحمد محمد شاكر وآخرون .
( )4أنشأها الشاعر الفارسي جالل الدين الرومي ( ت 942هـ ) يتميزون بإدخال الرقص واإليقاعات في حلقات الذكر ،وقد انتشروا في
تركيا وآسيا الغربية ،انظر الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة ص . 352
( )9انثني في مشيته :تمايل ،انظر المعجم الوجيز ،مادة ثني ص . 22
( )4د /محمد سعيد رمضان البوطي ،فقه السيرة ص ، 313 ، 312باختصار يسير ،دار السالم ،القاهرة ،ط 16سنة 1526هـ 2112 -م .
( )2أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب – ~ . -
334
هؤالء السادة(الصوفية) ،ويقيني بصالحهم وصفاء نياتهم ،وعذري أن هذا التقدير ال يسوغ تجاوز النصوص أو القواعد
أو التأويل لها .
ولو بحث المسلمون عن الحق الذي يجب اتباعه ،عن طريق هذا الميزان ،لما قامت فئات تتخاصم وتتجافي عن
بعضها ،رغم ما قد يقع بينها من خالف في الرأي واالجتهاد ،ولكن العصبية والغلو هما ال لذان أوديا بالمسلمين إلي هذا
الذي نراه ،يحاسب المتصوفة خصومهم علي ما يرونه عندهم من تطرف وغلو ،وال يحاسبون أنفسهم علي ما يتلبسون
( )1
به هم من الغلو والبدع التي ال وجه في اإلسالم يسوغها ،أفهذا هو الحق الذي ينبغي أن يكون ؟!!! ؟
( )1محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ،مختار الصحاح ،ص . 141 ، 141
( )2محمد بن عبد الملك بن مالك الطائي ،األلفاظ المؤتلفة ص ، 145تحقيق د /محمد حسن عواد ،دار الجيل ،بيروت ،ط 1سنة 1511هـ .
( )3هو محمد بن محمد الرازي التحتاني المتوفي سنة 499هـ .
( )5محمد بن محمد الرازي التحتاني ،ذكر الفرق التي غلطت في اإلباحة والحلول واالتحاد والتجسيم وبيان دعواهم والرد عليهم ص ، 94مطبعة الحسين
اإلسالمية ،ط ،2سنة 1515هـ 1665 -م ،تحقيق د /حسن جبر شقير.
( )4محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ،اإلعالم بما في دين النصارى من أوهام ص ، 131تحقيق د /أحمد حجازي السقا ،دار التراث الع ربي ،القاهرة ،سنة 1362هـ .
( )9هو ابن عم رسول الله وزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها ،ووالد الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
( )4أحمد بن تيمية ،درء تعارض العقل والنقل ، 142 / 9تحقيق :عبد اللطيف عبد الرحمن ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،سنة 1514هـ 1664 -م ،وانظر
مجموعة الفتاوي ،221 /2والجهمية هم أصحاب جهم بن صفوان ،وأهل السنة يكفرونه هو وأتباعه .انظر فخر الدين الرازي ،اعتقادات فرق المسلمين
والمشركين ص ، 115 ،113مكتبة الكليات األزهرية – القاهرة -سنة 1362هـ 1642 -م ،تحقيق /طه عبد الرؤوف سعد ،مصطفي الهواري .
( )2السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني ،التعريفات ص ،5انظر /محمد عبد الرؤوف المناوي ،التعاريف ص – 31تحقيق د/
محمد رضوان الدايه ،دار الفكر المعاصر ،بيروت ،دمشق ،ط 1سنة 1511هـ
( )6محمد بن إبراهيم الحمد ،مصطلحات في كتب العقائد ص ، 51عن شبكة االنترنت ،مجلس العقيدة ،تاريخ الزيارة 2111 /1 / 15م .
( )11الرازي – ا لتفسير الكبير ،أو مفاتيح الغيب ،141 /1دار الكتب العلمية – بيروت ،ط 1سنة 1521هـ 2111م .
332
اآلية ،) 5:وقوله تعالي :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ(سورة فاطر ،اآلية ،)10:وكيف يصعد إليه شئ هو معه ،أو يرفع إليه
عمل هو عنده ،فالله ـ تعالي ـ هو العلي ،األعلى ،وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه ،واأليدي ترفع بالدعاء إليه ( . )1
ومن أدلة المباينة :أن لله ـ ـ حجابا ً من نور ،كما ثبت ذلك عن أبي موسي األشعري ( )2أنه – قال :قام فينا رسول
الله بخمس كلمات فقال :إن الله ال ينام ،وال ينبغي له أن ينام ،يخفض القسط ويرفعه ،يرفع إليه عمل الليل قبل
عمل النهار ،وعمل النهار قبل عمل الليل ،حجابه النور ،وفي روايــة " النار" ،لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ،ما
انتهي إليه بصره من خلقه ( ،)3ولذلك قال ابن خزيمة( :)4من لم يقر بأن الله ـ تعالي ـ علي عرشه ،قد استوي فوق سبع
سمواته ،فهو كافر به ،يستتاب ،فإن تاب وإال ضربت عنقه " ( . )5
وعلي الرغم من كل ذلك إال أنه قد ظهرت في اإلسالم طائفة الحلولية ،سواء أهل الحلول العام ،مثل قدماء الجهمية
الذين رأوا أن معبودهم في كل مكان بذاته ،أو أهل الحلول الخاص ،الذين رأوا أن معبودهم في شخص بذاته ،أو في شئ
بذاته ،قال البغدادي ( )6ـ بعد أن عد منهم عشر فرق :وتفصيل فرقهم في األكثر يرجع إلي غالة الروافض ( . )7
المطلب الثاني :الحلولية من الصوفية
وانتقلت تلك العقيدة إلي غالة الصوفية ،يقول أبو الحسن األشعري ( " :)8وفي األمة قوم ينتحلون النسك ،يزعمون أنه
جائز علي الله سبحانه الحلول في األجسام ،وإذا رأوا شيئا ً يستحسنونه قالوا :ال ندري لعله ربنا ( ،)9ويقول " السيوطي"
( : )10بعض المتصوفة قالوا :إن السالك إذا أمعن في السلوك وخاض معظم لجة الوصول ،فربما يحل الله فيه كالنار في
الجمر ،بحيث ال تمايز ،أ و يتحد به ،بحيث ال اثنينية وال تغاير ،وصح أن يقول :هو أنا ،وأنا هو" ( ،)11وعد الرازي
( " )12الحلولية" فرقة من فرق الصوفية ،ويصفهم بأنهم ليس لهم من العلوم العقلية نصيب ( ،)13ولم يذكر لنا أحداً من
أسمائهم ،ولكن " البغدادي" ( )14في طي ذكره لفرق الحلولية ذكر" الحالجية"( ،)1والحالجية هي إحدى فرق الصوفية
( )1ابن قتيبة ( عبد الله بن مسلم) ،تأويل مختلف الحديث ص ، 241باختصار تحقيق /محمد زهري النجار – دار الجيل – بيروت سنة 1363هـ
1642 -م ،حافظ حكمي – معارج القبول 165 /1باخ تصار ،تحقيق /عمر بن محمود أبو عمر ،دار ابن القيم ،الدمام ط 1سنة 1511هـ -
1661م .
( )2اسمه عبد الله بن قيس بن سليم،من أصحاب رسول الله ،انظر ابن حجر العسقالني،اإلصابة في تمييز الصحابة ،211 /5دار
الجيل ،بيروت ،ط 1سنة 1512هـ 1662 -م ،تحقيق /علي محمد البجاوي .
( )3صحيح مسلم ،كتاب اإليمان ،ب :في قوله إن الله ال ينام ،191 /1 ،برقم . 146
( )5هو محمد بن اسحاق بن خزيمة الحافظ الحجة شيخ اإلسالم وإمام األئمة ت 311هـ ،انظر شمس الدين الذهبي ،سير أعالم النبالء / 15
.394
( )4ابن قدامة المقدسي – إثبات صفة العلو ص ، 124تحقيق /بدر عبد الله البدر ،الدار السلفية ،الكويت ،ط 1سنة 1519هـ .
( )9هو أبو منصور عبد القاهر بن محمد البغدادي الفقيه الشافعي األصولي ت 526هـ ،انظر وفيات األعيان . 213 /3
( )4الفرق بين الفرق ص ،251دار اآلفاق الجديدة ،بيروت ،ط ،2سنة 1644م ،والروافض سموا بذلك االسم ألن زيد بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب خرج علي هشام بن عبد الملك فطعن عسكره في أبي بكر فمنعهم من ذلك فرفضوه ولم يبق معه إال مئتا فارس فقال لهم :رفضتموني،
قالوا نعم ،فبقي عليهم هذا االسم ،وحكم الغالة منهم علي األئمة أنهم آلهة ،انظر اعتقادات فرق المسلمين . 29 ،44
( )2هو إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل األشعري اليماني البصري ،ت 325هـ ،انظر سير أعالم النبالء . 29 /14
( )6أبو الحسن األشعري ،مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين ص 222تحقيق /هلموت ريتر ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ط ،3د.ت .
( )11هو جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 611هـ انظر مصطفي بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي ،كشف
الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،49 /1دار الكتب العلمية ،بيروت ،سنة 1513هـ 1662 -م .
( )11جالل الدين السيوطي ،الحاوي للفتاوي ،122 /2تحق يق /عبد اللطيف حسن عبد الرحمن ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان،
ط 1سنة 1521هـ 2111 ،م .
( )12هو فخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازي ت 919هـ .
( )2سبقت ترجمته . ( )13فخر الدين الرازي ،اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص . 119
334
( )3
يري براءته من تلك التهمة،حيث إن كتبه – التي يترأسها " الحسين بن منصور الحالج" ( ،)2وإن كان "الهجويري"
كما زعم ـ ليس فيها شئ سوي التحقيق ( .)4
ومن بين قائمة الصوفية التي اتهمت بأن أقوالها تدور بين الحلول واالتحاد "أبي يزيد البسطامي" ( )5وإن كنت ال أري
هذا الرأي ،ألن شطح أبي يزيد قاله وهو في حالة سكر ،وقد برأه الجنيد وهو سيد الطائفة آنذاك ،بل شرح كالمه
ووضح غامضه ،وجمع ذلك " الطوسي" في اللمع ( ،)6هذا بخالف أن له أقواالً حسنة في التمسك بالكتاب والسنة ،قال
صاحب سير أعال م النبالء :جاء عنه أشياء مشكلة ال مساغ لها ،الشأن في ثبوتها عنه ،أو أنه قالها في حالة الدهشة
والسكر ،فيطوي وال يحتج بها ( . )7
كذلك ممن اتهم عند البعض بالقول بالحلول واالتحاد "ابن عربي،وابن سبعين ( ،)8وابن الفارض ( ،)9والقونوي ( ،)10
والتلمساني ( ،)11وذلك علي أنهم من القائلين بوحدة الوجود ( ،)12الذي صدر عن أصل باطل يخالف دين اإلسالم ،وهو
الحلول واالتحاد ( )13ولكن ألن "الحالج" كان نقطة انطالق ألصحاب مذهب وحدة الوجود ،فهذه النظرية الفلسفية في
تفسير الوجود مدينة ألفكار الحالج بشكل أو بآخر ،وهذا ما يشير إليه نيكلسون ( )14بعد أن تحدث عن رفض
المسلمين لفكر الحالج ،يقول" ومع كل هذا يدين التصوف اإلسالمي للحالج بدين ال يمكن تقديره ،فإن مذهبه هذا
الذي رفضه المسلمون هو الذي أدخل في اإلسالم تلك الفكرة التي أحدثت فيه انقالبا ً عظيماً ،أعني فكرة الكثرة في
الوحدة المطلقة ،أو مبدأ التغاير في الوحدة ( ،)15فمن أجل ذلك آثرت أن أتحدث عن " الحالج" وأقواله في الحلول في
األسطر التالية:
المطلـــب الثالـــث :الحــــالج
( )5سأعود إلي الحديث عنه بعد قليل . ( )1انظر الفرق بين الفرق ص . 341 ،259 ،251
( )9كشف المحجوب . 411 /2 ( )3سبقت ترجمته .
( )4هو طيفور بن عيسي بن شروسان البسطامي ،أحد صوفية القرن الثالث الهجري ت 291هـ ،انظر عنه أبو عبد الرحمن السلمي،
طبقات الصوفية ص ،94دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ط 2سنة 1523هـ 2113 -م ،تحقيق /مصطفي عبد القادر عطا .
( )6سير أعالم النبالء . 22 /13 ()9ص 324إلي . 334
( )2هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين ،كان صوفيا علي قاعدة زهد الفالسفة وتصوفهم ت 996هـ ،انظر شمس الدين الذهبي،
تاريخ اإلسالم 225 /56تحقيق د /عمر عبد السالم تدمري ،دار الكتاب العربي ،لبنان ،بيروت ،ط 1سنة 1514هـ 1624 -م .
( )6هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن الحموي األصل ،المصري المولد والدار والوفاة ،المعروف بابن الفارض ،له قصيدة مقدار ستمائة بيت علي اص طالح الصوفية ومنهجهم،
ت 932هـ ،انظر أبو العباس شمس الدين أحمد بن خلكان ،وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ،545 /3تحقيق :إحسان عباس ،دار الثقافة ،لبنان ،د.ت .
( )11هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف الرومي ،الصوفي علي مذهب أهل الوحدة ،صحب ابن عربي ،وصار شيخ االتحادية بقونية ت 942هـ ،انظر تا ريخ اإلسالم ،الذهبي . 62 /41
( )11انظر ابن تيمية ،مجموع الفتاوي ، 216 /2والتلمساني هو أبو الربيع عفيف الدين سليمان بن علي ،المعروف بعفيف الدين التلمساني ت 961هـ ،انظر د /يوسف زيدان ،ديوان عفيف
الدين التلمساني ، 21 :13 /1أخبار اليوم ،إدا رة الكتب والمكتبات .
( )12ومذهب وحدة الوجود يعني عند أصحابه أنه ال موجود علي الحقيقة إال الله ،فهو وجود واحد ،وأما ما نراه من الكثرة المشاهدة في هذا ال عالم فهو وهم علي التحقيق تحكم به العقول
القاصرة ،علي أن من أصحاب وحدة الوجود كابن عربي ،من يفسح ال مجال للقول بوجود الممكنات والمخلوقات علي نحو ما ،ومنهم من يطلق القول بالوحدة ،ويعني في ذلك إلي الحد
الذي يجعله ال يثبت إال وجود الله فقط ،وهؤالء هم أصحاب الوحدة المطلقة ،وعلي رأسهم ابن سبعين ،انظر د /حسن الشافعي ،د /أبو الي زيد العجمي ،في التصوف اإلسالمي ص ، 126
مرجع سابق .
( )13د /محمد مصطفي حلمي – الحياة الروحية في اإلسالم ص 161بتصرف كبير ،الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1625م .
( )15هو رينولد ألين نيكلسون ( 1654 – 1292م ) ،مستشرق انجليزي ،له ميل إلي دراسة التصوف ( العقيقي ،المستشرقون )424 /2دار المعارف ،ط،5
د.ت .
( )14نيكلسون ،في التصوف اإلسالمي وتاريخه ص ،24مطبعة لجنة التأليف والترجمة ،القاه رة سنة 1322هـ 1696 -م ،ترجمة د /أبو العال عفيفي ،وفي التصوف
اإلسالمي د /الشافعي ،د /العجمي ص ، 122ووجدت اإلمام الشوكاني أشار إلي ذلك قبلهم في مصنفه الصوارم الحداد القاطعة لعالئق أرباب االتحاد ص ،32تحقيق/
( )3سبقت ترجمته . محمد صبحي حسن الخالق ،دار الهجرة /صنعاء ،اليمن ،ط 1سنة 1511هـ 1661 -م .
333
هو الحسين بن منصور الحالج ،من مدينة بيضاء بفارس ،نشأ بواسط ،وقيل بتستر ،وقدم بغداد ،فخالط الصوفية،
وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد ( ،)1وأبا الحسين النوري ( ،)2وعمرو المكي ( ،)3وتعبد فبالغ في المجاهدة
والترهب ،وسافر إلي الهند ،وجال في خراسان وبالد ما وراء النهر ( ،)4وفي سنة 299هـ ادعي للناس أنه إله ،وأنه
يقول بحلول الالهوت في الناسوت ( ،)5وفي سنة 301هـ قبض الراسبي أمير األهواز علي الحالج ،وكتب إلي بغداد
يذكر أن البينة قامت عنده أن الحالج يدعي الربوبية ويقول بالحلول ( ،)6فأدخل الحالج بغداد مشهوراً علي جمل ،وعلق
مصلوبا ،ونودي :هذا أحد دعاة القرامطة ( )7فاعرفوه ،ثم حبس ( ،)8وفي سنة 309هـ قتل بإجماع فقهاء عصره ( ،)9
خال ابن سريج الشافعي ( ،)10الذي قال :هذا رجل خفي عني حاله ،وما أقول فيه شيئا ً ( ،)11وكان قتله في عهد الخليفة
المقتدر ( ،)12والقاضي أبي عمر محمد بن يوسف ( ،)13بعد تقريره علي مذهبه،وقيام الشهادات عليه بإلحاد ( ،)14ولما
أخرج ليقتل قال ألصحابه :ال يهولنكم هذا فإني عائد إليكم بعد ثالثين يوما ً ( ،)15فضرب تمام األلف سوط ،ثم قطعت يده
ثم رجله ثم يده ثم رجله ،وحز رأسه ،وأحرقت جثته ( ،)16وكان يقرأ في وقت الصلب
( سورة النساء ،اآلية. )17 ( ) 157 :
وأكثر المتكلمين علي أن الحالج من الحلولية ،وقالوا عنه إنه قال :من هذب نفسه في الطاعة ،وصبر علي اللذات
والشهوات ارتقي إلي مقام المقربين ،ثم ال يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة ،حتى يصفو عن البشرية ،فإذا لم
يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح اإلله ( ،)18وأحيانا ً يكسو الحلول بعبارات التصوف ،ليتوهم البعض أن ذلك مما ال
( )2هو أبو الحسين أحمد بن محمد النوري ،بغدادى المولد والمنشأ ،وكان كبير الشأن ت 264هـ ،انظر الرسالة القشيرية ص . 22
( )3الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ، 112/2دار الكتب العلمية ،بيروت ،د.ت ،وعمرو المكي هو عمرو بن عثمان المكي ،وكنيته أبو عبد الله ،وهو عالم
بعلوم األصول ،وروي الحديث ،ت 261هـ ،انظر طبقات الصوفية ص . 192
( )5شمس الدين الذهبي ،العبر في خبر من غبر ،155 /2مطبعة حكومة الكويت ،ط 2سنة 1625م ،تحقيق د /صالح الدين المنجد .
( )4وفيات األعيان . 152 /2
( )9ابن العماد الحنبلي ،شذرات الذهب ،244 /2دارابن كثير ،دمشق ،ط 1سنة 1519هـ ،تحقيق /عبد القادر األرنؤوط ،محمود األرنؤوط .
( )4هي حركة باطنية هدامة ،اعتمدت الت نظيم السري العسكري ،ظاهرها التشيع آلل البيت ،وحقيقتها اإللحاد واإلباحية ،تنسب إلي حمدان قرمط الذي نشرها في
سواد الكوفة سنة 242هـ ،انظر الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة ص ، 364الندوة العالمية للشباب اإلسالمي بالرياض .
( )11سير أعالم النبالء للذهبي . 331 /15 ( )2العبر ،123 ،122 /2وشذرات الذهب . 233 /2
( )11هو أبو العباس أحمد بن عمر بن س ريج ،شيخ الشافعية ،ولقب بالباز األشهب ت 319هـ ،انظر عبد الله بن أسعد اليافعي ،مرآة الجنان وعبرة اليقظان /2
، 259دار الكتاب اإلسالمي ،القاهرة ،سنة 1513هـ 1663 -م .
( )11وفيات األعيان . 155 /2
( )12هو أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم العباسي ،قتل سنة 321هـ ،انظر مرآة الجنان /2
. 246
( )13هو ابن عم القاضي إسماعيل بن إسحاق الذي حوكم الصوفية في عهده ،وبعد موته تولي القضاء ابن عمه أبو عمر محمد بن يوسف ،انظر
الحسن بن عبد الله البناهي المالقي ،تاريخ قضاة األندلس ص ،39دار اآلفاق الجديدة ،بيروت ،لبنان ،ط 4سنة 1513هـ ـ 1623م ،تحقيق لجنة
التراث .
( )15نفس المصدر والموضع .
( )14تاريخ بغداد ،131 /2وابن الجوزي ،المنتظم في تاريخ الملوك واألمم ،219 /13 ،دار صادر بيروت ،ط 1سنة 1342هـ ،
( )4تاريخ بغداد . 151 /2 وقال -:هذا إسناد صحيح ال شك فيه.
( )14أبو حامد الغزالي ،فضائح الباطنية ،ص ، 116دار الكتب الثقافية ،الكويت ،تحقيق :د /عبد الرحمن بدوي .
( )12اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 119هامش ( ، )1والفرق بين الفرق ص . 252
334
بأس به في التصوف ،ويستنط ذلك من كتبه التي كان يرسل بها إلي أتباعه ،يقول أبو بكر بن ممشاذ ( :)1حضر عندنا
بالدينور ( )2رجل معه مخالة ،ففتشوها فوجدوا فيها كتابا ً للحالج ،عنوانه " من الرحمن الرحيم إلي فالن بن فالن" فبعث
بالكتاب إلي بغداد ،فأحضر وعرض عليه ،فقال :هذا خطي ،وأنا كتبته فقالوا له :كنت تدعي النبوة ،صرت تدعي
الربوبية ،قال :ال ولكن هذا عين الجمع ( )3عندنا ،هل الكاتب إال الله وأنا ( . )4
فمما ال شك فيه أن الحال ج له أقوال صريحة في "الحلول" صادم بها مشاعر المسلمين نحو عقيدتهم ،وال أدل علي ذلك
من مقالته المشهورة في مصنفه " الطواسين" والتي قال فيها" أنا الحق" ( )5هذه المقالة التي أعلن فيها – كما ذكر
الدكتور /محمد مصطفي حلمي -اتحاده بالذات اإللهية ،زعم أنه أصبح وهذه الذات شيئا ً واحداً ( ،)6ومما قال شعراً في
عقيدته :
أنا من أهوي ،ومن أهوي أنا ..نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرتـــه ..وإذا أبصرته أبصرتنا ( . )7
ويقول :
مزجت روحك في روحي ،كما ..تمزج الخمرة في الماء الزالل
فــــإذا مسـك شئ مسنـي ..فإذا أنت أنا في كل حـــال ( . )8
ويقول:
أنت بين الشغاف والقلب تجري ..مثل جري الدموع في األجفان
وتحل الضمير جــوف فؤادي ..كحلول األرواح في األبـدان ( . )9
تلك األقوال التي وصفها د/أبو العال عفيفي ،أنها أقوال جريئة ،جرت علي لسان صوفي مسلم ( ،)10ويقطع د /أبو الوفا
التفت ازاني :أن الحالج صرح فيها بلفظ الحلول ،ويعني به حلول الطبيعة اإللهية في الطبيعة اإلنسانية ،أو تعبير آخر
اصطالحي عنده ،حلول الالهوت في الناسوت ( ،)11ثم قال :ويتضمن الحلول عند الحالج :فناء اإلرادة اإلنسانية تماما ً
في اإلرادة اإللهية ،بحيث يصبح كل فعل صادر عن اإلنسان صادراً عن الله ،فاإلنسان عنده " كما ال يملك أصل فعله،
كذلك ال يملك فعله" ( . )12
ولكن مع ذلك يبدو في مذهب الحالج في الحلول تناقض أو تردد ،فهو – أحيانا ً – يقول بالحلول مع االمتزاج ـ كما مرـ
،وأحيانا ً أخري ينفي االمتزاج ،ويعلن التنزيه صراحة ،وهذا في م ثل قولــه " :من ظن أن اإللهية تمتزج بالبشرية،
والبشرية باإللهية ،فقد كفر ،فإن الله تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم ،وال يشبههم بوجه من الوجوه ،وال
يشبهونه" ( ، )13ومن أقواله المنزهة لله ـ تعالي ـ عن الحلول في األجسام قوله " :ألزم الكل الحدث ،ألن القدم له ،فالذي
( )1هو محمد بن عبد الله بن ممشاذ يعرف بالقنديل ت 356هـ أو 341هـ ،انظر أبو نعيم األصبهاني ،تاريخ أصبهان ،249 /2دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1511هـ 1661 -م ،تحقيق /سيد كسروي حسن .
( )2مدينة كثيرة الزروع والثمار ،بينها وبين همذان نيف وعشرون فرسخا ،انظر ياقوت الحموي ،معجم البلدان ، 454 /2دار الفكر ،بيروت ،د.ت .
( )3يقول القشيري :ما يكون من قبل الحق من إبداء معان وإسداء لطف وإحسان فهو جمع ،أي من أشهده الحق سبحانه ما ي وليه من أفعال نفسه فهو عبد يشاهد الجمع ،انظر الرسالة ا لقشيرية ص
621باختصار .
( )5الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ، 124 /2وسير أعالم النبالء ،324 /15وشذرات الذهب . 244 /2
( )4الحسين بن منصور الحالج ،الطواسين ص ، 35مكتبة الكليات األزهرية بالقاهرة ،تحقيق /محيي الدين الطعمي ،د.ت.
( )9د /محمد مصطفي حلمي ،الحياة الروحية في اإلسالم ص 132 ،134
( )5تاريخ بغداد ، 114 /2وابن كثير – البداية والنهاية . 133 /11 ( )4مرآة الجنان ،244 /2ووفيات األعيان . 151 /2
( )6أبو عبد الرحمن السلمي ،طبقات الصوفية ص . 232
( )11التصوف الثورة الروحية في اإلسالم ص ،153دار المعارف ،مصر ،د .ت .
( )11د /أبو الوفا التفتازاني ،مدخل إلي التصوف ص . 124
( )12المصدر السابق ،من نفس الموضع ،وطبقات الصوفية ص . 236
( )13ماسينيون ،أخبار الحالج ص ، 22نقالً عن مدخل إلي التصوف ص ، 122وانظر الرازي ،ذكر الفرق التي غلطت في اإلباحة
والحلول واالتحاد والتجسيم ،ص ،21هامش . 11
334
بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه ( ،)1ومن أحسن ما يحمل عليه هذا الكالم :أن قائله أراد به إبطال مذهب االتحاد
والحلول ،وظهور الالهوت في الناسوت ،وأن الرب سبحانه – ليس حاالً في شئ من المخلوقات ،وال يظهر في شئ من
األجسام المصنوعات ،فقوله " ألزم الكل الحدث" أي جعله الزما ً لهم ،ال يفارقهم ،فال يصير المحدث قديما ً ( . )2
وهكذا اختلفت األقوال عنه ،فهو هنا ينظر إلي الالهوت والناسوت ،أو الرب والعبد ،أو المحب والمحبوب ،علي أنهما
شيئان متمايزان في ذاتهما وحقيقتهما ،بقدر ما كان هناك حلوليا ً واتحاديا ً معا ً ،يري أن الذات اإللهية يمكن أن تحل في
الذات اإلنسانية علي وجه تمتزج فيه الذاتان ،بحيث تصيران ذاتا ً واحدة ،ومع ذلك فإنه حاول بعض العلماء رفع هذا
التناقض ،فقال :الحالج حلولي ،وحلولي صريح في أغلب نواحي مذهبه ،يري أن الالهوت يمكن أن يحل في الناسوت
إذا تهيأ لهذا األخير حظ من الفناء النفسي ،والصفاء الروحي ،وهنالك يصدر اإلنسان في أفعاله عن اإلرادة اإللهية ،ال
عن إرادته اإلنسانية ،دون أن يترتب علي ذلك أن يكون اإلنسان عين الله ،أو أن يكون الله عين اإلنسان ( ،)3وعلـى
ذلك يري د /التفتازاني ـ أن الحلول عند الحالج مجازي ،وليس حقيقيا ً ،ألنه مجرد شعور نفسي يتم في حال الفناء في
الله ،وبناء علي ذلك فقول الحالج بالحلول ثمرة وجد صوفي ال غير ،أي نطقه بالحلول كان نتيجة الفناء ،وهذا أمر ال
إرادة فيه ( . )4
وتلك محاولة من التفتازاني" أن يبرئ " الحالج" من قوله بالحلول ،وإيجاد معاذير ألقواله والتماس تأويالت لحالته
ً
النفسية أثناء نطقه بهذه الكلمات التي أعدم بسببها ،ولعل حادي تلك المحاولة في ظني حسن الظن به ،بل وإن كثيرا من
المتأخرين نسج علي نفس المنوال ،واقتفي ذات األثر ،حتى جعله بعضهم " شهيد التصوف اإلسالمي" ،ولكن لعل ابن
خلدون ( )5أصاب ك بد الحقيقة حين قال :وأما األلفاظ الموهمة التي يعبرون عنها بالشطحات ،ويؤاخذهم بها أهل الشرع،
فاعلم أن اإلنصاف في شأن القوم أنهم أهل غيبة عن الحس ،والواردات تملكهم ،حتى ينطقوا عنها بما ال يقصدونه ،
فمن علم منهم فضله حمل علي القصد الجميل ،كما وقع ألبي يزيد وأمثاله ،ومن لم يعلم فضله فمؤاخذ بما صدر عنه ..
وأما من تكلم بمثلها وهو حاضر ولم يملكه الحال فمؤاخذ أيضاً،ولهذا أفتى الفقهاء وأكابر المتصوفة بقتل الحالج ،ألنه
تكلم في حضور ،وهو مالك لحاله ( ،)6ومع ذلك فإني كنت ذكرت سابقا ً أن الحالج ورد عنه الشيء وضده ،لكون محله
أقبل لذلك من غيره ،لذا فإني أفوض أمره إلى الله ،إن الله بصير بالعباد .
المطلب الرابع
موقف شيوخ بغداد النقدي من فكر الحالج
إذا كان جمهور الصوفية المتأخرين يمجدون الحالج ،ويشيدون بذكره ،ألنه كان في نظرهم – كما رأي نيكلسون ( )7ـ
الشهيد الذي لقي حتفه من أجل إباحته بسر ربه ،وينكرون أنه قال بالحلول ،ويؤولون كالمه تأويالً يتفق وعقيدة التوحيد
اإلسالمية ( ،)8أو يجعلون قتله ألمور سياسية ( ،)9فإنه مما ال ريب فيه أن شيوخ بغداد من الصوفية كانوا أعلم بحاله من
غيرهم ،يقول السلمي " :والمشايخ في أمره مختلفون ،رده أك ثر المشايخ ،ونفوه ،وأبوا أن يكون له قدم في التصوف ،
وقبله من جملتهم أبو العباس بن عطاء( ،)10وأبو عبد الله محمد بن خفيف ( ،)1وأبو القاسم ،إبراهيم بن محمد النصر
( )1هو محمد بن إبراهيم بن يعقوب الملقب بتاج الدين ،من حفاظ الحديث ت 321هـ ،انظر مقدمة كتابه التعرف لمذهب أهل
التصوف ص – 12المكتبة األزهرية للتراث ،القاهرة ط 3سنة 1512هـ 1662 -م ،تحقيق /محمود أمين النواوي .
( )3انظر الرسالة القشيرية ص . 114 :93 ( )2انظر من المصدر السابق ص . 55 : 35
( )5هو أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ،سكن بأم عبيدة بأرض البطائح بالعراق إلي أن مات بها ،انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق
وشرح أحوال القوم ت 442هـ ،انظر الطبقات الكبري للشعراني . 121 /1
( )4د /عبد القادر محمود ،الفلسفة الصوفية في اإلسالم ص ، 343دار الفكر العربي ،د.ت .
( )9أحمد الرفاعي ،البرهان المؤيد ص ، 39دار الكتاب النفيس – بيروت ،ط 1سنة 1612م .تحقيق /عبد الغني نكه مي .
( )4الرسائل الصوفية ،رسالة الشيخ أحمد الرفاعي إلي الشيخ عبد السميع الهاشمي ،الرسالة األولي ،ص ، 11المطبعة السلفية ،القاهرة ،سنة
1349هـ .
( )2أحمد زروق ،شرح حكم ابن عطاء الله ص ، 26تحقيق د /عبد الحليم محمود ،د /محمود بن الشريف ،مكتبة النجاح ،ليبيا،
د.ت .
( )11الرسالة القشيرية ص . 22 ( )6سبقت ترجمته .
( )11الحافظ أبو حفص عمر بن علي البزار ،األعالم العلية في مناقب ابن تيمية ص ، 21تحقيق /زهير الشاويش ،المكتب اإلسالمي،
بيروت ،ط ، 3سنة 1511هـ .
( )12المتوفي سنة 422هـ ،وينظر المصدر السابق في سيرته .
( )13اإلمام أحمد بن تيمية ،االستقامة .61 /1
( )15هو الفضيل بن عياض بن مسعود ،خراساني األصل ،من ناحية مرو ،ت 124هـ ،انظر أبو نعيم األصبهاني ،حلية األولياء
وطبقات األصفياء ، 25 /2دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط ، 5سنة 1514هـ .
334
وأن الشيوخ األكابر كانوا علي مذهب أهل السنة ،ألن كالمهم يدورحول التسليم والتفويض،والتبري من النفس،والتوحيد
بالخلق والمشيئة،قال بذلك " اإلسفراييني" ( ،)3و" البغدادي" ( ،)4أما بدعة حلول الله في األجسام فكم حذر أئمة القوم من
ضالل هذه المقولة – كما رأي ذلك ابن تيمية ( )5والسيوطي ( )6وبينوا فسادها ،ولننقل نصا "البن تيمية" فرق فيه بين
مشايخ التصوف الحقيقيين،وبين الحلولية فيهم ،يقـــول " :وأئمة الهدي الذين جعل الله – تعالي -لهم لسان صدق في
األمة مثل سعيد بن المسيب ( ،)7والحسن البصري ( ،)8وعمر بن عبد العزيز ( ،)9ومالك بن أنس ( ،)10واألوزاعي ،
( )11
وإبراهيم بن أدهم ( ،)12وسفيان الثوري ( ،)13والفضيل بن عياض ( ،)14ومعروف الكرخي ( ،)15والشافعي ( ،)16وأبي
سليمان ( ،)17وأحمد بن حنبل ( ،)18وبشر الحافي ( ،)19وعبد الله بن المبارك ( ،)20وشقيق البلخي ( ،)21ومن ال يحصي
كثرة ،إلي مثل المتأخرين مثل الجنيد بن محمد القواريري ( ،)22وسهل بن عبد الله التستري ( ،)23وعمرو بن عثمان
( )1أحد أئمة القوم ولم يكن له في وقته نظير في المعامالت والورع ت 223هـ ،انظر الرسالة القشيرية ص . 44
( )2أحمد بن تيمية ،الصفدية ،294 /1تحقيق /محمد رشاد سالم ،دار الفضيلة ،الرياض ،سنة 1521هـ 2111 -م .
( )3هو األستاذ شهفور بن طاهر بن محمد االسفراييني ،أبو المظفر ،الفقيه ،األصولي ،المتكلم ت 541هـ ،انظر ،السبكي ،
طبقات الشافعية ،11 /4هجر للطباعة والنشر ،ط 2سنة 1513هـ ،تحقيق د /محمود الطناحي ،د /محمد الحلو .
( )5التبصير في الدين ص ،162وأصول الدين ألبي منصور البغدادي ،ص ، 314دار الكتب العلمية – بيروت ،لبنان ط 3سنة
1511هـ 1621 -م .
( )4العقيدة األصفهانية ص – 145مكتبة الرشد – الرياض – ط 1سنة 1514هـ -تحقيق /إبراهيم سعيداوي .
( )9الحاوي للفتاوي . 123 /2
( )4هو سعيد بن المسيب بن حزن ،أفقه أهل الحجاز ،توفي بالمدينة سنة 65هـ ،انظر ابن قتيبة ،المعارف ص ،534دار المعارف
– القاهرة ،تحقيق د /ثروت عكاشه ،د .ت .
( )2هو الحسن بن أبي الحسن واسم أبيه يسار ،من زهاد البصرة وشيوخها ت 111هـ ،انظر لإلستزادة ،المصدر السابق ص . 551 ،551
( )6هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ،وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ،أحد خلفاء بني أمية ،وكان زاهداً ورعا ،ت 111هـ ،انظر
سيرة عمر بن عبد العزيز ألبي محمد عبد الله بن عبد الحكم ،عالم الكتب بيروت – لبنان ،ط 9سنة 1515هـ ،1622 -تحقيق /أحمد عبيد .
( )11هو مالك بن أنس بن مالك ،إمام دار الهجرة ،والمذهب المالكي ت 146هـ ودفن بالبقيع ،انظر المعارف ص . 566
( )11هو عبد الرحمن بن عمر ،إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ت 144هـ ،انظر تاريخ اإلسالمي للذهبي . 562 /6
( )12هو إبراهيم بن أدهم بن منصور ،الزاهد ،ت 192هـ ،انظر نفس المصدر السابق 53 /11وما بعدها .
( )13هو سفيان بن سعيد بن مسروق ويكني أبا عبد الله ،مات بالبصرة ،سنة 191هـ ـ راجع المعارف البن قتيبة ص . 564
( )15سبقت ترجمته .
( )14هو أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي من كبار الصوفية ت 211وقيل 211هـ ،انظر الرسالة القشيرية ص . 94
( )19هو اإلمام محمد بن إدريس الشافعي صاحب مذهب الشافعية ت 215هـ .
( )14هو أبو سليمان الداراني من كبار الصوفية مات 214هـ ،انظر الرسالة القشيرية ص . 46
( )12هو إمام أهل السنة والجماعة أبو عبد الله ت 251هـ .
( )16أصله من مرو وسكن بغداد وتوفي بها سنة 224هـ ،انظر الرسالة القشيرية ص . 41
( )21يكني أبا عبد الرحمن من أهل مرو من كبار الصلحاء والزهاد والعباد ،ت 121هـ ،انظر المعارف ص . 411
( )21هو أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي ،من مشايخ خراسان ،انظر عنه الرسالة القشيرية ص . 49 :45
( )19سبقت ترجمته . ( )22سبقت ترجمته .
344
المكي ( ،)1ومن بعدهم ،إلي أبي طالب المكي ( ،)2إلي مثل الشيخ عبد القادر الجيالني ( ،)3وأمثال هؤالء المشايخ الذين
كانوا بالحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب وخراسان من األولين واآلخرين ،كل هؤالء متفقون علي تكفير هؤالء
( أي من قال بالحلول) وإن الله – سبحانه – ليس هو خلقه وال جزأ من خلقه ،وال صفة لخلقه ،بل هو سبحانه مميز
بنفسه المقدسة ،بائن بذاته المعظمة عن مخلوقاته ،وبذلك جاءت الكتب األربعة اإللهية من التوراة واإلنجيل والزبور
والقرآن ،وعليه فطر الله عباده ،ودلت عليه العقول ( . )4
وقد رد " ابن القيم " ( )5علي الجهمية في مواطن عدي دة من مصنفاته ،ولكنه في مصنفه " اجتماع الجيوش اإلسالمية
علي غزو المعطلة والجهمية" لم ينس جيش الزهاد وأكابر الصوفية في الوقوف ضد هؤالء ،فذكر لنا أقوال أئمة الزهاد
والصوفية في أوقاتهم مثل مالك بن دينار ( ،)6وبشر الحافي ( ،)7وذي النون المصري ( ،)8وأبي طالب المكي ( ،)9وعبد
القادر الجيالني ( ،)10وأبي عبد الله بن خفيف الشيرازي ( ،)11وأبي إسماعيل عبد الله الهروي ( ،)12والمحاسبي ( ،)13
وغيرهم ،مستشهداً بأقوالهم في بيان ما اجتمعت عليه األمة من السنن ،وأن خالفها بدعة ،أورد ابن القيم تلك الشواهد
المتعددة التي يدلل بها علي أن شيوخ القوم لم يكونوا من الحلولية ،بل كانوا في معسكر أهل السنة – في باب " أقوال
الزهاد والصوفية أهل االتباع وسلفهم ( . " )14
ولوال خوف اإلطالة لذكرت جميع تلك األقوال ،ولكني سأكتفي منها بقولين:
1ـ قال الحارث المحاسبي:وأما قوله تعالي :
( سورة طه،اآلية ،)5:وقوله
( سورة
األنعام،اآلية )18:وقوله :
( " سورة
الملك،اآلية )16:وقوله :ﮋﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ سورة اإلسراء ،اآلية ، 42 :فهذه وغيرها توجب أنه فوق العرش ،فوق
األشياء كلها ،متنزه عن الدخول في خلقه ،ال يخفي عليه منهم خافية ( . )15
2ـ وقال معمر بن أحمد األصبهاني شيخ الصوفية أواخر المائة الرابعة:أحببت أن أوصي أصحابي ،بوصية من
السنة وموعظة من الحكمة،وأجمع ما كان عليه أهل الحديث واألثر وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين
والمتأخرين ،قال فيها :وإن الله استوي علي عرشه ،بال كيف وال تشبيه وال تأويل ،واالستواء معقول ،والكيف
( )1نفس المصدر ص ، 145وانظر البن قيم ،الصواعق المرسلة علي الجهمية والمعطلة – 1261 /5دار العاصمة – الرياض – ط ،3سنة 1512هـ 1662 -م
– تحقيق د /علي بن محمد الدخيل ،وانظر البن تيمية ،االستقامة ،192 /1وله أيضاً مجموعة الفتاوي ،51 /4وكذلك درء التعارض . 249 /9
( )2اللمع ص . 342
( )3نفس المصدر والموضع .
( )5نفس المصدر والموضع .
( )3نفس المصدر والموضع . ( )4نفس المصدر والموضع .
( )4نفس المصدر والموضع . ( )4كشف المحجوب . 411 /2
342
أما السلمي ( )1فإنه عقد فصال في الرد علي القائلين بالحلول ،وهو ينفي وجود حلولي واحد من بين شيوخ القوم الكبار
الذين يشار إليهم بالبنان ،ويقتدي بهم في األقوال واألفعال ،وتلك عبارته التي بدأها بصيغة النفي يقول فيها " :ما قال
بالحلول أحد من أئمة القوم ومشايخهم ومن يرجع منهم إلي دين" ( )2ثم نقل لنا بعض أقوال الشيوخ استدالالً بها علي ما
رأي ،فنقل كالم " الجنيد" سيد القوم ،الذي يقول :اعلموا – رحمكم الله – أن الحق سبحانه – ال يوصف بالحلول في
األمكنة ،وال ينعت بمرور األزمنة ،كان الحق – تعالي -وال شئ موجود ،وال شخص معبود ،فكيف يصير بحالة كان
في األزل عنها غنياً ،وكيف ينتقل بانتقال الفناء ـ جل وتعالي ـ أن يوصف بشئ من هذه العلل ( ،)3وكالم ذي النون
المصري ( : )4الحلول ال يلحق األغيار المخترعة والهياكل المبتدعة ،وكيف يحوي الحق مكان أو يضمه أوان ،وال مكان
،وال أوان ،وال زمان – جل وتعالي -عن ذلك ( ،)5إلي آخر ما نقل السلمي من أقوال تدل علي أن عقيدة الحلول لم تكن
عقيدة ألئمة القوم يوما ً ما ،وإنما أطلق هذا القول قوم ليس لهم في التصوف قدم ،وال لهم مع مشايخهم ذكر ( .)6
نقــــد الغزالـــي:
لكي يثبت الغزالي بطالن فكرة الحلول ،ويخر بالسقف علي أصحابها من فوقهم ،اعتمد علي ما يقرره العقل ،ألن
العقل الصريح السليم ،كالميزان مع الكتاب والسنة ،ويستحيل في نظر العقل حلول رب في عبد ،أو خالق في مخلوق،
يقول" :المفهوم من الحلول أمران :أحدهما :ال نسبة التي بين الجسم وبين مكانه الذي يكون فيه ،وذلك ال يكون إال بين
جسمين ،فالبرئ من الجسمية يستحيل في حقه ذلك ،والثاني :النسبة التي بين العرض والجوهر ( ،)7فإن العرض يكون
قوامه بالجوهر ،فقد يعبر عنه بأنه حال فيه ،وذلك محال علي كل ما قوامه بنفسه ،فدع عنك ذكر الرب – تعالي وتقدس
ـ في ذلك المعرض ،فإن كل ما قوامه بنفسه يستحيل أن يحل فيما بنفسه إال بطريق المجاورة الواقعة بين األجسام ،فال
يتصور الحلول بين عبدين ،فكيف يتصور بين العبد والرب" ( ،)8علي الرغم من أن العبد عبد ،والرب رب!!!؟ هذا
بصفاته الحادثة ،وذلك بصفات ه القديمة ،هذا محال في طور العقل،ومن صدق بمثل هذا المحال فقد " انخلع عن غريزة
العقل" ( " ، )9ومن لم يفرق بين ما أحاله العقل وبين ما ال يناله العقل ،فهو أخس من أن يخاطب ،فيترك وجهله ( ،)10وإذا
قال قائل :إن كلمات الصوفية بناء علي مشاهدات ،انفتحت لهم في طور الوالية ،والعقل يقصر عن درك ذلك ،قال
الغزالي " :اعلم أنه ال يجوز أن يظهر في طور الوالية ما يقضي العقل باستحالته " ( . )11
ومع شدة إنكار الغزالي لعقيدة الحلول ،ألن العقل يقضي باستحالتها ،غير أنه في مصنفه " مشكاة األنوار" كان أكثر
تسامحا ً مع أرباب الحلول من الصوفية ،وإن لم أجده صرح بذكر واحد منهم باسمه ،مكتفيا ً بذكر أقوالهم ،مؤوالً إياها
أنهم قالوها في حالة سكر وفناء ،بل فناء الفناء ،وكالم السكران يطوي وال يحكي ( ،)12ومن ثم أنكر البعض ( )13نسبة
الكتاب له ،أو مطعم بآراء ليست له ،وال شك أن حسن ظن الغزالي ،هو الذي بر ر اعتذاره عن شطحات الصوفية ،علي
أساس أن ما يقولونه ليس هو الحقيقة ،أما إذا كانوا يؤكدون أن ما يقولونه هو الحقيقة ،فكل ما يقولونه عن الحلول،
واالتحاد ،واالتصال ،فهو غير صحيح ،بل هو باطل ،والمسألة في نظر الغزالي مجرد استغراقات ،وهو نوع من
( )4أصول المالمتية وغلطات الصوفية ص . 162 ( )1سبقت ترجمته .
( )2سبقت ترجمته . ( )3نفس المصدر ص . 166
( )4أصول المالمتية وغلطات الصوفية ص . 166
( )9عينه من ذات الموضع .
( )4العرض هو الموجود الذي يحتاج في وجوده إلي موضع ،أي محل يقوم به ،والجوهر هو ماهية إذا وجدت في األعيان كانت ال في
موضوع ،انظر الشريف الجرجاني ،التعريفات ص . 126 ، 41
( )2أبو حامد الغزالي ،المقصد األسني في شرح معاني أسماء الله الحسني ، 144 / 1تحقيق /بسام عبد الوهاب الجابي ،دار النشر:
الجفان والجابي – قبرص ،ط 1سنة 1514هـ 1624 -م .
( )6نفس المصدر . 149 /1
( )11نفس المصدر والموضع .
( )11نفس المصدر والموضع .
( )12أبو حامد الغزالي ،مشكاة األنوار ص ، 42 – 44تحقيق د /أبو العال عفيفي ،الدار القومية للطباعة والنشر سنة 1322هـ 1695 -م .
( )13انظر د /محمود قاسم – دراسات في الفلسفة اإلسالمية ص ، 24هامش ( ،)1دار المعارف بمصر ،ط 3سنة 1641م .
344
( )1
وهو غلط محض ،يضاهي من يحكم علي القرب يكاد يتخيل م نه طائفة الحلول ،وطائفة االتصال ،وكل ذلك خطأ"
المرآة بصورة الحمرة ،إذ ظهر فيها لون الحمرة مقابلها ( . )2
نقـــد الشعـــراني:
ألف الشعراني في علم العقائد مصنفا ً بعنوان " اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر" ،جلي فيه عقيدة شيوخ
الصوفية وبين مطابقتها للكتاب والسنة ،وفي خضم حديثه عن جملة من القواعد والضوابط التي يحتاج إليها من يريد
التبحر في علم الكالم ،عقد مبحثا ً في وجوب اعتقاد أنه تعالي لم يحدث بابتداعه العالم في ذاته حادث ،وأنه ال حلول وال
ً ( )3
اتحاد ،قال":إذ القول بذلك يؤدي إلي أنه في أجواف السباع والحشرات والوحوش ،وتعالي الله عن ذلك علواً كبيرا"
ثم قال مدافعا ً عن الصوفية بعقد مقارنة بين الدعوي المنسوبة إليهم وبين ما قال عباد األصنام عــن سبب توجههم إليهـا
بالعبـادة " ولعمري إذا كان عباد األوثان لم يتجرءوا علي أن يجعل وا آلهتهم عين الله تعالي ،بل قالوا ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
( )4
ﮖﮊ سورة الزمر ،اآلية ، 3 :فكيف يظن بأولياء الله – تعالي -أنهم يدعون االتحاد بالحق هذا كالمحال في حقهم"
أي شيوخهم الكبار المشهود لهم بالخير والصالح وحسن االعتقاد والمتابعة ،وال أعتقد أن الشعراني يقصد جميع الطائفة
بقوله هذا .
االتحاد الصحيح :
ولعل الشعراني من الصوفية القائلين أن االتحاد في كالم القوم يعني :أن تتحد أعمال العبد علي الوجه الذي أراده الرب ،
ألنه نقل لنا كالم شيخه " علي بن وفا" ( )5الذي يقول فيه :المراد باالتحاد حيث جاء في كالم القوم ،فناء مراد العبد في
مراد الحق – تعالي -كما يقال بين فالن وفالن اتحاد ،إذا عمل كل منهما بمراد صاحبه ،ثم أنشد :
( )6
هو المعني المسمي باتحاد .. وعلمك أن كل األمر أمري
ابن القيم يحكم بصحة هذا النوع من االتحاد:
ويصحح ابن القيم في عدد من مؤلفاته ذلك النوع من االتحاد ،ويري أنه هو االتحاد المطلوب من العباد ،ألنه اتحاد
المحبين ،وفناء المقربين ،يقول :وإن كان العبد مشمراً للفناء العالي ،وهو الفناء عن إرادة السوي ،لم يبق في قلبه مراد
يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني ،بل يتحد المرادان فيصير عين مراد الرب هو مراد العبد ،وهذا حقيقة
المحبة الخالصة ،وفيها يكون االتحاد الصحيح ،وهو االتحاد في المراد ال في المريد ( ،)7وفي موضع آخر يقول" :
وليس في العقل اتحاد صحيح إال هذا ...فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب ،وفناء إرادة المحب في مراد
المحبوب ،فهذا االتحاد والف ناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم ،فنوا بعبادة محبوبهم عن عبادة ما سواه ،وبحبه
وخوفه ورجائه والتوكل عليه واالستعانة به والطلب منه ،عن حب ما سواه وخوفه ورجائه والتوكل عليه " ( )8فهو
عبادة القلب لله وحده ،وذي عالمات القلب السليم الذي قال الله فيه ﮋﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ ( سورة الشعراء 89 :
) ،فهو سليم من االطمئنان ألي مخلوق إال لفاطره وخالقه .
وأخيراً :وما كان نقد عقيدة الحلول الضالة خافيا ً علي حاملي راية التصوف في العصر الحديث ،الذابين عن الدخيل
فيه ،والجهاالت والخرافات والفلسفات والمنكرات التي وقع فيها ط وائف متاجرة باسم التصوف والدين ،فهذا هو شيخ
مشايخ الطرق الصوفية األسبق " حسن الشناوي" يقول حول قول الله – تعالي -ﮋﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ سورة الحديد ،اآلية،4:
وقوله ﮋﯚﯛﯜ ﮊسورة التوبة ،اآلية : 40:الله يكون معي لكن ال يحل في ،لماذا؟ ألن الله له وضع آخر يخالف األحداث،
ويخالف األشياء المعروفة ،ربنا قديم أزالً قبل كل شئ ،وسيبقي بعد كل شئ ،وهذه خاصية له فقط ،أما اإلنسان
( )1أبو حامد الغزالي ،المنقذ من الضالل ص ، 122وانظر د /عبد القادر محمود – الفلسفة الصوفية في اإلسالم ص . 235
( )2أبو حامد الغزالي ،إحياء علوم الدين . 261 /2
( )4نفس المصدر . 94 /1 ( )3اليواقيت والجواهر في بيان عقائد األكابر . 93 /1
( )4هو علي بن محمد بن وفا من صوفية مصر ت 211هـ ،انظر الطبقات الكبري للشعراني . 21، 21 /2
( )9اليواقيت والجواهر . 94 /1
( )4ابن قيم الجوزيه ،مدارج السالكين ، 592 /1دار الكتاب العربي – بيروت ،ط 2سنة 1363هـ 1643 -م ،تحقيق /محمد حامد الفقي .
( )2نفس المصدر ، 194 / 1وجلي ابن القيم رأيه ذلك في غير مصنف من مصنفاته مثل ط ريق الهج رتين وباب السعادتين ص 49دار ابن القيم – الدمام ،ط 2سنة 1515ه ـ
1665 -م – تحقيق عمر بن محمود أبو عمر ،وكذلك روضة المحبين ونزهة المشتاقين ص ،294دار الكتب العلمية – بيروت – سنة 1512هـ 1662 -م .
343
والحيوان والجماد فله مبدأ وله نهاية ( ،)1ورضي " محمد زكي إبراهيم" رائد العشيرة المحمدية – الشك وسوء الظن في
بعض الصوفية القائلين بالحلول ،لوضع حد للجدال والمناقشات ،وللتفرغ للعقبات األخرى التي وراء تقدم األمة
ونهوضها.
يقول :وقد أرضي مؤقتا ً أن أسلم جدالً بسوء الظن بهؤالء األئمة لوضع حد للمهاترة حولهم بال مبرر مقبول ،أليس من
الخير كل الخير أن نسلم أمرهم إلي الله ،لنفرغ لما هو أهدي وأجدي؟! .
إن هؤالء ليسوا كل الصوفية ،وال هم أكثرية الصوفية ،وال هم الدعاة ال غيرهم من الصوفية ،وقد انتهوا وأصبح فكرهم
تاريخا ً وثقافة ليست من العقائد ،فهل من اإلنصاف أخذ الخلف بما جني السلف ،الذي لم يعد له به صلة؟! ،بل لقد أذهب
إلي أكثر من ذلك ،أذهب إلي إسقاط حساب هؤالء القلة من المحيط الصوفي" ( . )2
( )1حسن الشناوي ،حول قضايا التصوف ص ، 54مجلة التصوف اإلسالمي ،السنة ( ، )22عدد ( )1سنة 1521هـ 1666 -م
.
( )2مجلة العشيرة المحمدية – المسلم ص 24باختصار ،السنة ،56عدد ( )1سنة 1524هـ 2115 -م .
344
الخاتمة وتتضمن أهم النتائج والتوصيات
بعد هذا الجهد المتواضع والتطواف الممتع حول موضوع النقد الذاتي للتصوف لدي شيوخ التصوف ،يخلص البحث إلي
النتائج التالية -:
-1أشار البحث إلي أن هناك شيوخا ً في التصوف لهم جهود ال تغمط في اإلنكار علي الخارجين من الصوفية عن
سنن التصوف الصحيح ،المضبوط عندهم في بوتقة الكتاب والسنة ،فقاموا بواجب النصيحة واألمر بالمعروف
والنهي عن المنكر .
-2أفصح البحث أن ناقدي التصوف – من أهله – وإن كانوا أقلة إال أنهم متنوعون عصراً ومصراً وطريقة وفكراً
وعلما ً وعمالً وسلوكاً ،ولك ن جمعهم حب التصوف والغيرة عليه ،والمعذرة إلي الله يوم القيامة ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﮊ سورة األعراف ( اآلية . )164 :
-3يلزم البحث العقالء من الناس أال يحكموا علي الصوفية بحكم واحد ،إيجابا ً أو سلباً ،مدحا ً أو قدحاً ،حبا ً أو ذماً،
وإنما الواجب الشرعي يحتم أن نحكم علي كل حالة بما يناسبها ،علي حسب قربها أو قرب القائل بها من
الشريعة أو البعد عنها ،ألن من شيوخ التصوف ممن لم يرتضوا بأقوال ،ولم يوافقوا علي أفعال .
-4أثبت البحث أن شيوخ التصوف – علي اختالف عصورهم – انتقدوا الكثير من األمور علي المتصوفة ،
وشنوا حربا ً شعواء علي أصحابها ،مثل فتنة السماع والرقص واالختراع من األشعار الغزلية واالجتماع عليها،
وعناية بعضهم بشكليات التصوف ،وجهلهم بحقائق الدين ،وازدرائهم للفقهاء والعلماء ،وشطحهم وافتنانهم
بأنفسهم ،إلي آخر ذلك من أفعال يتلبس بعض الصوفية بها إلي اليوم ،وكانت فكرة فكرة تصحيح التصوف
والنقد هي السبب في تأليفهم الكتب أحياناً ،وهذا ظهر واضحا ً لدي الطوسي والقشيري والغزالي والشعراني .
-5أومأ البحث إلي أن شيوخ التصوف الكبار ،كانوا علي عقيدة سليمة وعبادة صحيحة بشهادة ابن تيمية وابن قيم
الجوزية – رحمهما الله . -
-6تبرأ أكثر شيوخ بغداد من الحالج ،إذ أعلن فكرة اتحاده بالله وحلول الله – – في عنصره البشري بل
وكفره بعضهم ،وانضموا إلي صفوف الفقهاء الذين أفتوا بقتله وصلبه ،ونفوض أمره إلى الله ،إن الله بصير
بالعباد .
-7انتقد شيوخ التصوف قديما ً وحديثا ً عقيدة الحلول ،وبينوا بطالنها بالدالئل الشرعية والعقلية ،وأعلنوا براءتهم
منها ،ولعنهم لقائليها .
-8شارك في نقد التصوف في العصر الحديث كثيرون مثل د /أبو الوفا التفتازاني الذي انتقد الطرق الصوفية
لمبالغة أتباعها في التحدث بمناقب األولياء وكراماتهم ،ود /محمد سعيد رمضان البوطي ،ومحمد زكي إبراهيم،
مما يدل علي عدم رضاء هؤالء عن التصوف في حالته المعاصرة الراهنة ،واستيائهم من كثير من أتباعه .
-9االتحاد الصحيح الذي يعرفه الشرع والعقل هو اتحاد أفعال العبد وفق مراد الرب جل وعال ،فهو اتحاد في
المراد ال في المريد .
وختاما ً يوصي الباحث بما يلي :
-1العناي ة التامة بأمثال هذه البحوث من قبل الدارسين ،فهي سند كبير للناس جميعاً ،ينير لهم الطريق ويكشف لهم
حقائق التصوف .
-2أن نعمل جميعا ً علي أن نحرر التصوف من دخنه ودخيله وبدعه وهرطقاته ،وذلك من أجل الوصول إلي تربية
صوفية سليمة وواقعية وعقلية .
-3أن يواصل شيوخ التصوف المعاصرون جهود أسالفهم في مسيرة إصالح التصوف ،ونقد ما يستحق االنتقاد
فيه ،عسي أن تقترب الصفوف ،وتأتلف الجماعات ،تحقيقا ً للوحدة اإلسالمية .والله أسأل أن يجعل هذا العمل
خالصا ً لجالل وجهه وعظيم سلطانه ،والحمد لله أوالً وآخراً ،وصلي الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله
وصحبه أجمعين .
وكتبه العبد الفقير إلي عفو مواله :عبد الحافظ أحمد طه
344
أهم المصادر والمراجع