Professional Documents
Culture Documents
ىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى ى
أثرىصلماءىالمطتزلظىفيى ى
الدراساتىاألدبوظىوالنػدوظىفي ى
ىالػرنونىالثانيىوالثالثىللؼجرة ى
ىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى
بقلم
أ .د .أمحد عبد الغفار عبيد
أستاذ األدب والنقد
عميد كلية الدراسات اإلسالمية والعربية
للبنات باإلسكندرية
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
لم يقتصر أثر حركة االعتزال عمى بحوث العقيدة ومسائل عمم الكالم ،بل سرت
روحيا المتحررة لتعالج كثيراًً من القضايا الفكرية واألدبية في الحقبة التي ذاعت فييا
الحركة في القرنين الثاني والثالث لميجرة .وكانت حركة االعتزال قد عنيت في األساس
بتخميص الفكر اإلسالمي من شوائبو ،وكانت دعوة عمماء المعتزلة في جوىرىا ثورة عمى
النيج المضطرب في فيم حقائق الدين ،والفوضى الفكرية في تقرير أصولو ،واالنحراف
عن الجادة في فيميا بين تطرف الغالين الذين أباحوا ألنفسيم تفسير أمور الدين وفق
أىوائيم ،وتطويعيا لمذاىبيم وانتماءاتيم ،وبين إحجام المتزمتين الذين توقفوا عن التأويل
والتفكير ،وأحاطوا تمك المسائل بسياج من الصمت والتحفظ.
ىذا عن جيود المعتزلة في ميدان الدراسات العقدية والكالمية ،أما جيودىم في
ميدان التحرر الفكري فقد حاربوا الخرافات واألوىام ،وناقشوا كثيراًً من المعتقدات التي ال
تتفق مع مباديءً العقل ،وال تتمشى مع أصول المنطق المستقيم ،وعمموا عمى تحرير عقول
العامة ،وأسيموا في مختمف فروع الثقافة بآراء قيمة ونظرات صائبةً ً ...وعمى ًسبيلً
اإلجمالً كان لممعتزلة نصيب في تمك اليقظة الفكرية التي تغمغمت في مختمف نواحي
الحياة في المجتمع اإلسالمي منذ أواخر القرن الثاني اليجري.
ع ِر َ
ف ًمذىب االعتزال أول ما عرف في أواخر القرن األول اليجري ،واشتير بين ًُ
الباحثين أن مؤسسو ىو واصل بن عطاء الغزال ،تمميذ الحسن البصري " وكان ذلك في
)ٔ (
" وانضم إليو عمرو بن عبيد وجماعة من العمماء ،وعن زمن عبد الممك وابنو ىشام
طريقيم بدأت بذور فكر االعتزال تتبمور ،حتى غدت مذىبا لو مكانتو في الفكر اإلسالمي،
وبمغ ذلك المذىب ذروة قوتو وشيوعو في أواخر القرن الثاني ًوأوائل الثالث لميجرة ،وصار
المذىب المعتد بو لدى عدد من خمفاء بني العباس في تمك الحقبة ،وارتبط شيوعو وكثر
معتنقوه بتأثير أوضاع فكرية واجتماعية عامة تركت آثارىا عمى دولة الخالفة اإلسالمية
في تمك المرحمة ؛ ففي الجانب االجتماعي دخمت عناصر غير عربية في المجتمع
العباسي ،وكانت ليذه العناصر عقائدىا ونحميا التي بقيت ليا رواسب في فكرىم ولم
يتخمصوا منيا نيائيا عمى الرغم من دخول سوادىم في اإلسالم ،وفي الجانب الفكري تمت
ترجمة كثير من كتب اليونان والفرس والينود ،وكان ليذه المؤلفات تأثير ال يستطاع إغفالو
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
عمى جميور المثقفين في تمك الحقبةً ،وكان من آثار ذلك نضوج فكر االعتزال متأثراًً بذلك
المناخ العام الذي يشجع عمى تمك األفكار ويستمزميا.
وعمى صعيد آخر يالحظ أن تمك الحقبة شيدت كذلك شيوع تيارات فكرية وعقدية لم
يكن لممجتمع اإلسالمي عيد بيا من قبل كظيور الزندقة واإللحاد بين بعض من تستروا
بعباءة اإلسالم من األعاجم وكانوا يبطنون العداء لو ،ويدسون األفكار المشككة في
عقيدتو ،وينفثون سموميم ما استطاعوا إلى ذلك سبيال ،وبذل الساسة جيودا مأثورة في
التصدي ليذه الحركات اليدامة ،بيد أن عمماء الكالم وفي مقدمتيم المعتزلة قاموا بجيد
فكري خالق في ىذا السبيل ،تمثل ذلك الجيد في مقارعة الشبية بالحجة ،ودفع الزعم
الباطل باليقين الناصع والحق الصراح .يقول أبو الحسين الخياط في كتابو ( االنتصار والرد
عمى ابن الرواوندي الممحد)ًً :
" وىل عمى األرض أح ٌدً ردً عمى أىل الدىر سوى المعتزلة كإبراىيم وأبي اليذيل
ومعمر األسواري وأشباىيم ؟ وىل ًُيعرف أح ًٌد صحح التوحيد وثبت القديم ً-جل ذكره ً-
واحداًً في الحقيقة ،واحتج لذلك بالحجج الواضحة ،وألف فيو الكتب ،وردً فيو عمى أصناف
)ٕ(
ويقول في موضع آخر عن إبراىيم النظام : الممحدين من الدىرية والثنوية سواىمً؟ً!"
"وىو وأشباىو من عمماء المسممين الذين شغموا أنفسيم بجوابات الممحدين ووضع الكتب
(ٖ)
ً. عمييم ،إذ ُش ِغل أىل الدنيا بمذاتيا ،وجمع حطاميا "
ومع أن ىدف المعتزلة الفكري كان سامياً ،وأن غايتيم كانت نبيمةً ،فإن الطريق
أمام نشاطيم الفكري وجيدىم العممي لم يكن ميسوراًً بل امتأل بالعوائق ،وحفتو المخاطر ؛
فمم تكن بحوث عمم الكالم في بداية األمر مما تسوغو عقول السواد األعظم من جميور
المسممين ،وكان أكثر العمماء يميمون إلى تقميد منيج السمف في الصمت إزاء طرح بعض
قضايا العقيدة عمى بساط البحث العقمي ،ويتحفظون في ىذا الجانب أيما تحفظ فضال عن
أن البحث في بعض تمك القضايا قد أدت بالخائضين في إلى الشطط والتخبط مما دفع
بكثيرين من العمماء إلى اتيام ىؤالء باإللحاد أو الزندقة ،وكانت تمك من االتيامات التي
تمصق جزافاًً ألدنى شبية ،يقول المرتضي : "...وكان الرشيد نيى عن الكالم ،وحبس
ي أنو اجتمعجميع المتكممين ،حممو عمى ذلك قوم لم يعرفوه ،والمرء عدوًُذ ما جيلُ ،ح ِك ً
َ
عنده رجالن يتكممان في مسألة من الكالم فبعث بيما إلى الكسائي لينظر ما بينيما ،فمما
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
)ٗ(
" !! دخال عميو وتكمما وبمغا من الكالم موضعا ال يعرفو قال :ىما زنديقان يقتالن
ًٍ
بجسم وال عرض وال جوىر ،عينًًا واحدًًا ٍ
لمعان ،ليس لمعالم محدثا قديمًًا قاد ًًرا عالمًًا حيًّا ال
ال يدرك بحاسة ،عدالًً حكيماً ،ال يفعل القبيح وال يريده ،كمف تعريضاًً لمثواب ،ومكن من
الفعل وأزاح العمة والبدً من الجزاء ،وعمى وجوب البعثة حيث حسنت ،والبد لمرسول صمى
اهلل عميو وسمم من شرح جديد أو إحياء مندرس ،أو فائدة لم تحصل من غيره ،وأن آخر
قولً ومعرفة
األنبياء ىو محمد صمى اهلل عميو وسمم ،وأن القرآن معجزة لو ،وأن اإليمان ٌ
وعمل ،وأن المؤمن من أىل الجنة ،وعمى المنزلة بين المنزلتين ،وىو أن الفاسق ال يسمى
مؤمنا وال كافراً ،....وأجمعوا أن فعل العبد غير مخموق فيو ،...وأجمعوا عمى وجوب األمر
" ً بالمعروف وانيي عن المنكر
)(ٙ
وعمى الرغم مما يبدو في مباديء المعتزلة من جرأة ،وما تتسم بو من تجديد وخروج
عمى المألوف فإن أصول ىذه المباديء مستمدة من صميم العقيدة اإلسالمية ،وىي ليست
نتاج فمسفة وافدة ،أو نتاج مرحمة زمنية بعينيا ،وقد ذكر المرتضي ً أن أصول مذىب
االعتزال كانت معروفة لدى المسممين قبل أن ينادي بيا واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد
ومن سار عمى نيجيما ،وقد سمك المرتضي لالحتجاج عمى ذلك طريقين ً :
أوليما :
أن ما ذكره واصل وعمرو قد أخذاه " عن محمد بن عمي بن أبي طالب ،وابنو ىاشم
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
بن عبد اهلل بن محمد ،ومحمد ىو الذي ربى واصال وعممو حتى تخرج واستحكم ومحمد
أخذ عن أبيو عمي بن أبي طالب عمييم السالم عن رسول اهلل صمى اهلل عميو وآلو وسمم (
" ).)ٚ
ً وما ينطق عن اليوى
اآلخر :
عدً المرتضي في الطبقة األولى من المعتزلة كبار الصحابة وفي مقدمتيم الخمفاء
األربعة ،وعبد اهلل بن عباس ،وعبد اهلل بن مسعود ،وأبو ذر الغفاري ،وعبادة بن
الصامت.. .وغيرىم كثير .يقول المرتضي موضحا سبق عمي بن أبي طالب إلى تقرير
مبدأ العدل الذي اعتنقو المعتزلة " :أما عمي عميو السالم فقصة الشيخ الذي سألو عند
انصرافو من صفين أكان المسير بقضاء اهلل وقدره.. - .مصرح بالعدل وانكار الجبر .وذلك
أنو لما انصرف من صفين قام إليو شيخ فقال :أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء
وقدر ؟ فقال عميو السالم :والذي فمق الحبة ،وبرأ النسمة ما ىبطنا واديا ،وال عمونا تمعة إال
بقضاء وقد ر!ًفقال الشيخ :عند اهلل أحتسب أبنائي ! ما لي من األجر شيء ! فقال :بل
أييا الشيخ عظًم اهلل لكم األجر وأنتم سائرون ،وفي منقمبكم وأنتم منقمبون ،ولم تكونوا في
شيء من حالتكم مكرىين ،وال إليو مضطرين .فقال الشيخ :وكيف ذلك ! والقضاء والقدر
ساقانا وعنيما كان مسيرنا ؟ ًفقال عميً عميو السالم :لعمك تظن قضاء واجبا ،وقد ًًرا حتما
؟ ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ،وسقط الوعد والوعيد ،ولما كانت تأتي من اهلل
الئمة لمذنب ،وال محمدة لمحسن ،وال كان المحسن بثواب اإلحسان أولى من المسيء ،وال
المسيءًبعقوبة الذنب أولى من المحسن ! تمك مقالة إخوان الشيطان وعبدة األوثان ،...إن
اهلل تعالى أمر تخييرا ،ونيى تحذيرا ،ولم يكمف مجبرا ،وال بعث األنبياء عبثا ،ذلك ظن
الذين كفروا فويل لمذين كفروا من النار ،فقال الشيخ :وما ذلك القضاء والقدر المذان ساقانا
؟ فقال :أمر اهلل بذلك وارادتو ،ثم تال :وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه وبالوالدين إحسانا.
فنيض الشيخ مسرو ًاًر بما سمع وأنشأ يقول ً :
يوم النشور من الرحمن رضوانا أنت اإلمام الذي نرجو بطاعتو
جزاك ربك باإلحسان إحسانا أوضحت من ديننا ما كان ممتبساً
)(8
ثم مضى المرتضي بعد ذلك يسرد من أقوال الصحابة ومواقفيم ما يؤيد مباديء
االعتزال ويؤكد صحتيا .ولعل المرتضي بذلك يقصد إلى التأكيد عمى أن مباديء فكر
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
المعتزلة مستمدة من أصول العقيدة اإلسالمية ،ومستندة إلى حجج قوية من الكتاب والسنة،
وأقوال السمف المشيود ليم ،ومعطيات الفكر الصحيح ،واالستنباط الصائب.
ويقرر " نيبرج " أىمية األثر الذي تركتو حركة االعتزال في الفكر اإلسالمي بقولو
:وىم أشد المسممين دفاعًًا عن اإلسالم في ذلك الزمان ،وحمية في الرد عمى مخالفيو وأنا
أميل إلى القول بأنو لم يكن في التاريخ أحد نجح نجاح " النظام " إبطال كالم الثنوية
واسقاطيم عن مركزىم وشأنيم في الشرق األدنى ،ولم يصدر الكيد من ىوى حل بيم ،ولم
يقع عبثاً ،بل قامت المعتزلة بأشدً ما احتاج إليو اإلسالم في ذلك العصر وىو االستعانة
بما استعانت بو األديان المحيطة بو كميا من أسموب متين ،وطريق فمسفي ؛ إلبراز ما
كمن في الدين من ً القوى والفضائل ،فمم يكن بدً من االستغراق في األبحاث والدقائق ؛ً
ليظير اإلسالم في مظير التحدي ،ويفوز ما أراد فوزه ،ولو لم يقم بيذا الواجب من األمة
من كانت لو كفاءة لما تقرب اإلسالم إلىًاألذىان ،ولما نيض بين األديان ،ولما صار لو
إال سمطة ظاىرة فانية.
)(ٜ
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
تيما باطة ،وشنوا عمييا حمالت ظالمة .ومع ذلك كمو فقد أنصف العقالء من المفكرين
القدامى والمحدثين مفكري المعتزلة وتمقوا جيدىم الفكري عامة والعقدي منو عمى جية
الخصوص بالتقدير واإلكبار .لقد تمثمت جيود المعتزلة في ميدان التحرر الفكري في جممة
مظاىر من أىمياً:
ٔ ً -الجرأة في مناقشة مسائل العممً،وقضايا المعرفة في شتى ميادين النظر والفكر ،دون
تقيد باآلراء السابقة ،أو تسميم بأقوال العمماء ميما بمغت شيرتيم ورتبتيم بين الناسً،
وكان ليذا المظير خطره في جوانب عديدة ؛ إذ نيضت حركة فكرية واعدة جعمت
تراجع كثيراًً من اآلراء المتداولة في عموم العقيدة والشريعة بمختمف فروعيا فضال
عن غيرىا من ميادين العمم والمعرفة ،...فقد ناقش المعتزلة أقوال مشاىير المفسرين
واختمفوا معيم في أمور كثيرة ،وحمموا عمى فريق منيم رأوا أنو جانبوا الصواب،
وأخرجوا النص القرآني عن داللة لغة العرب ،كما اختمفوا مع عمماء الحديث ،وأنكروا
كثيراًً من مروياتيم ؛ إذ رأوىا ال تتفق مع أصول العقيدة ،وتتصادم مع نصوص
الكتاب العزيز ،ومع منطق العقل السديد ،كما ناقش عمماء المعتزلة رواة الشعر
واإلخباريين ،وسخروا منيم الطمئنانيم إلى مرويات تدخل في باب الخرافات
واألكاذيب ،وتتنافي مع الحقيقة والمعقول ،...ونستطيع أن نؤكد عمى سبيل اإلجمال
أن المعتزلة اصطحبوا نظرتيم الناقدة ،وروحيم المتحررة في شتى القضايا والمسائل
التي بحثوىا ،أو توجيت إلى تناوليا عقوليم الكبيرةً!! .
ٕ ً -كانت الحقائق المقنعة ،واألسباب المعقولة ىدفًًا ساميا سعى عمماء المعتزلة إلى
بموغو ،وثمرة لمجيد الفكري الدائب ا لذي كان سمة ميمة من سمات منيجيم في
البحث والتدقيق .ومن أمثمة ذلك ما يسوقو الجاحظ في كتابو " الحيوان " تنوييا
بمنحى أستاذه أبي إسحاق النظام ،ودقة تأممو ،وصواب استنتاجو يقول " :وقال
مثنى بن زىير ذات يوم :ما تميى الناس بشيء مثل الحمام ،وال وجدنا شيئ ًاً مما
يتخذه الناس ويمعب بو ويميى بو يخرج من أبواب اليزل إلى أبواب الجد كالحمام ً-
وأبو إسحاق حاضر ً -فغاظو ذلك وكظم عمى غيظو ،فمما رأى مثنى سكوتو عن
الردً عميو طمع فيو فقال :يبمغ واهلل من كرم الحمام ووفائو وثبات عيده وحنينو إلى
أىمو أني ربما قصصت الطائر بعد أن طار عندي دى ًرا ،فمتى نبت جناحو كنباتو
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
يدعو سوء صنعي إليو أن يذىب عني ،...ولربما بعتو فيقصو المبتاع
األول ً -لم ْ
حينا فما ىو إال أن يجد في جناحو قوة عمى النيوض حتى أراه أتاني جادف ًاً أو غير
وفاء. !! .قال أبو
ً جادف ،وربما فعمت ذلك بو مراراًً كثيرة كل ذلك وال يزداد إال
إسحاق :أما أنت فأراك دائبًًا تحمده وتذم نفسك ! ولئن كان رجوعو إليك من الكرم إن
إخراجك لو من المؤم !! ثم قال :خبرني عنك حين تقول :رجع إليً مرة بعد مرة ؟
وكمما زىدت فيو كان فيً أرغب ؟ وكمما باعدتو كان ل -ي أطمب ؟ ً.إليك جاء ؟ !ً.
واليك حنً ؟! ً.أم إلى عشو الذي درج منو؟! .والى وكره ال -ذي ربيً فيو؟! .أرأيت
َ
لو رجع إلى وكره وبيتو ثم لم يجدك ً،وألفاك غائبًًا أو ميتا ،أكان يرجع إلى موضعو
الذي خمفو ؟ !ًوعمى أنك تتعجب من ىدايتو وما لك فيو مقال غيره .فأما شكرك عمى
إرادتو لك فقد تبين خطاؤك فيو ،وانما بقي اآلن حسن االىتداء إلى الوطن
)ٓٔ(
"!!
فانظر كيف لم يدع النظام ىذا الموقف الذي كان يمكن أن يمر دون تدخل منو أو
اىتمام بشأنو ،ولكنو لم يفوت الفرصة لتصحيح تصور خاطيء ،وتقرير أمر واقع ،مما
يؤكد الرؤية المتحررة لممعتزلة ،والرغبة في تعقب األخطاء ،وتسفيو األدعياء في أي
موقف ،وفي أي سياق.
ٖ ً -االىتمام بتحرير عقول العامة ،وتنحية الخرافات المسيطرة عمى عقوليم ،ولعل في
ىذه القصة التي يحكييا المرتضي عن ثمامة بن أشرس ما يشير إلى تمك الحقيقة
يقول :وعن ثمامة قال :كان المأمون قد ىمً بمعن عميً عمى المنابر ،وأن يكتب
بذلك كتابا يقرأ عمى الناس ! فنياه يحيى بن أكثم عن ذلك ،وقال :يا أمير المؤمنين
إن العامة ال تحتمل ذلك سيما أىل خراسان ،فال تأمن أن تكون ليم نفرة ،فال تدري
ما عاقبتيا .والرأي أن تدع الناس عمى ما ىم عميو في أمر معاوية ،وال تظير أنك
دخمت عميو قال :يا ثمامة .
ًُ تميل إلى فرقة من الفرق .فركن المأمون إلى قولو ،فمما
قد عرفت ما كنا فيو ودبرناه في أمر معاوية ،وقد عارضنا تدبير ىو أصمح في تدبير
المممكة وأبقى ذكراًً في العامة ،...ثم أخبرني بأن يحيى بن أكثم خوفو العامة .فقمت
يا أمير المؤمنين :والعامة في ىذا الموضع ا لذي وضعيا فيو يحيى بن أكثم .واهلل لو
وجيت إنسانا عمى عاتقو سواد ومعو عصا لساقًإليك بعصاه عشرة آالف منيا !!
واهلل يا أمير المؤمنين :ما رضي اهلل أن سواىا باألنعام حتى جعميا أضل منيا .فقال
3131
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
ً"ً :إن ىم إال كاألنعام بل ىم أضل سبيال "ًواهلل يا أمير المؤمنينً :لقد مررت منذ
كساء ،وألقى عميو أدوية ،وىو قائم
ً أيام في شارع وأنا أريد الدار فإذا إنسان قد بسط
ينادي :ىذا دواءًٌ لبياض العين والغشاوة والظممة ً -وان إحدى عينيو لمطموسة
واألخرى موشكة !! والناس قد اجتمعوا فدخمت في غمار تمك العامة ،ثم قمت يا ىذا :
إنً عينيك أحوج من ىذه األعين إلى العالج ،وأنت تصف ىذا الدواء ،وتخبر أنو
شفاءً لوجع العين فمم ال تستعممو ؟! فقال :أنا في ىذا الموضع منذ عشرين سنة فما
ٌ
مر بي شيخ أجيل منك! ً قمت وكيف ذاك ؟ قال :يا جاىل أتدري أين اشتكت عيني
؟ قمت :ال .فقال :اشتكت بمصر ! عين اشتكت بمصر وكيف ينفعيا دواء بغداد ؟
!قال فأقبمت الجماعة قالوا :ص -دق الرجل .أنت جاىل ! فقمت ال واهلل ما عممت
"! ً أن عينو اشتكت بمصر ! .فما تخمصت منيم إال بيذه الحجة
)ٔٔ(
ويروي البغدادي في معرض ترجمتو لثمامة ىذه الحكاية يقول " :لما غضب
الرشيد عمى ثمامة دفعو إلى " سالم األبرش " وأمره أن يضيق عميو ،ويدخمو بيتاًً ويطين
عميو ويجعل فيو ثقباًً ! ففعل دون ذلك .وكان يدس عميو الطعام ،...فجمس" سالم "عشيةًً
ًٍ
يومئذ لممكذبين ( بفتح الذال .فقال لو ثمامة :إنما ىو ) يقرأ في المصحف فقرأ ًٌ ) :
ويل
لممكذبين ( بكسر الذال ًوجعل يشرحو لو ويقول :المكذبون ىم الرسل ،والمكذبون ىم
الكفار.. .فقال :قد قيل لي إنك زنديق ولم أقبل !! ثم ضيق عميو أشدً الضيق !! قال :ثم
رضي الرشيد عن ثمامة وجالسو .فقال :أخبروني :من أسوأ الناس حاالًً ؟ فقال كل واحد
شيئاً .قال ثمامة ً.فبمغ القول إ ليً فقمت " :عاقل يجري عميو حكم جاىل ً" !! ً.قال :
فتبينت الغضب في وجيو ،فقمت يا أمير المؤمنين :ما أحسبني وقعت بحيث أردت ؟ً.
قال :ال واهلل .فاشرح .فحدثتو بحديث " سالم " فجعل يضحك حتى استمقى ! وقال :
صدقت لقد كنت أسوأ الناس حاال
)ٕٔ(
"
ونستطيع عمى ضوء ما قدمنا أن نؤكد إجماال أن حركة االعتزال بعثت في الفكر
اإلسالمي روحا جديدة ،ونقمتو إلى طور جديد ،واستحدثت لو مناىج وقوانين ساعدت عمى
الدفع بو قدما ليساير التيارات الفكرية التي توافدت عمى دولة الخالفة اإلسالمية ،انطالقا
من واقعيا الذي اصطرعت عمى ربوعو موروثات شعوب شتى وأمم ذات أقدام راسخة في
الفكر والتحضر.
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
الصبعظ األدبوظ لتراث المطتزلظ:
أدرك أقطاب حركة االعتزال أنيم بصدد إقناع سامعييم ومتمقي فكرىم بما يقولون
ومن ثم كانت قوة العارضة ،وسالمة العبارة ،والميارة في التعبير قاسم ًاً مشتركا بين نتاج
أعالم حركة االعتزال ،وعمى الرغم من أنً أكثر إبداعاتيم األدبية تندرج في فنون الخطابة
والمناظرة أي أنيا من األدب النثري عمى اإلجمال ً فإنيا لم تخل من مسحة أدبية ليا
خصوصيتيا وبراعتيا ،وليا في الوقت ذاتو عشاقيا ومحبًوىا .فقد استخدموا في نتاجو -م
النثري وسائل التأثير واإلمتاع :إمتاع الحاسة الفنية واألدبية ،وامتاع العقل في آنً!!.
ولو استعرضنا نماذج من تراث أعالم المعتزلة األدبي لتبين لنا صدق ىذا
االستنتاج الذي أسمفنا بيانو .ىذا فضال عن أن عددا من رموز المعتزلة ًُرًِزقوا موىبة
شاعرة ،ولكنيم طوعوىا لنزعتيم العقمية فبدت معالجاتيم الشعرية من طراز فريد ،تخدم
فكرىم وتمبي منازعيم .وحتى ال يتشعب بنا البحث نقتصر عمى الوقوف عمى بعض ما
أسيم بو أعالم المعتزلة ومشاىيرىم ،ونخص من بينيم ثالثة ىم :أبو اليذيل العالف ،وأبو
إسحاق النظام ،وأبوعثمان الجاحظ ً .ونتاولًدورًكلًعممًمنًىؤالءًً ً-فيًإيجازً ً-عمىً
ىذاًالترتيبً .
ىأبوىالؼذولىالطالفى:ى ى
ىو ًمحمد ًبن ًاليذيل ًالعبديً ،شيخ ًالمعتزلةً ،ومقدم ًالطائفةً ،ومقرر ًالطريقةً
(ٖٔ)
ً كانًنسيجًوحدهً،وعالمًدىرهً،لمًيتقدموًأحدًمنًالموافقينًلوًًوالً والمناظرًعميياً
من ًالمخالفينً ،...وكان ًيقطع ًالخصم ًبأقل ًكالم ً! ًيقال ًً :أسمم ًعمىًيديوًزيادةًعمىً
( ًٗٔ)
ً ً.وقالًالمبردًً:ماًرأيتًأفصحًمنًأبيًاليذيلًوالجاحظً،وكانً ثالثةًآالفًرجلً
أبوًاليذيلًأحسنًمناظرةً،شيدتوًفيًمجمسًوقدًاستشيدًبثالثمائةًبيتً،وقالًثمامةًً:
وصفت ًأبا ًاليذيل ًلممأمون ًفمما ًدخل ًعميو ًجعل ًالمأمونًيقولًليًً:ياًأبامعنً،وأبوً
ُ
ً!ًفمماًاحتفلًالمجمسًاستشيدًفيًعرضً
ُ قد ًغيظاً
ً!ًفكدت ًأت ُ
ُ اليذيل ًيقول ًً :يا ًثمامة
نًشئت ًفسمنيً!!ً.وحكىًيحيىًبنً
َ ًً:إنًشئت ًفكننيً،وا
َ كالموًبسبعمائةًبيتً!ًفقمت
ُ
جانيًعنًالنظامًقالًً:ماًأشفقت ًعمىًأبيًاليذيلًقطًفيًاستشيادًإالًيومًقالً
ُ بشيرًاألر
3113
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
نعمً.قالًً:فيلًتعممًأنيمًعابواًعميوًبالمناقضةًوالمحنً؟ًقالًً:الميمًالً.قالًأبوًاليذيلً
ً:فتدعًقوليمًمعًعمميمًبالمغةً،وتأخذًبقولًرجلًمنًاألوساطً؟!ً.فقالًً:أشيدًأنًالًإلوً
()ٔٙ
ًً إالًاهللًوأنًمحمداًرسولًاهللً.ثمًق -الًً:كفانيًىذاًوانصرفً!ً"ً.
أبوىإسحاقىالنظَّامى :ى
ًًًًً األديب ًالشاعرً ،والعالم ًالمفكر ً" ًشيخ ًمن ًكبار ًشيوخ ًالمعتزلة ًوأئمتيمً،
هًيتوقدًذكاءً،ويتدفقً
ً متقدم ًفي ًالعمومً ،شديد ًالغوص ًعمى ًالمعانيً ،...كانًمنًصغر
فصاحةً،حكيًأنًأباهًجاءًبوًوىوًصغيرًإلىًالخميلًبنًأحمدًليعمموًفقالً لوًالخميلً
َ
ًٍأمًبذمً؟ًقالً:
ّ يمتحنوً ً-وفيًيدهًقدحًزجاجً ً-ياًبنيًصفًليًىذهًالزجاجةً.قالًبمدح
بمدحً.قالًً:تريكًالقذىً،والًتقبلًاألذىً،والًتسترًماًوراً!ً.قالًً:فذمياً.قالً:يسرعً
إليياًالكسرً،والًتقبلًالجبرً!ًقالًً:فصفًليًىذهًالنخمةً ً-وأومأًإلىًنخمةًبدارهً ً-قالً
بمدحًأمًبذمً؟ًقالًً:بمدحً.قالًً:حمو ًجناىاً،باسقًمنتياىاً،ناضرًأعالىاً!!ًقالًً:
ٌ
تقىً،بعيدةًالمجتنىً،محفوفةًباألذىً!!ًقالًالخميلًً:ياًبنيً.
ُ فذمياً .قالًً:صعبةًالمر
()ٔٚ
ًً.ويعمقًالمرتضيًعمىًىذهًالروايةًبقولوًً"ً:وىذهً نحنًإلىًالتعميمًمنكًأحوجً!!ً"ً
بالغةًمنًالن ظامًحسنةً؛ًألنًالبالغةًوصفًالشيءًذماًأوًمدحاًبأقصىًماًيقالًفيوً"ً
()ٔٛ
ً،ومنًكالمًالنظامًًً :
ً " ًالعمم ًشيء ًال ًيعطيك ًبعضو ًحتى ًتعطيو ًكمكً ،فإن ًأعطيتو ً ُكمكًفأنتًمنً
()ٜٔ
ً.ويقرظوًالمرتضيًبقولوًً"ً:فأماًأبوًإسحاقًبنً إعطائوًلكًالبعضًعمىًخطرً"ً
سيار ًالنظام ًفإنو ًكان ًمقدم ا ًفي ًالعممًبالكالمً،حسنًالخاطرً،شديدًالتدقيقًوالغوصً
عمىًالمعانيً.قيلًلمنظامًً:ماًاالختصارً؟ًفقالًً:الذيًاختصارهًفسادً،...وذكرًالنظامً
عبد ًالوىاب ًالثقفي ًفقال ًً :ىو ًأحمى ًمنًأمنًبعدًخوفً،وبرٍء ًبعدًسقمً،وخصبًبعدً
جدبً،وغنىًبعدًفقرً،وطاعةًالمحبوبً،وفرجًالمكروبً،ومنًالوصلًالدائمًمعًالشبابً
الناضرً ،..ولمنظامًشعرًكثيرًصالحًفمنوًً ً:
أثر
فصار مكان الوىم من نظري ُ توىمـو طرفـي فآلـم َّ
خده
فمن صفح قمبي في أناممو عقـر وصـافحو قمبي فآلـم كفـو
ولم أر جسما قط يجرحو الفكـر ومر بقمبي خاطرا فجرحتـو
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
أبوىصثمانىالجاحظى:ىىىى ى
ًولِد ًبالبصرة ًسنة ًًٓ ٔٙه ًعمى ًوجوً
ىو ًعمرو ًبن ًبحر ًبن ًمحبوب ًالكنانيُ ،
التقريبً،ونشأًبياً،ونيلًمنًالثقافاتًالمتنوعةًالتيًأتيحتًبياًفيًعصرهً،ثمًرحلًإلىً
بغداد ًواتصل ًبالخمفاء ً ،وولي ًديوان ًالرسائل ًولكنو ًلم ًيطق ًقيود ًالوظيفة ًورسومياً
فاستعفى ًوتفرغ ًلمكتابةً ،والجاحظ ًأشير ًمن ًأن ًنشغلًأنفسناًفيًىذهًالدراسةًالمتصمةً
ًعمرً
بالمعتزلة ًودورىم ًفي ًاألدب ًونقده ًبالترجمة ًلو ًأو ًالتعريف ًتفصيال ًبوً ،وقد ُ
أبوعثمانًإلىًماًيربوًعمىًالتسعينًوكانتًوفاتوًسنةًٕ٘٘ ًهً.ولقبًبالجاحظًلجحوظً
عينيوً(ًأيًنتوئيماً)ً ً.
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
كان ًالجاحظ ًمن ًخيرة ًمثقفي ًعصرهً ،بل ًكان ًموسوعة ًحوى ًعقمو ًكثيراً ًمنً
المعارف ًوالثقافاتً ،بعضيا ًيتصل ًبمغة ًالعرب ًوتاريخيم ًوأدبيم ًوعوائدىم ًوأخبارىمً،
ًبالفرس ًوالرومً
وبعضيا ًيتصل ًبالثقافات ًالوافدة ًالتي ًغدت ًمتاحة ًبعد ًاختالط ًالعرب ً
والينود ًوغيرىمً ،كما ًكان ًالجاحظًمتضمعاًفيًعممًالكالمًومباحثًالفمسفةً،وكانًمنً
كبار ًدعاة ًاالعتزالً ،ومنظريوً ،حتى ًذكرًأنوًكونًفرقةًارتبطتًبوًونسبتًإليوًعرفتً
ب ً" ًالجاحظية ً"ً.ولمجاحظًكماًىوًذائعًمشيورًمؤلفاتًورسائلًكثيرةًأثرىًبياًتراثناً
الفكريًعامةًواأل دبيًعمىًجيةًالخصوصً ً.
وايثا ًرا ًلإليجازًأكتفيًىناًباستعراضًبعضًنتاجوًالكتابيًالذيًيدلًعمىًتأصلً
الموىبةًاألدبيةً،وريادةًذلكًالعممًالفذًلمكتابةًالفنيةًفيًأدبناًالعربيً،وسأقفًبالقاريءًمعً
مقتطفات ًمن ًرسائموً ،وبعضا ًمن ًالفصول ًالتي ًدبجيا ًبيانو ًالرائع ًفي ًكتابًالبخالءً،
وىوً ً -فيماًأرجحً ً -منًأقوىًنتاجوًاألدبيًداللةًعمىًموىبتوًاألدبيةً؛ًإذًانفسحتًلوً
في ًذلك ًالمؤلف ً ً -بحكم ًموضوعو ً ً -المجال ًإلظيار ًبراعتو ً ًواطالق ًقدراتوً ،ألنًً
موضوع ًالكتاب ًلم ًيقيد ًالجاحظ ًبحقائقًيمحصياً،أوًمسائلًفكريةًأوًعقديةً،بلًكانً
تناولو ًفي ًالبخالء ًمنصبا ًع مى ًنوازع ًمن ًظواىر ًالنفس ًاإلنسانيةً ،عرضيا ًمن ًخاللً
تصوير ًأحوال ًالبخالء ًوالممسكين ًوالطفيميين ًوأضرابيمً ،ومن ًثمًأطمقًلممكاتوًاألدبيةً
العنانًلتبتكرًوتبدعً،بعيد ًا ًعنًقيودًالعممًوتمحيصاتوً،فظيرتًفيًكتابًالبخالءًقدرةً
أبي ًعثمان ًعمى ًحبك ًالقصصً ،وحسن ًعرضياً ،وابرازىا ًفي ً قالب ًمشوقً .ىذا ًولقدً
حرص ًالجاحظ ًعمى ًإضفاء ًطابع ًالواقعية ًعمى ًحكاياتو ًعن ًالبخالءً ،وكان ًفي ًىذاً
التوجوًسابقاً ًلعمماءًعصرهًوكتابًزمنوً،ومنًأبرزًماًيؤكدًذلكًتنبيوًإلىًأىميةًاألداءً
الذي ًيصور ًىيئة ًالمتحدثًولغتوًالتيًيعبرًبياً،والميجةًالتيًاعتادىاًأوًالمكنةًالتيً
ينفردًبيا..إلخً.يقولًأبوًعثمانًفيًمقدمةًكتابًالبخالءًً :
"ًوانًوجدتمًفيًىذاًالكتابًكالماًغيرًمعربً،ولفظاًًمعدوالًعنًجيتوً ً-فاعممواً
أناًإنماًتركناًذلكًألنًاإلعرابًيبغضًىذاًالبابً،ويخرجوًمنًحدهً،إالًأنًأحكيًكالماً
(ٖٕ)
ً ً. منًكالمًمتعاقميًالبخالءً،وأشحاءًالعمماءًكً"ًسيلًبنًىارونً"ًوأشباىو"ً
وىذهًصورةًرسمياًالجاحظًلواحدًمنًأىلًخراسانًكانًضنيناًبماًعندهً،حريصاً
عمىًأالًيشاركوًطعاموًأوًمعروفوًأحدً.يقولًعنوًالجاحظًً ً:
"ًكانًالًيأكلًإالًماًالًبدًمنوً،والًيشربًإالًماًالًبدًمنوً.غيرًأنوًإذاًكانًفيً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
جؼودىالمطتزلظىفيىالدراساتىالنػدوظى :ى
لحركة ً االعتزالًناحيةًأدبيةًالًتقلًفيًأىميتياًعنًالناحيةًالفكريةً،ولوًأردناًأنً
نفسر ًأسباب ًذيوع ًمذىب ًاالعتزالً ،ونتعرف ًعمىًاألسبابًالحقيقيةًالتيًساعدتًعمىً
نجاحوً ،ومكنت ًلو ًحتى ًصار ًالمذىب ًالمعتمد ًلدولة ًالخالفةًالعباسيةًفيًمرحمةًمنً
أخصبًمراحلًازدىارىاًوقوتياً ً-لتبينًلناًأنًذلكًيعودًلألسبابًالتاليةًً :
ٔ ً -استقامةًالمنيجًالف كريًالذيًصدرًعنوًدعاةًاالعتزالً،وىوًمنيجًيتسمًكماًألمحناً
بالتحرر ًمن ًاألفكار ًالسابقةً ،وكذا ًالنضج ًالعقميً ،ومن ًثم ًفقد ًارتادوا ًمختمفً
اآلفاقً ،وخاضوا ًبمنيجيمًتمك ً المججًالصعابً،دونًأنًيعتريًآراءىمًالوىنً،أوً
تنال ً منًصوابياًومصداقيتياًأطروحاتًتطاولياًدقةًوسالمةًمنيجً ًً .
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
ٕ ً -استوعب ًدعاة ًاالعتزال ًثقافات ًكثيرةً ،وحصموا ًعموما ًومعارف ًشتىً ،وكانوا ًفيً
مجموعيمًأنماط ًا ًفؤيدةًفيًسعةًالثقافةًوتعددًالخبراتً.وانًأناس ًا ًعمىًىذهًالدرجةً
منًالوعيًوالحصافةًلمنًحقيمًأنًتكونًليمًوجياتًنظرًمستقمةً،ومواقفًإزاءً
مختمفًالقضاياًالتيًثقفوىاً،وخبرواًدقائقياً،ماًدامًمنيجيمًسديد ًاًوالماميمًبحقائقً
ً
العمومًموفو ًراً .
ٖ ً -كان ًزعماء ًاالعتزال ًفيًعصرًازدىارًالمذىبًذويًمواىبًأدبيةًفذةًاستطاعواً
بوساطتياًاالنتصارًآلرائيمً،وافحامًخصوميمًومعارضييمً،وسيتضحًلناًمنًخاللً
استعراضًآرائيمًأنيمًكانواًعمىًجانبًالًيستيانًبوً منًالفصاحةًوقوةًالعارضةً،
والتمكنًمنًالبيانً.
وتتمثلًجيودًالمعتزلةًفيًالنقدًاألدبيًفيًجممةًإسياماتًمنًأىمياًً ً:
صحوغظىبشرىبنىالمطتمرى :ى
وىيًوثيقةًنقديةًميمةًسبقًبياًبشرًنقادًعصرهًًوقررًفيياًأصوالًتدلًعمىًبعدً
نظرهًوريادتوًفيًذلكًالميدانً.ونعرفًبوًباد يءًذيًبدءًفيًعجالةً.فيوًأبوسيلًبشرً
(ٕ٘)
ًأشعار ًكثيرة ًيحتج ًفييا ًعمىً
ٌ ً ًولبشر بن ًالمعتمر ًالياللي ًرئيس ًمعتزلة ًبغداد ً
أصحابًالمقاالتً.ذكرًالجاحظًأنوًلمًيرًأحداً ًأقوىًعمىًالمخمسًوالمزدوجًمماًقويً
عميوًبشرً،وأنوًكانًفيًذلكًأكثرًوأقدرًمنًأبانًالالحقيًً،وىوًالقائلًً ً:
وما تقول فأنت عالـــم إن كنت تعمم ما أقـول
ك فكن ألىل العمـم الزم أو كنت تجيـ ل ذا وذا
ينازعيم رياستيم فظالـم أىل الرياســة مـن
عن الذي قاسوه حالــم سيرت عيونيم وأنت
بالجيل أنت ليا مخاصم تطمبن رياســـة
َّ ال
لوال مقاميم رأيــت الدين مضطرب الدعائـم
أماًالصحيفةًالتيًىيًمحورًكالمناًفيًىذاًالمقامًفقدًرواىاًالجاحظًفيًالبيانً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
()ٕٙ
ًويفيمًمنًسياقًروايتوًلياًأنياًكانتًشيئاًجديد ًا ًلمًيسبقًلمعمماءًتناولًماً والتبيينً
طرحو ًفييا ًبشرً ،وأنيا ًكانت ًتحديا ًلما ًردده ًالمعممون ًلمبالغة ًوفنون ًالقولًمنًأىلً
ًيحموا ًليم ًترديدًالمأثوراتًالتيًالكتياًاأللسنً،ومجتياًاألسماعً،وسئمتياً
التقميد ًالذين ً
العقولًوالنفوسًًيحكيًالجاحظًأنًبشرًبنًالمعتمرًمرًبً"ًإبراىيمًبنًجبمةًبنًمخرمةً
السكوني ًالخطيب ً" ًوىو ًيعمم ًفتيانيم ًالبالغةً ،فوقف ًبشرً ،فظن ًإبراىيم ًأنو ًوقفً
ليستفيدً،أوًليكونًرجالً ًمنًالنظارةً،فقالًبشرًً :
أضربوا ًعما ًقال ًصفحاً ،واطوا ًعنو ًكشح ًاً ،ثم ًدفع ًإلييم ًصحيفة ًمن ًتحبيرهً
()ٕٚ
ًويتضحًمنًسياقًىذهًالروايةًأنًبشراً ًلمًترقوًطريقةًإبراىيمًبنًجبمةً وتنميقوً"ً!!..
فانتقصياًودعاًإلىًإىمالياً،وطرحًالبديلًالذيًرآهًجديراًًبأنًيعولًعميوً،ويمتفتًإليوً .
تبدأًصحيفةًبشر ًبتحميلًدقيقًلمسألةًالتييؤًالنفسيًلألديبً،وأثرًذلكًفيًجودةً
النتاجًالذيًيصنعوً.يقولًً :
"ًخ ْذ ًمنًنفسكًساعةًنشاطكً،وفراغًبالكً،واجابتياًإياكً؛ًفإنًقميلًتمكًالساعةً
ُ
أكرمًجوى ًراً،وأشرفًحسب ًاً،وأحسنًفيًاألسماعً،وأحمىًفيًالصدورً،وأسممًمنًفاحشً
الخطأً ،وأجمب ًلكل ًعي ن ًوغرة ًً :من ًلفظ ًشريفً ،ومعنى ًبديعً .واعمم ًأنًذلكًأجدىً
عميكًمماًيعطيكًيومكًاألطولًبالكدًوالمطاولةًوالمجاىدةً،وبالتكمفًوالمعاودةً،وميماً
()ٕٛ
ًً أخطأكًلمًيخطئكًأنًيكونًمقبوالًقصداًً،وخفيفاً ًعمىًالمسانًسيالً"ً..
ةًىناًإلىًأنًابنًالمدبرًفيًرسالتوًالعذراءًقدًتأثرًبكالمًبشرًفيً
ً وتجدرًاإلشار
صحيفتوً،ونقلًعنوً؛ألنوًمتأخرًعنوًزمناً،فقدًتوفيًبشرًسنةًًعشرًومائتينً،فيًحينً
كانتًوفاةًابنًالمدبرًسنةًتسعًوسبعينًومائتينً،ويتضحًمنًالموازنةًبينًماًأثبتوًابنً
المدبرًفيًرسالتوًأنوًحذاًحذوًبشرً،ونيجًسبيموً،بلًكانًينقلًعباراتوًبنصياًيقولًابنً
المدبرًفيماًيقترب ًمنًعبارةًبشرًالتيًأوردناىاًآنفاًً،وفيًسياقياًنفسو ًً ً:
" ًوارتصد ًلكتابك ً ًفراغ ًقمبكً ،وساعة ًنشاطك ًً ،فتجد ًما ًيمتنع ًعميك ًبالكدً
والتكمف ً؛ ًألن ًسماحة ًالنفس ًبمكنونياً ،وجود ًاألذىان ًبمخزونيا ًإنما ًىو ًمع ًالشيوةً
( ً)ٕٜ
ًوالفارق ًالواضح ًبين ًالعبارتين ًأن ًابنً المفرطة ًلمشيء ًوالمحبة ًالغالية ًفيوً "ً ...
المدبر ًقصد ًبكالمة ًجنس ًالكتابةً ،حيث ًكان ًيتحدث ًعن ًفن ًالرسائل ًأما ًبشرًفكانً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
كالموًعاماًيشملًفنونًالقولًجميعاً،وىذاًيؤكدًسبقًبشرًإلىًتقريرًىذاًاألصلًالنقديًً
نًومنًثمًسبقًعمماءًالمعتزلةًوأعالمياًإلىًىذهًالميادينً ً.
وبعد ًأن ًيفرغ ًبشرًمنًقضيةًالتييؤًواالستعدادً،يحذرًشداةًاإلبداعًاألدبيًمنً
بقاء ًعمىً
التعقيدًواإلغرابً،ويييبًبيمًأنًيتوخواًالسيولةًوالقربً؛ًصيانةًلمعانييمً،وا ً
رونقًبيانيمً،يقولًً :
"ً ...واياك ًوالتوعرً ،ألن ًالتوعر ًيسممك ًإلى ًالتعقيدً ،والتعقيد ًىوًالذيًيستيمكً
(ٖٓ)
ًً معانيكًويشينًألفاظكً"ً
ثم ًينتقل ًبشر ًلمحديث ًعن ًاأللفاظ ًوالمعانيً ،وأىمية ًحصول ًالتواؤم ًبينيا ًوىوً
مذىبًيقتربًفيوًكثيراً ًمنًأبيًعثمانًالجاحظًً،يقولًبشرًً"ًًًً:ومنًأرادًمعنىًكريماً
فميمتمس ًلو ًلفظاً ًكريماً ً؛ ًفإن ًحق ًالمعنى ًالشريف ًالمفظ ًالشريفً ،ومن ًحقيما ًأنً
تصونيماًعماًيفسدىماًوييجنيماً،وعماًتعودًمنًأجموًإلىًأنًتكونًأسوأًحاالًمنكًقبلً
(ٖٔ)
ًً أنًتمتمس ً إظيارىماً،وترتينًنفسكًبمالبستيماً،وقضاءًحقيماً"ًً
وانطالق ًا ًمنًىذاًالمفيومًالواضحًالمقنعًتجاهًاأللفاظًوالمعانيًيرتبًبشرًاألدباءً
في ًمراتب ًمتباينة ًتبع ًا ًلمقدرة ً ُكل ًفئة ًمنيم ًعمى ًالوفاء ًبمتطمبات ًذلك ًالمذىبًعمىً
النحوًالتاليًً ً:
المرتبظىاألولىى :ى
" ًأول ًالثالث ًأن ًيكون ًلفظك ًرشيق ًا ًعذباً ،وفخما ًسيالً ،ويكون ًمعناك ًظاى ًراً
مكشوفاً،وقريباًمعروفاً،إماًعندًالخاصةًإنًكنتًلمخاصةًقصدتًًواماًعندًالعامةًإنً
كنتًلمعامةًأردتً...والمعنىًالشريفًليسًيشرفًبأنًيكونًمنًمعانيًالخاصةً،وكذلكً
ليس ًيتضع ًبأن ًيكون ًمن ًمعاني ًالعامةً ،وانما ًمدار ً الشرف ًعمى ًالصواب ًواحرازً
المنفعة ًمع ًموافقة ًالحالً ،وما ًيجب ًلكل ًمقام ًمن ًالمقالً ،وكذلك ًالمفظ ًالعاميً
ّ
والخاصيً ،فإن ًأمكنك ًأن ًتبمغ ًمن ًبيان ًلسانكً ،وبالغة ًقممك ًأن ًتفيمًالعامةًمعانيً
ّ
الخاصةً ،وتكسوىا ًاأللفاظ ًالواسطة ًالتي ًال ًتمطف ًعن ًالدىماءً،والًتجفوًعنًاألكفاءً
(ًٕٖ)
ًً فأنتً البميغًالتامً"ً!!ً
ونستشفًمنًحديثًبشرًعنًىذهًالمرتبةًأنًاألدبًعندهًصناعةًأساسياًالميارةً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
فيًعرضًالمضمونًالذيًيقصدًاألديبًتجميتوً،ويستيدفًإيصالوًلمسامعًأوًالقاريءً،
أياًكانًىذاًالمضمونً،بعدًأنًيراعيًاألديبًمقاماتًالمخاطبينً،ومقتضياتًاألحوالً،
ونستشفًكذلك ً أنًبشراً ًالًيعتدًفيًتقويمًاألثرًاألدبيًبماًتتضمنوًمعانيوًمنًسموًأوً
اتضاع ًبل ًبمبمغ ًحذقًاألديبًفيًالتعبيرًعنًالمعنىًواعطائوًالمفظًالالئقًبوً.وتمكً
نظرةًنقديةًدقيقةًسبقًبشرًبتقريرىاًأىلًعصرهً،واستحقًأنًيعد ًضمنًالمؤصمينًلتكً
الحقائقًالميمةًفيًنقدناًالعربيًالقديمً ً.
المرتبظىالثانوظى:ى ى
"ًفإنًكانتًالمنزلةًاألولىًالًتواتيكً،والًتعتريكً،والًتسنحًلكًعندًأولًنظركً،
وفي ًأول ًتكمفكً ،وتجد ًالمفظة ًلم ًتقع ًموقعياً ،ولم ًتصر ًإلى ًقرارىاً ،والى ًحقيا ًمنً
أماكنيا ًالمقسومة ًلياً ،والقافية ًلم ًتحل ًفي ًمركزىا ًوفي ًنصابياً ،ولم ًتتصل ًبشكمياً،
وكان ت ًقمقة ًفي ًمكانياً ،نافرة ًمن ًموضعيا ً ً -فال ًتكرىيا ًعمى ًاغتصاب ًاألماكنً،
والنزولًفيًغيرًأوطانياً؛ًفإنكًإذاًلمًتتعاطًقرضًالشعرًالموزونً،ولمًتتكمفًاختيارً
الكالمًالمنثورًلمًيعبكًبتركًذلكًأحدً،...وانًأنتًتكمفتياًولمًتكنًحاذق ًا ًمطبوعاً،والً
محكما ًلسانك ًبصيرا ًبما ًعميكًوماًلكً ً -عابكًمنًأنتًأقلًعيباً ًمنوً،ورأىًمنًىوً
دونك ًأنو ًفوقك ً!!ً ،...فإن ًابتميت ًبأنًتتكمفًالقولً،وتتعاطىًالصنعةً،ولمًتسمحًلكً
الطباع ًفي ًأول ًوىمةً ،وتعصى ًعميكًبعدًإجالةًالفكرةً ً -فالًتعجلًوالًتضجرً،ودعوً
بياض ًيومكً ،أو ًسواد ًليمكً ،وعاوده ًعند ًنشاطك ًوفراغ ًبالك؛ ًفإنك ًال ًتعدم ًاإلجابةً
(ٖٖ)
ًً ً والمواتاةً،إنًكانتًىناكًطبيعةًأوًجريتًمنًالصناعةًعمىًعرقً"ً
واذا ًكانت ًالمرتبة ًاألولى ًىي ًمرتبة ًاألديبًالمطبوعًالذيًتنسالًعميوًالمعانيً
وتتسابقًفيًمجاوبتوًاأللفاظً،ويستطيعًبماًمنِحًمنًحكمةًوبصيرةًأنًيصرفًالقولًأنىً
ُ
شاءً،وكيفًأرادً ً-فإنًبشراً ًلمًيقصرًصناعةًاألدبًعمىًىذاًالصنفًمنًالمطبوعينً،
ويطرد ًعنيا ًسواىمً ،ولكنو ًيجعل ًفي ًالمرتبة ًالتالية ًليم ًطائفة ًمن ًمتعاطي ًالصناعةً
الذين ًال ًتواتييمً ،وال ًتطيعيم ًإال ًفي ًالفينة ًبعد ًالفينةً ،وبعد ًترو ًومعاودة ًتأمل ًونظرًً
وينصح ًبشر ًىذا ًالصنف ًأال ًيضجرواًأوًيتعجمواً،وأنًيرفقواًبقرائحيمً،ويميموىاًحتىً
تسمح ًبمكنونياً،ويطيعًعصيياً،شريطةًأنًيوجدًلدىًكلًمنيمًاستعدادًأدبيً،ودالئلً
موىبةًحبيسةً.أماًإذاًلمًيكنًليذهًالموىبةًوجودًفأحرىًبالعاقلًأنًينفضًيديوًمنًىذهً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
الصناعة ً؛ ًإذ ًلن ًيعيبو ًبافتقادىا ًأحدً .فميت ًأدعياء ًاألدب ًوالمتطفمين ًعميو ً ً ً -وماً
أكثرىمًفيًزمنناًىذاً ً -يقنعونًبنصيحةًبشرً،ول -وًقدًفعمواًألحسنواًألنفسيمًولألدبً
عمىًسواءً!!ً ً.
المرتبظىالثالثظى:ى ى
"ً...فإنًتمنعًعميكًمنًغيرًحادثًشغلًعرضً،ومنًغيرًطولًإىمالًفالمنزلةً
الثالثةًأنًتتحولًمنًىذهًالصناعةًإلىًأشيىًالصناعاتًإليكًًوأخفياًعميكً؛ًفإنكًإنً
لمًتشتوً،ولمًتنازعًغميكًإالًوبنكماًنسبً،والشيءًالًيحن ًإالًإلىًماًيشاكموً،وانًكانتً
المشاكمةًقدًتكونًفيًطبقاتً؛ًألنًالنفوسًالًتجودًبمكنونياً،والًتسمحًبمخزونياًمعً
(ٖٗ)
ًً الرىبةً،كماًتجودًبوًمعًالمحبةًوالشيوةً،فيكذاًىذاً"ً
بيذا ًالتحميل ًالواع ي ًوالفيم ًالناضج ًيمخص ًبشر ًبن ًالمعتمرًفيًصحيفتوًأىمً
مقوماتًصناعةًاألدبً،وأسسًالميارةًفيياً،ويصنفًاألدباءًمنًحيثًمراتبيمًوقدراتيمً،
قياسا ًعمى ًما ًيتأتى ًلكل ًمنيم ًمن ًأصول ًالصناعةً ،وما ًىو ًمركوز ًفي ًطبعو ًمنً
موىبةً ً.
ثانوا:ىتحلولىالنظامىلظاهرةىانتحالىالشطرى :ى
وتمك ًمن ًأىم ًالقضايا ًالتي ًأسيم ًرموز ًالمعتزلة ًفي ًمعالجتياً ،وتفسيرًأسبابياً
ومداخمياً،ويعد ًبحثًالمعتزلةًليذهًالقضيةًجزءاً ًمنًحممتيمًالشاممةًعمىًالخرافاتًالتيً
تشيعًفيًأوساطًالعامةً،وتصدييمًلكثيرًمنًتمكًاالعتقاداتًالمغموطةًالتيًيميلًالعامةً
إلىًتصديقياً،دونًإع مالًالعقلً،أوًإنعامًالنظرً،وأبوًإسحاقًالنظامًكانًمعنياًبنقدًماً
شاعًفيًأوساطًالعامةًمنًشعرًعمىًألسنةًالجنًوالغيالنً،ومنًثناياًذلكًكشفًالنقابً
عن ًجانب ًميم ًفي ًمسأة ًانتحال ًالشعر ًبصفة ًعامةً ،وسنرىًأنًتحميموًلمظاىرةًيتسمً
بالدقةًوالموضوعيةً،يقولًالجاحظًمقرراًرأيًأستاذهًأبيًإسحاقًً ً:
"ً...وكانًأبوًإسحاقًيقولً ً -فيًالذيًتذكرًاألعرابًمنًعزيفًالجنانًوتغولً
الغيالنً ً: ً-أصلًىذاًاألمرًوابتداؤهًأنًالقومًلماًنزلواًبالدًالوحشًعممتًفييمًالوحشةً،
ومنًانفردًوطالًمقاموًفيًالبالدًوالخالءًوالبعدًمنًاألنسً ً-استوحشًبالتفكيرً.والفكرً
3113
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
ولعلًىذاًالتحميلًالمفصلًلظاىرةًوضعًالشعرًعمىًألسنةًالجنًوالغيالنً،والحديثًعنً
المغامراتًالموىومةًمعياًًلعلًىذاًالتحميلًيعطيًالقاريءًصورةًصحيحةًعنًطبيعةً
العقميةًالناضجةًلعمماءًالمعتزلةً،والجيدًالعمميًالرائعً الذيًأسدوهًلمفكرًاإلسالميً،ولغةً
العربًفيًشتىًالميادينً .
ثالثاًى:ىالمطتزلظىوالمنؼجىالػوومىلتغسورىالػرآنىالكروم.ى ى
وىذاًجانبًآخرًميمًمنًجوانبًالحركةًاإلصالحيةًالتيًأسيمًبياًالمعتزلةًفيً
الفكر ًاإلسالميً .ويتميز ًمنيجيم ًفي ًالتفسير ًبأنو ًمبني ًعمى ًأسس ًموضوعيةً ،ترسمً
الطريقًالصحيحًلفيمًالنصًالقرآنيً،وتتممسًأىدافوًومراميوً،لقدًكانًدورًالمعتزلةًفيً
تأصيل ًىذا ًالمنيج ًضروريا ًفي ًمرحمة ًتجاوز ًبعض ًالمتصدين ًلتفسير ًالكتاب ًالعزيزً
إلى ًإثبات ًاقوال ًوتأويالت ًال ًتمت ًإلى ًالنص ًالقرآني ًبصمةً ،وال ًتتالقىًمعًًدالالتً
المغةً،وأعرافًا لناطقينًبياًوماًتواضعواًعميوً،فحاولًنفرًمنًىؤالءًأنًيطوعواًتفسيرً
القرآن ًالكريم ًلمذاىبيمً ،وتوجياتيم ًالعقديةً ،وبخاصة ًفي ًأوساط ًالفرق ًاإلسالمية ًعمىً
تباينًمواقفياً،واتسامًمواقفًبعضًالمنتمينًإليياًبالغموًوالشططً ً.
أدركًأعالمًالمعتزلةًومنظروًفكرىاًذلكًاالنحرافًفيً فيمًالنصًالقرآنيًفقاومواً
ذلكًالخملً،وكشفواًعوارهً،وبينواًزيفوً،وقدًتعقبواًتمكًاألقوالًالغريبةًوالتفسيراتًالتيًالً
تستندًإلىًدليلً،ويعدًجيدًأقطابًاالعتزالًفيًىذاًالميدانًمنًأىمًالجيودًالتيًبذلياً
العمماء ًفي ًتمكًالمرحمةًالمبكرةًمنًحياةًالحركةًالعمميةًعندًالعرب ً فيًتناولًالبحثً
البالغي ًبأسموب ًتطبيقي ًواقعيً ،كما ًكان ًأىم ًجيد ًتحميمي ًدقيق ًلمفاىيم ًبالغةً
األسموبً،ومنًثمًالتمييدًلماًاستفاضًبعدًذلكًمنًالبحثًفيًإعجازًالقرآنًالكريمً ً.
لقدًبنىًالمعتزلةًمنيجيمًفيًالتفسيرًعمىًأساسًواضحًالًخالفًعميوًوىوًأنً
القرآن ًالكريم ًنزل ًبمغة ً العربً ،واصطنع ًأساليبيم ًفي ًالبيانً ،وطرائقيم ًفي ًالتعبيرً
والتصويرً،وىذاًالرباطًالوثيقًالذيًعقدهًالمعتزلةًبينًالقرآنًالكريمًوالبالغةًالعربيةًىوً
ما ًيحمل ًالباحث ًالمنصف ًعمى ًأن ًيتأملًىذاًالمنيجًويصغيًإلىًماًيقودًإليوًفيماً
يتصلًبفيمًالنصًالقرآنيًبعيداًعنًتأويالتًال متأولينً،وشطحاتًالغالينً ً.
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
أثبتًالجاحظًفيً"ًالحيوانً"ًبحثاً ًمستفيضاًألستاذهًالنظامًانتقدًفيوًطائفةًمنً
المفسرينً ،وسفو ًآراءىمً ،وكشف ًنواحي ًالقصور ًوالخمطًفيًأقواليمًومزاعميمً،وسأوردً
فيًىذاًالسياقًبعضًاآلياتًالتيًتوقفًالنظامًعنًقبولًأقوالًالمفسرينًالقدامىًحولياً،
وكشفو ًجوانبًالخملًفيًتمكًاألقوالًوالتأويالتً،ثمًأُتبعًذلكًبإيرادًتفسيرًىذهًاآلياتً
عينياًمنًكتابً"ًالكشافً"ًًلمزمخشريًًوىوًمعتزليًأيضاًوانًتأخرًزمناً؛ًألنوًخيرً
نموذجًعمميًلطريقةًالمعتزلةًفيًالتفسيرً ً.
حكى ًالجاحظ ًقال ًً "ً :كان ًأبو ًإسحاق ًيقول ًً :ال ًتسترسموا ًإلى ًكثير ًمنً
المفسرينً،وانًنصبواًأنفسيمًلمعامةً،وأجابواًعنًكلًمسألةً،فإنًكثيراً ًمنيمًيقولًبغيرً
روايةًعمىًغيرًأساسً،وكمماًكانًالمفسرًأغربًعندىمًكانًأحبًإلييمً،وليكنًعندكمً"ً
عكرمةً"ً،وً"ًالكمبيً"ً،ً،السديً"ً،وً"ًالضحاكً"ً،وً"ًمقاتلًبنًسميمانً"ً،وً"ًأبوً
بكرًاألصمً "ًفيًسبيلًواحدةً!!ًفكيفًأثقًبتفسيرىمً،وأسكنًإلىًصوابيمً؟ًوقدًقالواً
فيًقولوًعزًوجلًً"ً:وأنًالمساجدًهللً"ًأنًاهللًعزًوجلًلمًيعنًبيذاًالكالمًمساجدناً
ٍ
ًورجل ًوجبيةً ٍ
التيًنصميًفيياً،بلًإنماًعنىًً:الجباهًوكلًماًسجدًالناسًعميوًمنًيد
وأنفًوثفنةً؟ً.وقالواًفيًقولوًتعا لىًً"ً:أفالًينظرونًإلىًاإلبلًكيفًخمقتً"ًأنوًليسً
نماًيعنيًالسحابً؟ً،...وقالواًفيًقولوًتعالىًً"ً:ويلًلممطففينً"ً
ٌ يعنيًالجمالًوالنوقً،وا
الويلًوادًفيًجينيمً،ثمًقعدواًيصفونًذلكًالواديً؟ًوالويلًفيًكالمً العربًمعروفً!ًً،
وقال ًآخرون ًفي ًقولو ًتعالى ًً"ً :عيناًفيياًتسمىًسلًسبيالً"ًقالواً:أخطأًمنًواصلً
بعضًىذهًالكممةًببعضً.قالواًإنماًىيًً:سلًسبيالًإليياًياًمحمدً!!ًفإنًكانًكماًقالواً
فأين ًمعنى ًتسمى ً؟ ًوعمىًأيًشيءًوقعًقولوًتسمىً،فتسمىًماذاً؟ًوماًذلكًالشيءً
؟ً،...وقالواًفيًقولوًتعالىًً"ً:وقالواًلجمودىمًلمًشيدتمًعميناً"ًً.قالواً ً:الجمودًكنايةً
عنًالفروجً!ًكأنوًالًيرىًأنًكالمًالجمدًمنًأعجبًالعجبً!ً،..وقالواًفيًقولوًتعالىًً:
"ًكاناًيأكالنًالطعامً"ًإنًىذاًإنماًكانًكنايةًعنًالغائطً!ًكأنوًالًيرىًأنًالجوعًوماً
ينال ًأىمو ًمن ًالذلةًوالعجزًوالفاقةً،وأنوًليسًفيًالحاجةًإلىًالغذاءًماًيكتفىًبوًفيً
ا لداللةًعمىًكونيماًمخموقانًحتىًيدعيًعمىًالكالمًويدعيًلوًشيئاً ًقدًأغناهًاهللًتعالىً
()ٖٙ
ًً عنوً"ً ...
وتجدرًاإلشارةًإلىًأنًالنظامًقدًصدرًفيًحممتوًعمىًبعضًالمفسرينًانطالقاً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
منًوجيةًالمعتزلةًالتيًتميلًإلىًربطًالنصًالقرآنيًبسياقوًالمغويًًومحاولةًفيموًعمىً
ضوءًاستخدام ً العربًألساليبيمً،وفيميمًلمراميياًوداللتياً،ولوًراعيناًىذاًاألصلًوأعدناً
النظر ًفي ًموقف ًأبي ًإسحاق ًمن ًاألقوال ًالتي ًذىب ًإلييا ًىؤالءًالمفسرونًحولًتمكً
اآلياتً ً -لوجدناًأنًماًذىبًإليوًالنظامًأقربًإلىًالقبولً،وأشبوًبالحقيقةً،وأدخلًفيً
اإلعجازًوالبراعةً ً.
وأسوق ًلمقاري ء ًىنا ًبعض ًمقتطفات ًمن ًتفسير ً" ًالكشاف ً" ًلمزمخشري ً ًكماً
وعدت ًآنفا ً؛ ًلتتأكد ًلمقاريء ًأبعاد ًمنيج ًالمعتزلة ًفيًالتفسيرً،وموقفيمًمنًبعضًمنً
يبعد ًفي ًالتأويلً ،أو ًيحمل ًالنصًالقرآنيًأكثرًمماًتحتملًداللتوًمنًحيثًاالستخدامً
المغوي ًالمألوف ًفي ًكالم ًالعربً ،وسنمحظ ًأن ًطريقة ًالزمخشريًىذهًتؤكدًعمىًبراعةً
الجممة ًالقرآنيةً ،وتكشف ًمعالم ًجماليا ًالتعبيريً ،كما ًيؤصل ًويحرر ً ًكثيرا ًمن ًالقيمً
البالغيةًالتيًتؤكدًاإلعجازًالقرآنيًفيًأبيىًصورهً .
ىا ًىو ًذا ًيفسر ًقولًالحقًتباركًوتعالىًً"ً:وقالتًالييودًيدًاهللًمغمولةًغمتً
أيدييمًولعنواًبماًقالواًبلًيداهًمبسوطتانًينفقًكيفًيشاءً"ًيقولًً ً:
" ًغل ًاليد ًمجازًعنًالبخلً،..ومنوًقولوًتعالىًً"ً:والًتجعلًيدكًمغمولةًإلىً
عنقكًوالًتبسطياًكلًالبسطً"ًوالًيقصدًمنًيتكممًبيذاًالكالمًإثباتًيدًوالًغلًوالًبسطً،
والًفرقًعندهًبينًىذاًالكالمًوماًوقعًمجازاً ًعنوً؛ًألنيماًكالمانًمتعاقبانًعمىًحقيقةً
واحدةً ،حتى ًإنو ًيستعممو ًفي ًممك ًال ًيعطي ًعطاء ًقطً،والًيمنعوًإالًبإشارةًمنًغيرً
ًعطاء ًجزيال ًلقالوا ًً :ماً
ً استعمال ًيد ًوقبضيا ًوبسطيا ً!! ًولو ًأعطى ًاألقطع ًالمنكب
أبسطًيدهًلمنوالً!ً؛ًألنًبسطًاليدًوقبضياًعباراتانًوقعتاًمتعاقبتينًلمبخلًوالجودً،وقدً
استعمموىماًبحيثًالًتجوزًاليدً.كقولوًً ً:
شكرت نداه تالعو ووىاده جاد الحمى بسط اليدين بوابل
وقدًجعلًلبيدًلمشمالًيداًفيًقولوًً ً:
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
(ً)ٖٚ
ً أمثالًىذهًاآليةً،ولمًيتخمصًمنًيدًالطاعنًإذاًعبثتًبوً"ً
ويقولًفيًتفسيرًقولوًتعالىًً"ً:عيناًفيياًتسمىًسمسبيالً"ًً...لسالسةًانحدارىاً
في ًالحمقً ،وسيولة ًمساغياً ،يعني ًأنيا ًفي ًطعم ًالزنجبيلً ،وليس ًفييا ًلذعةً ،ولكنً
نقيضًالمذعًوىو ً السالسةً،...وقدًعزواًإلىًعميًبنًأبيًطالبًرضيًاهللًعنوًأنًمعناهً
ً:سلًسبيالًإليياً،..وىذاًغيرًمستقيمًعمىًظاىرهً،إالًأنًيرادًأنًجممةًق -ولًالقائلًً:
سل ًسبيال ًجعمت ًعمم ًا ًلمعينً،كماًقيلًتأبطًشراً،...وسميتًبذلكًألنوًالًيشربًمنياً
إال ًمن ًسأل ًسبيال ًإلييا ًبالعمل ًالصا لحً،وىوًمعًاستقامتوًفيًالعربيةًتكمفًوابتداعً،
()ٖٛ
ًً وعزوهًإلىًمثلًعميًأبدعً!!ً"ً
ويفسر ًالزمخشري ًآية ًً "ً :أفال ًينظرون ًإلى ًاإلبل ًكيف ًخمقت ً"ًبقولوًً"ً:أفالً
ينظرون ًإلى ًاإلبل ًنظر ًاعتبار ًكيف ًخمقت ًخمقاً ًعجيبا ًداال ًعمىًتقديرًمقدرً،شاىداًً
بتدبير ًمدبرً ،حيث ًخمقيا ًلمنيوض ً باألثقالً ،وجرىا ًإلى ًالبالد ًالشاحطةً،فجعمياًتبركً
تياً،الًتعازً
ّ وتحملًعنًقربًويسرً،ثمًتنيضًبماًحممتً،منقادةًلكلًمنًاقتادىاًبأزم
ضعيفاً ،وال ًتمانع ًصغيراً ً!! ًبرأىا ًطوال ًاألعناق ًلتنوء ًباألوقارً ،...وحين ًأراد ًبياًأنً
تكون ًسفائن ًالبرً ،صبرىا ًعمى ًاحتمال ًالعطشً ،حتى ً أن ًأظماءىا ًلترتفعًإلىًالعشرً
فصاعداً،وجعمياًترعىًكلًشيءًنابتًفيًالبراريًوالمفاوزًً،مماًالًيرعاهًسائرًالبيائمً،
وعن ًسعيد ًبن ًجبيرًقالًً:لقيتًشريحاًالقاضيًفقمتًأينًتريدً؟ًقالًً:أريدًالكناسةً.
قمتًوماًتصنعًبياً؟ًقالًً:أنظرًإلىًاإلبلًكيفًخمقتً!!ً.فإنًقمتًكيفًحسنًذ ْكرً
اإلبل ًمع ًالسماء ًوالجبال ًوال ًمناسبة ً؟ ًقمت ًً :قد ًانتظمًىذهًاألشياءًنظرًالعربًفيً
ىمً،ولمًي ْدعُ ًمنًزعمًأنً
َ أوديتيمًوبوادييمً،فانتظمياًالذكرًعمىًحسبًماًانتظمياًنظر
()ٖٜ
ًً اإلبلًً:السحابًإلىًقولوًإالًطمبًالمناسبةً"ً..
وعمى ًىذا ًالمنيج ًالرائع ًفي ًتفرس ًدالالت ًالعبارة ًيمضيًالمعتزلةًفيًتفسيرىمً
لمقرآن ًالكريمً ،بفيم ًثاقبً ،ونظرًدقيقً،وتأملًمستبصرً،فيًحرصًشديدًعمىًإعطاءً
النص ًالقرآني ًحقو ًمن ًالفيمً ،وانعام ًالنظرً ،واستشفاف ًالعبرةً ،وتممس ًالمغزىً ،دونً
االنجراف ًإلى ًالتأويالت ًالغريبة ً ًالتي ًلمس ًالزمخشري ًفيما ًنقناه ًعنو ًآنفاًً ً أنياًكانتً
مبنية ًعمى ًعدم ًفيم ًسياق ًالنص ًالقرآنيً ،ومنًثمًحممتًبعضًىؤالءًالمفسرينًعمىً
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
المجوءًإلىًالتأويلًالذيًالًيتالءمًمعًسياقًالكالمًوداللةًالمغةًلموىمةًاألولىً ً.
والًمراءًفيًأنًىذاًالمنيجًالذيًأرساهًالمعتزلةًفيًالتفسيرًقدًميدًلفيمًالكتابً
العزيزًفيماًحقيقيا ً،وفسحًالطريقًأمامًالبحثًالمستوعبً،والتأملًالواعيًلمدلولًالنصً
القرآنيً،وأسرارًالتنزيلًالحكيمً،فكانًالمعتزلةًأولًمنًأمسكًبذلكًالخيطًالدقيقًالذيً
توصل ًالعمماء ًعن ًطريقو ً ً -بعدًذلكً ً -إلىًاستكناهًاألسرارًالحقيقيةًإلعجازًالقرآنً،
وبموغوًالذروةًفيًالبالغةً،وارتفاعوًعماًعداهًمنًالكالمً!!ً ً.
جؼودىالجاحظىفيىالنػدىاألدبيى:ى ى
ألبيًعثمانًإسيامًفيًميدانًالنقدًاألدبيً،ولقدًأضافت آراؤه في الفنون األدبية،
وطريقتو في تذوقيا وتقويميا إلى الفن النقدى عند العرب أبعادا جديدةً ،وانتقمت بو من
طور كانت السمة الغالبة عميو ىى التمقائية وا لسطحية إلى طور آخر أخص خصائصو
التعمق والتحميلً ،والبحث عن القيمة الفنية التى ينطوى عمييا العمل األدبى وتمييزىا عما
عداىا .وتعد جيود الجاحظ من ىذه الزاوية عالمة بارزة عمى ارتقاء الفكر النقدى في القرن
الثالث كما أنيا تعد نمطا فريدا في النقد العربى في مختمف عصوره ً ًًًً.
وعمىً الرغم مما صارت إ ليو الدراسات النقدية في العصر الحديث من نضج وما
دخل مناىجيا من مفاىيم فإن الجاحظ قد سبق إلى تقرير الكثير من األصول النقدية التى
ال يزال النقد الحديث يصدر عنيا ويعتد بيا ،ولعل السر في ىذا الخمود الذى تحظى بو
آراء الجاحظ في النقد يرجع إلى أنو كما ىو معروف -كان صاحب فكر مستنير وعقل
متحرر ،وقد أفاد من فكره وعقموً ،باالضافة إلى ذوقو المماح وخبرتو الطويمة بتراث العرب
األدبى واطالعو عمى آداب األمم المتصمة بيم فظير أثر ذلك كمو في األصول التى
قررىا ووسميا بتمك الخاصية الفريدة .ولسوف يبقى تراث الجاحظ المتجدد في ميدان النقد
دليال ال يمكن نقضو عمى أن االىتداء إلى حقائق الفن وظواىره ليس وقفا عمى جنس من
أجناس البشر أو حضارة من الحضارات ،بل ىو عمى الدوام نتاج العقل المستنيرً،
واإلحساس المرىف في أي عصر كان وفي أي حنس من أجناس البشر وجدً .وقد كان
الجاحظ عل جانب ال خفاء بو من الفكر المستنير والذوق المرىف والحس المماحً.وأشير
في الفقرات التالية إلى بعض ما تردد في تراث الجاحظ من مالحظات أثْرت الفكر
النقدي والدراسات المتصمة بالفنون األدبية في عصره ،وكانت جذوراً آلراء ونظريات
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
ميمة استفاد منيا النقاد والذواقون عمى امتداد العصورً ًًًًًًًً .
) 1ىىىالجاحظىوالمدوحىالكاذبى :ى
كان الجاحظ من أوائل النقاد العرب الذين حاولوا تخميص شعر المديحً ً-وىوًكما
نعرفً ًً-باب من أكبر أبواب الشعر العربى ً -مما دخمو من الزيف والتممق عمى أيدى
جماعة من مرتزقة الشعراء ً ،أولئك الذين انحدروا بو إذ جعموه مطية لمآربيم الماديةً،
ومطامعيم الرخيصة دون أن يكون لما يتفوىون بو أساس من االنفعال الصادق ،أو ظل
من الحقيقة الخالصة ً؛ًولذا دعا الجاحظ إلى ضرورة التزام الشاعر المادح الصدق في
مدائحو ،فال يصدر فيما يقول اال عن احساس صادق واقتناع حقيقى ،بل ذىب إلى أبعد
من ذلك فقرر أن من يثيب الشاعر الكاذب يرتكب جريمة في حق نفسو وفي حق الفن
عمى السواء يقول ً :
" ًوخير المديح ما وافق جمال الممدوحً ،وأصدق الصفات ما شاكل مذىب
الموصوف وشيد لو أىل العيان الظاىر والخبر المتظاىر ،ومتى خالف ىذه القضية
وجانب الحقيقة ضار ً المادح ولم ينفع الممدوح .ومن قبل لنفسو مديحا ال يعرف بو كان
كمادح نفسو ،ومن أثاب الكذابين عمى كذبيم كان شريكيم في إثميم وشقيقيم في سخفيم،
بل كان المحتقب لكبره المحتمل لوزره ،إذ كان المثيب عميو والداعى اليو ".
وفي موضع آخر يقول :
وأنفع المدائح لممادح وأجداىا عمى الممدوح ،وأبقاىا أثرا ،وأحسنيا ذكرا أن يكون
المديح صادقا ،ولظاىر حال الممدوح موافقا ،وبو الئقا حتى ال يكون من المعبر عنو،
(ٓٗ)
ً. عميوً والواصف لو إال اإلشارة اليو والتنبيو
وروى الجاحظ في الحيوان ىذه الحكاية قال :
دخل بعض أغثاث البصريين عمى رجل من أشراف الوجوه يقال في نسبوً فقالً:إنيً
مدحتكًبشعرًلمًتمدحًقطًبشعرًأنفعًلكًمنوًقالً :ما أحوجنى إلى المنفعة ً!ًوال سيما
كل شىء منو يخمد عمى األيام فيات ما عندك فقال :
أبنـاء تسعيـن وقـد نيفـوا سألت عن أصمك فيما مضى
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
) 2ىىوضوحىالمطانيىوانكشافؼاى:ى ى
يوليًأبوًعثمانًعنايةًخاصة ً لممعانىًكماًىوًشأنوًمعًاأللفاظً،بيدًأنوًيقصد
المعانى الواضحة ،التى تسرع إلى دخائل النفوس قبل اآلذان ،وتيدىد شغاف الشعور
والوجدان ،ال المعانى الغائمة التى يتعثر في إدراكيا العقل ويجيد المتمقى ذىنو في التعرف
عمى مدلوالتيا ومقاصدىا ،والجاحظ ينظر من ىذه الزا ًوية إلى العمل األدبي عمى أنو ذو
طبيعة خاصة في إيصال المعانى إلى العقول ً،إذ يسمك إلى ذلك أقرب طريق ويعرضيا
في أبيى معرض وأوضح صورة .روى صاحب األغانى قال ً :
(أخبرنى أب -ودل -ف ىاشم بن محمد الخزاعى قال :تذاك -روا يوما شعر أبي
العتاىية بحضرة الجاحظ إلى أن جرى ذكر أرجوزتو المزدوجة التى سماىا ً" ذات
األمثال" ،فأخذ بعض من حضر ينشدىا حتى أتى عمى قولو :
روائح الجنة في الشباب يالمشباب المرح التصابى
فقال الجاحظ لممنشد :قف .ثم قال :انظروا إلى قولو :
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
نقدية ميمة يعترف بيا النقد الحديث وىى أن ىناك من مظاىر الجودة في األعمال
األدبية ما يصعب تحديد أسبابو ألنو ال يعود إلى خاصية فنية معينة ،أو يخضع لمقياس
جمالى محدد ولكن جودتو ترجع إلى استحسان المتذوق المتمرن لو استحسانا تمقائيا ،ولو
سئل عن سر ىذا االستحسان لما استطاع أن يدل عمى شىء معين أو كما يقول الجاحظ
يحتاج إلى التطويل وادامة التفكير قبل أن يحدد سبب استحسانو.
ومقياس وضوح المعانى وانكشافيا مبدأ عام من مبادىء النقد عند الجاحظًً ،وىو ال
يختص بالشعر فحسب ،بل ىو مقياس لمنتاج األدبى الجيد بصفة عامة يقول الجاحظً :
"وأحسن الكالم ما كان قميمو يغنيك عن كثيره ،ومعناه في ظاىر لفظو وكأن اهلل
عز وجل قد ألبسو من الجاللة ،وغشاه من نور الحكمة عمى حسب نية صاحبو وتقوى
قائمو ،فاذا كان المعنى شريفا والمفظ بميغا وكان صحيح الطبع بعيدا من االستكراه ومنزىا
عن االختالل ،مصونا عن التكمف ً -صنع في القمب صنيع الغيث في التربة الكريمة،
ومتى فصمت الكممة عمى ىذه الشريطة ،ونفذت من قائميا عمى ىذه الصفة أصحبيا اهلل
من التوفيق ومنحيا من التأييد ما ال يمتنع من تعظيميا بو صدور الجبابرة وال يذىل عن
(ٖٗ)
ًً ً فيميا عقول الجيمة "ً
)3ىالػومظىالغنِّوظى :ى
من شواىد عظمة الفكر النقدى لمجاحظ وبراعتو في فيم حقائق األدب ،وتحديد
أصولو تفريقو بين القيمة الفنية التى ىى األساس في كل عمل أدبى جيد وبين ما عداىا
من القيم التى قد تجىء عرضا ً،ومحور ىذا المقياس في نقد الجاحظ أن األدب يجب أن
يقوم بمقدار ما فيو من قيم فنية وال ينبغى أن تجتمب لو قيم أخرى فكرية أو فمسفية ،فإذا
ّ
استطاع الشاعر أو األديب أن يوفى عممو األدبي نصيبو من ىذا الجانب فال ضير عميو
بعد ذلك وليس لمناقد أن يمتمس وراء الوفاء لتقاليد الفن وأصولو أمورا أخرى.
والجاحظ عندما عرض ىذا المبدأ كان يريد أن يقرر أصال ميما من أصول النقد
األدبى وبصحح خطأ كبيرا وقع فيو كثير من الناظرين في األدب والمتصدرين لنقده أداىم
الوقوع فيو إلى الخمط بين ما ىو من أسس الفن ودعائمو وبين ماال يتصل بو بسببً.
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
والغريب أن كالم الجاحظ في تقرير ىذا المبدأ قد أسىء فيمو ،وحممو جماعة من الباحثين
ما ال يحتممو ،وبنوا عميو نتائج ال أساس ليا من الصحة .ونحن نثبت كالم الجاحظ
ونذكره برمتو لنعرف الغرض الحقيقى منو كما يتضح من السياق.
()44
يقول الجاحظ في كتابو " الحيوان ":
"ًوالقضية التى ال أحتشم منيا وال أىاب الخصومة فييا أن عامة العرب واألعراب
ً
والبدو والحضر من سائر العرب أشعر من عامة شعراء القرى واألمصار من المولدة
والنابتة ،وليس ذلك بواجب ليم في كل ما قالوه ً،...وقد رأيت ناسا منيم يبيرجون أشعار
المولدين ويستسقطون من رواىا ،ولم أر ذلك قط اال في رواية لمشعر غير بصير بجوىر
ما يروى ولو كان لو بصر لعرف موضع الجيد ممن كان وفي أى زمان كان ".
وحتى ىذا القدر من كالم الجاحظ ندرك أنو يناقش قضية عامة من قضايا نقد
الشعر ،وكالمو فييا يصور روحو النقدية ،وطبيعتو العممية المتحررة ،إذ لم يقطع بأن
العرب أشعر من المولدين عمى االطالق وانما جعل عامة العرب أشعر من عامة
المولدين ،وأظن أن أحدا ال يستطيع أن ينكر ما في ىذا الرأى من سداد واقتراب من
الحقيقة .ثم يعمن الجاحظ إنكاره لتعصب الرواة أو النقاد عمى المولدين واستخفافيم
بأشعارىم مما ال يتفق مع الحقيقة ويتنافى مع الموضوعية .ثم يأخذ الجاحظ بعد ذلك في
عرض صورة من صور النقد الخاطىء ًويعمق عمييا بما يوضح مبدأه في تقويم الشعر
ً ًواًدراك قيمتو فيقول بعد مقالتو السابقة مباشرة ًًً :
"وأنا رأيت أبا عمرو الشيبانى وقد بمغ من استجادتو ليذين البيتين ونحن في المسجد
ً
يوم الجمعة أن كمف رجال حتى أحضر لو دواة وقرطاسا حتى كتبيما ...وأنا أزعم أن
صاحب ىذين البيتين ال يقول شعرا أبدا ً،ولوال أن أدخل في الحكم بعض الفتك لزعمت أن
ابنو ال يقول شعرا أبدا !!.وىما قولو :
وانما الموت سؤال الرجال ال تحسبن الموت موت البمى
أفظع من ذاك لذل السؤال كالىمـا مـوت ولكـن ذا
وذىب الشيخ إلى استحسان المع ---نى ،والمعانى مطروحة في الطريق ًيعرفيا
العجمى والعربي والبدوى والقروى ،وانما الشأن في إقامة الوزن وتخيرًً المفظ ،وسيولة
3113
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
المخرج ،وكثرة الماء ،وفي صحة الطبع وجودة السبك فانما الشعر صناعة ،وضرب من
النسج ،وجنس من التصوير" .
ىذا كالم الجاحظ كمو وقد فيم منو بعض الباحثين أن الجاحظ ينتحل تفضيل
األلفاظ عمى المعانى وينسب البراعة في األعمال األدبية إ لييا دون المعانى .واعتقادى
أن الذين استنتجوا من كالم الجاحظ ىذا ىذا االستنتاج لم يفيموه حق فيمو ،ولم يدركوا
المغزى الحقيقى لو ولعميم أخذوا عبارتو عن المعانى وكونيا مطروحة في الطريق يعرفيا
العربى والعجمى ...الخ -مبتورة عما قبميا ،ولم يراعوا مضمون الكالم وفحوى السياق.
فالمعانى التى يتحدث عنيا الجاحظ كما يشيد مضمون الرواية -ليست المعانى المقابمة
لأللفاظ ،وانما ىو يقصد بالمعانى ىنا :تمك المضامين الكمية التى تستفاد من جممة الكالم
وبعبارة أخرى يقصد المعانى في عرف أولئك الذين ينظرون في األشعار بقصد إلتماس
الرأى الصائب ،والحكمة الراشدة ،واالستفادة بآراء المتمرسين بقوانين الحياة ومصائر
األمور ،ولو أنعمنا النظر في مضمون البيتين المذكورين بناء عمى ىذا التصور لوضح
لن -ا أن معناىما مما يعرفو العربى والعجمى كما يقول الجاحظ .فمضمون البيتين أن م -
-ن تمجئو الفاقة إلى إراقة ماء وجيو في السؤال يحسب ً فيًعدادً الموتى بل لعل الميت
أقل معاناة منو ألن الميت ال يتضرر بمذلة السؤالً .
)4ىىالتكلفىوالطبعى :ى
الفطرية ىي أساس النبوغ في الفنون عامة واألدب
ً أدرك الجاحظ أن المواىب
خاصة ،وقرر أن المواىب والممكات تتنوع بتنوع ىذه الفنون ،ففي ميدان الفنون األدبية
يكون ألديب ممكة في الكتابة ،وآلخر ممكة في قرض الشعر ،ولثالث ممكة في الخطابة
وىكذا ،..والشاعر قد يظير نبوغو في غرض معين من أغراض الشعر كا لغزل أو
الوصف ،وال يحسن غيره ،وقد يجيد في القريض ويخفق في الرجز ً،أو العكس ،وقد يجيد
(٘ٗ)
معاً فييما
والجاحظ عندما حمل ىذه الظاىرة كان يقر أصال ميما من أصول الطبائع
اإلنسانية ،ومممحا من مالمح البحث العقمي في منابع اإلبداع الفني ،ولعل من أىم ما
يستفاد من تقريرات الجاحظ في ىذه القضية أن يتنبو الناس إلى ىذا األساس الذي يقوم
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
عميو اإلبداع وىو الموىبة ،ومن ثم فالعاقل من يقدر ىذا األصل ويراعيو فال يحمل نفسو
عمى ما ليس في مقدورىا.
)5ىالػدومىوالمحدثى:ى ى
يعد الجاحظ أول من أنصف الشعراء المح --دثين ،وأب -رز محاسن شعرىم ولم
يقف منيم موقف التوجس والتحقير كما فعل أكثر معاصريو وسابقيو من العمماء ،وكان -
عمى سبيل المثال -يعجب ببشار ويقول عنو ً" :ليس في األرض مولد قروي يعد شعره في
()ٗٙ
ً المحدث إال وبشار أشعر منو" ،وكان يعجب كذلك بأبي نواس ويقول عنو:
"ًإن تأممت شعره فضمتو إال أن تعترض عميك فيو العصبية ،أو ترى أن أىل البدو
أبدا أشعر ،وأن المولدين ال يقاربونيم في شىء ،فإن اعترض ىذا الباب عميك فإنك ال
تبصر الحق من الباطل !! " ً
تمكًمقتطفاتًأوردناىاًفيًإيجازًمماًأسيمًبوًالجاحظ في النقد األدبي ،ونتاجو
كما لمسنا حافل بدالئل األصالة والعبقرية والنضج وبعد النظر .فقد سما بالبحث النقدي
إلى آفاق جديدة ،واىتدى إلى أصول ومبادىء لم يسبقو إلييا أحد ،كما أنو لم يحصر نظره
في جوانب بعينيا بل أفاض في بحث ما يتصل باألدب من مختمف جوانبو ،كالبحث في
المواىب والممكات ،وطبيعة اإلبداع ،وغايا ًت األدب وأىدافو ،والصدق الفني وغيرىا،
هًوآراؤه النقدية فيًكثيرًمنًأسسياًومرامييا مع
وىوفي ذلك كمو سابق لعصره ،تمتقيًأفكار ً
المفاىيم النقدية الحديثةً .
ولعل ًما ًسقناه ًفيما ًتقدم ًمن ًمشاركات ًأقطاب ًحركة ًاالعتزال ًفي ًالدراساتً
األدبية ًوالنقدية ًفي ًالقرنين ًالثاني ًوالثالث ًل ميجرة ًينتيي ًبنا ًإلى ًجممة ًنتائج ًودالالتً
أوجزىاًفيًالنقاطًالتاليةًً :
ٔ ً -لعبتًحركةًاالعتزالًدوراً ًفكرياًميماًفيًالقرنينًالثانيًوالثالثًلميجرةً،وىيًمرحمةً
ميمة ًفيًتاريخًالنيضةًالعمميةًعندًالعربًبصفةًعامةً؛ًإذًكانتًبدايةًالتحولً
منًطورًالتمقيًالشفويًوالروايةًإلىًطورًالتسجيلًوالتدوينً،فكانًمنيجًالمعتزلةً
الفكري ًالذي ًيعتمد ًالعقلً ،ويعمي ًمن ًشأن ًما ًيسمم ًإليو ًمن ًنتائج ًوتقريرات ً ً-
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
اليوامش :
الممل والنحل 5 / 57. )5
االنتصار 57. )2
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
3111
حولية كلية الدراسات اإلسالمية للبنات باإلسكندرية
أثر علماء المعتزلة في الدراسات األدبية والنقدية في القرنين الثاني والثالث للهجرة
ً
3111