You are on page 1of 141

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫‪ 

‬‬

‫‪ ‬‬ ‫مالمح المجتمع المسلم‬


‫الذي ننشده‬
‫‪ ‬يوسف القرضاوي‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬فهرس الكتاب‬


‫‪  ‬مقدمة‬ ‫اآلداب والتقاليد‬

‫العقيدة واإليمان‬ ‫القيم اإلنسانية‬

‫الشعائر والعبادات‬ ‫التشريع والقانون‬


‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫األفكار والمفاهيم‬ ‫االقتصـاد والمال‬

‫المشاعر والعواطف‬ ‫اللهو والفن‬

‫األخالق والفضائل‬ ‫المرأة في المجتمع المسلم‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫مقــــدمة‬
‫الحمد هلل حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه‪ ،‬والصالة والسالم على رسوله المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬فقد عنى اإلسالم بالمجتمع عناية بالفرد‪ .‬فكل منهما يتأثر باآلخر ويؤثر فيه‪ .‬وهل المجتمع إال‬
‫مجموعة من األفراد ربطت بينهم روابط معينة‪ .‬فكان صالح الفرد الزمًا لصالح المجتمع‪ ،‬فالفرد أشبه‬
‫باللبنة في البنيان‪ ،‬وال صالح للبنيان إذا كانت لبناته ضعيفة‪.‬‬

‫كما ال صالح للفرد إال في مجتمع يساعده على النمو السليم‪ ،‬والتكيف الص<<حيح‪ ،‬والس<<لوك الق<<ويم‪.‬‬
‫فالمجتمع هو التربة التي تبنت فيها بذرة الفرد‪ .‬وتنمو وتترعرع في مناخها‪ ،‬واالنتفاع بسمائها وهوائها‬
‫<الم‬
‫<د اإلس<‬‫وشمسها‪ .‬وما كانت الهجرة النبوية إلى المدينة‪ ،‬إال سعيًا إلى مجتمع مستقل تتجسد فيه عقائ<‬
‫<تزم‬‫<تي ال تل<‬
‫<ات ال<‬‫<لم في المجتمع<‬‫وقيمه وشعائره وشرائعه‪ .‬وقد لمسنا في عصرنا محنة الفرد المس<‬
‫باإلسالم منهاجًا لحياتها‪ ،‬ناهيك بالمجتمعات التي تعادي شريعته‪ ،‬وتطارد دعوته‪ .‬وكي<<ف يعيش ه<<ذا‬
‫الفرد في توتر وقلق وحيرة‪ ،‬نتيجة لما يحس به من تناقض صارخ بين ما يؤمن به من أوامر دين<<ه و‬
‫نواهيه‪ ،‬من جهة‪ ،‬و ما يعايشه ويضغط عليه من أفكار المجتمع ومشاعره وتقاليده وأنظمته وقوانين<<ه‪،‬‬
‫التي يراها مخالفة لتوجيهات عقيدته‪ ،‬وأحكام شريعته‪ ،‬ومواريث ثقافته‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬اإلنسان ‪ -‬كما‬
‫قال القدماء ‪ -‬مدني بطبعه ‪ ,‬وكما قال المحدثون ‪ :‬حيوان اجتماعي ‪ .‬أي أنه ال يستطيع أن يعيش وحده‬
‫‪ ,‬بل ال بد أن يتعاون مع غيره ‪ ,‬حتى تستقيم حياته ‪ ,‬وتتحقق مطالبه ‪ ,‬ويستمر نوعه ‪ .‬وقد قال الشاعر‬
‫<ور‬‫<الم ال يص<‬ ‫العربي ‪ :‬الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض ‪ -‬وان لم يشعروا ‪ -‬خدم واإلس<‬
‫<ذين‬
‫<ا ال<‬
‫اإلنسان وحده ‪ ،‬إنما يصوره في مجمع ‪ ،‬ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة‪( :‬يا أيه<‬
‫آمنوا) ولم يجئ في القرآن (يا أيها المؤمن) وذلك أن تكاليف اإلسالم محتاج إلى التكاتف والتضامن في‬
‫حملها والقيام بأعبائها‪ .‬يستوي في ذلك العبادات والمعامالت‪.‬‬

‫فإذا نظرنا إلى فريضة كالصالة وجدنا أنها ال يمكن أن تقام كما يريد اإلس<<الم‪ ,‬إال بمس<<جد يتع<<اون‬
‫المجتمع على بنائه‪ ،‬ومؤذن يعلن الناس بمواقيت الصالة‪ ,‬وإمام يؤمهم‪ ,‬وخطيب بخطبهم‪ ,‬ومعد يعلمهم‪,‬‬
‫وهذا كله ال يقوم به الفرد‪ ,‬وإنما ينظمه المجتمع‪.‬‬

‫وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا م ّكن لها في األرض‪ :‬أن تقيم الصالة‪ ,‬كما قال تع<<الى ‪:‬‬
‫(الذين إن مكنّاهم في ألرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة… اآلية)‪.‬‬

‫ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم‪ ,‬وضرورة ترتيب أمور الحياة في رمضان ترتيبا يعين على الصيام‬
‫<ه‬‫<رف علي<‬ ‫<اعي تش<‬ ‫والقيام والسحور وغيرها‪ .‬ومن باب أولى‪ :‬الزكاة‪ ,‬فاألصل فيها أنها تنظيم اجتم<‬
‫<ا‬
‫<ه‪ .‬أم<‬ ‫الدولة‪ ,‬بواسطة( العاملين عليها ) الذين نص عليهم القرآن ‪ .‬وكذلك كل شعائر اإلسالم وأركان<‬
‫األخالق والمعامالت فال يتصور أن تقوم ‪ -‬كما ينشدها اإلسالم ‪ -‬إال في ظالل مجتمع ملتزم باإلسالم‪,‬‬
‫يتعبد هلل بإقامة حياته على أساس اإلسالم‪.‬‬

‫وقد عم اإلسالم المسلم أن يقول إذا ناجى ربه في صالته ( إياك نعبد وإياك نستعين) فهو يتكلم بلس<<ان‬
‫الجماعة‪ ,‬وإن كان وحده‪ ,‬وكذلك إذا دعا ربه دعا بصيغة الجمع‪( :‬اهدنا الصراط المستقيم) فالجماع<<ة‬
‫<ه‬‫<ات بمكونات<‬‫حيّ ة في وجدانه‪ ،‬حاضرة على لسانه‪ .‬والمجتمع المسلم مجتمع متميز عن سائر المجتمع<‬
‫<ع‪,‬‬‫<ذا المجتم<‬
‫وخصائصه‪ ,‬فهو مجتمع رباني‪ ،‬إنساني‪ ,‬أخالقي‪ ,‬متوازن‪ .‬والمسلمون مطالبون بإقامة ه<‬
‫حتى يمكنوا فيه لدينهم‪ ,‬ويجسدوا فيه شخصيتهم‪ ,‬ويحيوا في ظله حياة إسالمية متكاملة‪ :‬حياة توجهه<<ا‬
‫العقيدة اإلسالمية ‪ ,‬وتزكيها العبادات اإلسالمية ‪ ,‬وتقودها المف<<اهيم اإلس<<المية‪ ,‬وتحركه<<ا الش<<اعر‬
‫<المية‪,‬‬
‫<ا القيم اإلس<‬
‫<المية‪ ,‬وتهيمن عليه<‬
‫اإلسالمية‪ ,‬وتضبطها األخالق اإلسالمية وتجملها اآلداب اإلس<‬
‫<المية‪.‬‬
‫<اليم اإلس<‬
‫<تها‪ :‬التع<‬
‫<ا وسياس<‬‫<ادها وفنونه<‬
‫<ه اقتص<‬‫<المية‪ ,‬وتوج<‬ ‫<ريعات اإلس<‬ ‫ومحكمها التش<‬
‫فليس المجتمع المسلم‪ ,‬كما يتصوره أو يصوره الكثيرون ‪ -‬هو ‪ -‬فقط ‪ -‬الذي يطبق الشريعة اإلسالمية‬
‫<ذا‬
‫<الم له<‬
‫في جانبها القانوني‪ ,‬وخصوصا جانب الحدود والعقوبات‪ ,‬فهذا تصور وتصوير قاصر‪ ,‬بل ظ<‬
‫المجتمع‪ ,‬واختصار لكل مقوماته المتعددة في مقوم واحد هو التشريع‪ ,‬وفى جانب واحد من التشريع هو‬
‫التشريع الجزائي‪ ,‬أو الجنائي‪.‬‬

‫لهذا كان من المهم هنا‪ :‬هو إلقاء الضوء على المكونات أو الالمح األساسية لهذا المجتمع الذي ننش<<ده‪,‬‬
‫والذي قامت حركات وجماعات إسالمية في شتى أنحاء العالم العربي واإلسالمي تدعو إليه ‪ ,‬ليحل محل‬
‫<ه‬‫<ا ب<‬
‫<ا غزان<‬
‫<دة‪,‬مم<‬
‫المجتمعات الحاضرة‪ ,‬التي اختلط فيها اإلسالم بالجاهلية‪ ,‬سواء أكانت جاهلية واف<‬
‫االستعمار الغربي بشقيه‪ :‬الرأسمالي واالشتراكي‪ ,‬أم جاهلية موروثة‪ ,‬من رواسب عصور التخلف‪ ,‬التي‬
‫ساء فيه ا فهم السلمين لدينهم‪ ,‬كما ساء تطبيقهم له‪ ,‬حكاما ومحكومين‪ .‬وقد صدر لي كتاب منذ س<<نين‪,‬‬
‫هو‪( :‬غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي) وهو في الحقيقة جزء من هذا الكتاب‪.‬‬

‫كما تركت موضوعًا يتعلق بالدولة ونظام الحكم‪ ,‬خشيه من طول الكتاب على القارئ‪ .‬وربما أهدره في‬
‫رسالة مستقلة‪ ,‬أو ألحمه به في طبعه أخرى‪ .‬وعسى أن يكون في هذه الفصول ما يساعد على كش<<ف‬
‫<‬
‫اللثام عن معالم هذا المجتمع الذي مرنو إليه األبصار‪ ,‬وتشرئب نحوه األعناق‪ ,‬وتتعلق به القلوب‪.‬‬

‫<ك‬‫وعسى أن يزيدنا ذلك إصرارًا على السعي إليه‪ ,‬والعمل على تحقيقه في الواقع‪ ،‬كلما استطعنا إلى ذل<‬
‫<دة‬
‫<الم‪ ,‬عقي<‬‫<ل لإلس<‬ ‫<الم‪ .‬فيعلن والءه الكام<‬
‫سبيال‪ ,‬في أي وطن ‪ -‬مهما صغرت رقعته من دار اإلس<‬
‫<ة على‬ ‫<ة والخارجي<‬ ‫وشريعة ومنهاج حياة‪ ,‬ويبنى حياته كلها‪ :‬المادية والمعنوية‪ ,‬وسياسته كلها‪ :‬الداخلي<‬
‫اإلس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<الم‪ .‬‬
‫ومن ناحية أخرى نقيس المجتمعات القائمة اليوم‪ ,‬والتي تنتسب إلى اإلسالم‪ ,‬ألن سكانها مس<<لمون‪ ,‬أو‬
‫ألن دستورها يعلن أن دينها اإلسالم‪ ,‬أو أن الش<ريعة هي المص<در الرئيس<ي‪ ,‬أو المص<در الوحي<د‬
‫للقوانين ‪ :‬نقيسها إلى هذا المجتمع في صورته المثالية المنشودة ‪ ,‬لنعرف مدى قربها أو بعدها منه‪.‬‬

‫فما أكثر الذين يتمسحون باإلسالم‪ ,‬وهم عنه صادون‪ ,‬أو يتمسكون بش<<كليات من<<ه‪ ,‬وهم عن روح<<ه‬
‫معرضون‪ ,‬أو يؤمنون ببعض كتابه‪ ,‬وهم بالبعض اآلخر كافرون‪ ,‬أو يحتفلون بأعي<<اده‪ ,‬وهم ألعدائ<<ه‬
‫موالون‪ ,‬ولدعاته معادون‪ ,‬ولشريعته معارضون ! ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ‪ ،‬ربنا‬
‫ال تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا‪ ،‬ربنا إنك أنت العزيز الحكيم‪).‬‬

‫الدوحة في ذي الحجة‪1413‬‬

‫يونيو (حزيران) ‪1993‬م‬

‫يوسف القرضاوي‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل األول‬
‫العقيدة واإليمان‬

‫‪   ‬‬ ‫الفهرس‬ ‫‪ ‬‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬أساس قيام المجتمع المسلم‬ ‫‪  ‬أمور مهمة يجب مراعاتها‬

‫معنى قيام المجتمع على عقيدة اإلسالم‬ ‫اعتراضات مردودة لبعض المعارضين‬

‫المجتمع المسلم ومواجهة الردة‬ ‫ردة السلطان‬


‫سر التشديد في عقوبة الردة‬ ‫الردة المغلّفة‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫أساس قيام المجتمع المسلم‬


‫<ة المجتمع‪ ‬األولى هي‬ ‫إن أول أساس يقوم علبه المجتمع السلم ويقوم به هو العقيدة ‪ :‬مقيدة اإلسالم‪.‬فمهم<‬
‫<ان باهلل‬
‫<ل في اإليم<‬
‫<الم تتمث<‬‫<دة اإلس<‬
‫حماية هذه العقيدة ورمايتها وتثبيتها ‪ ,‬ومد نورهافي اآلفاق‪.‬وعقي<‬
‫<ل آمن‬ ‫<ون‪ ,‬ك<‬ ‫<ه والمؤمن<‬
‫<ه من رب<‬ ‫<زل إلي<‬‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ (:‬آمن الرسول بما أن<‬
‫<ك‬ ‫<ا وإلي<‬
‫<ك ربن<‬ ‫<معناوأطعنا‪ ,‬غفران<‬‫باللهومالئكته وكتبه ورسله ال نفرق بين أحد من رسله‪ ,‬وقالوا س<‬
‫المصير)فهي عقيدة تبنى وال تهدم‪ ,‬تجمع وال تغرق‪ ,‬ألنها تقوم على تراث الرساالتاإللهية كله<<ا‪ ,‬وعلى‬
‫اإليمان برسل اله جميعا‪ ( :‬ال نفرق بين أحد من رسله) ‪.‬‬

‫ولهذه العقيدة عنوان يلخصها أو شعار يعبر عنها هو‪ ( :‬شهادة أن ال إله إالاله وأن محمدا رسول اله )‪,‬‬
‫هذه العقيدة هي التي تمثل وجهة نظر السلمينإلى الكون ورب الكون‪ ,‬وإلى الطبيعة وما وراء الطبيع<<ة‪,‬‬
‫والى الحياة وما بعدالحياة‪ ,‬وإلى العالم المنظور والعالم غير المنظور‪ ,‬وبعبارة أخرى‪ :‬إلى الخلقوالخالق‪,‬‬
‫إلى الدنيا واآلخرة‪ ,‬إلى عالم الشهادة وعالم الغيب‪.‬فهذا الكون بأرضه وسمائه‪ ,‬بجماده ونباته‪ ,‬وحيوان<<ه‬
‫وإنسانه‪ ,‬وجنهومالئكته ‪ ....‬هذا الكون لم يخلق من غير شئ‪ ,‬ولم يخلق نفسه‪ ,‬فال بد لهمن خ<<الق عليم‬
‫<دار‬‫قدير عزيز حكيم‪ ,‬خلقه فسواه‪ ,‬وقد قدر كل شئ فيه تقديرًا‪,‬فكل ذرة فيه بميزان‪ ,‬وكل حركة فيه بمق<‬
‫وحسبان‪ .‬وذلك الخالق هو اهلل‪,‬الذي تدل كل كلمه بل كل حرف في كتاب الوجود على مشيئته وقدرت<<ه‪,‬‬
‫وعلمهوحكمه‪ ( :‬تسبح له السموات السبع واألرض ومن فيهن‪ ,‬وإن من شئ إال يسبح بحمده)هذا الخالي‬
‫األعلى هو رب السموات واألرض‪ ,‬رب العالمين‪ ,‬رب كل شيء‪,‬واحد أحد ال شريك له في ذاته وال في‬
‫<ارئ‬ ‫<الق الب<‬‫<ده الخ<‬
‫صفاته‪ ,‬وال في أفعاله‪ ,‬فهو وحدهالقديم األزلي وهو وحده الباقي األبدي‪ ,‬وهو وح<‬
‫<بيه وال‬
‫المصور‪,‬له األسماء الحسنى‪ ,‬والصفات العال‪ ,‬ال ند له وال ضد له ‪ ,‬وال ولد له ‪ ,‬والوالد‪ ,‬وال ش<‬
‫نظير (قل هو اهلل أحد‪ ،‬اهلل الصمد‪ ،‬لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوًا أحد)هو األول واآلخ<<ر والظ<<اهر‬
‫والباطن‪ ،‬وهو بكل شئ عليم) (ليس كمثله شئ‪ ،‬وهو السميع البصير)كل ما في هذا الكون العظم ‪ ,‬علويه‬
‫وسفليه ‪ ,‬صامته وناطقه ‪ ,‬مدل على أنعقال واحدا ‪ ,‬هو الذي يدبر أمره ‪ ,‬ويدًا واحدة هي التي تدير رحاه‬
‫<ه‬
‫<ي ب<‬ ‫‪ ,‬وتوجه دفتهوإال الختل نظامه ‪ ,‬وافلت زمامه ‪ ,‬واضطرب ميزانه ‪ ,‬وتهدم بنيانه ‪ ,‬تبعًا لماتقض<‬
‫< المتباينة التي توجه ‪ ,‬واختالف األيديالمتعددة التي تحرك ‪ . .‬وصدق ال<<ه‬ ‫الضرورة من اختالف العقول‬
‫العظم إذ يقول ( لو كان فيهما آلهةإال اهلل لفسدتا ‪,‬فسبحان اهلل رب العرش عما يصفون) وقالجل شأنه ‪( :‬‬
‫ما اتخذ اهلل من ولد وما كان معه من إله ‪ ,‬إذ لذهب كإلله بما خلق ولعال بعضهم على بعض ‪ ,‬س<<بحان‬
‫ال ‪ ،‬س<<بحانه‬‫< ‪ ( :‬قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا البتغوا إلى ذي العرشسبي ً‬
‫اهلل عما يصفون )ويقول‬
‫وتعالى عما يقولون ع ً‬
‫ال كبيرا ) ‪.‬‬

‫<موات‬‫<ا في الس<‬‫<ل م<‬‫فالحقيقة التي ال مراء فيها‪ :‬أن كل من فى السموات ومن في األرض عبيدله‪ ,‬وك<‬
‫<‬
‫واألرض ملك له‪ ,‬فليس أحد وال شئ من العقالءأو من غير العقالء شريكا له‪ ,‬أو ولدا له‪ ,‬كم<<ا يق<<ول‬
‫<ه‬
‫الوثنيين وأشباه الوثنيين‪( ،‬وقالوا اتخذ اهلل ولدًا‪ ،‬سبحانه‪ ،‬بل له ما في السموات وما في األرض‪ ،‬كل ل<‬
‫قانتون‪ ،‬بديع السموات واألرض وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون)ومن ضل عن هذه الحقيقه في‬
‫الدنيا فسيكشف عنه الغطاء في اآلخرة ‪ ,‬ويرىالحقيقة عارية واضحة وضوح الشمس في الضحى‪ ( :‬إن‬
‫لكل من فيالسموات واألرض إال آتى الرحمن عبدا أتى أحصاهم وعدهم عدًا ‪،‬وكلهم آتية يوم القيامة فردًا‬
‫<ادة‬‫<تحق العب<‬ ‫<ذي يس<‬ ‫)فال عجب بعد ذلك أن يكون هذا الخالق العظيم‪ ,‬وهذا الرب األعلى هو وحدهال<‬
‫والطاعة المطلقة‪ ,‬وبعبارة أخرى‪ ( :‬يستحق غاية الخضوعوغاية الحب‪ ,‬فالمعنى المركب من الخض<<وع‬
‫كل الخضوع ‪ ,‬الممزوج بالحب كاللحب‪ ,‬هو الذي نسميه العبادة )‪.‬‬

‫وهذا هو معنى( ال إله إال اهلل ) أي ال يستحق العبادة غيره ‪ ..‬أو ال يستحقكل الخضوع وك<<ل الحب إال‬
‫هو‪..‬فهو وحده الذي تخضع ألمره الرقاب‪ ,‬وتسجدلعظمته الجباه‪ ,‬وتسبح بحمده األلسنة ‪ ,‬وتقاد لحكم<<ه‬
‫< واألبدان‪.‬وهو وحده الذي تتجه إليه األفئدة بالحب كل الحب ‪ ,‬فه<<و المتف<<رد بالكم<<ال‬ ‫القلوب والعقول‬
‫<و‬‫<ال فه<‬ ‫كله‪,‬والكمال من شأنه أن يحب ويحب صاحبه‪ ,‬وهو مصدر الجمال كله‪ ,‬وما فيالوجود من جم<‬
‫مستمد منه‪ ,‬والجمال من شأنه أن يحب ويحب صاحبه ‪,‬وهو واهب النقم كلها‪ ,‬ومصدر اإلحس<<ان كل<<ه‬
‫( وما بكم من نعمة فمن اهلل )واإلحسان دائما يحب والنعمة دائمًا تحب ويحب صاحبها‪.‬معنى « ال إله إال‬
‫<ره‪ ,‬ورفض‬ ‫<ير أم<‬‫اله » هو رفض الخضوع والعبودية لسلطان غير سلطانه‪,‬وحكم غير حكمه وأمر غ<‬
‫الوالء إال له‪ ,‬والحب إال له وفيه ‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نزيد هذا المعنى إيضاحا قلنا‪ :‬إن عناصر التوحيد كما جاء بهاالقرآن الكريم‪ ,‬ثالثة ذكرتها‬
‫سورة األنعام‪ ,‬وهى سورة عنيت بتثبيت أصول التوحيد ‪:‬أولها‪ :‬أال تبغي غير اهلل ربًا‪( :‬ق<<ل أغ<<ير اهلل‬
‫أبغي ربًا وهو رب كل شئ)‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬أال تتخذ غير اهلل وليًا ‪( :‬قل أغير اهلل اتخذ وليًا فاطر السموات واألرض وهو يطعم واليطعم)‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬أال تبتغي غير اهلل حكمًا‪( :‬أفغير اهلل ابتغي حكمًا وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفص ً‬
‫ال)‬

‫<ديمًا‬
‫<اس ق<‬ ‫<ذها الن<‬‫معنى العنصر األول ( أال تبتغى غير اهلل ربًا )‪ :‬إبطال األرباب المزعومةالتي اتخ<‬
‫وحديثًا‪ ,‬في الشرق والغرب‪ ,‬سواء أكانت من الحجروالشجر أم من الفضة والتبر‪ ,‬أم من الشمس والقمر‪,‬‬
‫أم من الجن والبشر‪,‬معنى العنصر األول هو رفض لكل األرباب إال اهلل وإعالن الثورة علىالمتألهين في‬
‫األرض المستكبرين بغير الحق ‪ ,‬الذين أرادوا أن يتخذوا عباد اهلل عبيدًا لهم وخو ً‬
‫ال‪ (.‬ال إله إال اهلل ) هو‬
‫اإلعالن العام لتحرير اإلنسان من الخضوع والعبودية‪,‬إال لخالقه وبارئه‪ .‬فال يجوز أن تعنو الوج<<وه‪ ,‬أو‬
‫تطاطئ الرؤوس ‪ ,‬أو تنخفضالجباه‪ ,‬أو تخشع القلوب‪ ,‬إال لقيوم األرض والسمواتولهذا كان النبي (صلى‬
‫اهلل عليه وسلم) يختم رسائله إلى الملوك واألمراء‪ ,‬والقياصرة من النصارىبهذه اآلية الكريمة‪ ( :‬يا أهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بينناوبينكم أال نعبد إال اله وال نشرك به ثسيئًا وال يتخذ بعضنا بعضا أربابا‬
‫من دون اهلل‪ ,‬فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ‪.‬‬

‫وكانت كلمة ( ربنا اهلل) إعالنًا بالعصيان والتمرد على كل جبار في األرض‪ .‬ومن أجل ه<<ذا تع<<رض‬
‫<ول ربي‬ ‫<ون رج ً‬
‫ال يق<‬ ‫<ول‪ (:‬أتقتل<‬ ‫موسى للتهديد بالقتل‪ ،‬وقام رجل مؤمن من آل فرعون يدافع عنه ويق<‬
‫اهلل)ومن أجل ذلك تعرض رسولنا ( صلى اهلل عليه وسلم) وـأصحابه لالضطهاد واألذى واإلخراج من‬
‫الديار واألموال (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إال أن يقولوا ربنا اهلل)‪.‬‬

‫ومعنى العنصر الثاني (أال تتخذ غير اهلل وليًا)‪ :‬رفض الوالء لغير اهلل وحزب<<ه‪ ،‬فليس من التوحي<<د أن‬
‫يزعم زاعم أن ربه هو اهلل‪ ،‬وربما ألعداء اهلل‪ .‬قال تعالى‪ (:‬ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولي<<اء من دون‬
‫المؤمنين‪ ،‬ومن يفعل ذلك فليس من اهلل في شئ) إن حقيقة التوحيد لمن آمن بأن ربه هو اهلل ‪ :‬أن يخلص‬
‫والءه له ولمن أمر اللهتعالى بمواالته ‪ ,‬كما قال سبحانه ‪ « :‬إنما وليكم اهلل ورسوله والذين آمنواوال<<ذين‬
‫<زب اهلل هم‬‫<إن ح<‬ ‫<وا ف<‬‫يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول اللهورسوله والذين آمن<‬
‫الغالبون) ‪.‬‬

‫ومن هنا أنكر القرآن على المشركين أنهم قسموا قلوبهم بينه تعالى وبيناألنداد التي اتخذوها من األصنام‬
‫<دادًا‬
‫<ذ من دون اهلل أن<‬
‫<اس من يتخ<‬ ‫واألوثان‪ ,‬فجعلوا لها من الحب والوالء مثلما جعلوا هلل ‪ ( .‬ومن الن<‬
‫يحبونهم كحب اهلل والذين أمنوا أشد حبًا هلل)‪ .‬إن اهلل تعلى ال يقبل الشركة في قلوب عباده المؤمنين ‪ ,‬فال‬
‫يجوز أن يكون بعض القلب هلل وبعضه للطاغوتوأن يكون بعض والئه للخالق ‪ ,‬وبعضه للمخل<<وق‪ .‬إن‬
‫<رق بين‬ ‫<و الف<‬‫<ذا ه<‬
‫<ه ‪ ,‬وه<‬‫<ر كل<‬‫الوالء كله والقلب كلهيجب أن يكون له ‪ ,‬صاحب الخلق كله‪ ,‬واألم<‬
‫المؤمنوالمشرك ‪ ,‬المؤمن سلم هلل ‪ ,‬خالص العبودية له ‪ ,‬والمشرك موزع بين اهلل وبينغير اهلل (ضرب اهلل‬
‫ال فيه شركاء متشاكسون ورجال سلمًالرجل هل يستويان مثال ‪,‬الحمد هلل ‪ ,‬بل أكثرهم ال يعلمون)‬ ‫ال رج ً‬
‫مث ً‬
‫‪.‬‬

‫ومعنى العنصر الثالث‪ ( :‬أال تبغى غير اهلل حكمًا ‪ :‬رفض الخضوع لكل حكمغير حكم اهلل ‪ ,‬وكل أم<<ر‬
‫غير أمر اهلل ‪ ,‬وكل نظام غير نظام اهلل ‪ ,‬وكل قانونغير شرع اهلل ‪ ,‬وكل وضع أو ع<<رف أو تقلي<<د أو‬
‫<ًا ‪ ,‬بال إذن من‬
‫<ان أو محكوم<‬ ‫<ًا ك<‬‫منهج أو فكرة أو قيمة لم يأذنبها اهلل ‪ .‬ومن قبل شيئًا من ذلك حاكم<‬
‫اللهوسلطان ‪ ،‬فقد أبطل عنصرًا أساسيا من عناصر التوحيد‪ ,‬ألنه ابتغى غير اللهحكمًا ‪ ,‬والحكم والتشريع‬
‫من حق اهلل وحده‪ ,‬لهذا قال سبحانه‪ ( :‬إن الحكمإال هلل أمر أال تعبدوا إال إياه‪ ,‬ذلك الدين القيم ولكن أكثر‬
‫< إفراد اهلل تعالى بالربوبية واإللهية ‪,‬ف<<إن من‬‫الناس ال يعلمون)‪.‬وهذا العنصر إنما هو في الواقع مقتضى‬
‫اتخذ أحدا من عباد اهلل شارعًا وحاكمًا ‪ ,‬يأمر بما شاء‪ ,‬وينهى مماشاء‪ ,‬ويحلل ما يريد ويحرم ما يريد ‪,‬‬
‫<رم الحالل ‪:‬‬‫<ر ‪ ,‬وح<‬ ‫و أعطاه حق الطاعة في ذلك ولو أحاللحرام ‪ ,‬كالزنا ‪ ,‬والربا ‪ ,‬والخمر ‪ ,‬والميس<‬
‫<‬
‫كالطالق ‪ ,‬وتعددالزوجات ‪ ,‬وأسقط الواجبات ‪ :‬كالخالفة ‪ ,‬والجهاد ‪ ,‬والزكاة ‪ ,‬واألمر ب<<المعروفوالنهى‬
‫من المنكر ‪ ,‬وإقامة حدود اهلل و غيرها ‪ ,‬من اتخذ مثل هذا حكمًا وشارعًافقد جعله في الحقيقة ربا يطاع‬
‫في كل أمر ‪ ,‬وينقاد له في كل ما شرع‪ .‬وهذاما جاء به القرآن وفسرته السنة النبوية ‪ ..‬فق<<د ج<<اء في‬
‫<يح ابن‬‫سورة التوبة عن أهاللكتاب قوله تعالى‪ ( :‬اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اهلل هوالمس<‬
‫مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها واحدًا ‪ ,‬ال إله إال هوسبحانه عما يشركون ) ‪.‬‬

‫فكيف اتخذوهم أربابًا وهم لم يسجدوا لهم ولم يعبدوهم عبادة األوثان ؟‬

‫<دى بن‬ ‫يجيب عن ذلك رسول اهلل وكان فيما رواه اإلمام أحمد والترمذي وابن جرير منقصة إس<<الم ع<‬
‫حاتم الطائي‪ ،‬وكان قد تنصر في الجاهلية وقدم إلى المدينة‪ ,‬وتحدث الناس بقدومه‪ ,‬فدخل على رسول اهلل‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) وفى عنقه صليب من فضة‪ ،‬وهو يقرأ هذه اآلية( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا‬
‫<وا عليهم‬‫حرم<‬‫<لم)‪( :‬بلى إنهم ّ‬
‫من دون اهلل) قال عدى‪ :‬فقلت‪ :‬إنهم لم يعبدوهم فقال (صلى اهلل عليه وس<‬
‫الحالل وأحلوا لهم الحرام‪ ،‬فاتبعوهم‪ ،‬فذلك عبادتهم إياهم)‪.‬‬

‫قال ابن كثير‪ :‬وهكذا قال حذيفة بن اليمان‪ ،‬وابن عباس وغيرهما في تفسير‪( :‬اتخذوا أحبارهم أربابًا من‬
‫<اب اهلل وراء‬‫<ذوا كت<‬‫دون اهلل )‪ :‬أنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا‪ ،‬وقال السدى‪ :‬استنصحوا الرجال ونب<‬
‫<رام‪،‬‬‫ظهورهمـ ولهذا قال تعالى( ومت أمروا إال ليعبدوا إلها واحدًا)‪ ،‬أي الذي إذا حرم الشيء فهو الح<‬
‫<ركون‪.‬‬ ‫<ا يش<‬
‫<بحانه عم<‬ ‫<و‪ ،‬س<‬ ‫<ه إال ه<‬ ‫وما حلله فهو الحالل‪ ،‬وما شرعه اتبع‪ ،‬وما حكم به نفذ‪ ،‬ال إل<‬
‫هذا هو مجمل معنى الكلمة األولى من كلمتي الشهادة‪ .‬كلمة(ال إله إال اهلل) ومقتضاه‪ :‬أال تبغى غ<<ير اهلل‬
‫<ه‬
‫<ق الق<<رآن العظيم في ص<<ريح آيات<‬
‫ربا‪ ،‬وال تتخذ غير اهلل وليًا‪ .‬وال تبتغي غير اهلل حكمًا‪ ،‬كما نط<‬
‫المحكمات‪.‬‬

‫وأما معنى الكلمة الثانية من كلمتي الشهادة التي يدخل بها المرء باب اإلسالم فهي‪( :‬محمد رس<<ول اهلل)‬
‫<ذا‬‫<ا ه<‬ ‫<م إليه<‬‫إن اإلقرار هلل تعالى بالوحدانية‪ ،‬وإفراده سبحانه باإللهية‪ ،‬والربوبية‪ ،‬ال يغني ما لم ينض<‬
‫ال‪ ،‬وال يتركهم‬‫الشطر الثاني‪( :‬محمد رسول اهلل)‪ .‬فإن اهلل جل شأنه قد اقتضت حكمته أال يدع الناس هم ً‬
‫سدى‪ ،‬فأرسل إليهم ما بين حين وآخر مبلغين عنه‪ ،‬يهدون خلقه إليه‪ ،‬ويدلونهم علي<<ه ويرش<<دونهم إلى‬ ‫ً‬
‫ال مبشرين ومنذرين لئال يك<ون للن<اس على اهلل حج<ة بع<د‬ ‫مراضيه‪ ،‬ويحذرونهم من مساخطه‪(..‬رس ً‬
‫الرسل) كما أن مهمة هؤالء الرسل وضع القواعد والقيم والموازين التي تضبط الحياة وتنظم المجتم<<ع‪،‬‬
‫<ق‬ ‫<ا الح<‬‫وتهديه للتي هي أقوم‪ ،‬ويحتكم الناس إليها إذا اختلفوا‪ ،‬ويفيئون إليها إذا تنازعواـ فيجدون فيه<‬
‫الذي ال باطل معه‪ ،‬والعدل الذي ال ظلم فيه‪ ،‬والخير الذي يطرد الشر‪ ،‬والفضيلة التي تق<<اوم الرذيل<<ة‪،‬‬
‫<اس‬ ‫<وم الن<‬
‫والفساد واالنحراف‪..‬قال تعالى )لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليق<‬
‫بالقسط)‪ ،‬فهذا ما أنزل اهلل على رسول الكتاب) وهو نصوص الوحي اإللهي المعصوم‪ ،‬و(الميزان) وهو‬
‫<وء‬ ‫< اإلنسانية التي تسير في ض<‬ ‫القيم والمعايير الربانية الني جاءت بها النبوات من المثل العليا والفضائل‬
‫(الكتاب)‪ ،‬ولوال هؤالء الرسل لضل الناس السبيل في تصورهم لحقيقية األلوهية‪ ،‬وطريقهم إلى مرضاتها‬
‫ال تف<<رق وال‬ ‫وواجبهم نحوها‪ ..‬وابتدعوا طرائق قددا‪ ،‬وسبال شتى‪ ،‬وما أنزل اهلل بها من سلطان‪ .‬س<<ب ً‬
‫تجمع‪ ،‬وتهدم وال تبني‪ ،‬وتضل وال تهدي‪ .‬وخاتم هؤالء الرسل هو محمد (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فه<<و‬
‫المبلغ عن أمره وشرعه‪ ،‬وبه عرفنا ما يريد اهلل منا‪ ،‬وما يرضاه لنا‪ ،‬وما يأمرنا به‪ ،‬وما ينهانا عنه‪..‬وبه‬
‫< طريقنا بين المنشأ والمصير‪..‬عرفنا ما أحله ربن<<ا وم<<ا‬ ‫عرفنا ربنا‪..‬وعرفنا منشأنا ومصيرنا‪..‬وعرفنا‬
‫حرمه‪..‬وما فرضه وأوجبه‪..‬ولواله (صلى اهلل عليه وسلم) لعشنا في ظلمات وعماية‪ ،‬ال نعرف لنا غاية‪،‬‬
‫وال نهتدي سبيال‪( :‬وقد جاءكم من اهلل نور وكتاب مبين‪ ،‬يهدي به اهلل من اتبع رضوانه س<<بل الس<<الم‬
‫ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)‪.‬‬

‫به عرفنا أن وراء هذه الحياة حياة أخرى توفى فيها كل نفس ما كسبت‪ ،‬وتجزى بم<<ا عملت‪ ،‬فيج<<زى‬
‫<ا‪،‬‬‫<ًا وعقاب<‬
‫الذين أساءوا بما عملوا‪ ،‬والذين أحسنوا بالحسنى‪ .‬به عرفنا أن وراءنا حسابا وميزانًا‪ ،‬وثواب<‬
‫وجنة ونار‪( :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره)‪ .‬به عرفنا مبادئ الح<<ق‪،‬‬
‫وقواعد العدل‪ ،‬ومعاني الخير‪ ،‬في شريعته ال تضل وال تنسى‪ ،‬ش<<رعها من يعلم الس<<ر وأخفى‪ ،‬من ال‬
‫<انت‬ ‫تخفى عليه خافية‪ ،‬من يعلم المفسد من المصلح‪(..‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)‪ .‬ومن ثم ك<‬
‫كلمة‪( :‬محمد رسول اهلل ) تتمة لكلمة‪( :‬ال إله إال اهلل)‪ ،‬فهذه معناها أال يعبد إال اهلل‪ .‬واألخرى معناها‪ :‬أال‬
‫<زءًا من‬‫<ول اهلل ج<‬ ‫<ة رس<‬ ‫يعبد اهلل إال بما شرعه وأوحاه على لسان رسوله‪ .‬وال عجب ـن كانت طاع<‬
‫<ون اهلل‬
‫طاعة اهلل (من يطع الرسول فقد أطاع اهلل)‪ ،‬وكان أتباعه من أمارات محبة اهلل‪( :‬قل إن كنتم تحب<‬
‫فاتبعوني يحببكم اهلل ويغفر لكم ذنوبكم‪ ،‬واهلل غفور رحيم) وكان الرضا بحكمه وشرعه جزءا ال يتج<<زأ‬
‫من اإليمان باهلل تعالى‪ ,‬وال يعد في زمرة المؤمنين من رفض أمرا وحكما حكم به رسول اهلل (صلى اهلل‬
‫<ا‬‫<اس م<‬ ‫عليه وسلم) ‪ ,‬مما أنزله عليه من كتابه أو مما أوحاه إليه بيانا لهذا الكتاب ‪ ,‬فقد أرسله مبينا للن<‬
‫نزل إليهم ‪ .‬وهذا أمر بين غاية البيان في القرآن الكريم ‪ ,‬فليس بمؤمن أبدا من احتكم إلى غير رس<<ول‬
‫اله ‪ ,‬أو رد حكمه ‪ ,‬أو تردد فيه مجرد تردد ‪.‬‬

‫يقول القرآن العزيز‪ (:‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسوله أمرا أن يكون لهم الخ<<يرة من‬
‫< سبحانه منددًا بقوم من مرضى القل<<وب‬
‫أمرهم‪ ،‬ومن يعص اهلل ورسوله فقد ضل ضالال مبينًا)‪ .‬ويقول‬
‫من المنافقين ‪ ( :‬ويقولون آمنتا باهلل وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك‪ ،‬وم<<ا أولئ<<ك‬
‫بالمؤمنين‪ ،‬وإذا دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون‪ ،‬وإن يكن لهم الحق ي<<أتون‬
‫<ك هم‬‫<ل أولئ<‬‫<وله‪ ،‬ب<‬‫<ف اهلل عليهم ورس<‬ ‫إليه مذعنين‪ ،‬أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحي<‬
‫الظالمون‪ ،‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا‪ ،‬وأولئك‬
‫<ى‬‫<لم) ‪ ,‬ورض<‬ ‫<ه وس<‬ ‫<لى اهلل علي<‬
‫هم المفلحون) ويقول مم شأن من تردد في قبول حكم رسول اهلل(ص<‬
‫<زل‬ ‫<ا أن<‬
‫االحتكام إلى آخرين من البشر‪ ,‬قيل إنهم بعض اليهود (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بم<‬
‫<طيان أن‬ ‫إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الش<‬
‫<ك‬‫<دون عن<‬ ‫يضلهم ضال ً‬
‫ال بعيدًا‪ ،‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اهلل وإلى الرسول رأيت المنافقين يص<‬
‫صدودًا)‪..‬إلى أن قال مقسمًا ومؤكدًا‪ ( :‬فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدون‬
‫في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا) هذا هو شأن المؤمنين مع رسول اهلل (ص<<لى اهلل علي<<ه‬
‫وسلم) ‪ ,‬وحكم رسول اهلل ‪ ,‬وشرع رسول اهلل ‪ :‬إنهم ال يتردون لحظ<<ة في قب<<ول الحكم أو رفض<<ه ‪,‬‬
‫وبعبارة أخرى ‪ -‬ليس لهم الخيرة من أمرهم ‪ ,‬وال يتولون عن االنقياد والطاعة ‪ ,‬كما يفعل المنافقون بل‬
‫شعارهم ومبدؤهم دائما ‪ « :‬سمعنا وأطعنا » ‪.‬‬

‫وهذا بخالف المنافقين الذين يرضون االحتكام إلى غير اهلل ورسوله ‪ -‬وكل ما سوى اهلل ورسوله ‪ .‬فهو‬
‫طاغوت ‪ -‬ولهذا قال تعالى ‪( :‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) ‪ . .‬فهما حكمان ال ثالث لهما ‪ :‬إما‬
‫اهلل وإما الطاغوت ‪.‬‬

‫لقد رسمت اآليات صورة المنافقين وموقفهم من شرع اهلل وحكم رسوله ‪( :‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى م<<ا‬
‫<ان عمن لم يحكم‬ ‫<دة ‪ -‬اإليم<‬
‫أنزل اهلل وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) ونفت ‪ -‬بش<‬
‫رسول اهلل في حياته ‪ ,‬ويحكم بسنته بعد مماته ‪ .‬ولم يكتف بذلك فاشترط الرضا والسلم بهذا الحكم ‪ ,‬فهذه‬
‫هي طبيعة اإليمان وثمرته ‪(:‬ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما) فمن أعرض عن‬
‫هذه النذر كلها ‪ ,‬وأصم أذنه عن هذه اآليات‪,‬وتلقى شرائعه وقوانينه ونظمه وتقاليده ‪ ,‬وقيمه وموازين<<ه‬
‫<ذه‬
‫<أن يحكم في ه<‬ ‫<ي ب<‬ ‫ومفاهيمه وتصوراته عن غير طريق رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬ورض<‬
‫األمور الخطيرة فالسفة من الشرق أو الغرب‪ ،‬أو علماء أو حكماء‪ ،‬أو مشرعين ‪-‬سمهم كما تشاء‪ -‬فقد‬
‫ضاد اهلل فيما شرع‪ ،‬وناصب اهلل ورسوله العداء‪ ،‬ومرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية‪ ،‬وال غرو‬
‫أن حكم كتاب اهلل بالكفر والظلم والفسوق على من لم يحكم بما أنزل اهلل‪ ،‬فقال في سياق واحد من سورة‬
‫<زل اهلل فأولئ<ك هم‬ ‫<افرون)‪( ،‬ومن لم يحكم بم<ا أن<‬ ‫المائدة‪( :‬ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الك<‬
‫الظالمون)‪( ،‬ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الفاسقون)‪ .‬واستعمال هذه األلفاظ في القرآن الك<<ريم‬
‫يدل على أن معانيها متقاربة‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬والكافرون هم الظالمون)‪ ( ،‬ومن كفر بعد ذلك فأولئ<<ك هم‬
‫<ق‪ ،‬أو‬‫<الم أو فاس<‬‫الفاسقون) ‪ ( ،‬وما يجحد بآياتنا إال الكافرون) فالذي ال يحكم بما أنزل اهلل كافر أو ظ<‬
‫جامع لهذه الصفات كلها‪ .‬وخصوصا إذا اعتقد أن ما أنزل اهلل‪ ،‬يمثل الجمود والتخلف والرجعي<ة‪ ،‬وم<ا‬
‫شرع الناس هو التطور والتقدم الذي يصلح به المجتمع وترتقى به الحياة! ومن التحريف الظالم آلي<<ات‬
‫<اب‬‫< قائل ‪ :‬إن هذه اآليات نزلت في شأن أهل الكت<‬ ‫< الخلق ‪ ,‬أن يقول‬‫الخالق ‪ ,‬والسخرية الصارخة بعقول‬
‫من اليهود والنصارى ‪ ,‬ونسى هذا القائل الجريء ‪ -‬أو تناسى ‪ -‬أن هذه اآليات الحكمة ‪ -‬وان نزلت في‬
‫سياق خاص ‪ -‬قد جاءت بألفاظ عامة ‪ ,‬تتناول بحكمها جميع األفراد الذين يشملهم مدلولها وهم كل ( من‬
‫لم يحكم بما أنزل اله ) ‪ ,‬فالمدار على عموم اللفظ ‪ ,‬ال على خصوص السبب كما قرر أئمة اإلس<<الم ‪.‬‬
‫<ه وراءهم‬‫<زل ال<‬ ‫<ا أن<‬
‫ومحال أن يدمغ اهلل بالظلم والكفر والفسوق أهل الكتاب األول ‪ ,‬ألنهم طرحوا م<‬
‫ظهريا ‪ ,‬ولم يحكموا به ‪ ,‬ثم يبيح ›للمسلمين وحدهم ‪ -‬وهم أهل الكتاب اآلخر الخاتم ‪ -‬أن يتخذوا كتاب‬
‫<ل‬‫<ديث عن أه<‬ ‫اله مهجورا ‪ ,‬ويتخذوا غيره منهاجا ودستورا !! ما فائدة ذكر هذه اآليات في سياق الح<‬
‫الكتاب ‪ ,‬إن لم يكن المقصود منها تحذير السلمين أن يصنعوا مثل صنيعهم ‪ ,‬ويحكموا بغير شريعة ربهم‬
‫‪ ,‬فيدمغوا بمثل ما دمغوا به ‪ ,‬وهل عليهم عذاب اهلل وغضبه ‪ ( :‬ومن يحلل عيه غضبى فقد ه<<وى ) ‪.‬‬
‫لماذا أنزل اهلل للناس كتاب وبعث لهم رسول ‪ ,‬إذا كان من حق الناس أن يهملوا الكتاب ويعصوا الرسول‬
‫؟) وقد قال تبارك وتعالى ‪ :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اهلل)‪( ،‬وما أرسلنا ن\‬
‫من رسول إال ليطاع بإذن اهلل)‪،‬ومن ثم خاطب اهلل رسوله بعد أن ذكر اآليات السابقة‪( :‬وأنزلن<<ا إلي<<ك‬
‫المئاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه‪ ،‬فاحكم بينهم بما أنزل اهلل‪ ،‬وال تبع أهواءهم‬
‫عما جاءك من الحق)‪ ،‬ثم يقول في اآلية التالية‪( :‬وأن احكم بينهم اهلل إليك‪ ،‬فإن تولوا فاعلم إنما يريد اهلل‬
‫أن يصيبهم ببعض ذنوبهم‪ ،‬وإن كثيرًا من الناس لفاسقون‪ ،‬أفحكم الجاهلية يبغون الجاهلية يبغ<<ون‪ ،‬ومن‬
‫أحسن منه اهلل حكمًا لقوم يوقنون)‪.‬‬

‫<ا‬
‫<ا‪ :‬إم<ا اهلل‪ ،‬وإم<‬
‫فهما حكمان ال ثالث لهما‪ :‬إما اإلسالم‪ ،‬وإما الجاهلية‪ .‬وهما حكم<ان ال ث<الث لهم<‬
‫الطاغوت‪ .‬فليختر امرؤ لنفسه‪..‬وليختر قوم ألنفسهم‪ :‬إما اهلل واإلسالم‪ ،‬وإما الطاغوت والجاهلي<<ة‪ ..‬وال‬
‫وس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ط دون ذل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ك‪.‬‬
‫أما الذين آمنوا فليس لهم الخيرة من أمرهم‪ :‬إنهم مع حكم اهلل ورسوله‪ ،‬إنهم مع اإلسالم‪..‬إنهم حرب على‬
‫الطاغوت والجاهلية‪ .‬إن شعارهم إذا دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم ‪ (:‬سمعنا وأطعنا)‪ .‬وأما ال<<ذين‬
‫كفروا فهم دائمًا في سبيل الطاغوت‪ ،‬وهم دائمًا متردون في حفر الجاهلية (وال<<ذين كف<<روا أولي<<اؤهم‬
‫الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات‪ ،‬أولئك أصحاب النار‪ ،‬هم فيها خالدون)‪.‬‬

‫وهنا مالحظتان مهمتان ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أن الحكم بما أنزل اله فريضة محكمة ال يخالف فيها مسلم ‪ ,‬وهى مساوية لما شاع في ممرن<<ا‬
‫<ة‬‫<ة ‪ ,‬المحلل<‬
‫<رة الناهي<‬
‫<ريعية اآلم<‬
‫<ة التش<‬
‫من تعبير ( الحاكمية هلل ) عز وجل ‪ .‬وهى تعنى ‪ :‬الحاكمي<‬
‫والمحرمة ‪ ,‬المتفردة باإللزام والتكليف للخلق كافة ‪.‬‬

‫وقد توهم بعض الناس أن هذه الفكرة من مبتكرات المودودى في باكستان ‪ ,‬أو سيد قطب في مص<<ر ‪.‬‬
‫< ي<<ذكرون ذل<<ك في‬ ‫والواقع ‪ :‬أن هذه الفكرة مأخوذة من علم ( أصول الفقه ) اإلسالمي ‪ ,‬واألصوليون‬
‫< على أن‬‫< ‪ ,‬وفى موضوع ( الحاكم ) من هو ؟ فكلهم متفق<<ون‬ ‫مبعث ( الحكم ) من مقدمات علم األصول‬
‫<ا‬
‫الحاكم هو اهلل ‪ .‬أي صاحب الحق المطبق في التشريع لخلقه ‪ .‬حتى المعتزلة ال يخالفون في ذلك ‪ ,‬كم<‬
‫بينه شارح ( مسلم الثبوت ) من كتب األصول المشهورة‪ .‬والدالئل على ثبوت هذا المب<<دأ من الق<<رآن‬
‫والسنة بينة واضحة ‪ .‬سقنا بعضها في بيان فرضية الحكم بما أنزل اهلل ‪.‬‬

‫<ذي يفهم‬
‫<و ال<‬‫<ان ه<‬‫الثانية ‪ :‬أن الحاكمية أو الحكم بما أنزل اله تعالى ‪ ,‬ال يلغى دور اإلنسان ‪ ,‬فاإلنس<‬
‫النصوص الوجهة إليه ‪ ,‬ويستنبط منها ‪ ,‬ويمال الفراغ فيما ال نص فيه ‪ ,‬مما سمياه ( منطقة العفو) وهى‬
‫منطقة واسعة ‪ ,‬تركها الشارع قصدًا ‪ ,‬رحمة بنا فير نسيان ‪ ,‬فهنا يجول العقل المسلم ويصول ‪ ,‬ويجتهد‬
‫<‪.‬‬‫في ضوء النصوص واألصول‬

‫معنى قيام المجتمع على عقيدة اإلسالم‬


‫هذه هي العقيدة التي يقوم عليها المجتمع المسلم‪:‬عقيدة ( ال إله إال اهلل‪ ,‬محمد رسول اله) ومع<<نى قي<<ام‬
‫المجتمع المسلم على العقيدة اإلسالمية ‪ :‬أنه يقوم على احترام هذه المياه وتقديسها ‪ ,‬ويعمل على تثبيته<<ا‬
‫< والقلوب ‪ ,‬يربي ناشئة المسلمين عليها ‪ ,‬ويرد عنها أباطيل المفترين ‪ ,‬وشبهات المضللين‪ ,‬و‬ ‫في العقول‬
‫<ير‬‫<ؤثر في س<‬ ‫<تي ت<‬‫يجلي فضائلها وآثارها في حياة الفرد والمجتمع ‪ ,‬عن طريق األجهزة التوجيهية ال<‬
‫<ل‬‫<ينما واألدب بك<‬ ‫<رح والس<‬ ‫المجتمع ‪ ,‬من المساجد والمدارس والصحافة واإلذاعة والتليفزيون والمس<‬
‫فنونه ‪ ,‬من شعر ونثر وقصص وتمثيل ‪ .‬ليس معنى قيام المجتمع المسلم على العقيدة اإلسالمية إك<<راه‬
‫غير المسلمين على التخلي عن عقائدهم ‪ ,‬كال ‪ ,‬فذلك لم يخطر ببال السلم من قب<<ل ‪ ,‬ولن يخط<<ر من‬
‫بعد ‪ ,‬ألن القرآن حسم هذه القضية من قديم ‪ ,‬حين أعلن بصريح العبارة أنه ( ال إكراه في الدين‪ ،‬قد تبين‬
‫الرشد من ألغي)‪.‬‬

‫<ع‬‫<ماحة م<‬ ‫<ات س<‬ ‫<ثر المجتمع<‬ ‫وقد أثبت التاريخ أن المجتمع اإلسالمي ‪ ,‬في عصور ازدهاره ‪ ,‬كان أك<‬
‫المخالفين له في العقيدة ‪ ,‬بشهادة األجانب أنفسهم‪ .‬معنى قيام المجتمع على العقيدة اإلسالمية ‪ ,‬أن<<ه ليس‬
‫مجتمعا سائبا ‪ ,‬بل هو مجتمع ملتزم ‪ ..‬قد التزم عقيدة اإلسالم ‪ ,‬فليس مجتمعا ماديا ‪ ,‬وال مجتمعا علمانيا‬
‫( ال دينيا ) ‪ ,‬وال مجتمعا وثنيا ‪ ,‬وال مجتمعا يهوديا أو نصرانيا ‪ ,‬وال مجتمعًا ليبرالي<<ا رأس<<ماليًا‪ ,‬وال‬
‫مجتمعًا اشتراكيا ماركسيًا‪ .‬إنما هو مجتمعا يدين بعقيدة التوحيد‪ ,‬عقيدة اإلسالم ‪ ,‬وعقيدة اإلسالم تعلو وال‬
‫تعلى ‪ ....‬عقيدة اإلسالم ال تقبل أن تكون على هامش الحياة في المجتمع وأن تزاحمها عقيدة أخرى تبدل‬
‫نظرة الناس إلى اهلل واإلنسان ‪ ,‬والكون والحياة ‪.‬‬

‫فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يختفي في توجيه اسم (اهلل ) ليحل اسم ( الطبيعة) فاألنهار من هبة الطبيعة‬
‫‪ ,‬والغابات منحة من الطبيعة‪ ،‬والطبيعة هي التي أنشأت هذا الشيء وطورت ذاك الشيء ‪ ,‬وليس هو اهلل‬
‫خالق كل شيء ورب كل شيء ومدبر كل أمر ‪.‬‬

‫إن تصور المجتمع الغربي لإللهية وعالقتها بالكون‪ :‬أن اهلل خلق الكون وتركه‪ ،‬فليس له إشراف علي<<ه‪،‬‬
‫وال إحاطة به‪ ،‬وال تدبير له‪ ،‬ويشبه أن يكون هذا مستمدًا من تصور الفلسفة اليونانية لإلل<<ه‪ ،‬وخاص<<ة‬
‫فلسفة (أرسطو) الذي ال يعلم اإلله ‪-‬عنده‪ -‬شيئًا إال عن ذاته‪ :‬أما الكون فال يدبر فيه أمرًا‪ ،‬وال يع<<رف‬
‫عنه خيرًا وال شرًا‪ ،‬وأغرب منه فليفة (أفلوطين) الذي ال يعلم اإلله عنده شيئًا حتى عن نفسه‪ .‬أما تصور‬
‫<ز‬‫المجتمع المسلم لإلله‪ ،‬فتعبر عنه هذه اآليات وأمثالها‪ (:‬سبح هلل ما في السموات واألرض‪ ،‬وهو العزي<‬
‫<اهر‬‫الحكيم‪ ،‬له ملك السموات واألرض‪ ،‬يحي ويميت‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬هو األول وآلخر والظ<‬
‫والباطن‪ ،‬وهو بكل شيء عليم‪ ،‬هو الذي خلق السموات واألرض في ستة أيام ثم استوى على الع<<رش‪،‬‬
‫يعلم ما يلج في األرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها‪ ،‬وهو معكم أين م<<ا كنتم‪،‬‬
‫واهلل بما تعملون بصير‪ ،‬له ملك السموات واألرض‪ ،‬وإلى اهلل ترجع األمور‪ ،‬يولج الليل في النهار ويولج‬
‫النهار في الليل‪ ،‬وهو عليم بذات الصدور‪ .‬وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ينكمش فيه ( مفهوم اإليم<<ان)‬
‫<ان‬‫<ك من األوث<‬‫باهلل ‪ ,‬والدار اآلخرة ‪ ,‬ليحل محله اإليمان بالوجودية أو القومية أو الوطنية ‪ ,‬أو غير ذل<‬
‫التي عبدها أناس هنا وهناك ‪ ,‬من دون اهلل أو مع اهلل ‪ ,‬وان لم يسموها آلهة ‪.‬‬

‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يتوارى فيه اسم ( محمد ) صلى اهلل عليه وسلم باعتباره الموجه المعصوم‬
‫‪ ،‬واألسوة المطاع ‪ ،‬لتبرز أسماء ( ماركس )و ( لينين) و ( ماو) وغيرهم من مفكري الشرق والغرب ‪.‬‬
‫<ريع ‪،‬‬
‫<ة ‪ ,‬والتش<‬ ‫<در الهداي<‬
‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يهجر فيه كتاب اهلل « القرآن » بوصفه مص<‬
‫< عليها القداسة ‪ ,‬وتؤخذ منها مناهج الفكر والتشريع والس<<لوك ‪ ،‬أو‬‫والحكم ‪ ،‬لتظهر كتب أخرى‪ ,‬تضفي‬
‫يستمد منها القيم والموازين والمثل‪ .‬وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسب فيه اهلل ‪ -‬جل ش<<أنه‪ -‬وكتب<<ه‬
‫<روا‬‫<افرًا ‪ ,‬أو يزج<‬
‫<دًا ك<‬
‫ورسله ‪ ,‬والناس سكوت على هذا الكفر البواح ‪ ,‬ال يستطيعون أن يؤدبوا مرت<‬
‫<و ال<ذي‬
‫زنديقا فاجرًا ‪ ,‬حتى اجترأ ملحد أفاك أن ينشر في صحيفة علنية‪ :‬أن اإلنسان العربي الجديد ه<‬
‫يعتقد أن اله واألديان دمى محنطة في متحف التاريخ‪.‬‬

‫<دة‬‫<ا كالعقي<‬
‫<المية ‪ ,‬أو تزاحمه<‬ ‫<دة اإلس<‬
‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسمح بعقيدة أخرى تناوئ العقي<‬
‫الشيوعية ‪ ,‬أو االشتراكية ‪ ,‬أو القومية عند الغالة ‪ .‬وإن من الخطأ أن يظن ظان أن االشتراكية ونحوها‬
‫ليست عقيدة تناوئ اإلسالم وإنما هي مذهب اقتصادي أو اجتماعي ‪ ,‬يتخذ أسلوبا معينًا في تنظيم شؤون‬
‫الحياة وعالقاتها ‪ ,‬وليس له طابع ديني حتى يسمى ( عقيدة) ‪ .‬والواقع أن االشتراكية العلمية ‪ -‬في نظر‬
‫أصحابها ‪ -‬فلسفة حياة كاملة ‪ ,‬وعقيدة شاملة ‪ ,‬تتضمن وجهة نظر إلى العالم والى التاريخ ‪ ,‬والى الحياة‬
‫‪ ,‬والى اإلنسان ‪ ,‬وإلى اهلل ‪ ,‬تخالف وجهة اإلسالم ‪ ,‬ولهذا أطلق عليها وعلى أمثالها بعض الم<<ؤلفين ‪:‬‬
‫( أديان بغير وحي )‪ .‬وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يجعل العقيدة على هامش حيات<<ه ‪ ,‬فال تأخ<<ذ من‬
‫مناهج التربية والتعليم ‪ ,‬وال من مناهج الثقافة والفكر ‪ ,‬وال من مناهجاإلعالم واإلرشاد ‪ ,‬وال من أجهزة‬
‫<ه األول ‪ ,‬وال‬‫<دودًا ‪ ،‬فليس هي الموج<‬ ‫التوجيه والتأثير ‪ ,‬بصفة عامة ‪ ,‬إال حيزا ضئيال ‪ ,‬وموضعا مح<‬
‫المحرك األول ‪ ,‬وال المؤثر األول في حياة األفراد ‪ ,‬واألسر والجماعات ‪ ,‬وإنما هي شئ ثانوي يجئ في‬
‫ذيل القافلة ‪ ,‬وفى المكان األخير إن بقى له مكان ‪ .‬لقد كانت عقيدة اإلسالم في المجتمع األول ‪ -‬ال<<ذي‬
‫<دافع‬
‫<ان ‪ -‬هي ال<‬ ‫أنشأه رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وورثه من بعده صحابته ‪ ,‬ومن تبعهم بإحس<‬
‫األول ‪ ,‬والوجه األول « والمؤثر األول ‪ ,‬في حياتهم ‪ ,‬إن لم نقل األوحد ‪.‬‬

‫كانت العقيدة هي مصدر التصور والفكر ‪ ,‬وكانت هي أساس الترابط والتجمع ‪ ,‬وكانت هي أساس الحكم‬
‫والتشريع ‪ ,‬وكانت هي الدافع إلى الحركة واالنطالق ‪ ....‬وكانت هي ينب<<وع الفض<<ائل واألخالق ‪...‬‬
‫كانت هي صانعة البطوالت في ميادين الجهاد واالستشهاد ‪ ,‬ومجاالت البذل واإليثار ‪.‬‬

‫<ا في‬
‫هكذا كانت العقيدة وكان أثرها في المجتمع السلم األول ‪ ,‬وهكذا يجب أن تكون ‪ ,‬وأن يكون تأثيره<‬
‫<ل أركانه<<ا‬‫<المية ‪ -‬بك<‬
‫<دة اإلس<‬‫كل مجتمع يريد أو يراد له أن يكون مسلما اليوم أو غدا ‪...‬إن العقي<‬
‫وخصائصها ‪ -‬هي األساس المكين ‪ ,‬ألي بنيان اجتماعي متين ‪ .‬وأي بنيان على غير عقيدة فهو بني<<ان‬
‫على الرمال ‪ ,‬يوشك أن ينهار ‪.‬‬

‫وأسوأ منه أن يراد بنا‪ ,‬مجتمع ينتمي إلى اإلسالم على غير عقيدة اإلسالم ‪ ,‬وإن كتب علي<<ه ‪ -‬زورًا ‪-‬‬
‫<ه على من في<ه ‪ ( .‬أقمن‬‫اسم اإلسالم ‪ .‬إنه غش في المواد األساسية للبناء ‪ ,‬ال يلبث أن يسقط البناء كل<‬
‫أسس بنيانه على تتقوى من اهلل ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار‬
‫جهنم ‪ ,‬واهلل ال يهدى القوم الظالمين)‪ .‬لقد رأينا المجتمع الشيوعي ‪-‬أيام ازدهاره وسلطانه‪ -‬يجسد العقيدة‬
‫<ريعه‬‫<ادة‪ .‬وفي تش<‬‫<اة م<‬
‫الماركسية وفلسفتها المادية‪ .‬تمثل ذلك في دستوره الذي يعلن‪ :‬أن ال إله والحي<‬
‫وقوانينه‪ ،‬وفي تربيته‪ ،‬وتعليمه‪ ،‬وفي ثقافته وإعالمه‪ ،‬وفي سائر أنظمته ومؤسساته وسياساته‪ .‬وهذا شأن‬
‫كل مجتمع عقائدي‪ .‬فال غرو أن يكون المجتمع المسلم مرآة تعكس عقيدته وإيمانه‪ ،‬ونظرته إلى الك<<ون‬
‫واإلنسان والحياة‪ ،‬وإلى رب الكون وبارئ اإلنسان‪ ،‬وواهب الحياة‪.‬‬

‫المجتمع المسلم ومواجهة الردة‬


‫أشد ما يواجه المسلم من األخطار ‪ :‬ما يهدد وجوده المعنوي ‪ ,‬أي ما يهدد عقيدته ‪ ,‬ولهذا كانت ال<<ردة‬
‫عن الدين ‪ -‬الكفر بعد اإلسالم ‪ -‬أشد األخطار على المجتمع المسلم ‪ .‬وكان أعظم ما يكيد له أعداؤه أن‬
‫يفتنوا أبناءه عن دينهم بالقوة والسالح أو بالمكر والحيلة ‪ .‬كما قال تعالى ‪ ( :‬وال يزالون يقاتلونكم حتى‬
‫يردوكم عن دينكم إن استطاعوا‪.‬‬

‫وفى عصرنا تمرض المجتمع المسلم لغزوات عنيفة ‪ ,‬وهجمات شرسة ‪ ,‬تهدف إلى اقتالعه من جذوره ‪,‬‬
‫تمثلت في الغزو التنصيرى ‪ ,‬الذي بدا مع االستعمار الغربي ‪ ,‬والذي ال يزال يمارس نشاطه في الع<<الم‬
‫اإلسالمي ‪ ,‬وفى الجاليات واألقليات اإلسالمية ‪ ,‬ومن أهدافه ‪ :‬تنصير المسلمين في العالم ‪ ,‬كما وض<<ح‬
‫ذلك في مؤتمر « كورادو »› الذي عقد هناك سنة ‪ . 1978‬وقدمت له أربعون دراسة ح<<ول اإلس<<الم‬
‫<د‬
‫<س ل<ذلك معه<‬ ‫<ون دوالر ‪ ,‬وأس<‬‫<ف ملي<‬ ‫والمسلمين ‪ ,‬وكيفية نشر النصرانية بينهم ‪ .‬ورصد لذلك أل<‬
‫( زويمر) لخريج المتخصصين في تنصير المسلمين ‪.‬‬

‫كما تمثلت في الغزو الشيوعي الذي اجتاح بالدًا إسالمية كاملة في آسيا ‪ ,‬وفى أوروبا ‪ ,‬وعمل بكل جهد‬
‫<يرًا وال قلي ً‬
‫ال‪. .‬‬ ‫<الم كث<‬
‫<رف من اإلس<‬‫إلماتة اإلسالم ‪ ,‬وإخراجه من الحياة نهائيًا ‪ ,‬وتنشئة أجيال ال تع<‬
‫وثالثة األثافي ‪ :‬الغزو العلمانى الالدينى ‪ ,‬الذي ال يبرح يقوم بمهمته إلى اليوم في قلب ديار اإلس<<الم ‪,‬‬
‫يستعلن حينا ‪ ,‬ويستخفى أحيانا ‪ ,‬يطارد اإلسالم الحق ‪ ,‬ويحتفى باإلسالم الخرافي ‪ ,‬ولعل هذا الغزو هو‬
‫أخبث تلك األنواع وأشدها خطرا ‪ .‬وواجب المجتمع المسلم ‪ -‬لكي يحافظ على بقائه ‪ -‬أن يقاوم ال<<ردة‬
‫من أي مصدر جاءت وبأي صورة ظهرت ‪ ,‬وال يدع لها الفرصة ‪ ,‬حتى تمتد وتنتشر ‪ ,‬كما تنتشر النار‬
‫في الهشيم ‪.‬‬

‫<وا‬
‫<ذين اتبع<‬
‫<ردة ‪ ,‬ال<‬‫وهذا ما صنعه أبو بكر والصحابة ‪ -‬رضى اهلل عنهم ‪ -‬معه ‪ ,‬حين قاتلوا أهل ال<‬
‫<ده ‪.‬‬
‫<الم في مه<‬ ‫<ون على اإلس<‬ ‫<ادوا يقض<‬ ‫<ى وك<‬ ‫<دى والعنس<‬ ‫األنبياء الكذبة ‪ ,‬مسيلمة وسجاح واألس<‬
‫ومن الخطر كل الخطر ‪ :‬أن يبتلى المجتمع المسلم بالمرتدين المارقين ‪ ,‬وتشيع بين جنباته ال<<ردة ‪ ,‬وال‬
‫يجد من يواجهها ويقاومها ‪ .‬وهو ما عبر عنه أحد العلماء عن الردة التي ذاعت في هذا العصر بقوله ‪:‬‬
‫( ردة وال أبا بكر لها ) وال بد من مقاومة الردة الفردية وحصارها ‪ ,‬حتى ال تتفاقم ويتط<<اير ش<<ررها‬
‫وتغدو ردة جماعية ‪ ,‬فمعظم النار من مستصغر الشرر ‪.‬‬

‫ومن ثم أجمع فقهاء اإلسالم على عقوبة المرتد ‪ -‬وإن اختلفوا في تحديدها‪ -‬وجمهورهم على أنها القتل ‪,‬‬
‫<حابة‪:‬‬‫<دد من الص<‬ ‫وهو رأى الذاهب األربعة ‪ ,‬بل الثمانية ‪ .‬وفيها وردت جملة أحاديث صحيحة عن ع<‬
‫<ة بن‬‫عن ابن عباس وأبى موسى ومعاذ وعلي وعثمان وابن مسعود وعائشة وأنس وأبى هريرة ومعاوي<‬
‫حيدة‪ .‬وقد جاءت بصيغ مختلفة ‪ ,‬مثل حديث ابن عباس ‪ ( :‬من بدل دينه فاقتلوه ) ( رواه الجماع<<ة إال‬
‫<ات) ‪.‬‬ ‫مسلمًا ‪ ,‬ومثله من أبى هريرة مند الطبرانى بإسناد حسن ‪ ,‬وعن معاوية بن حيدة بإسناد رجاله ثق<‬
‫وحديث ابن مسعود ‪ ( :‬ال يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ,‬وأني رسول اهلل إال بإحدى ثالث‬
‫‪ :‬النفس بالنفس ‪ ,‬والثيب الزانى ‪ ,‬والتارك لدينه ‪ ,‬المفارق للجماعة ) ( رواه الجماع<<ة ) ‪ .‬وفى بعض‬
‫صيغه عن عثمان ‪ . . . . ( :‬رجل كفر بعد إسالمه ‪ ,‬أو زنى بعد إحصانه ‪ ,‬أو قتل نفسا بغير نفس ) (‬
‫<ا وأبى‬‫<اس أيض<‬ ‫<ة ابن عب<‬‫رواه الترمذى وحسنه والنسائى وابن ماجه ‪ ,‬وقد صح هذا المعنى من رواي<‬
‫هريرة وأنس ) ‪ .‬قال العالمة ابن رجب ‪ :‬والقتل بكل واحدة من هذه الخصال متفق عليه بين المسلمين‪.‬‬

‫وقد نفذ علي كرم اهلل وجهه عقوبة الردة في قوم ادعوا ألوهيته ‪ ,‬فحرقهم بالن<<ار ‪ ,‬بع<<د أن اس<<تتابهم‬
‫وزجرهم ‪ ,‬فلم يتوبوا ولم يزدجروا ‪ ,‬طرحهم في النار وهو يقول‪:‬‬
‫لما رأيت األمر أمرًا منكرًا أججت ناري‪ ،‬ودعوت قنبرا‬

‫وقنبر هو خادمه وغالمه‪ .‬وقد اعترض عليه ابن عباس بالحديث اآلخر‪ ( :‬ال تعذبوا بع<<ذاب اهلل) ورأى‬
‫أن ال<<واجب أن يقتل<<وا ال أن يحرق<<وا ‪ .‬فك<<ان خالف ابن عب<<اس الوس<<يلة ال في المب<<دأ ‪.‬‬
‫وكذلك نفذ أبو موسى ومعاذ القتل في يهودي في اليمن أسلم ثم ارتد ‪ .‬وقال معاذ ‪ :‬قضاء اهلل ورس<<وله‬
‫( متفق عليه )‪ .‬وروى عبد الرزاق ‪ :‬أن ابن مسعود أخذ قومًا ارتدوا عن اإلسالم من أه<<ل الع<<راق ‪,‬‬
‫<ا‬
‫فكتب فيهم إلى عمر ‪ .‬فكتب إليه ‪ :‬أن اعرض عليهم دين الحق ‪ ,‬وشهادة أن ال إله إال اله ‪ ,‬فإن قبلوه<‬
‫فخل عنهم ‪ ,‬وإذا لم يقبلوها فاقتلهم ‪ ..‬فقبلها بعضهم فتركه ‪ ,‬ولم يقبلها بعضهم فقتله ‪.‬‬

‫وروى عن أبى عمرو الشيبانى أن المستورد العجلي تنصر بعد إسالمه‪ ,‬فبعث به عتب<<ة بن فرق<<د إلى‬
‫علي‪ ,‬فاسستابه فلم يتب‪ ،‬فقتله‪ . ).‬وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ :‬أن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) قبل‬
‫<من األذى‬‫<رى تتض<‬ ‫توبة جماعة من المرتدين ‪ ,‬وأمر بقتل جماعة آخرين ‪ ,‬ضموا إلى الردة أمورًا أخ<‬
‫<لم‬
‫والضرر لإلسالم والمسلمين ‪ .‬مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح ‪ ,‬لما ضم إلى ردته قتل المس<‬
‫<ك ‪.‬‬‫<وًا من ذل<‬‫<موا إلى ردتهم نح<‬ ‫وأخذ المال ‪ ,‬ولم يتب قبل القدرة عليه ‪ ,‬وأمر بقتل العرنيين لما ض<‬
‫وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم ‪ .‬وأمر بقتل ابن أبى سرح ‪ ,‬لما ض<<م‬
‫إلى ردته الطعن عليه واالفتراء ‪ .‬وفرق ابن تيمية بين النوعين ‪ :‬أن الردة المجردة تقبل معها التوب<<ة ‪,‬‬
‫<درة ‪ .‬‬‫<ل الق<‬
‫<ة قب<‬ ‫والردة التي فيها محاربة اهلل ورسوله والسعي في األرض بالفساد ال تقبل فيها التوب<‬
‫وقد قيل‪ :‬لم ينقل أن رسول اهلل كان قتل مرتدًا‪ ,‬وما نقله ابن تيمية ينقض هذه الدعوى ‪ .‬ولو صح ذل<<ك‬
‫فألن هذه الجريمة لم تظهر في عهده ‪ .‬كما لم يعاقب أحدًا عمل عمل قوم لوط ‪ .‬إذ لم تستعلن في عهده‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم )‪.‬‬

‫<رزاق‬‫ومع أن الجمهور قالوا بقتل المرتد ‪ ,‬فقد ورد عن عمر بن الخطاب ما يخالف ذلك ‪ .‬روى عبد ال<‬
‫< وابن حزم ‪ :‬أن أنسًا عاد من ( تستر) فقدم على عمر ‪ ,‬فسأله ‪ :‬ما فعل الستة الرهط من بك<<ر‬ ‫والبيهقى‬
‫بن وائل ‪ ,‬الذين ارتدوا من اإلسالم ‪ ,‬ولحقوا بالمشركين‪ ،‬قال‪ :‬يا أمير المؤم<<نين ‪ ,‬ق<<وم ارت<<دوا عن‬
‫اإلسالم ‪ ,‬ولحقوا بالمشركين ‪ ,‬قتلوا بالمعركة ‪ .‬فاسترجع عمر ( أي قال ‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون ) قال‬
‫أنس‪ :‬وهل كان سبيلهم إال القتل ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ,‬كنت أعرض عليهم اإلسالم ‪ ,‬فإن أبوا أودعتهم السجن) ‪.‬‬
‫وهذا هو قول إبراهيم النخعى‪ ,‬وكذلك قال الثوري ‪ :‬هذا الذي نأخذ به ‪ .‬وفى لفظ له ‪ :‬يؤجل م<ا رجيت‬
‫توبت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫<دعين بين‬‫<وا في المبت<‬‫والذي أراه ‪ :‬أن العلماء ‪ ,‬فرقوا في أمر البدعة بين المغلظة والمخففة ‪ ,‬كما فرق<‬
‫الداعية وغير الداعية‪ .‬وكذلك يجب أن نفرق في أمر الردة بين الردة الغليظ<<ة والخفيف<<ة ‪ ,‬وفى أم<<ر‬
‫المرتدين بين الدامية وغير الداعية ‪.‬‬

‫فما كان من الردة مغلظًا ‪-‬كردة سلمان رشدي ‪ -‬وكان المرتد دامية إلى بدعته بلسانه أو بقلمه ‪ ,‬فاألولى‬
‫<اب‬ ‫ال للشر‪ ,‬و س<دًا لب<‬‫في التغليظ في العقوبة‪ ،‬واألخذ بقول جمهور األمة ‪ ,‬وظاهر األحاديث ‪ ,‬استئصا ً‬
‫الفتن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫وإال فيمكن األخذ بقول النخعى الثوري وهو ما روى عن الفاروق عمر ‪ .‬إن المرتد الدامية إلى ال<<ردة‬
‫ليس مجرد كافر باإلسالم ‪ ,‬بل هو حرب عليه وعلى أمته ‪ ,‬فهو مندرج ض<<من ال<<ذين يح<<اربون اهلل‬
‫<د ‪,‬‬‫<ة بالي<‬
‫<ان ‪ :‬محارب<‬ ‫<ة ‪ -‬نوع<‬ ‫ورسوله ويسعون في األرض فسادا ‪ .‬والمحاربة ‪ -‬كما قال ابن تيمي<‬
‫ومحاربة باللسان ‪ ,‬والمحاربة باللسان في باب الدين ‪ ,‬قد تكون أنكى من المحاربة باليد ‪ ,‬ولذا كان النبي‬
‫عليه الصالة والسالم يقتل من كان يحاربه باللسان ‪ ,‬مع استبقائه بعض من حاربه باليد ‪ .‬وكذلك اإلفساد‬
‫قد يكون باليد ‪ ،‬وقد يكون باللسان ‪ ,‬وما يفسده اللسان من األديان أضعاف ما تفس<<ده الي<<د ‪ ..‬فثبت أن‬
‫محاربة اهلل ورسوله باللسان أشد ‪ ,‬والسعي في األرض بالفساد باللسان أؤكد‪ .‬والقلم أحد اللسانين ‪ ,‬كم<<ا‬
‫قال الحكماء ‪ ,‬بل ربما كان القلم أشد من اللسان وأنكى ‪ ,‬وال سيما في عصرنا ‪ ،‬إلمكان نشر م<<ا يكتب‬
‫على نط<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اق واس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ع ‪.‬‬
‫ه<<<ذا إلى أن المرت<<<د محك<<<وم علي<<<ه باإلع<<<دام األدبي من الجماع<<<ة المس<<<لمة ‪ ,‬فهو‬
‫محروم من والئها وحبها ومعاونتها ‪ ,‬فاهلل تعالى يقول ‪ ( :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم )‪ ،‬وهذا أش<<د من‬
‫< والضمائر من الناس ‪.‬‬‫القتل الحسي عند ذوى العقول‬

‫سر التشديد في عقوبة الردة‬


‫<ان ‪,‬‬‫وسر هذا التشديد في مواجهة الردة ‪ :‬أن المجتمع المسلم يقوم ‪ -‬أول ما يقوم ‪ -‬على العقيدة واإليم<‬
‫فالعقيدة أساس هويته ‪ ,‬ومحور حياته ‪ ,‬ومحور وجوده ولهذا ال يسمح ألحد أن ينال من هذا األساس ‪ ,‬أو‬
‫<ر على‬ ‫<ا خط<‬ ‫يمس هذه الهوية ‪ .‬ومن هناكانت ( الردة المعلنة ) كبرى الجرائم في نظر اإلسالم ! ألنه<‬
‫شخصية المجتمع وكيانه المعنوي ‪ ,‬وخطر على الضرورية األولى من الض<<روريات الخمس ( ال<<دين‬
‫<ه ‪.‬‬
‫والنفس والنسل والعقل والمال ) والدين أولها ‪ ,‬ألن المؤمن يضحي بنفسه ووطنه وماله من أجل دين<‬
‫وإلسالم ال يكره أحدًا على الدخول فيه‪ ،‬وال الخروج من دينه إلى دين ما‪ ،‬ألن اإليمان المعتد هو ما كان‬
‫<نين)‪ ،‬وفي‬ ‫<وا مؤم<‬ ‫عن اختيار واقتناع‪ .‬وقد قال تعالى في القرآن المكي‪( :‬أفأنت تكره الناس حتى يكون<‬
‫القرآن المدني‪( :‬ال إكراه في الدين‪ ،‬قد تبين الرشد من الغي)‪ .‬ولكنه ال يقبل أن يكون الدين ألعوبة‪ ،‬يدخل‬
‫فيه اليوم ويخرج منه غدًا‪ ،‬على طريقة اليهود الذين قالوا‪ ( :‬آمنوا بالذي أنزل على الذين آمن<<وا وج<<ه‬
‫النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون)‪ .‬وال يعقاب اإلسالم بالقتل المرتد الذي ال يجاهر بردته‪ ،‬وال يدعو‬
‫<ه‬
‫<الى‪( :‬ومن يرت<دد منكم عن دين<‬ ‫إليها غيره‪ ،‬ويدع عقابه إلى اآلخرة إذا مات على كفره‪ ،‬كما قال تع<‬
‫فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأولئك أصحاب لنار‪ ،‬هم فيها خالدون)‪ .‬وقد‬
‫يعاقب<<<<<<<<<<ه عقوب<<<<<<<<<<ة تعزيري<<<<<<<<<<ة مناس<<<<<<<<<<بة‪.‬‬
‫إنما يعاقب المرتد المجاهر‪ ،‬وبخاصة الداعية للردة‪ ،‬حماية لهوية المجتمع‪ ،‬وحفاظًا على أسسه ووحدته‪،‬‬
‫وال يوجد مجتمع في الدنيا إال وعنده أساسيات ال يسمح بالنيل منها‪ ،‬مثل ‪ :‬الهوية واالنتماء والوالء‪ ،‬فال‬
‫يقبل أي عمل لتغيير هوية المجتمع‪ ،‬أو تحويل والئه ألعدائه‪ ،‬وما شابه ذلك‪ .‬ومن أجل هذا ‪ :‬اعت<<برت‬
‫الخيانة للوطن‪ ،‬ومواالة أعدائه ‪ -‬باإللقاء بالمودة إليهم‪ ،‬وإفشاء األسرار لهم ‪ -‬جريمة كبرى‪ .‬ولم يق<<ل‬
‫أحد بجواز إعطاء المواطن حق تغيير والئه الوطني لمن يشاء‪ ،‬ومتى شاء‪.‬‬

‫<د‬
‫والردة ليست مجرد موقف عقلي‪ ،‬ببل هي أيضًا تغير للوالء‪ ،‬وتبديل للهوية‪ ،‬وتحويل لالنتماء‪ .‬فالمرت<‬
‫ينقل والءه وانتماءه من أمة ألخرى‪ ،‬ومن وطن إلى وطن آخر‪ ،‬أي من دار اإلسالم إلى دار أخرى‪ .‬فهو‬
‫يخلع نفسه من أمة اإلسالم‪ ،‬التي كان عضوًا فيجسدها‪ ،‬وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها‪ .‬ويعبر‬
‫عن ذلك الحديث النبوي بقوله‪ ( :‬التارك لدينه‪ ،‬المفارق للجماعة)‪ .‬كما في حيث ابن مسعود المتفق عليه‪.‬‬
‫وكلمة (المفارق للجماعة) وصف كاشف ال منشئ‪ ،‬فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة‪.‬‬

‫ومهما يكن من جرمه‪ ،‬فنحن ال نشق عن قلبه‪ ،‬وال نتسور عليه بيته‪ ،‬وال نحاسبه إال على ما يعلنه جهرة‬
‫‪ :‬بلسانه أو قلمه أو فعله‪ ،‬مما يكون كفرًا بواحًا صريحًا ال مجال فيه لتأويل أو احتمال‪ ،‬فأي شك في ذلك‬
‫يفسر لمصلحة المتهم بالردة‪ .‬إن التهاون في عقوبة المرتد المعالن الداعية‪ ،‬يعرض المجتمع كله للخطر‪،‬‬
‫ويفتح عليه باب فتنة ال يعلم عواقبها إال اهلل سبحانه‪ ،‬فال يلبث المرتد أن يغرر بغ<<يره وخصوص<<ًا من‬
‫الضعفاء والبسطاء من الناس وتتكون جماعة مناوئة لألمة تستبيح لنفسها االستعانة بأعداء األمة عليه<<ا‪،‬‬
‫وبذلك تقع صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي‪ ،‬قد يتطور إلى صاع دموي بل حرب أهلية تأك<<ل‬
‫األخضر واليابس‪ .‬وهذا ما حدث بالفعل في أفغانستان‪ :‬مجموعة محدودة مرق<<وا من دينهم‪ ،‬واعتنق<<وا‬
‫< الحزب الشيوعي‪ ،‬وفي غفلة من الزمن‬ ‫العقيدة الشيوعية بعد أن درسوا في روسيا‪ ،‬وجندوا في صفوف‬
‫وثبوا على الحكم‪ ،‬وطفقوا يغيرون هوية المجتمع كله‪ ،‬بما تحت أيديهم من سلطان وإمكانات‪ .‬ولم يس<<لم‬
‫أبناء الشعب األفغاني لهم‪ ،‬بل قاوموا ثم قاوموا‪ ،‬و اتسعت المقاومة التي كونت الجهاد األفغاني الباس<<ل‬
‫<دكون وطنهم‬ ‫<الروس‪ ،‬ي<‬ ‫<ومهم ب<‬ ‫ضد المرتدين الشيوعيين الذين لم يبالوا أن يستنصروا على أهليهم وق<‬
‫<ابين‬
‫<وقين والمص<‬ ‫<حايا الماليين من القتلى والمع<‬‫<ان ض<‬ ‫بالدبابات ويقذفونه بالطائرات‪ ،‬ويدمرونه وك<‬
‫واليتامى واألرامل والثكالى‪ ،‬والخراب الذي أصاب البالد وأهلك الزرع والضرع‪ .‬كل ه<<ذا لم يكن إال‬
‫أثرًا للغفلة عن المرتدين‪ ،‬والتهاون في أمرهم والسكوت على جريمتهم في أول األمر‪ .‬ولو عوقب هؤالء‬
‫المارقون الخونة‪ ،‬قبل أ‪ ،‬يستفحل أمرهم‪ ،‬لوقي الشعب والوطن شرور هذه الحرب الضروس وآثاره<<ا‬
‫المدمرة على البالد والعباد‪.‬‬

‫أمور مهمة تجب مراعاتها‬


‫والذي أريد أن أذكره هنا جملة أمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن الحكم بردة مسلم عن دينه أمر خطير جدًا‪ ،‬يترتب عليه حرمانه من كل والء وارتباط باألسرة‬
‫والمجتمع‪ ،‬حتى إنه يفرق بينه وبين زوجة وأوالده‪ ،‬إذ ال يحل لمسلمة أن تكون في عصمة كافر‪ ،‬كم<<ا‬
‫أن أوالده لم يعد مؤتمنًا عليهم‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن العقوبة المادية التي أجمع عليها الفقهاء في جملتها‪ .‬لهذا وجب‬
‫االحتياط كل االحتياط عند الحكم بتكفير مسلم ثبت إسالمه ألنه مسلم بيقين‪ ،‬فال يزال اليقين بالشك‪.‬‬

‫ومن أشد األمور خطرًا‪ :‬تكفير من ليس بكافر‪ ،‬وقد حذرت من ذلك السنة النبوية‪ ،‬أبلغ التح<<ذير‪ .‬وق<<د‬
‫<ا‪:‬‬
‫كتبت في ذلك رسالة (ظاهرة الغلو في التكفير) لمقاومة تلك الموجة العاتية‪ .‬التي انتشرت في وقت م<‬
‫التوسع في التكفير‪ ،‬وال يزال يوجد من يعتنقها‪.‬‬

‫<ذين‬‫<اص ال<‬ ‫<ل االختص<‬ ‫الثاني‪ :‬أن الذي يملك الفتوى بردة امرئ مسلم‪ ،‬هم الراسخون في العلم من أه<‬
‫<ل‪ ،‬فال‬‫<ل التأوي<‬
‫يميزون بين القطعي والظني بين المحكم والمتشابه‪ ،‬بين ما يقبل التأويل وبين ما ال يقب<‬
‫يكفرون إال بما ال يجدون له مخرجًا مثل ‪ :‬إنكار المعلوم من الدين بالض<<رورة‪ ،‬أو وض<<عه موض<<ع‬
‫السخرية من عقيدة أو شريعة‪ ،‬ومثل سب اهلل تعالى ورسوله وكتابه عالنية‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬مثال ذلك‪ :‬م<<ا‬
‫أفتى به العلماء من ردة سلمان رشدي‪ ،‬ومثله رشاد خليفة الذي بدأ بإنكار السنة ثم أنكر آيتين من القرآن‬
‫<اتم‬
‫<لم) خ<‬
‫ال إن محمد (صلى اهلل عليه وس<‬ ‫في آخر سورة التوبة ثم ختم كفره بدعوى أنه رسول اهلل‪ ،‬قائ ً‬
‫< لرابط<ة الع<الم‬‫النبيين ‪ ،‬وليس خاتم المرسلين!! وقد صدر ب<ذلك ق<رار من مجلس المجتم<ع الفقهي‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫وال يجوز ترك مثل هذا األمر إلى المتسرعين أو الغالة‪ ،‬أو قليلي البضاعة من العالم‪ ،‬ليقول<<وا على اهلل‬
‫ما ال يعلمون‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن الذي ينفذ هذا هو ولى األمر الشرعي ‪ ,‬بعد حكم القضاء اإلسالمي المختص ‪ ,‬الذي ال يحتكم‬
‫<وله‬
‫<نة رس<‬ ‫<الى وس<‬‫إال إلى شرع اهلل عز وجل ‪ ,‬وال يرجع إال إلى المحكمات البينات من كتاب اله تع<‬
‫( صلى اهلل عليه وسلم) ‪ ,‬وهما اللذان يرجع إليهما إذا اختلف الناس ‪ ( :‬فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى‬
‫اهلل والرس<<<<<<<ول إن كنتم تؤمن<<<<<<<ون باهلل والي<<<<<<<وم اآلخ<<<<<<<ر ) ‪.‬‬
‫< في القاضي في اإلسالم أن يكون من أهل االجتهاد ‪ ,‬فإذا لم يتوافر فيه ذل<<ك اس<<تعان بأه<<ل‬‫واألصل‬
‫< على جهل ‪ ,‬أو يقضى بالهوى ‪ ,‬فيكون من قضاة النار ‪.‬‬ ‫االجتهاد ‪ ,‬حتى يبين له الحق ‪ .‬وال يقضى‬

‫الرابع ‪ :‬أن جهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد ‪ ,‬قبل تنفيذ العقوبة فيه ‪ .‬بل قال شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية في كتاب (الصارم المسلول على شاتم الرسول ) ‪ :‬هو إجماع الصحابة رضي اهلل عنهم ‪ ,‬وبعض‬
‫<دًا ‪.‬‬
‫<تتاب أب<‬ ‫<ال ‪ :‬يس<‬ ‫<أكثر ‪ ,‬ومنهم من ق<‬
‫<هم ب<‬ ‫<ل ‪ ,‬وبعض<‬ ‫الفقهاء حددها بثالثة أيام ‪ ,‬وبعضهم بأق<‬
‫<لى اهلل‬‫<ول ( ص<‬ ‫واستثنى بعضهم الزنديق ‪ ,‬ألنه يظهر غير ما يبطن ‪ ,‬فال توبة له ‪ ,‬وكذلك ساب الرس<‬
‫عليه وسلم) ‪ ,‬لحرمة رسول اهلل وكرامته ‪ ,‬فال تقبل منه توب<ة ‪ ,‬وأل<ف ابن تيمي<ة كتاب<ه في ذل<ك ‪.‬‬
‫<ة ‪ ,‬إن‬ ‫<ه الحج<‬ ‫والمقصود بذلك إعطاؤه الفرصة ليراجع نفسه ‪ ,‬عسى أن تزول منه الشبهة ‪ ,‬وتقوم علي<‬
‫<ولى ‪.‬‬ ‫<ا ت<‬
‫<ه اهلل م<‬‫<رين ‪ ,‬يولي<‬
‫كان يطلب الحقيقة بإخالص ‪ ,‬وان كان له هوى ‪ ,‬أو يعمل لحساب آخ<‬
‫ومن المعاصرين من قال ‪ :‬إن قبول التوبة إلى اهلل وليس إلى اإلنسان ‪ ,‬ولكن هذا في أحكام اآلخرة ‪ .‬أما‬
‫في أحكام الدنيا فنحن نقبل التوبة الظاهرة ‪ ,‬ونقبل اإلسالم الظاهر ‪ ,‬وال ننقب عن قلوب الخل<<ق ‪ ,‬فق<<د‬
‫<ه إال اهلل )‬
‫<الوا ‪ ( :‬ال إل<‬
‫أمرنا أن نحكم بالظاهر ‪ ,‬واهلل يتولى السرائر ‪ .‬وقد صح في الحديث أن من ق<‬
‫<ول‪ :‬إن‬ ‫<ا نق<‬
‫عصموا دماءهم وأموالهم ‪ ,‬وحسابهم على اهلل تعالى ‪ .‬يعنى فيما انعقدت قلوبهم ‪ .‬ومن هن<‬
‫إعطاء عامة األفراد حق الحكم على شخص ما بالردة ‪ ,‬ثم الحكم عليه باستحقاق العقوب<<ة ‪ ,‬وتحدي<<دها‬
‫<والهم‬ ‫<اس وأم<‬ ‫<اء الن<‬‫<ديدة على دم<‬‫<ورة ش<‬‫<ل خط<‬ ‫بأنها القتل ال غير ‪ ,‬وتنفيذ ذلك بال هوادة ‪ -‬يحم<‬
‫وأعراضهم ‪ ,‬ألن مقتضى هذا ‪ :‬أن يجمع الشخص العادي ‪ -‬الذي ليس له علم أهل الفتوى ‪ ,‬وال حكمة‬
‫أهل القضاء ‪ ,‬وال مسؤولية أهل التنفيذ ‪ -‬سلطات ثالثًا في يده ‪ :‬يفتى ‪ -‬وبعبارة أخرى ‪ :‬يتهم ‪ -‬ويحكم‬
‫وينفذ ‪ ,‬فهو اإلفتاء واالدعاء والقضاء والشرطة جميعا !!‬

‫اعتراضات مردودة لبعض المعارضين‬


‫ولقد اعترض بعض الكاتبين في عصرنا ‪ -‬من غير أهل العلم الشرعي ‪ -‬على عقوبة الردة بأنها لم ترد‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬ولم ترد إال في حديث من أحاديث اآلحاد‪ ،‬وحديث اآلحاد ال يؤخذ به في الحدود‪ ،‬فهم‬
‫لذلك ينكرونها‪.‬‬

‫وهذا الكالم مردود من عدة أوجه ‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال ‪ :‬أن السنة الصحيحة مصدر لألحكام العملية باتفاق جميع المسلمين‪ ،‬وقد قال تعالى ‪ (:‬قل أطيعوا اهلل‬
‫<دين ‪.‬‬ ‫<د الراش<‬
‫<حابة في عه<‬ ‫<ذه الص<‬‫<د ‪ ,‬ونف<‬‫<ل المرت<‬‫<اديث بقت<‬ ‫وأطيعوا الرسول) وقد صحت األح<‬
‫< بأن أحاديث اآلحاد ال يؤخذ بها في الحدود غير مسلم ‪ ،‬فجميع المذاهب المتبوعة أخذت بأحاديث‬ ‫والقول‬
‫اآلحاد ‪ ,‬في عقوبة شارب الخمر ‪ ,‬مع أن في عقوبة الردة أصح وأوفر أغزر مما ورد في عقوبة شارب‬
‫الخم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر ‪.‬‬
‫ولو صح ما زعمه هؤالء ‪ :‬أن أحاديث اآلحاد ال يعمل بها في األحكام ‪ ,‬لكان معناه ‪ :‬إلغاء الس<<نة من‬
‫مصدرية التشريع اإلسالمي ‪ .‬أو على األقل ‪ :‬إلغاء‪ - % 95‬إن لم نقل ‪ - %99‬منها ‪ .‬ولم يعد هن<<اك‬
‫معنى لقولنا ‪ :‬اتباع الكتاب و السنة ‪ .‬فمن المعروف لدى أهل العلم‪ :‬أن أحاديث اآلح<<اد هي الجمه<<رة‬
‫العظمى من أحاديث األحكام‪ .‬والحديث المتواتر ‪ -‬الذي يقابل اآلحاد‪ -‬نادرًا جدًا‪ ،‬حتى زعم بعض أئمة‬
‫<ديث‪.‬‬‫<وم الح<‬‫<هيرة في عل<‬ ‫<ه الش<‬‫الحديث أنه ال يكاد يوجد‪ ،‬كما ذكر ذلك اإلمام ابن صالح في مقدمت<‬
‫على أن كثيرًا ممن يتناولون هذا األمر ال يدركون معنى حديث اآلحاد ويحسبون أنه ال<ذي رواه واح<د‬
‫فقط‪ ،‬وهذا خطأ‪ .‬فالمرتد بحديث اآلحاد ‪ :‬ما لم يبلغ درجة التواتر‪ ،‬وقد يرويه اثنان أ‪ ,‬ثالثة أو أربعة أو‬
‫<ا‬
‫<حابة‪ ،‬ذكرن<‬‫أكثر من الصحابة وأضعافهم من التابعين‪ .‬وحديث قتل المرتد قد رواه جم غفير من الص<‬
‫عددًا منهم فهو من األحاديث المستفيضة المشهورة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أن من مصادر التشريع المعتمدة ‪ :‬اإلجماع ‪ ,‬وكد أجمع فقهاء األمة من كل الم<<ذاهب ( الس<<نية‬
‫وغير السنية ) ‪ ,‬ومن خارج المذاهب ‪ ,‬على عقوبه المرتد‪ ,‬وأوشكوا أن يتفقوا على أنها القتل ‪ ,‬إال م<<ا‬
‫روى عن عمر والنخعى والثورى ‪ ,‬ولكن العقوبة ‪ -‬في الجملة ‪ -‬مجمع عليها ‪.‬‬

‫<دة تختص بالمرت<دين ‪,‬‬ ‫ثالثًا ‪ :‬أن من علماء السلف من قال ‪ :‬إن آية المحاربة المذكورة في سورة المائ<‬
‫وهى قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون اهلل ورسوله ويسعون في األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا‬
‫) اآلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫وممن قال بأن هذه اآلية في المرتدين أبو قالبة وغيره ‪ .‬وقد نقلنا من كالم ابن تيمية ‪ :‬أن محارب<<ة اهلل‬
‫ورسوله باللسان أشد من المحاربة باليد ‪ ,‬وكذلك اإلفساد في األرض ‪ .‬كما يزيد ذلك ‪ :‬أن األحاديث التي‬
‫قررت استباحة دم المسلم بإحدى ثالث ‪ ,‬ذكر بعضها ( ورجل خرج محاربًا له ورسوله ‪ ,‬فإنه يقت<<ل أو‬
‫<ارك‬ ‫<الم ) أو ( الت<‬ ‫يصلب أو ينفى من األرض ) ‪ ,‬كما في حديث عائشة بد ً‬
‫ال من عبارة ( ارتد بعد إس<‬
‫لدينه ) ‪ ...‬إلخ ‪ .‬وهو ما يدل على أن اآلية تشمل فيما تشمل المرتدين الداعين إلى ردتهم ‪.‬‬

‫<ة على‬ ‫وفى القرآن ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اهلل بقوم يحبهم ويحبونه أذل<‬
‫المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل اهلل وال يخافون لومة الئم )‪ .‬وهذا يدل على أن اهلل هيأ‬
‫<ر‬‫<ل أبى بك<‬ ‫<ه ‪ ,‬مث<‬‫<فهم ب<‬ ‫للمرتدين من يقاومهم ‪ ,‬من المؤمنين المجاهدين الذين وصفهم اهلل بما وص<‬
‫<أن‬‫<ات في ش<‬ ‫<ة من اآلي<‬ ‫<اءت مجموع<‬ ‫والمؤمنين معه ‪ ,‬الذين أنقذوا اإلسالم من فتنة الردة‪ .‬وكذلك ج<‬
‫<ل‬‫<ف الباط<‬ ‫المنافقين ‪ ,‬تبين أنهم حموا أنفسهم من القتل بسبب كفرهم عن ط يق األيمان الكاذبة ‪ ,‬والحل<‬
‫إلرضاء المؤمنين ‪ ,‬كما في قوله تعالى ‪ ( :‬اتخذوا أيمانهم جنة ) ‪ ( ,‬يحلفون لكم لترضوا عنهم ) اآلية‪،‬‬
‫( يحلفون باهلل ما قالوا ولفد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم ) اآلية ‪ ,‬فهم ينك<<رون أنهم كف<<روا ‪,‬‬
‫ويؤكدون ذلك بأيمانهم ‪ ,‬ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر ‪ ,‬فدل ذلك أن الكفر إذا ثبت عليهم بالبينة ‪,‬‬
‫فإن جنتهم تكون قد انخزمت ‪ ,‬وأيمانهم الفاجرة لم تغن عنهم شيئا)‪.‬‬

‫ردة السلطان‬
‫وأخطر أنواع الردة ‪ :‬ردة السلطان ‪ ,‬ردة الحكم ‪ ,‬الذي يفترض فيه أن يحرس عقيدة األم<<ة ‪ ,‬ويق<<اوم‬
‫الردة ‪ ,‬ويطارد المرتدين ‪ ,‬وال يبقى لهم من باقية في رحاب المجتمع المسلم ‪ ,‬فإذا هو نفسه يقود الردة ‪,‬‬
‫سرًا وجهرًا ‪ ,‬وينشر الفسوق سافرًا ومقنعًا ‪ ,‬ويحمى المرتدين ‪ ,‬ويفتح لهم النوافذ واألب<<واب ‪ ,‬ويمنحهم‬
‫< ‪ ,‬ويصبح األمر كما قال المثل ‪ :‬ال( حاميها حراميها ) ‪ ،‬أو كما قال الشاعر العربي ‪:‬‬‫األوسمة واأللقاب‬

‫وراعى الشاة يحمى الذنب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب ؟!!‬

‫<تخفا‬‫<دة ‪ ,‬مس<‬‫<تهينا بالعقي<‬


‫نرى هذا الصن ف من الحكام ‪ ,‬مواليا ألعداء اهلل ‪ ,‬معاديًا ألولياء اهلل ‪ .‬مس<‬
‫بالشريعة ‪ ,‬غير موقر لألوامر والنواهي اإللهية والنبوية ‪ ,‬مهينا لكل مقدسات األم<<ة ورموزه<<ا ‪ ,‬من‬
‫<ؤالء‬‫<الم ‪ ,‬وه<‬ ‫<ال اإلس<‬‫الصحابة األبرار ‪ ,‬واآلل األطهار ‪ ,‬والخلفاء األخيار ‪ ,‬واألئمة األعالم ‪ ,‬وأبط<‬
‫يعتبرون التمسك بفرائض اإلسالم جريمة وتطرفًا ‪ ,‬مثل الصالة في المساجد للرجال ‪ ,‬والحجاب للنساء ‪.‬‬
‫وال يكتفون بذلك ‪ ,‬بل يعملون وفق فلسفة ( تجفيف المنابع ) التي ج<<اهروا به<<ا ‪ ,‬في التعليم واإلعالم‬
‫<اردون‬ ‫<ه يط<‬ ‫<ل ي<‬‫والثقافة ‪ ,‬حتى ال تنشأ عقلية مسلة ‪ ,‬وال نفسية مسلمة ‪ .‬وال يقفون عند هذا الحد ‪ ,‬ب<‬
‫< األبواب في وجه كل دعوة أو حركة صادقة ‪ ,‬تريد أن ةتجدد الدين ‪ ,‬وتنهض‬ ‫الدعاة الحقيقيين ‪ ,‬ويغلقون‬
‫بالدنيا على أساسه‪ .‬والغريب أن بعض هذه الفئات ‪ -‬مع هذه الردة الظاهرة ‪ -‬تحرص على أن يبقى لها‬
‫< بنيانها من‬
‫عنوان اإلسالم ‪ ,‬لتستغله في هدم اإلسالم ‪ ,‬ولتعاملهم األمة على أنهم مسلمون ‪ ,‬وهم يقوضون‬
‫<ور‬ ‫الداخل ‪ .‬وبعضها تجتهد أن تتمسح بالدين ‪ ,‬بتشجيع التدين الزائف ‪ ,‬وتقريب الذين يحرقون لها البخ<‬
‫من رجاله ‪ ,‬ممن سماهم الناس ( علماء السلطة ‪ ,‬وعمالء الشرطة ) وهنا يتعقد الموقف ‪ ,‬فمن الذي يقيم‬
‫الحد على هؤالء بل من الذي يفتى بكفرهم أوال ‪ ,‬وهو كفر بواح كما سماه الحديث ‪ , ،‬ومن الذين يحكم‬
‫<لم ‪,‬‬
‫<ام ) المس<‬‫بردتهم وأجهزة اإلفتاء الرسمي والقضاء الرسمي في أيديهم ؟ ليس هناك إال ( الرأي الع<‬
‫<ر ‪ ,‬وال<<ذي ال يلبث ‪ .‬إذا‬ ‫والضمير اإلسالمي العام ‪ ,‬الذي يقود األحرار من العلماء والدعاة وأهل الفك<‬
‫سدت أمامه األبواب ‪ ,‬وقطعت دونه األسباب ‪ -‬أن يتحول إلى بركان ينفجر في وجوه الطغاة المرتدين ‪.‬‬
‫فليس من السهل أن يفرط المجتمع المسلم في هويته ‪ ,‬أو يتنازل عن عقيدته ورسالته ‪ ,‬التي هي م<<برر‬
‫وجوده ‪ ,‬وسر بقائه ‪.‬‬

‫<ات‬‫وقد جرب ذلك االستعمار الغربي الفرنسي في الجزائر ‪ ,‬واالستعمار الشرقي الروسي في الجمهوري<‬
‫اإلسالمية في آسيا ‪ ,‬ورغم قسوة التجربة وطولها هنا وهناك ‪ ,‬لم تستطع اجتثاث جذور الهوية اإلسالمية‬
‫<لم ‪.‬‬
‫<عب المس<‬ ‫<الم ‪ ,‬والش<‬ ‫<ان ‪ ,‬وبقى اإلس<‬‫<تعمار والطغي<‬
‫<المية ‪ ,‬وذهب االس<‬
‫<ية اإلس<‬
‫‪ ,‬والشخص<‬
‫غير أن الحرب التي شنت على اإلسالم ودعاته من بعض الحكام ( الوطنيين )‍ العلمانيين والمتغ<<ربين‬
‫في بعض األقطار ‪ -‬بعد استقاللها ‪ -‬كانت أحد عداوة ‪ ,‬وأشد ضراوة ‪ ,‬من حرب المستعمرين ‪.‬‬

‫الردة المغلفة‬
‫<و أذكى من أن يعلن‬ ‫<النين ‪ ,‬فه<‬
‫وال يفوتنا هنا أن ننبه على نوع من الردة ال يتبجح تبجح المرتدين المع<‬
‫<راه‬
‫< تسلل األسقام في األجسام ‪ ,‬ال ت<‬‫الكفر بواحًا صراحًا ‪ ,‬بل يغلفه بأغلفة شتى ‪ ,‬ويتسلل به إلى العقول‬
‫<ل‬‫<دوى ‪ ,‬ب<‬ ‫حين يغزو الجسم ‪ ,‬ولكن بعد أن يبدو مرضه ‪ ,‬ويظهر عرضه ‪ ,‬فهو ال يقتل بالرصاص ي<‬
‫<دين ‪,‬‬
‫<راء في ال<‬‫بالسم البطيء ‪ ,‬يضعه في العسل والحلوى ‪ .‬وهذا يدركه الراسخون في العلم ‪ ,‬والبص<‬
‫ولكنهم ال يملكون أن يصنعوا شيئا أمام مجرمين محترفين ‪ ,‬ال يمكنون من أنفسهم ‪ ,‬وال يدعون للقانون‬
‫فرصة ليمسك بخناقهم ‪ .‬فهؤالء هم (المنافقون) الذين هم في الدرك األسفل من النار ‪.‬‬
‫إنها ( الردة الفكرية) التي تطالعنا كل يوم آثارها ! في صحف تنشر وكتب ت<<وزع ‪ ,‬ومجالت تب<<اع ‪,‬‬
‫وأحاديث تذاع ‪ ,‬وبرامج تشاهد ‪ ,‬وتقاليد تروج ‪ ,‬وقوانين تحكم ‪ .‬وهذه ال<<ردة المغلف<<ة ‪ -‬في رأيي ‪-‬‬
‫<ردة‬ ‫<اوم ال<‬‫<ا تق<‬ ‫أخطر من الردة المكشوفة ‪ ,‬ألنها تعمل باستمرار ‪ ,‬وعلى نطاق واسع ‪ ,‬وال تقاوم كم<‬
‫< األنظار ‪ ,‬وتثبر الجماهير ‪ .‬إن النفاق أشد خط<<رًا من الكف<<ر‬ ‫الصريحة‪ ,‬التي تحدث الضجيج ‪ ,‬وتلفت‬
‫الصريح ‪ .‬ونفاق عبد اهلل بن أبى ومن تبعه من منافقي المدينه ‪ ,‬أخطر على اإلسالم من كفر أبى جه<<ل‬
‫ومن تبعه من مشركي مكة‪ .‬ولهذا ذم القرآن في أوائل سورة البقرة‪( :‬الذين كف<<روا ) أي المص<<رحين‬
‫بالكفر في آيتين اثنتين فقط ‪ ,‬وذكر المنافقين في ثالث عشرة آيه ‪ .‬إنها الردة التي تصاحبنا وتماس<<ينا ‪,‬‬
‫وراوحنا وتعادينا ‪ ,‬وال تجد من يقاومها‪ .‬إنها ‪ -‬كما قال شيخ اإلسالم الندوى ‪ -‬ردة وال أبا بكر لها‍ إن‬
‫<قط‬‫<قط أوراقهم ‪ ,‬وتس<‬ ‫<تى تس<‬‫<الفكر ح<‬‫الفريضة المؤكد هنا ‪ ,‬هي ‪ :‬محاربتهم بمثل أسلحتهم ‪ ,‬الفكر ب<‬
‫أقنعهم ‪ ,‬وزال شبهاتهم بحجج أهل الحق ‪ .‬صحيح أنهم ممكنون من أوسع المنابر اإلعالمية ‪ :‬الم<<روءة‬
‫والمسموعة والمرئية ‪ ,‬ولكن قوة الحق الذي معنا ‪ ,‬ورصيد اإليمان في قلوب شعوبنا وتأييد اهلل تعلى لنا‪،‬‬
‫كلها كفيلة أن تهدم باطلهم على رؤوسهم‪( :‬بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) ‪( ،‬فأم<<ا‬
‫<‬
‫الزبد فيذهب جفاء‪ ،‬وأما ما ينفع الناس فيمكث في األرض)…‬

‫وصدق اهلل العظيم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصل الثاني‬
‫الشعائر والعبادات‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪  ‬معنى قيام المجتمع على عقيدة اإلسالم‬ ‫الزكـــاة‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫الصــالة‬ ‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬

‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫والمقوم الثاني للمجتمع المسلم ‪ -‬بعد العقيدة ‪ -‬هو الشعائر التي فرض<<ها اهلل على‪ ‬المس<<لمين ‪ ,‬وكلفهم‬
‫القيام بها ‪ ,‬ليتقربوا بها إليه ‪ ,‬ويبتغوا بها رضوانه ‪ ,‬ويربحوا مثوبته ‪ ,‬ويعبروا بها عن حقيقة إيم<<انهم‬
‫به ‪ ,‬ويقينهم بلقائه وحسابه‪.‬‬

‫وأظهر هذه الشعائر هي الفرائض األربع التي عرفت بأنها ‪ -‬مع الشهادتين‪ -‬أركان اإلس<<الم ومباني<<ه‬
‫العظام ‪ ,‬والتي خصها الفقها ء باسم « العبادات »‬

‫<ه إال اهلل وأن‬


‫وفى التنويه بأمرها جاء الحديث المشهور ‪ ( :‬بنى اإلسالم على خمس ‪ :‬ش<<هادة أن ال إل<‬
‫محمد‪ -‬رسول اهلل ‪ ,‬وإقام الصالة ‪ ,‬وإيتاء الزكاة ‪ ,‬وصوم رمضان ‪ ,‬وحج البيت لمن استطاع إليه سبيال‬
‫) وأكدها حديث جبريل وغيره‪.‬‬

‫ولكنى أضيف إلى هذه األربع فريضتين أساسيتين أكد اإلسالم أمرهما ‪ ,‬وشدد الحدث عليهم<<ا ‪ ,‬ون<< ّوه‬
‫بمنزلتهم<<<<<ا عن<<<<<د اهلل ‪ ,‬فهم<<<<<ا ج<<<<<ديرتان أن تق<<<<<دا من دع<<<<<ائم‪ ‬‬
‫اإلس<<الم وش<<عائره الك<<برى ‪ .‬وهم<<ا ‪ :‬فريض<<ة األم<<ر ب<<المعروف والنهى عن المنك<<ر ‪ ,‬‬
‫وفريضة الجهاد في سبيل اهلل ‪.‬‬

‫وبذلك تكون الفرائض األساسية والشعائر الكبرى العملية ستًا ‪ ,‬وهى ‪:‬‬

‫إقامة الصالة ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫إيتاء الزكاة ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫صوم رمضان ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫حج البيت ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫األمر بالمعروف والنهى عن المنكر ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الجهاد في سبيل اهلل ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫وإنما سميت هذه الفرائض شعائر ‪ ,‬ألنها عالمات فارقة ‪ ,‬وظاهرة ‪ ,‬تتميز بهاحياة الفرد المسلم من غير‬
‫المس<<<لم ‪ ,‬كم<<<ا تتم<<<يز به<<<ا حي<<<اة المجتم<<<ع المس<<<لم من غ<<<ير المس<<<لم ‪ .‬‬
‫وإقامة هذه الشعائر وتعظيمها دليل على قوة العقيدة في القلوب ‪ ,‬واستقرارها في حنايا الصدور ‪ .‬ق<<ال‬
‫تعالى ‪ ( :‬ذلك ومن يعظم شعائر اهلل فإنها من تقوى القلوب) ‪ .‬وسأكتفي هنا بالحديث عن ثالث من هذه‬
‫العبادات أو الفرائض ‪ ,‬وهى ‪ :‬الصالة والزكاة ‪ ,‬واألمر بالمعروف والنهى عن المنكر ‪ .‬فليس الم<<راد‬
‫هنا هو االستقصاء ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الصــالة‬

‫أولى هذه الفرائض والشعائر هي الصالة ‪ ,‬فهي عمود اإلسالم ‪ ,‬وفريضته اليومية المتكررة ‪ ,‬وأول م<<ا‬
‫يحاسب المؤمن عليه يوم القيامة ‪ ,‬وهى الفيصل األول بين اإلسالم والكفر ‪ ,‬وبين المؤمنين والكف<<ار ‪.‬‬
‫<الة )‪،‬‬
‫<رك الص<‬ ‫وهذا ما أكده الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬في أحاديثه ‪ ( :‬بين الرجل وبين الكفر ت<‬
‫(العهد الذي بيننا وبينهم ‪ :‬الصالة ‪ ,‬فمن تركها فقد كفر ) ‪ .‬وكان هذا المعنى واضحًا تمام الوضوح لدى‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم ‪ ,‬قال عبد اهلل بن شقيق العقيلى ‪ ( :‬كان أصحاب رسول اهلل ‪ -‬ال يرون شيئا‬
‫<نين‬‫<ال المؤم<‬
‫<ة خص<‬ ‫<الة فاتح<‬
‫من األعمال تركه كفر غير الصالة ) ‪ .‬وال غرو أن جعل القرآن الص<‬
‫<عون ) ‪ ,‬وفى‬ ‫<التهم خاش<‬ ‫المفلحين وخاتمتها ‪ ,‬فهو في البدء يقول ( قد أفلح المؤمنون ‪،‬الذين هم في ص<‬
‫<لم‬
‫<رد المس<‬ ‫<اة الف<‬
‫الختام يقول‪ ( :‬والذين هم على صلواتهم يحافظون) داللة على مكانة الصالة في حي<‬
‫<ا‬
‫<ة ‪ ,‬وأم<‬‫<الة المنحرف<‬‫والمجتمع المسلم ‪ .‬كما جعل القرآن إضاعة الصالة من صفات المجتمعات الض<‬
‫التمرد عليها والسخرية بها ‪ ,‬فهو من سمات المجتمع الكافر ‪ .‬يقول سبحانه ‪( :‬فخلف من بعدهم خل<<ف‬
‫< في شأن الكفرة المكذبين › ‪ -‬وإذا‪ -‬قيل‬ ‫أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات ‪ ,‬فسوف يلقون غيًا) ‪ ,‬ويقول‬
‫لهم اركعوا ال يركعون‪ ,‬وفى آية أخرى ‪(:‬وإذا ناديتم إلى الصالة اتخذوها هزوا ولعبا‪ ,‬وذلك بأنهم قوم ال‬
‫يعقلون) ‪ .‬إن المجتمع المسلم مجتمع رباني الغاية والوجهة ‪ ,‬كما أنه رماني النشأة والمصدر ‪ .‬مجتم<<ع‬
‫< الحبال باهلل ‪ ,‬مرتبط بعروته الوثقى ‪ ,‬والصالة هي العبادة اليومية التي تجعل المسلم دائمًا على‬
‫موصول‬
‫موعد مع اهلل ‪ ,‬كلما غرق في لجج الحياة جاءت الصالة فانتشلته ‪ ,‬وكلما أنسته مشاغل الدنيا ربه جاءت‬
‫الصالة فذكرته ‪ ,‬وكلما غشيه دنس الذنوب ‪ ,‬أو غير قلبه تراب الغفلة ‪ ,‬جاءت الصالة فطهرت<<ه ‪ ,‬فهي‬
‫( الحمام) الروحي الذي تغتسل فيه األرواح ‪ ,‬وتتطهر فيه القلوب كل يوم خمسي م<<رات ‪ ,‬فال يبقى من‬
‫درنها شئ‪.‬‬

‫<بح‬ ‫<ليتم الص<‬


‫<إذا ص<‬‫<ترقون ‪ ,‬ف<‬‫روى ابن مسعود عن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ( : -‬تحترقون تح<‬
‫<ليتم‬
‫<إذا ص<‬‫<ترقون ‪ ,‬ف<‬
‫<ترقون تح<‬ ‫غسلتها ‪ ,‬ثم تحترقون تحترقون ‪ ,‬فإذا صليتم الظهر غسلتها ‪ ,‬ثم تح<‬
‫‪1‬لعصر غسلتها ‪ ,‬ثم تحترقون تحترقون ‪ ,‬فإذا صليتم المغرب غسلتها ‪ ,‬ثم تحترقون تح<<ترقون ‪ ,‬ف<<إذا‬
‫صليتم العشاء غسلتها ‪ ,‬ثم تنامون فال تكتب عليكم حتى تستيقظوا ‪.‬‬

‫وامتازت الصالة اإلسالمية بالجماعة ‪ ,‬كما امتازت باألذان ‪ .‬فالجماعة في الصالة إما فرض كفاية ‪ ,‬كما‬
‫يقول أكثر األئمة ‪ ,‬وإما فرض عين كما يقول اإلمام أحمد ‪ .‬وألهمية الجماعة هم النبي ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ , -‬أن يحرق على قوم بيوتهم بالنار ‪ ,‬ألنهم كانوا يتخلفون عن الجماعات ويصلون في بي<<وتهم ‪.‬‬
‫<وم‬‫<افق معل<‬‫<ريض أو من<‬ ‫<ا إال م<‬
‫<ف عنه<‬ ‫<ا يتخل<‬ ‫<ا وم<‬
‫<د رأيتن<‬
‫وقال ابن مسعود في الجماعة ‪ ( :‬لق<‬
‫<رب ‪ .‬‬ ‫<اء الح<‬
‫<و في أثن<‬‫<ا ول<‬‫<الم على إقامته<‬ ‫<رص اإلس<‬ ‫<ة ح<‬‫<الة الجماع<‬‫<ه ص<‬ ‫النفاق ) ‪.‬وألهمي<‬
‫فشرع ( صالة الخوف) وهى صالة خاصة بالحرب والمعارك ‪ ,‬تؤدى خلف إمام واحد على مرحلتين ‪:‬‬
‫<كرية ‪,‬‬‫<ا العس<‬‫تصلى في المرحلة األولى طائفة من المقاتلين ركعة وراء اإلمام ثم تنصرف إلى مواقعه<‬
‫وتكمل صالتها هناك ‪ ,‬ثم تأت الطائفة التي كانت في مواجهة العدو فتصلى بقية الصالة خلف اإلم<<ام ‪.‬‬
‫كل هذا مع لبس السالح وأخذ الحذر ‪ .‬ولم هذا كله ؟ لئال يفوت أحدا من المجاهدين فضل الجماعة التي‬
‫يحرص عليها اإلسالم ‪ ,‬فلم يبال بتقسيم الصالة وإباحة كثير من الحركات والمشي من أجل الحفاظ عليها‬
‫‪ .‬وقد جاءت هذه الصالة في القرآن الكريم ‪ ( :‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصالة فلتقم طائفة منهم معك‬
‫وما أخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فيكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا‬
‫حذرهم وأسلحتهم‪ ,‬ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة‪ ,‬وال جناح‬
‫<د‬
‫<ذركم‪ ,‬إن اهلل أع<‬‫<ذوا ح<‬ ‫<لحتكم‪ ,‬وخ<‬ ‫عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أس<‬
‫<تعار‬‫<ها ‪ ,‬فاس<‬
‫للكافرين عذابًا مهينًا) ‪.‬وهذا كما يدلنا على منزلة الجماعة ‪ ,‬يدلنا على منزلة الصالة نفس<‬
‫المعارك ‪ ,‬وتربص العدو ‪ ,‬واالشتغال بالجهاد في سبيل اهلل ‪ ,‬ال يسقطالصالة أو يشغل عنها ‪ ,‬وإنما يجب‬
‫أن تؤدى بالصورة المستطاعة ‪ ,‬ولو بال ركوع وال سجود ‪ ,‬وال استقبال قبله ‪ ,‬عند االلتحام ‪ ,‬ويكفى عند‬
‫<الة‬
‫الضرورة النية وما يمكن من التالوة واإلشارة والذكر ‪ ,‬قال تعالى ‪ ( :‬حافظوا على الصلوات والص<‬
‫الوسطى وقوموا هلل قانتين ‪ ،‬فإن خفتم فرجا ً‬
‫ال أو ركبانا ‪ ,‬فإذا أمنتم فاذكروا اهلل كما علمكم ما لم تكونوا‬
‫ال أو ركبانا ) ‪ :‬أي صلوا مشاة أو راكبين ‪ ,‬مستقبلين القبلة أو غير مستقبليها‬ ‫تعلون) ‪ ,‬ومعنى ‪ ( :‬فرجا ً‬
‫<ا ‪ .‬‬
‫<فحات ونحوه<‬ ‫<دبابات والمص<‬ ‫<ائرات وال<‬ ‫<بي الط<‬ ‫<ذا على راك<‬ ‫<ق ه<‬ ‫<تطعتم ‪ .‬وينطب<‬ ‫<ف اس<‬‫كي<‬
‫< كل يوم خمس مرات‬ ‫وامتازت الصالة اإلسالمية باألذان ‪ :‬ذلك النداء الرباني ‪ ,‬الذي ترتفع به األصوات‬
‫<ع‬
‫<بر ‪ -‬أرب<‬‫‪ ,‬معلمة بدخول وقت الصالة معلنة بالعقائد الرئيسية والمبادئ األساسية لإلسالم‪ ( : ‬اهلل أك<‬
‫مرات ‪ ,‬أشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ,‬أشهد أن محمدا رسول اهلل ‪ -‬مرتين ‪ ,‬حي على الصالة ‪ -‬مرتين ‪ ,‬على‬
‫الفالح ‪ -‬مرتين ‪ ,‬اهلل أكبر ‪ -‬مرتين ‪ ,‬ال إله إال اهلل ) ‪.‬‬

‫<ل‬ ‫<ون في ك<‬ ‫< ألمة اإلسالم ‪ ,‬تعلو به صيحات المؤذنين فيجاوبهم المؤمن<‬ ‫هذا األذان بمنزلة النشيد القومي‬
‫<وب ‪ .‬‬ ‫< والقل<‬
‫مكان ‪ ,‬فيرددون معهم ألفاظ األذان ذاتها ‪ ,‬تأكيدالمعانيها في األنفس ‪ ,‬وتثبيتا لها في العقول‬
‫<لم ‪ .‬‬‫والص<<الة ‪ -‬كم<<ا ش<<رعها اإلس<<الم ‪ -‬ليس<<ت مج<<رد ص<<لة روحي<<ة في حي<<اة المس<‬
‫إنها ‪ -‬بما سن لها من األذان واإلقامة ‪ ,‬وما شرع لها من التجمع واالنتظام وما أقيم لها من بيوت اهلل ‪،‬‬
‫وما اشترط لها من النظافة والطهارة ‪ ,‬وأخذ الزينة ‪ ,‬واستقبال القبلة ‪ ,‬وتحديد المواقيت ‪ ,‬وما رجب فيها‬
‫من حركات وتالوة وأقوال وأفعال ‪ ,‬تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم‪ -‬بهذا كله أصبحت أكثر من عب<<ادة‬
‫< ‪ . . .‬فاألب<<دان‬
‫مجردة ‪ ,‬إنها نظام حياة ‪ ,‬ومنهج تربية وتعليم متكامل ‪ .‬يشمل األبدان والعقول والقلوب‬
‫<الم‬‫< تتزكى وتتطهر ‪ .‬الصالة تطيق عملي لمبادئ اإلس<‬ ‫تنظف وتنشط ‪ ,‬والعقول تتعلم وتتثقف ‪ ,‬والقلوب‬
‫السياسية واالجتماعية المثلى ‪ ,‬فتحت المسجد تتجلى معاني اإلخاء ‪ ,‬والمساواة والحرية ‪ ,‬وتبرز مع<<اني‬
‫الجندي<<<<ة المؤمن<<<<ة ‪ ,‬والطاع<<<<ة المبص<<<<رة ‪ ,‬والنظ<<<<ام الجمي<<<<ل ‪ .‬‬
‫يقول اإلمام الشهيد حسن البنا مبينا أثر أثرها الروحي ‪ ( :‬وال يقف أثر الصالة عند هذا الحد الف<<ردي ‪,‬‬
‫<ة‬ ‫<ة األم<‬
‫<ل لتربي<‬‫< اإلسالم بأعمالها الظاهرة ‪ ,‬وحقيقتها الباطنة ‪ ,‬منهاج كام<‬ ‫بل إن الصالة كما وصفها‬
‫<ا‬‫<ة وأذكاره<‬ ‫الكاملة ‪ :‬فهي بأعمالها البدنية وأوقاتها المنتظمة خير ما يفيد البدن ‪ ,‬وهى بآثارها الروحي<‬
‫وتالوتها وأدميتها خير ما يهذب النفس ويرقق الوجدان ‪ ,‬وهى باشتراط القراءة فيها ‪ -‬والقرآن الك<<ريم‬
‫منهاج ثقافة مالية شامل ‪ -‬تغذى العقل وقد الفكر بكثير من حقائق العلوم والمعارف ‪ ,‬فيخرج المص<<لى‬
‫المتقن وقد صح بدنه ‪ ,‬ورق شعوره ‪ ,‬وغذى عقله ‪ ,‬فأي كمال في التربية اإلنسانية الفردية بعد هذا ؟ ثم‬
‫هي باشتراط الجمعة والجماعة تجمع األمة خمس مرات في كل يوم ‪ ,‬ومرة في كل أسبوع علي المعاني‬
‫االجتماعية الصالحة من الطاعة والنظام والحب واإلخاء والمساواة بين يدي اهلل العلي الكبير ‪ ,‬فأي كمال‬
‫في المجتمع أتم من أن يقوم على هذه الدعائم ‪ ,‬ويشيد على هذه المثل العالية ؟ إن الص<<الة اإلس<<المية‬
‫تربية للفرد كاملة ‪ ,‬وبناء لألمة مشيد ‪ ,‬ولقد خطر لي وأنا أستعرض المبادئ االجتماعية العص<<رية أن‬
‫الصالة اإلسالمية أخذت بغير ما فيها وطرحت نقائصها ومساويها ‪ :‬فأخذت من ( الش<<يوعية ) مع<<نى‬
‫المساواةوالتآخي‪ ,‬بجمع الناس في صعيد واحد ال يملكه إال اهلل وهو المسجد‪ .‬والتآخي بجمع الن<<اس في‬
‫صعيد واحد ال يملكه إال اله وهو المسجد ‪ .‬وأخذت من ( الديكتاتورية ) النظام والحزم بإلزام الجماع<<ة‬
‫اتباع اإلمام في كل حركة وسكون ومن شذ شذ في النار ‪ ,‬وأخذت من ( الديمقراطية) النصح والشورى‬
‫<ى‬ ‫<ك ‪ :‬من فوض<‬ ‫<وى ذل<‬ ‫ووجوب رد اإلمام إلى الصواب إذا أخطأ كائنًا من كان ‪ ,‬وطرحت كل ما س<‬
‫الشيوعية ‪ ،‬واستمداد الديكتاتورية‪ ,‬وإباحية الديمقراطية ‪ ,‬لكانت عصارة سائغة من الخير ال كدر فيه<<ا‬
‫وال الت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<واء ‪ .‬‬
‫<الة ‪  .‬‬
‫<أمر الص<‬‫<لف الص<الح ب<‬ ‫<نى المجتم<ع المس<لم في عص<ور الس<‬ ‫<ه ع<‬ ‫<ل ه<ذا كل<‬‫ومن أج<‬
‫حتى سموها ( الميزان ) بها توزن أقدار األشخاص ‪ ,‬وتقاس منازلهم ودرجاتهم ‪ ,‬فإذا أرادوا أن يعرفوا‬
‫دين رجل ومدى استقامته ‪ ,‬سألوا عن صالته ‪ ,‬ومقدار محافظته عليها وإحسانه لها ‪ . .‬وهذا مص<<داق‬
‫الحديث النبوي ‪ (:‬إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له باإليمان ) ‪ ,‬ثم تال ‪ ( :‬إنما يعمر مساجد اهلل‬
‫من آمن باهلل واليوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ولم يخشى إال اهلل ‪ ,‬فعسى أولئ<<ك أن يكون<<وا من‬
‫المهتدين) ‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ومن هنا كانت أول مؤسسة أنشأها الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ , -‬بعد أن ه<<اجر إلى المدين<<ة هي‬
‫‪ .‬‬ ‫المس<<جد النب<<وي ‪ ,‬ال<<ذي ك<<ان جامع<<ا للعب<<ادة ‪ ,‬ومدرس<<ة للعلم ‪ ,‬وبرلمان<<ًا للتف<<اهم‬
‫ً‬
‫<ال ‪,‬‬ ‫وأجمع األئمة على أن من تركها جحودًا لها واستخفافًا بها فقد كفر ‪ ,‬واختلفوا فيمن تركها عمدًا كس<‬
‫فمنهم من حكم عليه بالكفر واستحقاق القتل ‪ ,‬كأحمد وإسحاق ‪ .‬ومنهم من حكم عليه بالفسق واس<<تحقاق‬
‫القتل كمالك والشافعى ‪ ,‬ومنهم من حكم عليه بالفسق واستحقاق التعزير والتأديب بالضرب والحبس حتى‬
‫<ا ‪،‬‬ ‫<اء أداه<‬‫يتوب ويصلى كأبى حنيفة ‪ . .‬ولم يقل أحد منهم ‪ :‬إن الصالة متروكة لضمير المسلم إن ش<‬
‫<دخل‬ ‫وإن شاء تركها ‪ ,‬وحسابه على اهلل ‪ ,‬بل أجمعوا على أن من واجب الحاكم أو الدولة المسلمة أن تت<‬
‫بالزجر والتأديب لكل مصر على ترك الصالة ‪ .‬فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يدع المنتسبين لإلس<<الم‬
‫دون أن يركعوا له ركعة ‪ ,‬وال يتعرض لهم بعقاب وال تأديب ‪ ,‬بدعوى أن الناس أحرار فيما يفعل<<ون ‪.‬‬
‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسوى بين المصلين وغير المصلين ء بله أن يقدم تاركي الصالة ويضعهم‬
‫في موض<<<<<<<<<<<<<ع الق<<<<<<<<<<<<<ادة والم<<<<<<<<<<<<<وجهين ‪ .‬‬
‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تنشا دواوينه ومؤسساته وشركاته ومدارسه وليس فيها مساجد تقام فيه<<ا‬
‫الصالة ‪ ,‬ويرتفع اآلذان ‪ .‬وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يقوم نظام العمل فيه على أن ال وقت للصالة ‪,‬‬
‫ومن خالف ذلك من الموظفين والعاملين عوقب بما يناسب المقام ‪ ,‬ولفت نظره إلى هذا الخطأ الجسيم ‪  :‬‬
‫<دخل وقت‬ ‫<رات وي<‬ ‫<ات والمحاض<‬ ‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تقام فيه الندوات واألحفال واالجتماع<‬
‫الصالة وينتهي ‪ ,‬وال أذان يسمع وال صالة تقام ‪ .‬قبل ذلك كله ‪ :‬ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال يأخ<<ذ‬
‫<بع ‪,‬‬ ‫<ا لس<‬
‫<ؤمرون به<‬ ‫<ار ‪ ,‬في<‬‫<ة األظف<‬‫أبناءه وبناته بتعليم الصالة ‪ ,‬في المدارس والبيوت ‪ ,‬منذ نعوم<‬
‫ويض<<<<<<<<<<<<<<ربون عليه<<<<<<<<<<<<<<ا لعش<<<<<<<<<<<<<ر ‪ .‬‬
‫<ق‬ ‫<ا يلي<‬
‫<ة مكان<‬ ‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال تحتل الصالة من برامجه التعليمية والثقافية واإلعالمي<‬
‫بأهميتها في دين اهلل ‪ ،‬وفى حياة المسلمين ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الزكاة‬

‫والزكاة هي الشعيرة الثانية في اإلسالم ‪ ,‬والركن المالي االجتماعي من أركان ‪ .‬العظام ‪ ,‬وهى ش<<قيقة‬
‫الص<<<<<الة في الق<<<<<رآن والس<<<<<نة ‪ ,‬ق<<<<<رنت به<<<<<ا في كت<<<<<اب اهلل‬
‫ثمانية وعشرين مرة‪ ،‬تارة بصيغة األمر‪ ،‬مثل قوله تعالى( وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة) وتارة بص<<يغة‬
‫الخبر مثل قوله‪( :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عن<<د ربهم‬
‫وال خوف عليهم وال هم يحزنون)‪.‬‬

‫وطورًا تأتي الزكاة مقرونة بالصالة في صورة الشرط للدخول في دين اإلسالم أو في مجتمع المسلمين‪،‬‬
‫قال تعالى في سورة التوبة في شأن المشركين المحاربين‪ :‬‬

‫( فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ‪ ,‬إن اهلل غفور رحيم ) ‪ ,‬وقال بعد بضع آيات من‬
‫نفس السورة ‪ ( :‬فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فإخوانكم في ال<<دين ) ‪ .‬فلم يع<<ترف لمش<<رك‬
‫بالدخول ف اإلسالم ‪ ,‬وال باالنتساب إلى المجتمع المسلم ‪ ,‬واكتساب أخوة أبنائه إال بالتوبة من الكف<<ر ‪,‬‬
‫وإقام الصالة وإيتاء الزكاة ‪ .‬وهى عبادة قديمة ‪ -‬كالصالة ‪ -‬جاءت بها النبوات ‪ ,‬وحث عليها األنبياء ‪,‬‬
‫<راهيم‬‫وكانت في طليعة وصايا اهلل لهم ‪ ,‬وفى طليعة وصاياهم إلى أممهم ‪ .‬أثنى اهلل على أبى األنبياء إب<‬
‫<ام‬
‫<يرات وإق<‬ ‫<ل الخ<‬‫< فقال لهم ‪ ( :‬وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فع<‬‫وعلى إسحاق ويعقوب‬
‫الصالة وإيتاء الزكاة ‪ ,‬وكانوا لنا عابدين ) ‪ .‬‬

‫<يًا) ‪ .‬‬
‫<ه مرض<‬‫<د رب<‬‫<ان عن<‬‫<اة وك<‬ ‫<الة والزك<‬‫<ه بالص<‬
‫وأثنى على إسماعيل بقوله ‪ (:‬وكان يأمر أهل<‬
‫وجاء في خطابه لموسى ‪ ( :‬ورحمتي وسعت كل شئ ‪ ,‬فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم‬
‫بآياتنا يؤمنون ) ‪ .‬‬

‫<اكين‬
‫<امى والمس<‬‫وذكر في بيانه لبنى إسرائيل (و ال تعبدون إال اهلل وبالولدين إحسانا وذي القربى واليت<‬
‫<اني‬
‫<د‪( :‬وأوص<‬ ‫<ى في المه<‬ ‫<ان عيس<‬ ‫وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة )‪ .‬وقال على لس<‬
‫بالصالة والزكاة ما دمت حيًا) وقال في ألهل الكتاب‪ ( :‬وما أمروا إال ليعبدوا اهلل مخلصين ل<<ه ال<<دين‬
‫حنيفا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة ‪ ,‬وذلك دين القيمة ) ‪.‬‬

‫وفي مجمل هذه اآليات نرى الزكاة قرينة الصالة‪ ،‬فهما ‪-‬كلتاهما‪ -‬شعيرتان وفريض<<تان وعبادت<<ان‪ .‬‬
‫الصالة عبادة بدنية روحية ‪ ,‬والزكاة عبادة مالية اجتماعية ‪ ,‬ولكونها عبادة وقرب<<ة إلى اهلل اش<<ترطت‬
‫<ا من‬‫<ا يميزه<‬
‫<ذا بعض م<‬ ‫الشريعة فيها النية واإلخالص ‪ ,‬فال تقبل زكاة إال بنية التقرب إلى اهلل ‪ .‬وه<‬
‫<ل‬‫<تركت في األص<‬ ‫<الم ‪ -‬وان اش<‬ ‫الضريبة الوضعية ‪ .‬بيد أنا نؤكد هنا ‪ :‬أن الزكاة التي فرضها اإلس<‬
‫واالسم مع الزكاة في الديانات السابقة ‪ -‬هي في الواقع نظام جديد فريد ‪ ,‬لم يسبق إليه دين سماوي ‪ ,‬وال‬
‫<ادة‬
‫<ريبة وعب<‬
‫<ا ض<‬ ‫قانون أرضى ‪ .‬إنها ليست مجرد إحسان موكول إلى إيمان الفرد وضميره ‪ ,‬ولكنه<‬
‫يحرسها إيمان الفرد ‪ ,‬ورقابة الجماعة ‪ ,‬وسلطان الدولة ‪ .‬‬

‫فاألمل في اإلسالم أن تؤخذ الزكاة بواسطة اإلمام والسلطات الشرعية ‪ ,‬وبعبارة أجزى بواسطة الدول<<ة‬
‫المسلمة ‪ ,‬عن طريق الجهاز اإلداري الذي نص عليه القرآن في صراحة وسماه‪ ( :‬الع<<املين عليه<<ا )‬
‫وجعل لهم سهمًا من مصارف الزكاة ‪ ,‬داللة على استقالل ميزانيتها من األبواب األخرى في الميزانية ‪,‬‬
‫<ذكر ‪ ,‬ومن ثم‬ ‫حتى ال تذوب حصيلتها في مصارف الدولة المتنوعة ‪ ,‬وال يدرك المستحقون منها شيئًا ي<‬
‫قال القرآن ‪ ( :‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وجاء ‪ ,‬في الحديث من الزكاة‪ ( :‬أنها تؤخذ‬
‫<ًا‬
‫<ا متروك<‬ ‫من أغنيائهم فترد على فقرائهم )‪ ,‬فهي ‪ -‬إذن ‪ -‬فريضة تؤخذ أخذًا ‪ ,‬وليست تبرعًا اختياري<‬
‫لض<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<مائر األش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<خاص‪ .‬‬
‫<ديق ‪ ,‬جيش‬ ‫<ر الص<‬ ‫وال نعجب بعد ذلك إذا حدثنا التاريخ الصادق أن الخليفة األول لرسول اهلل ‪ ,‬أبا بك<‬
‫الجيوش ‪ ,‬وبعث الكتائب ‪ ,‬وأعلن الحرب على أقوام من العرب امتنعوا عن أداء الزكاة ‪ ,‬وق<<الوا‪ :‬نقيم‬
‫الصالة وال نؤتى الزكاة ‪ ,‬فأبى الصديق أن يهادنهم في شيء مما أوجب اهلل‪ ,‬وقال كلمته الشهيرة ‪ (:‬واهلل‬
‫ال ‪-‬‬‫ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة ‪ ,‬واهلل لو منعوني عناقًا‪ -‬أي عنزة صغرة ‪ ,‬وفى رواية ‪ :‬عقا ً‬
‫كانوا يؤدون لرسول اهلل لقاتلهم عليه) ‪ .‬ولم يفرق أبو بكر بين المرتدين الذين اتبعوا أدعياء ‪ ,‬النب<<وة ‪,‬‬
‫وبين الممتنعين من إيتاء‪ ,‬الزكاة وقاتل أولك وهؤالء ‪.‬‬

‫ولما كانت الزكاة ضريبة تتولى الدولة المسلمة جبايتها من أربابها ‪ ,‬وتوزيعها على مس<<تحقيها ‪ ,‬ح<<دد‬
‫اإلسالم مقاديرها ونصبها والنسب الواجبة فيها ‪ ,‬والمصارف التي توضع فيها ‪ ,‬ولم ي<<دعها لض<<مائر‬
‫المؤمنين وحدها في مقدارها ونسبتها ومواردها ومصارفها ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬

‫<تها‪ .‬‬
‫وحارس<‬ ‫<ابقة‬
‫وهذه هي الفريضة أو الشعيرة من فرائض اإلسالم وشعائره‪،‬وهي سياج الشعائر الس<‬
‫وربما استغرب بعض الناس أن تكون هذه ضمن الفرائض األساسية في اإلسالم ‪ ,‬فالمألوف والشائع هو‬
‫<باح ‪ .‬‬ ‫<ق الص<‬ ‫<ح من فل<‬‫<ك أوض<‬ ‫<د ذل<‬
‫<نة يج<‬ ‫<رآن والس<‬
‫األربع التي سلف ذكرها ‪ .‬ولكن المتتبع للق<‬
‫فالقرآن يجعل األمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو الخصيصة األولى التي تميزت بها ه<<ذه األم<<ة‬
‫<ون عن‬ ‫<المعروف وتنه<‬ ‫<أمرون ب<‬‫المسلمة ‪ ,‬وفاقت بها أمم األرض ‪ ( :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس ت<‬
‫المنك<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر وتؤمن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ون باهلل) ‪ .‬‬
‫<اس ‪ ,‬ألن‬ ‫<و األس<‬‫<ان ه<‬‫قدم األمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الذكر على اإليمان ‪ ,‬مع أن اإليم<‬
‫اإليمان باهلل قدر مشترك بين األمم الكتابية جميعا ‪ ,‬ولكن األمر والنهى فضيلة هذه األمة ‪ ,‬التي لم تخرج‬
‫للوجود من نفسها كالنبات الصحراوي ‪ ,‬بل أخرجها اهلل إخراجا ‪ ,‬ولم يخرجها لتعيش لنفسها ‪ ,‬فحسب ‪,‬‬
‫< وتثبته‪ ،‬وأن تزيل‬ ‫بل أخرجت للناس ‪ ,‬للبشرية كلها ‪ ,‬فهي أمة دعوة ورسالة ‪ ,‬همها أن تشيع المعروف‬
‫<دعون إلى‬ ‫<ة ي<‬‫المنكر وتمنعه‪ .‬وقبل اآلية المذكورة ببضع آيات جاء قوله تبارك وتعالى ولتكن منكم أم<‬
‫<ة الكريم<ة‪( :‬ولتكن منكم‬ ‫الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ،‬وأولئك هم المفلحون )‪ .‬واآلي<‬
‫أمة ) تحتمل معنيين‪ :‬األول أن تكون ( من) للتجريد كما تقول ‪ :‬ليكن لي منك الصديق ال<<وفي ‪ ,‬وليكن‬
‫منك المسلم المعاهد في سبيل اهلل ‪ ,‬ف ( من ) هنا ليست للتبعيض بل للتبريد ‪ ,‬أي كن الصديق ال<<وفي‬
‫وكن المسلم المجاهد ‪ ,‬وكذلك يكون معنى اآلية ‪ :‬كونوا أمة يدعون إلى الخير ‪ . . .‬إلخ ‪ .‬ولع<<ل مم<<ا‬
‫<ك هم‬ ‫<الى ‪ ( :‬وأولئ<‬
‫<ه تع<‬‫<د قول<‬
‫<ا يفي<‬
‫<يرهم ‪ ,‬كم<‬ ‫يؤيد هذا المعنى حصر الفالح في هؤالء‪ .‬دون غ<‬
‫المفلحون ) ‪.‬‬

‫< هذا التفسير ‪ :‬أن تكون األمة كلها داعية إلى الخير ‪ ,‬آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ‪ ,‬ك<<ل‬ ‫ومقتضى‬
‫بحسب مكانته وطاقته ‪ ,‬حتى تكون من أهل الفالح ‪ .‬والمعنى الث<<اني ‪ :‬أن تك<<ون ( من ) في ( منكم)‬
‫للتبعيض كما هو الشائع المتبادر ‪ ,‬ومقتضى هذا أن يكون في المجتمع المسلم طائفة ق<<ادرة‪ ,‬متمكن<<ة ‪,‬‬
‫معدة اإلعداد المالئم ‪ ,‬لتقوم بواجب الدعوة واألمر والنهى ‪ ,‬والمخاطب بهذا األمر اإللهي ‪-‬إيجاد الطائفة‬
‫المذكورة ‪ -‬هم جماعة المسلمين كافة وأولو األمر خاصة ‪ ,‬فعليهم تهيئة األسباب لوجودها ‪ ,‬وإعانته<<ا‬
‫ماديا وأدبيا لتقوم برسالتها ‪ ,‬فإذا لم توجد هذه األمة أو هذه الطائفة المنشودة ‪ ,‬عم اإلثم جميع المسلمين ‪,‬‬
‫< ي<<<<<<<<ترك ويهم<<<<<<<<ل ‪.‬‬ ‫كك<<<<<<<<ل ف<<<<<<<<رض كف<<<<<<<<ائي‬
‫< بالوعظ واإلرشاد ‪ ,‬في دولة تدير لهم ظهرها ‪ ,‬ومجتمع ينأى‬ ‫وال يكفى أن يوجد أفراد متناثرون يقومون‬
‫منهم بجانبه ‪ ,‬فالقرآن لم يرد ذلك ‪ ,‬إنا أراد وجود ( أمة )‪ ,‬فاألفراد المتناثرون ال يكونون ( أمة ) ‪ ,‬كما‬
‫يفترض أن تكون لهذه األمة حرية الدعوة إلى الخير ‪ ,‬وأعظم بواب الخير هو اإلسالم ‪ .‬وأن تكون قادرة‬
‫على أن تأمر وتنهى ‪ ,‬واألمر والنهى شئ أخص وأكبر من الوعظ والتذكير‪ ,‬فكل ذي لسان ق<<ادر على‬
‫أن يعظ ويذكر ‪ ,‬وليس قادرا دائمًا أن يأمر وينهى ‪ ,‬والذي طالبت به اآلية الكريمة إنا هو إيج<<اد أم<<ة‬
‫<افقين‬‫تدعو وتأمر وتنهى ‪ .‬وفى بيان السمات العامة لمجتمع المؤمنين ‪ ,‬والتي يتميز بها عن مجتمع المن<‬
‫يقول القرآن في سورة التوبة ‪ ( :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليا ء بعض ‪ ,‬ي<<أمرون ب<<المعروف‬
‫< الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله ‪ ,‬أولئك سيرحمهم اهلل ‪ ,‬إن اهلل‬ ‫وينهون عن المنكر ويقيمون‬
‫عزيز حكيم ) ‪ ,‬ومن الجميل في اآلية أنها قرنت المؤمنات بالمؤمنين ‪ ,‬وجعلت الجميع بعضهم أولي<<اء‬
‫بعض ‪ ,‬وحملتهم ‪ -‬رجاال ونساء‪ -‬تبعه األمر بالمعروف والنهى عن المنكر ‪ ,‬وه<<ذه ش<<عيرة األم<<ر‬
‫<راد‬ ‫<لم ‪ ,‬وألف<‬ ‫<ع المس<‬
‫بالمعروف والنهى عن المنكر على الصالة والزكاة ‪ ,‬ألنها السمة األولى للمجتم<‬
‫المجمع المسلم ‪ ,‬فاإلسالم ال يكفى منهم أن يصلحوا في أنفسهم حتى يعملوا على إصالح غ<<يرهم‪ ,‬وفى‬
‫هذا أيضا جاءت سورة العصر ‪ ( :‬والعصر‪ ،‬إن اإلنسان لفي خسر ‪ ،‬إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫<اتهم من‬ ‫<الح ‪ ,‬لنج<‬
‫وتواصوا بالحق وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ‪ ,‬فلم يكف اإليمان والعمل الص<‬
‫<تى‬ ‫الخسران والهالك حتى يضموا إلى ذلك التواصي بالحق والتواصي بالصبر ‪ ,‬وبعبارة أخ<<رى ‪ :‬ح<‬
‫يشتغلوا بإصالح غيرهم ‪ ,‬ويشيع في المجتمع معنى التناصح والدعوة إلى التمسك بالحق والصبر عليه ‪,‬‬
‫<‬
‫< المجتمع كاإليمان وعمل الصالحات ‪ .‬وفى سورة التوبة أيضا ‪ ,‬بيان ألوصاف‬ ‫ويصبح ذلك من مقومات‬
‫المؤمنين الذين اشترى اهلل منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ‪ ,‬وذلك قول<<ه ‪ ( :‬الت<<ائبون العاب<<دون‬
‫الحامدون السائحون الراكعون الساجدون اآلمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود اهلل‬
‫<ا في األرض ‪,‬‬ ‫‪ ,‬وبشر المؤمنين) ‪ .‬وفى سورة الحج ذكر القرآن أهم واجبات األمة المسلمة حين اهلل له<‬
‫ويكون لها دولة وسلطان ‪ ,‬فقال ‪ ( :‬ولينصرن اهلل من ينصره ‪ ,‬إن اهلل لقوى عزيز ‪ ،‬إن الذين إن مكناهم‬
‫في األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‪ ,‬وهلل عاقبة األمور) ‪ .‬فاألمر‬
‫بالمعروف والنهى عن المنكر ‪ -‬إلى جانب الصالة والزكاة ‪ -‬أهم ما تقوم به دولة اإلسالم بعد أن يمكن‬
‫<ان ‪.‬‬ ‫<ان الكريمت<‬
‫اهلل لها وينصرها على عدوها ‪ ,‬بل هي ال تستحق نصر اهلل ‪ ,‬إال بهذا ‪ ,‬كما بينت اآليت<‬
‫هذه هي فريضة األمر بالمعروف والنهى من المنكر في القرآن ‪ ,‬إنها تمم على وجوب التكاف<<ل األدبي‬
‫بين المسلمين ‪ ,‬كما أن الزكاة علم على وجوب التكافل المادي بينهم‪.‬‬

‫<ا‬
‫<ك فيم<‬
‫وجاء الحديث النبوي فصور هذا التكافل األدبي أبلغ ما يكون التصوير وأروعه وأصدقه ‪ .‬وذل<‬
‫رواه البخاري وغيره عن النعمان بن بشير ‪:‬‬

‫( مثل القائم على حدود اهلل والواقع فيها ‪ ,‬كمثل قوم استهموا على سفينة ‪,‬‬

‫فصار بعضهم أعالها ‪ ,‬وبعضهم أسفلها ‪ ,‬وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الم<<اء م<<روا على من‬
‫فوقهم ‪ ,‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ‪ ,‬ولم نؤذ من فوقنا ! فإن ترك<<وهم وم<<ا أرادوا هلك<<وا‬
‫جميعا ‪ ,‬وان أخذوا على أيديهم نجبوا ‪ ،‬ونجبوا جميعا ) إن أسوا ما يص<<يب المجتمع<<ات أن يغ<<رس‬
‫<ر وال‬
‫<يحة ‪ ,‬وال أم<‬‫الطغيان أو الخوف فيها األلسنة ‪ ,‬فال تعلن بكلمة حق ‪ ,‬وال تجهر ب<دعوة وال نص<‬
‫<ه‬
‫نهى ‪ .‬وبذلك تتهدم منابر اإلصالح وتختفي معاني القوة ‪ ,‬وتذوى شجرة الخير ‪ ,‬ويجترئ الشر ودعات<‬
‫على الطهور واالنتشار ‪ ,‬فتنعق سوق الفساد ‪ ,‬وتروج بضامة إبليس ‪ ,‬وجنوده ‪ ,‬من غير أن عبد مقاومة‬
‫وال مقاطعة ‪ .‬وحينئذ يستوجب المجتمع نقمة اهلل وعذابه ‪ ,‬فيصب البالء والنكبات على المقترفين للمنكر‬
‫والساكتين عليه ‪ ,‬قال تعالى ‪ ( :‬واتقوا فتنة ال تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ‪ ,‬واعلموا أن اهلل ش<<ديد‬
‫العقاب ) ‪.‬‬

‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم اهلل بع<<ذاب‬
‫من عن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ده )‪.‬‬
‫<نى‬‫<ودع منهم) إن اهلل لعن ب<‬‫<د ت<‬‫وفي حديث آخر‪ (:‬إذا رأيت أمتي تهاب فال تقول للظالم‪ :‬يا ظالم‪ ،‬فق<‬
‫<ار‬‫<رحمهم ‪ ,‬النتش<‬ ‫<لط عليهم من ال ي<‬‫إسرائيل على لسان أنبيائه ‪ ,‬وضرب قلوب بعضهم ببعض ‪ ,‬وس<‬
‫المنكرات بينهم دون أن تجد من يغيرها أو ينهى عنها ‪ .‬قال تعالى ‪ ( :‬لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل‬
‫عن لسان داود وعيسى ابن مريم ‪ ,‬ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون و كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه ‪,‬‬
‫لبئس ما كانوا يفعلون )‪ .‬وأسوا مما ذكرنا أن يموت الضمير االجتماعي لألمة أو يمرض على األق<<ل ‪,‬‬
‫<ه‬‫<رف ب<‬ ‫<ذي يع<‬ ‫<ديني واألخالقي ‪ ,‬ال<‬
‫بعد طول اإللف للمنكر والسكوت عليه ‪ -‬فيفقد المجتمع حسه ال<‬
‫المعروف من المنكر ‪ ,‬ويفقد العقل البصير الذي يميز الخبيث من ‪ ,‬والحالل من الحرام ‪ ,‬والرش<<د من‬
‫الغي ‪ ,‬وعند ذلك تختل موازين المجتمع وتضبط مقاييسه ‪ ,‬فيرى ألسنة بدعة ‪ ,‬والبدعة سنة ‪ ,‬أو يرى ما‬
‫نحسه ونلمسه في عصرنا عند كثيرين من أبناء المسلمين ‪ ,‬من اعتبار الت<<دين رجعي<<ه ‪ ,‬واالس<<تقامة‬
‫تزمتًا ‪ ,‬واالحشام جمودًا ‪ ,‬والفجور فنًا ‪ ,‬واإللحاد تحررًا ‪ ,‬وما ال نعلم ‪ ,‬وبعبارة موجزة واالنحالل تقدما‬
‫‪ ,‬واالنتفاع بتراث السلف مخلفا في التفكير ‪ ..‬إلى آخر ما نعلم وما ال نعلم‪ ،‬وبعبارة م<<وجزة‪ :‬يص<<بح‬
‫المعروف منكرا ‪ ,‬والمنكر معروفا ! وأسوا من هذا وذاك ‪ :‬أن يخفت صوت الحق ‪ ,‬وتتعالى ص<<يحات‬
‫الباطل ‪ ,‬تتجاوب بها األرجاء داعيه إلى الفساد ‪ ,‬آمره بالمنكر ‪ ,‬ناهيه عن المعروف ‪ ,‬صيحات ال<<ذين‬
‫وصفهم الحديث الشريف بأنهم ‪ ( :‬دعاة على أبواب جهنم ‪ ,‬من أجابهم إليها قذفوه فيها ) ‪ .‬هذا هو شأن‬
‫مجتمع المنافقين الذين جعلهم القرآن في الدرك األسفل من النار ‪ ,‬وهو المجتمع الذي حددت معالمه اآلية‬
‫<‬
‫الكريمة‪ ( :‬المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ‪ ,‬يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبض<<ون‬
‫أيديهم ‪ ,‬نسوا اهلل فنسيهم ‪ ,‬إن المنافقين هم الفاسقون ) ‪ .‬وهذه الخصال مناقضة تمام المناقضة لمجتم<<ع‬
‫< وينهون‬ ‫المؤمنين ‪ ,‬كما صورته آية ‪ ( :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ‪ ,‬يأمرون بالمعروف‬
‫عن المنكر) ‪ ,‬والذي يعنينا هنا أنه مجتمع منكوس على رأسه ‪ ,‬يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ‪ .‬فإذا‬
‫<وت‬ ‫<زاؤه الم<‬‫ارتفع فيه للحق صوت يدعو إلى اهلل ‪ ,‬ويأمر بالقسط ‪ ,‬وينهى عن الفساد والظلم ‪ ,‬كان ج<‬
‫<ذيب ‪ -‬في‬ ‫<ياط التع<‬
‫جهارا على حبل المشنقة في وضح النهار ‪ ,‬أو االغتيال خفيه ‪ -‬بالرصاص أو بس<‬
‫جنح الليل ‪ .‬كما صنع بنو إسرائيل بأنبيائهم حين قتلوهم بغير حق ‪ .‬فمنهم من ذبحوه بالس<<كين ‪ ,‬ومنهم‬
‫<اء‬‫<ه األنبي<‬
‫<و على مل<‬ ‫من نشروه بالمنشار ‪ ,‬ومنهم من تآمروا على قتله وصلبه ‪ ,‬فرفعه اهلل إليه ‪ .‬وه<‬
‫والدعاة إلى اهلل قوله سبحنه ‪ ( :‬إن الذين من يكفرون بآيات اهلل ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين‬
‫يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ‪ ،‬أولئك الذين حبطت أعماهم في الدنيا واآلخرة وم<<ا لهم‬
‫من ناصرين ) ‪ .‬إن هذه المراحل المتدرجة في االنحطاط والفساد ‪ ,‬يأخذ بعضها بحجز بعض ‪ ,‬ويج<<ر‬
‫<ر‬‫بعضها إلى بعض ‪ ,‬فالشبهات تجر إلى صغائر المحرمات ‪ ,‬والصغائر تجر إلى الكبائر ‪ ,‬والكبائر تج<‬
‫إلى الكفر ‪ ,‬والعياذ باهلل ‪ .‬ومن أروع األحاديث التي وضحت هذا التنزل في دركات الشر والمعص<<ية ‪,‬‬
‫<الوا ‪:‬‬
‫ما رواه أبو أمامة مرفوعًا ‪ ( :‬كيف أنتم إذا طغى نساؤكم ‪ ,‬وفسق شبانكم ‪ ,‬وتركتم جهادكم )؟! ق<‬
‫وان ذلك لكائن يا رسول اهلل ؟ قال ‪ ( :‬نعم ‪ ,‬والذي نفسي بيده ‪ ,‬وأشد منه سيكون ) ! قالوا ‪ :‬وما أش<<د‬
‫منه يا رسول اهلل ؟ قال ‪( :‬كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر ) ؟! ‪ .‬قالوا ‪ :‬وك<<ائن‬
‫ذلك يا رسول اهلل ؟‪ :‬قال ‪ ( :‬نعم ‪ ,‬والذي نفسي بيده ‪ ,‬وأشد منه سيكون ! ! قالوا ‪ :‬وما أشد من<<ه ي<<ا‬
‫<ا‬
‫رسول اهلل ؟! قال ‪ ( :‬كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا ‪ ,‬والمنكر معروفًا ) ؟! قالوا ‪ :‬وكائن ذلك ي<‬
‫رسول اهلل ؟! قال ‪ ( :‬نعم ‪ ,‬والذي نفسي بيده ‪ ,‬وأشد منه سيكون ) ! قالوا ‪ :‬وما أشد منه ي<<ا رس<<ول‬
‫<ول‬ ‫<ا رس<‬ ‫<ك ي<‬ ‫اهلل ؟! قال ‪( :‬كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ‪ ,‬ونهيتم عن المعروف ) ؟! قالوا ‪ :‬وكائن ذل<‬
‫اهلل ؟! قال ‪ ( :‬نعم ‪ ,‬والذي نفسي بيده ‪ ,‬وأشد منه سيكون ! يقول اهلل تعالى ‪ :‬بي حلفت ألتيحن لهم فتنة‬
‫يصير الحليم فيها حيران ) ‪.‬‬

‫<ا ‪,‬‬
‫<ر معروف<‬ ‫<را ‪ ,‬والمنك<‬‫ويبدو أن الكثير مما حذر منه هذا الحديث مد وقع ‪ ,‬متى غدا المعروف منك<‬
‫وأصبحت الدعوة إلى اإلسالم وشريعته وكأنها جريمة ‪ ,‬وأمسى الداعي إلى اإلسالم «« أصوليًا » مكانه‬
‫قفص االتهام ! ولكن الدعاة إلى اهلل ‪ ,‬اآلمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ‪ ,‬والحراس األيقاظ ل<<دين‬
‫اهلل ‪ ،‬لم يزل صوتهم قويًا بالحق‪ ,‬وان تعالت من حولهم أصوات الباطل‪ .‬المهم هو تأكيد هذه الفريض<<ة‬
‫العظيمة وإحياؤها ‪ ,‬وإحياء وظيفة ( المحتسب ) الذي جسا هذه الشعيرة في الحياة العملية ‪ ,‬وكانله شأن‬
‫خطير في مجتمع المسلمين ‪ .‬وإذا كان بعض الناس في عصرنا يتحدثون عن « الرأي العام » وأثره في‬
‫الرقابة على رعاية مبادئ األمة وأخالقها وآدابها ومصالحها ‪ ,‬وتقويم ما يعوج من شئون حياتها ‪ ,‬ف<<إن‬
‫<ة‬‫فريضة األمر والنهى كفيلة بأن تنشئ الرأي العام الواعي البصير ‪ ,‬المستند إلى أقوم المعايير األخالقي<‬
‫واألدبية وأعدلها وأخلدها وا ثبتها ‪ ,‬ألنها معايير مستمدة من الحق األزلي األبدي ‪ ,‬من اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصل الثالث‬
‫األفكار والمفاهيم‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬أفكار ومفاهيم المجتمع المسلم‬ ‫‪  ‬نوعان من المفاهيم هما خطر على المجتمع‬

‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫كما يتميز المجتمع المسلم بعقائده وشعائره‪ ،‬يتميز كذلك بأفكاره ومفاهيمه وتصوراته‪ ‬فالمجتمع المس<<لم‬
‫تسوده أفكار ومفاهيم تحدد وجهة نظره إلى األشياء و األحداث واألشخاص والمواقف ‪ ,‬والقيم والعالقات‬
‫‪ .‬فهو يحكم على هذه األمور كلها من زاوية اإلسالم ‪ ,‬وهو ال يستمد حكمه ‪ ,‬ويستقي وجهة نظ<<ره إال‬
‫من مصادر اإلسالم النقية ‪ ,‬المصفاة من الشوائب والزوائد ‪ ,‬التي تمثل رواسب العصور ‪ ,‬وتؤكد التحور‬
‫من غل<<و الغ<<الين ‪ ,‬وتقص<<ير المقص<<رين ‪ ,‬وانتح<<ال المبطلين ‪ ,‬وتأوي<<ل الج<<اهلين ‪.‬‬
‫لقد حرص اإلسالم منذ طلوع فجره على أن يصحح مفاهيم أبنائه ‪ ,‬حتى تستقيم نظ<<رتهم إلى األم<<ور‬
‫والواقف‪ ,‬ويتحد تصورهم العام لألشياء والقيم ‪ .‬فلم يدعهم لشطحات الفكر ‪ ,‬وال انحراف<<ات اله<<وى ‪,‬‬
‫<ذا‬
‫<ق ‪ .‬وله<‬ ‫فيزيغوا عن ا‪.‬لقصد ‪ ,‬ويضلوا عن سواء الصراط ‪ ,‬وتتفرق بهم سبل الباطل عن سبيل الح<‬
‫<ورات‬ ‫<ة‪ ,‬والتص<‬ ‫<ار الخاطئ<‬‫<ة واألفك<‬‫دأب القرآن ‪ ,‬كما د أبت السنة ‪ ,‬على تصحيح المفاهيم المغلوط<‬
‫المنحرفة ‪ ,‬التي تشيع في أذهان الناس ‪ .‬فهم بعض األعراب أن اإلذعان مجرد إعالن وتظاهر‪ ،‬ف<<نزل‬
‫< ‪ (:‬قالت األعراب آمنا‪ ،‬قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولم<<ا ي<<دخل‬ ‫القرآن يصحح هذا المفهوم يقول‬
‫اإليمان في قلوبكم) ‪..‬إلى أن قال‪ (:‬إنما المؤمنون الذين آمنوا باهلل ورس<<وله ثم لم يرت<<ابوا وجاه<<دوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل‪ ،‬أولئك هم الصادقون) وأشاع بعض أهل الكتاب من اليهود‪ :‬أن ال<<بر أو‬
‫التقوى هو االهتمام برسوم معينة‪ ،‬وشكليات خاصة‪ ،‬ولهذا أقاموا الدنيا وأٌقعدوها حين تحول الرسول من‬
‫بيت المقدس إلى الكعبة‪ ،‬وجعلها اهلل له قبله‪ ،‬فنزلل القرآن يبين حقيقة البر والتقوى والدين الحق فق<<ال‪:‬‬
‫( ليس البر أ‪ ،‬تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخ<<ر والمالئك<<ة‬
‫والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن الس<<بيل والس<<ائلين وفي‬
‫الرقاب وأقام الصالة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا‪ ،‬والصابرين في البأساء والضراء وحين‬
‫البأس‪ ،‬أولئك الذين صدقوا‪ ،‬وأولئك هم المتقون)‪.‬‬

‫<طهاد‬ ‫وحسب بعض الناس أن طريق اإليمان إلى الجنة مفروش باألزهار والرياحين ال فتنة فيه وال اض<‬
‫وال عذاب‪ ،‬فنزل القرآن يدرأ هذا الوهم‪ ،‬ويخطئ هذا الفهم إذ يقول‪ (:‬آلم‪ ،‬أحسب الناس أن ي<<تركوا أن‬
‫<اذبين)‪..‬‬
‫<دقوا وليعلمن الك<‬‫<ذين ص<‬ ‫يقولوا آمنا وهم ال يفتنون‪ ،‬ولقد فتنا الذين من قبلهم‪ ،‬فليعلمن اهلل ال<‬
‫< أم حسبتم أ‪ ،‬تدخلوا الجنة ولما يعلم اهلل الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)‪ ( ..‬أم حس<<بتم أ‪،‬‬ ‫ويقول‪(:‬‬
‫<ول‬‫تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم‪ ،‬مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرس<‬
‫والذين آمنوا معه متى نصر اهلل‪ ،‬أال إن نصر اهلل قريب)‪.‬‬

‫وتصور بعض الناس أن من قتل في سبيل اهلل قد مات‪ ،‬كما يموت اآلخرون من البشر فينفي القرآن هذا‬
‫< وال تقولوا لمن يقتل في سبيل اهلل أموات ب<<ل أحي<<اء ولكن ال‬
‫الحسبان ويضع مفهومًا جديدًا إذ يقول‪(:‬‬
‫تشعرون)‪ ( ،‬وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهلل أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون)‪ .‬ومن الن<<اس من‬
‫<ير‬‫<بين أن التغي<‬
‫<ك ‪ ,‬وي<‬‫يحسب أن التغيير المادي سبب التغيير في عالم النفس ‪,‬فيقرر القرآن عكس ذل<‬
‫الروحي والمعنوي هو األصل واألساس ‪ ( :‬إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ‪ .‬ويصحح‬
‫القرآن فكرة الناس عن الفوز والفالح والخسران ‪ ,‬فينقلها من دائرتها الضيقة في عقول جماهير الناس ‪:‬‬
‫<ل‬‫الدائرة المادية الدنيوية العاجلة إلى دائرة أرحب وأخلد وأبقى ‪ ,‬فيقول ‪ ( :‬فمن زحزح عن النار وأدخ<‬
‫<ل‬‫الجنة فقد فاز ‪ ,‬وما الحياة الدنيا إال متاع الغرور) ‪ ( ،‬قد أفلح من تزكى‪ ،‬وذكر اسم ربه فصلى)‪ ( ،‬ق<‬
‫إن الخاسرين الذين خسروا أ‪،‬فسهم وأهليهم يوم القيامة‪ ،‬أال ذلك هو الخسران المبين)‪ .‬ويظن فري<<ق من‬
‫البشر أن النساء شياطين خلقن لغواية الرجال ‪ ,‬وأن المرأة لعنة مجسمة وفتن<<ة تمش<<ى على األرض ‪,‬‬
‫فينفى القرآن هذا الظن ‪ ,‬ويقول ‪ ( :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم‬
‫مودة ورحمة ‪ ,‬إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون )‪.‬‬

‫ويعتقد فئة من الناس أن الظلمة والنور أثران إللهين مختلفين يصطرعان حتى تكون الغلبة في النهاي<<ة‬
‫ألحدهما ‪ ,‬فيبين القرآن أنهما أثران لخالق واحد واله واحد (خلق السموات واألرض وجع<<ل الظلم<<ات‬
‫والنور)‪( ،‬وجعلنا الليل لباسًا‪ ،‬وجعلنا النهار معاشًا) ‪ (،‬قل أرأيتم إن جعل اهلل عليكم الليل سرمدًا إلى يوم‬
‫القيامة من إله غير اهلل يأتيكم بضياء‪ ،‬أفال تسمعون)‪ .‬وهكذا ظل القرآن الكريم ‪ 23‬عامًا يبين الحق<<ائق‬
‫ويزيف األباطيل‪ ،‬ويصحح التصورات والمفاهيم‪ .‬وجاءت السنة النبوية فكانت البيان والتفسير النظ<<ري‬
‫والعملي للقرآن‪ ،‬وظل الرسول الكريم (صلى اهلل عليه وسلم) يصحح ويوضح‪ ،‬ويبني ويهدم حتى استقام‬
‫للمجتمع المسلم تصوره‪ ،‬واتضحت مفاهيمه وأصبح على بينة من ربه وبصيرة من أمره‪ ،‬كما خاطب اهلل‬
‫تعالى رسوله( صلى اهلل عليه وسلم) ‪ (:‬قل هذه سبيلي أدعو إلى اهلل ‪ ،‬على بصيرة أن<<ا ومن اتبع<<ني‪،‬‬
‫وسبحان اهلل وما أنا من المشركين)‪ .‬وصحح النبي (صلى اهلل عليه وسلم) مفاهيم كثيرة جدًا لعل أهمه<<ا‬
‫مفهوم اإليمان‪ ،‬فليس اإليمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل‪" :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب‬
‫<ات‬ ‫<ؤمن من ب<‬ ‫<ه"‪ " ،‬ليس بم<‬‫ألخيه ما يحب لنفسه"‪ " ،‬ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت ب<‬
‫شبعان وجاره جائع"‪ " ،‬اإليمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من اإليمان" إلى أحاديث كثيرة جمعها‬
‫<ول‬ ‫أحد األئمة ( البيهقى ) في مؤلف ضخم باسم " شعب اإليمان " ‪ ,‬ويضع اإلسالم مفهومًا جديدًا في قب<‬
‫األعمال ‪ ,‬في فيربطها بمقاصدها ونياتها الباعثة عليها ويجل موضع نظره هو القلب ال الجوارح ‪ ( :‬إنما‬
‫األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ‪ ( ,‬إن اهلل ال ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظ<<ر إلى‬
‫قلوبكم وأعمالكم )‪ ( ,‬أال إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ‪ ,‬وإذا فسدت فس<<د الجس<<د‬
‫كله ‪ ,‬أال وهى القلب ) ‪.‬‬

‫ويبين حقيقة الغنى فيقول ‪ ( :‬ليس الغنى عن كثرة العرض ‪ ,‬إنما الغنى غنى النفس ) ‪ .‬وحقيقة الق<<وة ‪,‬‬
‫<د‬‫<ه عن<‬‫فيردها إلى قوة النفس ال إلى قوة الجسم ‪ ( :‬ليس الشديد بالصرعة ‪ ,‬إنما الشديد الذي يملك نفس<‬
‫الغضب ) ‪ .‬وحقيقة المسكنة والمسكين ‪ ,‬وينفى الصورة الفاشية عند جمهور الناس عن المسكين فيقول ‪:‬‬
‫<د عن‬ ‫<ذي ال يج<‬ ‫( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ‪ ,‬وال اللقمة وال اللقمتان ‪ ,‬إنما المسكين ال<‬
‫بقية وال ينظر له فيتصدق عليه ‪ ,‬وال يقوم فيسأل الناس ) ‪ .‬وفى رواية ‪ ( :‬إنما المسكين المتعف<<ف ) ‪.‬‬
‫واقرءوا إن شئتم ‪ ( :‬ال يسألون الناس إلحافًا ) ‪ .‬ويبين الرسول ( صلى اهلل عليه وسلم) مقياس التفاضل‬
‫< والعمل الصالح ‪ .‬ورد المفاهيم الشائعة ‪ ,‬من‬ ‫بين الناس أفرادا´ وجماعات ‪ ,‬حصرة في اإليمان والتقوى‬
‫اعتبار الزينة ‪ ,‬والجاه أو المال والغنى ‪ ,‬أو الجنس والنسب ‪ ,‬أو الضخامة والفخامة ‪ ,‬أو ما شابه ذل<<ك‬
‫<ير‬‫من مقاييس مادية دنيوية ‪ ( ,‬فرب أشعث مدفوع باألبواب ‪ ,‬لو أقسم على اهلل ألبره ) ‪ ,‬ورب فقير خ<‬
‫من ملئ األرض من غنى مشهور ‪ ( ,‬وال فضل لعربي على أعجمي ‪ ,‬وال ألحمر على أسود إال بالتقوى‬
‫) ‪ ( ,‬ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) ‪ ( ,‬يأتي الرجل العظيم السمين عندي يوم القيامة فال ي<<زن‬
‫عند اهلل جناح بعوضة ) ‪ .‬ويبين الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) اختالل المق<<اييس في آخ<<ر الزم<<ان‬
‫< ‪ ( :‬يأتي على الناس زمان يقال للرجل فيه ‪ :‬ما أظرفه ‪ ,‬وما أعقله ‪ ,‬وما أجلده ‪ ,‬وم<<ا في قلب<<ه‬ ‫فيقول‬
‫مثقال حبة من إيمان ) ‪ .‬أفكار اإلسالم ومفاهيمه وتصوراته هي التي تعمل وحدها في المجتمع المسلم ‪,‬‬
‫وتسيطر على عقول بنيه ‪ ,‬وتوجه أدبه وفنه ‪ ,‬وثقافته وإعالمه ‪ ,‬وتربيته و تعليمه ‪ .‬فكرة اإلس<<الم عن‬
‫اإلنسان ‪ ,‬وعن الحياة والدنيا ‪ ,‬وعن المال والغنى والفقر ‪ ,‬وعن التدين والبر والتق<<وى ‪ ,‬وعن الع<<دل‬
‫واإلحسان ‪ ,‬وعن التقدم والتأخر ‪ ,‬وعن التحضر والتخلف ‪ ,‬وعن الزهد والقناعة ‪ ,‬وعن الصبر والرضا‬
‫‪.‬‬

‫فك<<<<<رة اإلس<<<<<الم عن الرج<<<<<ل والم<<<<<رأة والعالق<<<<<ة بينهم<<<<<ا ‪.‬‬


‫فك<<<<<رة اإلس<<<<<الم عن الغ<<<<<ني والفق<<<<<ير والعالق<<<<<ة بينهم<<<<<ا ‪ .‬‬
‫فك<<<<<رة اإلس<<<<<الم عن الح<<<<<اكم والمحك<<<<<وم والعالق<<<<<ة بينهم<<<<<ا ‪ .‬‬
‫فكرة اإلسالم عن الفرد والمجتمع والعالقة بينهما ‪.‬‬

‫هذه األفكار وما شابهها يجب أن تكون هي الموجهة للمجتمع المسلم ‪ ,‬المهيمنة عليه ‪ ,‬دون غيره<<ا من‬
‫األفكار والتصورات ‪ .‬وذلك ألن أفكار اإلسالم ومفاهيمه هي وح<<دها المس<<تقاة من المص<<در اإللهي‬
‫المعصوم فمصدرها ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) وسنة رس<<ول ال ينط<<ق عن‬
‫الهوى ( إن هو إال وحي يوحى ) ‪.‬‬

‫<ور ‪,‬‬ ‫< لألم<‬


‫ونتيجة لذلك كانت هذه األفكار وحدها هي التي تتسم بالشمول والعمق والتوازن في تقويمه<ا‬
‫ونظرتها إلى جميع العالقات ‪ .‬ففكرة اإلسالم عن الحياة هي الفكرة المتوازنة المعتدلة ‪ ,‬التي تجعل الدنيا‬
‫مزرعة لآلخرة ‪ ,‬وطريقا إلى دار الخلود ‪ ,‬والطريق يجب أال يشغل عن الغاية التي إليها تشد الرحال ‪,‬‬
‫ولكنه يجب أن يكون مريحا مزدانا باألشجار والظالل ‪ ,‬حتى يهون اجتيازه بمراحله على المس<<افرين ‪.‬‬
‫<ل‬‫<ه بالتبت<‬
‫فليست هي الفكرة المتشائمة القائلة ‪ :‬إن الحياة لعنة ‪ ,‬وان العالم شر ‪ ,‬و ينبغي التعجيل بفنائ<‬
‫< المذهب المانوي في فارس ‪ ,‬وكما مارس‬ ‫والرهبانية واالنقطاع عن الزواج ‪ ,‬وعن الطيبات ‪ ,‬كما يقول‬
‫<دة ‪,‬‬‫<ة الملح<‬
‫ذلك رجال الرهبانية ‪ ,‬في النصرانية ‪ ,‬والفقراء في الهندوسية ‪ .‬وليست هي الفكرة الدهري<‬
‫التي مضمونها ‪( :‬ما هي إال حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إال الدهر ) ‪ ,‬أرحام تدفع وأرض تبلع ‪,‬‬
‫وليس وراء ذلك بعث وال حساب وال جزا ء ‪ .‬وفكرة اإلسالم عن اإلنسان هي الفكرة المتوازنة المعتدلة‬
‫‪ ,‬التي تنظر إليه على أنه مخلوق مكرم ذو طبيعة مزدوجة ‪ ,‬فهو جسم وروح ‪ ,‬أو هو روح يس<<كن في‬
‫<ويته‬‫<إذا س<‬‫<رًا من طين ف<‬‫غالف من الجسم ‪ ,‬كما قال تعالى في خلق اإلنسان األول ‪ ( :‬إني خالق بش<‬
‫ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ويجب أن يعطى الجسم حقه‪ ،‬والروح حقه من شريعة اإلسالم‪.‬‬
‫<ه‬‫<ه ودم<‬ ‫<ائه‪ ،‬بلحم<‬
‫<ه وأعض<‬ ‫فليست هي الفكرة المادية القائلة‪ :‬إن اإلنسان ليس إال هذا الجسم بأجهزت<‬
‫وأعصابه وغرائزه ودوافعه‪ ،‬وليس وراء الجسم شيء آخر‪ ،‬فهي تنظر إلى اإلنسان كما تنظر إلي العالم‪،‬‬
‫<‬
‫<ول‪:‬‬‫فالعالم مادي وال إله له‪ ،‬واإلنسان مادي وال روح فيه‪ .‬وليست هي الفكرة الروحية المسرفة التي تق<‬
‫إن الجسم شر ورجس‪ ،‬وإن الروح وحدها هي محل الطهر والسمو‪ ،‬فال نجاة لإلنس<<ان‪ ،‬وال خالص إال‬
‫بتعذيب النفس وحرمانه ليتسنى للروح أن تصفو وتترقى وتتزكى‪ .‬فليس بمجتمع مسلم صحيح اإلس<<الم‬
‫إذن‪ :‬ذلك المجتمع الذي يشيع فيه مفهوم الحياة‪ ،‬كما هو عند الغربيين‪ ،‬وال كما هو عند البوذيين‪ .‬وليس‬
‫<رفين‪.‬‬ ‫<ادين المس<‬‫<ور الم<‬
‫<ائمين‪ ،‬وال تص<‬ ‫<يين المتش<‬‫<ور الروح<‬‫<ان تص<‬ ‫<ور اإلنس<‬ ‫<ذي يتص<‬ ‫هو ال<‬
‫<د‪..‬‬‫وليس بمجتمع مسلم صحيح ذلك الذي يفهم التقوى على أنها ترقع‪ ،‬ولحية تعفي ومسبحة تدار في الي<‬
‫وإن لم يكن وراءها علم نافع وال قلب خاشع وال عمل صالح‪ .‬وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يفهم التدين‬
‫< كان يتعامل بالربا في تجارته‪ ،‬أو يدع‬
‫على أ‪،‬ه مجرد أداء الشعائر من صالة وصيام وحج وعمرة‪..‬وإلن‬
‫المرء فيه زوجته مكشوفة الذراعين والساقين ‪ ،‬أو يدع أوالده في المدارس التبشير والتنصير‪ ،‬أ‪ ,‬يتركهم‬
‫<رًا‬
‫<اد ناش<‬‫<ان‪ ،‬والفس<‬‫فريسة للمربيات الكافرات أو الفاسقات‪ .‬أو يرى المنكر ضاربًا أطنابه في كل مك<‬
‫<ر‪،‬‬‫<المعروف والنهي عن المنك<‬ ‫ظالمه على كل وضع‪ .‬وهو يقول‪ :‬نفسي نفسي! مغف ً‬
‫ال فريضة األمر ب<‬
‫والجهاد لمقاومة الباطل‪ .‬وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يشيع فيه مفهوم العدل االجتماعي على أ‪،‬ه نهب‬
‫<هم‬‫<ل بعض<‬ ‫القناطر المقنطرة‪ ،‬ثم التصدق بدريهمات أ‪ ,‬دوانق على بعض الفقراء والمحتاجين ‪ ,‬مما جع<‬
‫يفهم خطأ عدالة اإلسالم فيطلق عليها اسم " اشتراكية الصدقات "‪.‬‬

‫وليس العدل أيضا هو نهب األموال المملوكة ‪ -‬ملكية مشروعة من أصحابها األغنياء ‪ -‬بزعم إعطائها‬
‫للفقراء ‪ ,‬وإن لم يصل إلى الفقراء منها نقير وال قطمير ‪ ,‬فهذا المفهوم ‪ -‬كذلك ‪ -‬للع<<دل االجتم<<اعي‬
‫مفهوم خاطئ دخيل على فكرة اإلسالم ‪.‬‬

‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ينظر إلى الفقير والغنى نظر الصوفى القائل ‪ (  :‬إذا رأيت الفقر مقب ً‬
‫ال فقل‬
‫<لم‬
‫<ع مس<‬ ‫ال فقل ‪ :‬ذنب عجلت عقوبته )! وليس بمجتم<‬ ‫‪ :‬مرحبًا بشعار الصالحين ‪ ,‬وإذا رأيت الغنى مقب ً‬
‫ذلك الذي ينظر إلى المرأة على أنها أحبولة الشيطانو وأخت إبليس ‪ ,‬وأنها هي ال<<تي أخ<<رجت آدم من‬
‫الجنة ‪ -‬كما تزعم التوراة ‪ ,‬وكما يعتقد اليهود والنصارى ‪ -‬وكما يظن لألسف كثير من المسلمين بحكم‬
‫الثقاف<<<<ة المس<<<<مومة ال<<<<تي تلقوه<<<<ا في الم<<<<دارس أو من أجه<<<<زة اإلعالم ‪.‬‬
‫<الفت‬‫وليس هو أيضا الذي يشيع فيه ذلك المفهوم الخاطئ عن مساواة الرجل بالمرأة مع أن فطرة اهلل خ<‬
‫بينهما ‪ ,‬وجعلت للرجل القوامة ‪ ,‬والمسؤولية ‪ ( :‬الرجال قوامون على النساء بما فضل اهلل بعضهم على‬
‫بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) ‪.‬‬

‫إن األفكار والمفاهيم التي تشيع في المجتمعات المنتسبة إلى اإلسالم اليوم ألوان وأنواع شتى ‪:‬‬

‫( ا )‪  ‬بعضها من بقايا القيم والتعاليم اإلسالمية الصحيحة ‪ ,‬التي ال يزال لها أثرها في كث<<ير من األنفس‬
‫< ‪ ,‬وخصوصًا بعد أن قام لإلسالم دعاة واعون في بالد شتى ‪ ,‬يشرحون رسالته شرحا يرد إليها‬ ‫والعقول‬
‫فطريتها وشمولها ‪ ,‬ويدرا الشبهات عنها ‪.‬‬

‫( ب )‪ ‬وبعضها من رواسب العصور األخيرة التي تخف فيها الفكر اإلسالمي في مختلف المج<<االت ‪,‬‬
‫ففقد األصالة واإلبداع ‪ ,‬وأغلق باب االجتهاد ‪ ,‬وأصيب المسلمون بسوء الفهم لإلسالم ‪ ,‬كما ابتلوا بسوء‬
‫التطبيق له كذلك ‪.‬‬

‫( ج ) زحفت على ديار اإلسالم ‪ ,‬مع االستعمار ‪ ,‬الذي كان وبعضها من الروافد األجنبية التي أكبر همه‬
‫<تي‬
‫<ة ال<‬
‫<امهم إلى الوجه<‬ ‫أن يغير أفكار المسلمين وتصورا تهم وأذواقهم ‪ ,‬ليسهل عليه بعد ذلك لي زم<‬
‫يريد ‪.‬‬

‫<انت من‬
‫<واء أك<‬
‫وواجب المجتمع المسلم أن يطارد كل المفاهيم التي ال تستمد من اإلسالم الصحيح ‪ ,‬س<‬
‫رواسب التخلف واالنحراف عن اإلسالم أم من األفكار الغازية الوافدة مع المستعمر الغربي ‪.‬‬

‫فمن النوع األول‪  ‬فكرة كثير من المسلمين في كثير من األقطار عن المرأة وعالقتها بالرجل ‪ ,‬ونظرتهم‬
‫إليها باعتبارها مخلوقا ناقصا أو خطرا ‪ ,‬يجب أن تظل حبيسة البيت حتى يؤويها القبر ‪ ,‬ال ترى رجال ‪,‬‬
‫وال يراها رجل ‪ ,‬وال تخرج لعبادة أو عمل صالح أو علم نافع ‪.‬‬

‫<ر أو‬‫<ق مباش<‬ ‫ومن النوع الثاني‪ ‬فكرة كثير من المسلمين ‪ ,‬العصريين الذين تثقفوا بثقافة الغرب ‪ ,‬بطري<‬
‫<دون‬ ‫<روعة ‪ ,‬ويع<‬ ‫<وق المش<‬ ‫<ا ‪ ,‬من الحق<‬
‫غير مباشر ‪ ,‬فاعتبروا خروج المرأة على فطرتها ووظيفته<‬
‫< بغير ذل<<ك‬ ‫اختالطها بالرجال األجانب ‪ -‬بغير قيد وال تحفظ ‪ -‬من الحرية المطلوبة ‪ .‬ويعتبرون القول‬
‫ضربا من الرجعية في التفكير ‪ ,‬والتطرف في السلوك ! واألفكار األجنبية الدخيلة اآلن هي ال<<تي تقلب‬
‫وتسود لدى جمهور المتعلمين من خريجي الجامعات وغيرها ‪ .‬ومن أخطر المفاهيم التي لقنه<<ا إي<<اهم‬
‫الغ<<<زو الثق<<<افي ه<<<و ‪ :‬مفه<<<وم (‪ ‬ال<<<دين‪ ) ‬كم<<<ا يتص<<<وره الغربي<<<ون ‪.‬‬
‫فمفهوم اإلسالم عن (‪ ‬الدين‪ )  ‬دائرته ومداه ‪ ,‬غير المفهوم السائد عند الغربيين حتى المتدينين منهم ‪ ,‬إنه‬
‫عندما مجرد عالقة بين ضمير اإلنسان وربه ‪ ,‬ال عالقة له بشؤون الدولة وأنظمة المجتمع ‪ ,‬ولهذا قامت‬
‫الحياة الحديثة هناك على أساس الفصل بين الدولة والدين ‪.‬‬

‫أما اإلسالم فهو في نظر المسلمين منهج شامل ينظم شؤون الحياة كلها ‪ :‬من قضاء الحاج<<ة إلى قي<<ام‬
‫الدولة ‪ ,‬ومن أدب األكل والشرب إلى نظام االقتصاد وسياسة الحكم ‪ ,‬ومن الصالة والصيام إلى شؤون‬
‫الحرب والسلم والعالقات الدولية ‪.‬‬

‫والشريعة اإلسالمية هي الحاكمة على جميع أفعال المكلفين ‪ ,‬ال يفرج قول وال عمل عن سلطانها ‪ ,‬وكل‬
‫عمل صادر عن مكلف ال بد أن تعطيه الشريعة حكمه من الوجوب ‪ ,‬أو االستحباب أو الحرمة ‪ ,‬الكرامة‬
‫أو اإلباحة ‪ ,‬ومهمة الشريعة هي إخراج المكلف من اتباع داعية هواه إلى التقيد بأحكام اهلل ‪.‬‬

‫<ا‬
‫<ب م<‬
‫ومصادر الشريعة فيها الوفاء كل الوفاء بتغطية جميع الوقائع واألحداث التي تمر بالبشر ‪ ,‬بحس<‬
‫احتوت من أصول وقواعد ونصوص ‪ ( ..‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبش<<رى‬
‫للمسلمين ) ‪.‬‬

‫وقد كان الواقع التطبيقي لإلسالم شاهدًا على معه هذه الفكرة ‪ ,‬فكان الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) هو‬
‫<وماتهم ‪ ,‬ولم‬
‫< في خص<‬ ‫المبلغ عن اهلل ‪ ,‬والقائم بأمر الدين ‪ ,‬وهو إمام السلمين ورئيس دولتهم ‪ ,‬والقاضي‬
‫يكن معه ملك أو حاكم يقوم بأمور السياسة ‪ ,‬كما كان يحدث ذلك في بنى إسرائيل الذين قالوا لن<<بيهم ‪:‬‬
‫( ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اهلل ) (وقال لهم نبيهم إن اهلل قد بعث طالوت ملكًا )‪.‬‬

‫وكان الخلفاء ‪ ,‬الراشدون ورسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) ‪ ,‬هم أئمة المسلمين في الصالة ورؤساؤهم‬
‫<اء ‪,‬‬
‫<رف العلم<‬ ‫<ذا ع<‬‫في اإلدارة والسياسة ‪ ,‬وكذلك كان من بعدهم من خلفاء بنى أمية والعباس ‪ .‬وله<‬
‫الخالف<<ة بأنه<<ا ‪ :‬نياب<<ة عام<<ة من رس<<ول اهلل في حراس<<ة ال<<دين وسياس<<ة ال<<دنيا ب<<ه ‪.‬‬
‫وهذا المفهوم اإلسالمي المسيح من ( الدين ) يجب أن يسود مشيع في المجتمع المسلم ‪ ,‬حتى يمكن بعدها‬
‫محاكمة كل مسلم إلى دينه الذي ألزمه وآمن به و رضيه اهلل له ‪,‬و رضيه عدما قياس كل االعتب<<ارات‬
‫والتصورات واألقوال واألعمال بمقياس الدين ‪ ,‬الذي ال يخطئ وال يضل وال ينسى‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫نوعان من المفاهيم خطر على المجتمع‬


‫<وعين من‬ ‫<رر من ن<‬ ‫<وم يجب أن يتح<‬ ‫نوعان من المفاهيم هما خطر على المجتمع والمجتمع المسلم الي<‬
‫<ر‬‫المفاهيم الدخيلة عليه‪ ،‬سيطر كل نوع منهما على عدد من الناس ‪ :‬بعضها سيطر على العامة ‪ ,‬واآلخ<‬
‫س<<<<<<<<<<<<يطر على العام<<<<<<<<<<<<ة ‪ ,‬أو النخب<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫<وء الفهم‬‫<ف وس<‬ ‫<ور التخل<‬
‫<ه في عص<‬ ‫النوع األول‪ :‬المفاهيم التي دخلت على اإلسالم وعلى مجتمعات<‬
‫لإلسالم ‪ .‬مثل المفاهيم إلى شاعت وسادت من التوكل بأنه التواكل ‪ ,‬ومن الزهد بأنه ترك الحياة لغ<<ير‬
‫المؤمنين ‪ ,‬وعن اإليمان بالقدر بأنه ضرب من الجبرية ‪ ,‬وعن الفقه بأنه نقل ما قاله األق<<دمون ‪ ,‬وعن‬
‫<يطان ‪ ,‬وعن‬ ‫<ة الش<‬
‫االجتهاد بأنه باب قد أغلق ‪ ,‬وعن العقل بأنه نقيض النقل ‪ ,‬وعن المرأة بأنها أحبول<‬
‫بركة القرآن أنها في تعليقه للحفظ من العين أو من الجان ‪ ,‬وعن بركة السنة أنها في قراءة البخاري عند‬
‫األزمات ‪ ,‬وعن األولياء والكرامات وما شاع حولها من اعتقادات وأفكار تناقض س<<نن اهلل في األنفس‬
‫واآلفاق‪ .‬إلى غير ذلك من المفاهيم التي سادت في زمن الركود العلمي ‪ ,‬والجمود الفك<<ري ‪ ,‬والتقلي<<د‬
‫< ‪ ,‬واالجترار الكالمي ‪ ,‬واالنحراف الصوفي ‪ ,‬واالستبداد السياسي ‪ ,‬واالنتكاس الحضاري ‪.‬‬ ‫الفقهي‬

‫والنوع الثاني‪  :‬المفاهيم التي زحفت على مجتمعاتنا ‪ ,‬مع زحف االستعمار‪ ،‬فدخلت من بابه‪ ،‬وسارت في‬
‫ركابه‪ ،‬واتخذت الغرب لها قبلة وإمامًا‪ ،‬ولم يكن لنا بها عهد وال خطرت لنا ببال‪ .‬إنها المفاهيم المتعلقة‬
‫بالدين والدنيا ‪ ,‬والرجل والمرأة ‪ ,‬وبالفضيلة والرذيلة ‪ ,‬بالتحرر والجمود ‪ ,‬وبالتقدم والرجعية ‪ ,‬وبالحالل‬
‫والح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رام ‪.‬‬
‫المفاهيم المتعلقة بالحدود الفاصلة بين حرية الفكر ‪ ,‬وحرية الكفر ‪ ,‬بين حرية الحقوق ‪ ,‬وحرية الفسوق ‪,‬‬
‫بين العلمية والعلمانية ‪ ,‬بين الدولة الدينية والدولة اإلسالمية ‪ .‬إنها المفاهيم الغزو الفكري ‪ ,‬التي تعت<<بر‬
‫<ر‬‫<ا ‪ ,‬واألم<‬‫اإليمان بالغيب تخلفنا ‪ ,‬والتمسك بالسلوك الديني تزمتًا ‪ ,‬والدعوة إلى تحكيم الشريعة تطرف<‬
‫ال في شؤون اآلخرين ‪ ,‬واختالط الرجل بالمرأة ‪ -‬بال قيود‪ -‬تحررًا ‪,‬‬ ‫بالمعروف والنهى عن المنكر تدخ ً‬
‫< بالتراث تعصبا ‪ ,‬واعتبار علما ء ال<<دين‬ ‫وعودة المرأة المسلمة إلى الحجاب الشرعي رجعية ‪ ,‬واالنتفاع‬
‫حرس التخلف ‪ ,‬ودعاة ( التغريب ) أعالم (التنوير) ‪.‬‬

‫والواجب على الدعاة والعلماء والمفكرين اإلسالميين أن يقدموا األفكار والمفاهيم الش<<رعية اإلس<<المية‬
‫<ا‬
‫الصحيحة األصيلة لتحل محل األفكار والمفاهيم الغربية الدخيلة ‪ ,‬سواء دخلت قديمًا أم حديثًا ‪ .‬فكلتاهم<‬
‫ال تمثل اإلسالم الصحيح ‪ :‬األفكار القديمة المتعفنة ‪ ,‬واألفكار المستوردة الغازية المدمرة ‪ ,‬أو ‪ -‬بتعبير‬
‫األستاذ هالك بن نبي ‪ : -‬األفكار الميتة ‪ ,‬واألفكار المميتة ‪.‬‬

‫<ار‬ ‫<اهيم التي<‬


‫ومن ناحية أخرى إذا نظرنا إلى القضية في ضوء الوسطية والتطرف ‪ ,‬فعلينا أن نتبنى مف<‬
‫الوسطى ‪ ,‬الذي تحدثنا عنه في كتب أخرى ‪ ,‬ونرفض التطرف ‪ ,‬سواء أكان إلى الغلو واإلفراط ‪ ,‬الذي‬
‫تمثله بعض الفضائل اإلسالمية أم إلى التقصير والتفريط الذي تمثله الشرائح العلماني<<ة والمغترب<<ة في‬
‫<د ج <دًا ‪,‬‬‫<ها بعي<‬
‫<دا ‪ ,‬وبعض<‬ ‫أوطاننا ‪ ,‬وهى متفاوتة في تأثرها بالعلمانية والتغريب ‪ ,‬بعضها قريب ج<‬
‫وبعض<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ها بين بين ‪.‬‬
‫لقد ذكرت ثمانية عشر مفهومًا أساسيا عن اإلسالم في كتابي ( اإلسالم والعلمانية ) أردت به<<ا تحدي<<د‬
‫<ول ‪ ,‬أو‬ ‫<امض ‪ ,‬أو مجه<‬ ‫<الم غ<‬ ‫مالمح اإلسالم الذي ندعو إليه ‪ ,‬حتى ال يزعم زاعم إننا ندعو إلى إس<‬
‫( هالمي ) قابل ‪ ,‬ألن يفسر( من شاء) كما شاء! وقدمت مجموعة إسالمية مستنيرة رؤية إسالمية معتدلة‬
‫صاغها األستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد ‪ ,‬وأنا موافق عليها في جملتها ‪ ,‬وان كنت قد أخ<<الف في‬
‫<‪.‬‬‫بعض التفصيالت‬

‫وهذا الكتاب ذاته يقدم مالمح عن المجتمع المسلم الذي ننشده في ضره مفاهيم المدرسة الوسطية ال<<تي‬
‫تراخى بين العقل والنقل ‪ ,‬وتربط بين الدين والدنيا ‪ ,‬وتوفق بين محكمات الشرع ومقتضيات العص<<ر ‪,‬‬
‫وتوازن بين الثوابت والمتغيرات وتجمع بين السلفية والتجديد ‪ ,‬وتستلهم الحاضر ‪ ,‬وتستشرف المستقبل ‪,‬‬
‫وتزمن باالنفتاح في غير ذوبان ‪ ,‬والتسامح في غير تهاون ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصل الرابع‬
‫المشاعر والعواطف‬

‫الفهرس‬
‫‪  ‬مشاعر المجتمع المسلم‬ ‫مهمة المجتمع مع المشاعر اإلسالمية‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫مشاعر المجتمع المسلم‬
‫<ف‪.‬‬ ‫كما تميز المجتمع المسلم بما يسوده من أفكار ومفاهيم‪ ،‬يتميز أيضًا بما يسوده من مش<اعر وعواط<‬
‫فهناك مجتمعات تسودها مشاعر الحقد الطبقي‪ ،‬ومجتمعات تسودها مشاعر التميز العنصري‪ ،‬ومجتمعات‬
‫تسودها مشاعر العصبية القومية‪ .‬ونجد المجتمعات تتفاوت كذلك في مشاعر الوالء والعداء‪ ،‬وعواط<<ف‬
‫الحب والبغض وأحاسيس الغضب والرضا‪ .‬والمجتمع المسلم قد جعل والءه لإلسالم وأهله وأنص<<اره‪،‬‬
‫كما جعل عداءه ألعداء اإلسالم ومحاربيه‪ ،‬وهذا مبنى على فكرة الوالء هلل ورسوله‪ ،‬ومن اتخذ اهلل وليًا‬
‫فقد اتخذ عدوه عدوًا‪ .‬والمجتمع اإلسالمي يتميز بما يسوده من عاطفة اإلخاء الوثيق والحب العميق بين‬
‫أبنائه‪ ،‬أعني أبناء اإلسالم جميعًا‪ ،‬مهما تناءت بهم الديار‪ ،‬وتفرقت بهم األوطان‪ ،‬واختلفت منهم األجناس‬
‫واأللوان وتفاوتت بينهم المراكز والطبقات‪.‬‬

‫<روا‬‫إن اهلل سبحانه قد امتن على المسلمين بنعمة اإلخاء كما امتن عليهم بنعمة اإليمان‪ ،‬قال تعالى (واذك<‬
‫نعمت اهلل عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا)‪ ،‬وقال يخاطب رس<<وله‪( :‬ه<<و‬
‫< ما في األرض جميعًا م<<ا ألفت بين قل<<وبهم‬ ‫الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين‪ ،‬وألف بين قلوبهم لو أنفقت‬
‫ولكن اهلل ألف بينهم‪ ،‬إنه عزيز حكيم)‪ .‬أنه ال مجال في المجتمع اإلسالمي الحق لمشاعر الحقد والصراع‬
‫بين الطبقات‪ ،‬وال مشاعر الكبر والتمييز بين األجناس واأللوان‪ .‬وال مشاعر العص<<بية لرقع<<ة من دار‬
‫اإلسالم ‪-‬الوطن اإلسالمي‪ -‬دون رقعة‪ .‬وال لقوم من أهل اإلسالم‪ ،‬وقم المسلم هم أهل اإلسالم‪ .‬لقد كان‬
‫مسجد النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم) في المدينة يضم تحت سقفه أجناسًا وألوانًا وطبقات‪ .‬لم يحسوا بغير‬
‫شعور األخوة الجامعة‪ ،‬ولم يشعروا بأي تفرقة أو تمايز بينهم‪ ،‬منهم الفارسي كسلمان والرومي كصهيب‬
‫<ار‪ ،‬وفيهم‬‫<أبي ذر وعم<‬ ‫والحبشي كبالل‪ ،‬والغني كعثمان ابن عفان‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬والفقير ك<‬
‫< والرقيق‬‫< واألبيض واألسود‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬والضعيف والقوي‪،‬‬ ‫البدوي والحضري‪ ،‬والمتعلم واألمي‪،‬‬
‫والحر‪ :‬كلهم أخوة في ظل اإلسالم‪ ،‬وتحت راية القرآن‪.‬‬

‫واإلخاء اإلسالمي ليس أمرًا على هامش اإلسالم‪ ،‬ولكنه أحد مبادئه األساسية‪ ،‬التي تقرن إلى الشهادة هلل‬
‫نعهالى‪ ،‬بالوحدانية‪ ،‬ولمحمد (صلى اهلل عليه وسلم) بالرسالة‪ ،‬ألنه أثر اإليمان ومقتضاه‪( :‬إنما المؤمنون‬
‫إخ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وة)‪.‬‬
‫روى أحمد وأبو داوود أن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) كان يدعو دبر كل صالة بهذا ال<<دعاء الرائ<<ع‬
‫الفريد‪ L‬ة اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أنك اهلل وحدك وال شريك لك) ( اللهم ربن<<ا ورب‬
‫<هيد أن‬ ‫<ا ش<‬‫كل شيء ومليكه أنا شهيد أن محمدًا عبدك ورسولك) (اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أن<‬
‫العباد كلهم أخوة) فهذا هو محمد رسول اهلل يشسهد ويشهد اهلل رب كل شيء‪ :‬أن العباد كل العباد إخوته‪،‬‬
‫وهذا هو إخاء اإلسالم‪ ،‬إخاء بين الناس وبين المسلمين خاصة‪ .‬ويجعل النبي (صلى اهلل علي<<ه وس<<لم)‬
‫اإلخاء والحب شرطًا لإليمان÷ الذي هو شرط لدخول الجنة فيقول ) والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجن<<ة‬
‫حتى تؤمنوا‪ ،‬ولن تؤمنوا حتى تحابوا)‪( ،‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه) وبين عالق<<ة‬
‫< ( المسلم أخو المسلم‪ ،‬ال يظلمه وال يسلمه وال يحقره وال يخذله‪ ،‬بحسب ام<<رئ‬ ‫المسلم بالمسلم ‪ ،‬فيقول‬
‫من الش<<<<<<<<<ر أن يحق<<<<<<<<<ر أخ<<<<<<<<<اه المس<<<<<<<<<لم)‪.‬‬
‫الرابطة الفذة التي يعرف بها اإلسالم هي رابطة اإلخاء بين أبنائه‪ ،‬دون أية رابطة أخرى‪ ،‬فقد ح<<ارب‬
‫اإلسالم العصبية بكل أنواعها ومظاهرها‪ ،‬العصبية للقبيلة أو للجنس أو للون أو لل<<وطن أو للطبق<<ة أو‬
‫<موات‬ ‫<ه الس<‬‫<امت ب<‬ ‫<وحي‪ ،‬وق<‬ ‫للحزب‪ ..‬أو لغير ذلك مما يتعصب الناس له إال للحق الذي نزل به ال<‬
‫واألرض‪.‬‬
‫يقول رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ( :‬ليس منا من دعا إلى عص<<بية‪ ،‬وليس من<<ا من قات<<ل على‬
‫عصبية‪ ،‬وليس منا من مات على عصبية)‪ .‬ولقد صور النبي (صلى اهلل عليه وسلم) المجتمع المسلم وما‬
‫يسوده من مشاعر التواد والتعاطف والتراحم فقال في حديثه المشهور‪( :‬ت<<رى المؤم<<نين في ت<<وادهم‬
‫<الحمى‬‫<اء ب<‬‫<ائر األعض<‬ ‫<ه س<‬ ‫وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تدعى ل<‬
‫<أحزانهم‪ ،‬وال‬
‫<رين وال يحس ب<‬ ‫والسهر)‪ .‬فالمجتمع الذي يعيش فيه كل فرد لنفسه‪ ،‬وال يأسى آلالم اآلخ<‬
‫<ه‬‫<و في<‬
‫يفرح لفرحهم‪ ،‬وليس هو بالمجتمع المسلم‪ .‬المجتمع الذي يطغى فيه القوي على الضعيف‪ ،‬ويقس<‬
‫الغني على الفقير‪ ،‬ويشح فيه الواجد على المحروم‪ ،‬ليس هو بالمجتمع المسلم‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫مهمة المجتمع مع المشاعر اإلسالمية‬


‫إن دور المجتمع المسلم مع المشاعر اإلسالمية يتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫< وإشاعتها بكل الوسائل اإلعالمية والتربوية‪ :‬المسجد‪ ،‬المدرسة ‪،‬‬‫تثبيت هذه المشاعر وتقويمها‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫الكتاب‪ ،‬الصحيفة‪ ،‬اإلذاعة‪ ،‬التلفاز‪ ،‬الخيالة‪ ،‬وكل وسيلة تعين على تحقيق هذه الغاية‪.‬‬

‫لقد رأينا النبي ( صلى اهلل عليه وسلم) لكي يثبت مشاعر اإلخاء بين المسلمين يقول دبر ك<<ل ص<<الة‪:‬‬
‫<ير‪.‬‬‫<نى الكب<‬‫<ذا المع<‬ ‫<ًا له<‬
‫<وه) تثبيت<‬
‫<ه أخ<‬‫<اد كل<‬
‫(اللهم ربنا ورب كل شيء وملكيه‪ ،‬أنا شهيد أن العب<‬
‫ومن حسن حظ المسلمين أن األفكار والمشاعر التي جاء بها دينهم لم يدعها مجرد أشياء مثالية مجنحة‪،‬‬
‫بل ربطها بشعائرها وآدابه اليومية‪ ،‬فإذا نظرنا إلى الصالة اإلسالمية وجدنا فيها تثبيتًا مستمرًا لما يدعوا‬
‫إليه اإلسالم من التعارف واإلخاء والمحبة والمساواة‪ .‬كذلك الصيام والحج‪ ،‬وكذلك أدب التحية وتشميت‬
‫العاطس وعيادة المريض‪ ،‬وغيرها من اآلداب االجتماعية التي حث عليها اإلسالم‪.‬‬

‫تجسيد هذه المشاعر اإلسالمية في واقع ملموس وأوضاع عملية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫فمشاعر التراحم والمودة بين ذوي القربى يجب أن تتجسد في تواصل وتزاور وتكافل‪ .‬يتمثل في نظ<<ام‬
‫< في اإلسالم‪ ،‬حيث يجب على القريب الموسر أن ينفق على قريبه المحتاج كما قال تعالى ( وآت‬ ‫"النفقات"‬
‫<ال‬‫<يراث( للرج<‬ ‫<ام الم<‬
‫ذا القربى حقه)‪( ،‬وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اهلل)‪ ،‬ومثله نظ<‬
‫نصيب مما ترك الوالدان واألقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان و األقربون مما قل منه أو ك<<ثر‪،‬‬
‫< ومشاعر اإلخاء والمحبة بين المسلمين يجب تتجسد في صورة تكافل معاشي وتضامن‬ ‫نصيبًا مفروضا)‪.‬‬
‫عسكري‪ ،‬واتحاد سياسي‪ ،‬وتعاون اقتصادي‪ ،‬بمعنى أن يتجسد هذا اإلخاء في مثل "الزك<<اة" تؤخ<<ذ من‬
‫أغنيائهم‪ ،‬لترد على فقرائهم‪ ،‬وفي مثل الجهاد الذي يوجب على المسلمين ‪-‬بالتضامن‪ -‬أن ي<<دفعوا عن‬
‫<دة‬
‫<لمين وح<‬ ‫<رض على المس<‬ ‫كل أرض إلسالمية دنستها أقدام العدو الكافر‪ .‬وفي مثل "الخالفة" التي نف<‬
‫<دة العقي<<دة ووح<<دة الفك<<ر‪ ،‬ووح<<دة الس<<لوك ‪ ،‬ووح<<دة ال<<وطن‪.‬‬ ‫القي<<ادة‪ ،‬المنبثق<<ة عن وح<‬
‫<اجرين‬ ‫<ؤاخي بين المه<‬ ‫لهذا رأينا النبي (صلى اهلل عليه وسلم) أول من قدومه إلى المدينة بعد الهجرة ي<‬
‫واألنصار مؤاخاة عاطفية عملية‪ ،‬جعلتهم يتقاسمون السراء والضراء‪ ،‬حتى روى أنهم كانوا يتوارث<<ون‬
‫به<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ذا اإلخ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء‪ .‬‬
‫ولما انتهى هذا اإلخاء الخاص بقي اإلخاء العام يسود المجتمع اإلسالمي ويحكمه متمث ً‬
‫ال في نظام التكافل‬
‫<بي‬
‫الفريد‪ ،‬بشتى أقسامه وألوانه‪ ،‬والتعاون الشامل بين كافة أفراده وجماعاته‪ ،‬ذلك التعاون الذي مثله الن<‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) خير تمثيل كالبنيان يشد بعضه بعضًا‪.‬‬

‫أال يسمح للمشاعر المضادة اإلسالمية بالظهور والتأثير في المجتمع المسلم‪ ،‬بل يجتث جذورها‬ ‫‪.3‬‬
‫حتى ال تظهر‪ ،‬ويطاردها إذا ظهرت بحيث تموت في مهدها‬

‫<راحة‬
‫<ا بص<‬‫<المية‪ -‬ويقاومه<‬
‫ولهذا رأيناه (صلى اهلل عليه وسلم) يبرأ العصبية ‪ -‬المنافية لألخوة اإلس<‬
‫ً‬
‫وجالء خشية على المجتمع اإلسالمي الوليد أن تمزقه الجاهلية التي سادته دهرًا طويالـ وجعلت الرجل‬
‫ال‪ ،‬ظالمًا أو مظلومًا‪ .‬وفي هذا جاء الحديث الشريف يبرأ من ك<<ل‬‫يغضب البن قبيلته محقًا كان أ‪ ,‬مبط ً‬
‫من دعى إلى عصبية‪ ،‬أو قاتل إلى عصبية‪ ،‬أو مات على عصبية‪ ،‬ويقول‪ :‬‬

‫<ًا‬
‫<زرج ‪ ،‬يوم<‬ ‫ولما استطاع رجل من خبثاء اليهود أن يحيى مشاعر العصبية الجاهلية بين األوس والخ<‬
‫أطفأ رسول اهلل نار الفتنة بنور اإليمان ‪ ,‬وردهم إلى أخوة اإلسالم ‪ .‬فقد ذكر المفسرون عن محم<<د بن‬
‫إسحاق وغيره ‪ :‬أن رجال من اليهود مر بمأل من األوس والخزرج فساءه ما هم عليه من االتفاق واأللفة‬
‫<ام‬‫‪ .‬فبعث رجال معه ‪ ,‬وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم ( بعاث ) وغيره من أي<‬
‫الجاهلية ‪ ,‬ففعل ‪ ,‬فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم‪ ،‬وغضب بعضهم على بعض ‪ ,‬وتث<<اوروا‬
‫<ك الن<بي‬ ‫ونادوا بشعارهم ‪ :‬يا لألوس ويا للخزرج ‪ ,‬وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى ( الحرة ) ‪ ,‬فبلغ ذل<‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) فأتاهم بمن معه من المهاجرين من أصحابه فقال ‪ ( :‬يا معشر المس<<لمين ! اهلل ‪,‬‬
‫اهلل ! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟!‪ .‬بعد أن هداكم اهلل إلى اإلسالم ‪ ,‬وأكرمكم به ‪ ,‬وقط<<ع عنكم‬
‫أمر الجاهلية ‪ ,‬واستنقذكم به من الكفر ‪ ,‬وألف بين قلوبكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ) ؟! فع<<رف‬
‫القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد لهم من عدوهم ‪ ,‬فألقوا السالح من أيديهم ‪ ,‬وبكوا ‪ ,‬وعانق الرج<<ال‬
‫بعضهم بعضا ‪ ,‬ثم انصرفوا مع رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) سامعين مطيعين ) ‪.‬‬

‫وهكذا يجب أن يكون المجتمع المسلم متنبهًا إلى هذه المداخل التي يدخل منها الشيطان ليفسد بها قل<<وب‬
‫المسلمين ‪ ,‬ويثير بينهم نزغات الجاهلية ‪ .‬ومن هنا يجب أن يتحرر المجتمع المسلم في عصرنا من غلو‬
‫<ل‬
‫<لمين لتح<‬‫النزغات العصبية العنصرية ( القومية ) واإلقليمية ( الوطنية ) التي تتسرب إلى حياة المس<‬
‫محل األخوة اإلسالمية والوحدة اإلسالمية ‪ ,‬وتقف منها موقف العداء ‪ .‬ال جناح على المس<لم أن يوج<ه‬
‫<ه الكلى‬
‫<رة انتمائ<‬
‫اهتمام أكبر إلى قومه األقربين ‪ ,‬وإلى وطنه الخاص‪ ،‬فهذا أمر فطرى ‪ ,‬ولكن في دائ<‬
‫لإلسالم وأمته ‪.‬‬

‫أن يسد النوافذ التي تهب منها ريح البغضاء والخصومة والفرقة ‪ ,‬ويقضي على العوامل ال<<تي‬ ‫‪.4‬‬
‫تدمر معاني اإلخاء اإلسالمي ‪ ,‬وتهدم الشاعر اإلسالمية ‪.‬‬

‫<زق‬
‫<تي تم<‬
‫وهذا هو السر في تحريم اإلسالم للغيبة والنميمة والسخرية بالخلق ‪ ,‬وغيرها من الرذائل ال<‬
‫العرا ‪ ,‬وتقتل روح المحبة بين الناس ‪.‬‬

‫يقول النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ‪ ( :‬إن أحبكم إلى وأقربكم منى في اآلخرة ‪ :‬أحاسنكم أخالق<<ا ‪ ,‬وإن‬
‫<دقون) ‪.‬‬
‫< المتش<‬
‫<ون‬ ‫<ارون المتفيهق<‬
‫<ا ‪ ،‬الثرث<‬
‫<اوئكم أخالق<‬
‫<رة ‪ :‬أس<‬
‫أبغضكم إلى وأبعدكم منى في اآلخ<‬
‫ومن هنا ‪ -‬أيضا ‪ -‬ينكر اإلسالم التفاوت الفاحش بين األفراد والطبقات بحيث يوجد الفقر الم<<دقع إلى‬
‫جنب الثراء العريض ‪ ,‬والترف المسرف إلى جوار الحرمان البائس ‪ ,‬إذ ال يتصور قيام أخوة بين مترف‬
‫غارق في النعيم إلى أذقانه ‪ ,‬وبين محروم يشكو سغب البطن وجفاف الريق ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫ليس بمجتمع مسلم‬


‫ليس بمجتمع مسلم ‪ -‬إذن ‪ -‬ذلك الذي تسوده مشاعر الحقد الطبقي ‪ ,‬ألن هذا الحقد إما أن يكون نتيج<<ة‬
‫تظالم اجتماعي وبغى بعض الناس على بعض ‪ ,‬وهذا ال يقر اإلسالم وجوده في مجتمعه ‪ ,‬وإما أن يكون‬
‫نتيجة لعوامل خارجية تعمل على تقسيم المجتمع تقسيما طبقيا ‪ ,‬وتؤجج نار الصراع بين طوائفه وفئاته ‪,‬‬
‫فالعمال والفالحون فئة أو طبقة مدللة في الظاهر ‪ ,‬وان تكن في الواقع أداة تستخدم ألغراض ش<<يطانية‬
‫خبيثة ‪ . .‬وأما سائر الفئات من المالك والتجار والمثقفين والطالب وأص<<حاب الوظ<<ائف واألعم<<ال‬
‫المختلفة ‪ ,‬فهم الفئات ( البرجوازية ) المغضوب عليها والتي تعيش في الدرجة الثانية ‪ ,‬إن س<<مح له<<ا‬
‫بالبقاء وهذا كله ال يقره اإلسالم أيضًا ‪ ,‬فاإلسالم يسمى الحسد والبغضاء ‪:‬‬

‫( داء األمم )‪ ،‬يقول عن البغضاء ‪ ( :‬إنها الحالقة ‪ ,‬ال تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) ! وليس بمجتمع‬
‫مس<<<لم ذل<<<ك ال<<<ذي تتق<<<دم في<<<ه العص<<<بية الوطني<<<ة ‪ ,‬أو القومي<<<ة على‬
‫<ربي‪:‬‬
‫<لم الع<‬
‫<ول المس<‬‫<ني ‪ ,‬أو يق<‬
‫<ل دي<‬‫<ني قب<‬
‫<لم ‪ :‬وط<‬ ‫< المس<‬ ‫<ول‬‫<تى يق<‬
‫<المية ‪ ,‬ح<‬‫<وة اإلس<‬
‫األخ<‬
‫<ل‬
‫عروبتي قبل إسالمي ‪ ,‬أو يقول المسلم الهندي أو الفارسي ‪ ,‬أو النيجيري ‪ ,‬أو الصومالي ‪ :‬قوميتي قب<‬
‫عقيدتي ‪ ،‬ويبلغ األمر ببعض الناس أن يجعلوا مثلهم األعلى قول الشاعر القروي ‪:‬‬

‫بالدك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم‬

‫هبوني دينًا يمنح العرب وحدة وسبروا بجثماني على دين ( برهم )‬

‫سالم على كفر يوحد بيننا وأهال وسهال بعده بجهنم !‬

‫فاألخوة اإلسالمية فوق العصبيات ‪ ,‬ورابطة العقيدة فوق كل الروابط ‪ ,‬ودار اإلسالم فوق كل األوطان ‪.‬‬
‫<ها‬
‫<د لتقديس<‬‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتخذ فيه األوطان والقوميات ( أوثان) تعبد من دون اهلل ‪ ,‬تجن<‬
‫األقالم واأللسنة وجميع أجهزة التأثير والتوجيه واإلعالم ‪ ,‬وتجسد حولها المشاعر والعواطف ‪ ,‬ويوج<<ه‬
‫لها الحب والوالء ‪ ,‬إلى درجة العبادة بالفعل ‪ ,‬وان لم يعبروا عنها باللفظ ‪ . .‬إنها وثنية من نوع جدي<<د‬
‫ظهرت في بلدان شتى ‪ ,‬ثم انتقل وباؤها وسرت عدواها إلى بالد اإلسالم ‪ ,‬حتى لفت ذلك أنظار الباحثين‬
‫والمراقبين من غير المسلمين ‪ :‬أن تنبعث من أرض التوحيد وثنية من طراز جديد ‪ .‬وليس بمجتمع مسلم‬
‫ذلك الذي يعادى المسلمين ‪ ،‬ويوالى أعدا ء اإلسالم‪ ،‬أو يستوي بين المسلمين والمشركين أو الملح<<دين‬
‫<اعر البغض‬ ‫<ذلك مش<‬ ‫<لم ‪ ,‬وك<‬
‫في المعاملة ‪ ,‬فمشاعر الوالء لإلسالم وأهله هي التي تقود المجتمع المس<‬
‫ألعداء اإلسالم الذين يكيدون ألهله ‪ ,‬ويصدون عن سبيله ‪ ,‬فأوثق عرا اإليمان ‪ :‬الحب في اهلل ‪ ,‬والبغض‬
‫في اهلل ‪ ,‬والوالء هلل ‪ ,‬والعداوة في اهلل ‪.‬‬

‫ومن هنا تكرر في القرآن الكريم مثل هذا النداء اإللهي ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الكافرين أولياء‬
‫من دون المؤمنين‪ ،‬أتريدون أن تجعلوا هلل عليكم سلطانًا مبينا ) ؟! ( يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوى‬
‫وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة)‪ ( ،‬يا أيها الذين آمنوا ال تتولوا قوما غضب اهلل عليهم ) ‪ ( ,‬يا أيه<<ا‬
‫الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أوليا ء بعضهم أوليا ء بعض ‪ ,‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم ‪ ,‬إن‬
‫<ر‬‫اهلل ال يهدى القوم الظالمين ) ‪ ( ،‬يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكف<‬
‫على اإليمان ‪ ,‬ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون )‪.‬‬

‫<لوا‬‫<المون ‪ ,‬وأنهم ض<‬ ‫وهكذا يدمغ القرآن من اتخذوا أعدا ء اهلل أولياء لهم وأحباء بأنهم منهم‪ ،‬وأنهم ظ<‬
‫سواء السبيل ‪ ,‬وأنهم جعلوا هلل عليهم سلطان مبين ‪ ،‬كما جعل ذلك في آية أخرى من صفات المنافقين ‪:‬‬
‫( بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليما‪ ،‬و الذين يتخذون الكافرين أولياء ء من دون المؤم<<نين ‪ ,‬أيبتغ<<ون‬
‫< عنهم اإليمان في آية أخرى فقال ‪ ( :‬ال تجد قوم<<ًا مؤمن<<ون باهلل‬ ‫عندهم العزة فإن هلل جميعًا ) ‪ .‬ونفى‬
‫واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسوله ولو كانوا آباءهم أ‪ ,‬أبناءهم أو إخوانكم أو عشيرتهم)‪ .‬وفي آية‬
‫ثالثة جعلهم ليسوا من اهلل في شيء‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤم<<نين‪،‬‬
‫ومن يفعل ذلك فليس من اهلل في شيء إال أن تتقوا منهم تقا ًة ‪ ،‬و يحذركم اهلل نفسه‪ ،‬وإلى اهلل المص<<ير)‬
‫<ل من خالل‬ ‫المجتمع المسلم ال ينظر إلى الناس من خالل األرض أو اللون ‪ ,‬أو العنصر ‪ ,‬أو الطبقة ‪ ,‬ب<‬
‫العقيدة بالنسبة للمسلمين‪ ،‬ومن خالل الرابطة اإلنسانية بالنسبة لغير المسلمين ‪.‬‬

‫<اهروا عليهم ‪:‬‬‫<لمين أو‪ ‬يظ<‬


‫فالوالء هلل ولرسوله وللمؤمنين ‪ .‬والبر والقسط لكل الناس ما لم يقاتلوا المس<‬
‫( ال ينهاكم اهلل عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ‪ ,‬إن‬
‫اهلل يحب المقسطين ) ‪.‬‬

‫والرحمة لكل مخلوقات اهلل ‪ ,‬حتى البهائم العجماوات ‪ ,‬والقطط والكالب ‪ ,‬فال يجوز الخلط بين ال<<والء‬
‫وغيره من البر والرحمة ‪ .‬فتخصص الوالء للمسلمين ال ينفى البر والعدل والرحمة باآلخرين ‪.‬‬

‫يقول برنارد لويس ‪ ( :‬فأساس التقسيم عند المسلمين والذي يفرق إنسان عن آخ<<ر ‪ ,‬ويم<<يز بين األخ‬
‫واألجنبي ‪ ,‬هو اإليمان ‪ ,‬واالنتساب أو عدمه إلى أمة اإلسالم ‪ ..‬والذي قصدنا باإليمان عند المس<<لمين‬
‫يعنى الدين ‪ ,‬ويعنى أيضًا القوة االجتماعية في األمة والمقياس الوحيد لهويتها ‪ ,‬والبؤرة ال<<تي يتجم<<ع‬
‫<ل‬‫<ر ( على األق<‬‫<لم آخ<‬‫<ل مس<‬ ‫<لم أخ لك<‬‫حولها والء الجماعة‪ .‬ففي المجتمع اإلسالمي العالمي كل مس<‬
‫نظريًا)مهما كانت لغته واصله وساللته وبالده ‪ ,‬فهو أقرب له من مواطنه الذي قد يتكلم لغته وينحدر من‬
‫نفس ساللته‪ ،‬ولكنه ال يدين بنفس عقيدته‪ ،‬حتى إن المسلم المؤمن يرفض أي صلة بأسالفه الق<<دامى في‬
‫العهود الجاهلية‪ ،‬ألنه ال يحس أن بينه وبينهم أي رابطة من هوية عقائدية أو ص<لة روحي<ة‪ ،‬وإهم<ال‬
‫المسلمين لعلم اآلثار وعدم اهتمامهم به في الشرق األوسط المسلم‪ ،‬ال يعني أن المسلمين جهلة برابرة‪ ،‬ال‬
‫<وي‬ ‫يستطيعون فهم أهمية هذه األشياء‪..‬كال‪ ..‬فعلى العكس من ذلك أنهم قوم حضارة سامية‪ .‬وإحساس ق<‬
‫مرهف بالتاريخ ومكانتهم‪ ،‬إال أن تاريخ المسلمين بدأ بظهور اإلسالم وسلفهم الصالح هم أوائل المسلمين‬
‫<يرهم من‬ ‫<ابليون وغ<‬‫<ركين والب<‬ ‫عند قبلة اإلسالم‪ ،‬في قلب جزيرة العرب‪ ،‬فقدماء المصريين من المش<‬
‫الشعوب القديمة‪ ،‬هم غرباء أجانب عنهم‪ ،‬على الرغم من الصلة الوطنية في الدم والتراب‪) .‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫األخالق والفضائل‬
‫‪ ‬‬ ‫الفهرس‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ ‬‬ ‫مهمة المجتمع المسلم مع األخالق‬ ‫‪ ‬‬ ‫األخالق والفضائل جزء أصيل من كيان‬ ‫‪ ‬‬
‫هذا المجتمع‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫كما يتميز المجتمع المسلم بعقائده وشعائره ‪ ,‬ومفاهيمه ومشاعره ‪ ,‬يتميز أيضا بأخالقه‪ ‬وفضائله ‪.‬‬
‫فاألخالق والفضائل جزء أصيل من كيان هذا المجتمع ‪ ,‬فهو مجتمع العدل واإلحسان والبر‬
‫والرحمة ‪ ,‬والصدق واألمانة ‪ ,‬والصبر والوفاء ‪ ,‬والحياء والعفاف ‪ ,‬والعزة والتواضع ‪ ,‬والسخاء‬
‫والشجاعة ‪ ,‬واإلباء والشرف ‪ ,‬والبذل والتضحية ‪ ,‬والمروءة والنجدة ‪ ,‬والنظافة والتجمل ‪ ,‬والقصد‬
‫واالعتدال ‪ ,‬والسماحة والحلم ء والنصيحة والتعاون ‪ ,‬والغيرة على الحرمات ‪ ,‬واالستعالء على‬
‫الشهوات ‪ ,‬والغضب للحق ‪ ,‬والرغبة في الخير ‪ ,‬واإليثار للغير ‪ ,‬واإلحسان إلى الخلق كافة ‪,‬‬
‫وبخاصة بر الوالدين ‪ ,‬وصلة األرحام ‪ ,‬وإكرام الجار‪ ,‬ودعوة الناس إلى الخير ‪ ,‬واألمر‬
‫بالمعروف ‪ ,‬والنهى عن المنكر ‪ . .‬وكل خصال الخير ‪ ,‬وخالل المكرمات ‪ ,‬ومكارم األخالق ‪.‬‬
‫وأولها ‪ :‬اإلخالص له ‪ ,‬والتوبة إليه ‪ ,‬والتوكل عليه ‪ ,‬والخشية منه والرجاء في رحمته ‪ ,‬والتعظيم‬
‫لشعائره ‪ ,‬والحرص على مرضاته ‪ ,‬والحذر من مساخطه ‪ ,‬إلى غير ذلك من المعاني الربانية التي‬
‫يغفلها كثير من الناس حين يتحدثون عن األخالق في اإلسالم ‪ ,‬فليست األخالق ما يتعلق بما بين‬
‫اإلنسان واإلنسان فحسب ‪ ,‬وإنما تشمل ما بين اإلنسان وخالقه أيضا ‪ .‬وهو في الجانب السلبي‬
‫يحرم كل الرذائل ‪ ,‬واألخالق الرديئة ‪ ,‬ويشتد في تحريم بعضها ء فيجعلها في مرتبة الكبائر ‪.‬‬
‫فيحرم الخمر والميسر ‪ ,‬ويعدهما رجسا من عمل الشيطان ‪ ,‬ويحرم الزنى وكل ما يقرب أو يعين‬
‫عليه ‪ ,‬ومثل ذلك الشذوذ الجنسي الذي هو عالمة على انتكاس الفطرة وانهيار الرجولة ‪ ,‬ويحرم‬
‫الربا ‪ ,‬وأكل أموال الناس بالباطل وخاصة إذا كانوا ضعفا ء كاليتامى ‪ ,‬ويحرم عقوق الوالدين‬
‫وقطيعة األرحام ‪ ,‬واإلساءة إلى الجار ‪ ,‬وإيذاء اآلخرين ‪ ,‬باليا أو اللسان ‪ ,‬ويجعل من خصال‬
‫النفاق ‪ :‬الكذب والخيانة والغدر وإخالف الوعد والفجور في الخصومة ‪ .‬‬
‫وكل رذيلة منكرها الفطر السليمة ‪ ,‬والعقول الراشدة جاء اإلسالم فأنكرها وألح في إنكارها‪ ‬‬
‫< ويسعد بسيادتها األفراد والجماعات قد‬‫كما أن كل األخالق الفاضلة التي تعرفها الفطر والعقول‬
‫أقرها وأمر بها وحث عليها ‪ .‬والذي يتلو كتاب اهلل تعالى ‪ ,‬أو يقرا أحاديث رسول اهلل (صلى اهلل‬
‫< الذاتية للمجتمع المسلم ‪ ,‬وليست من‬ ‫< من المقومات‬‫عليه وسلم) ‪ ,‬يرى أن هذه األخالق والفضائل‬
‫األعراض الطارئة عليه ‪ ,‬وال من األمور الهامشية في حياته ‪ ,‬فهي في القرآن من الصفات‬
‫األساسية للمؤمنين والمتقين الذين ال يدخل الجنة غيرهم ‪ ,‬وال ينجو من النار غيرهم ‪ ,‬وال يسعد‬
‫بالحياة الدنيا غيرهم ‪ ..‬وهي في السنة من شعب اإليمان ‪ ,‬ال يتم اإليمان إال بالتحلي بها ‪ ,‬والتخلي‬
‫عن أضدادها ‪ .‬ومن أعرض عنها فقد جانب أوصاف المؤمنين ‪ ,‬وتعرض لسخط اهلل ولعنته ‪,‬‬
‫وبرئت منه ذمة اهلل وذمة رسوله ‪.‬‬

‫ونعرض بعض ( اللوحات ) القرآنية لألخالق اإلسالمية تصورها النماذج األمية حسب ترتيب‬
‫المصحف ‪:‬‬

‫)ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر‬ ‫‪.1‬‬
‫والمالئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصالة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا‪،‬‬
‫<‬
‫والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس‪ ،‬أولئك الذين صدقوا‪ ،‬وأولئك هم المتقون(‪.‬‬

‫مزجت اآلية الكريمة بين العقائد من اإليمان باهلل واليوم اآلخر والمالئكة والكتب والنبيين وبين‬
‫الشعائر من الصالة والزكاة ‪ ,‬واألخالق من إيتاء المال على حبه ذوى القربى واليتامى ‪ ..‬إلخ ‪,‬‬
‫والوفاء بالعهد والصبر على البأساء والضراء وحين البأس ‪ .‬وجعلت هذا المزيج الناس هو حقيقة‬
‫البر ‪ ,‬وحقيقة التدين وحقيقة التقوى كما يريدها اهلل‪.‬‬

‫)إنما يتذكر أولو األلباب‪ ،‬الذين يوفون بعهد اهلل وال ينقضون الميثاق‪ ،‬والذين يصلون ما‬ ‫‪.2‬‬
‫أمر اهلل به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب‪ ،‬والذين صبروا ابتغاء وجه‬
‫< مما رزقناهم سرًا وعالنية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك‬
‫ربهم وأقاموا الصالة وأنفقوا‬
‫لهم عقبى الدار(‬

‫تميزت هذه اللوحة األخالقية بالمزج بين األخالق الربانية كخشية اهلل وخوف سوء الحساب ‪,‬‬
‫واألخالق اإلنسانية من الوفاء والصبر والصلة واإلنفاق ودرء السيئة بالحسنة ‪ ,‬إن صح هذا التمييز‬
‫‪ .‬فإن المتأمل في اآلية يجدها قد وصلت األخالق كلها بالربانية ‪ ,‬فالوفاء وفاء بعهد اهلل ‪ ,‬والصلة‬
‫هي لما أمر اهلل به أن يوصل ‪ ,‬والصبر إنما هو ابتغاء وجه اهلل ‪ ,‬واإلنفاق هو مما رزق اهلل ‪ ,‬فهي‬
‫كلها أخالق ربانه موصولة باهلل ‪ ,‬ولهذا قرنت بإقامة الصالة ‪ ,‬ألنها جميعا ضرب من العبادة ‪,‬‬
‫يتقرب به المؤمنون إلى اهلل ‪ ,‬ويتلقون به ما عند اهلل ‪.‬‬

‫)قد أفلح المؤمنون‪ ،‬الذين هم في صالتهم خاشعون‪ ،‬والذين هم عن اللغو معرضون‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫والذين هم للزكاة فاعلون‪ ،‬والذين هم لفروجهم حافظون‪ ،‬إال على أزواجهم أو ما ملكت‬
‫أيمانهم فإنهم غير ملومين‪ ،‬فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون‪ ،‬والذين هم ألماناتهم‬
‫وعهدهم راعون‪ ،‬والذين هم على صلواتهم يحافظون‪ ،‬أولئك هم الوارثون‪ ،‬الذين يرثون‬
‫الفردوس هم فيها خالدون(‬

‫< للزكاة‪ ،‬والمحافظة على الصلوات‪ -‬وهي معدودة‬


‫في هذه اللوحة نجد الخشوع في الصالة‪ ،‬والفعل‬
‫في إطار الشعائر والعبادات‪ -‬جنبًا إلى جنب مع اإلعراض عن اللغو‪ ،‬وحفظ الفروج عن الحرام‪،‬‬
‫ورعاية األمانات والعهود‪.‬‬

‫) وعباد الرحمن الذين يمشون على األرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سالمًا‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا‪ ،‬والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم‪ ،‬إن عذابها‬
‫< والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين‬
‫كان غرامًا‪ ،‬إنها ساءت مستقرًا ومقامًا‪،‬‬
‫< لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا‪ ،‬والذين ال يدعون‬ ‫ذلك قوامًا‪ ،‬والذين إذا أنفقوا‬
‫مع اهلل إلهًا آخر وال يقتلون النفس التي حرم اهلل إال بالحق وال يزنون‪ ،‬ومن يفعل ذلك يلق‬
‫أثامًا‪ ،‬يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا‪ ،‬إال من تاب وآمن وعمل عم ً‬
‫ال‬
‫صالحًا فأولئك يبدل اهلل سيئاتهم حسنات‪ ،‬وكان اهلل غفورًا رحيمًا‪ ،‬ومن تاب وعمل صالحًا‬
‫فإنه يتوب إلى اهلل متابًا‪ ،‬والذين ال يشهدون الزور وإذا أمروا باللغو مروا كرامًا‪ ،‬والذين‬
‫إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًا وعميانًا‪ ،‬والذين يقولون ربنا هب لنا من‬
‫أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا‪ ،‬أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون‬
‫فيها تحية وسالمًا‪ ،‬خالدين فيها مستقرًا ومقامًا(‬
‫) فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا‪ ،‬وما عند اهلل خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم‬ ‫‪.5‬‬
‫يتوكلون‪ ،‬والذين يجتنبون كبائر اإلثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يفغرون‪ ،‬والذين‬
‫استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون‪ ،‬والذين إذا‬
‫أصابهم البغي هم ينتصرون‪ ،‬وجزاء سيئة سيئة مثلها‪ ،‬فمن عفا وأصلح فأجره على اهلل‪،‬‬
‫إنه ال يحب الظالمين(‬

‫والجديد في هذه اللوحة أو الباقة آمران في غاية األهمية بالنظر إلى المجتمع المسلم ‪:‬‬

‫األول‪ :  ‬تقرير مبدأ الشورى باعتباره عنصرا من العناصر األساسية المكونة لشخصية المجتمع‬
‫المسلم ‪ ,‬ولهذا وضعت الشورى بين إقامة الصالة وإيتاء الزكاة المعبر عنه هنا بكلمة اإلنفاق مما‬
‫رزق اهلل ‪ ,‬وال يخفى على أحد مكانة الصالة والزكاة في دين اإلسالم ‪ ,‬فما يوضع بينهما ال يكون‬
‫من األمور الثانوية أو الهينة في دين اهلل ‪.‬‬

‫واألمر الثاني‪ :  ‬هو االنتصار إذا أصابهم البغي ‪ ,‬فليسر من شأن المسلم الخضوع للبغي أو االنحناء‬
‫للظلم والعدوان ‪ .‬بل مقابلته بمثله ليزجر ويرتدع ‪ ,‬إال من عفا عن قدرة فأجره على اهلل ‪.‬‬

‫من هذه اللوحات أو الباقات التي قدمناها يتبين لنا منزلة األخالق في اإلسالم ‪ ,‬ومكانها في تكوين‬
‫المجتمع المسلم ‪ .‬وليست هذه كل ما في القرآن الكريم عن األخالق والفضائل ‪ ,‬فالقرآن ‪ -‬مكية‬
‫ومدنيه ‪ -‬ملئ باآليات واللوحات التي تقدم لنا نماذج خلقية كريمة ‪ ,‬تجمع بين المثالية والواقعية‬
‫وتمزج الروحانيات بالماديات أو الدين بالدنيا ‪ ,‬في اتساق والتئام ‪ ,‬لم تعرفهما من قبل ‪ -‬وال من‬
‫بعده شريعة وال نظام ‪.‬‬
‫ويستطيع القارئ المسلم أن يرجع إلى سورة األنعام فيقرأ فيها الوصايا العشر من أواخرها ‪ ( :‬قل‬
‫تعالوا أتل ما حرم ربكم عيكم ‪ ,‬أال تشركوا به شيئا ‪ ,‬وبالوالدين إحسانا ‪ .) . .‬اآليات أو يرجع إلى‬
‫سورة اإلسراء فيقرا الوصايا السبع عشرة ‪ ( :‬وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه وبالوالدين‬
‫إحسانا ) ‪ ..‬اآليات ‪ .‬‬
‫أو يرجع إلى سورة لقمان ويقرأ وصيته البنه ‪ . .‬أو يرجع إلى سورة الدهر ويتلو فيها أوصاف‬
‫األبرار ‪ ( :‬يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ‪ ،‬ويطعمون الطعام على حبه مسكينا‬
‫ويتيما وأسيرا )‪ . . .‬اآليات‪ .‬‬
‫أو يرجع إلى سورة البقرة ويقرأ في أواخرها آيات اهلل في تحريم الربا ونذره ألكلة الربا ‪ ,‬وكيف‬
‫آذنهم بحرب من اهلل ورسوله إن لم يتوبوا ويكتفوا برؤوس أموالهم ‪ .‬‬
‫أو يرجع إلى سورة النسا ء ‪ ,‬وكيف أوصت بالمرأة خيرا ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن‬
‫ترثوا النسا ء كرها ‪ ,‬وال تعضلوهن ‪ (… . . .‬اآلية ‪.‬‬
‫أو يقرأ في نفس السورة آية الحقوق العشرة ‪ ( :‬واعبدوا اهلل وال تشركوا به شيئًا ‪ ,‬وبالوالدين‬
‫إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن‬
‫السبيل وما ملكت أيمانكم ‪ ) . . .‬اآلية‪ ‬‬
‫أو يقرأ في سورة المائدة ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب واألزالم رجس من‬
‫عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) ‪ ,‬وكلمة ( االجتناب ) ال يستعملها القرآن إال مع الشرك‬
‫وكبائر اإلثم ‪ .‬‬
‫ويطول بنا الحديث لو أردنا أن نتتبع موارد األخالق في آيات القرآن العظيم ‪ ,‬فإن جل أوامر‬
‫القرآن ونواهيه تتعلق بهذا الجانب الخطير من حياة الناس ‪ :‬جانب األخالق‪. ‬‬

‫وربما يخالفنا بعض الناس في تسمية هذه األمور ( أخالقًا) وإنما يسميها أوامر ونواهي ‪ ,‬وهذا‬
‫خالف في االصطالح والتسمية ال في الموضوع نفسه إثباتًا ونفيًا ‪ .‬وقد قال علماؤنا قديما ‪ :‬ال‬
‫مشاحة في االصطالح ‪ ,‬وال يضر الخالف في األسماء متى وضحت المسميات ‪ .‬وإنما اخترنا‬
‫تسمية هذه األمور التي جاء بها القرآن والسنة ( أخالقًا ) ألن تعريف األخالق ينطبق عليها تمام‬
‫االنطباق ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫مهمة المجتمع المسلم مع األخالق‬


‫< ‪ ,‬كمهمته بالنظر إلى العقيدة والمفاهيم والشعائر‬
‫إن مهمة المجتمع بالنظر إلى األخالق والفضائل‬
‫والعواطف ‪.‬‬

‫إنها مهمة ذات ثالث شعب ‪:‬‬

‫‪ - 1‬التوجيه ‪ - 2 .‬التثبيت ‪ - 3 .‬الحماية ‪.‬‬

‫فالتوجيه يكون بالنشر والدعاية ومختلف وسائل اإلعالم والتثقيف ‪ ,‬والدعوة واإلرشاد ‪ .‬والتثبيت‬
‫يكون بالتعليم الطويل المدى ‪ ,‬والتربية العميقة الجذور ‪ ,‬على مستوى األسرة والمدرسة والجامعة ‪.‬‬

‫والحماية تكون بأمرين ‪:‬‬

‫برقابة الرأي العام اليقظ الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر و يكره الفساد وينفر من‬ ‫‪.1‬‬
‫االنحراف‪.‬‬
‫وبالتشريع الذي يمنع الفساد قبل وقوعه ‪ ,‬ويعاقب عليه بعد وقوعه‪ ،‬زجرا للمنحرف‬ ‫‪.2‬‬
‫وتأديبًا للمستهتر ‪ ,‬وتطهيرًا لجو الجماعة من التلوث ‪.‬‬

‫وبهذه األمور من التوجيه والتثبيت والحماية تسود أخالق اإلسالم ‪ ,‬تسرى فضائله في حياة‬
‫المجتمع سريان العصارة الحية في الغصون واألوراق ‪ .‬فليس إذن بمجتمع مسلم ذلك الذي تختفي‬
‫فيه أخالق المؤمنين ‪ ,‬لتبرز أخالق الفجار ‪ .‬‬
‫وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تموت فيه أخالق القوة ‪ ,‬فتحيا وتنمو أخالق الضعف ‪ .‬وليس‬
‫بمجتمع مسلم ذلك الذي يشيع فيه خلق القسوة على الضعفاء ‪ ,‬والخضوع لألقوياء ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تضمر فيه تقوى اهلل ‪ ,‬ومراقبته تعالى ‪ ,‬والخوف من حسابه ‪ ,‬فنرى‬
‫الناس يتصرفون وكأنما هم آلهة أنفسهم ‪ ,‬وينطلقون وكأنما ليس هناك حساب ينتظرهم ‪ ,‬وإنما هم‬
‫في غفلة معرضون ‪ ,‬وفي غمرة ساهون ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسوده التواكل والعجز والسلبية ‪ ,‬في مواجهة األمور وإلقاء األوزار‬
‫على كاهل األقدار‪ ‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يهان فيه الصالحون ‪ ,‬ويكرم الفاسقون ‪ ,‬ويكرم أهل الفجور ‪ ,‬ويؤخر‬
‫أهل القوى ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يظلم فيه المحق ‪ ,‬ويحابى فيه المبطل ‪ ,‬ويقال فيه للمضروب‪ :‬ال‬
‫تصرخ‪ ،‬وال يقال للضارب ‪ :‬كف يدك ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تفسد فيه الذمم ‪ ,‬وتشترى فيه الضمائر ‪ ,‬ويقضى فيه كل أمر‬
‫بالرشوة‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال يوقر فيه الكبير وال يرحم فيه الصغير ‪ ,‬وال يعرف الذي فضل‬
‫فضله ‪ .‬ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتميع فيه األخالق ‪ ,‬فيتشبه الرجال بالنساء والنساء‬
‫بالرجال ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تشيع فيه الفاحشة ‪ ,‬ويفقد فيه الرجال الغيرة وتفقد النساء الحياء ‪ ..‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال يكاد الناس يتكلمون فيه أو يعملون أو يتصرفون إال ريا ًء ونفاقًا ‪،‬‬
‫ال‪ ،‬من المخلصين البررة ‪ ,‬واألتقياء‬ ‫وطلبًا للشهرة والجاه ‪ ,‬وال تكاد ترى فيه جنديًا مجهو ً‬
‫األخفياء ‪ ،‬الذين إذا حضروا لم يعرفوا ‪ ,‬وإذا غابوا لم يفتقدوا ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تسوده أخالق المنافقين من كل من حدث فكذب ‪ ,‬ووعد فأخلف ‪,‬‬
‫وائتمن فخان ‪ ,‬وعاهد فغدر ‪ ,‬وخاصم ففجر ‪ .‬‬
‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يهمل فيه اآلباء األبناء ‪ ,‬ويعق فيه األبناء اآلباء ‪ ,‬ويتجافى فيه‬
‫اإلخوان ‪ ,‬وتتقطع فيه األرحام ‪ ,‬ويتناكر فيه الجيران ‪ ,‬وتنفق فيه سوق الغيبة والنميمة وفساد ذات‬
‫البين ‪ ,‬وينهزم فيه البذل واإليثار أمام الشح واألنانية وحب الذات‪ .‬فالمجتمع المسلم ‪ -‬وال شك ‪( -‬‬
‫مجتمع أخالقي ) بكل ما تحمله كلمة ( األخالق ) من شمول وسعة ‪ ,‬ليس مجتمعًا تسبره المنافع‬
‫المادية ‪ ,‬أو األغراض السياسية ‪ ,‬أو االعتبارات العسكرية وحدها ‪ .‬كال ‪ . .‬بل هو مجتمع تحكمه‬
‫فضائل ومثل عليا ‪ ,‬يلتزم بها ‪ ,‬ويتقيد بحدودها مهما يكلفه ذلك من مشقات وتضحيات ‪ ,‬وال عجب‬
‫في ذلك فقد قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم )‪ ›« :‬إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق ) ‪ .‬فال‬
‫انفصال في هذا المجتمع بين العلم واألخالق ‪ ,‬وال بين الفن واألخالق ‪ ,‬وال بين االقتصاد واألخالق‬
‫‪ ,‬وال بين السياسة واألخالق ‪ ,‬وال بين الحرب واألخالق ‪ ,‬وإنما األخالق عنصر يهيمن على كل‬
‫شؤون الحياة وتصرفاتها ‪ ,‬صغيرها وكبيرها ‪ ,‬فرديها وجماعيها ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬


‫الفصل السادس‬
‫اآلداب والتقاليد‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪  ‬من تقاليد المجتمع المسلم‬ ‫من آثار التقاليد اإلسالمية‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫مهمة المجتمع المسلم مع اآلداب والتقاليد‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫وكما تميز المجتمع المسلم في العقيدة والشعائر ‪ ,‬واألفكار والمشاعر ‪ ,‬واألخالق والفضائل ‪ ,‬يتميز كذلك‬
‫بآدابه وتقاليده الخاصة به ‪ ,‬المصبوغة بصبغته ‪ ,‬النابعة من تلك األمور المذكورة ‪ :‬العقيدة وما يتبعها ‪,‬‬
‫< عنها ‪ .‬إن لهذا المجتمع آدابه وتقاليده في المأكل والمشرب ‪ ,‬والزينة والملبس ‪ ,‬والنوم واليقظة ‪,‬‬‫ويتفرع‬
‫والسفر واإلقامة ‪ ,‬والزمالة والعشرة ‪ ,‬والعمل والراحة ‪ ,‬والصداقة والصحبة ‪ ,‬وال<<زواج والطالق ‪ ,‬في‬
‫العالقة بين الرجل والمرأة ‪ ,‬وفي العالقة بين الولد وأبيه ‪ ,‬وفي العالقة بين القريب وقريبه ‪ ,‬وفي العالقة‬
‫بين الجار وجاره ‪ ,‬ونى العالقة بين الكبير والصغير ‪ ,‬وفي العالقة بين الغني والفقير ‪ ,‬وفي العالقة بين‬
‫البائع والمشترى ‪ ,‬وفي العالقة بين الرئيس والمرؤوس‪ ،‬وفي العالقة بين الخادم والمخدوم ‪.‬‬

‫من تقاليد المجتمع المسلم‬


‫إن هذه التقاليد واآلداب والعادات أنشأها اإلسالم في المجتمع المسلم ‪ ,‬لتكون في خدمة عقيدته وشعائره ‪,‬‬
‫ومفاهيم<<<<<<<<ه ومش<<<<<<<<اعره ‪ ,‬وأخالق<<<<<<<<ه وفض<<<<<<<<ائله ‪ .‬‬
‫فمن تقاليد المجتمع المسلم ‪ :‬أنه ينام مبكرًا ‪ ,‬ويستيقظ مبكرًا ‪ ,‬فيستمتع أفراده بالنوم الهادئ العميق ‪ ،‬في‬
‫<وفر ماليين‬‫<ل ‪ ,‬وي<‬ ‫<هر الطوي<‬‫<ذبلها الس<‬
‫الليل الذي جعله اهلل لباسًا ‪ ,‬ويوفر صحة أبنائه وقوتهم التي ي<‬
‫الكيلوات من الطاقة الكهربائية التي تستهلك في السهر لغير ضرورة ‪ ,‬ويتمتع الناس بعد ذل<<ك ب<<وقت‬
‫<ر )‬‫<الة الفج<‬
‫<نعته ( ص<‬ ‫<ا ص<‬ ‫البكور المبارك ونسيم الصباح المبكر ‪ ،‬وهذا التقليد الجميل المتميز إنم<‬
‫ووج<<<وب االس<<<تيقاظ له<<<ا ‪ ,‬وأدائه<<<ا في وقته<<<ا قب<<<ل أن تطل<<<ع الش<<<مس ‪ .‬‬
‫<ع‬‫<د المجتم<‬‫ومن هنا نتبين أن تقاليد المجتمع المسلم ال انفصال بينها وبين مقوماته األخرى ‪ .‬ومن تقالي<‬
‫المسلم ‪ :‬أن الرجل ال يجوز له أن يخلو بامرأة أجنبية دون حضور زوج وال محرم لها ‪ ,‬كما ال يج<<وز‬
‫لها أن تسافر وحدها ‪ ,‬بال زوج وال محرم ‪ ,‬وأن المرأة المسلمة يجب عليها االحتشام والتص<<ون ‪ ,‬فال‬
‫يجوز لها أن تبدى من زينتها إال ما ظهر منها كالوجه والكفين ‪ ,‬ويحرم عليها أن تتبرج تبرج الجاهلية ‪,‬‬
‫وأن تظهر ذراعها أو ساقها أو نحرها أو شعرها ‪ ,‬أو غير ذلك مما يفعله نسا ء العصر تقليدًا للحضارة‬
‫الجاهلية ‪ :‬حضارة الغرب ‪ .‬إن هذا التقليد ليس عبثا وال تحكما ‪ ,‬ولكنه مبنى على نظرة اإلسالم إلى كل‬
‫من الرجل والمرأة ‪ ,‬ونظرته إلى األخالق في المجتمع‪ ،‬و قيمة العفاف والتص ّون والحي<<اء باعتباره<<ا‬
‫<ا ء‬
‫<رة ‪ ,‬وعلى بن<‬ ‫<رد وعلى األس<‬ ‫فضائل إنسانية رفيعة‪ ،‬واعتبار الزنا فاحشة وجريمة خطرة على الف<‬
‫المجتم<<<<<<<ع كل<<<<<<ه ‪ ,‬إذا ش<<<<<<<اعت وتط<<<<<<<اير ش<<<<<<<ررها ‪ .‬‬
‫<ات ‪,‬‬‫<ك بين األزواج والزوج<‬ ‫<ة ‪ ,‬والش<‬ ‫فإن نتيجتها طغيان الشهوات ‪ ,‬وفساد الشباب ‪ ,‬وانتشار الخيان<‬
‫وشيوع األمراض التناسلية ‪ ,‬وكثرة اللقطاء وأوالد الح<<رام ‪ ,‬واختالط األنس<<اب ‪ ,‬وانحالل الرواب<<ط‬
‫واألخالق ‪ .‬وص<<دق اهلل ‪( :‬وال تقرب<<وا الزن<<ا‪ ،‬إن<<ه ك<<ان فاحش<<ة وس<<اء س<<بي ً‬
‫ال) ‪ .‬‬
‫<الم‬
‫ال سيئًا ‪ ,‬لم يكن بد من إغالق الطرق الموصلة إليه ‪ ,‬فجاءت آداب اإلس<‬ ‫فإذا كان الزنى فاحشة وسبي ً‬
‫وتقاليده في التص ّو ن ‪ ,‬واالحتشام ‪ ,‬ومنع التبرج واإلغراء وسد الذريعة إلى الفتن‪ ،‬ما ظهر منه<<ا وم<<ا‬
‫<ا‬
‫<ير بم<‬ ‫<ك أزكى لهم ‪ ,‬إن اهلل خب<‬ ‫<روجهم‪ ،‬ذل<‬ ‫بطن ‪ ( :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا ف<‬
‫يصنعون‪ ،‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها‪,‬‬
‫وليضربن بخمرهن على جيوبهن وال يبدين زينتهن إال لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو‬
‫أبن<<<<<<<<<اء بع<<<<<<<<<ولتهن أو إخ<<<<<<<<<وانهن‪)..‬اآلي<<<<<<<<<ة‪.‬‬
‫<وغ االبن‬‫<ا ببل<‬‫<م عراه<‬ ‫ومن تقاليد المجتمع المسلم ‪ :‬أن بين الولد وأبيه رابطة أبدية مقدسة ‪ ,‬ال تنفص<‬
‫<د أن‬‫<دهم بع<‬‫رشده‪ ،‬أو باستقالله االقتصادي ‪ ,‬أو بزواجه ‪ ,‬كما هو عند الغربيين الذين يصبح االبن عن<‬
‫يكبر ويتزوج كأنه شخص غريب عن أبويه ‪ ,‬ال يكاد يعرفهما إال في المناسبات إن عرفهم<<ا ‪ ,‬ب<<ل إن‬
‫اإلسالم ليوسع دائرة األسرة ‪ ,‬حتى تشمل األقارب من األصول والفروع والعصبة وكل ذي رحم محرم‬
‫من الرجال والنساء ‪ ,‬فاألجداد والجدات واألحفاد واألسباط ‪ ,‬واألعمام والعمات ‪ ,‬واألخوال والخ<<االت‬
‫وأوالدهم … كل هؤالء أرحام يجب أن توصل ‪ ,‬وقرابة يجب أن ترعى ‪ ,‬ولها حقوق يجب أن تؤدى ‪,‬‬
‫<ه‬‫من الزيارة والمودة واإلحسان ‪ ,‬إلى وجوب النفقة والرعاية بالمعروف ‪ ( :‬واتقوا اهلل الذي تساءلون ب<‬
‫واألرحام ‪ ,‬إن اهلل كان عليكم رقيبًا )‪ ( ،‬وأولوا ألرحام بعضهم أولى ببعض في كت<<اب اهلل)‪ ( ،‬وآت ذا‬
‫القربى حقه والمسكين وابن السبيل ) ‪ .‬‬

‫ومن آداب المجتمع المسلم وتقاليده ‪ :‬أنه ال يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اهلل ب<<ه ‪ ,‬وال‬
‫<دأ‬‫<اليمين‪ ،‬ويب<‬‫<رب ب<‬ ‫يشرب الخمر والمسكرات ‪ ,‬وال يقدم شيئًا من ذلك على موائده ‪ .‬وهو يأكل ويش<‬
‫طعامه باسم اهلل ‪ ,‬ويختمه بحمد اهلل ‪ ,‬وال يأكل أو يشرب في إناء ذهب أو فضة ‪ .‬ومن آداب المجتم<<ع‬
‫المسلم ‪ :‬إفشاء السالم ‪ ,‬وهو تحية السلمين فيما بينهم ‪ ,‬وإلقاؤه سنة ‪ ,‬ورده فرض كفاية ‪ ,‬وقد أغناهم اهلل‬
‫به عن تحايا الجاهلية من فعل كالسجود واالنحناء ‪ ,‬أو قول كـ( عم صباحا ) ‪ ,‬أو ( عم مساء )‪ ،‬وق<<د‬
‫<غير‬ ‫وضع الرسول لهذه لتحية قواعد ضابطة ‪ ,‬حتى ال يتواكل الناس في البدء بها إذا تالقوا ‪.‬فيسلم الص<‬
‫على الكبير‪ ,‬والقليل على الكثير ‪ ,‬والمار على الجالس ‪ ,‬وقال تعالى ‪ ( :‬وإذا حييتم بتحية فحييوا بأحسن‬
‫منها أو ردوها ) ‪ .‬ومن آدابه ما ذكره القرآن بقوله ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تدخلوا بيوتًا غير بي<<وتكم‬
‫حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ‪ ,‬ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون‪ ،‬فإن لم تجدوا‪.‬فيها أحدًا فال ت<<دخلوها‬
‫<ون عليم )‪ ‬‬ ‫<ا تعمل<‬‫<و أزكى لكم ‪ ,‬واهلل بم<‬
‫<ارجعوا ‪ ,‬ه<‬ ‫<وا ف<‬‫<ل لكم ارجع<‬ ‫<ؤذن لكم ‪ ,‬وإن قي<‬‫حتى ي<‬
‫ومن آداب المجتمع المسلم ‪ :‬اإلحسان إلى الجار ‪ ,‬وإكرام الضيف ‪ ,‬وتشميت العاطس ‪ ,‬وعيادة المريض‬
‫<ا‬‫‪ ,‬وتشييع جنازة الميت ‪ ,‬وتعزية المصاب ‪ ,‬إلى غير ذلك من اآلداب والتقاليد ‪ ,‬التي تتفاوت في حكمه<‬
‫ما بين واجب مفروض ‪ ,‬ومستحب مندوب ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫من آثار التقاليد اإلسالمية‬
‫<ذكر‬
‫<ة ‪ ,‬ن<‬
‫<ار‪ ‬الطيب<‬
‫إن هذه اآلداب والتقاليد اإلسالمية تحقق في المجتمع المسلم جملة من المزايا واآلث<‬
‫منها ‪:‬‬

‫التميز‪ : ‬فهذه اآلداب والتقاليد تجعل للمجتمع المس<<لم شخص<<ية متم<<يزة المالمح ‪ ,‬واض<<حة‬ ‫‪.1‬‬
‫<يتها ‪ ,‬ويقتبس‬ ‫<ات فيتقمص شخص<‬ ‫التقاسيم ‪ ,‬وتمسكه أن يذوب وينصهر في غيره من المجتمع<‬
‫<ا ال‬
‫< تقاليدها ‪ ,‬دون تفرقة وال تمييز بين ما يجوز وما ال يجوز ‪ ,‬وما يصلح وم<‬ ‫عاداتها ‪ ,‬وينقل‬
‫<ا ‪ ,‬واتبعت‬ ‫<لخت من ذاتيته<‬ ‫<وم ‪ ,‬إذ انس<‬
‫يصلح ‪ ,‬وهذا ما تورط فيه أكثر الشعوب المسلمة الي<‬
‫حضارة الغرب وأخذت تقاليده جملة ‪ ,‬بغير تمحيص ‪ .‬وهذا ما حذر منه ونبأ به الرسول الكريم‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) حين قال ‪ ( :‬لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشير ‪ ,‬وذراعا بذراع ‪ ,‬حتى لو‬
‫دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) ! قالوا ‪ :‬اليهود والنصارى يا رسول اهلل ؟ قال ‪ ( :‬فمن ) ؟‬
‫<ارهم‪ ،‬واختلفت‬ ‫<اءت دي<‬ ‫الوحدة العملية‪ : ‬إن هذه اآلداب والتقاليد تنشئ بين المسلمين ‪ -‬وان تن<‬ ‫‪.2‬‬
‫ألسنتهم ‪ ,‬وتباينت عروقهم ‪ ,‬وتفاوتت مراكزهم وطبقاتهم ‪ -‬وحدة عملية واقعية‪ ،‬بجوار الوحدة‬
‫<ا‬
‫<اعر‪ .‬فحيثم<‬ ‫العقدية والفكرية والشعورية التي أنشأها اتحاد العقيدة والشعائر ‪ ,‬واألفكار والمش<‬
‫نزلت بين قوم مسلمين في أي أرض كانت‪ ،‬حيوك بتحية اإلس<<الم ( الس<<الم ) ‪ ,‬واس<<تقبلوك‬
‫باإلكرام والقرى‪ ،‬تبعا ألدب اإلسالم في إكرام الضيف ‪ ( :‬من كان يؤمن باهلل والي<<وم اآلخ<<ر‬
‫فليكرم ضيفه ) ‪ .‬فإذا تناولت طعامك معهم ‪ ,‬وجدتهم يبدأون طعامهم باسم اهلل ‪ ,‬ويأكلون بالي<<د‬
‫اليمنى‪ ،‬وبختمون بالحمد هلل ‪ ,‬وال يقدمون لك خنزيرًا وال خمراُ ‪ .‬فهناك قدر مشترك من التقاليد‬
‫أنى ذهب أنه بين أهله وإخوانه وذويه ‪ ,‬ال يفترق عنهم ‪ ,‬إال في جزئيات‬ ‫والعادات يشعر المسلم ّ‬
‫تفصيلية ‪ ,‬نتيجة الختالف البيئات واألحوال ‪ .‬‬
‫<اطة‬ ‫<ترام البس<‬‫<رة ‪ ,‬واح<‬ ‫البساطة واالعتدال‪ : ‬فإن تقاليد اإلسالم وآدابه تقوم على مراعاة الفط<‬ ‫‪.3‬‬
‫والس<<<ر ‪ ,‬وتجنب التكل<<<ف والتعقي<<<د‪ ،‬والبع<<<د عن االختي<<<ال واإلس<<<راف ‪ .‬‬
‫ومن شأن هذه البساطة والقصد واالعتدال ‪ ,‬أن ييسر األمور ‪ ,‬ويقلل التك<<اليف ‪ ,‬ويخف<<ف من‬
‫<ه إال‬‫<ه ومثل<‬ ‫< ‪ ,‬فيما ال يعود على المجتمع واقتصاده وأخالق<‬ ‫بعثرة الجهود واألوقات ‪ ,‬واألموال‬
‫بالضرر والخسران ‪.‬‬

‫<دع‪،‬‬ ‫<ل ب<‬‫إن تقاليد المجتمع المسلم في اللبس والتزين للمرأة المسلمة‪ ،‬تنافي هذا التهالك المحموم على ك<‬
‫<راف‬ ‫<ذا اإلس<‬
‫وهذا السباق الشعور على أقرب األزياء إلى اإلثارة ‪ ,‬وأقدرها على اإلغراء ‪ ,‬وتناقض ه<‬
‫المجنون ‪ ,‬في التجمل والتجميل ‪ ,‬من وصل الشعر ( الباروكة ) ونمص الحواجب ‪ ,‬ووشر األس<<نان و‬
‫(جراحات التجميل ) وغير ذلك مما لعنه رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) لما فيه من تغيير خلق اهلل ‪.‬‬
‫ولم يعد يكفى المرأة أن تقوم بتجميل نفسها ‪ ,‬فاحتاجت إلى من يجملها ‪ ,‬ولم يعد القائم بالتجميل ام<<رأة‬
‫تأتى إليها في بيتها ‪ ,‬كما كان يحدث في العصور السابقة أحيانا ‪ .‬بل أصبحت المرأة هي التي تخرج من‬
‫<ك أفحش‬ ‫<ى على ذل<‬ ‫<ا ويتقاض<‬ ‫<ا وتزيينه<‬‫بيتها لتذهب إلى محل رجل أجنبي ( كوافير ) يقوم بتجميله<‬
‫األجور ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫مهمة المجتمع المسلم مع اآلداب والتقاليد‬
‫إن مهمة المجتمع المسلم هنا ‪ -‬كما هي مهمته دائما ‪ -‬أن يبث هذه اآلداب ‪ ,‬ويربى عليها أبناءه وبناته ‪,‬‬
‫<انة إلى‬
‫<ه ‪ ,‬من الحض<‬ ‫<توياته وأنواع<‬
‫<ل التعليم ومس<‬
‫<ل مراح<‬ ‫<ه‪ ،‬في ك<‬
‫وينشئ عليها تالميذه وتلميذات<‬
‫الجامعة ‪ . .‬ويحببها إلى الشعب بكل وسيلة من وسائل التوجيه واإلعالم ‪ ,‬وبكل أس<<لوب من أس<<اليب‬
‫<حيفة ‪,‬‬‫<ة والص<‬ ‫<اب ‪ ,‬والمجل<‬
‫التأثير والبيان ‪ :‬بالمقالة والقصيدة ‪ ,‬والقصة والمسرحية ‪ ,‬والنشرة والكت<‬
‫والنكتة والكاريكاتير ‪ ,‬بالكلمة المقروءة والكلمة المسموعة والصورة المشاهدة ‪ .‬وأن تتعاون على ذل<<ك‬
‫كل المؤسسات ‪ :‬الدينية كالمسجد ‪ ,‬والفنية كالمسرح‪ ،‬والتربوية كالمدرسة‪ ،‬واإلعالمي<<ة كالتلف<<از‪ ،‬وال‬
‫يجوز أن يبنى جهاز في جانب ‪ ,‬وتهدم أجهزة أخرى في جوانب ‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬

‫م<<<تى يبل<<<غ البني<<<ان يوم<<<ا تمام<<<ه إذا كنت تبني<<<ه وغ<<<يرك يه<<<دم ؟‬
‫وقال آخر ‪ :‬فلو ألف بان خلفهم هادم كفى فكيف ببان خلفه ألف هادم ؟ا‬

‫وال سيما أن الهدم في عصرنا باأللغام ال بالمعاول ‪ .‬وهذا يصدق في الماديات و المعنوي<<ات ‪ .‬وواجب‬
‫المجتمع المسلم في عصرنا أن ينقي آداب المجتمع وتقاليده مما دخل عليها من أمور غريبة عن طبيعته‬
‫المتوازنة المعتدلة‪ ،‬سواء في ذلك ما أدخلته عصور االنحطاط الفكري ‪ ,‬والتخلف الحض<<اري ‪ ,‬ال<<ذي‬
‫أصاب العالم اإلسالمي لعدة قرون ‪ .‬وما زحفت به علينا الحضارة الغربية الحديثة من بدع منك<<رة في‬
‫األزياء واألثاث والمآكل والمشارب ‪ ,‬واألعراس ومختلف المناسبات والعالقات بين الرجال والنس<<اء ‪,‬‬
‫وغ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ير ذل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ك ‪ .‬‬
‫ولهذا نجد المجتمع اإلسالمي اآلن يضم فريقين من الناس يعيشان على طرفي نقيض ‪.‬‬

‫<ع‬‫<ة ‪ ,‬م<‬‫<رد رؤي<‬ ‫فإذا أخذنا موضوع األسرة مثال ‪ .‬نجد‪ ‬هناك من ال يسمح لخاطب ابنته‪ ‬أن يراها مج<‬
‫مخالفة ذلك لألحاديث الصحيحة ‪ ,‬بل في بعض البالد ال يرى الخاطب زوجته بعد أن يعقد عليها العق<<د‬
‫<ل على‬ ‫<ة الحب<‬‫<دع للمخطوب<‬ ‫<ؤالء‪ ‬من ي<‬‫الشرعي ‪ ,‬وإنما يراها وتراه ليلة الزفاف فقط ! وفى مقابل ه<‬
‫الغارب‪ ,  ‬لتخرج مع خاطبها وحدهما ‪ ,‬متأبطًا ذراعها‪ ،‬غادين أو رائحين ‪ ,‬إلى المتنزهات أو السينمات‪،‬‬
‫سحابة النهار أو زلفًا من الليل ‪ ,‬حتى يسبر غورها ‪ ,‬ويعرفها معرفة مخالطة ومعايش<<ة ‪ .‬وهن<<اك من‬
‫األزواج‪ ‬من يعامل امرأته كأنها قطعة أثاث في البيت ‪ ,‬ال يستشيرها في أمر ‪ ,‬وال يعترف لها بح<<ق ‪,‬‬
‫وال يراعى لها شعورا ‪ ,‬ويرى ذلك من الرجولة ‪ .‬‬

‫<دو‬
‫وعكس ذلك من جعل زمامه في يد امرأته ‪ ,‬فال شخصية له ‪ ,‬وال أثر لقوامته على األسرة ‪ ,‬ب<ل تغ<‬
‫الزوجة هي اآلمرة الناهية ‪ ,‬المتصرفة في المال ‪ ,‬الموجهة لتربية األوالد ‪ ,‬المتحكمة في عالقات الزوج‬
‫ح<<<<<<<<<تى بأم<<<<<<<<<ه وأبي<<<<<<<<<ه وذوى قرابت<<<<<<<<<ه ‪ .‬‬
‫وهناك في مجال الميراث‪ :‬من يحرم البنات من ميراثهن الشرعي الذي كتب<<ه اهلل لهن ‪ ,‬ليخص ب<<ذلك‬
‫أبناءه الذكور‪ ،‬كأنما يستدرك على اهلل تعالى في حكمه‪ .‬وعلى النقيض من ذلك من يريد أن يس<<وى بين‬
‫االبن والبنت ‪ ,‬حالفًا لما فرض اهلل عز وجل في كتابه‪ ،‬ناسيًا أن الشرع فاوت بينهما في األنصبة ‪ ,‬ألنه‬
‫<اه ‪ .‬ثم على‬
‫<ا ذكرن<‬‫<بنا م<‬‫فاوت بينهما في األعباء والتكاليف المالية ‪ .‬واألمثلة على ذلك كثيرة ‪ .‬وحس<‬
‫المجتمع أن يحمى هذه اآلداب والتقاليد بعد ذلك بالقانون والسريع ‪ ,‬فال يترك الحبل على الغارب لل<<ذين‬
‫<ا من وحي‬ ‫<تي تلقته<‬‫<دها ‪ ,‬ال<‬
‫يريدون أن يفسدوا آداب األمة ‪ ,‬ويمحوا معالم شخصيتها ‪ ,‬ويدمروا تقالي<‬
‫ربها ‪ ,‬وفرضها عليها شرعها ‪ .‬فإذا تهاون المجتمع في آدابه وتقاليده‪ ،‬وأطلق العنان للمخربين يفعل<<ون‬
‫ما يشاؤون ‪ ,‬نفقد تخلى من رسالة المجتمع المسلم الحق ‪ .‬‬

‫<يلة ‪,‬‬
‫<ه األص<‬
‫ليس بمجتمع مسلم صادق اإلسالم ‪ :‬ذلك الذي ينسلخ من تقاليده العريقة ‪ ,‬وينفلت من آداب<‬
‫ليتقبل تقاليد دخيلة ‪ ,‬وآدابًا غريبة عنه‪ ،‬فتذوب شخصيته ‪ ,‬وتمحى ذاتيته ويصح ذي ً‬
‫ال لغيره‪ ،‬وقد جعل<<ه‬
‫<ا ه‬
‫<ذهب ‪ ,‬ونس<‬‫<واتم ال<‬
‫اهلل رأسًا‪ .‬فترى أبناءه يأكلون بالشمال ويشربون بالشمال ‪ ,‬ورجاله يتحلون بخ<‬
‫يتشبهن بالكافرات في كشف الشعور ‪ ,‬وتعرية الصدور ‪ ,‬وإبداء البطون والظهور ‪ .‬‬

‫ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يختلي فيه الرجال بالنساء بال زوج وال محرم وال رقيب وال حسيب ‪ .‬ليس‬
‫<د‬‫<اق ‪ -‬في المعاه<‬ ‫بمجتمع مسلم ذلك الذي يختلط فيه الفتيان والفتيات ‪ -‬اختالط تماس واحتكاك والتص<‬
‫والجامعات ‪ ,‬والمعسكرات والرحالت ‪ ,‬ووسائل المواصالت ‪ .‬ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تترك في<<ه‬
‫المؤسسات المشبوهة ‪ :‬الصحفية والسينمائية واإلعالمية ‪ ,‬تخرب كيان األمة‪ ،‬وتسلط عليها ريحًا سمومًا‬
‫< المضللة‪،‬‬‫فيها عذاب أليم‪ ،‬تدمر كل شئ بأمر سادتها من الصهاينة والمستعمرين والشيوعيين ‪ :‬بالمقاالت‬
‫واألخبار الزائفة‪ ،‬والقصص الماجنة‪ ،‬والصور الفاجرة ‪ ,‬واألغاني الخليعة ‪ ,‬والمسرحيات ال<<داعرة‪ ،‬و‬
‫( األفالم ) الهابطة‪ ،‬والمسلسالت المطعمة باألباطيل ‪ .‬إنما المجتمع المسلم حقًا ‪ :‬الذي يحامي عن آدابه‬
‫األصيلة‪ ،‬وتقاليده الثابتة ‪ ,‬كما يحامي عن أرضه أن تحتل ‪ ,‬وعن حرماته أن تنتهك ‪ ,‬وعن ثروات<<ه أن‬
‫تنتهب ‪ ,‬وعن كرامته أن تهان ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصل السابع‬
‫القيم اإلنسانية‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫العمــل‬ ‫درجــة اإليثار‬

‫الحــرية‬ ‫ربط النظريـة بالتطبيق‬

‫الشــورى‬ ‫الوحدة من لوازم اإلخاء‬

‫العــدل‬ ‫التعاون والتناصر والتراحم‬

‫اإلخــاء‬ ‫التكافل المـادي واألدبي‬

‫أخوة لكـل الفئات ال طبقية‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫كما يقوم المجتمع المسلم على ( العقائد ) التي تحدد له فلسفته الكلية عن المبدأ ‪ ,‬والمص<<ير‪ ،‬والغاي<<ة‪،‬‬
‫<ع‬‫<ه (مجتم<‬ ‫<ر أن<‬
‫وتجيب اإلنسان عن أسئلته القديمة الجديدة ‪ :‬من أين ؟ وإلى أين ؟ ولم ؟ ‪ ..‬وبها ظه<‬
‫<ا‬
‫<اهرة‪ ،‬وبه<‬ ‫موحد) ال يشرك باهلل شيئًا ‪ .‬ويقوم على الشعائر التي تجسد صلته باهلل تعالى في أعمال ظ<‬
‫<تي‬‫<حة ال<‬‫<اهيم الواض<‬ ‫ظهر أنه (مجتمع متعبد) أهم وظائفه عبادة اهلل تعالى ‪ .‬ويقوم على األفكار والمف<‬
‫تجعله يق ّوم األعمال والمواقف واألشخاص والمذاهب من خالل موازينه الخاصة ‪ ,‬التي ال تنس<<به ليمين‬
‫أو يس<<<<<<<<ار فهو‪ ( ‬مجتم@@@@@@@@@ع فك@@@@@@@@@رى )‪ ‬متميّ<<<<<<<<ز ‪ .‬‬
‫ويقوم على أخالق وفضائل يؤمن بها إيمانه بدينه وشريعته‪ ،‬فهي جزء منه ‪ ,‬باعتبارها أوامر ون<<واهي‬
‫صادرة إليه من ربه سبحانه ‪ ,‬فهو‪ ( ‬مجتمع أخالقي )‪ . ‬ويقوم ذلك المجتمع على آداب وتقاليد خاص<<ة‬
‫تجعله نسيج وحده‪ ،‬غير مقلد لغيره‪ ،‬ممن بعد عنه زمانًا‪ ،‬أو بعد عنه مكانًا‪ .‬كما يقوم المجتمع على ذلك‬
‫<ة‪ .‬‬‫<رية الراقي<‬
‫<ا البش<‬
‫<ع إليه<‬‫<تي تتطل<‬ ‫<ة‪ ،‬ال<‬
‫@انية)‪ ‬الرفيع<‬‫<ذلك على‪ ( ‬القيم اإلنس@‬ ‫<وم ك<‬‫<ه‪ ،‬يق<‬‫كل<‬
‫وأعنى بالقيم اإلنسانية تلك التي تقوم على احترام كرامة اإلنسان وحريته وحرماته‪ ،‬وحقوقه‪ ،‬وص<<يانة‬
‫دمه وعرضه وماله وعقله ونسله‪ ،‬بوصفه إنسانًا‪ ،‬وعضوًا في مجتمع‪.‬‬

‫ونركز هنا على مجموعة من القيم األساسية وهى ‪:‬‬

‫العلم‪ ،‬والعمل‪ ،‬والحرية‪ ،‬والشورى‪ ،‬والعدل‪ ،‬واإلخاء‬

‫إلى الفهرس‬

‫العلم‬
‫العلم قيمة من القيم العليا‪ ،‬التي جاء بها اإلسالم وأقام عليها حياة اإلنسان المعنوية والمادية‪ ،‬األخروي<<ة‬
‫والدنيوية‪ ،‬وجعله طريق اإليمان وداعي العمل‪ ،‬وهو المرشح األول للخالفة في األرض‪ ،‬وبه فض<ل آدم‬
‫<وا منهم أن‬‫<ذين توقع<‬
‫أبو البشر على المالئكة‪ ،‬الذين تطلعوا إلى منصب الخالفة ! ألنهم أعبد هلل من ال<‬
‫يفسدوا في األرض ويسفكوا الدماء‪ ،‬فقال تعالى ردًا عليهم ‪ ( :‬إني أعلم ما ال تعلمون‪ ،‬وعلم آدم األسماء‬
‫<ول‬‫<ه على الرس<‬ ‫كلها ‪ ) . . .‬اآليات‪ .‬إن اإلسالم هو دين العلم‪ ،‬والقرآن كتاب العلم ‪ ,‬وأول ما نزل من<‬
‫الكريم ‪ (:‬إقرأ باسم ربك الذي خلق ) والقراءة هي باب العلم ‪ .‬والقرآن ‪ ( :‬كتاب فصلت آيات<<ه قرآن<<ًا‬
‫<ون‬ ‫عربيًا لقوم يعلمون ) ‪ .‬والقرآن يجعل العلم أساس التفاضل بين الناس ‪ ( :‬قل هل يستوي الذين يعلم<‬
‫والذين ال يعلمون ) ‪ .‬كما يجعل أهل العلم هم الشهداء هلل تعالى بالتوحيد‪ ،‬مع المالئكة ‪( :‬أنه ال إل<<ه إال‬
‫هو والمالئكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط ) ‪ .‬وأهل العلم كذلك هم المؤهلون لخشيه اهلل تعالى وتقواه ( إنما‬
‫يحشى اهلل من عباده العلماء ) ‪ ,‬فال بخشى اهلل إال من عرفه‪ ،‬وإنما يعرف اهلل بآثار قدرته ورحمت<<ه في‬
‫خلقه‪ ،‬ولهذا جاءت هذه الجملة في سياق الحديث عن آيات اهلل تعالى في الكون ‪ ( :‬ألم تر أن اهلل أن<<زل‬
‫من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها‪ ،‬ومن الجبال ج<<دد بيض وحم<<ر مختل<<ف ألوانه<<ا‬
‫<اده‬‫<ى اهلل من عب<‬ ‫<ا يخش<‬ ‫<ذلك‪ ،‬إنم<‬ ‫<ه ك<‬ ‫<ف ألوان<‬‫وغرابيب سود‪ ،‬ومن الناس والدواب واألنعام مختل<‬
‫العلماء ) ‪ .‬والقرآن أعظم كتاب ينشئ‪ ( ‬العقلية العلمية )‪ ‬التي تنبذ الخرافة‪ ،‬وتتمرد على التقليد األعمى‪،‬‬
‫لألجداد واآلباء أو للسادة والكبراء‪ ،‬أو للعوام والدهماء‪ ،‬وترفض الظنون واألهواء في مق<<ام البحث عن‬
‫<يات‪ ،‬ومن‬ ‫<دة في الحس<‬ ‫الحقائق والعقائد اليقينية‪ ،‬وال تقبل دعوى إال ببرهان قاطع‪ ،‬من المشاهدة المؤك<‬
‫المنطق السليم في العقليات‪ ،‬ومن النقل الموثق في المرويات ‪ .‬ويعتبر القرآن النظر فريضة‪ ،‬والتفك<<ير‬
‫عبادة‪ ،‬والبحث عن الحقيقة قربة‪ ،‬واستخدام أدوات المعرفة شكرًا لنعم اهلل‪ ،‬وتعطيلها سبي ً‬
‫ال إلى جهنم ‪.‬‬

‫<ا‬
‫اقرأ هذه اآليات في القرآن‪ ،‬وهى غيض من فيض ‪ ( :‬وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اهلل قالوا بل نتبع م<‬
‫ألفينا عليه آباءنا‪ ،‬أو لو كان آباؤهم ال يعقلون شيئًا وال يهتدون ) ؟‪ ( .‬وقالوا ربنا إن<<ا أطعن<<ا س<<ادتنا‬
‫لكل ض<<عف ولكن‬ ‫وكبراءنا فأضلونا السبيال‪ ،‬ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا ) ‪ ( .‬قال َ‬
‫ال تعلم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ون) ‪.‬‬
‫(وم<<<ا لهم ب<<<ه من علم‪ ،‬إن يتبع<<<ون إال الظن‪ ،‬وإن الظن ال يغ<<<نى من الح<<<ق ش<<<يئًا)‬
‫(إن يتبع<<<ون إال الظن وم<<<ا ته<<<وى األنفس‪ ،‬ولق<<<د ج<<<اءهم من ربهم اله<<<دى)‬
‫(وال تتب<<<<<<<<<ع اله<<<<<<<<<وى فيض<<<<<<<<<لك عن س<<<<<<<<<بيل اهلل)‬
‫(واهلل أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة لعلكم تش<<كرون)‬
‫<ؤو ً‬
‫ال)‬ ‫<ه مس<‬‫<ان عن<‬ ‫<ك ك<‬‫<ل أولئ<‬ ‫<ؤاد ك<‬ ‫<ر والف<‬‫<مع والبص<‬‫<ه علم‪ ،‬إن الس<‬ ‫(وال تقف ما ليس لك ب<‬
‫(ن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<بئوني بعلم إن كنتم ص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ادقين)‬
‫(ق<<ل ه<<ل عن<<دكم من علم فتخرج<<وه لن<<ا‪ ،‬إن تتبع<<ون إال الظن وإن أنتم إال تخرص<<ون)‬
‫(ائت<<<<وني بكت<<<<اب من قب<<<<ل ه<<<<ذا أو أث<<<<ارة من علم إن كنتم ص<<<<ادقين)‬
‫(ق<<<<<<<<<ل ه<<<<<<<<<اتوا بره<<<<<<<<<انكم إن كنتم ص<<<<<<<<<ادقين)‬
‫(أو لم ينظ<<<روا في ملك<<<وت الس<<<موات واألرض وم<<<ا خل<<<ق اهلل من ش<<<يء)‬
‫(ق<<<<<<<<ل انظ<<<<<<<<روا م<<<<<<<<اذا في الس<<<<<<<<موات واألرض)‬
‫(قل إنما أعظمكم بواحدة‪ ،‬أن تقوموا هلل مثنى وفرادى ثم تتفكروا)‬

‫<راد‬‫<ار)‪ .‬والم<‬
‫<اب) ‪ ،‬و (أولى النهى) ‪( ،‬وأولى األبص<‬ ‫وينوه القرآن في كثير من آياته بـ( أولى األلب<‬
‫بالبصر هنا‪ :‬العقلي ال الحسي‪ .‬ويبين في كتابه المسطور (القرآن)‪ ،‬وكتابه المنظور (الكون) آيات (لقوم‬
‫<ل‪( :‬أفال‬
‫<ة مث<‬‫<ول الغافل<‬
‫<ه العق<‬‫يتفكرون)‪ ،‬و(لقوم يعقلون)‪ ،‬و(لقوم يعلمون)‪ .‬وكم فيه من فواصل تنب<‬
‫تعقلون)؟ ‪( ،‬أفال تتفكرون)؟ ‪.‬‬

‫وعلماء اإلسالم متفقون على أن طلب ‪1‬لعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة‪ ،‬وأن منه ما ه<<و ف<<رض‬
‫عين‪ ،‬ومنه ما هو فرض كفاية‪ .‬ففرض العين ما ال بد للمسلم منه في فهم دينه عقيدة وعبادة وس<<لوكًا‪،‬‬
‫<دين‬ ‫<وام ال<‬
‫وفي عمل دنياه‪ ،‬حتى يكفي نفسه‪ ،‬وأسرته‪ ،‬ويهم في كفاية أمته‪ .‬وفرض الكفاية كل ما به ق<‬
‫والدنيا للجماعة المسلمة‪ ،‬من علوم الدين وعلوم الدنيا ‪ .‬ولهذا ق<<رر علم<<اء المس<<لمين أن تعلم الطب‬
‫والهندسة وغيرهما من فروع العلم‪ ،‬وكذلك تعلم الصناعات التي ال تقوم حياة الناس إال بها‪ ،‬فرض كفاية‬
‫<ه‬‫<د ب<‬‫<ال‪ ،‬بحيث تس<‬ ‫<ل مج<‬ ‫على األمة‪ ،‬فإذا وجد فيها عدد كاف من العلماء والخبراء‪ ،‬والفنيين في ك<‬
‫الثغرات‪ ،‬وتلبى الحاجات‪ ،‬فقد أدت األمة واجبها‪ ،‬وسقط اإلثم والحرج عنها‪ ،‬وإذا قص<<رت األم<<ة في‬
‫جانب من هذه الجوانب الدنيوية‪ ،‬وغدت عالة على غيرها كليًا أو جزئيًا‪ ،‬فاألمة كلها آثمة‪ ،‬وبخاصة أولو‬
‫األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر فيه<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا‪.‬‬
‫<ة بين العلم‬
‫<ة األرك<<ان‪ ،‬جامع<‬ ‫<ان‪ ،‬متين<‬ ‫وعلى ضوء هذه المعاني قامت حضارة إسالمية رفيعة البني<‬
‫واإليمان‪ .‬ولم يعرف في هذه الحضارة ما عرف في أمم أخرى من الصراع بين العلم وال<<دين‪ ،‬أو بين‬
‫الحكمة والشريعة‪ ،‬أو بين العقل والنقل‪ .‬بل كان كثير من علماء الشرع أطباء ورياض<<يين وكيم<<ائيين‬
‫<دون‬ ‫<وارزمي وابن النفيس وابن خل<‬ ‫<رازي والخ<‬ ‫<ر ال<‬‫<د والفخ<‬‫<ل ‪ :‬ابن رش<‬
‫وفلكيين وغيرهم‪ ( ،‬مث<‬
‫وغ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يرهم ) ‪ .‬‬
‫<ك‬‫<ام على ذل<‬‫<ة‪ ،‬وأق<‬‫<ع العلم والمدني<‬
‫وقد بين اإلمام محمد عبده أن أصول اإلسالم تتفق كل االتفاق م<‬
‫البراهين الناصعة من نصوص الدين ومن تاريخ المسلمين‪ ،‬وذلك في كتابه القيم ( اإلسالم والنص<<رانية‬
‫مع العلم والمدنية) ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫العمل‬
‫وهو ثمرة العلم‪ ،‬ولهذا قيل في تراثنا ‪ :‬علم بال عمل‪ ،‬كشجر بال ثمر‪ ،‬أو سحاب بال مطر‪ .‬وهو أيض<<ا‬
‫ثمرة اإليمان الحق‪ ،‬إذ ال يتصور إيمان بال عمل ‪ .‬ومهما يختلف علماء الكالم في اعتبار العمل ج<<زءًا‬
‫من حقيقة اإليمان‪ ،‬أو شرطًا له‪ ،‬أو أثرًا له‪ ،‬فما ال ريب فيه أن اإليمان الصادق ال بد أن يثم<<ر عم ً‬
‫ال ‪.‬‬
‫ولهذا قرن القرآن بين اإليمان والعمل في عشرات من آياته‪ ،‬ولهذا قال السلف ‪ :‬اإليمان م<<ا وق<<ر في‬
‫القلب‪ ،‬وص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دقه العم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ل‪ .‬‬
‫والعمل المطلوب هو‪ :  ‬بذل الجهد الواعي لتحقيق مقاصد الشارع من اإلنسان فوق هذه األرض ‪  .‬وهذه‬
‫<ه‬ ‫<فهانى‪ ‬في كتاب<‬
‫<راغب األص<‬ ‫<ام ال<‬
‫المقاصد‪ - ‬كما أشار إليها القرآن ‪ -‬تتحدد في ثالث ذكرها اإلم<‬
‫( الذريعة إلى مكارم الشريعة ) وهى‬

‫العبادة‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ( :‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون)‬ ‫‪.1‬‬
‫الخالفة‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ( :‬إني جاعل في األرض خليفة)‪..‬يعني آدم وذريته‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫العمارة‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ( :‬هو أنشأكم من األرض واستعمركم فيها ) ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫وهذه الثالثة متداخلة ومتالزمة‪ ،‬فالعمارة ‪ -‬عند أدائها بقصد ونية ‪ -‬جزء من العب<<ادة‪ ،‬وقي<<ام بح<<ق‬
‫<ل‬‫<ارة ‪ .‬والعم<‬‫<ادة وعم<‬‫الخالفة‪ .‬والعبادة بمعناها الواسع تشمل الخالفة والعمارة‪ ،‬وال خالفة بغير عب<‬
‫<ه‬‫المنشود في اإلسالم هو‪ ( ‬عمل الصالحات )‪ ،‬والصالحات ‪ :‬تعبير قرآني جامع‪ ،‬يشمل كل ما يصلح ب<‬
‫<ا‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬ويصلح به الفرد والمجتمع‪ .‬فهو يضم العبادات والعامالت‪ ،‬أو عمل المعاش والمعاد‪ ،‬كم<‬
‫يعبر علماؤنا رحمهم اهلل ‪ .‬ولقد بين القرآن أن اهلل تعالى خلق السموات واألرض‪ ،‬وخلق الموت والحياة‪،‬‬
‫وجعل ما على األرض زينة لها‪ ،‬لهدف واضح حدده بقوله سبحانه ‪( :‬ليبلوكم أيكم أحسن عم ً‬
‫ال )‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ال ) ‪ .‬ومعنى هذا ‪ :‬أن الخالق جل شأنه ال يريد من الناس أي عمل‪ ،‬وال مجرد‬ ‫(لنبلوهم أيهم أحسن عم ً‬
‫العمل الحسن‪ ،‬بل يريد منهم‪ ( ‬العمل األحسن)‪ . ‬فالسباق بينهم ليس بين العمل السيئ والحسن‪ ،‬ب<<ل بين‬
‫العمل الحسن واألحسن ‪ .‬وال غرو أن وجدنا من العبارات القرآنية المأنوسة عبارة ‪ ( :‬التي هي أحسن)‪،‬‬
‫<التي هي‬ ‫<تيم ( ب<‬
‫<ال الي<‬‫<تثمر م<‬‫فالمسلم يجادل ( بالتي هي أحسن )‪ ،‬وبدفع ( بالتي هي أحسن)‪ ،‬ويس<‬
‫أحسن )‪ ،‬ويتبع أحسن ما أنزل إليه من ربه ‪ ( :‬واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) ‪ .‬فهو يرنو دائمًا‬
‫إلى ما هو أحسن‪ ،‬وليس إلى مجرد الحسن ‪ .‬والعمل االقتصادي بكل‪ ،‬فروع<<ه وأنواع<<ه من أفض<<ل‬
‫القربات إلى اهلل‪ ،‬إذا صحت فيه النية‪ ،‬وأدى بإتقان‪ ،‬والتزمت فيه حدود اهلل‪ .‬وخصوصًا العمل اإلنتاجي‬
‫من زراعة وصناعة وحديد وتعدين ‪ .‬وقد توارث العرب من قديم احتقار العمل اليدوي والحرفي‪ ،‬وكان‬
‫<ًا‬
‫<ه عيش<‬ ‫<ل ل<‬‫أحدهم يؤثر أن يذهب إلى األمير أو شيخ القبيلة‪ ،‬يسأله المعونة‪ ،‬على أن يبذل جهدًا يكف<‬
‫يالئمه‪ ،‬فبين لهم الرسول الكريم أن أي عمل لكسب العيش وان قل دخله‪ ،‬وكثر جهده ‪ -‬خير وأكرم من‬
‫< عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬ألن يأخذ أحدكم حبله على ظهر‪ ،‬في<<أتي‬ ‫سؤال الناس‪ ،‬أعطوه أو منعوه‪ .‬يقول‬
‫<وه ) ‪ .‬وفى‬ ‫<وه أو منع<‬ ‫بحزمة من الحطب فيبيعها‪ ،‬فيكف اهلل بها وجهه‪ ،‬خير من أن يسأل الناس‪ ،‬أعط<‬
‫الحث على االحتراف يقول ‪ ( :‬ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده‪ ،‬وإن نبي اهلل داود‬
‫كان يأكل من عمل يده ) ‪ .‬وفى الحث على الزرع والغرس يقول ‪ ( :‬ما من مسلم يغ<<رس غرس<<ًا أو‬
‫يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إالكان له به صدقة ) ‪ .‬ومن أروع التوجيهات النبوية في‬
‫بيان قيمة العمل ‪ :‬الحديث الذي يقول ‪(:‬إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة‪ ،‬فإن اس<<تطاع أال تق<<وم‬
‫( أي الساعة ) حتى يغرسها فليغرسها ) ‪ .‬والفسيلة ‪ :‬النخلة الصغيرة‪ ،‬أي ما نس@@ميه ( الش@@تلة ) ‪ .‬‬
‫ولماذا يغرسها والساعة قائمة‪ ،‬وهو لن ينتفع بها‪ ،‬وال أحد من بعده ؟!‬

‫ال منتجًا‪ ،‬حتى تنفد آخر نقطة زيت‬‫إنه دليل عملى أن العمل مطلوب لذاته‪ ،‬وأن على المسلم أن يظل عام ً‬
‫<ذه‬
‫<لمون ه<‬ ‫في سراج الحياة ! إن العمل عبادة وقربة‪ ،‬أكل الناس من ثمره أو لم يأكلوا‪ .‬ولو وعى المس<‬
‫التعليمات لفتح اهلل عليهم بركات من السماء‪ ،‬واألرض‪ ،‬وأكلوا من ف<<وقهم ومن تحت أرجلهم‪ .‬وك<<انت‬
‫<تى إنهم ال‬
‫ال على غيرهم من األمم‪ ،‬ح<‬ ‫مجتمعاتهم في طليعة مجتمعات العام إنتاجًا وثرا ًء‪ ،‬ولم يعيشوا ك ً‬
‫يكفون أنفسهم من القوت اليومي الذي به عيشهم وحياتهم‪ ،‬وبالدهم بالد زراعية‪ ،‬وال من السالح ال<<ذي‬
‫يحتاجون إليه في حماية حرماتهم وأرضهم وعرضهم‪ ،‬فلو كف اآلخرون أيديهم منهم لهلكوا مادي<<ًا من‬
‫الجوع‪ ،‬وهلكوا معنويًا من الذل‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الحرية‬
‫ومن القيم اإلنسانية التي عظم أمرها اإلسالم‪ :‬الحرية‪ ،‬التي ترفع من اإلنسان كل ألوان الضغط والقه<<ر‬
‫واإلكراه واإلذالل‪ .‬وتجعله كما أراد اهلل له ‪ :‬سيدًا في الكون‪ ،‬عبدًا هلل وحده‪.‬‬

‫<ل‬‫<ة المدنية‪ ،‬وك<‬
‫<ية‪ ،‬والحري<‬
‫<ة السياس<‬‫وتشمل هذه الحرية‪ :‬الحرية الدينية‪ ،‬والحرية الفكرية‪ ،‬والحري<‬
‫الحري<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ات الحقيقي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة‪ .‬‬
‫<د‬
‫<ره أح<‬‫ونعنى بالحرية الدينية‪ :‬حرية االعتقاد‪ ،‬وحرية ممارسة الشعائر‪ ،‬فال يقبل اإلسالم بحال أن يك<‬
‫على ترك دين رضيه واعتنقه‪ ،‬أو يجبر على اعتناق دين ال يرضاه‪ .‬ونصوص القرآن الكريم مريحة في‬
‫ذلك كل الصراحة‪ ،‬ففي القرآن المكي يقول تعالى ‪ ( :‬أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤم<<نين ) ؟ وفي‬
‫الق<<رآن الم<<دني يق<<ول س<<بحانه ‪ ( :‬ال إك<<راه في ال<<دين‪ ،‬ق<<د ت<<بين الرش<<د من الغي ) ‪ .‬‬
‫ومن دخل في ذمة المسلمين من أصحاب األديان األخرى‪ ،‬فقد غدا يحمل‪( ‬جنسية دار اإلسالم)‪ ،‬له م<<ا‬
‫<ا‬
‫<ل م<‬ ‫<ه ك<‬‫للمسلمين ‪ ,‬وعليه ما عليهم في الجملة‪ ،‬إال ما اقتضته طبيعة التميز الديني‪ ،‬فال يفرض علي<‬
‫<رنا‬
‫<اس من كتب في عص<‬ ‫يفرض على المسلمين‪ ،‬وال يحرم عليه كل ما حرم على المسلمين ‪ .‬ومن الن<‬
‫يقول ‪ :‬إن التراث العربي واإلسالمي لم يعرف الحرية بالمفهوم الحديث والمعاصر‪ ،‬الذي نقل إلين<<ا من‬
‫الغرب‪ ،‬بعد الثورة الفرنسية‪ .‬إنما يعرف الحرية بمعنى ( عدم الرق) فقط‪ ،‬فالحر من ليس عبدا‪ ،‬والحرية‬
‫<ا لم نكن‬
‫<ا‪ ،‬فقبله<‬
‫<ة على فرنس<‬ ‫مقابل الرق والعبودية‪ .‬فنحن حين نؤمن بالحرية‪ ،‬أو ننادى بالحرية عال<‬
‫<ون‪،‬‬‫< وعلمي<‬‫<ون‬ ‫نعرف منها شيا !! وإني ألعجب أن يقول هذا أناس يزعمون ‪ -‬ويزعم لهم‪ -‬أنهم مثقف<‬
‫<ع‬‫<ا أن نض<‬ ‫<زوق‪ ،‬وجب علين<‬ ‫< ! ونظرًا ألن بعض الناس قد يغره هذا الكالم الم<‬‫وباحثون موضوعيون‬
‫أم<<<<<<<<امهم بعض الحق<<<<<<<<ائق تبص<<<<<<<<رة وت<<<<<<<<ذكرة ‪ :‬‬
‫أوال‪ :‬ال ننكر أن األمل والحقيقة اللغوية في معنى الحرية‪ ،‬هو ما يقابل الرق الذي يعنى تحكم‪ ‬اإلنس<<ان‬
‫في آخر وتسلطه عليه‪ .‬والحرية تعني التخلص من هذا التحكم والتسلط‪ ،‬وفكاك رقبته من<<ه‪ .‬ولكن ليس‬
‫ه<<<<<<<<ذا ه<<<<<<<<و المع<<<<<<<<نى الوحي<<<<<<<<د للكلم<<<<<<<<ة ‪ .‬‬
‫لقد اتسعت الكلمة لتشمل تخلص اإلنسان من كل تسلط عليه بغير حق‪ ،‬من سلطة جائرة‪ ،‬أو قوة قاهرة ‪.‬‬
‫وفى هذا جاءت كلمة عمر بن الخطاب لواليه على مصر عمرو بن العاص‪ ،‬وهي كلم<<ة محف<<ورة في‬
‫ذاك<<<رة الت<<<اريخ ‪ ( :‬م<<<تى تعب<<<دتم الن<<<اس وق<<<د ول<<<دتهم أمه<<<اتهم أح<<<رارا ) ؟ا‬
‫< على بن أبى ط<الب في‬ ‫وهى كلمة أصبحت تصدر بها اآلن الدساتير ومواثيق حقوق اإلنسان ‪ .‬وبق<ول‬
‫<عراء‬‫<ير من الش<‬ ‫<تعمل كث<‬‫<د اس<‬‫<را )‪ .‬وق<‬ ‫<ك اهلل ح<‬
‫<د جعل<‬ ‫وصيته البنه ‪ ) :‬وال تكن عبد غيرك وق<‬
‫كلمة‪( ‬الحر)‪ ‬بمعنى اإلنسان العزيز الكريم‪ .‬كقول من قال ‪:‬‬

‫العب<<<<<<د يق<<<<<<رع بالعص<<<<<<ا والح<<<<<<ر تكفي<<<<<<ه المالم<<<<<<ة !‬


‫وقال اآلخر ‪ :‬والحر من دان إنصافًا كما دينا‬

‫وقال غيره في وصف بعض الحسان العفيفات ‪ :‬حور حرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام‬

‫وفى أمثال العرب ‪ ( :‬تجوع الحرة وال تأكل بثدييها ) !‬

‫وق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<الوا ‪:‬‬
‫( الصبر مر‪ ،‬ال يتجرعه إال حر )‪.‬‬

‫ثم إن عدم وجود لفظ أو مصطلح معين يدل على مفهوم أو مضمون نعرفه اآلن ‪ :‬ال يعنى بالض<<رورة‬
‫عدم وجود هذا المدلول أو المضمون ‪ .‬فقد يوجد هذا المضمون أو المحتوى تحت لفظ أو مصطلح آخر‪.‬‬
‫<ا‬
‫<احث في تراثن<‬ ‫<د الب<‬
‫<د ال يج<‬‫<رى ‪ .‬فق<‬ ‫<طلحات أخ<‬ ‫<ات أو مص<‬ ‫<ورا تحت كلم<‬ ‫<د منث<‬‫<د يوج<‬ ‫وق<‬
‫كلمة‪( ‬المساواة)‪ ‬مستخدمة كما نستخدمها نحن اآلن ‪ .‬ولكنه بأدنى بحث يجد مضمونها مبثوثا منتشرا‪ ،‬في‬
‫<يام‬
‫<الة والص<‬‫آيات القرآن الكريم ‪ ,‬وأحاديث الرسول العظيم ‪ ,‬وفى عبادات اإلسالم وشعائره‪ ،‬من الص<‬
‫والحج والعمرة‪ ،‬وفى أحكام اإلسالم وعقوباته التي ال تفرق بين الشريف والوضيع ‪ .‬وفى مبادئ اإلسالم‬
‫<ل‬‫<نان المش<ط ومث<‬ ‫<ية كأس<‬‫التي تحطم الفوارق بين األجناس واأللوان والطبقات‪ ،‬وتجعل الناس سواس<‬
‫ذلك ‪ :‬الحرية‪ ،‬فقد يعبر عنها بالكرامة ‪ ( :‬ولقد كرمنا بنى آدم ) أو‪ ‬ب<<العزة‪( : ‬وهلل الع<<زة ولرس<<وله‬
‫<ريم‬‫<ر )‪ .‬أو‪ ‬بتح<‬‫<ائل فال تنه<‬
‫وللمؤمنين ) ‪ .‬أو‪ ‬بتحريم القهر والنهر‪ ( : ‬فأما اليتيم فال تقهر‪ ،‬وأما الس<‬
‫اإلرهاب والترويع‪ ( : ‬ال يحل لمسلم أن يروع مسلما ) ‪ .‬أو‪ ‬بتحريم الضرب والتع<<ذيب‪ ( : ‬من ج<<رد‬
‫ظهر مسلم بغير حق لقي اهلل وهو عليه غضبان )‪ .‬أو بغير ذلك من العبارات واألساليب ‪ .‬وأك<<ثر من‬
‫ذلك ‪ :‬أن اإلسالم يحرض على القتال وإعالن الحرب من أجل تحرير المستضعفين في األرض من نير‬
‫< تعالى ‪( :‬ومالكم ال تقاتلون في سبيل اهلل والمستضعفين من الرجال والنس<<ا ء‬ ‫الطغاة والمتجبرين‪ .‬يقول‬
‫والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لن<<ا من‬
‫<اجروا من‬ ‫<ل من أن يه<‬ ‫<تبداد‪ ،‬فال أق<‬
‫دونك نصيرًا ) ‪ .‬وإذا لم يقدر الناس على مقاومة الطغيان واالس<‬
‫<ريم‬ ‫<رآن الك<‬ ‫<د الق<‬‫ديارهم‪ ،‬وال يقبلوا على أنفسهم الهوان والبقاء تحت نير الظلم واالستعباد‪ .‬وقد توع<‬
‫<و‬ ‫< وال ه<‬ ‫<اومين‪،‬‬‫بالوعيد الشديد من رضي بهذه الحياة المهينة‪ ،‬واستسلم لها طائعًا فال هو قاوم مع المق<‬
‫هاجر مع المهاجرين ‪ .‬يقول اهلل عز وجل ‪ ( :‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفس<<هم ق<<الوا فيم كنتم‬
‫قالوا كنا مستضعفين في األرض‪ ،‬قالوا أم تكن أرض اهلل واسعة فتهاجروا فيها‪ ،‬فأولئك م<<أواهم جهنم‪،‬‬
‫وساءت مصيرًا‪ ،‬إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون س<<بي ً‬
‫ال‪،‬‬
‫فأولئك عسى اهلل أن يعفوا عنهم‪ ،‬وكان اهلل عفوًا غفورًا ) ‪ .‬على أن الذي يعطى اإلسالم حق<<ه من الفهم‬
‫<‬
‫والتدبر‪ ،‬يجد أن جوهره هو التوحيد‪ ،‬فهو روح الوجود اإلسالمي‪ .‬والتوحيد هو األساس العقلي والفلسفي‬
‫لتحقي<<ق مب<<دأ الحري<<ة‪ ،‬ب<<ل لتحقي<<ق مب<<ادئ الحري<<ة واإلخ<<اء والمس<<اواة جميع<<ا ‪ .‬‬
‫<زالهم من‬ ‫وكلمة التوحيد ‪ -‬كلمة‪ ( ‬ال إله إال اهلل )‪ - ‬تعنى إسقاط المتألهين والمتجبرين في األرض‪ ،‬وإن<‬
‫<ا في العبودي<ة هلل ‪,‬‬ ‫عروش الربوبية المزيفة‪ ،‬واالستعالء على الخلق‪ ،‬إلى ساحة المشاركة للناس جميع<‬
‫والبنوة آلدم‪ .‬ولهذا كانت رسائل النبي (صلى اهلل عليه وسلم) إلى قيصر وأمرا ء النصارى وملوكهم في‬
‫مصر والحبشة وغيرها مختومة بهذا النداء ‪( :‬يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد‬
‫إال اهلل وال نش<<<رك ب<<<ه ش<<<يئًا وال يتخ<<<ذ بعض<<<نا بعض<<<ًا أرباب<<<ا من دون اهلل) ‪ .‬‬
‫إن أعظم ما دمر حرية البشر‪ ،‬وأتى على بنيانها من القواعد‪ ،‬اتخاذ بعض الناس بعضًا أرباب<<ًا من دون‬
‫<زورين‪،‬‬ ‫<ة الم<‬ ‫اهلل‪ .‬ولكي يسترد الناس حرمتهم وكرامتهم يجب تحطيم هؤالء األرباب األدعياء‪ ،‬واآلله<‬
‫خصوصًا في أنفس الذين توهموهم أربابًا حقًا‪ ،‬وهم مخلوقون مثلهم‪ ،‬ال يملكون ألنفسهم ضرًا وال نفع<<ًا‬
‫<ه‬ ‫وال موتًا وال حيا ًة وال نشورًا ‪ .‬ولقد وعى مشركو العرب هذه الحقيقة منذ دعا النبي (ص<‬
‫<لى اهلل علي<‬
‫وسلم) من أول يوم إلى التوحيد‪ ،‬وشهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وعلموا أن وراء هذه الكلمة انقالبًا في الحياة‬
‫<عفين‬ ‫<راء والمستض<‬ ‫<يما الفق<‬
‫<ان‪ ،‬وال س<‬ ‫<نى اإلنس<‬ ‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬وأنها تؤذن بميالد جديد لب<‬
‫والمسحوقين‪ ،‬فال غرو أن وقفوا في وجهها‪ ،‬وجندوا كل قواهم لحرب ك<<ل من آمن به<<ا‪ ،‬واس<<تجاب‬
‫لندائها‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الشورى‬

‫الشورى في حياة الفرد‬


‫الشورى في حياة األسرة‬
‫الشورى في حياة المجتمع والدولة‬
‫ومن القيم اإلنس<<<انية واالجتماعي<<<ة ال<<<تي ج<<<اء به<<<ا اإلس<<<الم ‪ :‬الش<<<وري ‪ .‬‬
‫ومعنى الشورى‪ :  ‬أال ينفرد اإلنسان بالرأي وحده في األمور التي تحتاج إلى مشاركة عقل آخر أو أكثر‪،‬‬
‫ف<<<<رأى االث<<<<نين أو الجماع<<<<ة أدنى إلى إدراك الص<<<<واب من رأى الواح<<<<د ‪ .‬‬
‫كما أن التشاور في األمر يفتح مغاليقه‪ ،‬ويتيح النظر إليه من مختلف زواياه‪ ،‬بمقتضى اختالف اهتمامات‬
‫<ة‬
‫<امل‪ ،‬ودراس<‬‫األفراد‪ ،‬واختالف مداركهم وثقافتهم‪ ،‬وبهذا يكون الحكم على األمر مبنيًا على تصور ش<‬
‫مس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<توعبة‪ .‬‬
‫فاإلنسان بالشورى يضيف إلى عقله عقول اآلخرين وإلى علمه علوم اآلخرين‪ ،‬وفى هذا يقول الش<<اعر‬
‫العربي ‪:‬‬

‫إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم وال تحسب الشورى عليك غضاضة ف<<إن‬
‫الخوافي قوة للقوادم‬

‫وقد دعا اإلسالم إلى الشورى في حياة الفرد‪ ،‬وفى حياة األسرة‪ ،‬وفى حياة المجتمع والدولة ‪.‬‬

‫أعلى‬

‫الشورى في حياة الفرد‪ :‬‬

‫ففي حياة الفرد يربى اإلسالم المسلم إذا أراد أن يقدم على أمر من األمور المهمة‪ ،‬التي تختل<<ف فيه<<ا‬
‫الوجهات‪ ،‬وتتعارض اآلراء والرغبات‪ ،‬ويتردد فيها المرء بين اإلقدام واإلحجام‪ ،‬أن يس<<تعين ب<<أمرين‬
‫يس<<<<<<<<<اندانه على اتخ<<<<<<<<<اذ الق<<<<<<<<<رار األص<<<<<<<<<وب ‪ .‬‬
‫أحد هذين األمرين ‪ :‬رباني‪ ،‬وهو استخارة اهلل تعالى‪ ،‬وهى صالة ركعتين يعقبها دع<<اء مض<<مونه أن‬
‫يخت<<<ار اهلل ل<<<ه خ<<<ير األم<<<رين في دين<<<ه ودني<<<اه‪ ،‬ومعاش<<<ه ومع<<<اده ‪ .‬‬
‫والثاني‪ :‬إنساني‪ ،‬وهو استشارة من يثق برأيه وخبرته ونصحه وإخالصه‪ .‬وبهذا يجم<<ع بين اس<<تخارة‬
‫<دم من‬‫<تخار‪ ،‬وال ن<‬‫<اب من اس<‬ ‫<راثهم ‪ ( :‬ال خ<‬
‫<لمون من ت<‬ ‫الخالق‪ ،‬واستشارة الخلق‪ .‬وقد حفظ المس<‬
‫<ير من‬‫<لم) في كث<‬‫<ه وس<‬ ‫استشار) ‪ .‬وقد كان الصحابة رضي اهلل عنهم يستشيرون النبي (صلى اهلل علي<‬
‫<ة‬‫<ارته فاطم<‬‫أمورهم الخاصة‪ ،‬فيشير عليهم بما يراه صوابا أو أصوب أو أفضل‪ .‬كما رأينا حين استش<‬
‫بنت قيس في أمر زواجها‪ ،‬وقد أبدى الرغبة فيها رجالن ‪ :‬معاوية وأبو جهم‪ .‬فقال لها ‪ ( :‬أما معاوي<<ة‬
‫فصعلوك ال مال له‪ ،‬وأما أبو جهم فال يضع عصاه عن عاتقه) ! أي يضرب النساء‪ .‬واقترح عليه<<ا أن‬
‫<وره‬‫<حابه في أم<‬‫تتزوج أسامة بن زيد ‪ .‬وكان الرسول الكريم عليه الصالة والسالم يستشير بعض أص<‬
‫الخاصة كذلك ‪ .‬فقد رأيناه في أزمة (حديث اإلفك) يستشير على بن أبى طالب‪ ،‬ويسأل أسامة بن زيد ‪.‬‬

‫أعلى‬

‫الشورى في حياة األسرة‪ ::‬‬

‫وفى حياة األسرة يدعو اإلسالم إلى أن تقوم الحياة األسرية على أساس من التشاور والتراضي‪ .‬وذل<<ك‬
‫منذ بداية تكوين األسرة ‪ .‬ولهذا رفضت نصوص الشريعة أن يستبد األب بتزويج ابنته ‪ -‬ولو كانت بكرا‬
‫‪ -‬دون أن يأخذ رأيها‪ .‬وأوجب التوجيه النبوي أن تستأذن البكر‪ ،‬وان كانت تس<<تحيى‪ ،‬فجع<<ل إذنه<<ا‬
‫< ‪ .‬وقد رد النبي (صلى اهلل عليه‬‫صماتها‪ .‬فإن سكوتها عند عرض األمر عليها دليل على الرضا والقبول‬
‫وسلم) بعض عقود الزواج التي تمت بغير إرادة البنت‪ ،‬ألن الشرع لم يجز ألحد أن يتصرف في ماله<<ا‬
‫<ات‬‫وملكها بغير إذنها‪ ،‬فكيف بمصيرها ومستقبل حياتها ؟! بل رغبت السنة آباء البنات أن يشاوروا أمه<‬
‫بناتهن في أمر زواجهن‪ ،‬أي يشاور الرجل زوجته عند ترويج ابنتهما‪ ،‬وفى هذا جاء الحديث الذي رواه‬
‫اإلمام أحمد ‪ ( :‬آمروا النساء في بناتهن )‪ .‬وذلك أن األم أعلم بابنتها من األب‪ ،‬فهي باعتباره<<ا أن<<ثى‬
‫تعرف اتجاهها وعواطفها‪ ،‬والبنت تبوح ألمها عن أسرارها ما ال تجرؤ أن تبوح به لوالدها‪ .‬وبعد بن<<اء‬
‫األسرة ينبغي للزوجين ‪،‬ن يتفاهما ويتشاورا فيما يهم الحياة المشتركة بينهما‪ ،‬وفيما يهم كل واحد منهما‬
‫<د‬‫<يع عن<‬‫على حدة‪ ،‬وفيما يهم حياة ذريتهما ومستقبلها ‪ .‬وال يجوز أن يستهان برأي المرأة هنا‪ ،‬كما يش<‬
‫< وما كان أحصف رأي خديج<<ة‬ ‫بعض األمر‪ ،‬فكم من امرأة كان رأيها خيرًا وبركة على أهلها وقومها‪.‬‬
‫< في أول ساعات الوحي‪ ،‬ودورهما في تثبيت فؤاد النبي‪ ،‬والذهاب معه إلى ابن عمها ورق<<ة بن‬ ‫وموقفها‬
‫<ه‪ .‬‬‫<ديث عن<‬‫<يأتي الح<‬‫<ة‪ .‬وس<‬ ‫<وم الحديبي<‬‫<لمة ي<‬‫<ذلك رأي أم س<‬ ‫<ره‪ .‬وك<‬ ‫<ه ويبش<‬
‫<ل‪ ،‬ليطمئن<‬ ‫نوف<‬
‫ومن الروائع القرآنية ‪:‬التنبيه على ضرورة التشاور والتراضي بين الزوجين فيما يتصل برضاع األوالد‬
‫وفطامهم‪ ،‬ولو بعد االنفصال بينهما‪ .‬يقول تعالى‪ (:‬والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين‪ ،‬لمن أراد‬
‫<إن أرادا‬
‫<ال ‪ (:‬ف<‬
‫<المعروف ‪ ،) . . .‬إلى أن ق<‬ ‫أن يتم الرضاعة‪ ،‬وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ب<‬
‫ال عن تراض منهما وتشاور فال جناح علهما ) ‪.‬‬ ‫فصا ً‬

‫أعلى‬

‫الشورى في حياة المجتمع والدولة‪:‬‬

‫أما الشورى في حياة المجتمع والدولة المسلمة‪ ،‬فقد جعلها القرآن من المكونات المهمة للجماعة المسلمة‪،‬‬
‫<ورى في‬ ‫<ر الش<‬‫<د ذك<‬ ‫<المية‪ .‬فق<‬‫وذلك في القرآن آلمك الذي برس القواعد‪ ،‬ويضع األسس للحياة اإلس<‬
‫< األساسية التي ال يتم إسالم وال إيمان إال به<<ا‪ .‬وهى‪:‬‬ ‫أوصاف المؤمنين‪ ،‬مقرونة بمجموعة من الصفات‬
‫<ل‬ ‫<تي تحم<‬ ‫<ورة ال<‬‫<ر في الس<‬ ‫<ا ذك<‬
‫االستجابة هلل تعالى‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬واإلنفاق مما رزق اهلل‪ ،‬وهذا م<‬
‫اسم‪( ‬الشورى)‪ ‬يقول تعالى ( وما عند اهلل خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)‪ ،‬إلى أن ق<<ال ‪:‬‬
‫< والم<<راد بقول<<ه‬‫( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)‪.‬‬
‫(وأمرهم)‪ :‬األمر العام الذي يهم جماعتهم‪ ،‬ويؤثر في حياتهم المشتركة ‪ .‬وهو (األمر) ال<<ذي أم<<ر اهلل‬
‫<اورهم في‬ ‫<دني ‪ ( :‬وش<‬ ‫تعالى رسوله بالمشاورة فيه‪ .‬فقد قال تعالى في سورة آل عمران من القرآن الم<‬
‫األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر ) ‪ .‬‬
‫وقد جاء هذا األمر من اهلل ورسوله بعد غزوة ( أحد)‪ ،‬التي شاور النبي فيها أصحابه‪ ،‬ونزل عن رأي<<ه‬
‫إلى رأى أكثريتهم‪ ،‬وكانت النتيجة ما أصاب المسلمين من قرح‪ ،‬وما اتخذه اهلل من شهدا ء‪ :‬س<<بعين من‬
‫<اورة‬ ‫<وله بالمش<‬‫خيار الصحابة‪ ،‬منهم حمزة ومصعب وسعد بن الربيع وغيرهم ‪ .‬ومع هذا أمر اهلل رس<‬
‫لهم‪ ،‬ومعناه ‪ :‬استمر على مشاورتهم ‪ ,‬ففيها خير وبركة‪ ،‬وإن جاءت النتيجة في إحدى المرات على غير‬
‫ما تحب‪ ،‬فالعبرة بالعاقبة‪ .‬وقد كان النبي (صلى اهلل عليه وسلم) أكثر الناس مشاورة ألصحابه‪ :‬شاورهم‬
‫<ا‬
‫<أن إلى رض<‬ ‫<د أن اطم<‬ ‫<ة إال بع<‬‫في غزوة ( بدر)‪ ،‬قبل القتال‪ ،‬وفى أثنائه‪ ،‬وبعده‪ .‬ولم يدخل المعرك<‬
‫<وم‪ ،‬ال‬‫<روج إلى الق<‬ ‫جمهورهم ‪ .‬وشاورهم في (أحد)‪ ،‬فنزل عن رأيه إلى رأى األكثرية التي رأت الخ<‬
‫<ة‪،‬‬ ‫<ار المدين<‬
‫<ئ من ثم<‬ ‫القتال داخل المدينة‪ .‬وشاورهم في (الخندق)‪ ،‬وهم أن يصالح (غطفان) على ش<‬
‫ليعزلهم عن قريش‪ ،‬وأبى ممثلو األنصار ذلك‪ ،‬فوقف عند رأيهم‪ .‬وفى ( الحديبية ) شاور أم س<<لمة في‬
‫امتناع أصحابه عن التحلل من إحرامهم بعد الصلح‪ ،‬فقد عز عليهم ذلك بعد نية العمرة‪ .‬فأشارت عليه أم‬
‫سلمة أن يخرج إليهم‪ ،‬ويتحلل من إحرامه أمامهم دون أن يتكلم‪ ،‬فما أن رأوه فعل ذلك‪ ،‬حتى بادروا إلى‬
‫االقتداء به ‪ .‬واإلسالم كما يأمر الحاكم أن يستشير‪ ،‬يأمر األمة أن تنصح له‪ ،‬كم<<ا ج<<اء في الح<<ديث‬
‫الصحيح ‪( :‬الدين النصيحة ‪ . . . . . . . .‬هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة المسلمين وعامتهم )‪ .‬وفريض<<ة‬
‫األمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة عامة‪ ،‬تشمل الحكام والمحكومين كاف<<ة‪ ،‬ك<<ذلك فريض<<ة‬
‫التواصي بالحق‪ ،‬والتواصي بالصبر‪ ،‬التي ال نجاة لإلنسان من خسران الدنيا واآلخرة إال بها ‪ .‬فليس في‬
‫المسلمين أحد أكبر من أن يوصى وينصح‪ ،‬ويؤمر وينهى‪ .‬وليس فيهم أحد أصغر من أن يوصى وينصح‬
‫<دع‬ ‫<ه‪ ،‬وي<‬ ‫ويأمر وينهى ‪ .‬وقد كان النبي (صلى اهلل عليه وسلم) يشار عليه بالرأي مخالفًا لرأيه فيأخذ ب<‬
‫رأي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه الشخص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ي ‪ .‬‬
‫وقد بعث أبا هريرة يبشر الناس بأن ‪ ( :‬من قال ‪ -‬ال إله إال اهلل ‪ -‬دخل الجنة ) فخشي عمر أن يفهمها‬
‫الناس فهما مغلوطا‪ ،‬ويفصلوا الكلمة عن العمل‪ ،‬ولذا أوقف أبا هريرة‪ ،‬وبين للرسول خوفه من أن يتكل‬
‫الناس على ذلك قائ ً‬
‫ال ‪ :‬فخلهم يعملون‪ ،‬فقال الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) ‪ (:‬فخلهم يعملون)‪ .‬وقال أبو‬
‫بكر في خطابه السياسي األول بعد توليه الخالفة‪ ،‬يبين منهجه في الحكم ‪ ( :‬إن رأيتم<<وني على ح<<ق‬
‫فأعينوني‪ ،‬وإن رأيتموني على باطل فسدد ونى‪ .‬أطيعوني ما أطعت اهلل فيكم‪ ،‬فإن عصيته فال طاعة إلى‬
‫عليكم ) ‪ .‬وق<<<ال عم<<<ر ‪ :‬أيه<<<ا الن<<<اس‪ ،‬من رأى منكم في اعوجاج<<<ًا فليقوم<<<ني‪.‬‬
‫فق<<<ال ل<<<ه أح<<<دهم ‪ :‬ل<<<و رأين<<<ا في<<<ك اعوجاج<<<ًا لقومن<<<اه بح<<<د س<<<يوفنا !‪ ‬‬
‫فق<<ال عم<<ر ‪ :‬الحم<<د هلل ال<<ذي جع<<ل في رعي<<ة عم<<ر من يق<< ّوم عم<<ر بح<<د س<<يفه !‪ ‬‬
‫<ال‬‫وقال له بعضهم يومًا ‪ :‬اتق اهلل يا عمر ا فأنكر عليه بعض من عنده أن يقول ذلك ألمير المؤمنين فق<‬
‫عم<<<ر ‪ :‬دع<<<ه‪ .‬ال خ<<<ير فيكم إذا لم تقولوه<<<ا‪ ،‬وال خ<<<ير فين<<<ا إذا لم نس<<<معها ‪.‬‬
‫بل إن الرسول يشرع المعارضة المسلحة لألمير الفاجر بشرطين ‪:‬‬

‫<ديث‬‫<ه الح<‬ ‫<ق علي<‬ ‫<ا أطل<‬


‫<و م<‬ ‫<ريعته‪ ،‬وه<‬ ‫األول‪ :‬االنحراف البين عن منهج اإلسالم في عقيدته أو ش<‬
‫النبوي ‪ ( :‬الكفر البواح )‪  .‬فقد أوصى الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) من بايعه من أصحابه أن يصبروا‬
‫على أمرائهم وإان استأثروا‪ ،‬بعض المكاسب الدنيوية دونهم‪ ،‬قال ‪ ( :‬إال أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه‬
‫من اهلل برهان)‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن تكون هناك قدرة على إزالة المنكر‪ ،‬دون أن يترتب على إزالته منكر أكبر منه‪ .‬وإال وجب‬
‫تحمل المنكر األدنى مخافة وقوع المنكر األعلى‪ .‬بنا ء على قاعدة ارتكاب أخف الض<<ررين‪ ،‬وأه<<ون‬
‫الش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رين‪ .‬‬
‫وعند هذا الخوف تنتقل المعارضة من القتال باليد‪ ،‬إلى السياسة باللسان والقلم‪ ،‬ثم إلى اإلنكار ب<<القلب‪،‬‬
‫<بي‬ ‫وذلك أضعف اإليمان‪ .‬وفى هذا جاء حديث ابن مسعود عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ( :‬ما من ن<‬
‫بعثه اهلل في أمة قبلي‪ ،‬إال كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته‪ ،‬ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم إنه<<ا‬
‫يخلف من بعدهم خلوف‪ ,‬يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ال يؤمرون‪ .‬فمن جاهدهم بيده فهو م<<ؤمن‪،‬‬
‫<ة‬‫<ان حب<‬‫<ك من اإليم<‬ ‫<ؤمن‪ ،‬وليس وراء ذل<‬ ‫ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهو م<‬
‫ال في ملكة س<<بأ‬‫خردل )‪ .‬والقرآن الكريم ينقل لنا صورة طيبة عن الحكم الذي يقوم على الشورى‪ ،‬ممث ً‬
‫<وني في‬ ‫<ا المأل افت<‬
‫التي فاجأها كتاب سليمان عليه السالم يحمله الهدهد‪ ،‬فجمعت قومها وقالت‪ ( :‬يا أيه<‬
‫أمري ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون‪ ،‬قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد واألمر إليك ف<<انظري‬
‫ماذا تأمرين ‪ ،‬قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة‪ ،‬وكذلك يفعل<<ون‪ ،‬وإني‬
‫مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون … ) اآليات‪ .‬وقد انتهى ه<ذا الس<لوك الش<ورى الحكيم‬
‫بالملكة الرشيدة إلى أن أسلمت مع سليمان هلل رب العالمين ‪ .‬فنجت ونجا معها قومها من حرب خاسرة‪،‬‬
‫وكس<<<<<<<<<<بت ب<<<<<<<<<<ذلك ال<<<<<<<<<<دنيا واآلخ<<<<<<<<<<رة‪ .‬‬
‫وينقل القرآن صورة أخرى مظلمة عن الحكم الذي يقوم على التأله والتسلط‪ ،‬مثل حكم فرعون الذي قال‬
‫<ة إال‬
‫<ور الهام<‬ ‫للناس ‪ ( :‬أنا ربكم األعلى )‪( ،‬ما علمت لكم من إله غيري)‪ ،‬والذي ال يستشير في األم<‬
‫بطانته الخاصة‪ ،‬كما رأينا ذلك في قصة فرعون مع موسى‪ ،‬حين حاور فرعون فأفحمه‪ ،‬فهدده بالسجن‪،‬‬
‫فقال موسى‪ ( :‬أو لو جئتك بشيء مبين ‪ ،‬قال فأت به إن كنت من الصادقين‪ ،‬فألقى عصاه فإذا هي ثعبان‬
‫<رجكم من‬ ‫<د أن يخ<‬ ‫مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين‪ ،‬قال للمال حوله إن هذا لساحر عليم‪ ،‬يري<‬
‫أرضكم بسحره فماذا تأمرون ) ‪ .‬فهذه ليست استشارة حقيقية‪ ،‬ألنها تخص ( المأل حوله) فق<<ط‪ ،‬ثم هي‬
‫استشارة موجهه‪ ،‬فهو ال يأخذ رأيهم في شأن موسى وماذا تكون رسالته‪ ،‬وما حقيقة أمره؟ بل حكم عليه‬
‫<حره)‪ .‬‬ ‫<كم بس<‬ ‫<رجكم من أرض<‬ ‫<د أن يخ<‬ ‫<احر عليم‪ ،‬يري<‬
‫<ذا لس<‬‫<رأي‪ ( :‬إن ه<‬ ‫<ألهم ال<‬
‫<ل أن يس<‬‫قب<‬
‫< من رعيته حين قال‪ ( :‬إن فرعون عال في األرض وجع<<ل‬ ‫وقد بين القرآن حقيقة حكم فرعون‪ ،‬وموقفه‬
‫<و)‬‫أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم‪ ،‬إنه كان من المفسدين) ‪ .‬فهذا ( العل<‬
‫<ك في‬ ‫<رآن ذل<‬ ‫<رر الق<‬‫في األرض هو ما نعبر عنه في لغة السياسة المعاصرة بكلمة (الطغيان)‪ .‬وقد ك<‬
‫وصف فرعون‪ (:‬إنه كان عاليًا من المسرفين )‪ .‬ولم يكن علو فرعون وطغيان<<ه على ب<<نى إس<<رائيل‬
‫وحدهم‪ ،‬بل على المصريين أيضًا‪ ،‬إذا خطر ألحدهم أو لفئة منهم أن يخرجوا عن خطة‪ ،‬ويتمردوا على‬
‫<روه على‬ ‫<وب لينص<‬ ‫<ل ص<‬ ‫<ذين جلبهم من ك<‬‫ربوبيته‪ .‬وهذا ما تجلى واضحا في موقفه من السحرة ال<‬
‫موسى‪،‬بعد أن تبين لهم‪ ،‬حين آمنوا برب هارون وموسى‪ ،‬بعد أن تبين لهم الحق من الباطل‪ ( .‬قال آمنتم‬
‫له قبل أن آذن لكم‪ ،‬إنه لكبيركم الذي علمكم السحر‪ ،‬فألقطعن أيديكم وأرجلكم من خالف وألصلبنكم في‬
‫جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابًا وأبقى) ‪.‬‬

‫وانظر إلى قوله‪ ( :‬آمنتم له قبل أن آذن لكم ) إنه يريد أن يحجر على عقول الناس وقلوبهم‪ ،‬فال يج<<وز‬
‫لعقل أن يقتنع بشيء وال لقلب أن يؤمن بأمر‪ ،‬إال بإذنه وبعد تصريح منه !! لقد ذم القرآن فرعون‪ ،‬وذم‬
‫القوى الدنسة المتحالفة معه‪ ،‬مثل ( قارون) الذي يمثل الرأسمالية البشعة الجشعة‪ ،‬التي ال ت<<رى ألح<<د‬
‫<ان‬
‫<ل هام<‬ ‫عليها حقا فيما يملك من مال‪ .‬كما جسدها قارون بقوله‪ ( :‬إنما أوتيته على علم عندي )‪ .‬ومث<‬
‫<و‬‫<بر‪ .‬فه<‬
‫الذي يمثل السياسيين النفعيين الذين يضعون قدراتهم الذهنية والتنفيذية في خدمة الطاغية األك<‬
‫عقل<<<<<<<<<<ه المفك<<<<<<<<<<ر‪ ،‬وس<<<<<<<<<<اعده المنف<<<<<<<<<<ذ !‪ ‬‬
‫<د‬
‫<تقدمونها لجل<‬
‫<ديهم‪ ،‬يس<‬‫<برون أدوات في أي<‬ ‫كما شمل القرآن بالذم أموال الطغاة من الجنود الذين يعت<‬
‫<ول عن‬ ‫<اطئين)‪ .‬ويق<‬
‫<انوا خ<‬ ‫<ا ك<‬
‫الشعوب وقهرها‪ ،‬ولهذا قال القرآن‪ ( :‬إن فرعون وهامان وجنودهم<‬
‫فرعون‪ ( :‬فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم‪ ،‬فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) ‪ .‬وكلمة ( الجنود) تشمل‬
‫كل أعوان الطاغية من عسكريين ومدنيين ‪.‬‬

‫والق<<<<<رآن يح<<<<<ارب الطغي<<<<<ان واالس<<<<<تبداد من ع<<<<<دة ن<<<<<واح‪ :‬‬


‫من ناحية الحملة على الطغاة والمتجبرين في األرض‪ ( :‬كذلك يطبع اهلل على كل قلب متك<<بر جب<<ار)‬
‫(واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) ‪ .‬‬

‫ومن ناحية الحملة على األعوان المباشرين من كبار مثل هامان وقارون أو صغار مثل جنود فرع<<ون‪.‬‬
‫ومن ناحية ثالثة‪ :‬الحملة على الشعوب التي تسلم قيادها للطغاة‪ ،‬دون أن تسألهم يومًا‪ :‬لم ؟ أو كيف؟ بله‬
‫أن تقول ‪ :‬ال‪ ،‬بملء فيها !‪.‬‬

‫لقد ذم القرآن قوم نوح على لسانه بقوله ‪ ( :‬رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إال خسارًا‬
‫) ‪ .‬وذم عادًا قوم هود بقوله ‪ ( :‬واتبعوا أمر كل جبار عنيد‪ ،‬وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيام<<ة)‪.‬‬
‫وذم قوم فرعون بقوله ‪ ( :‬فاستخف قومه فأطاعوه‪ ،‬إنهم كانوا قومًا فاسقين)‪ .‬وعرض القرآن لنا صورًا‬
‫<هم من‬ ‫جمة من مشاهد اآلخرة‪ ،‬وفيها يتالوم السادة الكبراء المضلون‪ ،‬وأتباعهم المضللون‪ ،‬ويتبرأ بعض<‬
‫بعض‪ ،‬ويلعن بعضهم بعضًا‪ ،‬ويحاول كل فريق أن يلقى بالتبعة على اآلخر‪ .‬ولكن اهلل يحكم على الجميع‬
‫<عفين من‬ ‫<ا آتهم ض<‬ ‫<بيال‪ ،‬ربن<‬‫بأنهم من أهل النار‪ ( .‬وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا الس<‬
‫العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا )‪ ( .‬إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم األسباب‪،‬‬
‫<رات عليهم‪،‬‬ ‫<الهم حس<‬ ‫وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا‪ ،‬كذلك يريهم اهلل أعم<‬
‫<ة‬‫<ا والبيع<‬
‫<و‪ :‬الرض<‬ ‫وما هم بخارجين من النار )‪ .‬إن أساس قبول القيادة السياسية لألمة في اإلسالم ه<‬
‫<رعي‬ ‫<ولي الش<‬ ‫االختيارية‪ .‬فمن رضيه المسلمون إمامًا إي أميرًا ورئيسًا لهم‪ ،‬وبايعوه على ذلك‪ ،‬فهو ال<‬
‫الذي تجب طاعته في المعروف‪ .‬وتجب المناصحة له بالحق‪ ،‬والمعاونة له على كل خير‪ .‬واإلس<<الم ال‬
‫يحب أن يؤم رجل الناس في صالة الجماعة وهم له كارهون‪ ،‬فكيف يقبل أن يقود رجل األمة كله<<ا في‬
‫شئونها العامة‪ ،‬وهى له كارهة‪ ،‬وبه ضائقة‪ ،‬وعليه ساخطة؟ جاء في الحديث الشريف ‪ ( :‬ثالثة ال ترفع‬
‫صالتهم فوق رؤوسهم شبرًا ‪ :‬رجل أم قوم وهم له كارهون‪ ،‬وامرأة باتت وزوجه<<ا عليه<<ا س<<اخط‪،‬‬
‫وأخوان متصارمان )‪.‬‬

‫أعلى‬
‫إلى الفهرس‬

‫العدل‬
‫<رية‬ ‫<ة واألس<‬‫<اة الفردي<‬
‫< الحي<‬‫<ات‬‫ومن القيم اإلنسانية األساسية التي جاء بها اإلسالم‪ ،‬وجعلها من مقوم<‬
‫<دف‬ ‫<و ه<‬‫واالجتماعية والسياسية ‪( :‬العدل)‪ .‬حتى جعل القرآن إقامة القسط ‪ -‬أي العدل ‪ -‬بين الناس ه<‬
‫الرساالت السماوية كلها‪ .‬يقول تعالى ‪ ( :‬لقد أرسلنا رسنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليق<<وم‬
‫<ود األول من‬ ‫<و المقص<‬ ‫<ون ه<‬ ‫الناس بالقسط )‪ .‬وليس ثمة تنويه بقيمة القسط أو العدل أعظم من أن يك<‬
‫<موات‬ ‫<امت الس<‬‫إرسال اهلل تعالى رسله‪ ،‬وإنزاله كتبه‪ .‬فبالعدل أنزلت الكتب‪ ،‬وبعثت الرسل‪ ،‬وبالعدل ق<‬
‫واألرض ‪ .‬والمراد بالعدل ‪ :‬أن يعطى كل ذي حق حقه‪ ،‬سوء أكان ذو الحق فردًا أم جماعة أم شيئًا من‬
‫<ال‬ ‫<يره ‪ .‬ف<‬
‫األشياء أم معنى من المعاني‪ ،‬بال طغيان وال إخسار‪ ،‬فال يبخس حقه وال يجور على حق غ<‬
‫تعالى‪ ( :‬والسماء رفعها ووضع الميزان‪ ،‬أال تطغوا في الميزان‪ ،‬وأقيموا الوزن بالقس<<ط وال تخس<<روا‬
‫الميزان)‪ .‬واإلسالم يأمر المسلم بالعدل مع النفس ‪ :‬بأن يوازن بين حق نفسه‪ ،‬وحق ربه‪ ،‬وحقوق غيره‪.‬‬
‫كما قال عليه الصالة والسالم لعبد اهلل بن عمرو‪ ،‬حين جار على حق نفسه بمداومة صيام النهار وقي<<ام‬
‫الليل‪ ( :‬إن لبدنك عليك ح ًقا‪ ،‬وإن لعينك عليك حقًا‪ ،‬وإن ألهلك عليك حقًا‪ ،‬وإن لزورك علي<<ك حق<<ًا)‪.‬‬
‫ويأمر اإلسالم بالعدل مع األسرة‪ :‬مع الزوجة‪ ،‬أو الزوجات‪ ،‬مع األبناء والبنات‪ .‬يقول تعالى‪ ( :‬فانكحوا‬
‫<لى اهلل‬
‫<ول (ص<‬ ‫ما طاب لكم من النساء مثنى وثالث ورباع‪ ،‬فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة)‪ .‬ويقول الرس<‬
‫<ه‬ ‫عليه وسلم)‪ ( :‬اتقوا اهلل واعدلوا في أوالدكم)‪ ،‬وحين أراد بشير ابن سعد األنصاري أن يش<<هده (علي<‬
‫الصالة والسالم) على هبه معينه آثر بها بعض أوالده‪ ،‬سأله النبي‪ ( :‬أكل أوالدك أعطيتهم مثل ه<<ذا)؟‬
‫<ل‬ ‫قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ ( :‬أشهد على ذلك غيري‪ ،‬فإني ال أشهد على جور )‪ .‬ويأمر اإلسالم بالعدل مع الناس ك<‬
‫<اة‬‫<ة الحب إلى المحاب<‬‫<ه عاطف<‬ ‫<ره‪ ،‬ال تدفع<‬
‫الناس‪ :‬عدل المسلم مع من يحب‪ ،‬وعدل المسلم مع من يك<‬
‫<ع من‬ ‫بالباطل‪ ،‬وال تمنعه عاطفة الكره من اإلنصاف وإعطاء الحق لن يستحق‪ .‬يقول تعالى في العدل م<‬
‫<ل‬ ‫نحب‪ :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء له ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين)‪ .‬ويق<‬
‫سبحانه في العدل مع من نعادي‪( :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط‪ ،‬وال يجرمنكم شنآن‬
‫<ائي في‬ ‫<ي والقض<‬ ‫قوم على أال تعدلوا‪ ،‬واعدلوا هو أقرب للتقوى‪ ،‬واتقوا اهلل)‪ .‬وكم حفل التاريخ السياس<‬
‫اإلسالم بمواقف رائعة‪ ،‬حكم فيها لغير المسلمين‪ ،‬ضد المسلمين‪ ،‬وللرعية ضد الدعاة‪.‬‬

‫يأمر اإلسالم بالعدل في القول‪ ،‬فال يخرجه الغضب عن قول الحق‪ ،‬وال يدخله الرضا في قول الباط<<ل‪.‬‬
‫يقول تعالى‪ ( :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى )‪ .‬ويأمر بالعدل في الشهادة‪ ،‬فال يشهد إال بما علم‪ ،‬ال‬
‫يزيد وال ينقص‪ ،‬وال يحرف‪ ،‬وال يبدل‪ .‬قال تعالى ‪ ( :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الش<<هادة هلل) ‪،‬‬
‫(كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط)‪ .‬ويأمر اإلسالم بالعدل في الحكم‪ .‬كما قال تعالى ‪ ( :‬إن اهلل يأمركم أن‬
‫تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ‪ .‬وقد استفاضت األحاديث في فضل‬
‫( اإلمام العادل) فهو أحد السبعة الذين يظلهم اهلل في ظله يوم ال ظل إال ظله‪ ،‬وأحد الثالثة الذين ال ترد‬
‫لهم دع<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وة ‪ .‬‬
‫وبقدر ما أمر اإلسالم بالعدل وحث عليه‪ ،‬حرم الظلم أشد التحريم‪ ،‬وقاومه أشد المقاوم<<ة‪ ،‬س<<واء ظلم‬
‫النفس أم ظلم الغير‪ ،‬وبخاصة ظلم األقوياء للضعفاء‪ ،‬وظلم األغنياء للفقراء‪ ،‬وظلم الحكام للمحك<<ومين‪.‬‬
‫وكلما اشتد ضعف اإلنسان كان ظلمه أشد إثمًا‪ .‬يقول الرسول لمعاذ‪( :‬واتق دعوة المظلوم‪ ،‬فليس بينه<<ا‬
‫< الرب‪:‬‬ ‫وبين اهلل حجاب) ‪ .‬وقال‪( :‬دعوة المظلوم يرفعها اهلل فوق الغمام‪ ،‬ويفتح لها أبواب السماء‪ ،‬ويقول‬
‫وعزتي ألنصرنك ولو بعد حين ) ‪ .‬ومن أبرز أنواع العدل‪ ،‬الذي شدد في<<ه اإلس<<الم م<<ا س<<مي في‬
‫عصرنا‪ :‬العدل االجتماعي ‪ .‬ويراد به‪ :‬العدل في توزيع الثروة‪ ،‬وإتاحة الفرص المتكافئة ألبنا ء األم<<ة‬
‫الواحدة‪ ،‬وإعطاء العاملين ثمرة أعمالهم وجهودهم دون أن يسرقها القادرون وذوو النفوذ منهم‪ ،‬وتقريب‬
‫الفوارق الشاسعة بين األفراد والفئات بعضها وبعض‪ ،‬بالحد من طغيان األغني<<اء والعم<<ل على رف<<ع‬
‫مستوى الفقراء‪ .‬وهذا الجانب سبق فيه اإلسالم سبقًا بعيدًا‪ ،‬حتى إن القرآن منذ عهده المكي لم يغفل هذا‬
‫<قر‬ ‫<ل س<‬ ‫<ان من أه<‬ ‫<كين ك<‬‫األمر الحيوي‪ ،‬بل إعطاء عناية بالغة‪ ،‬ومساحة واسعة‪ .‬فمن لم يطعم المس<‬
‫المعذبين في النار‪ ( ،‬قالوا‪ :‬لم نك من المصلين‪ ،‬ولم نك نطعم المسكين)‪ .‬وال يكفى أن تطعم المس<<كين‪،‬‬
‫بل يجب أن تحمل نصيبك في الدعوة إلى إطعامه‪ ،‬والحض على رعاية ضروراته وحاجات<<ه‪ ( :‬أرأيت‬
‫الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم‪ ،‬وال يحض على طعام )‪ .‬وإهمال هذا الحض يضعه القرآن جنبًا‬
‫إلى جنب مع الكفر باهلل تعالى‪ ،‬الموجب للعذاب األليم‪ ،‬وصلي الجحيم‪ ( :‬خذوه فغلوه‪ ،‬ثم الجحيم صلوه‪،‬‬
‫<ام‬‫<ؤمن باهلل العظيم‪ ،‬وال يحض على طع<‬ ‫<ان ال ي<‬
‫<ه ك<‬‫ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه‪ ،‬إن<‬
‫المسكين)‪ .‬والمجتمع الجاهلي مجتمع مذموم مسخوط عليه من اهلل تعالى‪ ،‬لضياع الفئات الضعيفة في<<ه‪،‬‬
‫ال بل ال تكرمون الي<<تيم‪ ،‬وال تحاض<<ون على طع<<ام‬ ‫وانشغال األقوياء‪ ،‬بأكل التراث وحب المال‪ ( :‬ك ً‬
‫ال لمًا وتحبون المال حبًا جمًا ) ‪ .‬لقد اهتم اإلسالم بالطبقات الض<<عيفة في‬‫المسكين‪ ،‬وتأكلون التراث أك ً‬
‫<ل‬ ‫<ادل لك<‬ ‫المجتمع‪ ،‬فشرع لهم من األحكام والوسائل ما يكفل لهم العمل المالئم لكل عاطل‪ ،‬واألجر الع<‬
‫عامل‪ ،‬والطعام الكافي لكل جائع‪ ،‬والعالج الكافي لكل مريض‪ ،‬والكساء المناسب لكل عريان‪ .‬والكفاي<<ة‬
‫<ق‬ ‫<ا يلي<‬
‫التامة لكل محتاج‪ .‬وتشمل هذه الكفاية‪ :‬المأكل والملبس والمسكن‪ ،‬وكل ما ال بد له منه‪ ،‬على م<‬
‫<وى‬ ‫<ام الن<‬
‫<ف اإلم<‬ ‫<ذا تعري<‬
‫<ه‪ .‬وه<‬ ‫<خص ولمن يعول<‬ ‫<ير‪ ،‬لنفس الش<‬ ‫بحاله‪ ،‬من غير إسراف وال تقت<‬
‫<تي‬ ‫<اة‪ .‬ال<‬
‫في‪( ‬المجموع)‪ . ‬وفرض لذلك اإلسالم حقوقًا مالية في األموال األغنياء‪ ،‬أولها‪ ‬وأعظمها‪ ‬الزك<‬
‫<ة ذات‬ ‫اعتبرها اإلسالم ثالث أركانه‪ ،‬يؤديها المسلم طوعًا واحتسابًا‪ ،‬وإال أخذت منه كرهًا‪ ،‬ولو أن طائف<‬
‫شوكة امتنعت من أدائها قوتلت عليها بحد السيوف‪ .‬تؤخذ الزكاة من األغنياء لترد على الفقراء‪ .‬فهي من‬
‫األمة واليها‪ .‬واألرجح أن يعطى الفقير من الزكاة كفاية العمر الغالب ألمثاله‪ ،‬متى اتسعت حصيلة الزكاة‬
‫<‬
‫لذلك‪ .‬وبذلك بصبح في العام القادم يدًا معطية ال آخذة‪ ،‬عليا ال سفلى‪ .‬وقد ألفت كتب في هذا الموضوع‪،‬‬
‫ينبغي أن تراجع‪ .‬وفى كتابنا‪ ( ‬الصحوة اإلسالمية وهموم الوطن العربي واإلسالمي)‪ ‬خطوط عريض<<ة‬
‫مركزة لمقومات العدل االجتماعي في اإلسالم‪ ،‬يحسن الرجوع إليها ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫اإلخــــاء‬
‫ومن القيم اإلنسانية االجتماعية التي دعا إليها اإلسالم‪ :‬اإلخاء ‪ -‬أو األخوة ‪ -‬ومعناه‪ :‬أن يعيش الن<<اس‬
‫<ها‬‫<تي يحب بعض<‬ ‫<دة‪ ،‬ال<‬
‫في المجتمع متحابين مترابطين متناصرين‪ ،‬يجمعهم شعور أبناء األسرة الواح<‬
‫بعضًا‪ ،‬ويشد بعضها أزر بعض‪ ،‬يحس كل منها أن قوة أخيه قوة له‪ ،‬وأن ضعفه ضعف له‪ ،‬وأنه قلي<<ل‬
‫بنفسه كثير بإخوانه ‪ .‬وألهمية هذه القيمة في بناء المجتمع المسلم سنفصل فيها بعض التفصيل ‪ .‬والقران‬
‫<وة)‪.‬‬ ‫يجعل اإلخاء في المجتمع المؤمن صنو اإليمان‪ ،‬وال ينفصل عنه‪ ،‬يقول تعالى‪ ( :‬إنما المؤمنون إخ<‬
‫ويجعل القران األخوة نعمة من أعظم النعم‪ ،‬فيقول‪( :‬واذكروا نعمت اهلل عليكم عيكم إذ كنتم أعداء فألف‬
‫<دك‬ ‫بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا)‪ .‬ويقول في سورة أخرى ممتنًا على رسوله الكريم‪( :‬هو الذي أي<‬
‫بنصره وبالمؤمنين‪ ،‬وألف بين قلوبكم‪ ،‬لو أنفقت ما في األرض جميعًا م<<ا ألفت بين قل<<وبهم ولكن اهلل‬
‫< النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‪( :‬المسلم أخو السلم‪ ،‬ال يظلمه وال يسلمه ‪..‬‬
‫بينهم‪ ،‬إنه عزيز حكيم)‪ .‬ويقول‬
‫ال تحاسدوا‪ ،‬وال تباغضوا‪ ،‬وال تناجشوا … وكونوا عباد اهلل إخوانًا)‪ .‬وقد ذكرنا من قبل ما روى اإلمام‬
‫< دبر كل صالة ‪:‬‬ ‫أحمد من حديث زيد بن أرقم‪ :‬أن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) كان يقول‬

‫(اللهم ربن<<ا ورب ك<<ل ش<<ئ ومليك<<ه أن<<ا ش<<هيد أن<<ك اهلل وح<<دك ال ش<<ريك ل<<ك ‪ .‬‬
‫( اللهم ربن<<ا ورب ك<<ل ش<<ئ ومليك<<ه أن<<ا ش<<هيد أن محم<<دًا عب<<دك ورس<<ولك ‪ .‬‬
‫( اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة ‪.‬‬

‫فجعل إقرار مبدأ (األخوة) بعد الشهادة هلل تعالى بالوحدانية‪ ،‬ولمحمد بالعبودية والرس<<الة‪ .‬وقول<<ه‪( :‬إن‬
‫العباد كلهم إخوة ) يحتمل معنيين كالهما صحيح ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أن العباد هنا هم البشر كافة‪ ،‬فهم أخوة بعضهم لبعض‪ ،‬بحكم البنوة ألدم‪ ،‬والعبودية له س<<بحانه‪.‬‬
‫<وامهم رغم‬ ‫وهذه أخوة إنسانية عامة‪ .‬وقد وصف اهلل تعالى عدداُ من الرسل في القرآن بأنهم إخ<‬
‫<وة ألق<‬
‫< كما في قوله تعالى‪ :‬وإلى عاد أخ<<اهم ه<<ودًا)‪،‬‬‫كفرهم برسالتهم‪ ،‬الشتراكهم معهم في الجنس واألصل‪،‬‬
‫(وإلى ثمود أخاهم صالحا )‪ ( ،‬وإلى مدين أخاهم شعيبًا )‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن العباد هنا هم المسلمون خاصة‪ ،‬بحكم اشتراكهم في أمة واحدة‪ ،‬تضمهم عقي<<دة واح<<دة هي‬
‫التوحيد‪ ،‬وقبلة واحدة هي الكعبة البيت الحرام‪ ،‬وكتاب واحد هو القرآن‪ ،‬ورسول واحد هو محمد علي<<ه‬
‫الص<<<<<الة والس<<<<<الم‪ ،‬ومنهج واح<<<<<د‪ ،‬ه<<<<<و ش<<<<<ريعة اإلس<<<<<الم‪ .‬‬
‫وهذه أخوة دينية خاصة‪ ،‬ال تنافى األولى‪ ،‬إذ ال تنافى بين الخاص والعام ‪ .‬كل ما في األم<<ر أن له<<ذه‬
‫األخوة حقوقًا أكثر‪ ،‬بمقتضى وحدة العقيدة والشريعة‪ ،‬والفكر والسلوك‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫المحبة ومراتبها‬
‫ومن العناصر األساسية لهذه األخوة‪ :‬المحبة‪ ،‬وأدنى درجات المحبة سالمة الصدور من الحسد والبغضاء‬
‫واألحقاد وأسباب العداوة والشحناء‪ .‬والقرآن يعتبر العداوة والبغضاء عقوبة قدرية يع<<اقب اهلل به<<ا من‬
‫يكفرون برساالته‪ ،‬ومنحرفون عن آياته‪ ،‬كما قال تعالى إلى‪( :‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم‬
‫فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة‪ ،‬وسوف ينبئهم اهلل بما ك<<انوا‬
‫يصنعون ) ‪ .‬ويتحدث القرآن عن الخمر والميسر وهما من الكبائر الموبقة في نظر اإلسالم‪ ،‬فيجعل العلة‬
‫األولى في تحريمهما‪ ،‬الجديرة بالنص عليها‪ ،‬هي إيقاع العداوة والبغضاء في المجتمع‪ ،‬رغم ما لهما من‬
‫مضار ومساوئ أخرى ال تغفى‪ ،‬فيقول تعالى‪ ( :‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في‬
‫الخمر و الميسر ويصدكم عن ذكر اهلل وعن الصالة)‪ .‬وقد جاء في الحديث تسمية ه<<ذه اآلف<<ات‪( :‬داء‬
‫<ة‬‫<ا على الجماع<‬ ‫<ك لخطره<‬ ‫األمم)‪ . ‬كما أن الحديث سماها‪ :‬الحالقة‪ ،‬حالقة الدين ال حالقة الشعر‪ ،‬وذل<‬
‫< عليه الصالة والسالم ‪( :‬دب إليكم داء األمم من قبلكم‪ :‬الحسد‬ ‫وتماسكها المادي والمعنوي‪ .‬وفي هذا يقول‬
‫والبغضاء‪ .‬والبغضاء هي الحالقة‪ ،‬ال أقول ‪ :‬تحلق الشعر‪ ،‬ولكن تحلق الدين)‪ ( .‬أال أدلكم على أفض<<ل‬
‫<ة )‪ .‬وفى‬ ‫<بين هي الحالق<‬ ‫<اد ذات ال<‬
‫من درجة الصالة والصيام والصدقة ؟ إصالح ذات البين‪ ،‬فإن فس<‬
‫رواية‪( :‬ال أقول‪ :‬تحلق الشعر‪ ،‬ولكن تحلق الدين)‪ ( .‬تفتح أبواب الجنة يوم االثنين والخميس‪ ،‬فيغفر لكل‬
‫<طلحا‪،‬‬ ‫<تى يص<‬ ‫<ذين ح<‬ ‫عبد ال يشرك باهلل شيئًا‪ ،‬إال رجل كان بينه وبين أخيه شحناء‪ ،‬فيقال‪ :‬انظروا ه<‬
‫انظروا هذين حتى يصطلحا‪ ،‬انظروا هذين حتى يصطلحا) ‪ ( .‬ال يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثالث‪،‬‬
‫<هم‬ ‫يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسالم )‪( .‬ثالثة ال ترتفع صالتهم فوق رؤوس<‬
‫شبرا‪ :‬رجل أم قومًا وهم له كارهون‪ ،‬وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط‪ ،‬وأخ<<وان متص<<ارمان)› أي‬
‫<وء الظن‪،‬‬ ‫<يطان هن س<‬ ‫متقاطعان‪ .‬إن جو البغضاء والشحناء جو عفن كريه‪ ،‬تروج فيه كل بضائع الش<‬
‫<هم‬ ‫<وة بعض<‬ ‫<ل األخ<‬ ‫والتجسس‪ ،‬والغيبة والنميمة‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬والسب واللعن‪ ،‬وقد ينتهي إلى أن يقات<‬
‫بعضًا‪ .‬وهذا هو الخطر‪ ،‬الذي حذر منه النبي الكريم‪ ،‬واعتبره من أثر الجاهلية‪ ،‬وقال‪( :‬ال ترجعوا بعدي‬
‫كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض )‪( .‬سباب المسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر )‪ .‬لهذا كان إصالح ذات ال<<بين‬
‫من أفضل األعمال والقربات إلى اهلل تعالى‪ ( :‬إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا اهلل لعلكم‬
‫ترحمون)‪( .‬فاتقوا اهلل وأصلحوا ذات بينكم‪ ،‬وأطيعوا اهلل ورسوله إن كنتم مؤمنين)‪( .‬ال خير في كث<<ير‬
‫<ات اهلل‬
‫<اء مرض<‬ ‫من نجواهم إال من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بين الناس‪ ،‬ومن يفعل ذلك ابتغ<‬
‫فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا)‪ .‬بل جعلت الشريعة سهمًا من حصيلة الزكاة للغارمين في إصالح ذات البين‪،‬‬
‫إعانة لهم على القيام بهذه المكرمات‪ ،‬التي كان يقوم بها أص<<حاب القل<<وب الكب<<يرة والهمم العالي<<ة‪،‬‬
‫فيتحملون ما بين القبائل المتخاصمة من ديات ومغارم وان ضاقت بذلك أموالهم ‪ .‬وألهمية إصالح ذات‬
‫<ف‬ ‫<ل في وص<‬ ‫<دق الكام<‬‫البين‪ ،‬رخص النبي (صلى اهلل عليه وسلم) لمن يقوم باإلصالح أال يلتزم الص<‬
‫موقف كل طرف من اآلخر‪ ،‬فنقل بعض العبارات كما قيلت‪ ،‬قد يؤجج نار الخصومة وال يطفئه<<ا‪ ،‬فال‬
‫بأس بشيء من التزيين‪ ،‬وشئ من المعاريض‪ ،‬وفي هذا جاء الحديث الصحيح‪ ( :‬ليس بكذاب من أصلح‬
‫<اد‬‫<دور من األحق<‬ ‫<المة الص<‬ ‫بين اثنين فقال خيرًا‪ ,‬أو أنمى خيرًا)‪ .‬وأعلى من هذه الدرجة ‪ -‬درجة س<‬
‫<ا‬
‫<ه م<‬ ‫والبغضاء الدرجة التي عبر عنها الحديث الصحيح الذي يقول‪ ( :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخي<‬
‫<ير)‪.‬‬‫<ه من الخ<‬ ‫يحب لنفسه)‪ .‬وفى لفظ ‪(:‬والذي نفسي بيده ال يؤمن عبد حتى يحب ألخيه ما يحب لنفس<‬
‫<اس‪.‬‬ ‫<ائر الن<‬‫< ذلك ‪ :‬أن يكره له ما يكره لنفسه‪ .‬فإذا كان يحب لنفسه رغد العيش أحب ذلك لس<‬ ‫ومقتضى‬
‫<ان يحب أن‬ ‫< وإذا ك<‬‫<وفقين‪.‬‬
‫وإذا كان يحب أن يوفق في حياته الزوجية‪ ،‬أحب للناس أن يكونوا سعداء م<‬
‫يكون أوالده نجباء‪ ،‬أحب ذلك لغيره‪ .‬وإذا كان ال يحب أن يذكره أحد بسوء في حضرته أو غيبته‪ ،‬كان‬
‫موجب اإليمان أال يحب ذلك للناس أجمعين‪ .‬فهو ينزل إخوانه منزلة نفسه في كل ما يحب ويكره ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫درجة اإليثار‬
‫وثمت درجة أعلى من هذه وتلك‪ :‬هي درجة اإليثار‪ .‬ومعنى اإليثار‪ :‬أن يقدم أخاه على نفسه في كل ما‬
‫يحب‪ ،‬فهو يجوع ليشبع أخوه‪ ،‬ويظمأ ليرتوي‪ ،‬ويسهر لينام‪ ،‬ويجهد ليرتاح‪ ،‬ويعرض صدره للرصاص‬
‫ليفدى أخاه‪ .‬وقد عرض لنا القرآن صورة وضيئة للمجتمع المسلم في المدينة‪ ،‬يتجلى فيها معنى اإليث<<ار‬
‫والبذل من غير شح وال بخل‪ .‬يقول تعالى‪ ( :‬والذين تبوءوا الدار واإليمان من قبلهم يحبون من ه<<اجر‬
‫إليهم وال يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‪ ،‬ومن يوق‬
‫<عد بن‬‫<اري‪ :‬أن س<‬ ‫شح نفسه فأولئك هم المفلحون)‪ .‬وفى السنة نجد صورة أخرى تتمثل فيما رواه البخ<‬
‫الربيع عرض على عبد الرحمن بن عوف ‪ -‬وقد آخى النبي بينهما ‪ -‬أن يتنازل عن شطر مال<<ه‪ ،‬وعن‬
‫<ك‪،‬‬‫<ك في أهل<‬ ‫<ارك اهلل ل<‬
‫إحدى داريه‪ ،‬وإحدى زوجتيه‪ ،‬يطلقها ليتزوجها هو‪ .‬فقال ابن عوف لسعد‪ :‬ب<‬
‫<ل‬‫وبارك اهلل لك في دارك‪ ،‬وبارك لك في مالك‪ ،‬إنما أنا امرؤ تاجر‪ ،‬فدلوني على السوق)‍ إيثار نادر ق<‬
‫أن تعرف الدنيا له نظيرًا‪ ،‬يقابله تعفف كريم نبيل‪ ،‬وكالهما يعطينا ملمحًا من مالمح المجتم<<ع المس<<لم‬
‫الأعلى للمجتمع<<ات‪.‬‬‫الذي أقامه الرسول الكريم في المدينة‪ ،‬والذي نرنو إلى مثله دائم<<ًا‪ ،‬باعتب<<اره مث ً‬
‫<ها‬‫<عوب بعض<‬ ‫واإلسالم يحرص كل الحرص على أن تسود المحبة واألخوة بين الناس جميعا‪ :‬بين الش<‬
‫وبعض‪ ،‬ال يفرق بينهما اختالف عنصر أو لون أو لغ<ة أو إقليم‪ .‬وبين الطبق<ات بعض<ها وبعض‪ ،‬فال‬
‫مجال لصراع أو حقد‪ ،‬وان تفاوتوا في الثروة والمنزلة‪ ،‬وفضل اهلل بعضهم على بعض في الرزق‪ .‬وبين‬
‫<ا‪ ،‬وال‬
‫الحكام والمحكومين‪ ،‬فال محل الستعالء حاكم على محكوم‪ ،‬فإن الحاكم هو وكيل األمة بل أجيره<‬
‫<ونهم‬‫<ذين تحب<‬‫<ار أئمتكم ال<‬‫لبغض محكوم لحاكم ما دام يأخذ حقه‪ ،‬كما يؤدى واجبه‪ ،‬وفى الحديث‪(:‬خي<‬
‫ويحبونكم‪ ،‬وتصلون عليهم‪ ،‬ويصلون عليكم) أي تدعون لهم‪ ،‬ويدعون لكم‪ ،‬فالصالة هنا بمعناها اللغوي‬
‫وهو الدعاء‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫ربط النظرية بالتطبيق‬


‫<ل يحب أن‬ ‫واإلسالم ال يحب أن تكون دعوته مجرد فكرة في الرؤوس‪ ،‬أو حلمًا في أخيلة المصلحين‪ ،‬ب<‬
‫<د من‬ ‫<عائر واآلداب والتقالي<‬‫يربط الفكرة بالعمل‪ ،‬والنظرية بالتطبيق ‪ . .‬لهذا دعا إلى مجموعة من الش<‬
‫شأنها أن توثق روابط المحبة بين الناس‪ ،‬إذا عملوا بها‪ ،‬وحافظوا عليها‪ .‬من ذلك إفشاء السالم كلما لقي‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬وهذا ما نبه عليه الحديث الصحيح‪ (:‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا‪ ،‬وال‬
‫تؤمنوا حتى تحابوا‪ .‬أال أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السالم بينكم)‪ .‬ومن ذلك مجاملة الناس‬
‫بعضهم لبعض‪ ،‬في التهنئة عند النعمة‪ ،‬والتعزية عند المصيبة‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬وتش<<ميت الع<<اطس‪.‬‬
‫<ك‪ :‬التالقي‪،‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬التهادي بين الناس في المناسبات الطيبة‪ .‬وفي الحديث‪ (:‬تهادوا تحابوا)‪ .‬ومن ذل<‬
‫<دين‪.‬‬‫الذي به تتعارف الوجوه‪ ،‬وتتصافح األيدي‪ ،‬وهذا ما شرعه اإلسالم بصالة الجماعة والجمعة والعي<‬
‫كما حرم اإلسالم كل الرذائل الخلقية واالجتماعية التي تفضي إلى تقطع أواصر المحب<<ة والم<<ودة بين‬
‫<ه من‬ ‫<النهى عن مجموع<‬ ‫<ك ب<‬ ‫الناس‪ ،‬ولهذا رأينا القرآن الكريم بعد أن قرر أن المؤمنين إخوه‪ :‬اتبع ذل<‬
‫<س‬ ‫<اب‪ ،‬والتجس<‬ ‫الرذائل إلى تنافى األخوة‪ ،‬وتعمل في بنيانها هدمًا‪ .‬مثل السخرية واللمز والتنابز باأللق<‬
‫على الناس‪ ،‬وتتبع عوراتهم‪ ،‬وسوء الظن بهم‪ ،‬والحديث عنهم بسوء في غيبهم‪ ،‬وذلك في قوله تع<<الى‪:‬‬
‫( يا أيها الذين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم وال نساء من نساء عسى أن يكن‬
‫<ان‪ ،‬ومن لم يتب‬ ‫<د اإليم<‬‫<وق بع<‬ ‫خيرًا منهن‪ ،‬وال تلمزوا أنفسكم وال تنابزوا باأللقاب‪ ،‬بئس االسم الفس<‬
‫<وا وال‬‫<يرًا من الظن إن بعض الظن إثم‪ ،‬وال تجسس<‬ ‫فأولئك هم الظالمون‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كث<‬
‫يغتب بعضكم بعضًا‪ ،‬أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه‪ ،‬واتقوا اهلل إن اهلل تواب رحيم)‪.‬‬
‫إلى الفهرس‬

‫الوحدة من لوازم اإلخاء‬


‫<آخي‬ ‫<لم المت<‬‫<المجتمع المس<‬‫ومن لوازم األخوة ومظاهرها ‪ :‬الوحدة‪ .‬ومما يضادها وينقضها‪ :‬الفرقة‪ .‬ف<‬
‫مجتمع واحد‪ ،‬في عقائده اإليمانية‪ ،‬وفي شعائره التعبدية‪ ،‬وفى مفاهيمه الفكرية‪ ،‬وفى فضائله األخالقية‪،‬‬
‫<ه‬‫<انية‪ ،‬وفي أسس<‬ ‫<ه اإلنس<‬‫<ة‪ ،‬وفى قيم<‬ ‫وفى اتجاهاته النفسية‪ ،‬وآدابه السلوكية‪ ،‬وفى تقاليده االجتماعي<‬
‫<س‬ ‫<الق‪ ،‬وفي أس<‬ ‫التشريعية‪ .‬واحد من أهدافه التي تصل األرض بالسماء‪ ,‬والدنيا باآلخرة‪ ،‬والخلق بالخ<‬
‫مناهجه التي تجمع بين المثالية والواقعية‪ ،‬وتزازن بين اللثبات والتطور‪ ،‬وبين استلهام التراث واالستفادة‬
‫من العصر‪ .‬واحد في مصادره التي يستمد منها هدايته‪ ،‬وهى القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬وفى المثل‬
‫األعلى الذي يستمد منه األسوة الحسنة‪ ،‬وهو الرسول األعظم (صلى اهلل عليه وسلم)‪ .‬فهو مجتمع يؤمن‬
‫برب واحد‪ ،‬وكتاب واحد‪ ،‬ورسول واحد‪ ،‬ويتجه إلى قبلة واحدة بشعائر واحدة‪ ،‬ويحتكم في كل أم<<وره‬
‫< ‪-‬حيث كان ‪ -‬والء واحد‪ ،‬هلل ولرسوله وألمة اإلسالم‪ .‬في اهلل يحب‪ ،‬وفي<<ه‬ ‫إلى شريعة واحدة‪ :‬ووالؤه‬
‫يبغض‪ ،‬وفيه يصل‪ ،‬وفيه يقطع‪( :‬ال تجد قومًا يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورس<<وله‬
‫<رق‬ ‫<ا يف<‬‫<ع م<‬‫<ذا المجتم<‬‫<رق ه<‬ ‫ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)‪ .‬ال ينبغي أن يف<‬
‫المجتمعات األخرى من العصبية للجنس أو اللون أو الوطن أو اللغة أو الطبقة أو المذهب‪ ،‬أو غير ذلك‬
‫مما يمزق الجماعات‪ .‬فاألخوة اإلسالمية فوق كل العصبيات أيا كان اسمها ونوعها‪ .‬والرسول الكريم ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬برئ من كل العصبيات‪ (:‬ليس منا من دعا إلى عصية‪ ،‬وليس منا من قاتل على‬
‫عصبية‪ ،‬وليس منا من مات على عصبية)‪ .‬والقرآن يحذر من دسائس غير المسلمين الذي يكي<<دون لهم‬
‫ليفرقوا كلمتهم‪ ،‬ويمزقوا وحدتهم‪ ،‬كما فعل ذلك اليهود في اإليقاع بين األوس والخزرج بع<<د أن جمعهم‬
‫<انكم‬
‫<د إيم<‬ ‫<ردوكم بع<‬‫<اب ي<‬ ‫اهلل على اإلسالم‪ (:‬يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكت<‬
‫كافرين‪ ،‬وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اهلل وفيكم رسوله‪ ،‬ومن يعتصم باهلل فقد هدى إلى صراط‬
‫<داء‬‫المستقيم)‪..‬إلى أن قال( واعتصموا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا‪ ،‬واذكروا نعمت اهلل عليكم إذ كنتم أع<‬
‫فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها‪ ،‬كذلك يبين اهلل لكم‬
‫آياته لعلكم تهتدون)‪ .‬وفي هذا السياق حذر من التفرق واالختالف فقال( وال تكون<<وا كال<<ذين تفرق<<وا‬
‫واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات‪ ،‬وأولئك لهم عذاب عظيم)‪ .‬وبين آية األمر باالعتصام بحبل اهلل وآية‬
‫التحذير من التفوق واالختالف‪ ،‬ذكرت آية تكليف األمة بالدعوة واألمر والنهي‪(:‬ولتكن منكم أمة يدعون‬
‫إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ،‬وأولئك هم المفلحون) وهذا يدلنا على أن الذي يوحد‬
‫األمة ويجمع شتاتها‪ :‬وجود منهج موحد تعتصم به وترجع إليه‪ ،‬وهو هنا حب<<ل اهلل‪ :‬ووج<<ود رس<<الة‬
‫<‬
‫مشتركة تشتغل بها‪ ،‬اإلسالم والقرآن‪ ،‬وتجعلها أكبر همها‪ ،‬وهي هنا الدعوة إلى الخير واألمر بالمعروف‬
‫<ا عن يمين‬ ‫والنهى عن المنكر‪ .‬أما إذا قعدت األمة عن الرسالة‪ ،‬أو ففدت المنهج‪ ،‬فإن السبل ستتفرق به<‬
‫وشمال‪ ،‬والشياطين ستتجاذبها من شرق وغرب‪ ،‬وهو ما حذر منه القرآن بقوله ‪ ( :‬وأن هذا ص<<راطي‬
‫<دة‬
‫<ون) والوح<‬ ‫<ه لعلكم تتق<‬
‫<اكم ب<‬‫<بيله‪ ،‬ذلكم وص<‬ ‫مستقيمًا فاتبعوه‪ ،‬وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن س<‬
‫المفروضة في األمة المسلمة ال تعارض النوع الذي يقضيه اختالف البيئات واألعراف بتأثير الحضارات‬
‫<واهب‬ ‫<وع الم<‬‫المختلفة‪ ،‬والمواريث الثقافية المتعددة‪ .‬فهو تنوع في إطار الوحدة الجامعة‪ ،‬وهو أشبه بتن<‬
‫والميول واألفكار والتخصصات داخل األسرة الواحدة ‪ . .‬أو تنوع األزهار والثمار داخل الحديقة الواحدة‬
‫‪( :‬يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في األكل) ومن أهم ما جاء به اإلسالم هنا‪ :‬شرعية تعدد‬
‫االجتهادات في إطار القواعد الكلية والنصوص القطعية المتفق علها‪ ،‬فال يجوز أن ينك<<ر مجته<<د على‬
‫<ل‬‫<ا دام من أه<‬
‫<أ‪ ،‬م<‬
‫مجتهد‪ ،‬وإن اختلف معه في المشرب‪ ،‬ولكل وجهته‪ ،‬ولكل أجره‪ ،‬أصاب أم أخط<‬
‫<ابعوهم‬
‫<حابة وت<‬‫<ف الص<‬‫االجتهاد‪ ،‬واختالف اآلراء ال يجوز أن يكون سبب تفرق أو عداوة‪ ،‬فقد اختل<‬
‫بإحسان في قضايا كثيرة‪ ،‬ولم يزدهم ذلك إلى التفرق‪ ،‬بل وسع بعضهم بعضًا‪ ،‬وص<<لى بعض<<هم وراء‬
‫بعض‪ .‬ومما يضيق الخالف أن أمر اإلمام أو حاكم الحاكم في المسائل الخالفية يرفع الخالف‪ ،‬ويحس<<م‬
‫النزاع من الناحية العملية‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫التعاون والتناصر والتراحم‬


‫<د‬ ‫<اك عن<‬ ‫ومن لوازم اإلخاء في اإلسالم‪ :‬التعاون والتراحم التناصر‪ ،‬إذ ما قيمة األخوة إذا لم تعاون أخ<‬
‫الحاجة‪ ،‬وتنصره عند الشدة‪ ،‬وترحمه عند الضعف ؟ لقد صور الرسول الكريم مبلغ التعاون والتراب<<ط‬
‫بين أبناء المجتمع المسلم بعضه وبعض هذا التصوير البليغ المعبر حين قال‪ ( :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان‪،‬‬
‫يشد بعضه بعضًا)‪ ،‬وشبك بين أصابعه‪ ،‬فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها‪ ،‬وآالف اللبنات المبعثرة‬
‫المتناثرة ال تصنع شيئا‪ ،‬وال تكون بناء‪ .‬إنما يتكون البناء القوى من اللبنات المتماس<<كة المتراص<<ة في‬
‫<در بيت‬ ‫<وع الج<‬ ‫<تين‪ ،‬ومن مجم<‬ ‫< منتظمة‪ ،‬وفق قانون معلوم‪ ،‬عندئذ يتكون من اللبنات جدار م<‬ ‫صفوف‬
‫مكين‪ ،‬يصعب أن تنال منه أيدي الهدامين‪ .‬كما صور مبلغ تراحم المجتمع وتكامله‪ ،‬وتعاطف بعضه مع‬
‫بعض بقوله ‪ (:‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو‪،‬‬
‫تداعى له سائر األعضاء بالحمى والسهر)‪ ،‬فهو ترابط عدوى‪ ،‬ال يستغني فيه جزء عن آخر‪ ،‬وال ينفصل‬
‫عنه‪ ،‬وال يحيا بدونه‪ ،‬فال يستغني الجهاز التنفسي عن الجهاز الهضمي‪ ،‬أو كالهما عن الجهاز ال<<دموي‬
‫أو العصبي‪ ،‬فكل جزء متمم لآلخر‪ ،‬وبتعاون األجزاء وتالحمها يحيا الكل‪ ،‬ويستمر نم<<اؤه وعط<<اؤه‪.‬‬
‫< (المسلمون تتكافأ دماؤهم‪ ،‬يسعى بذمتهم أدناهم‪ ،‬ويجير عليهم أقصاهم‪ ،‬وهم يد على من سواهم‪،‬‬ ‫ويقول‪:‬‬
‫يرد مشدهم على مضعفهم‪ ،‬ومسرعهم على قاعدهم)‪ .‬ويدخل في نصرة المسلم للمسلم عنص<<را جدي<<دًا‬
‫حين يقول‪ (:‬انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)‪ ،‬قيل‪ :‬ننصره مظلومًا‪ ،‬فكيف ننصره ظالمًا يا رس<<ول اهلل؟‬
‫<ه‬ ‫قال‪ ( :‬تأخذ فوق يديه‪ ،‬أو تمنعه من الظلم فذلك نصر له)‪ .‬والقرآن الكريم يوجب التعاون به و يأمر ب<‬
‫بشرط أن يكون تعاونًا على البر التقوى‪ ،‬ويحرمه وينهى عنه إذا كان على اإلثم والعدوان‪ .‬يقول تعالى ‪:‬‬
‫<هم على‬ ‫<اء بعض<‬ ‫<نين أولي<‬
‫(وتعاونوا على البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان) ويجعل المؤم<‬
‫< بعضهم أولياء ء بعض‪ ،‬يأمرون‬ ‫بعض‪ ،‬بمقتضى عقد اإليمان‪ ،‬كما قال تعالى‪ ( :‬والمؤمنون والمؤمنات‬
‫<‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر)‪ ،‬وهذا في مقابلة وصف مجتمع المنافقين بقوله‪ ( :‬المنافقون والمنافق<<ات‬
‫<ع‬ ‫<ف مجتم<‬ ‫<ا وص<‬ ‫<ديهم)‪ .‬كم<‬‫< أي<‬‫بعضهم من بعض‪ ،‬يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون‬
‫<لم‪.‬‬ ‫<ع المس<‬ ‫<مات المجتم<‬‫الصحابة بأنهم‪ ( :‬أشداء على الكفار رحماء بينهم)‪ ،‬فالتراحم سمة أولى من س<‬
‫< ذلك أن يشد القوى أزر الضعيف‪ ،‬وأن يأخذ الغنى بيد الفقير‪ ،‬وأن ينير العالم الطريق للجاهل‪،‬‬ ‫ومقتضى‬
‫وأن يرحم الكبير الصغير‪ ،‬كما يوقر الصغير الكبير‪ ،‬ويعرف الجاهل للعالم حقه‪ ،‬وأن يقف الجميع صفًا‬
‫واحدًا في الشدائد والمعارك العسكرية والسلمية‪ ،‬كما قال تعالى‪ ( :‬إن اهلل يحب الذين يقاتلون في س<<بيله‬
‫<ورة‬ ‫<ك ص<‬ ‫<اء‪ .‬من ذل<‬‫< وفى قصص القرآن صورة حية التعاون الثمر البن<‬ ‫صفًا كأنهم بنيان مرصوص)‬
‫التعاون بين موسى وأخيه هارون‪ ،‬وقد سأل اهلل أن يشد به أزره في قيامه برسالة‪ (:‬واجعل لي وزي<<رًا‬
‫<ك‬ ‫<يرًا ‪ ،‬إن<‬
‫من أهلي‪ ،‬هارون أخي‪ ،‬اشدد به أزرى‪ ،‬واشركه في أمري‪ ،‬كي نسبحك كثرًا‪ ،‬ونذكرك كث<‬
‫<ان‬ ‫<ذا ك<‬
‫<لطانًا)‪ .‬وبه<‬
‫كنت بنا بصيرًا) وكان الجواب اإللهي‪ (:‬قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما س<‬
‫هارون معاون أخاه موسى في حضرته‪ ،‬ويخلفه على قومه في غيبته‪ .‬ومن صور التعاون ما قصه علينا‬
‫<دين في‬ ‫<أجوج المفس<‬ ‫<أجوع وم<‬ ‫<ات ي<‬
‫القرآن من إقامة سد ذي القرنين العظيم‪ ،‬ليقف حاجزًا ضد هجم<‬
‫<ا ذا‬‫<الوا ي<‬
‫األرض‪ .‬وكان ثمرة للتعاون بين الحاكم الصالح والشعب الخائف من بغى األقوياء عليه‪( :‬ق<‬
‫القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في األرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم س<<دًا‪،‬‬
‫قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردمًا‪ ،‬آتوني زبر الحديد‪ ،‬حتى إذا س<<اوى‬
‫بين الصدفين قال انفخوا‪ ،‬حتى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا‪ ،‬فما اسطاعوا أن يظهروه وما‬
‫استطاعوا له نقبًا)‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫التكافل المادي واألدبي‬


‫<ادي‬‫<ل م<‬ ‫<و تكاف<‬‫<لم‪ ،‬وه<‬ ‫ومن مظاهر هذا التعاون والتراحم التناصر‪ :‬التكافل بين أبناء المجتمع المس<‬
‫< يبدأ هذا التكافل بين األقارب بعض<<هم‬‫< اقتصادي وسياسي‪ ،‬عسكري ومدني‪ ،‬اجتماعي وثقافي‪.‬‬ ‫ومعنوي‪،‬‬
‫وبعض‪ ،‬كما يفعل ذلك نظام النفقات في شريعة اإلسالم‪ .‬فالقريب الموسر ينفق على قريبه المعسر وفق‬
‫شروط وأحكام مفصلة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪ (:‬وألوا األرحام بعض<<هم أولى ببعض في‬
‫كتاب اهلل)‪ .‬ثم تتسع دائرة هذا التكافل لتشمل الجيران وأبناء الحي الواحد في البلد الواحد‪ ،‬بمقتض ح<<ق‬
‫الجوار‪ ،‬الذي أكده اإلسالم‪ ،‬وفى الحديث‪ ( :‬ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع ) ‪ .‬وفى‬
‫الحديث اآلخر‪ ( :‬أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اهلل وذمة رسوله )‪ .‬ثم تتسع‬
‫أكثر وأكثر بحيث تشمل اإلقليم عن طريق الزكاة‪ ،‬التي أمر الرسول الكريم (صلى اهلل عليه وس<<لم) أن‬
‫تؤخذ من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه‪ ،‬فوضع بذلك أساس التوزيع المحلى‪ ،‬على عكس م<<ا ك<<ان‬
‫يصنع في الحضارات السابقة على اإلسالم‪ ،‬فقد كانت الضرائب تؤخذ من مزارعي ومحترفي األق<<اليم‬
‫<زداد‬‫<براطور‪ .‬ثم ت<‬‫<ك أو اإلم<‬ ‫النائية والقرى البعيدة‪ ،‬لتوزع في المدن الكبيرة‪ ،‬وال سيما عاصمة المل<‬
‫اتساعًا ليشمل التكافل المجتمع كله‪ .‬ومنذ فجر الدعوة إلى اإلسالم في مكة‪ ،‬والمسلمون أفراد مع<<دودون‬
‫مضطهدون‪ ،‬ليس لهم كيان وال سلطان‪ ،‬كان القرآن يدعو بقوة إلى هذا التكافل بجعل المجتمع كاألس<<رة‬
‫الواحدة‪ ،‬يصب الواجد فيه على المحروم‪ ،‬ويحمل فيه الغنى الفقير‪ .‬ولم يجعل القرآن ذلك شيئًا من نوافل‬
‫الدين‪ ،‬يقوم به من ترقى في درجات اإليمان واإلحسان‪ ،‬وال يطالب به الشخص العادي من الناس‪ .‬ب<<ل‬
‫اعتبره القرآن أمرًا أساسيًا من دعائم الدين‪ ،‬ال يحظى برضا اهلل من لم يقم به‪ ،‬وال ينجو من عذاب<<ه من‬
‫<ة‪ ،‬أو‬
‫<ك رقب<‬ ‫<ة‪ ،‬ف<‬
‫فرط فيه‪ .‬إقرأ في السورة المكية هذه اآليات‪ (:‬فال اقتحم العقبة‪ ،‬وما أدراك ما العقب<‬
‫إطعام في يوم ذي مسبغة‪ ،‬يتيمًا ذا مقربة‪ ،‬أو مسكينًا ذا متربة‪ ،‬ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر‬
‫<حاب اليمين‪ ،‬في‬ ‫وتواصوا بالمرحبة) وقوله تعالى في سورة أخرى‪(:‬كل نفس بما كسبت رهينة‪ ،‬إال أص<‬
‫<ك نطعم‬ ‫<لين‪ ،‬ولم ن<‬
‫<ك من المص<‬ ‫<الوا لم ن<‬
‫<قر‪ ،‬ق<‬‫<لككم في س<‬ ‫جنات يتساءلون عن المجرمين‪ ،‬ما س<‬
‫المس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<كين‪ . )..‬‬
‫<وا‬‫<اده‪ ،‬إذ لم يطعم<‬
‫<ق عب<‬ ‫فجعل مصيرهم النار‪ :‬ألنهم أضاعوا حق اهلل بإضاعة الصالة‪ ،‬وأضاعوا ح<‬
‫<ه‬‫المسكين‪ .‬وإطعام المسكين كناية عن رعاية ضروراته وحاجاته‪ ،‬إذ ال معنى ألن نطعم المسكين وندع<‬
‫مشردًا بال مأوى‪ ،‬أو عريانًا بال كسوة‪ ،‬أو مريضًا بال عالج‪ .‬ولم يكتف القرآن بإيجاب إطعام المسكين‪،‬‬
‫<ر‬‫بل زاد على ذلك فأوجب الحض على إطعامه‪ ،‬والحث على رعايته‪ ،‬وجعل إهمال ذلك من دالئل الكف<‬
‫والتكذيب بالدين‪ (:‬أرأيت الذي يكذب بالدين‪ ،‬فذلك الذي يدع اليتيم‪ ،‬وال يحض على طع<<ام المس<<كين)‬
‫ويجعل ذلك مع الكفر باهلل من موجبات العذاب األلم‪ ،‬واصطالء الجحيم‪ .‬فيقول في شأن أصحاب الشمال‬
‫<ا‬
‫<لة ذرعه<‬ ‫ممن أطغاه ماله وسلطانه‪ ،‬فلم يغن عنه من اهلل‪( :‬خذوه فغلوه‪ ،‬ثم الجحيم صلوه‪ ،‬ثم في سلس<‬
‫سبعون ذراعًا فاسلكوه) ‪ ،‬ثم يذكر أسباب هذا الحكم الشديد فيقول‪ ( :‬إنه كان ال ي<<ؤمن باهلل العظيم‪ ،‬وال‬
‫يحض على طعام المسكين)‪ .‬ويزيد على ذلك فيوجب في المال حقا معلومًا‪ ،‬ليس بصدقة تطوعي<<ة‪ ،‬وال‬
‫بإحسان اختياري‪ ،‬من شاء أداه‪ ،‬ومن شاء تركه‪ ،‬بل (حق) ‪ -‬أي (دين) ‪ -‬في عن<<ق المكلفين‪ ،‬وح<<ق‬
‫<ائل‬‫<وم للس<‬‫<ق معل<‬ ‫<والهم ح<‬‫<ف المتقين‪ ( :‬وفي أم<‬ ‫معلوم غير مجهول‪ ،‬كما في قوله تعالى في وص<‬
‫< ( والذين في أموالهم حق معلوم‪ ،‬للس<<ائل‬ ‫والمحروم)‪ .‬وفى سورة أخرى يصف الحق بالمعلومية فيقول‪:‬‬
‫والمحروم)‪ .‬وفى الحديث عن الزروع والثمار‪ ،‬والجنات المعروشات وغير المعروشات‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫<ير‬‫<ة غ<‬ ‫<ت في مك<‬ ‫(كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)‪ .‬وهذا الحق هو الزكاة‪ ،‬التي فرض<‬
‫محددة وال مفصلة‪ .‬كل هذا في القرآن المكي‪ ،‬فلما أصبح للمسلمين دولة وسلطان‪ ،‬حددت أنصبة الزكاة‬
‫ومقاديرها بوضوح‪ ،‬وبعث السعاة ليجمعوها من أهلها‪ ،‬ويصرفوها في محلها‪ .‬وهم الذين سماهم القرآن‪:‬‬
‫(العاملين عليها)‪ ،‬وجعل لهم نصيبًا من حصيلة الزكاة نفسها‪ ،‬ضمانًا لحسن تحصيلها وتوزيعها‪ .‬ووصل‬
‫<الم‪،‬‬
‫اإلسالم بهذه الفريضة اآللية إلى أعلى درجات اإللزام الخلقي والتشريعي‪ ،‬فجعلها ثالث أركان اإلس<‬
‫وأوجب أخذها كرهًا‪ ،‬إن لم تدفع طوعًا‪ ،‬ولم يتردد في قتال من منعوها إذا كانوا ذوى ش<<وكة وق<<وة ‪.‬‬
‫وهذا التكافل المادي أو المعيشي لبس هو كل ما طلبه اإلسالم في هذا المجال‪ ،‬بل هناك أنواع أخرى من‬
‫التكافل‪ ،‬ذكرها العالمة الفقيه الداعية الدكتورمصطفى السباعي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬وجعلها بالتكافل المعيشي‬
‫<ائي‪ ،‬واألخالقي‪،‬‬ ‫<دفاعي‪ ،‬والجن<‬‫<ي‪ ،‬وال<‬‫<ل األدبي‪ ،‬والعلمي‪ ،‬والسياس<‬‫<ملت ‪ :‬التكاف<‬‫عشرة كاملة‪ ،‬فش<‬
‫واالقتصادي‪ ،‬ولعبادي‪ ،‬والحضاري‪ ،‬والمعاشي‪ ،‬الذي اختص اليوم باسم‪ ( ‬التكافل‪ ‬االجتماعي)‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫أخوة لكل الفئات ال طبقية‬


‫<ؤاخي اآلخ<رين‪،‬‬ ‫األخوة في اإلسالم تشمل كل فئات المجتمع‪ ،‬فليس هناك فئة من الناس أعلى من أن ت<‬
‫وال فئة أهون من أن يؤاخيها اآلخرون‪ ،‬ال يجوز أن يكون المال أو المنصب أو النسب‪ ،‬أو أي وض<<ع‬
‫<وم‪،‬‬‫<و المحك<‬‫<اكم أخ<‬ ‫<اس على بعض‪ .‬فالح<‬ ‫اجتماعي أو مادي أو غير مادي سببًا الستعالء بعض الن<‬
‫والراعي أخ لرعيته‪ ،‬وفى الحديث‪( :‬خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم‪ ،‬وتصلون عليهم‪ ،‬ويص<<لون‬
‫<ونهم‪،‬‬
‫<ونكم‪ ،‬وتلعن<‬‫<ونهم ويبغض<‬ ‫<ذين تبغض<‬ ‫عليكم‪-،‬أي تدعون لهم‪ ،‬ويدعون لكم ‪ -‬وشرار أئمتكم ال<‬
‫ويلعنونكم)‪ .‬والسيد أخ لعبده‪ ،‬وإن أوجبت ظروف خاصة أن يكون تحت يده‪ .‬وفى الصحيح‪ ( :‬إخوانكم‬
‫خولكم ( أي خدمكم) جعلهم اهلل تحت أيديكم‪ ،‬ولو شاء جعلكم تحت أيديهم‪ ،‬فمن كان أخ<<وه تحت ي<<ده‪،‬‬
‫فليطعمه مما يأكل‪ ،‬ويلبسه مما يلبس‪ ،‬وال تكلفوهم من العمل ما ال يطيقون‪ ،‬فإن كلفتموهم ف<<أعينوهم)‪.‬‬
‫واألغنياء والفقراء‪ ،‬والعمال وأرباب العمل‪ ،‬والمالك والمستأجرون‪ ،‬كلهم أخ<<وة بعض<<هم لبعض‪ ،‬فال‬
‫مجال ‪ -‬في ضوء تعاليم اإلسالم ‪ -‬لصراع اجتماعي‪ ،‬أو حقد طبقي‪ .‬بل ال يوجد في المجتمع اإلسالمي‬
‫طبقات‪ ،‬كما عرف ذلك في المجتمع الغربي في العصور الوسطى‪ ،‬الذي عرف طبقات النبالء والفرسان‪،‬‬
‫ورجال الدين وغيرهم‪ ،‬وكانت هذه الطبقية تتوارث بحكم القيم والتقاليد والق<<وانين الس<<ائدة ‪ .‬وال زال‬
‫<د‪ .‬‬‫<ا في الهن<‬
‫<ه‪ ،‬كم<‬ ‫<ه وأنظمت<‬‫<ده وأعراف<‬ ‫<ة‪ ،‬بحكم عقائ<‬‫<وارث الطبقي<‬‫<وم يت<‬ ‫بعض األمم إلى الي<‬
‫يوجد في اإلسالم أغنياء‪ ،‬ولكنهم ال يكونون طبقة تتوارث الغنى‪ ،‬بلهم أفراد يجرى عليهم ما يجرى على‬
‫< كما أن الفقير قد يغتني‪ ( :‬فإن مع العسر يسرًا)‪ .‬ويوجد في اإلسالم (علم<<ا ء‬ ‫غيرهم‪ ،‬فالغني قد يفتقر‪،‬‬
‫دين) ولكنهم ال يكونون طبقة تتوارث هذه المهنة‪ ،‬بل هي وظيفة مفتوحة لكل من حصل مؤهالته<<ا من‬
‫العلم والدراسة‪ ،‬وهي على كل حال ليست وظيفة كهنوتية كوظائف القسس ورجال ال<<دين في األدي<<ان‬
‫<اطب‬‫<الى يخ<‬ ‫<ان اهلل تع<‬
‫األخرى‪ ،‬إنما هي وظيفة تعليم ودعوة وإفتاء‪ .‬فهم (علماء) ال (كهنة) ! وإذا ك<‬
‫<‬
‫رسوله (صلى اهلل عليه وسلم) بقوله‪ ( :‬إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر) ‪( ،‬ونحن أعلم بما يقولون‪،‬‬
‫<وا ‪-‬‬
‫<اء؟ إنهم لن يكون<‬ ‫وما أنت عليهم بجبار‪ ،‬فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ‪ ،‬فكيف بورثته من العلم<‬
‫قطعًا ‪ -‬مسيطرين وال جبارين على الناس‪ .‬إنما هم معلمون ومذكرون‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصل الثامن‬
‫التشريع والقانون‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪  ‬ضرورة التشريع الرباني للمجتمع‬ ‫تحكيم الشريعة يجسد أصالتنا وتحررنا‬

‫ليس التشريع محصوراً في الحدود‬ ‫الشريعة بمعناها الواسع ال مذهب بعينه‬

‫حرص اإلسالم على الستر والعفو في قضايا الحدود‬ ‫البد من اجتهاد معاصر منضبط‬

‫‪ ‬‬ ‫درء الحدود بالشبهات‬ ‫‪  ‬اإلسالم ليس مادة هالمية‬

‫ال يبنى المجتمع بالتشريع وحده‬ ‫سنة التدرج‬

‫من حق المجتمع المسلم أن يحكم بشرع ربه‬ ‫ال يطبق الشريعة حقا ً إال من يؤمن بها‬

‫الشريعة للشعوب كما هي للحكام‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫ومن مقومات المجتمع المسلم ‪ :‬التشريع ‪ ,‬أو القانوني الذي يحتكم إلى الشريعة ويحكم بها ‪ .‬والش<<ريعة‬
‫هي المنهاج الذي وضعه اهلل تعالى لتنظيم الحياة اإلسالمية على ضوء الكتاب المبين والسنة المطه<<رة‪،‬‬
‫وال يكون المجتمع مجتمعًا إسالميًا إال بتطبيقها والرجوع إليها في حياته كلها‪ ،‬عبادات ومعامالت‪ ،‬فليس‬
‫<ه‪( :‬كتب عليكم‬
‫<ذ من<‬‫<يام)‪ ،‬وال يأخ<‬‫<ه‪( :‬كتب عليكم الص<‬‫<اب رب<‬ ‫< آن يأخذ المسلم من كت<‬ ‫من المعقول‬
‫القصاص)‪ .‬وال يتصور أن يقبل آيات إيجاب الصالة‪ ،‬ويرفض آيات تحريم الربا‪.‬‬

‫< في النقاط التالية‪:‬‬


‫وسنتحدث عن هذا الموضوع‬

‫ضرورة التشريع الرباني للمجتمع‬


‫<ه‪،‬‬
‫<بط عالقات<‬ ‫<انون يض<‬ ‫ال‪ :‬إن التشريع مقوم أساسي من مقومات المجتمع‪ ،‬فال بد ألي مجتمع من ق<‬ ‫أو ً‬
‫ويعاقب من انحرف عن قواعده‪ ،‬سواء أكان هذا القانون مما نزل من السماء‪ ،‬أم مما خرج من األرض‪،‬‬
‫فالضمائر والدوافع الذاتية ال تكفى وحدها لعموم الخلق‪ ،‬والمحافظة على سالمة الجماعة‪ ،‬وصيانة كيانها‬
‫<اة‬
‫<يرة الحي<‬ ‫<بط مس<‬ ‫المادي والمعنوي‪ ،‬وإقامة القسط بين الناس‪ ،‬ولهذا أرسل اهلل رسله وأنزل كتبه لض<‬
‫<ط)‬‫<اس بالقس<‬ ‫بالحق كما قال تعالى‪ ( :‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الن<‬
‫كذلك أنزل اهلل كتابه الخالد ليحكم بين الناس‪ ،‬ال ليتلى على األموات‪ ،‬وال لتزين به الجدران‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫<وب الحكم‬ ‫( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اهلل)‪ .‬وآيات القرآن صريحة في وج<‬
‫< تعلى‪( :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمن<<ًا علي<<ه‪،‬‬ ‫بما أنزل اهلل‪ .‬يقول‬
‫فاحكم بينهم بما أنزل اهلل‪ ،‬وال تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق‪ ،‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا‪ ،‬ولو‬
‫شاء اهلل لجعلكم ً‬
‫أمة واحد ًة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم‪ ،‬فاستبقوا الخيرات‪ ،‬إلى اهلل مرجعكم جميعًا فينبئكم‬
‫بما كنتم فيه تختلفون‪ ،‬وأن احكم بينهم بما أنزل اهلل وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما‬
‫أنزل اهلل إليك‪ ،‬فإن تولوا فاعلم أنما يريد اهلل أن يصيبهم ببعض ذنوبهم‪ ،‬وإن كثيرًا من الناس لفاس<<قون‪،‬‬
‫أفحكم الجاهلية يبغون‪ ،‬ومن أحسن من اهلل حكمًا لقوم يوقنون)‬

‫ويالحظ في هذه اآليات‪:‬‬

‫ال ‪ :‬أنها جاءت بع اآليات التي تحدثت عن أهل الكتابين‪ :‬التوراة واإلنجيل‪ ،‬وجاء فيها قول<<ه تع<<الى‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫<ك هم‬‫<زل اهلل فأولئ<‬
‫<ا أن<‬
‫( ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون) ‪ ،‬وقوله‪( :‬ومن لم يحكم بم<‬
‫الظالمون) ‪ ،‬وقوله‪( :‬ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الفاسقون) ‪ ،‬وما كان اهلل تع<<الى ليحكم على‬
‫أهل الكتاب بالكفر‪ ،‬أو الظلم‪ ،‬أو الفسق‪ ،‬أو بها جميعًا إذا لم يحكموا بما أنزل اهلل‪ ،‬ثم يعفي المسلمين من‬
‫ذلك‪ ،‬فليس ما أنزل اهلل على المسلمين‪ ،‬دون ما أنزله على أهل الكتاب وعدل اهلل واحد‪ .‬وقد جاء الحكم‬
‫القرآني بلفظ عام‪ .‬فال مجال لمماحك يقول‪ :‬إن اآليات جاءت في أهل الكتاب ال في المسلمين)‪.‬‬

‫<ة‪:‬‬
‫<يغة قوي<‬
‫<ك بص<‬
‫<ذرت من ذل<‬
‫<ل ح<‬
‫ثانيًا‪ :‬أنها لم تتسامح في ترك جزء مما أنزل اهلل إلى رسوله‪ ،‬ب<‬
‫( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اهلل إليك) ‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬أن الناس بين حكمين ال ثالث لهما‪ :‬إما حكم اهلل‪ ،‬أو حكم الجاهلية ‪ ..‬فمن لم يرض باألول وقع في‬
‫الثاني ال محالة‪ ،‬وفى هذا يقول‪( :‬أفحكم الجاهلية يبغون‪ ،‬ومن أحسن من اهلل حكمًا لقوم يوقنون )‪.‬‬

‫إن التشريع هو الذي ينقل التوجيهات الدينية واألخالقية إلى قوانين ملزمة‪ ،‬ويعاقب على تركها‪ .‬وحاجة‬
‫<ر إال‬
‫<ا للبش<‬
‫<ية‪ ،‬ال يحققه<‬
‫<ة أساس<‬
‫البشر إلى تشريع رباني ‪ -‬سالم من قصور البشر وأهوائهم ‪ -‬حاج<‬
‫التشريع اإلسالمي‪ ،‬فهو الذي يحمل هداية اهلل األخيرة للبشر‪ ،‬وال يوجد في األرض تشريع رباني آخر‪،‬‬
‫ألن كل المصادر السماوية قد أصابها التحريف والتبديل‪ ،‬كما أثبت ذلك الدارسون المحققون من القدماء‬
‫والمحدثين والمعاصرين بالنسبة للتوراة واإلنجيل‪ .‬المصدر السماوي الوحيد الباقي بال زي<<ادة وال نقص‬
‫وال تحري<<<<<<<<<ف وال تغي<<<<<<<<<ير ه<<<<<<<<<و الق<<<<<<<<<رآن‪ .‬‬
‫إن البشر في حاجة إلى توجيه إلهي يجنبهم الضالل في الفكر‪ ،‬والغي في السلوك‪ .‬فكثيرًا ما زينت للبشر‬
‫<ال‬‫<ون األطف<‬‫<ديمًا يقتل<‬
‫<بارطة ق<‬‫عقولهم القاصرة‪ :‬جرائم بشعة‪ ،‬وغوايات شنيعة‪ ،‬حتى وجدنا أهل اس<‬
‫<اس‬ ‫الضعاف البنية‪ ،‬والعرب في الجاهلية يئدون البنات‪ ،‬والهنود والرومان والفرس وغيرهم يقسمون الن<‬
‫< بعض<<ها ألدنى‬ ‫إلى طبقات يجوز لطبقة ما ال يجوز لألخرى‪ ،‬ويقتل بعضها عمدًا فال يقتص منه‪ ،‬ويقتل‬
‫األسباب‪ ،‬وربما بال سبب‪ .‬ووجدنا في عصرنا من يجيز زواج الرجال بالرجال‍وتصدر بذلك ق<<وانين‪،‬‬
‫ويب<<<<ارك ذل<<<<ك بعض رج<<<<ال ال<<<<دين في الغ<<<<رب المتحض<<<<ر المتق<<<<دم‪ .‬‬
‫<د من الغي‪،‬‬‫<بين لهم الرش<‬ ‫ومع قصور العقل البشرى في مقابلة العلم اإللهي‪ :‬نجد أن البشر كثيرًا ما يت<‬
‫والنافع من الضار‪ ،‬ومع هذا تغلبهم أهواؤهم وشهواتهم‪ ،‬أو أهواء ذوى النف<<وذ وأص<<حاب المص<<الح‬
‫الخاص<<<ة منهم‪ ،‬فيحل<<<ون م<<<ا يجب أن يح<<<رم‪ ،‬ويحرم<<<ون م<<<ا ينبغي أن يب<<<اح‪ .‬‬
‫ولعل من أوضح األمثلة على ذلك‪ :‬موقف الواليات المتحدة من تحريم الخمر‪ ،‬وتراجعها عن التح<<ريم‪،‬‬
‫<ًا‬
‫<كر‪ ،‬وتحقيق<‬
‫رغم ثبوت ضرره على الفرد واألسر والمجتمع‪ ،‬ماديًا ومعنويًا‪ ،‬اتباعًا لشهوات هواة الس<‬
‫لمصالح المنتفعين من انتشار المسكرات‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫ليس التشريع محصوراً في الحدود‬


‫ثانيا ‪ :‬ليس التشريع في اإلسالم محصورًا في الحدود والعقوبات كما يتصور بعض الناس أو يص ّورون‪.‬‬
‫إن التشريع في اإلسالم ينظم العالقة بين اإلنسان وربه‪ ،‬وبين اإلنسان وأسرته‪ ،‬وبين اإلنسان ومجتمعه‪،‬‬
‫وبين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وبين األغنياء والفقراء‪ ،‬والمالك والمستأجرين‪ ،‬وبين الدولة اإلسالمية وغيره<<ا‬
‫<ه‬‫<انب أن<‬‫في حالة السلم وحالة الحرب‪ .‬فهو قانون مدني و إداري‪ ،‬ودستوري ودولي …… إلخ إلى ج<‬
‫قانون ديني‪ .‬ولهذا اشتمل الفقه اإلسالمي على العبادات والعامالت‪ ،‬واألنكحة والم<<واريث‪ ،‬واألقض<<ية‬
‫< والتعازير‪ ،‬والجهاد والمعاهدات‪ ،‬والحالل والحرام‪ ،‬والس<<ف واآلداب‪،‬‬ ‫والدعاوى‪ ،‬والحدود والقصاص‬
‫<ة‪ .‬إن‬ ‫<ة واإلمام<ة العظمى لألم<‬‫فهو ينظم حياة اإلنسان من أدب قضا ء الحاجة للفرد إلى إقامة الخالف<‬
‫الحدود هي السياج‪ ،‬وهى اإلعالن الناطق بأن المجتمع المسلم يرفض جرائم معينة‪ ،‬وال يسمح بها بحال‬
‫من األح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وال‪ .‬‬
‫والحدود ‪ -‬كما شرعها اإلسالم ‪ -‬ليست بالبشاعة التي يتصورها بعض الناس أو يصورها المبش<<رون‬
‫والمستش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رقون‪ .‬‬
‫إن الغربيين يستبشعون هذه العقوبات لسببين ذكرهما العالمة المودودي في حديثه عن حد الزنا في كتابه‬
‫<ك ال‬ ‫<بب في ذل<‬‫(الحجاب)‪ ،‬قال رحمه اهلل‪( :‬إن الضمير الغربي يشمئز من عقوبة الجلدات المئة‪ .‬والس<‬
‫<عوره‬ ‫<أة ش<‬ ‫<د نش<‬
‫< أنه لم تكتمل بع<‬‫يرجع إلى كونه ال يحب إيذاء اإلنسان في جسده‪ .‬بل السبب الحقيقي‬
‫الخلقي‪ ،‬فهو بينما كان يعد الزنا من قبل عيبًا وهجنة إذ به اآلن ال يعتبره إال لعبًا وس<<لوة‪ ،‬يعل<<ل ب<<ه‬
‫<ه‪ ،‬إال إذا‬
‫<ب علي<‬ ‫شخصان نفسيهما ساعة من الزمن! فهو يريد لذلك أن يسامح في هذا الفعل وال يحاس<‬
‫أخل الزنا بحرية رجل آخر أو بحق من حقوقه القانونية‪ .‬وحتى عند حصول هذا اإلخالل ال يكون الزنا‬
‫عنده إال من صغار الجرائم التي ال تتأثر بها إال حقوق شخص واحد‪ ،‬فيكفى المعاقبة عليه بعقاب خفيف‬
‫<ذا‬
‫<ة له<‬ ‫<ة ظالم<‬‫أو تغريم ! ( وبديهي أنه من كان هذا تصوره للزنا ال بد أن يرى حد المئة جلدة عقوب<‬
‫الفعل‪ .‬ولكنه إذا ارتقى شعوره الخلقي واالجتماعي وعلم أن الزنا سواء كان بالرضا أو باإلكراه‪ ،‬وكان‬
‫بامرأة متزوجة أو باكرة‪ ،‬جريمة اجتماعية في كل حال تعود مضارها على المجتمع بأسره‪ ،‬فإنه ال ب<<د‬
‫أن تتبدل نظرته في باب العقوبة‪ ،‬ويعترف بوجوب صون المجتمع من تلك المضار‪ ،‬وبما أن العوام<<ل‬
‫<‬
‫المحركة للمرء على الزنا متأصلة جدا في جبلته الحيوانية‪ ،‬وليس من الممكن قلع شأفتها بمجرد عقوبات‬
‫<ة ماليين من‬ ‫<ه أن وقاي<‬ ‫الحبس والغرم‪ ،‬فال مندوحة لقمعه من استخدام التدابير الشديدة‪ .‬ومما ال شك في<‬
‫الناس مما ال يحصى من المضار الحفيًءاذيإ نيصخش وأ صخش ءاذيإب ةينارمعلاو ةّ شديدًا خير من دفع‬
‫<ًا بال‬
‫<ة أيض<‬ ‫األذى عن الجناة‪ ،‬وتعريض األمة كلها لمضار ال تنحصر فيها‪ ،‬بل تتوارثها أجيالها القادم<‬
‫ذنب له<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا‪.‬‬
‫( وهناك سبب آخر العتبارهم حد المئة جلدة من العقوبات الظالمة‪ ،‬يفطن به الم<<رء بس<<هولة إذا أنعم‬
‫نظره في أسس الحضارة الغربية‪ .‬وذلك أن حضارة الغرب ‪ -‬كما أسلفنا‪ -‬قد قامت على إعانة ( الفرد )‬
‫<رد‬‫<ان من ظلم الف<‬ ‫على ( الجماعة) وتركبت عناصرها بتصور مغلو فيه للحقوق الفردية‪ .‬لذلك مهما ك<‬
‫<دت إلى‬ ‫واعتدائه على الجموع‪ ،‬فال ينكره أهل الغرب‪ ،‬بل يحتملونه غالبًا بطيبة نفس‪ ،‬ولكنه كلم<<ا امت<‬
‫<حهم‬ ‫<ل نص<‬ ‫<بح ك<‬ ‫<ًا‪ ،‬وأص<‬ ‫الفرد يد القانون حفظًا لحقوق الجماعة‪ ،‬اقشعرت منه جلودهم خوفًا وفزع<‬
‫وتحمسهم بحق الفرد دون الجماعة‪.‬‬

‫( ثم إن ميزة أبناء الجاهلية الغربية ‪ -‬كأهل الجاهلية في كل زمان ‪ -‬أنهم يهتمون بالمحسوسات أك<<ثر‬
‫<ورة‬
‫<ام أعينهم بص<‬ ‫<اث ً‬
‫ال أم<‬ ‫< ولهذا يستفظعون الضر الذي ينال الفرد لكونه م<‬
‫من اهتمامهم بالمعقوالت‪.‬‬
‫مرئية‪ .‬ولكنهم ال يدركون خطورة الضرر العظيم الذي يلحق المجتمع وأجياله القادمة جميعًا‪ ،‬على نطاق‬
‫واسع‪ ،‬ألنهم يكادون ال يحسون به لسعته وعمق آثاره )‪.‬‬

‫وأود أن أذكر هنا‪ :‬أن اإلسالم يشدد في إثبات الجريمة تشديدًا غير عادي‪ ،‬وخصوصًا في جريمة الزنا‪،‬‬
‫وهي لم تثبت في عهد النبوة والراشدين إال باإلقرار‪ ،‬كما أنه يفتح الباب للتوبة‪ ،‬فمن صدقت توبتة سقط‬
‫<ر‬‫<ل إلى التعزي<‬
‫<د ينتق<‬
‫<ة‪ ،‬فق<‬
‫عنه الحد على الرأي الراجح‪ .‬وسقوط الحد ال يعنى إسقاط العقوبة بالكلي<‬
‫المناسب‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫حرص اإلسالم على الستر والعفو في قضايا الحدود‬


‫ثالثًا ‪ :‬أود أن ألفت النظر هنا إلى حقيقة مهمة في أمر الحدود‪ ،‬وهو‪ :‬أن اإلسالم ال يركض وراء إقام<<ة‬
‫الحد‪ ،‬وال يتشوف إلى تنفيذ العقوبة‪ ،‬فيمن اقترف ما يستحقها‪ ،‬وال يضع أجهزة للتصنت على العصاة‪ ،‬أو‬
‫ينصب لهم (كاميرات) خفية تصورهم حين ارتكاب جرائمهم‪ ،‬وال يسلط الشرطة الجنائية أو (المباحثية)‬
‫<مة‬‫تتجسس على الناس المخالفين للشرع حتى تقبض عليهم متلبسين‪ .‬بل نجد توجيهات اإلسالم هنا حاس<‬
‫<ل‬‫<وراتهم‪ ،‬ال من قب<‬ ‫<ع ع<‬‫كل الحسم في صيانة حرمات الناس الخاصة‪ ،‬وتحريم التجسس عليهم‪ ،‬وتتب<‬
‫األفراد‪ ،‬وال من قبل السلطات الحاكمة‪ .‬روى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف‪ :‬أنه حرس ليلة مع عر‬
‫بالمدينة‪ ،‬فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت‪ ،‬فانطلقوا يؤمونه ( أي يقصدونه ) حتى إذا دنوا منه‪،‬‬
‫إذا باب مجاف ( أي مغلق ) على قوم‪ ،‬لهم فيه أصوات مرتفعة‪ ،‬فقال عمر ‪ -‬وأخذ بيد عبد ل<<رحمن‪:-‬‬
‫<ربون‬ ‫<رب ( أي يش<‬ ‫أتدري بيت من هذا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف‪ ،‬وهم اآلن ش<‬
‫الخمر ) فما ترى؟ قال عبد الرحمن‪ :‬أرى أنا قد أتينا ما نهى اهلل عنه‪ :‬نهانا اهلل عز وجل‪ ،‬فق<<ال‪ ( :‬وال‬
‫تجسس<<<<وا) ‪ ،‬فق<<<<د تحسس<<<<نا ! فانص<<<<رف عم<<<<ر عنهم وت<<<<ركهم )‪.‬‬
‫وروى أبو داود والحاكم أيضًا عن زيد بن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أتى رجل ابن مسعود‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك في الوليد بن‬
‫عقبة‪ ،‬ولحيته تقطر خمرًٍا ؟! فقال‪ :‬إن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) نهانا من التجسس‪ ،‬إن يطهر لنا‬
‫نأخذه‪ .‬وروي أيضًا عن أربعة من الصحابة‪ :‬جبير بن نفير‪ ،‬وكثير بن مرة‪ ،‬والمق<<دام بن مع<<ديكرب‪،‬‬
‫وأبي أمامة الباهلي ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) قال‪ ( :‬إن األم<<ير إذا ابتغى‬
‫الريبة في الناس أفسدهم)‪ .‬بل نرى التعاليم النبوية الصريحة ترغب أبلغ الترغيب في ستر المس<<لم على‬
‫نفس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه‪ ،‬وعلى غ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يره‪ .‬‬
‫<ام الح<د على م<اعز‬ ‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) بعد أن أق<‬
‫األسلمي‪ ،‬قام فقال‪( :‬اجتنبوا هذه القاذورة‪،‬التي نهى اهلل عنها‪ ،‬فمن أل ّم ( أي ت<<ورط في ش<<يء منه<<ا)‬
‫<اب اهلل)‬‫فليستتر بستر اهلل‪ ،‬وليتب إلى اهلل‪ ،‬فإنه من يبد لنا منفعه ( أي يكشف عن جريمته ) نقم عليه كت<‬
‫<رًا‬‫<رات مق<‬ ‫<ع م<‬‫<ه أرب<‬‫يعني‪ :‬حكم اهلل‪ .‬وكان الرسول الكريم قد أقام الحد على ماعز‪ ،‬بعد أن جاء إلي<‬
‫<دم‬ ‫<دل على ع<‬ ‫<ا ي<‬
‫بجريمته‪ ،‬وبعد أن حاول النبي (صلى اهلل عليه وسلم) أن يبعد عنه التهمة‪ ،‬ويلقنه م<‬
‫استيفاء أركان الجريمة‪ ،‬ولكنه أمر‪ .‬ومثله المرأة الغامدية‪ .‬وقد جاء عن أبى بردة عن أبيه ق<<ال‪ :‬كن<<ا‬
‫أصحاب محمد نتحدث لو أن ماعزًا وهذه المرأة‪ ،‬لم يجيئا في الرابعة‪ ،‬لم يطلبهما رسول اهلل (صلى اهلل‬
‫عليه وسلم)‪ .‬وقال لهزال ‪ -‬الذي دفع ماعزًا لالعتراف عند النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‪ :‬لو سترته لكان‬
‫خيرًا لك)‪ .‬وعن أبى هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ( :‬من ستر أخ<<اه المس<<لم في‬
‫الدنيا‪ ،‬ستره اهلل في الدنيا واآلخرة)‪ .‬وعنه عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) قال‪ ( :‬ال يستر عبد عبدًا في‬
‫الدنيا إال ستره اهلل يوم القيامة ‪ .‬فإذا كان الحديث السابق في مثوبة ستر ع المسلم‪ ،‬فهذا الحديث عام في‬
‫ستر اإلنسان على اإلنسان‪ :‬ستر أي عبد من عباد اهلل على آخر‪ .‬وعن كثير مولى عقبة بن ع<<امر‪ :‬أن‬
‫رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) قال‪ ( :‬من رأى عورة فسترها‪ ،‬كان كمن استحيا موؤودة من قبرها)‪.‬‬
‫وكذلك نجد التوجيهات اإلسالمية صريحة في التحريض على العفو والصفح فيما كان من الحدود متعلقًا‬
‫بحقوق العباد‪ ،‬مثل السرقة‪ ،‬بشرط أال تصل إلى سلطة القضاء‪ .‬فهناك ال مجال لعفو وال ش<<فاعة‪ .‬وفي‬
‫<د وجب)‪.‬‬ ‫<د فق<‬
‫<ني من ح<‬ ‫<ا بلغ<‬
‫<دود بينكم‪ ،‬فم<‬‫<افوا الح<‬‫<ر‪ ( :‬تع<‬‫<د اهلل بن عم<‬
‫<ديث عب<‬‫هذا جاء ح<‬
‫وقال ابن مسعود‪ ( :‬إني ألذكر أول رجل قطعه رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) أتى بس<<ارق‪ ،‬ف<<أمر‬
‫بقطعه‪ ،‬وكأنما أسف وجه رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) ( أي بدا عليه األسى) فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫كأنك كرهت قطعه؟ قال‪ ( :‬وما يمنعني؟ ال تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم! إنه ال ينبغي لإلم<<ام إذا‬
‫انتهى إليه حد إال أن يقيمه‪ ،‬إن اهلل عفو يحب العفو‪ ( :‬وليعفوا وليصفحوا‪ ،‬أال تحبون أن يغف<<ر اهلل لكم‪،‬‬
‫واهلل غفور رحيم)‪ .‬وكان الرجل يأتي إلى النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فيعترف بأنه أتى م<<ا ي<<وجب‬
‫الحد‪ ،‬فال يسأله عن هذا الحد‪ :‬ما هو؟ وكيف اقترفه؟ بل يعتبر اعترافه هذا ‪ -‬الذي قد يعرضه للعقوب<<ة‬
‫‪ -‬توبة من ذنبه‪ ،‬وندمًا على ما فرط منه‪ ،‬فهو كفارة له‪ .‬وال سيما إذا أقام الصالة مع رسول اهلل (صلى‬
‫اهلل عليه وسلم)‪ .‬فقد روى أبو داود في باب ( في الرجل يعترف بحد وال يس<<ميه) عن أبي أمام<<ة‪ :‬أن‬
‫ال أتى النبي (صلى اهلل عليه وسلم) فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إني أصبت حدًا فأقمه علي‪ .‬قال ‪ ( :‬توضأت‬ ‫رج ً‬
‫حين أقبلت ) ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ ( :‬هل صليت معنا حين صلينا ) ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬ق<<ال ‪ ( :‬اذهب‪ ،‬ف<<إن اهلل‬
‫<ي أن‬ ‫<ام أو القاض<‬‫تعالى قد عفا عنك )‪ .‬ومن ثم ذهب من ذهب من علماء السلف إلى أن من حق اإلم<‬
‫يسقط الحد بالتوبة إذا ظهرت أماراتها‪ ،‬وهو ما رجحه شيخ اإلسالم ابن تيمية والمحقق ابن القيم‪ .‬وه<<و‬
‫< الحدود في عصرنا‪.‬‬ ‫ما أختاره حين (نقنن) عقوبات‬
‫إلى الفهرس‬

‫درء الحدود بالشبهات‬


‫<بح‬ ‫<ا أص<‬‫<دود‪ :‬م<‬ ‫رابعًا‪ :‬إن مما يلحق بما ذكرناه من حرص اإلسالم على الستر والعفو في قضايا الح<‬
‫<ك‬ ‫<اء في ذل<‬‫معروفا في الفقه اإلسالمي بمختلف مذاهبه المتبوعة‪ ،‬وهو‪ :‬درء الحدود بالشبهات‪ .‬وقد ج<‬
‫حديث رواه الحاكم وصححه يقول‪( :‬ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم‪ ،‬فإن وجدتم لمسلم مخرجًا‬
‫<ذهبي‬ ‫<ظ ال<‬‫<ة)‪ .‬نعم إن الحاف<‬‫<ير من أن يخطئ بالعقوب<‬‫فخلوا سبيله‪ ،‬فإن اإلمام أن يخطئ في العفو خ<‬
‫اعترض على تصحيح الحاكم للحديث‪ ،‬ولكن األحاديث التي سقناها من قبل تشد عضده‪ .‬وكذلك ما صح‬
‫عن الفاروق عمر بن الخطاب رضى اهلل عنه من قوله‪ ( :‬ادرأوا الحدود بالشبهات)‪ .‬وما ثبت من فعله‪.‬‬
‫من إيقاف حد السرقة عام المجاعة‪ ،‬لوجود شبهة الحاجة‪ ،‬وموافقة الصحابة ‪ -‬وفيهم الفقهاء وأهل العلم‬
‫والفتوى ‪ -‬له في ذلك‪ ،‬ومثل هذا يعتبر نوعًا من اإلجماع‪ .‬فإنهم ال يس<كتون جميع<ًا على باط<ل‪ ،‬وال‬
‫يجمعون على ضاللة‪ .‬وال يعتبر هذا إسقاطًا للحد كما يذكر بعض الكاتبين‪ ،‬بل إن الحد لم يجب أص ً‬
‫ال !‬
‫لع<<<<<<<دم اس<<<<<<<تفاء ك<<<<<<<ل أركان<<<<<<<ه وش<<<<<<<روطه‪ .‬‬
‫<ا لم‬‫<ه رأى أنهم<‬‫<يدهما؛ ألن<‬‫ومثل ذلك‪ :‬ما روى من عدم إقامته الحد على الغالمين اللذين سرقا من س<‬
‫يسرقا إال لظلم السيد لهما‪ ،‬وعدم إعطائهما ما يكفيهما من الحاجات الالزمة لها‪ .‬وال عجب أن سامحهما‬
‫مقدرًا ظروفهما‪ ،‬ثم وجه تهديده إلى مخدومهما بأنه سيقطع يده هو‪ ،‬إذا اضطرا إلى السرقة مرة أخرى !‬
‫ومن قرأ كتب الفقه وجد فيه أشياء كثيرة ذكرها الفقهاء باعتبارها شبهات تمنع إقامة الح<<د‪ .‬وبعض<<ها‬
‫يعتبر ضربًا من التمحل أو االدعاء‪ ،‬ولكنهم رأوا أن أدنى شك يفسر لصالح المتهم‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫ال يبنى المجتمع بالتشريع وحده‬


‫خامسًا‪ :‬إن اإلسالم ليس مجرد تشريع وقانون‪ .‬إنه عقيدة تفسر الوجود‪ ،‬وعبادة تربي ال<<روح‪ ،‬وأخالق‬
‫تزكى النفس‪ ،‬ومفاهيم تصحح التصور‪ ،‬وقيم تسمو باإلنسان‪ ،‬وآداب تجمل بها الحياة‪ .‬وآمات األحك<<ام‬
‫التشريعية ال تبلغ عشر آيات القرآن‪ .‬وهي ممزوجة مزجًا بالعقيدة والضمير‪ ،‬مقرونة بالوعد والوعي<<د‪،‬‬
‫ال في أحكام األس<<رة قول<<ه تع<<الى‪( :‬الطالق‬ ‫مرتبطة ارتباطًا عضويًا بسائر توجيهات القرآن‪ .‬إقرأ مث ً‬
‫مرتان‪ ،‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‪ ،‬وال يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا إال أن يخافا أال‬
‫يقيما حدود اهلل‪ ،‬فإن خفتم أال يقيما حدود اهلل فال جناح عليهما فيما افتدت به‪ ،‬تلك حدود اهلل فال تعتدوها‪،‬‬
‫ومن يتعد حدود اهلل فأولئك هم الظالمون)‪ .‬هذا ليس تشريعًا جافًا كمواد القانون‪ ،‬بل هو تشريع ودع<<وة‬
‫وتوجيه وتربية وترغيب وترهيب‪ .‬واقرأ في أحكام الحدود قوله جل شأنه‪( :‬والسارق والسارقة فاقطعوا‬
‫<وب‬ ‫<إن اهلل يت<‬
‫ال من اهلل‪ ،‬واهلل عزيز حكيم‪ ،‬فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح ف<‬ ‫أيديهما جزاء بما كسبا نكا ً‬
‫عليه‪ ،‬إن اهلل غفور رحيم‪ ،‬ألم تعلم أن اهلل له ملك السموات واألرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يش<<اء‪،‬‬
‫ال التخوي<<ف‬ ‫واهلل على كل شيء قدير)‪ .‬هنا نجد كذلك التشريع الزاجر‪ ،‬مقرونًا بالوعد والوعيد‪ ،‬ح<<ام ً‬
‫والترجية‪ ،‬والتوجيه والتربية‪ ،‬مرغبًا في التوبة واإلصالح‪ ،‬مذكرًا بأسماء اهلل الحسنى‪ :‬العزيز إذا أم<<ر‬
‫ونهى‪ ،‬الحكيم فيما شرع‪ ،‬والغفور الرحيم لمن تاب وأصلح‪ .‬مالك الكون‪ ،‬وصاحب الخلق واألمر‪ ،‬وهو‬
‫على كل شئ قدير‪ .‬هذا هو سياق التشريع في القرآن‪ ،‬ومثله في السنة‪ .‬فليس بالتش<<ريع وح<<ده يب<<نى‬
‫المجتمع المسلم‪ ،‬بل ال بد من وسيلتين أخربين‪ :‬الدعوة والتوعية‪ ،‬ثم‪ ‬التعليم والتربية‪ ،‬إلى جوار التشريع‬
‫والقانون‪ ،‬بل قبل التشريع والتقنين‪.‬‬

‫ولهذا بدأ اإلسالم بالمرحلة المكية ‪ -‬مرحلة الدعوة والتربية ‪ -‬قبل المرحلة المدنية‪ ،‬مرحل<<ة التش<<ريع‬
‫والتنظيم‪ ،‬وفى هذه المرحلة نرى التشريع يمتزج بالتربية أيضًا امتزاج الجسم بالروح‪ .‬إن مجرد تغي<<ير‬
‫القوانين وحده ال يصنع المجتمع المسلم‪ .‬إن تغيير ما باألنفس هو األساس‪ .‬وأعظم ما يعين على تغيير ما‬
‫باألنفس هو اإليمان الذي ينشئ اإلنسان خلقًا آخر‪ ،‬بما يضع له من أهداف‪ ،‬وم<<ا يمنح<<ه من ح<<وافز‬
‫<ا أن‬‫<إذا أردن<‬‫<زأ‪ .‬ف<‬‫وضوابط‪ ،‬وما يرتبه على عمله من جزاء في الدنيا واآلخرة‪ .‬واإلسالم كل ال يتج<‬
‫نحارب جريمة مما شرعت له الحدود‪ ،‬فليست محاربتها بإقامة الحد فقط‪ ،‬وال بالتشريع فقط‪ ،‬بل الحد هو‬
‫<وا هم أال‬‫<ؤالء ليس<‬‫<اس‪ ،‬وه<‬ ‫آخر الخطوات في طريق اإلصالح‪ .‬إن العقاب إنما هو للمنحرفين من الن<‬
‫<ل‬ ‫<رفين‪ ،‬ب<‬‫<ط لعالج المنح<‬ ‫كثرين‪ ،‬وليسوا هم القاعدة‪ ،‬بل هم الشواذ عن القاعدة‪ .‬واإلسالم لم يجئ فق<‬
‫لتوجيه األسوياء ووقايتهم أن ينحرفوا‪ .‬والعقوبة ليست هي العامل األكبر في معالجة الجريمة في نظ<<ر‬
‫اإلسالم‪ ،‬بل الوقاية منها بمنع أسبابها هو العامل األكبر‪ ،‬فالوقاية دائما خير من العالج‪ .‬فإذا نظرن<<ا إلى‬
‫جريمة كالزنى نجد أن القرآن الكريم ذكر في شأن عقوبة الحد فيها آية واحدة في مطلع س<ورة الن<ور‪،‬‬
‫وهى قوله تعالى‪ ( :‬الزانية والزاني‪ ،‬فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‪ ،‬وتأخذكم بهما رأفة في دين اهلل‬
‫<تي‬ ‫<رى ال<‬ ‫إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر) ‪ ،‬ولكن السورة نفسها اشتملت على عشرات اآليات األخ<‬
‫<وا‬ ‫توجه إلى الوقاية من الجريمة‪ .‬وحسبنا قوله تعالى‪ ( :‬إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمن<‬
‫لهم عذاب أليم في الدنيا واآلخرة)‪ .‬وقوله سبحانه في تنظيم التزاور وآدابه‪ ،‬واحترام ال<<بيوت ورعاي<<ة‬
‫حرماتها‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها‪ ،‬ذلكم خير‬
‫<ذين‬ ‫<ا ال<‬
‫لكم لعلكم تذكرون)‪ .‬ويدخل فيها آداب االستئذان للخدم واألطفال الذين لم يبلغوا الحلم‪ ( :‬يا أيه<‬
‫آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثالث مرات‪ ،‬من قبل صالة الفجر وحين‬
‫تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صالة العشاء‪ ،‬ثالث عورات لكم)‪ .‬وأهم من ذلك تربية المؤم<<نين‬
‫والمؤمنات على خلق العفاف واإلحصان‪ ،‬بغض البصر وحفظ الفروج‪ ،‬وذلك في قوله جل شأنه‪( :‬ق<<ل‬
‫<ل‬ ‫<نعون‪ ،‬وق<‬ ‫<ا يص<‬ ‫للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم‪ ،‬ذلك أزكى لهم‪ ،‬إن اهلل خبير بم<‬
‫للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منه<<ا‪ ،‬وليض<<ربن‬
‫بخمرهن على جيوبهن …اآلية )‪ .‬وهنا برز عنصر جديد في الوقاية من الزنا وجرائم الجنس‪ ،‬وهو منع‬
‫النساء من الظهور بمظهر اإلغراء والفتنة للرجال‪ ،‬وإثارة غرائزهم وأخيلتهم‪ ،‬ح<<تى ج<<اء في اآلي<<ة‬
‫الكريمة قوله تعالى‪ ( :‬وال يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) ‪ ،‬ثم تختم اآلية بقوله سبحانه‪:‬‬
‫( وتوبوا إلى اهلل جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون )‪.‬‬

‫<ك‬‫ومعنى هذا‪  :‬وجوب تطهير المجتمع من أسباب اإلغراء والفتنة‪ ،‬وسد الذرائع إلى الفساد‪ .‬وأهم من ذل<‬
‫<ؤولية‬
‫ال مس<‬‫كله األمر بتزويج األيامى من الرجال والنساء‪ ،‬ومخاطبة المجتمع كله بذلك‪ ،‬باعتباره مسؤو ً‬
‫تضامنية‪ ( :‬وأنكحوا األيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم‪ ،‬إن يكونوا فقراء يغنهم اهلل من فضله‪،‬‬
‫واهلل واسع عليم )‪ .‬ومسؤولية المجتمع هنا ‪-‬وعلى رأسه الحكام ‪ -‬تتمثل في تيسير أس<<باب االرتب<<اط‬
‫الحالل‪ ،‬إلى جوار سد أبواب الحرام‪ ،‬وذلك بإزاحة العوائق المادية واالجتماعيه أمام راغبي الزواج‪ ،‬من‬
‫غالء المهور‪ ،‬واإلسراف في الهداايا والدعوات والوالئم والت<أثيث‪ ،‬وم<ا يتص<ل ب<ذلك من ش<ؤون‪،‬‬
‫<كلة‪،‬‬
‫<ل المش<‬ ‫ومساعدتهم‪ -‬ماديًا وأدبيًا ‪ -‬على تكوين بيوت مسلمة‪ .‬فليست إقامة الحد إذن هي التي تح<‬
‫<ع‬
‫<اء‪ ،‬أرب<‬‫والواقع أن الحد هنا ال يمكن أن يقام بشروطه الشرعية إال في حالة اإلقرار في مجلس القض<‬
‫<اء‬
‫<رة أثن<‬
‫مرات‪ ،‬على ما يراه عدد من األئمة‪ ،‬أو شهادة أربعة شهود عدول برؤية الجريمة رؤية مباش<‬
‫وقوعها‪ ،‬ومن الصعب أن يتاح ذلك‪ .‬فكأن القصد هنا هو منع المجاهرة بالجريمة‪ .‬أم<<ا من ابتلى به<<ا‬
‫مستترًا فال يقع تحت طائلة العقاب الدنيوي وأمره في اآلخرة إلى اهلل سبحانه‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫من حق المجتمع المسلم أن يحكم بشرع ربه‬


‫<موه‬‫<ه وس<‬ ‫سادسًا‪ :‬مما ال نزاع فيه‪ ،‬أن من حق كل مجتمع أن يحكم بالتشريع الذي يؤمن بعدالته وتفوق<‬
‫على غيره من التشريعات‪ .‬وبالنسبة للمجتمع المسلم يعتبر ذلك واجبًا وفرضًا عليه‪ ،‬وليس مجرد حق له‪.‬‬
‫ولهذا ال ينبغي أن ينكر أحد على المجتمعات المسلمة اليوم تناديها بتحكيم التش<<ريع اإلس<<المي‪ .‬فه<<و‬
‫التشريع الفذ الذي يعبر عن عقائدها وقيمها وآدابها وعن نظرتها إلى الكون وخالقه‪ ،‬واإلنسان ومصيره‪،‬‬
‫<ر‬‫<ل الخم<‬ ‫<الم مث<‬
‫<ه اإلس<‬ ‫والحياة ورسالتها‪ ،‬بخالف القوانين الوضعية األخرى‪ ،‬التي قد تحل ما يحرم<‬
‫والفجور والربا‪ ،‬أو تحرم ما يحله مثل الطالق وتعدد الزوجات‪ ،‬أو تلغي ما يوجبه ويفرضه مثل إيت<<اء‬
‫الزكاة‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهى عن المنكر‪ ،‬أو تبدل بأحكام اهلل ورسوله أحكامًا أخرى‬
‫مستوردة من الغرب أو الشرق‪ .‬صحيح أن التشريعات الوضعية الحالية ‪ -‬في كثير من بالد المس<<لمين‬
‫ليست كلها منافية للشريعة اإلسالمية‪ ،‬بل إن كثيرًا منها ‪ -‬كما يعرف الدارسون ‪ -‬اقتبس أساسًا من الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وال سيما الفقه المالكي‪ .‬ولكن يجدر في أن أنبه هنا على أمور أساسية ‪:‬‬

‫أولها ‪ :‬أن األشياء التي تخالف فيها القوانين الوضعية األحكام الشرعية وان لم تكن كبيرة في مس<<احتها‬
‫<انون‬ ‫<ا ‪ -‬في الق<‬‫<ريم الرب<‬
‫وكمها ‪ -‬هي في غاية األهمية بالنظر إلى نوعها وكيفها ووظيفتها‪ .‬مثل تح<‬
‫<ة‬‫<رائم معين<‬ ‫المدني ‪ -‬الذي شدد القرآن وشددت السنة في وعيد من ارتكبه‪ ،‬ومثل إقامة الحدود على ج<‬
‫< منصوصا عليها حقا له تعالى‪ .‬وذلك ألن هذه األحكام وأشباهها هي التي تم<<يز‬ ‫قدر لها الشرع عقوبات‬
‫حضارة عن حضارة وأمة عن أمة‪ .‬فتحريم الربا ‪ -‬كإيتاء الزكاة ‪ -‬من أبرز ما يميز نظاما اقتص<<اديا‬
‫عن آخر‪ ،‬وهما بالفعل من أخص خصائص االقتصاد اإلسالمي‪ .‬وتحريم الزنا والفاحشة ما ظهر منه<<ا‬
‫وما بطن‪ ،‬وكل ما يؤدى إلى ذلك‪ ،‬وتقرير العقوبة عليه‪ ،‬ومثله تحريم المس<<كرات‪ :‬تعاطي<<ًا واتح<<ارًا‬
‫<ارة‬ ‫<يز الحض<‬ ‫<ا يم<‬
‫وصنعًا‪ ،‬وإيجاب العقوبة عليها … إلى غير ذلك مما جاءت الحدود عقابًا عليه مم<‬
‫<ذوذ‬ ‫اإلسالمية عن غيرها من الحضارات التي ال ترى بأسًا في إباحة الزنا ما دام بالتراضي وإباحة الش<‬
‫الجنسي‪ ،‬برغم منافاته للفطرة السوية‪ ،‬وللرجولة الكريمة‪ ،‬وجوره على الجنس اآلخر‪ .‬وك<<ذلك إباح<<ة‬
‫الخمور والمسكرات‪ ،‬مع ما ثبت بالقطع من أضرارها المادية والمعنوية على الفرد وعلى األسرة وعلى‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬أنه ال يكفى أن تكون القوانين الوضعية متفقة مع أحكام الشريعة اإلس<<المية‪ .‬ألن مج<<رد ه<<ذا‬
‫< عليها الشريعة اإلسالمية‪ .‬إنما ال<<واجب‬
‫االتفاق ‪ -‬بالمصادفة ‪ -‬ال يمنحها الصبغة اإلسالمية‪ ،‬ال يضفي‬
‫<ريعة‪،‬‬
‫<ة للش<‬‫أن ترد إلى الشريعة‪ ،‬وتنطلق منها‪ ،‬بحيث ترتبط بالفلسفة العامة لإلسالم‪ ،‬وبالمقاصد الكلي<‬
‫وتستند إلى األدلة الشرعية الجزئية في مختلف مواد األحكام في شتى القوانين‪ ،‬وفق األصول المرعي<<ة‬
‫<ع‬‫<لم‪ ،‬والمجتم<‬
‫عند فقهاء المسلمين جميعًا‪ .‬وبهذا يكون لهذه القوانين شرعيتها وقدسيتها لدى الفرد المس<‬
‫المسلم‪ ،‬وينقاد لها طواعية واختيارًا‪ ،‬ألنه يتعبد له تبارك وتعالى بقبولها والخضوع لها‪ .‬فخضوعه له<<ا‬
‫ليس خضوعًا لبرلمان وضعها‪ ،‬وال لحكومة قررتها‪ ،‬بل هو طاعة هلل الذي شرعها لخير عباده‪ ،‬وانقياده‬
‫لها تجسيد إليمانه ورضاه بحكم اهلل ورسوله‪ ( :‬إنما كان قول المؤمنين منين إذا دعوا إلى اهلل ورس<<وله‬
‫<د‬
‫ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا‪ ،‬وأولئك هم المفلحون) وفرق كبير بين التزام المسلم بموجب العق<‬
‫بناء على النظرية الفالنية أو أن الفيلسوف الفالني يقول‪ :‬إن العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬وبين التزامه بذلك‬
‫ال) ولقد قي<<ل‬‫< بالعهد‪ ،‬إن العهد كان مسؤو ً‬‫ألن اهلل تعالى يقول‪( :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)‪(.‬وافوا‬
‫<وانين‬‫<ير على الق<‬‫<ددون النك<‬‫<اذا تش<‬
‫لألستاذ حسن الهضيبى المرشد الثاني لإلخوان المسلمين يومًا‪ :‬لم<‬
‫الوضعية‪ ،‬مع أنها ‪ -‬في معظمها ‪ -‬شبيهة باألحكام الشرعية ؟ فكان جوابه‪ :‬ألننا مط<<البون باألحك<<ام‬
‫الشرعية ال بما يشهها‪ ،‬وقد قال تعالى‪ ( :‬وأن احكم بما أنزل اهلل)‪.‬‬

‫ثالثها ‪ :‬أن الشريعة اإلسالمية كل ال يتجزأ‪ ،‬وال يجوز أخذ بعضها وترك بعضها‪ ،‬ولو كان هذا المتروك‬
‫‪0‬ا‪ %‬أو ‪ %5‬أو ح<<<<<<<<<<تى‪ %1‬أو واح<<<<<<<<<<دا في األل<<<<<<<<<<ف‪ .‬‬
‫<وك عن‬ ‫<ذرهم أن يفتن<‬‫فقد قال اهلل تعالى لرسوله‪ ( :‬وأن احكم بينهم بما أنزل اهلل وال تتبع أهواءهم واح<‬
‫بعض ما أنزل اهلل إليك )‪ ،‬وذلك ألن الذي يتنازل عن البعض القليل يوشك أن يتنازل عن الجل‪ ،‬بل عن‬
‫الكل ! ومن تم أنكر القرآن أبلغ اإلنكار على بنى إسرائيل في تجزئتهم للدين‪ ،‬وأخ<<ذهم لبعض أحك<<ام‬
‫<‬
‫<رون‬ ‫<اب وتكف<‬ ‫<ون ببعض الكت<‬ ‫كتابهم وإعراضهم عن البعض اآلخر‪ ،‬فقال تعالى مقرعًا لهم‪ ( :‬أفتؤمن<‬
‫ببعض‪،‬فما جزاء من يفعل ذلك منكم إال خزي في الحياة الدنيا‪ ،‬ويوم القيامة يردون إلى أشد العذب‪ ،‬وما‬
‫اهلل بغافل عما تعملون)‪ .‬وكما ال يقبل من مسلم أن يرفض شيئا ‪ -‬مهما ّ‬
‫قل ‪ -‬من القرآن الكريم‪ ،‬ويعتبر‬
‫<دين‬‫<ا علم من ال<‬‫بذلك كافرًا‪ ،‬فكذلك ال يقبل منه أن يرفض أي حكم قطعي ثابت من أحكام الشريعة مم<‬
‫بالضرورة‪ ،‬ورفضه لهذا يعتبر كفرًا باإلسالم يخرجه من الملة‪ ،‬ويعزله عن األمة‪ ،‬ويستحق به عقوب<<ة‬
‫الردة‪ ،‬ألنه يتضمن استدراكًا على اهلل تعالى وتعالمًا من العبد على ربه‪ ،‬واتهامًا له سبحانه بقصور علمه‬
‫وحكمته أو بقصور جوده رحمته‪ ،‬تعالى اهلل عما يقولون علوًا كبيرًا‪.‬‬

‫<تزم‬ ‫<اك من يل<‬


‫<المي‪ .‬فهن<‬ ‫رابعها‪ :‬أن البالد اإلسالمية تتفاوت تفاوتًا بعيدًا في موقفها من التشريع اإلس<‬
‫بتحكيم الشريعة من ناحية المبدأ‪ ،‬وإن كان عليه مآخذ تكثر أو تقل من ناحية التطبيق‪ .‬وهناك من حاول‬
‫أن يستمد قانونه المدني من رحاب الشريعة وفقهها الرحب‪ ،‬ولكن بقي قانونه الجزائي غربيًا وض<<عيًا‪.‬‬
‫وهناك من اجترأوا على قوانين األسرة أو األحوال الشخصية‪ ،‬وهى المنطقة التي بقيت خالصة للشريعة‬
‫في أكثر األقطار المسلمة‪ ،‬حتى وجدنا بلدًا عربيًا يبيح الزنى وال يعاقب عليه ما دام بالتراض‪ ،‬فى حين‬
‫يعتبر الزواج من أخرى جريمة تستحق العقاب‪ .‬وهذا ما جعل أحد األذكياء في ذلك البل<<د الع<<ربي في‬
‫شمال إفريقية ‪ -‬وقد تزوج امرأة ثانية زواجًا شرعيًا‪ ،‬غير موثق قانونيًا بطبيعة الحال‪ ،‬حين ض<<بط في‬
‫< إنها عشيقتي ! فلم يسعهم إال أن يطلقوا سراحه متأسفين‪ ،‬فقد كانوا يظنونها‬ ‫بيت تلك الزوجة‪ :‬أن يقول‪:‬‬
‫زوج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة ل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه !‪ ‬‬
‫وقد جعل ذلك البلد الطالق بيد المرأة‪ ،‬وغيّر قانون العقوبات‪ ،‬في شأن من وجد امرأته تخون<<ه في بيت‬
‫ال أجنبيًا في فراشه‪ ،‬فأخذته الغيرة وقتله‪ .‬فقد كان يحكم علي<<ه ق<<ديمًا بخمس‬‫الزوجية‪ ،‬ووجد معها رج ً‬
‫سنوات‪ ،‬مراعاة لظروفه‪ ،‬فغيرت العقوبة إلى الحكم باإلعدام‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫تحكيم الشريعة يجسد أصالتنا وتحررنا‬
‫سابعًا ‪ :‬إذا كان التشريع عندنا نحن المسلمين جزءًا ال يتجزأ من ديننا‪ ،‬فال يتم إيمانن<<ا إال ب<<الحكم ب<<ه‬
‫واالحتكام إليه‪ ،‬وال خيار لنا في ذلك بعد التزامنا باإلسالم‪ ،‬والرضا به دينًا وشرعة ومنهاجًا‪ ( :‬وما كان‬
‫لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم‪ ،‬ومن يعص اهلل ورس<<وله‬
‫ال مبينًا‪ .‬فإن تحكيم الشريعة فيه معنى آخر يتصل بأصالتنا وقوميتنا‪ ،‬فالقوانين الوض<<عية‬ ‫فقد ضل ضال ً‬
‫<نا‪،‬‬
‫التي نحكم بمقتضاها في بالدنا العربية واإلسالمية‪ ،‬قوانين أجنبية عنا دخيلة علينا‪ ،‬لم تنبت في أرض<‬
‫ولم تستمد أحكامها من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا ومسلماتنا‪ .‬ولهذا أحلت ما نعتقده حرامًا‪ ،‬وح<<رمت م<<ا‬
‫ال ‪ ،‬وأسقطت ما نعتقده واجبًا‪ .‬والعودة إلى أحكام الشريعة تعني التحرر من بقايا االستعمار في‬ ‫نعتقده حال ً‬
‫المجال التشريعي‪ ،‬والرجوع إلى منابعنا األصيلة‪ ،‬نستقي منها ما ال نصلح بغيره‪ ،‬ألن فيه هداية ربن<<ا‪،‬‬
‫وأصالة تراثنا‪ ،‬المتجاوب مع أنفسنا وتطلعاتنا‪ ،‬والمعبر عن حقيقة اتجاهنا‪ ،‬والمحقق ألهدافنا وحاجتن<<ا‪.‬‬
‫<ًا‪ ،‬ثم انتهى‬ ‫لقد كان دخول القوانين الوضعية إلى بالدنا‪ ،‬أشبه بدخول اليهود إلى فلسطيننا‪ ،‬بدأ تسل ً‬
‫ال خفي<‬
‫اغتصابًا علنيًا‪ .‬إن الذي يقرأ كيف دخل القانون الوضعي إلى بلد كمصر‪ ،‬سبق غيره في ذل<<ك ليأخ<<ذه‬
‫العجب كل العجب‪ .‬كيف تم ذلك العدوان في بساطة تثير غضب الحليم‪ .‬وحسبك أن هذا القانون وضعه‬
‫<ا‬
‫<ل مم<‬ ‫<ه في وقت أق<‬ ‫شخص ال تتعدى ثقافته العلمية أو المهنية درجة المتوسط‪ .‬وهو محام أرمني أتم<‬
‫<ال‬‫<ا ق<‬‫<ًا‪ ،‬كم<‬ ‫يستغرقه وضع كتاب صغير جدًا‪ .‬والحقيقة أنه لم يضع قانونًا‪ ،‬بل نقله بجملته نق ً‬
‫ال حرفي<‬
‫<وانين‬‫األستاذ ( مسينا ) أحد المستشارين اإليطاليين في المحاكم المختلطة في مصر‪ .‬وقد وصف هذه الق<‬
‫بأنها‪( :‬مجمعة من هنا وهناك على غير أصول وضع القوانين وفقًا لحاجات الجماع<<ة ومص<<الحها)‪ .‬‬
‫<تيراد أو‬
‫< (مسينا)‪ ( :‬وإن شبح زعيم المدرسة التاريخية ( سافيني ) لترتعد فرائصه من تصور اس<‬ ‫ويقول‬
‫اقتراض أمة لتشريعاتها )‪ .‬ولكن هذه القوانين استوردت أو اقترضت دون حاجة إليها‪ ،‬وال طلب له<<ا‪،‬‬
‫<ان‬‫<ا ك<‬ ‫وال رغبة فيها‪ ،‬ودون أن تستشار األمة في شأنها‪ ،‬كأن األمر ال يخصها وال يتعلق بحياتها‪ .‬وم<‬
‫< لوال أن االحتالل هو الذي أدخلها وحماها‪ ،‬بأسنة رماحه‪ .‬واليوم تط<<الب‬ ‫لهذه القوانين أن تدخل وتبقى‪،‬‬
‫الشعوب العربية واإلسالمية بإكمال استقاللها بالعودة إلى أحكام شريعتها‪ ،‬وهو أمر نادى به كبار رجال‬
‫القانون الوضعي نفسه‪ ،‬الذين أتيح لهم أن يدرسوا فقه الشريعة‪ ،‬ويطلعوا على بعض كنوزه وأس<<راره‪ .‬‬
‫<ه‬‫<ة الفق<‬
‫<اد بقيم<‬
‫<ذي أش<‬ ‫ومن أبرز هؤالء عالمة القانونيين العرب الدكتور عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬ال<‬
‫اإلسالمي وأصالته وغناه في أكثر من كتاب وأكثر من مناسبة‪ ،‬وخصوصًا في المراح<<ل األخ<<يرة من‬
‫عمره‪ ،‬بعد أن تعمق أكثر في قراءة مصادر الفقه‪ ،‬و كتابه الشهير (مصادر الحق في الفقه اإلس<<المي)‬
‫<ائر‬
‫<دوا في ذخ<‬ ‫<أن تج<‬ ‫ففي محاضرة له نشرتها األهرام في (‪ ) 1/1/1937‬يقول‪ ( .‬وإني زعيم لكم ب<‬
‫الشريعة اإلسالمية من المبادئ والنظريات ما ال يقل في رقى الصياغة وفي إحكام المصنعة‪ ،‬عن أحدث‬
‫المبادئ والنظريات وأكثرها تقدمًا في الفقه العالمي)‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الشريعة بمعناها الواسع ال مذهب بعينه‬


‫ثامنًا‪ :  ‬إن التشريع اإلسالمي المنشود‪ ،‬ال يعنيفقه مذهب من المذاهب في عصر من العصور‪ ،‬إنما يعني‬
‫القواعد واألحكام األساسية التي قررها القرآن والسنة‪ ،‬ونشأ في رحابها فقه خصب‪ ،‬منذ عهد الص<<حابة‬
‫فمن بع<<دهم‪ ،‬س<<جلته كتب الم<<ذاهب المختلف<<ة‪ ،‬وكتب الس<<نن واآلث<<ار والفق<<ه المق<<ارن‪ .‬‬
‫وهذه الثروة الهائلة من االجتهادات أساس قوي ال يستهان به‪ ،‬وال يستغنى عنه ألي اجته<<اد معاص<<ر‬
‫قويم‪ ،‬وال يقبل أن يبدأ اجتهاد جديد من المصفر‪ ،‬ودون أن يبنى الالحق على السابق‪ ،‬ولكن جزئيات هذا‬
‫الفقه ليست ملزمة لنا إال بمقدار ما يسندها من أدلة الشرع المحكمة‪ ،‬نصوصًا وقواع<<د‪ .‬ومن القواع<<د‬
‫المقررة التي لم تعد موضع خالف ‪ -‬من الناحية النظرية على األقل ‪ -‬أن الفتوى تتغير بتغير الزم<<ان‬
‫والمكان والحال والعرف‪ ،‬كما أكد ذلك _عدد من المحققين من علماء المذاهب المتبوع<<ة‪ ،‬من أمث<<ال‪:‬‬
‫القرافي وابن القيم وابن عابدين‪ .‬ولهذه القاعدة أدلتها من القرآن والسنة وهدى الصحابة وعمل الس<<لف‬
‫ولها تطبيقاتها الكثيرة في عصرنا‪ ،‬كما في مسألة أقصى مدة الحمل‪ ،‬واختالف الفقهاء فيه‪ ،‬حتى أوصلها‬
‫بعضهم إلى أربع سنوات‪ ،‬بل خمس‪ ،‬بل سبع ! وذلك أنهم لم يكونوا يعرفون عن ( الحمل الكاذب ) الذي‬
‫له أعراض الحمل الصحيح‪ .‬ومن ثم ال يجوز أن نحجر على أنفسنا واسعًا‪ ،‬فنلتزم بمذهب واحد في كل‬
‫شؤونا‪ .‬وقد يكون هذا المذهب ضعيف الحجة في بعض القضايا‪ ،‬أو ال يحقق مقاصد الشرع ومص<<الح‬
‫الخلق‪ .‬فال جناح علينا أن ندعه إلى ساحة المذاهب األخرى‪ ،‬وساحة الشريعة الكبرى‪ .‬كما في قض<<ايا‬
‫<ف‬ ‫<تغالت‪ ،‬الحل<‬
‫<اة المس<‬‫<ارج من األرض‪ ،‬زك<‬ ‫<اة الخ<‬
‫<ع المرابحة‪ ،‬زك<‬
‫<زام بالوعد‪ ،‬بي<‬‫<ل‪ :‬اإلل<‬
‫مث<‬
‫بالطالق‪ ،‬طالق‪ ‬السكران والغضبان‪ ،‬طالق الثالث في لفظة واحدة‪ .‬أقصى مدة الحمل‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫البد من اجتهاد معاصر منضبط‬


‫تاسعًا‪ :‬إن التشريع اإلسالمي المنشود هو الذي يقوم على أساس اجتهاد عصري س<<ليم‪ ،‬س<<واء أك<<ان‬
‫<د لي‬‫اجتهادًا انتقائيًا أم إنشائيًا‪ .‬وقد تحدثت عن معالم هذا االجتهاد وضوابطه في مجال آخر‪ .‬ولكن ال ب<‬
‫<ة‬
‫<ة لين<‬
‫أن أحذر ها من فئتين من الناس‪ :‬فئة الذين يريدون أن يطوعوا اإلسالم للعصر‪ ،‬ويجعلوه عجني<‬
‫قابلة للتشكيل في أي صورة‪ ،‬وال يريدون أن يتفقوا عند قرآن وال سنة وال إجماع وال قي<<اس‪ ،‬كال<<ذين‬
‫يحاولون اليوم تحليل فوائد البنوك مع اتفاق كل المجامع والمؤتمرات العلمية اإلسالمية على تحريمه<<ا‪.‬‬
‫وفئة الذين يريدون أن يجمدوا اإلسالم في قوالب‪ ‬حجرية‪ ،‬صنعتها عقول من قبلنا مناسبة لزم<<انهم‪ ،‬ولم‬
‫تعد مناسبة لزماننا‪ .‬وهؤالء نوعان‪:‬‬

‫مذهبيون مقلدون متعصبون لمذاهبهم ال يرون الخروج منها قيد ش<<عرة‪ ،‬وخصوص<<ًا أق<<وال‬ ‫‪.1‬‬
‫المتأخرين‪.‬‬
‫ال مذهبيون حرفيون‪ ،‬ممن اسميهم ( الظاهرية الجدد )‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫وهؤالء وأولئك هم الذين يشهرون سيف اإلرهاب على كل عالم رأى رأيا جديًا أو مخالفًا لمن كان قبله‪،‬‬
‫وان كان من كبار العلماء‪ ،‬وأساطين الشيوخ‪ ،‬الذين قضوا أعمارهم سباحين وغواصين في بحار العلوم‬
‫اإلس<<<<المية‪ ،‬وك<<<<ان لهم إنت<<<<اجهم وش<<<<هرتهم ال<<<<تي طبقت اآلف<<<<اق‪ .‬‬
‫وأذكر أن فقيهًا مثل الشيخ اإلمام محمد أبو زهرة رحمه اهلل وقف في إحدى الندوات يعلن عن رأى فقهي‬
‫جديد له‪ ،‬قال‪ :‬إني كتمته منذ عشرين عامًا أو أكثر‪ ،‬واآلن أبرئ ذمتي‪ ،‬وأبوح به‪ .‬وليس المهم أن يكون‬
‫<اده‬
‫<ه‪ ،‬ويخفي اجته<‬ ‫رأيه هذا صوابًا أو خطأً‪ ،‬إنما المهم هنا والمؤلم حقًا‪ :‬أن يكتم هذا العالم الكبير رأي<‬
‫<ائجين‪،‬‬‫<اج اله<‬‫عشرين عامًا‪ ،‬وال يجد الفرصة أو الجرأة‪ ،‬ليكتبه تحريرًا‪ ،‬أو يلقيه شفاهًا‪ ،‬خشية من هي<‬
‫وتطاول المتطاولين‪ ،‬الذين يملكون النصال الحادة‪ ،‬والسهام الجارحة‪ ،‬ويصوبونها بسرعة البرق إلى كل‬
‫ذي رأي يخالف ما ألغوه ! وبهذا تموت اآلراء في صدور أصحابها‪ ،‬وال تعرف إلى الظهور سبي ً‬
‫ال‪.‬‬

‫اجتهاد ال فوضى‪،‬ـ وتجديد ال تبديد‪:‬‬

‫إن الدعوة إلى االجتهاد لعصرنا ال تعني الفوضى‪ ،‬وفتح الباب على مصراعيه لكل مدع متط<<اول‪ ،‬وإن‬
‫لم يحصل شروط االجتهاد األساسية‪ .‬إن بعض دعاة (التجديد) أو (التطور)‪ ،‬يريدون أن يطوروا اإلسالم‬
‫ذاته حتى يوافق أهواءهم (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات واألرض ومن فيهن) ‪ ،‬وأه<<واؤهم‬
‫<الم‪ ،‬أو‬‫إنما كونتها المعارف التي تسولوها من موائد الثقافة الغربية‪ ،‬مع معرفة ضحلة أو مشوشة باإلس<‬
‫جهل مطبق به في بعض األحيان‪ .‬فهم لهذا ال يفرقون بين الجانب الذي له صفة الثب<<ات والخل<<ود في‬
‫<ال‪ .‬فهم‬ ‫<ان والح<‬ ‫<ان والمك<‬‫أحكام اإلسالم وتوجيهاته‪ ،‬والجانب المرن المتطور الذي يتغير بتغير الزم<‬
‫ينقدون الفقه ويعتبرونه مجرد وجهة نظر تمثل رأى شخص معين في بيئة معينة في عصر معين‪ .‬ف<<إذا‬
‫تغير العصر‪ ،‬وتغيرت البيئة‪ ،‬وتغيرت األشخاص كان الواجب عليهم أن ينشئوا فقهًا جديدا يمثلهم وبعبر‬
‫ال‪ .‬وهذا صحيح بالنظر إلى جزئيات األقوال واآلراء التي قال به<<ا الفقه<<اء في‬ ‫عنهم زمانًا ومكانًا وحا ً‬
‫شتى مجاالت االجتهاد‪ .‬ولكنه ليس صحيحًا بالنسبة إلى مجموع الفقه‪ ،‬الذي يمثل ثروة تشريعية ضخمة‬
‫< اإلسالمية‪ ،‬ابتداء من الص<<حابة فمن بع<<دهم على ت<<والى‬ ‫شاركت في إنشائها وتنميتها شوامخ العقول‬
‫<ة من األمم‬‫القرون‪ ،‬مهتدين بالقرآن الكريم والسنة المطهرة‪ .‬وال أعرف ‪ -‬وال أحسب أحدًا يعرف ‪ -‬أم<‬
‫<دها‪ ،‬دون أن‬ ‫<ا وغ<‬ ‫<رع ليومه<‬ ‫طرحت تراثها القانوني الوضعي وراءها ظهريًا‪ ،‬وبدأت من الصفر تش<‬
‫<ه‬‫<ق بالفق<‬
‫تستفيد من روائع أمسها‪ ،‬فكيف بتراث فقهي أساسه رباني ؟‪ :‬ولو أننا سلمنا لهؤالء‪ ،‬فيما يتعل<‬
‫<ري‬ ‫<رآن النظ<‬ ‫والفقهاء‪،‬وجدناهم يقفزون قفزة أخرى‪ ،‬يردون بها رفض السنة النبوية‪ ،‬التي هي بيان الق<‬
‫وشرحه العملي‪ ،‬وقد أوجب اهلل طاعته وطاعة رسوله جميعًا‪ ( :‬قل أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول )‪،‬وجعل‬
‫طاعة رسوله من طاعته‪( :‬من يطع الرسول فقد أط<<اع اهلل)‪ .‬وال عجب أن نج<<د فيهم من ي<<دعو إلى‬
‫االكتفاء بالقرآن‪ ،‬وإلغاء السنة كلها ! أو من يدعو إلى األخذ بالسنة المتواترة‪ ،‬ويلغي سنن اآلحاد‪ ،‬وهي‬
‫<نة ‪.‬‬‫<دار الس<‬‫جمهرة السنة‪ .‬أو من يدعو إلى األخذ بالسنة العملية‪ ،‬وإخراج األحاديث القولية‪ ،‬وعليها م<‬
‫<وم من ال<دين‬ ‫وجهل هؤالء أنهم بهذا يخالفون القرآن نفسه‪ ،‬ويخرجون عن إجماع األمة‪ ،‬وينكرون العل<‬
‫بالضرورة‪ .‬فإذا تنازلنا لهؤالء ‪ -‬على سبيل االفتراض ‪ -‬وقبلنا كالمهم المردود عن السنة‪ ،‬فسرعان ما‬
‫نجدهم يخطون خطوة أخرى أجرأ وأوقح‪ ،‬وهي التطاول على القرآن نفسه‪ ،‬وعلى أحكام القرآن الثابت<<ة‬
‫القطعي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة‪ .‬‬
‫وال غرو أن نجد منهم من يكتب ‪ -‬بال وجل وال خجل ‪ -‬يريد أن يعطل الحدود ويعطل األوامر‪ ،‬ويحل‬
‫<كله !‪ .‬إن‬‫الحرام‪ ،‬ويحرم الحالل‪ ،‬كل ذلك بدعوى التطور والتجديد والمحافظة على روح اإلسالم ال ش<‬
‫واحدًا من هؤالء القوالين المتقولين ‪ -‬ممن فتحت لهم بعض الصحف والمجالت ذراعيها ليكتب ما يشاء‬
‫<ه‬‫<اهلي ) إن<‬‫‪ -‬يقول في تبجح‪ ( :‬إن القرآن لم ينزل لتنظيم عصر الفضاء ! بل لتنظيم مجتمع بدائي ج<‬
‫يتهم اهلل الجليل بقصور العلم‪ ،‬وإنه لم يكن يعلم ماذا تكون عليه مخلوقاته بعد مدة من ال<<زمن‪ .‬وآخ<<ر‬
‫< (إن آية‪( :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) إنما نزلت لردع من يس<<رق ناق<<ة الع<<ربي في‬ ‫يقول‪:‬‬
‫صحراء الجزيرة‪ ،‬وفيها كل متاعه وحياته !! ولو كان عند هذا المدعى شئ من المعرفة بتاريخ العرب‬
‫<دت في‬ ‫<ط إذا وج<‬ ‫في عصر النبوة لعلم أن النوق لم تكن تسرق في ذلك العهد‪ ،‬بل كانت تترك وال تلتق<‬
‫<ًا‬
‫<ا متعلق<‬
‫البرية‪ ،‬فمعها حذاؤها وسقاؤها‪ .‬وحوادث السرقة التي ثبتت في ذلك العصر لم يكن واحد منه<‬
‫بسرقة ناقة أو جمل ! نحن ندعو إلى االجتهاد ال الفوضى‪ ،‬وإلى التجديد ال التبديد ! إلى فقه األصالء‪ ،‬ال‬
‫تطاول األدعياء‪.‬‬
‫إلى الفهرس‬

‫اإلسالم ليس مادة هالمية‬


‫<د‬‫< العامة التي ندعو إليها واضحة بينة‪ ،‬حددنا معالمها في مباحث وكتب أخرى‪ .‬ولق<‬ ‫عاشرًا‪ :‬إن األصول‬
‫أوهم بعض الذين كتبوا مشككين أو معارضين للدعوة إلى تطبيق الشريعة‪ ،‬أوهموا أن الشريعة الم<<دعو‬
‫<ق أن‬ ‫<ل فري<‬ ‫<اكم أو ك<‬ ‫إلى تطبيقها مادة ( هالمية ) رجراجة غير محددة وال منضبطة‪ ،‬يستطيع كل ح<‬
‫< أي إسالم تدعوننا إليه‪ ،‬وتطالبوننا بتحكيمه ؟ فقد رأينا اإلسالم‬ ‫يفسرها كما يشاء‪ .‬حتى وجدنا من يقول‪:‬‬
‫<ران‪،‬‬ ‫<الم إي<‬ ‫الذي ادعى بعض الحكام تطبيقه اليوم يختلف من بلد إلى آخر‪ .‬فهناك إسالم السودان‪ ،‬وإس<‬
‫وإسالم باكستان‪ ،‬وإسالم ليبيا !! أو كما عبر أحدهم بصراحة‪ :‬إسالم النميري‪ ،‬أم إس<<الم الخمي<<ني‪ ،‬أم‬
‫إسالم ضياء الحق‪ ،‬أم إسالم القذافي؟ ونقول لهؤالء‪ :‬إن اإلسالم هو اإلسالم‪ ،‬غير مضاف إلى أح<<د إال‬
‫إلى من شرعه أو من بلغه‪ .‬فهو إسالم القرآن والسنة‪ ،‬وال يرتبط باسم شخص إال باسم محمد (صلى اهلل‬
‫<يرات‪،‬‬ ‫بشير ونذيرًا‪ ،‬وداعيًا إلى اهلل بإذنه وسراجًا منيرًا‪ .‬ومهما اختلفت التفس<‬
‫عليه وسلم) الذي بعثه اهلل ً‬
‫<ة‬‫أو اختلفت التطبيقات لشريعة اإلسالم‪ ،‬فستظل هناك دائرة غير ضيقة وال هينة‪ ،‬تمثل الوحدة االعتقادي<‬
‫والفكرية والشعورية والسلوكية لألمة‪ .‬تلك هي دائرة ( القطعيات ) التي أجمعت عليه<<ا األم<<ة فك<<رًا‬
‫ال ‪ ،‬ورسخت في عقولها وقلوبها وحياتها على امتداد القرون األربعة عشر‪ ،‬التي قطعتها هذه األمة‪.‬‬ ‫وعم ً‬
‫<ريعة والنظم‪،‬‬ ‫<ات في الش<‬ ‫<عائر‪ ،‬وقطعي<‬ ‫هناك قطعيات في العقيدة والفكر ‪ ..‬وقطعيات في العبادة والش<‬
‫<‬
‫وقطعيات في األخالق واآلداب ‪ ..‬وكلها مما ال يختلف فيه اثنان‪ ،‬وال ينتطح فيها عنزان‪ ،‬كما يقول<<ون‪.‬‬
‫وهذه القطعيات وحدها هي أساس التشريع‪ ،‬ومحوره‪ ،‬وهى التي تحدد االتجاه واألهداف‪ ،‬وترس<<م النهج‬
‫<ترك لعبث‬ ‫<و لم ي<‬ ‫<ة‪ ،‬فه<‬‫والطريق‪ ،‬وتميز المالمح والقسمات‪ .‬وأما ما عدا القطعيات من أحكام وأنظم<‬
‫األهواء المتسلطة‪ ،‬أو شطحات األفكار الجامحة‪ ،‬أو الستبداد السلطات المتحكمة‪ ،‬تفهم<<ه كم<<ا تري<<د‪،‬‬
‫<ول ) و‬ ‫<اك ( أص<‬ ‫<ل هن<‬ ‫وتفسره كما يحلو لها‪ ،‬دون أصل تستند إليه‪ ،‬وال برهان تعول عليه‪ .‬كال ‪ ..‬ب<‬
‫ً‬
‫( قواعد ) وضعها أئمة اإلسالم‪ ،‬لالس<<تيثاق من‪ ‬ثب<<وت النص الش<<رعي‪ ‬أوال‪ ،‬ثم لفهم‪ ‬داللته‪ ‬ثانيًا‪ ،‬ثم‬
‫لالستنباط فيما ال نص فيه‪ ‬ثالثًا‪.‬‬

‫< التفسير‪ ،‬ونحوها من المعين<<ات‬


‫ومن ثم وجد علم أصول الفقه‪ ،‬وقواعد الفقه‪ ،‬وأصول الحديث‪ ،‬وأصول‬
‫<ك على‬‫<وم ذل<‬‫<تنباط‪ ،‬على أن يق<‬
‫الالزمة للفهم واالستنباط‪ .‬وال بأس أن تتعدد المدارس في الفهم واالس<‬
‫<راء‬
‫أصول منهجية علمية مبنية على الدليل‪ ،‬ال على الهوى أو التقليد‪ .‬وربما كان هذا الخالف مصدر إث<‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬والعمل اإلسالمي‪ ،‬إذا وضع في إطاره الصحيح‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫سنة التدرج‬
‫<غة‪،‬‬ ‫حادي عشر ‪ :‬إن التدرج سنة من سنن اهلل في خلقه‪ ،‬وشرعه‪ ،‬فقد خلق اإلنسان أطوارًا‪ :‬علقة‪ ،‬فمض<‬
‫فعظامًا …‪ .‬إلخ ‪ ,‬وخلق الدنيا في ستة أيام‪ ،‬اهلل أعلم بكل يوم منها كم هو؟ كما أنه ف<<رض الف<<رائض‬
‫<د‬
‫<ريعة ق<‬ ‫<ة بهم‪ .‬والش<‬ ‫وحرم المحرمات على مراحل‪ ،‬وفق سنة التدرج‪ ،‬مراعاة لضعف البشر ورحم<‬
‫<تزام‬‫<ع إلى االل<‬‫<ل المجتم<‬‫<داد لتحوي<‬ ‫اكتملت بال شك‪ ،‬ولكن تطبيقها في عصرنا يحتاج إلى تهيئة وإع<‬
‫اإلسالمي الصحيح‪ ،‬بعد عصر االغتراب والتغريب‪ .‬وقد تم بعض ه<<ذا في بعض البالد‪ ،‬وبقي بعض‪،‬‬
‫<ذين‬‫<ع المنف<‬
‫<ة طالئ<‬ ‫وهو يحتاج إلى بذل الجهود‪ ،‬إلزالة العوائق‪ ،‬ومنع الهزات‪ ،‬وإيجاد البدائل‪ ،‬وتربي<‬
‫الثقات‪ ،‬الذين يجمعون بين القوة واألمانة‪ ،‬واجتماعهما في الناس قليل‪ ،‬طالما شكا منه األقدمون حتى قال‬
‫<ة‬‫<بيق‪ ،‬رعاي<‬ ‫عمر‪ ( :‬اللهم إني أشكو إليك عجز الثقة وجلد الفاجر)‪ .‬ولهذا ال مانع من التدرج في التط<‬
‫<ك‬‫<ا نهج ذل<‬ ‫<ه ) ‪ ،‬وكم<‬ ‫لحال الناس‪ ،‬واتباعًا للتوجيه النبوي الكريم‪ ( :‬إن اهلل يحب الرفق في األمر كل<‬
‫الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنه‪ .‬فقد روى المؤرخون عن عمر بن عبد العزي<<ز‪ :‬أن‬
‫ابنه عبد الملك ‪ -‬وكان أفضل أبنائه ‪ -‬قال له يومًا‪ :‬يا أبت‪ :‬مالك ال تنفذ األمور ؟! فواهلل ما أبالي لو أن‬
‫القدور فلت بي وبك في الحق‪ .‬يريد الشاب التقي المتحمس من أبيه ‪ -‬وقد واله اهلل إمارة المؤمنين ‪ -‬أن‬
‫يقضي على المظالم وآثار الفساد دفعة واحدة‪ ،‬دون تريث وال أناة‪ ،‬وليكن بعد ذلك ما يكون ! فماذا كان‬
‫جواب األب الصالح‪ ،‬والخليفة الراشد‪ ،‬والفقيه المجتهد ؟ قال عمر‪ :‬ال تعجل يا بني‪ ،‬فإن اهلل ذم الخم<<ر‬
‫في القرآن مرتين‪ ،‬وحرمها في الثالثة‪ .‬وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة‪ ،‬في<<دفعوه جمل<<ة‪،‬‬
‫ويكون من ذا فتة‪ .‬يعني أنه يريد أن يسقيهم الحق جرعة جرعة‪ ،‬ويحملهم على طريقه خطوة خط<<وة‪.‬‬
‫ومرة أخرى‪ ،‬يدخل عليه ابنه المؤمن المتوقد حماسة وغيرة‪ ،‬ويقول عاتب<<ًا أو غاض<<بًا‪ ( :‬ي<<ا أم<<ير‬
‫المؤمنين‪ :‬ما أنت قائل لربك غدًا إذا سألك فقال‪ :‬رأيت بدعة فلم تمتها‪ ،‬أو سنة فلم تحيها ؟ فقال أب<<وه‪:‬‬
‫<روة‪،‬‬ ‫<روة ع<‬ ‫<دة‪ ،‬وع<‬ ‫رحمك اهلل وجزاك من ولد خيرًا ! يا بنى‪ :‬إن قومك قد شدوا هذا األمر عقدة عق<‬
‫علي فتقًا يكثر فيه الدماء‪ ،‬واهلل ل<زوال‬
‫< ّ‬ ‫ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا‬
‫الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم ! أو ما ترضى أن ال يأتي على أبيك يوم من أيام‬
‫<نة‬‫<ة‪ ،‬وس<‬ ‫<نة كوني<‬ ‫الدنيا‪ ،‬إال وهو يميت بدعة‪ ،‬ويحي فيه سنه ؟‪ .‬فالتدرج بهذا المعنى مقبول‪ ،‬وهو س<‬
‫< بمرور‬ ‫شرعية‪ .‬كل ما نؤكده هنا‪ :‬أال يكون هذا مجرد تكأة لتأجيل العمل بالشريعة‪ ،‬وتمويت الموضوع‬
‫الزمن‪ ،‬باسم التدرج والتهيئة ! إنما الواجب اتباع سياسة ابن عبد العزيز‪ :‬أال يم<<ر ي<<وم إال وتم<<وت‬
‫<ة‪،‬‬‫<ة الخط<‬ ‫<دف‪ ،‬وتهيئ<‬ ‫فيهبدعة‪ ،‬وتحي سنة‪ ،‬وبهذا يتحقق التدرج المطلوب‪ .‬فالتدرج يعنى‪ :‬تحديد اله<‬
‫<داد‬‫<ة لإلم<‬
‫<ع الخط<‬ ‫<الب بوض<‬ ‫وتعيين المراحل‪ ،‬وحشد الطاقات في خدمة الغرض المنشود‪ .‬ولهذا نط<‬
‫والتغيير‪ ،‬تعليميًا وإعالميًا‪ ،‬وثقافيًا واجتماعيًا‪ ،‬بادئين بما ال يحتاج إلى تدرج وال تهيئة‪ ،‬وإنما يحتاج إلى‬
‫صدق التوجه‪ ،‬ومعه العزيمة‪ ،‬وإذا صدق العزم وضح السبيل‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫ال يطبق الشريعة حقا ً إال من يؤمن بها‬


‫ثاني عشر ‪ :‬إن الشريعة ال يمكن أن تطبق تطيقًا حقيقيًا إال إذا قام على تطبيقها أناس يؤمنون بقدس<<يتها‪،‬‬
‫<ون على‬ ‫وربانية مصدرها‪ ،‬وعدالة أحكامها‪ ،‬وسمو أهدافها‪ ،‬ويتعبدون هلل بتنفيذها‪ ،‬وهذا يجعلهم يحرص<‬
‫<ا‬
‫<ا‪ ،‬كم<‬‫<ات أمامه<‬
‫فهمها فهمًا دقيقًا‪ ،‬وعلى فقه أحكامها ومقاصدها فقهًا عميقًا‪ ،‬ويتفانون في تذليل العقب<‬
‫يحرصون على أن يكونوا صورة طيبة لمبادئها‪ ،‬وأسوة حسنة لغير المقتنعين بها‪ ،‬يراهم اآلخ<<رون في‬
‫<حابة‬
‫<ان الص<‬ ‫<ذا ك<‬
‫<اتهم‪ .‬وهك<‬ ‫إيمانهم وأخالقهم وسلوكهم‪ ،‬فيحبون الشريعة ال يرون من أثرها في حي<‬
‫<ًا‪ ،‬مت<أثرين‬
‫<وا في<ه أفواج<‬‫والمسلمون األوائل ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬أحب الناس اإلسالم بحبهم‪ ،‬ودخل<‬
‫بأخالقهم وإخالصهم‪ ،‬فقد كان كل منهم قرآنًا حيًا يسعى بين الن<<اس على ق<<دمين‪ .‬إن عيب كث<<ير من‬
‫<دين‬‫<د من الناق<‬
‫<ذة والتندي<‬
‫<ع المؤاخ<‬‫<انت موض<‬ ‫التجارب العامرة لتطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬التي ك<‬
‫والمراقبين‪ :‬أنها نفذت بأيدي غير أهلها‪ ،‬أعني غير دعاتها ورعاتها‪ .‬أي على أيدي أناس كانوا من قبل‬
‫<ا‪ .‬إن‬
‫<تزمين به<‬‫<ا‪ ،‬والمل<‬‫في صف المناوئين لها‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬من الغافلين عنها‪ ،‬غير المتحمسين له<‬
‫الرساالت الكبيرة تحتاج إلى حراس أقويا ‪ ,‬من رجالها وأنصارها يكونوا هم المس<<ئولين األوائ<<ل عن‬
‫<اة من‬
‫وضع قيمها وتعاليمها النظرية موضع التنفيذ‪ .‬وبغير هذا يكون التطبيق أمرًا صوريًا ال يغير الحي<‬
‫جذورها‪ ،‬وال ينفذ باإلصالح إلى أعماقها‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الشريعة للشعوب كما هي للحكام‬


‫ثالث عشر ‪ :‬إن تطبيق الشريعة ليس عمل الحكام وحدهم‪ ،‬وإن كانوا هم أول من يطالب بها‪ ،‬باعتبار ما‬
‫<ان بعض‬ ‫<د ك<‬ ‫في أيديهم من سلطات تمكنهم من عمل الكثير من األشياء التي ال يقدر عليها غيرهم‪ ،‬وق<‬
‫< لو كانت لنا دعوة مستجابة لدعوناها للسلطان‪ ،‬فإن اهلل يصلح بصالحه خلقًا كثيرًا‪ .‬وهذا‬ ‫السلف يقولون‪:‬‬
‫كان في عصر لم يكن زمام التعليم‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والتثقيف‪ ،‬والتوجيه‪ ،‬والترفيه بيد السلطان كما هو اليوم‪.‬‬
‫< إن على الشعب مسؤولية تطبيق الشريعة في كثير من األمور التي ال تحتاج إلى سلطان‬ ‫ومع هذا نقول‪:‬‬
‫<الفرد‪،‬‬
‫<رد ب<‬ ‫الدولة وتدخل الحكام‪ .‬إن كثيرًا من أحكام الحالل والحرام‪ ،‬واألحكام التي تضبط عالقة الف<‬
‫والفرد باألسرة‪ ،‬والفرد بالمجتمع‪ ،‬قد أهملها المسلمون أو خالفوا فيها من أمر اهلل‪ ،‬وتعدوا حدود اهلل‪ ،‬ولن‬
‫<عورهم‬ ‫يملح حالهم إال إذا وقفوا فيها عند حدود اهلل تعالى‪ ،‬والتزموا بأمره ونهيه بوازع من أنفسهم‪ ،‬وش<‬
‫برقابة ربهم علبهم‪ .‬ويجب على الدعاة والمفكرين والمربين أن يبذلوا جهودهم لتقوم الشعوب بواجبها في‬
‫تطبيق ما يخصها من شرع اهلل‪ ،‬وال يكون كل همها مطالبة الحكام بتطبيق الشريعة‪ ،‬وكأنهم بمج<<رد أن‬
‫يرفعوا أصواتهم بهذه المطالبة قد أدوا كل ما عليهم‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬


‫الفصل التاسع‬
‫االقتصاد والمال‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪  ‬فكرة عن قواعد بناء اقتصاد المجتمع اإلسالمي‬ ‫تنمية المال بما ال يضر األخالق والمصلحة العامة‬
‫اعتبار المال خير ونعمة في يد الصالحين‬ ‫تحقيق االكتفاء الذاتي لألمة‬

‫المال مال هللا واإلنسان مستخلف فيه‬ ‫االعتدال في اإلنفاق‬

‫الدعوة إلى العمل والكسب الطيب‬ ‫إيجاب التكافل االجتماعي‬


‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫تحريم موارد الكسب الخبيث‬ ‫تقريب الفوارق بين الطبقات‬

‫إقرار الملكية الفردية وحمايتها‬ ‫اإلسالم واألنظمة االقتصادية المعاصرة‬

‫منع األفراد من تملك األشياء الضرورية للمجتمع‬

‫منع المالك من اإلضرار بغيره‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫لكل مجتمع مذهب اقتصادي خاص‪ ،‬تتمثل فيه فلسته وعقائده ومثله‪ ،‬ونظرته إلى‪ ‬الفرد والمجتمع‪ ،‬وإلى‬
‫<ثروة‪،‬‬
‫<اج ال<‬
‫<ه بإنت<‬
‫المال ووظيفته‪ ،‬وفكرته عن الدين والدنيا‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬فيؤثر ذلك كله في عالقت<‬
‫<اد‬
‫<ديث من االقتص<‬ ‫<ادي‪ .‬والح<‬‫<ه االقتص<‬ ‫وطرائق تداولها وتوزيعها واستهالكها‪ ،‬ومن ذلك ينشأ نظام<‬
‫اإلسالمي يطول‪ ،‬وقد ألفت فيه وفي نواح منه بحوث شتى‪ ،‬وكتب جمة‪ ،‬وق<<دمت عش<<رات الرس<<ائل‬
‫<اء‬
‫<ا بن<‬
‫<وم عليه<‬‫العلمية للماجستير والدكتوراه‪ .‬وحسبنا هنا أن نأخذ فكرة من القواعد األساسية التي يق<‬
‫االقتصاد في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وأهم هذه القواعد هي‪:‬‬

‫اعتبار المال خيرًا ونعمة في يد األخيار‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫المال مال اهلل واإلنسان مستخلف فيه‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الدعوة إلى العمل والكسب الطيب‪ ،‬واعتباره عبادة وجهادًا‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫تحريم موارد الكسب الخبيث‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إقرار الملكية الفردية وحمايتها‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫منع األفراد من تملك األشياء الضرورية للجماعة‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫منع المالك من األضرار بغيره‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫تنمية المال بما ال يضر األخالق والمصلحة الهامة‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫تحقيق االكتفاء الذاتي لألمة‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫االعتدال في اإلنفاق‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫إيجاب التكافل بين أبناء المجتمع‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫تقريب الفوارق بين الطبقات‪.‬‬ ‫‪.12‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫اعتبار المال خيراً ونعمة في يد الصالحين‬


‫إن القاعدة األولى في بناء االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬هي تقدير قيمة المال ومنزلته في الحياة‪ ،‬فق<<د ع<<رفت‬
‫البشرية قبل اإلسالم أديانًا ومذاهب‪ ،‬تعتبر المال شرًا والفقر خيرًا‪ ،‬بل تعد كل ما يتصل براحة الجس<<د‬
‫وتمتعه بالطيبات‪ ،‬تلويثًا للروح‪ ،‬وتعويقًا لرقيها وسموها‪.‬‬

‫عرف ذلك في الفلسفة البرهمية في الهند‪ ،‬وفي المذهب المانوي في فارس‪ ،‬كما عرف ذلك في المسيحية‬
‫من األديان ‪1‬لكتابيه‪ ،‬وتحلت هذه النزعة بوضوح في نظام الرهبانية‪.‬‬

‫يروي أصحاب األناجيل ‪ -‬متى ومرقص ولوقا ‪ -‬عن المسيح‪ :‬أن شابًا غنيًا أراد أن يتب<<ع ‪1‬لمس<<يح‪،‬‬
‫ويدخل في دينه‪ ،‬فقال له‪ ( :‬بع أمالكك ثم اعط ثمنها للفقراء‪ ،‬وتعال اتبعني‪ ،‬فلما ثقل ذلك على الش<<اب‬
‫قال المسيح‪ :‬يعسر أن يدخل غني ملكوت السموات‪ .‬أقول لكم أيضًا‪ ( :‬إن دخول جم<<ل في ثقب إب<<رة‬
‫أيسر من أن يدخل غيى ملكوت اهلل ) !!‪.‬‬

‫أما المذاهب ‪1‬لحديثة من رأسمالية وشيوعية‪ ،‬فتجعل االقتصاد محور الحياة وتجعل من الم<<ال (إل<<ه )‬
‫األفراد والجماعة‪.‬‬

‫ولكن اإلسالم لم ينظر إلى المال وإلى الطيبات تلك النظرة المتشائمة القاتمة‪ ،‬وال هذه النظ<<رة المادي<<ة‬
‫المسرفة‪ ،‬ولكنه‪:‬‬

‫< تعالى‪ ( :‬وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي جع<<ل اهلل‬


‫(أ)‪ ‬اعتبر المال قوام المعيشة‪ ،‬وعصب الحياة‪ .‬يقول‬
‫لكم قيامًا )‪.‬‬

‫(ب)‪ ‬وسمى المال خيرًا في مواضع من القرآن‪ ( :‬وإنه لحب الخير لشديد )‪ .‬ق<<ل م<<ا أنفقتم من خ<<ير‬
‫فللوالدين واألقربين‪( .‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية )‪.‬‬

‫<ائ ً‬
‫ال‬ ‫<دك ع<‬ ‫(ج)‪ ‬واعتبر الغنى نعمة يمتن اهلل بها على رسوله‪ ،‬وعلى المؤمنين المتقين من عباده‪( :‬ووج<‬
‫فأغنى )‪( .‬وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم اهلل من فضله إن شاء )‪ ( .‬ولو أن أهل القرى آمن<<وا واتق<<وا‬
‫لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض ) ( ويمددكم بأموال وبنين )‪.‬‬

‫(د)‪ ‬واعتبر الفقر بالء وعقوبة يصيب به اهلل من ينحرف عنه ويكفر بنعمته‪ ( .‬وضرب اهلل مث ً‬
‫ال قري<<ة‬
‫< بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع والخ<<وف‬
‫كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت‬
‫بما كانوا يصنعون )‪.‬‬

‫(هـ)‪ ‬وحدد النبي (صلى اهلل عليه وسلم) نظرته إلى المال بهذه الكلمة الموجزة الجامع<<ة‪( :‬نعم الم<<ال‬
‫الصالح للرجل الصالح )‪.‬‬

‫فليس المال خيرًا مطلعًا‪ ،‬وال شرًا مطلقًا في ذاته‪ ،‬بل هو أداة وسالح‪ :‬يكون خيرًا في يد األخيار‪ ،‬وشرًا‬
‫<ات‪،‬‬ ‫<ير من الواجب<‬‫<ون على أداء كث<‬ ‫<ات‪ ،‬والع<‬‫في يد األشرار‪ .‬ذلك أن المال هو وسيلة إشباع الحاج<‬
‫كالصدقة والحج والجهاد‪ ،‬والعدة الضرورية لعمارة األرض‪ .‬وكل ما يريده اإلسالم أال يص<<بح الم<<ال‬
‫صنمًا يعبده الناس من دون اهلل‪ ،‬وأال يفتن الناس به فيصير غاية في حد ذاته‪ ،‬وقد خلق ليكون وس<<يلة‪،‬‬
‫وأال يؤدى بصاحبه إلى نسيان ربه‪ ،‬والطغيان على خلقه‪ ،‬فهذه هي فتنة المال التي حذر منها اإلس<<الم‪،‬‬
‫<وا ال‬
‫<ذين آمن<‬‫يقول تعالى‪( :‬واعلموا أنما أموالكم وأوالدكم فتنة وأن اهلل عنده أجر عظيم )‪ ( .‬يا أيها ال<‬
‫تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر اهلل‪ ،‬ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )‪ ( .‬المال والبنون زين<<ة‬
‫ال)‪ ( .‬كال إن اإلنس<<ان ليطغى أن رآه‬‫الحياة الدنيا‪ ،‬والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخ<<ير أم ً‬
‫استغنى )‪.‬‬

‫بين النص الكريم أن الطغيان ال ينشأ من مجرد الغنى‪ ،‬بل من رؤية اإلنسان نفسه مستغنيًا عن غ<<يره‪،‬‬
‫وربما توهم أنه يستغني عن ربه عز وجل‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫المال مال هللا واإلنسان مستخلف فيه‬


‫والقاعدة الثانية‪ ،‬التي يقوم عليها االقتصاد في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬هي اعتبار المال ‪ -‬في الحقيقة‪ -‬مال‬
‫اهلل‪ ،‬واعتبار اإلنسان أمينًا عليه‪ ،‬أو مستخلفًا فيه‪ ،‬كما عبر القرآن الكريم‪ :‬إذ قال‪ ( :‬آمنوا باهلل ورس<<وله‬
‫<ر‬‫<ه‪ ،‬وميس<‬‫<ادر إنتاج<‬ ‫< مما جعلكم مستحلفين فيه )‪ .‬فاهلل هو مالك المال‪ ،‬ألنه خالقه وخالق مص<‬ ‫وأنفقوا‬
‫وسائل اكتسابه‪ ،‬بل هو خالق اإلنسان والكون كله‪( :‬وهلل ما في السموات و ما في األرض) (أال إن ل<<ه‬
‫من في السموات ومن في األرض )‪.‬‬

‫( أفرأيتم ما تحرثون و ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون‪ …) ‬اآليات‪ .‬ولهذا يقول القرآن‪ ( :‬وآتوهم من‬
‫مال اهلل الذي آتاكم) ‪ .‬ويقول‪ ( :‬وال يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اهلل من فضله هو خير لهم ) ‪ .‬وم<<ا‬
‫آتاهم اهلل من فضل هو المال‪ ،‬فيد اإلنسان على المال إذن هي يد النائب والوكيل‪ ،‬ال يد المالك األصيل ‪.‬‬

‫وإذا كان اإلنسان أمي ًنا على المال ووكي ً‬


‫ال فيه‪ ،‬فال يجوز له أن ينسبه لنفسه وفضله وحده في اكتس<<ابه‪،‬‬
‫< مقاله اإلنسان الكفور‪ ( :‬هذا لي )! أو يقول ما قال قارون‪ ( :‬إنما أوتيته على علم عندي)‪.‬‬‫ويقول‬

‫ال عن‬ ‫<اف ً‬


‫<ال اهلل ‪ -‬غ<‬
‫<ق كلهم عي<‬ ‫كما ال يحوز أن يخص نفسه بالمال دون عال مالكه الحقيقي ‪ -‬والخل<‬
‫وضعه الوظيفي في المال‪ .‬يقول اإلمام الرازي في تفسيره‪( :‬إن الفقراء عيال اهلل‪ ،‬واألغنياء خ< ّ‬
‫<زان اهلل‪،‬‬
‫ألن األموال التي في أيديهم أموال اهلل‪ ،‬ولوال أن اهلل تعالى ألقاها في أيديهم لما ملكوا منها حب<<ة‪ ،‬فليس‬
‫< الملك لخازنه‪( :‬اصرف طائفة مما في تلك الخزانة إلى المحتاجين من عبيدي ) ‪.‬‬ ‫بمستبعد أن يقول‬

‫ويجب عليه أن يتقيد بأوامر المالك‪ ،‬وينزل على حكمه‪ ،‬ويخضع لتوجيهاته في حفظه وتنميته‪ ،‬وإنفاق<<ه‬
‫وتوزيعه‪ ،‬وال يقول ما قال ( آهل مدين ) لشعيب عليه السالم‪ ( :‬أصالتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا‬
‫أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء )‪ .‬وذلك حين قال لهم شعيب‪ ( :‬يا قوم اعبدوا اهلل ما لكم من إله غ<<يره‪،‬‬
‫<وا‬
‫<وم أوف<‬‫<ا ق<‬
‫وال تنقصوا المكيال والميزان‪ ،‬إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط‪ ،‬وي<‬
‫<دين)‪ .‬‬
‫<وا في األرض مفس<‬ ‫<ياءهم وال تعث<‬‫<اس أش<‬ ‫<وا الن<‬‫<ط‪ ،‬وال تبخس<‬ ‫<يزان بالقس<‬
‫<ال والم<‬
‫المكي<‬
‫<ره األخالق‪ ،‬أو‬
‫<ا تنك<‬‫ظنوا أن ملكية المال تجيز لهم حرية الصرف فيه بما يشاؤون‪ ،‬ولو كان ذلك مم<‬
‫تأباه مصلحة المجتمع‪ ،‬وحجتهم أنها‪ ( :‬أموالنا‪ ،‬نفعل فيها ما نشاء )‬

‫<إذا لم‬
‫<ون‪ ،‬ف<‬
‫واإلسالم يقرر أنها أموال اهلل‪ ،‬آتاها من شاء من عباده‪ ،‬واستخلفهم فيها‪ ،‬لينظر كيف يعمل<‬
‫يلتزموا أوامر اهلل فقد تجاوزوا حدود الوكالة‪ ،‬فأخذت منهم الحقوق قهرًا‪ ،‬أو غلّت أيديهم بالحجر‪.‬‬

‫وبهذه القاعدة الذهبية سبق اإلسالم ‪ -‬بقرون طويلة ‪ -‬ما نادى به بعض علماء االجتماع من الغرب<<يين‪،‬‬
‫من أن‪ :‬المكية وظيفة اجتماعية‪ ،‬وأن الغني موظف في النظام االجتماعي ‪ -‬وإن كان هذا القول ال يرقى‬
‫إلى ما جاء به القرآن الكريم‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الدعوة إلى العمل والكسب الطيب‬


‫وهذه القاعدة متفرعة من القاعدة األولى‪ ،‬ومبنية عليها‪ ،‬فإذا كان المال في نظر اإلسالم وسيلة المعيش<<ة‬
‫الطيبة‪ ،‬وأداة البر واإلنفاق في سبيل اهلل وخير المجتمع‪ ،‬فال بد من السعي إلى تحصيله وكسبه‪ ،‬وفق سنة‬
‫اهلل تعالى في ربط المسببات بأسبابها‪.‬‬

‫<ل لكم‬‫<ذي جع<‬ ‫<و ال<‬


‫ولهذا دعا اإلسالم إلى السعي والعمل‪ ،‬وحذر من البطالة والكسل‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬ه<‬
‫<وا‬‫ال فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )‪( .‬فإذا قضيت الصالة فانتشروا في األرض وابتغ<‬ ‫األرض ذلو ً‬
‫من فضل اهلل)‪ ‬وقال الرسول (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ( :‬ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل‬
‫<ة‬‫<وم القيام<‬‫يده)‪ .‬وينفر من سؤال الناس تنفيرًا كبيرًا فيقول‪ ( :‬ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي ي<‬
‫<ادة‬
‫<فة العب<‬‫<ه ص<‬ ‫< علي<‬‫وليس في وجهه مزعة لحم )‪ .‬وال يكتفى بالدعوة إلى العمل الدنيوي‪ ،‬بل يضفي‬
‫والقربة إلى اهلل‪ ،‬إذا صحت فيه النية‪ ،‬وروعيت حدود اهلل‪ .‬في الحديث‪ ( :‬إن كان خرج يسعى على ولده‬
‫صغارًا فهو في سبيل اهلل‪ ،‬وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل اهلل‪ ،‬وان كان‬
‫<‪ ( ‬ما من مسلم يزرع‬ ‫خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل اهلل )‪ .‬وفى الحث على الزراعة يقول‪:‬‬
‫زرعًا أو يغرس غرسًا‪ ،‬فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إال كان له به صدقة )‪  .‬وفى التجارة يقول‪( :‬‬
‫التاجر الصدوق األمين مع النبيين والصديقين والشهداء )‪ .‬وفي الرعي يقول‪ ( :‬ما بعث اهلل نبيًا إال رعى‬
‫الغنم‪ ،‬وأنا كنت أرعاها ألهل مكة بالقراريط )‪ .‬وفى الصناعة بضرب لهم المثل ب ( داود )‪ ،‬الذي أالن‬
‫اهلل في يديه الحديد‪ ،‬ليصنع منه الدروع السابغات‪ ( :‬إن نبي اهلل داود كان ال يأكل إال من عمل يده )‪.‬‬

‫< اليدوية‪ ،‬واتكال‬


‫ويحارب النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ما شاع عند العرب من احتقار الحرف واألعمال‬
‫بعضهم على سؤال كبراء القوم وزعماء العشائر‪ ،‬فبيّن لهم أن كل عمل نافع هو عمل ش<<ريف ك<<ريم‪،‬‬
‫مهما تكن ضآلة الربح من ورائه‪ ،‬ومهما تكن نظرة الناس إليه فيقول‪ ( :‬ألن يأخذ أحدكم حبل<<ه في<<أتي‬
‫<وه أو‬
‫<اس‪ ،‬أعط<‬ ‫<أل الن<‬
‫<ير من أن يس<‬
‫<ه‪ ،‬خ<‬ ‫بحزمة الحطب على ظهره‪ ،‬فيبيعها‪ ،‬فيكف اهلل بها وجه<‬
‫منعوه)‪  ‬ومن فروض الكفاية على المسلمين‪ ،‬أن يهينوا العدد المدرب الكافي‪ ،‬لكل صناعة أو مهنة يحتاج‬
‫إليها المجتمع حتى يكتفي المسلمون اكتفا ًء ذاتيًا‪ ،‬فيأكلوا مما يزرعون‪ ،‬ويلبسوا مما ينسجون‪ ،‬ويس<<لحوا‬
‫جيوشهم بما يصنعون‪ ،‬مهتدين بقول اهلل تعالى‪ ( :‬وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد للناس)‪ ،‬وعبارة‪( :‬ب<<أس‬
‫شديد) تشير إلى الصناعات الحربية‪ ،‬وعبارة‪( :‬ومنافع للناس)‪ ‬تشير إلى الصناعات المدنية‪ ،‬وم<<ا لم يتم‬
‫ذلك فالمسلمون آثمون‪ ،‬وبخاصة أولو األمر منهم‪.‬‬

‫ومن جميل ما نبه عليه بعض حكماء المسلمين‪ :‬أنالعمل والتكسب‪ ،‬وإن كان مباحًا من وجه‪ ،‬فهو واجب‬
‫من وج<<ه‪ .‬يق<<ول اإلم<<ام ال<<راغب في كتاب<<ه القيم‪ ( ‬الذريع<<ة إلى مك<<ارم الش<<ريعة )‪ .‬‬
‫التكسب في الدنيا‪ ،‬وإن كان معدودًا من المباحات من وجه‪ ،‬فإنه من الواجبات من وجه‪ ،‬وذلك أنه لما لم‬
‫يكن لإلنسان االستقالل بالعبادة إال بإزالة ضروريات حياته‪ ،‬فإزالتها واجبة‪ ،‬ألن كل ما ال يتم ال<<واجب‬
‫إال به فواجب كوجوبه‪ .‬وإذا لم يكن له إلى إزالة ضروراته سبيل إال بأخذ تعب من الناس‪ ،‬فال بد‬

‫إذن أن يعوضهم تعبًا من عمله‪ ،‬وإال كان ظالمًا‪ ،‬فمن توسع في تناول عمل غيره في مأكل<<ه وملبس<<ه‬
‫ال بقدر ما يتناوله منهم‪ ،‬وإال كان ظالمًا لهم‪ ،‬سواء قص<<دوا‬ ‫ومسكنه وغير ذلك‪ ،‬فال بد أن يعمل لهم عم ً‬
‫ال‪ ،‬يرمى منه بقلي<<ل من‬ ‫إفادته أو لم يقصدوها‪ ،‬فمن رضي بقليل من عملهم فلم يتناول من دنياهم إال قلي ً‬
‫العمل … ومن أخذ منهم المنافع ولم يعطهم نفعًا‪ ،‬فإنه لم يأتمر هلل تعالى في قوله‪ ( :‬وتعاونوا على البر‬
‫والتقوى )‪ ،‬ولم يدخل في عموم قوله‪ ( :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)‪ .‬ولذا ذم من يدعي‬
‫<ه‬‫<ه‪ .‬فإن<‬
‫التصوف فيتعطل عن المكاسب‪ ،‬ولم يكن له علم يؤخذ منه‪ ،‬وال عمل صالح في الدين يقتدي ب<‬
‫<دروا‬ ‫<أن يك<‬‫<ل في مثلهم إال ب<‬ ‫<ًا‪ ،‬فال طائ<‬‫يأخذ منافع الناس ويضيق عليهم معاشهم‪ ،‬وال يرد إليهم نفع<‬
‫المش<<<<<<<<<ارع ( المي<<<<<<<<<اه) ‪ ,‬ويغل<<<<<<<<<وا األس<<<<<<<<<عار‪.‬‬
‫<ال‬‫ومن الداللة على قبح فعل من هذا صنيعه‪ :‬أن اهلل تعالى ذم من يأكل مال نفسه إسرافًا وبدارًا‪ ،‬فما ح<‬
‫ال‪ .‬ومن واجب والء األمر أن يهيئوا‬ ‫من يأكل مال غيره على ذلك‪ ،‬وال ينيلهم عوضًا‪ ،‬وال يرد عليهم بد ً‬
‫<ه من التعليم‬
‫<ر ل<‬ ‫<رته‪ ،‬وأن ييس<‬ ‫< أس<‬ ‫<ه ويكفى‬‫‪ -‬لكل قادر ‪ -‬العمل الذي يالئمه‪ ،‬ويكتسب منه ما يكفي<‬
‫والتدريب ما يؤهله لهذا العمل‪ .‬إن اإلسالم يحث على العمل الدنيوي ويباركه‪ ،‬وكل ما يطلبه من المسلم‬
‫<الب‬‫<ه‪ ،‬بين مط<‬ ‫<ر دين<‬ ‫في هذا األمر‪ ،‬هو التوازن بين عمله لمعاشه‪ ،‬وعمله لمعاده‪ ،‬بين أمر دنياه وأم<‬
‫جسمه وأشواق قلبه‪ ،‬فال تلهيه األولى عن اآلخرة‪ ،‬وال المادة عن الروح‪.‬‬

‫<دو‬‫<ا بالغ<‬
‫<ه فيه<‬‫<بح ل<‬‫<ه‪ ( :‬يس<‬ ‫ومد وصف اهلل تعالى الصالحين من عباده الذين مرتادون الساجد بقول<‬
‫< رجال ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر اهلل وإقام الصالة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه‬
‫واآلصال‪،‬‬
‫القلوب واألبصار )‪ .‬والواجب على العامل أن يؤدى عمله بأمانة وإتقان‪ ،‬فإحسان العمل فريضة ديني<<ة‬
‫كإحسان العبادة سواء‪ ،‬كما في الحديث الصحيح‪ ( :‬إن اهلل كتب اإلحسان على كل شئ)‪ .‬وفي الح<<ديث‬
‫ال أن يتقنه )‪  .‬كما على المجتمع المسلم أن يعمل على توفية‬ ‫اآلخر‪ ( :‬إن اهلل يحب من أحدكم إذا عمل عم ً‬
‫كل عامل أجره العادل‪ ،‬وال يبخسه حقه‪ ،‬وال يؤخر عليه أجره‪ .‬وفي الحديث‪ ( :‬أعطوا األجير أجره قبل‬
‫أن يجف عرقه )‪ .‬وفى الحديث القدسي عند البخاري‪ ( :‬ثالثة أنا خصمهم ي<<وم القيام<<ة …… وفيهم‪:‬‬
‫( رجل استأجر أجيرًا‪ ،‬فاستوفى منه‪ ،‬ولم يوفه أجره )‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫تحريم موارد الكسب الخبيث‬
‫وهذه القاعدة سياج للقاعدة التي قبلها‪ ،‬وتكميل لها‪ ،‬فالكسب الذي يرحب به اإلسالم‪ ،‬ويعترف بآثاره‪ ،‬هو‬
‫الكسب الطيب المشروع‪ .‬أما الكسب الخبيث فقد حظره اإلسالم الذي جاء يحل الطيبات ويحرم الخبائث‪.‬‬
‫<رقة‪ ،‬والغش‪،‬‬ ‫<ب‪ ،‬والس<‬ ‫والكسب الخبيث‪ ،‬ما جاء عن طريق الظلم‪ ،‬وأخذ مال الغير بغير حق‪ ،‬كالغص<‬
‫وتطفيف الكيل والميزان‪ ،‬واالحتكار‪ ،‬واستغالل حاجة المحتاج‪ ،‬وبخس الناس أشياءهم‪ ،‬ونحوها‪ .‬أو كان‬
‫بغير مقابل من جهد أو مشاركة‪ ،‬كالربا والقمار ‪ -‬ومنه اليانصيب ‪ -‬ونحوه<ا‪ .‬أو ك<ان عوض<ًا لعين‬
‫محرمة كثمن الخمر‪ ،‬والخنزير‪ ،‬واألصنام‪ ،‬والتماثيل‪ ،‬واألواني والتحف المحرمة‪ ،‬والكالب الممنوع<<ة‬
‫<ان‬ ‫<رافين والكه<‬ ‫<دجالين من الع<‬ ‫<أجور ال<‬‫<رعًا‪ ،‬ك<‬‫…‪ .‬ونحوها‪ .‬أو كان عوضًا لمنفعة غير معتبرة ش<‬
‫<ذر‬ ‫<ا‪ .‬وين<‬‫والمنجمين‪ ،‬وكتبة الربا‪ ( ،‬والعاملين في الحانات والمراقص والمالهي المحرمة …‪ .‬ونحوه<‬
‫<‪ ( ‬كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)‪  .‬وال يقيم اإلسالم وزنا‬ ‫الرسول كل آكل للحرام بالنار فيقول‪:‬‬
‫لحسن النية‪ ،‬وشرف الغاية إذا كان طريق الكسب محرمًا‪ .‬فالذي يأكل الربا ليبني به جامعًا‪ ،‬أو يؤس<<س‬
‫به مدرسة لأليتام أو نحو ذلك‪ ،‬ال يعتد به اإلسالم‪ ،‬فقد جاء في الصحيح‪ (  :‬إن اهلل طيب ال يقبل إال طيبًا‬
‫)‪ .‬وفى حديث آخر‪ ( :‬إن الخبيث ال يمحو الخبيث )‪ .‬والحرام حرام في نظر اإلسالم‪ ،‬ولو حكم القاضي‬
‫بحله حسب الظاهر له من البينات‪ .‬يقول تعالى‪ ( :‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام‬
‫لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون )‪ .‬وفي هذا جاء ح<<ديث الن<<بي (ص<<لى اهلل علي<<ه‬
‫وسلم)‪( :‬إنكم تختصمون إلي‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‪ ،‬فأقضي له على نحو م<<ا‬
‫أسمع‪ ،‬فمن قضيت له من حق أخيه بشيء‪ ،‬فإنما هي قطعة من نار‪ ،‬فليأخذها أو ليدعها )‪  .‬حتى ولو كان‬
‫القاضي هو رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)! ألنه قضى حسبما ظهر له‪ .‬وبهذا أقام اإلسالم من ضمير‬
‫المسلم وتقواه حارسا على حياته االقتصادية‪ .‬فإذا كان القاضي يحكم بالظواهر‪ ،‬فإن اهلل ‪ -‬الذي يراقب<<ه‬
‫المسلم ويخشاه ‪-‬مطلع على الحقائق والسرائر‪ .‬وأشد ما حذر منه اإلسالم‪ :‬هو استغالل األقوياء للضعفاء‬
‫<ل‬ ‫<ة‪ ،‬وأك<‬‫<وال الرعي<‬ ‫! كأكل األوصياء ألموال اليتامى‪ ،‬وأكل الرجال ألموال النساء‪ ،‬وأكل الحكام ألم<‬
‫أرباب العمل لحقوق العمال ‪ ,‬وأكل أصحاب األرض لعرق الفالحين‪.‬‬

‫ومما حذر منه اإلسالم أشد التحذير‪ :‬أخذ المال العام بغير حق‪ .‬ألن لكل واحد من أبناء الشعب فيه حقًا‪،‬‬
‫فإذا اختلس شيئًا أو انتهبه دونهم‪ ،‬فقد ظلمهم جميعًا‪ .‬وأمسوا كلهم خصمائه يوم القيامة‪.‬‬

‫<رآن‪ ( :‬ومن‬‫<ة )‪ .‬وفي الق<‬ ‫ومن هنا جاء التشديد وسوء الوعيد فيمن غل من الغنيمة ( أي أخذ منها خفي<‬
‫يغلل يأت بما غل يوم القيامة‪ ،‬ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ال يظلمون )‪ .‬والمال العام مح<<رم على‬
‫<ير‬
‫الوالة الكبار‪ ،‬كما هو محرم على الموظفين الصغار‪ ،‬فال يجوز لهم أن يأخذوا درهمًا أو دانقًا منه بغ<‬
‫<ل‬‫< أو الهدايا‪ ،‬فقد علم كل ذي عق<‬ ‫حق‪ .‬كما ال يجوز لهم أن يستغلوا مناصبهم في اإلثراء باسم العموالت‬
‫وذي ضمير أنها رشاوى مقنّعة‪ ،‬بل سافرة‪ .‬وقد أهدى بعضهم لعمر بن عبد العزيز شيئًا‪ ،‬فرفضه‪ ،‬فقال‬
‫له المهدي‪ :‬إن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) قبل الهدية‪ .‬فقال رضي اهلل عنه‪ :‬كانت الهدية لرس<<ول‬
‫<ابن‬
‫<رف ب<‬ ‫اهلل هدية‪ ،‬أما لنا فهي رشوة‪ .‬ولقد اشتد غضب النبي عليه الصالة والسالم على عامل له يع<‬
‫<دي‬‫<ذا أه<‬‫< فقال‪ :‬هذا لكم‪ ،‬وه<‬ ‫اللتبيّة حين جاء بعد رجوعه من مهمته في جباية الزكاة‪ ،‬ببعض األموال‪،‬‬
‫<دى‬‫إلي‪ .‬فقال النبي (صلى اهلل عليه وسلم) مستنكرًا‪ ( :‬هال قعد في بيت أبيه وبيت أمه‪ ،‬حتى ينظر‪ :‬أيه<‬
‫إليه أم ال )؟!!‪ ‬أي أن الهدية لم تأته لشخصه‪ ،‬وال لصداقة أو قرابة سابقة بينه وبين المهدي‪ .‬ب<<ل أتت<<ه‬
‫بسبب المنصب فقط‪ ،‬فال حق له فيها‪ .‬ولهذا كان اإلسالم أول من طبق على الوالة والحكام ق<<انون (من‬
‫أين لك هذا ) ؟ أو الكسب غير المشروع‪ .‬وقد حقق اإلسالم بتحريمه موارد الكسب الخبيث عدة أهداف‬
‫اجتماعية واقتصادية‪:‬‬

‫أولها ‪ :‬إقامة العالئق بين الناس على أساس من العدالة واألخوة ورماية الحرمات‪ ،‬وإعطاء كل ذي ح<<ق‬
‫حقه‪.‬‬

‫ثانيها ‪ :‬قضى على أهم عامل يؤدي إلى توسيع الفوارق االقتصادية بين األفراد والطبقات‪ ،‬فإن األرب<<اح‬
‫الفاحشة‪ ،‬والمكاسب الضخمة‪ ،‬غالبًا‪ ،‬تأتي من ارتكاب الطرق المشروعة في الكس<<ب‪ ،‬بخالف ال<<تزام‬
‫<‬
‫الطرق المشروعة‪ ،‬فإنها قلما ينتج عنها إال الربح المعتدل والكسب العقول‪.‬‬

‫<د وال‬
‫<ل من جه<‬ ‫<ير مقاب<‬
‫ثالثها‪ :‬دفع الناس إلى العمل والكدح‪ ،‬حيث لم يجز أكل المال بالباطل‪ :‬أي بغ<‬
‫عوض وال مشاركة في الغنم والغرم‪ ،‬كالقمار والربا ونحوهما‪ ،‬وفى هذا نفع اقتصادي ال شك فيه‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫إقرار الملكية الفردية وحمايتها‬


‫<مو‬‫إن اإلسالم هو دين الفطرة‪ ،‬فليس فيه مبدأ يضاد الفطرة أو يكبتها‪ ،‬وإنما فيه ما يالئمها ويهذبها ويس<‬
‫بها‪ .‬ومن الفطرة التي فطر اهلل الناس عليها‪ :‬حب التملك الذي نشاهده حتى عند األطف<<ال بال تعليم وال‬
‫تلقين‪ ،‬وإنما زود اهلل اإلنسان بهذه الغريزة لتكون دافعا قويا‪ ،‬يحفز اإلنس<<ان على الحرك<<ة واإلج<<ادة‬
‫<زداد‬‫<ران‪ ،‬وي<‬ ‫<و العم<‬‫< إذا عرف أنه يملك ثمرة كسبه وجهده في النهاية‪ ،‬فتزدهر الحياة‪ ،‬وينم<‬ ‫واإلتقان‪،‬‬
‫اإلنتاج‪ .‬والمكية من خصائص الحرية‪ ،‬فالعبد ال يملك‪ ،‬والحر هو الذي يملك‪ ،‬ب<<ل هي من خص<<ائص‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فالحيوان ال يملك‪ ،‬واإلنسان هو الذي يملك‪ .‬ولهذا أقر اإلسالم حق ( الملكية الفردية) ألنه دين‬
‫جاء يحترم الفطرة‪ ،‬ويحترم الحرية‪ ،‬ويحترم اإلنسانية‪ .‬كما أنه ليس من العدل أن تحرم اإلنسان ثم<<رة‬
‫سعيه وكسبه لتمنحها لغيره من القاعدين والخاملين‪.‬‬

‫<ه‬
‫<ده وإتقان<‬
‫<ه وج<‬
‫إنما العدل واإلحسان أن تتيح الفرصة للجميع ليكسبوا ويتملكوا‪ ،‬فإذا تميز فرد بذكائ<‬
‫ومثابرته‪ ،‬استحق من الجزاء ما يكافئ عمله‪ ( :‬هل جزاء اإلحسان إالاإلحسان )‪( ،‬ولكل درجات مم<<ا‬
‫عملوا )‪.‬‬

‫<ًا‬
‫<ا دام محافظ<‬
‫ومن هنا يبيح اإلسالم التملك‪ ،‬ولو أفضى بصاحبه إلى درجة كبيرة من الغنى والثروة م<‬
‫على كسب المال من حله‪ ،‬وإنفاقه في حقه‪ ،‬غير متناول لحرام‪ ،‬وال مسرف في مباح‪ ،‬وال شحيح بحق‪،‬‬
‫<ل‬ ‫وال ظالم ألحد‪ ،‬وال آكل حق غيره‪ ،‬كما هو مقتضى نظرية ( االستخالف ) اإلسالمية‪ .‬ولعل أبرز مث<‬
‫على ذلك‪ ،‬عبد الرحمن بن عوف رضى اهلل عنه‪ ،‬فهو أحد السابقين األولين وأحد العش<<رة المبش<<رين‬
‫بالجنة‪ ،‬وأحد الستة أصحاب الشورى‪ .‬وقد خرج من مكة ‪ -‬كبقية إخوانه المهاجرين ‪ -‬بال دار وال مال‪،‬‬
‫<ه‬‫<دى زوجتي<‬ ‫وآخى الرسول بينه وبين سعد بن الربيع‪ ,،‬فعرض عليه أن يشاطره ماله وأن يطلق له إح<‬
‫ليتزوجها بعد العدة‪ ،‬فقال له‪ :‬بارك اهلل لك في أهلك وفى مالك‪ ،‬دلني على السوق‪.‬‬

‫وذهب عبد الرحمن يضرب في األرض‪ ،‬ويبتغى من فضل اهلل‪ ،‬في أسواق كان يسيطر عليها من قب<<ل‬
‫يهود الدينة‪ ،‬فغدا وراح‪ ،‬واجتهد وشمر‪ ،‬وكان عقلية اقتصادية كبيرة‪ ،‬فما هي إال سنوات ح<تى أص<بح‬
‫<عد في‬
‫< روى ابن س<‬
‫<ا‬‫أكبر أثرياه المسلمين‪ ،‬ولم يمت حتى ترك ثروة كان فيها ذهب قطع بالفؤوس‪،‬كم<‬
‫<ان (‬
‫<ع الثمن (‪ )1/32‬فك<‬
‫طبقاته‪ ( :‬وصولحت إحدى نسائه األربع على نصيبها من التركة ‪ -‬وهو رب<‬
‫‪000‬ر‪ )80‬ثمانين ألفًا )‬

‫إن اإلسالم لم يحرم هذا الغنى‪ ،‬ولم يقف في سبيله‪ ،‬ألنه جمع من حله‪ ،‬بال ضرر وال ضرار‪ ،‬وأنفق في‬
‫محله بال بخل وال إسراف‪ .‬باع عبد الرحمن أرضًا له يومًا بأربعين ألف دينار‪ ،‬فقسم ذل<<ك الم<<ال في‬
‫أقاربه من بنى زهرة‪ ،‬وفى فقراء‪ ،‬المسلمين وأمهات المؤمنين‪ .‬وجاءت قافلة له من الشام إلى المدين<<ة‪،‬‬
‫<ه‬‫<ل وفات<‬‫وهي سبعمائة راحلة‪ ،‬محمل من كل شيء‪ ،‬فتبرع بها كلها وبما تحمله كله في سبيل اهلل‪ ،‬وقب<‬
‫أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل اهلل‪ ،‬ولكل رجل ممن بقى من أهل بدر بأربعمائة دينار‪ ،‬ومن قب<<ل‬
‫<الح في‬‫< الواجبة‪ .‬فهذا هو المال الص<‬ ‫ذلك طالما أنفق وبذل‪ ،‬فض ً‬
‫ال من إيتاء‪ ،‬الزكاة المفروضة‪ ،‬والنفقات‬
‫<الم‬
‫يد الرجل الصالح‪ ،‬ونعم المال ونعم الرجل‪ ( .‬وما روى‪ :‬أنه يدخل الجنة حبوًا فلم يصح )‪ .‬إن اإلس<‬
‫يبيح لكل فرد أن يتملك‪ ،‬بل يدعوا إلى أن يتملك‪ ،‬ويحمي له ملكيته ويورثها ذريته من بع<<ده‪ ،‬ليعطي<<ه‬
‫بذلك حافزًا قويا على الجد والدأب‪ ،‬ومواصلة السعي والكد‪ ،‬وليشعر األفراد بالسيادة والقدرة‪ ،‬كلما تذوقوا‬
‫<اب‪،‬‬‫<تذل الرق<‬‫<اس‪ ،‬تس<‬ ‫نعمة المكية‪ ،‬ولم يجعلهم عبيدًا في يد الدولة التي قد يسيطر عليها حفنة من الن<‬
‫< ألنها تملك كل شيء‪ ،‬وال يملك جمهور الناس‬ ‫وتلغي الدين واألخالق‪ ،‬وال تجد من يقدر على مقاومتها‪،‬‬
‫شيئًا‪.‬‬

‫وفي إقرار اإلسالم للمكية الفردية وحمايته لها‪ ،‬خير لألمة‪ ،‬والقتصادها كله‪ ،‬فقد ثبت أن الحوافز الفردية‬
‫<ام‪،‬‬
‫هي التي تحقق أكبر قدر من اإلنتاج‪ ،‬بخالف األمالك والمؤسسات الجماعية‪ ،‬وما يسمى بالقطاع الع<‬
‫حيث يقل اإلنتاج ويسوء‪ ،‬لعدم وجود الحوافز وقوة الرقابة‪ ،‬الناشئة عن الملكية الخاصة‪ .‬غير أن اإلسالم‬
‫يشترط لحماية الملكية الفردية شرطين‪:‬‬

‫أوال‪  :‬يتحقق أنها اكتسبت من طرقها المشروعة‪ ،‬ووسائلها المباحة‪ ،‬وإال ال يعترف اإلسالم أن بها‪ ،‬وإن‬
‫طال عليها األمد في يد من حازها بغير حق‪ .‬وهنا تختلف شريعة اإلسالم‪ ،‬من القوانين الوضعية‪ ،‬ال<<تي‬
‫تقر الملكية المحرمة إذا مضى عليها زمن معين‪ ،‬مثل خمسة عشر عامًا‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فإن نظرية اإلسالم‬
‫أن مضى الزمن ال يجعل الحرام حال ً‬
‫ال‪ ،‬مادامت حرمته ثابتة ومعروفة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أال تتعارض مع مصلحة عامة للمجتمع‪ ،‬وإال نزعت من صاحبها بالرضا‪ ،‬أو ب<<القهر‪ ،‬وع<<وض‬
‫ال‪ .‬ألن مصلحة المجموع مقدمة على مصلحة الفرد‪ .‬وقد حدث في عهد عمر رض<<ي‬ ‫عنها تعويضًا عاد ً‬
‫اهلل عنه‪ ،‬أنه أراد توسعة المسجد الحرام‪ ،‬لما كثر الناس وضاق بهم‪ ،‬فاشترى بعض الدور المحدقة بهم‪،‬‬
‫<ا في‬
‫<رًا‪ ،‬وأدخله<‬
‫<ذها منهم قس<‬
‫وأبى أصحاب الدور األخرى أن يبيعوها‪ ،‬وأصروا على امتناعهم‪ ،‬فأخ<‬
‫<د‬
‫<دث في عه<‬ ‫<ك ح<‬ ‫المسجد‪ ،‬ووضع القيمة في خزانة الكعبة‪ ،‬حتى أخذها أصحابها بعد حين‪ .‬ومثل ذل<‬
‫عثمان رضى اهلل عنه‪ .‬وكذلك إذا قضت الضرورة أو الحاجة بتحديد موضع معين إلقامة مستش<<فى‪ ،‬أو‬
‫<ا‪،‬‬
‫مصنع أو مطار أو مدرسة‪ ،‬أو نحو ذلك مما فيه مصلحة عامة‪ ،‬فليس لصاحب الملك أن يرفض بيعه<‬
‫بثمن المثل‪ ،‬فإن أبى أجبره ولي األمر على القبول‪ ،‬بناء على حكم المحكمة المختصة التي تفص<<ل بين‬
‫الدولة والشعب في حالة النزاع‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫منع األفراد من تملك األشياء الضرورية للمجتمع‬
‫إن أبرز ما يميز بين النظم االقتصادية المختلفة‪ ،‬هو موقفها من الملكية الفردية‪ ،‬فالشيوعية تعادي المكية‬
‫< واالش<<تراكية ‪ -‬وبخاص<<ة‬ ‫الفردية على اإلطالق‪ ،‬إال في بعض األشياء التافهة‪ ،‬كاألمتعة والمنقوالت‪.‬‬
‫الثورية منها ‪ -‬ال تجيز ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬من األراضي والمصانع ونحوها‪ ،‬وتعمل على تأميمها‪ ،‬أي‬
‫مصادرتها من أيدي األفراد‪ ،‬ونقل ملكيتها إلى الدولة‪ ،‬ما استطاعت إلى ذلك سبي ً‬
‫ال‪ .‬والرأس<<مالية تف<<ر‬
‫الملكية في جميع األشياء‪ ،‬وال تكاد تفرض عليها قيودًا تحد من طغيان أربابها‪ .‬واإلسالم يق<<ف وس<<طًا‬
‫عد ً‬
‫ال‪ ،‬بين هذه األنظمة المتناقضة‪ ،‬فهو يجيز الملكية الفردية للعقارات والمنقوالت‪ ،‬ولوس<<ائل اإلنت<<اج‬
‫وغيرها‪ ،‬ولكنه يخرج من دائرة المكية الفردية كل األشياء الضرورية لجموع الناس‪ ،‬فأوجب أن يك<<ون‬
‫<هم‪،‬‬‫<ا ألنفس<‬
‫ملكها للجماعة‪ ،‬حتى ال يستبد بها فرد أو مجموعة أفراد‪ ،‬فيتحكموا فيها‪ ،‬ويحتكروا منافعه<‬
‫ويمنعوا سائر الناس عنها إال بعوض ال يستحقونه‪ ،‬وبهذا يقع الضرر على المجتمع كله‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذه الضروريات ما ذكره النبي (صلى اهلل عليه وسلم) بقوله‪ ( :‬الناس شركاء‪ ‬في ثالث‪ :‬الماء‬
‫والكأل والنار ) ‪ ،‬وزادت بعض األحاديث‪ :‬الملح‪ .‬فكل إنسان له حق االستفادة من هذه الموارد الطبيعية‪،‬‬
‫وال يجوز ألحد احتكارها‪ .‬وإنما خصت األحاديث هذه الثالثة أو األربعة بهذا الحكم‪ ،‬ألنها كانت أظه<<ر‬
‫الضروريات‪ ،‬في حياة البيئة العربية حين ذاك‪ ،‬ويمكن أن يقاس عليها ما هو مثلها في ضرورة الجماعة‬
‫إليه‪ .‬ولهذا يرى المالكية ‪ -‬في أشهر أقوالهم ‪ -‬أن المعادن المس<<تخرجة من ب<<اطن األرض ال يب<<اح‬
‫<از‬ ‫لألفراد أن يتملكوها‪ ،‬وإن ظهرت في أرض مملوكة ألحدهم‪ ،‬لئال تؤدى حاجة الجمهور إليها‪ ،‬واحتج<‬
‫اآلخرين لها‪ ،‬إلى أنواع من التظالم‪ ،‬والصراع الذي يزعزع كيان الجماعة المسلمة‪ .‬ومثل ذل<<ك عن<<د‬
‫الشافعية ‪ -‬كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت أو حجارة ظاهرة‪ ،‬في غير ملك ألحد‪ ،‬فليس ألح<<د‬
‫أن يحتجزه<<ا دون غ<<يره‪ ،‬وال لس<<لطان أن يمنعه<<ا لنفس<<ه‪ ،‬وال لخ<<اص من الن<<اس‪ .‬‬
‫< به‪ ،‬ويتوصل إليه من غير مؤونة كب<<يرة‪،‬‬ ‫وكذلك عند الحنابلة ‪ -‬كل معدن ظاهر ينتابه الناس وينتفعون‬
‫<لى اهلل‬
‫<بي (ص<‬ ‫ال يجوز ملكه وال تمليكه لألفراد‪ ،‬ألن فيه إضرارًا بالمسلمين وتضييقًا عليهم‪ ،‬وألن الن<‬
‫عليه وسلم) أقطع ( أبيض بن حمال ) معدن الملح‪ ،‬فلما قيل له إنه بمنزلة الماء العدّ‪ ،‬استرده منه‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫منع المالك من اإلضرار بغيره‬


‫<اس‪ ،‬وال‬‫على أن اإلسالم الذي أباح لألفراد أن يتملكوا بالحالل ما شاؤوا‪ ،‬مما ليس ضروريًا لجموع الن<‬
‫يضر الجماعة احتجاز بعض األفراد له‪ ،‬قد وضع قيودا على حق التملك‪ ،‬تضمن بقاءه في إطار مصلحة‬
‫المجتم<<<<<<<<<ع‪ ،‬وخدم<<<<<<<<<ة الح<<<<<<<<<ق والخ<<<<<<<<<ير‪ .‬‬
‫ومن هذه القيود منع المالك من اإلضرار بغيره‪ .‬ذلك أن حق التملك ال يمنح صاحبه حرية استخدام ملكه‬
‫كما يشاء ولو أضر باآلخرين‪ ،‬وإنما هو مقيد في ملكه بأال يسئ استعمال حقه‪ ،‬بما يؤدى إلى ضرر فرد‬
‫آخر‪ ،‬أو أفراد آخرين‪ ،‬أو ضرر عام بالمجتمع فهذا الضرر‪ ،‬والضرار حرام على المسلم الذي يف<<رض‬
‫دينه عليه أن يكون مصدرًا من مصادر النفع‪ ،‬ال عام ً‬
‫ال من عوامل الضرر‪ .‬قال عليه الصالة والسالم‪( :‬‬
‫<ل‬‫<ك من ك<‬ ‫<احب المل<‬‫ال ضرر وال ضرار )‪ ‬ومن حق الحاكم المسلم ‪ -‬بل ومن واجبه ‪ -‬أن يمنع ص<‬
‫تصرف أناني يؤدى إلى ضرر خاص أو عام ولو اقتضى ذلك نزع ملكه جزاء على تعسفه ومض<<ارته‬
‫<ار‬‫<ه من ثم<‬ ‫<انون أن<‬‫إذا لم يجد الحاكم عالجًا إال هذه الطريقة‪ .‬وهذا المبدأ الذي يظن بعض رجال الق<‬
‫العصر الحديث‪ ،‬قد طبقه النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬منذ أربعة عشر قرنًا‪ ،‬وطبق<<ه بع<<ده الخلف<<اء‬
‫<ه‪،‬‬‫الراشدون‪ .‬كان لسمرة بن جندب نخل في حائط بستان رجل من األنصار‪ ،‬فكان يدخل عليه هو وأهل<‬
‫<مرة‪،‬‬ ‫<اه من س<‬‫فيؤذى ذلك صاحب الحائط فشكا ذلك األنصاري لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ما يلق<‬
‫فقال النبي (صلى اهلل عليه وسلم) لسمرة‪ ( :‬بعه نخلك )‪ ‬فأبى‪ .‬قال‪ ( :‬فاقلعه )‪ - ‬أي لتغرسه في مك<<ان‬
‫آخر ‪ -‬فأبى‪ ،‬قال‪ ( :‬هبه لي ولك مثلها في الجنة ) فأبى‪ .‬ويبدو أنه فهم أن الرسول إنما يقول له ذلك من‬
‫باب اإلرشاد أو المصالحة‪ ،‬ال على سبيل اإللزام‪ .‬فقال له الرسول (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ( :‬أنت مضار‬
‫)‪ ،‬وقال لألنصاري‪ ( :‬اذهب فاقلع نخله )‪،‬ولم يبال الرسول بالضرر الصغير الذي يصيب سمرة بإزاء‪،‬‬
‫الضرر الكبير الذي يصيب صاحبه‪ ،‬من بقاء هذه النخالت القليلة في وسط بستانه‪ .‬لقد كان بوسع سمرة‬
‫أن يبيع لصاحبه نخالته المعدودات‪ ،‬ويأخذ عنها العوض العادل‪ ،‬وكان بوسعه أن يقلعها‪ ،‬ليغرس<<ها في‬
‫موضع آخر‪ ،‬ال يؤذى فيه أحدًا‪ ،‬ولكنه تعنت وأبى أن يريح صاحبه بطريقة وديّة‪ ،‬فلم يس<<ع الرس<<ول‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) إال أن يحكم عليه بقلع نخله‪ ،‬رضى أو سخط‪ .‬وفى عهد عمر‪ ،‬كان للضحاك بن‬
‫خليفة األنصاري أرض‪ ،‬ال يصل إليها الماء‪ ،‬إال إذا مر بأرض محمد بن مسلمة‪ ،‬ف<<أراد الض<<حاك أن‬
‫يحفر خليجًا يوصل إليها الماء‪ ،‬فأبى محمد‪ ،‬فشكاه الضحاك إلى عمر‪ ،‬فدعا محمد بن مسلمة‪ ،‬وكلمه في‬
‫األمر‪ ،‬فأصر على موقفه‪ ،‬فقال له‪ ( :‬لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع‪ ،‬تسقي أو ً‬
‫ال وآخرًا‪ ،‬وه<<و ال‬
‫يضرك ) ؟‪ ‬فقال محمد‪ :‬ال واهلل‪ .‬فقال له عمر‪ ( :‬واهلل ليمرن ولو على بطنك )‪ .‬وأمر الضحاك بالتنفيذ‪.‬‬
‫ومن هنا تقرر أن صاحب الملك ال يجوز له التعنت مع جيرانه وشركائه‪ ،‬ومن لهم عالقة بملكه بدعوى‬
‫أنه حر التصرف فيما يملك‪ ،‬فإن هذه الحرية مق ّي دة بمبدأ‪( :‬ال ضرر وال ضرار)‪ .‬ومن الضرار أن يمنع‬
‫منفعة لغيره ال يناله من ورائها ضرر‪ ،‬فقد نهى عن ذلك الرسول الكريم‪ ( :‬ال يمنعن ج<<ار ج<<اره أن‬
‫يغرز خشبة في جداره )‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫تنمية المال بما ال يضر األخالق والمصلحة العامة‬


‫ويدعو اإلسالم أرباب األموال إلى تنمية أموالهم وتثميرها‪ ،‬وينهاهم عن تجميدها وتعطيلها‪ ،‬فال يج<<وز‬
‫لصاحب األرض أن يعطل أرضه من الزراعة‪ ،‬إذا كان المجتمع في حاجة إلى م<<ا تخرج<<ه من زرع‬
‫وثمر‪ ،‬ومثل ذلك صاحب المصنع‪ ،‬الذي يحتاج الناس إلى منتجاته‪ ،‬وهو مناف لمبدأ (االستخالف )‪.‬‬

‫<روعات‬‫وكذلك ال يجوز ألرباب النقود كنزها وحبسها عن التداول‪ ،‬مع حاجة األمة إلى توظيفها في مش<‬
‫نافعة‪ ،‬تمتص عددًا من العاطلين‪ ،‬وتنعش الحركة االقتصادية‪ ،‬وترفع من مستوى المعيشة‪ ،‬وال عجب أن‬
‫<‬
‫أنذر القرآن الكافزين األنانيين بهذا الوعيد الشديد‪ ،‬فقال‪ ( :‬والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونه<<ا‬
‫في سبيل اهلل فبشرهم بعذاب أليم‪ ،‬يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم‪،‬‬
‫هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )‪.‬‬

‫ولكن اإلسالم يقيد مالك المال في تثميره وتنميته‪ ،‬بالطرق المشروعة‪ ،‬التي ال تتنافى مع األخالق والقيم‬
‫العليا‪ ،‬وال مع المصلحة االجتماعية‪ ،‬إذ ال انفصال في اإلسالم بين االقتصاد واألخالق‪ ،‬فليس رأس المال‬
‫<اؤون‪ .‬من‬ ‫حرًا كما هو في الرأسمالية‪ ،‬وكما زعم قوم شعيب قديمًا‪ :‬أن لهم أن يفعلوا في أموالهم ما يش<‬
‫حرم اإلسالم الوسائل اآلتية في تثمير رأس المال‪:‬‬
‫أجل ذلك ّ‬

‫(أ)‪ ‬الرب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا‪:‬‬
‫ففيه يستغل المرابي حاجة المستقرض إلى المال‪ ،‬ويفرض عليه زيادة يأخذها بغير مقابل من جه<<د وال‬
‫<ادحين‬‫<اء الك<‬
‫<ذي يمتص دم<‬ ‫مخاطرة‪ ،‬فيزداد الغني غنى‪ ،‬والفقير فقيرًا‪ ،‬وتوجد طبقة أشبه بالعلق ‪ ,‬ال<‬
‫والعاملين‪ ،‬فهي ال تعمل شيئًا‪ ،‬ولكن تعود إليها ثمرات كل شئ‪ ،‬وبهذا تتسع الف<<روق االقتص<<ادية بين‬
‫الطبقات‪ ،‬وتتأجج نار الحقد والصراع والبغضاء‪ .‬لهذا شدد اإلسالم في تحريم الربا‪ ،‬وجعله من الكب<<ائر‬
‫< وتوعد عليه بأعظم الوعيد‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وذروا ما بقى من الرب<<ا إن كنتم‬ ‫والموبقات‪،‬‬
‫مؤمنين‪ ،‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اهلل ورسوله )‪ .‬ولعن رسول اإلسالم (صلى اهلل عليه وسلم) آكل‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه‪.‬‬

‫(ب)‪ ‬االحتك<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ار‪:‬‬
‫فقد جاء في الحديث الصحيح‪ ( :‬ال يحتكر إال خاطئ )‪ ‬أي آثم‪ ،‬وفى حديث آخر رواه أحمد‪ ( :‬من احتكر‬
‫<نى‬ ‫طعامًا أربعين يوما فقد برئ من اهلل وبرئ اهلل منه)‪ .‬وإنما جاء هذا الوعيد‪ ،‬ألن المحتكر يريد أن يب<‬
‫<د إلى‬‫<انير ترت<‬
‫نفسه على أنقاض اآلخرين‪ ،‬وال يهمه جاع الناس أو عروا‪ ،‬ما دام في ذلك دراهم أو دن<‬
‫<ذا روى في‬ ‫خزانته‪ ،‬وكلما رأى الناس أشد حاجة إلى سلعته زاد في إخفائها‪،‬واشتد سروره بغالئها‪ ،‬وله<‬
‫الحديث‪ ( :‬بئس العبد المحتكر‪ ،‬إن سمع برخص ساءه‪ ،‬وإن سمع بغالء فرح)‪ .‬وقد اختلف الفقه<<اء في‬
‫تحديد األشياء التي يحرم احتكارها‪ ،‬أهي األقوات ؟ أم هي كل ما هو ضروري للناس؟ والصحيح ما قاله‬
‫اإلمام أبو يوسف‪ ( :‬كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار)‪.‬‬

‫(ج)‪ ‬الغش‪:‬‬
‫في أي صورة من صوره‪ ،‬وفى الحديث‪ ( :‬من غش فليس منا)‪ ( ،‬البيعان بالخيار ما لم يتفرق<<ا‪ ،‬ف<<إن‬
‫<ل‬‫<ف الكي<‬‫<ا )‪ .‬ومن الغش تطفي<‬ ‫صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما‪ ،‬وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهم<‬
‫والوزن‪ ،‬الذي أنزل اهلل فيه قرآنا يتلى‪ ( :‬ويل للمطففين‪ ،‬الذين‪ ‬إذا اكتالوا على الن<<اس يس<<توفون‪ ،‬وإذا‬
‫<إخالص‬ ‫<ه ب<‬‫كالوهم أو وزنوهم يخسرون )‪ .‬وقد ذكر القرآن قصة شعيب مرات عديدة وهو يدعو قوم<‬
‫وإصرار‪ ( :‬أوفوا الكيل وال تكونوا من المخسرين‪ ،‬و وزنوا بالقسطاس المستقيم)‪.‬‬

‫(د)‪ ‬التجارة في المحرمات‪:‬‬

‫كالخمر والمخدرات والخنزير واألدوات المحرمة‪ ،‬كأواني الذهب والفضة‪ ،‬واألصنام والتماثيل‪ ،‬واألغذية‬
‫حرم ثمنه‪.‬‬
‫حرم شيئًا ّ‬
‫الفاسدة‪ ،‬فإن اهلل إذا ّ‬

‫(هـ)‪ ‬وكل ما يتنافى مع الخلق الكريم‪، ‬أو يبعد عن الدين القويم‪ ،‬أو يضر بصالح المجتمع‪ ،‬فهو منك<<ر‬
‫يحاربه اإلسالم‪ ،‬ويرفضه االقتصاد اإلسالمي‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫تحقيق االكتفاء الذاتي لألمة‬


‫ومن القواعد الهامة في االقتصاد اإلسالمي‪ :‬العمل على تحقيق االكتفاء الذاتي لألمة‪ .‬بمعنى أنه<<ا يجب‬
‫<ا يفي‬ ‫<ادرة على أن تنتج م<‬ ‫<ا ق<‬
‫<ا يجعله<‬ ‫أن يكون لديها من الخبرات والكفايات والوسائل واألدوات‪ ،‬م<‬
‫بحاجاتها المادية والمعنوية‪ ،‬ويسد ثغراتها المدنية والعسكرية‪ ،‬عن طريق ما يسميه الفقه<<اء (ف<<روض‬
‫الكفاية) ‪ ،‬وهى تشمل كل علم أو عمل أو صناعة أو مهارة يقوم بها أمر الن<<اس في دينهم أو دني<<اهم‪،‬‬
‫فالواجب عليهم حينئذ تعلمها وتعليمها وإتقانها حتى ال يكون المسلمون عالة على غيرهم‪ ،‬وال يتحكم فيهم‬
‫<تي كتب اهلل لهم في‬ ‫<زة ال<‬
‫<ق لهم الع<‬
‫سواهم من األمم األخرى‪ .‬وبغير هذا االستغناء واالكتفاء لن يتحق<‬
‫<ا‬‫<و م<‬ ‫كتابه‪ ( :‬وهلل العزة‪ ‬ولرسوله والمؤمنين )‪ .‬وبغيره لن يتحقق لهم االستقالل والسيادة الحقيقية‪ ،‬وه<‬
‫ً‬
‫ذك<<<<ره الق<<<<رآن‪ :‬ولن يجع<<<<ل اهلل للك<<<<افرين على المؤم<<<<نين س<<<<بيال )‪( .‬‬
‫ولن يتحقق لهم مكان األستاذية والشهادة على األمم‪ ،‬وهو المذكور في قوله سبحانه‪( :‬وكذلك جعلناكم أمة‬
‫وس<<<طًا لتكون<<<وا ش<<<هداء ع<<<ل الن<<<اس ويك<<<ون الرس<<<ول عليكم ش<<<هيدًا)‪ ‬‬
‫فال عزة ألمة يكون سالحها من صنع غيرها‪ ،‬يبيعها منه ما يشاء‪ ،‬متى يشاء‪ ،‬بالشروط ال<<تي يش<<اء‪،‬‬
‫أنى شاء‪ ،‬وكيف يشاء‪ .‬وال سيادة حقيقية ألمة تعتمد على خبراء أجانب عنها في أخص‬ ‫ويكف يده عنها ّ‬
‫أمورها‪ ،‬وأدق شؤونها‪ ،‬وأخطر أسرارها‪ .‬وال استقالل ألمة ال تملك زراعة قوتها شفى أرضها‪ ،‬وال تجد‬
‫الدواء‪ ،‬لمرضاها‪ ،‬وال تقدر على النهوض بصناعة ثقيلة‪ ،‬إال باستيراد اآللة والخ<<برة من غيره<<ا‪ .‬وال‬
‫أستاذية ألمة‪ ،‬ال تستطيع أن تبلغ دعوتها عن طريق الكلمة المقروءة أو المسموعة‪ ،‬أو المصورة المرئية‬
‫إال بشرائها من أهلها القادرين عليها‪ .‬ما دامت ال تصنع مطبعة‪ ،‬وال محطة إذاعة وال تلفاز‪ ،‬وال أقمارًا‬
‫صناعية‪.‬‬

‫ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبيل االكتفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء‬
‫وإنما يتم ذلك االكتفاء بعدة أمور نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫ضرورة التخطيط‬ ‫‪‬‬

‫تهيئة الطاقاتـ البشرية وحسن توزيعها‬ ‫‪‬‬

‫حسن استغالل الموارد المتاحة‬ ‫‪‬‬

‫التنسيق بين فروع االنتاج‬ ‫‪‬‬

‫تشغيل الثروة النقدية‬ ‫‪‬‬

‫ضرورة التخطيط‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ال بد من التخطيط القائم على اإلحصاء الدقيق‪ ،‬واألرقام الحقيقية‪ ،‬والمعرفة الالزمة بالحاج<<ات‬ ‫‪.1‬‬
‫المطلوبة ومراتبها ومدى أهميتها‪ ،‬واإلمكانات الموجودة‪ ،‬ومدى القدرة على تنميتها‪ ،‬والوس<<ائل‬
‫الميسورة لتلبية الحاجات‪ ،‬والتطلع إلى الطموحات‪.‬‬

‫وقد ذكر لنا القرآن الكريم نموذجًا من التخطيط امتد لخمسة عشر عامًا‪ ،‬قام به رسول كريم من رس<<ل‬
‫<تهالك‬‫<ار واالس<‬
‫<اج واالدخ<‬
‫<مل اإلنت<‬
‫اهلل‪ .‬هو يوسف الصدّيق عليه السالم‪ ،‬وبهذا التخطيط ‪ -‬الذي ش<‬
‫والتوزيع ‪ -‬واجه أزمة المجاعة‪ ،‬والسنوات العجاف التي حلت بمصر‪ ،‬وما حولها‪ .‬كما قص ذلك علينا‬
‫القرآن الكريم في سورة يوسف‪.‬‬

‫أعلى‬

‫تهيئة الطاقات البشرية وحسن توزيعها‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<ات‬‫<ات والكفاي<‬‫<ا الطاق<‬ ‫يجب على األمة أن تطور نظامها التعليمي والتدريبي‪ ،‬بحيث يهيئ له<‬ ‫‪.2‬‬
‫البشرية المتنوعة في كل مجال تحتاج إليه‪ ،‬وأن تطور نظامها اإلداري والمالي بحيث تنمي هذه‬
‫<ه‬
‫<داء بقول<‬‫<دل‪ ،‬اهت<‬ ‫<ات بالع<‬‫<تى االختصاص<‬ ‫<ا على ش<‬ ‫الطاقات‪ ،‬وتحسن تجنيدها‪ ،‬وتوزيعه<‬
‫< في ال<<دين‬‫تعالى‪ ( :‬وما كان المؤمنون لينفروا كافة‪ ،‬فوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا‬
‫ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )‪ ، ‬وملء الثغرات التي تهمل ‪ -‬عادة أو غفل<<ة‬
‫‪ -‬بالحوافز أو بااللتزام‪ .‬ووضع كل إنسان في الكان المناسب له‪ ،‬والحذر من إسناد األمر لغير‬
‫أهله‪ ( :‬إذا وسد األمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )‪  .‬ومن ثم كان حرص اإلسالم على الثروة‬
‫البشرية‪ ،‬والمحافظة عليها والعمل على تنميتها‪ :‬جسميًا وعقليًا وروحيًا وعلميًا ومهنيًا‪ ،‬وك<<انت‬
‫الموازنة بين الدين والدنيا دون طغيان أو إخسار‪.‬‬

‫أعلى‬

‫حسن استغالل الموارد المتاحة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<ة‬‫<ا‪ ،‬والمحافظ<‬‫حسن استغالل الموارد االقتصادية واإلمكانات المادية‪ ،‬بحيث ال نهدر شيئا منه<‬ ‫‪.3‬‬
‫عليها باعتبارها أمانة يجب أن ترعى‪ ،‬ونعمه يجب أن يشكر اهلل تع<<الى باس<<تخدامها أحس<<ن‬
‫استخدام‪ ،‬وأمثله‪ .‬ومن أجل هذا لفت القرآن أفكارنا إلى ما سخر اهلل لن<<ا مم<<ا في الس<<موات‬
‫واألرض ء وما في البر والبحر‪ .‬وحمل بشدة على الذين يهدرون أجزاء من الثروة الحيواني<<ة‪،‬‬
‫<تراء على اهلل‪،‬‬
‫< ما أنزل اهلل بها من سلطان‪ ،‬فحرموا ما رزقهم اهلل اف<‬
‫أو الزراعية اتباعًا ألقاويل‬
‫وناقشت ذلك سوره (األنعام) مناقشة مفصله‪ ( :‬وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ال يطعمها إال من‬
‫حرمت ظهورها وأنعام ال يذكرون اسم اهلل عليها افتراء عليه‪ ،‬س<<يجزيهم‬ ‫نشاء بزعمهم وأنعام ّ‬
‫وحرم<<وا م<<ا‬‫بما كانوا يفترون )‪ .‬إلى أن قال‪ ( :‬قد خسر الذين قتلوا أوالدهم سفهًا بغير علم ّ‬
‫رزقهم اهلل افتراء على اهلل‪ ،‬قد ضلوا وما كانوا مهتدين )‪ .‬ونبه الرسول الك<<ريم على وج<<وب‬
‫< بأي مادة خام‪ ،‬وعدم إهدارها وتضييعها‪ ،‬وإن استهان الناس بها‪.‬‬ ‫االنتفاع‬

‫<ذتم‬
‫<ال‪ ( :‬هال أخ<‬ ‫فقد مر على شاة ميتة‪ ،‬فسأل عنها فقالوا‪ :‬إنها شاة لموالة لميمونة ( أم المؤمنين‪ ) ‬فق<‬
‫إهابها فانتفعتم به ؟‪.‬إنما حرم أكلها )‪ .‬بل إن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ليحذر من التفريط ح<<تى في‬
‫<ق‬‫اللقمة تسقط من آكلها‪ ،‬فينبغي أن يميط عنها األذى ويأكلها‪ ،‬وال يدعها للشيطان‪ .‬كما ينبغي له أن يلع<‬
‫<بي‬‫<ه الن<‬
‫<ا‪ :‬توجي<‬‫الصحفة أو يلعقها‪ ،‬وال يدع الفضالت تلقى في القمامات‪ .‬ومما يجدر التنبيه عليه هن<‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) إلى زراعة األرض لمن يقدر أن يزرعها بنفسه‪ ،‬أو بإمارتها لمسلم آخر يستطيع‬
‫أن يزرعها‪ .‬وفى هذا جاء الحديث‪ ( :‬من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه )‪ .‬وإذا تيس<<ر ل<<ه‬
‫<ك األرض والفالح‬ ‫<اون بين مال<‬‫<اب التع<‬ ‫المزارعة عليها بجزء شائع من غلتها فهو حسن أيضًا‪ ،‬من ب<‬
‫<لم)‬
‫المزارع‪ ،‬أشبه بالمضاربة التي يعاون فيها رأس المال والجهد‪ .‬وقد زارع النبي (صلى اهلل عليه وس<‬
‫اليهود على أرض خيبر بالشطر مما يخرج منها‪ .‬وقال عمر بن عبد العزيز‪ ( :‬زارع<<وا على األرض‬
‫<ه‬
‫<لى اهلل علي<‬
‫بنصفها‪ ،‬بثلثها‪ ،‬بربعها … إلى عشرها‪ ،‬وال تدعوا األرض خرابًا )‪ .‬وأنكر الرسول (ص<‬
‫<ا رب‪:‬‬
‫<ائال ‪( :‬ي<‬
‫وسلم) بشدة على من قتل عصفورًا عبثًا‪ ،‬وأخبر أنه سيشكو إلى اهلل قاتله يوم القيامة ق<‬
‫قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة )‪.‬‬

‫<وز‬‫<ة‪ ،‬فال يج<‬ ‫< كل المباحات التي يعمل عليها بالصيد ونحوه‪ ،‬من ثروة برية أو بحري<‬‫ويلحق بالعصفور‬
‫<ديث‬‫العبث بها وال المساس بها بغير ما فيه منفعة المسلمين‪ .‬كما أنكر النبي عليه الصالة والسالم في ح<‬
‫ال ركب بقرة‬ ‫آخر‪ :‬استخدام الشيء في غير ما خلق له بالفطرة أو بالعادة‪ .‬فقد جاء في الصحيح‪ :‬أن رج ً‬
‫فتكلمت‪ ،‬فقالت‪ :‬ما لهذا خلقت ! إنما خلقت للحرث‪ .‬فهل تكلمت بلسان الحال‪ ،‬وقد يكون ابلغ من لس<<ان‬
‫المقال ؟ أو هو كالم حقيقي من باب الخوارق وهو الظاهر من سياق الحديث‪ ،‬وما ذلك على اهلل بعزيز‪.‬‬
‫المهم هنا ما يشير إليه الحديث من الحث على استخدام الشيء فيما خلق له ‪.‬‬

‫ويحسن بنا ها أن نشير إلى قوله تعالى في الوصية بمال اليتيم ‪ ( :‬وال تقربوا مال اليتيم إال ب<<التي هي‬
‫<رب‬ ‫<ا أن نق<‬
‫أحسن حتى يبلغ أشده)‪ .‬وقد تكرر ذلك في القرآن بهذه الصيغة نفسها‪ ،‬فلم يكتف القرآن من<‬
‫<تيم‬
‫<ال الي<‬
‫<ة م<‬‫<ان لتنمي<‬
‫مال اليتيم بطريقة حسنة وحسب‪ ،‬بل بالتي هي أحسن‪ ،‬فإذا كانت هناك طريقت<‬
‫والمحافظة عليه‪ :‬إحداهما حسنة جيدة‪ ،‬واألخرى أحسن منها وأجود‪ ،‬كان الواجب علينا أن نستخدم التي‬
‫هي أحسن وأجود‪ ،‬بل حرام علينا أال نستخدم إال التي هي أحسن‪ ،‬كما هو مفهوم التعبير بالنهي وأسلوب‬
‫القصر‪ .‬ومال األمة في مجموعه أشبه بمال اليتيم‪ ،‬والدولة التي ترعاه ومؤسساتها المسؤولة عنه أش<<به‬
‫<ل‬‫<ر أك<‬ ‫<تغنى اس< ّ‬
‫<تعف‪ ،‬وان افتق<‬ ‫<تيم‪ :‬إن اس<‬ ‫بولي اليتيم‪ ،‬كما شبه عمر نفسه مع بيت المال بولي الي<‬
‫بالمعروف‪ .‬ولهذا يجب أن نحافظ عليه وننميه بالتي هي أحسن‪.‬‬

‫أعلى‬

‫التنسيق بين فروع االنتاج‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<ة‪،‬‬
‫ومن الالزم هنا ‪ -‬لكي تكتفي األمة إكتفاء ذاتيًا ‪ -‬أن يتم التنسيق بين جوانب اإلنتاج المختلف<‬ ‫‪.4‬‬
‫فال يطغى فرع على فرع‪ ،‬وال يهمل جانب لحساب جانب آخر‪ ،‬فال يجسن أن توجه العناية إلى‬
‫ال ‪ ،‬في حين يهمل أمر الصناعة‪ ،‬أو العكس‪ ،‬أو يوجه التعليم لتخريج أطباء‪ ،‬وينسى‬ ‫الزراعة مث ً‬
‫المهندسون‪ ،‬أو العكس‪ ،‬أو يهتم بالهندسة المدنية أو الميكانيكية‪ ،‬وتغفل الهندسة اإللكتروني<<ة أو‬
‫<ة‪،‬‬
‫<وانب العملي<‬ ‫<ل الج<‬‫<ة‪ ،‬وتغف<‬
‫النووية‪ ..‬أو يعنى بالجوانب النظرية‪ ،‬والكفايات العقلية العالي<‬
‫والمهارات اليدوية‪ ،‬والخبرات المتوسطة والدنيا … وهكذا ‪.‬‬

‫<ص‬
‫<ل تخص<‬
‫لهذا أكدنا ضرورة التخطيط القائم على الدراسة واإلحصاء لمعرفة حاجات المجتمع من ك<‬
‫للعمل على تلبيتها‪ ،‬والتعرف على أوجه النقص الستكمالها‪.‬‬

‫وفي حديث‪ ( :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬ورميتم بالزرع‪ ،‬وتبعتم أذناب البقر‪ ،‬وتركتم الجهاد في سبيل اهلل‪ .‬سلط‬
‫ال ال ينزعه عنكم‪،‬حتى تراجعوا دينكم‪ ،) ‬ما يشير إلى أن االكتفاء بالزراعة وح<<دها‪ ،‬وم<<ا‬ ‫اهلل عليكم ذ ً‬
‫<ا‬
‫<بيل اهلل وم<‬
‫يتبعها من اإلخالد إلى الحياة الخاصة المعبر عنها باتباع أذناب البقر‪ ،‬وترك الجهاد في س<‬
‫<وع من‬‫<اج إلى ن<‬‫<رورة يحت<‬ ‫يتطلبه من إعداد القوة‪ ،‬يعرض األمة لخطر الذل واالستعمار‪ ،‬وهذا بالض<‬
‫الصناعات ال بد أن يتوافر في األمة‪ ،‬إذ ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬

‫وحسب المؤمنين هنا أن اهلل أنزل عليهم سورة سميت( سورة الحديد ) تنبيهًا على أهمية ه<<ذا المع<<دن‬
‫<ارة‬
‫الخطير‪ ،‬وقال فيها‪ ( : ‬وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)‪.‬ففي قوله‪ ( :‬فيه بأس شديد )‪ ‬إش<‬
‫إلى الصناعات الحربية‪ ،‬وفى وقوله‪ ( :‬ومنافع للناس )‪ ‬إشارة إلى الصناعات المدنية‪ .‬وبهذا تكتمل ق<<وة‬
‫األمة في سلمها وحربها‪ .‬وإن كان الذي يؤسف له‪ :‬أن أمة سورة الحديد لم تتقن صناعة الحدي<<د‪ ،‬ال في‬
‫المجال العسكري‪ ،‬وال في المجال المدني ! ويجب في ميدان اإلنتاج تقديم األهم على المهم‪ ،‬والمهم على‬
‫غير المهم‪ .‬أو ‪ -‬على حد تعبير األصوليين ‪ -‬تقديم ( الضروريات ) التي ال تقوم الحياة إال به<<ا‪ ،‬على‬
‫(الحاجيات) التي تكون الحياة بدونها شاقة وعسيرة‪ ،‬وتقديم ( الحاجيات) على (التحسينات)‪ ،‬أو ما نسميه‬
‫<اء‬
‫بلغة العصر ( الكماليات )‪ .‬فال يجوز لمجتمع أن يزرع الفواكه الغالية الثمن‪ ،‬التي ال تهم غير األثري<‬
‫والمترفين‪ ،‬في حين يهمل زراعة القمح أو الذرة أو األرز‪ ،‬التي هي القوت اليومي للجماهير‪ .‬وال يجوز‬
‫<ناعة أدوات‬‫<ة إلى ص<‬ ‫<ه الهم<‬ ‫<اج) في حين ال تتج<‬ ‫االهتمام بصناعة العطور وأدوات الزينة و (المكي<‬
‫الزراعة‪ ،‬أو الري‪ ،‬أو السيارات‪ ،‬أو صناعة السالح الضروري للدفاع عن الحوزة‪ .‬أما إنتاج ما يض<<ر‬
‫<ل‬‫<رعًا‪ .‬مث<‬‫<ور ش<‬ ‫بالفرد أو بالمجتمع‪ ،‬ماديًا أو معنويًا‪ ،‬جسميًا أو روحيًا‪ ،‬فهو مرفوض حتمًا‪ ،‬ومحظ<‬
‫<درات‪ ،‬أو‬ ‫<ادر المخ<‬‫<يره من مص<‬ ‫زراعة الكروم لتعصر خمرًا‪ ،‬أو زراعة الخشخاش أو الحشيش وغ<‬
‫زراعة التبغ أو القات ونحوها‪ ،‬مما فيه استخدام نعم اهلل تعالى في معصية اهلل أو ضرر خلقه‪.‬‬

‫أعلى‬

‫تشغيل الثروة النقدية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<ة‪،‬‬‫<ة الحرك<‬ ‫<نز) إلى باح<‬‫<النقود من قمقم (الك<‬ ‫ومن الواجب على المجتمع المسلم‪ :‬أن يخرج ب<‬ ‫‪.5‬‬
‫والعمل‪ ،‬فإن النقود لم تخلق لتحبس وتكتنز‪ ،‬إنما خلقت لتتداول‪ ،‬وتتقل من يد إلى يد‪ :‬ثمنًا لبيع‪،‬‬
‫أو أجرًا لعمل‪ ،‬أو عين ينتفع بها‪ ،‬أو رأس مال لشركة أو مضاربة‪ ،‬فهي وسيلة ألغراض شتى‪،‬‬
‫وليست هي فرضًا في ذاتها‪ .‬وال يجوز أن يحولها الناس إلى وثن يعبدونه ويطوفون به‪ ،‬فه<<ذا‬
‫سبب التعاسة والشقاء‪ ( :‬تعس عبد الدينار‪ ،‬تعس عبد الدرهم )‪ .‬ولقد تحدث اإلمام الغزالي في (‬
‫اإلحياء ) عن وظيفة النقود في الحياة االقتصادية‪ ،‬حديثًا سبق به فالسفة االقتصاد في العص<<ر‬
‫الحديث‪ .‬فقد ذكر أن اهلل تعالى خلق الدراهم والدنانير ( يعنى النقود ) لتتداولهما األيدي‪ ،‬وليكونا‬
‫حاكمين متوسطين بين األموال بالعدل‪ .‬ولحكمة أخرى‪ ،‬وهى‪ :‬التوسل بهما إلى سائر األش<<ياء‪،‬‬
‫<دة ‪ ,‬فمن‬ ‫ألنهما عزيزان في أنفسهما‪ ،‬وال غرض في أعيانهما‪ ،‬ونسبتهما إلى سائر األشياء واح<‬
‫ملكها فكأنه ملك كل شئ‪ ،‬ال كمن ملك ثوبًا فإنه لم ملك إال الثوب … فكل من عمل فيهما عمالً‬
‫ال يليق بالحكم بل يخالف الغرض المقصود بالحكم ( أي بين األموال ) فقد كفر نعمة اهلل فيهما‪.‬‬
‫فإذن من كنزهما فقد ظلمهما‪ ،‬وأبطل الحكمة فيهما‪ ،‬وكان كمن حبس حاكم المسلمين في س<<جن‬
‫يمتنع عليه الحكم بسببه … فأخبر اهلل تعالى الذين يعجزون من قراءة األسطر اإللهية‪ ،‬المكتوبة‬
‫على صفحات الموجودات‪ ،‬بكالم سمعوه حتى وصل إليهم المعنى بواسطة الحرف والص<<وت‪،‬‬
‫فقال تعالى‪ ( :‬والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل اهلل‪ ،‬فبشرهم بع<<ذاب أليم)‪.‬‬
‫وقد فرض اهلل الزكاة على النقود في كل حول‪ ،‬نماما مالكها أم لم ينمها‪ ،‬لتكون حافزًا قويًا يدفعه‬
‫إلى تنميتها وتحريكها‪ ،‬حتى ال تأكلها الزكاة بمرور األعوام‪ .‬وهذا ما أمر به الحديث األوصياء‬
‫<ا‬‫<تى ال تأكله<‬ ‫<ا ح<‬
‫على أموال اليتامى أمرًا صريحًا‪ :‬أن يبتغوا في أموال اليتامى ويتجروا فيه<‬
‫الزكاة‪.‬‬

‫أعلى‬
‫إلى الفهرس‬

‫االعتدال في اإلنفاق‬
‫ومما يتمم ما ذكرناه‪ :‬ما عنى به اإلسالم من ترشيد االستهالك‪ ،‬والحث على االعتدال في اإلنفاق‪ ،‬وهو‬
‫<ك‬‫<ان بين ذل<‬ ‫ما وصف اهلل به عباد الرحمن المقربين إليه‪ ( :‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وك<‬
‫<ك وال‬‫<ة إلى عنق<‬‫<دك مغلول<‬ ‫قوامًا )‪ .‬وما أمر به في وصايا الحكمة من سورة اإلسراء‪ ( :‬وال تجعل ي<‬
‫تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا )‪ .‬ويتحتم ذلك ويتأكد إذا قلت الموارد كم<<ا في أي<<ام القح<<ط‬
‫والمجاعات‪ ،‬وهو ما أشار إليه القرآن في قصة يوسف‪ ،‬من تقليل االستهالك في السنوات السبع الخصبة‬
‫<ل‬‫<أكلون )‪ .‬ثم تقلي<‬
‫<ا ت<‬
‫ال مم<‬‫<نبله إال قلي ً‬
‫حتى يكون هناك مجال لالدخار‪ ( :‬فما حصدتم فذروه في س<‬
‫االستهالك مرة أخرى في السنوات السبع العجاف‪ ،‬بحكم الضرورة وتوزيع المدخر على سنوات األزمة‬
‫ال مما تحص<<نون )‪ ،‬وفى التعب<<ير‬ ‫جميعًا‪ ( :‬ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتهم لهن إال قلي ً‬
‫بقوله‪ ( :‬ما قدمتم لهن)‪  ‬ما يدل على أن ما يستهلك إنما يتم بحساب وتقدير‪ ،‬فهم الذين يقدمون‪ ،‬وهذا دليل‬
‫القصد‪.‬‬

‫وقد هم أمير المؤمنين عمر الفاروق في عام المجاعة‪ ،‬أن يضيف إلى كل بيت عندهم بقاي<<ا الخص<<ب‬
‫<اف‬‫<ون على أنص<‬ ‫<اس ال يهلك<‬ ‫<ال‪( :‬إن الن<‬
‫<واردهم‪ ،‬وق<‬ ‫مثلهم في العدد‪ ،‬ممن ساء حالهم‪ ،‬ونضبت م<‬
‫<نين يكفي‬‫<ام االث<‬
‫<نين‪ ،‬وطع<‬ ‫<د يكفى االث<‬ ‫<ام الواح<‬
‫بطونهم )‪ .‬وهو ما أومأ إليه الحديث النبوي‪ ( :‬طع<‬
‫األربعة )‪ .‬إن قاعدة ( االستخالف ) التي ذكرناها من قبل تجعل المسلم مقيدًا في استهالكه وإنفاقه للمال‪،‬‬
‫كما قيدته في تثميره وتنميته‪ .‬إن اإلسالم ال يحرم على المسلم طيبات الحياة‪ ،‬كما حرمتها بعض الديانات‬
‫<رم‬‫والفلسفات‪ ،‬كالبرهمية الهنديه‪ ،‬والمانوية الفارسية‪ ،‬والرواقية اليونانية‪ ،‬والرواقية النصرانية‪ .‬إنما يح<‬
‫< تعالى‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تحرموا طيبات‬‫االعتداء في االستمتاع بها‪ ،‬أو اإلسراف في تناولها‪ .‬يقول‬
‫<كين‬
‫<ه والمس<‬ ‫< عز وجل‪ ( :‬وآت ذا القربى حق<‬ ‫ما أحل اهلل لكم وال تعتدوا‪ ،‬إن ال يحب المعتدين)‪ .‬ويقول‬
‫وابن السبيل وال تبذر تبذيرًا‪ ،‬إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين‪ ،‬وكان الشيطان لربه كفورًا)‪ . ‬والفرق‬
‫بين التبذير واإلسراف‪ :‬أن اإلسراف تجاوز الحد في الحالل‪ ،‬والتبذير‪ :‬اإلنفاق في الحرام‪ ،‬ول<<و ك<<ان‬
‫درهمًا واحدًا‪.‬‬

‫ومن هنا يجب مراعاة المبادئ التالية في النفقة‪:‬‬

‫اإلنفاق على النفس واألهل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫(أ)‪ ‬فال يجوز لصاحب المال أن يغل يده عن اإلنفاق الواجب على نفسه وأهله ش<<حًا وبخ ً‬
‫ال‪ ،‬أو تقش<<فًا‬
‫وتزهدًا‪،‬فاإلسالم ينهى عن الشح ويحذر منه‪ ،‬ويجعله مصدرًا لفساد ع<<ريض‪ ،‬وفي الح<<ديث ‪(:‬إي<<اكم‬
‫<رهم‬ ‫<وا‪ ،‬وأم<‬‫<ل فبخل<‬‫<رهم بالبخ<‬
‫والشح‪ ،‬فإنما هلك من كان قبلكم بالشح‪ :‬أمرهم بالقطيعة فقطعوا‪ ،‬وأم<‬
‫بالفجور ففجروا)‪.‬كما يهيئ من الرهبة وتحريم المتعة الحالل‪ ،‬ويسمى المالبس الجميلة ونحوها‪( :‬زين<<ة‬
‫اهلل التي أخرج لعباده )‪ .‬كما يسمى المآكل والمشارب‪ :‬الطيبات من الرزق‪ .‬وهى تسمية يكنى به<<ا عن‬
‫المدح والرضا‪ ،‬وينكر أشد اإلنكار على من حرمها على نفسه أو غيره‪ (:‬قل من حرم زين<<ة اهلل ال<<تي‬
‫أخرج لعباده والطيبات من الرزق)‪( .‬يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا وال تسرفوا‪،‬‬
‫إنه ال يحب المسرفين)‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :‬إن اهلل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )‪ .‬ولما‬
‫سأله أحد الصحابة‪ :‬أنه أولع بالجمال‪ .‬ويحب أن يكون ثوبه حسنًا‪ ،‬ونعله حسنه‪ ،‬فهل هذا من الك<<بر ؟‬
‫قال‪ ( :‬ال‪ ،‬إن اهلل جميل يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق‪ ،‬وغمط الناس)‬

‫لزوم اإلنفاق في الحقوق الواجبة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<‬
‫(ب)‪  ‬وال يجوز له أن يبخل بالحقوق الواجبة عليه في ماله‪ ،‬سواء‪ ،‬أكانت حقوقًا ثابتة‪ ،‬كالزكاة ونفق<<ات‬
‫<طر‪،‬‬ ‫<ة المض<‬ ‫<اعون‪ ،‬وإغاث<‬ ‫الوالدين واألقارب الفقراء‪ ،‬أم حقوقًا عارضة‪ ،‬كقرى الضيف‪ ،‬وإعارة الم<‬
‫واإلعطاء في النوازل التي تنزل باألمة أو ببلد هو فيها‪ ،‬كالحروب والمجاعات والحريق‪ ،‬وكفاية فقراء‪،‬‬
‫بلده بما ال بد لهم منه من حاجات المعيشة‪ ،‬من مطعم وملبس ومسكن وعالج‪ ،‬ونحو ذل<<ك‪ .‬واإلس<<الم‬
‫يؤكد أهمية هذه الحقوق‪ ،‬حتى إنه ليجيز شهر السالح من أجلها‪ ،‬وقد قاتل أبو بكر ومعه الص<<حابة من‬
‫أجل حق الزكاة‪ ،‬وأباح النبي (صلى اهلل عليه وسلم) للضيف أن يأخذ حق القرى كن نزل بهم ولو بالقوة‪،‬‬
‫وعلى المسلمين أن يشدوا أزره في ذلك‪ .‬قال‪( :‬أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا‪ ،‬فل<<ه أن‬
‫< أن يقاتل من منعهم<<ا‬ ‫يأخذ بقدر قراه‪ ،‬وال حرج عليه)‪ .‬وأباح عامة الفقهاء للمضطر إلى الماء والقوت‪،‬‬
‫عنه بغير حق‪.‬‬

‫الموازنة بين الدخل واإلنفاق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<طر إلى‬ ‫<ة‪ ،‬فيض<‬ ‫<ه ثماني<‬


‫<رة ودخل<‬ ‫<ق عش<‬ ‫<ه‪ ،‬فال ينف<‬
‫(ج)‪ ‬كما يجب عليه أن يوازن بين دخله وإنفاق<‬
‫<رم‬‫<تعيذ باهلل من المغ<‬
‫االستقراض‪ ،‬وتحمل منة الدائن‪ ،‬والدين ه ّم بالليل ومذلة بالنهار‪ ،‬وكان النبي‪ ،‬يس<‬
‫ال ذلك بأن الرجل إذا غرم حدّث فكذب‪ ،‬ووعد فأخلف‪ ،‬كما في صحيح البخاري‪ .‬فإنف<<اق‬ ‫( الدين)‪ ،‬معل ً‬
‫المرء أكثر مما تطيقه ثروته ودخله‪ ،‬هو من اإلسراف المذموم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وال تسرفوا‪ ،‬إن<<ه ال يحب‬
‫<راف وال‬ ‫<ه إس<‬ ‫<ا لم يخالط<‬
‫<وا ) وتص <دّقوا‪ ،‬م<‬ ‫<ربوا ( والبس<‬ ‫المسرفين)‪ .‬وفى الحديث‪ ( :‬كلوا واش<‬
‫<اق‬‫<ذا في اإلنف<‬
‫<ده‪ .‬وه<‬ ‫<ه عن ج<‬ ‫<عيب عن أبي<‬ ‫<رو بن ش<‬ ‫مخيلة )‪ .‬رواه النسائي وابن ماجه عن عم<‬
‫<دقة‬
‫<ات‪ ‬كالص<‬ ‫<ذير‪ .‬وأما‪ ‬الطاع<‬‫على‪ ‬المباحات‪ .‬أما المحرمات فكل درهم ينفق فيها يدخل في باب التب<‬
‫والجهاد والمشروعات الخيرية‪ ،‬فال إسراف فيها ما لم يضيع حقًا أوجب منها‪ ،‬كحق عياله أو غريمه‪ ،‬أو‬
‫<ير في‬‫<الحات‪ :‬ال خ<‬ ‫<خياء المنفقين في الص<‬
‫نفقة واجبة عليه‪ ،‬أو نحو ذلك‪ .‬ولهذا حين قيل لبعض األس<‬
‫اإلسراف‪ ،‬كان جوابه‪ :‬ال إسراف في‪ ‬الخير‪.‬‬

‫واإلسالم يعطي الحاكم الحق في (الحجر) على كل سفيه متالف‪ ،‬يبعثر المال في غير وجهه‪ ،‬ألن لألمة‬
‫<وال‬‫حقًا في هذا المال‪ ،‬فحظه يعود عليها بالمنافع‪ ،‬واضاعته يرجع عليها بالضرر‪ ،‬ولهذا أضاف اهلل أم<‬
‫السفهاء إلى األمة فقال‪( :‬وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اهلل لكم قيامًا)‬

‫حرب على الترف والمترفين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫(د)‪  ‬وهناك نوع من اإلسراف يحرمه اإلسالم‪ ،‬ويشتد في تحريمه ومقاومته‪ ،‬لما فيه من إفساد حياة الفرد‪،‬‬
‫<ا‬
‫وحياة الجماعة‪ ،‬ذلك هو ما سماه اإلسالم (الترف) وهو التوسع في ألوان التنعم‪ ،‬وأسباب الرفاهية‪ ،‬مم<‬
‫يمأل البطون من مطاعم ومشارب‪ ،‬وما يغشى األبدان من حلى وحلل‪ ،‬وما يغم<<ر ال<<بيوت من أث<<اث‬
‫ورياش‪ ،‬وتحف وتماثيل‪ ،‬وأدوات فضية وذهبية وغير ذلك‪.‬‬

‫< التي تحول بين الناس وبين اتباع الح<<ق‪ ،‬ألن ال<<ترف لم ي<<دع‬ ‫إن القرآن يعتبر الترف أول المعوقات‬
‫ألصحابه متسعًا لغير شهواتهم‪ ،‬ومتعهم‪ ،‬فمن دعاهم إلى غير ذلك‪ ،‬عادوه وقاوموه‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬وم<<ا‬
‫أرسلنا في قرية من نذير إال قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون )‪.‬‬

‫<ة‪،‬‬
‫والترف له لوازمه من اللهو والعبث والمجون‪ ،‬وله تأثيره في إشاعة الميوعة والطراوة في أبناء األم<‬
‫مما يؤدي بعد حين إلى انحالل أخالقها وتفسخ روابطها‪ ،‬واتساع الهوة بين أبنائه<<ا‪ ،‬نتيج<<ة لحرم<<ان‬
‫<د‬
‫<ا بع<‬ ‫<ات وم<‬ ‫<معت‪ ،‬من الكمالي<‬ ‫األكثرية من الضروريات وتمتع األقلية بما ال عين رأت وال أذن س<‬
‫الكماليات‪ ،‬ومن هنا تستحق الجماعة كلها الهالك والعذاب‪ ،‬المترفون لترفهم‪ ،‬واآلخ<<رون لس<<كوتهم أو‬
‫مماألتهم‪ ( :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها ت<<دمرًا )‪ .‬إن‬
‫كثيرا من األمم من عقاب وبالئه‪ ،‬فحرمت‬ ‫القرآن يحدثنا أن الترف كان هو المسؤول األول عما أصاب ً‬
‫<ا‬
‫من النصر‪ ،‬وحقت عليها كلمة العذاب‪( :‬حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون اليوم‪ ،‬إنكم من<‬
‫ال تنصرون)‪(  ، ‬و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قومًا آخرين‪ ،‬فلما أحسوا بأسنا إذا هم‬
‫منها يركضون‪ ،‬ال تركضوا وارجعوا إلى نا أتالرفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون)‬

‫< الحكومية‪:‬‬
‫االعتدال في النفقات‬ ‫‪‬‬

‫وإذا كان االعتدال مطلوبًا في نفقة الفرد على نفسه‪ ،‬فهو مطلوب كذلك في النفقات الحكومية‪ ،‬ابتداء من‬
‫<وة لهم في‬ ‫<ون أس<‬ ‫<هم ‪ -‬أن يك<‬
‫رئيس الدولة فمن دونه‪ .‬بل ينبغي على إمام المسلمين‪ -‬أميرهم ورئيس<‬
‫التعفف عن مال الدولة‪ ،‬والتقليل من مظاهر النعيم واألبهة‪ .‬وقد كان النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ‪ -‬وهو‬
‫إمام المسلمين‪ -‬أول من يجوع وآخر من يشبع‪ .‬قال أبو هريرة‪ ( :‬خرج رسول اهلل (ص<<لى اهلل علي<<ه‬
‫<ه‬‫<لى اهلل علي<‬‫<ول اهلل(ص<‬ ‫<بع رس<‬‫وسلم) من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير )‪ .‬وقالت عائشة‪ ( :‬ما ش<‬
‫<انت‬ ‫وسلم)ثالثة أيام متوالية‪ ،‬ولو شئنا لشبعا‪ ،‬ولكنه كان يؤثر على نفسه )‪ .‬ورفض أن يتخذ فراشًا‪ ،‬وك<‬
‫وسادته حشوها ليف‪ ،‬ونام على الحصير حتى أثر في جنبه‪ ،‬وتوفى وهو يلبس كساء ملبدًا وإزارًا غليظًا‪.‬‬
‫<ة‬‫وكذلك كان أبو بكر وعمر وعلي ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬حتى قال عمر‪ :‬ما أنا وهذا المال ‪ -‬مال الدول<‬
‫‪ -‬إال كولي اليتيم‪ ،‬إن استغنيت استعففت‪ ،‬وإن افتقرت أكلت بالمعروف‪.‬‬

‫وال نريد من رؤسائنا وأمرائنا أن يكونوا مثل أولئك األكابر‪ ،‬ولكن نريد منهم أن يتق<<وا اهلل في الم<<ال‬
‫<اء‬
‫<وك والرؤس<‬ ‫<يرًا من المل<‬
‫<اق‪ .‬إن كث<‬
‫العام‪ ،‬وال يحابوا به األقارب واألصهار والموالين وأبواق النف<‬
‫واألمراء في ديارنا يحسبون أن مال الدولة ملك لهم‪ ،‬ومن حقهم أن يتصرفوا فيه كيف يشاؤون‪ .‬وقلم<<ا‬
‫يوجد من يحاسبهم‪ .‬حتى البالد التي توجد فيها هيئات برلمانية ورقابية ومحاسبية‪ ،‬ال تستطيع أن تمس ما‬
‫يتعلق برئيس الدولة‪ ،‬أو بجهاز مخابراته‪ ،‬وأجهزة أمنه‪ ،‬أو بالجيش وما ينفق عليه‪.‬‬

‫وهناك جهات ينفق فيها المال بغير حساب‪ ،‬وبدون تقيّد‪ ،‬وال يكاد يسائلها أحد‪ ،‬مثل اإلعالم والرياض<<ة‬
‫وأمن الدولة‪ ،‬أي أمن الحاكم ونظامه وجماعته‪ .‬على حين يقتر كل التقتير‪ ،‬ويضيق أشد التض<<ييق على‬
‫جهات أخرى‪ ،‬مثل التعليم والصحة والمواصالت والخدمات األساسية لجمهور الناس‪.‬‬

‫إن الشرع يوجب الموازنة بين المصالح بعضها وبعض‪ ،‬وتقديم الضروري منها على الحاجي‪ ،‬وتق<<ديم‬
‫<ه‬
‫الحاجي على التحسيني‪ ،‬وتقديم ما يخدم الجمهور األعظم من الناس على ما يخدم فئة محدودة‪ .‬وما في<‬
‫مصلحة الفقراء والمستضعفين على ما فيه مصلحة الكبراء والموسرين‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫إيجابـ التكافل االجتماعي‬


‫لقد قلنا‪ :‬إن اإلسالم يطالب كل قادر على العمل أن يعمل‪ ،‬وأن يعان على عمله‪ ،‬ليكفي نفسه وأس<<رته‪.‬‬
‫ولكن في الناس العاجزون‪ ،‬الذين ال يستطيعون العمل‪ ،‬وال مورد لهم‪ .‬وفيهم القادرون‪ ،‬الذين ال يجدون‬
‫عمال يتعيشون منه‪ ،‬ولم تسطع الدولة تيسير عمل مناسب لهم‪ ،‬وفيهم العاملون‪ ،‬ال<<ذين ال يكفيهم دخلهم‬
‫لتحقيق معيشة إنسانية الئقة‪ ،‬لقلة الدخل‪ ،‬أو لكثرة العيال‪ ،‬أو لغالء األسعار‪ ،‬أو غير ذلك من األسباب‪.‬‬

‫<دم حال‬
‫<هم ؟ أو يق<‬
‫<ة تفترس<‬
‫<ة والحاج<‬
‫<اب الفاق<‬
‫فما موقف نظام اإلسالم من هؤالء ؟‪ ‬هل يدعهم ألني<‬
‫لمشكلتهم ؟‬

‫الحق أن اإلسالم لم يترك هؤالء للفاقة والضياع‪ ،‬بل كفل لهم المعيشة المالئمة بالطرق‪ ‬اآلتية‪:‬‬

‫< األقارب‪:‬‬
‫نفقات‬ ‫‪‬‬

‫فقد أوجب اإلسالم ‪8‬على القريب الموسر أن ينفق على قريبه المحتاج‪ ،‬صلة لرحمه‪ ،‬وأدا ًء لحقه‪ ،‬كم<<ا‬
‫قال تعالى‪ ( :‬وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل)‪ . ‬ومن لم يقم بهذا الواجب من نفسه لقريب<<ه‪،‬‬
‫ألزمه القضاء‪ ،‬اإلسالمي بذلك‪ .‬وللفقهاء تفصيل كثير في شروط الفقه‪ ،‬ومقاديرها‪ ،‬ولمن تجب وعلى من‬
‫تجب‪ ،‬ويكن الرجوع إليها في أبواب النفقات من كتب الفقه‪.‬‬

‫فريضة الزكاة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<ام‪ ،‬من‬
‫<ه العظ<‬‫(أ)‪ ‬وهي الفريضة المالية االجتماعية‪ ،‬التي تعد الركن الثالث من أركان اإلسالم‪ ،‬ومباني<‬
‫<ا‪ ،‬وإن أنك<<ر‬
‫<تى يؤديه<‬‫<ا‪ ،‬ح<‬ ‫ال بها عزر‪ ،‬وأخذت منه قهرًا‪ ،‬وإن كان ذا شوكة قوتل عليه<‬ ‫منعها بخ ً‬
‫وجوبها‪ -‬ولم يكن حديث عهد باإلسالم ‪ -‬حكم بردته‪ ،‬وخرج من دين اإلسالم‪.‬‬

‫<ه‪،‬‬
‫<ة على جبايت<‬
‫<وم الدول<‬
‫<وم‪ ،‬تق<‬
‫(ب)‪ ‬وهي ليست هبة يتفضل بها الغني على الفقير‪ ،‬بل هي حق معل<‬
‫وصرفه على مستحقيه‪ ،‬بواسطة موظفي الزكاة‪.‬‬

‫‪-‬العاملين عليها‪ -‬ولهذا وصف النبي (صلى اهلل عليه وسلم) الزكاة بقوله‪ ( :‬تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى‬
‫فقرائهم )‪ ،‬فهي ضريبة تؤخذ‪ ،‬وليست تطوعًا يوهب‪.‬‬

‫<ار‬
‫<غار التج<‬‫<ال‪ ،‬وص<‬ ‫(ج)‪ ‬إنها تخالف كثيرًا من الضرائب‪ ،‬التي تؤخذ من الكادحين المتعبين من العم<‬
‫والموظفين‪ ،‬لتنفق في أبهة الحكام‪ ،‬وعلى أتباعهم والمروجين لهم‪ ،‬حتى يمكنك أن تقول فيها‪ :‬إنها تؤخذ‬
‫من الفقراء لترد على األغنياء‪.‬‬

‫(د)‪ ‬والعبير النبوي الكريم‪ ( :‬تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)‪ ‬يوحي بأن الزكاة ليست إال ص<<رف‬
‫<ا‪ ،‬من‬
‫<ة واليه<‬
‫بعض أموال األمة‪ ،‬ممثلة في أغنيائها‪ ،‬إلى األمة نفسها‪ ،‬ممثلة في فقرائها‪ .‬فهي من األم<‬
‫اليد المستخلفة في المال‪ ،‬إلى اليد المحتاجة إليه‪ ،‬وهاتان اليدان ‪ -‬المعطية واآلخذة ‪ -‬هما يدان لشخصية‬
‫واحدة هي شخصية األمة المسلمة‪.‬‬

‫(هـ)‪  ‬والزكاة تجب في كل مال نام أو معد للنماء‪ ،‬بلغ نصابًا‪ ،‬وحال عليه الحول‪ ،‬وسلم من الدين‪ ،‬وذلك‬
‫في سائمة األنعام والنقود‪ ،‬وعروض التجارة‪ .‬وفى الزروع‪ ،‬والثمار‪ ،‬يجب الحق عن<<د الحص<<اد‪ ،‬وفى‬
‫المعدن والركاز عند وجدانه‪ .‬ولم يجعل اإلسالم نصابها كبيرا‪ ،‬ليشترك جمهور األمة في أدائها‪ ،‬وجعل‬
‫نسبها معتدلة من (‪5‬ر‪ )%2‬في النقود والتجارة‪ ،‬إلى (‪ )%5‬في الزرع المسقى باآلالت‪ ،‬إلى (‪0‬ا‪ )%‬فيما‬
‫سقى بغير آلة‪ ،‬إلى (‪ )%2 0‬في الركاز ( المعادن ) وفيما يعثر عليه من الكنوز‪ ،‬فكلم<ا ك<ان جه<د‬
‫اإلنسان أكبر كانت النسبة أخف‪.‬‬

‫موارد الدولة األخرى‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وإذا لم تكف الزكاة جميع الفقراء‪ ،‬ففي جميع موارد الدولة اإلسالمية متسع لكفايتهم‪ ،‬بأمين حاجاتهم من‬
‫<أن اهلل‬
‫<يء ف<‬‫خمس الغنائم‪ ،‬ومن الفيء والخراج ونحوها‪ .‬يقول اهلل تعالى‪ ( :‬واعملوا أنما غنمتم من ش<‬
‫<اء اهلل على‬
‫<ا أف<‬
‫خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)‪ .‬ويقول في الفيء‪( :‬م<‬
‫رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي ال يكون دول<<ة‬
‫<ارات‬ ‫<ة والعق<‬
‫<ي الزراعي<‬‫<ادن واألراض<‬‫بين األغنياء منكم)‪ ‬ومن ذلك‪ :‬ما تملك الدولة من النفط والمع<‬
‫ونحوها‪ ،‬مما يندر عليها دخو ً‬
‫ال وإيرادات ضخمة‪.‬‬

‫والدولة في اإلسالم ليست مسؤولة عن الحماية واألمن فقط‪ ،‬بل هي مسؤولة كذلك عن رعاية العاجزين‬
‫<ؤول عن‬ ‫<حيح‪(:‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مس<‬
‫<ديث الص<‬‫<ا في الح<‬‫والمحتاجين‪ ،‬وكفالة العيش الكريم لهم‪ .‬كم<‬
‫رعيته ‪ ..‬فاإلمام راع ومسؤول عن رعيته …)‬

‫<ه أولى‬‫<ع‪ ،‬وأن<‬‫<ؤول عن الجمي<‬ ‫<ه مس<‬ ‫وهكذا بيّن لنا (صلى اهلل عليه وسلم) بوصفه إمام المسلمين‪ -‬أن<‬
‫<غارًا‬
‫<يعة ( أوالدًا ص<‬
‫<ًا أو ض<‬
‫<رك دين<‬‫ال فهو لورثته‪ ،‬ومن ت<‬‫بالمؤمنين من أنفسهم‪ ،‬فمن ترك منهم ما ً‬
‫< عمر عن مال الدولة‪ ( :‬ما من أحد إال ول<<ه في‬ ‫معرضين للضياع لفقرهم ويتمهم ) فإليه وعليه‪ .‬ويقول‬
‫<ل‬ ‫هذا المال حق )‪ .‬وقد فرض عمر من بيت المال راتبًا ليهودي رآه يسأل على األبواب‪ .‬كما فرض لك<‬
‫مولود في اإلسالم عطاء يزداد كلما نما وكبر‪.‬‬

‫الحقوق األخرى في المال‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<ع أن‬‫وإذا لم تف الزكاة‪ ،‬وال سائر الموارد األخرى‪ ،‬بضمان العيش للفقراء‪ ،‬فعلى الموسرين في المجتم<‬
‫<ا يحب‬ ‫<ه م<‬‫< بكفايتهم‪ ،‬فليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع‪ ،‬وليس بمؤمن من ال يحب ألخي<‬ ‫يقوموا‬
‫لنفسه‪ ،‬فإن قاموا بذلك مختارين‪ ،‬بدافع اإليمان والتقوى فهذا خير وأبقى‪ ،‬كما حدثنا النبي (صلى اهلل عليه‬
‫وسلم) عن األشعريين فقال‪ (  :‬إن األشعريين إذا أرملوا في الغزو‪ ،‬أو قل طعام عالهم في المدينة‪ ،‬جمعوا‬
‫ما كان عندهم في ثوب واحد‪ ،‬ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسوية‪ ،‬فهم منى وأنا منهم )‪.‬‬

‫وإذا لم يقم الناس من تلقاء أنفسهم برعاية فقرائهم‪ ،‬فلإلمام أن يفرض على األغنياء م<<ا يق<<وم بكفاي<<ة‬
‫الفقراء‪ ،‬فقد روى عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‪ ( :‬إن في المال حقًا سوى الزكاة)‪ ،‬وفي القرآن م<<ا‬
‫يدل على ذل ‪ ،‬فقد قال تعالى‪ ( :‬ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر والمالئكة والكتاب والنب<<يين وآتى‬
‫المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب‪ ،‬وأقام الصالة وآتى‬
‫<ذا‬
‫<اة‪ ،‬وه<‬‫الزكاة)‪  .‬ففرقت اآلية الكريمة بين إيتاء المال على حبه ذوى القربى … إلخ‪ ،‬وبين إيتاء الزك<‬
‫يدل على أنهما حقان في المال‪ .‬وإنما الزكاة هي الحق الدوري الثابت المحدد‪ .‬أما الحقوق األخرى فهي‬
‫حقوق طارئة‪ ،‬تفرضها الحاجة والمصلحة‪ ،‬وليس لها مقدار معين‪ ،‬وال وقت محدود‪ .‬وإذا لم يقم الن<<اس‬
‫بأداء الحقوق اختيارًا‪ ،‬أجبروا ملها إجبارًا‪ ،‬وقد قال عثمان رضي اهلل عنه‪ ( :‬إن اهلل يزع بالسلطان ما ال‬
‫يزع بالقرآن)‪.‬‬

‫الصدقات المستحبة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وال يقتصر اإلسالم في تقرر التكافل على القوانين الملزمة‪ ،‬وال الحقوق الواجبة‪ ،‬بل يربي المس<<لم على‬
‫البذل وان لم يطلب منه‪ ،‬واإلنفاق وإن لم يجب عليه‪ ،‬ويهون عليه المال وال<<دنيا‪ ،‬ويح<<ذر من الش<<ح‬
‫<‬
‫والبخل‪ ،‬ويحبب إليه النفقة في السراء والضراء‪ ،‬بالليل والنهار‪ ،‬سرًا وعالنية‪ ،‬ومعده بالخلف والفض<<ل‬
‫في الدنيا‪ ،‬والمثوبة عند اهلل في اآلخرة‪ (  :‬الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء‪ ،‬واهلل يعدكم مغفرة منه‬
‫ال )‪( .‬وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه‪ ،‬وهو خير الرازقين )‪ ( .‬الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار‬ ‫وفض ً‬
‫سرًا وعالنية فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم يحزنون )‪.‬‬

‫الوق@@@@@@@@@@ف الخ@@@@@@@@@@يري والص@@@@@@@@@@دقة الجاري@@@@@@@@@@ة‪:‬‬


‫ومن أعظم ما رغب فيه اإلسالم‪ :‬الصدقة الجارية ( أي الدائمة بعد موت المتصدق)‪ ،‬كما يتضح ذلك في‬
‫<ة من‬‫نظام الوقف الخيري‪ ،‬وهو الذي يخرج فيه المال من ملك األفراد‪ ،‬لتجس ثمراته ومنافعه على جه<‬
‫جهات الخير‪ ،‬ابتغاء مثوبة اهلل تعالى‪ .‬وقد أشار الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) على عمر بوقف مال<<ه‬
‫<اريخ من حجج‬ ‫<ا الت<‬
‫بخيبر‪ ،‬ولم يكن أحد من الصحابة ذا مقدرة إال وقف‪ .‬والذي يقرأ بعض ما أبقاه لن<‬
‫الوقف‪ ،‬وشروط الواقف‪ ،‬يتبين حقيقة الكافل في المجتمع المسلم‪ ،‬ويقف على أصالة عواط<<ف الخ<<ير‪،‬‬
‫ومشاعر الرحمة والبر‪ ،‬وشيوع المعاني اإلنسانية الكريمة في أعماق هذه األمة‪ ،‬حتى إن برها لم يقتصر‬
‫على دائرة اإلنسان‪ ،‬بل تجاوزه إلى الحيوانات‪.‬‬

‫التكاف@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@ل بين األجي@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@ال‬


‫وهناك لون من التكافل لم يلتفت إليه الباحثون‪ ،‬وقد نبهنا عليه في عدد من كتبنا‪ ،‬وهو‪ :‬التكافل بين أجيال‬
‫األمة بعضها وبعض‪ ،‬وهو يكمل التكافل بين أقطار األمة بعضها وبعض‪ ،‬فهو تكافل زم<<اني‪ ،‬بج<<وار‬
‫التكافل المكاني‪ .‬ومعنى تكافل األجيال‪ :‬أال يستأثر جيل بخيرات األرض المذخورة والمنش<<ورة‪ ،‬ويحلب‬
‫درها‪ ،‬حتى ال يترك في ضرعها قطرة لمن بعده‪ .‬بل يجب على الجيل الحاضر أن يحسب حساب الجيل‬
‫<اء‬
‫<ال اكتف<‬
‫<ه في ح<‬ ‫<دع ذريت<‬ ‫المقبل‪ ،‬وأن يصنع صنيع األب الرحيم البصير‪ ،‬الذي يحرص على أن ي<‬
‫<الة‬
‫<ه الص<‬‫<ال علي<‬ ‫<د ق<‬
‫<يئا ينفعهم‪ ،‬وق<‬
‫واستغناء‪ ،‬وأن يقتصد في إنفاقه واستهالكه‪ ،‬حتى يترك لهم ش<‬
‫والسالم‪ (  :‬إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )‪ .‬وقد جاء عن أبى بك<<ر‬
‫<ل‬‫رضى اهلل عنه‪ ( :‬ال يعجبني الرجل يأكل رزق أيام في يوم واحد)!‪ ‬ومثل ذلك يقال للمجتمع الذي يأك<‬
‫رزق أجي<<<<<<<<<<<<<ال في جي<<<<<<<<<<<<<ل واح<<<<<<<<<<<<<د‪ .‬‬
‫وهذا ما جعل الفاروق عمر بن الخطاب يأبى تقسيم سواد العراق على الفاتحين‪ ،‬وهو ثروة هائلة يستمتع‬
‫بها جيل الفتح‪ ،‬وال تجد األجيال القادمة الدافعة عن حرمات األمة‪ ،‬وبيضة الملّه‪ ،‬ما يص<<رفون عن<<ه‪،‬‬
‫إلعداد عدتهم‪ ،‬وقضاء حوائجهم‪ .‬ولهذا كان عمر يقول لمعارضيه‪ ( :‬أتريدون أن يأتي آخر الناس وليس‬
‫<ًا عن‬‫<ال معلن<‬
‫لهم شئ )‪ ‬؟‪.‬ا وكان على رأيه من فقهاء الصحابة أمثال على ومعاذ رضي اهلل عنهم‪ .‬وق<‬
‫وجهته ووجهة من أيّده‪( :‬إني أريد أمرًا يسع أول الناس وآخرهم )‪ .‬وجد في آيات سورة الحشر ما أي<<د‬
‫توجهه‪ ،‬حيث جعلت توزيع الفيء على الجيل الحاضر من المهاجرين واألنصار‪ ،‬ثم أشركت معهم الجيل‬
‫القادم‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ ( :‬والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا وإلخواننا ال<<ذين س<<بقونا‬
‫باإليمان) ‪ .‬وبهذا تتضامن األجيال وتتواصل‪ ،‬ويدعو الالحق للسابق‪ ،‬بدل ـن يلعن آخر األمة أوله<<ا‪،‬‬
‫حين يقول‪ :‬أخذوا كل شئ ولم يبقوا لنا شيئًا‪ .‬وهذا ما أخشى أن تقوله األجيال اآلتي<<ة في بالد النف<<ط‪،‬‬
‫حيث استهلكوه في الزينة والمتاع والتوسع في االستهالك‪ ،‬وأسرفوا في استخراجه‪ ،‬حتى كثر في س<<وق‬
‫< واعتدلوا ولم‬
‫العرض‪ ،‬فباعوه بأرخص األسعار‪ .‬ولو نظروا إلى حق األجيال المستقبلة القتصدوا وعفوا‪.‬‬
‫يسرفوا‪ ،‬فإن اهلل ال يحب المسرفين‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫تقريب الفوارق بين الطبقات‬


‫< بين الناس في الملكيات واألرزاق‪ ،‬ألن فطرة اهلل فاوتت بينهم فيما هو أغلى من ذلك‬
‫أقر اإلسالم التفاوت‬
‫<ل‬
‫<ة أن يتفاض<‬
‫<ة‪ ،‬فال غراب<‬ ‫وأعظم‪ :‬في الذكاء والجمال وقوة البنية‪ ،‬وسائر المواهب والقدرات الخاص<‬
‫الناس في المال والغنى‪ ،‬وهو دون هذه األشياء بال ريب‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬واهلل فضل بعض<<كم على بعض‬
‫في الرزق)‪.‬‬

‫ولم يكن هذا التفاوت أو التفاضل عبثًا أو سفهًا‪ ،‬بل هو مقتضى الحكمة التي تستقيم بها الحي<<اة‪ ،‬وتنتظم‬
‫شئون المعاش‪ ،‬كما قال تعالى‪ (  :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا‪ ،‬ورفعنا بعضهم فوق بعض‬
‫درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا )‪ .‬وليس المراد بهذا التسخير‪ ،‬تسخير القهر واإلذالل‪ ،‬بل تس<<خير‬
‫النظام واإلدارة‪ .‬فالحياة كمصنع كبير‪ ،‬فيه الرئيس والمرؤوس‪ ،‬والمهندس والعامل‪ ،‬والحارس والخادم‪،‬‬
‫< في‬‫<دأ التفاض<ل‬ ‫<الم لمب<‬‫وكل منهم له مهمته‪ ،‬وكلهم الزم ومهم ليدور المصنع وينتج‪ .‬ومع إقرار اإلس<‬
‫<ان‬‫<د من طغي<‬ ‫<ات‪ ،‬فيح<‬ ‫< نراه يعمل على تقريب الفوارق بين الطبق<‬ ‫الرزق‪ ،‬والتفاوت في الغنى والفقر‪،‬‬
‫<اء‬‫<داوة‪ ،‬بين أبن<‬
‫<راع والع<‬ ‫األغنياء‪ ،‬ويرفع من مستوى الفقراء ‪ ,‬تحقيقًا للتوازن‪ ،‬وتفاديًا ألسباب الص<‬
‫المجتمع الواحد‪ .‬ذلك أن اإلسالم يكره تكدس الثروة في أيد معدودة‪ ،‬تتداولها فيما بينها‪ ،‬مع بقاء األغلبية‬
‫<ك‬‫<الم في ذل<‬ ‫<دهم‪ .‬ولإلس<‬ ‫<اء)‪ ‬وح<‬ ‫محرومة منها‪ .‬فهو يحرص على أال يكون المال‪( ‬دولة بين األغني<‬
‫وسائل‪ ‬عديدة منها‪:‬‬

‫<ارة في‬‫<ار والغش‪ ،‬والتج<‬‫<ا واالحتك<‬‫<ة‪،‬كالرب<‬ ‫<الطرق المحرم<‬ ‫<ه ب<‬


‫إلزام الغنى أال ينمى ثروت<‬ ‫‪.1‬‬
‫المحظ<<<<<<ورات‪ ،‬ونحوه<<<<<<ا مم<<<<<<ا ذكرن<<<<<<اه من قب<<<<<<ل‪ .‬‬
‫وهذا التضييق في تثمير المال‪ ،‬يسد الطريق إلى الثراء الفاحش إلى حد كبير‪.‬‬
‫إيجاب الزكاة في أموال األغنياء لترد على الفقراء‪ ،‬فهي أخذ من أولئ<<ك‪ ،‬وإعط<<اء له<<ؤالء‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫<ا‬
‫<ايتهم‪ ،‬إم<‬
‫والزكاة كما شرعها اإلسالم ‪ -‬ما هي إال وسيلة لتمليك الفقراء ما يغنيهم ويقوم بكف<‬
‫<افعية‪:‬‬‫<ة الش<‬‫<يره من أئم<‬ ‫بصفة دورية سنوية‪ ،‬أو يغنيهم بصفة دائمة‪ .‬يقول اإلمام النووي وغ<‬
‫<ك‬ ‫<ف ذل<‬ ‫يعطى الفقير والمسكين ما تزول به حاجتهما‪ ،‬وتحصل به كفايتهما على الدوام‪ ،‬ويختل<‬
‫باختالف الناس والنواحي‪ ،‬فالمحترف الذي ال يجد آلة حرفته يعطى ما يشتريها به‪ ،‬قلت قيمتها‬
‫أو كثرت‪ ،‬والتاجر يعطى رأس مال ليشترى ما يحسن التجارة فيه‪ .‬ويكون ذلك ق<<در م<<ا يفي‬
‫ربحه بكفايته غالبًا‪ ،‬ومن ال يحسن الكسب بحرفة وال تجارة يعطى كفاية العمر الغالب ألمثاله‪،‬‬
‫<دد‬ ‫<ير ع<‬ ‫وطريقه أن يعطى ما يشترى به عقارًا يستغل منه كفايته‪ .‬فالزكاة بهذا تعمل على تكث<‬
‫المالك من الفقراء‪ ،‬ألنها تملك المحترف أدوات حرفته ‪-‬أي من أدوات اإلنت<<اج ‪ -‬جه<<ازًا أو‬
‫<ك‬ ‫<يره‪ ،‬وتمل<‬‫مصنعًا أو جزءًا من مصنع‪ ،‬وتملك الزارع مزرعة أو جزءًا منها‪ ،‬يتملكها مع غ<‬
‫التاجر متجرًا وما يلزمه‪ ،‬وتملك غيرهم عقارًا أو نحوه‪ ،‬مما يدر دخ ً‬
‫ال منتظمًا‪ ،‬يقوم بتمام كفاية‬
‫مالكه‪ ،‬وكفاية من يعوله‪ .‬على أن تشرف مؤسسة الزكاة على حسن رعاية ه<<ؤالء لم<<ا تحت‬
‫أيديهم‪.‬‬
‫إيجاب حقوق بعد الزكاة على األغنياء ‪ ,‬مثل نفقات األقارب‪ ،‬والنذور والكفارات‪ ،‬واألض<<حية‬ ‫‪.3‬‬
‫<ائع‪،‬‬‫( وهى واجب في مذهب أبي حنيفة ) وحقوق الجوار والرحم‪ ،‬وقرى الضيف‪ ،‬وإطعام الج<‬
‫وإغاثة الملهوف‪ ،‬وفك األسير‪ ،‬وعالج المريض‪ ،‬والمساعدة في الطوارئ التي تنزلل باألم<<ة‪،‬‬
‫<ائع إلى‬‫<اره ج<‬ ‫كالحروب والمجاعات ونحوها‪ .‬وفى الحديث‪ ( :‬ما آمن بي من بات شبعانًا وج<‬
‫جنبه‪،‬وهو يعلم )‪.‬‬
‫الميراث الذي شرعه اإلسالم‪ ،‬وجعله لألوالد والوالدين‪ ،‬واألزواج والعصبات‪ ،‬وذوى ال<<رحم‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫< ‪ -‬على‬ ‫<وروث‬ ‫<وت الم<‬ ‫بشروط معروفة‪ ،‬وهو عامل كبير في تفتيت الثروة وتوزيعها ‪ -‬بعد م<‬
‫عدد كبير من ورثته‪ ،‬على عكس بعض األنظمة‪ ،‬التي تحصر التركة في االبن األكبر‪ ،‬وما شابه‬
‫ذلك‪ .‬ويلعق بالميراث‪ :‬الوصية لغير الوارثين‪ ،‬وقد أوجبها بعض السلف‪ ،‬بن<<اء على ق<<ول اهلل‬
‫تعالى‪ ( :‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خ<<يرًا الوص<<ية للوال<<دين واألق<<ربين‬
‫<اول عالج‬ ‫<ذي ح<‬ ‫بالمعروف‪ ،‬حقًا على المتقين)‪ .‬ومن ذلك استمد قانون ( الوصية الواجبة ) ال<‬
‫حرمان األحفاد إذا مات آباؤهم في حياة أجدادهم‪.‬‬
‫حق ولي األمر الشرعي في إعادة التوازن إذا اختل‪ ،‬عن طريق المال العام كالفيء ونح<<وه‪ ،‬ال‬ ‫‪.5‬‬
‫<ه‬‫<ا فعل<‬‫عن طريق المصادرة للملكيات المشروعة‪ ،‬التي يلتزم أصحابها حدود اإلسالم‪ ،‬وهذا م<‬
‫النبي (صلى اهلل عليه وسلم) فى توزيع فيء بنى النضير‪ ،‬حيث وزعه على المهاجرين خاصة‪،‬‬
‫دون إخوانهم األنصار‪ ،‬إال رجلين منهم كانت بهما فاقة وحاجة‪ .‬وس<<ر ذل<<ك‪ :‬أن اله<<اجرين‬
‫أخرجوا من ديارهم وأموالهم‪ ،‬فكان الفرق بينهم وبين إخوانهم األنصار كبيرًا‪ ،‬فهؤالء يملك<<ون‬
‫األرض والعقار‪ ،‬والمهاجرون ال يكادون يملكون شيئًا‪ ،‬على الرغم من أن األنصار ك<<انوا مث ً‬
‫ال‬
‫رائعًا في إيوائهم وإكرامهم‪ ،‬وإيثارهم على أنفسهم‪ ،‬ولكن التوازن الذي ينشده اإلس<<الم‪ ،‬جع<<ل‬
‫النبي (صلى اهلل عليه وسلم) يعالج األمر عند أول فرصة سنحت له‪ ،‬وجاء القرآن يؤي<<د ه<<ذا‬
‫<امى‬ ‫<ة‪ ،‬من اليت<‬‫<ات المحتاج<‬ ‫<ع الفيء على الفئ<‬‫<ة توزي<‬‫التصرف النبوي الكريم‪ ،‬ويعلل حكم<‬
‫والمساكين وأبناء السبيل‪ ،‬بقوله تعالى‪( :‬كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم )‪.‬‬

‫وإن في هذه السابقة من عمل الرسول الكريم‪ ،‬ما يعطى الحق للحاكم المسلم ‪ -‬وهو الذي يحكم بما أنزل‬
‫اهلل ‪ -‬أن يخص الفقراء من مال الدولة بما يقلل الفروق الفاحشة بينهم وبين األغنياء‪ ،‬وما يحقق التوازن‬
‫االقتصادي في المجتمع المسلم‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫اإلسالم واألنظمة االقتصادية المعاصرة‬
‫عرفنا من القواعد السابقة التي قام عليها بناء االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬أنه اقتصاد متيز مما يعرف<<ه الن<<اس‬
‫<و‬
‫<يوعية‪ ،‬فه<‬‫<مالية أو الش<‬
‫اليوم‪ ،‬من مذاهب وأنظمة تتجه إلى اليمين أو إلى اليسار‪ ،‬مما يسمى بالرأس<‬
‫<ور‪،‬‬
‫<بقهما في الظه<‬ ‫ال منهما على حدة‪ ،‬ويخالفهما جميعًا في أمور مشتركة‪ ،‬فض ً‬
‫ال على أنه س<‬ ‫يخالف ك ً‬
‫بأكثر من اثني عشر قرنًا من الزمان‪.‬‬

‫اإلسالم والرأسمالية‬ ‫‪‬‬

‫اإلسالم والشيوعية‬ ‫‪‬‬

‫غاية االقتصاد اإلسالمي ومهمته‬ ‫‪‬‬

‫اإلسالم والرأسمالية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫<اء‪،‬‬
‫<ا ش<‬ ‫تقوم الرأسمالية على تقديس حرية الفرد‪ ،‬وإطالق العنان له‪ ،‬ليمتلك ما شاء‪ ،‬وينمي ما ملك بم<‬
‫وينفقه كما شاء‪ ،‬دون قيود تذكر‪ ،‬على وسائل تملكه وتنميته وإنفاقه‪ .‬أما حق المجتمع عليه في ماله وفي‬
‫<ة‬‫<ه رقاب<‬
‫مراقبته‪ ،‬ومحاسبته على تملكه وتثميره وإنفاقه‪ ،‬فحق ضعيف يشبه المعدوم‪ ،‬وال يجد من داخل<‬
‫ذاتية تجعله يحترم هذا الحق ويرعاه‪ ،‬بل يحتال عليه ليتخلص منه تحت سمع الق<<انون وبص<<ره‪ ،‬م<<ا‬
‫استطاع‪.‬‬

‫أما اإلسالم فقد رأيناه يضع قيودًا على التملك والتكسب‪ ،‬وقيودًا على التثم<<ير والتنمي<<ة‪ ،‬وقي<<ودًا على‬
‫االستهالك واإلنفاق‪ ،‬ويفرض حقوقًا على المالك‪ ،‬بعضها دائم‪ ،‬وبعضها مؤقت‪ ،‬فهو يلغي اعتبار الملكية‬
‫المحرمة‪ ،‬ويحظر الربا واالحتكار والغش‪ ،‬وغيرها‪ ،‬من كل ما ينافي األخالق‪ ،‬ويناقض مصلحة جمهور‬
‫الناس‪ .‬ويجعل ضمير المسلم ‪ -‬الذي يراقب الخالق قبل الخلق‪ -‬هو الحارس األول على رعاي<<ة تل<<ك‬
‫<اكم‬
‫<الم الح<‬ ‫<الى‪ .‬ويعطي اإلس<‬‫<ارك وتع<‬ ‫< وهو اهلل تب<‬
‫الحقوق‪ ،‬المفروضة من قبل مالك المال الحقيقي‪،‬‬
‫الشرعي ‪ -‬الذي يحكم بما أنزل اهلل ‪ -‬الحق في انتزاع ملكية الفرد‪ ،‬إذا تعارضت مع مص<<لحة عام<<ة‬
‫<والهم‪،‬‬‫<رف في أم<‬ ‫وغل يدهم من التص<‬‫للجماعة‪ ،‬كما يعطيه الحق في الحجر على السفهاء والمبذرين‪ّ ،‬‬
‫التي هي في الواقع أموال الجماعة‪ ،‬أو أموال اهلل حسب مبدأ ( االستخالف ) الذي شرحناه‪.‬‬

‫أعلى‬

‫اإلسالم والشيوعية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وإذا كانت الرأسمالية تقدس حرية الفرد ‪ -‬إلى الحد الذي ذكرنا‪ -‬فإن للشيوعية نظرة أخرى‪:‬‬

‫<ذي‬
‫<ع ال<‬
‫(أ)‪  ‬إنها تهدر قيمة الفرد وحريته وتعتبره ( ترسًا ) في جهاز الدولة‪ ،‬وتقديسها إنما هو للمجتم<‬
‫تمثله الدولة‪ .‬أما الفرد فليس له أن يتملك أرضًا أو مصنعًا أو عقارًا‪ ،‬أو غير ذلك من وسائل اإلنتاج‪ .‬بل‬
‫يجب عليه أن يعمل أجيرًا للدولة‪ ،‬التي تملك كل مصادر اإلنتاج وتديرها‪ ،‬وتحرم عليه أن يح<<وز رأس‬
‫مال وإن كان حال ً‬
‫ال ‪ .‬أما اإلسالم فقد عرفنا أنه يحترم الملكية الفردية‪ ،‬ألنها من مقتضيات الفطرة‪ ،‬ومن‬
‫خصائص الحرية‪ ،‬بل من خصائص اإلنسانية‪ ،‬وألنها أقوى دافع لزيادة اإلنتاج وتحس<<ينه‪ ،‬وال يف<<رق‬
‫اإلسالم بين وسائل اإلنتاج وغيرها‪ ،‬وال بين الملكية الكبيرة والصغيرة‪ ،‬ما دامت قد ج<<اءت ب<<الطرق‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫(ب)‪ ‬ثم إن الشيوعية‪ ،‬أو ما يعبر عنه باالشتراكية العلمية أو الماركسية‪ ،‬تق<<وم فلس<<فتها على ح<<رب‬
‫الطبقات‪ ،‬وتأجيج نيران الصراع‪ ،‬بين بعضها وبعض‪ ،‬واستخدام وسائل العنف الدموية‪ ،‬حتى تتحطم في‬
‫<ر‬‫<ذي ينتص<‬ ‫النهاية جميع الطبقات‪ ،‬باستثناء طبقة واحدة هي ( البروليتاريا )‪ .‬أي العمال‪ .‬والحق أن ال<‬
‫ليس طبقة العمال‪ ،‬بل مجموعة من االنتهازيين والمحترفين الحزبييّن والعسكريين‪ ،‬الذين يسيطرون باسم‬
‫<ا‬
‫<اركس‪ ( :‬ي<‬ ‫العمال على كل شئ‪ ،‬ويحرمون جمهور المواطنين من أي شيء‪ .‬ولهذا كان ختام بيان م<‬
‫عمال العالم اتحدوا ) أي ضد الطبقات األخرى‪ .‬أما اإلسالم فيقوم نظامه وفلسفته على بث اإلخ<<اء بين‬
‫الناس‪ ،‬واعتبارهم جميعًا أسرة واحدة‪ ،‬وإصالح ذات بينهم إذا فسدت‪ ،‬واعتبار ذلك أفضل من التط<<وع‬
‫بالصالة والصيام‪ .‬وفرق بين من يوجه نداءه إلى العمال ليتحدوا ضد غيرهم‪ ،‬وبين من يوجه نداءه إلى‬
‫الناس كافة ليتآخوا ويتحابوا‪ ( :‬وكونوا عباد اهلل إخوانا )‪.‬‬

‫<ر‬‫<ري‪ ،‬والحج<‬ ‫(ج)‪ ‬واالشتراكية العلمية أو الماركسية يصاحبها دائما الضغط السياسي‪ ،‬واإلرهاب الفك<‬
‫على الحريات‪ ،‬وكتم أنفاس المعارضين‪ ،‬واتهام كل معارض للحكم بأنه رجعي‪ ،‬أو عميل‪ ،‬أو خائن‪ ،‬أو‬
‫<د كتب‬ ‫<وم‪ .‬وق<‬
‫<نين) إلى الي<‬
‫<د ( لي<‬ ‫غير ذلك‪ ،‬من ( األكليشيهات ) المحفوظة عن الشيوعيين‪ ،‬من عه<‬
‫<تراكيًا )‪.‬‬
‫( لينين ) إلى أحد أصدقائه يقول‪ ( :‬إنه ال بأس بقتل ثالثة أرباع العالم‪ ،‬ليكون الربع الباقي اش<‬
‫أما اإلسالم فيقوم على الشورى‪ ،‬ويجعل النصيحة للحكام من لباب الدين‪ ،‬ويربي أبن<<اء المجتم<<ع على‬
‫انتقاد المسيء بالرفق‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهى عن المنكر‪ ،‬وينذر األمة إذا رأت الظالم فلم تأخذ على‬
‫يديه‪ ،‬أن يعمها اهلل بعقاب من عنده‪.‬‬

‫أعلى‬

‫غاية االقتصاد اإلسالمي ومهمته‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫على أن اإلسالم يخالف تلك األنظمة الوضعية‪ ،‬فيما هو أعمق من حرية الفرد ومنفع<ة المجتم<ع‪ ،‬إن<ه‬
‫يخالفها جميعًا في الروح واألساس‪ ،‬وفى الغاية واالتجاه‪ ،‬وفى الهمة والوظيفة‪:‬‬

‫<ذي يعلم‬
‫<رع اهلل ال<‬
‫(أ)‪  ‬إن أساس النظام اإلسالمي ليس من ومع بشر‪ ،‬وال من مع فئة من الناس‪ ،‬إنه ش<‬
‫المفسد من الصلح‪ ،‬والذي يريد لعباده اليسر وال يريد لهم اليسر‪.‬‬

‫<راء‪ ،‬ورب‬‫<اء والفق<‬


‫إنه سبحانه رب الجميع‪ ،‬ومن يشرع للجميع‪ ،‬بال جور وال محاباة‪ ،‬فهو رب األغني<‬
‫<ه‪ ،‬ومن أرحم بهم من‬‫<اده وعيال<‬‫<ًا عب<‬
‫العمال وأصحاب العمل‪ ،‬ورب المالك والمستأجرين‪ ،‬وهم جميع<‬
‫الوالدة بولدها‪ ،‬فإذا شرع لهم نظامًا فليس أعدل منه وال أكمل وال أمثل‪ ،‬بخالف األنظمة األخرى‪ ،‬فكلها‬
‫من وضع البشر القاصرين الذين يحكمهم النقص البشري‪ .‬ويغلبهم الهوى كثيرًا‪.‬‬
‫<ا‪ .‬إن‬
‫<ل همه<‬
‫<دنيا ك<‬
‫(ب)‪ ‬إن تلك األنظمة مادية صرف‪ ،‬تجعل االقتصاد غايتها‪ ،‬والمال معبودها‪ ،‬وال<‬
‫الرفاهية المادية هي هدفها األخير‪ ،‬وفردوسها المنشود‪.‬‬

‫<بز‪ ،‬من‬ ‫<ة الخ<‬


‫أما اإلسالم فيجعل االقتصاد وسيلة إلى غاية كبرى‪ :‬أال يشتغل الناس بهم العيش ومعرك<‬
‫< فإن الناس إذا توافرت لهم الكفاية‬
‫معرفة اهلل وحسن الصلة به‪ ،‬والتطلع إلى حياة أخرى هي خير وأبقى‪.‬‬
‫واألمن‪ ،‬اطمأنوا في أنفسهم‪ ،‬واتجهوا بالعبادة الخاشعة إلى ربهم‪ ( ‬ال<ذي أطعمهم من ج<وع وآمنهم من‬
‫<اد في‬‫خوف ) ‪ ،‬فشعروا بروابط اإلخاء الوثيق بينهم وبين اآلخرين من عباد اهلل‪ .‬وهذا هو هدف االقتص<‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫<ك‬
‫< عن األخالق‪ ،‬والمثل العليا‪ .‬وإنما هم تل<‬
‫(ج)‪ ‬إن االقتصاد في تلك األنظمة المادية الوضعية‪ ،‬مفصول‬
‫األنظمة زيادة اإلنتاج‪ ،‬وتنمية الثروة الفردية أو الجماعية بأي طريق‪.‬‬

‫أما اإلسالم ‪ ..‬فاالقتصاد عنده خادم للقيم اإلسالمية‪ ،‬والعقيدة اإلس<<المية‪ ،‬واألخالق اإلس<<المية‪ ،‬ف<<إذا‬
‫<ك‬ ‫<الم بتل<‬
‫<ال اإلس<‬‫تعارضت األغراض االقتصادية لألفراد أو المجتمع‪ ،‬مع تلك القيم واألخالق‪ ،‬لم يب<‬
‫األغراض‪ ،‬وضحى بها قرير العين‪ ،‬في سبيل الحفاظ على مبادئه وأهدافه وفضائله‪.‬‬

‫حر م اإلسالم حج المشركين‪ ،‬وطوافهم بالبيت عرايا‪ ،‬برغم ما كانت تجلب هذه السياحة الدينية‬ ‫ومن هنا ّ‬
‫من منافع مادية ألهل مكة ومن حولهم‪ ،‬ولكن القرآن أهدر ذلك ووعدهم أن يعوضهم اهلل خيرًا مما فات‬
‫عليهم‪ .‬يقول تعالى‪(  :‬يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فال يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا‪،‬‬
‫<ة‬
‫<رقص‪ ،‬أو حان<‬ ‫وإن خفتم عيلة‪ ،‬فسوف يغنيكم اهلل من فضله إن شاء)‪ ‬فإذا كان افتتاح ناد للميسر أو ال<‬
‫لبيع الخمر يحقق منفعة اقتصادية‪ ،‬كتشجيع السياحة‪ ،‬والحصول على عمله أجنبية‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فان هذه‬
‫<‬
‫<ول‬‫<المة العق<‬‫<اظ على س<‬ ‫<ه‪ ،‬في الحف<‬ ‫المنفعة غير معتبرة في نظر اإلسالم ! ألنها تتعارض مع مبادئ<‬
‫واألبدان واألخالق والعقائد والعالقات‪ .‬ولهذا حرم القرآن الخمر والميسر‪ ،‬لما فيهما من إثم كب<<ير‪ ،‬ولم‬
‫<ير‬‫<ا إثم كب<‬
‫<ل فهم<‬ ‫يعتبر ما فيهما من منافع اقتصادية لبعض الناس‪ ( :‬يسألونك عن الخمر والميسر‪ ،‬ق<‬
‫<‬
‫ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)‪.‬‬

‫وبهذا يضح لنا أن نظام اإلسالم نسيج وحده‪.‬‬

‫انه يخالف الرأسمالية التي تسرف في تدليل الفرد‪ ،‬وإعطائه من الحقوق حتى تضخم وطغى‪ ،‬ويخ<<الف‬
‫<رد‬
‫الشيوعية إلى تسرف في تحطيم الفرد‪ ،‬وإثقاله بالواجبات‪ ،‬حتى ضمر وانكمش‪ .‬إن‪ ‬األولى‪ ‬تحابى الف<‬
‫على حساب مصلحه المجتمع‪ ،‬والثانية‪ ‬تحابي المجتمع على حساب حرية الفرد‪ .‬وكال النظامين يس<<رف‬
‫في إعطاء الدنيا على حساب اآلخرة‪ ،‬وإعطاء الجسم على حساب الروح واإلسالم وحده هو الذي ب<<رئ‬
‫من غلو الفريقين‪ ،‬وجنوحهما إلى طرف اإلفراط أو التفريط‪.‬‬

‫<روح‬ ‫<ع‪ ،‬و بين ال<‬‫<رد والمجتم<‬ ‫إنه النظام العدل الوسط‪ ،‬الذي يوازن بين الحقوق والواجبات‪ ،‬وبين الف<‬
‫والجسم‪ ،‬وبين الدنيا واآلخرة‪ ،‬بال طغيان وال إخسار‪ .‬كما قال تعالى‪ ( :‬أال تطغوا في الميزان و وأقيموا‬
‫الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان)‪.‬‬

‫<وم‬
‫<ًا لق<‬
‫<ن من اهلل حكم<‬
‫<ذي ال يظلم‪(..‬ومن أحس<‬
‫وما ذلك إال ألنه شريعة اهلل التي ال تجوز‪ ،‬وحكمه ال<‬
‫يوقنون)‪.‬‬

‫أعلى‬
‫إلى الفهرس‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل العاشر‬
‫اللهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو والفن‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪  ‬غياب الحقيقة بين الغلو والتفريط‬ ‫التعبير عن الجمال‬
‫واقعية اإلسالم في التعامل مع اإلنسان كله‬ ‫فنون القول واألدب‬

‫القراّن ينبه على عنصري المنفعة والجمال في الكون‬ ‫فن الجـمال المســـموع ( الغناء والموسيقى )‬
‫‪ ‬‬ ‫المؤمن عميق اإلحســاس بالجمــال في الكـون والحيــاة‬
‫‪ ‬‬
‫فن الجمال المرئي ( الرسم والتصوير والزخرفة )‬
‫واإلنسان‬
‫إن هللا جميل يحب الجمال‬ ‫فن الفكاهة والمرح ( الكوميديا )‬

‫القرآن معجزة جمالية‬ ‫فن اللعب‬

‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫غياب الحقيقة بين الغلو والتفريط‬


‫لع<<ل أغمض الموض<<وعات وأعق<<دها فيم<<ا يتعل<<ق ب<<المجتمع المس<<لم ‪ :‬الله<<و والفن<<ون ‪ .‬‬
‫<عور‬‫<ل بالش<‬‫وذلك أن أكثر الناس وقعوا في هذا األمر بين طرفي الغلو والتفريط ‪ .‬نظرا ألنه أمر يتص<‬
‫والوجدان ‪ ,‬أكثر مما يتصل بالعقل والفكر ‪ ,‬وما كان شأنه كذلك فهو أكثر قبوال للتطرف واإلسراف من‬
‫ناحي<<<<<ة ‪ ,‬في مقابل<<<<<ة التش<<<<<دد وال<<<<<تزمت من ناحي<<<<<ة أخ<<<<<رى ‪ .‬‬
‫فهناك من يتصورون المجتمع اإلسالمي مجتمع عبادة ونسك ‪ ,‬ومجتمع جد وعمل ‪ ,‬فال مجال في<<ه لمن‬
‫يلهو ويلعب ‪ ,‬أو يضحك ويمرح ‪ ,‬أو يغنى ويطرب ‪ .‬ال يجوز لشفة فيه أن تبتسم ‪ ,‬وال لسن أن تضحك‬
‫‪ ,‬وال لقلب أن يف<<<<رح ‪ ,‬وال لبهج<<<<ة أن ترتس<<<<م على وج<<<<وه الن<<<<اس !!‪ ‬‬
‫وربما ساعدهم على ذلك سلوك بعض المتدينين ‪ ,‬الذين ال ترى أحدهم إال عابس الوجه ‪ ,‬مقطب الجبين ‪,‬‬
‫كاشر الناب ‪ ,‬وذلك ألنه إنسان يائس أو فاشل أو مريض بالعقد وااللتواءات النفسية ‪ ,‬ولكنه برر ذل<<ك‬
‫السلوك العيب باسم الدين ‪ ,‬أي أنه فرض طبيعته المنقبضة المتوجسة على الدين ‪ ,‬والدين ال ذنب ل<<ه ‪,‬‬
‫إال س<<<<<وء فهم ه<<<<<ؤالء ل<<<<<ه ‪ ,‬وأخ<<<<<ذهم ببعض نصوص<<<<<ه دون بعض‪ .‬‬
‫وقد يجوز لهؤالء أن يشددوا على أنفسهم إذا اقتنعوا بذلك ‪ ,‬ولكن الخطر هنا ‪ :‬أن يعمموا هذا التش<<ديد‬
‫<ة ‪ .‬‬
‫<اس كاف<‬ ‫<اة الن<‬
‫<وى ‪ ,‬ويمس حي<‬ ‫<ه البل<‬
‫على المجتمع كله ‪ ,‬ويلزموه برأي رأوه ‪ ,‬في أمر عمت ب<‬
‫وعلى العكس من هؤالء ‪ :‬الذين أطلقوا العنان لشهوات أنفسهم ‪ ,‬فجعلوا الحياة كلها لهوًا ولعبًا‪ ,‬وأذاب<<وا‬
‫<رام ‪ .‬‬‫<وض ‪ . .‬بين الحالل والح<‬ ‫<روض والمرف<‬ ‫< ‪ . .‬بين المف<‬
‫<وع‬‫<روع والممن<‬ ‫<واجز بين المش<‬
‫الح<‬
‫فتراهم يدعون إلى االنحالل ‪ ,‬ويروجون اإلباحية ويشيعون الفواحش ما ظهر منها وما بطن باسم الفن ‪,‬‬
‫< بمقاص<<دها ‪ .‬‬ ‫أو الترويح ‪ ,‬ونسوا أن العبرة بالمسميات والمضامين ‪ ,‬ال باألسماء والعناوين ‪ .‬واألمور‬
‫< ‪ -‬بعيدا عن إفراط هؤالء ‪ ,‬وتفريط أولئك ‪ -‬في ض<<وء‬ ‫لهذا كان ال بد من نظرة منصفة إلى الموضوع‬
‫النصوص الصحيحة الثبوت ‪ ,‬الصريحة الداللة ‪ ,‬وفى ضوء مقاصد الشريعة وقواعد الفقه المقررة كذلك‬
‫‪ .‬‬
‫<اب لي‪.‬‬ ‫<ثر من كت<‬ ‫<وع في أك<‬ ‫<ردات الموض<‬ ‫<د كتبت في مف<‬ ‫< ‪ ,‬فق<‬
‫وال أستطيع في هذا المجال التفصيل‬
‫<زء‬‫<زء األول والج<‬ ‫<رة‪ » ‬الج<‬ ‫<اوى معاص<‬ ‫<الم‪ , » ‬و «‪ ‬فت<‬
‫وخصوصًا في «‪ ‬الحالل والحرام في اإلس<‬
‫الثاني ‪ . .‬وعلى األخص الثاني ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬

‫واقعية اإلسالم في التعامل مع اإلنسان كله‬


‫والخالص<<<ة ال<<<تي أود أن أذكره<<<ا هن<<<ا تتمث<<<ل في ه<<<ذه المب<<<ادئ أو الحق<<<ائق ‪ :‬‬
‫<ه أن‬‫<ه ‪ ,‬ويطالب<‬
‫<ه ووجدان<‬‫إن اإلسالم دين واقعي ‪ ,‬فهو يتعامل مع اإلنسان كله ‪ :‬جسمه وروحه وعقل<‬
‫يغذيها جميعًا ‪ ,‬بما يشبع حاجتها ‪ ,‬في حدود االعتدال ‪ ,‬الذي هو صفة « عباد الرحمن » ‪ ( :‬ال<<ذين إذا‬
‫أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوما )‪ , ‬وليس هذا خلقهم في أمر المال فقط ‪ ,‬بل هو خل<<ق‬
‫أساس<<<ي ع<<<ام في ك<<<ل األم<<<ور ‪ ,‬ه<<<و المنهج الوس<<<ط لألم<<<ة الوس<<<ط‪ .‬‬
‫وإذا كانت الرياضة تغذى الجسم ‪ ,‬والعبادة تغذى الروح ‪ ,‬والعلم يغذى العقل ‪ ,‬فإن الفن يغذى الوجدان‪.‬‬
‫ونريد بالفن ‪ :‬النوع الراقي الذي يسمو باإلنسان ‪ ,‬ال الذي يهبط به ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬

‫القراّن ينبه على عنصري المنفعة والجمال في الكون‬


‫وإذا كانت روح الفن هي اإلحساس بالجمال وتذوقه ‪ ,‬فهذا ما عنى القرآن بالتنبيه عليه وتأكيده في أكثر‬
‫من موض<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ع ‪ .‬‬
‫فهو يلفت النظر بقوة إلى عنصري « الحسن » أو « الجمال » الذي أودعه اهلل في كل م<<ا خل<<ق‪ ,‬إلى‬
‫ج<<<<<<وار عنص<<<<<<ري « النف<<<<<<ع » أو « الفائ<<<<<<دة » فيه<<<<<<ا ‪ .‬‬
‫كم<<ا أن<<ه ش<<رع لإلنس<<ان االس<<تمتاع بالجم<<ال أو « الزين<<ة » م<<ع المنفع<<ة أيض<<ا ‪ .‬‬
‫يقول اهلل تعالى في معرض االمتنان باألنعام‪ (: ‬واألنعام خلقها ‪ ,‬لكم فيها دفء ومنافع ومنها ت<<أكلون )‪,‬‬
‫<ون وحين‬ ‫<ال حين تريح<‬ ‫<ا جم<‬‫<ول ‪ ( :‬ولكم فيه<‬‫<دة ‪ ,‬ثم يق<‬
‫<ة والفائ<‬
‫وفى هذا تنبيه على جانب المنفع<‬
‫تسرحون )‪ ,  ‬فهذا تنبيه على الجانب الجمالي ‪ ,‬حيث يلفتنا إلى هذه اللوحة الربانية الرائع<<ة ‪ ,‬ال<<تي لم‬
‫ترس<<<مها ي<<<د فن<<<ان مخل<<<وق ‪ ,‬ب<<<ل رس<<<متها ي<<<د الخ<<<الق س<<<بحانه ‪ .‬‬
‫وفى نفس السياق يقول سبحانه‪ ( ‬والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة )‪ , ‬فالركوب يحق<<ق منفع<<ة‬
‫مادية مؤكدة ‪ ,‬أما الزينة فهي متعة جمالية فنية ‪ ,‬بها يتحقق التكامل للوف<<اء بحاج<<ات اإلنس<<ان ك<<ل‬
‫اإلنس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ان ‪ .‬‬
‫وفى هذا السياق من نفس السورة امتن اهلل تعالى بتسخير البحر فقال ‪ ( :‬وهو الذي سخر البحر لت<<أكلوا‬
‫منه لحمًا طريًا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها )‪ ‬فلم يقصر فائدة البحر على العنصر المادي المتمثل في‬
‫اللحم الطري الذي يؤكل ‪ ,‬فينتفع به الجسم ‪ ,‬بل ضم إليه الحلية التي تلبس للزينة ‪ ,‬فتستمتع به<<ا العين‬
‫والنفس ‪ .‬‬
‫<اب‬ ‫<ل واألعن<‬ ‫وهذا التوجيه القرآني تكرر في أكثر من مجال ‪ ,‬ومن ذلك ‪ :‬مجال النبات والزرع والنخي<‬
‫والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ‪ ,‬يقول تعالى في موضع من سورة األنعام ‪ ( :‬كلوا من ثم<<ره‬
‫إذا أثم<<<<<ر وآت<<<<<وا حق<<<<<ه ي<<<<<وم حص<<<<<اده وال تس<<<<<رفوا )‪ . ‬‬
‫< بعد ذكر الزرع وجنات النخيل والعنب ‪ ( :‬انظروا إلى ثمره إذا‬ ‫وفى موضع آخر من نفس السورة يقول‬
‫أثم<<<<<<ر وينع<<<<<<ه ‪ ,‬إن في ذلكم آلي<<<<<<ات لق<<<<<<وم يؤمن<<<<<<ون )‪ . ‬‬
‫فكما أن الجسم في حاجة إلى األكل من الثمر إذا أثمر ‪ ,‬فإن النفس في حاجة إلى االستمتاع ب<<النظر إلى‬
‫<و هم البطن !‪ ‬‬ ‫<د ه<‬ ‫<ه األول أو األوح<‬‫<ون هم<‬ ‫<ان أن يك<‬ ‫<ع اإلنس<‬‫ثمره إذا أثمر وينعه ‪ .‬وبهذا يرتف<‬
‫ومثل ذلك قوله تعالى ‪ ( :‬يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا اشربوا وال تسرفوا ‪ ,‬انه ال يحب‬
‫المس<<رفين * ق<<ل من ح<<رم زين<<ة اهلل ال<<تي أخ<<رج لعب<<اده والطيب<<ات من ال<<رزق )‪ . ‬‬
‫<وب ‪  .‬‬ ‫<ا مطل<‬ ‫<ان ‪ ,‬وكالهم<‬ ‫<ة الجثم<‬‫<رب لحاج<‬ ‫<ل والش<‬ ‫<دان ‪ ,‬واألك<‬
‫<ة الوج<‬ ‫<ة لحاج<‬‫<ذ الزين<‬‫فأخ<‬
‫<رج‬ ‫<تي أخ<‬ ‫وكذلك نجد االستفهام اإلنكاري في اآلية الثانية ينصب على أمرين ‪ :‬تحريم « زينة اهلل » ال<‬
‫لعباد« ‪ ,‬وتحريم « الطيبات » من الرزق ‪ ,‬و « زينة اهلل » ‪ ,‬تجسد عنصر الجم<<ال ال<<ذي هي<<أه اهلل‬
‫لعباده ‪ ,‬بجوار عنصر المنفعة الذي يتمثل في « الطيبات من الرزق » ‪ .‬وتأمل هذه‪ ‬اإلضافة‪ - ‬إض<<افة‬
‫<ياق‬ ‫<ذا الس<‬‫كلمة «زينة » ‪ -‬إلى لفظ الجاللة « زينة اهلل » ففيها تشرف لهذه الزينة وتنويه بها‪ .‬وفى ه<‬
‫ج<<<<اء قب<<<<ل ه<<<<اتين اآلي<<<<تين قول<<<<ه تع<<<<الى في ش<<<<أن اللب<<<<اس ‪:‬‬
‫( يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يوارى سوءاتكم وريشًا ‪ ,‬ولباس التقوى ذلك خير)‪ , ‬فقد جعلت اآلي<<ة‬
‫< ‪ :‬مقصد «‬ ‫اللباس ‪ -‬الذي امتن اهلل تعالى بإنزاله ‪ -‬أنواعًا ‪ ,‬وإن شئت قلت ‪ :‬جعلت له مقاصد ومهمات‬
‫<ه ‪« :‬‬ ‫الستر » المعبر عنه بقوله ‪ « :‬يواري سوءاتكم » ‪ ,‬ومقصد « التجمل والزينة » المعبر عنه بقول<‬
‫وريشًا » ومقصد « الوقاية » من الحر والبرد ‪ ,‬المعبر عنه بقوله ‪ « :‬ولباس التقوى » ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬
‫المؤمن عميق اإلحساس بالجمالـ في الكون والحياة واإلنسان‬
‫إن المتجول في رياض القرآن يرى بوضوح ‪ :‬أنه يريد أن يغرس في عقل كل مؤمن وقلب<<ه الش<<عور‬
‫بالجمال المبثوث في أجزاء الكون من فوقه ومن تحته ومن حوله ‪ :‬في السماء ‪ ,‬واألرض ‪ ,‬والنب<<ات ‪,‬‬
‫والحي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وان ‪ ,‬واإلنس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ان ‪ .‬‬
‫<ا من‬‫<ا له<‬
‫في جمال السماء يقرأ قوله تعالى ‪ ( :‬أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وم<‬
‫ف<<<روج )‪ ( , ‬ولق<<<د جعلن<<<ا في الس<<<ماء بروج<<<ًا وزيناه<<<ا للن<<<اظرين )‪ . ‬‬
‫<ل زوج‬ ‫<ا من ك<‬ ‫<ا فيه<‬
‫وفى جمال األرض ونباتها يقرأ ‪ ( :‬واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتن<‬
‫بهيج )‪ ( . ‬وأن<<<زل لكم من الس<<<ماء م<<<ا ًء فأنبتن<<<ا ب<<<ه ح<<<دائق ذات بهج<<<ة )‪ . ‬‬
‫<ون وحين‬ ‫<ال حين تريح<‬ ‫<ا جم<‬ ‫<ام ‪ ( :‬ولكم فيه<‬ ‫<ل عن األنع<‬
‫<اه قب<‬
‫وفى جمال الحيوان يقرا ما ذكرن<‬
‫تس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رحون )‪ . ‬‬
‫وفى جمال اإلنسان يقرأ ‪ ( :‬وصوركم فأحسن صوركم )‪ (, ‬الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما‬
‫ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء ركب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ك )‪. ‬‬
‫إن المؤمن يرى يد اهلل المبدعة في كل ما يشاهده في هذا الكون البديع ‪ ,‬ويبصر جمال اهلل في جمال ما‬
‫<ه )‪ . ‬‬
‫<يء خلق<‬ ‫<ل ش<‬‫<ن ك<‬ ‫<ذي أحس<‬ ‫خلق وصور ‪ ,‬يرى فيه‪ ( ‬صنع اهلل الذي أتقن كل شيء )‪ ( , ‬ال<‬
‫<ل وعال ‪ .‬‬‫<ال اهلل ج<‬
‫<ر جم<‬ ‫<ه أث<‬
‫<ه ؛ ألن<‬
‫وبهذا يحب المؤمن الجمال في كل مظاهر الوجود من حول<‬
‫وهو يحب الجمال كذلك ؛ ألن « الجميل » اسم من أسمائه تعالى الحسنى وصفة من صفاته العال ‪ .‬وهو‬
‫يحب الجمال أيضا ‪ ,‬ألن ربه يحبه ‪ ,‬فهو جميل يحب الجمال ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬

‫إن هللا جميل يحب الجمال‬


‫وهذا ما علمه النبي صلى اهلل عليه وسلم ألصحابه ‪ ,‬وقد توهم بعضهم أن الولع بالجمال ينافي اإليمان ‪,‬‬
‫أو ي<<<دخل ص<<<احبه في دائ<<<رة الك<<<بر المقيت عن<<<د اهلل وعن<<<د الن<<<اس ‪ .‬‬
‫<ال ذرة‬‫روى ابن مسعود أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪ « :‬ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثق<‬
‫من كبر» ‪ ,‬فقال رجل ‪ :‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ‪ ,‬ونعله حسنة ‪ .‬ق<<ال ‪ « :‬إن اهلل جمي<<ل‬
‫يحب الجمال ‪ ,‬الكبر بطر الحق وغمط الناس »‪. ‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬
‫القرآن معجزة جمالية‬
‫والقرآن الكريم آية اإلسالم الكبرى ‪ ,‬ومعجزة الرسول العظمى ‪ :‬يعتبر معجزة جمالية ‪ ,‬إضافة إلى أن<<ه‬
‫معجزة عقلية ‪ ,‬فقد أعجز العرب بجمال بيانه ‪ ,‬وروعة نظمه وأسلوبه ‪ ,‬وتفرد لحنه وموس<يقاه ‪ ,‬ح<تى‬
‫س<<<<<<<<<<<<<<ماه بعض<<<<<<<<<<<<<<هم ‪ :‬س<<<<<<<<<<<<<<حرًا ‪ .‬‬
‫وقد بين علماء البالغة وأدباء العربية وجه اإلعجاز البياني أو الجمالي في هذا الكتاب ‪ ,‬منذ عبد القاهر‬
‫إلى ال<<<<<رافعي وس<<<<<يد قطب وبنت الش<<<<<اطئ وغ<<<<<يرهم في عص<<<<<رنا ‪.‬‬
‫<ال‬‫<ذا ق<‬‫ومن المطلوب في تالوة القرآن أن ينضم جمال الصوت واألداء إلى جمال البيان والنظم ‪ .‬وله<‬
‫تع<<<<<<<<<الى ‪ ( :‬ورت<<<<<<<<<ل الق<<<<<<<<<رآن ت<<<<<<<<<رتيال )‪. ‬‬
‫<وت‬ ‫وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬زينوا القرآن بأصواتكم »‪ , ‬وفى لف<ظ آخر‪ « : ‬ف<إن الص<‬
‫الحس<<<<<<<<<<ن يزي<<<<<<<<<<د الق<<<<<<<<<<رآن حس<<<<<<<<<<نًا »‪. ‬‬
‫وقال ‪ « :‬ليس منا من لم يتغن ب<القرآن »‪ ‬ولكن التغ<ني المطل<وب ال يع<ني التالعب أو التحري<ف‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم ألبى موسى ‪ «:‬لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة ! لقد أوتيت مزم<<ارا‬
‫من مزامير آل داود » ! فقال أبو موسى ‪ :‬لو علمت ذلك لحبرته ل<<ك تحب<<يرا » !!‪ ‬يع<<نى‪ :‬زدت في‬
‫تجوي<<<<<<<ده وإتقان<<<<<<<ه وتحس<<<<<<<ين الص<<<<<<<وت ب<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫<ه »‬ ‫<ر ب<‬
‫<القرآن ‪ ,‬يجه<‬‫<نى ب<‬ ‫<وت يتغ<‬‫<ن الص<‬ ‫<بي حس<‬‫<ا أذن لن<‬
‫<يء ‪ ,‬م<‬ ‫<ا أذن اهلل لش<‬
‫وقال ‪ « :‬م<‬
‫ولقد سمعت شيخنا الدكتور محمد عبد اهلل دراز رحمه اهلل يحكي لنا عن موقف ل<<ه في المجلس األعلى‬
‫لإلذاعة ‪ ,‬وقد كان عضوًا فيه ‪ :‬أنهم أرادوا أن يجعلوا وقت قراءة القرآن في االفتتاح والخت<<ام وبعض‬
‫الفترات محسوبا على نصيب الدين فقط ‪ ,‬فقال لهم ‪ :‬إن سماع القرآن ليس دينا فقط ‪ .‬إنه استمتاع أيضا‬
‫<‪.‬‬‫ب<<<الفن والجم<<<ال الم<<<ودع في الق<<<رآن ‪ ,‬والم<<<ؤدى بأحس<<<ن األص<<<وات‬
‫وهذا صحيح ‪ ,‬فالقرآن دين وعلم وأدب وفن معًا ‪ .‬فهو يغذي الروح ‪ ,‬ويقنع العقل ‪ ,‬ويوقظ الض<<مير ‪,‬‬
‫< اللسان ‪.‬‬‫ويمتع العاطفة ‪ ,‬ويصقل‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬

‫التعبير عن الجمال‬
‫وإذا كان اإلسالم قد دعا إلى اإلحساس بالجمال وتذوقه وحبه ‪ ,‬فإنه قد شرع التعبير عن هذا اإلحس<<اس‬
‫والتذوق والحب بما هو جمال أيضًا ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫‪ ‬‬
‫فنون القول واألدب‬
‫وأبرز ما يتجلى ذلك في فنون القول من الشعر والنثر والمقامة والقصة والملحمة ‪ ,‬وسائر فنون األدب ‪,‬‬
‫وقد استمع النبي صلى اهلل عليه وسلم إلى الشعر وتأثر به ‪ ,‬ومنه قصيدة كعب بن زهير الشهيرة « بانت‬
‫سعاد » وفيها من الغزل ما هو معروف ‪ ,‬وقصيدة النابغة الجعدي ‪ ,‬ودعا له ‪ ,‬ووظف الشعر في خدمة‬
‫الدعوة والدفاع عنها ‪ ,‬كما صنع مع حسان ‪ .‬واستشهد بالشعر كما في ‪ ‬قوله ‪ « :‬أصدق كلمة قالها شاعر‬
‫‪ :‬كلم<<<<<ة لبي<<<<<د ‪ :‬أال ك<<<<<ل ش<<<<<ئ م<<<<<ا خال اهلل باط<<<<<ل »‪ ‬‬
‫واستشهد أصحابه بالشعر ‪ ,‬وفسروا به معاني القرآن ‪ ,‬بل منهم من قاله ‪ ,‬وأجاد فيه ‪ ,‬كما ي<<روى عن‬
‫على ك<<<رم اهلل وجه<<<ه ‪ .‬وهن<<<اك ع<<<دد كب<<<ير من الص<<<حابة ك<<<انوا ش<<<عرا ء ‪ .‬‬
‫<د بن إدريس‬ ‫<ام محم<‬ ‫<ارك ‪ ,‬واإلم<‬‫وكثير من األئمة الكبار كانوا شعرا ء ‪ ,‬مثل اإلمام عبد اله بن المب<‬
‫الش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<افعي وغيرهم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ‪ .‬‬
‫<حرا ‪,‬‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم « إن من الشعر حكمة » ‪ « ,‬إن من البيان لسحرًا »« إن من البيان س<‬
‫وان من الش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<عر حكم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا »‪ .‬‬
‫<ل ‪,‬‬ ‫<ديح بالباط<‬
‫<عر الم<‬ ‫ومفهوم الحديث أن من الشعر ما هو بعيد عن الحكمة بل هو نقيضها ‪ ,‬مثل ش<‬
‫والفخر الكاذب والهجاء المتعدى ‪ ,‬والغزل المكشوف ‪ ,‬ونحو ذلك مما ال يتفق مع القيم األخالقية والمثل‬
‫العلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ‪ .‬‬
‫<الهم‬‫<ذب أفع<‬ ‫<ذين تك<‬ ‫<ئ ‪ ,‬وال<‬‫ولهذا ذم القرآن الشعراء الزائفين والمزيفين ‪ ,‬الذين ال يتورعون عن ش<‬
‫أقوالهم ‪ .‬وذلك في‪ ‬قوله تعالى ‪ ( :‬والشعراء يتبعهم الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد يهيم<<ون * وأنهم‬
‫يقولون ما ال يفعلون * إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا اهلل كثيرًاً وانتصروا من بعد ما ظلموا‬
‫‪  .  ) . . .‬‬
‫فالشعر ‪ -‬واألدب عامة ‪ ,‬والفن بوجه أعم ‪ -‬له هدف ووظيفة ‪ ,‬وليس سائبا ‪ ,‬فهو شعر مل<<تزم‪ ,‬وأدب‬
‫مل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<تزم ‪ ,‬وفن مل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<تزم ‪ .‬‬
‫أما القوالب التي يظهر فيها الشعر أو األدب فال مانع من تغيرها وتطورها ‪ ,‬واقتباس ما يالئمنا مما عند‬
‫غيرن<<<<<<ا ‪ .‬المهم ه<<<<<<و اله<<<<<<دف والمض<<<<<<مون والوظيف<<<<<<ة ‪ .‬‬
‫اخترع العرب قديما قوالب في الشعر كالموشحات ‪ ,‬وغيرها ‪ .‬ولهذا ال بأس من قبول القوالب الجدي<<دة‬
‫في الش<<<<<<<<<عر المعاص<<<<<<<<<ر ‪ .‬كالش<<<<<<<<<عر الح<<<<<<<<<ر ‪ .‬‬
‫كذلك ابتكر العرب في العصور اإلسالمية قوالب أدبية كالمقامات ‪ ,‬والقصص الخيالية ‪ ,‬كما في « رسالة‬
‫الغفران » ‪ ,‬و « ألف ليلة وليلة » وترجموا مثل « كليلة ودمنة » ‪ ,‬وألف المتأخرون المالحم الش<<عبية‬
‫مث<<ل قص<<ة « عن<<ترة » ‪ ,‬وس<<يرة « ب<<نى هالل » إلى غ<<ير ذل<<ك من الق<<والب ‪ .‬‬
‫<ا ‪ ,‬كالمس<رحية‬ ‫وفى عصرنا يمكننا أن نستحدث من القوالب ما شئنا ‪ ,‬وأن نقتبس من غيرنا م<ا ينفعن<‬
‫والرواي<<<<<<<<<<<<<ة والقص<<<<<<<<<<<<<ة القص<<<<<<<<<<<<<يرة ‪ .‬‬
‫والذي نود تأكيده هنا هو ضرورة االلتزام بالعربية الفصحى ‪ ,‬والحذر من المحاوالت المشبوهة لترويج‬
‫اللهجات العامية المختلفة للشعوب العربية ‪ ,‬فإنها تهدف إلى المباعدة بينها وبين القرآن والس<<نة ‪ ,‬كم<<ا‬
‫تهدف إلى تثبيت الفرقة والتجزئة اإلقليمية ‪ ,‬التي تحرص على بقائها القوى المعادية للعروبة واإلسالم ‪  .‬‬
‫ويغني عن ذلك اللغة السهلة التي تفهم الجماهير العربية بها نشرات األخبار في اإلذاعة والتلفاز ‪ ,‬وتفهم‬
‫به<<<<<<ا الص<<<<<<حف ال<<<<<<تي تطالعه<<<<<<ا ك<<<<<<ل ي<<<<<<وم ‪ .‬‬
‫<إنهم ال‬
‫<ة ‪ ,‬ف<‬‫<ون العربي<‬ ‫<الم ممن يتعلم<‬ ‫كما أن الفصحى هي التي تقرب بين العرب وسائر أبناء اإلس<‬
‫يتعلم<<<ون إال الفص<<<حى ‪ ,‬وال يس<<<تطيعون التف<<<اهم م<<<ع الجمي<<<ع إال به<<<ا ‪ .‬‬
‫<رحية‬ ‫<ة كالمس<‬ ‫<المية األدبي<‬‫وقد وجهت إلي في أكثر من مكان أسئلة حول شرعية بعض القوالب اإلس<‬
‫والقصة ‪ ,‬حيث يخترع القصاص أو المؤلف المسرحي شخصيات ‪ ,‬وينطقها بأقوال وأمور لم تحدث في‬
‫الواق<<<ع ‪ ,‬فه<<<ل ي<<<دخل ه<<<ذا في دائ<<<رة الك<<<ذب المح<<<رم ش<<<رعًا ؟‪ ‬‬
‫وكان جوابي ‪ :‬أن هذا ال يدخل في الكذب المحظور ‪ :‬ألن السامع يعرف جيدا أن المقص<<ود ليس ه<<و‬
‫إخبار القارئ بوقائع حدثت بالفعل ‪ .‬إنما هو أشبه بالكالم الذي يحكى على ألسنة الطيور والحيوان<<ات ‪,‬‬
‫فهو من باب التصوير الفني واستنطاق األشخاص بما يمكن أن ينطقوا به في هذا الموقف ‪ .‬كم<<ا حكى‬
‫القرآن عما تكلمت به « النملة » أو نطق به « الهدهد » أمام سليمان عليه السالم ‪ .‬فمن المؤكد أنهما لم‬
‫يتحدثا بهذا الكالم العربي المبين ‪ ,‬إنما ترجم القرآن عما يمكن أن يكون قولهما في هذا الوقت ‪ ,‬وذل<<ك‬
‫الموق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ف ‪ .‬‬
‫وق<<<<<<د ش<<<<<<اركت شخص<<<<<<يًا في الت<<<<<<أليف المس<<<<<<رحي بعملين ‪ :‬‬
‫أحدهما ‪ :‬مسرحية شعرية عن « يوسف الصديق » عليه السالم ‪ .‬وذلك في مطلع حياتي األدبية ‪ ,‬وأن<<ا‬
‫<هيرة ‪ .‬‬‫<وقي الش<‬ ‫<رحيات ش<‬ ‫<ك بمس<‬ ‫<أثرًا في ذل<‬
‫<ة ‪ ,‬وكنت مت<‬ ‫في السنة األولى من المرحلة الثانوي<‬
‫والثاني ‪ :‬مسرحية تاريخية عن سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف ‪ ,‬سميتها «عالم وطاغية» وقد مثلت‬
‫<اق بين‬‫<ل ‪ ,‬واالتف<‬‫< قبوال حسنا ‪ .‬بخالف األولى ! ألنها تتعلق بقصة نبي مرس<‬ ‫في أكثر من بلد ‪ ,‬والقت‬
‫علماء العصر منعقد على أن األنبياء ال يمثلون ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫الصفحة الرئيسية‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫الفصــــــــــــــــــــــــــــــــــل الحــــــــــــــــــــــــــــــــــادي عشر‬


‫المــــــــــــــــــــــــــــــرأة في المجتمــــــــــــــــــــــــــــــع المســــــــــــــــــــــــــــــلم‬

‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬الفهرس‬


‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬المرأة باعتبارها إنسانا ً‬ ‫‪  ‬تعدد الزوجات‬
‫شبهاتـ مردودة‬ ‫المرأة باعتبارها أنثى‬

‫المرأة باعتبارها أما ً‬ ‫االختالط المشروع‬

‫أمهات خالدات‬ ‫شبهات أنصار االختالط المفتوح‬

‫المرأة باعتبارها بنتا ً‬ ‫المرأة باعتبارها عضواً في المجتمع‬

‫المرأة باعتبارها زوجة‬ ‫أنصار المغاالة في عمل المرأة وشبهاتهم‬

‫استقالل الزوجة‬ ‫مضار اشتغال المرأة بعمل الرجال‬


‫الطالق‬ ‫متى يجوز للمرأة أن تعمل‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫المرأة باعتبارها إنسانا ً‬


‫جاء اإلسالم وبعض الناس ينكرون إنسانية المرأة ‪ ,‬وآخرون يرتابون فيها ‪ .‬وغيرهم يعترف بإنسانيتها ‪,‬‬
‫ولكن<<<<<<ه يعتبره<<<<<<ا مخلوق<<<<<<ًا خل<<<<<<ق لخدم<<<<<<ة الرج<<<<<<ل ‪.‬‬
‫فكان من فضل اإلسالم أنه كرم المرأة ‪ ,‬وأكد إنسانيتها ‪ ,‬وأهليتها للتكليف والمسئولية والجزاء ودخ<<ول‬
‫<دة ‪,‬‬‫الجنة ‪ ,‬واعتبرها إنسانًا كريمًا ‪ ,‬له كل ما للرجل من حقوق إنسانية ‪ .‬ألنهما فرعان من شجرة واح<‬
‫وأخ<<<<وان ول<<<<دهما أب واح<<<<د ه<<<<و آدم ‪ ,‬وأم واح<<<<دة هي ح<<<<واء ‪.‬‬
‫<اليف‬ ‫<اويان في التك<‬
‫<ة ‪ ,‬متس<‬ ‫فهما متساويان في أصل النشأة ‪ ,‬متساويان في الخصائص اإلنسانية العام<‬
‫والمس<<<<<<<<ئولية ‪ ,‬متس<<<<<<<<اويان في الج<<<<<<<<زاء والمص<<<<<<<<ير ‪.‬‬
‫<ا وبث‬ ‫وفي ذلك‪ ‬يقول القرآن ‪ ( :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجه<‬
‫<ًا )‪. ‬‬‫<ان عليكم رقيب<‬‫<ام ‪ ,‬إن اهلل ك<‬
‫<ه واألرح<‬ ‫<اءلون ب<‬ ‫منهما رجا ً‬
‫ال كثيرًا ونسا ًء واتقوا اهلل الذي تس<‬
‫وإذا كان الناس ‪ -‬كل الناس ‪ -‬رجاال ونساء ‪ ,‬خلقهم ربهم من نفس واحدة ‪ ,‬وجعل من هذه النفس زوجا‬
‫<رة‬‫<ذه األس<‬ ‫تكملها وتكتمل بها كما‪ ‬قال في آية أخرى ‪ ( :‬وجعل منها زوجها ليسكن إليها )‪ ‬وبث من ه<‬
‫ال كثيرًا ونسا ًء ‪ ,‬كلهم عباد لرب واحد ‪ ,‬وأوالد ألب واحد وأم واحدة ‪ ,‬ف<<األخوة تجمعهم ‪.‬‬ ‫الواحدة رجا ً‬
‫ولهذا أمرت اآلية الناس بتقوى اهلل ‪ -‬ربهم ‪ -‬ورعاية الرحم الواشجة بينهم ‪ ( :‬واتقوا اهلل الذي تساءلون‬
‫ب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه واألرح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ام )‪. ‬‬
‫فالرجل ‪ -‬بهذا النص ‪ -‬أخ المرأة ‪ ,‬والمرأة شقيقة الرجل ‪ .‬وفي هذا‪ ‬قال الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫« إنم<<<<<<<<<ا النس<<<<<<<<<اء ش<<<<<<<<<قائق الرج<<<<<<<<<ال »‪. ‬‬
‫<لمات‬ ‫<لمين والمس<‬‫<رآن ‪ ( :‬إن المس<‬ ‫وفى مساواة المرأة للرجل في التكليف والتدين والعبادة ‪ ,‬يقول الق<‬
‫<عين‬ ‫<ابرات والخاش<‬ ‫والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والص<‬
‫والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين‬
‫اهلل كث<<<<<يرًا وال<<<<<ذاكرات أع<<<<<د اهلل لهم مغف<<<<<ر ًة وأج<<<<<رًا عظيمًا‪. ) ‬‬
‫<ون‬ ‫<الى ‪ ( :‬والمؤمن<‬ ‫<ه تع<‬ ‫وفي التكاليف الدينية واالجتماعية األساسية يسوي القرآن بين الجنسين‪ ‬بقول<‬
‫<ون‬ ‫<الة ويؤت<‬‫< الص<‬ ‫<ون‬‫والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ‪ ,‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيم<‬
‫الزك<<<<<<اة ويطيع<<<<<<ون اهلل ورس<<<<<<وله ‪ ,‬أولئ<<<<<<ك س<<<<<<يرحمهم اهلل )‬
‫<ة وكال‬ ‫<ك الجن<‬ ‫وفي قصة آدم توجه التكليف اإللهي إليه والى زوجه سواء ‪ ( :‬يا آدم اسكن أنت وزوج<‬
‫منه<<<ا رغ<<<دًا حيث ش<<<ئتما وال تقرب<<<ا ه<<<ذه الش<<<جرة فتكون<<<ا من الظ<<<المين )‪. ‬‬
‫ولكن الجديد في هذه القصة ‪ -‬كما ذكرها القرآن ‪ -‬أنها نسبت اإلغواء إلى الشيطان ال إلى حواء ‪ -‬كما‬
‫فعلت الت<<<وراة ‪ ( -‬فأزلهم<<<ا الش<<<يطان عنه<<<ا فأخرجهم<<<ا مم<<<ا كان<<<ا في<<<ه )‪. ‬‬
‫<ة‬‫ولم تنفرد حواء باألكل من الشجرة وال كانت البادئة ‪ ,‬بل كان الخطأ منهما معًا ‪ ,‬كما كان الندم والتوب<‬
‫<ونن من الخاس<رين )‪.‬‬ ‫<ا أنفس<نا وان لم تغف<ر لن<ا وترحمن<ا لنك<‬ ‫منهما جميعا ‪ ( :‬قاال ربن<ا ظلمن<‬
‫<ى ولم‬ ‫<ل فنس<‬‫بل في بعض اآليات نسبة الخطأ إلى آدم بالذات وباألصالة‪ ( : ‬ولقد عهدنا إلى آدم من قب<‬
‫<ك ال‬ ‫<د ومل<‬‫<جرة الخل<‬‫<ك على ش<‬ ‫<ل أدل<‬‫<ا آدم ه<‬
‫<ال ي<‬ ‫<يطان ق<‬‫نجد له عزمًا)‪ ( … ‬فوسوس إليه الش<‬
‫يبلى )‪ ( … ‬وعصى آدم ربه فغوى )‪ . ‬كما نسب إليه التوبة وحده أيضا ‪ ( :‬ثم اجتباه ربه فتاب علي<<ه‬
‫وه<<<دى )‪ ‬مم<<<ا يفي<<<د أن<<<ه األص<<<ل في المعص<<<ية ‪ ,‬والم<<<رأة ل<<<ه تب<<<ع ‪ .‬‬
‫<زر وازرة‬ ‫<ا ‪ ,‬وال ت<‬
‫ومهما يكن األمر فإن خطيئة حواء ال يحمل تبعتها إال هي ‪ ,‬وبناتها براء من إثمه<‬
‫وزر أخرى ‪ ( :‬تلك أمه قد خلت ‪ ,‬لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ‪ ,‬وال تسئلون عما ك<<انوا يعمل<<ون )‪. ‬‬
‫وفى مساواة المرأة للرجل في الجزاء ودخول الجنة‪ ‬يقول اهلل تعالى ‪ ( :‬فاستجاب لهم ربهم أني ال أضيع‬
‫عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ‪ ,‬بعضكم من بعض )‪ , ‬فنص القرآن في صراحة على أن األعمال ال‬
‫تضيع عند اهلل ‪ ,‬سواء أكان العامل ذكرًا أم أنثى ‪ ,‬فالجميع بعضهم من بعض ‪ ,‬من طينة واحدة ‪ ,‬وطبيعة‬
‫واحدة ‪  .‬ويقول ‪ ( :‬من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ‪ ,‬ولنجزينهم أجرهم‬
‫<دخلون‬ ‫<ك ي<‬‫بأحسن ما كانوا يعملون )‪ ( , ‬ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئ<‬
‫الجن<<<<<<<<<<<<<ة وال يظلم<<<<<<<<<<<<<ون نق<<<<<<<<<<<<<يرا )‪. ‬‬
‫<ان‬‫<ًا ‪ -‬من حرم<‬‫وفى الحقوق المالية للمرأة ‪ ,‬أبطل اإلسالم ما كان عليه كثير من األمم ‪ -‬عربًا وعجم<‬
‫النساء ‪ ,‬من التملك والميراث ‪ ,‬أو التضييق عليهن في التصرف فيما يملكن ‪ ,‬واستبداد األزواج ب<<أموال‬
‫المتزوجات منهن ‪ ,‬فأثبت لهن حق الملك بأنواعه وفروعه ‪ ,‬وحق التصرف بأنواعه المشروعة ‪ .‬فشرع‬
‫<ف‬ ‫<ارة والوق<‬
‫<ة واإلع<‬ ‫الوصية واإلرث لهن كالرجال ‪ ,‬وأعطاهن حق البيع والشراء ‪ ,‬واإلجارة والهب<‬
‫والص<<دقة والكفال<<ة والحوال<<ة وال<<رهن ‪ . . . .‬وغ<<ير ذل<<ك من العق<<ود واألعم<<ال ‪.‬‬
‫ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها ‪ -‬كالدفاع عن نفسها ‪ -‬بالتقاضي وغيره من األعمال المشروعة ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫شبهات مردودة‬
‫وهن<<<ا تع<<<رض لبعض الن<<<اس ش<<<بهات ‪ ,‬وت<<<دور في خ<<<واطرهم أس<<<ئلة ‪:‬‬
‫إذا كان اإلسالم قد اعتبر إنسانية المرأة مساوية إلنسانية الرجل ‪ ,‬فما باله فضل الرجل عليها في بعض‬
‫<ة ‪ ,‬وبعض‬‫<ة الدول<‬ ‫المواقف واألحوال ‪ .‬كما في الشهادة ‪ ,‬والميراث ‪ ,‬والدية ‪ ,‬وقوامة المنزل ‪ ,‬ورياس<‬
‫األحك<<<<<<<<<<<<<ام الجزئي<<<<<<<<<<<<<ة األخ<<<<<<<<<<<<<رى ؟‬
‫والواقع أن تمييز الرجل عن المرأة في هذه األحكام ‪ ,‬ليس ألن جنس الرجل أكرم عند اهلل وأقرب إلي<<ه‬
‫<ته‬
‫من جنس المرأة ‪ .‬فإن أكرم الناس عند اهلل أتقاهم ‪ -‬رجال كان أو امرأة ‪ -‬ولكن هذا التمي<<يز اقتض<‬
‫الوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة ‪ .‬كما سنوضح ذلك فيما يلي ‪:‬‬

‫الدية‬ ‫‪‬‬
‫الشهادة‬ ‫‪‬‬

‫القوامة‬ ‫‪‬‬ ‫الميراث‬ ‫‪‬‬

‫المناصب القضائية والسياسية‬ ‫‪‬‬

‫الشهادة ‪:‬‬

‫جاء في القرآن في آية المدينة التي أمر اهلل فيها بكتابة الدين واالحتياط له ‪ ( :‬واستشهدوا ش<<هيدين من‬
‫رجالكم ‪ ,‬فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تض<<ل إح<<داهما فت<<ذكر‬
‫إح<<<<<داهما األخ<<<<<رى ‪ ,‬وال ي<<<<<أب الش<<<<<هداء إذا م<<<<<ا دع<<<<<وا )‪. ‬‬
‫وبهذا جعل القرآن شهادة الرجل تساوى شهادة امرأتين ‪ .‬كما قرر الفقهاء أن شهادة النساء ال تقب<<ل في‬
‫الح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دود والقص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اص ‪.‬‬
‫والحمد هلل أن هذا التفاوت ليس لنقص إنسانية المرأة أو كرامتها ‪ .‬بل ألنها ‪ -‬بفطرتها واختصاص<<ها ‪-‬‬
‫ال تشتغل عادة باألمور المالية والمعامالت المدنية ‪ .‬إنما يشغلها ما يشغل النساء ‪ -‬عادة ‪ -‬من ش<<ئون‬
‫<ون‬ ‫<ًا ‪ .‬ومن ثم تك<‬
‫<انت أيم<‬ ‫البيت إن كانت زوجة ‪ ,‬واألوالد إن كانت أما ‪ ,‬والتفكير في الزواج إن ك<‬
‫ذاكرتها أضعف في شئون المعامالت ‪ .‬لهذا أمر اهلل تعالى أصحاب الدين إذا أرادوا االستيثاق لديونهم أن‬
‫<داهما‬‫ال وامرأتين ‪ .‬وعلل القرآن ذلك‪ ‬بقوله ‪ ( :‬أن تضل إحداهما فتذكر إح<‬ ‫يشهدوا عليها رجلين أو رج ً‬
‫األخ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رى )‪. ‬‬
‫<اص ‪. .‬‬ ‫<دود والقص<‬ ‫ومثل ذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء ‪ ,‬الذين لم يعتبروا شهادة النساء ‪ ,‬في الح<‬
‫<‪.‬‬‫بعدًا بالمرأة عن مجاالت االحتكاك ‪ ,‬ومواطن الجرائم ‪ .‬والعدوان على األنفس واألعراض واألم<<وال‬
‫فهي إن شهدت هذه الجرائم كثيرا ما تغمض عينها ‪ ,‬وتهرب صائحة مولولة ‪ ,‬ويصعب عليها أن تصف‬
‫<ال ‪.‬‬‫<ذه الح<‬‫<ل ه<‬ ‫<دقيق في مث<‬ ‫<ل الت<‬‫<ابها ال تحتم<‬
‫< ‪ ,‬ألن أعص<‬ ‫<وح‬ ‫<ة ووض<‬ ‫<رائم بدق<‬
‫<ذه الج<‬
‫ه<‬
‫ولهذا يرى هؤالء الفقهاء أنفسهم األخذ بشهادة المرأة ‪ -‬ولو منفردة ‪ -‬فيما هو من شأنها واختصاصها ‪,‬‬
‫كشهادتها في الرضاع والبكارة والثيوبة والحيض والوالدة ‪ ,‬ونحو ذلك مما كان يختص بمعرفته النساء ‪,‬‬
‫في العص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ور الس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ابقة ‪.‬‬
‫<ابعين ‪ -‬األخ<ذ بش<هادة النس<اء‪.‬‬ ‫على أن هذا الحكم غير مجمع عليه‪ ,‬فمذهب عطاء ‪ -‬من أئم<ة الت<‬
‫ومن الفقهاء من يرى األخذ بشهادة النساء ‪ ,‬في الجنايات في المجتمعات التي ال يكون فيها الرجال عادة‬
‫مثل حمامات النساء ‪ ,‬واألعراس ‪ ,‬وغير ذلك مما اعتاد الناس أن يجعلوا فيه للنساء أماكن خاصة ‪ ,‬فإذا‬
‫<هادتهن‬‫<در ش<‬ ‫<ل ته<‬ ‫اعتدت إحداهن على أخرى بقتل أو جرح أو كسر ‪ ,‬وشهد عليها شهود منهن ‪ ,‬فه<‬
‫لمج<<رد أنهن إن<<اث ؟ أو تطلب ش<<هادة الرج<<ال في مجتم<<ع ال يحض<<رون في<<ه ع<<ادة ؟‬
‫الصحيح أن تعتبر شهادتهن ما دمن عادالت ضابطات واعيات ‪.‬‬

‫أعلى‬

‫الميراث ‪:‬‬

‫<اليف‬‫أما التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة ‪ ,‬فالواضح أنه نتيجة للتفاوت بينهما في األعباء‪ ,‬والتك<‬
‫المالي<<<<<<<ة المفروض<<<<<<<ة على ك<<<<<<<ل منهم<<<<<<<ا ش<<<<<<<رعا ‪ .‬‬
‫فلو افترضنا أبا مات ‪ ,‬وترك وراءه ابنا وبنتا ‪ ,‬فاالبن يتزوج فيدفع مهرًا ‪ ,‬وي<<دخل بالزوج<<ة في<<دفع‬
‫نفقتها ‪ ,‬على حين تتزوج البنت فتأخذ مهرًا ‪ ,‬ثم يدخل بها زوجها ‪ ,‬فيلتزم بنفقتها ‪ ,‬وال يكلفها فلسًا ‪ ,‬وان‬
‫ك<<<<<<<<<<<<<<انت من أغ<<<<<<<<<<<<<<نى الن<<<<<<<<<<<<<<اس ‪.‬‬
‫ال ‪ ,‬أخذ االبن منها مائة وأخته خمسين ‪ .‬فعندما يتزوج االبن‬ ‫فإذا كان قد ترك لهما مائة وخمسين ألفا مث ً‬
‫<ة‬
‫قد يدفع مهرًا وهدايا نقدرها مثال بخمسة وعشرين ألفا ‪ .‬فينقص نص<يبه ليص<بح ( ‪ ) 75000‬خمس<‬
‫وسبعين ألفًا ‪ .‬في حين تتزوج أخته فتقبض مهرًا وهدايا نقدرها بما قدرنا به ما دفع أخوها لمثلها ‪ .‬فهنا‬
‫يزيد نصيبها فيصبح ( ‪ ) 75000‬خمسة وسبعين ألفا ‪ .‬فتساويا ‪.‬‬

‫أعلى‬

‫الدية ‪:‬‬
‫<م ‪ -‬من‬‫<ة واألص<‬ ‫وأما الدية فليس فيها حديث متفق على صحته ‪ ,‬وال إجماع مستيقن بل ذهب ابن علي<‬
‫<ة‬
‫فقهاء السلف ‪ -‬إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية ‪ ,‬وهو الذي يتفق مع عموم النصوص القرآني<‬
‫والنبوية الصحيحة وإطالقها ‪ .‬ولو ذهب إلى ذلك ذاهب اليوم ‪ ,‬ما كان عليه من حرج ‪ ,‬فالفتوى تغ<<ير‬
‫بتغير الزمان والمكان ‪ .‬إذا كانت تتمشى مع النصوص الجزئية والمقاصد الكلية ؟‬

‫أعلى‬

‫القوامة ‪:‬‬

‫وأم<<<<ا القوام<<<<ة ‪ ,‬فإنم<<<<ا جعله<<<<ا اهلل للرج<<<<ل بنص الق<<<<رآن ألم<<<<رين ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما فضله اهلل به من التبصر في العواقب ‪ ,‬والنظر في األمور بعقالنية أكثر من المرأة التي جهزه<<ا‬
‫بجه<<<<<<<از ع<<<<<<<اطفي دف<<<<<<<اق من أج<<<<<<<ل األموم<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫<ذا‬
‫<ه ‪ .‬له<‬
‫<تنهدم على أم رأس<‬‫‪ .2‬أن الرجل هو الذي ينفق الكثير على تأسيس األسرة ‪ .‬فلو انهدمت س<‬
‫سيفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرار تفكيكها ‪.‬‬

‫أعلى‬

‫المناصب القضائية والسياسية ‪:‬‬

‫وأما مناصب القضاء ‪ ,‬والسياسة ‪ ,‬فقد أجاز أبو حنيفة أن تتولى القضاء ‪ ,‬فيما تجوز شهادتها في<<ه ‪ ,‬أي‬
‫<ات‬‫<وال وفي الجناي<‬‫<اء ‪ ,‬في األم<‬‫في غير األمور الجنائية ‪ ,‬وأجاز الطبري وابن حزم أن تتولى القض<‬
‫وغيره<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ‪.‬‬
‫وجواز ذلك ال يعنى وجوبه ولزومه ‪ ,‬بل ينظر لألمر في ضوء مصلحة المرأة ‪ ,‬ومص<<لحة األس<<رة ‪,‬‬
‫ومصلحة المجتمع ‪ ,‬ومصلحة اإلسالم ‪ ,‬وقد يؤدي ذلك إلى اختيار بعض النساء المتميزات في سن معينة‬
‫‪ ,‬للقض<<<<<<اء في أم<<<<<<ور معين<<<<<<ة ‪ ,‬وفي ظ<<<<<<روف معين<<<<<<ة ‪.‬‬
‫<ذي‬‫<راع ال<‬‫<ل الص<‬ ‫وأما منعها من رئاسة الدولة وما في حكمها ‪ ,‬فألن طاقة المرأة ‪ -‬غالبا ‪ -‬ال تحتم<‬
‫تقتضيه تلك المسؤولية الجسيمة ‪ .‬وإنما قلنا ‪ « :‬غالبا » ‪ ,‬ألنه قد يوجد من النس<<اء من يكن أق<<در من‬
‫<نى على‬‫<ام ال تب<‬‫<رآن ‪ ,‬ولكن األحك<‬‫بعض الرجال ‪ ,‬مثل ملكة سبأ ‪ ,‬التي قص اهلل علينا قصتها في الق<‬
‫الن<<<ادر ‪ ,‬ب<<<ل على األعم األغلب ‪ ,‬وله<<<ذا ق<<<ال علماؤن<<<ا ‪ :‬الن<<<ادر ال حكم ل<<<ه ‪.‬‬
‫وأما أن تكون مديرة أو عميدة ‪ ,‬أو رئيسة مؤسسة ‪ ,‬أو عضوًا في مجلس نيابي ‪ .‬أو نحو ذلك‪ ,‬فال حرج‬
‫إذا اقتضته المصلحة ‪ ,‬وقد فصلنا ذلك بأدلته في الجزء الثاني من كتابنا «‪ ‬فتاوى معاصرة‪.» ‬‬

‫أعلى‬
‫إلى الفهرس‬

‫المرأة باعتبارها أما ً‬


‫ال يعرف التاريخ دينا وال نظاما كرم المرأة باعتباره<ا أم<ا ‪ ,‬وأعلى من مكانته<ا ‪ ,‬مث<ل اإلس<الم ‪.‬‬
‫لقد أكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد اهلل وعبادته ‪ ,‬وجعل برها من أصول الفضائل ‪ ,‬كم<<ا‬
‫<ا‬
‫<ذا م<‬ ‫جعل حقها أوكد من حق األب ‪ ,‬لما تحملته من مشاق الحمل والوضع واإلرضاع والتربية ‪ .‬وه<‬
‫يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان األبناء ونفوسهم ‪ .‬وذلك في مثل ‪ ‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫( ووصينا اإلنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في ع<امين أن اش<كر لي ولوال<ديك إلي‬
‫المصير )‪ (  , ‬ووصينا اإلنسان بوالديه إحسانا ‪ ,‬حملته أمه كرها ووضعته كرها ‪ ,‬وحمله وفصاله ثالثون‬
‫ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<هرًا )‪. ‬‬
‫وجاء رجل إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم يسأله ‪ :‬من أحق الناس بصحابتي ؟ قال ‪ «:‬أمك »‪ .‬قال ‪ :‬ثم‬
‫<وك »‪.‬‬ ‫<ال ‪ « :‬أب<‬‫<ال ‪ :‬ثم من ؟ ق<‬‫<ك » ‪ .‬ق<‬ ‫<ال ‪ « :‬أم<‬‫<ال ‪ :‬ثم من ؟ ق<‬‫<ك » ‪ .‬ق<‬ ‫من ؟ قال ‪ « :‬أم<‬
‫<لم‬
‫<لى اهلل علي<ه وس<‬ ‫<بي ص<‬ ‫<أل الن<‬ ‫ً‬
‫ويروي البزار أن رجال كان بالطواف حامال أمه يطوف بها ‪ ,‬فس<‬
‫هل أديت حقها ؟ قال ‪ « :‬ال ‪ ,‬وال بزفرة واحدة »‪ .. ! ‬أي من زفرات الطل<<ق والوض<<ع ونحوه<<ا ‪.‬‬
‫وبرها يعني ‪ :‬إحسان عشرتها ‪ ,‬وتوقيرها ‪ ,‬وخفض الجناح لها ‪ ,‬وطاعتها في غير المعصية ‪ ,‬والتماس‬
‫<رب من‬ ‫<ا ض<‬ ‫<إن بره<‬‫رضاها في كل أمر ‪ ,‬حتى الجهاد ‪ ,‬إذا كان فرض كفاية ال يجوز إال بإذنها ‪ ,‬ف<‬
‫الجه<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اد ‪.‬‬
‫جاء رجل إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ,‬أردت أن أغزو ‪ ,‬وقد جئت أستشيرك ‪,‬‬
‫<ا » ‪.‬‬‫<د رجليه<‬‫<ة عن<‬ ‫<إن الجن<‬
‫<ا ف<‬‫<ال ‪ « :‬فالزمه<‬ ‫<ال ‪ :‬نعم ‪ .‬ق<‬
‫<ك من أم » ؟ ق<‬ ‫<ل ل<‬‫<ال ‪ «:‬ه<‬‫فق<‬
‫وكانت بعض الشرائع تهمل قرابة األم ‪ ,‬وال تجعل لها اعتبارًا ‪ ,‬فجاء اإلسالم يوصى باألخوال والخاالت‬
‫‪ ,‬كم<<<<<<<<<ا أوص<<<<<<<<<ى باألعم<<<<<<<<<ام والعم<<<<<<<<<ات ‪.‬‬
‫<ال ‪ « :‬هل‬ ‫<ة ؟ فق<‬‫<ل لي من توب<‬ ‫<ال ‪ :‬إني أذنبت ‪ ,‬فه<‬ ‫<ل فق<‬‫<لم رج<‬‫<ه وس<‬ ‫أتى النبي صلى اهلل علي<‬
‫<ا »‪. ‬‬‫<ال ‪ « :‬فبره<‬ ‫<ال ‪ :‬نعم ‪ .‬ق<‬
‫<ة » ؟ ق<‬ ‫<ك من خال<‬ ‫<ل ل<‬‫<ال ‪ « :‬فه<‬‫<ال ‪ :‬ال ‪ .‬ق<‬‫لك من أم » ؟ ق<‬
‫ومن عجيب ما جاء به اإلسالم أنه أمر ببر األم وان كانت مشركة ‪  ,‬فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم عن صلة أمها المشركة ‪ ,‬وكانت قدمت عليها ‪ ,‬فقال لها ‪ « :‬نعم ‪ ,‬صلي أم<<ك »‪ ‬‬
‫ومن رعاية اإلسالم لألمومة وحقها وعواطفها ‪ :‬أنه جعل األم المطلقة أحق بحضانة أوالدها ‪ ,‬وأولى بهم‬
‫من األب ‪.‬‬
‫قالت امرأة ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ,‬إن أبني هذا ‪ ,‬كان ‪ :‬بطني له وعاء‪ ,‬وثديي له سقاء‪ ,‬وحجري له ح<<واء ‪,‬‬
‫<ا لم‬
‫<ه م<‬ ‫وان أباه طلقني ‪ ,‬وأراد أن ينتزعه مني ! فقال لها النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أنت أحق ب<‬
‫تنكحي »‪.‬‬
‫واختصم عمر وزوجته المطلقة إلى أبى بكر في شأن ابنه عاصم ‪ ,‬فقضى به ألمه ‪ ,‬وق<<ال لعم<<ر ‪« :‬‬
‫<انة ‪ .‬‬‫<اب الحض<‬ ‫<ة األب في ب<‬ ‫<ة األم أولى من قراب<‬ ‫<ك »‪ . ‬وقراب<‬ ‫ريحها وشمها ولفظها خير له من<‬
‫واألم التي عنى بها اإلسالم كل هذه العناية ‪ ,‬وقرر لها كل هذه الحقوق ‪ ,‬عليها واجب ‪ :‬أن تحسن تربية‬
‫أبنائها ‪ ,‬فتغرس فيهم الفضائل ‪ ,‬وتبغضهم في الرذائل ‪ ,‬وتعودهم طاعة اهلل ‪ ,‬وتش<<جعهم على نص<<رة‬
‫<داء‬‫<ق على ن<‬ ‫الحق ‪ ,‬وال تثبطهم عن الجهاد ‪ ,‬استجابة لعاطفة األمومة في صدرها ‪ ,‬بل تغلب نداء الح<‬
‫العاطف<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫ولقد رأينا أما مؤمنة كالخنساء ‪ ,‬في معركة القادسية تحرض بنيها األربعة ‪ ,‬وتوصيهم باإلقدام والثب<<ات‬
‫<ل‬‫<احت ‪ ,‬ب<‬ ‫في كلمات بليغة رائعة ‪ ,‬وما أن انتهت المعركة حتى نعوا إليها جميعا ‪ ,‬فما ولولت وال ص<‬
‫قالت في رضا ويقين ‪ :‬الحمد هلل الذي شرفني بقتلهم في سبيله !!‬

‫إلى الفهرس‬
‫أمهات خالدات‬
‫ومن توجيهات القرآن ‪ :‬أنه وضع أمام المؤمنين والمؤمنات أمثله فارعة ألمهات صالحات ‪ .‬ك<<ان لهن‬
‫أث<<<<<<<<<<ر ومك<<<<<<<<<<ان في ت<<<<<<<<<<اريخ اإليم<<<<<<<<<<ان ‪.‬‬
‫فأم موسى تستجيب إلى وحي اهلل وإلهامه ‪ ,‬وتلقى ولدها وفلذة كبدها في اليم ‪ ,‬مطمئنة إلى وعد ربها ‪(  :‬‬
‫<ا رادوه‬ ‫<زني ‪ ,‬إن<‬‫وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ‪ ,‬فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال تخافي وال تح<‬
‫إلي<<<<<<<<<<<<<ك وج<<<<<<<<<<<<<اعلوه من المرس<<<<<<<<<<<<<لين )‪. ‬‬
‫<ة اهلل أن‬
‫<يره ‪ ,‬داعي<‬‫وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محررا هلل ‪ ,‬خالصا من كل شرك أو عبودية لغ<‬
‫يتقب<<<<ل منه<<<<ا ن<<<<ذرها ‪ ( :‬فتقب<<<<ل م<<<<ني ‪ ,‬ان<<<<ك أنت الس<<<<ميع العليم )‪. ‬‬
‫فلما كان المولود أنثى ‪ -‬على غير ما كانت تتوقع ‪ -‬لم يمنعها ذلك من الوفاء بن<<ذرها ‪ ,‬س<<ائلة اهلل أن‬
‫يحفظه<<ا من ك<<ل س<<وء ‪ ( :‬وأني أعي<<ذها ب<<ك وذريته<<ا من الش<<يطان ال<<رجيم )‪.‬‬
‫<ديق‬ ‫<وت هلل ‪ ,‬والتص<‬‫<رآن آي<ة في الطه<ر والقن<‬ ‫<ى ‪ ,‬جعله<ا الق<‬‫ومريم ابنة عمران أم المسيح عيس<‬
‫بكلماته ‪ (  :‬ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه‬
‫وكانت من القانتين)‪. ‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫المرأة باعتبارها بنتا ً‬


‫كان العرب في الجاهلية يتشاتمون بميالد البنات ‪ ,‬ويضيقون به ‪ ,‬حتى قال أحد اآلباء ‪ -‬وقد بشر ب<<أن‬
‫زوجه ولدت أنثى ‪ « : -‬واهلل ما هي بنعم الولد ‪ ,‬نصرها بكاء‪ ,‬وبرها سرقة »! يريد أنها ال تستطيع أن‬
‫تنصر أباها وأهلها إال بالصراخ والبكاء ال بالقتال ‪ ,‬وال أن تبرهم إال بأن تأخذ من مال زوجها ألهلها ‪.‬‬
‫وكانت التقاليد المتوارثة عندهم تبيح لألب أن يئد ابنته ‪ -‬يدفنها حية ‪ -‬خشية من فقر قد يق<<ع ‪ ,‬أو من‬
‫ع<<<<<<<ار ق<<<<<<<د تجلب<<<<<<<ه حين تك<<<<<<<بر على قومه<<<<<<<ا ‪.‬‬
‫< القرآن منكرًا عليهم ومقرعًا لهم ‪ ( :‬وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت )‪ . ‬ويص<<ف‬ ‫وفي ذلك يقول‬
‫<وارى من‬ ‫<و كظيم * يت<‬ ‫حال اآلباء عند والدة البنات ‪ ( :‬وإذا بشر أحدهم باألنثى ظل وجهه مسودًا وه<‬
‫<ون )‪. ‬‬‫<ا يحكم<‬ ‫<اء م<‬
‫<تراب ‪ ,‬أال س<‬ ‫<ه في ال<‬ ‫<ون أم يدس<‬‫القوم من سوء ما بشر به ‪ ,‬أيمسكه على ه<‬
‫<ريعة‬‫<ر ‪ -‬كش<‬ ‫<ها اآلخ<‬‫وكانت بعض الشرائع القديمة تعطي األب الحق في بيع ابنته إذا شاء ‪ ,‬وبعض<‬
‫حمورابي ‪ -‬تجيز له أن يسلمها إلى رجل آخر ليقتلها أو يملكها إذا قتل األب ابن<<ه الرج<<ل اآلخ<<ر ‪.‬‬
‫جاء اإلسالم فاعتبر البنت ‪ -‬كاالبن ‪ -‬هبة من اهلل ونعمة ‪ -‬يهبها لمن يش<<اء من عب<<اده ‪ ( :‬يهب لمن‬
‫<ه عليم‬‫يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ‪ ,‬ويجعل من يش<<اء عقيم<<ا ‪ ,‬إن<‬
‫ق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دير )‪. ‬‬
‫وبين القرآن في قصصه أن بعض البنات قد تكون أعظم أثرًا وأخلد ذكرًا ‪ ,‬من كثير من األبناء الذكور ‪,‬‬
‫كما في قصة مريم ابنة عمران التي اصطفاها اهلل وطهرها واصطفاها على نساء العالمين ‪ ,‬وقد ك<<انت‬
‫أمها عندما حملت بها تتمنى أن تكون ذكرًا يخدم الهيكل ‪ ,‬ويكون من الصالحين ‪(  .‬إذ قالت امرأة عمران‬
‫رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا فتقبل مني ‪ ,‬انك أنت السميع العليم * فلما وضعتها ق<<الت رب‬
‫<ك‬‫<ذها ب<‬‫<ريم وإني أعي<‬ ‫إني وضعتها أنثى واهلل أعلم بما وضعت وليس الذكر كاألنثى ‪ ,‬وإني سميتها م<‬
‫وذريته<<ا من الش<<يطان ال<<رجيم * فتقبله<<ا ربه<<ا بقب<<ول حس<<ن وأنبته<<ا نبات<<ًا حس<<نًا‪)… ‬‬
‫وحمل القرآن ‪ -‬حملة شعواء ‪ -‬على أولئك القساة الذين يقتلون أوالدهم ‪ -‬إناثًا كانوا أو ذكورًا ‪ -‬فق<<ال‬
‫تعالى ‪ ( :‬قد خسر الذين قتلوا أوالدهم سفهًا بغير علم ) وقال ‪ « .‬وال تقتلوا أوالدكم خشية إمالق ‪ ,‬نحن‬
‫ن<<<<<<رزقهم وإي<<<<<<اكم ‪ ,‬إن قتلهم ك<<<<<<ان خطئ<<<<<<ًا كب<<<<<<يرًا )‪. ‬‬
‫وجعل رسول اإلسالم الجنة جزاء كل أب يحسن صحبة بناته ‪ ,‬ويصبر على تربيتهن وحسن ت<<أديبهن ‪,‬‬
‫ورعاية حق اهلل فيهن ‪ ,‬حتى يبلغن أو يموت عنهن ‪ ,‬وجعل منزلته بجواره ‪ -‬صلى اهلل عليه وس<<لم ‪-‬‬
‫في دار النعيم المقيم ‪.‬‬
‫روى مسلم عن أنس‪  ‬عنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ « :‬من عال جاريتين حتى تبلغا ‪ ,‬جاء يوم‬
‫القيامة أنا وهو‪ ..… ‬وضم أصابعه »‪ , ‬ورواه الترمذي بلفظ ‪ « :‬من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة‬
‫كه<<<<<اتين‪ , » … ‬وأش<<<<<ار بإص<<<<<بعه الس<<<<<بابة وال<<<<<تي تليه<<<<<ا ‪.‬‬
‫وروى ابن عباس‪ ‬عنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم « أنه قال ‪ « :‬ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهم<<ا م<<ا‬
‫ص<<<<<<<<حبتاه ‪ -‬أو ص<<<<<<<<حبهما ‪ -‬إال أدخلت<<<<<<<<اه الجن<<<<<<<<ة »‪. ‬‬
‫ونصت بعض األحاديث على أن هذا الجزاء ‪ -‬دخول الجنة ‪ -‬لألخ الذي يعول أخواته أو أختيه أيضًا ‪.‬‬
‫كما نص بعض آخر على أن هذه المكافآت اإللهية ‪ ,‬لمن أحسن إلى جنس البنات ولو ك<<انت واح<<دة ‪.‬‬
‫ففي حديث أبى هريرة ‪ «  :‬من كان له ثالث بنات ‪ ,‬فصبر على ألوائهن وضرائهن وسرائهن‪ ,‬أدخله اهلل‬
‫الجنة برحمته إياهن » ‪ .‬فقال رجل ‪ :‬واثنتان يا رسول اهلل ؟ قال ‪ « :‬واثنتان » ‪ .‬قال رجل ‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل ‪ ,‬وواح<<<<<<<<<<<<دة ؟ ق<<<<<<<<<<<<ال ‪ « :‬وواح<<<<<<<<<<<<دة »‪. ‬‬
‫وروى ابن عباس مرفوعًا‪ « ‬من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ‪ ,‬ولم يؤثر ولده ‪ -‬يعني ال<<ذكور ‪-‬‬
‫عليه<<<<<<<<<<<<<ا ‪ ,‬أدخل<<<<<<<<<<<<<ه اهلل الجن<<<<<<<<<<<<<ة »‪. ‬‬
‫<ذه‬‫<ال ‪ « :‬من ابتلى من ه<‬ ‫وفى حديث عائشة الذي رواه الشيخان‪ ‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ق<‬
‫البن<<<<<ات بش<<<<<يء ‪ ,‬فأحس<<<<<ن إليهن كن ل<<<<<ه س<<<<<ترًا من الن<<<<<ار »‪. ‬‬
‫وبهذه النصوص الصحيحة الصريحة ‪ ,‬والبشارات المكررة المؤكدة ‪ ,‬لم تعد والدة البنت عبئا يخاف منه‬
‫‪ ,‬وال طالع نحس يتطير به ‪ ,‬بل نعمة تشكر ‪ ,‬ورحمة ترجى وتطلب ‪ ,‬لما وراءها من فضل اهلل تعالى ‪,‬‬
‫وجزي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ل مثوبت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫وبهذا أبطل اإلسالم عادة الوأد إلى األبد ‪ ,‬وأصبح للبنت في قلب أبيها مكان عميق ‪ ,‬يتمثل في ‪ ‬قول النبي‬
‫<ا رابه<ا » ‪. ‬‬‫<ني ‪ ,‬يريب<ني م<‬ ‫<لى اهلل علي<ه وس<لم في ابنت<ه فاطم<ة ‪ « :‬فاطم<ة بض<عة م<‬ ‫ص<‬
‫ونلمس أثر ذلك في األدب اإلسالمي في مثل قول الشاعر ‪:‬‬

‫لـوال بنيـات كزغب القطا رددن من بعـض إلى بعض‬

‫لكان لي مضطرب واسع في األرض ذات الطول والعرض‬

‫وإنمـا أوالدنـا بيننـا أكبادنـا تمشــي على األرض !‬

‫إن هـبت الريح على بعضهم امتنعت عـيني عن الغمض‬

‫وأما سلطان األب على ابنته فال يتجاوز حدود التأديب والرعاية والتهذيب الديني والخلقي ‪ ,‬شأنها ش<<أن‬
‫إخوانها الذكور ‪ ,‬فيأمرها بالصالة إذا بلغت سبع سنين ‪ ,‬ويضربها عليها إذا بلغت عشرًا ‪ ,‬ويفرق حينئذ‬
‫<روج والكالم ‪.‬‬
‫<ة والخ<‬ ‫<اس والزين<‬ ‫<الم في اللب<‬
‫<ا أدب اإلس<‬‫بينها وبين إخوتها في المضجع ‪ ,‬ويلزمه<‬
‫ونفقت<<<<<ه عليه<<<<<ا واجب<<<<<ة دين<<<<<ًا وقض<<<<<ا ًء ح<<<<<تى ت<<<<<تزوج ‪.‬‬
‫وليس له سلطة بيعها أو تمليكها لرجل أخر بحال من األحوال ‪ ,‬فقد أبطل اإلسالم بيع الحر ‪ -‬ذكرًا كان‬
‫أو أن<<<<<<<<<ثى ‪ -‬بك<<<<<<<<<ل وج<<<<<<<<<ه من الوج<<<<<<<<<وه ‪.‬‬
‫<اء‬
‫ال حرًا اشترى أو ملك ابنة له كانت رقيقة عند غيره ‪ ,‬فإنها تعتق عليه بمجرد تملكها ‪ ,‬ش<‬ ‫ولو أن رج ً‬
‫أم أبى ‪ ,‬بحكم ق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<انون اإلس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<الم ‪.‬‬
‫< ‪ . .‬وال يجوز له أن يزوجها‬ ‫وإذا كان للبنت مال خاص بها ‪ ,‬فليس لألب إال حسن القيام عليه بالمعروف‬
‫<اح‬‫<ه بـ « نك<‬ ‫لرجل آخر ‪ ,‬على أن يزوجه األخر ابنته ‪ ,‬على طريقة التبادل ‪ ,‬وهو المسمى في الفق<‬
‫الش<<غار » وذل<<ك لخل<<و ال<<زواج من المه<<ر ال<<ذي ه<<و ح<<ق البنت ال ح<<ق أبيه<<ا ‪.‬‬
‫وليس لألب حق تزويج ابنته البالغة ممن تكرهه وال ترضاه ‪ .‬وعليه أن يأخذ رأيه<<ا فيمن تتزوج<<ه ‪:‬‬
‫<اء‬‫أتقبله أم ترفضه ‪ .‬فإذا كانت ثيبا فال بد أن تعلن موافقتها بصريح العبارة ‪ ,‬وان كانت بكرًا يغلبها حي<‬
‫<ا على‬ ‫<لطة إجباره<‬ ‫<ه س<‬‫العذراء اكتفى بسكوتها ‪ ,‬فالسكوت عالمة الرضا ‪ ,‬فإن قالت ‪ :‬ال ‪ . .‬فليس ل<‬
‫ال<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<زواج بمن ال تري<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<د ‪.‬‬
‫روى الجماعة عن أبى هريرة مرفوعا‪ «:  ‬ال تنكح األيم حتى تستأمر وال البكر حتى تستأذن » ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫ي<<<<<ا رس<<<<<ول اهلل ‪ ,‬وكي<<<<<ف إذنه<<<<<ا ؟ ق<<<<<ال ‪ « :‬أن تس<<<<<كت »‪. ‬‬
‫وروى الشيخان‪ ‬عن عائشة قالت ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬البكر تس<<تأذن ‪ .‬قلت ‪ :‬إن‬
‫البكر تستأذن وتستحي ! قال ‪ « :‬إذنها صماتها » ‪ ,‬ولهذا قال العلماء ‪ :‬ينبغي إعالم البكر بأن س<<كوتها‬
‫إذن ‪.‬‬
‫<لى‬‫وعن خنساء بنت خدام األنصارية ‪ « :‬أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ‪ ,‬فأتت رسول اهلل ص<‬
‫اهلل علي<<<<<<<<<<ه وس<<<<<<<<<<لم ف<<<<<<<<<<رد نكاحه<<<<<<<<<<ا »‪. ‬‬
‫<ا وهي‬ ‫<ا زوجه<‬ ‫وعن ابن عباس ‪ :‬أن جارية بكرًا أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فذكرت أن أباه<‬
‫كاره<<<<<ة ‪ ,‬فخيره<<<<<ا الن<<<<<بي ص<<<<<لى اهلل علي<<<<<ه وس<<<<<لم‪. ‬‬
‫<ول على‬ ‫<رورة الحص<‬ ‫وفي هذا دليل على أن األب ال يتميز عن غيره في وجوب استئذان البكر ‪ ,‬وض<‬
‫<ا ‪.‬‬
‫<ا وإذنه<‬ ‫<ا »‪ ‬أي يطلب أمره<‬ ‫<تأمرها أبوه<‬‫<ر يس<‬ ‫<يره ‪ « :‬والبك<‬
‫موافقتها ‪ .‬وفى صحيح مسلم وغ<‬
‫وعن عائشة ‪ :‬أن فتاة دخلت عليها ‪ ,‬فقالت ‪ :‬إن أبي زوجني من ابن أخيه ‪ ,‬ليرفع بي خسيسته ‪ ,‬وأن<<ا‬
‫كارهة ‪ .‬قالت ‪ :‬اجلسي حتى يأتي النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فأخبرته ‪ ,‬فأرسل إلى أبيه<<ا ‪ ,‬ف<<دعاه ‪,‬‬
‫<اء من‬ ‫فجعل األمر إليها ‪ .‬فقالت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ :‬قد أجزت ما صنع أبي ‪ ,‬ولكن أردت أن أعلم ‪ :‬أللنس<‬
‫األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يء » ؟‪. ‬‬
‫<ولي‬‫<إن زوج األب أو ال<‬ ‫وظاهر األحاديث يدل على أن استئذان البكر والثيب شرط في صحة العقد ‪ ,‬ف<‬
‫الثيب بغير إذنها فالعقد باطل مردود ‪ ,‬كما في قصة خنساء بنت خدام ‪ ..‬وفي البكر ‪ :‬هي صاحبة الخيار‬
‫إن ش<<اءت أج<<ازت ‪ ,‬وان ش<<اءت أبت ‪ ,‬فيبط<<ل العق<<د كم<<ا في قص<<ة الجاري<<ة ‪.‬‬
‫<ا‬
‫<زواج برض<‬ ‫<تى يتم ال<‬
‫<ا ‪ ,‬ح<‬‫ومن جميل ما جاء به اإلسالم ‪ :‬أنه أمر باستشارة األم في زواج ابنته<‬
‫األطراف المعنية كلها ‪ .‬فعن ابن عمر‪ ‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬آمروا النساء في بن<<اتهن‬
‫» ‪. ‬‬
‫<ه‬‫<ها إال بإذن<‬‫وإذا كان األب ال يحق له تزويج ابنته ممن ال ترضاه ‪ .‬كان من حقه عليها أال تزوج نفس<‬
‫لح<<<<<<<<<<<<ديث ‪ « :‬ال نك<<<<<<<<<<<<اح إال ب<<<<<<<<<<<<ولي »‪. ‬‬
‫<رط أن‬ ‫<ا ‪ ,‬بش<‬‫ورأى أبو حنيفة وأصحابه أن من حق الفتاة أن تزوج نفسها ‪ ,‬ولو بغير إذن أبيها ووليه<‬
‫يك<<<<ون ال<<<<زوج كفئ<<<<ًا له<<<<ا ‪ .‬ولم يثبت عن<<<<دهم الح<<<<ديث الم<<<<ذكور ‪.‬‬
‫< أن يتم الزواج بموافقة األب واألم واالبنة ‪ .‬حتى ال يكون هناك مجال للقيل والقال ‪ ,‬والخصومة‬ ‫واألولى‬
‫والش<<<<حناء ‪ ,‬وق<<<<د ش<<<<رع اهلل ال<<<<زواج مجلب<<<<ة للم<<<<ودة والرحم<<<<ة ‪.‬‬
‫<ق‬ ‫<ه الخل<‬‫والمطلوب من األب أن يتخير البنته الرجل الصالح الذي يسعدها ويسعد بها ‪ ,‬وأن يكون هم<‬
‫<اكم من‬ ‫<ديث ‪ « :‬إذا أت<‬ ‫<ا ‪ .‬وفى الح<‬‫<ر كفؤه<‬‫والدين ‪ ,‬ال المادة والطين ‪ ,‬وأال يعوق زواجها إذا حض<‬
‫ترضون خلقه ودينه فزوجوه‪ .‬إال تفعلوا تكن فتنة في األرض وفساد عريض »‪ .‬وبهذا علم اإلسالم األب‬
‫<رض وتعطى لمن‬ ‫<لعة » تع<‬
‫أن ابنته « إنسان » قبل كل شيء ‪ ,‬فهي تطلب إنسانًا مثلها ‪ ,‬وليست « س<‬
‫يدفع نقودًا أكثر ‪ ,‬كما هو شأن كثير من اآلباء الجاهلين والطامعين إلى اليوم ‪ .‬وفى الح<<ديث ‪ « :‬أعظم‬
‫النكاح بركة أيسره مئونة »‪. ‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫المرأة باعتبارها زوجة‬


‫<وء إلى‬ ‫<ه واللج<‬ ‫كانت بعض الديانات والمذاهب تعتبر المرأة رجسًا من عمل الشيطان ‪ ,‬يجب الفرار من<‬
‫حي<<<<<<<<<<<<<<اة التبت<<<<<<<<<<<<<<ل والرهبن<<<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫وبعضها اآلخر كان يعتبر الزوجة مجرد آلة متاع للرجل ‪ ,‬أو طاه لطعامه ‪ ,‬أو خادم لمنزل<<ه ‪ .‬فج<<اء‬
‫اإلسالم يعلن بطالن الرهبانية وينهى عن التبتل ‪ ,‬ويحث على الزواج ‪ ,‬ويعتبر الزوجية آية من آيات اهلل‬
‫في الكون ‪ (  :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ‪ ,‬إن في‬
‫ذل<<<<<<<<<<ك آلي<<<<<<<<<<ات لق<<<<<<<<<<وم يتفك<<<<<<<<<<رون )‪. ‬‬
‫وحين أراد جماعة من الصحابة أن يتبتلوا وينقطعوا للعبادة ‪ ,‬صائمين النهار ‪ ,‬قائمين الليل ‪ ,‬مع<<تزلين‬
‫<ام ‪,‬‬‫<وم وأن<‬
‫<ر ‪ ,‬وأق<‬ ‫النساء ‪ ,‬أنكر عليهم‪ ‬النبي صلى اهلل عليه وسلم ذلك قائ ً‬
‫ال ‪ « :‬أما أنا فأصوم وأفط<‬
‫وأت<<<<<<<زوج النس<<<<<<<اء ‪ ,‬فمن رغب عن س<<<<<<<نتي فليس م<<<<<<<ني »‪. ‬‬
‫<واه ‪-‬‬ ‫<ان باهلل وتق<‬
‫<د اإليم<‬‫وجعل اإلسالم الزوجة الصالحة للرجل أفضل ثروة يكتنزها من دنياه ‪ -‬بع<‬
‫وعدها أحد أسباب السعادة ‪ ,‬وفي الحديث ‪ « :‬ما استفاد المؤمن بعد تقوى اهلل عز وجل خيرًا من زوجة‬
‫<ه في‬ ‫صالحة ‪ ,‬إن أمرها أطاعته ‪ ,‬وان نظر إليها سرته ‪ ,‬وان أقسم عليها أبرته ‪ ,‬وان غاب عنها حفظت<‬
‫نفس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ها ومال<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه »‪. ‬‬
‫وق<<ال علي<<ه الص<<الة والس<<الم ‪ « :‬ال<<دنيا مت<<اع وخ<<ير متاعه<<ا الم<<رأة الص<<الحة »‪. ‬‬
‫<الح »‪. ‬‬ ‫<ركب الص<‬ ‫<الح ‪ ,‬والم<‬
‫<كن الص<‬ ‫<الحة ‪ ,‬والمس<‬‫<رأة الص<‬ ‫<عادة ابن آدم الم<‬
‫<ال ‪ « :‬من س<‬‫وق<‬
‫<بيل اهلل‪.‬‬
‫<ادًا في س<‬‫<ة جه<‬ ‫ورفع اإلسالم من قيمة المرأة باعتبارها زوجة‪ ,‬وجعل قيامها بحقوق الزوجي<‬
‫جاءت امرأة النبي صلى اهلل عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ,‬إني رسول النساء إليك ‪ ,‬وما منهن امرأة‬
‫<ال‬ ‫<يتها فق<الت ‪ :‬اهلل رب الرج<‬‫‪ -‬علمت أو لم تعلم ‪ -‬إال وهي تهوى مخرجي إليك ‪ .‬ثم عرضت قض<‬
‫والنساء وإلههن ‪ ,‬وأنت رسول اهلل إلى الرجال والنساء ‪ ,‬كتب اهلل الجهاد على الرجال ‪ ,‬ف<<إن أص<<ابوا‬
‫أجروا وان استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون ‪ ,‬فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة ؟ قال ‪« :‬‬
‫طاع<<<<<ة أزواجهن والقي<<<<<ام بحق<<<<<وقهم ‪ ,‬وقلي<<<<<ل منكن من يفعل<<<<<ه »‪. ‬‬
‫وقرر اإلسالم للزوجة حقوقًا على زوجها ‪ ,‬ولم يجعلها مجرد حبر على ورق ‪ ,‬بل جعل عليها أكثر من‬
‫ال ‪ ,‬ومن ضمير المجتمع ويقظته ثاني<<ًا ‪ ,‬ومن حكم الش<<رع‬ ‫حافظ ورقيب ‪ :‬من إيمان المسلم وتقواه أو ً‬
‫وإلزام<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه ثالث<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ًا ‪.‬‬
‫وأول‪  ‬هذه الحقوق هو « الصداق » الذي أوجبه اإلسالم للمرأة على الرجل إشعارا منه برغبت<<ه فيه<<ا‬
‫<ا‬‫وإرادته لها ‪  .‬قال تعالى ‪ ( :‬وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ‪ ,‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئ<‬
‫مريئ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا )‪. ‬‬
‫فأين هذا من المرأة التي نجدها في مدنيات أخرى ‪ :‬تدفع هي للرجل بعض مالها ! م<<ع أن فط<<رة اهلل‬
‫جعلت الم<<<<<<<<<<<<رأة مطلوب<<<<<<<<<<<<ة ال طالب<<<<<<<<<<<<ة ؟‬
‫<كن والعالج‬ ‫<ل والملبس والمس<‬ ‫<ير المأك<‬ ‫<ف بتوف<‬ ‫<ل مكل<‬ ‫وثاني‪ ‬هذه الحقوق ‪ ,‬هو « النفقة » ‪ .‬فالرج<‬
‫المرأته ‪  .‬قال عليه الصالة والسالم في بيان حقوق النساء ‪ « :‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‬
‫< من الناس بال إسراف وال تقتر ‪ ,‬قال تع<<الى ‪:‬‬ ‫< هو ما يتعارف عليه أهل الدين والفضل‬ ‫»‪ , ‬والمعروف‬
‫<ا )‪. ‬‬‫( لينفق ذو سعة من سعته ‪ ,‬ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه اهلل ‪ ,‬ال يكلف اهلل نفسًا إال ما آتاه<‬
‫<المعروف ) ‪.‬‬ ‫<روهن ب<‬ ‫<الى ‪ ( :‬وعاش<‬ ‫<ال تع<‬ ‫<المعروف » ‪ .‬ق<‬ ‫<رة ب<‬
‫<و « المعاش<‬ ‫وثالث‪ ‬الحقوق ‪ ,‬ه<‬
‫وهو حق جامع يتضمن إحسان العاملة في كل عالقة بين المرء وزوجه ‪ ,‬من حسن الخلق ‪ ,‬ولين الجانب‬
‫‪ ,‬وطيب الكالم ‪ ,‬وبشاشة الوجه ‪ ,‬وتطييب نفسها بالممازحة والترفيه عنها ‪ ,‬يقول الرس<<ول ص<<لى اهلل‬
‫علي<<<ه وس<<<لم ‪ « :‬أكم<<<ل المؤم<<<نين إيمان<<<ًا أحس<<<نهم خلق<<<ًا وألطفهم بأهل<<<ه »‪. ‬‬
‫<يركم ألهلي‬ ‫وروى ابن حبان عن عائشة‪ ‬أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬خيركم خيركم ألهله ‪ ,‬وأنا خ<‬
‫»‪  ‬وقد أثبتت السيرة النبوية العملية لطفه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬بأهله ‪ ,‬وحسن خلقه مع أزواج<<ه ‪,‬‬
‫حتى إنه كان يساعدهن في أعمال البيت أحيانًا ‪ ,‬وبلغ من مالطفته لهن أنه سابق عائشة مرتين ‪ ,‬فسبقته‬
‫م<<<<<رة وس<<<<<بقها أخ<<<<<رى ‪ ,‬فق<<<<<ال له<<<<<ا ‪ « :‬ه<<<<<ذه بتل<<<<<ك »‪. ‬‬
‫وفى مقابل هذه الحقوق أوجب عليها طاعة الزوج ‪ -‬في غير معصية طبعا ‪ -‬والمحافظة على ماله ‪ ,‬فال‬
‫تنفق منه إال بإذنه ‪ ,‬وعلى بيته ‪ ,‬فال تدخل فيه أحدًا إال برضاه ولو كان من أهلها ‪ .‬وه<<ذه الواجب<<ات‬
‫ليست كثيرة وال ظالمة في مقابل ما على الرجل من حقوق ‪ ,‬فمن المقرر أن كل ح<<ق يقابل<<ه واجب ‪,‬‬
‫ومن عدل اإلسالم أنه لم يجعل الواجبات على المرأة وحدها ‪ ,‬وال على الرجل وحده ‪ ,‬بل ‪ ‬قال تعالى ‪( :‬‬
‫<ات ‪.‬‬ ‫<ا عليهن من الواجب<‬ ‫<ل م<‬‫<وق مث<‬ ‫<اء من الحق<‬ ‫<المعروف )‪ ‬فللنس<‬‫<ذي عليهن ب<‬ ‫<ل ال<‬‫ولهن مث<‬
‫ومن جميل ما يروى أن ابن عباس وقف أمام المرآة يصلح من هيئته ‪ ,‬ويعدل من زينته ‪ ,‬فلما سئل في‬
‫ذلك قال ‪ :‬أتزين المرأتي كما تتزين لي امرأتي ‪ .‬ثم تال اآلية الكريم<<ة ‪ ( :‬ولهن مث<<ل ال<<ذي عليهن‬
‫بالمعروف )‪ .‬وهذا من أظهر األدلة على عميق فقه الصحابة رضي اهلل عنهم للقرآن الكريم ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫استقالل الزوجة‬
‫لم يهدر اإلسالم شخصية المرأة بزواجها ‪ ,‬ولم يذبها في شخصية زوجها ‪ ,‬كما هو الش<<أن في التقالي<<د‬
‫الغربية ‪ ,‬التي تجعل المرأة تابعة لرجلها ‪ ,‬فال تعرف باسمها ونسبها ولقبها العائلي ‪ ,‬بل بأنه<<ا زوج<<ة‬
‫فالن ‪.‬‬
‫<مائهن‬‫<ول بأس<‬ ‫<ات الرس<‬ ‫<ا زوج<‬ ‫أما اإلسالم فقد أبقى للمرأة شخصيتها المستقلة المتميزة ‪ ,‬ولهذا عرفن<‬
‫وأنسابهن ‪ .‬فخديجة بنت خويلد ‪ ,‬وعائشة بنت أبى بكر ‪ ,‬وحفصة بنت عمر ‪ ,‬وميمونة بنت الح<<ارث ‪,‬‬
‫وص<<فية بنت ح<<يى ‪ ,‬وك<<ان أبوه<<ا يهودي<<ا محارب<<ًا للرس<<ول ص<<لى اهلل علي<<ه وس<<لم ‪.‬‬
‫كما أن شخصيتها المدنية ال تنقص بالزواج ‪ ,‬وال تفقد أهليتها للعقود والمعامالت وسائر التصرفات ‪ ,‬فلها‬
‫أن ت<<بيع وتش<<تري ‪ ,‬وت<<ؤجر أمالكه<<ا وتس<<تأجر وتهب من ماله<<ا وتتص<<دق وتوكل‬
‫وتخاصم ‪ .‬وهذا أمر لم تصل إليه المرأة الغربية إال حديثًا ‪ ,‬وال زالت في بعض البالد مقيدة إلى حد ما‬
‫بإرادة الزوج ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫المرأة باعتبارها أنثى‬
‫ال للرجل ‪ ,‬كما أنه مكمل لها ‪ ,‬فليس‬ ‫قدر اإلسالم أنوثة المرأة ‪ ,‬واعتبرها ‪ -‬لهذا الوصف ‪ -‬عنصرًا مكم ً‬
‫<ه ‪.‬‬‫<ه ونوع<‬ ‫<ال شخص<‬ ‫<ه على كم<‬ ‫<ا ل<‬
‫<ل عون<‬‫<ًا ‪ ,‬ب<‬
‫<ه وال منافس<‬‫أحدهما خصمًا لآلخر‪ ,‬وال ن<دًا ل<‬
‫فقد اقتضت سنة اهلل في المخلوقات ‪ ,‬أن يكون االزدواج من خصائصها فنرى الذكورة واألنوثة في عالم‬
‫اإلنسان والحيوان والنبات ‪ ,‬ونرى الموجب والسالب في عالم الجمادات من الكهرب<<اء ‪ ,‬والمغن<<اطيس‬
‫<بروتون ) ‪.‬‬ ‫<ترون وال<‬ ‫<البة ( اإللك<‬
‫وغيرها حتى الذرة ‪ ,‬فيها الشحنة الكهربائية الموجبة ‪ ,‬والشحنة الس<‬
‫والى ذلك أشار القرآن منذ أربعة عشر قرنًا‪ ‬فقال ‪( :‬ومن كل شيء خلقن<<ا زوجين لعلكم ت<<ذكرون )‪. ‬‬
‫<ر ‪ .‬‬ ‫<دهما عن اآلخ<‬ ‫<نى ألح<‬ ‫<ه ‪ ,‬ال غ<‬ ‫<يء والزم<‬ ‫<ا ‪ ,‬والش<‬‫<ة وغطائه<‬ ‫<ثى كالعلب<‬
‫<ذكر واألن<‬‫فال<‬
‫ومنذ خلق اهلل النفس البشرية األولى ‪ -‬آدم ‪ -‬خلق منها زوجها ‪ -‬حواء ‪ -‬ليسكن إليه<<ا ‪ ,‬ولم يترك<<ه‬
‫وحده ‪ ,‬حتى ولو كانت هذه الوحدة في الجنة ‪ ,‬وكان الخطاب اإللهي لهما معا ‪ ,‬أمرًا ونهي<ًا ‪ ( :‬اس<كن‬
‫<المين )‪. ‬‬‫<ا من الظ<‬‫<جرة فتكون<‬ ‫<ذه الش<‬‫<ا ه<‬‫أنت وزوجك الجنة وكال منها رغدًا حيث شئتما وال تقرب<‬
‫<ريم‬ ‫<رآن الك<‬
‫<ه ‪ ,‬والق<‬‫<ل نفس<‬ ‫<يء ال يكم<‬ ‫فالمرأة ‪ -‬بهذا ‪ -‬غير الرجل ‪ ,‬ألنها تكمله ويكملها ‪ ,‬والش<‬
‫<وجب ‪.‬‬ ‫<ير الم<‬
‫<الب غ<‬ ‫<الب ‪ ,‬والس<‬ ‫<ير الس<‬‫<وجب غ<‬ ‫<ا أن الم<‬
‫يقول ‪ ( :‬وليس الذكر كاألنثى )‪ . ‬كم<‬
‫ومع هذا لم تخلق لتكون ندًا له وال خصما ‪ ,‬بل هي منه وله ‪ ( :‬بعضكم من بعض )‪ ( , ‬واهلل جعل لكم‬
‫من أنفس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<كم أزواج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا )‪. ‬‬
‫واقتضت حكمة اهلل أن يكون التكوين العضوي والنفسي للمرأة يحمل عناصر الجاذبية للرج<<ل وقابلي<<ة‬
‫االنج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ذاب إلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫وركب اهلل في كل من الرجل والمرأة شهوة غريزية فطرية قوية تسوقهما إلى التجاذب واللق<<اء ح<<تى‬
‫تس<<<<<<<<<<<<<تمر الحي<<<<<<<<<<<<<اة ويبقى الن<<<<<<<<<<<<<وع ‪.‬‬
‫<ل‬‫<ر ك<‬ ‫<ه حظ<‬ ‫<ة ‪ .‬ولكن<‬‫ومن ثم يرفض اإلسالم كل نظام يصادم هذه الفطرة ويعطلها ‪ ,‬كنظام الرهبن<‬
‫تصريف لهذه الطاقة على غير ما شرعه اهلل ورضيه من الزواج الذي هو أساس األسرة ‪ ,‬ولهذا ح<<رم‬
‫الزنى ‪ ,‬كما حرمته األديان السماوية كلها ‪ ,‬ونهى عن الفواحش ‪ ,‬ما ظهر منها وما بطن ‪ ,‬وسد كل منفذ‬
‫<راء ‪.‬‬‫<ة واإلغ<‬ ‫<واعث الفتن<‬ ‫<ارة وب<‬ ‫<ل اإلث<‬
‫يؤدي إلى هذه الفواحش ‪ ,‬حماية للرجل والمرأة من عوام<‬
‫وعلى هذا األساس من النظر إلى فطرة المرأة ‪ ,‬وما يجب أن تكون عليه في عالقتها بالرجل ‪ ,‬يعام<<ل‬
‫اإلس<<<<<الم الم<<<<<رأة ‪ ,‬ويقيم ك<<<<<ل نظم<<<<<ه وتوجيهات<<<<<ه وأحكام<<<<<ه ‪.‬‬
‫<ا وبين‬‫<ول بينه<‬‫<ه يح<‬ ‫إنه يرعى أنوثتها الفطرية ‪ ,‬ويعترف بمقتضياتها فال يكبتها وال يصادرها ‪ ,‬ولكن<‬
‫الطريق الذي يؤدي إلى ابتذالها ‪ ,‬وامتهان أنوثتها ‪ ,‬ويحميها من ذئاب البشر ‪ ,‬وكالب الص<<يد ‪ ,‬ال<<تي‬
‫تخط<<ف بن<<ات ح<<واء ‪ ,‬لتنهش<<ها نهش<<ًا‪ ,‬وتس<<تمتع به<<ا لحم<<ًا ‪ ,‬ثم ترميه<<ا عظم<<ًا ‪.‬‬
‫ونس<<<<تطيع أن نح<<<<دد موق<<<<ف اإلس<<<<الم من أنوث<<<<ة الم<<<<رأة فيم<<<<ا يلي ‪:‬‬
‫‪  .1‬إنه يحافظ على أنوثتها ‪ ,‬حتى تظل ينبوعًا لعواطف الحنان والرقة والجمال ‪ ,‬ولهذا أحل لها بعض ما‬
‫حرم على الرجال ‪ ,‬بما تقتضيه طبيعة األنثى ووظيفتها ‪ ,‬كالتحلي بالذهب ‪ ,‬ولبس الحرير الخالص ‪ ,‬فقد‬
‫ج<<<اء في الح<<<ديث ‪ « :‬إن ه<<<ذين ح<<<رام على ذك<<<ور أم<<<تي ح<<<ل إلن<<<اثهم »‪. ‬‬
‫كما أنه حرم عليها كل ما يجافي هذه األنوثة ‪ ,‬من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها ‪,‬‬
‫<اء‬‫فنهى أن تلبس المرأة لبسة الرجل ‪ ,‬كما نهى الرجل أن يلبس لبسة المرأة ‪ ,‬ولعن المتشبهات من النس<‬
‫<ر‬‫بالرجال ‪ ,‬مثلما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ‪ ,‬وفي الحديث ‪ « :‬ثالثة ال يدخلون الجنة وال ينظ<‬
‫اهلل إليهم يوم القيامة ‪ :‬العاق لوالديه ‪ ,‬والمرأة المترجلة ‪ -‬المتشبهة بالرجال ‪ -‬والديوث » ‪ . ‬والديوث ‪:‬‬
‫ال<<<<<<<<<ذي ال يب<<<<<<<<<الي من دخ<<<<<<<<<ل على أهل<<<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫<ة‬‫<ات ‪ ,‬مكفي<‬‫<ة النفق<‬‫<ل ‪ ,‬مكفول<‬ ‫< ‪ ,‬فيجعلها أبدًا في ظل رج<‬
‫‪ .2‬وهو يحمي هذه األنوثة ويرعى ضعفها‬
‫< ‪ ,‬وف<<ق ش<<ريعة‬ ‫الحاجات ‪ ,‬فهي في كنف أبيها أو زوجها أو أوالدها أو أخوتها ‪ ,‬يجب عليهم نفقته<<ا‬
‫اإلسالم ‪ ,‬فال تضطرها الحاجة إلى الخوض في لجج الحياة وصراعها ومزاحمة الرج<<ال بالمن<<اكب ‪.‬‬
‫‪ .3‬وهو يحافظ على خلقها وحيائها ‪ ,‬ويحرص على سمعتها وكرامتها ‪ ,‬ويصون عفافه<<ا من خ<<واطر‬
‫ال من أي<<<دي الس<<<وء ‪ -‬أن تمت<<<د إليه<<<ا ‪.‬‬ ‫الس<<<وء ‪ ,‬وألس<<<نة الس<<<وء ‪ -‬فض<<< ً‬
‫وله<<<<<<<<<<ذا ي<<<<<<<<<<وجب اإلس<<<<<<<<<<الم عليه<<<<<<<<<<ا ‪:‬‬
‫( أ )‪ ‬الغض من بصرها والمحافظة على عفتها ونظافتها ‪ ( :‬وقل للمؤمنات يغضض<<ن من أبص<<ارهن‬
‫ويحفظن ف<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<روجهن )‪. ‬‬
‫( ب )‪ ‬االحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعنات لها ‪ .‬وال تضييق عليها ‪ ( :‬وال يب<<دين زينتهن‬
‫<اتم ‪,‬‬
‫إال ما ظهر منها ‪ ,‬وليضربن بخمرهن على جيوبهن )‪ . ‬وقد فسر ‪ ( :‬ما ظهر منها )‪ ‬بالكحل والخ<‬
‫وبالوج<<<<<<<<<<<ه والكفين ‪ ,‬وزاد بعض<<<<<<<<<<<هم ‪ :‬الق<<<<<<<<<<<دمين ‪.‬‬
‫<ا‬
‫( جـ )‪  ‬أال تبدي زينتها الخفية ‪ -‬كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين ‪ -‬إال لزوجها ومحارمه<‬
‫الذين يشق عليها أن تستتر منهم استتارها من األجانب ‪ ( :‬وال يبدين زينتهن إال لبعولتهن أو آب<<ائهن أو‬
‫<ا‬
‫آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو م<‬
‫<ورات‬ ‫<روا على ع<‬ ‫<ذين لم يظه<‬ ‫<ل ال<‬‫ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي اإلربة من الرجال أو الطف<‬
‫النس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء )‪. ‬‬
‫<ا يخفين من زينتهن )‪ ( . ‬فال‬ ‫<أرجلهن ليعلم م<‬‫<ربن ب<‬‫( د )‪ ‬أن تتوقر في مشيتها وكالمها ‪ ( :‬وال يض<‬
‫ال معروفًا )‪ . ‬فليس<ت ممنوع<ة من الكالم ‪ ,‬وليس‬ ‫تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قو ً‬
‫ال معروف<<<<ًا ‪.‬‬ ‫ص<<<<وتها ع<<<<وره ‪ ,‬ب<<<<ل هي م<<<<أمورة أن تق<<<<ول ق<<<<و ً‬
‫( هـ )‪  ‬أن تتجنب كل ما يجذب انتباه الرجل إليها ‪ ,‬ويغريه بها ‪ ,‬من تبرج الجاهلية األولى أو األخيرة ‪,‬‬
‫فهذا ليس من خلق المرأة العفيفة ‪ .‬وفي الحديث ‪ « :‬أيما امرأة استعطرت ثم خرجت من بيته<<ا ليش<<م‬
‫الناس ريحها فهي زانية »‪ ‬أي تفعل فعلها ‪ ,‬وان لم تكن كذلك ‪ ,‬فيجب أن تت<<نزه عن ه<<ذا الس<<لوك ‪.‬‬
‫( و )‪ ‬أن تمتنع عن الخلوة بأي رجل ليس زوجها وال محرمًا لها ‪ ,‬صونًا لنفسها ونفس<<ه من ه<<واجس‬
‫اإلثم ‪ ,‬ولس<<معتها من ألس<<نة ال<<زور ‪ « :‬ال يخل<<ون رج<<ل ب<<امرأة إال م<<ع ذي مح<<رم »‪. ‬‬
‫( ز )‪  ‬أال تختلط بمجتمع الرجال األجانب إال لحاجة داعية ‪ ,‬ومصلحة معتبرة ‪ ,‬وبالقدر الالزم ‪ ,‬كالصالة‬
‫في المسجد ‪ ,‬وطلب العلم ‪ ,‬والتعاون على البر والتقوى ‪ ,‬بحيث ال تحرم المرأة من المشاركة في خدمة‬
‫مجتمعه<<<<<ا ‪ ,‬وال تنس<<<<<ى الح<<<<<دود الش<<<<<رعية في لق<<<<<اء الرج<<<<<ال ‪.‬‬
‫إن اإلسالم بهذه األحكام يحمي أنوثة المرأة من أنياب المفترسين من ناحية ‪ ,‬ويحف<<ظ عليه<<ا حياءه<<ا‬
‫وعفافها بالبعد عن عوامل االنحراف والتضليل من ناحية ثانية ‪ ,‬ويصون عرضها من ألسنة المف<<ترين‬
‫والمرجفين من ناحية ثالثة ‪ ,‬وهو ‪ -‬مع هذا كله ‪ -‬يحافظ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق ‪ ,‬ومن‬
‫<يرات‬ ‫<تى المث<‬‫الهزات واالضطرابات ‪ ,‬نتيجة لجموح الخيال ‪ ,‬وانشغال القلب ‪ ,‬وتوزع عواطفه بين ش<‬
‫والمهيج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ات ‪.‬‬
‫وهو أيضا ‪ -‬بهذه األحكام والتشريعات ‪ -‬يحمي الرجل من عوامل االنحراف والقلق ‪ ,‬ويحمي المجتمع‬
‫كله من عوامل السقوط واالنحالل ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫االختالط المشروع‬
‫دخلت معجمنا الحديث كلمات أصبح لها دالالت لم تكن لها من قبل ‪ .‬من ذلك كلم<<ة « االختالط » بين‬
‫<ابعين ‪ -‬تلقى‬‫<حابة والت<‬‫<ر الص<‬ ‫<وة وعص<‬ ‫الرجل والمرأة ‪ .‬فقد كانت المرأة المسلمة ‪ -‬في عصر النب<‬
‫الرجل ‪ ,‬وكان الرجل يلقى المرأة ‪ ,‬في مناسبات مختلفة ‪ ,‬دينية ودنيوية ‪ ,‬ولم يك ذلك ممنوعًا بإطالق ‪,‬‬
‫بل كان مشروعًا إذا وجدت أسبابه ‪ ,‬وتوافرت ضوابطه ‪ ,‬ولم يكونوا يس<<مون ذل<<ك « اختالط<<ًا » ‪.‬‬
‫ثم شاعت هذه الكلمة في العصر الحديث ‪ -‬وال أدري متى بدأ استعمالها ‪ -‬بما لها من إيحاء ‪ ,‬ينفر منه‬
‫<اء ‪.‬‬
‫<كر بالم<‬ ‫<ط الملح أو الس<‬‫<ه ‪ ,‬كخل<‬ ‫<ه في<‬
‫حس المسلم والمسلمة ؛ ألن خلط شيء بشيء يعني إذابت<‬
‫<ييق ‪,‬‬‫<ديد والتض<‬ ‫المهم أن نؤكد هنا أن ليس كل اختالط ممنوعًا ‪ ,‬كما يتصور ذلك ويصوره دعاة التش<‬
‫وليس ك<<ذلك ك<<ل اختالط مش<<روعًا ‪ ,‬كم<<ا ي<<روج ل<<ذلك دع<<اة التبعي<<ة والتغ<<ريب ‪.‬‬
‫ولقد تعرضت لهذا الموضوع مجيبا عن عدة أسئلة في الجزء الثاني من كتابي « ‪ ‬فتاوى معاصرة‪ » ‬منها‬
‫<اء ‪,‬‬
‫<ال للنس<‬ ‫‪ :‬ما يتعلق باالختالط ‪ ,‬وما يتصل بإلقاء السالم على النساء ‪ ,‬وبالمصافحة ‪ ,‬وعيادة الرج<‬
‫والنس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء للرج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ال‪ … ‬الخ ‪.‬‬
‫والذي أود أن أذكره هنا ‪ :‬أن الواجب علينا أن نلتزم بخير الهدي ‪ ,‬وهو هدي محمد ص<<لى اهلل علي<<ه‬
‫وسلم ‪ ,‬وهدي خلفائه الراشدين ‪ ,‬وأصحابه المهديين ‪ ,‬بعيدًا عن نهج الغرب المتحل<<ل ‪ ,‬ونهج الش<<رق‬
‫المتش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دد ‪.‬‬
‫والمتأمل في خير الهدي يرى أن المرأة لم تكن كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين ‪ .‬فقد ك<<انت‬
‫<الم‬
‫امرأة تشهد الجماعة والجمعة ‪ ,‬في مسجد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وكان عليه الصالة والس<‬
‫<رب‬ ‫<ف أق<‬ ‫< األخيرة خلف صفوف الرجال ‪ ,‬وكلما كان الص<‬ ‫يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف‬
‫<ون‬‫<ثرهم ال يعرف<‬ ‫<ان أك<‬‫<يء ‪ ,‬وك<‬ ‫إلى المؤخرة كان أفضل ‪ ,‬خشية أن يظهر من عورات الرجال ش<‬
‫<ير‪… ‬‬ ‫<يج ‪ ,‬أو غ<‬‫<ب أو نس<‬ ‫<اء أو خش<‬ ‫<ل من بن<‬ ‫<اء أي حائ<‬ ‫<ال والنس<‬‫السراويل ‪ ,‬ولم يكن بين الرج<‬
‫وكانوا في أول األمر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق لهم ‪ ,‬فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول‬
‫والخروج ‪ ,‬فقال عليه الصالة والسالم ‪ « :‬لو أنكم جعلتم هذا الباب للنساء » ‪ . ‬فخصصوه بعد ذلك لهن ‪,‬‬
‫وص<<<<<ار يع<<<<<رف إلى الي<<<<<وم باس<<<<<م « ب<<<<<اب النس<<<<<اء » ‪.‬‬
‫وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة ‪ ,‬ويسمعن الخطبة ‪ ,‬حتى إن إحداهن حفظت سورة « ق‬
‫<ة ‪.‬‬
‫<بر الجمع<‬ ‫<وق من<‬ ‫<معتها من ف<‬ ‫<ا س<‬
‫<ول م<‬ ‫<لم من ط<‬ ‫<ه وس<‬ ‫<لى اهلل علي<‬
‫» من في رسول اهلل ص<‬
‫وكان النساء يحضرن كذلك صالة العيدين ‪ ,‬ويشاركن في هذا المهرجان اإلسالمي الكبير ‪ ,‬الذي يض<<م‬
‫الكب<<<<ار والص<<<<غار ‪ ,‬والرج<<<<ال والنس<<<<اء ‪ ,‬في الخالء مهللين مك<<<<برين ‪.‬‬
‫<ر »‪. ‬‬ ‫<أة والبك<‬
‫<دين ‪ ,‬والمخب<‬‫<الخروج في العي<‬ ‫<ؤمر ب<‬ ‫<ا ن<‬
‫<الت ‪ « :‬كن<‬ ‫<ة ق<‬
‫روى مسلم عن أم عطي<‬
‫<حى ‪:‬‬ ‫<ر واألض<‬ ‫<رجهن في الفط<‬ ‫<لم أن نخ<‬
‫<ه وس<‬ ‫وفى رواية قالت ‪ :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل علي<‬
‫العواتق والحيض وذوات الخدور ‪ ,‬فأما الحيض فيعتزلن الصالة ‪ ,‬ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ‪ ,‬قلت‬
‫<ا »‪. ‬‬‫<ا من جلبابه<‬‫<ها أخته<‬‫<ال ‪ « :‬لتلبس<‬‫<اب ‪ ,‬ق<‬ ‫<ا جلب<‬‫<ون له<‬‫<دانا ال يك<‬
‫<ول اهلل ‪ ,‬إح<‬
‫<ا رس<‬‫‪ :‬ي<‬
‫وهذه سنة أماتها المسلمون في جل البلدان أو في كلها ‪ ,‬إال ما قام به مؤخرًا شباب الصحوة اإلس<<المية‬
‫الذي أحيوا بعض ما مات من السنن ‪ ,‬مثل سنة االعتكاف في العشر األواخر من رمضان ‪ ,‬وسنة شهود‬
‫النس<<<<<<<<<<<<<<اء ص<<<<<<<<<<<<<<الة العي<<<<<<<<<<<<<<د ‪.‬‬
‫<ألن عن‬ ‫<لم ‪ ,‬ويس<‬‫<ه وس<‬ ‫<لى اهلل علي<‬
‫<بي ص<‬ ‫وكان النساء يحضرن دروس العلم ‪ ,‬مع الرجال عند الن<‬
‫أمر دينهن مما قد يستحي منه الكثيرات اليوم ‪ ,‬حتى أثنت عائشة على نساء األنص<<ار ‪ ,‬أنهن لم يمنعهن‬
‫<ة‬‫<ال والحيض واالستحاض<‬ ‫<ة واالحتالم واالغتس<‬ ‫الحياء أن يتفقهن في الدين ‪ ,‬فطالما سألن عن الجناب<‬
‫ونحوه<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ‪.‬‬
‫ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واس<تئثارهم برس<ول اهلل ص<لى اهلل علي<ه وس<لم ‪ ,‬فطلبن أن‬
‫يجعل لهن يوما يكون لهن خاصة ‪ ,‬ال يغالبهن الرجال وال يزاحمونهم وقلن في ذلك ص<<راحة ‪ « :‬ي<<ا‬
‫رسول اهلل ‪ ,‬قد غلبنا عليك الرجال ‪ ,‬فاجعل لنا يوما من نفسك » فوعدهن يوما ‪ ,‬فلقيهن في<<ه ووعظهن‬
‫وأم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رهن‪. ‬‬
‫<ا‬‫<دين ‪ ,‬بم<‬ ‫<ة الجيش والمجاه<‬ ‫وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي في خدم<‬
‫يقدرن عليه ويحسن القيام به ‪ ,‬من التمريض واإلسعاف ‪ ,‬ورعاية الجرحى والمصابين ‪ ,‬بجوار الخدمات‬
‫األخ<<رى من الطهي والس<<قي وإع<<داد م<<ا يحت<<اج إلي<<ه المجاه<<دون من أش<<ياء مدني<<ة‪.‬‬
‫عن‪  ‬أم عطية قالت ‪ « :‬غزوت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬سبع غزوات ‪ ,‬أخلفهم في رحالهم ‪,‬‬
‫فأص<<<<<نع لهم الطع<<<<<ام وأداوى الج<<<<<رحى ‪ ,‬وأق<<<<<وم على المرض<<<<<ى »‪. ‬‬
‫وروى مسلم عن أنس ‪ « :‬أن عائشة وأم سليم ‪ ,‬كانتا في يوم « أحد » مشمرتين ‪ ,‬تنقالن الق<<رب على‬
‫متونهما ( ظهورهما ) ثم تفرغانها في أفواه القوم ‪ ,‬ثم ترجعان فتمآلنها »‪ , ‬ووجود عائشة هنا ‪ -‬وهى‬
‫في العقد الثاني من عمرها ‪ -‬يرد على الذين ادعوا أن االشتراك في الغزوات والمعارك كان مقص<<ورًا‬
‫<تي‬ ‫<ف ال<‬ ‫على العجائز والمتقدمات في السن ‪ ,‬فهذا غير مسلم ‪ .‬وماذا تغني العجائز في مثل هذه المواق<‬
‫تتطلب الق<<<<<<<<<درة البدني<<<<<<<<<ة والنفس<<<<<<<<<ية مع<<<<<<<<<ًا ؟‬
‫<اولن‬ ‫وروى اإلمام أحمد ‪ :‬أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر « خيبر » ‪ :‬يتن<‬
‫السهام ‪ ,‬ويسقين السويق ‪ ,‬ويداوين الجرحى ‪ ,‬ويغزلن الشعر ‪ ,‬ويعن في سبيل اهلل ‪ ,‬وقد أعطاهن النبي‬
‫ص<<<<<<<<لى اهلل علي<<<<<<<<ه وس<<<<<<<<لم نص<<<<<<<<يبا من الغنيمة‪. ‬‬
‫بل صح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات والمعارك اإلسالمية بحمل السالح ‪ ,‬عندما‬
‫أتيحت لهن الفرصة ‪ .‬ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم « أحد » ‪ ,‬حتى قال عنه<<ا‬
‫ص<<<<لى اهلل علي<<<<ه وس<<<<لم ‪ « :‬لمقامه<<<<ا خ<<<<ير من مق<<<<ام فالن وفالن »‪. ‬‬
‫وكذلك اتخذت أم سليم خنجرا يوم « حنين » ‪ ,‬تبقر به بطن من يقترب منها ‪ .‬روى مسلم عن أنس ابنها‬
‫‪  :‬أن أم سليم اتخذت يوم « حنين » خنجرًا ‪ ,‬فكان معها ‪ ,‬فرآها أبو طلحة ( زوجها ) فقال ‪ :‬يا رس<<ول‬
‫اهلل ؛ هذه أم سليم معها خنجر ! فقال لها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ما هذا الخنجر » ؟ قالت ‪:‬‬
‫<حك‪. ‬‬ ‫<لم يض<‬ ‫اتخذته ‪ ,‬إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه ! فجعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وس<‬
‫وق<<<د عق<<<د البخ<<<اري باب<<<ًا في ص<<<حيحه في غ<<<زو النس<<<اء وقت<<<الهن ‪.‬‬
‫<اورة‬ ‫<ارك المج<‬ ‫ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشاركة في الغزو عند المع<‬
‫والقريبة في األرض العربية كخيبر وحنين ‪ .‬بل طمحن إلى ركوب البحار ‪ ,‬واإلسهام في فتح األقط<<ار‬
‫البعي<<<<<<<<<دة إلبالغه<<<<<<<<<ا رس<<<<<<<<<الة اإلس<<<<<<<<<الم ‪.‬‬
‫<ار )‬ ‫ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس ‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ( أي نام وسط النه<‬
‫عند أم حرام بنت ملحان ( خالة أنس ) يومًا ‪ ,‬ثم استيقظ وهو يضحك ‪ ,‬فقالت ‪ :‬ما يضحكك يا رس<<ول‬
‫<ًا على‬‫<ر ‪ ,‬ملوك<‬ ‫اهلل ؟ قال ‪ « :‬ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل اهلل ‪ ,‬يركبون ثبج هذا البح<‬
‫األسرة ‪ -‬أو مثل الملوك على األسرة » ‪ ,‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ :‬ادع اهلل أن يجعلني منهم ‪ ,‬فدعا‬
‫لها‪  … ‬فركبت أم حرام البحر في زمن عثمان ‪ ,‬مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص ‪ ,‬فص<<رعت‬
‫عن دابته<<ا هن<<اك ‪ ,‬فت<<وفيت ودفنت هن<<اك ‪ ,‬كم<<ا ذك<<ر أه<<ل الس<<ير والت<<اريخ ‪.‬‬
‫وفى الحياة االجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير ‪ ,‬آمرة بالمعروف ‪ ,‬ناهية عن المنكر ‪ ,‬كما‪ ‬ق<<ال‬
‫< بعضهم أولياء بعض ‪ ,‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪ ) . . .‬‬ ‫تعالى ‪ ( :‬والمؤمنون والمؤمنات‬
‫ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في المسجد في قضية المه<<ور ‪ ,‬ورجوع<<ه إلى‬
‫رأيها علنًا ‪ ,‬وقوله ‪ « :‬أصابت المرأة وأخطأ عمر »‪ . ‬وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النس<<اء ‪,‬‬
‫وق<<<<<<<<<<<<<<ال ‪ :‬إس<<<<<<<<<<<<<<نادها جي<<<<<<<<<<<<<<د ‪.‬‬
‫وقد عين عمر في خالفته الشفاء بنت عبد اهلل العدوية محتسبة على السوق ‪ .‬والمتأمل في القرآن الكريم‬
‫<ذي‬ ‫وحديثه عن المرأة في مختلف العصور ‪ ,‬وفي حياة الرسل واألنبياء ال يشعر بهذا الستار الحديدي ال<‬
‫وض<<<<<<<<عه بعض الن<<<<<<<<اس بين الرج<<<<<<<<ل والم<<<<<<<<رأة ‪.‬‬
‫فنجد موسى ‪ -‬وهو في ريعان شبابه وقوته ‪ -‬يحادث الفتاتين ابنتي الشيخ الكبير ‪ ,‬ويسألهما وتجيبانه بال‬
‫تأثم وال حرج ‪ ,‬ويعاونهما في شهامة ومروءة ‪ ,‬وتأتيه إحداهما بعد ذلك مرسلة من أبيها تدعوه أن يذهب‬
‫معها إلى والدها ‪ ,‬ثم تقترح إحداهما على أبيها بعد ذلك أن يستخدمه عنده ؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة‬
‫‪.‬‬
‫لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص ‪ (  :‬ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد‬
‫<ير *‬ ‫<يخ كب<‬‫من دونهم امرأتين تذودان ‪ ,‬قال ما خطبكما ‪ ,‬قالتا ال نسقي حتى يصدر الرعاء ‪ ,‬وأبونا ش<‬
‫<ي على‬ ‫فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءته إحداهما تمش<‬
‫استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ‪ ,‬فلما جاءه وقص عليه القصص قال ال تخف ‪,‬‬
‫نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما ‪ ,‬يا أبت استأجره ‪ ,‬إن خير من استأجرت الق<<وى األمين )‪. ‬‬
‫وفى قضيه مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب ‪ ,‬ويسألها عن الرزق الذي يجده عندها ‪ (  :‬كلما دخل‬
‫عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا ‪ ,‬قال يا مريم أنى لك هذا ‪ ,‬قالت هو من عند اهلل ‪ ,‬إن اهلل يرزق‬
‫من يش<<<<<<<<<<<<<<اء بغ<<<<<<<<<<<<<<ير حس<<<<<<<<<<<<<<اب )‪. ‬‬
‫وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر سليمان ‪ ( :‬قالت يا أيها المل<<ؤا أفت<<وني في‬
‫<انظري‬ ‫ً‬
‫قاطعة أمرًا حتى تشهدون * قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد واألمر إليك ف<‬ ‫أمري ما كنت‬
‫ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ‪ ,‬وك<<ذلك يفعل<<ون )‪. ‬‬
‫وكذلك تحدثت مع سليمان عليه السالم وتحدث معها ‪ ( :‬فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ‪ ,‬قالت كأنه هو ‪,‬‬
‫وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون اهلل ‪ ,‬إنها كانت من قوم كافرين *‬
‫<وارير ‪,‬‬ ‫<رد من ق<‬ ‫قيل لها ادخلي الصرح ‪ ,‬فما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقها ‪ ,‬قال انه صرح مم<‬
‫ق<<<<الت رب إني ظلمت نفس<<<<ي وأس<<<<لمت م<<<<ع س<<<ليمان هلل رب الع<<<<المين )‪. ‬‬
‫<برة‬‫وال يقال ‪ :‬إن هذا شرع من قبلنا فال يلزمنا ؛ فإن القرآن لم يذكره لنا إال ألن فيه هداية وذكرى وع<‬
‫ألولي األلباب ‪ ,‬ولهذا كان القول الصحيح ‪ :‬أن شرع من قبلنا المذكور في القرآن والسنة هو شرع لنا ما‬
‫<ده )‪. ‬‬ ‫<داهم اقت<‬
‫<دى اهلل ‪ ,‬فبه<‬
‫لم يرد في شرعنا ما ينسخه ‪ .‬وقد قال تعالى لرسوله ‪ ( :‬أولئك الذين ه<‬
‫إن إمساك المرأة في البيت ‪ ,‬وإبقاءها بين جدرانه األربعة ال تخرج منه اعتبره القرآن ‪ -‬في مرحلة من‬
‫مراحل تدرج التشريع قبل النص على حد الزنى المعروف ‪ -‬عقوبة بالغة لمن ترتكب الفاحشة من نساء‬
‫<هدوا‬‫<ائكم فاستش<‬ ‫<ة من نس<‬ ‫المسلمين ‪ ,‬وفي هذا يقول تعالى في سورة النساء ‪ ( :‬والالتي يأتين الفاحش<‬
‫ً‬
‫أربعة منكم ‪ ,‬فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل اهلل لهن سبيال ) ‪. ‬‬ ‫ً‬ ‫عليهن‬
‫ً‬
‫وقد جعل اهلل لهن سبيال بعد ذلك حينما شرع الحد ‪ ,‬وهو العقوبة المقدرة في الشرع حقًا هلل تعالى ‪ ,‬وهي‬
‫<ن ‪.‬‬ ‫<نة للمحص<‬ ‫<ه الس<‬‫<اءت ب<‬‫<ذي ج<‬ ‫<رجم ال<‬ ‫<ن ‪ ,‬وال<‬
‫<ير المحص<‬ ‫<رآن لغ<‬ ‫<ه الق<‬‫الجلد الذي جاء ب<‬
‫<ة‬‫<لمة الملتزم<‬ ‫<ة للمس<‬‫فكيف يستقيم في منطق القرآن واإلسالم أن يجعل الحبس في البيت صفة مالزم<‬
‫المحتش<<<مة ‪ ,‬كأنن<<<ا به<<<ذا نعاقبه<<<ا عقوب<<<ة دائم<<<ة وهي لم تق<<<ترف إثم<<<ًا ؟‬
‫والخالصة ‪ :‬أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرما ‪ ,‬بل هو جائز أو مطلوب إذا ك<<ان‬
‫القصد منه المشاركة في هدف نبيل ‪ ,‬من علم نافع أو عمل صالح ‪ ,‬أو مشروع خير ‪ ,‬أو جه<<اد الزم ‪,‬‬
‫<ط‬‫<ا في التخطي<‬ ‫<تركا بينهم<‬‫أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين ‪ ,‬ويتطلب تعاونا مش<‬
‫والتوجيه والتنفيذ ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬
‫شبهات أنصار االختالط المفتوح‬
‫هذا هو موقف اإلسالم ‪ ,‬وتلك وجهته في عالقة الرجل بالمرأة ‪ ,‬ولقائهما على البر والمعروف‪ .‬وهو ما‬
‫عبرن<<<<<<<<ا عن<<<<<<<<ه بـ « االختالط المش<<<<<<<<روع » ‪.‬‬
‫ولكن االستعمار الفكري صنع في بالدنا قومًا يصمون آذانهم عن حكم اهلل ورسوله ‪ ,‬وي<<دعوننا إلى أن‬
‫<ا !‬
‫<ا وأنوثته<‬
‫ندع للمرأة حبلها على غاربها ‪ ,‬حتى تثبت وجودها ‪ ,‬وتبرز شخصيتها ‪ ,‬وتستمتع بحياته<‬
‫تختلط بالرجل بال تحفظ ‪ ,‬وتخبره عن كثب ‪ ,‬فتخلو به ‪ ,‬وتسافر معه ‪ ,‬وتصحبه إلى السينما وتسهر معه‬
‫<ماع ‪-‬‬‫<ة ال بالس<‬‫إلى منتصف الليل ‪ ,‬وتراقصه على نغمات الموسيقى ‪ ,‬وتعرف في تجوالها ‪ -‬بالتجرب<‬
‫الرجل الذي يصلح لها وتصلح له ‪ ,‬من بين من عرفتهم من األصدقاء والمعجبين ‪ ,‬وبهذا تستقر الحي<<اة‬
‫الزوجي<<<<<<ة ‪ ,‬وتص<<<<<<مد في وج<<<<<<ه العواص<<<<<<ف واألعاص<<<<<<ير !‬
‫< هؤالء الذين يزعمون أنهم مالئكة مطهرون ‪ :‬ال تخافوا على المرأة وال على الرج<<ل من ه<<ذا‬ ‫ويقول‬
‫االتصال المهذب ‪ ,‬والصداقة البريئة ‪ ,‬واللقاء الشريف ‪ ,‬فإن صوت الشهوة ‪ -‬لكثرة التالقي ‪ -‬سيخفت ‪,‬‬
‫وحدتها ستفتر ‪ ,‬وجذوتها ستخبو ‪ ,‬ويجد كل من الذكر واألنثى لذته في مجرد اللقاء واالستمتاع ب<<النظر‬
‫والحديث ‪ ,‬فإن زاد على ذلك فمراقصة ‪ ,‬هي ضرب من التعبير الفني الرفيع ! أما المتعة الحس<<ية فلن‬
‫<وا‬
‫<د أن فك<‬‫يصبح لها مكان ‪ ,‬إنه التصريف النظيف للطاقة ال غير وكذلك يفعل الغربيون المتقدمون بع<‬
‫عقدة الكبت والحرمان ‪.‬‬

‫الرد على أنصار االختالط المفتوح‬ ‫‪‬‬

‫أثر االختالط المطلق في المجتمعات الغربية‬ ‫‪‬‬

‫الرد على أنصار االختالط المفتوح ‪:‬‬

‫وردن<<<<<<<<<ا على ه<<<<<<<<<ذه ال<<<<<<<<<دعوى من جه<<<<<<<<<تين ‪:‬‬


‫أو ً‬
‫ال‪ :  ‬إننا مسلمون قبل كل شيء ‪ ,‬وال نبيع ديننا اتباعًا لهوى الغربيين أو الشرقيين ‪ ,‬وديننا يحرم علينا‬
‫<ذين‬‫هذا االختالط بتبرجه وفتنته وإغوائه ‪ ( :‬ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء ال<‬
‫<اء بعض ‪ ,‬واهلل ولي‬ ‫<هم أولي<‬‫<المين بعض<‬ ‫<يئًا ‪ ,‬وان الظ<‬‫<ك من اهلل ش<‬ ‫ال يعلمون * إنهم لن يغنوا عن<‬
‫المتقين )‪. ‬‬
‫ثانيًا‪ :  ‬إن الغرب الذي يقتدون به يشكو اليوم من آثار هذا التحرر أو التحلل ‪ ,‬الذي أفسد بناته وبني<<ه ‪,‬‬
‫<ية ‪,‬‬‫<ة الجنس<‬ ‫وأصبح يهدد حضارته بالخراب واالنهيار ‪ ,‬ففي أمريكا والسويد وغيرهما من بالد الحري<‬
‫<ديث ‪,‬‬‫أثبتت اإلحصاءات أن السعار الشهواني لم ينطفئ بحرية اللقاء والحديث ‪ ,‬وال بما بعد اللقاء والح<‬
‫ب<<<<ل ص<<<<ار الن<<<<اس كلم<<<<ا ازدادوا من<<<<ه عب<<<<ًا ‪ ,‬ازدادوا عطش<<<<ًا ‪.‬‬
‫<د ‪ ,‬في‬‫<ائل والتقالي<‬
‫<ل من الفض<‬ ‫<ور ‪ ,‬أو التحل<‬‫<رر أو التط<‬ ‫وعلينا أن نبحث ‪ :‬ماذا كان أثر هذا التح<‬
‫المجتمعات الغربية المتحضرة ؟‬

‫أعلى‬
‫أثر االختالط المطلق في المجتمعات الغربية ‪:‬‬

‫إن األرقام والوقائع التي تفيض بها اإلحصاءات والتقارير ‪ ,‬هي التي تتكلم وتبين في هذا المجال ‪ ,‬لق<<د‬
‫ظه<<ر أث<<ر االنطالق الجنس<<ي ‪ ,‬ال<<ذي زالت ب<<ه الح<<واجز بين ال<<ذكر واألن<<ثى فيم<<ا يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬انحالل األخالق ‪:‬‬
‫فانحالل األخالق وطغيان الشهوات ‪ ,‬وانتصار الحيوانية على اإلنسانية ‪ ,‬وضياع الحي<اء والعف<اف بين‬
‫النس<<<<اء والرج<<<<ال ‪ ,‬واض<<<<طراب المجتم<<<<ع كل<<<<ه نتيج<<<<ة ذل<<<<ك ‪.‬‬
‫<ام‬
‫<اء ع<‬ ‫< األنب<‬
‫<االت‬
‫ولقد قال الرئيس الراحل « كنيدي » في تصريح مشهور له ‪ ,‬تناقلته الصحف ووك<‬
‫‪ « : 1962‬إن الشباب األمريكي مائع مترف منحل ‪ ,‬غارق في الشهوات ‪ ,‬وان من بين كل سبعة شبان‬
‫يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين ‪ ,‬بسبب انهماكهم في الشهوات » ‪ .‬وأنذر بأن هذا الشباب خطر‬
‫على مس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<تقبل أمريك<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ‪.‬‬
‫وفي كتاب لمدير مركز البحوث بجامعة هارفارد بعنوان « الثورة الجنسية » يقرر المؤلف ‪ ,‬أن أمريكا‬
‫سائرة إلى كارثة في الفوضوية الجنسية ‪ ,‬وأنها تتجه إلى نفس االتجاه ‪ ,‬الذي أدى إلى سقوط الحضارتين‬
‫اإلغريقية والرومانية في الزمن القديم ‪ ,‬ويقول ‪ « :‬إننا محاصرون من جميع الجهات بتيار خط<<ر من‬
‫الجنس ‪ ,‬يغ<<رق ك<<ل غرف<<ة من بن<<اء ثقافتن<<ا ‪ ,‬وك<<ل قط<<اع من حياتن<<ا العام<<ة » ‪.‬‬
‫<زة اإلعالم‬‫<ماح ألجه<‬ ‫<دم الس<‬‫ومع أن الشيوعيين قليلو التحدث عن مثل هذه األمور الجنسية ‪ ,‬ومع ع<‬
‫<ه أن‬‫والتوجيه أن تتناولها ‪ ,‬إال أنه في عام ‪ 1962‬صدر تصريح للزعيم الروسي خروتشوف ‪ ,‬أعلن في<‬
‫الشباب قد انحرف وأفسده الترف ‪ ,‬وهدد بأن معسكرات جديدة قد تفتح في سيبيريا للتخلص من الشباب‬
‫المنح<<<<<<رف ‪ ,‬ألن<<<<<<ه خط<<<<<<ر على مس<<<<<<تقبل روس<<<<<<يا !‬
‫‪ .2‬في انتش<<<<<<<<<ار األبن<<<<<<<<<اء غ<<<<<<<<<ير الش<<<<<<<<<رعيين ‪:‬‬
‫وهى ظاهرة الزمة النطالق الغرائز ‪ ,‬وذوبان الحواجز بين الفتي<<ان والفتي<<ات ‪ ,‬وق<<د ق<<امت بعض‬
‫المؤسسات في أمريكا ‪ ,‬بعمل إحصاء للحبالى من طالبات المدارس الثانوية ‪ ,‬فكانت النسبة مخيفة جدًا ‪.‬‬
‫ولننظ<<<ر م<<<ا تقول<<<ه أح<<<دث اإلحص<<<اءات به<<<ذا الص<<<دد ‪ ..‬تق<<<ول ‪:‬‬
‫« إن أكثر من ثلث مواليد عام ‪ 1983‬في نيويورك هم « أطفال غير شرعيين » أي أنهم ولدوا خ<<ارج‬
‫نطاق الزواج ‪ ,‬وأكثرهم ولدوا لفتيات في التاسعة عشرة من العمر وما دونها ‪ ,‬وعددهم (‪353‬ر‪) 112‬‬
‫ال أي ‪ %37‬من مجم<<<<<<<<<وع موالي<<<<<<<<<د نيوي<<<<<<<<<ورك » !! ‪.‬‬ ‫طف ً‬
‫‪ .3‬ك<<<<<<ثرة الع<<<<<<وانس بين الفتي<<<<<<ات والع<<<<<<زاب من الش<<<<<<باب ‪:‬‬
‫فإن وجود السبل الميسرة لقضاء الشهوة ‪ ,‬بغير تحمل تبعة الزواج وبناء األسرة ‪ ,‬جعل كثيرًا من الشباب‬
‫<د‬
‫<ع ‪ ,‬دون التقي<‬ ‫<ذة التنوي<‬
‫يختارون الطريق األسهل ‪ ,‬ويقضون أيام شبابهم بين هذه وتلك ‪ ,‬متمتعين بل<‬
‫بالحياة المتشابهة المتكررة كما يزعمون ! ودون التزام بتكاليف الزوجية المسؤولة ‪ ,‬واألبوة الراعي<<ة ‪.‬‬
‫وكان من نتيجة ذلك وجود كثرة هائلة من الفتيات ‪ ,‬تقضى شبابها محرومة من زوج تسكن إليه ويسكن‬
‫<زاب‬ ‫<باب الع<‬‫إليها ‪ ,‬إال العابثين الذين يتخذونها أداة للمتعة الحرام ‪ ,‬ويقابل هؤالء الفتيات كثرة من الش<‬
‫المحرومين من الحياة الزوجية ‪ ,‬كما تدل على ذلك أحدث اإلحصاءات ‪ ,‬فقد ص<<رح م<<دير مص<<لحة‬
‫اإلحصاء األمريكية في ‪ 22‬من ذي القعدة ‪ 1402‬هـ ( الموافق ‪ 10‬سبتمبر ‪ -‬أيلول ‪ 1982-‬م ) ‪« :‬‬
‫<زاب » ‪.‬‬ ‫<كو من الع<‬ ‫<ان فرانسيس<‬ ‫<ة س<‬ ‫<كان مدين<‬ ‫أنه ألول مرة منذ بداية هذا القرن تصبح أغلبية س<‬
‫وأوضح « بروس شامبمان » في مؤتمر صحفي نظمته الجمعية االجتماعية األمريكية أنه « وفقا ألرقام‬
‫<ام‬
‫آخر تعداد فإن ‪ %53‬من سكان سان فرانسيسكو غير متزوجين » وأعرب عن اعتقاده بأن هذه األرق<‬
‫يمكن أن تك<<<<ون مؤش<<<<رًا على أف<<<<ول األنم<<<<وذج الع<<<<ائلي التقلي<<<<دي !!‪.‬‬
‫<تي زاد ع<دد‬ ‫وأضاف شامبمان ‪ « :‬إن هذه التغييرات االجتماعية مالئمة لتحقيق الرفاهية في المدينة ال<‬
‫سكانها من الش<باب بين ‪ 25‬و ‪ 34‬س<نة بمق<دار (‪4‬ر‪ ) %40‬خالل العش<ر س<نوات األخ<يرة » ‪.‬‬
‫<كلون ‪15‬‬ ‫وقال ‪ « :‬إن التعداد لم يشمل عدد المصابين بالشذوذ الجنسي الذين يقطنون المدينة والذين يش<‬
‫‪ %‬من الس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<كان تقريب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا » ‪.‬‬
‫وال عجب بعد ذلك أن نقرأ في الصحف مثل هذا الخبر ‪ « :‬خرجت النساء السويديات في مظاهرة عامة‬
‫‪ ,‬تشمل أنحاء السويد ‪ ,‬احتجاجا على إطالق الحريات الجنسية في السويد ‪ ,‬اش<<تركت في المظ<<اهرة‪ ‬‬
‫<اج‬‫<ة االحتج<‬ ‫(‪ 000‬ر‪ ) 100‬امرأة ‪ ,‬وسوف يقدمن عريضة موقعة منهن إلى الحكومة ‪ ,‬تعلن العريض<‬
‫على ت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دهور القيم األخالقي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة » ‪.‬‬
‫<اهر‬‫<ل إلى التظ<‬ ‫<دد الهائ<‬
‫<ذا الع<‬‫إن فطرة المرأة وحرصها على مصلحتها ومستقبلها ‪ ,‬هو الذي دفع ه<‬
‫واالحتج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اج ‪.‬‬
‫‪ .4‬ك<<<<<<ثرة الطالق وت<<<<<<دمير ال<<<<<<بيوت ألتف<<<<<<ه األس<<<<<<باب ‪:‬‬
‫فإذا كان دون الزواج هناك عقبات وعقبات ‪ ,‬فإن هذا الزواج ‪ ,‬بعد تحققه غير مضمون البقاء ‪ ,‬فسرعان‬
‫م<<<<<<ا تتحطم األس<<<<<<رة ‪ ,‬وتنفص<<<<<<م الرواب<<<<<<ط ألدنى األس<<<<<<باب ‪.‬‬
‫ففي أمريكا تزداد نسبة الطالق عامًا بعد عام إلى حد مفزع ‪ .‬والذي يقال عن أمريكا ‪ ,‬يق<<ال عن معظم‬
‫البالد الغربي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫‪ .5‬انتش<<<<<<<<<<<<<ار األم<<<<<<<<<<<<<راض الفتاك<<<<<<<<<<<<<ة ‪:‬‬
‫<د‬
‫<تي يع<‬ ‫<طرابات ال<‬ ‫<د واالض<‬ ‫انتشار األمراض السرية ‪ ,‬والعصبية ‪ ,‬والعقلية ‪ ,‬والنفسية ‪ ,‬وكثرة العق<‬
‫ض<<<<<<<<<<<<<حاياها بمئ<<<<<<<<<<<<<ات األل<<<<<<<<<<<<<وف ‪.‬‬
‫ومن أشد األمراض خطرًا ‪ :‬ما اكتشف أخيرًا وعرف باسم « اإليدز » الذي يفقد المناع<<ة من الجس<<م‬
‫ويعرضه للتهلكة وغدا يهدد الماليين في أوروبا وأمريكا بأخطر العواقب ‪ ,‬كما دلت على ذلك التق<<ارير‬
‫<ذر‬‫<ا ح<‬ ‫<ذا م<‬‫<دق به<‬ ‫الطبية واإلحصاءات الرسمية التي نشرتها مجالت وصحف في العالم كله ‪ ,‬وص<‬
‫منه‪  ‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيث قال في حديثه ‪ « :‬لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلن<<وا‬
‫<وا »‪. ‬‬‫<ذين مض<‬ ‫<الفهم ال<‬
‫<ت في أس<‬ ‫<تي لم تكن مض<‬ ‫<اع ال<‬‫<اعون واألوج<‬ ‫<ا فيهم الط<‬
‫<ا إال فش<‬
‫به<‬
‫هذا غير األمراض العصبية والنفسية التي انتشرت عندهم انتشار النار في الهشيم ‪ ,‬وامتألت بمرض<<اها‬
‫المستش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<فيات والمص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<حات ‪.‬‬
‫<ا‬
‫<رها وأعاذن<‬ ‫<ا اهلل ش<‬
‫فهل يريد دعاة االختالط أن ينقلوا هذه العلل واألمراض إلى مجتمعاتنا وقد كفان<‬
‫منه<<<<ا ؟! أم أن ه<<<<ذه األرق<<<<ام واإلحص<<<<اءات غائب<<<<ة من أذه<<<<انهم ؟!‬
‫لقد زعم « فرويد » ومن تبعه من علماء النفس أن رفع القيود التقليدية عن الغري<<زة الجنس<<ية ي<<ريح‬
‫األعص<<<اب ‪ ,‬ويح<<<ل عق<<<د النف<<<وس ‪ ,‬ويمنحه<<<ا اله<<<دوء واالطمئن<<<ان ‪.‬‬
‫ها هي القيود قد رفعت ‪ ,‬وها هي الغرائز قد أطلقت ‪ ,‬فلم تزد النفوس إال تعقيدًا ‪ ,‬ولم تزد األعصاب إال‬
‫توترًا ‪ ,‬وأصبح القلق النفسي هو مرض العصر هناك ‪ ,‬ولم تغن آالف العيادات النفسية عنهم شيئًا ‪.‬‬

‫أعلى‬
‫إلى الفهرس‬

‫المرأة باعتبارها عضواً في المجتمع‬


‫يشيع بعض المغرضين أن اإلسالم حكم على المرأة بالسجن داخل البيت ‪ ,‬فال تخرج منه إال إلى القبر !‬
‫<تي‬
‫فهل لهذا الحكم سند صحيح من القرآن والسنة ؟ ومن تاريخ المسلمات في القرون الثالثة األولى ‪ ,‬ال<‬
‫هي خ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ير الق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رون ؟‬
‫ال ‪ . .‬ثم ال ‪.‬‬
‫<المية ‪ ,‬وهي‬ ‫<اة اإلس<‬‫<ؤوليات في الحي<‬‫<ل أعظم المس<‬ ‫فالقرآن يجعل الرجل والمرأة شريكين ‪ ,‬في تحم<‬
‫مس<<<<<<<<ؤولية األم<<<<<<<<ر ب<<<<<<<<المعروف والنهي عن المنك<<<<<<<<ر ‪.‬‬
‫<ر‬ ‫<ون عن المنك<‬‫< بعضهم أولياء بعض ‪ ,‬يأمرون بالمعروف وينه<‬ ‫< والمؤمنات‬ ‫يقول تعالى ‪ ( :‬والمؤمنون‬
‫ويقيم<<<<ون الص<<<<الة ويؤت<<<<ون الزك<<<<اة ويطيع<<<<ون اهلل ورس<<<<وله )‪. ‬‬
‫وتطبيقا لهذا المبدأ وجدنا امرأة في المسجد ترد على أمير المؤمنين عمر الفاروق وهو يتح<<دث ف<<وق‬
‫<ر‬ ‫المنبر على مأل من الناس ‪ ,‬فيرجع عن رأيه إلى رأيها ويقول بصراحة ‪ « :‬أصابت امرأة وأخطأ عم<‬
‫» ‪. ‬‬
‫والن<<بي ص<<لى اهلل علي<<ه وس<<لم يق<<ول ‪ « :‬طلب العلم فريض<<ة على ك<<ل مس<<لم »‪. ‬‬
‫<ا أن تطلب من العلم‬ ‫فيجمع علماء المسلمين على أن المسلمة أيضا داخلة في معنى الحديث ففرض عليه<‬
‫<‬
‫ما يصحح عقيدتها ‪ ,‬ويقوم عبادتها ‪ ,‬ويضبط سلوكها بأدب اإلسالم في اللباس والزينة وغيرها ‪ ,‬ويقفها‬
‫عند حدود اهلل في الحالل والحرام ‪ ,‬والحقوق والواجبات ‪ .‬ويمكنها أن تترقى في العلم حتى تبلغ درج<<ة‬
‫االجته<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اد ‪.‬‬
‫وليس لزوجها أن يمنعها من طلب العلم الواجب عليها ‪ ,‬إذا لم يكن هو قادرًا على تعليمها ‪ ,‬أو مقص<<رًا‬
‫في<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫فقد كان نساء الصحابة يذهبن إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم يسألنه فيما يعرض لهن من ش<<ؤون ‪ ,‬ولم‬
‫يمنعهن الحي<<<<<<<<<<<<<<<<<اء أن يتفقهن في ال<<<<<<<<<<<<<<<<<دين ‪.‬‬
‫وصالة الجماعة ليست مطلوبة من المرأة ‪ ,‬طلبها من الرجل ‪ ,‬فإن صالتها في بيتها قد تك<<ون أفض<<ل‬
‫<الة‬ ‫لظروفها ورسالتها ‪ ,‬ولكن ليس للرجل منعها إذا رغبت في صالة الجماعة بالمسجد ‪ ,‬قال عليه الص<‬
‫والس<<<<<<<<الم ‪ « :‬ال تمنع<<<<<<<<وا إم<<<<<<<<اء اهلل مس<<<<<<<<اجد اهلل »‪. ‬‬
‫وللمرأة أن تخرج من بيتها ‪ ,‬لقضاء حاجة لها أو لزوجها وأوالدها ‪ ,‬في الحقل أو السوق ‪ ,‬كما ك<<انت‬
‫تفعل ذات النطاقين أسماء بنت أبى بكر ‪ ,‬فقد قالت ‪ « :‬كنت أنقل النوى على رأسي من أرض الزبير ‪-‬‬
‫زوجه<<<<<<<ا ‪ -‬وهي من المدين<<<<<<<ة على ثل<<<<<<<ثي فرس<<<<<<<خ »‪. ‬‬
‫وللمرأة أن تخرج مع الجيش ‪ ,‬لتقوم بأعمال اإلسعاف والتمريض وما شابه ذلك من الخدمات المالئم<<ة‬
‫لفطرته<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ولق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دراتها ‪.‬‬
‫روى أحمد والبخاري عن الربيع بنت معوذ األنصارية قالت ‪ « :‬كنا نغزو مع رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس<<<لم نس<<<قي الق<<<وم ونخدم<<<ه ون<<<رد القتلى والج<<<رحى إلى المدين<<<ة »‪. ‬‬
‫<بع‬ ‫<لم ‪ ,‬س<‬‫<ه وس<‬ ‫<لى اهلل علي<‬
‫<ول اهلل ص<‬
‫وروى أحمد ومسلم عن أم عطية قالت ‪ « :‬غزوت مع رس<‬
‫<نى »‪. ‬‬ ‫<وم على الزم<‬‫<رحى ‪ ,‬وأق<‬ ‫<ام ‪ ,‬وأداوي الج<‬‫<نع لهم الطع<‬‫غزوات ‪ ,‬أخلفهم في رحالهم ‪ ,‬وأص<‬
‫فهذه هي األعمال الالئقة بطبيعة المرأة ووظيفتها ‪ ,‬أما أن تحمل السالح وتقاتل وتقود الكتائب فليس ذلك‬
‫<د‬ ‫<تطيع ‪ ,‬وق<‬‫<ا تس<‬
‫من شأنها ‪ ,‬إال أن تدعو لذلك حاجة ‪ ,‬فعند ذلك تشارك الرجال في جهاد األعداء بم<‬
‫اتخذت أم سليم يوم « حنين » خنجرًا ‪ ,‬فلما سألها زوجها أبو طلحة عنه قالت ‪ « :‬اتخذته إن دنا م<<ني‬
‫أح<<<<<<<<<د من المش<<<<<<<<<ركين بق<<<<<<<<<رت بطن<<<<<<<<<ه »‪. ‬‬
‫وقد أبلت أم عمارة األنصارية بال ًء حسنًا في القتال يوم « أحد » ‪ ,‬حتى أثنى عليها النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬وفى حروب الردة شهدت المعارك بنفسها ‪ ,‬حتى إذا قتل مسيلمة الكذاب ع<<ادت وبه<<ا عش<<ر‬
‫جراح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ات ‪.‬‬
‫فإذا شاع في بعض العصور حبس المرأة عن العلم ‪ ,‬وعزلها عن الحياة ‪ ,‬وتركها في البيت كأنها قطعة‬
‫من أثاثه ‪ ,‬ال يعلمها الزوج ‪ ,‬وال يتيح لها أن تتعلم ‪ -‬حتى إن الخروج إلى المسجد أصبح عليها محرماَ‬
‫‪ -‬إذا شاعت هذه الصورة يوما فمنشؤها الجهل والغلو واالنحراف عن هدي اإلسالم ‪ ,‬واتب<<اع تقالي<<د‬
‫مبالغة في التزمت ‪ ,‬لم يأذن بها اهلل ‪ ,‬واإلسالم ليس مسؤوال عن هذه التقاليد المبتدعة باألمس ‪ ,‬كما أنه‬
‫ليس مسؤوال عن تقاليد أخرى مسرفة ابتدعت اليوم ‪ .‬إن طبيعة اإلسالم هي التوازن المقسط ‪ ,‬في كل ما‬
‫<اب‬‫<ة على حس<‬ ‫يشرعه ويدعو إليه من أحكام وآداب ‪ ,‬فهو ال يعطي شيئا ليحرم آخر ‪ ,‬وال يضخم ناحي<‬
‫أخ<<<<رى ‪ ,‬وال يس<<<<رف في إعط<<<<اء الحق<<<<وق ‪ ,‬وال في طلب الواجب<<<<ات ‪.‬‬
‫<ه‬
‫<ه ‪ ,‬ولم يكن هم<‬ ‫<ا من أجل<‬ ‫ولهذا لم يكن من هم اإلسالم تدليل المرأة على حساب الرجل ‪ ,‬وال ظلمه<‬
‫إرضاء نزواتها على حساب رسالتها ‪ ,‬وال إرضاء الرجل على حساب كرامتها ‪ ,‬وإنما نجد أن موق<<ف‬
‫اإلسالم تجاه المرأة يتمثل فيما يلي ‪:‬‬

‫<اب‬‫<ها من أني<‬‫<ا ويحرس<‬ ‫<ا اهلل عليه<‬


‫<تي فطره<‬ ‫( أ )‪ ‬إنه يحافظ ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬على طبيعتها وأنوثتها ال<‬
‫المفترسين الذين يريدون التهامها حراما ‪ ,‬ومن جشع المستغلين الذين يريدون أن يتخذوا من أنوثته<<ا ‪,‬‬
‫أداة للتج<<<<<<<<<<<<<ارة وال<<<<<<<<<<<<<ربح الح<<<<<<<<<<<<<رام ‪.‬‬
‫( ب )‪  ‬إنه يحترم وظيفتها السامية التي تهيأت لها بفطرتها ‪ ,‬واختارها لها خالقها ‪ ,‬الذي خصها بنصيب‬
‫أوفر من نصيب الرجل ‪ ,‬في جانب الحنان والعاطفة ‪ ,‬ورقة اإلحساس ‪ ,‬وسرعة االنفعال ‪ ,‬ليعدها بذلك‬
‫<د ‪.‬‬‫<ال الغ<‬‫<ناعة أجي<‬ ‫<ة ‪ ,‬وهي ص<‬ ‫لرسالة األمومة الحانية ‪ ,‬التي تشرف على أعظم صناعة في األم<‬
‫( جـ )‪ ‬إنه يعتبر البيت مملكة المرأة العظيمة ‪ ,‬هي ربته ومديرته وقطب رحاه ‪ ,‬فهي زوجة الرج<<ل ‪,‬‬
‫وشريكة حياته ‪ ,‬ومؤنس وحدته ‪ ,‬وأم أوالده ‪ ,‬وهو يعد عمل المرأة في تدبير البيت ‪ ,‬ورعاية ش<<ؤون‬
‫الزوج ‪ ,‬وحسن تربية األوالد ‪ ,‬عباد ًة وجهادًا ‪ ,‬ولهذا يقاوم كل مذهب أو نظام يعوقها عن رسالتها ‪ ,‬أو‬
‫يض<<<<ر بحس<<<<ن أدائه<<<<ا له<<<<ا ‪ ,‬أو يخ<<<<رب عليه<<<<ا عش<<<<ها ‪.‬‬
‫<ذات‬‫<ا من فل<‬ ‫إن كل مذهب أو نظام يحاول إجالء المرأة عن مملكتها ‪ ,‬ويخطفها من زوجها ‪ ,‬وينتزعه<‬
‫<د أن‬‫<رأة ‪ ,‬يري<‬
‫<دو للم<‬ ‫أكبادها ‪ -‬باسم الحرية ‪ ,‬أو العمل ‪ ,‬أو الفن ‪ ,‬أو غير ذلك ‪ -‬هو في الحقيقة ع<‬
‫<الم ‪ .‬‬
‫<ه اإلس<‬‫<رو أن يرفض<‬ ‫<ذكر ‪ ,‬فال غ<‬ ‫<يئا ي<‬
‫<ك ش<‬ ‫<اء ذل<‬ ‫<ا لق<‬‫<يء ‪ ,‬وال يعطيه<‬‫<ل ش<‬‫يسلبها ك<‬
‫<نى‬‫<ا تب<‬
‫( د )‪  ‬إنه يريد أن يبني البيوت السعيدة ‪ ,‬التي هي أساس المجتمع السعيد ‪ .‬والبيوت السعيدة إنم<‬
‫على الثقة واليقين ‪ ,‬ال على الشك والريبة ‪ ,‬واألسرة التي قوامها زوجان يتبادالن الشكوك والمخ<<اوف ‪,‬‬
‫أس<<<رة مبني<<<ة على ش<<<فير ه<<<ار ‪ ,‬والحي<<<اة في داخله<<<ا جحيم ال يط<<<اق ‪.‬‬
‫( هـ )‪ ‬إنه يأذن لها أن تعمل خارج البيت فيما يالئمها من األعمال التي تناسب طبيعتها واختصاص<<ها‬
‫وقدراتها ‪ ,‬وال يسحق أنوثتها ‪ ,‬فعملها مشروع في حدود وبشروط ‪ .‬وخصوصًا عن<<دما تك<<ون هي أو‬
‫<ت‬ ‫<ة ‪ .‬وليس<‬‫أسرتها في حاجة إلى العمل الخارجي ‪ ,‬أو يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عملها خاص<‬
‫<ة‬
‫<ة المتعلم<‬‫<ية ‪ ,‬كحاج<‬ ‫<ة نفس<‬
‫الحاجة إلى العمل محصورة في الناحية المادية فحسب ‪ ,‬فقد تكون حاج<‬
‫المتخصصة التي لم تتزوج ‪ ,‬والمتزوجة التي لم تنجب ‪ ,‬والشعور بالفراغ الطويل ‪ ,‬والمل<<ل القات<<ل ‪.‬‬
‫<يء من‬ ‫وليس األمر كما يدعيه أنصار عمل المرأة دون قيود وال ضوابط ‪ ,‬وسنتناول هذا الموضوع بش<‬
‫التفصيل في الصفحات القادمة إن شاء اهلل ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫أنصار المغاالة في عمل المرأة وشبهاتهم‬


‫ولكن كما دعا أسرى الغزو الفكري إلى اختالط المرأة بالرجل ‪ ,‬وت<<ذويب الح<<واجز بين الجنس<<ين ‪,‬‬
‫رأيناهم يدعون أيضا إلى تشغيل المرأة في كل مجال ‪ ,‬سواء أكان لها حاجة إلى العمل أم ال ‪ ,‬وس<<واء‬
‫<ام االختالط‬
‫<و من تم<‬‫أكان المجتمع في حاجة إلى هذا العمل أم ال ‪ ,‬فهذا األمر مكمل لألمر األول ‪ ,‬فه<‬
‫وذوب<<ان الف<<وارق ‪ ,‬والتح<<رر من ظلم العص<<ور الوس<<طى وظالمه<<ا ‪ ,‬كم<<ا يق<<ال !‬
‫ومن مكرهم ودهائهم أنهم ‪ -‬في كثير من األحيان ‪ -‬ال يعلنون صراحة أنهم يريدون للمرأة أن تتم<<رد‬
‫على فطرتها ‪ ,‬وتخرج من حدود أنوثتها ‪ ,‬وأنهم يريدون استغالل أنوثتها للمتعة الح<<رام ‪ ,‬أو الكس<<ب‬
‫الحرام ‪ ,‬بل يظهرون في صورة األطهار المخلصين ‪ ,‬الذين ال يريدون إال المصلحة ‪ ,‬فهم يؤيدون رأيهم‬
‫في تشغيل المرأة بأدلة مبعثرة ‪ ,‬نجمع شتاتها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪  .1‬إن الغرب وهو أكثر منا تقدمًا ورقيًا في مضمار الحضارة قد سبقنا إلى تشغيل المرأة ‪ ,‬فإذا أردن<<ا‬
‫ال<<<رقي مثل<<<ه فلنح<<<ذ ح<<<ذوه في ك<<<ل ش<<<ئ ف<<<إن الحض<<<ارة ال تتج<<<زأ ‪.‬‬
‫‪  .2‬إن المرأة نصف المجتمع ‪ ,‬وإبقاؤها في البيت بال عمل تعطيل لهذا النصف ‪ ,‬وضرر على االقتصاد‬
‫الق<<<<<ومي ‪ ,‬فمص<<<<<لحة المجتم<<<<<ع تقض<<<<<ي بعم<<<<<ل الم<<<<<رأة ‪.‬‬
‫‪  .3‬ومصلحة األسرة كذلك تقضى بعملها ‪ ,‬فإن تكاليف الحياة قد تزايدت في هذا العصر ‪ ,‬وعمل المرأة‬
‫يزيد من دخل األسرة ويعاون الرجل على أعباء المعيشة ‪ ,‬وخصوصا في البيئات المح<<دودة ال<<دخل ‪.‬‬
‫<بيت‬‫<ارج ال<‬‫<المجتمع خ<‬ ‫‪ .4‬ومصلحة المرأة نفسها تدعو إلى العمل ‪ ,‬فإن االحتكاك بالناس وبالحياة وب<‬
‫<ة ‪.‬‬‫<دران األربع<‬‫يصقل شخصيتها ‪ ,‬ويمدها بخبرات وتجارب ‪ ,‬ما كان لها أن تحصل عليها داخل الج<‬
‫‪ .5‬كما أن العمل سالح في يدها ضد عوادي الزمن ‪ ,‬فقد يموت أبوها أو يطلقها زوجه<<ا ‪ ,‬أو يهمله<<ا‬
‫أوالدها ‪ ,‬فال تذلها الفاقة والحاجة ‪ .‬وال سيما في زمن غلبت فيه األنانية ‪ ,‬وشاع فيه العقوق ‪ ,‬وقطيع<<ة‬
‫األرحام ‪ ,‬وقول كل امرئ ‪ :‬نفسي نفسي ‪.‬‬

‫الرد على هذه الشبهات ‪:‬‬

‫‪ .1‬أم<<<ا االحتج<<<اج ب<<<الغرب فه<<<و احتج<<<اج باط<<<ل ‪ ,‬لألس<<<باب اآلتي<<<ة ‪:‬‬


‫( أ )‪ ‬ألن الغرب ليس حجة علينا ‪ ,‬ولسنا مكلفين أن نتخذ الغرب إلها يعبد وال قدوة تتب<<ع ‪ ( :‬لكم دينكم‬
‫ولي دين )‪. ‬‬
‫( ب )‪  ‬إن المرأة في الغرب خرجت إلى المصنع والمتجر وغيرهما مجبورة ال مختارة ‪ ,‬تسوقها الحاجة‬
‫إلى القوت ‪ ,‬واالضطرار إلى لقمة العيش ‪ ,‬بعد أن نكل الرجل عن إعالتها ‪ ,‬في مجتمع قاس ال ي<<رحم‬
‫<ذا ‪.‬‬
‫<ل ه<‬ ‫<ريعتنا عن مث<‬ ‫<ات في ش<‬ ‫<ام النفق<‬
‫<ا اهلل بنظ<‬
‫صغيرًا لصغره ‪ ,‬وال أنثى ألنوثتها ‪ ,‬وقد أغنان<‬
‫وقد ذكر أستاذنا محمد يوسف ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬في كتابه « اإلسالم وحاجة اإلنسانية إليه » أثن<<اء‬
‫<انت‬‫<ا ك<‬‫حديثه عن عناية اإلسالم باألسرة قال ‪ « :‬ولعل من الخير أن أذكر هنا أنى حين إقامتي بفرنس<‬
‫<ألت رب<ة‬ ‫تخدم األسرة التي نزلت في بيتها فترة من الزمن فتاة يظهر عليها مخايل كرم األص<ل ‪ ,‬فس<‬
‫البيت ‪ :‬لماذا تخدم هذه الفتاة ؟ أليس لها قريب يجنبها هذا العمل ‪ ,‬ويوفر لها ما تقيم به حياتها ؟ فك<<ان‬
‫<ا وال يهتم‬
‫<نى به<‬‫<ه ال يع<‬ ‫<نى ‪ ,‬ولكن<‬ ‫جوابها ‪ :‬أنها من أسرة طيبة في البلدة ‪ ,‬وعمها غني موفور الغ<‬
‫بأمرها ‪ .‬فسألت ‪ :‬لماذا ال ترفع األمر للقضاء ‪ ,‬ليحكم لها عليه بالنفقة ؟ فدهشت السيدة من هذا القول ‪,‬‬
‫وعرفتني أن ذلك ال يجوز لها قانونا ‪ .‬وحينئذ أفهمتها حكم اإلسالم في هذه الناحية ‪ ,‬فقالت ‪ :‬ومن لن<<ا‬
‫<ل في‬ ‫<ا للعم<‬
‫<رج من بيته<‬ ‫بمثل هذا التشريع ؟ لو أن هذا جائز قانونا عندنا لما وجدت فتاة أو سيدة تخ<‬
‫شركة أو مصنع أو معمل أو ديوان من دواوين الحكومة » ‪ .‬تعني ‪ :‬أن خوفهن من الجوع والضياع هو‬
‫ال<<<<ذي دف<<<<ع تل<<<<ك الجي<<<<وش من النس<<<<اء إلى العم<<<<ل بحكم الض<<<<رورة ‪.‬‬
‫<بحت‬ ‫<ار ‪ ,‬وأص<‬ ‫( جـ )‪ ‬إن الغرب الذي يقتدون به أصبح اليوم يشكو من عمل المرأة وما جره من آث<‬
‫المرأة نفسها هناك تشكو من هذا البالء ‪ ,‬الذي لم يكن لها فيه خيار ‪ ,‬تقول الكاتبة الشهيرة « آنا رود »‬
‫في مقالة نشرتها في جريدة « االسترن ميل » ‪ « :‬ألن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير‬
‫وأخف بال ًء من اشتغالهن في المعامل ‪ ,‬حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى األبد ‪.‬‬
‫« أال ليت بالدنا كبالد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهر ردا ًء ‪ ,‬الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغ<<د‬
‫عيش ‪ ,‬ويعامالن كما يعامل أوالد البيت ‪ ,‬وال تمس األعراض بسوء ‪ . .‬نعم إنه لعار على بالد اإلنجليز‬
‫ال للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ‪ ,‬فما بالنا ال نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بم<<ا‬ ‫أن نجعل بناتها مث ً‬
‫<رفها » ‪ .‬‬ ‫<المة لش<‬ ‫<ال س<‬ ‫<ال للرج<‬‫<ال الرج<‬‫<رك أعم<‬ ‫<البيت وت<‬
‫يوافق فطرتها الطبيعية من القيام ب<‬
‫( د )‪  ‬إن مصلحة المجتمع ليست في أن تدع المرأة رسالتها األولى في البيت ‪ ,‬لتعمل مهندسة أو محامية‬
‫<ه‬‫<ا ل<‬‫<ذي هيأته<‬ ‫أو نائبة أو قاضية أو عاملة في مصنع ‪ ,‬بل مصلحته أن تعمل في مجال تخصصها ال<‬
‫الفطرة ‪ :‬مجال الزوجية واألمومة ‪ -‬وهو ال يقل ‪ -‬بل يزيد ‪ -‬خطرًا عن العمل في المتاجر والمعام<<ل‬
‫<الحات !!‬ ‫<ات الص<‬ ‫<ال ‪ :‬األمه<‬
‫<ع ؟ فق<‬‫<ا أمن<‬
‫<ون فرنس<‬ ‫<ابليون ‪ :‬أي حص<‬ ‫والمؤسسات ‪ ,‬وقد قيل لن<‬
‫والذين يزعمون أن المرأة في البيت عاطلة ‪ ,‬يجهلون أو يتجاهلون ‪ ,‬ما تشكو منه فضليات النساء ‪ ,‬من‬
‫كثرة األعمال واألعباء المنزلية ‪ ,‬التي تستنفد وقتها وجهدها كله ‪ ,‬وال يكاد يكفي ‪ ,‬فإن كان عن<<د بعض‬
‫النساء فضل وقت فلنعلمها قضاءه في الخياطة والتطريز ‪ ,‬وما يليق بها من األعمال ‪ ,‬التي ال تتعارض‬
‫<ة‬‫مع واجبها في البيت ( ويمكن أن تعمل هذا بأجر لبعض المؤسسات ‪ ,‬وهي في ال<<بيت ) أو في خدم<‬
‫مجتمعه<<ا وبن<<ات جنس<<ها ‪ ,‬واإلس<<هام في مقاوم<<ة الفق<<ر والجه<<ل والم<<رض والرذيل<<ة ‪.‬‬
‫والواقع أن كثيرًا من النساء العامالت يستخدمن نساء أخريات للعمل مربيات ألوالدهن أو ش<<غاالت في‬
‫بيوتهن ‪ .‬ومعنى هذا أن البيت في حاجة إلى امرأة ترعى شئونه ‪ ,‬وأولى الناس بذلك ربته وملكته ‪ ,‬بدل‬
‫المرأة الغريبة ‪ ,‬والتي كثيرًا ما تكون غريبة الدار والخلق والدين واللغة واألفكار والعادات ‪ -‬كما ه<<و‬
‫شائع في مجتمعات الخليج من المربيات والخادمات المستوردات من الشرق األقصى ‪ -‬وخطورة ه<<ذا‬
‫األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر ال تخفى على عاق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ل ‪.‬‬
‫<ه في أدوات الزين<ة ‪,‬‬ ‫<ق معظم<‬ ‫( هـ )‪ ‬كما أن سعادة األسرة ليست في مجرد زيادة الدخل ‪ ,‬الذي ينف<‬
‫<اء ‪ ,‬و «‬ ‫<باق األزي<‬‫<نع وس<‬ ‫وثياب الخروج ‪ ,‬وتكاليف الحياة المختلطة ‪ ,‬التي تقوم على التكلف والتص<‬
‫المودات » وما إلى ذلك ‪ ,‬ويقابل هذه الزيادة في الدخل حرمان البيت من السكينة واألنس ‪ ,‬الذي تشيعه‬
‫المرأة في جو األسرة ‪ ,‬أما المرأة العاملة فهي مكدودة الجسم ‪ ,‬مرهقة األعصاب ‪ ,‬وهي نفسها في حاجة‬
‫إلى من ي<<<<<<روح عنه<<<<<<ا ‪ ,‬وفاق<<<<<<د الش<<<<<<يء ال يعطي<<<<<<ه ‪.‬‬
‫( و )‪ ‬إن مصلحة المرأة ليست في إخراجها عن فطرتها واختصاصها وإلزامها أن تعمل عمل ال<<ذكر ‪,‬‬
‫وقد خلقها اهلل أنثى ‪ ,‬فهذا كذب على المرأة وعلى الواقع ‪ ,‬وقد تفقد المرأة من ه<<ذا الص<<نف أنوثته<<ا‬
‫<ير من‬ ‫<ه كث<‬‫بالتدريج ‪ ,‬حتى أطلق عليها بعض الكتاب اإلنجليز « الجنس الثالث » ‪ ,‬وهذا ما اعترف ب<‬
‫النس<<<<<<<<<<<<اء من ذوات الش<<<<<<<<<<<<جاعة األدبي<<<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫( ز )‪  ‬وما يدعى من أن العمل سالح في يد المرأة ‪ ,‬إن صح في الغرب فال يصح عندنا نحن المسلمين ‪,‬‬
‫ألن المرأة في اإلسالم مكفية الحاجات بحكم النفقة الواجبة شرعا على أبيها ‪ ,‬أو زوجها ‪ ,‬أو أبنائه<<ا أو‬
‫أخيها ‪ ,‬أو غيرهم من العصبات واألقارب ‪ ,‬وان كان تقليد الغرب بدأ يفقدنا خصائصنا شيئا فشيئا !‬

‫إلى الفهرس‬

‫مضار اشتغال المرأة بعمل الرجالـ‬


‫وبهذا نعلم أن اشتغال المرأة في أعمال الرجال وانهماكها فيها بغير قيود وال حدود ‪ ,‬مض<<رة ال ش<<ك‬
‫فيه<<<<<<<<<<<<<<ا ‪ ,‬من ج<<<<<<<<<<<<<<وانب ش<<<<<<<<<<<<<<تى ‪:‬‬
‫‪ .1‬مضرة على المرأة نفسها ‪ :‬ألنها تفقد أنوثتها وخصائصها ‪ ,‬وتحرم من بيتها وأوالده<<ا ‪ ,‬ح<<تى إن‬
‫كثيرًا من النساء أصبن بالعقم ‪ .‬وبعضهم سماهن « الجنس الثالث » أي الذي ال ه<<و رج<<ل وال ه<<و‬
‫ام<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رأة !‬
‫‪  .2‬مضرة على الزوج ‪ :‬ألنه يحرم من نبع سخي كان يفيض عليه باألنس والبهجة ‪ ,‬فلم يعد يفيض عليه‬
‫<د‬‫<ل يفق<‬‫ال على أن الرج<‬ ‫إال الجدل ‪ ,‬والشكوى من مشكالت العمل ‪ ,‬ومنافسة الزميالت والزمالء ‪ ,‬فض ً‬
‫كثيرًا من سلطانه وقوامته عليها ‪ ,‬لشعورها بأنها مستغنية بعملها عنه ‪ ,‬وربما كان راتبها أكبر من راتبه‬
‫<ك ‪.‬‬‫<يرة والش<‬‫<ذاب الغ<‬ ‫<ير من األزواج من ع<‬ ‫<ه كث<‬
‫<عر ب<‬ ‫‪ ,‬فتشعر باالستعالء عليه ‪ .‬هذا إلى ما يش<‬
‫‪  .3‬مضرة على األوالد ‪ :‬ألن حنان األم ‪ ,‬وقلب األم ‪ ,‬وإشراف األم ‪ ,‬ال يغني عنه غيره من خ<<ادم أو‬
‫<ة‬‫<ادت متعب<‬‫<بيت ع<‬ ‫مدرسة ‪ ,‬وكيف يستفيد األوالد من أم تقضي نهارها في عملها ‪ ,‬فإذا عادت إلى ال<‬
‫<ه ‪.‬‬‫<المة التوجي<‬‫<ة وس<‬ ‫<ن التربي<‬
‫<مح بحس<‬ ‫<ية تس<‬‫<مية وال النفس<‬
‫مهدودة ‪ ,‬متوترة ‪ ,‬فال حالتها الجس<‬
‫<ا دام في‬‫<ل ‪ ,‬فم<‬‫<الح للعم<‬‫‪ .4‬مضرة على جنس الرجال ‪ :‬ألن كل امرأة عاملة ‪ ,‬تأخذ مكان رجل ص<‬
‫المجتم<<<<<ع رج<<<<<ال متعطل<<<<<ون ‪ ,‬فعم<<<<<ل الم<<<<<رأة إض<<<<<رار بهم ‪.‬‬
‫‪ .5‬مضرة على العمل نفسه ‪ :‬ألن المرأة كثيرة التخلف والغياب عن العمل ‪ ,‬لكثرة العوارض الطبيعي<<ة‬
‫التي ال تملك دفعها ‪ ,‬من حيض وحمل ووضع وإرضاع وما شابه ذلك ‪ ,‬وهذا كله على حساب انتظ<<ام‬
‫العم<<<<<<<<<<ل وحس<<<<<<<<<<ن اإلنت<<<<<<<<<<اج في<<<<<<<<<<ه ‪.‬‬
‫<ال ‪,‬‬‫‪  .6‬مضرة على األخالق ‪ :‬أخالق المرأة إذا فقدت حياء النساء ‪ ,‬وأخالق الرجل إذا فقد غيرة الرج<‬
‫وأخالق الجيل إذا فقد حسن التربية والتهذيب منذ نعومة األظفار ‪ ,‬وأخالق المجتمع كله إذا أصبح كسب‬
‫المال وزيادة الدخل هو الهدف األكبر ‪ ,‬الذي يسعى إليه الناس ‪ ,‬ولو على حساب القيم الرفيعة ‪ ,‬والمثل‬
‫العلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ‪.‬‬
‫<ذي‬ ‫<عه ال<‬
‫‪ .7‬مضرة على الحياة االجتماعية‪ :‬ألن الخروج على الفطرة ‪ ,‬ووضع الشيء في غير موض<‬
‫اقتضته هذه الفطرة ‪ ,‬يفسد الحياة نفسها ‪ ,‬ويصيبها بالخلل والتخبط واالضطراب ‪.‬‬

‫إلى الفهرس‬

‫متى يجوز للمرأة أن تعمل‬


‫ه<<<ل يفهم من ه<<<ذا أن عم<<<ل الم<<<رأة ح<<<رام أو ممن<<<وع ش<<<رعا بك<<<ل ح<<<ال ؟‬
‫<ل ‪ .‬‬‫<رأة أن تعم<‬
‫<ريعة للم<‬‫<يز الش<‬
‫<ال ‪ ,‬تج<‬ ‫<دى ‪ ,‬وفى أي مج<‬ ‫كال ‪ ,‬وينبغي أن نبين هنا إلى أي م<‬
‫<ل‬‫< أيضا ‪ ,‬حتى ال يلتبس الحق بالباطل في هذه القضية الحساسة ‪ .‬إن عم<‬ ‫هذا ما نحدده بإيجاز ووضوح‬
‫المرأة األول واألعظم الذي ال ينازعها فيه منازع ‪ ,‬وال ينافسها فيه منافس ‪ ,‬هو تربية األجيال ‪ ,‬ال<<ذي‬
‫هيأها اهلل له بدنيًا ‪ ,‬ونفسيًا ‪ ,‬ويجب أال يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ‪,‬‬
‫<ه‬
‫<ة ‪ ,‬وب<‬‫فإن أحدًا ال يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير ‪ ,‬الذي عليه يتوقف مستقبل األم<‬
‫تتك<<<<<<<<ون أعظم ثرواته<<<<<<<<ا ‪ ,‬وهي ال<<<<<<<<ثروة البش<<<<<<<<رية ‪.‬‬
‫ورحم اهلل شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال ‪:‬‬

‫األم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب األعراق‬

‫وهذا ال يعنى أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا ‪ ,‬فليس ألحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح‬
‫<وم ‪.‬‬ ‫<و معل<‬‫<ا ه<‬‫<ة كم<‬ ‫<ة اإلباح<‬
‫<رفات العادي<‬
‫<ياء والتص<‬‫الثبوت ‪ ,‬صريح الداللة ‪ ,‬واألصل في األش<‬
‫وعلى هذا األساس نقول ‪ :‬إن عمل المرأة في ذاته جائز ‪ ,‬وقد يكون مطلوبًا إذا احتاجت إلي<<ه ‪ ,‬ك<<أن‬
‫<وع من‬ ‫ال ‪ ,‬وال مورد لها وال عائل ‪ ,‬وهي قادرة على ن<‬‫تكون أرملة أو مطلقة ‪ ,‬أو لم توفق للزواج أص ً‬
‫الكس<<<<<<<<<ب يكفيه<<<<<<<<<ا ذل الس<<<<<<<<<ؤال أو المن<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫وقد تكون األسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها ‪ ,‬أو تربي أوالدها ‪ ,‬أو إخوتها الصغار ‪,‬‬
‫أو تساعد أباها في شيخوخته ‪ ,‬كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الك<<ريم في س<<ورة‬
‫<اس‬ ‫القصص ‪ ,‬وكانتا تقومان على غنم أبيهما ‪ ,‬قال تعالى ‪ ( :‬ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الن<‬
‫يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ‪ ,‬قال ما خطبكما ‪ ,‬قالتا ال نسقي حتى يصدر الرعاء ‪ ,‬وأبون<<ا‬
‫ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يخ كب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ير)‪. ‬‬
‫وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة ‪ ,‬كما في تطبيب النساء وتمريضهن ‪ ,‬وتعليم البنات ‪,‬‬
‫ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة ‪ .‬فاألولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها ‪ ,‬ال مع رجل ‪ ,‬وقب<<ول‬
‫الرجل في بعض األحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها ‪ ,‬وال تصبح قاعدة ثابتة ‪.‬‬
‫ومث<<<ل ذل<<<ك إذا احت<<<اج المجتم<<<ع ألي<<<د عامل<<<ة ‪ ,‬لض<<<رورة التنمي<<<ة ‪.‬‬
‫وإذا أجزن<<<ا عم<<<ل الم<<<رأة ‪ ,‬ف<<<الواجب أن يك<<<ون مقي<<<دًا بع<<<دة ش<<<روط ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون العمل في ذاته مشروعًا ‪ ,‬بمعنى أال يكون عملها حرامًا في نفسه ‪ ,‬أو مفضيًا إلى ارتك<<اب‬
‫< وظيفتها أن يخلو بها وتخلو‬ ‫حرام ‪ ,‬كالتي تعمل خادمًا لرجل أعزب ‪ ,‬أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي‬
‫به ‪ ,‬أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا ‪ ,‬أو عاملة في « بار » تقدم الخمر التي لعن رس<<ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ساقيها وحاملها وبائعها ‪ ..‬أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها التزام زي غير‬
‫شرعي ‪ ,‬وتقديم ما ال يباح شرعًا للركاب ‪ ,‬والتعرض للخطر بسبب السفر البعيد بغير محرم ‪ ,‬بما يلزمه‬
‫من المبيت وحدها في بالد الغربة ‪ ,‬وبعضها بالد غير مأمونة ‪ ,‬أو غير ذلك من األعمال التي حرمه<<ا‬
‫اإلس<<<<الم على النس<<<<اء خاص<<<<ة أو على الرج<<<<ل والنس<<<<اء جميع<<<<ا ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها ‪ :‬في الزي والمش<<ي والكالم والحرك<<ة ‪ ( :‬وال‬
‫يبدين زينتهن إال ما ظهر منها )‪ ( , ‬وال يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) ‪ ( , ‬فال تخضعن‬
‫ال معروف<<<<ًا )‪. ‬‬ ‫ب<<<<القول فيطم<<<<ع ال<<<<ذي في قلب<<<<ه م<<<<رض وقلن ق<<<<و ً‬
‫‪  .3‬أال يكون عملها على حساب واجبات أخرى ال يجوز لها إهمالها كواجبها نحو زوجها وأوالدها وهو‬
‫واجبه<<<<<<<<<<<<ا األول وعمله<<<<<<<<<<<<ا األساس<<<<<<<<<<<<ي ‪.‬‬
‫والمطلوب من المجتمع المسلم ‪ :‬أن يرتب األمور ‪ ,‬ويهيئ األسباب ‪ ,‬بحيث تستطيع المرأة المس<<لمة أن‬
‫تعمل ‪ -‬إذا اقتضت ذلك مصلحتها أو مصلحة أسرتها ‪ ,‬أو مصلحة مجتمعها ‪ -‬دون أن يخ<<دش ذل<<ك‬
‫حياءها ‪ ,‬أو يتعارض مع التزامها بواجبها نحو ربها ونفسها وبيتها ‪ ,‬وأن يكون المناخ العام مساعدًا لها‬
‫على أن تؤدى ما عليها ‪ ,‬وتأخذ ما لها ‪ .‬ويمكن أن يرتب لها نصف عمل بنصف أجر ( ثالثة أي<<ام في‬
‫<والدة‬ ‫<ازات ال<‬
‫<ذلك إج<‬ ‫<زواج ‪ ,‬وك<‬‫<ة في أول ال<‬ ‫األسبوع مث ً‬
‫ال ) ‪ .‬كما ينبغي أن يمنحها إجازات كافي<‬
‫<‪.‬‬ ‫واإلرض<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اع‬
‫ومن ذلك ‪ :‬إنشاء مدارس وكليات وجامعات للبنات خاصة ‪ ,‬يستطعن فيها ممارسة الرياضات واأللعاب‬
‫<ة ‪.‬‬ ‫<طة المختلف<‬‫<ة األنش<‬‫<رك وممارس<‬ ‫<ة في التح<‬‫<ير من الحري<‬‫<ون لهن الكث<‬ ‫المالئمة لهن ‪ ,‬وأن يك<‬
‫ومن ذلك ‪ :‬إنشاء أقسام أو أماكن مخصصة للعامالت من النساء في الوزارات والمؤسسات والبن<<وك ‪,‬‬
‫بع<<<<<<<<<<دًا عن مظ<<<<<<<<<<ان الخل<<<<<<<<<<وة والفتن<<<<<<<<<<ة ‪.‬‬
‫إلى غ<<<ير ذل<<<ك من الوس<<<ائل ال<<<تي تتن<<<وع وتتج<<<دد ‪ ,‬وال يس<<<هل حص<<<رها ‪.‬‬
‫واهلل يقول الحق ‪ ,‬وهو يهدي السبيل ‪.‬‬
‫إلى الفهرس‬

You might also like