Professional Documents
Culture Documents
مقــــدمة
الحمد هلل حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ،والصالة والسالم على رسوله المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله
وصحبه أجمعين.
أما بعد ،فقد عنى اإلسالم بالمجتمع عناية بالفرد .فكل منهما يتأثر باآلخر ويؤثر فيه .وهل المجتمع إال
مجموعة من األفراد ربطت بينهم روابط معينة .فكان صالح الفرد الزمًا لصالح المجتمع ،فالفرد أشبه
باللبنة في البنيان ،وال صالح للبنيان إذا كانت لبناته ضعيفة.
كما ال صالح للفرد إال في مجتمع يساعده على النمو السليم ،والتكيف الص<<حيح ،والس<<لوك الق<<ويم.
فالمجتمع هو التربة التي تبنت فيها بذرة الفرد .وتنمو وتترعرع في مناخها ،واالنتفاع بسمائها وهوائها
<الم
<د اإلس<وشمسها .وما كانت الهجرة النبوية إلى المدينة ،إال سعيًا إلى مجتمع مستقل تتجسد فيه عقائ<
<تزم<تي ال تل<
<ات ال<<لم في المجتمع<وقيمه وشعائره وشرائعه .وقد لمسنا في عصرنا محنة الفرد المس<
باإلسالم منهاجًا لحياتها ،ناهيك بالمجتمعات التي تعادي شريعته ،وتطارد دعوته .وكي<<ف يعيش ه<<ذا
الفرد في توتر وقلق وحيرة ،نتيجة لما يحس به من تناقض صارخ بين ما يؤمن به من أوامر دين<<ه و
نواهيه ،من جهة ،و ما يعايشه ويضغط عليه من أفكار المجتمع ومشاعره وتقاليده وأنظمته وقوانين<<ه،
التي يراها مخالفة لتوجيهات عقيدته ،وأحكام شريعته ،ومواريث ثقافته ،من جهة أخرى .اإلنسان -كما
قال القدماء -مدني بطبعه ,وكما قال المحدثون :حيوان اجتماعي .أي أنه ال يستطيع أن يعيش وحده
,بل ال بد أن يتعاون مع غيره ,حتى تستقيم حياته ,وتتحقق مطالبه ,ويستمر نوعه .وقد قال الشاعر
<ور<الم ال يص< العربي :الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض -وان لم يشعروا -خدم واإلس<
<ذين
<ا ال<
اإلنسان وحده ،إنما يصوره في مجمع ،ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة( :يا أيه<
آمنوا) ولم يجئ في القرآن (يا أيها المؤمن) وذلك أن تكاليف اإلسالم محتاج إلى التكاتف والتضامن في
حملها والقيام بأعبائها .يستوي في ذلك العبادات والمعامالت.
فإذا نظرنا إلى فريضة كالصالة وجدنا أنها ال يمكن أن تقام كما يريد اإلس<<الم ,إال بمس<<جد يتع<<اون
المجتمع على بنائه ،ومؤذن يعلن الناس بمواقيت الصالة ,وإمام يؤمهم ,وخطيب بخطبهم ,ومعد يعلمهم,
وهذا كله ال يقوم به الفرد ,وإنما ينظمه المجتمع.
وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا م ّكن لها في األرض :أن تقيم الصالة ,كما قال تع<<الى :
(الذين إن مكنّاهم في ألرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة… اآلية).
ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم ,وضرورة ترتيب أمور الحياة في رمضان ترتيبا يعين على الصيام
<ه<رف علي< <اعي تش< والقيام والسحور وغيرها .ومن باب أولى :الزكاة ,فاألصل فيها أنها تنظيم اجتم<
<ا
<ه .أم< الدولة ,بواسطة( العاملين عليها ) الذين نص عليهم القرآن .وكذلك كل شعائر اإلسالم وأركان<
األخالق والمعامالت فال يتصور أن تقوم -كما ينشدها اإلسالم -إال في ظالل مجتمع ملتزم باإلسالم,
يتعبد هلل بإقامة حياته على أساس اإلسالم.
وقد عم اإلسالم المسلم أن يقول إذا ناجى ربه في صالته ( إياك نعبد وإياك نستعين) فهو يتكلم بلس<<ان
الجماعة ,وإن كان وحده ,وكذلك إذا دعا ربه دعا بصيغة الجمع( :اهدنا الصراط المستقيم) فالجماع<<ة
<ه<ات بمكونات<حيّ ة في وجدانه ،حاضرة على لسانه .والمجتمع المسلم مجتمع متميز عن سائر المجتمع<
<ع,<ذا المجتم<
وخصائصه ,فهو مجتمع رباني ،إنساني ,أخالقي ,متوازن .والمسلمون مطالبون بإقامة ه<
حتى يمكنوا فيه لدينهم ,ويجسدوا فيه شخصيتهم ,ويحيوا في ظله حياة إسالمية متكاملة :حياة توجهه<<ا
العقيدة اإلسالمية ,وتزكيها العبادات اإلسالمية ,وتقودها المف<<اهيم اإلس<<المية ,وتحركه<<ا الش<<اعر
<المية,
<ا القيم اإلس<
<المية ,وتهيمن عليه<
اإلسالمية ,وتضبطها األخالق اإلسالمية وتجملها اآلداب اإلس<
<المية.
<اليم اإلس<
<تها :التع<
<ا وسياس<<ادها وفنونه<
<ه اقتص<<المية ,وتوج< <ريعات اإلس< ومحكمها التش<
فليس المجتمع المسلم ,كما يتصوره أو يصوره الكثيرون -هو -فقط -الذي يطبق الشريعة اإلسالمية
<ذا
<الم له<
في جانبها القانوني ,وخصوصا جانب الحدود والعقوبات ,فهذا تصور وتصوير قاصر ,بل ظ<
المجتمع ,واختصار لكل مقوماته المتعددة في مقوم واحد هو التشريع ,وفى جانب واحد من التشريع هو
التشريع الجزائي ,أو الجنائي.
لهذا كان من المهم هنا :هو إلقاء الضوء على المكونات أو الالمح األساسية لهذا المجتمع الذي ننش<<ده,
والذي قامت حركات وجماعات إسالمية في شتى أنحاء العالم العربي واإلسالمي تدعو إليه ,ليحل محل
<ه<ا ب<
<ا غزان<
<دة,مم<
المجتمعات الحاضرة ,التي اختلط فيها اإلسالم بالجاهلية ,سواء أكانت جاهلية واف<
االستعمار الغربي بشقيه :الرأسمالي واالشتراكي ,أم جاهلية موروثة ,من رواسب عصور التخلف ,التي
ساء فيه ا فهم السلمين لدينهم ,كما ساء تطبيقهم له ,حكاما ومحكومين .وقد صدر لي كتاب منذ س<<نين,
هو( :غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي) وهو في الحقيقة جزء من هذا الكتاب.
كما تركت موضوعًا يتعلق بالدولة ونظام الحكم ,خشيه من طول الكتاب على القارئ .وربما أهدره في
رسالة مستقلة ,أو ألحمه به في طبعه أخرى .وعسى أن يكون في هذه الفصول ما يساعد على كش<<ف
<
اللثام عن معالم هذا المجتمع الذي مرنو إليه األبصار ,وتشرئب نحوه األعناق ,وتتعلق به القلوب.
<كوعسى أن يزيدنا ذلك إصرارًا على السعي إليه ,والعمل على تحقيقه في الواقع ،كلما استطعنا إلى ذل<
<دة
<الم ,عقي<<ل لإلس< <الم .فيعلن والءه الكام<
سبيال ,في أي وطن -مهما صغرت رقعته من دار اإلس<
<ة على <ة والخارجي< وشريعة ومنهاج حياة ,ويبنى حياته كلها :المادية والمعنوية ,وسياسته كلها :الداخلي<
اإلس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<الم .
ومن ناحية أخرى نقيس المجتمعات القائمة اليوم ,والتي تنتسب إلى اإلسالم ,ألن سكانها مس<<لمون ,أو
ألن دستورها يعلن أن دينها اإلسالم ,أو أن الش<ريعة هي المص<در الرئيس<ي ,أو المص<در الوحي<د
للقوانين :نقيسها إلى هذا المجتمع في صورته المثالية المنشودة ,لنعرف مدى قربها أو بعدها منه.
فما أكثر الذين يتمسحون باإلسالم ,وهم عنه صادون ,أو يتمسكون بش<<كليات من<<ه ,وهم عن روح<<ه
معرضون ,أو يؤمنون ببعض كتابه ,وهم بالبعض اآلخر كافرون ,أو يحتفلون بأعي<<اده ,وهم ألعدائ<<ه
موالون ,ولدعاته معادون ,ولشريعته معارضون ! ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ،ربنا
ال تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ،ربنا إنك أنت العزيز الحكيم).
الدوحة في ذي الحجة1413
يوسف القرضاوي
الفصل األول
العقيدة واإليمان
معنى قيام المجتمع على عقيدة اإلسالم اعتراضات مردودة لبعض المعارضين
ولهذه العقيدة عنوان يلخصها أو شعار يعبر عنها هو ( :شهادة أن ال إله إالاله وأن محمدا رسول اله ),
هذه العقيدة هي التي تمثل وجهة نظر السلمينإلى الكون ورب الكون ,وإلى الطبيعة وما وراء الطبيع<<ة,
والى الحياة وما بعدالحياة ,وإلى العالم المنظور والعالم غير المنظور ,وبعبارة أخرى :إلى الخلقوالخالق,
إلى الدنيا واآلخرة ,إلى عالم الشهادة وعالم الغيب.فهذا الكون بأرضه وسمائه ,بجماده ونباته ,وحيوان<<ه
وإنسانه ,وجنهومالئكته ....هذا الكون لم يخلق من غير شئ ,ولم يخلق نفسه ,فال بد لهمن خ<<الق عليم
<دارقدير عزيز حكيم ,خلقه فسواه ,وقد قدر كل شئ فيه تقديرًا,فكل ذرة فيه بميزان ,وكل حركة فيه بمق<
وحسبان .وذلك الخالق هو اهلل,الذي تدل كل كلمه بل كل حرف في كتاب الوجود على مشيئته وقدرت<<ه,
وعلمهوحكمه ( :تسبح له السموات السبع واألرض ومن فيهن ,وإن من شئ إال يسبح بحمده)هذا الخالي
األعلى هو رب السموات واألرض ,رب العالمين ,رب كل شيء,واحد أحد ال شريك له في ذاته وال في
<ارئ <الق الب<<ده الخ<
صفاته ,وال في أفعاله ,فهو وحدهالقديم األزلي وهو وحده الباقي األبدي ,وهو وح<
<بيه وال
المصور,له األسماء الحسنى ,والصفات العال ,ال ند له وال ضد له ,وال ولد له ,والوالد ,وال ش<
نظير (قل هو اهلل أحد ،اهلل الصمد ،لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفوًا أحد)هو األول واآلخ<<ر والظ<<اهر
والباطن ،وهو بكل شئ عليم) (ليس كمثله شئ ،وهو السميع البصير)كل ما في هذا الكون العظم ,علويه
وسفليه ,صامته وناطقه ,مدل على أنعقال واحدا ,هو الذي يدبر أمره ,ويدًا واحدة هي التي تدير رحاه
<ه
<ي ب< ,وتوجه دفتهوإال الختل نظامه ,وافلت زمامه ,واضطرب ميزانه ,وتهدم بنيانه ,تبعًا لماتقض<
< المتباينة التي توجه ,واختالف األيديالمتعددة التي تحرك . .وصدق ال<<ه الضرورة من اختالف العقول
العظم إذ يقول ( لو كان فيهما آلهةإال اهلل لفسدتا ,فسبحان اهلل رب العرش عما يصفون) وقالجل شأنه ( :
ما اتخذ اهلل من ولد وما كان معه من إله ,إذ لذهب كإلله بما خلق ولعال بعضهم على بعض ,س<<بحان
ال ،س<<بحانه< ( :قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا البتغوا إلى ذي العرشسبي ً
اهلل عما يصفون )ويقول
وتعالى عما يقولون ع ً
ال كبيرا ) .
<موات<ا في الس<<ل م<فالحقيقة التي ال مراء فيها :أن كل من فى السموات ومن في األرض عبيدله ,وك<
<
واألرض ملك له ,فليس أحد وال شئ من العقالءأو من غير العقالء شريكا له ,أو ولدا له ,كم<<ا يق<<ول
<ه
الوثنيين وأشباه الوثنيين( ،وقالوا اتخذ اهلل ولدًا ،سبحانه ،بل له ما في السموات وما في األرض ،كل ل<
قانتون ،بديع السموات واألرض وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون)ومن ضل عن هذه الحقيقه في
الدنيا فسيكشف عنه الغطاء في اآلخرة ,ويرىالحقيقة عارية واضحة وضوح الشمس في الضحى ( :إن
لكل من فيالسموات واألرض إال آتى الرحمن عبدا أتى أحصاهم وعدهم عدًا ،وكلهم آتية يوم القيامة فردًا
<ادة<تحق العب< <ذي يس< )فال عجب بعد ذلك أن يكون هذا الخالق العظيم ,وهذا الرب األعلى هو وحدهال<
والطاعة المطلقة ,وبعبارة أخرى ( :يستحق غاية الخضوعوغاية الحب ,فالمعنى المركب من الخض<<وع
كل الخضوع ,الممزوج بالحب كاللحب ,هو الذي نسميه العبادة ).
وهذا هو معنى( ال إله إال اهلل ) أي ال يستحق العبادة غيره ..أو ال يستحقكل الخضوع وك<<ل الحب إال
هو..فهو وحده الذي تخضع ألمره الرقاب ,وتسجدلعظمته الجباه ,وتسبح بحمده األلسنة ,وتقاد لحكم<<ه
< واألبدان.وهو وحده الذي تتجه إليه األفئدة بالحب كل الحب ,فه<<و المتف<<رد بالكم<<ال القلوب والعقول
<و<ال فه< كله,والكمال من شأنه أن يحب ويحب صاحبه ,وهو مصدر الجمال كله ,وما فيالوجود من جم<
مستمد منه ,والجمال من شأنه أن يحب ويحب صاحبه ,وهو واهب النقم كلها ,ومصدر اإلحس<<ان كل<<ه
( وما بكم من نعمة فمن اهلل )واإلحسان دائما يحب والنعمة دائمًا تحب ويحب صاحبها.معنى « ال إله إال
<ره ,ورفض <ير أم<اله » هو رفض الخضوع والعبودية لسلطان غير سلطانه,وحكم غير حكمه وأمر غ<
الوالء إال له ,والحب إال له وفيه .
وإذا أردنا أن نزيد هذا المعنى إيضاحا قلنا :إن عناصر التوحيد كما جاء بهاالقرآن الكريم ,ثالثة ذكرتها
سورة األنعام ,وهى سورة عنيت بتثبيت أصول التوحيد :أولها :أال تبغي غير اهلل ربًا( :ق<<ل أغ<<ير اهلل
أبغي ربًا وهو رب كل شئ).
وثانيها :أال تتخذ غير اهلل وليًا ( :قل أغير اهلل اتخذ وليًا فاطر السموات واألرض وهو يطعم واليطعم).
وثالثها :أال تبتغي غير اهلل حكمًا( :أفغير اهلل ابتغي حكمًا وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفص ً
ال)
<ديمًا
<اس ق< <ذها الن<معنى العنصر األول ( أال تبتغى غير اهلل ربًا ) :إبطال األرباب المزعومةالتي اتخ<
وحديثًا ,في الشرق والغرب ,سواء أكانت من الحجروالشجر أم من الفضة والتبر ,أم من الشمس والقمر,
أم من الجن والبشر,معنى العنصر األول هو رفض لكل األرباب إال اهلل وإعالن الثورة علىالمتألهين في
األرض المستكبرين بغير الحق ,الذين أرادوا أن يتخذوا عباد اهلل عبيدًا لهم وخو ً
ال (.ال إله إال اهلل ) هو
اإلعالن العام لتحرير اإلنسان من الخضوع والعبودية,إال لخالقه وبارئه .فال يجوز أن تعنو الوج<<وه ,أو
تطاطئ الرؤوس ,أو تنخفضالجباه ,أو تخشع القلوب ,إال لقيوم األرض والسمواتولهذا كان النبي (صلى
اهلل عليه وسلم) يختم رسائله إلى الملوك واألمراء ,والقياصرة من النصارىبهذه اآلية الكريمة ( :يا أهل
الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بينناوبينكم أال نعبد إال اله وال نشرك به ثسيئًا وال يتخذ بعضنا بعضا أربابا
من دون اهلل ,فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) .
وكانت كلمة ( ربنا اهلل) إعالنًا بالعصيان والتمرد على كل جبار في األرض .ومن أجل ه<<ذا تع<<رض
<ول ربي <ون رج ً
ال يق< <ول (:أتقتل< موسى للتهديد بالقتل ،وقام رجل مؤمن من آل فرعون يدافع عنه ويق<
اهلل)ومن أجل ذلك تعرض رسولنا ( صلى اهلل عليه وسلم) وـأصحابه لالضطهاد واألذى واإلخراج من
الديار واألموال (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إال أن يقولوا ربنا اهلل).
ومعنى العنصر الثاني (أال تتخذ غير اهلل وليًا) :رفض الوالء لغير اهلل وحزب<<ه ،فليس من التوحي<<د أن
يزعم زاعم أن ربه هو اهلل ،وربما ألعداء اهلل .قال تعالى (:ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولي<<اء من دون
المؤمنين ،ومن يفعل ذلك فليس من اهلل في شئ) إن حقيقة التوحيد لمن آمن بأن ربه هو اهلل :أن يخلص
والءه له ولمن أمر اللهتعالى بمواالته ,كما قال سبحانه « :إنما وليكم اهلل ورسوله والذين آمنواوال<<ذين
<زب اهلل هم<إن ح< <وا ف<يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول اللهورسوله والذين آمن<
الغالبون) .
ومن هنا أنكر القرآن على المشركين أنهم قسموا قلوبهم بينه تعالى وبيناألنداد التي اتخذوها من األصنام
<دادًا
<ذ من دون اهلل أن<
<اس من يتخ< واألوثان ,فجعلوا لها من الحب والوالء مثلما جعلوا هلل ( .ومن الن<
يحبونهم كحب اهلل والذين أمنوا أشد حبًا هلل) .إن اهلل تعلى ال يقبل الشركة في قلوب عباده المؤمنين ,فال
يجوز أن يكون بعض القلب هلل وبعضه للطاغوتوأن يكون بعض والئه للخالق ,وبعضه للمخل<<وق .إن
<رق بين <و الف<<ذا ه<
<ه ,وه<<ر كل<الوالء كله والقلب كلهيجب أن يكون له ,صاحب الخلق كله ,واألم<
المؤمنوالمشرك ,المؤمن سلم هلل ,خالص العبودية له ,والمشرك موزع بين اهلل وبينغير اهلل (ضرب اهلل
ال فيه شركاء متشاكسون ورجال سلمًالرجل هل يستويان مثال ,الحمد هلل ,بل أكثرهم ال يعلمون) ال رج ً
مث ً
.
ومعنى العنصر الثالث ( :أال تبغى غير اهلل حكمًا :رفض الخضوع لكل حكمغير حكم اهلل ,وكل أم<<ر
غير أمر اهلل ,وكل نظام غير نظام اهلل ,وكل قانونغير شرع اهلل ,وكل وضع أو ع<<رف أو تقلي<<د أو
<ًا ,بال إذن من
<ان أو محكوم< <ًا ك<منهج أو فكرة أو قيمة لم يأذنبها اهلل .ومن قبل شيئًا من ذلك حاكم<
اللهوسلطان ،فقد أبطل عنصرًا أساسيا من عناصر التوحيد ,ألنه ابتغى غير اللهحكمًا ,والحكم والتشريع
من حق اهلل وحده ,لهذا قال سبحانه ( :إن الحكمإال هلل أمر أال تعبدوا إال إياه ,ذلك الدين القيم ولكن أكثر
< إفراد اهلل تعالى بالربوبية واإللهية ,ف<<إن منالناس ال يعلمون).وهذا العنصر إنما هو في الواقع مقتضى
اتخذ أحدا من عباد اهلل شارعًا وحاكمًا ,يأمر بما شاء ,وينهى مماشاء ,ويحلل ما يريد ويحرم ما يريد ,
<رم الحالل :<ر ,وح< و أعطاه حق الطاعة في ذلك ولو أحاللحرام ,كالزنا ,والربا ,والخمر ,والميس<
<
كالطالق ,وتعددالزوجات ,وأسقط الواجبات :كالخالفة ,والجهاد ,والزكاة ,واألمر ب<<المعروفوالنهى
من المنكر ,وإقامة حدود اهلل و غيرها ,من اتخذ مثل هذا حكمًا وشارعًافقد جعله في الحقيقة ربا يطاع
في كل أمر ,وينقاد له في كل ما شرع .وهذاما جاء به القرآن وفسرته السنة النبوية ..فق<<د ج<<اء في
<يح ابنسورة التوبة عن أهاللكتاب قوله تعالى ( :اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اهلل هوالمس<
مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها واحدًا ,ال إله إال هوسبحانه عما يشركون ) .
فكيف اتخذوهم أربابًا وهم لم يسجدوا لهم ولم يعبدوهم عبادة األوثان ؟
<دى بن يجيب عن ذلك رسول اهلل وكان فيما رواه اإلمام أحمد والترمذي وابن جرير منقصة إس<<الم ع<
حاتم الطائي ،وكان قد تنصر في الجاهلية وقدم إلى المدينة ,وتحدث الناس بقدومه ,فدخل على رسول اهلل
(صلى اهلل عليه وسلم) وفى عنقه صليب من فضة ،وهو يقرأ هذه اآلية( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا
<وا عليهمحرم<<لم)( :بلى إنهم ّ
من دون اهلل) قال عدى :فقلت :إنهم لم يعبدوهم فقال (صلى اهلل عليه وس<
الحالل وأحلوا لهم الحرام ،فاتبعوهم ،فذلك عبادتهم إياهم).
قال ابن كثير :وهكذا قال حذيفة بن اليمان ،وابن عباس وغيرهما في تفسير( :اتخذوا أحبارهم أربابًا من
<اب اهلل وراء<ذوا كت<دون اهلل ) :أنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا ،وقال السدى :استنصحوا الرجال ونب<
<رام،ظهورهمـ ولهذا قال تعالى( ومت أمروا إال ليعبدوا إلها واحدًا) ،أي الذي إذا حرم الشيء فهو الح<
<ركون. <ا يش<
<بحانه عم< <و ،س< <ه إال ه< وما حلله فهو الحالل ،وما شرعه اتبع ،وما حكم به نفذ ،ال إل<
هذا هو مجمل معنى الكلمة األولى من كلمتي الشهادة .كلمة(ال إله إال اهلل) ومقتضاه :أال تبغى غ<<ير اهلل
<ه
<ق الق<<رآن العظيم في ص<<ريح آيات<
ربا ،وال تتخذ غير اهلل وليًا .وال تبتغي غير اهلل حكمًا ،كما نط<
المحكمات.
وأما معنى الكلمة الثانية من كلمتي الشهادة التي يدخل بها المرء باب اإلسالم فهي( :محمد رس<<ول اهلل)
<ذا<ا ه< <م إليه<إن اإلقرار هلل تعالى بالوحدانية ،وإفراده سبحانه باإللهية ،والربوبية ،ال يغني ما لم ينض<
ال ،وال يتركهمالشطر الثاني( :محمد رسول اهلل) .فإن اهلل جل شأنه قد اقتضت حكمته أال يدع الناس هم ً
سدى ،فأرسل إليهم ما بين حين وآخر مبلغين عنه ،يهدون خلقه إليه ،ويدلونهم علي<<ه ويرش<<دونهم إلى ً
ال مبشرين ومنذرين لئال يك<ون للن<اس على اهلل حج<ة بع<د مراضيه ،ويحذرونهم من مساخطه(..رس ً
الرسل) كما أن مهمة هؤالء الرسل وضع القواعد والقيم والموازين التي تضبط الحياة وتنظم المجتم<<ع،
<ق <ا الح<وتهديه للتي هي أقوم ،ويحتكم الناس إليها إذا اختلفوا ،ويفيئون إليها إذا تنازعواـ فيجدون فيه<
الذي ال باطل معه ،والعدل الذي ال ظلم فيه ،والخير الذي يطرد الشر ،والفضيلة التي تق<<اوم الرذيل<<ة،
<اس <وم الن<
والفساد واالنحراف..قال تعالى )لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليق<
بالقسط) ،فهذا ما أنزل اهلل على رسول الكتاب) وهو نصوص الوحي اإللهي المعصوم ،و(الميزان) وهو
<وء < اإلنسانية التي تسير في ض< القيم والمعايير الربانية الني جاءت بها النبوات من المثل العليا والفضائل
(الكتاب) ،ولوال هؤالء الرسل لضل الناس السبيل في تصورهم لحقيقية األلوهية ،وطريقهم إلى مرضاتها
ال تف<<رق وال وواجبهم نحوها ..وابتدعوا طرائق قددا ،وسبال شتى ،وما أنزل اهلل بها من سلطان .س<<ب ً
تجمع ،وتهدم وال تبني ،وتضل وال تهدي .وخاتم هؤالء الرسل هو محمد (صلى اهلل عليه وسلم) ،فه<<و
المبلغ عن أمره وشرعه ،وبه عرفنا ما يريد اهلل منا ،وما يرضاه لنا ،وما يأمرنا به ،وما ينهانا عنه..وبه
< طريقنا بين المنشأ والمصير..عرفنا ما أحله ربن<<ا وم<<ا عرفنا ربنا..وعرفنا منشأنا ومصيرنا..وعرفنا
حرمه..وما فرضه وأوجبه..ولواله (صلى اهلل عليه وسلم) لعشنا في ظلمات وعماية ،ال نعرف لنا غاية،
وال نهتدي سبيال( :وقد جاءكم من اهلل نور وكتاب مبين ،يهدي به اهلل من اتبع رضوانه س<<بل الس<<الم
ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم).
به عرفنا أن وراء هذه الحياة حياة أخرى توفى فيها كل نفس ما كسبت ،وتجزى بم<<ا عملت ،فيج<<زى
<ا،<ًا وعقاب<
الذين أساءوا بما عملوا ،والذين أحسنوا بالحسنى .به عرفنا أن وراءنا حسابا وميزانًا ،وثواب<
وجنة ونار( :فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) .به عرفنا مبادئ الح<<ق،
وقواعد العدل ،ومعاني الخير ،في شريعته ال تضل وال تنسى ،ش<<رعها من يعلم الس<<ر وأخفى ،من ال
<انت تخفى عليه خافية ،من يعلم المفسد من المصلح(..أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) .ومن ثم ك<
كلمة( :محمد رسول اهلل ) تتمة لكلمة( :ال إله إال اهلل) ،فهذه معناها أال يعبد إال اهلل .واألخرى معناها :أال
<زءًا من<ول اهلل ج< <ة رس< يعبد اهلل إال بما شرعه وأوحاه على لسان رسوله .وال عجب ـن كانت طاع<
<ون اهلل
طاعة اهلل (من يطع الرسول فقد أطاع اهلل) ،وكان أتباعه من أمارات محبة اهلل( :قل إن كنتم تحب<
فاتبعوني يحببكم اهلل ويغفر لكم ذنوبكم ،واهلل غفور رحيم) وكان الرضا بحكمه وشرعه جزءا ال يتج<<زأ
من اإليمان باهلل تعالى ,وال يعد في زمرة المؤمنين من رفض أمرا وحكما حكم به رسول اهلل (صلى اهلل
<ا<اس م< عليه وسلم) ,مما أنزله عليه من كتابه أو مما أوحاه إليه بيانا لهذا الكتاب ,فقد أرسله مبينا للن<
نزل إليهم .وهذا أمر بين غاية البيان في القرآن الكريم ,فليس بمؤمن أبدا من احتكم إلى غير رس<<ول
اله ,أو رد حكمه ,أو تردد فيه مجرد تردد .
يقول القرآن العزيز (:وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسوله أمرا أن يكون لهم الخ<<يرة من
< سبحانه منددًا بقوم من مرضى القل<<وب
أمرهم ،ومن يعص اهلل ورسوله فقد ضل ضالال مبينًا) .ويقول
من المنافقين ( :ويقولون آمنتا باهلل وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك ،وم<<ا أولئ<<ك
بالمؤمنين ،وإذا دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ،وإن يكن لهم الحق ي<<أتون
<ك هم<ل أولئ<<وله ،ب<<ف اهلل عليهم ورس< إليه مذعنين ،أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحي<
الظالمون ،إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ،وأولئك
<ى<لم) ,ورض< <ه وس< <لى اهلل علي<
هم المفلحون) ويقول مم شأن من تردد في قبول حكم رسول اهلل(ص<
<زل <ا أن<
االحتكام إلى آخرين من البشر ,قيل إنهم بعض اليهود (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بم<
<طيان أن إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الش<
<ك<دون عن< يضلهم ضال ً
ال بعيدًا ،وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اهلل وإلى الرسول رأيت المنافقين يص<
صدودًا)..إلى أن قال مقسمًا ومؤكدًا ( :فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدون
في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا) هذا هو شأن المؤمنين مع رسول اهلل (ص<<لى اهلل علي<<ه
وسلم) ,وحكم رسول اهلل ,وشرع رسول اهلل :إنهم ال يتردون لحظ<<ة في قب<<ول الحكم أو رفض<<ه ,
وبعبارة أخرى -ليس لهم الخيرة من أمرهم ,وال يتولون عن االنقياد والطاعة ,كما يفعل المنافقون بل
شعارهم ومبدؤهم دائما « :سمعنا وأطعنا » .
وهذا بخالف المنافقين الذين يرضون االحتكام إلى غير اهلل ورسوله -وكل ما سوى اهلل ورسوله .فهو
طاغوت -ولهذا قال تعالى ( :يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) . .فهما حكمان ال ثالث لهما :إما
اهلل وإما الطاغوت .
لقد رسمت اآليات صورة المنافقين وموقفهم من شرع اهلل وحكم رسوله ( :وإذا قيل لهم تعالوا إلى م<<ا
<ان عمن لم يحكم <دة -اإليم<
أنزل اهلل وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) ونفت -بش<
رسول اهلل في حياته ,ويحكم بسنته بعد مماته .ولم يكتف بذلك فاشترط الرضا والسلم بهذا الحكم ,فهذه
هي طبيعة اإليمان وثمرته (:ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما) فمن أعرض عن
هذه النذر كلها ,وأصم أذنه عن هذه اآليات,وتلقى شرائعه وقوانينه ونظمه وتقاليده ,وقيمه وموازين<<ه
<ذه
<أن يحكم في ه< <ي ب< ومفاهيمه وتصوراته عن غير طريق رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) ،ورض<
األمور الخطيرة فالسفة من الشرق أو الغرب ،أو علماء أو حكماء ،أو مشرعين -سمهم كما تشاء -فقد
ضاد اهلل فيما شرع ،وناصب اهلل ورسوله العداء ،ومرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،وال غرو
أن حكم كتاب اهلل بالكفر والظلم والفسوق على من لم يحكم بما أنزل اهلل ،فقال في سياق واحد من سورة
<زل اهلل فأولئ<ك هم <افرون)( ،ومن لم يحكم بم<ا أن< المائدة( :ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الك<
الظالمون)( ،ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الفاسقون) .واستعمال هذه األلفاظ في القرآن الك<<ريم
يدل على أن معانيها متقاربة .قال تعالى ( :والكافرون هم الظالمون) ( ،ومن كفر بعد ذلك فأولئ<<ك هم
<ق ،أو<الم أو فاس<الفاسقون) ( ،وما يجحد بآياتنا إال الكافرون) فالذي ال يحكم بما أنزل اهلل كافر أو ظ<
جامع لهذه الصفات كلها .وخصوصا إذا اعتقد أن ما أنزل اهلل ،يمثل الجمود والتخلف والرجعي<ة ،وم<ا
شرع الناس هو التطور والتقدم الذي يصلح به المجتمع وترتقى به الحياة! ومن التحريف الظالم آلي<<ات
<اب< قائل :إن هذه اآليات نزلت في شأن أهل الكت< < الخلق ,أن يقولالخالق ,والسخرية الصارخة بعقول
من اليهود والنصارى ,ونسى هذا القائل الجريء -أو تناسى -أن هذه اآليات الحكمة -وان نزلت في
سياق خاص -قد جاءت بألفاظ عامة ,تتناول بحكمها جميع األفراد الذين يشملهم مدلولها وهم كل ( من
لم يحكم بما أنزل اله ) ,فالمدار على عموم اللفظ ,ال على خصوص السبب كما قرر أئمة اإلس<<الم .
<ه وراءهم<زل ال< <ا أن<
ومحال أن يدمغ اهلل بالظلم والكفر والفسوق أهل الكتاب األول ,ألنهم طرحوا م<
ظهريا ,ولم يحكموا به ,ثم يبيح ›للمسلمين وحدهم -وهم أهل الكتاب اآلخر الخاتم -أن يتخذوا كتاب
<ل<ديث عن أه< اله مهجورا ,ويتخذوا غيره منهاجا ودستورا !! ما فائدة ذكر هذه اآليات في سياق الح<
الكتاب ,إن لم يكن المقصود منها تحذير السلمين أن يصنعوا مثل صنيعهم ,ويحكموا بغير شريعة ربهم
,فيدمغوا بمثل ما دمغوا به ,وهل عليهم عذاب اهلل وغضبه ( :ومن يحلل عيه غضبى فقد ه<<وى ) .
لماذا أنزل اهلل للناس كتاب وبعث لهم رسول ,إذا كان من حق الناس أن يهملوا الكتاب ويعصوا الرسول
؟) وقد قال تبارك وتعالى :إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اهلل)( ،وما أرسلنا ن\
من رسول إال ليطاع بإذن اهلل)،ومن ثم خاطب اهلل رسوله بعد أن ذكر اآليات السابقة( :وأنزلن<<ا إلي<<ك
المئاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ،فاحكم بينهم بما أنزل اهلل ،وال تبع أهواءهم
عما جاءك من الحق) ،ثم يقول في اآلية التالية( :وأن احكم بينهم اهلل إليك ،فإن تولوا فاعلم إنما يريد اهلل
أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ،وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ،أفحكم الجاهلية يبغون الجاهلية يبغ<<ون ،ومن
أحسن منه اهلل حكمًا لقوم يوقنون).
<ا
<ا :إم<ا اهلل ،وإم<
فهما حكمان ال ثالث لهما :إما اإلسالم ،وإما الجاهلية .وهما حكم<ان ال ث<الث لهم<
الطاغوت .فليختر امرؤ لنفسه..وليختر قوم ألنفسهم :إما اهلل واإلسالم ،وإما الطاغوت والجاهلي<<ة ..وال
وس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ط دون ذل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ك.
أما الذين آمنوا فليس لهم الخيرة من أمرهم :إنهم مع حكم اهلل ورسوله ،إنهم مع اإلسالم..إنهم حرب على
الطاغوت والجاهلية .إن شعارهم إذا دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم (:سمعنا وأطعنا) .وأما ال<<ذين
كفروا فهم دائمًا في سبيل الطاغوت ،وهم دائمًا متردون في حفر الجاهلية (وال<<ذين كف<<روا أولي<<اؤهم
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ،أولئك أصحاب النار ،هم فيها خالدون).
األولى :أن الحكم بما أنزل اله فريضة محكمة ال يخالف فيها مسلم ,وهى مساوية لما شاع في ممرن<<ا
<ة<ة ,المحلل<
<رة الناهي<
<ريعية اآلم<
<ة التش<
من تعبير ( الحاكمية هلل ) عز وجل .وهى تعنى :الحاكمي<
والمحرمة ,المتفردة باإللزام والتكليف للخلق كافة .
وقد توهم بعض الناس أن هذه الفكرة من مبتكرات المودودى في باكستان ,أو سيد قطب في مص<<ر .
< ي<<ذكرون ذل<<ك في والواقع :أن هذه الفكرة مأخوذة من علم ( أصول الفقه ) اإلسالمي ,واألصوليون
< على أن< ,وفى موضوع ( الحاكم ) من هو ؟ فكلهم متفق<<ون مبعث ( الحكم ) من مقدمات علم األصول
<ا
الحاكم هو اهلل .أي صاحب الحق المطبق في التشريع لخلقه .حتى المعتزلة ال يخالفون في ذلك ,كم<
بينه شارح ( مسلم الثبوت ) من كتب األصول المشهورة .والدالئل على ثبوت هذا المب<<دأ من الق<<رآن
والسنة بينة واضحة .سقنا بعضها في بيان فرضية الحكم بما أنزل اهلل .
<ذي يفهم
<و ال<<ان ه<الثانية :أن الحاكمية أو الحكم بما أنزل اله تعالى ,ال يلغى دور اإلنسان ,فاإلنس<
النصوص الوجهة إليه ,ويستنبط منها ,ويمال الفراغ فيما ال نص فيه ,مما سمياه ( منطقة العفو) وهى
منطقة واسعة ,تركها الشارع قصدًا ,رحمة بنا فير نسيان ,فهنا يجول العقل المسلم ويصول ,ويجتهد
<.في ضوء النصوص واألصول
<ع<ماحة م< <ات س< <ثر المجتمع< وقد أثبت التاريخ أن المجتمع اإلسالمي ,في عصور ازدهاره ,كان أك<
المخالفين له في العقيدة ,بشهادة األجانب أنفسهم .معنى قيام المجتمع على العقيدة اإلسالمية ,أن<<ه ليس
مجتمعا سائبا ,بل هو مجتمع ملتزم ..قد التزم عقيدة اإلسالم ,فليس مجتمعا ماديا ,وال مجتمعا علمانيا
( ال دينيا ) ,وال مجتمعا وثنيا ,وال مجتمعا يهوديا أو نصرانيا ,وال مجتمعًا ليبرالي<<ا رأس<<ماليًا ,وال
مجتمعًا اشتراكيا ماركسيًا .إنما هو مجتمعا يدين بعقيدة التوحيد ,عقيدة اإلسالم ,وعقيدة اإلسالم تعلو وال
تعلى ....عقيدة اإلسالم ال تقبل أن تكون على هامش الحياة في المجتمع وأن تزاحمها عقيدة أخرى تبدل
نظرة الناس إلى اهلل واإلنسان ,والكون والحياة .
فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يختفي في توجيه اسم (اهلل ) ليحل اسم ( الطبيعة) فاألنهار من هبة الطبيعة
,والغابات منحة من الطبيعة ،والطبيعة هي التي أنشأت هذا الشيء وطورت ذاك الشيء ,وليس هو اهلل
خالق كل شيء ورب كل شيء ومدبر كل أمر .
إن تصور المجتمع الغربي لإللهية وعالقتها بالكون :أن اهلل خلق الكون وتركه ،فليس له إشراف علي<<ه،
وال إحاطة به ،وال تدبير له ،ويشبه أن يكون هذا مستمدًا من تصور الفلسفة اليونانية لإلل<<ه ،وخاص<<ة
فلسفة (أرسطو) الذي ال يعلم اإلله -عنده -شيئًا إال عن ذاته :أما الكون فال يدبر فيه أمرًا ،وال يع<<رف
عنه خيرًا وال شرًا ،وأغرب منه فليفة (أفلوطين) الذي ال يعلم اإلله عنده شيئًا حتى عن نفسه .أما تصور
<زالمجتمع المسلم لإلله ،فتعبر عنه هذه اآليات وأمثالها (:سبح هلل ما في السموات واألرض ،وهو العزي<
<اهرالحكيم ،له ملك السموات واألرض ،يحي ويميت ،وهو على كل شيء قدير ،هو األول وآلخر والظ<
والباطن ،وهو بكل شيء عليم ،هو الذي خلق السموات واألرض في ستة أيام ثم استوى على الع<<رش،
يعلم ما يلج في األرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ،وهو معكم أين م<<ا كنتم،
واهلل بما تعملون بصير ،له ملك السموات واألرض ،وإلى اهلل ترجع األمور ،يولج الليل في النهار ويولج
النهار في الليل ،وهو عليم بذات الصدور .وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ينكمش فيه ( مفهوم اإليم<<ان)
<ان<ك من األوث<باهلل ,والدار اآلخرة ,ليحل محله اإليمان بالوجودية أو القومية أو الوطنية ,أو غير ذل<
التي عبدها أناس هنا وهناك ,من دون اهلل أو مع اهلل ,وان لم يسموها آلهة .
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يتوارى فيه اسم ( محمد ) صلى اهلل عليه وسلم باعتباره الموجه المعصوم
،واألسوة المطاع ،لتبرز أسماء ( ماركس )و ( لينين) و ( ماو) وغيرهم من مفكري الشرق والغرب .
<ريع ،
<ة ,والتش< <در الهداي<
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يهجر فيه كتاب اهلل « القرآن » بوصفه مص<
< عليها القداسة ,وتؤخذ منها مناهج الفكر والتشريع والس<<لوك ،أووالحكم ،لتظهر كتب أخرى ,تضفي
يستمد منها القيم والموازين والمثل .وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسب فيه اهلل -جل ش<<أنه -وكتب<<ه
<روا<افرًا ,أو يزج<
<دًا ك<
ورسله ,والناس سكوت على هذا الكفر البواح ,ال يستطيعون أن يؤدبوا مرت<
<و ال<ذي
زنديقا فاجرًا ,حتى اجترأ ملحد أفاك أن ينشر في صحيفة علنية :أن اإلنسان العربي الجديد ه<
يعتقد أن اله واألديان دمى محنطة في متحف التاريخ.
<دة<ا كالعقي<
<المية ,أو تزاحمه< <دة اإلس<
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسمح بعقيدة أخرى تناوئ العقي<
الشيوعية ,أو االشتراكية ,أو القومية عند الغالة .وإن من الخطأ أن يظن ظان أن االشتراكية ونحوها
ليست عقيدة تناوئ اإلسالم وإنما هي مذهب اقتصادي أو اجتماعي ,يتخذ أسلوبا معينًا في تنظيم شؤون
الحياة وعالقاتها ,وليس له طابع ديني حتى يسمى ( عقيدة) .والواقع أن االشتراكية العلمية -في نظر
أصحابها -فلسفة حياة كاملة ,وعقيدة شاملة ,تتضمن وجهة نظر إلى العالم والى التاريخ ,والى الحياة
,والى اإلنسان ,وإلى اهلل ,تخالف وجهة اإلسالم ,ولهذا أطلق عليها وعلى أمثالها بعض الم<<ؤلفين :
( أديان بغير وحي ) .وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يجعل العقيدة على هامش حيات<<ه ,فال تأخ<<ذ من
مناهج التربية والتعليم ,وال من مناهج الثقافة والفكر ,وال من مناهجاإلعالم واإلرشاد ,وال من أجهزة
<ه األول ,وال<دودًا ،فليس هي الموج< التوجيه والتأثير ,بصفة عامة ,إال حيزا ضئيال ,وموضعا مح<
المحرك األول ,وال المؤثر األول في حياة األفراد ,واألسر والجماعات ,وإنما هي شئ ثانوي يجئ في
ذيل القافلة ,وفى المكان األخير إن بقى له مكان .لقد كانت عقيدة اإلسالم في المجتمع األول -ال<<ذي
<دافع
<ان -هي ال< أنشأه رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ,وورثه من بعده صحابته ,ومن تبعهم بإحس<
األول ,والوجه األول « والمؤثر األول ,في حياتهم ,إن لم نقل األوحد .
كانت العقيدة هي مصدر التصور والفكر ,وكانت هي أساس الترابط والتجمع ,وكانت هي أساس الحكم
والتشريع ,وكانت هي الدافع إلى الحركة واالنطالق ....وكانت هي ينب<<وع الفض<<ائل واألخالق ...
كانت هي صانعة البطوالت في ميادين الجهاد واالستشهاد ,ومجاالت البذل واإليثار .
<ا في
هكذا كانت العقيدة وكان أثرها في المجتمع السلم األول ,وهكذا يجب أن تكون ,وأن يكون تأثيره<
<ل أركانه<<ا<المية -بك<
<دة اإلس<كل مجتمع يريد أو يراد له أن يكون مسلما اليوم أو غدا ...إن العقي<
وخصائصها -هي األساس المكين ,ألي بنيان اجتماعي متين .وأي بنيان على غير عقيدة فهو بني<<ان
على الرمال ,يوشك أن ينهار .
وأسوأ منه أن يراد بنا ,مجتمع ينتمي إلى اإلسالم على غير عقيدة اإلسالم ,وإن كتب علي<<ه -زورًا -
<ه على من في<ه ( .أقمناسم اإلسالم .إنه غش في المواد األساسية للبناء ,ال يلبث أن يسقط البناء كل<
أسس بنيانه على تتقوى من اهلل ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار
جهنم ,واهلل ال يهدى القوم الظالمين) .لقد رأينا المجتمع الشيوعي -أيام ازدهاره وسلطانه -يجسد العقيدة
<ريعه<ادة .وفي تش<<اة م<
الماركسية وفلسفتها المادية .تمثل ذلك في دستوره الذي يعلن :أن ال إله والحي<
وقوانينه ،وفي تربيته ،وتعليمه ،وفي ثقافته وإعالمه ،وفي سائر أنظمته ومؤسساته وسياساته .وهذا شأن
كل مجتمع عقائدي .فال غرو أن يكون المجتمع المسلم مرآة تعكس عقيدته وإيمانه ،ونظرته إلى الك<<ون
واإلنسان والحياة ،وإلى رب الكون وبارئ اإلنسان ،وواهب الحياة.
وفى عصرنا تمرض المجتمع المسلم لغزوات عنيفة ,وهجمات شرسة ,تهدف إلى اقتالعه من جذوره ,
تمثلت في الغزو التنصيرى ,الذي بدا مع االستعمار الغربي ,والذي ال يزال يمارس نشاطه في الع<<الم
اإلسالمي ,وفى الجاليات واألقليات اإلسالمية ,ومن أهدافه :تنصير المسلمين في العالم ,كما وض<<ح
ذلك في مؤتمر « كورادو »› الذي عقد هناك سنة . 1978وقدمت له أربعون دراسة ح<<ول اإلس<<الم
<د
<س ل<ذلك معه< <ون دوالر ,وأس<<ف ملي< والمسلمين ,وكيفية نشر النصرانية بينهم .ورصد لذلك أل<
( زويمر) لخريج المتخصصين في تنصير المسلمين .
كما تمثلت في الغزو الشيوعي الذي اجتاح بالدًا إسالمية كاملة في آسيا ,وفى أوروبا ,وعمل بكل جهد
<يرًا وال قلي ً
ال. . <الم كث<
<رف من اإلس<إلماتة اإلسالم ,وإخراجه من الحياة نهائيًا ,وتنشئة أجيال ال تع<
وثالثة األثافي :الغزو العلمانى الالدينى ,الذي ال يبرح يقوم بمهمته إلى اليوم في قلب ديار اإلس<<الم ,
يستعلن حينا ,ويستخفى أحيانا ,يطارد اإلسالم الحق ,ويحتفى باإلسالم الخرافي ,ولعل هذا الغزو هو
أخبث تلك األنواع وأشدها خطرا .وواجب المجتمع المسلم -لكي يحافظ على بقائه -أن يقاوم ال<<ردة
من أي مصدر جاءت وبأي صورة ظهرت ,وال يدع لها الفرصة ,حتى تمتد وتنتشر ,كما تنتشر النار
في الهشيم .
<وا
<ذين اتبع<
<ردة ,ال<وهذا ما صنعه أبو بكر والصحابة -رضى اهلل عنهم -معه ,حين قاتلوا أهل ال<
<ده .
<الم في مه< <ون على اإلس< <ادوا يقض< <ى وك< <دى والعنس< األنبياء الكذبة ,مسيلمة وسجاح واألس<
ومن الخطر كل الخطر :أن يبتلى المجتمع المسلم بالمرتدين المارقين ,وتشيع بين جنباته ال<<ردة ,وال
يجد من يواجهها ويقاومها .وهو ما عبر عنه أحد العلماء عن الردة التي ذاعت في هذا العصر بقوله :
( ردة وال أبا بكر لها ) وال بد من مقاومة الردة الفردية وحصارها ,حتى ال تتفاقم ويتط<<اير ش<<ررها
وتغدو ردة جماعية ,فمعظم النار من مستصغر الشرر .
ومن ثم أجمع فقهاء اإلسالم على عقوبة المرتد -وإن اختلفوا في تحديدها -وجمهورهم على أنها القتل ,
<حابة:<دد من الص< وهو رأى الذاهب األربعة ,بل الثمانية .وفيها وردت جملة أحاديث صحيحة عن ع<
<ة بنعن ابن عباس وأبى موسى ومعاذ وعلي وعثمان وابن مسعود وعائشة وأنس وأبى هريرة ومعاوي<
حيدة .وقد جاءت بصيغ مختلفة ,مثل حديث ابن عباس ( :من بدل دينه فاقتلوه ) ( رواه الجماع<<ة إال
<ات) . مسلمًا ,ومثله من أبى هريرة مند الطبرانى بإسناد حسن ,وعن معاوية بن حيدة بإسناد رجاله ثق<
وحديث ابن مسعود ( :ال يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ال إله إال اهلل ,وأني رسول اهلل إال بإحدى ثالث
:النفس بالنفس ,والثيب الزانى ,والتارك لدينه ,المفارق للجماعة ) ( رواه الجماع<<ة ) .وفى بعض
صيغه عن عثمان . . . . ( :رجل كفر بعد إسالمه ,أو زنى بعد إحصانه ,أو قتل نفسا بغير نفس ) (
<ا وأبى<اس أيض< <ة ابن عب<رواه الترمذى وحسنه والنسائى وابن ماجه ,وقد صح هذا المعنى من رواي<
هريرة وأنس ) .قال العالمة ابن رجب :والقتل بكل واحدة من هذه الخصال متفق عليه بين المسلمين.
وقد نفذ علي كرم اهلل وجهه عقوبة الردة في قوم ادعوا ألوهيته ,فحرقهم بالن<<ار ,بع<<د أن اس<<تتابهم
وزجرهم ,فلم يتوبوا ولم يزدجروا ,طرحهم في النار وهو يقول:
لما رأيت األمر أمرًا منكرًا أججت ناري ،ودعوت قنبرا
وقنبر هو خادمه وغالمه .وقد اعترض عليه ابن عباس بالحديث اآلخر ( :ال تعذبوا بع<<ذاب اهلل) ورأى
أن ال<<واجب أن يقتل<<وا ال أن يحرق<<وا .فك<<ان خالف ابن عب<<اس الوس<<يلة ال في المب<<دأ .
وكذلك نفذ أبو موسى ومعاذ القتل في يهودي في اليمن أسلم ثم ارتد .وقال معاذ :قضاء اهلل ورس<<وله
( متفق عليه ) .وروى عبد الرزاق :أن ابن مسعود أخذ قومًا ارتدوا عن اإلسالم من أه<<ل الع<<راق ,
<ا
فكتب فيهم إلى عمر .فكتب إليه :أن اعرض عليهم دين الحق ,وشهادة أن ال إله إال اله ,فإن قبلوه<
فخل عنهم ,وإذا لم يقبلوها فاقتلهم ..فقبلها بعضهم فتركه ,ولم يقبلها بعضهم فقتله .
وروى عن أبى عمرو الشيبانى أن المستورد العجلي تنصر بعد إسالمه ,فبعث به عتب<<ة بن فرق<<د إلى
علي ,فاسستابه فلم يتب ،فقتله . ).وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية :أن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) قبل
<من األذى<رى تتض< توبة جماعة من المرتدين ,وأمر بقتل جماعة آخرين ,ضموا إلى الردة أمورًا أخ<
<لم
والضرر لإلسالم والمسلمين .مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح ,لما ضم إلى ردته قتل المس<
<ك .<وًا من ذل<<موا إلى ردتهم نح< وأخذ المال ,ولم يتب قبل القدرة عليه ,وأمر بقتل العرنيين لما ض<
وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم .وأمر بقتل ابن أبى سرح ,لما ض<<م
إلى ردته الطعن عليه واالفتراء .وفرق ابن تيمية بين النوعين :أن الردة المجردة تقبل معها التوب<<ة ,
<درة .<ل الق<
<ة قب< والردة التي فيها محاربة اهلل ورسوله والسعي في األرض بالفساد ال تقبل فيها التوب<
وقد قيل :لم ينقل أن رسول اهلل كان قتل مرتدًا ,وما نقله ابن تيمية ينقض هذه الدعوى .ولو صح ذل<<ك
فألن هذه الجريمة لم تظهر في عهده .كما لم يعاقب أحدًا عمل عمل قوم لوط .إذ لم تستعلن في عهده
(صلى اهلل عليه وسلم ).
<رزاقومع أن الجمهور قالوا بقتل المرتد ,فقد ورد عن عمر بن الخطاب ما يخالف ذلك .روى عبد ال<
< وابن حزم :أن أنسًا عاد من ( تستر) فقدم على عمر ,فسأله :ما فعل الستة الرهط من بك<<ر والبيهقى
بن وائل ,الذين ارتدوا من اإلسالم ,ولحقوا بالمشركين ،قال :يا أمير المؤم<<نين ,ق<<وم ارت<<دوا عن
اإلسالم ,ولحقوا بالمشركين ,قتلوا بالمعركة .فاسترجع عمر ( أي قال :إنا هلل وإنا إليه راجعون ) قال
أنس :وهل كان سبيلهم إال القتل ؟ قال :نعم ,كنت أعرض عليهم اإلسالم ,فإن أبوا أودعتهم السجن) .
وهذا هو قول إبراهيم النخعى ,وكذلك قال الثوري :هذا الذي نأخذ به .وفى لفظ له :يؤجل م<ا رجيت
توبت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه .
<دعين بين<وا في المبت<والذي أراه :أن العلماء ,فرقوا في أمر البدعة بين المغلظة والمخففة ,كما فرق<
الداعية وغير الداعية .وكذلك يجب أن نفرق في أمر الردة بين الردة الغليظ<<ة والخفيف<<ة ,وفى أم<<ر
المرتدين بين الدامية وغير الداعية .
فما كان من الردة مغلظًا -كردة سلمان رشدي -وكان المرتد دامية إلى بدعته بلسانه أو بقلمه ,فاألولى
<اب ال للشر ,و س<دًا لب<في التغليظ في العقوبة ،واألخذ بقول جمهور األمة ,وظاهر األحاديث ,استئصا ً
الفتن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة .
وإال فيمكن األخذ بقول النخعى الثوري وهو ما روى عن الفاروق عمر .إن المرتد الدامية إلى ال<<ردة
ليس مجرد كافر باإلسالم ,بل هو حرب عليه وعلى أمته ,فهو مندرج ض<<من ال<<ذين يح<<اربون اهلل
<د ,<ة بالي<
<ان :محارب< <ة -نوع< ورسوله ويسعون في األرض فسادا .والمحاربة -كما قال ابن تيمي<
ومحاربة باللسان ,والمحاربة باللسان في باب الدين ,قد تكون أنكى من المحاربة باليد ,ولذا كان النبي
عليه الصالة والسالم يقتل من كان يحاربه باللسان ,مع استبقائه بعض من حاربه باليد .وكذلك اإلفساد
قد يكون باليد ،وقد يكون باللسان ,وما يفسده اللسان من األديان أضعاف ما تفس<<ده الي<<د ..فثبت أن
محاربة اهلل ورسوله باللسان أشد ,والسعي في األرض بالفساد باللسان أؤكد .والقلم أحد اللسانين ,كم<<ا
قال الحكماء ,بل ربما كان القلم أشد من اللسان وأنكى ,وال سيما في عصرنا ،إلمكان نشر م<<ا يكتب
على نط<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اق واس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ع .
ه<<<ذا إلى أن المرت<<<د محك<<<وم علي<<<ه باإلع<<<دام األدبي من الجماع<<<ة المس<<<لمة ,فهو
محروم من والئها وحبها ومعاونتها ,فاهلل تعالى يقول ( :ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ،وهذا أش<<د من
< والضمائر من الناس .القتل الحسي عند ذوى العقول
<د
والردة ليست مجرد موقف عقلي ،ببل هي أيضًا تغير للوالء ،وتبديل للهوية ،وتحويل لالنتماء .فالمرت<
ينقل والءه وانتماءه من أمة ألخرى ،ومن وطن إلى وطن آخر ،أي من دار اإلسالم إلى دار أخرى .فهو
يخلع نفسه من أمة اإلسالم ،التي كان عضوًا فيجسدها ،وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها .ويعبر
عن ذلك الحديث النبوي بقوله ( :التارك لدينه ،المفارق للجماعة) .كما في حيث ابن مسعود المتفق عليه.
وكلمة (المفارق للجماعة) وصف كاشف ال منشئ ،فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة.
ومهما يكن من جرمه ،فنحن ال نشق عن قلبه ،وال نتسور عليه بيته ،وال نحاسبه إال على ما يعلنه جهرة
:بلسانه أو قلمه أو فعله ،مما يكون كفرًا بواحًا صريحًا ال مجال فيه لتأويل أو احتمال ،فأي شك في ذلك
يفسر لمصلحة المتهم بالردة .إن التهاون في عقوبة المرتد المعالن الداعية ،يعرض المجتمع كله للخطر،
ويفتح عليه باب فتنة ال يعلم عواقبها إال اهلل سبحانه ،فال يلبث المرتد أن يغرر بغ<<يره وخصوص<<ًا من
الضعفاء والبسطاء من الناس وتتكون جماعة مناوئة لألمة تستبيح لنفسها االستعانة بأعداء األمة عليه<<ا،
وبذلك تقع صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي ،قد يتطور إلى صاع دموي بل حرب أهلية تأك<<ل
األخضر واليابس .وهذا ما حدث بالفعل في أفغانستان :مجموعة محدودة مرق<<وا من دينهم ،واعتنق<<وا
< الحزب الشيوعي ،وفي غفلة من الزمن العقيدة الشيوعية بعد أن درسوا في روسيا ،وجندوا في صفوف
وثبوا على الحكم ،وطفقوا يغيرون هوية المجتمع كله ،بما تحت أيديهم من سلطان وإمكانات .ولم يس<<لم
أبناء الشعب األفغاني لهم ،بل قاوموا ثم قاوموا ،و اتسعت المقاومة التي كونت الجهاد األفغاني الباس<<ل
<دكون وطنهم <الروس ،ي< <ومهم ب< ضد المرتدين الشيوعيين الذين لم يبالوا أن يستنصروا على أهليهم وق<
<ابين
<وقين والمص< <حايا الماليين من القتلى والمع<<ان ض< بالدبابات ويقذفونه بالطائرات ،ويدمرونه وك<
واليتامى واألرامل والثكالى ،والخراب الذي أصاب البالد وأهلك الزرع والضرع .كل ه<<ذا لم يكن إال
أثرًا للغفلة عن المرتدين ،والتهاون في أمرهم والسكوت على جريمتهم في أول األمر .ولو عوقب هؤالء
المارقون الخونة ،قبل أ ،يستفحل أمرهم ،لوقي الشعب والوطن شرور هذه الحرب الضروس وآثاره<<ا
المدمرة على البالد والعباد.
األول :أن الحكم بردة مسلم عن دينه أمر خطير جدًا ،يترتب عليه حرمانه من كل والء وارتباط باألسرة
والمجتمع ،حتى إنه يفرق بينه وبين زوجة وأوالده ،إذ ال يحل لمسلمة أن تكون في عصمة كافر ،كم<<ا
أن أوالده لم يعد مؤتمنًا عليهم ،فض ً
ال عن العقوبة المادية التي أجمع عليها الفقهاء في جملتها .لهذا وجب
االحتياط كل االحتياط عند الحكم بتكفير مسلم ثبت إسالمه ألنه مسلم بيقين ،فال يزال اليقين بالشك.
ومن أشد األمور خطرًا :تكفير من ليس بكافر ،وقد حذرت من ذلك السنة النبوية ،أبلغ التح<<ذير .وق<<د
<ا:
كتبت في ذلك رسالة (ظاهرة الغلو في التكفير) لمقاومة تلك الموجة العاتية .التي انتشرت في وقت م<
التوسع في التكفير ،وال يزال يوجد من يعتنقها.
<ذين<اص ال< <ل االختص< الثاني :أن الذي يملك الفتوى بردة امرئ مسلم ،هم الراسخون في العلم من أه<
<ل ،فال<ل التأوي<
يميزون بين القطعي والظني بين المحكم والمتشابه ،بين ما يقبل التأويل وبين ما ال يقب<
يكفرون إال بما ال يجدون له مخرجًا مثل :إنكار المعلوم من الدين بالض<<رورة ،أو وض<<عه موض<<ع
السخرية من عقيدة أو شريعة ،ومثل سب اهلل تعالى ورسوله وكتابه عالنية ،ونحو ذلك .مثال ذلك :م<<ا
أفتى به العلماء من ردة سلمان رشدي ،ومثله رشاد خليفة الذي بدأ بإنكار السنة ثم أنكر آيتين من القرآن
<اتم
<لم) خ<
ال إن محمد (صلى اهلل عليه وس< في آخر سورة التوبة ثم ختم كفره بدعوى أنه رسول اهلل ،قائ ً
< لرابط<ة الع<المالنبيين ،وليس خاتم المرسلين!! وقد صدر ب<ذلك ق<رار من مجلس المجتم<ع الفقهي
اإلسالمي.
وال يجوز ترك مثل هذا األمر إلى المتسرعين أو الغالة ،أو قليلي البضاعة من العالم ،ليقول<<وا على اهلل
ما ال يعلمون.
الثالث :أن الذي ينفذ هذا هو ولى األمر الشرعي ,بعد حكم القضاء اإلسالمي المختص ,الذي ال يحتكم
<وله
<نة رس< <الى وس<إال إلى شرع اهلل عز وجل ,وال يرجع إال إلى المحكمات البينات من كتاب اله تع<
( صلى اهلل عليه وسلم) ,وهما اللذان يرجع إليهما إذا اختلف الناس ( :فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى
اهلل والرس<<<<<<<ول إن كنتم تؤمن<<<<<<<ون باهلل والي<<<<<<<وم اآلخ<<<<<<<ر ) .
< في القاضي في اإلسالم أن يكون من أهل االجتهاد ,فإذا لم يتوافر فيه ذل<<ك اس<<تعان بأه<<لواألصل
< على جهل ,أو يقضى بالهوى ,فيكون من قضاة النار . االجتهاد ,حتى يبين له الحق .وال يقضى
الرابع :أن جهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد ,قبل تنفيذ العقوبة فيه .بل قال شيخ اإلسالم ابن
تيمية في كتاب (الصارم المسلول على شاتم الرسول ) :هو إجماع الصحابة رضي اهلل عنهم ,وبعض
<دًا .
<تتاب أب< <ال :يس< <أكثر ,ومنهم من ق<
<هم ب< <ل ,وبعض< الفقهاء حددها بثالثة أيام ,وبعضهم بأق<
<لى اهلل<ول ( ص< واستثنى بعضهم الزنديق ,ألنه يظهر غير ما يبطن ,فال توبة له ,وكذلك ساب الرس<
عليه وسلم) ,لحرمة رسول اهلل وكرامته ,فال تقبل منه توب<ة ,وأل<ف ابن تيمي<ة كتاب<ه في ذل<ك .
<ة ,إن <ه الحج< والمقصود بذلك إعطاؤه الفرصة ليراجع نفسه ,عسى أن تزول منه الشبهة ,وتقوم علي<
<ولى . <ا ت<
<ه اهلل م<<رين ,يولي<
كان يطلب الحقيقة بإخالص ,وان كان له هوى ,أو يعمل لحساب آخ<
ومن المعاصرين من قال :إن قبول التوبة إلى اهلل وليس إلى اإلنسان ,ولكن هذا في أحكام اآلخرة .أما
في أحكام الدنيا فنحن نقبل التوبة الظاهرة ,ونقبل اإلسالم الظاهر ,وال ننقب عن قلوب الخل<<ق ,فق<<د
<ه إال اهلل )
<الوا ( :ال إل<
أمرنا أن نحكم بالظاهر ,واهلل يتولى السرائر .وقد صح في الحديث أن من ق<
<ول :إن <ا نق<
عصموا دماءهم وأموالهم ,وحسابهم على اهلل تعالى .يعنى فيما انعقدت قلوبهم .ومن هن<
إعطاء عامة األفراد حق الحكم على شخص ما بالردة ,ثم الحكم عليه باستحقاق العقوب<<ة ,وتحدي<<دها
<والهم <اس وأم< <اء الن<<ديدة على دم<<ورة ش<<ل خط< بأنها القتل ال غير ,وتنفيذ ذلك بال هوادة -يحم<
وأعراضهم ,ألن مقتضى هذا :أن يجمع الشخص العادي -الذي ليس له علم أهل الفتوى ,وال حكمة
أهل القضاء ,وال مسؤولية أهل التنفيذ -سلطات ثالثًا في يده :يفتى -وبعبارة أخرى :يتهم -ويحكم
وينفذ ,فهو اإلفتاء واالدعاء والقضاء والشرطة جميعا !!
أو ً
ال :أن السنة الصحيحة مصدر لألحكام العملية باتفاق جميع المسلمين ،وقد قال تعالى (:قل أطيعوا اهلل
<دين . <د الراش<
<حابة في عه< <ذه الص<<د ,ونف<<ل المرت<<اديث بقت< وأطيعوا الرسول) وقد صحت األح<
< بأن أحاديث اآلحاد ال يؤخذ بها في الحدود غير مسلم ،فجميع المذاهب المتبوعة أخذت بأحاديث والقول
اآلحاد ,في عقوبة شارب الخمر ,مع أن في عقوبة الردة أصح وأوفر أغزر مما ورد في عقوبة شارب
الخم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر .
ولو صح ما زعمه هؤالء :أن أحاديث اآلحاد ال يعمل بها في األحكام ,لكان معناه :إلغاء الس<<نة من
مصدرية التشريع اإلسالمي .أو على األقل :إلغاء - % 95إن لم نقل - %99منها .ولم يعد هن<<اك
معنى لقولنا :اتباع الكتاب و السنة .فمن المعروف لدى أهل العلم :أن أحاديث اآلح<<اد هي الجمه<<رة
العظمى من أحاديث األحكام .والحديث المتواتر -الذي يقابل اآلحاد -نادرًا جدًا ،حتى زعم بعض أئمة
<ديث.<وم الح<<هيرة في عل< <ه الش<الحديث أنه ال يكاد يوجد ،كما ذكر ذلك اإلمام ابن صالح في مقدمت<
على أن كثيرًا ممن يتناولون هذا األمر ال يدركون معنى حديث اآلحاد ويحسبون أنه ال<ذي رواه واح<د
فقط ،وهذا خطأ .فالمرتد بحديث اآلحاد :ما لم يبلغ درجة التواتر ،وقد يرويه اثنان أ ,ثالثة أو أربعة أو
<ا
<حابة ،ذكرن<أكثر من الصحابة وأضعافهم من التابعين .وحديث قتل المرتد قد رواه جم غفير من الص<
عددًا منهم فهو من األحاديث المستفيضة المشهورة.
ثانيًا :أن من مصادر التشريع المعتمدة :اإلجماع ,وكد أجمع فقهاء األمة من كل الم<<ذاهب ( الس<<نية
وغير السنية ) ,ومن خارج المذاهب ,على عقوبه المرتد ,وأوشكوا أن يتفقوا على أنها القتل ,إال م<<ا
روى عن عمر والنخعى والثورى ,ولكن العقوبة -في الجملة -مجمع عليها .
<دة تختص بالمرت<دين , ثالثًا :أن من علماء السلف من قال :إن آية المحاربة المذكورة في سورة المائ<
وهى قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون اهلل ورسوله ويسعون في األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا
) اآلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة .
وممن قال بأن هذه اآلية في المرتدين أبو قالبة وغيره .وقد نقلنا من كالم ابن تيمية :أن محارب<<ة اهلل
ورسوله باللسان أشد من المحاربة باليد ,وكذلك اإلفساد في األرض .كما يزيد ذلك :أن األحاديث التي
قررت استباحة دم المسلم بإحدى ثالث ,ذكر بعضها ( ورجل خرج محاربًا له ورسوله ,فإنه يقت<<ل أو
<ارك <الم ) أو ( الت< يصلب أو ينفى من األرض ) ,كما في حديث عائشة بد ً
ال من عبارة ( ارتد بعد إس<
لدينه ) ...إلخ .وهو ما يدل على أن اآلية تشمل فيما تشمل المرتدين الداعين إلى ردتهم .
<ة على وفى القرآن ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اهلل بقوم يحبهم ويحبونه أذل<
المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل اهلل وال يخافون لومة الئم ) .وهذا يدل على أن اهلل هيأ
<ر<ل أبى بك< <ه ,مث<<فهم ب< للمرتدين من يقاومهم ,من المؤمنين المجاهدين الذين وصفهم اهلل بما وص<
<أن<ات في ش< <ة من اآلي< <اءت مجموع< والمؤمنين معه ,الذين أنقذوا اإلسالم من فتنة الردة .وكذلك ج<
<ل<ف الباط< المنافقين ,تبين أنهم حموا أنفسهم من القتل بسبب كفرهم عن ط يق األيمان الكاذبة ,والحل<
إلرضاء المؤمنين ,كما في قوله تعالى ( :اتخذوا أيمانهم جنة ) ( ,يحلفون لكم لترضوا عنهم ) اآلية،
( يحلفون باهلل ما قالوا ولفد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم ) اآلية ,فهم ينك<<رون أنهم كف<<روا ,
ويؤكدون ذلك بأيمانهم ,ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر ,فدل ذلك أن الكفر إذا ثبت عليهم بالبينة ,
فإن جنتهم تكون قد انخزمت ,وأيمانهم الفاجرة لم تغن عنهم شيئا).
ردة السلطان
وأخطر أنواع الردة :ردة السلطان ,ردة الحكم ,الذي يفترض فيه أن يحرس عقيدة األم<<ة ,ويق<<اوم
الردة ,ويطارد المرتدين ,وال يبقى لهم من باقية في رحاب المجتمع المسلم ,فإذا هو نفسه يقود الردة ,
سرًا وجهرًا ,وينشر الفسوق سافرًا ومقنعًا ,ويحمى المرتدين ,ويفتح لهم النوافذ واألب<<واب ,ويمنحهم
< ,ويصبح األمر كما قال المثل :ال( حاميها حراميها ) ،أو كما قال الشاعر العربي :األوسمة واأللقاب
وراعى الشاة يحمى الذنب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب ؟!!
<اتوقد جرب ذلك االستعمار الغربي الفرنسي في الجزائر ,واالستعمار الشرقي الروسي في الجمهوري<
اإلسالمية في آسيا ,ورغم قسوة التجربة وطولها هنا وهناك ,لم تستطع اجتثاث جذور الهوية اإلسالمية
<لم .
<عب المس< <الم ,والش< <ان ,وبقى اإلس<<تعمار والطغي<
<المية ,وذهب االس<
<ية اإلس<
,والشخص<
غير أن الحرب التي شنت على اإلسالم ودعاته من بعض الحكام ( الوطنيين ) العلمانيين والمتغ<<ربين
في بعض األقطار -بعد استقاللها -كانت أحد عداوة ,وأشد ضراوة ,من حرب المستعمرين .
الردة المغلفة
<و أذكى من أن يعلن <النين ,فه<
وال يفوتنا هنا أن ننبه على نوع من الردة ال يتبجح تبجح المرتدين المع<
<راه
< تسلل األسقام في األجسام ,ال ت<الكفر بواحًا صراحًا ,بل يغلفه بأغلفة شتى ,ويتسلل به إلى العقول
<ل<دوى ,ب< حين يغزو الجسم ,ولكن بعد أن يبدو مرضه ,ويظهر عرضه ,فهو ال يقتل بالرصاص ي<
<دين ,
<راء في ال<بالسم البطيء ,يضعه في العسل والحلوى .وهذا يدركه الراسخون في العلم ,والبص<
ولكنهم ال يملكون أن يصنعوا شيئا أمام مجرمين محترفين ,ال يمكنون من أنفسهم ,وال يدعون للقانون
فرصة ليمسك بخناقهم .فهؤالء هم (المنافقون) الذين هم في الدرك األسفل من النار .
إنها ( الردة الفكرية) التي تطالعنا كل يوم آثارها ! في صحف تنشر وكتب ت<<وزع ,ومجالت تب<<اع ,
وأحاديث تذاع ,وبرامج تشاهد ,وتقاليد تروج ,وقوانين تحكم .وهذه ال<<ردة المغلف<<ة -في رأيي -
<ردة <اوم ال<<ا تق< أخطر من الردة المكشوفة ,ألنها تعمل باستمرار ,وعلى نطاق واسع ,وال تقاوم كم<
< األنظار ,وتثبر الجماهير .إن النفاق أشد خط<<رًا من الكف<<ر الصريحة ,التي تحدث الضجيج ,وتلفت
الصريح .ونفاق عبد اهلل بن أبى ومن تبعه من منافقي المدينه ,أخطر على اإلسالم من كفر أبى جه<<ل
ومن تبعه من مشركي مكة .ولهذا ذم القرآن في أوائل سورة البقرة( :الذين كف<<روا ) أي المص<<رحين
بالكفر في آيتين اثنتين فقط ,وذكر المنافقين في ثالث عشرة آيه .إنها الردة التي تصاحبنا وتماس<<ينا ,
وراوحنا وتعادينا ,وال تجد من يقاومها .إنها -كما قال شيخ اإلسالم الندوى -ردة وال أبا بكر لها إن
<قط<قط أوراقهم ,وتس< <تى تس<<الفكر ح<الفريضة المؤكد هنا ,هي :محاربتهم بمثل أسلحتهم ,الفكر ب<
أقنعهم ,وزال شبهاتهم بحجج أهل الحق .صحيح أنهم ممكنون من أوسع المنابر اإلعالمية :الم<<روءة
والمسموعة والمرئية ,ولكن قوة الحق الذي معنا ,ورصيد اإليمان في قلوب شعوبنا وتأييد اهلل تعلى لنا،
كلها كفيلة أن تهدم باطلهم على رؤوسهم( :بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) ( ،فأم<<ا
<
الزبد فيذهب جفاء ،وأما ما ينفع الناس فيمكث في األرض)…
الفصل الثاني
الشعائر والعبادات
والمقوم الثاني للمجتمع المسلم -بعد العقيدة -هو الشعائر التي فرض<<ها اهلل على المس<<لمين ,وكلفهم
القيام بها ,ليتقربوا بها إليه ,ويبتغوا بها رضوانه ,ويربحوا مثوبته ,ويعبروا بها عن حقيقة إيم<<انهم
به ,ويقينهم بلقائه وحسابه.
وأظهر هذه الشعائر هي الفرائض األربع التي عرفت بأنها -مع الشهادتين -أركان اإلس<<الم ومباني<<ه
العظام ,والتي خصها الفقها ء باسم « العبادات »
ولكنى أضيف إلى هذه األربع فريضتين أساسيتين أكد اإلسالم أمرهما ,وشدد الحدث عليهم<<ا ,ون<< ّوه
بمنزلتهم<<<<<ا عن<<<<<د اهلل ,فهم<<<<<ا ج<<<<<ديرتان أن تق<<<<<دا من دع<<<<<ائم
اإلس<<الم وش<<عائره الك<<برى .وهم<<ا :فريض<<ة األم<<ر ب<<المعروف والنهى عن المنك<<ر ,
وفريضة الجهاد في سبيل اهلل .
وبذلك تكون الفرائض األساسية والشعائر الكبرى العملية ستًا ,وهى :
وإنما سميت هذه الفرائض شعائر ,ألنها عالمات فارقة ,وظاهرة ,تتميز بهاحياة الفرد المسلم من غير
المس<<<لم ,كم<<<ا تتم<<<يز به<<<ا حي<<<اة المجتم<<<ع المس<<<لم من غ<<<ير المس<<<لم .
وإقامة هذه الشعائر وتعظيمها دليل على قوة العقيدة في القلوب ,واستقرارها في حنايا الصدور .ق<<ال
تعالى ( :ذلك ومن يعظم شعائر اهلل فإنها من تقوى القلوب) .وسأكتفي هنا بالحديث عن ثالث من هذه
العبادات أو الفرائض ,وهى :الصالة والزكاة ,واألمر بالمعروف والنهى عن المنكر .فليس الم<<راد
هنا هو االستقصاء .
إلى الفهرس
الصــالة
أولى هذه الفرائض والشعائر هي الصالة ,فهي عمود اإلسالم ,وفريضته اليومية المتكررة ,وأول م<<ا
يحاسب المؤمن عليه يوم القيامة ,وهى الفيصل األول بين اإلسالم والكفر ,وبين المؤمنين والكف<<ار .
<الة )،
<رك الص< وهذا ما أكده الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -في أحاديثه ( :بين الرجل وبين الكفر ت<
(العهد الذي بيننا وبينهم :الصالة ,فمن تركها فقد كفر ) .وكان هذا المعنى واضحًا تمام الوضوح لدى
الصحابة رضوان اهلل عليهم ,قال عبد اهلل بن شقيق العقيلى ( :كان أصحاب رسول اهلل -ال يرون شيئا
<نين<ال المؤم<
<ة خص< <الة فاتح<
من األعمال تركه كفر غير الصالة ) .وال غرو أن جعل القرآن الص<
<عون ) ,وفى <التهم خاش< المفلحين وخاتمتها ,فهو في البدء يقول ( قد أفلح المؤمنون ،الذين هم في ص<
<لم
<رد المس< <اة الف<
الختام يقول ( :والذين هم على صلواتهم يحافظون) داللة على مكانة الصالة في حي<
<ا
<ة ,وأم<<الة المنحرف<والمجتمع المسلم .كما جعل القرآن إضاعة الصالة من صفات المجتمعات الض<
التمرد عليها والسخرية بها ,فهو من سمات المجتمع الكافر .يقول سبحانه ( :فخلف من بعدهم خل<<ف
< في شأن الكفرة المكذبين › -وإذا -قيل أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات ,فسوف يلقون غيًا) ,ويقول
لهم اركعوا ال يركعون ,وفى آية أخرى (:وإذا ناديتم إلى الصالة اتخذوها هزوا ولعبا ,وذلك بأنهم قوم ال
يعقلون) .إن المجتمع المسلم مجتمع رباني الغاية والوجهة ,كما أنه رماني النشأة والمصدر .مجتم<<ع
< الحبال باهلل ,مرتبط بعروته الوثقى ,والصالة هي العبادة اليومية التي تجعل المسلم دائمًا على
موصول
موعد مع اهلل ,كلما غرق في لجج الحياة جاءت الصالة فانتشلته ,وكلما أنسته مشاغل الدنيا ربه جاءت
الصالة فذكرته ,وكلما غشيه دنس الذنوب ,أو غير قلبه تراب الغفلة ,جاءت الصالة فطهرت<<ه ,فهي
( الحمام) الروحي الذي تغتسل فيه األرواح ,وتتطهر فيه القلوب كل يوم خمسي م<<رات ,فال يبقى من
درنها شئ.
وامتازت الصالة اإلسالمية بالجماعة ,كما امتازت باألذان .فالجماعة في الصالة إما فرض كفاية ,كما
يقول أكثر األئمة ,وإما فرض عين كما يقول اإلمام أحمد .وألهمية الجماعة هم النبي -صلى اهلل عليه
وسلم , -أن يحرق على قوم بيوتهم بالنار ,ألنهم كانوا يتخلفون عن الجماعات ويصلون في بي<<وتهم .
<وم<افق معل<<ريض أو من< <ا إال م<
<ف عنه< <ا يتخل< <ا وم<
<د رأيتن<
وقال ابن مسعود في الجماعة ( :لق<
<رب . <اء الح<
<و في أثن<<ا ول<<الم على إقامته< <رص اإلس< <ة ح<<الة الجماع<<ه ص< النفاق ) .وألهمي<
فشرع ( صالة الخوف) وهى صالة خاصة بالحرب والمعارك ,تؤدى خلف إمام واحد على مرحلتين :
<كرية ,<ا العس<تصلى في المرحلة األولى طائفة من المقاتلين ركعة وراء اإلمام ثم تنصرف إلى مواقعه<
وتكمل صالتها هناك ,ثم تأت الطائفة التي كانت في مواجهة العدو فتصلى بقية الصالة خلف اإلم<<ام .
كل هذا مع لبس السالح وأخذ الحذر .ولم هذا كله ؟ لئال يفوت أحدا من المجاهدين فضل الجماعة التي
يحرص عليها اإلسالم ,فلم يبال بتقسيم الصالة وإباحة كثير من الحركات والمشي من أجل الحفاظ عليها
.وقد جاءت هذه الصالة في القرآن الكريم ( :وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصالة فلتقم طائفة منهم معك
وما أخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فيكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا
حذرهم وأسلحتهم ,ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ,وال جناح
<د
<ذركم ,إن اهلل أع<<ذوا ح< <لحتكم ,وخ< عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أس<
<تعار<ها ,فاس<
للكافرين عذابًا مهينًا) .وهذا كما يدلنا على منزلة الجماعة ,يدلنا على منزلة الصالة نفس<
المعارك ,وتربص العدو ,واالشتغال بالجهاد في سبيل اهلل ,ال يسقطالصالة أو يشغل عنها ,وإنما يجب
أن تؤدى بالصورة المستطاعة ,ولو بال ركوع وال سجود ,وال استقبال قبله ,عند االلتحام ,ويكفى عند
<الة
الضرورة النية وما يمكن من التالوة واإلشارة والذكر ,قال تعالى ( :حافظوا على الصلوات والص<
الوسطى وقوموا هلل قانتين ،فإن خفتم فرجا ً
ال أو ركبانا ,فإذا أمنتم فاذكروا اهلل كما علمكم ما لم تكونوا
ال أو ركبانا ) :أي صلوا مشاة أو راكبين ,مستقبلين القبلة أو غير مستقبليها تعلون) ,ومعنى ( :فرجا ً
<ا .
<فحات ونحوه< <دبابات والمص< <ائرات وال< <بي الط< <ذا على راك< <ق ه< <تطعتم .وينطب< <ف اس<كي<
< كل يوم خمس مرات وامتازت الصالة اإلسالمية باألذان :ذلك النداء الرباني ,الذي ترتفع به األصوات
<ع
<بر -أرب< ,معلمة بدخول وقت الصالة معلنة بالعقائد الرئيسية والمبادئ األساسية لإلسالم ( : اهلل أك<
مرات ,أشهد أن ال إله إال اهلل ,أشهد أن محمدا رسول اهلل -مرتين ,حي على الصالة -مرتين ,على
الفالح -مرتين ,اهلل أكبر -مرتين ,ال إله إال اهلل ) .
<ل <ون في ك< < ألمة اإلسالم ,تعلو به صيحات المؤذنين فيجاوبهم المؤمن< هذا األذان بمنزلة النشيد القومي
<وب . < والقل<
مكان ,فيرددون معهم ألفاظ األذان ذاتها ,تأكيدالمعانيها في األنفس ,وتثبيتا لها في العقول
<لم .والص<<الة -كم<<ا ش<<رعها اإلس<<الم -ليس<<ت مج<<رد ص<<لة روحي<<ة في حي<<اة المس<
إنها -بما سن لها من األذان واإلقامة ,وما شرع لها من التجمع واالنتظام وما أقيم لها من بيوت اهلل ،
وما اشترط لها من النظافة والطهارة ,وأخذ الزينة ,واستقبال القبلة ,وتحديد المواقيت ,وما رجب فيها
من حركات وتالوة وأقوال وأفعال ,تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم -بهذا كله أصبحت أكثر من عب<<ادة
< . . .فاألب<<دان
مجردة ,إنها نظام حياة ,ومنهج تربية وتعليم متكامل .يشمل األبدان والعقول والقلوب
<الم< تتزكى وتتطهر .الصالة تطيق عملي لمبادئ اإلس< تنظف وتنشط ,والعقول تتعلم وتتثقف ,والقلوب
السياسية واالجتماعية المثلى ,فتحت المسجد تتجلى معاني اإلخاء ,والمساواة والحرية ,وتبرز مع<<اني
الجندي<<<<ة المؤمن<<<<ة ,والطاع<<<<ة المبص<<<<رة ,والنظ<<<<ام الجمي<<<<ل .
يقول اإلمام الشهيد حسن البنا مبينا أثر أثرها الروحي ( :وال يقف أثر الصالة عند هذا الحد الف<<ردي ,
<ة <ة األم<
<ل لتربي<< اإلسالم بأعمالها الظاهرة ,وحقيقتها الباطنة ,منهاج كام< بل إن الصالة كما وصفها
<ا<ة وأذكاره< الكاملة :فهي بأعمالها البدنية وأوقاتها المنتظمة خير ما يفيد البدن ,وهى بآثارها الروحي<
وتالوتها وأدميتها خير ما يهذب النفس ويرقق الوجدان ,وهى باشتراط القراءة فيها -والقرآن الك<<ريم
منهاج ثقافة مالية شامل -تغذى العقل وقد الفكر بكثير من حقائق العلوم والمعارف ,فيخرج المص<<لى
المتقن وقد صح بدنه ,ورق شعوره ,وغذى عقله ,فأي كمال في التربية اإلنسانية الفردية بعد هذا ؟ ثم
هي باشتراط الجمعة والجماعة تجمع األمة خمس مرات في كل يوم ,ومرة في كل أسبوع علي المعاني
االجتماعية الصالحة من الطاعة والنظام والحب واإلخاء والمساواة بين يدي اهلل العلي الكبير ,فأي كمال
في المجتمع أتم من أن يقوم على هذه الدعائم ,ويشيد على هذه المثل العالية ؟ إن الص<<الة اإلس<<المية
تربية للفرد كاملة ,وبناء لألمة مشيد ,ولقد خطر لي وأنا أستعرض المبادئ االجتماعية العص<<رية أن
الصالة اإلسالمية أخذت بغير ما فيها وطرحت نقائصها ومساويها :فأخذت من ( الش<<يوعية ) مع<<نى
المساواةوالتآخي ,بجمع الناس في صعيد واحد ال يملكه إال اهلل وهو المسجد .والتآخي بجمع الن<<اس في
صعيد واحد ال يملكه إال اله وهو المسجد .وأخذت من ( الديكتاتورية ) النظام والحزم بإلزام الجماع<<ة
اتباع اإلمام في كل حركة وسكون ومن شذ شذ في النار ,وأخذت من ( الديمقراطية) النصح والشورى
<ى <ك :من فوض< <وى ذل< ووجوب رد اإلمام إلى الصواب إذا أخطأ كائنًا من كان ,وطرحت كل ما س<
الشيوعية ،واستمداد الديكتاتورية ,وإباحية الديمقراطية ,لكانت عصارة سائغة من الخير ال كدر فيه<<ا
وال الت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<واء .
<الة .
<أمر الص<<لف الص<الح ب< <نى المجتم<ع المس<لم في عص<ور الس< <ه ع< <ل ه<ذا كل<ومن أج<
حتى سموها ( الميزان ) بها توزن أقدار األشخاص ,وتقاس منازلهم ودرجاتهم ,فإذا أرادوا أن يعرفوا
دين رجل ومدى استقامته ,سألوا عن صالته ,ومقدار محافظته عليها وإحسانه لها . .وهذا مص<<داق
الحديث النبوي (:إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له باإليمان ) ,ثم تال ( :إنما يعمر مساجد اهلل
من آمن باهلل واليوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ولم يخشى إال اهلل ,فعسى أولئ<<ك أن يكون<<وا من
المهتدين) .
ومن هنا كانت أول مؤسسة أنشأها الرسول -صلى اهلل عليه وسلم , -بعد أن ه<<اجر إلى المدين<<ة هي
. المس<<جد النب<<وي ,ال<<ذي ك<<ان جامع<<ا للعب<<ادة ,ومدرس<<ة للعلم ,وبرلمان<<ًا للتف<<اهم
ً
<ال , وأجمع األئمة على أن من تركها جحودًا لها واستخفافًا بها فقد كفر ,واختلفوا فيمن تركها عمدًا كس<
فمنهم من حكم عليه بالكفر واستحقاق القتل ,كأحمد وإسحاق .ومنهم من حكم عليه بالفسق واس<<تحقاق
القتل كمالك والشافعى ,ومنهم من حكم عليه بالفسق واستحقاق التعزير والتأديب بالضرب والحبس حتى
<ا ، <اء أداه<يتوب ويصلى كأبى حنيفة . .ولم يقل أحد منهم :إن الصالة متروكة لضمير المسلم إن ش<
<دخل وإن شاء تركها ,وحسابه على اهلل ,بل أجمعوا على أن من واجب الحاكم أو الدولة المسلمة أن تت<
بالزجر والتأديب لكل مصر على ترك الصالة .فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يدع المنتسبين لإلس<<الم
دون أن يركعوا له ركعة ,وال يتعرض لهم بعقاب وال تأديب ,بدعوى أن الناس أحرار فيما يفعل<<ون .
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسوى بين المصلين وغير المصلين ء بله أن يقدم تاركي الصالة ويضعهم
في موض<<<<<<<<<<<<<ع الق<<<<<<<<<<<<<ادة والم<<<<<<<<<<<<<وجهين .
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تنشا دواوينه ومؤسساته وشركاته ومدارسه وليس فيها مساجد تقام فيه<<ا
الصالة ,ويرتفع اآلذان .وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يقوم نظام العمل فيه على أن ال وقت للصالة ,
ومن خالف ذلك من الموظفين والعاملين عوقب بما يناسب المقام ,ولفت نظره إلى هذا الخطأ الجسيم :
<دخل وقت <رات وي< <ات والمحاض< وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تقام فيه الندوات واألحفال واالجتماع<
الصالة وينتهي ,وال أذان يسمع وال صالة تقام .قبل ذلك كله :ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال يأخ<<ذ
<بع , <ا لس<
<ؤمرون به< <ار ,في<<ة األظف<أبناءه وبناته بتعليم الصالة ,في المدارس والبيوت ,منذ نعوم<
ويض<<<<<<<<<<<<<<ربون عليه<<<<<<<<<<<<<<ا لعش<<<<<<<<<<<<<ر .
<ق <ا يلي<
<ة مكان< وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال تحتل الصالة من برامجه التعليمية والثقافية واإلعالمي<
بأهميتها في دين اهلل ،وفى حياة المسلمين .
إلى الفهرس
الزكاة
والزكاة هي الشعيرة الثانية في اإلسالم ,والركن المالي االجتماعي من أركان .العظام ,وهى ش<<قيقة
الص<<<<<الة في الق<<<<<رآن والس<<<<<نة ,ق<<<<<رنت به<<<<<ا في كت<<<<<اب اهلل
ثمانية وعشرين مرة ،تارة بصيغة األمر ،مثل قوله تعالى( وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة) وتارة بص<<يغة
الخبر مثل قوله( :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عن<<د ربهم
وال خوف عليهم وال هم يحزنون).
وطورًا تأتي الزكاة مقرونة بالصالة في صورة الشرط للدخول في دين اإلسالم أو في مجتمع المسلمين،
قال تعالى في سورة التوبة في شأن المشركين المحاربين :
( فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ,إن اهلل غفور رحيم ) ,وقال بعد بضع آيات من
نفس السورة ( :فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فإخوانكم في ال<<دين ) .فلم يع<<ترف لمش<<رك
بالدخول ف اإلسالم ,وال باالنتساب إلى المجتمع المسلم ,واكتساب أخوة أبنائه إال بالتوبة من الكف<<ر ,
وإقام الصالة وإيتاء الزكاة .وهى عبادة قديمة -كالصالة -جاءت بها النبوات ,وحث عليها األنبياء ,
<راهيموكانت في طليعة وصايا اهلل لهم ,وفى طليعة وصاياهم إلى أممهم .أثنى اهلل على أبى األنبياء إب<
<ام
<يرات وإق< <ل الخ<< فقال لهم ( :وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فع<وعلى إسحاق ويعقوب
الصالة وإيتاء الزكاة ,وكانوا لنا عابدين ) .
<يًا) .
<ه مرض<<د رب<<ان عن<<اة وك< <الة والزك<<ه بالص<
وأثنى على إسماعيل بقوله (:وكان يأمر أهل<
وجاء في خطابه لموسى ( :ورحمتي وسعت كل شئ ,فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم
بآياتنا يؤمنون ) .
<اكين
<امى والمس<وذكر في بيانه لبنى إسرائيل (و ال تعبدون إال اهلل وبالولدين إحسانا وذي القربى واليت<
<اني
<د( :وأوص< <ى في المه< <ان عيس< وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة ) .وقال على لس<
بالصالة والزكاة ما دمت حيًا) وقال في ألهل الكتاب ( :وما أمروا إال ليعبدوا اهلل مخلصين ل<<ه ال<<دين
حنيفا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة ,وذلك دين القيمة ) .
وفي مجمل هذه اآليات نرى الزكاة قرينة الصالة ،فهما -كلتاهما -شعيرتان وفريض<<تان وعبادت<<ان .
الصالة عبادة بدنية روحية ,والزكاة عبادة مالية اجتماعية ,ولكونها عبادة وقرب<<ة إلى اهلل اش<<ترطت
<ا من<ا يميزه<
<ذا بعض م< الشريعة فيها النية واإلخالص ,فال تقبل زكاة إال بنية التقرب إلى اهلل .وه<
<ل<تركت في األص< <الم -وان اش< الضريبة الوضعية .بيد أنا نؤكد هنا :أن الزكاة التي فرضها اإلس<
واالسم مع الزكاة في الديانات السابقة -هي في الواقع نظام جديد فريد ,لم يسبق إليه دين سماوي ,وال
<ادة
<ريبة وعب<
<ا ض< قانون أرضى .إنها ليست مجرد إحسان موكول إلى إيمان الفرد وضميره ,ولكنه<
يحرسها إيمان الفرد ,ورقابة الجماعة ,وسلطان الدولة .
فاألمل في اإلسالم أن تؤخذ الزكاة بواسطة اإلمام والسلطات الشرعية ,وبعبارة أجزى بواسطة الدول<<ة
المسلمة ,عن طريق الجهاز اإلداري الذي نص عليه القرآن في صراحة وسماه ( :الع<<املين عليه<<ا )
وجعل لهم سهمًا من مصارف الزكاة ,داللة على استقالل ميزانيتها من األبواب األخرى في الميزانية ,
<ذكر ,ومن ثم حتى ال تذوب حصيلتها في مصارف الدولة المتنوعة ,وال يدرك المستحقون منها شيئًا ي<
قال القرآن ( :خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وجاء ,في الحديث من الزكاة ( :أنها تؤخذ
<ًا
<ا متروك< من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) ,فهي -إذن -فريضة تؤخذ أخذًا ,وليست تبرعًا اختياري<
لض<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<مائر األش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<خاص .
<ديق ,جيش <ر الص< وال نعجب بعد ذلك إذا حدثنا التاريخ الصادق أن الخليفة األول لرسول اهلل ,أبا بك<
الجيوش ,وبعث الكتائب ,وأعلن الحرب على أقوام من العرب امتنعوا عن أداء الزكاة ,وق<<الوا :نقيم
الصالة وال نؤتى الزكاة ,فأبى الصديق أن يهادنهم في شيء مما أوجب اهلل ,وقال كلمته الشهيرة (:واهلل
ال -ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة ,واهلل لو منعوني عناقًا -أي عنزة صغرة ,وفى رواية :عقا ً
كانوا يؤدون لرسول اهلل لقاتلهم عليه) .ولم يفرق أبو بكر بين المرتدين الذين اتبعوا أدعياء ,النب<<وة ,
وبين الممتنعين من إيتاء ,الزكاة وقاتل أولك وهؤالء .
ولما كانت الزكاة ضريبة تتولى الدولة المسلمة جبايتها من أربابها ,وتوزيعها على مس<<تحقيها ,ح<<دد
اإلسالم مقاديرها ونصبها والنسب الواجبة فيها ,والمصارف التي توضع فيها ,ولم ي<<دعها لض<<مائر
المؤمنين وحدها في مقدارها ونسبتها ومواردها ومصارفها .
إلى الفهرس
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر
<تها .
وحارس< <ابقة
وهذه هي الفريضة أو الشعيرة من فرائض اإلسالم وشعائره،وهي سياج الشعائر الس<
وربما استغرب بعض الناس أن تكون هذه ضمن الفرائض األساسية في اإلسالم ,فالمألوف والشائع هو
<باح . <ق الص< <ح من فل<<ك أوض< <د ذل<
<نة يج< <رآن والس<
األربع التي سلف ذكرها .ولكن المتتبع للق<
فالقرآن يجعل األمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو الخصيصة األولى التي تميزت بها ه<<ذه األم<<ة
<ون عن <المعروف وتنه< <أمرون ب<المسلمة ,وفاقت بها أمم األرض ( :كنتم خير أمة أخرجت للناس ت<
المنك<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر وتؤمن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ون باهلل) .
<اس ,ألن <و األس<<ان ه<قدم األمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الذكر على اإليمان ,مع أن اإليم<
اإليمان باهلل قدر مشترك بين األمم الكتابية جميعا ,ولكن األمر والنهى فضيلة هذه األمة ,التي لم تخرج
للوجود من نفسها كالنبات الصحراوي ,بل أخرجها اهلل إخراجا ,ولم يخرجها لتعيش لنفسها ,فحسب ,
< وتثبته ،وأن تزيل بل أخرجت للناس ,للبشرية كلها ,فهي أمة دعوة ورسالة ,همها أن تشيع المعروف
<دعون إلى <ة ي<المنكر وتمنعه .وقبل اآلية المذكورة ببضع آيات جاء قوله تبارك وتعالى ولتكن منكم أم<
<ة الكريم<ة( :ولتكن منكم الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،وأولئك هم المفلحون ) .واآلي<
أمة ) تحتمل معنيين :األول أن تكون ( من) للتجريد كما تقول :ليكن لي منك الصديق ال<<وفي ,وليكن
منك المسلم المعاهد في سبيل اهلل ,ف ( من ) هنا ليست للتبعيض بل للتبريد ,أي كن الصديق ال<<وفي
وكن المسلم المجاهد ,وكذلك يكون معنى اآلية :كونوا أمة يدعون إلى الخير . . .إلخ .ولع<<ل مم<<ا
<ك هم <الى ( :وأولئ<
<ه تع<<د قول<
<ا يفي<
<يرهم ,كم< يؤيد هذا المعنى حصر الفالح في هؤالء .دون غ<
المفلحون ) .
< هذا التفسير :أن تكون األمة كلها داعية إلى الخير ,آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ,ك<<ل ومقتضى
بحسب مكانته وطاقته ,حتى تكون من أهل الفالح .والمعنى الث<<اني :أن تك<<ون ( من ) في ( منكم)
للتبعيض كما هو الشائع المتبادر ,ومقتضى هذا أن يكون في المجتمع المسلم طائفة ق<<ادرة ,متمكن<<ة ,
معدة اإلعداد المالئم ,لتقوم بواجب الدعوة واألمر والنهى ,والمخاطب بهذا األمر اإللهي -إيجاد الطائفة
المذكورة -هم جماعة المسلمين كافة وأولو األمر خاصة ,فعليهم تهيئة األسباب لوجودها ,وإعانته<<ا
ماديا وأدبيا لتقوم برسالتها ,فإذا لم توجد هذه األمة أو هذه الطائفة المنشودة ,عم اإلثم جميع المسلمين ,
< ي<<<<<<<<ترك ويهم<<<<<<<<ل . كك<<<<<<<<ل ف<<<<<<<<رض كف<<<<<<<<ائي
< بالوعظ واإلرشاد ,في دولة تدير لهم ظهرها ,ومجتمع ينأى وال يكفى أن يوجد أفراد متناثرون يقومون
منهم بجانبه ,فالقرآن لم يرد ذلك ,إنا أراد وجود ( أمة ) ,فاألفراد المتناثرون ال يكونون ( أمة ) ,كما
يفترض أن تكون لهذه األمة حرية الدعوة إلى الخير ,وأعظم بواب الخير هو اإلسالم .وأن تكون قادرة
على أن تأمر وتنهى ,واألمر والنهى شئ أخص وأكبر من الوعظ والتذكير ,فكل ذي لسان ق<<ادر على
أن يعظ ويذكر ,وليس قادرا دائمًا أن يأمر وينهى ,والذي طالبت به اآلية الكريمة إنا هو إيج<<اد أم<<ة
<افقينتدعو وتأمر وتنهى .وفى بيان السمات العامة لمجتمع المؤمنين ,والتي يتميز بها عن مجتمع المن<
يقول القرآن في سورة التوبة ( :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليا ء بعض ,ي<<أمرون ب<<المعروف
< الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله ,أولئك سيرحمهم اهلل ,إن اهلل وينهون عن المنكر ويقيمون
عزيز حكيم ) ,ومن الجميل في اآلية أنها قرنت المؤمنات بالمؤمنين ,وجعلت الجميع بعضهم أولي<<اء
بعض ,وحملتهم -رجاال ونساء -تبعه األمر بالمعروف والنهى عن المنكر ,وه<<ذه ش<<عيرة األم<<ر
<راد <لم ,وألف< <ع المس<
بالمعروف والنهى عن المنكر على الصالة والزكاة ,ألنها السمة األولى للمجتم<
المجمع المسلم ,فاإلسالم ال يكفى منهم أن يصلحوا في أنفسهم حتى يعملوا على إصالح غ<<يرهم ,وفى
هذا أيضا جاءت سورة العصر ( :والعصر ،إن اإلنسان لفي خسر ،إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات
<اتهم من <الح ,لنج<
وتواصوا بالحق وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ,فلم يكف اإليمان والعمل الص<
<تى الخسران والهالك حتى يضموا إلى ذلك التواصي بالحق والتواصي بالصبر ,وبعبارة أخ<<رى :ح<
يشتغلوا بإصالح غيرهم ,ويشيع في المجتمع معنى التناصح والدعوة إلى التمسك بالحق والصبر عليه ,
<
< المجتمع كاإليمان وعمل الصالحات .وفى سورة التوبة أيضا ,بيان ألوصاف ويصبح ذلك من مقومات
المؤمنين الذين اشترى اهلل منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ,وذلك قول<<ه ( :الت<<ائبون العاب<<دون
الحامدون السائحون الراكعون الساجدون اآلمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود اهلل
<ا في األرض , ,وبشر المؤمنين) .وفى سورة الحج ذكر القرآن أهم واجبات األمة المسلمة حين اهلل له<
ويكون لها دولة وسلطان ,فقال ( :ولينصرن اهلل من ينصره ,إن اهلل لقوى عزيز ،إن الذين إن مكناهم
في األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ,وهلل عاقبة األمور) .فاألمر
بالمعروف والنهى عن المنكر -إلى جانب الصالة والزكاة -أهم ما تقوم به دولة اإلسالم بعد أن يمكن
<ان . <ان الكريمت<
اهلل لها وينصرها على عدوها ,بل هي ال تستحق نصر اهلل ,إال بهذا ,كما بينت اآليت<
هذه هي فريضة األمر بالمعروف والنهى من المنكر في القرآن ,إنها تمم على وجوب التكاف<<ل األدبي
بين المسلمين ,كما أن الزكاة علم على وجوب التكافل المادي بينهم.
<ا
<ك فيم<
وجاء الحديث النبوي فصور هذا التكافل األدبي أبلغ ما يكون التصوير وأروعه وأصدقه .وذل<
رواه البخاري وغيره عن النعمان بن بشير :
( مثل القائم على حدود اهلل والواقع فيها ,كمثل قوم استهموا على سفينة ,
فصار بعضهم أعالها ,وبعضهم أسفلها ,وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الم<<اء م<<روا على من
فوقهم ,فقالوا :لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ,ولم نؤذ من فوقنا ! فإن ترك<<وهم وم<<ا أرادوا هلك<<وا
جميعا ,وان أخذوا على أيديهم نجبوا ،ونجبوا جميعا ) إن أسوا ما يص<<يب المجتمع<<ات أن يغ<<رس
<ر وال
<يحة ,وال أم<الطغيان أو الخوف فيها األلسنة ,فال تعلن بكلمة حق ,وال تجهر ب<دعوة وال نص<
<ه
نهى .وبذلك تتهدم منابر اإلصالح وتختفي معاني القوة ,وتذوى شجرة الخير ,ويجترئ الشر ودعات<
على الطهور واالنتشار ,فتنعق سوق الفساد ,وتروج بضامة إبليس ,وجنوده ,من غير أن عبد مقاومة
وال مقاطعة .وحينئذ يستوجب المجتمع نقمة اهلل وعذابه ,فيصب البالء والنكبات على المقترفين للمنكر
والساكتين عليه ,قال تعالى ( :واتقوا فتنة ال تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ,واعلموا أن اهلل ش<<ديد
العقاب ) .
وقال صلى اهلل عليه وسلم ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم اهلل بع<<ذاب
من عن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ده ).
<نى<ودع منهم) إن اهلل لعن ب<<د ت<وفي حديث آخر (:إذا رأيت أمتي تهاب فال تقول للظالم :يا ظالم ،فق<
<ار<رحمهم ,النتش< <لط عليهم من ال ي<إسرائيل على لسان أنبيائه ,وضرب قلوب بعضهم ببعض ,وس<
المنكرات بينهم دون أن تجد من يغيرها أو ينهى عنها .قال تعالى ( :لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل
عن لسان داود وعيسى ابن مريم ,ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون و كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه ,
لبئس ما كانوا يفعلون ) .وأسوا مما ذكرنا أن يموت الضمير االجتماعي لألمة أو يمرض على األق<<ل ,
<ه<رف ب< <ذي يع< <ديني واألخالقي ,ال<
بعد طول اإللف للمنكر والسكوت عليه -فيفقد المجتمع حسه ال<
المعروف من المنكر ,ويفقد العقل البصير الذي يميز الخبيث من ,والحالل من الحرام ,والرش<<د من
الغي ,وعند ذلك تختل موازين المجتمع وتضبط مقاييسه ,فيرى ألسنة بدعة ,والبدعة سنة ,أو يرى ما
نحسه ونلمسه في عصرنا عند كثيرين من أبناء المسلمين ,من اعتبار الت<<دين رجعي<<ه ,واالس<<تقامة
تزمتًا ,واالحشام جمودًا ,والفجور فنًا ,واإللحاد تحررًا ,وما ال نعلم ,وبعبارة موجزة واالنحالل تقدما
,واالنتفاع بتراث السلف مخلفا في التفكير ..إلى آخر ما نعلم وما ال نعلم ،وبعبارة م<<وجزة :يص<<بح
المعروف منكرا ,والمنكر معروفا ! وأسوا من هذا وذاك :أن يخفت صوت الحق ,وتتعالى ص<<يحات
الباطل ,تتجاوب بها األرجاء داعيه إلى الفساد ,آمره بالمنكر ,ناهيه عن المعروف ,صيحات ال<<ذين
وصفهم الحديث الشريف بأنهم ( :دعاة على أبواب جهنم ,من أجابهم إليها قذفوه فيها ) .هذا هو شأن
مجتمع المنافقين الذين جعلهم القرآن في الدرك األسفل من النار ,وهو المجتمع الذي حددت معالمه اآلية
<
الكريمة ( :المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ,يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبض<<ون
أيديهم ,نسوا اهلل فنسيهم ,إن المنافقين هم الفاسقون ) .وهذه الخصال مناقضة تمام المناقضة لمجتم<<ع
< وينهون المؤمنين ,كما صورته آية ( :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ,يأمرون بالمعروف
عن المنكر) ,والذي يعنينا هنا أنه مجتمع منكوس على رأسه ,يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف .فإذا
<وت <زاؤه الم<ارتفع فيه للحق صوت يدعو إلى اهلل ,ويأمر بالقسط ,وينهى عن الفساد والظلم ,كان ج<
<ذيب -في <ياط التع<
جهارا على حبل المشنقة في وضح النهار ,أو االغتيال خفيه -بالرصاص أو بس<
جنح الليل .كما صنع بنو إسرائيل بأنبيائهم حين قتلوهم بغير حق .فمنهم من ذبحوه بالس<<كين ,ومنهم
<اء<ه األنبي<
<و على مل< من نشروه بالمنشار ,ومنهم من تآمروا على قتله وصلبه ,فرفعه اهلل إليه .وه<
والدعاة إلى اهلل قوله سبحنه ( :إن الذين من يكفرون بآيات اهلل ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين
يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ،أولئك الذين حبطت أعماهم في الدنيا واآلخرة وم<<ا لهم
من ناصرين ) .إن هذه المراحل المتدرجة في االنحطاط والفساد ,يأخذ بعضها بحجز بعض ,ويج<<ر
<ربعضها إلى بعض ,فالشبهات تجر إلى صغائر المحرمات ,والصغائر تجر إلى الكبائر ,والكبائر تج<
إلى الكفر ,والعياذ باهلل .ومن أروع األحاديث التي وضحت هذا التنزل في دركات الشر والمعص<<ية ,
<الوا :
ما رواه أبو أمامة مرفوعًا ( :كيف أنتم إذا طغى نساؤكم ,وفسق شبانكم ,وتركتم جهادكم )؟! ق<
وان ذلك لكائن يا رسول اهلل ؟ قال ( :نعم ,والذي نفسي بيده ,وأشد منه سيكون ) ! قالوا :وما أش<<د
منه يا رسول اهلل ؟ قال ( :كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر ) ؟! .قالوا :وك<<ائن
ذلك يا رسول اهلل ؟ :قال ( :نعم ,والذي نفسي بيده ,وأشد منه سيكون ! ! قالوا :وما أشد من<<ه ي<<ا
<ا
رسول اهلل ؟! قال ( :كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا ,والمنكر معروفًا ) ؟! قالوا :وكائن ذلك ي<
رسول اهلل ؟! قال ( :نعم ,والذي نفسي بيده ,وأشد منه سيكون ) ! قالوا :وما أشد منه ي<<ا رس<<ول
<ول <ا رس< <ك ي< اهلل ؟! قال ( :كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ,ونهيتم عن المعروف ) ؟! قالوا :وكائن ذل<
اهلل ؟! قال ( :نعم ,والذي نفسي بيده ,وأشد منه سيكون ! يقول اهلل تعالى :بي حلفت ألتيحن لهم فتنة
يصير الحليم فيها حيران ) .
<ا ,
<ر معروف< <را ,والمنك<ويبدو أن الكثير مما حذر منه هذا الحديث مد وقع ,متى غدا المعروف منك<
وأصبحت الدعوة إلى اإلسالم وشريعته وكأنها جريمة ,وأمسى الداعي إلى اإلسالم «« أصوليًا » مكانه
قفص االتهام ! ولكن الدعاة إلى اهلل ,اآلمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ,والحراس األيقاظ ل<<دين
اهلل ،لم يزل صوتهم قويًا بالحق ,وان تعالت من حولهم أصوات الباطل .المهم هو تأكيد هذه الفريض<<ة
العظيمة وإحياؤها ,وإحياء وظيفة ( المحتسب ) الذي جسا هذه الشعيرة في الحياة العملية ,وكانله شأن
خطير في مجتمع المسلمين .وإذا كان بعض الناس في عصرنا يتحدثون عن « الرأي العام » وأثره في
الرقابة على رعاية مبادئ األمة وأخالقها وآدابها ومصالحها ,وتقويم ما يعوج من شئون حياتها ,ف<<إن
<ةفريضة األمر والنهى كفيلة بأن تنشئ الرأي العام الواعي البصير ,المستند إلى أقوم المعايير األخالقي<
واألدبية وأعدلها وأخلدها وا ثبتها ,ألنها معايير مستمدة من الحق األزلي األبدي ,من اهلل عز وجل .
إلى الفهرس
الفصل الثالث
األفكار والمفاهيم
كما يتميز المجتمع المسلم بعقائده وشعائره ،يتميز كذلك بأفكاره ومفاهيمه وتصوراته فالمجتمع المس<<لم
تسوده أفكار ومفاهيم تحدد وجهة نظره إلى األشياء و األحداث واألشخاص والمواقف ,والقيم والعالقات
.فهو يحكم على هذه األمور كلها من زاوية اإلسالم ,وهو ال يستمد حكمه ,ويستقي وجهة نظ<<ره إال
من مصادر اإلسالم النقية ,المصفاة من الشوائب والزوائد ,التي تمثل رواسب العصور ,وتؤكد التحور
من غل<<و الغ<<الين ,وتقص<<ير المقص<<رين ,وانتح<<ال المبطلين ,وتأوي<<ل الج<<اهلين .
لقد حرص اإلسالم منذ طلوع فجره على أن يصحح مفاهيم أبنائه ,حتى تستقيم نظ<<رتهم إلى األم<<ور
والواقف ,ويتحد تصورهم العام لألشياء والقيم .فلم يدعهم لشطحات الفكر ,وال انحراف<<ات اله<<وى ,
<ذا
<ق .وله< فيزيغوا عن ا.لقصد ,ويضلوا عن سواء الصراط ,وتتفرق بهم سبل الباطل عن سبيل الح<
<ورات <ة ,والتص< <ار الخاطئ<<ة واألفك<دأب القرآن ,كما د أبت السنة ,على تصحيح المفاهيم المغلوط<
المنحرفة ,التي تشيع في أذهان الناس .فهم بعض األعراب أن اإلذعان مجرد إعالن وتظاهر ،ف<<نزل
< (:قالت األعراب آمنا ،قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولم<<ا ي<<دخل القرآن يصحح هذا المفهوم يقول
اإليمان في قلوبكم) ..إلى أن قال (:إنما المؤمنون الذين آمنوا باهلل ورس<<وله ثم لم يرت<<ابوا وجاه<<دوا
بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل ،أولئك هم الصادقون) وأشاع بعض أهل الكتاب من اليهود :أن ال<<بر أو
التقوى هو االهتمام برسوم معينة ،وشكليات خاصة ،ولهذا أقاموا الدنيا وأٌقعدوها حين تحول الرسول من
بيت المقدس إلى الكعبة ،وجعلها اهلل له قبله ،فنزلل القرآن يبين حقيقة البر والتقوى والدين الحق فق<<ال:
( ليس البر أ ،تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخ<<ر والمالئك<<ة
والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن الس<<بيل والس<<ائلين وفي
الرقاب وأقام الصالة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ،والصابرين في البأساء والضراء وحين
البأس ،أولئك الذين صدقوا ،وأولئك هم المتقون).
<طهاد وحسب بعض الناس أن طريق اإليمان إلى الجنة مفروش باألزهار والرياحين ال فتنة فيه وال اض<
وال عذاب ،فنزل القرآن يدرأ هذا الوهم ،ويخطئ هذا الفهم إذ يقول (:آلم ،أحسب الناس أن ي<<تركوا أن
<اذبين)..
<دقوا وليعلمن الك<<ذين ص< يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ،ولقد فتنا الذين من قبلهم ،فليعلمن اهلل ال<
< أم حسبتم أ ،تدخلوا الجنة ولما يعلم اهلل الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) ( ..أم حس<<بتم أ، ويقول(:
<ولتدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ،مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرس<
والذين آمنوا معه متى نصر اهلل ،أال إن نصر اهلل قريب).
وتصور بعض الناس أن من قتل في سبيل اهلل قد مات ،كما يموت اآلخرون من البشر فينفي القرآن هذا
< وال تقولوا لمن يقتل في سبيل اهلل أموات ب<<ل أحي<<اء ولكن ال
الحسبان ويضع مفهومًا جديدًا إذ يقول(:
تشعرون) ( ،وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهلل أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون) .ومن الن<<اس من
<ير<بين أن التغي<
<ك ,وي<يحسب أن التغيير المادي سبب التغيير في عالم النفس ,فيقرر القرآن عكس ذل<
الروحي والمعنوي هو األصل واألساس ( :إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .ويصحح
القرآن فكرة الناس عن الفوز والفالح والخسران ,فينقلها من دائرتها الضيقة في عقول جماهير الناس :
<لالدائرة المادية الدنيوية العاجلة إلى دائرة أرحب وأخلد وأبقى ,فيقول ( :فمن زحزح عن النار وأدخ<
<لالجنة فقد فاز ,وما الحياة الدنيا إال متاع الغرور) ( ،قد أفلح من تزكى ،وذكر اسم ربه فصلى) ( ،ق<
إن الخاسرين الذين خسروا أ،فسهم وأهليهم يوم القيامة ،أال ذلك هو الخسران المبين) .ويظن فري<<ق من
البشر أن النساء شياطين خلقن لغواية الرجال ,وأن المرأة لعنة مجسمة وفتن<<ة تمش<<ى على األرض ,
فينفى القرآن هذا الظن ,ويقول ( :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودة ورحمة ,إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون ).
ويعتقد فئة من الناس أن الظلمة والنور أثران إللهين مختلفين يصطرعان حتى تكون الغلبة في النهاي<<ة
ألحدهما ,فيبين القرآن أنهما أثران لخالق واحد واله واحد (خلق السموات واألرض وجع<<ل الظلم<<ات
والنور)( ،وجعلنا الليل لباسًا ،وجعلنا النهار معاشًا) (،قل أرأيتم إن جعل اهلل عليكم الليل سرمدًا إلى يوم
القيامة من إله غير اهلل يأتيكم بضياء ،أفال تسمعون) .وهكذا ظل القرآن الكريم 23عامًا يبين الحق<<ائق
ويزيف األباطيل ،ويصحح التصورات والمفاهيم .وجاءت السنة النبوية فكانت البيان والتفسير النظ<<ري
والعملي للقرآن ،وظل الرسول الكريم (صلى اهلل عليه وسلم) يصحح ويوضح ،ويبني ويهدم حتى استقام
للمجتمع المسلم تصوره ،واتضحت مفاهيمه وأصبح على بينة من ربه وبصيرة من أمره ،كما خاطب اهلل
تعالى رسوله( صلى اهلل عليه وسلم) (:قل هذه سبيلي أدعو إلى اهلل ،على بصيرة أن<<ا ومن اتبع<<ني،
وسبحان اهلل وما أنا من المشركين) .وصحح النبي (صلى اهلل عليه وسلم) مفاهيم كثيرة جدًا لعل أهمه<<ا
مفهوم اإليمان ،فليس اإليمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل" :ال يؤمن أحدكم حتى يحب
<ات <ؤمن من ب< <ه" " ،ليس بم<ألخيه ما يحب لنفسه" " ،ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت ب<
شبعان وجاره جائع" " ،اإليمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من اإليمان" إلى أحاديث كثيرة جمعها
<ول أحد األئمة ( البيهقى ) في مؤلف ضخم باسم " شعب اإليمان " ,ويضع اإلسالم مفهومًا جديدًا في قب<
األعمال ,في فيربطها بمقاصدها ونياتها الباعثة عليها ويجل موضع نظره هو القلب ال الجوارح ( :إنما
األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ( ,إن اهلل ال ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظ<<ر إلى
قلوبكم وأعمالكم ) ( ,أال إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ,وإذا فسدت فس<<د الجس<<د
كله ,أال وهى القلب ) .
ويبين حقيقة الغنى فيقول ( :ليس الغنى عن كثرة العرض ,إنما الغنى غنى النفس ) .وحقيقة الق<<وة ,
<د<ه عن<فيردها إلى قوة النفس ال إلى قوة الجسم ( :ليس الشديد بالصرعة ,إنما الشديد الذي يملك نفس<
الغضب ) .وحقيقة المسكنة والمسكين ,وينفى الصورة الفاشية عند جمهور الناس عن المسكين فيقول :
<د عن <ذي ال يج< ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ,وال اللقمة وال اللقمتان ,إنما المسكين ال<
بقية وال ينظر له فيتصدق عليه ,وال يقوم فيسأل الناس ) .وفى رواية ( :إنما المسكين المتعف<<ف ) .
واقرءوا إن شئتم ( :ال يسألون الناس إلحافًا ) .ويبين الرسول ( صلى اهلل عليه وسلم) مقياس التفاضل
< والعمل الصالح .ورد المفاهيم الشائعة ,من بين الناس أفرادا´ وجماعات ,حصرة في اإليمان والتقوى
اعتبار الزينة ,والجاه أو المال والغنى ,أو الجنس والنسب ,أو الضخامة والفخامة ,أو ما شابه ذل<<ك
<يرمن مقاييس مادية دنيوية ( ,فرب أشعث مدفوع باألبواب ,لو أقسم على اهلل ألبره ) ,ورب فقير خ<
من ملئ األرض من غنى مشهور ( ,وال فضل لعربي على أعجمي ,وال ألحمر على أسود إال بالتقوى
) ( ,ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) ( ,يأتي الرجل العظيم السمين عندي يوم القيامة فال ي<<زن
عند اهلل جناح بعوضة ) .ويبين الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) اختالل المق<<اييس في آخ<<ر الزم<<ان
< ( :يأتي على الناس زمان يقال للرجل فيه :ما أظرفه ,وما أعقله ,وما أجلده ,وم<<ا في قلب<<ه فيقول
مثقال حبة من إيمان ) .أفكار اإلسالم ومفاهيمه وتصوراته هي التي تعمل وحدها في المجتمع المسلم ,
وتسيطر على عقول بنيه ,وتوجه أدبه وفنه ,وثقافته وإعالمه ,وتربيته و تعليمه .فكرة اإلس<<الم عن
اإلنسان ,وعن الحياة والدنيا ,وعن المال والغنى والفقر ,وعن التدين والبر والتق<<وى ,وعن الع<<دل
واإلحسان ,وعن التقدم والتأخر ,وعن التحضر والتخلف ,وعن الزهد والقناعة ,وعن الصبر والرضا
.
هذه األفكار وما شابهها يجب أن تكون هي الموجهة للمجتمع المسلم ,المهيمنة عليه ,دون غيره<<ا من
األفكار والتصورات .وذلك ألن أفكار اإلسالم ومفاهيمه هي وح<<دها المس<<تقاة من المص<<در اإللهي
المعصوم فمصدرها ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) وسنة رس<<ول ال ينط<<ق عن
الهوى ( إن هو إال وحي يوحى ) .
وليس العدل أيضا هو نهب األموال المملوكة -ملكية مشروعة من أصحابها األغنياء -بزعم إعطائها
للفقراء ,وإن لم يصل إلى الفقراء منها نقير وال قطمير ,فهذا المفهوم -كذلك -للع<<دل االجتم<<اعي
مفهوم خاطئ دخيل على فكرة اإلسالم .
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ينظر إلى الفقير والغنى نظر الصوفى القائل ( :إذا رأيت الفقر مقب ً
ال فقل
<لم
<ع مس< ال فقل :ذنب عجلت عقوبته )! وليس بمجتم< :مرحبًا بشعار الصالحين ,وإذا رأيت الغنى مقب ً
ذلك الذي ينظر إلى المرأة على أنها أحبولة الشيطانو وأخت إبليس ,وأنها هي ال<<تي أخ<<رجت آدم من
الجنة -كما تزعم التوراة ,وكما يعتقد اليهود والنصارى -وكما يظن لألسف كثير من المسلمين بحكم
الثقاف<<<<ة المس<<<<مومة ال<<<<تي تلقوه<<<<ا في الم<<<<دارس أو من أجه<<<<زة اإلعالم .
<الفتوليس هو أيضا الذي يشيع فيه ذلك المفهوم الخاطئ عن مساواة الرجل بالمرأة مع أن فطرة اهلل خ<
بينهما ,وجعلت للرجل القوامة ,والمسؤولية ( :الرجال قوامون على النساء بما فضل اهلل بعضهم على
بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) .
إن األفكار والمفاهيم التي تشيع في المجتمعات المنتسبة إلى اإلسالم اليوم ألوان وأنواع شتى :
( ا ) بعضها من بقايا القيم والتعاليم اإلسالمية الصحيحة ,التي ال يزال لها أثرها في كث<<ير من األنفس
< ,وخصوصًا بعد أن قام لإلسالم دعاة واعون في بالد شتى ,يشرحون رسالته شرحا يرد إليها والعقول
فطريتها وشمولها ,ويدرا الشبهات عنها .
( ب ) وبعضها من رواسب العصور األخيرة التي تخف فيها الفكر اإلسالمي في مختلف المج<<االت ,
ففقد األصالة واإلبداع ,وأغلق باب االجتهاد ,وأصيب المسلمون بسوء الفهم لإلسالم ,كما ابتلوا بسوء
التطبيق له كذلك .
( ج ) زحفت على ديار اإلسالم ,مع االستعمار ,الذي كان وبعضها من الروافد األجنبية التي أكبر همه
<تي
<ة ال<
<امهم إلى الوجه< أن يغير أفكار المسلمين وتصورا تهم وأذواقهم ,ليسهل عليه بعد ذلك لي زم<
يريد .
<انت من
<واء أك<
وواجب المجتمع المسلم أن يطارد كل المفاهيم التي ال تستمد من اإلسالم الصحيح ,س<
رواسب التخلف واالنحراف عن اإلسالم أم من األفكار الغازية الوافدة مع المستعمر الغربي .
فمن النوع األول فكرة كثير من المسلمين في كثير من األقطار عن المرأة وعالقتها بالرجل ,ونظرتهم
إليها باعتبارها مخلوقا ناقصا أو خطرا ,يجب أن تظل حبيسة البيت حتى يؤويها القبر ,ال ترى رجال ,
وال يراها رجل ,وال تخرج لعبادة أو عمل صالح أو علم نافع .
<ر أو<ق مباش< ومن النوع الثاني فكرة كثير من المسلمين ,العصريين الذين تثقفوا بثقافة الغرب ,بطري<
<دون <روعة ,ويع< <وق المش< <ا ,من الحق<
غير مباشر ,فاعتبروا خروج المرأة على فطرتها ووظيفته<
< بغير ذل<<ك اختالطها بالرجال األجانب -بغير قيد وال تحفظ -من الحرية المطلوبة .ويعتبرون القول
ضربا من الرجعية في التفكير ,والتطرف في السلوك ! واألفكار األجنبية الدخيلة اآلن هي ال<<تي تقلب
وتسود لدى جمهور المتعلمين من خريجي الجامعات وغيرها .ومن أخطر المفاهيم التي لقنه<<ا إي<<اهم
الغ<<<زو الثق<<<افي ه<<<و :مفه<<<وم ( ال<<<دين ) كم<<<ا يتص<<<وره الغربي<<<ون .
فمفهوم اإلسالم عن ( الدين ) دائرته ومداه ,غير المفهوم السائد عند الغربيين حتى المتدينين منهم ,إنه
عندما مجرد عالقة بين ضمير اإلنسان وربه ,ال عالقة له بشؤون الدولة وأنظمة المجتمع ,ولهذا قامت
الحياة الحديثة هناك على أساس الفصل بين الدولة والدين .
أما اإلسالم فهو في نظر المسلمين منهج شامل ينظم شؤون الحياة كلها :من قضاء الحاج<<ة إلى قي<<ام
الدولة ,ومن أدب األكل والشرب إلى نظام االقتصاد وسياسة الحكم ,ومن الصالة والصيام إلى شؤون
الحرب والسلم والعالقات الدولية .
والشريعة اإلسالمية هي الحاكمة على جميع أفعال المكلفين ,ال يفرج قول وال عمل عن سلطانها ,وكل
عمل صادر عن مكلف ال بد أن تعطيه الشريعة حكمه من الوجوب ,أو االستحباب أو الحرمة ,الكرامة
أو اإلباحة ,ومهمة الشريعة هي إخراج المكلف من اتباع داعية هواه إلى التقيد بأحكام اهلل .
<ا
<ب م<
ومصادر الشريعة فيها الوفاء كل الوفاء بتغطية جميع الوقائع واألحداث التي تمر بالبشر ,بحس<
احتوت من أصول وقواعد ونصوص ( ..ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبش<<رى
للمسلمين ) .
وقد كان الواقع التطبيقي لإلسالم شاهدًا على معه هذه الفكرة ,فكان الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) هو
<وماتهم ,ولم
< في خص< المبلغ عن اهلل ,والقائم بأمر الدين ,وهو إمام السلمين ورئيس دولتهم ,والقاضي
يكن معه ملك أو حاكم يقوم بأمور السياسة ,كما كان يحدث ذلك في بنى إسرائيل الذين قالوا لن<<بيهم :
( ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اهلل ) (وقال لهم نبيهم إن اهلل قد بعث طالوت ملكًا ).
وكان الخلفاء ,الراشدون ورسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) ,هم أئمة المسلمين في الصالة ورؤساؤهم
<اء ,
<رف العلم< <ذا ع<في اإلدارة والسياسة ,وكذلك كان من بعدهم من خلفاء بنى أمية والعباس .وله<
الخالف<<ة بأنه<<ا :نياب<<ة عام<<ة من رس<<ول اهلل في حراس<<ة ال<<دين وسياس<<ة ال<<دنيا ب<<ه .
وهذا المفهوم اإلسالمي المسيح من ( الدين ) يجب أن يسود مشيع في المجتمع المسلم ,حتى يمكن بعدها
محاكمة كل مسلم إلى دينه الذي ألزمه وآمن به و رضيه اهلل له ,و رضيه عدما قياس كل االعتب<<ارات
والتصورات واألقوال واألعمال بمقياس الدين ,الذي ال يخطئ وال يضل وال ينسى.
إلى الفهرس
والنوع الثاني :المفاهيم التي زحفت على مجتمعاتنا ,مع زحف االستعمار ،فدخلت من بابه ،وسارت في
ركابه ،واتخذت الغرب لها قبلة وإمامًا ،ولم يكن لنا بها عهد وال خطرت لنا ببال .إنها المفاهيم المتعلقة
بالدين والدنيا ,والرجل والمرأة ,وبالفضيلة والرذيلة ,بالتحرر والجمود ,وبالتقدم والرجعية ,وبالحالل
والح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رام .
المفاهيم المتعلقة بالحدود الفاصلة بين حرية الفكر ,وحرية الكفر ,بين حرية الحقوق ,وحرية الفسوق ,
بين العلمية والعلمانية ,بين الدولة الدينية والدولة اإلسالمية .إنها المفاهيم الغزو الفكري ,التي تعت<<بر
<ر<ا ,واألم<اإليمان بالغيب تخلفنا ,والتمسك بالسلوك الديني تزمتًا ,والدعوة إلى تحكيم الشريعة تطرف<
ال في شؤون اآلخرين ,واختالط الرجل بالمرأة -بال قيود -تحررًا , بالمعروف والنهى عن المنكر تدخ ً
< بالتراث تعصبا ,واعتبار علما ء ال<<دين وعودة المرأة المسلمة إلى الحجاب الشرعي رجعية ,واالنتفاع
حرس التخلف ,ودعاة ( التغريب ) أعالم (التنوير) .
والواجب على الدعاة والعلماء والمفكرين اإلسالميين أن يقدموا األفكار والمفاهيم الش<<رعية اإلس<<المية
<ا
الصحيحة األصيلة لتحل محل األفكار والمفاهيم الغربية الدخيلة ,سواء دخلت قديمًا أم حديثًا .فكلتاهم<
ال تمثل اإلسالم الصحيح :األفكار القديمة المتعفنة ,واألفكار المستوردة الغازية المدمرة ,أو -بتعبير
األستاذ هالك بن نبي : -األفكار الميتة ,واألفكار المميتة .
وهذا الكتاب ذاته يقدم مالمح عن المجتمع المسلم الذي ننشده في ضره مفاهيم المدرسة الوسطية ال<<تي
تراخى بين العقل والنقل ,وتربط بين الدين والدنيا ,وتوفق بين محكمات الشرع ومقتضيات العص<<ر ,
وتوازن بين الثوابت والمتغيرات وتجمع بين السلفية والتجديد ,وتستلهم الحاضر ,وتستشرف المستقبل ,
وتزمن باالنفتاح في غير ذوبان ,والتسامح في غير تهاون .
إلى الفهرس
الفصل الرابع
المشاعر والعواطف
الفهرس
مشاعر المجتمع المسلم مهمة المجتمع مع المشاعر اإلسالمية
ليس بمجتمع مسلم
مشاعر المجتمع المسلم
<ف. كما تميز المجتمع المسلم بما يسوده من أفكار ومفاهيم ،يتميز أيضًا بما يسوده من مش<اعر وعواط<
فهناك مجتمعات تسودها مشاعر الحقد الطبقي ،ومجتمعات تسودها مشاعر التميز العنصري ،ومجتمعات
تسودها مشاعر العصبية القومية .ونجد المجتمعات تتفاوت كذلك في مشاعر الوالء والعداء ،وعواط<<ف
الحب والبغض وأحاسيس الغضب والرضا .والمجتمع المسلم قد جعل والءه لإلسالم وأهله وأنص<<اره،
كما جعل عداءه ألعداء اإلسالم ومحاربيه ،وهذا مبنى على فكرة الوالء هلل ورسوله ،ومن اتخذ اهلل وليًا
فقد اتخذ عدوه عدوًا .والمجتمع اإلسالمي يتميز بما يسوده من عاطفة اإلخاء الوثيق والحب العميق بين
أبنائه ،أعني أبناء اإلسالم جميعًا ،مهما تناءت بهم الديار ،وتفرقت بهم األوطان ،واختلفت منهم األجناس
واأللوان وتفاوتت بينهم المراكز والطبقات.
<رواإن اهلل سبحانه قد امتن على المسلمين بنعمة اإلخاء كما امتن عليهم بنعمة اإليمان ،قال تعالى (واذك<
نعمت اهلل عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا) ،وقال يخاطب رس<<وله( :ه<<و
< ما في األرض جميعًا م<<ا ألفت بين قل<<وبهم الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ،وألف بين قلوبهم لو أنفقت
ولكن اهلل ألف بينهم ،إنه عزيز حكيم) .أنه ال مجال في المجتمع اإلسالمي الحق لمشاعر الحقد والصراع
بين الطبقات ،وال مشاعر الكبر والتمييز بين األجناس واأللوان .وال مشاعر العص<<بية لرقع<<ة من دار
اإلسالم -الوطن اإلسالمي -دون رقعة .وال لقوم من أهل اإلسالم ،وقم المسلم هم أهل اإلسالم .لقد كان
مسجد النبي -صلى اهلل عليه وسلم) في المدينة يضم تحت سقفه أجناسًا وألوانًا وطبقات .لم يحسوا بغير
شعور األخوة الجامعة ،ولم يشعروا بأي تفرقة أو تمايز بينهم ،منهم الفارسي كسلمان والرومي كصهيب
<ار ،وفيهم<أبي ذر وعم< والحبشي كبالل ،والغني كعثمان ابن عفان ،وعبد الرحمن بن عوف ،والفقير ك<
< والرقيق< واألبيض واألسود ،والرجل والمرأة ،والضعيف والقوي، البدوي والحضري ،والمتعلم واألمي،
والحر :كلهم أخوة في ظل اإلسالم ،وتحت راية القرآن.
واإلخاء اإلسالمي ليس أمرًا على هامش اإلسالم ،ولكنه أحد مبادئه األساسية ،التي تقرن إلى الشهادة هلل
نعهالى ،بالوحدانية ،ولمحمد (صلى اهلل عليه وسلم) بالرسالة ،ألنه أثر اإليمان ومقتضاه( :إنما المؤمنون
إخ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وة).
روى أحمد وأبو داوود أن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) كان يدعو دبر كل صالة بهذا ال<<دعاء الرائ<<ع
الفريد Lة اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أنك اهلل وحدك وال شريك لك) ( اللهم ربن<<ا ورب
<هيد أن <ا ش<كل شيء ومليكه أنا شهيد أن محمدًا عبدك ورسولك) (اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أن<
العباد كلهم أخوة) فهذا هو محمد رسول اهلل يشسهد ويشهد اهلل رب كل شيء :أن العباد كل العباد إخوته،
وهذا هو إخاء اإلسالم ،إخاء بين الناس وبين المسلمين خاصة .ويجعل النبي (صلى اهلل علي<<ه وس<<لم)
اإلخاء والحب شرطًا لإليمان÷ الذي هو شرط لدخول الجنة فيقول ) والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجن<<ة
حتى تؤمنوا ،ولن تؤمنوا حتى تحابوا)( ،ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه) وبين عالق<<ة
< ( المسلم أخو المسلم ،ال يظلمه وال يسلمه وال يحقره وال يخذله ،بحسب ام<<رئ المسلم بالمسلم ،فيقول
من الش<<<<<<<<<ر أن يحق<<<<<<<<<ر أخ<<<<<<<<<اه المس<<<<<<<<<لم).
الرابطة الفذة التي يعرف بها اإلسالم هي رابطة اإلخاء بين أبنائه ،دون أية رابطة أخرى ،فقد ح<<ارب
اإلسالم العصبية بكل أنواعها ومظاهرها ،العصبية للقبيلة أو للجنس أو للون أو لل<<وطن أو للطبق<<ة أو
<موات <ه الس<<امت ب< <وحي ،وق< للحزب ..أو لغير ذلك مما يتعصب الناس له إال للحق الذي نزل به ال<
واألرض.
يقول رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) ( :ليس منا من دعا إلى عص<<بية ،وليس من<<ا من قات<<ل على
عصبية ،وليس منا من مات على عصبية) .ولقد صور النبي (صلى اهلل عليه وسلم) المجتمع المسلم وما
يسوده من مشاعر التواد والتعاطف والتراحم فقال في حديثه المشهور( :ت<<رى المؤم<<نين في ت<<وادهم
<الحمى<اء ب<<ائر األعض< <ه س< وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ،إذا اشتكى منه عضو تدعى ل<
<أحزانهم ،وال
<رين وال يحس ب< والسهر) .فالمجتمع الذي يعيش فيه كل فرد لنفسه ،وال يأسى آلالم اآلخ<
<ه<و في<
يفرح لفرحهم ،وليس هو بالمجتمع المسلم .المجتمع الذي يطغى فيه القوي على الضعيف ،ويقس<
الغني على الفقير ،ويشح فيه الواجد على المحروم ،ليس هو بالمجتمع المسلم.
إلى الفهرس
< وإشاعتها بكل الوسائل اإلعالمية والتربوية :المسجد ،المدرسة ،تثبيت هذه المشاعر وتقويمها، .1
الكتاب ،الصحيفة ،اإلذاعة ،التلفاز ،الخيالة ،وكل وسيلة تعين على تحقيق هذه الغاية.
لقد رأينا النبي ( صلى اهلل عليه وسلم) لكي يثبت مشاعر اإلخاء بين المسلمين يقول دبر ك<<ل ص<<الة:
<ير.<نى الكب<<ذا المع< <ًا له<
<وه) تثبيت<
<ه أخ<<اد كل<
(اللهم ربنا ورب كل شيء وملكيه ،أنا شهيد أن العب<
ومن حسن حظ المسلمين أن األفكار والمشاعر التي جاء بها دينهم لم يدعها مجرد أشياء مثالية مجنحة،
بل ربطها بشعائرها وآدابه اليومية ،فإذا نظرنا إلى الصالة اإلسالمية وجدنا فيها تثبيتًا مستمرًا لما يدعوا
إليه اإلسالم من التعارف واإلخاء والمحبة والمساواة .كذلك الصيام والحج ،وكذلك أدب التحية وتشميت
العاطس وعيادة المريض ،وغيرها من اآلداب االجتماعية التي حث عليها اإلسالم.
فمشاعر التراحم والمودة بين ذوي القربى يجب أن تتجسد في تواصل وتزاور وتكافل .يتمثل في نظ<<ام
< في اإلسالم ،حيث يجب على القريب الموسر أن ينفق على قريبه المحتاج كما قال تعالى ( وآت "النفقات"
<ال<يراث( للرج< <ام الم<
ذا القربى حقه)( ،وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اهلل) ،ومثله نظ<
نصيب مما ترك الوالدان واألقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان و األقربون مما قل منه أو ك<<ثر،
< ومشاعر اإلخاء والمحبة بين المسلمين يجب تتجسد في صورة تكافل معاشي وتضامن نصيبًا مفروضا).
عسكري ،واتحاد سياسي ،وتعاون اقتصادي ،بمعنى أن يتجسد هذا اإلخاء في مثل "الزك<<اة" تؤخ<<ذ من
أغنيائهم ،لترد على فقرائهم ،وفي مثل الجهاد الذي يوجب على المسلمين -بالتضامن -أن ي<<دفعوا عن
<دة
<لمين وح< <رض على المس< كل أرض إلسالمية دنستها أقدام العدو الكافر .وفي مثل "الخالفة" التي نف<
<دة العقي<<دة ووح<<دة الفك<<ر ،ووح<<دة الس<<لوك ،ووح<<دة ال<<وطن. القي<<ادة ،المنبثق<<ة عن وح<
<اجرين <ؤاخي بين المه< لهذا رأينا النبي (صلى اهلل عليه وسلم) أول من قدومه إلى المدينة بعد الهجرة ي<
واألنصار مؤاخاة عاطفية عملية ،جعلتهم يتقاسمون السراء والضراء ،حتى روى أنهم كانوا يتوارث<<ون
به<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ذا اإلخ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء .
ولما انتهى هذا اإلخاء الخاص بقي اإلخاء العام يسود المجتمع اإلسالمي ويحكمه متمث ً
ال في نظام التكافل
<بي
الفريد ،بشتى أقسامه وألوانه ،والتعاون الشامل بين كافة أفراده وجماعاته ،ذلك التعاون الذي مثله الن<
(صلى اهلل عليه وسلم) خير تمثيل كالبنيان يشد بعضه بعضًا.
أال يسمح للمشاعر المضادة اإلسالمية بالظهور والتأثير في المجتمع المسلم ،بل يجتث جذورها .3
حتى ال تظهر ،ويطاردها إذا ظهرت بحيث تموت في مهدها
<راحة
<ا بص<<المية -ويقاومه<
ولهذا رأيناه (صلى اهلل عليه وسلم) يبرأ العصبية -المنافية لألخوة اإلس<
ً
وجالء خشية على المجتمع اإلسالمي الوليد أن تمزقه الجاهلية التي سادته دهرًا طويالـ وجعلت الرجل
ال ،ظالمًا أو مظلومًا .وفي هذا جاء الحديث الشريف يبرأ من ك<<ليغضب البن قبيلته محقًا كان أ ,مبط ً
من دعى إلى عصبية ،أو قاتل إلى عصبية ،أو مات على عصبية ،ويقول :
<ًا
<زرج ،يوم< ولما استطاع رجل من خبثاء اليهود أن يحيى مشاعر العصبية الجاهلية بين األوس والخ<
أطفأ رسول اهلل نار الفتنة بنور اإليمان ,وردهم إلى أخوة اإلسالم .فقد ذكر المفسرون عن محم<<د بن
إسحاق وغيره :أن رجال من اليهود مر بمأل من األوس والخزرج فساءه ما هم عليه من االتفاق واأللفة
<ام .فبعث رجال معه ,وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم ( بعاث ) وغيره من أي<
الجاهلية ,ففعل ,فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم ،وغضب بعضهم على بعض ,وتث<<اوروا
<ك الن<بي ونادوا بشعارهم :يا لألوس ويا للخزرج ,وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى ( الحرة ) ,فبلغ ذل<
(صلى اهلل عليه وسلم) فأتاهم بمن معه من المهاجرين من أصحابه فقال ( :يا معشر المس<<لمين ! اهلل ,
اهلل ! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟! .بعد أن هداكم اهلل إلى اإلسالم ,وأكرمكم به ,وقط<<ع عنكم
أمر الجاهلية ,واستنقذكم به من الكفر ,وألف بين قلوبكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ) ؟! فع<<رف
القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد لهم من عدوهم ,فألقوا السالح من أيديهم ,وبكوا ,وعانق الرج<<ال
بعضهم بعضا ,ثم انصرفوا مع رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) سامعين مطيعين ) .
وهكذا يجب أن يكون المجتمع المسلم متنبهًا إلى هذه المداخل التي يدخل منها الشيطان ليفسد بها قل<<وب
المسلمين ,ويثير بينهم نزغات الجاهلية .ومن هنا يجب أن يتحرر المجتمع المسلم في عصرنا من غلو
<ل
<لمين لتح<النزغات العصبية العنصرية ( القومية ) واإلقليمية ( الوطنية ) التي تتسرب إلى حياة المس<
محل األخوة اإلسالمية والوحدة اإلسالمية ,وتقف منها موقف العداء .ال جناح على المس<لم أن يوج<ه
<ه الكلى
<رة انتمائ<
اهتمام أكبر إلى قومه األقربين ,وإلى وطنه الخاص ،فهذا أمر فطرى ,ولكن في دائ<
لإلسالم وأمته .
أن يسد النوافذ التي تهب منها ريح البغضاء والخصومة والفرقة ,ويقضي على العوامل ال<<تي .4
تدمر معاني اإلخاء اإلسالمي ,وتهدم الشاعر اإلسالمية .
<زق
<تي تم<
وهذا هو السر في تحريم اإلسالم للغيبة والنميمة والسخرية بالخلق ,وغيرها من الرذائل ال<
العرا ,وتقتل روح المحبة بين الناس .
يقول النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ( :إن أحبكم إلى وأقربكم منى في اآلخرة :أحاسنكم أخالق<<ا ,وإن
<دقون) .
< المتش<
<ون <ارون المتفيهق<
<ا ،الثرث<
<اوئكم أخالق<
<رة :أس<
أبغضكم إلى وأبعدكم منى في اآلخ<
ومن هنا -أيضا -ينكر اإلسالم التفاوت الفاحش بين األفراد والطبقات بحيث يوجد الفقر الم<<دقع إلى
جنب الثراء العريض ,والترف المسرف إلى جوار الحرمان البائس ,إذ ال يتصور قيام أخوة بين مترف
غارق في النعيم إلى أذقانه ,وبين محروم يشكو سغب البطن وجفاف الريق .
إلى الفهرس
( داء األمم ) ،يقول عن البغضاء ( :إنها الحالقة ,ال تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) ! وليس بمجتمع
مس<<<لم ذل<<<ك ال<<<ذي تتق<<<دم في<<<ه العص<<<بية الوطني<<<ة ,أو القومي<<<ة على
<ربي:
<لم الع<
<ول المس<<ني ,أو يق<
<ل دي<<ني قب<
<لم :وط< < المس< <ول<تى يق<
<المية ,ح<<وة اإلس<
األخ<
<ل
عروبتي قبل إسالمي ,أو يقول المسلم الهندي أو الفارسي ,أو النيجيري ,أو الصومالي :قوميتي قب<
عقيدتي ،ويبلغ األمر ببعض الناس أن يجعلوا مثلهم األعلى قول الشاعر القروي :
بالدك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
هبوني دينًا يمنح العرب وحدة وسبروا بجثماني على دين ( برهم )
فاألخوة اإلسالمية فوق العصبيات ,ورابطة العقيدة فوق كل الروابط ,ودار اإلسالم فوق كل األوطان .
<ها
<د لتقديس<ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتخذ فيه األوطان والقوميات ( أوثان) تعبد من دون اهلل ,تجن<
األقالم واأللسنة وجميع أجهزة التأثير والتوجيه واإلعالم ,وتجسد حولها المشاعر والعواطف ,ويوج<<ه
لها الحب والوالء ,إلى درجة العبادة بالفعل ,وان لم يعبروا عنها باللفظ . .إنها وثنية من نوع جدي<<د
ظهرت في بلدان شتى ,ثم انتقل وباؤها وسرت عدواها إلى بالد اإلسالم ,حتى لفت ذلك أنظار الباحثين
والمراقبين من غير المسلمين :أن تنبعث من أرض التوحيد وثنية من طراز جديد .وليس بمجتمع مسلم
ذلك الذي يعادى المسلمين ،ويوالى أعدا ء اإلسالم ،أو يستوي بين المسلمين والمشركين أو الملح<<دين
<اعر البغض <ذلك مش< <لم ,وك<
في المعاملة ,فمشاعر الوالء لإلسالم وأهله هي التي تقود المجتمع المس<
ألعداء اإلسالم الذين يكيدون ألهله ,ويصدون عن سبيله ,فأوثق عرا اإليمان :الحب في اهلل ,والبغض
في اهلل ,والوالء هلل ,والعداوة في اهلل .
ومن هنا تكرر في القرآن الكريم مثل هذا النداء اإللهي ( :يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الكافرين أولياء
من دون المؤمنين ،أتريدون أن تجعلوا هلل عليكم سلطانًا مبينا ) ؟! ( يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوى
وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) ( ،يا أيها الذين آمنوا ال تتولوا قوما غضب اهلل عليهم ) ( ,يا أيه<<ا
الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أوليا ء بعضهم أوليا ء بعض ,ومن يتولهم منكم فإنه منهم ,إن
<راهلل ال يهدى القوم الظالمين ) ( ،يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكف<
على اإليمان ,ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ).
<لوا<المون ,وأنهم ض< وهكذا يدمغ القرآن من اتخذوا أعدا ء اهلل أولياء لهم وأحباء بأنهم منهم ،وأنهم ظ<
سواء السبيل ,وأنهم جعلوا هلل عليهم سلطان مبين ،كما جعل ذلك في آية أخرى من صفات المنافقين :
( بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليما ،و الذين يتخذون الكافرين أولياء ء من دون المؤم<<نين ,أيبتغ<<ون
< عنهم اإليمان في آية أخرى فقال ( :ال تجد قوم<<ًا مؤمن<<ون باهلل عندهم العزة فإن هلل جميعًا ) .ونفى
واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسوله ولو كانوا آباءهم أ ,أبناءهم أو إخوانكم أو عشيرتهم) .وفي آية
ثالثة جعلهم ليسوا من اهلل في شيء ،قال تعالى( :ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤم<<نين،
ومن يفعل ذلك فليس من اهلل في شيء إال أن تتقوا منهم تقا ًة ،و يحذركم اهلل نفسه ،وإلى اهلل المص<<ير)
<ل من خالل المجتمع المسلم ال ينظر إلى الناس من خالل األرض أو اللون ,أو العنصر ,أو الطبقة ,ب<
العقيدة بالنسبة للمسلمين ،ومن خالل الرابطة اإلنسانية بالنسبة لغير المسلمين .
والرحمة لكل مخلوقات اهلل ,حتى البهائم العجماوات ,والقطط والكالب ,فال يجوز الخلط بين ال<<والء
وغيره من البر والرحمة .فتخصص الوالء للمسلمين ال ينفى البر والعدل والرحمة باآلخرين .
يقول برنارد لويس ( :فأساس التقسيم عند المسلمين والذي يفرق إنسان عن آخ<<ر ,ويم<<يز بين األخ
واألجنبي ,هو اإليمان ,واالنتساب أو عدمه إلى أمة اإلسالم ..والذي قصدنا باإليمان عند المس<<لمين
يعنى الدين ,ويعنى أيضًا القوة االجتماعية في األمة والمقياس الوحيد لهويتها ,والبؤرة ال<<تي يتجم<<ع
<ل<ر ( على األق<<لم آخ<<ل مس< <لم أخ لك<حولها والء الجماعة .ففي المجتمع اإلسالمي العالمي كل مس<
نظريًا)مهما كانت لغته واصله وساللته وبالده ,فهو أقرب له من مواطنه الذي قد يتكلم لغته وينحدر من
نفس ساللته ،ولكنه ال يدين بنفس عقيدته ،حتى إن المسلم المؤمن يرفض أي صلة بأسالفه الق<<دامى في
العهود الجاهلية ،ألنه ال يحس أن بينه وبينهم أي رابطة من هوية عقائدية أو ص<لة روحي<ة ،وإهم<ال
المسلمين لعلم اآلثار وعدم اهتمامهم به في الشرق األوسط المسلم ،ال يعني أن المسلمين جهلة برابرة ،ال
<وي يستطيعون فهم أهمية هذه األشياء..كال ..فعلى العكس من ذلك أنهم قوم حضارة سامية .وإحساس ق<
مرهف بالتاريخ ومكانتهم ،إال أن تاريخ المسلمين بدأ بظهور اإلسالم وسلفهم الصالح هم أوائل المسلمين
<يرهم من <ابليون وغ<<ركين والب< عند قبلة اإلسالم ،في قلب جزيرة العرب ،فقدماء المصريين من المش<
الشعوب القديمة ،هم غرباء أجانب عنهم ،على الرغم من الصلة الوطنية في الدم والتراب) .
الفصل الخامس
األخالق والفضائل
الفهرس
مهمة المجتمع المسلم مع األخالق األخالق والفضائل جزء أصيل من كيان
هذا المجتمع
كما يتميز المجتمع المسلم بعقائده وشعائره ,ومفاهيمه ومشاعره ,يتميز أيضا بأخالقه وفضائله .
فاألخالق والفضائل جزء أصيل من كيان هذا المجتمع ,فهو مجتمع العدل واإلحسان والبر
والرحمة ,والصدق واألمانة ,والصبر والوفاء ,والحياء والعفاف ,والعزة والتواضع ,والسخاء
والشجاعة ,واإلباء والشرف ,والبذل والتضحية ,والمروءة والنجدة ,والنظافة والتجمل ,والقصد
واالعتدال ,والسماحة والحلم ء والنصيحة والتعاون ,والغيرة على الحرمات ,واالستعالء على
الشهوات ,والغضب للحق ,والرغبة في الخير ,واإليثار للغير ,واإلحسان إلى الخلق كافة ,
وبخاصة بر الوالدين ,وصلة األرحام ,وإكرام الجار ,ودعوة الناس إلى الخير ,واألمر
بالمعروف ,والنهى عن المنكر . .وكل خصال الخير ,وخالل المكرمات ,ومكارم األخالق .
وأولها :اإلخالص له ,والتوبة إليه ,والتوكل عليه ,والخشية منه والرجاء في رحمته ,والتعظيم
لشعائره ,والحرص على مرضاته ,والحذر من مساخطه ,إلى غير ذلك من المعاني الربانية التي
يغفلها كثير من الناس حين يتحدثون عن األخالق في اإلسالم ,فليست األخالق ما يتعلق بما بين
اإلنسان واإلنسان فحسب ,وإنما تشمل ما بين اإلنسان وخالقه أيضا .وهو في الجانب السلبي
يحرم كل الرذائل ,واألخالق الرديئة ,ويشتد في تحريم بعضها ء فيجعلها في مرتبة الكبائر .
فيحرم الخمر والميسر ,ويعدهما رجسا من عمل الشيطان ,ويحرم الزنى وكل ما يقرب أو يعين
عليه ,ومثل ذلك الشذوذ الجنسي الذي هو عالمة على انتكاس الفطرة وانهيار الرجولة ,ويحرم
الربا ,وأكل أموال الناس بالباطل وخاصة إذا كانوا ضعفا ء كاليتامى ,ويحرم عقوق الوالدين
وقطيعة األرحام ,واإلساءة إلى الجار ,وإيذاء اآلخرين ,باليا أو اللسان ,ويجعل من خصال
النفاق :الكذب والخيانة والغدر وإخالف الوعد والفجور في الخصومة .
وكل رذيلة منكرها الفطر السليمة ,والعقول الراشدة جاء اإلسالم فأنكرها وألح في إنكارها
< ويسعد بسيادتها األفراد والجماعات قدكما أن كل األخالق الفاضلة التي تعرفها الفطر والعقول
أقرها وأمر بها وحث عليها .والذي يتلو كتاب اهلل تعالى ,أو يقرا أحاديث رسول اهلل (صلى اهلل
< الذاتية للمجتمع المسلم ,وليست من < من المقوماتعليه وسلم) ,يرى أن هذه األخالق والفضائل
األعراض الطارئة عليه ,وال من األمور الهامشية في حياته ,فهي في القرآن من الصفات
األساسية للمؤمنين والمتقين الذين ال يدخل الجنة غيرهم ,وال ينجو من النار غيرهم ,وال يسعد
بالحياة الدنيا غيرهم ..وهي في السنة من شعب اإليمان ,ال يتم اإليمان إال بالتحلي بها ,والتخلي
عن أضدادها .ومن أعرض عنها فقد جانب أوصاف المؤمنين ,وتعرض لسخط اهلل ولعنته ,
وبرئت منه ذمة اهلل وذمة رسوله .
ونعرض بعض ( اللوحات ) القرآنية لألخالق اإلسالمية تصورها النماذج األمية حسب ترتيب
المصحف :
)ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر .1
والمالئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصالة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا،
<
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ،أولئك الذين صدقوا ،وأولئك هم المتقون(.
مزجت اآلية الكريمة بين العقائد من اإليمان باهلل واليوم اآلخر والمالئكة والكتب والنبيين وبين
الشعائر من الصالة والزكاة ,واألخالق من إيتاء المال على حبه ذوى القربى واليتامى ..إلخ ,
والوفاء بالعهد والصبر على البأساء والضراء وحين البأس .وجعلت هذا المزيج الناس هو حقيقة
البر ,وحقيقة التدين وحقيقة التقوى كما يريدها اهلل.
)إنما يتذكر أولو األلباب ،الذين يوفون بعهد اهلل وال ينقضون الميثاق ،والذين يصلون ما .2
أمر اهلل به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ،والذين صبروا ابتغاء وجه
< مما رزقناهم سرًا وعالنية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك
ربهم وأقاموا الصالة وأنفقوا
لهم عقبى الدار(
تميزت هذه اللوحة األخالقية بالمزج بين األخالق الربانية كخشية اهلل وخوف سوء الحساب ,
واألخالق اإلنسانية من الوفاء والصبر والصلة واإلنفاق ودرء السيئة بالحسنة ,إن صح هذا التمييز
.فإن المتأمل في اآلية يجدها قد وصلت األخالق كلها بالربانية ,فالوفاء وفاء بعهد اهلل ,والصلة
هي لما أمر اهلل به أن يوصل ,والصبر إنما هو ابتغاء وجه اهلل ,واإلنفاق هو مما رزق اهلل ,فهي
كلها أخالق ربانه موصولة باهلل ,ولهذا قرنت بإقامة الصالة ,ألنها جميعا ضرب من العبادة ,
يتقرب به المؤمنون إلى اهلل ,ويتلقون به ما عند اهلل .
)قد أفلح المؤمنون ،الذين هم في صالتهم خاشعون ،والذين هم عن اللغو معرضون، .3
والذين هم للزكاة فاعلون ،والذين هم لفروجهم حافظون ،إال على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين ،فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ،والذين هم ألماناتهم
وعهدهم راعون ،والذين هم على صلواتهم يحافظون ،أولئك هم الوارثون ،الذين يرثون
الفردوس هم فيها خالدون(
) وعباد الرحمن الذين يمشون على األرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سالمًا، .4
والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا ،والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ،إن عذابها
< والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين
كان غرامًا ،إنها ساءت مستقرًا ومقامًا،
< لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا ،والذين ال يدعون ذلك قوامًا ،والذين إذا أنفقوا
مع اهلل إلهًا آخر وال يقتلون النفس التي حرم اهلل إال بالحق وال يزنون ،ومن يفعل ذلك يلق
أثامًا ،يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا ،إال من تاب وآمن وعمل عم ً
ال
صالحًا فأولئك يبدل اهلل سيئاتهم حسنات ،وكان اهلل غفورًا رحيمًا ،ومن تاب وعمل صالحًا
فإنه يتوب إلى اهلل متابًا ،والذين ال يشهدون الزور وإذا أمروا باللغو مروا كرامًا ،والذين
إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًا وعميانًا ،والذين يقولون ربنا هب لنا من
أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا ،أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون
فيها تحية وسالمًا ،خالدين فيها مستقرًا ومقامًا(
) فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ،وما عند اهلل خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم .5
يتوكلون ،والذين يجتنبون كبائر اإلثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يفغرون ،والذين
استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ،والذين إذا
أصابهم البغي هم ينتصرون ،وجزاء سيئة سيئة مثلها ،فمن عفا وأصلح فأجره على اهلل،
إنه ال يحب الظالمين(
والجديد في هذه اللوحة أو الباقة آمران في غاية األهمية بالنظر إلى المجتمع المسلم :
األول : تقرير مبدأ الشورى باعتباره عنصرا من العناصر األساسية المكونة لشخصية المجتمع
المسلم ,ولهذا وضعت الشورى بين إقامة الصالة وإيتاء الزكاة المعبر عنه هنا بكلمة اإلنفاق مما
رزق اهلل ,وال يخفى على أحد مكانة الصالة والزكاة في دين اإلسالم ,فما يوضع بينهما ال يكون
من األمور الثانوية أو الهينة في دين اهلل .
واألمر الثاني : هو االنتصار إذا أصابهم البغي ,فليسر من شأن المسلم الخضوع للبغي أو االنحناء
للظلم والعدوان .بل مقابلته بمثله ليزجر ويرتدع ,إال من عفا عن قدرة فأجره على اهلل .
من هذه اللوحات أو الباقات التي قدمناها يتبين لنا منزلة األخالق في اإلسالم ,ومكانها في تكوين
المجتمع المسلم .وليست هذه كل ما في القرآن الكريم عن األخالق والفضائل ,فالقرآن -مكية
ومدنيه -ملئ باآليات واللوحات التي تقدم لنا نماذج خلقية كريمة ,تجمع بين المثالية والواقعية
وتمزج الروحانيات بالماديات أو الدين بالدنيا ,في اتساق والتئام ,لم تعرفهما من قبل -وال من
بعده شريعة وال نظام .
ويستطيع القارئ المسلم أن يرجع إلى سورة األنعام فيقرأ فيها الوصايا العشر من أواخرها ( :قل
تعالوا أتل ما حرم ربكم عيكم ,أال تشركوا به شيئا ,وبالوالدين إحسانا .) . .اآليات أو يرجع إلى
سورة اإلسراء فيقرا الوصايا السبع عشرة ( :وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه وبالوالدين
إحسانا ) ..اآليات .
أو يرجع إلى سورة لقمان ويقرأ وصيته البنه . .أو يرجع إلى سورة الدهر ويتلو فيها أوصاف
األبرار ( :يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ،ويطعمون الطعام على حبه مسكينا
ويتيما وأسيرا ) . . .اآليات .
أو يرجع إلى سورة البقرة ويقرأ في أواخرها آيات اهلل في تحريم الربا ونذره ألكلة الربا ,وكيف
آذنهم بحرب من اهلل ورسوله إن لم يتوبوا ويكتفوا برؤوس أموالهم .
أو يرجع إلى سورة النسا ء ,وكيف أوصت بالمرأة خيرا ( :يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن
ترثوا النسا ء كرها ,وال تعضلوهن (… . . .اآلية .
أو يقرأ في نفس السورة آية الحقوق العشرة ( :واعبدوا اهلل وال تشركوا به شيئًا ,وبالوالدين
إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن
السبيل وما ملكت أيمانكم ) . . .اآلية
أو يقرأ في سورة المائدة ( :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب واألزالم رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) ,وكلمة ( االجتناب ) ال يستعملها القرآن إال مع الشرك
وكبائر اإلثم .
ويطول بنا الحديث لو أردنا أن نتتبع موارد األخالق في آيات القرآن العظيم ,فإن جل أوامر
القرآن ونواهيه تتعلق بهذا الجانب الخطير من حياة الناس :جانب األخالق.
وربما يخالفنا بعض الناس في تسمية هذه األمور ( أخالقًا) وإنما يسميها أوامر ونواهي ,وهذا
خالف في االصطالح والتسمية ال في الموضوع نفسه إثباتًا ونفيًا .وقد قال علماؤنا قديما :ال
مشاحة في االصطالح ,وال يضر الخالف في األسماء متى وضحت المسميات .وإنما اخترنا
تسمية هذه األمور التي جاء بها القرآن والسنة ( أخالقًا ) ألن تعريف األخالق ينطبق عليها تمام
االنطباق .
إلى الفهرس
فالتوجيه يكون بالنشر والدعاية ومختلف وسائل اإلعالم والتثقيف ,والدعوة واإلرشاد .والتثبيت
يكون بالتعليم الطويل المدى ,والتربية العميقة الجذور ,على مستوى األسرة والمدرسة والجامعة .
برقابة الرأي العام اليقظ الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر و يكره الفساد وينفر من .1
االنحراف.
وبالتشريع الذي يمنع الفساد قبل وقوعه ,ويعاقب عليه بعد وقوعه ،زجرا للمنحرف .2
وتأديبًا للمستهتر ,وتطهيرًا لجو الجماعة من التلوث .
وبهذه األمور من التوجيه والتثبيت والحماية تسود أخالق اإلسالم ,تسرى فضائله في حياة
المجتمع سريان العصارة الحية في الغصون واألوراق .فليس إذن بمجتمع مسلم ذلك الذي تختفي
فيه أخالق المؤمنين ,لتبرز أخالق الفجار .
وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تموت فيه أخالق القوة ,فتحيا وتنمو أخالق الضعف .وليس
بمجتمع مسلم ذلك الذي يشيع فيه خلق القسوة على الضعفاء ,والخضوع لألقوياء .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تضمر فيه تقوى اهلل ,ومراقبته تعالى ,والخوف من حسابه ,فنرى
الناس يتصرفون وكأنما هم آلهة أنفسهم ,وينطلقون وكأنما ليس هناك حساب ينتظرهم ,وإنما هم
في غفلة معرضون ,وفي غمرة ساهون .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسوده التواكل والعجز والسلبية ,في مواجهة األمور وإلقاء األوزار
على كاهل األقدار
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يهان فيه الصالحون ,ويكرم الفاسقون ,ويكرم أهل الفجور ,ويؤخر
أهل القوى .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يظلم فيه المحق ,ويحابى فيه المبطل ,ويقال فيه للمضروب :ال
تصرخ ،وال يقال للضارب :كف يدك .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تفسد فيه الذمم ,وتشترى فيه الضمائر ,ويقضى فيه كل أمر
بالرشوة .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال يوقر فيه الكبير وال يرحم فيه الصغير ,وال يعرف الذي فضل
فضله .ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتميع فيه األخالق ,فيتشبه الرجال بالنساء والنساء
بالرجال .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تشيع فيه الفاحشة ,ويفقد فيه الرجال الغيرة وتفقد النساء الحياء ..
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي ال يكاد الناس يتكلمون فيه أو يعملون أو يتصرفون إال ريا ًء ونفاقًا ،
ال ،من المخلصين البررة ,واألتقياء وطلبًا للشهرة والجاه ,وال تكاد ترى فيه جنديًا مجهو ً
األخفياء ،الذين إذا حضروا لم يعرفوا ,وإذا غابوا لم يفتقدوا .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تسوده أخالق المنافقين من كل من حدث فكذب ,ووعد فأخلف ,
وائتمن فخان ,وعاهد فغدر ,وخاصم ففجر .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يهمل فيه اآلباء األبناء ,ويعق فيه األبناء اآلباء ,ويتجافى فيه
اإلخوان ,وتتقطع فيه األرحام ,ويتناكر فيه الجيران ,وتنفق فيه سوق الغيبة والنميمة وفساد ذات
البين ,وينهزم فيه البذل واإليثار أمام الشح واألنانية وحب الذات .فالمجتمع المسلم -وال شك ( -
مجتمع أخالقي ) بكل ما تحمله كلمة ( األخالق ) من شمول وسعة ,ليس مجتمعًا تسبره المنافع
المادية ,أو األغراض السياسية ,أو االعتبارات العسكرية وحدها .كال . .بل هو مجتمع تحكمه
فضائل ومثل عليا ,يلتزم بها ,ويتقيد بحدودها مهما يكلفه ذلك من مشقات وتضحيات ,وال عجب
في ذلك فقد قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم ) ›« :إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق ) .فال
انفصال في هذا المجتمع بين العلم واألخالق ,وال بين الفن واألخالق ,وال بين االقتصاد واألخالق
,وال بين السياسة واألخالق ,وال بين الحرب واألخالق ,وإنما األخالق عنصر يهيمن على كل
شؤون الحياة وتصرفاتها ,صغيرها وكبيرها ,فرديها وجماعيها .
إلى الفهرس
وكما تميز المجتمع المسلم في العقيدة والشعائر ,واألفكار والمشاعر ,واألخالق والفضائل ,يتميز كذلك
بآدابه وتقاليده الخاصة به ,المصبوغة بصبغته ,النابعة من تلك األمور المذكورة :العقيدة وما يتبعها ,
< عنها .إن لهذا المجتمع آدابه وتقاليده في المأكل والمشرب ,والزينة والملبس ,والنوم واليقظة ,ويتفرع
والسفر واإلقامة ,والزمالة والعشرة ,والعمل والراحة ,والصداقة والصحبة ,وال<<زواج والطالق ,في
العالقة بين الرجل والمرأة ,وفي العالقة بين الولد وأبيه ,وفي العالقة بين القريب وقريبه ,وفي العالقة
بين الجار وجاره ,ونى العالقة بين الكبير والصغير ,وفي العالقة بين الغني والفقير ,وفي العالقة بين
البائع والمشترى ,وفي العالقة بين الرئيس والمرؤوس ،وفي العالقة بين الخادم والمخدوم .
ومن آداب المجتمع المسلم وتقاليده :أنه ال يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اهلل ب<<ه ,وال
<دأ<اليمين ،ويب<<رب ب< يشرب الخمر والمسكرات ,وال يقدم شيئًا من ذلك على موائده .وهو يأكل ويش<
طعامه باسم اهلل ,ويختمه بحمد اهلل ,وال يأكل أو يشرب في إناء ذهب أو فضة .ومن آداب المجتم<<ع
المسلم :إفشاء السالم ,وهو تحية السلمين فيما بينهم ,وإلقاؤه سنة ,ورده فرض كفاية ,وقد أغناهم اهلل
به عن تحايا الجاهلية من فعل كالسجود واالنحناء ,أو قول كـ( عم صباحا ) ,أو ( عم مساء ) ،وق<<د
<غير وضع الرسول لهذه لتحية قواعد ضابطة ,حتى ال يتواكل الناس في البدء بها إذا تالقوا .فيسلم الص<
على الكبير ,والقليل على الكثير ,والمار على الجالس ,وقال تعالى ( :وإذا حييتم بتحية فحييوا بأحسن
منها أو ردوها ) .ومن آدابه ما ذكره القرآن بقوله ( :يا أيها الذين آمنوا ال تدخلوا بيوتًا غير بي<<وتكم
حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ,ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ،فإن لم تجدوا.فيها أحدًا فال ت<<دخلوها
<ون عليم ) <ا تعمل<<و أزكى لكم ,واهلل بم<
<ارجعوا ,ه< <وا ف<<ل لكم ارجع< <ؤذن لكم ,وإن قي<حتى ي<
ومن آداب المجتمع المسلم :اإلحسان إلى الجار ,وإكرام الضيف ,وتشميت العاطس ,وعيادة المريض
<ا ,وتشييع جنازة الميت ,وتعزية المصاب ,إلى غير ذلك من اآلداب والتقاليد ,التي تتفاوت في حكمه<
ما بين واجب مفروض ,ومستحب مندوب .
إلى الفهرس
من آثار التقاليد اإلسالمية
<ذكر
<ة ,ن<
<ار الطيب<
إن هذه اآلداب والتقاليد اإلسالمية تحقق في المجتمع المسلم جملة من المزايا واآلث<
منها :
التميز : فهذه اآلداب والتقاليد تجعل للمجتمع المس<<لم شخص<<ية متم<<يزة المالمح ,واض<<حة .1
<يتها ,ويقتبس <ات فيتقمص شخص< التقاسيم ,وتمسكه أن يذوب وينصهر في غيره من المجتمع<
<ا ال
< تقاليدها ,دون تفرقة وال تمييز بين ما يجوز وما ال يجوز ,وما يصلح وم< عاداتها ,وينقل
<ا ,واتبعت <لخت من ذاتيته< <وم ,إذ انس<
يصلح ,وهذا ما تورط فيه أكثر الشعوب المسلمة الي<
حضارة الغرب وأخذت تقاليده جملة ,بغير تمحيص .وهذا ما حذر منه ونبأ به الرسول الكريم
(صلى اهلل عليه وسلم) حين قال ( :لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشير ,وذراعا بذراع ,حتى لو
دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) ! قالوا :اليهود والنصارى يا رسول اهلل ؟ قال ( :فمن ) ؟
<ارهم ،واختلفت <اءت دي< الوحدة العملية : إن هذه اآلداب والتقاليد تنشئ بين المسلمين -وان تن< .2
ألسنتهم ,وتباينت عروقهم ,وتفاوتت مراكزهم وطبقاتهم -وحدة عملية واقعية ،بجوار الوحدة
<ا
<اعر .فحيثم< العقدية والفكرية والشعورية التي أنشأها اتحاد العقيدة والشعائر ,واألفكار والمش<
نزلت بين قوم مسلمين في أي أرض كانت ،حيوك بتحية اإلس<<الم ( الس<<الم ) ,واس<<تقبلوك
باإلكرام والقرى ،تبعا ألدب اإلسالم في إكرام الضيف ( :من كان يؤمن باهلل والي<<وم اآلخ<<ر
فليكرم ضيفه ) .فإذا تناولت طعامك معهم ,وجدتهم يبدأون طعامهم باسم اهلل ,ويأكلون بالي<<د
اليمنى ،وبختمون بالحمد هلل ,وال يقدمون لك خنزيرًا وال خمراُ .فهناك قدر مشترك من التقاليد
أنى ذهب أنه بين أهله وإخوانه وذويه ,ال يفترق عنهم ,إال في جزئيات والعادات يشعر المسلم ّ
تفصيلية ,نتيجة الختالف البيئات واألحوال .
<اطة <ترام البس<<رة ,واح< البساطة واالعتدال : فإن تقاليد اإلسالم وآدابه تقوم على مراعاة الفط< .3
والس<<<ر ,وتجنب التكل<<<ف والتعقي<<<د ،والبع<<<د عن االختي<<<ال واإلس<<<راف .
ومن شأن هذه البساطة والقصد واالعتدال ,أن ييسر األمور ,ويقلل التك<<اليف ,ويخف<<ف من
<ه إال<ه ومثل< < ,فيما ال يعود على المجتمع واقتصاده وأخالق< بعثرة الجهود واألوقات ,واألموال
بالضرر والخسران .
<دع، <ل ب<إن تقاليد المجتمع المسلم في اللبس والتزين للمرأة المسلمة ،تنافي هذا التهالك المحموم على ك<
<راف <ذا اإلس<
وهذا السباق الشعور على أقرب األزياء إلى اإلثارة ,وأقدرها على اإلغراء ,وتناقض ه<
المجنون ,في التجمل والتجميل ,من وصل الشعر ( الباروكة ) ونمص الحواجب ,ووشر األس<<نان و
(جراحات التجميل ) وغير ذلك مما لعنه رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) لما فيه من تغيير خلق اهلل .
ولم يعد يكفى المرأة أن تقوم بتجميل نفسها ,فاحتاجت إلى من يجملها ,ولم يعد القائم بالتجميل ام<<رأة
تأتى إليها في بيتها ,كما كان يحدث في العصور السابقة أحيانا .بل أصبحت المرأة هي التي تخرج من
<ك أفحش <ى على ذل< <ا ويتقاض< <ا وتزيينه<بيتها لتذهب إلى محل رجل أجنبي ( كوافير ) يقوم بتجميله<
األجور .
إلى الفهرس
مهمة المجتمع المسلم مع اآلداب والتقاليد
إن مهمة المجتمع المسلم هنا -كما هي مهمته دائما -أن يبث هذه اآلداب ,ويربى عليها أبناءه وبناته ,
<انة إلى
<ه ,من الحض< <توياته وأنواع<
<ل التعليم ومس<
<ل مراح< <ه ،في ك<
وينشئ عليها تالميذه وتلميذات<
الجامعة . .ويحببها إلى الشعب بكل وسيلة من وسائل التوجيه واإلعالم ,وبكل أس<<لوب من أس<<اليب
<حيفة ,<ة والص< <اب ,والمجل<
التأثير والبيان :بالمقالة والقصيدة ,والقصة والمسرحية ,والنشرة والكت<
والنكتة والكاريكاتير ,بالكلمة المقروءة والكلمة المسموعة والصورة المشاهدة .وأن تتعاون على ذل<<ك
كل المؤسسات :الدينية كالمسجد ,والفنية كالمسرح ،والتربوية كالمدرسة ،واإلعالمي<<ة كالتلف<<از ،وال
يجوز أن يبنى جهاز في جانب ,وتهدم أجهزة أخرى في جوانب ,كما قال الشاعر:
م<<<تى يبل<<<غ البني<<<ان يوم<<<ا تمام<<<ه إذا كنت تبني<<<ه وغ<<<يرك يه<<<دم ؟
وقال آخر :فلو ألف بان خلفهم هادم كفى فكيف ببان خلفه ألف هادم ؟ا
وال سيما أن الهدم في عصرنا باأللغام ال بالمعاول .وهذا يصدق في الماديات و المعنوي<<ات .وواجب
المجتمع المسلم في عصرنا أن ينقي آداب المجتمع وتقاليده مما دخل عليها من أمور غريبة عن طبيعته
المتوازنة المعتدلة ،سواء في ذلك ما أدخلته عصور االنحطاط الفكري ,والتخلف الحض<<اري ,ال<<ذي
أصاب العالم اإلسالمي لعدة قرون .وما زحفت به علينا الحضارة الغربية الحديثة من بدع منك<<رة في
األزياء واألثاث والمآكل والمشارب ,واألعراس ومختلف المناسبات والعالقات بين الرجال والنس<<اء ,
وغ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ير ذل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ك .
ولهذا نجد المجتمع اإلسالمي اآلن يضم فريقين من الناس يعيشان على طرفي نقيض .
<ع<ة ,م<<رد رؤي< فإذا أخذنا موضوع األسرة مثال .نجد هناك من ال يسمح لخاطب ابنته أن يراها مج<
مخالفة ذلك لألحاديث الصحيحة ,بل في بعض البالد ال يرى الخاطب زوجته بعد أن يعقد عليها العق<<د
<ل على <ة الحب<<دع للمخطوب< <ؤالء من ي<الشرعي ,وإنما يراها وتراه ليلة الزفاف فقط ! وفى مقابل ه<
الغارب , لتخرج مع خاطبها وحدهما ,متأبطًا ذراعها ،غادين أو رائحين ,إلى المتنزهات أو السينمات،
سحابة النهار أو زلفًا من الليل ,حتى يسبر غورها ,ويعرفها معرفة مخالطة ومعايش<<ة .وهن<<اك من
األزواج من يعامل امرأته كأنها قطعة أثاث في البيت ,ال يستشيرها في أمر ,وال يعترف لها بح<<ق ,
وال يراعى لها شعورا ,ويرى ذلك من الرجولة .
<دو
وعكس ذلك من جعل زمامه في يد امرأته ,فال شخصية له ,وال أثر لقوامته على األسرة ,ب<ل تغ<
الزوجة هي اآلمرة الناهية ,المتصرفة في المال ,الموجهة لتربية األوالد ,المتحكمة في عالقات الزوج
ح<<<<<<<<<تى بأم<<<<<<<<<ه وأبي<<<<<<<<<ه وذوى قرابت<<<<<<<<<ه .
وهناك في مجال الميراث :من يحرم البنات من ميراثهن الشرعي الذي كتب<<ه اهلل لهن ,ليخص ب<<ذلك
أبناءه الذكور ،كأنما يستدرك على اهلل تعالى في حكمه .وعلى النقيض من ذلك من يريد أن يس<<وى بين
االبن والبنت ,حالفًا لما فرض اهلل عز وجل في كتابه ،ناسيًا أن الشرع فاوت بينهما في األنصبة ,ألنه
<اه .ثم على
<ا ذكرن<<بنا م<فاوت بينهما في األعباء والتكاليف المالية .واألمثلة على ذلك كثيرة .وحس<
المجتمع أن يحمى هذه اآلداب والتقاليد بعد ذلك بالقانون والسريع ,فال يترك الحبل على الغارب لل<<ذين
<ا من وحي <تي تلقته<<دها ,ال<
يريدون أن يفسدوا آداب األمة ,ويمحوا معالم شخصيتها ,ويدمروا تقالي<
ربها ,وفرضها عليها شرعها .فإذا تهاون المجتمع في آدابه وتقاليده ،وأطلق العنان للمخربين يفعل<<ون
ما يشاؤون ,نفقد تخلى من رسالة المجتمع المسلم الحق .
<يلة ,
<ه األص<
ليس بمجتمع مسلم صادق اإلسالم :ذلك الذي ينسلخ من تقاليده العريقة ,وينفلت من آداب<
ليتقبل تقاليد دخيلة ,وآدابًا غريبة عنه ،فتذوب شخصيته ,وتمحى ذاتيته ويصح ذي ً
ال لغيره ،وقد جعل<<ه
<ا ه
<ذهب ,ونس<<واتم ال<
اهلل رأسًا .فترى أبناءه يأكلون بالشمال ويشربون بالشمال ,ورجاله يتحلون بخ<
يتشبهن بالكافرات في كشف الشعور ,وتعرية الصدور ,وإبداء البطون والظهور .
ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يختلي فيه الرجال بالنساء بال زوج وال محرم وال رقيب وال حسيب .ليس
<د<اق -في المعاه< بمجتمع مسلم ذلك الذي يختلط فيه الفتيان والفتيات -اختالط تماس واحتكاك والتص<
والجامعات ,والمعسكرات والرحالت ,ووسائل المواصالت .ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تترك في<<ه
المؤسسات المشبوهة :الصحفية والسينمائية واإلعالمية ,تخرب كيان األمة ،وتسلط عليها ريحًا سمومًا
< المضللة،فيها عذاب أليم ،تدمر كل شئ بأمر سادتها من الصهاينة والمستعمرين والشيوعيين :بالمقاالت
واألخبار الزائفة ،والقصص الماجنة ،والصور الفاجرة ,واألغاني الخليعة ,والمسرحيات ال<<داعرة ،و
( األفالم ) الهابطة ،والمسلسالت المطعمة باألباطيل .إنما المجتمع المسلم حقًا :الذي يحامي عن آدابه
األصيلة ،وتقاليده الثابتة ,كما يحامي عن أرضه أن تحتل ,وعن حرماته أن تنتهك ,وعن ثروات<<ه أن
تنتهب ,وعن كرامته أن تهان .
إلى الفهرس
الفصل السابع
القيم اإلنسانية
كما يقوم المجتمع المسلم على ( العقائد ) التي تحدد له فلسفته الكلية عن المبدأ ,والمص<<ير ،والغاي<<ة،
<ع<ه (مجتم< <ر أن<
وتجيب اإلنسان عن أسئلته القديمة الجديدة :من أين ؟ وإلى أين ؟ ولم ؟ ..وبها ظه<
<ا
<اهرة ،وبه< موحد) ال يشرك باهلل شيئًا .ويقوم على الشعائر التي تجسد صلته باهلل تعالى في أعمال ظ<
<تي<حة ال<<اهيم الواض< ظهر أنه (مجتمع متعبد) أهم وظائفه عبادة اهلل تعالى .ويقوم على األفكار والمف<
تجعله يق ّوم األعمال والمواقف واألشخاص والمذاهب من خالل موازينه الخاصة ,التي ال تنس<<به ليمين
أو يس<<<<<<<<ار فهو ( مجتم@@@@@@@@@ع فك@@@@@@@@@رى ) متميّ<<<<<<<<ز .
ويقوم على أخالق وفضائل يؤمن بها إيمانه بدينه وشريعته ،فهي جزء منه ,باعتبارها أوامر ون<<واهي
صادرة إليه من ربه سبحانه ,فهو ( مجتمع أخالقي ) . ويقوم ذلك المجتمع على آداب وتقاليد خاص<<ة
تجعله نسيج وحده ،غير مقلد لغيره ،ممن بعد عنه زمانًا ،أو بعد عنه مكانًا .كما يقوم المجتمع على ذلك
<ة .<رية الراقي<
<ا البش<
<ع إليه<<تي تتطل< <ة ،ال<
@انية) الرفيع<<ذلك على ( القيم اإلنس@ <وم ك<<ه ،يق<كل<
وأعنى بالقيم اإلنسانية تلك التي تقوم على احترام كرامة اإلنسان وحريته وحرماته ،وحقوقه ،وص<<يانة
دمه وعرضه وماله وعقله ونسله ،بوصفه إنسانًا ،وعضوًا في مجتمع.
إلى الفهرس
العلم
العلم قيمة من القيم العليا ،التي جاء بها اإلسالم وأقام عليها حياة اإلنسان المعنوية والمادية ،األخروي<<ة
والدنيوية ،وجعله طريق اإليمان وداعي العمل ،وهو المرشح األول للخالفة في األرض ،وبه فض<ل آدم
<وا منهم أن<ذين توقع<
أبو البشر على المالئكة ،الذين تطلعوا إلى منصب الخالفة ! ألنهم أعبد هلل من ال<
يفسدوا في األرض ويسفكوا الدماء ،فقال تعالى ردًا عليهم ( :إني أعلم ما ال تعلمون ،وعلم آدم األسماء
<ول<ه على الرس< كلها ) . . .اآليات .إن اإلسالم هو دين العلم ،والقرآن كتاب العلم ,وأول ما نزل من<
الكريم (:إقرأ باسم ربك الذي خلق ) والقراءة هي باب العلم .والقرآن ( :كتاب فصلت آيات<<ه قرآن<<ًا
<ون عربيًا لقوم يعلمون ) .والقرآن يجعل العلم أساس التفاضل بين الناس ( :قل هل يستوي الذين يعلم<
والذين ال يعلمون ) .كما يجعل أهل العلم هم الشهداء هلل تعالى بالتوحيد ،مع المالئكة ( :أنه ال إل<<ه إال
هو والمالئكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط ) .وأهل العلم كذلك هم المؤهلون لخشيه اهلل تعالى وتقواه ( إنما
يحشى اهلل من عباده العلماء ) ,فال بخشى اهلل إال من عرفه ،وإنما يعرف اهلل بآثار قدرته ورحمت<<ه في
خلقه ،ولهذا جاءت هذه الجملة في سياق الحديث عن آيات اهلل تعالى في الكون ( :ألم تر أن اهلل أن<<زل
من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها ،ومن الجبال ج<<دد بيض وحم<<ر مختل<<ف ألوانه<<ا
<اده<ى اهلل من عب< <ا يخش< <ذلك ،إنم< <ه ك< <ف ألوان<وغرابيب سود ،ومن الناس والدواب واألنعام مختل<
العلماء ) .والقرآن أعظم كتاب ينشئ ( العقلية العلمية ) التي تنبذ الخرافة ،وتتمرد على التقليد األعمى،
لألجداد واآلباء أو للسادة والكبراء ،أو للعوام والدهماء ،وترفض الظنون واألهواء في مق<<ام البحث عن
<يات ،ومن <دة في الحس< الحقائق والعقائد اليقينية ،وال تقبل دعوى إال ببرهان قاطع ،من المشاهدة المؤك<
المنطق السليم في العقليات ،ومن النقل الموثق في المرويات .ويعتبر القرآن النظر فريضة ،والتفك<<ير
عبادة ،والبحث عن الحقيقة قربة ،واستخدام أدوات المعرفة شكرًا لنعم اهلل ،وتعطيلها سبي ً
ال إلى جهنم .
<ا
اقرأ هذه اآليات في القرآن ،وهى غيض من فيض ( :وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اهلل قالوا بل نتبع م<
ألفينا عليه آباءنا ،أو لو كان آباؤهم ال يعقلون شيئًا وال يهتدون ) ؟ ( .وقالوا ربنا إن<<ا أطعن<<ا س<<ادتنا
لكل ض<<عف ولكن وكبراءنا فأضلونا السبيال ،ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا ) ( .قال َ
ال تعلم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ون) .
(وم<<<ا لهم ب<<<ه من علم ،إن يتبع<<<ون إال الظن ،وإن الظن ال يغ<<<نى من الح<<<ق ش<<<يئًا)
(إن يتبع<<<ون إال الظن وم<<<ا ته<<<وى األنفس ،ولق<<<د ج<<<اءهم من ربهم اله<<<دى)
(وال تتب<<<<<<<<<ع اله<<<<<<<<<وى فيض<<<<<<<<<لك عن س<<<<<<<<<بيل اهلل)
(واهلل أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة لعلكم تش<<كرون)
<ؤو ً
ال) <ه مس<<ان عن< <ك ك<<ل أولئ< <ؤاد ك< <ر والف<<مع والبص<<ه علم ،إن الس< (وال تقف ما ليس لك ب<
(ن<<<<<<<<<<<<<<<<<<<بئوني بعلم إن كنتم ص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ادقين)
(ق<<ل ه<<ل عن<<دكم من علم فتخرج<<وه لن<<ا ،إن تتبع<<ون إال الظن وإن أنتم إال تخرص<<ون)
(ائت<<<<وني بكت<<<<اب من قب<<<<ل ه<<<<ذا أو أث<<<<ارة من علم إن كنتم ص<<<<ادقين)
(ق<<<<<<<<<ل ه<<<<<<<<<اتوا بره<<<<<<<<<انكم إن كنتم ص<<<<<<<<<ادقين)
(أو لم ينظ<<<روا في ملك<<<وت الس<<<موات واألرض وم<<<ا خل<<<ق اهلل من ش<<<يء)
(ق<<<<<<<<ل انظ<<<<<<<<روا م<<<<<<<<اذا في الس<<<<<<<<موات واألرض)
(قل إنما أعظمكم بواحدة ،أن تقوموا هلل مثنى وفرادى ثم تتفكروا)
<راد<ار) .والم<
<اب) ،و (أولى النهى) ( ،وأولى األبص< وينوه القرآن في كثير من آياته بـ( أولى األلب<
بالبصر هنا :العقلي ال الحسي .ويبين في كتابه المسطور (القرآن) ،وكتابه المنظور (الكون) آيات (لقوم
<ل( :أفال
<ة مث<<ول الغافل<
<ه العق<يتفكرون) ،و(لقوم يعقلون) ،و(لقوم يعلمون) .وكم فيه من فواصل تنب<
تعقلون)؟ ( ،أفال تتفكرون)؟ .
وعلماء اإلسالم متفقون على أن طلب 1لعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ،وأن منه ما ه<<و ف<<رض
عين ،ومنه ما هو فرض كفاية .ففرض العين ما ال بد للمسلم منه في فهم دينه عقيدة وعبادة وس<<لوكًا،
<دين <وام ال<
وفي عمل دنياه ،حتى يكفي نفسه ،وأسرته ،ويهم في كفاية أمته .وفرض الكفاية كل ما به ق<
والدنيا للجماعة المسلمة ،من علوم الدين وعلوم الدنيا .ولهذا ق<<رر علم<<اء المس<<لمين أن تعلم الطب
والهندسة وغيرهما من فروع العلم ،وكذلك تعلم الصناعات التي ال تقوم حياة الناس إال بها ،فرض كفاية
<ه<د ب<<ال ،بحيث تس< <ل مج< على األمة ،فإذا وجد فيها عدد كاف من العلماء والخبراء ،والفنيين في ك<
الثغرات ،وتلبى الحاجات ،فقد أدت األمة واجبها ،وسقط اإلثم والحرج عنها ،وإذا قص<<رت األم<<ة في
جانب من هذه الجوانب الدنيوية ،وغدت عالة على غيرها كليًا أو جزئيًا ،فاألمة كلها آثمة ،وبخاصة أولو
األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر فيه<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا.
<ة بين العلم
<ة األرك<<ان ،جامع< <ان ،متين< وعلى ضوء هذه المعاني قامت حضارة إسالمية رفيعة البني<
واإليمان .ولم يعرف في هذه الحضارة ما عرف في أمم أخرى من الصراع بين العلم وال<<دين ،أو بين
الحكمة والشريعة ،أو بين العقل والنقل .بل كان كثير من علماء الشرع أطباء ورياض<<يين وكيم<<ائيين
<دون <وارزمي وابن النفيس وابن خل< <رازي والخ< <ر ال<<د والفخ<<ل :ابن رش<
وفلكيين وغيرهم ( ،مث<
وغ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يرهم ) .
<ك<ام على ذل<<ة ،وأق<<ع العلم والمدني<
وقد بين اإلمام محمد عبده أن أصول اإلسالم تتفق كل االتفاق م<
البراهين الناصعة من نصوص الدين ومن تاريخ المسلمين ،وذلك في كتابه القيم ( اإلسالم والنص<<رانية
مع العلم والمدنية) .
إلى الفهرس
العمل
وهو ثمرة العلم ،ولهذا قيل في تراثنا :علم بال عمل ،كشجر بال ثمر ،أو سحاب بال مطر .وهو أيض<<ا
ثمرة اإليمان الحق ،إذ ال يتصور إيمان بال عمل .ومهما يختلف علماء الكالم في اعتبار العمل ج<<زءًا
من حقيقة اإليمان ،أو شرطًا له ،أو أثرًا له ،فما ال ريب فيه أن اإليمان الصادق ال بد أن يثم<<ر عم ً
ال .
ولهذا قرن القرآن بين اإليمان والعمل في عشرات من آياته ،ولهذا قال السلف :اإليمان م<<ا وق<<ر في
القلب ،وص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دقه العم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ل .
والعمل المطلوب هو : بذل الجهد الواعي لتحقيق مقاصد الشارع من اإلنسان فوق هذه األرض .وهذه
<ه <فهانى في كتاب<
<راغب األص< <ام ال<
المقاصد - كما أشار إليها القرآن -تتحدد في ثالث ذكرها اإلم<
( الذريعة إلى مكارم الشريعة ) وهى
العبادة ،كما قال تعالى ( :وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون) .1
الخالفة ،كما قال تعالى ( :إني جاعل في األرض خليفة)..يعني آدم وذريته. .2
العمارة ،كما قال تعالى ( :هو أنشأكم من األرض واستعمركم فيها ) . .3
وهذه الثالثة متداخلة ومتالزمة ،فالعمارة -عند أدائها بقصد ونية -جزء من العب<<ادة ،وقي<<ام بح<<ق
<ل<ارة .والعم<<ادة وعم<الخالفة .والعبادة بمعناها الواسع تشمل الخالفة والعمارة ،وال خالفة بغير عب<
<هالمنشود في اإلسالم هو ( عمل الصالحات ) ،والصالحات :تعبير قرآني جامع ،يشمل كل ما يصلح ب<
<ا
الدين والدنيا ،ويصلح به الفرد والمجتمع .فهو يضم العبادات والعامالت ،أو عمل المعاش والمعاد ،كم<
يعبر علماؤنا رحمهم اهلل .ولقد بين القرآن أن اهلل تعالى خلق السموات واألرض ،وخلق الموت والحياة،
وجعل ما على األرض زينة لها ،لهدف واضح حدده بقوله سبحانه ( :ليبلوكم أيكم أحسن عم ً
ال ) ،وقوله:
ال ) .ومعنى هذا :أن الخالق جل شأنه ال يريد من الناس أي عمل ،وال مجرد (لنبلوهم أيهم أحسن عم ً
العمل الحسن ،بل يريد منهم ( العمل األحسن) . فالسباق بينهم ليس بين العمل السيئ والحسن ،ب<<ل بين
العمل الحسن واألحسن .وال غرو أن وجدنا من العبارات القرآنية المأنوسة عبارة ( :التي هي أحسن)،
<التي هي <تيم ( ب<
<ال الي<<تثمر م<فالمسلم يجادل ( بالتي هي أحسن ) ،وبدفع ( بالتي هي أحسن) ،ويس<
أحسن ) ،ويتبع أحسن ما أنزل إليه من ربه ( :واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) .فهو يرنو دائمًا
إلى ما هو أحسن ،وليس إلى مجرد الحسن .والعمل االقتصادي بكل ،فروع<<ه وأنواع<<ه من أفض<<ل
القربات إلى اهلل ،إذا صحت فيه النية ،وأدى بإتقان ،والتزمت فيه حدود اهلل .وخصوصًا العمل اإلنتاجي
من زراعة وصناعة وحديد وتعدين .وقد توارث العرب من قديم احتقار العمل اليدوي والحرفي ،وكان
<ًا
<ه عيش< <ل ل<أحدهم يؤثر أن يذهب إلى األمير أو شيخ القبيلة ،يسأله المعونة ،على أن يبذل جهدًا يكف<
يالئمه ،فبين لهم الرسول الكريم أن أي عمل لكسب العيش وان قل دخله ،وكثر جهده -خير وأكرم من
< عليه الصالة والسالم ( :ألن يأخذ أحدكم حبله على ظهر ،في<<أتي سؤال الناس ،أعطوه أو منعوه .يقول
<وه ) .وفى <وه أو منع< بحزمة من الحطب فيبيعها ،فيكف اهلل بها وجهه ،خير من أن يسأل الناس ،أعط<
الحث على االحتراف يقول ( :ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده ،وإن نبي اهلل داود
كان يأكل من عمل يده ) .وفى الحث على الزرع والغرس يقول ( :ما من مسلم يغ<<رس غرس<<ًا أو
يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إالكان له به صدقة ) .ومن أروع التوجيهات النبوية في
بيان قيمة العمل :الحديث الذي يقول (:إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة ،فإن اس<<تطاع أال تق<<وم
( أي الساعة ) حتى يغرسها فليغرسها ) .والفسيلة :النخلة الصغيرة ،أي ما نس@@ميه ( الش@@تلة ) .
ولماذا يغرسها والساعة قائمة ،وهو لن ينتفع بها ،وال أحد من بعده ؟!
ال منتجًا ،حتى تنفد آخر نقطة زيتإنه دليل عملى أن العمل مطلوب لذاته ،وأن على المسلم أن يظل عام ً
<ذه
<لمون ه< في سراج الحياة ! إن العمل عبادة وقربة ،أكل الناس من ثمره أو لم يأكلوا .ولو وعى المس<
التعليمات لفتح اهلل عليهم بركات من السماء ،واألرض ،وأكلوا من ف<<وقهم ومن تحت أرجلهم .وك<<انت
<تى إنهم ال
ال على غيرهم من األمم ،ح< مجتمعاتهم في طليعة مجتمعات العام إنتاجًا وثرا ًء ،ولم يعيشوا ك ً
يكفون أنفسهم من القوت اليومي الذي به عيشهم وحياتهم ،وبالدهم بالد زراعية ،وال من السالح ال<<ذي
يحتاجون إليه في حماية حرماتهم وأرضهم وعرضهم ،فلو كف اآلخرون أيديهم منهم لهلكوا مادي<<ًا من
الجوع ،وهلكوا معنويًا من الذل.
إلى الفهرس
الحرية
ومن القيم اإلنسانية التي عظم أمرها اإلسالم :الحرية ،التي ترفع من اإلنسان كل ألوان الضغط والقه<<ر
واإلكراه واإلذالل .وتجعله كما أراد اهلل له :سيدًا في الكون ،عبدًا هلل وحده.
<ل<ة المدنية ،وك<
<ية ،والحري<
<ة السياس<وتشمل هذه الحرية :الحرية الدينية ،والحرية الفكرية ،والحري<
الحري<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ات الحقيقي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة .
<د
<ره أح<ونعنى بالحرية الدينية :حرية االعتقاد ،وحرية ممارسة الشعائر ،فال يقبل اإلسالم بحال أن يك<
على ترك دين رضيه واعتنقه ،أو يجبر على اعتناق دين ال يرضاه .ونصوص القرآن الكريم مريحة في
ذلك كل الصراحة ،ففي القرآن المكي يقول تعالى ( :أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤم<<نين ) ؟ وفي
الق<<رآن الم<<دني يق<<ول س<<بحانه ( :ال إك<<راه في ال<<دين ،ق<<د ت<<بين الرش<<د من الغي ) .
ومن دخل في ذمة المسلمين من أصحاب األديان األخرى ،فقد غدا يحمل( جنسية دار اإلسالم) ،له م<<ا
<ا
<ل م< <ه ك<للمسلمين ,وعليه ما عليهم في الجملة ،إال ما اقتضته طبيعة التميز الديني ،فال يفرض علي<
<رنا
<اس من كتب في عص< يفرض على المسلمين ،وال يحرم عليه كل ما حرم على المسلمين .ومن الن<
يقول :إن التراث العربي واإلسالمي لم يعرف الحرية بالمفهوم الحديث والمعاصر ،الذي نقل إلين<<ا من
الغرب ،بعد الثورة الفرنسية .إنما يعرف الحرية بمعنى ( عدم الرق) فقط ،فالحر من ليس عبدا ،والحرية
<ا لم نكن
<ا ،فقبله<
<ة على فرنس< مقابل الرق والعبودية .فنحن حين نؤمن بالحرية ،أو ننادى بالحرية عال<
<ون،< وعلمي<<ون نعرف منها شيا !! وإني ألعجب أن يقول هذا أناس يزعمون -ويزعم لهم -أنهم مثقف<
<ع<ا أن نض< <زوق ،وجب علين< < ! ونظرًا ألن بعض الناس قد يغره هذا الكالم الم<وباحثون موضوعيون
أم<<<<<<<<امهم بعض الحق<<<<<<<<ائق تبص<<<<<<<<رة وت<<<<<<<<ذكرة :
أوال :ال ننكر أن األمل والحقيقة اللغوية في معنى الحرية ،هو ما يقابل الرق الذي يعنى تحكم اإلنس<<ان
في آخر وتسلطه عليه .والحرية تعني التخلص من هذا التحكم والتسلط ،وفكاك رقبته من<<ه .ولكن ليس
ه<<<<<<<<ذا ه<<<<<<<<و المع<<<<<<<<نى الوحي<<<<<<<<د للكلم<<<<<<<<ة .
لقد اتسعت الكلمة لتشمل تخلص اإلنسان من كل تسلط عليه بغير حق ،من سلطة جائرة ،أو قوة قاهرة .
وفى هذا جاءت كلمة عمر بن الخطاب لواليه على مصر عمرو بن العاص ،وهي كلم<<ة محف<<ورة في
ذاك<<<رة الت<<<اريخ ( :م<<<تى تعب<<<دتم الن<<<اس وق<<<د ول<<<دتهم أمه<<<اتهم أح<<<رارا ) ؟ا
< على بن أبى ط<الب في وهى كلمة أصبحت تصدر بها اآلن الدساتير ومواثيق حقوق اإلنسان .وبق<ول
<عراء<ير من الش< <تعمل كث<<د اس<<را ) .وق< <ك اهلل ح<
<د جعل< وصيته البنه ) :وال تكن عبد غيرك وق<
كلمة( الحر) بمعنى اإلنسان العزيز الكريم .كقول من قال :
وقال غيره في وصف بعض الحسان العفيفات :حور حرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام
وق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<الوا :
( الصبر مر ،ال يتجرعه إال حر ).
ثم إن عدم وجود لفظ أو مصطلح معين يدل على مفهوم أو مضمون نعرفه اآلن :ال يعنى بالض<<رورة
عدم وجود هذا المدلول أو المضمون .فقد يوجد هذا المضمون أو المحتوى تحت لفظ أو مصطلح آخر.
<ا
<احث في تراثن< <د الب<
<د ال يج<<رى .فق< <طلحات أخ< <ات أو مص< <ورا تحت كلم< <د منث<<د يوج< وق<
كلمة( المساواة) مستخدمة كما نستخدمها نحن اآلن .ولكنه بأدنى بحث يجد مضمونها مبثوثا منتشرا ،في
<يام
<الة والص<آيات القرآن الكريم ,وأحاديث الرسول العظيم ,وفى عبادات اإلسالم وشعائره ،من الص<
والحج والعمرة ،وفى أحكام اإلسالم وعقوباته التي ال تفرق بين الشريف والوضيع .وفى مبادئ اإلسالم
<ل<نان المش<ط ومث< <ية كأس<التي تحطم الفوارق بين األجناس واأللوان والطبقات ،وتجعل الناس سواس<
ذلك :الحرية ،فقد يعبر عنها بالكرامة ( :ولقد كرمنا بنى آدم ) أو ب<<العزة( : وهلل الع<<زة ولرس<<وله
<ريم<ر ) .أو بتح<<ائل فال تنه<
وللمؤمنين ) .أو بتحريم القهر والنهر ( : فأما اليتيم فال تقهر ،وأما الس<
اإلرهاب والترويع ( : ال يحل لمسلم أن يروع مسلما ) .أو بتحريم الضرب والتع<<ذيب ( : من ج<<رد
ظهر مسلم بغير حق لقي اهلل وهو عليه غضبان ) .أو بغير ذلك من العبارات واألساليب .وأك<<ثر من
ذلك :أن اإلسالم يحرض على القتال وإعالن الحرب من أجل تحرير المستضعفين في األرض من نير
< تعالى ( :ومالكم ال تقاتلون في سبيل اهلل والمستضعفين من الرجال والنس<<ا ء الطغاة والمتجبرين .يقول
والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لن<<ا من
<اجروا من <ل من أن يه< <تبداد ،فال أق<
دونك نصيرًا ) .وإذا لم يقدر الناس على مقاومة الطغيان واالس<
<ريم <رآن الك< <د الق<ديارهم ،وال يقبلوا على أنفسهم الهوان والبقاء تحت نير الظلم واالستعباد .وقد توع<
<و < وال ه< <اومين،بالوعيد الشديد من رضي بهذه الحياة المهينة ،واستسلم لها طائعًا فال هو قاوم مع المق<
هاجر مع المهاجرين .يقول اهلل عز وجل ( :إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفس<<هم ق<<الوا فيم كنتم
قالوا كنا مستضعفين في األرض ،قالوا أم تكن أرض اهلل واسعة فتهاجروا فيها ،فأولئك م<<أواهم جهنم،
وساءت مصيرًا ،إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون س<<بي ً
ال،
فأولئك عسى اهلل أن يعفوا عنهم ،وكان اهلل عفوًا غفورًا ) .على أن الذي يعطى اإلسالم حق<<ه من الفهم
<
والتدبر ،يجد أن جوهره هو التوحيد ،فهو روح الوجود اإلسالمي .والتوحيد هو األساس العقلي والفلسفي
لتحقي<<ق مب<<دأ الحري<<ة ،ب<<ل لتحقي<<ق مب<<ادئ الحري<<ة واإلخ<<اء والمس<<اواة جميع<<ا .
<زالهم من وكلمة التوحيد -كلمة ( ال إله إال اهلل ) - تعنى إسقاط المتألهين والمتجبرين في األرض ،وإن<
<ا في العبودي<ة هلل , عروش الربوبية المزيفة ،واالستعالء على الخلق ،إلى ساحة المشاركة للناس جميع<
والبنوة آلدم .ولهذا كانت رسائل النبي (صلى اهلل عليه وسلم) إلى قيصر وأمرا ء النصارى وملوكهم في
مصر والحبشة وغيرها مختومة بهذا النداء ( :يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد
إال اهلل وال نش<<<رك ب<<<ه ش<<<يئًا وال يتخ<<<ذ بعض<<<نا بعض<<<ًا أرباب<<<ا من دون اهلل) .
إن أعظم ما دمر حرية البشر ،وأتى على بنيانها من القواعد ،اتخاذ بعض الناس بعضًا أرباب<<ًا من دون
<زورين، <ة الم< اهلل .ولكي يسترد الناس حرمتهم وكرامتهم يجب تحطيم هؤالء األرباب األدعياء ،واآلله<
خصوصًا في أنفس الذين توهموهم أربابًا حقًا ،وهم مخلوقون مثلهم ،ال يملكون ألنفسهم ضرًا وال نفع<<ًا
<ه وال موتًا وال حيا ًة وال نشورًا .ولقد وعى مشركو العرب هذه الحقيقة منذ دعا النبي (ص<
<لى اهلل علي<
وسلم) من أول يوم إلى التوحيد ،وشهادة أن ال إله إال اهلل ،وعلموا أن وراء هذه الكلمة انقالبًا في الحياة
<عفين <راء والمستض< <يما الفق<
<ان ،وال س< <نى اإلنس< االجتماعية والسياسية ،وأنها تؤذن بميالد جديد لب<
والمسحوقين ،فال غرو أن وقفوا في وجهها ،وجندوا كل قواهم لحرب ك<<ل من آمن به<<ا ،واس<<تجاب
لندائها.
إلى الفهرس
الشورى
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم وال تحسب الشورى عليك غضاضة ف<<إن
الخوافي قوة للقوادم
وقد دعا اإلسالم إلى الشورى في حياة الفرد ،وفى حياة األسرة ،وفى حياة المجتمع والدولة .
أعلى
ففي حياة الفرد يربى اإلسالم المسلم إذا أراد أن يقدم على أمر من األمور المهمة ،التي تختل<<ف فيه<<ا
الوجهات ،وتتعارض اآلراء والرغبات ،ويتردد فيها المرء بين اإلقدام واإلحجام ،أن يس<<تعين ب<<أمرين
يس<<<<<<<<<اندانه على اتخ<<<<<<<<<اذ الق<<<<<<<<<رار األص<<<<<<<<<وب .
أحد هذين األمرين :رباني ،وهو استخارة اهلل تعالى ،وهى صالة ركعتين يعقبها دع<<اء مض<<مونه أن
يخت<<<ار اهلل ل<<<ه خ<<<ير األم<<<رين في دين<<<ه ودني<<<اه ،ومعاش<<<ه ومع<<<اده .
والثاني :إنساني ،وهو استشارة من يثق برأيه وخبرته ونصحه وإخالصه .وبهذا يجم<<ع بين اس<<تخارة
<دم من<تخار ،وال ن<<اب من اس< <راثهم ( :ال خ<
<لمون من ت< الخالق ،واستشارة الخلق .وقد حفظ المس<
<ير من<لم) في كث<<ه وس< استشار) .وقد كان الصحابة رضي اهلل عنهم يستشيرون النبي (صلى اهلل علي<
<ة<ارته فاطم<أمورهم الخاصة ،فيشير عليهم بما يراه صوابا أو أصوب أو أفضل .كما رأينا حين استش<
بنت قيس في أمر زواجها ،وقد أبدى الرغبة فيها رجالن :معاوية وأبو جهم .فقال لها ( :أما معاوي<<ة
فصعلوك ال مال له ،وأما أبو جهم فال يضع عصاه عن عاتقه) ! أي يضرب النساء .واقترح عليه<<ا أن
<وره<حابه في أم<تتزوج أسامة بن زيد .وكان الرسول الكريم عليه الصالة والسالم يستشير بعض أص<
الخاصة كذلك .فقد رأيناه في أزمة (حديث اإلفك) يستشير على بن أبى طالب ،ويسأل أسامة بن زيد .
أعلى
وفى حياة األسرة يدعو اإلسالم إلى أن تقوم الحياة األسرية على أساس من التشاور والتراضي .وذل<<ك
منذ بداية تكوين األسرة .ولهذا رفضت نصوص الشريعة أن يستبد األب بتزويج ابنته -ولو كانت بكرا
-دون أن يأخذ رأيها .وأوجب التوجيه النبوي أن تستأذن البكر ،وان كانت تس<<تحيى ،فجع<<ل إذنه<<ا
< .وقد رد النبي (صلى اهلل عليهصماتها .فإن سكوتها عند عرض األمر عليها دليل على الرضا والقبول
وسلم) بعض عقود الزواج التي تمت بغير إرادة البنت ،ألن الشرع لم يجز ألحد أن يتصرف في ماله<<ا
<اتوملكها بغير إذنها ،فكيف بمصيرها ومستقبل حياتها ؟! بل رغبت السنة آباء البنات أن يشاوروا أمه<
بناتهن في أمر زواجهن ،أي يشاور الرجل زوجته عند ترويج ابنتهما ،وفى هذا جاء الحديث الذي رواه
اإلمام أحمد ( :آمروا النساء في بناتهن ) .وذلك أن األم أعلم بابنتها من األب ،فهي باعتباره<<ا أن<<ثى
تعرف اتجاهها وعواطفها ،والبنت تبوح ألمها عن أسرارها ما ال تجرؤ أن تبوح به لوالدها .وبعد بن<<اء
األسرة ينبغي للزوجين ،ن يتفاهما ويتشاورا فيما يهم الحياة المشتركة بينهما ،وفيما يهم كل واحد منهما
<د<يع عن<على حدة ،وفيما يهم حياة ذريتهما ومستقبلها .وال يجوز أن يستهان برأي المرأة هنا ،كما يش<
< وما كان أحصف رأي خديج<<ة بعض األمر ،فكم من امرأة كان رأيها خيرًا وبركة على أهلها وقومها.
< في أول ساعات الوحي ،ودورهما في تثبيت فؤاد النبي ،والذهاب معه إلى ابن عمها ورق<<ة بن وموقفها
<ه .<ديث عن<<يأتي الح<<ة .وس< <وم الحديبي<<لمة ي<<ذلك رأي أم س< <ره .وك< <ه ويبش<
<ل ،ليطمئن< نوف<
ومن الروائع القرآنية :التنبيه على ضرورة التشاور والتراضي بين الزوجين فيما يتصل برضاع األوالد
وفطامهم ،ولو بعد االنفصال بينهما .يقول تعالى (:والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين ،لمن أراد
<إن أرادا
<ال (:ف<
<المعروف ،) . . .إلى أن ق< أن يتم الرضاعة ،وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ب<
ال عن تراض منهما وتشاور فال جناح علهما ) . فصا ً
أعلى
أما الشورى في حياة المجتمع والدولة المسلمة ،فقد جعلها القرآن من المكونات المهمة للجماعة المسلمة،
<ورى في <ر الش<<د ذك< <المية .فق<وذلك في القرآن آلمك الذي برس القواعد ،ويضع األسس للحياة اإلس<
< األساسية التي ال يتم إسالم وال إيمان إال به<<ا .وهى: أوصاف المؤمنين ،مقرونة بمجموعة من الصفات
<ل <تي تحم< <ورة ال<<ر في الس< <ا ذك<
االستجابة هلل تعالى ،وإقام الصالة ،واإلنفاق مما رزق اهلل ،وهذا م<
اسم( الشورى) يقول تعالى ( وما عند اهلل خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) ،إلى أن ق<<ال :
< والم<<راد بقول<<ه( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
(وأمرهم) :األمر العام الذي يهم جماعتهم ،ويؤثر في حياتهم المشتركة .وهو (األمر) ال<<ذي أم<<ر اهلل
<اورهم في <دني ( :وش< تعالى رسوله بالمشاورة فيه .فقد قال تعالى في سورة آل عمران من القرآن الم<
األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر ) .
وقد جاء هذا األمر من اهلل ورسوله بعد غزوة ( أحد) ،التي شاور النبي فيها أصحابه ،ونزل عن رأي<<ه
إلى رأى أكثريتهم ،وكانت النتيجة ما أصاب المسلمين من قرح ،وما اتخذه اهلل من شهدا ء :س<<بعين من
<اورة <وله بالمش<خيار الصحابة ،منهم حمزة ومصعب وسعد بن الربيع وغيرهم .ومع هذا أمر اهلل رس<
لهم ،ومعناه :استمر على مشاورتهم ,ففيها خير وبركة ،وإن جاءت النتيجة في إحدى المرات على غير
ما تحب ،فالعبرة بالعاقبة .وقد كان النبي (صلى اهلل عليه وسلم) أكثر الناس مشاورة ألصحابه :شاورهم
<ا
<أن إلى رض< <د أن اطم< <ة إال بع<في غزوة ( بدر) ،قبل القتال ،وفى أثنائه ،وبعده .ولم يدخل المعرك<
<وم ،ال<روج إلى الق< جمهورهم .وشاورهم في (أحد) ،فنزل عن رأيه إلى رأى األكثرية التي رأت الخ<
<ة، <ار المدين<
<ئ من ثم< القتال داخل المدينة .وشاورهم في (الخندق) ،وهم أن يصالح (غطفان) على ش<
ليعزلهم عن قريش ،وأبى ممثلو األنصار ذلك ،فوقف عند رأيهم .وفى ( الحديبية ) شاور أم س<<لمة في
امتناع أصحابه عن التحلل من إحرامهم بعد الصلح ،فقد عز عليهم ذلك بعد نية العمرة .فأشارت عليه أم
سلمة أن يخرج إليهم ،ويتحلل من إحرامه أمامهم دون أن يتكلم ،فما أن رأوه فعل ذلك ،حتى بادروا إلى
االقتداء به .واإلسالم كما يأمر الحاكم أن يستشير ،يأمر األمة أن تنصح له ،كم<<ا ج<<اء في الح<<ديث
الصحيح ( :الدين النصيحة . . . . . . . .هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة المسلمين وعامتهم ) .وفريض<<ة
األمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة عامة ،تشمل الحكام والمحكومين كاف<<ة ،ك<<ذلك فريض<<ة
التواصي بالحق ،والتواصي بالصبر ،التي ال نجاة لإلنسان من خسران الدنيا واآلخرة إال بها .فليس في
المسلمين أحد أكبر من أن يوصى وينصح ،ويؤمر وينهى .وليس فيهم أحد أصغر من أن يوصى وينصح
<دع <ه ،وي< ويأمر وينهى .وقد كان النبي (صلى اهلل عليه وسلم) يشار عليه بالرأي مخالفًا لرأيه فيأخذ ب<
رأي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه الشخص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ي .
وقد بعث أبا هريرة يبشر الناس بأن ( :من قال -ال إله إال اهلل -دخل الجنة ) فخشي عمر أن يفهمها
الناس فهما مغلوطا ،ويفصلوا الكلمة عن العمل ،ولذا أوقف أبا هريرة ،وبين للرسول خوفه من أن يتكل
الناس على ذلك قائ ً
ال :فخلهم يعملون ،فقال الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) (:فخلهم يعملون) .وقال أبو
بكر في خطابه السياسي األول بعد توليه الخالفة ،يبين منهجه في الحكم ( :إن رأيتم<<وني على ح<<ق
فأعينوني ،وإن رأيتموني على باطل فسدد ونى .أطيعوني ما أطعت اهلل فيكم ،فإن عصيته فال طاعة إلى
عليكم ) .وق<<<ال عم<<<ر :أيه<<<ا الن<<<اس ،من رأى منكم في اعوجاج<<<ًا فليقوم<<<ني.
فق<<<ال ل<<<ه أح<<<دهم :ل<<<و رأين<<<ا في<<<ك اعوجاج<<<ًا لقومن<<<اه بح<<<د س<<<يوفنا !
فق<<ال عم<<ر :الحم<<د هلل ال<<ذي جع<<ل في رعي<<ة عم<<ر من يق<< ّوم عم<<ر بح<<د س<<يفه !
<الوقال له بعضهم يومًا :اتق اهلل يا عمر ا فأنكر عليه بعض من عنده أن يقول ذلك ألمير المؤمنين فق<
عم<<<ر :دع<<<ه .ال خ<<<ير فيكم إذا لم تقولوه<<<ا ،وال خ<<<ير فين<<<ا إذا لم نس<<<معها .
بل إن الرسول يشرع المعارضة المسلحة لألمير الفاجر بشرطين :
والثاني :أن تكون هناك قدرة على إزالة المنكر ،دون أن يترتب على إزالته منكر أكبر منه .وإال وجب
تحمل المنكر األدنى مخافة وقوع المنكر األعلى .بنا ء على قاعدة ارتكاب أخف الض<<ررين ،وأه<<ون
الش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رين .
وعند هذا الخوف تنتقل المعارضة من القتال باليد ،إلى السياسة باللسان والقلم ،ثم إلى اإلنكار ب<<القلب،
<بي وذلك أضعف اإليمان .وفى هذا جاء حديث ابن مسعود عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ( :ما من ن<
بعثه اهلل في أمة قبلي ،إال كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ،ويقتدون بأمره ،ثم إنه<<ا
يخلف من بعدهم خلوف ,يقولون ما ال يفعلون ،ويفعلون ما ال يؤمرون .فمن جاهدهم بيده فهو م<<ؤمن،
<ة<ان حب<<ك من اإليم< <ؤمن ،وليس وراء ذل< ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ،ومن جاهدهم بقلبه فهو م<
ال في ملكة س<<بأخردل ) .والقرآن الكريم ينقل لنا صورة طيبة عن الحكم الذي يقوم على الشورى ،ممث ً
<وني في <ا المأل افت<
التي فاجأها كتاب سليمان عليه السالم يحمله الهدهد ،فجمعت قومها وقالت ( :يا أيه<
أمري ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون ،قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد واألمر إليك ف<<انظري
ماذا تأمرين ،قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ،وكذلك يفعل<<ون ،وإني
مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون … ) اآليات .وقد انتهى ه<ذا الس<لوك الش<ورى الحكيم
بالملكة الرشيدة إلى أن أسلمت مع سليمان هلل رب العالمين .فنجت ونجا معها قومها من حرب خاسرة،
وكس<<<<<<<<<<بت ب<<<<<<<<<<ذلك ال<<<<<<<<<<دنيا واآلخ<<<<<<<<<<رة .
وينقل القرآن صورة أخرى مظلمة عن الحكم الذي يقوم على التأله والتسلط ،مثل حكم فرعون الذي قال
<ة إال
<ور الهام< للناس ( :أنا ربكم األعلى )( ،ما علمت لكم من إله غيري) ،والذي ال يستشير في األم<
بطانته الخاصة ،كما رأينا ذلك في قصة فرعون مع موسى ،حين حاور فرعون فأفحمه ،فهدده بالسجن،
فقال موسى ( :أو لو جئتك بشيء مبين ،قال فأت به إن كنت من الصادقين ،فألقى عصاه فإذا هي ثعبان
<رجكم من <د أن يخ< مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ،قال للمال حوله إن هذا لساحر عليم ،يري<
أرضكم بسحره فماذا تأمرون ) .فهذه ليست استشارة حقيقية ،ألنها تخص ( المأل حوله) فق<<ط ،ثم هي
استشارة موجهه ،فهو ال يأخذ رأيهم في شأن موسى وماذا تكون رسالته ،وما حقيقة أمره؟ بل حكم عليه
<حره) . <كم بس< <رجكم من أرض< <د أن يخ< <احر عليم ،يري<
<ذا لس<<رأي ( :إن ه< <ألهم ال<
<ل أن يس<قب<
< من رعيته حين قال ( :إن فرعون عال في األرض وجع<<ل وقد بين القرآن حقيقة حكم فرعون ،وموقفه
<و)أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم ،إنه كان من المفسدين) .فهذا ( العل<
<ك في <رآن ذل< <رر الق<في األرض هو ما نعبر عنه في لغة السياسة المعاصرة بكلمة (الطغيان) .وقد ك<
وصف فرعون (:إنه كان عاليًا من المسرفين ) .ولم يكن علو فرعون وطغيان<<ه على ب<<نى إس<<رائيل
وحدهم ،بل على المصريين أيضًا ،إذا خطر ألحدهم أو لفئة منهم أن يخرجوا عن خطة ،ويتمردوا على
<روه على <وب لينص< <ل ص< <ذين جلبهم من ك<ربوبيته .وهذا ما تجلى واضحا في موقفه من السحرة ال<
موسى،بعد أن تبين لهم ،حين آمنوا برب هارون وموسى ،بعد أن تبين لهم الحق من الباطل ( .قال آمنتم
له قبل أن آذن لكم ،إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ،فألقطعن أيديكم وأرجلكم من خالف وألصلبنكم في
جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابًا وأبقى) .
وانظر إلى قوله ( :آمنتم له قبل أن آذن لكم ) إنه يريد أن يحجر على عقول الناس وقلوبهم ،فال يج<<وز
لعقل أن يقتنع بشيء وال لقلب أن يؤمن بأمر ،إال بإذنه وبعد تصريح منه !! لقد ذم القرآن فرعون ،وذم
القوى الدنسة المتحالفة معه ،مثل ( قارون) الذي يمثل الرأسمالية البشعة الجشعة ،التي ال ت<<رى ألح<<د
<ان
<ل هام< عليها حقا فيما يملك من مال .كما جسدها قارون بقوله ( :إنما أوتيته على علم عندي ) .ومث<
<و<بر .فه<
الذي يمثل السياسيين النفعيين الذين يضعون قدراتهم الذهنية والتنفيذية في خدمة الطاغية األك<
عقل<<<<<<<<<<ه المفك<<<<<<<<<<ر ،وس<<<<<<<<<<اعده المنف<<<<<<<<<<ذ !
<د
<تقدمونها لجل<
<ديهم ،يس<<برون أدوات في أي< كما شمل القرآن بالذم أموال الطغاة من الجنود الذين يعت<
<ول عن <اطئين) .ويق<
<انوا خ< <ا ك<
الشعوب وقهرها ،ولهذا قال القرآن ( :إن فرعون وهامان وجنودهم<
فرعون ( :فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ،فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) .وكلمة ( الجنود) تشمل
كل أعوان الطاغية من عسكريين ومدنيين .
ومن ناحية الحملة على األعوان المباشرين من كبار مثل هامان وقارون أو صغار مثل جنود فرع<<ون.
ومن ناحية ثالثة :الحملة على الشعوب التي تسلم قيادها للطغاة ،دون أن تسألهم يومًا :لم ؟ أو كيف؟ بله
أن تقول :ال ،بملء فيها !.
لقد ذم القرآن قوم نوح على لسانه بقوله ( :رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إال خسارًا
) .وذم عادًا قوم هود بقوله ( :واتبعوا أمر كل جبار عنيد ،وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيام<<ة).
وذم قوم فرعون بقوله ( :فاستخف قومه فأطاعوه ،إنهم كانوا قومًا فاسقين) .وعرض القرآن لنا صورًا
<هم من جمة من مشاهد اآلخرة ،وفيها يتالوم السادة الكبراء المضلون ،وأتباعهم المضللون ،ويتبرأ بعض<
بعض ،ويلعن بعضهم بعضًا ،ويحاول كل فريق أن يلقى بالتبعة على اآلخر .ولكن اهلل يحكم على الجميع
<عفين من <ا آتهم ض< <بيال ،ربن<بأنهم من أهل النار ( .وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا الس<
العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا ) ( .إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم األسباب،
<رات عليهم، <الهم حس< وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ،كذلك يريهم اهلل أعم<
<ة<ا والبيع<
<و :الرض< وما هم بخارجين من النار ) .إن أساس قبول القيادة السياسية لألمة في اإلسالم ه<
<رعي <ولي الش< االختيارية .فمن رضيه المسلمون إمامًا إي أميرًا ورئيسًا لهم ،وبايعوه على ذلك ،فهو ال<
الذي تجب طاعته في المعروف .وتجب المناصحة له بالحق ،والمعاونة له على كل خير .واإلس<<الم ال
يحب أن يؤم رجل الناس في صالة الجماعة وهم له كارهون ،فكيف يقبل أن يقود رجل األمة كله<<ا في
شئونها العامة ،وهى له كارهة ،وبه ضائقة ،وعليه ساخطة؟ جاء في الحديث الشريف ( :ثالثة ال ترفع
صالتهم فوق رؤوسهم شبرًا :رجل أم قوم وهم له كارهون ،وامرأة باتت وزوجه<<ا عليه<<ا س<<اخط،
وأخوان متصارمان ).
أعلى
إلى الفهرس
العدل
<رية <ة واألس<<اة الفردي<
< الحي<<اتومن القيم اإلنسانية األساسية التي جاء بها اإلسالم ،وجعلها من مقوم<
<دف <و ه<واالجتماعية والسياسية ( :العدل) .حتى جعل القرآن إقامة القسط -أي العدل -بين الناس ه<
الرساالت السماوية كلها .يقول تعالى ( :لقد أرسلنا رسنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليق<<وم
<ود األول من <و المقص< <ون ه< الناس بالقسط ) .وليس ثمة تنويه بقيمة القسط أو العدل أعظم من أن يك<
<موات <امت الس<إرسال اهلل تعالى رسله ،وإنزاله كتبه .فبالعدل أنزلت الكتب ،وبعثت الرسل ،وبالعدل ق<
واألرض .والمراد بالعدل :أن يعطى كل ذي حق حقه ،سوء أكان ذو الحق فردًا أم جماعة أم شيئًا من
<ال <يره .ف<
األشياء أم معنى من المعاني ،بال طغيان وال إخسار ،فال يبخس حقه وال يجور على حق غ<
تعالى ( :والسماء رفعها ووضع الميزان ،أال تطغوا في الميزان ،وأقيموا الوزن بالقس<<ط وال تخس<<روا
الميزان) .واإلسالم يأمر المسلم بالعدل مع النفس :بأن يوازن بين حق نفسه ،وحق ربه ،وحقوق غيره.
كما قال عليه الصالة والسالم لعبد اهلل بن عمرو ،حين جار على حق نفسه بمداومة صيام النهار وقي<<ام
الليل ( :إن لبدنك عليك ح ًقا ،وإن لعينك عليك حقًا ،وإن ألهلك عليك حقًا ،وإن لزورك علي<<ك حق<<ًا).
ويأمر اإلسالم بالعدل مع األسرة :مع الزوجة ،أو الزوجات ،مع األبناء والبنات .يقول تعالى ( :فانكحوا
<لى اهلل
<ول (ص< ما طاب لكم من النساء مثنى وثالث ورباع ،فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة) .ويقول الرس<
<ه عليه وسلم) ( :اتقوا اهلل واعدلوا في أوالدكم) ،وحين أراد بشير ابن سعد األنصاري أن يش<<هده (علي<
الصالة والسالم) على هبه معينه آثر بها بعض أوالده ،سأله النبي ( :أكل أوالدك أعطيتهم مثل ه<<ذا)؟
<ل قال :ال .قال ( :أشهد على ذلك غيري ،فإني ال أشهد على جور ) .ويأمر اإلسالم بالعدل مع الناس ك<
<اة<ة الحب إلى المحاب<<ه عاطف< <ره ،ال تدفع<
الناس :عدل المسلم مع من يحب ،وعدل المسلم مع من يك<
<ع من بالباطل ،وال تمنعه عاطفة الكره من اإلنصاف وإعطاء الحق لن يستحق .يقول تعالى في العدل م<
<ل نحب :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء له ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين) .ويق<
سبحانه في العدل مع من نعادي( :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط ،وال يجرمنكم شنآن
<ائي في <ي والقض< قوم على أال تعدلوا ،واعدلوا هو أقرب للتقوى ،واتقوا اهلل) .وكم حفل التاريخ السياس<
اإلسالم بمواقف رائعة ،حكم فيها لغير المسلمين ،ضد المسلمين ،وللرعية ضد الدعاة.
يأمر اإلسالم بالعدل في القول ،فال يخرجه الغضب عن قول الحق ،وال يدخله الرضا في قول الباط<<ل.
يقول تعالى ( :وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) .ويأمر بالعدل في الشهادة ،فال يشهد إال بما علم ،ال
يزيد وال ينقص ،وال يحرف ،وال يبدل .قال تعالى ( :وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الش<<هادة هلل) ،
(كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط) .ويأمر اإلسالم بالعدل في الحكم .كما قال تعالى ( :إن اهلل يأمركم أن
تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) .وقد استفاضت األحاديث في فضل
( اإلمام العادل) فهو أحد السبعة الذين يظلهم اهلل في ظله يوم ال ظل إال ظله ،وأحد الثالثة الذين ال ترد
لهم دع<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وة .
وبقدر ما أمر اإلسالم بالعدل وحث عليه ،حرم الظلم أشد التحريم ،وقاومه أشد المقاوم<<ة ،س<<واء ظلم
النفس أم ظلم الغير ،وبخاصة ظلم األقوياء للضعفاء ،وظلم األغنياء للفقراء ،وظلم الحكام للمحك<<ومين.
وكلما اشتد ضعف اإلنسان كان ظلمه أشد إثمًا .يقول الرسول لمعاذ( :واتق دعوة المظلوم ،فليس بينه<<ا
< الرب: وبين اهلل حجاب) .وقال( :دعوة المظلوم يرفعها اهلل فوق الغمام ،ويفتح لها أبواب السماء ،ويقول
وعزتي ألنصرنك ولو بعد حين ) .ومن أبرز أنواع العدل ،الذي شدد في<<ه اإلس<<الم م<<ا س<<مي في
عصرنا :العدل االجتماعي .ويراد به :العدل في توزيع الثروة ،وإتاحة الفرص المتكافئة ألبنا ء األم<<ة
الواحدة ،وإعطاء العاملين ثمرة أعمالهم وجهودهم دون أن يسرقها القادرون وذوو النفوذ منهم ،وتقريب
الفوارق الشاسعة بين األفراد والفئات بعضها وبعض ،بالحد من طغيان األغني<<اء والعم<<ل على رف<<ع
مستوى الفقراء .وهذا الجانب سبق فيه اإلسالم سبقًا بعيدًا ،حتى إن القرآن منذ عهده المكي لم يغفل هذا
<قر <ل س< <ان من أه< <كين ك<األمر الحيوي ،بل إعطاء عناية بالغة ،ومساحة واسعة .فمن لم يطعم المس<
المعذبين في النار ( ،قالوا :لم نك من المصلين ،ولم نك نطعم المسكين) .وال يكفى أن تطعم المس<<كين،
بل يجب أن تحمل نصيبك في الدعوة إلى إطعامه ،والحض على رعاية ضروراته وحاجات<<ه ( :أرأيت
الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ،وال يحض على طعام ) .وإهمال هذا الحض يضعه القرآن جنبًا
إلى جنب مع الكفر باهلل تعالى ،الموجب للعذاب األليم ،وصلي الجحيم ( :خذوه فغلوه ،ثم الجحيم صلوه،
<ام<ؤمن باهلل العظيم ،وال يحض على طع< <ان ال ي<
<ه ك<ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه ،إن<
المسكين) .والمجتمع الجاهلي مجتمع مذموم مسخوط عليه من اهلل تعالى ،لضياع الفئات الضعيفة في<<ه،
ال بل ال تكرمون الي<<تيم ،وال تحاض<<ون على طع<<ام وانشغال األقوياء ،بأكل التراث وحب المال ( :ك ً
ال لمًا وتحبون المال حبًا جمًا ) .لقد اهتم اإلسالم بالطبقات الض<<عيفة فيالمسكين ،وتأكلون التراث أك ً
<ل <ادل لك< المجتمع ،فشرع لهم من األحكام والوسائل ما يكفل لهم العمل المالئم لكل عاطل ،واألجر الع<
عامل ،والطعام الكافي لكل جائع ،والعالج الكافي لكل مريض ،والكساء المناسب لكل عريان .والكفاي<<ة
<ق <ا يلي<
التامة لكل محتاج .وتشمل هذه الكفاية :المأكل والملبس والمسكن ،وكل ما ال بد له منه ،على م<
<وى <ام الن<
<ف اإلم< <ذا تعري<
<ه .وه< <خص ولمن يعول< <ير ،لنفس الش< بحاله ،من غير إسراف وال تقت<
<تي <اة .ال<
في( المجموع) . وفرض لذلك اإلسالم حقوقًا مالية في األموال األغنياء ،أولها وأعظمها الزك<
<ة ذات اعتبرها اإلسالم ثالث أركانه ،يؤديها المسلم طوعًا واحتسابًا ،وإال أخذت منه كرهًا ،ولو أن طائف<
شوكة امتنعت من أدائها قوتلت عليها بحد السيوف .تؤخذ الزكاة من األغنياء لترد على الفقراء .فهي من
األمة واليها .واألرجح أن يعطى الفقير من الزكاة كفاية العمر الغالب ألمثاله ،متى اتسعت حصيلة الزكاة
<
لذلك .وبذلك بصبح في العام القادم يدًا معطية ال آخذة ،عليا ال سفلى .وقد ألفت كتب في هذا الموضوع،
ينبغي أن تراجع .وفى كتابنا ( الصحوة اإلسالمية وهموم الوطن العربي واإلسالمي) خطوط عريض<<ة
مركزة لمقومات العدل االجتماعي في اإلسالم ،يحسن الرجوع إليها .
إلى الفهرس
اإلخــــاء
ومن القيم اإلنسانية االجتماعية التي دعا إليها اإلسالم :اإلخاء -أو األخوة -ومعناه :أن يعيش الن<<اس
<ها<تي يحب بعض< <دة ،ال<
في المجتمع متحابين مترابطين متناصرين ،يجمعهم شعور أبناء األسرة الواح<
بعضًا ،ويشد بعضها أزر بعض ،يحس كل منها أن قوة أخيه قوة له ،وأن ضعفه ضعف له ،وأنه قلي<<ل
بنفسه كثير بإخوانه .وألهمية هذه القيمة في بناء المجتمع المسلم سنفصل فيها بعض التفصيل .والقران
<وة). يجعل اإلخاء في المجتمع المؤمن صنو اإليمان ،وال ينفصل عنه ،يقول تعالى ( :إنما المؤمنون إخ<
ويجعل القران األخوة نعمة من أعظم النعم ،فيقول( :واذكروا نعمت اهلل عليكم عيكم إذ كنتم أعداء فألف
<دك بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا) .ويقول في سورة أخرى ممتنًا على رسوله الكريم( :هو الذي أي<
بنصره وبالمؤمنين ،وألف بين قلوبكم ،لو أنفقت ما في األرض جميعًا م<<ا ألفت بين قل<<وبهم ولكن اهلل
< النبي (صلى اهلل عليه وسلم)( :المسلم أخو السلم ،ال يظلمه وال يسلمه ..
بينهم ،إنه عزيز حكيم) .ويقول
ال تحاسدوا ،وال تباغضوا ،وال تناجشوا … وكونوا عباد اهلل إخوانًا) .وقد ذكرنا من قبل ما روى اإلمام
< دبر كل صالة : أحمد من حديث زيد بن أرقم :أن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) كان يقول
(اللهم ربن<<ا ورب ك<<ل ش<<ئ ومليك<<ه أن<<ا ش<<هيد أن<<ك اهلل وح<<دك ال ش<<ريك ل<<ك .
( اللهم ربن<<ا ورب ك<<ل ش<<ئ ومليك<<ه أن<<ا ش<<هيد أن محم<<دًا عب<<دك ورس<<ولك .
( اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة .
فجعل إقرار مبدأ (األخوة) بعد الشهادة هلل تعالى بالوحدانية ،ولمحمد بالعبودية والرس<<الة .وقول<<ه( :إن
العباد كلهم إخوة ) يحتمل معنيين كالهما صحيح :
األول :أن العباد هنا هم البشر كافة ،فهم أخوة بعضهم لبعض ،بحكم البنوة ألدم ،والعبودية له س<<بحانه.
<وامهم رغم وهذه أخوة إنسانية عامة .وقد وصف اهلل تعالى عدداُ من الرسل في القرآن بأنهم إخ<
<وة ألق<
< كما في قوله تعالى :وإلى عاد أخ<<اهم ه<<ودًا)،كفرهم برسالتهم ،الشتراكهم معهم في الجنس واألصل،
(وإلى ثمود أخاهم صالحا ) ( ،وإلى مدين أخاهم شعيبًا ).
الثاني :أن العباد هنا هم المسلمون خاصة ،بحكم اشتراكهم في أمة واحدة ،تضمهم عقي<<دة واح<<دة هي
التوحيد ،وقبلة واحدة هي الكعبة البيت الحرام ،وكتاب واحد هو القرآن ،ورسول واحد هو محمد علي<<ه
الص<<<<<الة والس<<<<<الم ،ومنهج واح<<<<<د ،ه<<<<<و ش<<<<<ريعة اإلس<<<<<الم .
وهذه أخوة دينية خاصة ،ال تنافى األولى ،إذ ال تنافى بين الخاص والعام .كل ما في األم<<ر أن له<<ذه
األخوة حقوقًا أكثر ،بمقتضى وحدة العقيدة والشريعة ،والفكر والسلوك.
إلى الفهرس
المحبة ومراتبها
ومن العناصر األساسية لهذه األخوة :المحبة ،وأدنى درجات المحبة سالمة الصدور من الحسد والبغضاء
واألحقاد وأسباب العداوة والشحناء .والقرآن يعتبر العداوة والبغضاء عقوبة قدرية يع<<اقب اهلل به<<ا من
يكفرون برساالته ،ومنحرفون عن آياته ،كما قال تعالى إلى( :ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم
فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ،وسوف ينبئهم اهلل بما ك<<انوا
يصنعون ) .ويتحدث القرآن عن الخمر والميسر وهما من الكبائر الموبقة في نظر اإلسالم ،فيجعل العلة
األولى في تحريمهما ،الجديرة بالنص عليها ،هي إيقاع العداوة والبغضاء في المجتمع ،رغم ما لهما من
مضار ومساوئ أخرى ال تغفى ،فيقول تعالى ( :إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر و الميسر ويصدكم عن ذكر اهلل وعن الصالة) .وقد جاء في الحديث تسمية ه<<ذه اآلف<<ات( :داء
<ة<ا على الجماع< <ك لخطره< األمم) . كما أن الحديث سماها :الحالقة ،حالقة الدين ال حالقة الشعر ،وذل<
< عليه الصالة والسالم ( :دب إليكم داء األمم من قبلكم :الحسد وتماسكها المادي والمعنوي .وفي هذا يقول
والبغضاء .والبغضاء هي الحالقة ،ال أقول :تحلق الشعر ،ولكن تحلق الدين) ( .أال أدلكم على أفض<<ل
<ة ) .وفى <بين هي الحالق< <اد ذات ال<
من درجة الصالة والصيام والصدقة ؟ إصالح ذات البين ،فإن فس<
رواية( :ال أقول :تحلق الشعر ،ولكن تحلق الدين) ( .تفتح أبواب الجنة يوم االثنين والخميس ،فيغفر لكل
<طلحا، <تى يص< <ذين ح< عبد ال يشرك باهلل شيئًا ،إال رجل كان بينه وبين أخيه شحناء ،فيقال :انظروا ه<
انظروا هذين حتى يصطلحا ،انظروا هذين حتى يصطلحا) ( .ال يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثالث،
<هم يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسالم )( .ثالثة ال ترتفع صالتهم فوق رؤوس<
شبرا :رجل أم قومًا وهم له كارهون ،وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ،وأخ<<وان متص<<ارمان)› أي
<وء الظن، <يطان هن س< متقاطعان .إن جو البغضاء والشحناء جو عفن كريه ،تروج فيه كل بضائع الش<
<هم <وة بعض< <ل األخ< والتجسس ،والغيبة والنميمة ،وقول الزور ،والسب واللعن ،وقد ينتهي إلى أن يقات<
بعضًا .وهذا هو الخطر ،الذي حذر منه النبي الكريم ،واعتبره من أثر الجاهلية ،وقال( :ال ترجعوا بعدي
كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض )( .سباب المسلم فسوق ،وقتاله كفر ) .لهذا كان إصالح ذات ال<<بين
من أفضل األعمال والقربات إلى اهلل تعالى ( :إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا اهلل لعلكم
ترحمون)( .فاتقوا اهلل وأصلحوا ذات بينكم ،وأطيعوا اهلل ورسوله إن كنتم مؤمنين)( .ال خير في كث<<ير
<ات اهلل
<اء مرض< من نجواهم إال من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بين الناس ،ومن يفعل ذلك ابتغ<
فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا) .بل جعلت الشريعة سهمًا من حصيلة الزكاة للغارمين في إصالح ذات البين،
إعانة لهم على القيام بهذه المكرمات ،التي كان يقوم بها أص<<حاب القل<<وب الكب<<يرة والهمم العالي<<ة،
فيتحملون ما بين القبائل المتخاصمة من ديات ومغارم وان ضاقت بذلك أموالهم .وألهمية إصالح ذات
<ف <ل في وص< <دق الكام<البين ،رخص النبي (صلى اهلل عليه وسلم) لمن يقوم باإلصالح أال يلتزم الص<
موقف كل طرف من اآلخر ،فنقل بعض العبارات كما قيلت ،قد يؤجج نار الخصومة وال يطفئه<<ا ،فال
بأس بشيء من التزيين ،وشئ من المعاريض ،وفي هذا جاء الحديث الصحيح ( :ليس بكذاب من أصلح
<اد<دور من األحق< <المة الص< بين اثنين فقال خيرًا ,أو أنمى خيرًا) .وأعلى من هذه الدرجة -درجة س<
<ا
<ه م< والبغضاء الدرجة التي عبر عنها الحديث الصحيح الذي يقول ( :ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخي<
<ير).<ه من الخ< يحب لنفسه) .وفى لفظ (:والذي نفسي بيده ال يؤمن عبد حتى يحب ألخيه ما يحب لنفس<
<اس. <ائر الن<< ذلك :أن يكره له ما يكره لنفسه .فإذا كان يحب لنفسه رغد العيش أحب ذلك لس< ومقتضى
<ان يحب أن < وإذا ك<<وفقين.
وإذا كان يحب أن يوفق في حياته الزوجية ،أحب للناس أن يكونوا سعداء م<
يكون أوالده نجباء ،أحب ذلك لغيره .وإذا كان ال يحب أن يذكره أحد بسوء في حضرته أو غيبته ،كان
موجب اإليمان أال يحب ذلك للناس أجمعين .فهو ينزل إخوانه منزلة نفسه في كل ما يحب ويكره .
إلى الفهرس
درجة اإليثار
وثمت درجة أعلى من هذه وتلك :هي درجة اإليثار .ومعنى اإليثار :أن يقدم أخاه على نفسه في كل ما
يحب ،فهو يجوع ليشبع أخوه ،ويظمأ ليرتوي ،ويسهر لينام ،ويجهد ليرتاح ،ويعرض صدره للرصاص
ليفدى أخاه .وقد عرض لنا القرآن صورة وضيئة للمجتمع المسلم في المدينة ،يتجلى فيها معنى اإليث<<ار
والبذل من غير شح وال بخل .يقول تعالى ( :والذين تبوءوا الدار واإليمان من قبلهم يحبون من ه<<اجر
إليهم وال يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ،ومن يوق
<عد بن<اري :أن س< شح نفسه فأولئك هم المفلحون) .وفى السنة نجد صورة أخرى تتمثل فيما رواه البخ<
الربيع عرض على عبد الرحمن بن عوف -وقد آخى النبي بينهما -أن يتنازل عن شطر مال<<ه ،وعن
<ك،<ك في أهل< <ارك اهلل ل<
إحدى داريه ،وإحدى زوجتيه ،يطلقها ليتزوجها هو .فقال ابن عوف لسعد :ب<
<لوبارك اهلل لك في دارك ،وبارك لك في مالك ،إنما أنا امرؤ تاجر ،فدلوني على السوق) إيثار نادر ق<
أن تعرف الدنيا له نظيرًا ،يقابله تعفف كريم نبيل ،وكالهما يعطينا ملمحًا من مالمح المجتم<<ع المس<<لم
الأعلى للمجتمع<<ات.الذي أقامه الرسول الكريم في المدينة ،والذي نرنو إلى مثله دائم<<ًا ،باعتب<<اره مث ً
<ها<عوب بعض< واإلسالم يحرص كل الحرص على أن تسود المحبة واألخوة بين الناس جميعا :بين الش<
وبعض ،ال يفرق بينهما اختالف عنصر أو لون أو لغ<ة أو إقليم .وبين الطبق<ات بعض<ها وبعض ،فال
مجال لصراع أو حقد ،وان تفاوتوا في الثروة والمنزلة ،وفضل اهلل بعضهم على بعض في الرزق .وبين
<ا ،وال
الحكام والمحكومين ،فال محل الستعالء حاكم على محكوم ،فإن الحاكم هو وكيل األمة بل أجيره<
<ونهم<ذين تحب<<ار أئمتكم ال<لبغض محكوم لحاكم ما دام يأخذ حقه ،كما يؤدى واجبه ،وفى الحديث(:خي<
ويحبونكم ،وتصلون عليهم ،ويصلون عليكم) أي تدعون لهم ،ويدعون لكم ،فالصالة هنا بمعناها اللغوي
وهو الدعاء.
إلى الفهرس
إلى الفهرس
إلى الفهرس
إلى الفهرس
إلى الفهرس
الفصل الثامن
التشريع والقانون
حرص اإلسالم على الستر والعفو في قضايا الحدود البد من اجتهاد معاصر منضبط
من حق المجتمع المسلم أن يحكم بشرع ربه ال يطبق الشريعة حقا ً إال من يؤمن بها
ومن مقومات المجتمع المسلم :التشريع ,أو القانوني الذي يحتكم إلى الشريعة ويحكم بها .والش<<ريعة
هي المنهاج الذي وضعه اهلل تعالى لتنظيم الحياة اإلسالمية على ضوء الكتاب المبين والسنة المطه<<رة،
وال يكون المجتمع مجتمعًا إسالميًا إال بتطبيقها والرجوع إليها في حياته كلها ،عبادات ومعامالت ،فليس
<ه( :كتب عليكم
<ذ من<<يام) ،وال يأخ<<ه( :كتب عليكم الص<<اب رب< < آن يأخذ المسلم من كت< من المعقول
القصاص) .وال يتصور أن يقبل آيات إيجاب الصالة ،ويرفض آيات تحريم الربا.
ال :أنها جاءت بع اآليات التي تحدثت عن أهل الكتابين :التوراة واإلنجيل ،وجاء فيها قول<<ه تع<<الى: أو ً
<ك هم<زل اهلل فأولئ<
<ا أن<
( ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون) ،وقوله( :ومن لم يحكم بم<
الظالمون) ،وقوله( :ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الفاسقون) ،وما كان اهلل تع<<الى ليحكم على
أهل الكتاب بالكفر ،أو الظلم ،أو الفسق ،أو بها جميعًا إذا لم يحكموا بما أنزل اهلل ،ثم يعفي المسلمين من
ذلك ،فليس ما أنزل اهلل على المسلمين ،دون ما أنزله على أهل الكتاب وعدل اهلل واحد .وقد جاء الحكم
القرآني بلفظ عام .فال مجال لمماحك يقول :إن اآليات جاءت في أهل الكتاب ال في المسلمين).
<ة:
<يغة قوي<
<ك بص<
<ذرت من ذل<
<ل ح<
ثانيًا :أنها لم تتسامح في ترك جزء مما أنزل اهلل إلى رسوله ،ب<
( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اهلل إليك) .
ثالثًا :أن الناس بين حكمين ال ثالث لهما :إما حكم اهلل ،أو حكم الجاهلية ..فمن لم يرض باألول وقع في
الثاني ال محالة ،وفى هذا يقول( :أفحكم الجاهلية يبغون ،ومن أحسن من اهلل حكمًا لقوم يوقنون ).
إن التشريع هو الذي ينقل التوجيهات الدينية واألخالقية إلى قوانين ملزمة ،ويعاقب على تركها .وحاجة
<ر إال
<ا للبش<
<ية ،ال يحققه<
<ة أساس<
البشر إلى تشريع رباني -سالم من قصور البشر وأهوائهم -حاج<
التشريع اإلسالمي ،فهو الذي يحمل هداية اهلل األخيرة للبشر ،وال يوجد في األرض تشريع رباني آخر،
ألن كل المصادر السماوية قد أصابها التحريف والتبديل ،كما أثبت ذلك الدارسون المحققون من القدماء
والمحدثين والمعاصرين بالنسبة للتوراة واإلنجيل .المصدر السماوي الوحيد الباقي بال زي<<ادة وال نقص
وال تحري<<<<<<<<<ف وال تغي<<<<<<<<<ير ه<<<<<<<<<و الق<<<<<<<<<رآن .
إن البشر في حاجة إلى توجيه إلهي يجنبهم الضالل في الفكر ،والغي في السلوك .فكثيرًا ما زينت للبشر
<ال<ون األطف<<ديمًا يقتل<
<بارطة ق<عقولهم القاصرة :جرائم بشعة ،وغوايات شنيعة ،حتى وجدنا أهل اس<
<اس الضعاف البنية ،والعرب في الجاهلية يئدون البنات ،والهنود والرومان والفرس وغيرهم يقسمون الن<
< بعض<<ها ألدنى إلى طبقات يجوز لطبقة ما ال يجوز لألخرى ،ويقتل بعضها عمدًا فال يقتص منه ،ويقتل
األسباب ،وربما بال سبب .ووجدنا في عصرنا من يجيز زواج الرجال بالرجالوتصدر بذلك ق<<وانين،
ويب<<<<ارك ذل<<<<ك بعض رج<<<<ال ال<<<<دين في الغ<<<<رب المتحض<<<<ر المتق<<<<دم .
<د من الغي،<بين لهم الرش< ومع قصور العقل البشرى في مقابلة العلم اإللهي :نجد أن البشر كثيرًا ما يت<
والنافع من الضار ،ومع هذا تغلبهم أهواؤهم وشهواتهم ،أو أهواء ذوى النف<<وذ وأص<<حاب المص<<الح
الخاص<<<ة منهم ،فيحل<<<ون م<<<ا يجب أن يح<<<رم ،ويحرم<<<ون م<<<ا ينبغي أن يب<<<اح .
ولعل من أوضح األمثلة على ذلك :موقف الواليات المتحدة من تحريم الخمر ،وتراجعها عن التح<<ريم،
<ًا
<كر ،وتحقيق<
رغم ثبوت ضرره على الفرد واألسر والمجتمع ،ماديًا ومعنويًا ،اتباعًا لشهوات هواة الس<
لمصالح المنتفعين من انتشار المسكرات.
إلى الفهرس
( ثم إن ميزة أبناء الجاهلية الغربية -كأهل الجاهلية في كل زمان -أنهم يهتمون بالمحسوسات أك<<ثر
<ورة
<ام أعينهم بص< <اث ً
ال أم< < ولهذا يستفظعون الضر الذي ينال الفرد لكونه م<
من اهتمامهم بالمعقوالت.
مرئية .ولكنهم ال يدركون خطورة الضرر العظيم الذي يلحق المجتمع وأجياله القادمة جميعًا ،على نطاق
واسع ،ألنهم يكادون ال يحسون به لسعته وعمق آثاره ).
وأود أن أذكر هنا :أن اإلسالم يشدد في إثبات الجريمة تشديدًا غير عادي ،وخصوصًا في جريمة الزنا،
وهي لم تثبت في عهد النبوة والراشدين إال باإلقرار ،كما أنه يفتح الباب للتوبة ،فمن صدقت توبتة سقط
<ر<ل إلى التعزي<
<د ينتق<
<ة ،فق<
عنه الحد على الرأي الراجح .وسقوط الحد ال يعنى إسقاط العقوبة بالكلي<
المناسب.
إلى الفهرس
إلى الفهرس
ولهذا بدأ اإلسالم بالمرحلة المكية -مرحلة الدعوة والتربية -قبل المرحلة المدنية ،مرحل<<ة التش<<ريع
والتنظيم ،وفى هذه المرحلة نرى التشريع يمتزج بالتربية أيضًا امتزاج الجسم بالروح .إن مجرد تغي<<ير
القوانين وحده ال يصنع المجتمع المسلم .إن تغيير ما باألنفس هو األساس .وأعظم ما يعين على تغيير ما
باألنفس هو اإليمان الذي ينشئ اإلنسان خلقًا آخر ،بما يضع له من أهداف ،وم<<ا يمنح<<ه من ح<<وافز
<ا أن<إذا أردن<<زأ .ف<وضوابط ،وما يرتبه على عمله من جزاء في الدنيا واآلخرة .واإلسالم كل ال يتج<
نحارب جريمة مما شرعت له الحدود ،فليست محاربتها بإقامة الحد فقط ،وال بالتشريع فقط ،بل الحد هو
<وا هم أال<ؤالء ليس<<اس ،وه< آخر الخطوات في طريق اإلصالح .إن العقاب إنما هو للمنحرفين من الن<
<ل <رفين ،ب<<ط لعالج المنح< كثرين ،وليسوا هم القاعدة ،بل هم الشواذ عن القاعدة .واإلسالم لم يجئ فق<
لتوجيه األسوياء ووقايتهم أن ينحرفوا .والعقوبة ليست هي العامل األكبر في معالجة الجريمة في نظ<<ر
اإلسالم ،بل الوقاية منها بمنع أسبابها هو العامل األكبر ،فالوقاية دائما خير من العالج .فإذا نظرن<<ا إلى
جريمة كالزنى نجد أن القرآن الكريم ذكر في شأن عقوبة الحد فيها آية واحدة في مطلع س<ورة الن<ور،
وهى قوله تعالى ( :الزانية والزاني ،فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ،وتأخذكم بهما رأفة في دين اهلل
<تي <رى ال< إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر) ،ولكن السورة نفسها اشتملت على عشرات اآليات األخ<
<وا توجه إلى الوقاية من الجريمة .وحسبنا قوله تعالى ( :إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمن<
لهم عذاب أليم في الدنيا واآلخرة) .وقوله سبحانه في تنظيم التزاور وآدابه ،واحترام ال<<بيوت ورعاي<<ة
حرماتها ( :يا أيها الذين آمنوا ال تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ،ذلكم خير
<ذين <ا ال<
لكم لعلكم تذكرون) .ويدخل فيها آداب االستئذان للخدم واألطفال الذين لم يبلغوا الحلم ( :يا أيه<
آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثالث مرات ،من قبل صالة الفجر وحين
تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صالة العشاء ،ثالث عورات لكم) .وأهم من ذلك تربية المؤم<<نين
والمؤمنات على خلق العفاف واإلحصان ،بغض البصر وحفظ الفروج ،وذلك في قوله جل شأنه( :ق<<ل
<ل <نعون ،وق< <ا يص< للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ،ذلك أزكى لهم ،إن اهلل خبير بم<
للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منه<<ا ،وليض<<ربن
بخمرهن على جيوبهن …اآلية ) .وهنا برز عنصر جديد في الوقاية من الزنا وجرائم الجنس ،وهو منع
النساء من الظهور بمظهر اإلغراء والفتنة للرجال ،وإثارة غرائزهم وأخيلتهم ،ح<<تى ج<<اء في اآلي<<ة
الكريمة قوله تعالى ( :وال يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) ،ثم تختم اآلية بقوله سبحانه:
( وتوبوا إلى اهلل جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ).
<كومعنى هذا :وجوب تطهير المجتمع من أسباب اإلغراء والفتنة ،وسد الذرائع إلى الفساد .وأهم من ذل<
<ؤولية
ال مس<كله األمر بتزويج األيامى من الرجال والنساء ،ومخاطبة المجتمع كله بذلك ،باعتباره مسؤو ً
تضامنية ( :وأنكحوا األيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ،إن يكونوا فقراء يغنهم اهلل من فضله،
واهلل واسع عليم ) .ومسؤولية المجتمع هنا -وعلى رأسه الحكام -تتمثل في تيسير أس<<باب االرتب<<اط
الحالل ،إلى جوار سد أبواب الحرام ،وذلك بإزاحة العوائق المادية واالجتماعيه أمام راغبي الزواج ،من
غالء المهور ،واإلسراف في الهداايا والدعوات والوالئم والت<أثيث ،وم<ا يتص<ل ب<ذلك من ش<ؤون،
<كلة،
<ل المش< ومساعدتهم -ماديًا وأدبيًا -على تكوين بيوت مسلمة .فليست إقامة الحد إذن هي التي تح<
<ع
<اء ،أرب<والواقع أن الحد هنا ال يمكن أن يقام بشروطه الشرعية إال في حالة اإلقرار في مجلس القض<
<اء
<رة أثن<
مرات ،على ما يراه عدد من األئمة ،أو شهادة أربعة شهود عدول برؤية الجريمة رؤية مباش<
وقوعها ،ومن الصعب أن يتاح ذلك .فكأن القصد هنا هو منع المجاهرة بالجريمة .أم<<ا من ابتلى به<<ا
مستترًا فال يقع تحت طائلة العقاب الدنيوي وأمره في اآلخرة إلى اهلل سبحانه.
إلى الفهرس
أولها :أن األشياء التي تخالف فيها القوانين الوضعية األحكام الشرعية وان لم تكن كبيرة في مس<<احتها
<انون <ا -في الق<<ريم الرب<
وكمها -هي في غاية األهمية بالنظر إلى نوعها وكيفها ووظيفتها .مثل تح<
<ة<رائم معين< المدني -الذي شدد القرآن وشددت السنة في وعيد من ارتكبه ،ومثل إقامة الحدود على ج<
< منصوصا عليها حقا له تعالى .وذلك ألن هذه األحكام وأشباهها هي التي تم<<يز قدر لها الشرع عقوبات
حضارة عن حضارة وأمة عن أمة .فتحريم الربا -كإيتاء الزكاة -من أبرز ما يميز نظاما اقتص<<اديا
عن آخر ،وهما بالفعل من أخص خصائص االقتصاد اإلسالمي .وتحريم الزنا والفاحشة ما ظهر منه<<ا
وما بطن ،وكل ما يؤدى إلى ذلك ،وتقرير العقوبة عليه ،ومثله تحريم المس<<كرات :تعاطي<<ًا واتح<<ارًا
<ارة <يز الحض< <ا يم<
وصنعًا ،وإيجاب العقوبة عليها … إلى غير ذلك مما جاءت الحدود عقابًا عليه مم<
<ذوذ اإلسالمية عن غيرها من الحضارات التي ال ترى بأسًا في إباحة الزنا ما دام بالتراضي وإباحة الش<
الجنسي ،برغم منافاته للفطرة السوية ،وللرجولة الكريمة ،وجوره على الجنس اآلخر .وك<<ذلك إباح<<ة
الخمور والمسكرات ،مع ما ثبت بالقطع من أضرارها المادية والمعنوية على الفرد وعلى األسرة وعلى
المجتمع.
ثانيها :أنه ال يكفى أن تكون القوانين الوضعية متفقة مع أحكام الشريعة اإلس<<المية .ألن مج<<رد ه<<ذا
< عليها الشريعة اإلسالمية .إنما ال<<واجب
االتفاق -بالمصادفة -ال يمنحها الصبغة اإلسالمية ،ال يضفي
<ريعة،
<ة للش<أن ترد إلى الشريعة ،وتنطلق منها ،بحيث ترتبط بالفلسفة العامة لإلسالم ،وبالمقاصد الكلي<
وتستند إلى األدلة الشرعية الجزئية في مختلف مواد األحكام في شتى القوانين ،وفق األصول المرعي<<ة
<ع<لم ،والمجتم<
عند فقهاء المسلمين جميعًا .وبهذا يكون لهذه القوانين شرعيتها وقدسيتها لدى الفرد المس<
المسلم ،وينقاد لها طواعية واختيارًا ،ألنه يتعبد له تبارك وتعالى بقبولها والخضوع لها .فخضوعه له<<ا
ليس خضوعًا لبرلمان وضعها ،وال لحكومة قررتها ،بل هو طاعة هلل الذي شرعها لخير عباده ،وانقياده
لها تجسيد إليمانه ورضاه بحكم اهلل ورسوله ( :إنما كان قول المؤمنين منين إذا دعوا إلى اهلل ورس<<وله
<د
ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ،وأولئك هم المفلحون) وفرق كبير بين التزام المسلم بموجب العق<
بناء على النظرية الفالنية أو أن الفيلسوف الفالني يقول :إن العقد شريعة المتعاقدين ،وبين التزامه بذلك
ال) ولقد قي<<ل< بالعهد ،إن العهد كان مسؤو ًألن اهلل تعالى يقول( :يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)(.وافوا
<وانين<ير على الق<<ددون النك<<اذا تش<
لألستاذ حسن الهضيبى المرشد الثاني لإلخوان المسلمين يومًا :لم<
الوضعية ،مع أنها -في معظمها -شبيهة باألحكام الشرعية ؟ فكان جوابه :ألننا مط<<البون باألحك<<ام
الشرعية ال بما يشهها ،وقد قال تعالى ( :وأن احكم بما أنزل اهلل).
ثالثها :أن الشريعة اإلسالمية كل ال يتجزأ ،وال يجوز أخذ بعضها وترك بعضها ،ولو كان هذا المتروك
0ا %أو %5أو ح<<<<<<<<<<تى %1أو واح<<<<<<<<<<دا في األل<<<<<<<<<<ف .
<وك عن <ذرهم أن يفتن<فقد قال اهلل تعالى لرسوله ( :وأن احكم بينهم بما أنزل اهلل وال تتبع أهواءهم واح<
بعض ما أنزل اهلل إليك ) ،وذلك ألن الذي يتنازل عن البعض القليل يوشك أن يتنازل عن الجل ،بل عن
الكل ! ومن تم أنكر القرآن أبلغ اإلنكار على بنى إسرائيل في تجزئتهم للدين ،وأخ<<ذهم لبعض أحك<<ام
<
<رون <اب وتكف< <ون ببعض الكت< كتابهم وإعراضهم عن البعض اآلخر ،فقال تعالى مقرعًا لهم ( :أفتؤمن<
ببعض،فما جزاء من يفعل ذلك منكم إال خزي في الحياة الدنيا ،ويوم القيامة يردون إلى أشد العذب ،وما
اهلل بغافل عما تعملون) .وكما ال يقبل من مسلم أن يرفض شيئا -مهما ّ
قل -من القرآن الكريم ،ويعتبر
<دين<ا علم من ال<بذلك كافرًا ،فكذلك ال يقبل منه أن يرفض أي حكم قطعي ثابت من أحكام الشريعة مم<
بالضرورة ،ورفضه لهذا يعتبر كفرًا باإلسالم يخرجه من الملة ،ويعزله عن األمة ،ويستحق به عقوب<<ة
الردة ،ألنه يتضمن استدراكًا على اهلل تعالى وتعالمًا من العبد على ربه ،واتهامًا له سبحانه بقصور علمه
وحكمته أو بقصور جوده رحمته ،تعالى اهلل عما يقولون علوًا كبيرًا.
إلى الفهرس
تحكيم الشريعة يجسد أصالتنا وتحررنا
سابعًا :إذا كان التشريع عندنا نحن المسلمين جزءًا ال يتجزأ من ديننا ،فال يتم إيمانن<<ا إال ب<<الحكم ب<<ه
واالحتكام إليه ،وال خيار لنا في ذلك بعد التزامنا باإلسالم ،والرضا به دينًا وشرعة ومنهاجًا ( :وما كان
لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ،ومن يعص اهلل ورس<<وله
ال مبينًا .فإن تحكيم الشريعة فيه معنى آخر يتصل بأصالتنا وقوميتنا ،فالقوانين الوض<<عية فقد ضل ضال ً
<نا،
التي نحكم بمقتضاها في بالدنا العربية واإلسالمية ،قوانين أجنبية عنا دخيلة علينا ،لم تنبت في أرض<
ولم تستمد أحكامها من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا ومسلماتنا .ولهذا أحلت ما نعتقده حرامًا ،وح<<رمت م<<ا
ال ،وأسقطت ما نعتقده واجبًا .والعودة إلى أحكام الشريعة تعني التحرر من بقايا االستعمار في نعتقده حال ً
المجال التشريعي ،والرجوع إلى منابعنا األصيلة ،نستقي منها ما ال نصلح بغيره ،ألن فيه هداية ربن<<ا،
وأصالة تراثنا ،المتجاوب مع أنفسنا وتطلعاتنا ،والمعبر عن حقيقة اتجاهنا ،والمحقق ألهدافنا وحاجتن<<ا.
<ًا ،ثم انتهى لقد كان دخول القوانين الوضعية إلى بالدنا ،أشبه بدخول اليهود إلى فلسطيننا ،بدأ تسل ً
ال خفي<
اغتصابًا علنيًا .إن الذي يقرأ كيف دخل القانون الوضعي إلى بلد كمصر ،سبق غيره في ذل<<ك ليأخ<<ذه
العجب كل العجب .كيف تم ذلك العدوان في بساطة تثير غضب الحليم .وحسبك أن هذا القانون وضعه
<ا
<ل مم< <ه في وقت أق< شخص ال تتعدى ثقافته العلمية أو المهنية درجة المتوسط .وهو محام أرمني أتم<
<ال<ا ق<<ًا ،كم< يستغرقه وضع كتاب صغير جدًا .والحقيقة أنه لم يضع قانونًا ،بل نقله بجملته نق ً
ال حرفي<
<وانيناألستاذ ( مسينا ) أحد المستشارين اإليطاليين في المحاكم المختلطة في مصر .وقد وصف هذه الق<
بأنها( :مجمعة من هنا وهناك على غير أصول وضع القوانين وفقًا لحاجات الجماع<<ة ومص<<الحها) .
<تيراد أو
< (مسينا) ( :وإن شبح زعيم المدرسة التاريخية ( سافيني ) لترتعد فرائصه من تصور اس< ويقول
اقتراض أمة لتشريعاتها ) .ولكن هذه القوانين استوردت أو اقترضت دون حاجة إليها ،وال طلب له<<ا،
<ان<ا ك< وال رغبة فيها ،ودون أن تستشار األمة في شأنها ،كأن األمر ال يخصها وال يتعلق بحياتها .وم<
< لوال أن االحتالل هو الذي أدخلها وحماها ،بأسنة رماحه .واليوم تط<<الب لهذه القوانين أن تدخل وتبقى،
الشعوب العربية واإلسالمية بإكمال استقاللها بالعودة إلى أحكام شريعتها ،وهو أمر نادى به كبار رجال
القانون الوضعي نفسه ،الذين أتيح لهم أن يدرسوا فقه الشريعة ،ويطلعوا على بعض كنوزه وأس<<راره .
<ه<ة الفق<
<اد بقيم<
<ذي أش< ومن أبرز هؤالء عالمة القانونيين العرب الدكتور عبد الرزاق السنهوري ،ال<
اإلسالمي وأصالته وغناه في أكثر من كتاب وأكثر من مناسبة ،وخصوصًا في المراح<<ل األخ<<يرة من
عمره ،بعد أن تعمق أكثر في قراءة مصادر الفقه ،و كتابه الشهير (مصادر الحق في الفقه اإلس<<المي)
<ائر
<دوا في ذخ< <أن تج< ففي محاضرة له نشرتها األهرام في ( ) 1/1/1937يقول ( .وإني زعيم لكم ب<
الشريعة اإلسالمية من المبادئ والنظريات ما ال يقل في رقى الصياغة وفي إحكام المصنعة ،عن أحدث
المبادئ والنظريات وأكثرها تقدمًا في الفقه العالمي).
إلى الفهرس
إلى الفهرس
مذهبيون مقلدون متعصبون لمذاهبهم ال يرون الخروج منها قيد ش<<عرة ،وخصوص<<ًا أق<<وال .1
المتأخرين.
ال مذهبيون حرفيون ،ممن اسميهم ( الظاهرية الجدد ). .2
وهؤالء وأولئك هم الذين يشهرون سيف اإلرهاب على كل عالم رأى رأيا جديًا أو مخالفًا لمن كان قبله،
وان كان من كبار العلماء ،وأساطين الشيوخ ،الذين قضوا أعمارهم سباحين وغواصين في بحار العلوم
اإلس<<<<المية ،وك<<<<ان لهم إنت<<<<اجهم وش<<<<هرتهم ال<<<<تي طبقت اآلف<<<<اق .
وأذكر أن فقيهًا مثل الشيخ اإلمام محمد أبو زهرة رحمه اهلل وقف في إحدى الندوات يعلن عن رأى فقهي
جديد له ،قال :إني كتمته منذ عشرين عامًا أو أكثر ،واآلن أبرئ ذمتي ،وأبوح به .وليس المهم أن يكون
<اده
<ه ،ويخفي اجته< رأيه هذا صوابًا أو خطأً ،إنما المهم هنا والمؤلم حقًا :أن يكتم هذا العالم الكبير رأي<
<ائجين،<اج اله<عشرين عامًا ،وال يجد الفرصة أو الجرأة ،ليكتبه تحريرًا ،أو يلقيه شفاهًا ،خشية من هي<
وتطاول المتطاولين ،الذين يملكون النصال الحادة ،والسهام الجارحة ،ويصوبونها بسرعة البرق إلى كل
ذي رأي يخالف ما ألغوه ! وبهذا تموت اآلراء في صدور أصحابها ،وال تعرف إلى الظهور سبي ً
ال.
إن الدعوة إلى االجتهاد لعصرنا ال تعني الفوضى ،وفتح الباب على مصراعيه لكل مدع متط<<اول ،وإن
لم يحصل شروط االجتهاد األساسية .إن بعض دعاة (التجديد) أو (التطور) ،يريدون أن يطوروا اإلسالم
ذاته حتى يوافق أهواءهم (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات واألرض ومن فيهن) ،وأه<<واؤهم
<الم ،أوإنما كونتها المعارف التي تسولوها من موائد الثقافة الغربية ،مع معرفة ضحلة أو مشوشة باإلس<
جهل مطبق به في بعض األحيان .فهم لهذا ال يفرقون بين الجانب الذي له صفة الثب<<ات والخل<<ود في
<ال .فهم <ان والح< <ان والمك<أحكام اإلسالم وتوجيهاته ،والجانب المرن المتطور الذي يتغير بتغير الزم<
ينقدون الفقه ويعتبرونه مجرد وجهة نظر تمثل رأى شخص معين في بيئة معينة في عصر معين .ف<<إذا
تغير العصر ،وتغيرت البيئة ،وتغيرت األشخاص كان الواجب عليهم أن ينشئوا فقهًا جديدا يمثلهم وبعبر
ال .وهذا صحيح بالنظر إلى جزئيات األقوال واآلراء التي قال به<<ا الفقه<<اء في عنهم زمانًا ومكانًا وحا ً
شتى مجاالت االجتهاد .ولكنه ليس صحيحًا بالنسبة إلى مجموع الفقه ،الذي يمثل ثروة تشريعية ضخمة
< اإلسالمية ،ابتداء من الص<<حابة فمن بع<<دهم على ت<<والى شاركت في إنشائها وتنميتها شوامخ العقول
<ة من األممالقرون ،مهتدين بالقرآن الكريم والسنة المطهرة .وال أعرف -وال أحسب أحدًا يعرف -أم<
<دها ،دون أن <ا وغ< <رع ليومه< طرحت تراثها القانوني الوضعي وراءها ظهريًا ،وبدأت من الصفر تش<
<ه<ق بالفق<
تستفيد من روائع أمسها ،فكيف بتراث فقهي أساسه رباني ؟ :ولو أننا سلمنا لهؤالء ،فيما يتعل<
<ري <رآن النظ< والفقهاء،وجدناهم يقفزون قفزة أخرى ،يردون بها رفض السنة النبوية ،التي هي بيان الق<
وشرحه العملي ،وقد أوجب اهلل طاعته وطاعة رسوله جميعًا ( :قل أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول )،وجعل
طاعة رسوله من طاعته( :من يطع الرسول فقد أط<<اع اهلل) .وال عجب أن نج<<د فيهم من ي<<دعو إلى
االكتفاء بالقرآن ،وإلغاء السنة كلها ! أو من يدعو إلى األخذ بالسنة المتواترة ،ويلغي سنن اآلحاد ،وهي
<نة .<دار الس<جمهرة السنة .أو من يدعو إلى األخذ بالسنة العملية ،وإخراج األحاديث القولية ،وعليها م<
<وم من ال<دين وجهل هؤالء أنهم بهذا يخالفون القرآن نفسه ،ويخرجون عن إجماع األمة ،وينكرون العل<
بالضرورة .فإذا تنازلنا لهؤالء -على سبيل االفتراض -وقبلنا كالمهم المردود عن السنة ،فسرعان ما
نجدهم يخطون خطوة أخرى أجرأ وأوقح ،وهي التطاول على القرآن نفسه ،وعلى أحكام القرآن الثابت<<ة
القطعي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة .
وال غرو أن نجد منهم من يكتب -بال وجل وال خجل -يريد أن يعطل الحدود ويعطل األوامر ،ويحل
<كله ! .إنالحرام ،ويحرم الحالل ،كل ذلك بدعوى التطور والتجديد والمحافظة على روح اإلسالم ال ش<
واحدًا من هؤالء القوالين المتقولين -ممن فتحت لهم بعض الصحف والمجالت ذراعيها ليكتب ما يشاء
<ه<اهلي ) إن< -يقول في تبجح ( :إن القرآن لم ينزل لتنظيم عصر الفضاء ! بل لتنظيم مجتمع بدائي ج<
يتهم اهلل الجليل بقصور العلم ،وإنه لم يكن يعلم ماذا تكون عليه مخلوقاته بعد مدة من ال<<زمن .وآخ<<ر
< (إن آية( :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) إنما نزلت لردع من يس<<رق ناق<<ة الع<<ربي في يقول:
صحراء الجزيرة ،وفيها كل متاعه وحياته !! ولو كان عند هذا المدعى شئ من المعرفة بتاريخ العرب
<دت في <ط إذا وج< في عصر النبوة لعلم أن النوق لم تكن تسرق في ذلك العهد ،بل كانت تترك وال تلتق<
<ًا
<ا متعلق<
البرية ،فمعها حذاؤها وسقاؤها .وحوادث السرقة التي ثبتت في ذلك العصر لم يكن واحد منه<
بسرقة ناقة أو جمل ! نحن ندعو إلى االجتهاد ال الفوضى ،وإلى التجديد ال التبديد ! إلى فقه األصالء ،ال
تطاول األدعياء.
إلى الفهرس
إلى الفهرس
سنة التدرج
<غة، حادي عشر :إن التدرج سنة من سنن اهلل في خلقه ،وشرعه ،فقد خلق اإلنسان أطوارًا :علقة ،فمض<
فعظامًا … .إلخ ,وخلق الدنيا في ستة أيام ،اهلل أعلم بكل يوم منها كم هو؟ كما أنه ف<<رض الف<<رائض
<د
<ريعة ق< <ة بهم .والش< وحرم المحرمات على مراحل ،وفق سنة التدرج ،مراعاة لضعف البشر ورحم<
<تزام<ع إلى االل<<ل المجتم<<داد لتحوي< اكتملت بال شك ،ولكن تطبيقها في عصرنا يحتاج إلى تهيئة وإع<
اإلسالمي الصحيح ،بعد عصر االغتراب والتغريب .وقد تم بعض ه<<ذا في بعض البالد ،وبقي بعض،
<ذين<ع المنف<
<ة طالئ< وهو يحتاج إلى بذل الجهود ،إلزالة العوائق ،ومنع الهزات ،وإيجاد البدائل ،وتربي<
الثقات ،الذين يجمعون بين القوة واألمانة ،واجتماعهما في الناس قليل ،طالما شكا منه األقدمون حتى قال
<ة<بيق ،رعاي< عمر ( :اللهم إني أشكو إليك عجز الثقة وجلد الفاجر) .ولهذا ال مانع من التدرج في التط<
<ك<ا نهج ذل< <ه ) ،وكم< لحال الناس ،واتباعًا للتوجيه النبوي الكريم ( :إن اهلل يحب الرفق في األمر كل<
الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنه .فقد روى المؤرخون عن عمر بن عبد العزي<<ز :أن
ابنه عبد الملك -وكان أفضل أبنائه -قال له يومًا :يا أبت :مالك ال تنفذ األمور ؟! فواهلل ما أبالي لو أن
القدور فلت بي وبك في الحق .يريد الشاب التقي المتحمس من أبيه -وقد واله اهلل إمارة المؤمنين -أن
يقضي على المظالم وآثار الفساد دفعة واحدة ،دون تريث وال أناة ،وليكن بعد ذلك ما يكون ! فماذا كان
جواب األب الصالح ،والخليفة الراشد ،والفقيه المجتهد ؟ قال عمر :ال تعجل يا بني ،فإن اهلل ذم الخم<<ر
في القرآن مرتين ،وحرمها في الثالثة .وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة ،في<<دفعوه جمل<<ة،
ويكون من ذا فتة .يعني أنه يريد أن يسقيهم الحق جرعة جرعة ،ويحملهم على طريقه خطوة خط<<وة.
ومرة أخرى ،يدخل عليه ابنه المؤمن المتوقد حماسة وغيرة ،ويقول عاتب<<ًا أو غاض<<بًا ( :ي<<ا أم<<ير
المؤمنين :ما أنت قائل لربك غدًا إذا سألك فقال :رأيت بدعة فلم تمتها ،أو سنة فلم تحيها ؟ فقال أب<<وه:
<روة، <روة ع< <دة ،وع< رحمك اهلل وجزاك من ولد خيرًا ! يا بنى :إن قومك قد شدوا هذا األمر عقدة عق<
علي فتقًا يكثر فيه الدماء ،واهلل ل<زوال
< ّ ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا
الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم ! أو ما ترضى أن ال يأتي على أبيك يوم من أيام
<نة<ة ،وس< <نة كوني< الدنيا ،إال وهو يميت بدعة ،ويحي فيه سنه ؟ .فالتدرج بهذا المعنى مقبول ،وهو س<
< بمرور شرعية .كل ما نؤكده هنا :أال يكون هذا مجرد تكأة لتأجيل العمل بالشريعة ،وتمويت الموضوع
الزمن ،باسم التدرج والتهيئة ! إنما الواجب اتباع سياسة ابن عبد العزيز :أال يم<<ر ي<<وم إال وتم<<وت
<ة،<ة الخط< <دف ،وتهيئ< فيهبدعة ،وتحي سنة ،وبهذا يتحقق التدرج المطلوب .فالتدرج يعنى :تحديد اله<
<داد<ة لإلم<
<ع الخط< <الب بوض< وتعيين المراحل ،وحشد الطاقات في خدمة الغرض المنشود .ولهذا نط<
والتغيير ،تعليميًا وإعالميًا ،وثقافيًا واجتماعيًا ،بادئين بما ال يحتاج إلى تدرج وال تهيئة ،وإنما يحتاج إلى
صدق التوجه ،ومعه العزيمة ،وإذا صدق العزم وضح السبيل.
إلى الفهرس
إلى الفهرس
إلى الفهرس
لكل مجتمع مذهب اقتصادي خاص ،تتمثل فيه فلسته وعقائده ومثله ،ونظرته إلى الفرد والمجتمع ،وإلى
<ثروة،
<اج ال<
<ه بإنت<
المال ووظيفته ،وفكرته عن الدين والدنيا ،والغنى والفقر ،فيؤثر ذلك كله في عالقت<
<اد
<ديث من االقتص< <ادي .والح<<ه االقتص< وطرائق تداولها وتوزيعها واستهالكها ،ومن ذلك ينشأ نظام<
اإلسالمي يطول ،وقد ألفت فيه وفي نواح منه بحوث شتى ،وكتب جمة ،وق<<دمت عش<<رات الرس<<ائل
<اء
<ا بن<
<وم عليه<العلمية للماجستير والدكتوراه .وحسبنا هنا أن نأخذ فكرة من القواعد األساسية التي يق<
االقتصاد في المجتمع اإلسالمي ،وأهم هذه القواعد هي:
إلى الفهرس
عرف ذلك في الفلسفة البرهمية في الهند ،وفي المذهب المانوي في فارس ،كما عرف ذلك في المسيحية
من األديان 1لكتابيه ،وتحلت هذه النزعة بوضوح في نظام الرهبانية.
يروي أصحاب األناجيل -متى ومرقص ولوقا -عن المسيح :أن شابًا غنيًا أراد أن يتب<<ع 1لمس<<يح،
ويدخل في دينه ،فقال له ( :بع أمالكك ثم اعط ثمنها للفقراء ،وتعال اتبعني ،فلما ثقل ذلك على الش<<اب
قال المسيح :يعسر أن يدخل غني ملكوت السموات .أقول لكم أيضًا ( :إن دخول جم<<ل في ثقب إب<<رة
أيسر من أن يدخل غيى ملكوت اهلل ) !!.
أما المذاهب 1لحديثة من رأسمالية وشيوعية ،فتجعل االقتصاد محور الحياة وتجعل من الم<<ال (إل<<ه )
األفراد والجماعة.
ولكن اإلسالم لم ينظر إلى المال وإلى الطيبات تلك النظرة المتشائمة القاتمة ،وال هذه النظ<<رة المادي<<ة
المسرفة ،ولكنه:
(ب) وسمى المال خيرًا في مواضع من القرآن ( :وإنه لحب الخير لشديد ) .ق<<ل م<<ا أنفقتم من خ<<ير
فللوالدين واألقربين( .كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية ).
<ائ ً
ال <دك ع< (ج) واعتبر الغنى نعمة يمتن اهلل بها على رسوله ،وعلى المؤمنين المتقين من عباده( :ووج<
فأغنى )( .وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم اهلل من فضله إن شاء ) ( .ولو أن أهل القرى آمن<<وا واتق<<وا
لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض ) ( ويمددكم بأموال وبنين ).
(د) واعتبر الفقر بالء وعقوبة يصيب به اهلل من ينحرف عنه ويكفر بنعمته ( .وضرب اهلل مث ً
ال قري<<ة
< بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع والخ<<وف
كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت
بما كانوا يصنعون ).
(هـ) وحدد النبي (صلى اهلل عليه وسلم) نظرته إلى المال بهذه الكلمة الموجزة الجامع<<ة( :نعم الم<<ال
الصالح للرجل الصالح ).
فليس المال خيرًا مطلعًا ،وال شرًا مطلقًا في ذاته ،بل هو أداة وسالح :يكون خيرًا في يد األخيار ،وشرًا
<ات، <ير من الواجب<<ون على أداء كث< <ات ،والع<في يد األشرار .ذلك أن المال هو وسيلة إشباع الحاج<
كالصدقة والحج والجهاد ،والعدة الضرورية لعمارة األرض .وكل ما يريده اإلسالم أال يص<<بح الم<<ال
صنمًا يعبده الناس من دون اهلل ،وأال يفتن الناس به فيصير غاية في حد ذاته ،وقد خلق ليكون وس<<يلة،
وأال يؤدى بصاحبه إلى نسيان ربه ،والطغيان على خلقه ،فهذه هي فتنة المال التي حذر منها اإلس<<الم،
<وا ال
<ذين آمن<يقول تعالى( :واعلموا أنما أموالكم وأوالدكم فتنة وأن اهلل عنده أجر عظيم ) ( .يا أيها ال<
تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر اهلل ،ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) ( .المال والبنون زين<<ة
ال) ( .كال إن اإلنس<<ان ليطغى أن رآهالحياة الدنيا ،والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخ<<ير أم ً
استغنى ).
بين النص الكريم أن الطغيان ال ينشأ من مجرد الغنى ،بل من رؤية اإلنسان نفسه مستغنيًا عن غ<<يره،
وربما توهم أنه يستغني عن ربه عز وجل.
إلى الفهرس
( أفرأيتم ما تحرثون و ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون …) اآليات .ولهذا يقول القرآن ( :وآتوهم من
مال اهلل الذي آتاكم) .ويقول ( :وال يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اهلل من فضله هو خير لهم ) .وم<<ا
آتاهم اهلل من فضل هو المال ،فيد اإلنسان على المال إذن هي يد النائب والوكيل ،ال يد المالك األصيل .
ويجب عليه أن يتقيد بأوامر المالك ،وينزل على حكمه ،ويخضع لتوجيهاته في حفظه وتنميته ،وإنفاق<<ه
وتوزيعه ،وال يقول ما قال ( آهل مدين ) لشعيب عليه السالم ( :أصالتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا
أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) .وذلك حين قال لهم شعيب ( :يا قوم اعبدوا اهلل ما لكم من إله غ<<يره،
<وا
<وم أوف<<ا ق<
وال تنقصوا المكيال والميزان ،إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ،وي<
<دين) .
<وا في األرض مفس< <ياءهم وال تعث<<اس أش< <وا الن<<ط ،وال تبخس< <يزان بالقس<
<ال والم<
المكي<
<ره األخالق ،أو
<ا تنك<ظنوا أن ملكية المال تجيز لهم حرية الصرف فيه بما يشاؤون ،ولو كان ذلك مم<
تأباه مصلحة المجتمع ،وحجتهم أنها ( :أموالنا ،نفعل فيها ما نشاء )
<إذا لم
<ون ،ف<
واإلسالم يقرر أنها أموال اهلل ،آتاها من شاء من عباده ،واستخلفهم فيها ،لينظر كيف يعمل<
يلتزموا أوامر اهلل فقد تجاوزوا حدود الوكالة ،فأخذت منهم الحقوق قهرًا ،أو غلّت أيديهم بالحجر.
وبهذه القاعدة الذهبية سبق اإلسالم -بقرون طويلة -ما نادى به بعض علماء االجتماع من الغرب<<يين،
من أن :المكية وظيفة اجتماعية ،وأن الغني موظف في النظام االجتماعي -وإن كان هذا القول ال يرقى
إلى ما جاء به القرآن الكريم.
إلى الفهرس
ومن جميل ما نبه عليه بعض حكماء المسلمين :أنالعمل والتكسب ،وإن كان مباحًا من وجه ،فهو واجب
من وج<<ه .يق<<ول اإلم<<ام ال<<راغب في كتاب<<ه القيم ( الذريع<<ة إلى مك<<ارم الش<<ريعة ) .
التكسب في الدنيا ،وإن كان معدودًا من المباحات من وجه ،فإنه من الواجبات من وجه ،وذلك أنه لما لم
يكن لإلنسان االستقالل بالعبادة إال بإزالة ضروريات حياته ،فإزالتها واجبة ،ألن كل ما ال يتم ال<<واجب
إال به فواجب كوجوبه .وإذا لم يكن له إلى إزالة ضروراته سبيل إال بأخذ تعب من الناس ،فال بد
إذن أن يعوضهم تعبًا من عمله ،وإال كان ظالمًا ،فمن توسع في تناول عمل غيره في مأكل<<ه وملبس<<ه
ال بقدر ما يتناوله منهم ،وإال كان ظالمًا لهم ،سواء قص<<دوا ومسكنه وغير ذلك ،فال بد أن يعمل لهم عم ً
ال ،يرمى منه بقلي<<ل من إفادته أو لم يقصدوها ،فمن رضي بقليل من عملهم فلم يتناول من دنياهم إال قلي ً
العمل … ومن أخذ منهم المنافع ولم يعطهم نفعًا ،فإنه لم يأتمر هلل تعالى في قوله ( :وتعاونوا على البر
والتقوى ) ،ولم يدخل في عموم قوله ( :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) .ولذا ذم من يدعي
<ه<ه .فإن<
التصوف فيتعطل عن المكاسب ،ولم يكن له علم يؤخذ منه ،وال عمل صالح في الدين يقتدي ب<
<دروا <أن يك<<ل في مثلهم إال ب< <ًا ،فال طائ<يأخذ منافع الناس ويضيق عليهم معاشهم ،وال يرد إليهم نفع<
المش<<<<<<<<<ارع ( المي<<<<<<<<<اه) ,ويغل<<<<<<<<<وا األس<<<<<<<<<عار.
<الومن الداللة على قبح فعل من هذا صنيعه :أن اهلل تعالى ذم من يأكل مال نفسه إسرافًا وبدارًا ،فما ح<
ال .ومن واجب والء األمر أن يهيئوا من يأكل مال غيره على ذلك ،وال ينيلهم عوضًا ،وال يرد عليهم بد ً
<ه من التعليم
<ر ل< <رته ،وأن ييس< < أس< <ه ويكفى -لكل قادر -العمل الذي يالئمه ،ويكتسب منه ما يكفي<
والتدريب ما يؤهله لهذا العمل .إن اإلسالم يحث على العمل الدنيوي ويباركه ،وكل ما يطلبه من المسلم
<الب<ه ،بين مط< <ر دين< في هذا األمر ،هو التوازن بين عمله لمعاشه ،وعمله لمعاده ،بين أمر دنياه وأم<
جسمه وأشواق قلبه ،فال تلهيه األولى عن اآلخرة ،وال المادة عن الروح.
<دو<ا بالغ<
<ه فيه<<بح ل<<ه ( :يس< ومد وصف اهلل تعالى الصالحين من عباده الذين مرتادون الساجد بقول<
< رجال ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر اهلل وإقام الصالة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه
واآلصال،
القلوب واألبصار ) .والواجب على العامل أن يؤدى عمله بأمانة وإتقان ،فإحسان العمل فريضة ديني<<ة
كإحسان العبادة سواء ،كما في الحديث الصحيح ( :إن اهلل كتب اإلحسان على كل شئ) .وفي الح<<ديث
ال أن يتقنه ) .كما على المجتمع المسلم أن يعمل على توفية اآلخر ( :إن اهلل يحب من أحدكم إذا عمل عم ً
كل عامل أجره العادل ،وال يبخسه حقه ،وال يؤخر عليه أجره .وفي الحديث ( :أعطوا األجير أجره قبل
أن يجف عرقه ) .وفى الحديث القدسي عند البخاري ( :ثالثة أنا خصمهم ي<<وم القيام<<ة …… وفيهم:
( رجل استأجر أجيرًا ،فاستوفى منه ،ولم يوفه أجره ).
إلى الفهرس
تحريم موارد الكسب الخبيث
وهذه القاعدة سياج للقاعدة التي قبلها ،وتكميل لها ،فالكسب الذي يرحب به اإلسالم ،ويعترف بآثاره ،هو
الكسب الطيب المشروع .أما الكسب الخبيث فقد حظره اإلسالم الذي جاء يحل الطيبات ويحرم الخبائث.
<رقة ،والغش، <ب ،والس< والكسب الخبيث ،ما جاء عن طريق الظلم ،وأخذ مال الغير بغير حق ،كالغص<
وتطفيف الكيل والميزان ،واالحتكار ،واستغالل حاجة المحتاج ،وبخس الناس أشياءهم ،ونحوها .أو كان
بغير مقابل من جهد أو مشاركة ،كالربا والقمار -ومنه اليانصيب -ونحوه<ا .أو ك<ان عوض<ًا لعين
محرمة كثمن الخمر ،والخنزير ،واألصنام ،والتماثيل ،واألواني والتحف المحرمة ،والكالب الممنوع<<ة
<ان <رافين والكه< <دجالين من الع< <أجور ال<<رعًا ،ك<… .ونحوها .أو كان عوضًا لمنفعة غير معتبرة ش<
<ذر <ا .وين<والمنجمين ،وكتبة الربا ( ،والعاملين في الحانات والمراقص والمالهي المحرمة … .ونحوه<
< ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) .وال يقيم اإلسالم وزنا الرسول كل آكل للحرام بالنار فيقول:
لحسن النية ،وشرف الغاية إذا كان طريق الكسب محرمًا .فالذي يأكل الربا ليبني به جامعًا ،أو يؤس<<س
به مدرسة لأليتام أو نحو ذلك ،ال يعتد به اإلسالم ،فقد جاء في الصحيح ( :إن اهلل طيب ال يقبل إال طيبًا
) .وفى حديث آخر ( :إن الخبيث ال يمحو الخبيث ) .والحرام حرام في نظر اإلسالم ،ولو حكم القاضي
بحله حسب الظاهر له من البينات .يقول تعالى ( :وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام
لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون ) .وفي هذا جاء ح<<ديث الن<<بي (ص<<لى اهلل علي<<ه
وسلم)( :إنكم تختصمون إلي ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ،فأقضي له على نحو م<<ا
أسمع ،فمن قضيت له من حق أخيه بشيء ،فإنما هي قطعة من نار ،فليأخذها أو ليدعها ) .حتى ولو كان
القاضي هو رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)! ألنه قضى حسبما ظهر له .وبهذا أقام اإلسالم من ضمير
المسلم وتقواه حارسا على حياته االقتصادية .فإذا كان القاضي يحكم بالظواهر ،فإن اهلل -الذي يراقب<<ه
المسلم ويخشاه -مطلع على الحقائق والسرائر .وأشد ما حذر منه اإلسالم :هو استغالل األقوياء للضعفاء
<ل <ة ،وأك<<وال الرعي< ! كأكل األوصياء ألموال اليتامى ،وأكل الرجال ألموال النساء ،وأكل الحكام ألم<
أرباب العمل لحقوق العمال ,وأكل أصحاب األرض لعرق الفالحين.
ومما حذر منه اإلسالم أشد التحذير :أخذ المال العام بغير حق .ألن لكل واحد من أبناء الشعب فيه حقًا،
فإذا اختلس شيئًا أو انتهبه دونهم ،فقد ظلمهم جميعًا .وأمسوا كلهم خصمائه يوم القيامة.
<رآن ( :ومن<ة ) .وفي الق< ومن هنا جاء التشديد وسوء الوعيد فيمن غل من الغنيمة ( أي أخذ منها خفي<
يغلل يأت بما غل يوم القيامة ،ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ال يظلمون ) .والمال العام مح<<رم على
<ير
الوالة الكبار ،كما هو محرم على الموظفين الصغار ،فال يجوز لهم أن يأخذوا درهمًا أو دانقًا منه بغ<
<ل< أو الهدايا ،فقد علم كل ذي عق< حق .كما ال يجوز لهم أن يستغلوا مناصبهم في اإلثراء باسم العموالت
وذي ضمير أنها رشاوى مقنّعة ،بل سافرة .وقد أهدى بعضهم لعمر بن عبد العزيز شيئًا ،فرفضه ،فقال
له المهدي :إن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) قبل الهدية .فقال رضي اهلل عنه :كانت الهدية لرس<<ول
<ابن
<رف ب< اهلل هدية ،أما لنا فهي رشوة .ولقد اشتد غضب النبي عليه الصالة والسالم على عامل له يع<
<دي<ذا أه<< فقال :هذا لكم ،وه< اللتبيّة حين جاء بعد رجوعه من مهمته في جباية الزكاة ،ببعض األموال،
<دىإلي .فقال النبي (صلى اهلل عليه وسلم) مستنكرًا ( :هال قعد في بيت أبيه وبيت أمه ،حتى ينظر :أيه<
إليه أم ال )؟!! أي أن الهدية لم تأته لشخصه ،وال لصداقة أو قرابة سابقة بينه وبين المهدي .ب<<ل أتت<<ه
بسبب المنصب فقط ،فال حق له فيها .ولهذا كان اإلسالم أول من طبق على الوالة والحكام ق<<انون (من
أين لك هذا ) ؟ أو الكسب غير المشروع .وقد حقق اإلسالم بتحريمه موارد الكسب الخبيث عدة أهداف
اجتماعية واقتصادية:
أولها :إقامة العالئق بين الناس على أساس من العدالة واألخوة ورماية الحرمات ،وإعطاء كل ذي ح<<ق
حقه.
ثانيها :قضى على أهم عامل يؤدي إلى توسيع الفوارق االقتصادية بين األفراد والطبقات ،فإن األرب<<اح
الفاحشة ،والمكاسب الضخمة ،غالبًا ،تأتي من ارتكاب الطرق المشروعة في الكس<<ب ،بخالف ال<<تزام
<
الطرق المشروعة ،فإنها قلما ينتج عنها إال الربح المعتدل والكسب العقول.
<د وال
<ل من جه< <ير مقاب<
ثالثها :دفع الناس إلى العمل والكدح ،حيث لم يجز أكل المال بالباطل :أي بغ<
عوض وال مشاركة في الغنم والغرم ،كالقمار والربا ونحوهما ،وفى هذا نفع اقتصادي ال شك فيه.
إلى الفهرس
<ه
<ده وإتقان<
<ه وج<
إنما العدل واإلحسان أن تتيح الفرصة للجميع ليكسبوا ويتملكوا ،فإذا تميز فرد بذكائ<
ومثابرته ،استحق من الجزاء ما يكافئ عمله ( :هل جزاء اإلحسان إالاإلحسان )( ،ولكل درجات مم<<ا
عملوا ).
<ًا
<ا دام محافظ<
ومن هنا يبيح اإلسالم التملك ،ولو أفضى بصاحبه إلى درجة كبيرة من الغنى والثروة م<
على كسب المال من حله ،وإنفاقه في حقه ،غير متناول لحرام ،وال مسرف في مباح ،وال شحيح بحق،
<ل وال ظالم ألحد ،وال آكل حق غيره ،كما هو مقتضى نظرية ( االستخالف ) اإلسالمية .ولعل أبرز مث<
على ذلك ،عبد الرحمن بن عوف رضى اهلل عنه ،فهو أحد السابقين األولين وأحد العش<<رة المبش<<رين
بالجنة ،وأحد الستة أصحاب الشورى .وقد خرج من مكة -كبقية إخوانه المهاجرين -بال دار وال مال،
<ه<دى زوجتي< وآخى الرسول بينه وبين سعد بن الربيع ,،فعرض عليه أن يشاطره ماله وأن يطلق له إح<
ليتزوجها بعد العدة ،فقال له :بارك اهلل لك في أهلك وفى مالك ،دلني على السوق.
وذهب عبد الرحمن يضرب في األرض ،ويبتغى من فضل اهلل ،في أسواق كان يسيطر عليها من قب<<ل
يهود الدينة ،فغدا وراح ،واجتهد وشمر ،وكان عقلية اقتصادية كبيرة ،فما هي إال سنوات ح<تى أص<بح
<عد في
< روى ابن س<
<اأكبر أثرياه المسلمين ،ولم يمت حتى ترك ثروة كان فيها ذهب قطع بالفؤوس،كم<
<ان (
<ع الثمن ( )1/32فك<
طبقاته ( :وصولحت إحدى نسائه األربع على نصيبها من التركة -وهو رب<
000ر )80ثمانين ألفًا )
إن اإلسالم لم يحرم هذا الغنى ،ولم يقف في سبيله ،ألنه جمع من حله ،بال ضرر وال ضرار ،وأنفق في
محله بال بخل وال إسراف .باع عبد الرحمن أرضًا له يومًا بأربعين ألف دينار ،فقسم ذل<<ك الم<<ال في
أقاربه من بنى زهرة ،وفى فقراء ،المسلمين وأمهات المؤمنين .وجاءت قافلة له من الشام إلى المدين<<ة،
<ه<ل وفات<وهي سبعمائة راحلة ،محمل من كل شيء ،فتبرع بها كلها وبما تحمله كله في سبيل اهلل ،وقب<
أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل اهلل ،ولكل رجل ممن بقى من أهل بدر بأربعمائة دينار ،ومن قب<<ل
<الح في< الواجبة .فهذا هو المال الص< ذلك طالما أنفق وبذل ،فض ً
ال من إيتاء ،الزكاة المفروضة ،والنفقات
<الم
يد الرجل الصالح ،ونعم المال ونعم الرجل ( .وما روى :أنه يدخل الجنة حبوًا فلم يصح ) .إن اإلس<
يبيح لكل فرد أن يتملك ،بل يدعوا إلى أن يتملك ،ويحمي له ملكيته ويورثها ذريته من بع<<ده ،ليعطي<<ه
بذلك حافزًا قويا على الجد والدأب ،ومواصلة السعي والكد ،وليشعر األفراد بالسيادة والقدرة ،كلما تذوقوا
<اب،<تذل الرق<<اس ،تس< نعمة المكية ،ولم يجعلهم عبيدًا في يد الدولة التي قد يسيطر عليها حفنة من الن<
< ألنها تملك كل شيء ،وال يملك جمهور الناس وتلغي الدين واألخالق ،وال تجد من يقدر على مقاومتها،
شيئًا.
وفي إقرار اإلسالم للمكية الفردية وحمايته لها ،خير لألمة ،والقتصادها كله ،فقد ثبت أن الحوافز الفردية
<ام،
هي التي تحقق أكبر قدر من اإلنتاج ،بخالف األمالك والمؤسسات الجماعية ،وما يسمى بالقطاع الع<
حيث يقل اإلنتاج ويسوء ،لعدم وجود الحوافز وقوة الرقابة ،الناشئة عن الملكية الخاصة .غير أن اإلسالم
يشترط لحماية الملكية الفردية شرطين:
أوال :يتحقق أنها اكتسبت من طرقها المشروعة ،ووسائلها المباحة ،وإال ال يعترف اإلسالم أن بها ،وإن
طال عليها األمد في يد من حازها بغير حق .وهنا تختلف شريعة اإلسالم ،من القوانين الوضعية ،ال<<تي
تقر الملكية المحرمة إذا مضى عليها زمن معين ،مثل خمسة عشر عامًا ،ونحو ذلك ،فإن نظرية اإلسالم
أن مضى الزمن ال يجعل الحرام حال ً
ال ،مادامت حرمته ثابتة ومعروفة.
ثانيًا :أال تتعارض مع مصلحة عامة للمجتمع ،وإال نزعت من صاحبها بالرضا ،أو ب<<القهر ،وع<<وض
ال .ألن مصلحة المجموع مقدمة على مصلحة الفرد .وقد حدث في عهد عمر رض<<ي عنها تعويضًا عاد ً
اهلل عنه ،أنه أراد توسعة المسجد الحرام ،لما كثر الناس وضاق بهم ،فاشترى بعض الدور المحدقة بهم،
<ا في
<رًا ،وأدخله<
<ذها منهم قس<
وأبى أصحاب الدور األخرى أن يبيعوها ،وأصروا على امتناعهم ،فأخ<
<د
<دث في عه< <ك ح< المسجد ،ووضع القيمة في خزانة الكعبة ،حتى أخذها أصحابها بعد حين .ومثل ذل<
عثمان رضى اهلل عنه .وكذلك إذا قضت الضرورة أو الحاجة بتحديد موضع معين إلقامة مستش<<فى ،أو
<ا،
مصنع أو مطار أو مدرسة ،أو نحو ذلك مما فيه مصلحة عامة ،فليس لصاحب الملك أن يرفض بيعه<
بثمن المثل ،فإن أبى أجبره ولي األمر على القبول ،بناء على حكم المحكمة المختصة التي تفص<<ل بين
الدولة والشعب في حالة النزاع.
إلى الفهرس
منع األفراد من تملك األشياء الضرورية للمجتمع
إن أبرز ما يميز بين النظم االقتصادية المختلفة ،هو موقفها من الملكية الفردية ،فالشيوعية تعادي المكية
< واالش<<تراكية -وبخاص<<ة الفردية على اإلطالق ،إال في بعض األشياء التافهة ،كاألمتعة والمنقوالت.
الثورية منها -ال تجيز ملكية وسائل اإلنتاج ،من األراضي والمصانع ونحوها ،وتعمل على تأميمها ،أي
مصادرتها من أيدي األفراد ،ونقل ملكيتها إلى الدولة ،ما استطاعت إلى ذلك سبي ً
ال .والرأس<<مالية تف<<ر
الملكية في جميع األشياء ،وال تكاد تفرض عليها قيودًا تحد من طغيان أربابها .واإلسالم يق<<ف وس<<طًا
عد ً
ال ،بين هذه األنظمة المتناقضة ،فهو يجيز الملكية الفردية للعقارات والمنقوالت ،ولوس<<ائل اإلنت<<اج
وغيرها ،ولكنه يخرج من دائرة المكية الفردية كل األشياء الضرورية لجموع الناس ،فأوجب أن يك<<ون
<هم،<ا ألنفس<
ملكها للجماعة ،حتى ال يستبد بها فرد أو مجموعة أفراد ،فيتحكموا فيها ،ويحتكروا منافعه<
ويمنعوا سائر الناس عنها إال بعوض ال يستحقونه ،وبهذا يقع الضرر على المجتمع كله.
ومن أمثلة هذه الضروريات ما ذكره النبي (صلى اهلل عليه وسلم) بقوله ( :الناس شركاء في ثالث :الماء
والكأل والنار ) ،وزادت بعض األحاديث :الملح .فكل إنسان له حق االستفادة من هذه الموارد الطبيعية،
وال يجوز ألحد احتكارها .وإنما خصت األحاديث هذه الثالثة أو األربعة بهذا الحكم ،ألنها كانت أظه<<ر
الضروريات ،في حياة البيئة العربية حين ذاك ،ويمكن أن يقاس عليها ما هو مثلها في ضرورة الجماعة
إليه .ولهذا يرى المالكية -في أشهر أقوالهم -أن المعادن المس<<تخرجة من ب<<اطن األرض ال يب<<اح
<از لألفراد أن يتملكوها ،وإن ظهرت في أرض مملوكة ألحدهم ،لئال تؤدى حاجة الجمهور إليها ،واحتج<
اآلخرين لها ،إلى أنواع من التظالم ،والصراع الذي يزعزع كيان الجماعة المسلمة .ومثل ذل<<ك عن<<د
الشافعية -كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت أو حجارة ظاهرة ،في غير ملك ألحد ،فليس ألح<<د
أن يحتجزه<<ا دون غ<<يره ،وال لس<<لطان أن يمنعه<<ا لنفس<<ه ،وال لخ<<اص من الن<<اس .
< به ،ويتوصل إليه من غير مؤونة كب<<يرة، وكذلك عند الحنابلة -كل معدن ظاهر ينتابه الناس وينتفعون
<لى اهلل
<بي (ص< ال يجوز ملكه وال تمليكه لألفراد ،ألن فيه إضرارًا بالمسلمين وتضييقًا عليهم ،وألن الن<
عليه وسلم) أقطع ( أبيض بن حمال ) معدن الملح ،فلما قيل له إنه بمنزلة الماء العدّ ،استرده منه.
إلى الفهرس
إلى الفهرس
<روعاتوكذلك ال يجوز ألرباب النقود كنزها وحبسها عن التداول ،مع حاجة األمة إلى توظيفها في مش<
نافعة ،تمتص عددًا من العاطلين ،وتنعش الحركة االقتصادية ،وترفع من مستوى المعيشة ،وال عجب أن
<
أنذر القرآن الكافزين األنانيين بهذا الوعيد الشديد ،فقال ( :والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونه<<ا
في سبيل اهلل فبشرهم بعذاب أليم ،يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم،
هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ).
ولكن اإلسالم يقيد مالك المال في تثميره وتنميته ،بالطرق المشروعة ،التي ال تتنافى مع األخالق والقيم
العليا ،وال مع المصلحة االجتماعية ،إذ ال انفصال في اإلسالم بين االقتصاد واألخالق ،فليس رأس المال
<اؤون .من حرًا كما هو في الرأسمالية ،وكما زعم قوم شعيب قديمًا :أن لهم أن يفعلوا في أموالهم ما يش<
حرم اإلسالم الوسائل اآلتية في تثمير رأس المال:
أجل ذلك ّ
(أ) الرب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا:
ففيه يستغل المرابي حاجة المستقرض إلى المال ،ويفرض عليه زيادة يأخذها بغير مقابل من جه<<د وال
<ادحين<اء الك<
<ذي يمتص دم< مخاطرة ،فيزداد الغني غنى ،والفقير فقيرًا ،وتوجد طبقة أشبه بالعلق ,ال<
والعاملين ،فهي ال تعمل شيئًا ،ولكن تعود إليها ثمرات كل شئ ،وبهذا تتسع الف<<روق االقتص<<ادية بين
الطبقات ،وتتأجج نار الحقد والصراع والبغضاء .لهذا شدد اإلسالم في تحريم الربا ،وجعله من الكب<<ائر
< وتوعد عليه بأعظم الوعيد ( :يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وذروا ما بقى من الرب<<ا إن كنتم والموبقات،
مؤمنين ،فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اهلل ورسوله ) .ولعن رسول اإلسالم (صلى اهلل عليه وسلم) آكل
الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
(ب) االحتك<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ار:
فقد جاء في الحديث الصحيح ( :ال يحتكر إال خاطئ ) أي آثم ،وفى حديث آخر رواه أحمد ( :من احتكر
<نى طعامًا أربعين يوما فقد برئ من اهلل وبرئ اهلل منه) .وإنما جاء هذا الوعيد ،ألن المحتكر يريد أن يب<
<د إلى<انير ترت<
نفسه على أنقاض اآلخرين ،وال يهمه جاع الناس أو عروا ،ما دام في ذلك دراهم أو دن<
<ذا روى في خزانته ،وكلما رأى الناس أشد حاجة إلى سلعته زاد في إخفائها،واشتد سروره بغالئها ،وله<
الحديث ( :بئس العبد المحتكر ،إن سمع برخص ساءه ،وإن سمع بغالء فرح) .وقد اختلف الفقه<<اء في
تحديد األشياء التي يحرم احتكارها ،أهي األقوات ؟ أم هي كل ما هو ضروري للناس؟ والصحيح ما قاله
اإلمام أبو يوسف ( :كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار).
(ج) الغش:
في أي صورة من صوره ،وفى الحديث ( :من غش فليس منا) ( ،البيعان بالخيار ما لم يتفرق<<ا ،ف<<إن
<ل<ف الكي<<ا ) .ومن الغش تطفي< صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ،وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهم<
والوزن ،الذي أنزل اهلل فيه قرآنا يتلى ( :ويل للمطففين ،الذين إذا اكتالوا على الن<<اس يس<<توفون ،وإذا
<إخالص <ه ب<كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) .وقد ذكر القرآن قصة شعيب مرات عديدة وهو يدعو قوم<
وإصرار ( :أوفوا الكيل وال تكونوا من المخسرين ،و وزنوا بالقسطاس المستقيم).
(د) التجارة في المحرمات:
كالخمر والمخدرات والخنزير واألدوات المحرمة ،كأواني الذهب والفضة ،واألصنام والتماثيل ،واألغذية
حرم ثمنه.
حرم شيئًا ّ
الفاسدة ،فإن اهلل إذا ّ
(هـ) وكل ما يتنافى مع الخلق الكريم، أو يبعد عن الدين القويم ،أو يضر بصالح المجتمع ،فهو منك<<ر
يحاربه اإلسالم ،ويرفضه االقتصاد اإلسالمي.
إلى الفهرس
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبيل االكتفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
وإنما يتم ذلك االكتفاء بعدة أمور نجملها فيما يلي:
ال بد من التخطيط القائم على اإلحصاء الدقيق ،واألرقام الحقيقية ،والمعرفة الالزمة بالحاج<<ات .1
المطلوبة ومراتبها ومدى أهميتها ،واإلمكانات الموجودة ،ومدى القدرة على تنميتها ،والوس<<ائل
الميسورة لتلبية الحاجات ،والتطلع إلى الطموحات.
وقد ذكر لنا القرآن الكريم نموذجًا من التخطيط امتد لخمسة عشر عامًا ،قام به رسول كريم من رس<<ل
<تهالك<ار واالس<
<اج واالدخ<
<مل اإلنت<
اهلل .هو يوسف الصدّيق عليه السالم ،وبهذا التخطيط -الذي ش<
والتوزيع -واجه أزمة المجاعة ،والسنوات العجاف التي حلت بمصر ،وما حولها .كما قص ذلك علينا
القرآن الكريم في سورة يوسف.
أعلى
<ات<ات والكفاي<<ا الطاق< يجب على األمة أن تطور نظامها التعليمي والتدريبي ،بحيث يهيئ له< .2
البشرية المتنوعة في كل مجال تحتاج إليه ،وأن تطور نظامها اإلداري والمالي بحيث تنمي هذه
<ه
<داء بقول<<دل ،اهت< <ات بالع<<تى االختصاص< <ا على ش< الطاقات ،وتحسن تجنيدها ،وتوزيعه<
< في ال<<دينتعالى ( :وما كان المؤمنون لينفروا كافة ،فوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) ، وملء الثغرات التي تهمل -عادة أو غفل<<ة
-بالحوافز أو بااللتزام .ووضع كل إنسان في الكان المناسب له ،والحذر من إسناد األمر لغير
أهله ( :إذا وسد األمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) .ومن ثم كان حرص اإلسالم على الثروة
البشرية ،والمحافظة عليها والعمل على تنميتها :جسميًا وعقليًا وروحيًا وعلميًا ومهنيًا ،وك<<انت
الموازنة بين الدين والدنيا دون طغيان أو إخسار.
أعلى
<ة<ا ،والمحافظ<حسن استغالل الموارد االقتصادية واإلمكانات المادية ،بحيث ال نهدر شيئا منه< .3
عليها باعتبارها أمانة يجب أن ترعى ،ونعمه يجب أن يشكر اهلل تع<<الى باس<<تخدامها أحس<<ن
استخدام ،وأمثله .ومن أجل هذا لفت القرآن أفكارنا إلى ما سخر اهلل لن<<ا مم<<ا في الس<<موات
واألرض ء وما في البر والبحر .وحمل بشدة على الذين يهدرون أجزاء من الثروة الحيواني<<ة،
<تراء على اهلل،
< ما أنزل اهلل بها من سلطان ،فحرموا ما رزقهم اهلل اف<
أو الزراعية اتباعًا ألقاويل
وناقشت ذلك سوره (األنعام) مناقشة مفصله ( :وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ال يطعمها إال من
حرمت ظهورها وأنعام ال يذكرون اسم اهلل عليها افتراء عليه ،س<<يجزيهم نشاء بزعمهم وأنعام ّ
وحرم<<وا م<<ابما كانوا يفترون ) .إلى أن قال ( :قد خسر الذين قتلوا أوالدهم سفهًا بغير علم ّ
رزقهم اهلل افتراء على اهلل ،قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) .ونبه الرسول الك<<ريم على وج<<وب
< بأي مادة خام ،وعدم إهدارها وتضييعها ،وإن استهان الناس بها. االنتفاع
<ذتم
<ال ( :هال أخ< فقد مر على شاة ميتة ،فسأل عنها فقالوا :إنها شاة لموالة لميمونة ( أم المؤمنين ) فق<
إهابها فانتفعتم به ؟.إنما حرم أكلها ) .بل إن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ليحذر من التفريط ح<<تى في
<قاللقمة تسقط من آكلها ،فينبغي أن يميط عنها األذى ويأكلها ،وال يدعها للشيطان .كما ينبغي له أن يلع<
<بي<ه الن<
<ا :توجي<الصحفة أو يلعقها ،وال يدع الفضالت تلقى في القمامات .ومما يجدر التنبيه عليه هن<
(صلى اهلل عليه وسلم) إلى زراعة األرض لمن يقدر أن يزرعها بنفسه ،أو بإمارتها لمسلم آخر يستطيع
أن يزرعها .وفى هذا جاء الحديث ( :من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ) .وإذا تيس<<ر ل<<ه
<ك األرض والفالح <اون بين مال<<اب التع< المزارعة عليها بجزء شائع من غلتها فهو حسن أيضًا ،من ب<
<لم)
المزارع ،أشبه بالمضاربة التي يعاون فيها رأس المال والجهد .وقد زارع النبي (صلى اهلل عليه وس<
اليهود على أرض خيبر بالشطر مما يخرج منها .وقال عمر بن عبد العزيز ( :زارع<<وا على األرض
<ه
<لى اهلل علي<
بنصفها ،بثلثها ،بربعها … إلى عشرها ،وال تدعوا األرض خرابًا ) .وأنكر الرسول (ص<
<ا رب:
<ائال ( :ي<
وسلم) بشدة على من قتل عصفورًا عبثًا ،وأخبر أنه سيشكو إلى اهلل قاتله يوم القيامة ق<
قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة ).
<وز<ة ،فال يج< < كل المباحات التي يعمل عليها بالصيد ونحوه ،من ثروة برية أو بحري<ويلحق بالعصفور
<ديثالعبث بها وال المساس بها بغير ما فيه منفعة المسلمين .كما أنكر النبي عليه الصالة والسالم في ح<
ال ركب بقرة آخر :استخدام الشيء في غير ما خلق له بالفطرة أو بالعادة .فقد جاء في الصحيح :أن رج ً
فتكلمت ،فقالت :ما لهذا خلقت ! إنما خلقت للحرث .فهل تكلمت بلسان الحال ،وقد يكون ابلغ من لس<<ان
المقال ؟ أو هو كالم حقيقي من باب الخوارق وهو الظاهر من سياق الحديث ،وما ذلك على اهلل بعزيز.
المهم هنا ما يشير إليه الحديث من الحث على استخدام الشيء فيما خلق له .
ويحسن بنا ها أن نشير إلى قوله تعالى في الوصية بمال اليتيم ( :وال تقربوا مال اليتيم إال ب<<التي هي
<رب <ا أن نق<
أحسن حتى يبلغ أشده) .وقد تكرر ذلك في القرآن بهذه الصيغة نفسها ،فلم يكتف القرآن من<
<تيم
<ال الي<
<ة م<<ان لتنمي<
مال اليتيم بطريقة حسنة وحسب ،بل بالتي هي أحسن ،فإذا كانت هناك طريقت<
والمحافظة عليه :إحداهما حسنة جيدة ،واألخرى أحسن منها وأجود ،كان الواجب علينا أن نستخدم التي
هي أحسن وأجود ،بل حرام علينا أال نستخدم إال التي هي أحسن ،كما هو مفهوم التعبير بالنهي وأسلوب
القصر .ومال األمة في مجموعه أشبه بمال اليتيم ،والدولة التي ترعاه ومؤسساتها المسؤولة عنه أش<<به
<ل<ر أك< <تغنى اس< ّ
<تعف ،وان افتق< <تيم :إن اس< بولي اليتيم ،كما شبه عمر نفسه مع بيت المال بولي الي<
بالمعروف .ولهذا يجب أن نحافظ عليه وننميه بالتي هي أحسن.
أعلى
<ة،
ومن الالزم هنا -لكي تكتفي األمة إكتفاء ذاتيًا -أن يتم التنسيق بين جوانب اإلنتاج المختلف< .4
فال يطغى فرع على فرع ،وال يهمل جانب لحساب جانب آخر ،فال يجسن أن توجه العناية إلى
ال ،في حين يهمل أمر الصناعة ،أو العكس ،أو يوجه التعليم لتخريج أطباء ،وينسى الزراعة مث ً
المهندسون ،أو العكس ،أو يهتم بالهندسة المدنية أو الميكانيكية ،وتغفل الهندسة اإللكتروني<<ة أو
<ة،
<وانب العملي< <ل الج<<ة ،وتغف<
النووية ..أو يعنى بالجوانب النظرية ،والكفايات العقلية العالي<
والمهارات اليدوية ،والخبرات المتوسطة والدنيا … وهكذا .
<ص
<ل تخص<
لهذا أكدنا ضرورة التخطيط القائم على الدراسة واإلحصاء لمعرفة حاجات المجتمع من ك<
للعمل على تلبيتها ،والتعرف على أوجه النقص الستكمالها.
وفي حديث ( :إذا تبايعتم بالعينة ،ورميتم بالزرع ،وتبعتم أذناب البقر ،وتركتم الجهاد في سبيل اهلل .سلط
ال ال ينزعه عنكم،حتى تراجعوا دينكم ،) ما يشير إلى أن االكتفاء بالزراعة وح<<دها ،وم<<ا اهلل عليكم ذ ً
<ا
<بيل اهلل وم<
يتبعها من اإلخالد إلى الحياة الخاصة المعبر عنها باتباع أذناب البقر ،وترك الجهاد في س<
<وع من<اج إلى ن<<رورة يحت< يتطلبه من إعداد القوة ،يعرض األمة لخطر الذل واالستعمار ،وهذا بالض<
الصناعات ال بد أن يتوافر في األمة ،إذ ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.
وحسب المؤمنين هنا أن اهلل أنزل عليهم سورة سميت( سورة الحديد ) تنبيهًا على أهمية ه<<ذا المع<<دن
<ارة
الخطير ،وقال فيها ( : وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس).ففي قوله ( :فيه بأس شديد ) إش<
إلى الصناعات الحربية ،وفى وقوله ( :ومنافع للناس ) إشارة إلى الصناعات المدنية .وبهذا تكتمل ق<<وة
األمة في سلمها وحربها .وإن كان الذي يؤسف له :أن أمة سورة الحديد لم تتقن صناعة الحدي<<د ،ال في
المجال العسكري ،وال في المجال المدني ! ويجب في ميدان اإلنتاج تقديم األهم على المهم ،والمهم على
غير المهم .أو -على حد تعبير األصوليين -تقديم ( الضروريات ) التي ال تقوم الحياة إال به<<ا ،على
(الحاجيات) التي تكون الحياة بدونها شاقة وعسيرة ،وتقديم ( الحاجيات) على (التحسينات) ،أو ما نسميه
<اء
بلغة العصر ( الكماليات ) .فال يجوز لمجتمع أن يزرع الفواكه الغالية الثمن ،التي ال تهم غير األثري<
والمترفين ،في حين يهمل زراعة القمح أو الذرة أو األرز ،التي هي القوت اليومي للجماهير .وال يجوز
<ناعة أدوات<ة إلى ص< <ه الهم< <اج) في حين ال تتج< االهتمام بصناعة العطور وأدوات الزينة و (المكي<
الزراعة ،أو الري ،أو السيارات ،أو صناعة السالح الضروري للدفاع عن الحوزة .أما إنتاج ما يض<<ر
<ل<رعًا .مث<<ور ش< بالفرد أو بالمجتمع ،ماديًا أو معنويًا ،جسميًا أو روحيًا ،فهو مرفوض حتمًا ،ومحظ<
<درات ،أو <ادر المخ<<يره من مص< زراعة الكروم لتعصر خمرًا ،أو زراعة الخشخاش أو الحشيش وغ<
زراعة التبغ أو القات ونحوها ،مما فيه استخدام نعم اهلل تعالى في معصية اهلل أو ضرر خلقه.
أعلى
<ة،<ة الحرك< <نز) إلى باح<<النقود من قمقم (الك< ومن الواجب على المجتمع المسلم :أن يخرج ب< .5
والعمل ،فإن النقود لم تخلق لتحبس وتكتنز ،إنما خلقت لتتداول ،وتتقل من يد إلى يد :ثمنًا لبيع،
أو أجرًا لعمل ،أو عين ينتفع بها ،أو رأس مال لشركة أو مضاربة ،فهي وسيلة ألغراض شتى،
وليست هي فرضًا في ذاتها .وال يجوز أن يحولها الناس إلى وثن يعبدونه ويطوفون به ،فه<<ذا
سبب التعاسة والشقاء ( :تعس عبد الدينار ،تعس عبد الدرهم ) .ولقد تحدث اإلمام الغزالي في (
اإلحياء ) عن وظيفة النقود في الحياة االقتصادية ،حديثًا سبق به فالسفة االقتصاد في العص<<ر
الحديث .فقد ذكر أن اهلل تعالى خلق الدراهم والدنانير ( يعنى النقود ) لتتداولهما األيدي ،وليكونا
حاكمين متوسطين بين األموال بالعدل .ولحكمة أخرى ،وهى :التوسل بهما إلى سائر األش<<ياء،
<دة ,فمن ألنهما عزيزان في أنفسهما ،وال غرض في أعيانهما ،ونسبتهما إلى سائر األشياء واح<
ملكها فكأنه ملك كل شئ ،ال كمن ملك ثوبًا فإنه لم ملك إال الثوب … فكل من عمل فيهما عمالً
ال يليق بالحكم بل يخالف الغرض المقصود بالحكم ( أي بين األموال ) فقد كفر نعمة اهلل فيهما.
فإذن من كنزهما فقد ظلمهما ،وأبطل الحكمة فيهما ،وكان كمن حبس حاكم المسلمين في س<<جن
يمتنع عليه الحكم بسببه … فأخبر اهلل تعالى الذين يعجزون من قراءة األسطر اإللهية ،المكتوبة
على صفحات الموجودات ،بكالم سمعوه حتى وصل إليهم المعنى بواسطة الحرف والص<<وت،
فقال تعالى ( :والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل اهلل ،فبشرهم بع<<ذاب أليم).
وقد فرض اهلل الزكاة على النقود في كل حول ،نماما مالكها أم لم ينمها ،لتكون حافزًا قويًا يدفعه
إلى تنميتها وتحريكها ،حتى ال تأكلها الزكاة بمرور األعوام .وهذا ما أمر به الحديث األوصياء
<ا<تى ال تأكله< <ا ح<
على أموال اليتامى أمرًا صريحًا :أن يبتغوا في أموال اليتامى ويتجروا فيه<
الزكاة.
أعلى
إلى الفهرس
االعتدال في اإلنفاق
ومما يتمم ما ذكرناه :ما عنى به اإلسالم من ترشيد االستهالك ،والحث على االعتدال في اإلنفاق ،وهو
<ك<ان بين ذل< ما وصف اهلل به عباد الرحمن المقربين إليه ( :والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وك<
<ك وال<ة إلى عنق<<دك مغلول< قوامًا ) .وما أمر به في وصايا الحكمة من سورة اإلسراء ( :وال تجعل ي<
تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا ) .ويتحتم ذلك ويتأكد إذا قلت الموارد كم<<ا في أي<<ام القح<<ط
والمجاعات ،وهو ما أشار إليه القرآن في قصة يوسف ،من تقليل االستهالك في السنوات السبع الخصبة
<ل<أكلون ) .ثم تقلي<
<ا ت<
ال مم<<نبله إال قلي ً
حتى يكون هناك مجال لالدخار ( :فما حصدتم فذروه في س<
االستهالك مرة أخرى في السنوات السبع العجاف ،بحكم الضرورة وتوزيع المدخر على سنوات األزمة
ال مما تحص<<نون ) ،وفى التعب<<ير جميعًا ( :ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتهم لهن إال قلي ً
بقوله ( :ما قدمتم لهن) ما يدل على أن ما يستهلك إنما يتم بحساب وتقدير ،فهم الذين يقدمون ،وهذا دليل
القصد.
وقد هم أمير المؤمنين عمر الفاروق في عام المجاعة ،أن يضيف إلى كل بيت عندهم بقاي<<ا الخص<<ب
<اف<ون على أنص< <اس ال يهلك< <ال( :إن الن<
<واردهم ،وق< مثلهم في العدد ،ممن ساء حالهم ،ونضبت م<
<نين يكفي<ام االث<
<نين ،وطع< <د يكفى االث< <ام الواح<
بطونهم ) .وهو ما أومأ إليه الحديث النبوي ( :طع<
األربعة ) .إن قاعدة ( االستخالف ) التي ذكرناها من قبل تجعل المسلم مقيدًا في استهالكه وإنفاقه للمال،
كما قيدته في تثميره وتنميته .إن اإلسالم ال يحرم على المسلم طيبات الحياة ،كما حرمتها بعض الديانات
<رموالفلسفات ،كالبرهمية الهنديه ،والمانوية الفارسية ،والرواقية اليونانية ،والرواقية النصرانية .إنما يح<
< تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا ال تحرموا طيباتاالعتداء في االستمتاع بها ،أو اإلسراف في تناولها .يقول
<كين
<ه والمس< < عز وجل ( :وآت ذا القربى حق< ما أحل اهلل لكم وال تعتدوا ،إن ال يحب المعتدين) .ويقول
وابن السبيل وال تبذر تبذيرًا ،إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ،وكان الشيطان لربه كفورًا) . والفرق
بين التبذير واإلسراف :أن اإلسراف تجاوز الحد في الحالل ،والتبذير :اإلنفاق في الحرام ،ول<<و ك<<ان
درهمًا واحدًا.
(أ) فال يجوز لصاحب المال أن يغل يده عن اإلنفاق الواجب على نفسه وأهله ش<<حًا وبخ ً
ال ،أو تقش<<فًا
وتزهدًا،فاإلسالم ينهى عن الشح ويحذر منه ،ويجعله مصدرًا لفساد ع<<ريض ،وفي الح<<ديث (:إي<<اكم
<رهم <وا ،وأم<<ل فبخل<<رهم بالبخ<
والشح ،فإنما هلك من كان قبلكم بالشح :أمرهم بالقطيعة فقطعوا ،وأم<
بالفجور ففجروا).كما يهيئ من الرهبة وتحريم المتعة الحالل ،ويسمى المالبس الجميلة ونحوها( :زين<<ة
اهلل التي أخرج لعباده ) .كما يسمى المآكل والمشارب :الطيبات من الرزق .وهى تسمية يكنى به<<ا عن
المدح والرضا ،وينكر أشد اإلنكار على من حرمها على نفسه أو غيره (:قل من حرم زين<<ة اهلل ال<<تي
أخرج لعباده والطيبات من الرزق)( .يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا وال تسرفوا،
إنه ال يحب المسرفين) .وقال صلى اهلل عليه وسلم ( :إن اهلل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) .ولما
سأله أحد الصحابة :أنه أولع بالجمال .ويحب أن يكون ثوبه حسنًا ،ونعله حسنه ،فهل هذا من الك<<بر ؟
قال ( :ال ،إن اهلل جميل يحب الجمال ،الكبر بطر الحق ،وغمط الناس)
<
(ب) وال يجوز له أن يبخل بالحقوق الواجبة عليه في ماله ،سواء ،أكانت حقوقًا ثابتة ،كالزكاة ونفق<<ات
<طر، <ة المض< <اعون ،وإغاث< الوالدين واألقارب الفقراء ،أم حقوقًا عارضة ،كقرى الضيف ،وإعارة الم<
واإلعطاء في النوازل التي تنزل باألمة أو ببلد هو فيها ،كالحروب والمجاعات والحريق ،وكفاية فقراء،
بلده بما ال بد لهم منه من حاجات المعيشة ،من مطعم وملبس ومسكن وعالج ،ونحو ذل<<ك .واإلس<<الم
يؤكد أهمية هذه الحقوق ،حتى إنه ليجيز شهر السالح من أجلها ،وقد قاتل أبو بكر ومعه الص<<حابة من
أجل حق الزكاة ،وأباح النبي (صلى اهلل عليه وسلم) للضيف أن يأخذ حق القرى كن نزل بهم ولو بالقوة،
وعلى المسلمين أن يشدوا أزره في ذلك .قال( :أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا ،فل<<ه أن
< أن يقاتل من منعهم<<ا يأخذ بقدر قراه ،وال حرج عليه) .وأباح عامة الفقهاء للمضطر إلى الماء والقوت،
عنه بغير حق.
واإلسالم يعطي الحاكم الحق في (الحجر) على كل سفيه متالف ،يبعثر المال في غير وجهه ،ألن لألمة
<والحقًا في هذا المال ،فحظه يعود عليها بالمنافع ،واضاعته يرجع عليها بالضرر ،ولهذا أضاف اهلل أم<
السفهاء إلى األمة فقال( :وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اهلل لكم قيامًا)
(د) وهناك نوع من اإلسراف يحرمه اإلسالم ،ويشتد في تحريمه ومقاومته ،لما فيه من إفساد حياة الفرد،
<ا
وحياة الجماعة ،ذلك هو ما سماه اإلسالم (الترف) وهو التوسع في ألوان التنعم ،وأسباب الرفاهية ،مم<
يمأل البطون من مطاعم ومشارب ،وما يغشى األبدان من حلى وحلل ،وما يغم<<ر ال<<بيوت من أث<<اث
ورياش ،وتحف وتماثيل ،وأدوات فضية وذهبية وغير ذلك.
< التي تحول بين الناس وبين اتباع الح<<ق ،ألن ال<<ترف لم ي<<دع إن القرآن يعتبر الترف أول المعوقات
ألصحابه متسعًا لغير شهواتهم ،ومتعهم ،فمن دعاهم إلى غير ذلك ،عادوه وقاوموه ،قال تعالى ( :وم<<ا
أرسلنا في قرية من نذير إال قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ).
<ة،
والترف له لوازمه من اللهو والعبث والمجون ،وله تأثيره في إشاعة الميوعة والطراوة في أبناء األم<
مما يؤدي بعد حين إلى انحالل أخالقها وتفسخ روابطها ،واتساع الهوة بين أبنائه<<ا ،نتيج<<ة لحرم<<ان
<د
<ا بع< <ات وم< <معت ،من الكمالي< األكثرية من الضروريات وتمتع األقلية بما ال عين رأت وال أذن س<
الكماليات ،ومن هنا تستحق الجماعة كلها الهالك والعذاب ،المترفون لترفهم ،واآلخ<<رون لس<<كوتهم أو
مماألتهم ( :وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها ت<<دمرًا ) .إن
كثيرا من األمم من عقاب وبالئه ،فحرمت القرآن يحدثنا أن الترف كان هو المسؤول األول عما أصاب ً
<ا
من النصر ،وحقت عليها كلمة العذاب( :حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون اليوم ،إنكم من<
ال تنصرون)( ، و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قومًا آخرين ،فلما أحسوا بأسنا إذا هم
منها يركضون ،ال تركضوا وارجعوا إلى نا أتالرفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون)
< الحكومية:
االعتدال في النفقات
وإذا كان االعتدال مطلوبًا في نفقة الفرد على نفسه ،فهو مطلوب كذلك في النفقات الحكومية ،ابتداء من
<وة لهم في <ون أس< <هم -أن يك<
رئيس الدولة فمن دونه .بل ينبغي على إمام المسلمين -أميرهم ورئيس<
التعفف عن مال الدولة ،والتقليل من مظاهر النعيم واألبهة .وقد كان النبي (صلى اهلل عليه وسلم) -وهو
إمام المسلمين -أول من يجوع وآخر من يشبع .قال أبو هريرة ( :خرج رسول اهلل (ص<<لى اهلل علي<<ه
<ه<لى اهلل علي<<ول اهلل(ص< <بع رس<وسلم) من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ) .وقالت عائشة ( :ما ش<
<انت وسلم)ثالثة أيام متوالية ،ولو شئنا لشبعا ،ولكنه كان يؤثر على نفسه ) .ورفض أن يتخذ فراشًا ،وك<
وسادته حشوها ليف ،ونام على الحصير حتى أثر في جنبه ،وتوفى وهو يلبس كساء ملبدًا وإزارًا غليظًا.
<ةوكذلك كان أبو بكر وعمر وعلي -رضي اهلل عنهم -حتى قال عمر :ما أنا وهذا المال -مال الدول<
-إال كولي اليتيم ،إن استغنيت استعففت ،وإن افتقرت أكلت بالمعروف.
وال نريد من رؤسائنا وأمرائنا أن يكونوا مثل أولئك األكابر ،ولكن نريد منهم أن يتق<<وا اهلل في الم<<ال
<اء
<وك والرؤس< <يرًا من المل<
<اق .إن كث<
العام ،وال يحابوا به األقارب واألصهار والموالين وأبواق النف<
واألمراء في ديارنا يحسبون أن مال الدولة ملك لهم ،ومن حقهم أن يتصرفوا فيه كيف يشاؤون .وقلم<<ا
يوجد من يحاسبهم .حتى البالد التي توجد فيها هيئات برلمانية ورقابية ومحاسبية ،ال تستطيع أن تمس ما
يتعلق برئيس الدولة ،أو بجهاز مخابراته ،وأجهزة أمنه ،أو بالجيش وما ينفق عليه.
وهناك جهات ينفق فيها المال بغير حساب ،وبدون تقيّد ،وال يكاد يسائلها أحد ،مثل اإلعالم والرياض<<ة
وأمن الدولة ،أي أمن الحاكم ونظامه وجماعته .على حين يقتر كل التقتير ،ويضيق أشد التض<<ييق على
جهات أخرى ،مثل التعليم والصحة والمواصالت والخدمات األساسية لجمهور الناس.
إن الشرع يوجب الموازنة بين المصالح بعضها وبعض ،وتقديم الضروري منها على الحاجي ،وتق<<ديم
<ه
الحاجي على التحسيني ،وتقديم ما يخدم الجمهور األعظم من الناس على ما يخدم فئة محدودة .وما في<
مصلحة الفقراء والمستضعفين على ما فيه مصلحة الكبراء والموسرين.
إلى الفهرس
<دم حال
<هم ؟ أو يق<
<ة تفترس<
<ة والحاج<
<اب الفاق<
فما موقف نظام اإلسالم من هؤالء ؟ هل يدعهم ألني<
لمشكلتهم ؟
الحق أن اإلسالم لم يترك هؤالء للفاقة والضياع ،بل كفل لهم المعيشة المالئمة بالطرق اآلتية:
< األقارب:
نفقات
فقد أوجب اإلسالم 8على القريب الموسر أن ينفق على قريبه المحتاج ،صلة لرحمه ،وأدا ًء لحقه ،كم<<ا
قال تعالى ( :وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) . ومن لم يقم بهذا الواجب من نفسه لقريب<<ه،
ألزمه القضاء ،اإلسالمي بذلك .وللفقهاء تفصيل كثير في شروط الفقه ،ومقاديرها ،ولمن تجب وعلى من
تجب ،ويكن الرجوع إليها في أبواب النفقات من كتب الفقه.
<ام ،من
<ه العظ<(أ) وهي الفريضة المالية االجتماعية ،التي تعد الركن الثالث من أركان اإلسالم ،ومباني<
<ا ،وإن أنك<<ر
<تى يؤديه<<ا ،ح< ال بها عزر ،وأخذت منه قهرًا ،وإن كان ذا شوكة قوتل عليه< منعها بخ ً
وجوبها -ولم يكن حديث عهد باإلسالم -حكم بردته ،وخرج من دين اإلسالم.
<ه،
<ة على جبايت<
<وم الدول<
<وم ،تق<
(ب) وهي ليست هبة يتفضل بها الغني على الفقير ،بل هي حق معل<
وصرفه على مستحقيه ،بواسطة موظفي الزكاة.
-العاملين عليها -ولهذا وصف النبي (صلى اهلل عليه وسلم) الزكاة بقوله ( :تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى
فقرائهم ) ،فهي ضريبة تؤخذ ،وليست تطوعًا يوهب.
<ار
<غار التج<<ال ،وص< (ج) إنها تخالف كثيرًا من الضرائب ،التي تؤخذ من الكادحين المتعبين من العم<
والموظفين ،لتنفق في أبهة الحكام ،وعلى أتباعهم والمروجين لهم ،حتى يمكنك أن تقول فيها :إنها تؤخذ
من الفقراء لترد على األغنياء.
(د) والعبير النبوي الكريم ( :تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) يوحي بأن الزكاة ليست إال ص<<رف
<ا ،من
<ة واليه<
بعض أموال األمة ،ممثلة في أغنيائها ،إلى األمة نفسها ،ممثلة في فقرائها .فهي من األم<
اليد المستخلفة في المال ،إلى اليد المحتاجة إليه ،وهاتان اليدان -المعطية واآلخذة -هما يدان لشخصية
واحدة هي شخصية األمة المسلمة.
(هـ) والزكاة تجب في كل مال نام أو معد للنماء ،بلغ نصابًا ،وحال عليه الحول ،وسلم من الدين ،وذلك
في سائمة األنعام والنقود ،وعروض التجارة .وفى الزروع ،والثمار ،يجب الحق عن<<د الحص<<اد ،وفى
المعدن والركاز عند وجدانه .ولم يجعل اإلسالم نصابها كبيرا ،ليشترك جمهور األمة في أدائها ،وجعل
نسبها معتدلة من (5ر )%2في النقود والتجارة ،إلى ( )%5في الزرع المسقى باآلالت ،إلى (0ا )%فيما
سقى بغير آلة ،إلى ( )%2 0في الركاز ( المعادن ) وفيما يعثر عليه من الكنوز ،فكلم<ا ك<ان جه<د
اإلنسان أكبر كانت النسبة أخف.
وإذا لم تكف الزكاة جميع الفقراء ،ففي جميع موارد الدولة اإلسالمية متسع لكفايتهم ،بأمين حاجاتهم من
<أن اهلل
<يء ف<خمس الغنائم ،ومن الفيء والخراج ونحوها .يقول اهلل تعالى ( :واعملوا أنما غنمتم من ش<
<اء اهلل على
<ا أف<
خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) .ويقول في الفيء( :م<
رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي ال يكون دول<<ة
<ارات <ة والعق<
<ي الزراعي<<ادن واألراض<بين األغنياء منكم) ومن ذلك :ما تملك الدولة من النفط والمع<
ونحوها ،مما يندر عليها دخو ً
ال وإيرادات ضخمة.
والدولة في اإلسالم ليست مسؤولة عن الحماية واألمن فقط ،بل هي مسؤولة كذلك عن رعاية العاجزين
<ؤول عن <حيح(:كلكم راع ،وكلكم مس<
<ديث الص<<ا في الح<والمحتاجين ،وكفالة العيش الكريم لهم .كم<
رعيته ..فاإلمام راع ومسؤول عن رعيته …)
<ه أولى<ع ،وأن<<ؤول عن الجمي< <ه مس< وهكذا بيّن لنا (صلى اهلل عليه وسلم) بوصفه إمام المسلمين -أن<
<غارًا
<يعة ( أوالدًا ص<
<ًا أو ض<
<رك دين<ال فهو لورثته ،ومن ت<بالمؤمنين من أنفسهم ،فمن ترك منهم ما ً
< عمر عن مال الدولة ( :ما من أحد إال ول<<ه في معرضين للضياع لفقرهم ويتمهم ) فإليه وعليه .ويقول
<ل هذا المال حق ) .وقد فرض عمر من بيت المال راتبًا ليهودي رآه يسأل على األبواب .كما فرض لك<
مولود في اإلسالم عطاء يزداد كلما نما وكبر.
<ع أنوإذا لم تف الزكاة ،وال سائر الموارد األخرى ،بضمان العيش للفقراء ،فعلى الموسرين في المجتم<
<ا يحب <ه م<< بكفايتهم ،فليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع ،وليس بمؤمن من ال يحب ألخي< يقوموا
لنفسه ،فإن قاموا بذلك مختارين ،بدافع اإليمان والتقوى فهذا خير وأبقى ،كما حدثنا النبي (صلى اهلل عليه
وسلم) عن األشعريين فقال ( :إن األشعريين إذا أرملوا في الغزو ،أو قل طعام عالهم في المدينة ،جمعوا
ما كان عندهم في ثوب واحد ،ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسوية ،فهم منى وأنا منهم ).
وإذا لم يقم الناس من تلقاء أنفسهم برعاية فقرائهم ،فلإلمام أن يفرض على األغنياء م<<ا يق<<وم بكفاي<<ة
الفقراء ،فقد روى عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ( :إن في المال حقًا سوى الزكاة) ،وفي القرآن م<<ا
يدل على ذل ،فقد قال تعالى ( :ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر والمالئكة والكتاب والنب<<يين وآتى
المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ،وأقام الصالة وآتى
<ذا
<اة ،وه<الزكاة) .ففرقت اآلية الكريمة بين إيتاء المال على حبه ذوى القربى … إلخ ،وبين إيتاء الزك<
يدل على أنهما حقان في المال .وإنما الزكاة هي الحق الدوري الثابت المحدد .أما الحقوق األخرى فهي
حقوق طارئة ،تفرضها الحاجة والمصلحة ،وليس لها مقدار معين ،وال وقت محدود .وإذا لم يقم الن<<اس
بأداء الحقوق اختيارًا ،أجبروا ملها إجبارًا ،وقد قال عثمان رضي اهلل عنه ( :إن اهلل يزع بالسلطان ما ال
يزع بالقرآن).
وال يقتصر اإلسالم في تقرر التكافل على القوانين الملزمة ،وال الحقوق الواجبة ،بل يربي المس<<لم على
البذل وان لم يطلب منه ،واإلنفاق وإن لم يجب عليه ،ويهون عليه المال وال<<دنيا ،ويح<<ذر من الش<<ح
<
والبخل ،ويحبب إليه النفقة في السراء والضراء ،بالليل والنهار ،سرًا وعالنية ،ومعده بالخلف والفض<<ل
في الدنيا ،والمثوبة عند اهلل في اآلخرة ( :الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ،واهلل يعدكم مغفرة منه
ال )( .وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ،وهو خير الرازقين ) ( .الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار وفض ً
سرًا وعالنية فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم يحزنون ).
إلى الفهرس
ولم يكن هذا التفاوت أو التفاضل عبثًا أو سفهًا ،بل هو مقتضى الحكمة التي تستقيم بها الحي<<اة ،وتنتظم
شئون المعاش ،كما قال تعالى ( :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ،ورفعنا بعضهم فوق بعض
درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا ) .وليس المراد بهذا التسخير ،تسخير القهر واإلذالل ،بل تس<<خير
النظام واإلدارة .فالحياة كمصنع كبير ،فيه الرئيس والمرؤوس ،والمهندس والعامل ،والحارس والخادم،
< في<دأ التفاض<ل <الم لمب<وكل منهم له مهمته ،وكلهم الزم ومهم ليدور المصنع وينتج .ومع إقرار اإلس<
<ان<د من طغي< <ات ،فيح< < نراه يعمل على تقريب الفوارق بين الطبق< الرزق ،والتفاوت في الغنى والفقر،
<اء<داوة ،بين أبن<
<راع والع< األغنياء ،ويرفع من مستوى الفقراء ,تحقيقًا للتوازن ،وتفاديًا ألسباب الص<
المجتمع الواحد .ذلك أن اإلسالم يكره تكدس الثروة في أيد معدودة ،تتداولها فيما بينها ،مع بقاء األغلبية
<ك<الم في ذل< <دهم .ولإلس< <اء) وح< محرومة منها .فهو يحرص على أال يكون المال( دولة بين األغني<
وسائل عديدة منها:
وإن في هذه السابقة من عمل الرسول الكريم ،ما يعطى الحق للحاكم المسلم -وهو الذي يحكم بما أنزل
اهلل -أن يخص الفقراء من مال الدولة بما يقلل الفروق الفاحشة بينهم وبين األغنياء ،وما يحقق التوازن
االقتصادي في المجتمع المسلم.
إلى الفهرس
اإلسالم واألنظمة االقتصادية المعاصرة
عرفنا من القواعد السابقة التي قام عليها بناء االقتصاد اإلسالمي ،أنه اقتصاد متيز مما يعرف<<ه الن<<اس
<و
<يوعية ،فه<<مالية أو الش<
اليوم ،من مذاهب وأنظمة تتجه إلى اليمين أو إلى اليسار ،مما يسمى بالرأس<
<ور،
<بقهما في الظه< ال منهما على حدة ،ويخالفهما جميعًا في أمور مشتركة ،فض ً
ال على أنه س< يخالف ك ً
بأكثر من اثني عشر قرنًا من الزمان.
<اء،
<ا ش< تقوم الرأسمالية على تقديس حرية الفرد ،وإطالق العنان له ،ليمتلك ما شاء ،وينمي ما ملك بم<
وينفقه كما شاء ،دون قيود تذكر ،على وسائل تملكه وتنميته وإنفاقه .أما حق المجتمع عليه في ماله وفي
<ة<ه رقاب<
مراقبته ،ومحاسبته على تملكه وتثميره وإنفاقه ،فحق ضعيف يشبه المعدوم ،وال يجد من داخل<
ذاتية تجعله يحترم هذا الحق ويرعاه ،بل يحتال عليه ليتخلص منه تحت سمع الق<<انون وبص<<ره ،م<<ا
استطاع.
أما اإلسالم فقد رأيناه يضع قيودًا على التملك والتكسب ،وقيودًا على التثم<<ير والتنمي<<ة ،وقي<<ودًا على
االستهالك واإلنفاق ،ويفرض حقوقًا على المالك ،بعضها دائم ،وبعضها مؤقت ،فهو يلغي اعتبار الملكية
المحرمة ،ويحظر الربا واالحتكار والغش ،وغيرها ،من كل ما ينافي األخالق ،ويناقض مصلحة جمهور
الناس .ويجعل ضمير المسلم -الذي يراقب الخالق قبل الخلق -هو الحارس األول على رعاي<<ة تل<<ك
<اكم
<الم الح< <الى .ويعطي اإلس<<ارك وتع< < وهو اهلل تب<
الحقوق ،المفروضة من قبل مالك المال الحقيقي،
الشرعي -الذي يحكم بما أنزل اهلل -الحق في انتزاع ملكية الفرد ،إذا تعارضت مع مص<<لحة عام<<ة
<والهم،<رف في أم< وغل يدهم من التص<للجماعة ،كما يعطيه الحق في الحجر على السفهاء والمبذرينّ ،
التي هي في الواقع أموال الجماعة ،أو أموال اهلل حسب مبدأ ( االستخالف ) الذي شرحناه.
أعلى
وإذا كانت الرأسمالية تقدس حرية الفرد -إلى الحد الذي ذكرنا -فإن للشيوعية نظرة أخرى:
<ذي
<ع ال<
(أ) إنها تهدر قيمة الفرد وحريته وتعتبره ( ترسًا ) في جهاز الدولة ،وتقديسها إنما هو للمجتم<
تمثله الدولة .أما الفرد فليس له أن يتملك أرضًا أو مصنعًا أو عقارًا ،أو غير ذلك من وسائل اإلنتاج .بل
يجب عليه أن يعمل أجيرًا للدولة ،التي تملك كل مصادر اإلنتاج وتديرها ،وتحرم عليه أن يح<<وز رأس
مال وإن كان حال ً
ال .أما اإلسالم فقد عرفنا أنه يحترم الملكية الفردية ،ألنها من مقتضيات الفطرة ،ومن
خصائص الحرية ،بل من خصائص اإلنسانية ،وألنها أقوى دافع لزيادة اإلنتاج وتحس<<ينه ،وال يف<<رق
اإلسالم بين وسائل اإلنتاج وغيرها ،وال بين الملكية الكبيرة والصغيرة ،ما دامت قد ج<<اءت ب<<الطرق
الشرعية.
(ب) ثم إن الشيوعية ،أو ما يعبر عنه باالشتراكية العلمية أو الماركسية ،تق<<وم فلس<<فتها على ح<<رب
الطبقات ،وتأجيج نيران الصراع ،بين بعضها وبعض ،واستخدام وسائل العنف الدموية ،حتى تتحطم في
<ر<ذي ينتص< النهاية جميع الطبقات ،باستثناء طبقة واحدة هي ( البروليتاريا ) .أي العمال .والحق أن ال<
ليس طبقة العمال ،بل مجموعة من االنتهازيين والمحترفين الحزبييّن والعسكريين ،الذين يسيطرون باسم
<ا
<اركس ( :ي< العمال على كل شئ ،ويحرمون جمهور المواطنين من أي شيء .ولهذا كان ختام بيان م<
عمال العالم اتحدوا ) أي ضد الطبقات األخرى .أما اإلسالم فيقوم نظامه وفلسفته على بث اإلخ<<اء بين
الناس ،واعتبارهم جميعًا أسرة واحدة ،وإصالح ذات بينهم إذا فسدت ،واعتبار ذلك أفضل من التط<<وع
بالصالة والصيام .وفرق بين من يوجه نداءه إلى العمال ليتحدوا ضد غيرهم ،وبين من يوجه نداءه إلى
الناس كافة ليتآخوا ويتحابوا ( :وكونوا عباد اهلل إخوانا ).
<ر<ري ،والحج< (ج) واالشتراكية العلمية أو الماركسية يصاحبها دائما الضغط السياسي ،واإلرهاب الفك<
على الحريات ،وكتم أنفاس المعارضين ،واتهام كل معارض للحكم بأنه رجعي ،أو عميل ،أو خائن ،أو
<د كتب <وم .وق<
<نين) إلى الي<
<د ( لي< غير ذلك ،من ( األكليشيهات ) المحفوظة عن الشيوعيين ،من عه<
<تراكيًا ).
( لينين ) إلى أحد أصدقائه يقول ( :إنه ال بأس بقتل ثالثة أرباع العالم ،ليكون الربع الباقي اش<
أما اإلسالم فيقوم على الشورى ،ويجعل النصيحة للحكام من لباب الدين ،ويربي أبن<<اء المجتم<<ع على
انتقاد المسيء بالرفق ،واألمر بالمعروف والنهى عن المنكر ،وينذر األمة إذا رأت الظالم فلم تأخذ على
يديه ،أن يعمها اهلل بعقاب من عنده.
أعلى
على أن اإلسالم يخالف تلك األنظمة الوضعية ،فيما هو أعمق من حرية الفرد ومنفع<ة المجتم<ع ،إن<ه
يخالفها جميعًا في الروح واألساس ،وفى الغاية واالتجاه ،وفى الهمة والوظيفة:
<ذي يعلم
<رع اهلل ال<
(أ) إن أساس النظام اإلسالمي ليس من ومع بشر ،وال من مع فئة من الناس ،إنه ش<
المفسد من الصلح ،والذي يريد لعباده اليسر وال يريد لهم اليسر.
<ك
< عن األخالق ،والمثل العليا .وإنما هم تل<
(ج) إن االقتصاد في تلك األنظمة المادية الوضعية ،مفصول
األنظمة زيادة اإلنتاج ،وتنمية الثروة الفردية أو الجماعية بأي طريق.
أما اإلسالم ..فاالقتصاد عنده خادم للقيم اإلسالمية ،والعقيدة اإلس<<المية ،واألخالق اإلس<<المية ،ف<<إذا
<ك <الم بتل<
<ال اإلس<تعارضت األغراض االقتصادية لألفراد أو المجتمع ،مع تلك القيم واألخالق ،لم يب<
األغراض ،وضحى بها قرير العين ،في سبيل الحفاظ على مبادئه وأهدافه وفضائله.
حر م اإلسالم حج المشركين ،وطوافهم بالبيت عرايا ،برغم ما كانت تجلب هذه السياحة الدينية ومن هنا ّ
من منافع مادية ألهل مكة ومن حولهم ،ولكن القرآن أهدر ذلك ووعدهم أن يعوضهم اهلل خيرًا مما فات
عليهم .يقول تعالى( :يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فال يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا،
<ة
<رقص ،أو حان< وإن خفتم عيلة ،فسوف يغنيكم اهلل من فضله إن شاء) فإذا كان افتتاح ناد للميسر أو ال<
لبيع الخمر يحقق منفعة اقتصادية ،كتشجيع السياحة ،والحصول على عمله أجنبية ،أو نحو ذلك ،فان هذه
<
<ول<المة العق<<اظ على س< <ه ،في الحف< المنفعة غير معتبرة في نظر اإلسالم ! ألنها تتعارض مع مبادئ<
واألبدان واألخالق والعقائد والعالقات .ولهذا حرم القرآن الخمر والميسر ،لما فيهما من إثم كب<<ير ،ولم
<ير<ا إثم كب<
<ل فهم< يعتبر ما فيهما من منافع اقتصادية لبعض الناس ( :يسألونك عن الخمر والميسر ،ق<
<
ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما).
انه يخالف الرأسمالية التي تسرف في تدليل الفرد ،وإعطائه من الحقوق حتى تضخم وطغى ،ويخ<<الف
<رد
الشيوعية إلى تسرف في تحطيم الفرد ،وإثقاله بالواجبات ،حتى ضمر وانكمش .إن األولى تحابى الف<
على حساب مصلحه المجتمع ،والثانية تحابي المجتمع على حساب حرية الفرد .وكال النظامين يس<<رف
في إعطاء الدنيا على حساب اآلخرة ،وإعطاء الجسم على حساب الروح واإلسالم وحده هو الذي ب<<رئ
من غلو الفريقين ،وجنوحهما إلى طرف اإلفراط أو التفريط.
<روح <ع ،و بين ال<<رد والمجتم< إنه النظام العدل الوسط ،الذي يوازن بين الحقوق والواجبات ،وبين الف<
والجسم ،وبين الدنيا واآلخرة ،بال طغيان وال إخسار .كما قال تعالى ( :أال تطغوا في الميزان و وأقيموا
الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان).
<وم
<ًا لق<
<ن من اهلل حكم<
<ذي ال يظلم(..ومن أحس<
وما ذلك إال ألنه شريعة اهلل التي ال تجوز ،وحكمه ال<
يوقنون).
أعلى
إلى الفهرس
الفصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل العاشر
اللهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو والفن
القراّن ينبه على عنصري المنفعة والجمال في الكون فن الجـمال المســـموع ( الغناء والموسيقى )
المؤمن عميق اإلحســاس بالجمــال في الكـون والحيــاة
فن الجمال المرئي ( الرسم والتصوير والزخرفة )
واإلنسان
إن هللا جميل يحب الجمال فن الفكاهة والمرح ( الكوميديا )
إلى الفهرس
إلى الفهرس
إلى الفهرس
المؤمن عميق اإلحساس بالجمالـ في الكون والحياة واإلنسان
إن المتجول في رياض القرآن يرى بوضوح :أنه يريد أن يغرس في عقل كل مؤمن وقلب<<ه الش<<عور
بالجمال المبثوث في أجزاء الكون من فوقه ومن تحته ومن حوله :في السماء ,واألرض ,والنب<<ات ,
والحي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<وان ,واإلنس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ان .
<ا من<ا له<
في جمال السماء يقرأ قوله تعالى ( :أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وم<
ف<<<روج ) ( , ولق<<<د جعلن<<<ا في الس<<<ماء بروج<<<ًا وزيناه<<<ا للن<<<اظرين ) .
<ل زوج <ا من ك< <ا فيه<
وفى جمال األرض ونباتها يقرأ ( :واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتن<
بهيج ) ( . وأن<<<زل لكم من الس<<<ماء م<<<ا ًء فأنبتن<<<ا ب<<<ه ح<<<دائق ذات بهج<<<ة ) .
<ون وحين <ال حين تريح< <ا جم< <ام ( :ولكم فيه< <ل عن األنع<
<اه قب<
وفى جمال الحيوان يقرا ما ذكرن<
تس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رحون ) .
وفى جمال اإلنسان يقرأ ( :وصوركم فأحسن صوركم ) (, الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما
ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء ركب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ك ).
إن المؤمن يرى يد اهلل المبدعة في كل ما يشاهده في هذا الكون البديع ,ويبصر جمال اهلل في جمال ما
<ه ) .
<يء خلق< <ل ش<<ن ك< <ذي أحس< خلق وصور ,يرى فيه ( صنع اهلل الذي أتقن كل شيء ) ( , ال<
<ل وعال .<ال اهلل ج<
<ر جم< <ه أث<
<ه ؛ ألن<
وبهذا يحب المؤمن الجمال في كل مظاهر الوجود من حول<
وهو يحب الجمال كذلك ؛ ألن « الجميل » اسم من أسمائه تعالى الحسنى وصفة من صفاته العال .وهو
يحب الجمال أيضا ,ألن ربه يحبه ,فهو جميل يحب الجمال .
إلى الفهرس
إلى الفهرس
القرآن معجزة جمالية
والقرآن الكريم آية اإلسالم الكبرى ,ومعجزة الرسول العظمى :يعتبر معجزة جمالية ,إضافة إلى أن<<ه
معجزة عقلية ,فقد أعجز العرب بجمال بيانه ,وروعة نظمه وأسلوبه ,وتفرد لحنه وموس<يقاه ,ح<تى
س<<<<<<<<<<<<<<ماه بعض<<<<<<<<<<<<<<هم :س<<<<<<<<<<<<<<حرًا .
وقد بين علماء البالغة وأدباء العربية وجه اإلعجاز البياني أو الجمالي في هذا الكتاب ,منذ عبد القاهر
إلى ال<<<<<رافعي وس<<<<<يد قطب وبنت الش<<<<<اطئ وغ<<<<<يرهم في عص<<<<<رنا .
<ال<ذا ق<ومن المطلوب في تالوة القرآن أن ينضم جمال الصوت واألداء إلى جمال البيان والنظم .وله<
تع<<<<<<<<<الى ( :ورت<<<<<<<<<ل الق<<<<<<<<<رآن ت<<<<<<<<<رتيال ).
<وت وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم « :زينوا القرآن بأصواتكم » , وفى لف<ظ آخر « : ف<إن الص<
الحس<<<<<<<<<<ن يزي<<<<<<<<<<د الق<<<<<<<<<<رآن حس<<<<<<<<<<نًا ».
وقال « :ليس منا من لم يتغن ب<القرآن » ولكن التغ<ني المطل<وب ال يع<ني التالعب أو التحري<ف.
وقال عليه الصالة والسالم ألبى موسى «:لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة ! لقد أوتيت مزم<<ارا
من مزامير آل داود » ! فقال أبو موسى :لو علمت ذلك لحبرته ل<<ك تحب<<يرا » !! يع<<نى :زدت في
تجوي<<<<<<<ده وإتقان<<<<<<<ه وتحس<<<<<<<ين الص<<<<<<<وت ب<<<<<<<ه .
<ه » <ر ب<
<القرآن ,يجه<<نى ب< <وت يتغ<<ن الص< <بي حس<<ا أذن لن<
<يء ,م< <ا أذن اهلل لش<
وقال « :م<
ولقد سمعت شيخنا الدكتور محمد عبد اهلل دراز رحمه اهلل يحكي لنا عن موقف ل<<ه في المجلس األعلى
لإلذاعة ,وقد كان عضوًا فيه :أنهم أرادوا أن يجعلوا وقت قراءة القرآن في االفتتاح والخت<<ام وبعض
الفترات محسوبا على نصيب الدين فقط ,فقال لهم :إن سماع القرآن ليس دينا فقط .إنه استمتاع أيضا
<.ب<<<الفن والجم<<<ال الم<<<ودع في الق<<<رآن ,والم<<<ؤدى بأحس<<<ن األص<<<وات
وهذا صحيح ,فالقرآن دين وعلم وأدب وفن معًا .فهو يغذي الروح ,ويقنع العقل ,ويوقظ الض<<مير ,
< اللسان .ويمتع العاطفة ,ويصقل
إلى الفهرس
التعبير عن الجمال
وإذا كان اإلسالم قد دعا إلى اإلحساس بالجمال وتذوقه وحبه ,فإنه قد شرع التعبير عن هذا اإلحس<<اس
والتذوق والحب بما هو جمال أيضًا .
إلى الفهرس
فنون القول واألدب
وأبرز ما يتجلى ذلك في فنون القول من الشعر والنثر والمقامة والقصة والملحمة ,وسائر فنون األدب ,
وقد استمع النبي صلى اهلل عليه وسلم إلى الشعر وتأثر به ,ومنه قصيدة كعب بن زهير الشهيرة « بانت
سعاد » وفيها من الغزل ما هو معروف ,وقصيدة النابغة الجعدي ,ودعا له ,ووظف الشعر في خدمة
الدعوة والدفاع عنها ,كما صنع مع حسان .واستشهد بالشعر كما في قوله « :أصدق كلمة قالها شاعر
:كلم<<<<<ة لبي<<<<<د :أال ك<<<<<ل ش<<<<<ئ م<<<<<ا خال اهلل باط<<<<<ل »
واستشهد أصحابه بالشعر ,وفسروا به معاني القرآن ,بل منهم من قاله ,وأجاد فيه ,كما ي<<روى عن
على ك<<<رم اهلل وجه<<<ه .وهن<<<اك ع<<<دد كب<<<ير من الص<<<حابة ك<<<انوا ش<<<عرا ء .
<د بن إدريس <ام محم< <ارك ,واإلم<وكثير من األئمة الكبار كانوا شعرا ء ,مثل اإلمام عبد اله بن المب<
الش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<افعي وغيرهم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا .
<حرا , وقال صلى اهلل عليه وسلم « إن من الشعر حكمة » « ,إن من البيان لسحرًا »« إن من البيان س<
وان من الش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<عر حكم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا » .
<ل , <ديح بالباط<
<عر الم< ومفهوم الحديث أن من الشعر ما هو بعيد عن الحكمة بل هو نقيضها ,مثل ش<
والفخر الكاذب والهجاء المتعدى ,والغزل المكشوف ,ونحو ذلك مما ال يتفق مع القيم األخالقية والمثل
العلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا .
<الهم<ذب أفع< <ذين تك< <ئ ,وال<ولهذا ذم القرآن الشعراء الزائفين والمزيفين ,الذين ال يتورعون عن ش<
أقوالهم .وذلك في قوله تعالى ( :والشعراء يتبعهم الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد يهيم<<ون * وأنهم
يقولون ما ال يفعلون * إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا اهلل كثيرًاً وانتصروا من بعد ما ظلموا
. ) . . .
فالشعر -واألدب عامة ,والفن بوجه أعم -له هدف ووظيفة ,وليس سائبا ,فهو شعر مل<<تزم ,وأدب
مل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<تزم ,وفن مل<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<تزم .
أما القوالب التي يظهر فيها الشعر أو األدب فال مانع من تغيرها وتطورها ,واقتباس ما يالئمنا مما عند
غيرن<<<<<<ا .المهم ه<<<<<<و اله<<<<<<دف والمض<<<<<<مون والوظيف<<<<<<ة .
اخترع العرب قديما قوالب في الشعر كالموشحات ,وغيرها .ولهذا ال بأس من قبول القوالب الجدي<<دة
في الش<<<<<<<<<عر المعاص<<<<<<<<<ر .كالش<<<<<<<<<عر الح<<<<<<<<<ر .
كذلك ابتكر العرب في العصور اإلسالمية قوالب أدبية كالمقامات ,والقصص الخيالية ,كما في « رسالة
الغفران » ,و « ألف ليلة وليلة » وترجموا مثل « كليلة ودمنة » ,وألف المتأخرون المالحم الش<<عبية
مث<<ل قص<<ة « عن<<ترة » ,وس<<يرة « ب<<نى هالل » إلى غ<<ير ذل<<ك من الق<<والب .
<ا ,كالمس<رحية وفى عصرنا يمكننا أن نستحدث من القوالب ما شئنا ,وأن نقتبس من غيرنا م<ا ينفعن<
والرواي<<<<<<<<<<<<<ة والقص<<<<<<<<<<<<<ة القص<<<<<<<<<<<<<يرة .
والذي نود تأكيده هنا هو ضرورة االلتزام بالعربية الفصحى ,والحذر من المحاوالت المشبوهة لترويج
اللهجات العامية المختلفة للشعوب العربية ,فإنها تهدف إلى المباعدة بينها وبين القرآن والس<<نة ,كم<<ا
تهدف إلى تثبيت الفرقة والتجزئة اإلقليمية ,التي تحرص على بقائها القوى المعادية للعروبة واإلسالم .
ويغني عن ذلك اللغة السهلة التي تفهم الجماهير العربية بها نشرات األخبار في اإلذاعة والتلفاز ,وتفهم
به<<<<<<ا الص<<<<<<حف ال<<<<<<تي تطالعه<<<<<<ا ك<<<<<<ل ي<<<<<<وم .
<إنهم ال
<ة ,ف<<ون العربي< <الم ممن يتعلم< كما أن الفصحى هي التي تقرب بين العرب وسائر أبناء اإلس<
يتعلم<<<ون إال الفص<<<حى ,وال يس<<<تطيعون التف<<<اهم م<<<ع الجمي<<<ع إال به<<<ا .
<رحية <ة كالمس< <المية األدبي<وقد وجهت إلي في أكثر من مكان أسئلة حول شرعية بعض القوالب اإلس<
والقصة ,حيث يخترع القصاص أو المؤلف المسرحي شخصيات ,وينطقها بأقوال وأمور لم تحدث في
الواق<<<ع ,فه<<<ل ي<<<دخل ه<<<ذا في دائ<<<رة الك<<<ذب المح<<<رم ش<<<رعًا ؟
وكان جوابي :أن هذا ال يدخل في الكذب المحظور :ألن السامع يعرف جيدا أن المقص<<ود ليس ه<<و
إخبار القارئ بوقائع حدثت بالفعل .إنما هو أشبه بالكالم الذي يحكى على ألسنة الطيور والحيوان<<ات ,
فهو من باب التصوير الفني واستنطاق األشخاص بما يمكن أن ينطقوا به في هذا الموقف .كم<<ا حكى
القرآن عما تكلمت به « النملة » أو نطق به « الهدهد » أمام سليمان عليه السالم .فمن المؤكد أنهما لم
يتحدثا بهذا الكالم العربي المبين ,إنما ترجم القرآن عما يمكن أن يكون قولهما في هذا الوقت ,وذل<<ك
الموق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ف .
وق<<<<<<د ش<<<<<<اركت شخص<<<<<<يًا في الت<<<<<<أليف المس<<<<<<رحي بعملين :
أحدهما :مسرحية شعرية عن « يوسف الصديق » عليه السالم .وذلك في مطلع حياتي األدبية ,وأن<<ا
<هيرة .<وقي الش< <رحيات ش< <ك بمس< <أثرًا في ذل<
<ة ,وكنت مت< في السنة األولى من المرحلة الثانوي<
والثاني :مسرحية تاريخية عن سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف ,سميتها «عالم وطاغية» وقد مثلت
<اق بين<ل ,واالتف<< قبوال حسنا .بخالف األولى ! ألنها تتعلق بقصة نبي مرس< في أكثر من بلد ,والقت
علماء العصر منعقد على أن األنبياء ال يمثلون .
إلى الفهرس
إلى الفهرس
شبهات مردودة
وهن<<<ا تع<<<رض لبعض الن<<<اس ش<<<بهات ,وت<<<دور في خ<<<واطرهم أس<<<ئلة :
إذا كان اإلسالم قد اعتبر إنسانية المرأة مساوية إلنسانية الرجل ,فما باله فضل الرجل عليها في بعض
<ة ,وبعض<ة الدول< المواقف واألحوال .كما في الشهادة ,والميراث ,والدية ,وقوامة المنزل ,ورياس<
األحك<<<<<<<<<<<<<ام الجزئي<<<<<<<<<<<<<ة األخ<<<<<<<<<<<<<رى ؟
والواقع أن تمييز الرجل عن المرأة في هذه األحكام ,ليس ألن جنس الرجل أكرم عند اهلل وأقرب إلي<<ه
<ته
من جنس المرأة .فإن أكرم الناس عند اهلل أتقاهم -رجال كان أو امرأة -ولكن هذا التمي<<يز اقتض<
الوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة .كما سنوضح ذلك فيما يلي :
الدية
الشهادة
الشهادة :
جاء في القرآن في آية المدينة التي أمر اهلل فيها بكتابة الدين واالحتياط له ( :واستشهدوا ش<<هيدين من
رجالكم ,فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تض<<ل إح<<داهما فت<<ذكر
إح<<<<<داهما األخ<<<<<رى ,وال ي<<<<<أب الش<<<<<هداء إذا م<<<<<ا دع<<<<<وا ).
وبهذا جعل القرآن شهادة الرجل تساوى شهادة امرأتين .كما قرر الفقهاء أن شهادة النساء ال تقب<<ل في
الح<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دود والقص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اص .
والحمد هلل أن هذا التفاوت ليس لنقص إنسانية المرأة أو كرامتها .بل ألنها -بفطرتها واختصاص<<ها -
ال تشتغل عادة باألمور المالية والمعامالت المدنية .إنما يشغلها ما يشغل النساء -عادة -من ش<<ئون
<ون <ًا .ومن ثم تك<
<انت أيم< البيت إن كانت زوجة ,واألوالد إن كانت أما ,والتفكير في الزواج إن ك<
ذاكرتها أضعف في شئون المعامالت .لهذا أمر اهلل تعالى أصحاب الدين إذا أرادوا االستيثاق لديونهم أن
<داهماال وامرأتين .وعلل القرآن ذلك بقوله ( :أن تضل إحداهما فتذكر إح< يشهدوا عليها رجلين أو رج ً
األخ<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رى ).
<اص . . <دود والقص< ومثل ذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء ,الذين لم يعتبروا شهادة النساء ,في الح<
<.بعدًا بالمرأة عن مجاالت االحتكاك ,ومواطن الجرائم .والعدوان على األنفس واألعراض واألم<<وال
فهي إن شهدت هذه الجرائم كثيرا ما تغمض عينها ,وتهرب صائحة مولولة ,ويصعب عليها أن تصف
<ال .<ذه الح<<ل ه< <دقيق في مث< <ل الت<<ابها ال تحتم<
< ,ألن أعص< <وح <ة ووض< <رائم بدق<
<ذه الج<
ه<
ولهذا يرى هؤالء الفقهاء أنفسهم األخذ بشهادة المرأة -ولو منفردة -فيما هو من شأنها واختصاصها ,
كشهادتها في الرضاع والبكارة والثيوبة والحيض والوالدة ,ونحو ذلك مما كان يختص بمعرفته النساء ,
في العص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ور الس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ابقة .
<ابعين -األخ<ذ بش<هادة النس<اء. على أن هذا الحكم غير مجمع عليه ,فمذهب عطاء -من أئم<ة الت<
ومن الفقهاء من يرى األخذ بشهادة النساء ,في الجنايات في المجتمعات التي ال يكون فيها الرجال عادة
مثل حمامات النساء ,واألعراس ,وغير ذلك مما اعتاد الناس أن يجعلوا فيه للنساء أماكن خاصة ,فإذا
<هادتهن<در ش< <ل ته< اعتدت إحداهن على أخرى بقتل أو جرح أو كسر ,وشهد عليها شهود منهن ,فه<
لمج<<رد أنهن إن<<اث ؟ أو تطلب ش<<هادة الرج<<ال في مجتم<<ع ال يحض<<رون في<<ه ع<<ادة ؟
الصحيح أن تعتبر شهادتهن ما دمن عادالت ضابطات واعيات .
أعلى
الميراث :
<اليفأما التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة ,فالواضح أنه نتيجة للتفاوت بينهما في األعباء ,والتك<
المالي<<<<<<<ة المفروض<<<<<<<ة على ك<<<<<<<ل منهم<<<<<<<ا ش<<<<<<<رعا .
فلو افترضنا أبا مات ,وترك وراءه ابنا وبنتا ,فاالبن يتزوج فيدفع مهرًا ,وي<<دخل بالزوج<<ة في<<دفع
نفقتها ,على حين تتزوج البنت فتأخذ مهرًا ,ثم يدخل بها زوجها ,فيلتزم بنفقتها ,وال يكلفها فلسًا ,وان
ك<<<<<<<<<<<<<<انت من أغ<<<<<<<<<<<<<<نى الن<<<<<<<<<<<<<<اس .
ال ,أخذ االبن منها مائة وأخته خمسين .فعندما يتزوج االبن فإذا كان قد ترك لهما مائة وخمسين ألفا مث ً
<ة
قد يدفع مهرًا وهدايا نقدرها مثال بخمسة وعشرين ألفا .فينقص نص<يبه ليص<بح ( ) 75000خمس<
وسبعين ألفًا .في حين تتزوج أخته فتقبض مهرًا وهدايا نقدرها بما قدرنا به ما دفع أخوها لمثلها .فهنا
يزيد نصيبها فيصبح ( ) 75000خمسة وسبعين ألفا .فتساويا .
أعلى
الدية :
<م -من<ة واألص< وأما الدية فليس فيها حديث متفق على صحته ,وال إجماع مستيقن بل ذهب ابن علي<
<ة
فقهاء السلف -إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية ,وهو الذي يتفق مع عموم النصوص القرآني<
والنبوية الصحيحة وإطالقها .ولو ذهب إلى ذلك ذاهب اليوم ,ما كان عليه من حرج ,فالفتوى تغ<<ير
بتغير الزمان والمكان .إذا كانت تتمشى مع النصوص الجزئية والمقاصد الكلية ؟
أعلى
القوامة :
وأم<<<<ا القوام<<<<ة ,فإنم<<<<ا جعله<<<<ا اهلل للرج<<<<ل بنص الق<<<<رآن ألم<<<<رين :
.1ما فضله اهلل به من التبصر في العواقب ,والنظر في األمور بعقالنية أكثر من المرأة التي جهزه<<ا
بجه<<<<<<<از ع<<<<<<<اطفي دف<<<<<<<اق من أج<<<<<<<ل األموم<<<<<<<ة .
<ذا
<ه .له<
<تنهدم على أم رأس< .2أن الرجل هو الذي ينفق الكثير على تأسيس األسرة .فلو انهدمت س<
سيفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرار تفكيكها .
أعلى
وأما مناصب القضاء ,والسياسة ,فقد أجاز أبو حنيفة أن تتولى القضاء ,فيما تجوز شهادتها في<<ه ,أي
<ات<وال وفي الجناي<<اء ,في األم<في غير األمور الجنائية ,وأجاز الطبري وابن حزم أن تتولى القض<
وغيره<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا .
وجواز ذلك ال يعنى وجوبه ولزومه ,بل ينظر لألمر في ضوء مصلحة المرأة ,ومص<<لحة األس<<رة ,
ومصلحة المجتمع ,ومصلحة اإلسالم ,وقد يؤدي ذلك إلى اختيار بعض النساء المتميزات في سن معينة
,للقض<<<<<<اء في أم<<<<<<ور معين<<<<<<ة ,وفي ظ<<<<<<روف معين<<<<<<ة .
<ذي<راع ال<<ل الص< وأما منعها من رئاسة الدولة وما في حكمها ,فألن طاقة المرأة -غالبا -ال تحتم<
تقتضيه تلك المسؤولية الجسيمة .وإنما قلنا « :غالبا » ,ألنه قد يوجد من النس<<اء من يكن أق<<در من
<نى على<ام ال تب<<رآن ,ولكن األحك<بعض الرجال ,مثل ملكة سبأ ,التي قص اهلل علينا قصتها في الق<
الن<<<ادر ,ب<<<ل على األعم األغلب ,وله<<<ذا ق<<<ال علماؤن<<<ا :الن<<<ادر ال حكم ل<<<ه .
وأما أن تكون مديرة أو عميدة ,أو رئيسة مؤسسة ,أو عضوًا في مجلس نيابي .أو نحو ذلك ,فال حرج
إذا اقتضته المصلحة ,وقد فصلنا ذلك بأدلته في الجزء الثاني من كتابنا « فتاوى معاصرة.»
أعلى
إلى الفهرس
إلى الفهرس
أمهات خالدات
ومن توجيهات القرآن :أنه وضع أمام المؤمنين والمؤمنات أمثله فارعة ألمهات صالحات .ك<<ان لهن
أث<<<<<<<<<<ر ومك<<<<<<<<<<ان في ت<<<<<<<<<<اريخ اإليم<<<<<<<<<<ان .
فأم موسى تستجيب إلى وحي اهلل وإلهامه ,وتلقى ولدها وفلذة كبدها في اليم ,مطمئنة إلى وعد ربها ( :
<ا رادوه <زني ,إن<وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ,فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال تخافي وال تح<
إلي<<<<<<<<<<<<<ك وج<<<<<<<<<<<<<اعلوه من المرس<<<<<<<<<<<<<لين ).
<ة اهلل أن
<يره ,داعي<وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محررا هلل ,خالصا من كل شرك أو عبودية لغ<
يتقب<<<<ل منه<<<<ا ن<<<<ذرها ( :فتقب<<<<ل م<<<<ني ,ان<<<<ك أنت الس<<<<ميع العليم ).
فلما كان المولود أنثى -على غير ما كانت تتوقع -لم يمنعها ذلك من الوفاء بن<<ذرها ,س<<ائلة اهلل أن
يحفظه<<ا من ك<<ل س<<وء ( :وأني أعي<<ذها ب<<ك وذريته<<ا من الش<<يطان ال<<رجيم ).
<ديق <وت هلل ,والتص<<رآن آي<ة في الطه<ر والقن< <ى ,جعله<ا الق<ومريم ابنة عمران أم المسيح عيس<
بكلماته ( :ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه
وكانت من القانتين).
إلى الفهرس
وأما سلطان األب على ابنته فال يتجاوز حدود التأديب والرعاية والتهذيب الديني والخلقي ,شأنها ش<<أن
إخوانها الذكور ,فيأمرها بالصالة إذا بلغت سبع سنين ,ويضربها عليها إذا بلغت عشرًا ,ويفرق حينئذ
<روج والكالم .
<ة والخ< <اس والزين< <الم في اللب<
<ا أدب اإلس<بينها وبين إخوتها في المضجع ,ويلزمه<
ونفقت<<<<<ه عليه<<<<<ا واجب<<<<<ة دين<<<<<ًا وقض<<<<<ا ًء ح<<<<<تى ت<<<<<تزوج .
وليس له سلطة بيعها أو تمليكها لرجل أخر بحال من األحوال ,فقد أبطل اإلسالم بيع الحر -ذكرًا كان
أو أن<<<<<<<<<ثى -بك<<<<<<<<<ل وج<<<<<<<<<ه من الوج<<<<<<<<<وه .
<اء
ال حرًا اشترى أو ملك ابنة له كانت رقيقة عند غيره ,فإنها تعتق عليه بمجرد تملكها ,ش< ولو أن رج ً
أم أبى ,بحكم ق<<<<<<<<<<<<<<<<<<<انون اإلس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<الم .
< . .وال يجوز له أن يزوجها وإذا كان للبنت مال خاص بها ,فليس لألب إال حسن القيام عليه بالمعروف
<اح<ه بـ « نك< لرجل آخر ,على أن يزوجه األخر ابنته ,على طريقة التبادل ,وهو المسمى في الفق<
الش<<غار » وذل<<ك لخل<<و ال<<زواج من المه<<ر ال<<ذي ه<<و ح<<ق البنت ال ح<<ق أبيه<<ا .
وليس لألب حق تزويج ابنته البالغة ممن تكرهه وال ترضاه .وعليه أن يأخذ رأيه<<ا فيمن تتزوج<<ه :
<اءأتقبله أم ترفضه .فإذا كانت ثيبا فال بد أن تعلن موافقتها بصريح العبارة ,وان كانت بكرًا يغلبها حي<
<ا على <لطة إجباره< <ه س<العذراء اكتفى بسكوتها ,فالسكوت عالمة الرضا ,فإن قالت :ال . .فليس ل<
ال<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<زواج بمن ال تري<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<د .
روى الجماعة عن أبى هريرة مرفوعا «: ال تنكح األيم حتى تستأمر وال البكر حتى تستأذن » .قالوا :
ي<<<<<ا رس<<<<<ول اهلل ,وكي<<<<<ف إذنه<<<<<ا ؟ ق<<<<<ال « :أن تس<<<<<كت ».
وروى الشيخان عن عائشة قالت :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم « :البكر تس<<تأذن .قلت :إن
البكر تستأذن وتستحي ! قال « :إذنها صماتها » ,ولهذا قال العلماء :ينبغي إعالم البكر بأن س<<كوتها
إذن .
<لىوعن خنساء بنت خدام األنصارية « :أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ,فأتت رسول اهلل ص<
اهلل علي<<<<<<<<<<ه وس<<<<<<<<<<لم ف<<<<<<<<<<رد نكاحه<<<<<<<<<<ا ».
<ا وهي <ا زوجه< وعن ابن عباس :أن جارية بكرًا أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فذكرت أن أباه<
كاره<<<<<ة ,فخيره<<<<<ا الن<<<<<بي ص<<<<<لى اهلل علي<<<<<ه وس<<<<<لم.
<ول على <رورة الحص< وفي هذا دليل على أن األب ال يتميز عن غيره في وجوب استئذان البكر ,وض<
<ا .
<ا وإذنه< <ا » أي يطلب أمره< <تأمرها أبوه<<ر يس< <يره « :والبك<
موافقتها .وفى صحيح مسلم وغ<
وعن عائشة :أن فتاة دخلت عليها ,فقالت :إن أبي زوجني من ابن أخيه ,ليرفع بي خسيسته ,وأن<<ا
كارهة .قالت :اجلسي حتى يأتي النبي صلى اهلل عليه وسلم ,فأخبرته ,فأرسل إلى أبيه<<ا ,ف<<دعاه ,
<اء من فجعل األمر إليها .فقالت :يا رسول اهلل :قد أجزت ما صنع أبي ,ولكن أردت أن أعلم :أللنس<
األم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ر ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يء » ؟.
<ولي<إن زوج األب أو ال< وظاهر األحاديث يدل على أن استئذان البكر والثيب شرط في صحة العقد ,ف<
الثيب بغير إذنها فالعقد باطل مردود ,كما في قصة خنساء بنت خدام ..وفي البكر :هي صاحبة الخيار
إن ش<<اءت أج<<ازت ,وان ش<<اءت أبت ,فيبط<<ل العق<<د كم<<ا في قص<<ة الجاري<<ة .
<ا
<زواج برض< <تى يتم ال<
<ا ,ح<ومن جميل ما جاء به اإلسالم :أنه أمر باستشارة األم في زواج ابنته<
األطراف المعنية كلها .فعن ابن عمر أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال « :آمروا النساء في بن<<اتهن
» .
<ه<ها إال بإذن<وإذا كان األب ال يحق له تزويج ابنته ممن ال ترضاه .كان من حقه عليها أال تزوج نفس<
لح<<<<<<<<<<<<ديث « :ال نك<<<<<<<<<<<<اح إال ب<<<<<<<<<<<<ولي ».
<رط أن <ا ,بش<ورأى أبو حنيفة وأصحابه أن من حق الفتاة أن تزوج نفسها ,ولو بغير إذن أبيها ووليه<
يك<<<<ون ال<<<<زوج كفئ<<<<ًا له<<<<ا .ولم يثبت عن<<<<دهم الح<<<<ديث الم<<<<ذكور .
< أن يتم الزواج بموافقة األب واألم واالبنة .حتى ال يكون هناك مجال للقيل والقال ,والخصومة واألولى
والش<<<<حناء ,وق<<<<د ش<<<<رع اهلل ال<<<<زواج مجلب<<<<ة للم<<<<ودة والرحم<<<<ة .
<ق <ه الخل<والمطلوب من األب أن يتخير البنته الرجل الصالح الذي يسعدها ويسعد بها ,وأن يكون هم<
<اكم من <ديث « :إذا أت< <ا .وفى الح<<ر كفؤه<والدين ,ال المادة والطين ,وأال يعوق زواجها إذا حض<
ترضون خلقه ودينه فزوجوه .إال تفعلوا تكن فتنة في األرض وفساد عريض » .وبهذا علم اإلسالم األب
<رض وتعطى لمن <لعة » تع<
أن ابنته « إنسان » قبل كل شيء ,فهي تطلب إنسانًا مثلها ,وليست « س<
يدفع نقودًا أكثر ,كما هو شأن كثير من اآلباء الجاهلين والطامعين إلى اليوم .وفى الح<<ديث « :أعظم
النكاح بركة أيسره مئونة ».
إلى الفهرس
إلى الفهرس
استقالل الزوجة
لم يهدر اإلسالم شخصية المرأة بزواجها ,ولم يذبها في شخصية زوجها ,كما هو الش<<أن في التقالي<<د
الغربية ,التي تجعل المرأة تابعة لرجلها ,فال تعرف باسمها ونسبها ولقبها العائلي ,بل بأنه<<ا زوج<<ة
فالن .
<مائهن<ول بأس< <ات الرس< <ا زوج< أما اإلسالم فقد أبقى للمرأة شخصيتها المستقلة المتميزة ,ولهذا عرفن<
وأنسابهن .فخديجة بنت خويلد ,وعائشة بنت أبى بكر ,وحفصة بنت عمر ,وميمونة بنت الح<<ارث ,
وص<<فية بنت ح<<يى ,وك<<ان أبوه<<ا يهودي<<ا محارب<<ًا للرس<<ول ص<<لى اهلل علي<<ه وس<<لم .
كما أن شخصيتها المدنية ال تنقص بالزواج ,وال تفقد أهليتها للعقود والمعامالت وسائر التصرفات ,فلها
أن ت<<بيع وتش<<تري ,وت<<ؤجر أمالكه<<ا وتس<<تأجر وتهب من ماله<<ا وتتص<<دق وتوكل
وتخاصم .وهذا أمر لم تصل إليه المرأة الغربية إال حديثًا ,وال زالت في بعض البالد مقيدة إلى حد ما
بإرادة الزوج .
إلى الفهرس
المرأة باعتبارها أنثى
ال للرجل ,كما أنه مكمل لها ,فليس قدر اإلسالم أنوثة المرأة ,واعتبرها -لهذا الوصف -عنصرًا مكم ً
<ه .<ه ونوع< <ال شخص< <ه على كم< <ا ل<
<ل عون<<ًا ,ب<
<ه وال منافس<أحدهما خصمًا لآلخر ,وال ن<دًا ل<
فقد اقتضت سنة اهلل في المخلوقات ,أن يكون االزدواج من خصائصها فنرى الذكورة واألنوثة في عالم
اإلنسان والحيوان والنبات ,ونرى الموجب والسالب في عالم الجمادات من الكهرب<<اء ,والمغن<<اطيس
<بروتون ) . <ترون وال< <البة ( اإللك<
وغيرها حتى الذرة ,فيها الشحنة الكهربائية الموجبة ,والشحنة الس<
والى ذلك أشار القرآن منذ أربعة عشر قرنًا فقال ( :ومن كل شيء خلقن<<ا زوجين لعلكم ت<<ذكرون ).
<ر . <دهما عن اآلخ< <نى ألح< <ه ,ال غ< <يء والزم< <ا ,والش<<ة وغطائه< <ثى كالعلب<
<ذكر واألن<فال<
ومنذ خلق اهلل النفس البشرية األولى -آدم -خلق منها زوجها -حواء -ليسكن إليه<<ا ,ولم يترك<<ه
وحده ,حتى ولو كانت هذه الوحدة في الجنة ,وكان الخطاب اإللهي لهما معا ,أمرًا ونهي<ًا ( :اس<كن
<المين ). <ا من الظ<<جرة فتكون< <ذه الش<<ا ه<أنت وزوجك الجنة وكال منها رغدًا حيث شئتما وال تقرب<
<ريم <رآن الك<
<ه ,والق<<ل نفس< <يء ال يكم< فالمرأة -بهذا -غير الرجل ,ألنها تكمله ويكملها ,والش<
<وجب . <ير الم<
<الب غ< <الب ,والس< <ير الس<<وجب غ< <ا أن الم<
يقول ( :وليس الذكر كاألنثى ) . كم<
ومع هذا لم تخلق لتكون ندًا له وال خصما ,بل هي منه وله ( :بعضكم من بعض ) ( , واهلل جعل لكم
من أنفس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<كم أزواج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا ).
واقتضت حكمة اهلل أن يكون التكوين العضوي والنفسي للمرأة يحمل عناصر الجاذبية للرج<<ل وقابلي<<ة
االنج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ذاب إلي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ه .
وركب اهلل في كل من الرجل والمرأة شهوة غريزية فطرية قوية تسوقهما إلى التجاذب واللق<<اء ح<<تى
تس<<<<<<<<<<<<<تمر الحي<<<<<<<<<<<<<اة ويبقى الن<<<<<<<<<<<<<وع .
<ل<ر ك< <ه حظ< <ة .ولكن<ومن ثم يرفض اإلسالم كل نظام يصادم هذه الفطرة ويعطلها ,كنظام الرهبن<
تصريف لهذه الطاقة على غير ما شرعه اهلل ورضيه من الزواج الذي هو أساس األسرة ,ولهذا ح<<رم
الزنى ,كما حرمته األديان السماوية كلها ,ونهى عن الفواحش ,ما ظهر منها وما بطن ,وسد كل منفذ
<راء .<ة واإلغ< <واعث الفتن< <ارة وب< <ل اإلث<
يؤدي إلى هذه الفواحش ,حماية للرجل والمرأة من عوام<
وعلى هذا األساس من النظر إلى فطرة المرأة ,وما يجب أن تكون عليه في عالقتها بالرجل ,يعام<<ل
اإلس<<<<<الم الم<<<<<رأة ,ويقيم ك<<<<<ل نظم<<<<<ه وتوجيهات<<<<<ه وأحكام<<<<<ه .
<ا وبين<ول بينه<<ه يح< إنه يرعى أنوثتها الفطرية ,ويعترف بمقتضياتها فال يكبتها وال يصادرها ,ولكن<
الطريق الذي يؤدي إلى ابتذالها ,وامتهان أنوثتها ,ويحميها من ذئاب البشر ,وكالب الص<<يد ,ال<<تي
تخط<<ف بن<<ات ح<<واء ,لتنهش<<ها نهش<<ًا ,وتس<<تمتع به<<ا لحم<<ًا ,ثم ترميه<<ا عظم<<ًا .
ونس<<<<تطيع أن نح<<<<دد موق<<<<ف اإلس<<<<الم من أنوث<<<<ة الم<<<<رأة فيم<<<<ا يلي :
.1إنه يحافظ على أنوثتها ,حتى تظل ينبوعًا لعواطف الحنان والرقة والجمال ,ولهذا أحل لها بعض ما
حرم على الرجال ,بما تقتضيه طبيعة األنثى ووظيفتها ,كالتحلي بالذهب ,ولبس الحرير الخالص ,فقد
ج<<<اء في الح<<<ديث « :إن ه<<<ذين ح<<<رام على ذك<<<ور أم<<<تي ح<<<ل إلن<<<اثهم ».
كما أنه حرم عليها كل ما يجافي هذه األنوثة ,من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها ,
<اءفنهى أن تلبس المرأة لبسة الرجل ,كما نهى الرجل أن يلبس لبسة المرأة ,ولعن المتشبهات من النس<
<ربالرجال ,مثلما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ,وفي الحديث « :ثالثة ال يدخلون الجنة وال ينظ<
اهلل إليهم يوم القيامة :العاق لوالديه ,والمرأة المترجلة -المتشبهة بالرجال -والديوث » . والديوث :
ال<<<<<<<<<ذي ال يب<<<<<<<<<الي من دخ<<<<<<<<<ل على أهل<<<<<<<<<ه .
<ة<ات ,مكفي<<ة النفق<<ل ,مكفول< < ,فيجعلها أبدًا في ظل رج<
.2وهو يحمي هذه األنوثة ويرعى ضعفها
< ,وف<<ق ش<<ريعة الحاجات ,فهي في كنف أبيها أو زوجها أو أوالدها أو أخوتها ,يجب عليهم نفقته<<ا
اإلسالم ,فال تضطرها الحاجة إلى الخوض في لجج الحياة وصراعها ومزاحمة الرج<<ال بالمن<<اكب .
.3وهو يحافظ على خلقها وحيائها ,ويحرص على سمعتها وكرامتها ,ويصون عفافه<<ا من خ<<واطر
ال من أي<<<دي الس<<<وء -أن تمت<<<د إليه<<<ا . الس<<<وء ,وألس<<<نة الس<<<وء -فض<<< ً
وله<<<<<<<<<<ذا ي<<<<<<<<<<وجب اإلس<<<<<<<<<<الم عليه<<<<<<<<<<ا :
( أ ) الغض من بصرها والمحافظة على عفتها ونظافتها ( :وقل للمؤمنات يغضض<<ن من أبص<<ارهن
ويحفظن ف<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<روجهن ).
( ب ) االحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعنات لها .وال تضييق عليها ( :وال يب<<دين زينتهن
<اتم ,
إال ما ظهر منها ,وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) . وقد فسر ( :ما ظهر منها ) بالكحل والخ<
وبالوج<<<<<<<<<<<ه والكفين ,وزاد بعض<<<<<<<<<<<هم :الق<<<<<<<<<<<دمين .
<ا
( جـ ) أال تبدي زينتها الخفية -كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين -إال لزوجها ومحارمه<
الذين يشق عليها أن تستتر منهم استتارها من األجانب ( :وال يبدين زينتهن إال لبعولتهن أو آب<<ائهن أو
<ا
آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو م<
<ورات <روا على ع< <ذين لم يظه< <ل ال<ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي اإلربة من الرجال أو الطف<
النس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء ).
<ا يخفين من زينتهن ) ( . فال <أرجلهن ليعلم م<<ربن ب<( د ) أن تتوقر في مشيتها وكالمها ( :وال يض<
ال معروفًا ) . فليس<ت ممنوع<ة من الكالم ,وليس تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قو ً
ال معروف<<<<ًا . ص<<<<وتها ع<<<<وره ,ب<<<<ل هي م<<<<أمورة أن تق<<<<ول ق<<<<و ً
( هـ ) أن تتجنب كل ما يجذب انتباه الرجل إليها ,ويغريه بها ,من تبرج الجاهلية األولى أو األخيرة ,
فهذا ليس من خلق المرأة العفيفة .وفي الحديث « :أيما امرأة استعطرت ثم خرجت من بيته<<ا ليش<<م
الناس ريحها فهي زانية » أي تفعل فعلها ,وان لم تكن كذلك ,فيجب أن تت<<نزه عن ه<<ذا الس<<لوك .
( و ) أن تمتنع عن الخلوة بأي رجل ليس زوجها وال محرمًا لها ,صونًا لنفسها ونفس<<ه من ه<<واجس
اإلثم ,ولس<<معتها من ألس<<نة ال<<زور « :ال يخل<<ون رج<<ل ب<<امرأة إال م<<ع ذي مح<<رم ».
( ز ) أال تختلط بمجتمع الرجال األجانب إال لحاجة داعية ,ومصلحة معتبرة ,وبالقدر الالزم ,كالصالة
في المسجد ,وطلب العلم ,والتعاون على البر والتقوى ,بحيث ال تحرم المرأة من المشاركة في خدمة
مجتمعه<<<<<ا ,وال تنس<<<<<ى الح<<<<<دود الش<<<<<رعية في لق<<<<<اء الرج<<<<<ال .
إن اإلسالم بهذه األحكام يحمي أنوثة المرأة من أنياب المفترسين من ناحية ,ويحف<<ظ عليه<<ا حياءه<<ا
وعفافها بالبعد عن عوامل االنحراف والتضليل من ناحية ثانية ,ويصون عرضها من ألسنة المف<<ترين
والمرجفين من ناحية ثالثة ,وهو -مع هذا كله -يحافظ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق ,ومن
<يرات <تى المث<الهزات واالضطرابات ,نتيجة لجموح الخيال ,وانشغال القلب ,وتوزع عواطفه بين ش<
والمهيج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ات .
وهو أيضا -بهذه األحكام والتشريعات -يحمي الرجل من عوامل االنحراف والقلق ,ويحمي المجتمع
كله من عوامل السقوط واالنحالل .
إلى الفهرس
االختالط المشروع
دخلت معجمنا الحديث كلمات أصبح لها دالالت لم تكن لها من قبل .من ذلك كلم<<ة « االختالط » بين
<ابعين -تلقى<حابة والت<<ر الص< <وة وعص< الرجل والمرأة .فقد كانت المرأة المسلمة -في عصر النب<
الرجل ,وكان الرجل يلقى المرأة ,في مناسبات مختلفة ,دينية ودنيوية ,ولم يك ذلك ممنوعًا بإطالق ,
بل كان مشروعًا إذا وجدت أسبابه ,وتوافرت ضوابطه ,ولم يكونوا يس<<مون ذل<<ك « اختالط<<ًا » .
ثم شاعت هذه الكلمة في العصر الحديث -وال أدري متى بدأ استعمالها -بما لها من إيحاء ,ينفر منه
<اء .
<كر بالم< <ط الملح أو الس<<ه ,كخل< <ه في<
حس المسلم والمسلمة ؛ ألن خلط شيء بشيء يعني إذابت<
<ييق ,<ديد والتض< المهم أن نؤكد هنا أن ليس كل اختالط ممنوعًا ,كما يتصور ذلك ويصوره دعاة التش<
وليس ك<<ذلك ك<<ل اختالط مش<<روعًا ,كم<<ا ي<<روج ل<<ذلك دع<<اة التبعي<<ة والتغ<<ريب .
ولقد تعرضت لهذا الموضوع مجيبا عن عدة أسئلة في الجزء الثاني من كتابي « فتاوى معاصرة » منها
<اء ,
<ال للنس< :ما يتعلق باالختالط ,وما يتصل بإلقاء السالم على النساء ,وبالمصافحة ,وعيادة الرج<
والنس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اء للرج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ال … الخ .
والذي أود أن أذكره هنا :أن الواجب علينا أن نلتزم بخير الهدي ,وهو هدي محمد ص<<لى اهلل علي<<ه
وسلم ,وهدي خلفائه الراشدين ,وأصحابه المهديين ,بعيدًا عن نهج الغرب المتحل<<ل ,ونهج الش<<رق
المتش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دد .
والمتأمل في خير الهدي يرى أن المرأة لم تكن كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين .فقد ك<<انت
<الم
امرأة تشهد الجماعة والجمعة ,في مسجد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,وكان عليه الصالة والس<
<رب <ف أق< < األخيرة خلف صفوف الرجال ,وكلما كان الص< يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف
<ون<ثرهم ال يعرف< <ان أك<<يء ,وك< إلى المؤخرة كان أفضل ,خشية أن يظهر من عورات الرجال ش<
<ير… <يج ,أو غ<<ب أو نس< <اء أو خش< <ل من بن< <اء أي حائ< <ال والنس<السراويل ,ولم يكن بين الرج<
وكانوا في أول األمر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق لهم ,فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول
والخروج ,فقال عليه الصالة والسالم « :لو أنكم جعلتم هذا الباب للنساء » . فخصصوه بعد ذلك لهن ,
وص<<<<<ار يع<<<<<رف إلى الي<<<<<وم باس<<<<<م « ب<<<<<اب النس<<<<<اء » .
وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة ,ويسمعن الخطبة ,حتى إن إحداهن حفظت سورة « ق
<ة .
<بر الجمع< <وق من< <معتها من ف< <ا س<
<ول م< <لم من ط< <ه وس< <لى اهلل علي<
» من في رسول اهلل ص<
وكان النساء يحضرن كذلك صالة العيدين ,ويشاركن في هذا المهرجان اإلسالمي الكبير ,الذي يض<<م
الكب<<<<ار والص<<<<غار ,والرج<<<<ال والنس<<<<اء ,في الخالء مهللين مك<<<<برين .
<ر ». <أة والبك<
<دين ,والمخب<<الخروج في العي< <ؤمر ب< <ا ن<
<الت « :كن< <ة ق<
روى مسلم عن أم عطي<
<حى : <ر واألض< <رجهن في الفط< <لم أن نخ<
<ه وس< وفى رواية قالت :أمرنا رسول اهلل صلى اهلل علي<
العواتق والحيض وذوات الخدور ,فأما الحيض فيعتزلن الصالة ,ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ,قلت
<ا ». <ا من جلبابه<<ها أخته<<ال « :لتلبس<<اب ,ق< <ا جلب<<ون له<<دانا ال يك<
<ول اهلل ,إح<
<ا رس< :ي<
وهذه سنة أماتها المسلمون في جل البلدان أو في كلها ,إال ما قام به مؤخرًا شباب الصحوة اإلس<<المية
الذي أحيوا بعض ما مات من السنن ,مثل سنة االعتكاف في العشر األواخر من رمضان ,وسنة شهود
النس<<<<<<<<<<<<<<اء ص<<<<<<<<<<<<<<الة العي<<<<<<<<<<<<<<د .
<ألن عن <لم ,ويس<<ه وس< <لى اهلل علي<
<بي ص< وكان النساء يحضرن دروس العلم ,مع الرجال عند الن<
أمر دينهن مما قد يستحي منه الكثيرات اليوم ,حتى أثنت عائشة على نساء األنص<<ار ,أنهن لم يمنعهن
<ة<ال والحيض واالستحاض< <ة واالحتالم واالغتس< الحياء أن يتفقهن في الدين ,فطالما سألن عن الجناب<
ونحوه<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا .
ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واس<تئثارهم برس<ول اهلل ص<لى اهلل علي<ه وس<لم ,فطلبن أن
يجعل لهن يوما يكون لهن خاصة ,ال يغالبهن الرجال وال يزاحمونهم وقلن في ذلك ص<<راحة « :ي<<ا
رسول اهلل ,قد غلبنا عليك الرجال ,فاجعل لنا يوما من نفسك » فوعدهن يوما ,فلقيهن في<<ه ووعظهن
وأم<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<رهن.
<ا<دين ,بم< <ة الجيش والمجاه< وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي في خدم<
يقدرن عليه ويحسن القيام به ,من التمريض واإلسعاف ,ورعاية الجرحى والمصابين ,بجوار الخدمات
األخ<<رى من الطهي والس<<قي وإع<<داد م<<ا يحت<<اج إلي<<ه المجاه<<دون من أش<<ياء مدني<<ة.
عن أم عطية قالت « :غزوت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,سبع غزوات ,أخلفهم في رحالهم ,
فأص<<<<<نع لهم الطع<<<<<ام وأداوى الج<<<<<رحى ,وأق<<<<<وم على المرض<<<<<ى ».
وروى مسلم عن أنس « :أن عائشة وأم سليم ,كانتا في يوم « أحد » مشمرتين ,تنقالن الق<<رب على
متونهما ( ظهورهما ) ثم تفرغانها في أفواه القوم ,ثم ترجعان فتمآلنها » , ووجود عائشة هنا -وهى
في العقد الثاني من عمرها -يرد على الذين ادعوا أن االشتراك في الغزوات والمعارك كان مقص<<ورًا
<تي <ف ال< على العجائز والمتقدمات في السن ,فهذا غير مسلم .وماذا تغني العجائز في مثل هذه المواق<
تتطلب الق<<<<<<<<<درة البدني<<<<<<<<<ة والنفس<<<<<<<<<ية مع<<<<<<<<<ًا ؟
<اولن وروى اإلمام أحمد :أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر « خيبر » :يتن<
السهام ,ويسقين السويق ,ويداوين الجرحى ,ويغزلن الشعر ,ويعن في سبيل اهلل ,وقد أعطاهن النبي
ص<<<<<<<<لى اهلل علي<<<<<<<<ه وس<<<<<<<<لم نص<<<<<<<<يبا من الغنيمة.
بل صح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات والمعارك اإلسالمية بحمل السالح ,عندما
أتيحت لهن الفرصة .ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم « أحد » ,حتى قال عنه<<ا
ص<<<<لى اهلل علي<<<<ه وس<<<<لم « :لمقامه<<<<ا خ<<<<ير من مق<<<<ام فالن وفالن ».
وكذلك اتخذت أم سليم خنجرا يوم « حنين » ,تبقر به بطن من يقترب منها .روى مسلم عن أنس ابنها
:أن أم سليم اتخذت يوم « حنين » خنجرًا ,فكان معها ,فرآها أبو طلحة ( زوجها ) فقال :يا رس<<ول
اهلل ؛ هذه أم سليم معها خنجر ! فقال لها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم « :ما هذا الخنجر » ؟ قالت :
<حك. <لم يض< اتخذته ,إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه ! فجعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وس<
وق<<<د عق<<<د البخ<<<اري باب<<<ًا في ص<<<حيحه في غ<<<زو النس<<<اء وقت<<<الهن .
<اورة <ارك المج< ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشاركة في الغزو عند المع<
والقريبة في األرض العربية كخيبر وحنين .بل طمحن إلى ركوب البحار ,واإلسهام في فتح األقط<<ار
البعي<<<<<<<<<دة إلبالغه<<<<<<<<<ا رس<<<<<<<<<الة اإلس<<<<<<<<<الم .
<ار ) ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ( أي نام وسط النه<
عند أم حرام بنت ملحان ( خالة أنس ) يومًا ,ثم استيقظ وهو يضحك ,فقالت :ما يضحكك يا رس<<ول
<ًا على<ر ,ملوك< اهلل ؟ قال « :ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل اهلل ,يركبون ثبج هذا البح<
األسرة -أو مثل الملوك على األسرة » ,قالت :فقلت :يا رسول اهلل :ادع اهلل أن يجعلني منهم ,فدعا
لها … فركبت أم حرام البحر في زمن عثمان ,مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص ,فص<<رعت
عن دابته<<ا هن<<اك ,فت<<وفيت ودفنت هن<<اك ,كم<<ا ذك<<ر أه<<ل الس<<ير والت<<اريخ .
وفى الحياة االجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير ,آمرة بالمعروف ,ناهية عن المنكر ,كما ق<<ال
< بعضهم أولياء بعض ,يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) . . . تعالى ( :والمؤمنون والمؤمنات
ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في المسجد في قضية المه<<ور ,ورجوع<<ه إلى
رأيها علنًا ,وقوله « :أصابت المرأة وأخطأ عمر » . وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النس<<اء ,
وق<<<<<<<<<<<<<<ال :إس<<<<<<<<<<<<<<نادها جي<<<<<<<<<<<<<<د .
وقد عين عمر في خالفته الشفاء بنت عبد اهلل العدوية محتسبة على السوق .والمتأمل في القرآن الكريم
<ذي وحديثه عن المرأة في مختلف العصور ,وفي حياة الرسل واألنبياء ال يشعر بهذا الستار الحديدي ال<
وض<<<<<<<<عه بعض الن<<<<<<<<اس بين الرج<<<<<<<<ل والم<<<<<<<<رأة .
فنجد موسى -وهو في ريعان شبابه وقوته -يحادث الفتاتين ابنتي الشيخ الكبير ,ويسألهما وتجيبانه بال
تأثم وال حرج ,ويعاونهما في شهامة ومروءة ,وتأتيه إحداهما بعد ذلك مرسلة من أبيها تدعوه أن يذهب
معها إلى والدها ,ثم تقترح إحداهما على أبيها بعد ذلك أن يستخدمه عنده ؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة
.
لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص ( :ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد
<ير * <يخ كب<من دونهم امرأتين تذودان ,قال ما خطبكما ,قالتا ال نسقي حتى يصدر الرعاء ,وأبونا ش<
<ي على فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءته إحداهما تمش<
استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ,فلما جاءه وقص عليه القصص قال ال تخف ,
نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما ,يا أبت استأجره ,إن خير من استأجرت الق<<وى األمين ).
وفى قضيه مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب ,ويسألها عن الرزق الذي يجده عندها ( :كلما دخل
عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا ,قال يا مريم أنى لك هذا ,قالت هو من عند اهلل ,إن اهلل يرزق
من يش<<<<<<<<<<<<<<اء بغ<<<<<<<<<<<<<<ير حس<<<<<<<<<<<<<<اب ).
وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر سليمان ( :قالت يا أيها المل<<ؤا أفت<<وني في
<انظري ً
قاطعة أمرًا حتى تشهدون * قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد واألمر إليك ف< أمري ما كنت
ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ,وك<<ذلك يفعل<<ون ).
وكذلك تحدثت مع سليمان عليه السالم وتحدث معها ( :فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ,قالت كأنه هو ,
وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون اهلل ,إنها كانت من قوم كافرين *
<وارير , <رد من ق< قيل لها ادخلي الصرح ,فما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقها ,قال انه صرح مم<
ق<<<<الت رب إني ظلمت نفس<<<<ي وأس<<<<لمت م<<<<ع س<<<ليمان هلل رب الع<<<<المين ).
<برةوال يقال :إن هذا شرع من قبلنا فال يلزمنا ؛ فإن القرآن لم يذكره لنا إال ألن فيه هداية وذكرى وع<
ألولي األلباب ,ولهذا كان القول الصحيح :أن شرع من قبلنا المذكور في القرآن والسنة هو شرع لنا ما
<ده ). <داهم اقت<
<دى اهلل ,فبه<
لم يرد في شرعنا ما ينسخه .وقد قال تعالى لرسوله ( :أولئك الذين ه<
إن إمساك المرأة في البيت ,وإبقاءها بين جدرانه األربعة ال تخرج منه اعتبره القرآن -في مرحلة من
مراحل تدرج التشريع قبل النص على حد الزنى المعروف -عقوبة بالغة لمن ترتكب الفاحشة من نساء
<هدوا<ائكم فاستش< <ة من نس< المسلمين ,وفي هذا يقول تعالى في سورة النساء ( :والالتي يأتين الفاحش<
ً
أربعة منكم ,فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل اهلل لهن سبيال ) . ً عليهن
ً
وقد جعل اهلل لهن سبيال بعد ذلك حينما شرع الحد ,وهو العقوبة المقدرة في الشرع حقًا هلل تعالى ,وهي
<ن . <نة للمحص< <ه الس<<اءت ب<<ذي ج< <رجم ال< <ن ,وال<
<ير المحص< <رآن لغ< <ه الق<الجلد الذي جاء ب<
<ة<لمة الملتزم< <ة للمس<فكيف يستقيم في منطق القرآن واإلسالم أن يجعل الحبس في البيت صفة مالزم<
المحتش<<<مة ,كأنن<<<ا به<<<ذا نعاقبه<<<ا عقوب<<<ة دائم<<<ة وهي لم تق<<<ترف إثم<<<ًا ؟
والخالصة :أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرما ,بل هو جائز أو مطلوب إذا ك<<ان
القصد منه المشاركة في هدف نبيل ,من علم نافع أو عمل صالح ,أو مشروع خير ,أو جه<<اد الزم ,
<ط<ا في التخطي< <تركا بينهم<أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين ,ويتطلب تعاونا مش<
والتوجيه والتنفيذ .
إلى الفهرس
شبهات أنصار االختالط المفتوح
هذا هو موقف اإلسالم ,وتلك وجهته في عالقة الرجل بالمرأة ,ولقائهما على البر والمعروف .وهو ما
عبرن<<<<<<<<ا عن<<<<<<<<ه بـ « االختالط المش<<<<<<<<روع » .
ولكن االستعمار الفكري صنع في بالدنا قومًا يصمون آذانهم عن حكم اهلل ورسوله ,وي<<دعوننا إلى أن
<ا !
<ا وأنوثته<
ندع للمرأة حبلها على غاربها ,حتى تثبت وجودها ,وتبرز شخصيتها ,وتستمتع بحياته<
تختلط بالرجل بال تحفظ ,وتخبره عن كثب ,فتخلو به ,وتسافر معه ,وتصحبه إلى السينما وتسهر معه
<ماع -<ة ال بالس<إلى منتصف الليل ,وتراقصه على نغمات الموسيقى ,وتعرف في تجوالها -بالتجرب<
الرجل الذي يصلح لها وتصلح له ,من بين من عرفتهم من األصدقاء والمعجبين ,وبهذا تستقر الحي<<اة
الزوجي<<<<<<ة ,وتص<<<<<<مد في وج<<<<<<ه العواص<<<<<<ف واألعاص<<<<<<ير !
< هؤالء الذين يزعمون أنهم مالئكة مطهرون :ال تخافوا على المرأة وال على الرج<<ل من ه<<ذا ويقول
االتصال المهذب ,والصداقة البريئة ,واللقاء الشريف ,فإن صوت الشهوة -لكثرة التالقي -سيخفت ,
وحدتها ستفتر ,وجذوتها ستخبو ,ويجد كل من الذكر واألنثى لذته في مجرد اللقاء واالستمتاع ب<<النظر
والحديث ,فإن زاد على ذلك فمراقصة ,هي ضرب من التعبير الفني الرفيع ! أما المتعة الحس<<ية فلن
<وا
<د أن فك<يصبح لها مكان ,إنه التصريف النظيف للطاقة ال غير وكذلك يفعل الغربيون المتقدمون بع<
عقدة الكبت والحرمان .
أعلى
أثر االختالط المطلق في المجتمعات الغربية :
إن األرقام والوقائع التي تفيض بها اإلحصاءات والتقارير ,هي التي تتكلم وتبين في هذا المجال ,لق<<د
ظه<<ر أث<<ر االنطالق الجنس<<ي ,ال<<ذي زالت ب<<ه الح<<واجز بين ال<<ذكر واألن<<ثى فيم<<ا يلي:
.1انحالل األخالق :
فانحالل األخالق وطغيان الشهوات ,وانتصار الحيوانية على اإلنسانية ,وضياع الحي<اء والعف<اف بين
النس<<<<اء والرج<<<<ال ,واض<<<<طراب المجتم<<<<ع كل<<<<ه نتيج<<<<ة ذل<<<<ك .
<ام
<اء ع< < األنب<
<االت
ولقد قال الرئيس الراحل « كنيدي » في تصريح مشهور له ,تناقلته الصحف ووك<
« : 1962إن الشباب األمريكي مائع مترف منحل ,غارق في الشهوات ,وان من بين كل سبعة شبان
يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين ,بسبب انهماكهم في الشهوات » .وأنذر بأن هذا الشباب خطر
على مس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<تقبل أمريك<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا .
وفي كتاب لمدير مركز البحوث بجامعة هارفارد بعنوان « الثورة الجنسية » يقرر المؤلف ,أن أمريكا
سائرة إلى كارثة في الفوضوية الجنسية ,وأنها تتجه إلى نفس االتجاه ,الذي أدى إلى سقوط الحضارتين
اإلغريقية والرومانية في الزمن القديم ,ويقول « :إننا محاصرون من جميع الجهات بتيار خط<<ر من
الجنس ,يغ<<رق ك<<ل غرف<<ة من بن<<اء ثقافتن<<ا ,وك<<ل قط<<اع من حياتن<<ا العام<<ة » .
<زة اإلعالم<ماح ألجه< <دم الس<ومع أن الشيوعيين قليلو التحدث عن مثل هذه األمور الجنسية ,ومع ع<
<ه أنوالتوجيه أن تتناولها ,إال أنه في عام 1962صدر تصريح للزعيم الروسي خروتشوف ,أعلن في<
الشباب قد انحرف وأفسده الترف ,وهدد بأن معسكرات جديدة قد تفتح في سيبيريا للتخلص من الشباب
المنح<<<<<<رف ,ألن<<<<<<ه خط<<<<<<ر على مس<<<<<<تقبل روس<<<<<<يا !
.2في انتش<<<<<<<<<ار األبن<<<<<<<<<اء غ<<<<<<<<<ير الش<<<<<<<<<رعيين :
وهى ظاهرة الزمة النطالق الغرائز ,وذوبان الحواجز بين الفتي<<ان والفتي<<ات ,وق<<د ق<<امت بعض
المؤسسات في أمريكا ,بعمل إحصاء للحبالى من طالبات المدارس الثانوية ,فكانت النسبة مخيفة جدًا .
ولننظ<<<ر م<<<ا تقول<<<ه أح<<<دث اإلحص<<<اءات به<<<ذا الص<<<دد ..تق<<<ول :
« إن أكثر من ثلث مواليد عام 1983في نيويورك هم « أطفال غير شرعيين » أي أنهم ولدوا خ<<ارج
نطاق الزواج ,وأكثرهم ولدوا لفتيات في التاسعة عشرة من العمر وما دونها ,وعددهم (353ر) 112
ال أي %37من مجم<<<<<<<<<وع موالي<<<<<<<<<د نيوي<<<<<<<<<ورك » !! . طف ً
.3ك<<<<<<ثرة الع<<<<<<وانس بين الفتي<<<<<<ات والع<<<<<<زاب من الش<<<<<<باب :
فإن وجود السبل الميسرة لقضاء الشهوة ,بغير تحمل تبعة الزواج وبناء األسرة ,جعل كثيرًا من الشباب
<د
<ع ,دون التقي< <ذة التنوي<
يختارون الطريق األسهل ,ويقضون أيام شبابهم بين هذه وتلك ,متمتعين بل<
بالحياة المتشابهة المتكررة كما يزعمون ! ودون التزام بتكاليف الزوجية المسؤولة ,واألبوة الراعي<<ة .
وكان من نتيجة ذلك وجود كثرة هائلة من الفتيات ,تقضى شبابها محرومة من زوج تسكن إليه ويسكن
<زاب <باب الع<إليها ,إال العابثين الذين يتخذونها أداة للمتعة الحرام ,ويقابل هؤالء الفتيات كثرة من الش<
المحرومين من الحياة الزوجية ,كما تدل على ذلك أحدث اإلحصاءات ,فقد ص<<رح م<<دير مص<<لحة
اإلحصاء األمريكية في 22من ذي القعدة 1402هـ ( الموافق 10سبتمبر -أيلول 1982-م ) « :
<زاب » . <كو من الع< <ان فرانسيس< <ة س< <كان مدين< أنه ألول مرة منذ بداية هذا القرن تصبح أغلبية س<
وأوضح « بروس شامبمان » في مؤتمر صحفي نظمته الجمعية االجتماعية األمريكية أنه « وفقا ألرقام
<ام
آخر تعداد فإن %53من سكان سان فرانسيسكو غير متزوجين » وأعرب عن اعتقاده بأن هذه األرق<
يمكن أن تك<<<<ون مؤش<<<<رًا على أف<<<<ول األنم<<<<وذج الع<<<<ائلي التقلي<<<<دي !!.
<تي زاد ع<دد وأضاف شامبمان « :إن هذه التغييرات االجتماعية مالئمة لتحقيق الرفاهية في المدينة ال<
سكانها من الش<باب بين 25و 34س<نة بمق<دار (4ر ) %40خالل العش<ر س<نوات األخ<يرة » .
<كلون 15 وقال « :إن التعداد لم يشمل عدد المصابين بالشذوذ الجنسي الذين يقطنون المدينة والذين يش<
%من الس<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<كان تقريب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ا » .
وال عجب بعد ذلك أن نقرأ في الصحف مثل هذا الخبر « :خرجت النساء السويديات في مظاهرة عامة
,تشمل أنحاء السويد ,احتجاجا على إطالق الحريات الجنسية في السويد ,اش<<تركت في المظ<<اهرة
<اج<ة االحتج< ( 000ر ) 100امرأة ,وسوف يقدمن عريضة موقعة منهن إلى الحكومة ,تعلن العريض<
على ت<<<<<<<<<<<<<<<<<<<دهور القيم األخالقي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة » .
<اهر<ل إلى التظ< <دد الهائ<
<ذا الع<إن فطرة المرأة وحرصها على مصلحتها ومستقبلها ,هو الذي دفع ه<
واالحتج<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اج .
.4ك<<<<<<ثرة الطالق وت<<<<<<دمير ال<<<<<<بيوت ألتف<<<<<<ه األس<<<<<<باب :
فإذا كان دون الزواج هناك عقبات وعقبات ,فإن هذا الزواج ,بعد تحققه غير مضمون البقاء ,فسرعان
م<<<<<<ا تتحطم األس<<<<<<رة ,وتنفص<<<<<<م الرواب<<<<<<ط ألدنى األس<<<<<<باب .
ففي أمريكا تزداد نسبة الطالق عامًا بعد عام إلى حد مفزع .والذي يقال عن أمريكا ,يق<<ال عن معظم
البالد الغربي<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ة .
.5انتش<<<<<<<<<<<<<ار األم<<<<<<<<<<<<<راض الفتاك<<<<<<<<<<<<<ة :
<د
<تي يع< <طرابات ال< <د واالض< انتشار األمراض السرية ,والعصبية ,والعقلية ,والنفسية ,وكثرة العق<
ض<<<<<<<<<<<<<حاياها بمئ<<<<<<<<<<<<<ات األل<<<<<<<<<<<<<وف .
ومن أشد األمراض خطرًا :ما اكتشف أخيرًا وعرف باسم « اإليدز » الذي يفقد المناع<<ة من الجس<<م
ويعرضه للتهلكة وغدا يهدد الماليين في أوروبا وأمريكا بأخطر العواقب ,كما دلت على ذلك التق<<ارير
<ذر<ا ح< <ذا م<<دق به< الطبية واإلحصاءات الرسمية التي نشرتها مجالت وصحف في العالم كله ,وص<
منه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيث قال في حديثه « :لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلن<<وا
<وا ». <ذين مض< <الفهم ال<
<ت في أس< <تي لم تكن مض< <اع ال<<اعون واألوج< <ا فيهم الط<
<ا إال فش<
به<
هذا غير األمراض العصبية والنفسية التي انتشرت عندهم انتشار النار في الهشيم ,وامتألت بمرض<<اها
المستش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<فيات والمص<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<حات .
<ا
<رها وأعاذن< <ا اهلل ش<
فهل يريد دعاة االختالط أن ينقلوا هذه العلل واألمراض إلى مجتمعاتنا وقد كفان<
منه<<<<ا ؟! أم أن ه<<<<ذه األرق<<<<ام واإلحص<<<<اءات غائب<<<<ة من أذه<<<<انهم ؟!
لقد زعم « فرويد » ومن تبعه من علماء النفس أن رفع القيود التقليدية عن الغري<<زة الجنس<<ية ي<<ريح
األعص<<<اب ,ويح<<<ل عق<<<د النف<<<وس ,ويمنحه<<<ا اله<<<دوء واالطمئن<<<ان .
ها هي القيود قد رفعت ,وها هي الغرائز قد أطلقت ,فلم تزد النفوس إال تعقيدًا ,ولم تزد األعصاب إال
توترًا ,وأصبح القلق النفسي هو مرض العصر هناك ,ولم تغن آالف العيادات النفسية عنهم شيئًا .
أعلى
إلى الفهرس
إلى الفهرس
.1إن الغرب وهو أكثر منا تقدمًا ورقيًا في مضمار الحضارة قد سبقنا إلى تشغيل المرأة ,فإذا أردن<<ا
ال<<<رقي مثل<<<ه فلنح<<<ذ ح<<<ذوه في ك<<<ل ش<<<ئ ف<<<إن الحض<<<ارة ال تتج<<<زأ .
.2إن المرأة نصف المجتمع ,وإبقاؤها في البيت بال عمل تعطيل لهذا النصف ,وضرر على االقتصاد
الق<<<<<ومي ,فمص<<<<<لحة المجتم<<<<<ع تقض<<<<<ي بعم<<<<<ل الم<<<<<رأة .
.3ومصلحة األسرة كذلك تقضى بعملها ,فإن تكاليف الحياة قد تزايدت في هذا العصر ,وعمل المرأة
يزيد من دخل األسرة ويعاون الرجل على أعباء المعيشة ,وخصوصا في البيئات المح<<دودة ال<<دخل .
<بيت<ارج ال<<المجتمع خ< .4ومصلحة المرأة نفسها تدعو إلى العمل ,فإن االحتكاك بالناس وبالحياة وب<
<ة .<دران األربع<يصقل شخصيتها ,ويمدها بخبرات وتجارب ,ما كان لها أن تحصل عليها داخل الج<
.5كما أن العمل سالح في يدها ضد عوادي الزمن ,فقد يموت أبوها أو يطلقها زوجه<<ا ,أو يهمله<<ا
أوالدها ,فال تذلها الفاقة والحاجة .وال سيما في زمن غلبت فيه األنانية ,وشاع فيه العقوق ,وقطيع<<ة
األرحام ,وقول كل امرئ :نفسي نفسي .
إلى الفهرس
إلى الفهرس
وهذا ال يعنى أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا ,فليس ألحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح
<وم . <و معل<<ا ه<<ة كم< <ة اإلباح<
<رفات العادي<
<ياء والتص<الثبوت ,صريح الداللة ,واألصل في األش<
وعلى هذا األساس نقول :إن عمل المرأة في ذاته جائز ,وقد يكون مطلوبًا إذا احتاجت إلي<<ه ,ك<<أن
<وع من ال ,وال مورد لها وال عائل ,وهي قادرة على ن<تكون أرملة أو مطلقة ,أو لم توفق للزواج أص ً
الكس<<<<<<<<<ب يكفيه<<<<<<<<<ا ذل الس<<<<<<<<<ؤال أو المن<<<<<<<<<ة .
وقد تكون األسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها ,أو تربي أوالدها ,أو إخوتها الصغار ,
أو تساعد أباها في شيخوخته ,كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الك<<ريم في س<<ورة
<اس القصص ,وكانتا تقومان على غنم أبيهما ,قال تعالى ( :ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الن<
يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ,قال ما خطبكما ,قالتا ال نسقي حتى يصدر الرعاء ,وأبون<<ا
ش<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<يخ كب<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<ير).
وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة ,كما في تطبيب النساء وتمريضهن ,وتعليم البنات ,
ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة .فاألولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها ,ال مع رجل ,وقب<<ول
الرجل في بعض األحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها ,وال تصبح قاعدة ثابتة .
ومث<<<ل ذل<<<ك إذا احت<<<اج المجتم<<<ع ألي<<<د عامل<<<ة ,لض<<<رورة التنمي<<<ة .
وإذا أجزن<<<ا عم<<<ل الم<<<رأة ,ف<<<الواجب أن يك<<<ون مقي<<<دًا بع<<<دة ش<<<روط :
.1أن يكون العمل في ذاته مشروعًا ,بمعنى أال يكون عملها حرامًا في نفسه ,أو مفضيًا إلى ارتك<<اب
< وظيفتها أن يخلو بها وتخلو حرام ,كالتي تعمل خادمًا لرجل أعزب ,أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي
به ,أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا ,أو عاملة في « بار » تقدم الخمر التي لعن رس<<ول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ساقيها وحاملها وبائعها ..أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها التزام زي غير
شرعي ,وتقديم ما ال يباح شرعًا للركاب ,والتعرض للخطر بسبب السفر البعيد بغير محرم ,بما يلزمه
من المبيت وحدها في بالد الغربة ,وبعضها بالد غير مأمونة ,أو غير ذلك من األعمال التي حرمه<<ا
اإلس<<<<الم على النس<<<<اء خاص<<<<ة أو على الرج<<<<ل والنس<<<<اء جميع<<<<ا .
.2أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها :في الزي والمش<<ي والكالم والحرك<<ة ( :وال
يبدين زينتهن إال ما ظهر منها ) ( , وال يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) ( , فال تخضعن
ال معروف<<<<ًا ). ب<<<<القول فيطم<<<<ع ال<<<<ذي في قلب<<<<ه م<<<<رض وقلن ق<<<<و ً
.3أال يكون عملها على حساب واجبات أخرى ال يجوز لها إهمالها كواجبها نحو زوجها وأوالدها وهو
واجبه<<<<<<<<<<<<ا األول وعمله<<<<<<<<<<<<ا األساس<<<<<<<<<<<<ي .
والمطلوب من المجتمع المسلم :أن يرتب األمور ,ويهيئ األسباب ,بحيث تستطيع المرأة المس<<لمة أن
تعمل -إذا اقتضت ذلك مصلحتها أو مصلحة أسرتها ,أو مصلحة مجتمعها -دون أن يخ<<دش ذل<<ك
حياءها ,أو يتعارض مع التزامها بواجبها نحو ربها ونفسها وبيتها ,وأن يكون المناخ العام مساعدًا لها
على أن تؤدى ما عليها ,وتأخذ ما لها .ويمكن أن يرتب لها نصف عمل بنصف أجر ( ثالثة أي<<ام في
<والدة <ازات ال<
<ذلك إج< <زواج ,وك<<ة في أول ال< األسبوع مث ً
ال ) .كما ينبغي أن يمنحها إجازات كافي<
<. واإلرض<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<اع
ومن ذلك :إنشاء مدارس وكليات وجامعات للبنات خاصة ,يستطعن فيها ممارسة الرياضات واأللعاب
<ة . <طة المختلف<<ة األنش<<رك وممارس< <ة في التح<<ير من الحري<<ون لهن الكث< المالئمة لهن ,وأن يك<
ومن ذلك :إنشاء أقسام أو أماكن مخصصة للعامالت من النساء في الوزارات والمؤسسات والبن<<وك ,
بع<<<<<<<<<<دًا عن مظ<<<<<<<<<<ان الخل<<<<<<<<<<وة والفتن<<<<<<<<<<ة .
إلى غ<<<ير ذل<<<ك من الوس<<<ائل ال<<<تي تتن<<<وع وتتج<<<دد ,وال يس<<<هل حص<<<رها .
واهلل يقول الحق ,وهو يهدي السبيل .
إلى الفهرس